ولكن بعض الإخوة ذكروا لي بأنَّ وجودي مستقرًّا في جامعتي سيكون له أهميَّةٌ كبرى من الناحية الدعويَّة وناحية الاستقرار الأسري والراحة من عناء السفر.
علما بأنَّني أسافر حوالي 2-4 أيام أسبوعيّا وأعود، وأنا مقتنعٌ بذلك، ولكني أشعر بمسئوليِّتي تجاه والديّ، وقد كبُرا في السنّ، خاصَّةً أنَّه ليس لي إلا أخٌ واحدٌ، ولا يوجد بنات، وهو يسعى للسفر الآن لتحسين وضعه المادي لكي يستطيع الزواج، فأرجو أن آخذ مشورتكم، وأن ينفعنا بكم بإذن الله.
مع خالص شكري وتقديري.
الجواب
أخي الكريم الدكتور عصام رعاك الله ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بعد اطلاعي على رسالتك، وسابق خبرتي وتجربتي في أمثال هذه الحالات والخيارات المتعارضة، ولا أقول المشكلات لأنَّها ليست كذلك، إذ الأمر لا يعدو أن يكون تمحيصًا لقضيَّةٍ عاديَّةٍ في ضوء الشرع أوَّلاً، وأبرز قواعده التي تقول: "إنَّ درء المفاسد يقدَّم على جلب المنافع" ، كما في ضوء المصلحة ثانيًا، إذ المعروف من الدين بالضرورة أنَّ الإسلام إنَّما جاء لمصلحة العباد في الحياة الدنيا ويوم التناد، أجيب بالتالي:
- لقد امتنّ الله عليك بالتوفيق في الدراسة حتى نلتَ شهادة الدكتوراه، وهذه نعمةٌ قد لا يحصل عليها كثيرٌ من الناس.. وأكرمك بالزواج الذي يكتمل به الدين، وهنالك الكثيرون الذين لا يستطيعون إليه سبيلاً، ولا أدري إن كنت قد رزقت ولدًا، وهذه من مفردات زينة الحياة الدنيا، ثمَّ وفقك الله بأن هيَّأ لك عملاً في مؤسَّسةٍ جامعيَّة هامَّة، وهنالك آلافٌ من حملة الشهادات العليا عاطلون عن العمل.
- يجب أن تدرك يقينًا أنَّ كلَّ ما أنت عليه اليوم من نعم هو من توفيق الله تعالى، ونتيجة برّ والديك، فإن أوصلك برُّك بهما ورضاهما عنك في الماضي إلى مثل ما أنت عليه من خيرٍ عميم، فإنَّهما اليوم – وقد أصبحا كبيرين - لبمسيس الحاجة إليك والأُنس بك وبأهلك وولدك، لتقرَّ أعينهما وتكتمل سعادتهما، ممَّا يعوِّضهما عن ضعف وعجز ووحشة الكِبَر، ولو كان على حساب وقتك وراحتك.. والأعمال بخواتيمها.
- إنَّ رأس مال المسلم في الحياة بعد نيله رضا الله تعالى، حصوله على رضا والديه مصداقًا لقوله تعالى: "وقضى ربُّك ألا تعبدوا إلا إيَّاه وبالوالدين إحسانًا".
وتذكَّر - أخي الكريم - أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأحدهم وقد جاء يستأذنه للخروج إلى الجهاد - وهو ذروة سنام الإسلام - لمَّا علم أنَّ له أبوين عجوزين، التفت إليه وقال: "ففيهما فجاهد" من حديث رواه أبو داود بسند صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم لآخر وقد جاء يشكو أباه من كثرة الطلب: "أنت ومالك لأبيك" رواه ابن ماجة بسندٍ صحيح.
أخي الكريم؛
احرصْ على أن تكون قريبًا من أبويك، وإيَّاك أن تفكِّر في تركهما إلى المحافظة الأخرى، بدعوى طلب الاستقرار والراحة والعمل الدعوي.
وكن على ثقةٍ أنَّك إن فعلت هذا ابتغاء وجه الله وطمعًا في رضا أبويك فإنَّ الله:
سيبارك لك في وقتك الذي تحسب أنَّك أضعتَه في السفر.
وسيخفِّف عنك عناء السفر ويطوي لك الأرض.
وسيهيئ لك من الراحة والاستقرار أضعاف ما كنت تنشده في الخيار الآخر.
وسيفتح لك أبواب العمل للإسلام، ويسخر لك العديد من فرص الدعوة إلى الله.
سأكون سعيدًا بمعرفة قرارك، وإنَّني لواثقٌ بسديد رأيك.
وفقك الله لما فيه رضاه.
المستشار : فتحي يكن .
المصدر : إسلام أون لاين
==============
. درجات المناصحة
إذا كان المدعو يكابر ويزايد ويعاند، فإن نصحته بأمر أصر عليه وبالغ في إظهاره.. هل ترك مناصحته أفضل؟
لي شقيق من هذا النوع إذا ناصحته صمم على ذنبه وحاول أن يظهر لي فرحته به وكأنه يستمتع بإغاظتي، وأنا أشفق عليه من العقاب، فهل الدعاء له كاف وترك المناصحة أفضل، علماً بأنني أدعوه برفق وحكمة وأحاول التقرب إليه بما يحب.
الجواب
من الحكمة في دعوة الآخرين والإنكار عليهم مراعاة تحقق النتيجة المرجوة، أو بعضها، ومقابلتها بالمفاسد والنتائج السيئة المتوقع حدوثها والتي قد لا يكون معها أي مصلحة مرجوة، ويكون ذلك بحسب فطنة الناصح ومعرفته بالآخرين وردود فعلهم، معرفة أكيدة وليست متوهمة، أعني بذلك أنه قد يوجد شعور مثبط في النفس يوهم بأن هذه النصيحة أو الكلمة ستؤدي إلى شر فيقعد عنها ويتركها، ولكن المقصود أن يعلم بتجربة سابقة- مثلاً- أنه سيترتب على النصيحة مفسدة ومنكر أعظم من الخطأ الذي كانت لأجله النصيحة كالحال الذي ذكرت.
فعلى ذلك أرى أن تقصري من نصح أخيك حماية له من الوقوع في المجاهرة والمكابرة وإظهار الفرح بالذنب الذي يظهر منه عند نصحك له , وفي هذه الأمور من الخطورة والوعيد ما يجعلك تكفين عن مناصحته حماية له منها، خاصة أنه لم يظهر منه أي استجابة.
وإذا رأيت أن طريقة النصح غير المباشر قد تكون مجدية معه ولا يحدث معها مثل ذلك فقومي بها؛ كإهداء الشريط والكتاب أو الرسالة مع مواصلتك الدعاء له، هداه الله تعالى بمنه وكرمه.
المستشار : أسماء الرويشد .
المصدر : الشبكة النسائية العالمية .
... ==============
. مذبذبة وأريدها داعية.. الأهم فالمهم
السلام عليكم ورحمة الله، أعرض عليكم مشكلتي بارك الله فيكم، والتي تتضمن حال إحدى المدعوات التي تعاني من شعور سيئ؛ وهو -كما تدعي- كراهيتها لأن تفعل أي عمل فيه خير، وذلك يشعرها بضيق، وتقول: "أحس أني أنا لست أنا عند عمل الخير، وأن هذا العمل ليس لي".(9/15)
والغريب أنها لا تمقت الخير؛ بل تحبني كداعية لأني على خير كما تقول، ودوما تشجعني على الثبات، وتقدر تفكيري وتُجلُّه، وتقول: "أتمنى أن أكون مثلك، ولو ليوم واحد ثم أموت". وقد يكون نتج هذا الشعور لديها بعد محاولات لعمل بعض الأعمال الخيرة ثم التراجع عنها، وكم أنصحها وأعلمها أن الله غفور رحيم، إلا أن التقدم بطيء.
وفي بعض الأحيان ورغم معزتها لي وقناعتها بصحة طريقي تفكر بالبعد عني بحجة أنها تعاني من صعوبة في سلوك طريق الخير! فتحس بأنها تائهة ومذبذبة وعاجزة عن إيجاد الراحة النفسية وهي بحالة التذبذب، وأن ما يمنعها من العودة للشر هو معرفتي، حتى إنها أحيانا تقول: "أتمنى أن أرجع كما كنت ولو أسوأ إنسانة بالكون، ولكن أريد أن أرتاح وأجد نفسي"!! فماذا تنصحونني؟ وهل من المجدي الاستمرار معها، علما بأنها تحسنت كثيرا، لكن ما زالت تحتاج للكثير من الصبر؟؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
الأخت الفاضلة، نرحب بك في موقعنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه فائدتكم وعونكم.
أختي العزيزة، كم هو جميل هذا الشعور المتأصل في داخلك بشعورك بمشاكل غيرك، واعتبارها مشكلتك الخاصة، وهذا دليل واضح على حرصك الشديد على العون ونشر الخير، والأخذ بيد الناس، فبارك الله فيكِ.
عزيزتي، لا بد من توضيح أمر سيسهل علينا كثيرا حل هذه المشكلة؛ وهو ما المقصود بالعمل الخيري أو التطوعي بشكل عام؟ هو ما تبرع به الإنسان من تلقاء نفسه؛ بحيث يقوم بعمل إيجابي تبرعا منه دون أن ينتظر مقابلا ماديا؛ بل ابتغاء رضا الله عز وجل وثوابه.
من التعريف السابق نستنتج أن الوصول لهذه المرحلة من العمل الخيري تحتاج تأهيلا مسبقا وإعدادا قويا في جوانب مهمة؛ فالعمل الخيري مرتبط برباط قوي بقوة إيمان الفرد؛ لأن هذا الإيمان القوي هو المحرك والدافع للقيام بأعمال خيرية بكل حب وطواعية.
لذا يا أختي العزيزة فمن المجدي الاستمرار مع صاحبتك هذه والصبر عليها، ولكن السؤال الهام هو: في أي اتجاه ستستمرين معها؟ لا بد من العمل في الاتجاه الذي تحتاجه هي في هذه الفترة. وأرى أنها الآن بحاجة للارتقاء بها إيمانيا وأخلاقيا؛ فنمو الناحية الإيمانية والأخلاقية هو ما يحض الفرد على العمل الخيري، ويشعره بالمسئولية تجاه الآخرين، ويجعله أكثر تحملا وصبرا، وبالتالي يكون ما سبق هو نقطة البداية لزميلتك.
إن هذه الأخت المدعوة فيها الخير الكثيرُ، ولكنها تحتاج تأصيلا وتأسيسا لهذا الخير حتى تقوى وتتشجع للاستمرار فيه، ولنبدأ بالأولويات التي تحتاج لها في هذه الفترة، وإليك بعض النصائح والخطوات التي يمكن أن تتبعيها معها:
- ساعديها في البداية على تقوية إيمانها والتقرب من الله تعالى أكثر بالحفاظ على الفرائض، وأداء النوافل، وأبواب النوافل من العبادات كثيرة، وذات تأثير قوي في زيادة الإيمان وتقويته، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه".
- نوِّعي في أساليب دعوتك لها، وحاولي استكشاف أكثر الأساليب التي تحبها، وحافظي على دعوتها بين كل فترة وأخرى لمجالس الذكر معك؛ لتزكية النفس ومجاهدتها.
- ابتعدي عن أسلوب الدعوة المباشرة، ولا تطلبي منها بشكل مباشر مشاركتك في أعمال خيرية، ولكن حاولي تفعيلها معك في بعض الأعمال التي تتناسب واستعدادها في هذه الفترة.
- تذكري أن أبواب الخير كثيرة ومتدرجة، وهي دائما تكون نقطة البداية، كما قال عليه السلام " "الإيمانُ بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستُّون شعبة؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (متفق عليه).
- قفي بجانبها وذكريها بأن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل، وساعديها أن تحافظ على تقربها من الله، وتقوية ثقتها بنفسها؛ فجهاد الإنسان لنفسه ومحافظته على ما أمر الله تعالى من أحب الأعمال إلى الله، وبها ننال رضاه وجنته إن شاء.
تلك بعض النصائح التي أسأل الله تعالى أن تفيدك وتعينك في دعوتك، ولا تنسي أن من أهم صفات الداعية إلى الله الصبر على المدعو، والدعاء له، ونحن نقوم بواجبنا، والهداية بأمر رب العالمين.
أخيرا.. من المؤكد أنه ليس كل المسلمين سيطرقون أبواب الخير والمشاريع الخيرية؛ فلكل فرد اتجاهات وميول يستطيع بها أن يخدم دينه وبلده بما يناسب قدراته وإمكانيته؛ لذلك لنضع جميعا هذا الأمر أمام أعيننا؛ فأبواب الخير لا تقتصر على المشاريع الخيرية والتطوعية؛ بل هي أوسع بكثير؛ فكل أمر يخدم شباب الوطن ويطورهم ويساعدهم هو باب من الخير، لنا فيه الأجر والثواب بعون الله.
نسأل الله تعالى التوفيق لكِ في دعوتك، وأن يرشدك دائما لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وتابعينا دائما بأخبارك، ولا تنسينا من صالح دعائك.
السائل : ر.ع.غ - السعودية .
المستشار : نور الإيمان محمد .
المصدر : إسلام أون لاين
==============
. لا بد من التدرج مع المدعو
في البداية يطيب لي أن أوجه شكري الجزيل على ما تقدمونه من جهود، أسأل الباري أن يجعلها في موازين حسناتكم. ولي استشارة أرجو أن يتسع وقتكم لتشيروا علي بما يمكن أن افعله.(9/16)
أنا وكيلة لمدرسة فيها جميع المراحل الدراسية، وقد بدأت عملي منذ ثلاثة أشهر فقط، من خلالها بدأت التعرف على الطالبات والاحتكاك بهن، ومحاولة علاج جوانب القصور الديني لدى بعضهن، خصوصاً طالبات المرحلة الثانوية، محتسبة أجري على الله تعالى.
أردت استشارتكم في طالبة كانت على غير طريق الاستقامة، فقد كانت غير محجبة وتستمع إلى الأغاني، إلى غيرها من المعاصي - أسأل الله أن يعفو عنها ويغفر لها -. ومنذ شهرين تقريباً تركت الأغاني وعزمت على عدم العودة إليها، وبدأت تستمع إلى المحاضرات الدينية، والأناشيد الإسلامية، استغللت الفرصة فحادثتها على انفراد، وطلبت منها أن تعتبرني أختها، وأخذت أحادثها بين الفينة والأخرى وأناصحها ، وطلبت منها أن تبتعد عن كل سلوك غير لائق. منذ ثلاثة أيام تقريباً لاحظت تأخرها عن صلاة الجماعة التي تقام في المدرسة فأبديت استيائي منها وتضايقي، ولما جاءت إلي في نهاية الدوام الدراسي لتسلم علي رفضت علامة غضبي عليها. بعد هذا اليوم لم أشاهدها تصلي في المسجد، ولما تأكدت تبين لي هروبها وعدم صلاتها لغير عذر، مما جعلني أتضايق من نفسي، وأتهم نفسي بأني المتسببة لما وصلت إليه. أرجو أن تشيروا علي بما ينبغي علي عمله، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
نشكرك يا من رمزت لنفسك بـ "مستشيرة" على ثقتك بالموقع وتواصلك معه. ونرجو أن نقدم لكِ ما ينفعك، ذكرت في رسالتك أنك وكيلة مدرسة وأنك مهتمة بمشاكل الطالبات، وأنك تحاولين معالجة جوانب القصور لديهن. اعلمي ـ يا عزيزتي ـ أنه لا يبقى لكِ من عملكِ إلا ما احتسبت به وجه الله تعالى، وأن العمل الدعوي من خير الأعمال وأحبها إلى الله ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) . وللدعوة في هذا الزمان أهميتها العظمى، خاصة بين فتيات في عمر الزهور مقبلات على الحياة بحلوها ومرها؛ فهؤلاء هن ربات بيوت المستقبل وأمهات الجيل القادم، فاجتهدي لتقديم كل ما بوسعك لتكوني سبباً لصلاحهن؛ فإن صلاحهن صلاح المجتمع.
ذكرت ـ يا عزيزتي ـ طريقة معالجتك لسلوكيات تلك الفتاة التي تحسنت بعض الوقت ثم رجعت إلى ما كانت عليه، اعلمي ـ يا أختي ـ هذه النتيجة طبيعية، إذا لم يكن هذا التغير على أساس سليم من فهم كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والعقيدة السليمة في الخوف من الله والرجاء في عفوه ومغفرته.
لا بد أن تراجعي نفسك في الأساليب التي استخدمتها مع هذه الطالبة، هل كان اهتمامك منصبا على الشكل ونسيت الاهتمام بالقلب وترسيخ الإيمان بالله والخوف من عقابه والرجاء في ثوابه، لا تلومي نفسكِ كثيراً، بل راجعيها، وما زال لكِ في الوقت متسع.
إياكِ واليأس والقسوة والعنف أو الهجران في غير محله، بل لا بد من التغاضي أحياناً والدعوة بلطف ومحبة وصبر وود ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) .
كما لا بد من التدرج مع المدعو في اللين والقسوة، لا تستخدمي القوة والتوبيخ إلا إذا كان هناك أمر عظيم وبعد محاولات شتى ولمدة طويلة.
لا تيأسي وأعيدي علاقتك الطيبة بتلك الطالبة وتناسي أخطاءها وركزي على محاسنها، احرصي على الاهتمام بها وتشجيعها، ولا تكثري النصح كلما قابلتها، واسألي عن أحوالها وحاولي حل مشكلاتها.. حببيها لنفسك بالكلمة الطيبة، بالابتسامة الصادقة، بإهداء الأشرطة والكتيبات المؤثرة؛ فلعل لها أثرها..
ثم انتبهي لصاحباتها، واطلبي من الطالبات الموثوقات احتواءها ومد جسور الود والمحبة معها، وذلك بتقديم المساعدات التي تحتاج لها، سواء في شرح درس لها أو تلبية طلب من طلباتها، والتعاون معها بأي شكل من الأشكال، ومصلى المدرسة خير محتضن لأمثال هؤلاء.
نسأل الله لك المعونة والثبات، وأن تكون هؤلاء الطالبات شاهداً لنا لا علينا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المستشار : الجوهرة حمد المبارك .
المصدر : لها اون لاين
=============
. رفقاء الدعوة.. أدوات تثبيط ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
إخواني:
أنتم تعلمون أنَّ اختلاف الدعاة مصيبةٌ من مصائب الدعوة، ولكنَّها تحدث.
أنا أمارس العمل الدعويَّ في الجامعة والحمد لله، لكنَّني كلَّما أردت القيام بأيٍّ نشاطٍ مفيدٍ في مجال الدعوة في الكلِّيَّة، أجد معارضةً من أحد الزملاء معي في موقع العمل.. وهذه المعارضة ليست على العمل.. إنَّما لتثبيط العزيمة.
أنا والله أحبُّ مجال الدعوة هذا، لكنَّني لا أجد قبولاً أو مؤازرةً عند التنفيذ.
أعمل كثيراً على جذب هذه الأصوات المعارضة واستشارتها في كلِّ الأعمال، وما من فائدة.
خلافاتنا تؤثِّر كثيراً على جوِّ العمل، وأنا أخاف على عزيمتي وحبِّي للعمل.
الجواب
الأخت الكريمة هبة حفظها الله ووهبنا وإيَّاها الصبر والمصابرة، وثبَّتنا على دينه القويم وصراطه المستقيم.
اعلمي -أختي الكريمة– أنَّ ما تكابدينه في موقع العمل من مثبِّطاتٍ ومعوِّقاتٍ يكاد يكابده كلُّ داعيةٍ في موقعه، ومن الأقربين قبل الأبعدين... ما عليك إلا الصبر، والثبات، وكظم الغيظ، ومتابعة الطريق، مع صعوبة ذلك ومراراته، كما يصوِّره الشاعر بقوله:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مرارةً...على النفس من وقع الحسام المهنَّدِ .(9/17)
واعلمي كذلك أنَّ الناس معادن، وأنَّهم أنواعٌ شتى، وإن كانوا مسلمين أو إسلاميَّين، فمنهم المنتِج، ومنهم المستهلِك، ومنهم العامل المتحرِّك، ومنهم القاعد عن العمل الكسول، ومن هؤلاء من هو متعاونٌ مشجِّع، وآخر مثبِّطٌ مقرف، بل إنَّ بين أولئك وأولئك من هو منشغلٌ في الإعمار والبناء، ومن هو للهدم والإرجاف، وصدق الشاعر حيث يقول:
متى يبلغ البنيان يوماً كماله....... إن كنتَ تبنيه وغيرك يهدم
لو ألف بانٍ خلفهم هادمٌ كفى....... فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
إنَّ من الشكر لله على نعمة العمل للإسلام والدعوة إليه والجهاد في سبيله، أن نصبر على وعثاء الطريق ومكارهها، وطريق الجنَّة كما أخبرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوفةٌ بالمكاره: "حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات"رواه مسلم، والشكر إنَّما يكون بالمثابرة والمجالدة مع نصح هؤلاء، لأنَّ الدين النصيحة.
ثمَّ لابدَّ من إدراك حقيقةٍ من حقائق خلق الله تعالى، وهي أنَّ كلَّ إنسانٍ ميسَّرٌ لما خُلِق له، وإنَّ كلَّ واحدٍ يعمل على شاكلته، وصدق ربُّنا سبحانه حين قال: "قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربُّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا".
وحقيقةٌ أخرى –ولكنَّها مخيفة– وهي أنَّ ما يُنعِم الله على عبدٍ من عباده من خير له ثمنه، وعليه شكره، وثمنه وشكره المحافظة عليه، وعدم التبرُّم به والتضجُّر منه، وإلا سلبه إيَّاه، وأعطاه عبداً آخر من عباده، ولن يضرَّه شيئا، وسيجزي الله الشاكرين:
"ومن جاهد فإنَّما يجاهد لنفسه إنَّ الله لغنيٌّ عن العالَمين".
وأخيرا، أيَّتها الأخت الكريمة، أدعوك إلى تجديد نمط وأسلوب العلاقة بزميلاتك، فالقلوب جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها، وحاولي أن تستكشفي سبب مواقفهنَّ السلبيَّة، فلعلَّ لهنَّ عذراً لا تعرفينه فتوفَّقين إلى معرفته ومعالجة أسبابه، وإن لم تتمكَّني من استكشاف شيءٍ فالتمسي لهنَّ العذر، وقولي: "لعلَّ لهنَّ عذراً لا أعرفه"، ثمَّ لا تنسَي أن تدعي لهنَّ بالهداية في ظهر الغيب، وبذلك تنالين شرف الإحسان.
فصبرٌ جميل، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
المستشار: د.فتحي يكن.
المصدر : إسلام أون لاين
==========
. التأنِّي.. التسويف.. التخذيل.. ودعوة أخي
السلام عليكم، سؤالي هو كيف يفرق الداعية بين التأنِّي والحكمة في الدعوة وبين التسويف وتخذيل الشيطان له؟
مثال: لديَّ أخٌ أعلم منه أخطاء، وقد يعلم أنَّني أعلم بعضها، ولديَّ الرغبة في نصحه، لكنِّي أجد من نفسي ترددا، فأحياناً أجد الحماس لمناقشته ونصحه، وأحياناً أخرى أجد منها نوعاً من التريُّث أوالتكاسل بحجَّة الخوف من ردَّة الفعل والعواقب، فكيف أعلم أيُّهما أصحّ؟
السؤال عامٌّ ومتفرِّع، وأظنُّ الإجابة تختلف باختلاف الأحوال، فأرجو التفصيل، وأودُّ سماع تعليق الدكتور فتحي يكن.
الجواب
أخي السائل الكريم، إنَّ مهمَّتك حيال الحالة التي طرحتها دقيقة، وتحتاج إلى كثيرٍ من الصبر والأناة والحكمة، وقد يكون مطلوباً ابتداءً اطمئنان نفسك إلى أنَّ ما تقوم به من عمل إنَّما تبتغي به وجه الله، بعيداً عن الهواجس الشيطانيَّة المثبِّطة للهمَّة، المسبِّبة للحيرة والقلق.
يجب أن تدرك ابتداءً أنَّ مهمَّة الداعية هي من أشرف المهمَّات وأكرمها عند الله تعالى، وأجزلها أجراً وثوابا، لما تحتاجه من صبرٍ ودرايةٍ ورعاية، وحكمةٍ وقدوة، وتجرُّدٍ وتضحية،
وصدق الله تعالى حيث يقول: (ومن أحسن قولاً ممَّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنَّني من المسلمين)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لامَسَ صميم هذا المعنى بقوله لعليٍّ رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمُر النَّعم"متَّفقٌ عليه.
وأودُّ أن أخلص من كلِّ ما سلف إلى القول بأنَّنا كدعاةٍ مدعوُّون إلى الكثير والكثير من حسن الظنِّ بالله، ممَّا يولِّد الثقة بالنفس، والأخذ بالأسباب ومتابعة المهمَّة الرساليَّة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتي تفرض تخوُّل الآخرين بالنصيحة، والتيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، فما يحتاج إلى الملامسة لامسناه، وما يحتاج إلى الإنكار أنكرناه، وما يستوجب التحذير حذَّرنا منه، وما يتطلب التشجيع شجَّعنا عليه، كلُّ ذلك بحسب طبيعة من نرعاه ونتعهَّده، مصداقاً
لقول عليٍّ رضي الله عنه: "أُمِرتُ أن أخاطب الناس على قدر عقولهم".
إنَّ علينا أن ندرك ونحن نقوم بكلِّ ذلك أنَّنا نفرغ جهدنا ونبذل وسعنا، وأنَّنا قد نخطئ ونصيب، وقد نحسن ونسيء، إنَّما من غير تعمُّدٍ لخطأٍ أو إساءة، مُحتسبين أمرنا عند الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وكفى به رقيباً وحسيبا.
أخي الكريم، إنَّ ممارستك لمهمَّتك الدعويَّة على هذا النحو من شأنه أن يقذف في قلبك السكينة والاطمئنان، ويجعلك على بيِّنةٍ من الأمر، ووضوحٍ في التصرُّف، فلا يخالط "التأنِّي والحكمة" هاجس "التسويف والتكاسل"، قال سبحانه: (… ومن يتوكَّل على الله فهو حَسْبه إنَّ الله بالِغُ أمْرِهِ قد جعل الله لكلِّ شيءٍ قَدْرا)، ومع صادق الدعاء لك بالتوفيق والسداد.
المستشار: د.فتحي يكن.
المصدر : إسلام أون لاي
=============
. عدم خدمتي لهذا الدين يؤرقني
بسم الله الرحمن الرحيم..
سلام من الله عليكم ورحمة الله وبركاته..(9/18)
أستاذتي الحبيبة رقية المحارب وفقك الله، أنا أسطر هذه الكلمات بكل حرقة والله شهيد على ما أقول، منّ الله علي بنعم كثيرة من أكبرها وأتمها الإسلام، أحفظ كتاب ربي بل وأدرس في خير الأقسام (القرآن) لكن ما يؤرقني ليل نهار ويقض مضجعي عدم خدمتي لهذا الدين، نعم حتى وإن بدت كبيرة أريد أن أخدم ديني، طالما رددت عندما كنت صغيرة (أريد أن أصبح داعية)، العمر يتقدم وأرى الدين يحتاجنا وأظل مكتفة اليدين لا أسهم ولو بالشيء القليل، أحاول وأحاول لكن أجد كل الأبواب مغلقة، أملك كثيراً من المقومات، أريد أن أطور نفسي، لا أحد يساعدني، أريد من يشير علي حتى ولو بتوزيع المنشورات، أفرح كثيراً حينما أرى هذا المنظر وأتمنى أن أشاركهم ما الحل؟ أوقاتي ضائعة مهدرة لكن لعل وعسى يكتب الله لي الأجر وأنا أتدارس كتابه أحتسب ذلك إن شاء الله، أريد أن أصبح فاعلة، أريد تطبيق ما أحفظه وتعليمه للناس، هل أنتظر إلى أن أتخرج وأواصل رسالة القرآن عن طريق التدريس لكني عاهدت الله أن لا أسعى لهدف دنيوي من دراستي للقرآن وعلومه.
أستاذتي العزيزة يعلم الله نيتي وكم أفكر في هذا الموضوع، أرشديني ماذا أفعل؟ وكيف ابدأ؟ وهل مازال هناك وقت أم فات الأوان؟ جمعني الله وإياك في مستقر رحمته.
الجواب
الأخت السائلة بارك الله فيك ونفع بك، أنت على خيرمادمت تعلمت لهذا الهدف، والحمد لله الذي وجهك لتعلم كتابه، وهذه النية المباركة لتدريس القرآن من العمل الصالح، وإذا كنت لا تزالين في مرحلة الدراسة فلديك مناشط كثيرة تحتاج منك إلى مشاركة كالبرامج الدعوية من توزيع نشرات وإعلانات وتدريس طالبات الجامعة في المصلى والأخذ بيد من هم أصغرمنك خاصة المستجدات، والسؤال عنهن وإهداؤهن الكتب أو الأشرطة، والاتصال بمن تعتقدين قدرتك التأثير عليها، كذلك الاجتهاد في طلب العلم واكتساب المهارات التي ستحتاجين إليها مستقبلا، كما أوصيك بضرورة ملازمة القرآن حفظا وتفسيرا وقياما به: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، وعليك باستغلال وقتك بكثرة القراءة في الكتب النافعة، واحرصي كثيرا على الاجتهاد في دراستك خاصة وأنت تدرسين في قسم القرآن، ولا يفوتك احتساب الأجر في دراستك والله يحفظك وينفعك بعلمك.
المستشار : الدكتورة رقية المحارب.
المصدر : لها أون لاين.
... =============
. الصحبة للصالحات والدعوة لكل أحد
السلام عليكم.. أنا طالبة في الثانوية، التزمت قبل سنة تقريبا، لكني وجدت من حولي دائما يسخرون مني، ويعتبروني متشددة، مع أنه ليس فيّ تشدد، وهذا حتى مع أقرب صديقاتي، فكلما أريد نصحهم وتوجيههم، سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر، يصدون عني ولا يتقبلون مني، حتى ولو كلمة واحدة.. على الرغم من أن أسلوبي - ولله الحمد والمنة - أسلوب سلس جدا، وأحاور الناس بالعقل، وأحاول ترغيبهم دائما، وأخبرهم أن محبة الله هي أساس الحياة السعيدة، وأخبرهم عن سعادتي حين وجدت الطريق للالتزام..
لكن المشكلة أن صديقاتي قد ساروا في طريق العلاقات المشبوهة وغيرها، وأنا لم أكن أعلم بهن، ولم تُظهر لي أي واحدة منهن ذلك؛ لأنهن يخفن أن أنصحهن أو أتركهن.. ولما علمت بهذا الأمر ابتعدت عنهن، وحاولت أن أكون دائما في المصلى، ومع الطالبات الصالحات، و أقوي علاقتي بهن.. والآن سمعة صديقاتي قد تشوهت في أفكار الجميع، فأصبحوا يعتبرون كل من تمشي مع هذه المجموعة أخلاقها كأخلاقهم.. وأنا لا أريد أن أبتعد عن صديقاتي كثيرا؛ لكي أستطيع دائما أن آمرهن بالمعروف وأنهاهن عن المنكر..
ومنذ أن التزمت أصبحت مهتمة بالدعوة، فأحاول أن أدعو كل من حولي، وأريد أن أصلح مجتمعي .. وأريد أن أصاحب الصالحات، ولكن الصالحات منغلقات على أنفسهن، ولا يتقبلن أي زميلة تريد أن تنضم إليهن. لا أدري ما أفعل؟
أرشدوني كيف أصلح من حولي؟ وكيف أغير هذه الفكرة التي في أذهان زميلاتي بحيث أنضم إلى الصالحات؟
جزاكم الله خيرا،ً وبارك فيكم، ورزقكم أعلى جنانه.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الأخت المباركة ـ وفقها الله ـ :
أولاً: شكر الله لك، وكثر من أمثالك. ثم إياك إياك.. أن يأخذك الحماس للدعوة فتنسي نفسك، بل ينبغي لك بدءاً أن تعتني عناية كاملة بتزكية نفسك قلبا وقالبا، روحا وبدنا، علما وعملاً، عبادة ودعاء، خوفا ورجاء، محبة وخضوعا، بكاء وطمعا، صلاة وصياما، برا وصلة وإحسانا.
ثانيا: عليك أن تنتقلي من صحبتك السابقة السيئة إلى الصحبة الجديدة الصالحة، ولا يجوز لك أن تستمري في صحبة تلك الفتيات البعيدات عن الاستقامة على الدين، كما قال تعالى: {الأْخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}، وفي السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الحاكم والنووي، وقال ابن مفلح: إسناده جيد. وعلى هذا فقولك: "مع العلم بأنني لا أريد أن أبتعد عن صديقاتي كثيرا"، ليس بصواب؛ فهؤلاء الفتيات لسن صديقات لك، وعليك بالحذر الشديد؛ فقد ينعكس الأمر سلبا عليك في دينك وأخلاقك وسمعتك.(9/19)
ثالثاً: لا يعني هذا ترك الدعوة أبداً، ولكن الصاحب شيء والمدعو شيء آخر، فالصحبة لا تكون إلا للصالحات، وأما الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فلكل أحد. رابعاً: أنت في بداية طريق سلكه الأنبياء عليهم السلام، وهو طريق صعب فيه بلايا ومحن، كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء". ومهما بذلت من أساليب الدعوة الحكيمة والحسنة؛ فلا تطمعي أن يستقبل الناس كلهم أو أكثرهم دعوتك بالثناء والمدح.. لا؛ فإن هذا لم يتحقق حتى لأعلم وأحكم وأصدق وأفصح وأحسن وأجمل وأكمل الدعاة رسولنا صلى الله عليه وسلم. فلا تضيقي من هذا الأمر؛ فقد بشرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله "ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم.
رابعاً: ما ذكرته عن الصالحات أنهن "منغلقات على أنفسهن ولا يتقبلن أي زميلة تريد أن تنضم إليهن".. إن كان ذلك وقع منهن بالفعل؛ فهو خطأ بيِّن ظاهر، كيف وقد قال الله عن حال أهل الإيمان مع من كان على الكفر: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وقد قال صلى الله عليهم وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن قاله الحافظ، وقال ابن مفلح: إسناده صحيح.
جعلك الله من أهله وخاصته، و وفقك لمرضاته، ورزقك أنت أيضا أعلى جناته.
المستشار:عصام بن صالح العويد .
المصدر: لها أون لاين
================
. أريد فعل الخير ونشر الدعوة.
أرغب في نشر الدعوة، ولا أجد من يساعدني في ذلك، وأنفعل دائما وأكون في حاله مزاجية سيئة.. أرغب في فعل الخير ولا أجد من يساعدني؛ حتى إني أصبحت أطلب بعض النشرات الدعوية من زوجة جاري التي بدورها تطلبها من زوجها، وأشعر أني أثقل عليها.. أريد فعل الخير بشكل أوسع..أرجو تزويدي بأساليب أستطيع فعلها..
وادعوا لي بزوج صالح.
الجواب
أولاً: أشكر لك حرصك على الدعوة ... ومجالات الدعوة ـ ولله الحمد ـ كثيرة جداً، وكذلك الأساليب والوسائل، والحديث في ذلك يطول، لكني أحيلك إلى الكتب والرسائل المؤلفة في ذلك، وهي أيضاً كثيرة، وما عليك إلا أن تقصدي إحدى المكتبات الكبيرة، أو دور النشر، وتتوجهي إلى قسم الكتب الدعوية، وتختاري منها ما يعينك على الدعوة. وأوصيك مع ممارسة الدعوة: بالحرص على طلب العلم الشرعي من مصادره الموثوقة؛ حتى تكون دعوتك على بصيرة، فإنَّ العلم هو أساس الدعوة.
والله الموفق.
المستشار : محمد عبد العزيز عبد الله المسند .
المصدر : لها أون لاين
==============
. تعبت مع نفسي الأمارة بالسوء .
أشكر لكل القائمين هنا، وجعلها الله في موازين حسناتكم...
أنا طالبة في ثالث ثانوي... أحببت الدعوة إلى الله فاتخذته منهجيتي في الحياة.. وسلكت مسلكه.. فأخذت اطرق أبواب الخير ولكن فوجئت بعدم الإجابة.. مثلا في يوم أردت توزيع الملابس على الفقراء ولكن سد الباب في طريقي، ليس من الأهل.. ولكن من عدة جهات... ومرة أردت جمع الحقائب المدرسية المستعملة ومن ثم توصيلها لمن يحتاجون إليها... ولكن كلما أخبر أحدا عن هذا المشروع ـ وأنا لا أذكر أنني أنا التي أجمعها كي لا يدخل الشيطان ـ يتحمس في البداية.. ولكن مثلا يصاب بالعجز، وكنت احرص على تذكيره فأبوء بالفشل..
وحصل معي هذا عدة مرات، فعلمت إنه يجب علي إخلاص النية، ولكن الشيطان يدخل علي من حيث لا أحتسب، وأتعوذ وأدعو ربي أن أكون صادقه معه.. فتعبت مع نفسي الأمارة بالسوء، وأيضا في رمضان كنت لا أبكي أثناء الصلاة إلا قليلا فيضيق صدري ضيقا عظيما، وأيضا أدعو ربي أن أكون بكاءة من خشيته.. ولكن حينما أصلي بجانب صديقتي أو من أعرف فإني أبكي بكاء متواصلا لدرجه أنك تقولين لي حينما ترينني: هذه "إنسانة" تقية.. فأرى الرياء قد سيطر على قلبي، وجاهدت نفسي مرارا وتكرارا، فكيف أتخلص من ذلك.
الجواب
أختي المباركة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما أجمل أن يكون الإنسان داعياً إلى الخير؛ لأننا لا نريد أن نعيش في هذه الحياة لأنفسنا واهتماماتنا فقط، بل نريد أن تكون أعمارنا عامرة بفعل الخيرات لله رب العالمين.. إنَّ الإحسان إلى الفقراء دليل خير على صدق الدعوة إلى الله، وهذا يبشر بامرأة قادمة تنتظر الأمة منها الخير الكثير، لكن تحتاجين إلى أن تكوني متفائلة ومستفيدة من خبرات الغير في أعمال الخير بهذا المجال، بما في ذلك مجالسة صاحبات الهمم، ويصاحب ذلك خطوات في التنفيذ حتى لا تكون الفكرة أسيرة في ذواتنا، لأنَّ هناك فرق بين من يفكر ومن ينفذ، وتذكري أنَّ ربّ همة أحيت أمة.
أختي: أوافقك في الرأي بأنَّ النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي؛ لأنَّ النفوس بطبعها تحتاج إلى غسل النوايا من حين إلى حين (ربنا آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها).. ولكن ثقي بأنَّ الإنسان متى ما صدق مع ربه أتاه التمكين ولو بعد حين، وكثيراً ما يحرمنا الخوف من الرياء من الخيرات، ولو أننا خفناه لما كتبت إليك هذه السطور، وخير معين في هذا "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم".
وأما الضيق الذي تجدينه فهو دليل على صدق العمل مع الله..
أختي المباركة: إننا في هذه الحياة كعابري سبيل، فأوقدي شمعة ضياؤها حب الدعوة إلى الله في هذه الأمة.
شرح الله صدرك وأنار دربك بمحبته ورضاه.(9/20)
المستشار : يوسف بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميدان .
المصدر : لها أون لاين
=============
. ما حكم استخدام الصور للأمور الدعوية؟
ما رأيكم في تضمين المواضيع الدعوية أو النافعة من نوع العروض التقديمية باستخدام الحاسوب (شيئاً من الصور كصور الأطفال)؛ وذلك لجذب الجمهور حول القضية المطروحة وترغيباً فيها؟
الجواب
التصوير من المحرمات التي شدد الشارع الحكيم في الزجر عنها، فتوعد صاحبها بالنار، واللعن، في عدة أخبار معلومة في هذا الباب.
ولذا فإن الأصل في التصوير والصور المنع والتحريم، حتى تقوم حاجة تبيح هذا المحرم وترفع هذا الأصل.
وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم استخدام الصور للأمور الدعوية والثقافية ونحوها.
والذي يظهر لي أن في الأمر تفصيلاً فيقال:
- إن لم تقم حاجة داعية إلى ذلك، أو لم يكن الأمر ذا بال، فيبقى الأصل محفوظاً وهو المنع.
- أما إذا قامت حاجة إلى التصوير، وعرض الصور، وكان الأمر مهماً، ويفيد في قناعة المشاهدين، كالأمور التي تتعلق بمآسي المسلمين وعرض صور عنها؛ فأرجو أن لا بأس بذلك.
وبذلك فإنك – وفقك الله – تنظرين: إن كان لأمر مجرد جذب وتقديم ونحوه؛ فالأصل المنع. وإن كان الأمر يتعلق بأمر مهم فلا بأس حينئذ.
وبكل حال فإنه لا ينبغي التعنيف على من أخذ بأحد القولين في المسألة، إلا فيمن تجاوز الحد، ويبقى الأصل كما ذكرنا بالمنع منه.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يشرح صدرك للإسلام، وأن ينفع بك المسلمين، وأن يزيدك حرصاً واهتماماً وإخلاصاً، وأن يوفقك لكل خير.. وجميع أخواتنا المؤمنات.. آمين.
المستشار : محمد بن عبد العزيز بن إبراهيم الفائز .
المصدر : لها أون لاين .
===============
. حكم صرف الزكاة للمناشط الدعوية
هل يجوز إخراج الزكاة إلى قنوات الدعوة إلى الله ونشر الإسلام مثل مراكز الإرشاد وتوعية الجاليات وغيرها ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الخلاف بين العلماء من السلف والخلف في هذا الأمر معلوم، بناء على مفهوم معنى (سبيل الله)، في آية مصارف الزكاة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل" [التوبة: 60]، وهل المراد بـ "سبيل الله" في الآية هو الجهاد بمعناه العام كما في الحديث: "جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم" أخرجه أبو داود (2504)، والنسائي (3096).
وقد أجاز سماحة المفتي العام للملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله (صحة صرف الزكاة في إعداد القوة بالدعوة إلى الله، وكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، وهو من أعظم ما يكون في سبيل الله) ا.هـ.
وقد نظر المجمع الفقهي بمكة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله- هل تدخل الدعوة في معنى "سبيل الله؟" في آية الزكاة قال: (ينتهي المجلس إلى أن أجاز بالأكثرية المطلقة دخول الدعوة إلى الله وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى "سبيل الله" في الآية الكريمة) ا.هـ.
ولي بحث منشور في هذا الخصوص استوفيت فيه الأقوال وأدلتها، ورجحت الجواز، واسم الكتاب (مصرف "وفي سبيل الله" بين العموم والخصوص). من أراد التوسع فليقرأه. والله أعلم.
المراكز الدعوية من الزكاة
المجيب أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الزكاة/مصارف الزكاة
التاريخ 16/02/1426هـ
المصدر : منتدى الرائد للدعاة المتميزين - ناصح
===============
. مشكلة ملل الدعاة .
هناك ظاهرة سلبية في أوساط الشباب الذين بقوا فترة غير يسيرة مثلاَ عقد من الزمن أو أكثر في مجال النشاط التربوي فالآن بعد هذه الفترة عدد منهم لا يرغبون في النشاطات التربوية من الدرس الأسبوعي إلى الحضور إلى مجالس إيمانية أو استماع محاضرة أو مجلس وعظ وتذكير وما إلى ذلك مع اقتناعهم الكامل بالأخذ بالمنهج وبضرورة العمل التربوي كحجر أساس للعمل الدعوي السليم. ما سبب هذه الظاهرة وكيف نعالجها؟ و جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء
الجواب
هذه المشكلة أخي الكريم مشكلة عامة شائعة، وأسبابها متشعبة كثيرة، منها ما هو متعلق بالأفراد أنفسهم، ومنها ما هو متعلق بطريقة تربيتهم، ومنها ما له كبير الصلة بحالة الجمود وعدم مواكبة العصر، وهي الحالة التي اعترت الكثير من القائمين على العمل الإسلامي، فلزموا حالة واحدة لم تراع اختلاف الزمان، ولا تغير الأفكار، ولا تعدد البلاد، ولا تنوع طرق التفكير.
يقول الدكتور فتحي يكن في توصيف المشكلة: "هذه المشكلة تعكس حالة الجمود وعدم التجدد في واقع العمل الإسلامي المعاصر، فضلاً عن التخلف عن واقع العصر وعدم الأخذ بالأسباب والإمكانات المتوافرة فيه.
إن السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربوية والدعوية، وبذلك تبقى "التربية" استفادة بدون إفادة، كما تبقى "الدعوة" أخذاً بدون عطاء.
أما المنهج الإسلامي – قرآناً وسنّة وسيرة وتاريخاًً – فيعتبر العطاء ثمرة الأخذ والتلقي، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية"رواه البخاري والترمذي.
وهل أدل على هذا المعنى من قوله تعالى "لا خير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس... الآية"؟.
وفي ضوء هذا التصور تصبح "التربية" كما"الدعوة" مفردات في إطار "المشروع الإسلامي" الذي يهدف إلى إصلاح وتغيير الواقع الاجتماعي، كما يصبح لكل فرد دوره في هذا المشروع.
* النظرية التربوية:(9/21)
إن هذه الاعتبارات الموضوعية وغيرها تفرض على الحركة الإسلامية أن تعمل على إعادة النظر في نظريتها التربوية، وتعمد إلى تطويرها بما يتكافأ والدور الموكول إليها.
إن النظرية التربوية للمشروع الإسلامي يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة تربية الأمّة، وإلى نظرية تصلح لأن تُبنى عليها السياسات التربوية في المؤسسات الأهلية والرسمية على حد سواء.
* النظرية الدعوية:
وما يقال عن ضرورة إعادة النظر في النظرية التربوية يجب أن يُقال كذلك في النظرية الدعوية، تربية وخطاباً وأداءً ونهجاً ووسائل وآليات.
لم يعد جائزاً بقاء الدور الدعوي محصوراً في خطبة الجمعة والمناسبات التاريخية، على كبير أهميتها وقيمتها، فالمجتمع من حيث المساحة يتعدى مساحة المسجد والقاعة أو المنتدى.. والدعوة يجب أن تصل إلى كل موقع وتبلغ كل قطاع، ليتحقق الشهود العام على الناس، أفراداً ومؤسسات، "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".
والنظرية الدعوية – منهجية ومادة – غير محصورة بطبقة معينة من الناس، فهي ليست وظيفة علماء الشريعة لوحدهم - على سبيل المثال - وإنما هي وظيفة الجميع في كل مواقعهم واختصاصاتهم ومنابرهم.
من خلال هذا التصور يبقى المسجد منبراً دعوياً رئيسياً، مضافاً إليه المنبر التعليمي (المدرسي والجامعي) والمنبر الإعلامي، والمنبر الاجتماعي الخيري، والمنبر النيابي والسياسي وسائر المنابر الأخرى.
إن النظرية التربوية والدور الدعوي يجب أن يتجاوز حدود الشريحة الإسلامية الواحدة ليبلغا آفاق الأمة الإسلامية، فضلاً عن آفاق العالم أجمع، تحقيقاً لعالمية الخطاب القرآني الدعوي: "يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين".
وإذا كان الدكتور فتحي قد تطرق لجوانب على الحركة الإسلامية مراعاتها، وهي جديرة بالنظر والانتباه، إلا أن هناك جانبا آخر جدير بالذكر والملاحظة أيضا، وهو ما يتعلق بالفرد نفسه، الذي يتحول – كنتيجة لعدة عوامل داخلية – إلى شخصية سلبية غير فاعلة، رغم اقتناعها الكامل بضرورة العمل، وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة في تغيير هذه النفوس
ويمكن إجمال هذه العوامل الداخلية بما يلي:
1- الإحباط لعدم رؤية نتائج العمل ظاهرة بينة.
2- الملل والفتور نظراً لطول الفترة وامتدادها.
3- ضعف الوازع الديني وهو الشعلة المحركة، والجذوة الموقدة لنار الحركة والفعل.
4- كثرة الأعباء التي تثقل كاهل الدعاة، مما يصيبهم بالإرهاق والإنهاك.
وقد تم مناقشة هذه العوامل، ووضع بعض البرامج العملية لها في أكثر من استشارة، ويمكنك لو تكرمتَ مطالعتها من خلال آلية البحث في الصفحة أو من خلال عناوينها، وهي:
الفتور.. الإيمانيات.. كثرة الأعباء: مشكلات الدعاة
بين الغربة واليأس.. أننعزل؟
كيف أحافظ على إيمانياتي؟
الانعزال مرة أخرى.. ما الحل؟
تناقص الإيمانيات.. إلى الإيمان من جديد
استشارة : د.فتحي يكن.
المصدر:إسلام أون لاين.
==============
. أريد أن أدخل غمار الدعوة.. كيف؟
السلام عليكم.. أولاً نشكركم على هذا الموقع المميز، وسدد الله خطاكم ورفقكم..أنا فتاة أريد أن أدخل غمار الدعوة في محيط الأسرة، فكيف أكسر الحاجز بيني وبين أهلي والتخلص من الرهبة والخوف في البداية؟.. وكيف أحتسب الأجر والتخلص من حظوظ النفس في الدعوة وسبل الدعوة؟.. وعذراً على الإطالة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
مجال الدعوة مجال شريف رحب وهي منة من الله لمن يصطفي من عباده وهنيئاً لك هذا الهم وهذا الشعور وتلك الرغبة في إرشاد ودلالة الناس على الخير فهي سبيل محمد صلى الله عليه وسلم ومن اقتفى أثره قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ودعوة الأسرة هي أولى الأولويات لكل داعية فقدوتنا عليه الصلاة والسلام أمره الله جل وعلى أول دعوته بعشيرته كما في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)..(9/22)
أما ما يتعلق بالخوف الذي تجدينه في نفسك فهذا خوف طبيعي يصاحب كل إنسان عندما يدخل ميداناً جديداً عليه فلا تتحرجي من هذا الشعور ولا يمنعك عن هدفك ومقصودك وعليك البدء بصغار العائلة من جمعهن والتكلم أمامهن ووعظهن بالمواعظ والقصص النافعة والمعبرة التربوية وليكن مدخلك من خلال سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام فهناك كتاب مختصر الرحيق المختوم مفيد في بابه, فأنت ادخلي باب الدعوة من باب القصص من السيرة ولا تنسي سيرة الصحابيات من أمهات المؤمنين, ثم بعد ذلك توسعي في دعوة من هن في سنك من زميلات الدراسة من خلال درس التعبير فلا يمنع أن تعودي نفسك بأن تتكلمي بكلمة قد أعددتها لهن، فاستأذني معلمتك وليكن بداية إلقائك أن تقرئي من ورقة مكتوبة أمامك, ثم بعد فترة توسعي بوعظ وتذكير من هن أكبر منك سناً وليكن في محيط العائلة ثم شيئاً فشيئاً حتى يكون الأمر لديك طبيعياً, ثم اعلمي أن الدعوة إلى الله عبر الكلمة الطيبة والنصيحة المبذولة هي جزء من الدعوة إلى الله فهناك الدعوة إلى الله من خلال ما تنفقي من مال لأجل الدعوة إلى الله من خلال طباعة الكتب والمطويات والأشرطة بل وحتى الدعايات المطبوعة لمجالس الذكر والدعوة إليها أو غيرها من أبواب الخير، فالدال على الخير كفاعله, وهناك الشريط الطيب الذي توزعينه على بنات جنسك وهناك المطوية المكتوبة والكتيب الإسلامي وغيرها من مجالات الخير والإرشاد, وأما ما تجدين من حظوظ النفس فهو مما لابد أن تشعري به في بداية أمرك ثم يخف بإذن الله مع المجاهدة وتقريع النفس بأهمية الإخلاص وعدم الاسترسال مع هذا الشعور.
لذا أوصيك دائماً بأهمية محاسبة النفس ومراجعتها وتقويمها ولو وجدت أن هناك حظاً للنفس فعليك بالإمساك، لكن انتبهي فقد يكون ما تجدينه وساوس شيطانية لصرفك عن أعظم مجال للخير ألا وهي الدعوة إلى دين الله قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)..
وأذكرك بأمر تعرفينه ولكن من باب التذكير ألا وهو الدعوة إلى الله من خلال القدوة بأن تكوني داعية لدينك دين الإسلام من خلال شخصيتك أي كوني داعية من خلال الاقتداء فكلامك كلام مؤدب ومنطقي ومبني على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفعلك يوافق قولك, عبادتك من صلاة أو صوم أو حج تكون على السنة متأسية بهدي محمد فالصلاة مثلاً تصلين بخشوع متأنية ومطبقة للسنة في حال ركوعك وسجودك.. إلخ فتعطين كل ركن حقه, وشخصيتك شخصية امرأة مسلمة متمسكة بدين الإسلام ولباسك لباس إسلامي من خلال حجابك وملابسك فحجابك ليس حجاباً مزركشاً ولا مخصّراً ولا ملوناً.... إلخ بل عباءة ساترة سوداء من أعلى رأسك لأخمص قدمك وملابسك كذلك لباس ساتر وليس لباس فتنة بسبب ضيقه أو شفافيته أو فتحات تبين بعض أعضاء الجسم وهكذا,وحتى يكون كلامك مقبولاً انتبهي أن تقولي قولاً أول من يخالفه أنت بل لا تقولي قولاً إلا وتكوني أنت أول المطبقين والفاعلين له واجعلي أمامك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
أسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ويجعلنا من الآمرين بالمعروف الفاعلين له ومن الناهين عن المنكر المتجنبين له.
وادعي ربك العظيم أن يفتح لك مجالات الخير ويجعل لك القبول بين خلقه ويجعل ذلك كله خالصاً لوجه الله تعالى
المصدر : نقلا من "لها اون لاين".
==============
. أمنيتي الدعوة ولا أدري كيف أبدأ!
أنا فتاة في المرحلة الجامعية، وتخصصي دراسات إسلامية.. أمنيتي أن أكون داعية، ولكن لا أعرف من أين ابتدئ وكيف؟!
الجواب
اعلمي - رحمني الله وإياك - أن الدعوة إلى الله شرف وأيما شرف، وهي منة من الله سبحانه، وقد أخبر جل وعلى أن طريق نبينا وطريق أتباعه هي الدعوة إلى الله قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي... }الآية.
ووصفهم سبحانه بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: "بلغوا عني ولو آية".
فالإنسان يدعو للدين بما يعلم، وليس شرطا أن يظل قابعا يستزيد من العلم دون أن يكون له نشر لهذا العلم ودعوة إليه, بل يطلب العلم ويدعو لما علم.
والدعوة إلى الله تكون ببذل النفس وتقديمها رخيصة في سبيل الله، وتكون كذلك ببذل الجاه والقيام بالشفاعة، وتكون كذلك ببذل المال في سبيل الله ونصرة دين الله، وتكون ببذل الوقت، والذي هو الحياة في نشر الخير ونفع الناس، سواء نفع علمي أو نفع بدني، من خلال بذل البدن وراحته مثلا في الإغاثة، كالسعي على الأرملة والمسكين والمحتاج، أو السعي في إنجاح البرامج الدعوية التي تقام هنا أو هناك من خلال المشاركة الفاعلة فيها.
فالدعوة ليست محصورة بمجال محدد، بل هي عامة وسبلها كثيرة.. فأنت - يا رعاك الله - يمكنك الدعوة لدين الله عبر بنات جنسك، بل هذا هو المطلوب، سواء من خلال جامعتك عموما، أو كليتك خصوصا؛ وذلك من خلال النصح والتوجيه للزميلات، وتقديم الشريط والمطوية لهن، وتذكيرهن بمناسبات الخير وطرق الخير، أو مع معلماتك بما تقدم، وكذلك بحثهن بإقامة البرامج الدعوية للكلية أو الجامعة والتعاون فيما بينكن.
ويمكنك كذلك الدعوة للجارات، سواء من خلال حضورهن إليك، أو من خلال مسجد الحي والتعاون مع إمام المسجد، عن طريق زوجته أو أخته، وذلك بإلقاء الدروس والمواعظ وتقديم ما تستطيعين تقديمه لهن..(9/23)
كذلك يمكنك ممارسة الدعوة، باستغلال اللقاءات العائلية أو المناسبات الاجتماعية الكبيرة، من أعراس أو غيرها، بالكلمة الناصحة للأخوات وبالشريط الهادف والمطوية النافعة، وكذلك بالتعريف بالمناشط الدعوية والدعوة إليها, فإن لم يكن فكوني قدوة صالحة..
كذلك حضورك لدروس العلم والمحاضرات، هي بحد ذاتها دعوة إلى الله، فأنت ينبغي - كما ذكرت - أن تكوني قدوة صالحة، وأركز على أهمية القدوة، فينبغي أن تكوني متميزة في عقيدتك، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وتديني بالتوحيد لله وتحقيق العبودية الحقَّة لله، وتكوني متميزة كذلك بعبادتك متمثلة هدي النبي في ذلك، كذلك يتمثل فيك الإسلام بآدابه وأخلاقه، ويكون سمتك سمت الصالحات، من حديث ومن معاملة حسنة وطيبة للآخرين من حولك، وكذلك من نظرة ورؤية لما حولك، من خلال لباسك، فيكون لباسا ساترا وحجابك كذلك حجاب ستر وحشمة لا حجاب زينة وتفاخر وفتنة، كما يوجد لدى البعض هداهن الله.
ثم اعلمي أن كل ماذكر يكون بحسب الوسع، فأنت لا يلزم أن تكوني مثالية في كل شيء، بل ابذلي الوسع في تطبيق أوامر الدين، وادعي الله عز وجل أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح ويثبتك عليه، واجتهدي دائما في الترقي والاستزادة من العلم والعمل، ومن ثم الدعوة إليها، لكن لا يمنع أن تدعي لدين الله حتى ولو لم تقومي ببعض الأوامر، من السنن القولية أو العملية؛ لأن الواجبات ليس فيها خيار، ويندرج فيها الوعيد الوارد بعدم العمل, فحتى لو كان هناك تقصير في بعض الأمور؛ فهذا لا يمنع من تبليغ دين الله؛ فلا نجمع بين سوأين، سوء عمل وعدم دعوة، وكما قال ابن تيمية - رحمه الله - : ينبغي لأصحاب الكؤوس أن ينكر بعضهم على بعض.
نعم.. احرصي على أن تكوني مطبقة لما تدعين له، لكن عدم العمل لا يمنع من الدعوة لدين الله ونشره بين الناس.
والدعوة هي أمر ونهي؛ فالأمر يكون أمرا بمعروف، والنهي جانب آخر، وهو النهي عن المنكر؛ فليست الدعوة - فقط - طلب فعل أمر، بل قد تكون طلب ترك أمر.
المصدر : نقلا من "لها أون لاين"
=============
. شردت عنا ثم اطمأنت لي.. كيف أدعوها؟!
سلام عليكم..
الإخوة الأفاضل.. أود استشارتكم في أخت لي في الله كانت من الداعيات النشيطات تحمل هم الدعوة في المرحلة الثانوية، وبعد ذلك توجهت لمدارس تحفيظ القرآن فترة..
ثم أصيبت ببعض الصدمات منهم فتركت التحفيظ والدعوة ولجأت إلى رفيقات سوء ومغنيات، وانحرفت فأصبحت تدخن وترتدي البنطال، ولها الكثير من السلوكيات السيئة والعادات القبيحة التي تمارسها مع هؤلاء الفتيات..
حاولنا كثيرا أن ندعوها في اجتماعاتنا ومجالس الذكر، ولكنها ترفض وتسب الداعيات وتنفي كل معاني الأخوة والمحبة في الله، ولا هم لها سوى هؤلاء الفتيات. ولكنها اطمأنت لي قليلا وزارتني في البيت.. ولا أدري ما الأسلوب الأمثل لدعوتها وردها لنا، وهل أعمل بمفردي معها أم أدعو باقي أخواتي وأفرضهم عليها فرضا؟!
أفيدوني جزاكم الله خيرا..
الجواب
السلام ورحمة الله وبركاته..
الحمدلله وحده، وبعد:
فأشكر للأخت حرصها وغيرتها على أختها، وأسأل الله جل وعلا أن يرد زميلتها رداً جميلاً وأن يهديها للحق والصواب، وأن يكفيها شر الأشرار وكيد الفجار..
وأنصح الأخت السائلة أن لا تفرض على زميلتها باقي أخواتها الصالحات، وأن تقوي صلتها بها، وأن تهتم بجانب الدعوة الفردية معها إذا كانت قادرة على ذلك ولا ضرر عليها من التأثر بزميلتها.
وأنصح الأخت بقراءة إحدى الرسائل المفيدة في هذا الباب، وأهمها: الحور بعد الكور، للشيخ محمد الدويش. وسائل الثبات على دين الله، للشيح محمد المنجد. مقومات الثبات على الهداية، للشيخ محمد الدحيم. والاستفادة منها.
ولا مانع من إهدائها لزميلتها بطريقة مناسبة.
ومن أهم الوسائل المناسبة: تذكير الأخت السائلة لزميلتها عاقبة سوء الخاتمة، وسوء أخبار المنتكسين. ويمكن الاستفادة من كتاب بعنوان: من أخبار المنتكسين، للشيخ صالح العصيمي. وتذكيرها فضل وحلاوة الإيمان، وقصص التائبين، وبيان خطر الصديق والصاحب السيئ، وأن المرء على دين خليله كما جاء في الحديث.
وأن تلجئي إلى الله عز وجل بالدعاء بظهر الغيب وفي ساعات الاستجابة بأن يرد زميلتك ويهديها إلى الصراط المستقيم، وأن تُحسني النية في ذلك العمل. والله الموفق.
المصدر : عبد العزيز العمر "لها اون لاين"
=============
. لدي طاقة وحماس
أنا شابه أجد في نفسي طاقة وحماسة ، ولكن وظعي كالتالي : أسكن مع والدي ووالدتي وأخواتي وليس لي اخوات ، وطلبات أهلي كثيره جدا تمنعني من حظور المحاضرات والدروس العلميه .
كيف أفعل معهم في اشغالهم لي الكثير مع العلم بأنني طالبه في المرحلة الثانوية وعندي واجبات مدرسية تأخذ جزء من وقتي ؟
الجواب
الحمد لله , أخيتي إن كان عدادك في الداعيات إلى الله تعالى فإن كل داعية على وجه الأرض له انشغالات و احتياجات شخصية و أسرية كسائر البشر , لكن الدعاة الموفقون المخلصون يمن الله عليهم بتيسير الأمور, و خفة المؤنة , وجمع الشمل , و البركة في الوقت , و الرضا بقضاء الله و قدره , و هذه المعاني يعيشها الربانيون من الدعاة , المتصلة قلوبهم بالله سبحانه و تعالى كبارا و صغارا , قادة و أفرادا , متقدمين و مبتدئين........
و لما سئل الإمام البخاري عن حاجاته كيف كان يقضيها مع شدة إنكبابه على العلم قال : (( كنت أُكفى ))(9/24)
و كان الفضيل بن عياض ( رحمه الله ) مشتغلا بالعلم ثم بالعبادة و كان له ابنا اسمه عليا فقال (( اللهم إني قد عجزت عن تأديب علي فأدبه لي )) فصار عليٌ هذا من سادة المسلمين و لمّا يتجاوز العشرين من عمره بل و تفوق على أبيه في بعض منازل الورع و الخشية .
و طلب البركة في الأوقات و تيسير الأمور من الله تعالى ليس شيئا ثانويا في حياة الداعية بل هو من أهم الأسباب التي تعينه على أداء الحقوق و تأدية الواجبات مهما كثرت و تنوعت , كما أن البركة في الوقت تعين الداعية على الصبرعلى مشاق الطريق و تعصمه من الركون إلى الدنيا و الهلكة في أوديتها وشعابها , وبركة الأوقات و الأعمار أمر ظاهر مستفيض في حياة السلف و الموفقين من علماء و دعاة الخلف حيث التوفيق لتحقيق الإنجازات الكثيرة في الأوقات و الأعمار القصيرة .
ومع ذلك فالداعية الموفقه تأخذ بأسباب النجاح لدعوته و لا تخبط خبط عشواء . . و من ذلك
- تنظيم الوقت تنظيما دقيقا مع حسن استغلاله و الاستفادة منه
- تحديد الأهداف والأولويات بدقة و وفق منهجية شرعية و دعوية واضحة ( على أن يكون ذلك تحت إشراف و استشارة السابقين من أهل الفضل )
- الحذر من الانخراط في ممارسات دعوية تتعارض مع فرائض و واجبات دينية أكبر ( مثل بر الوالدين)
- اطلاع ذوي الحقوق من أهل بيتك ( كزوجك و والديك ) على أهدافك الخيرة و طموحاتك المشروعة حتى يكونون عونا لك على تحقيقها ويعذرونك عند و وقوع أي تقصير و الأهم حتى لا يدور في خلدهم أنك شخص لاه أو مضيع للحقوق .
- على الداعية و طالب العلم أن يتعلم مهارة (( تنفيذ أعمال متعددة ( لا تتعارض ) في وقت واحد ))
- عليه التعرف على مواهبه و قدراته الذاتية و دراسة الظروف الشخصية و الأسرية و العملية المحيطة به بشكل مستفيض قبل قبول التكليفات الدعوية مع الحذر من إعطاء الدعوة إلى الله فتات أو فضول الأوقات أو تأخير الدعوة إلى الله في سلم الأولويات
المصدر : أ.محمد فرغل"وسط نت"
... ================
. الإسلام أم التنظيم ؟؟
لإخوة الكرام .. أرجو منكم أن تبينوا لنا مقالاً شافيًا، وجوابًا قاطعًا في مسألة: أيهما أولى بالعمل عند التعارض: العمل لمصلحة التنظيم والجماعة التي يعمل من خلالها الداعية، أم العمل لمصلحة الإسلام ؟؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، بلّغ الرسالة وأدَّى الأمانة وخدم الدين، وجاهد في سبيل الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، وبعد ..
لكَم عجبت لهذا السؤال الذي وصلني، وتلكم الإشكاليَّة التي طُرِحَت عليَّ، ذلك أنَّه لا وجه للمقارنة بين أهمِّيَّة العمل لمصلحة التنظيم وأهمِّيَّة العمل للإسلام عند التعارض أو عدم التعارض.
إنَّ انتماءنا للإسلام في الأصل هو الذي يجعلنا مسلمين، ويحشرنا في زمرتهم يوم الدين، والانتماء للتنظيم ليس بديلاً عن ذلك، وإنَّما هو وسيلةٌ لحسن تحقيق ذلك، وصدق الله تعالى حيث يقول: "هو سمَّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس".
إنَّ الأنبياء والمرسلين والعلماء والدعاة، كما المؤسَّسات والتنظيمات والجماعات والحركات الإسلاميَّة، إنَّما هم مكلَّفون بخدمة الإسلام، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والجهاد في سبيله: "يا أيُّها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنَّ الله لا يهدي القوم الكافرين".
ثمَّ إنَّ الحكم الإسلامي والحكومات الإسلامية والخلفاء، ليسوا إلا أداة لخدمة الإسلام وتنظيم الاحتكام إلى شرعه، وليس لهم أن يحيدوا عن الإسلام قيد أنملة: "وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".
إنَّ الإسلام هو دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المنهج الذي يتعبد المسلمون به ربهم، أفرادًا وتنظيمات وحكومات، أمَّا التنظيمات وأهلها والعاملون فيها، فهم خُدَّام للدين، والمسخرون للعمل من أجله، وليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل، وجميعهم يُؤخَذ منه ويردّ عليه، وهؤلاء كلهم يُعرَفون بالدين، ولا يُعرَف الدين بهم.
فالتنظيمات تخطئ وتصيب، وتنجح وتفشل، وهي تزدهر ثم تندثر، فلكم قامت تنظيمات عبر التاريخ الإسلامي، ثم أصبحت أثرًا بعد عين، أما الإسلام فهو الباقي والمستمر والمحفوظ، مصداقًا لقوله تعالى: "إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون".
إنَّ مجرَّد استهداف التنظيم بالعمل هو لونٌ من ألوان الشِّرك، والله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو سبحانه القائل: "قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحَى إليّ أنَّما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربِّه أحدًا".
ولقد وعى مؤسسو الحركات والتنظيمات الإسلامية الراشدة تلك الحقيقة الثابتة، فنجد – على سبيل المثال - يوم أسَّس الأستاذ حسن البنا "جماعة الإخوان المسلمين" واختار لها شعاراتها، لم يجعل للتنظيم أدنى نصيب بينها، فقال: "الله غايتنا – الرسول قدوتنا – القرآن دستورنا – الجهاد سبيلنا – الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".(9/25)
أذكر أنَّني - في الستينيات - ألقيت خطابًا بمناسبة افتتاح مركز للعمل الإسلامي في مدينة صيدا، وكان في الحضور حشد من العلماء، قلت في مطلع الكلام: "هنالك قضيَّةٌ يجب أن ندركها تمام الإدراك، ونعيها تمام الوعي، ونذكرها دائمًا ولا ننساها، وبخاصَّةٍ لدى افتتاحنا اليوم لمركزٍ من مراكز العمل الإسلاميِّ في لبنان، وهي أنَّنا مسلمون قبل أن نكون "إخوانًا مسلمين"، وأنَّنا جماعةٌ من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين.. فالإسلام قبلنا وبعدنا، وبنا وبدوننا، وإن نتولَّى يستبدل الله قومًا غيرنا ولن نضره شيئًا، وسيجزي الله الشاكرين، أوَليس هو القائل في محكم كتابه: "ومن جاهد فإنَّما يجاهد لنفسه إنَّ الله لغنيٌّ عن العالمين".
إن التنظيم الذي يخلص عمله لله، بعيدًا عن أية نفعية أو وصولية، هو التنظيم الذي لا يرى له مصلحة إلا مصلحة هذا الدين، ويرى في غير ذلك لونًا من ألوان الشِّرْك، ووقوعًا فيما نهى الإسلام عنه وحذر منه، إن هذا التنظيم – إن وُجدَِ - هو الجدير بنصر الله وتأييده، وبإمامة المسلمين وقيادتهم.
في ضوء كلِّ ذلك يكون المطلوب دائمًا وأبدًا تجريد العمل للإسلام من كلِّ لوثةٍ وصوليَّةٍ، أو غرضٍ فرديٍّ أو جماعيٍّ أو تنظيميّ، انسجامًا مع خلوص العبوديَّة لله تعالى، الذي أكَّدته وأكَّدت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت".
وبحسب هذه المعادلة، يكون الولاء لله تعالى وحده، كما يكون شرط السمع والطاعة للقيادة: طاعتها له والتزامها شرعه، فالطاعة بالمعروف ولا طاعة بالمعصية، وفي الحديث: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكره ما لم يُؤمر بمعصية، فإن أُمِر بمعصيةٍ فلا سمع عليه ولا طاعة" رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح.
وفي خطبة الولاية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإن عصيتُ فلا طاعة لي عليكم".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته" رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
ووفق هذه القاعدة يصبح شرط الانتماء إلى التنظيم تحقيق الانتماء للإسلام والتزام مبادئه وقيمه، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والاحتكام إليه، والجهاد في سبيله.
إنَّ أوَّل ما يُسأَل عنه العبد يوم القيامة هو الإسلام، ماذا عمل به، وماذا أخذ منه أو قصَّر فيه ؟.
مع الإشارة والتأكيد على أنَّ هذا المفهوم ليس مدعاةً للتقليل من أهمِّيَّة التنظيم، وإنَّما سيق للتمييز والتفريق بين الوسيلة والهدف، كما بين الخادم والمخدوم سواءً بسواء، سائلاً الله تعالى الهدى والسداد واتِّباع طريق الحقِّ والرشاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
المستشار : فتحي يكن
المصدر : "اسلام اون لاين"
=============
. دعوتنا تهدم إيماننا.. لا رهبانية بالإسلام
أنا طالبة جامعية ..أكرمني الله تعالى بأن لحقت بركب الدعاة إلى الله ..ولكن كما تعلمون فمن صفات العمل البشري النقص، فنحن هنا في الجامعة تواجهنا مشكلة الانخراط بالعمل في الدعوة على حساب تربية أنفسنا الروحية، قد تشيرون علينا بالإخلاص..بكثرة القراءة ..بالتنظيم ..نعلم رعاكم الله بهذا ولكننا نطلب منكم مساعدتنا بنقاط عملية حقاً تجبر فيها النفس على التوازن رعاكم الله وجزاكم الله خيرا
الجواب
أختي الطالبة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إن أول إيجابية تضمّنها سؤالك هو يقينك بكرم الله الذي وفقك للّحاق بركب الدعوة، وهذه خطوة مهمة على طريق النجاح، لأن الشعور بفضله دليل على إدراكك سموّ المهمة، ومن ثم تجاوز العقبات التي تعترضك.
لكن الشطر الأخير من السؤال قطع عليّ طريق الحلّ برفضك ما أشرت إليه من علاج؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]؛ إذ لا هداية ولا توفيق إلا تبعا لمجاهدة النفس وتزكيتها بالطاعة. والسنّة الإلهية واضحة {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].. مع العلم -أختي الطالبة- أن دورك في الجامعة قطافه وفير وثمراته يانعة؛ لأن سن الشباب هو مرحلة الحماس والاندفاع نحو التغيير في المجتمع، والثقافة عامل مساعد على قوة التأثير في النفوس.
المصدر : سميرة المصري"زاد المسير"
==============
. المناشط الدعوية كثيرة
نواجه في مناشطنا الدعوية الاستجابة بطيئة لدى بعض المدعوين رغم تعدد الوسائل والطرق المستخدمة معهم ما هو السبب في وجه نظركم؟`
الجواب
الحمد لله , لا شك أخيتي أننا جميعا نؤمن بأن الهداية من الله تعالى و أننا لا نملك هداية أحد من الناس مهما امتلكنا من المواهب أو اتيح لنا من الإمكانات و الوسائل قال تعالى (( ليس عليك هداهم )) إلا أنا مع ذلك مطالبون بالأخذ بالأسباب و البعد عن الفشل و بذل كامل الجهد للوصول إلى عقول و قلوب مدعوينا و إحداث التغيير الحقيقي الذي ينقلهم من حال الغفلة و التراخي إلى الحال الذي يُرضي الله سبحانه و تعالى .
و من أبرز أسباب الفشل في المناشط الدعوية العامة
- ضعف الإخلاص , و عدم تمحيص نية الدعوة إلى الله , و الانجرار وراء المغانم المادية و تعلق القلب بها و تقديمها في سلم الأولويات , و التطلع إلى المناصب و الجاه و الحرص الشديد على الراتب أو المكافأة , و أنانية بعض العاملين و تمحورهم حول ذواتهم . . . . .(9/26)
- اختلاف قلوب العاملين , و الوقوع في آفة التنازع , و تسفيه أراء الآخرين , و الإعجاب بالرأي , و العجب بالعمل , و الشعور المقيت بالتفوق و احتقار الآخرين أ و انتقاصهم , وانتقاص قيادة المنشط و تسفيهها , و عدم الطاعة في المعروف , و الإنفراد بالقرارات , و عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن اجتماعات اللجان , و التجيب , و وجود الأجنحة المتصارعة في المنشط , و تشكيل مجموعات الضغط للتأثير على القرارات , و عدم الاتفاق على منهجية واحدة في العمل , و عدم وجود مرجعية شرعية و دعوية متفق عليها بين العاملين , و ضعف العاملين إيمانيا , و الملل و اليأس من جدوى العمل , و الإنسحابية , ..... و غيرها من الآفات المدمرة لكل عمل دعوي مهما توافرت له أسباب النجاح , حيث أن الدعوة إلى الله ليست حزبا سياسيا و لا ينبغي أن تستشري فيها الآفات التي تستشري في الأحزاب السياسية العلمانية .
- عدم وجود القيادة الآسرة الملهمة القادرة على الإنجاز و تحقيق الأهداف و قيادة الناس نحو الهدف بثقة و ثبات , بحيث يلتف حولها الناس و يُسلموا لها القياد و يمنحوها الثقة و الطاعة و الولاء قال الشاعر (( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم . . و لا سراة إذا جهالهم سادوا )) و هذه الثقة لا تنتزع و لا تفرض بقوة النظام و القانون و لا يأتي بها النفوذ و الرتب القيادية العالية و لكن القلوب تمنحها و تجيزها لأهل الإخلاص و الصدق من قيادات المناشط الدعوية
- التسيب الإداري و غياب الأهداف عن العاملين و عدم وجود خطة و تفشي الفوضى و العشوائية في برامج المنشط
- خمول العاملين و كسلهم و تخصيص فضول الأوقات و الطاقات و الجهود لبرامج المنشط و واجباته الدعوية
- انشغال أو إشغال العاملين بتكليفات كثيرة متضاربة يفسد بعضها بعضا
- غياب الأجواء الإيمانية و الروح الأخوية الصادقة و المحبة و العاطفة الجياشة و تحول المرفق الدعوى إلى شبه بدائرة حكومية أو شركة تجارية تحكمها الأنظمة و القوانين و اللوائح المجردة من المشاعر و الأحاسيس
- تكرار البرامج و رتابتها و عدم تلمسها لحاجات المستهدفين و افتقارها إلى الجاذبية و اللمسات الإبداعية و استخدام الوسائل العصرية الحديثة
- البعد عن الهدي النبوي في التربية و تقليل الجرعات الإيمانية في البرامج و الانغماس في الترفيه و الرفاهية و التوسع في المباحات و تتبع الرخص من غير فقه و لا ورع و انتشار فقه ( التقصير بحجة التيسير ) و تفشي روح الانهزامية و التقليد الأعمى
- التركيز على البرامج العامة و إهمال الدعوة الفردية أو القيام بها بطرق عشوائية و خاطئة
- الاستعجال واستبطاء نضوج الثمار و طلب الحصاد قبل أوانه و من ثم الوقوع في اليأس والملل و إساءة الظن في المدعوين و اتهام قابليتهم لقبول الخير و التشكيك في قدراتهم و مواهبهم مما يزيد في اتساع الفجوة و تعميق الهوة بين الدعاة و مدعويهم.
المستشار : أ.محمد فرغل
=================
. داعية ناجحة.. معاصيها تستوقفها
إنِّي والحمد لله أتمتَّع بمستوى ثقافيٍّ وعلميٍّ واجتماعيٍّ جيِّد، وعلى قدرٍ طيِّبٍ من الالتزام، وقد لاقيت والحمد لله توفيقاً في مجال الدعوة، وتعلَّق الناس في بلدتي بي كثيرا.
ولكنِّي في الفترة الأخيرة وجدتني أقع في الكثير من المعاصي التي لم يكن من السهل الإقلاع عنها، ففكَّرت جِدِّياً في الكفِّ عن الدعوة، وذلك خوفاً من عقاب الآخرة، لأنِّي قرأت عن ذلك كثيراً.
فبمَ تنصحني؟
الجواب
أختي الكريمة حفظها الله، وثبَّتنا وإيَّاك على طريقه القويم وصراطه المستقيم.
هالني حالك، وأفزعني مقالك وسؤالك.. أيُعقل أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
القضيَّة الأساسيَّة لا تكمن في اقتراف أحدنا لمعصية، فكما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون"رواه أحمد والترمذيُّ والنسائيُّ وابن ماجه، بسندٍ صحيح، وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تخطئوا لجاء الله عزَّ وجلَّ بقومٍ يخطئون ثمَّ يستغفرون فيغفر لهم"رواه الإمام أحمد، بسندٍ صحيح، وروى الإمام مسلم نحوه.
إنَّني هنا لا أهوِّن من أمر المعصية، وإنَّما أعجب لخيار المعالجة، الذي من شأنه أن يزيد المشكلة تعقيداً والأمر سوءا -لا قدَّر الله-.
ألا تعلمي يا أختي الكريمة أنَّ قيامك بأمر الدعوة هو في حدِّ ذاته علاج، وأنَّ هذا العلاج إن لم ينفع اليوم فسينفع غداً بإذن الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ فلاناً يصلِّي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال: "سينهاه ما تقول"رواه الإمام أحمد، بسندٍ صحيح.
إنَّ "الكفَّ عن الدعوة" يعني الخروج من دائرة الرعاية والحماية الربانيَّة، ويعني الانغماس أكثر فأكثر فيما أنت تشكو منه، ويعني اختيار طريق الغواية لا الهداية، أعاذني الله وإيَّاك أن نكون من سالكيها.
ثم إنَّ ما تقعين فيه من المعاصي –على حدِّ قولك– لَيحتاج إلى توقُّفٍ وتأمُّلٍ وتفكير، وإلى استكشاف أسباب ذلك ومعالجته، وليس إلى الهروب منه، فأعمال الإنسان هي ثمرات غرسه ونِتاج تكوينه، وقد يحتاج أحدنا إلى إعادة النظر في الغرس والتكوين، إن جاء الثمر سقيماً وغير سليم.
فمن أسباب الخلل أحيانا: عدم ترتيب الأعمال والاهتمامات وفق الأولويَّات الشرعيَّة والمراتب التكليفيَّة، كأن يكون اهتمامنا بالآخرين أكثر من اهتمامنا بأنفسنا، وهو مخالفٌ لقوله تعالى في تبيان الأولويَّات: "يا أيُّها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة".(9/27)
ومن أسباب الخلل كذلك: عدم معرفتنا لعوامل نجاحنا وتوفيقنا كدعاةٍ في مجال دعوة الآخرين، والثبات على ما ندعو إليه، كتنقيتنا وتصفيتنا الدائمة لشوائب أعمالنا وتصرُّفاتنا، ممَّا يداخلها ويدخل عليها ويعتريها من نوازع الرياء والشهرة والمصلحة وغيرها، والذي أشار إليه سيِّدنا عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بقوله: "من نصَّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومهذِّبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذِّبهم".
ثم إنَّنا في زمنٍ يستهلك الإيمان والقِيَم والأخلاق استهلاكاً كبيرا، ممَّا يحتاج إلى مضاعفة الإنتاج الإيمانيِّ والقِيَميِّ والأخلاقيّ، خوفاً من التعرُّض للإفلاس.
وأخيرا، فإنَّ علينا كمسلمين وإسلاميِّين ودعاة، أن نجعل التوبة والإنابة إلى الله مخرجنا من كلِّ ضيق، وملجأنا من كلِّ مكروه، والكير الذي ينفي خبثنا، ويشحذ همَّتنا، ويوقظنا من غفلتنا.
فكيف نقنط ونحبَط ونحن نقرأ قوله تعالى:"قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنَّه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربِّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمَّ لا تُنصَرون".
إنَّ لمعالجة ما يعترض طريقنا من عقبات، وما نقع فيه من معاصٍ ومخالفات، طرائق أخرى شرعيَّة، وليس في تخلِّينا عن دعوتنا، وخسارتنا الكلِّيَّة لأنفسنا.
ولقد عبَّر الإمام البوصيري عن هذه المعاني مجتمعةً فيما نظم شعراً جاء فيه قوله:
يا نفسُ لا تقنطي من ذِلِّةٍ عَظُمَت....... إنَّ الكبائر في الغفران كاللَّممِ
لعلَّ رحمة ربِّي حين يقسمها....... تأتي على حسب الغفران في القسمِ
فاصرف هواها وحاذر أن تولَّيَه....... إنَّ الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِم
وخالف النفس والشيطان واعصِهما....... وإن هما محَّضاك النصح فاتَّهمِ
ولا تطع منهما خصماً ولا حَكَماً....... فأنت تعرف كَيد الخصم والحكَمِ
واستفرغ الدمع من عينٍ قد امتلأت....... من المحارم والزم حمية الندم
ولا ترُم بالمعاصي كسر شهوتها....... إنَّ الطعام يقوِّي شهوة النهِم
المصدر : د/فتحي يكن"اسلام اون لاين"
... =================
. اعاني من برودة في النشاط
أنا أعمل في أحد المراكز الصيفية.. شعلة نشاطي، أفكاري، إبداعي، تزداد من عام إلى آخر، ولكن لاحظت في الأعوام الأخيرة بروداً عجيباً في النشاط حتى وصل إلى مرحلة التجمد في هذا العام الأخير.. أرجو إذابة هذا التجمد إلى درجة النشاط الطبيعي المئوي باستشارة ثاقبة من الأخت الفاضلة "هند حسن عبدالكريم القحطاني".. ولكم ولها جزيل الشكر، وأرجو أن يكون ذلك عاجلاً.
الجواب
أشعل الله قلبك بالإيمان، وأنار دربك بحبه ورضاه..
وبعد يا غالية:
قرأت سؤالك فتراءى وجهك المكدود أمامي..
أحسّ بكل كلمة كتبتها.. فمن منا لا يمر بمثل ما عشت وكتبت؟!
دعينا نحاول معاً أن نجمع الكلمات، ونضع النقاط على الحروف..
أنت شخصية مبدعة ومتجددة دوماً، أفكارك تتوارد كالنهر الجاري.. يظهر ذلك من طريقة كتابتك للسؤال.. قد تكونين أقل مما أتصوره أو أكثر.. مما لم أستطع تصوره..
لكن حتماً لست إنسانة عادية.. بارك الله فيك ولك فيما أعطاك وحباك.
تُرى..
شخصية في مثل صفاتك وإبداعك، من أين يكون قد دخلها الفتور؟! وحتى نستطيع الإجابة.. عودي بي إلى تلك الفترة التي كنت فيها الشعلة المتوقدة ودعينا نراك.. وقد التفت الناس إليك.. المكان الذي تكونين فيه يمتلئ حيوية ونشاطاً، وحين تغادرين من المكان يعود هامداً مواتاً!
أراك..
والناس تتسابق لتشركك معهم في برامجهم وأنشطتهم.. أيهم يفوز بك.. أراك هناك فوق المنصة ومن خلفها.. تتقنين فن جذب الناس وإدارتهم.. ويملأ اسمك المكان..
أنت هناك..
كيف كان قلبك؟! كيف كان حالك مع سيدك ومولاك؟! حين كنت تعدين برنامجاً أو مسابقة.. هل كنت ترمين الأوراق جانباً وتنطرحين ساجدة بين يدي ربك تسألينه أن يوفقك ويفتح عليك.. وأن لا يكلك إلى نفسك أبداً؟!
غوصي في خبايا نفسك.. في تلك اللحظات.. ماذا كان يتراءى في خيالك وأنت تفكرين وتعملين وتعدين الأفكار والأنشطة.. أهو مدح الناس وابتساماتهم.. نظرات الإعجاب منهم.. أم هو التفكير في استنقاذ قلب من ظلام المعصية إلى نور الطاعة وإنقاذ روح من درك الناس إلى جنَّات النعيم؟!
عفواً..
أنا لست أشكك في نواياك أبداً.. ولكنه الشيطان لا يرضى أن يترك صالحاً لوحده.. فما يزال يحبب إليه كلام الناس ومدحهم ويخوفه من ذمهم دون أن يشعر ذلك الصالح بنفسه.. حتى يحبط عمله.. وللشيطان في ذلك حيل وأساليب، ولكنها دوماً ضعيفة إن صدمت بجدار قوي..
في أحيان كثيرة..
نقبل العمل ونقدم عليه ونعرض أنفسنا في مكان ما، ثقة بما نملك من طاقات وقدرات.. وحين نمسك المكان، ندخل في معركة إثبات النفس والجدارة.. وذلك كله تحت عنوان عريض اسمه العمل لله.. متناسين في خضم ذلك كله، أن نتكل على الله، لا على أنفسنا ولا على قدراتنا.. متناسين أن نستمد القوة ممن يبارك في العمل القليل ويزكيه إن صفا، ويحبط الجهد الكبير ويرفضه إن اختلط وتكدَّر.(9/28)
إنَّه الإخلاص لله في العمل.. يشعل في القلب جذوة من إيمان لا تطفأ في قلب المؤمن، إلى أن تطفأ روحه تحت التراب.. تخبو أحياناً وتبرق أحياناً.. ولكنها أبداً لا تطفأ.. ابحثي عنها.. تجدينها هناك قد خبت.. زكيها باللجوء إلى الله والضراعة له، جددي إيمانك فهو يخلق في الجوف كما يخلق الثوب.. وثمة سحر في المسألة اسمه قيام الليل.. يفعل في الثوب الأعاجيب.. يبعث في القلب نشاطاً وحيوية لا يعرف الإنسان سرها.. ويبارك في العمر ويزكيه.. فليكن لك منه أوفر الحظ والنصيب.. هذه واحدة..
ثم دعينا نقف وقفة مع زادنا.. وتحركنا.. ومبعث الطاقات فينا..
يقول ربنا تبارك وتعالى: {إنَّما يخشى الله من عباده العلماء}..
فكلما زاد الإنسان علماً كلما ازداد خشية وإنابة.. كلما ازداد توقد قلبه واشتعاله بحرارة الإيمان..
فهو يعرف من يعبد ولمن يركع ويسجد ويحفد، يعرف الحلال والحرام.. كل يوم يحيي فيه سنة ويميت فيه بدعة.. ذلك العلم يجعل من الإنسان "زنبركاً" لا يتوقف.. فهو لا يكل ولا يمل.. وكيف لا وهو يعلم أنه يسعى ما بين مولده إلى مماته..
يعلم أنَّ الجنة والنار أمامه، والموت يطلبه، وربه فوقه، والملائكة تشهد وتسجل.
تقولين إنك تعملين في أحد المراكز الصيفية، فهل أفهم أنك موظفة أثناء بقية السنة؟! فإذا كنتِ كذلك فحتماً أنتِ مثقلة ومجهدة بروتين يومي ثقيل يقعدك عن كثير من العلم، ويجعلك تملين من كل شيء فلا جديد..
ولكن دعيني أسألك: هل صقلت مواهبك وإبداعك بعلم شرعي أصيل؟ أتصورك أنك بالتأكيد منضمة إلى إحدى حلق طلب العلم التي مرت عليها السنون والأيام..
تنتقلون فيها من كتاب إلى آخر.. وهذا خير بل هو مطلوب.. ولكني لست عن هذا أسألك.. إني أسألك عن آخر آية قرأتِ تفسيرها في خلوة فدمعت عيناك.. أسألكعن حديث قرأتيه..
فسبرتِ أغواره تبحثين عن أسراره ثم انطلقتِ به داعية، وإليه حامية.. أسألك عن ذلك الكتاب الذي حرَّك قلبك وذلك الشريط الذي فتح أمامك آفاقاً وآفاقاً..
حين قال جلَّ جلاله: {وذكِّر فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين} كان يعلم أنَّ نفوسنا تصدأ ويعلوها الغبار.. تلك الهمزات والهنَّات والنظرات والمزحات؛ لا بدَّ أن ندفع ثمنها عاجلاً أم آجلاً.. إن لم يغفرها لنا ربنا ويرحمنا..
فالعلم لا يقاس بالسنين ولا بالمجلدات، بل بما يورث في قلوبنا من خشية وخوف ورجاء.. وبما يورثه في أرواحنا من يقين ونشاط وعزم..
راجعي طلبك للعلم.. قفي معه وقفات.. ووقفات.. افتحي تلك الكتب القديمة.. اقرئي أكثر في أعمال القلوب.. وشدي الرحال إلى منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}.. نوِّعي الأشرطة والمحاضرات..
واعلمي أنَّ نفسك لم تفتر إلا حين ملَّت.. ولا تملُّ النفس إلا إذا ضعف الزاد.. أو خلت الطريق.. فأما الزاد فأمامك النبع الصافي انهلي منه.. وأمَّا الطريق فطريقنا واضح أبلج.. ليله كنهاره لا يزيغ عنه إلا هالك.. فالزميه.. هذه الثانية.
والثالثة..
لعله ذنب من هنا أو هناك.. استصغرته عيناك فعظم قدره عند الله وكبر.. أو لعله ذنب أحدثت له استغفاراً لسانياً وما استشعر قلبك صدق التوبة والأوبة.. لقد أذنب أحدهم ذنباً فقال: لأجدنَّ مغبتك ولو بعد حين، فوجده بعد أربعين سنة!!
اعذريني يا أختي إن شددت عليك أو قسوت.. لكنَّا إن "طبطبنا" على أنفسنا "طبطبنا" على ركام وذنوب..
نشتكي من الفتور والكسل وضعف الإيمان.. وقد ملأنا قلوبنا بمحقرات الذنوب والتقصير في الواجبات.. فأنَّى لهذه القلوب أن تتحرك أو تعمل وقد خنقناها؟!
هي التصفية لا بدَّ لها دوماً قبل أن نبدأ بالتحلية..
فتعاهدي نفسك.. وجددي التوبة.. وحين تدعين الليلة بهذا الدعاء: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني" استشعري كل حرف منه وتخيلي أنك تدعين وقد سجل الله عليك ذنوبك منذ عشرات السنين.. أحصاها عنده ونسيتها.. فادعي الله على خوف ووجل.
وأخيراً..
تعاهدي أورادك وأذكارك في الصباح والمساء.. لا تفرطي فيها مهما كان.. اجعليها جزءاً لا يتجزأ من يومك.. تحصني بالله ولوذي بحماه.. ابدئي يومك بذكره.. تكونين معه في حصن حصين، لا يضرك كائن من كان.. إلا شيء كتبه الله لك.
اجعلي سورة البقرة ضمن أورادك اليومية.. فالشياطين لا تطيقها ولا تستطيعها، فالداعية محط أنظار الخلق.. وهو ضعيف بنفسه قوي بربه، وذكر الله يجعله في مناعة من كيد الكائدين وأعين الحاسدين.
لقد كان ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يمكث في مصلاه بعد الفجر إلى قرب انتصاف النهار، ثم يلتفت إلى من خلفه ويقول: "هذه غدوتي ولو لم أتغدها لسقطت قوتي"!!
فكري في كلمته مراراً.. ما الذي وجده ابن تيمية في مصلاه حتى إنَّه لو لم يجلس تلك الجلسة لسقطت قواه؟! أي توكل إذن وأي احتساب؟! أي تجديد للتوبة وإعلان للعبودية إذن؟! أي استمداد للقوة من الرب القوي الجبار؟ أترى من يبدأ يومه بالانطراح بين يدي مولاه ذلة وخضوعاً ورغبة ورجاء، كيف يكون سائر يومه وكيف يكون نشاطه وحاله؟!
لا عجب إذن أن يكون ابن تيمية من كان.. وهو الذي مع ذلك يقول: "والله إني لأجدد إسلامي في كل حين"! إعلاناً لعبوديته وتجديداً للبيعة.
تلك نقاط عابرة.. لعلها لامست شيئاً من الحقيقة أو لم تلامس..
حسبي وأملي.. أن تكون قد فتحت لكِ مع نفسك أبواباً من الصدق والصراحة تطّلعين فيها على تلك الملفات القديمة.. وتجددين فيها البيعة مع الله.. في يوم أن أنزل: {إنَّ الله اشترى...}.
شرح الله صدرك بالإيمان، وبارك فيك ولك فيما أعطاك وحباك، وجعلك جنداً من جنده تدافعين عن حوزة الإسلام بالقليل والكثير، ونوَّر قلبك بطاعته واستعملك في محبته ورضاه..(9/29)
وجمعنا وإياك ووالدينا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
ومن عرف المنتهى.. قدَّم المُهَج.
والحمد لله ربّ العالمين.
المستشار : هند القحطاني
... ==============
. أريد أن أدخل غمار الدعوة.. كيف؟
السلام عليكم.. أولاً نشكركم على هذا الموقع المميز، وسدد الله خطاكم ورفقكم..أنا فتاة أريد أن أدخل غمار الدعوة في محيط الأسرة، فكيف أكسر الحاجز بيني وبين أهلي والتخلص من الرهبة والخوف في البداية؟.. وكيف أحتسب الأجر والتخلص من حظوظ النفس في الدعوة وسبل الدعوة؟.. وعذراً على الإطالة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أختي الفاضلة :
مجال الدعوة مجال شريف رحب وهي منة من الله لمن يصطفي من عباده وهنيئاً لك هذا الهم وهذا الشعور وتلك الرغبة في إرشاد ودلالة الناس على الخير فهي سبيل محمد صلى الله عليه وسلم ومن اقتفى أثره قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ودعوة الأسرة هي أولى الأولويات لكل داعية فقدوتنا عليه الصلاة والسلام أمره الله جل وعلى أول دعوته بعشيرته كما في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ..
أما ما يتعلق بالخوف الذي تجدينه في نفسك فهذا خوف طبيعي يصاحب كل إنسان عندما يدخل ميداناً جديداً عليه فلا تتحرجي من هذا الشعور ولا يمنعك عن هدفك ومقصودك وعليك البدء بصغار العائلة من جمعهن والتكلم أمامهن ووعظهن بالمواعظ والقصص النافعة والمعبرة التربوية وليكن مدخلك من خلال سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام فهناك كتاب مختصر الرحيق المختوم مفيد في بابه, فأنت ادخلي باب الدعوة من باب القصص من السيرة ولا تنسي سيرة الصحابيات من أمهات المؤمنين, ثم بعد ذلك توسعي في دعوة من هن في سنك من زميلات الدراسة من خلال درس التعبير فلا يمنع أن تعودي نفسك بأن تتكلمي بكلمة قد أعددتها لهن، فاستأذني معلمتك وليكن بداية إلقائك أن تقرئي من ورقة مكتوبة أمامك, ثم بعد فترة توسعي بوعظ وتذكير من هن أكبر منك سناً وليكن في محيط العائلة ثم شيئاً فشيئاً حتى يكون الأمر لديك طبيعياً, ثم اعلمي أن الدعوة إلى الله عبر الكلمة الطيبة والنصيحة المبذولة هي جزء من الدعوة إلى الله فهناك الدعوة إلى الله من خلال ما تنفقي من مال لأجل الدعوة إلى الله من خلال طباعة الكتب والمطويات والأشرطة بل وحتى الدعايات المطبوعة لمجالس الذكر والدعوة إليها أو غيرها من أبواب الخير، فالدال على الخير كفاعله, وهناك الشريط الطيب الذي توزعينه على بنات جنسك وهناك المطوية المكتوبة والكتيب الإسلامي وغيرها من مجالات الخير والإرشاد, وأما ما تجدين من حظوظ النفس فهو مما لابد أن تشعري به في بداية أمرك ثم يخف بإذن الله مع المجاهدة وتقريع النفس بأهمية الإخلاص وعدم الاسترسال مع هذا الشعور.
لذا أوصيك دائماً بأهمية محاسبة النفس ومراجعتها وتقويمها ولو وجدت أن هناك حظاً للنفس فعليك بالإمساك، لكن انتبهي فقد يكون ما تجدينه وساوس شيطانية لصرفك عن أعظم مجال للخير ألا وهي الدعوة إلى دين الله قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)..
وأذكرك بأمر تعرفينه ولكن من باب التذكير ألا وهو الدعوة إلى الله من خلال القدوة بأن تكوني داعية لدينك دين الإسلام من خلال شخصيتك أي كوني داعية من خلال الاقتداء فكلامك كلام مؤدب ومنطقي ومبني على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفعلك يوافق قولك, عبادتك من صلاة أو صوم أو حج تكون على السنة متأسية بهدي محمد فالصلاة مثلاً تصلين بخشوع متأنية ومطبقة للسنة في حال ركوعك وسجودك.. إلخ فتعطين كل ركن حقه, وشخصيتك شخصية امرأة مسلمة متمسكة بدين الإسلام ولباسك لباس إسلامي من خلال حجابك وملابسك فحجابك ليس حجاباً مزركشاً ولا مخصّراً ولا ملوناً.... إلخ بل عباءة ساترة سوداء من أعلى رأسك لأخمص قدمك وملابسك كذلك لباس ساتر وليس لباس فتنة بسبب ضيقه أو شفافيته أو فتحات تبين بعض أعضاء الجسم وهكذا,وحتى يكون كلامك مقبولاً انتبهي أن تقولي قولاً أول من يخالفه أنت بل لا تقولي قولاً إلا وتكوني أنت أول المطبقين والفاعلين له واجعلي أمامك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
أسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ويجعلنا من الآمرين بالمعروف الفاعلين له ومن الناهين عن المنكر المتجنبين له.
وادعي ربك العظيم أن يفتح لك مجالات الخير ويجعل لك القبول بين خلقه ويجعل ذلك كله خالصاً لوجه الله تعالى.
المستشار : خالد بن سليمان بن عبد الله الغرير
... ==============
. اشكو من التثاؤب الدعوي
كنت يوما ما يشار إلي في الدعوة إلى الله والعمل والحركة بل كنت موجهه في المحاضن التربوية ولكني اليوم أصبحت أتعلم فن التثاؤب وقصرت كثيرا في الواجب بل أصبحت لا أجد في نفسي حرقة على أمتي ومجتمعي كما كنت من قبل ولا حول ولا قوة إلا بالله ,أحاول أن أعود وأتحرك كما كنت من قبل ولكني إلى الآن لم أفلح فبماذا تنصحني يا رعاك الله وأرجوك أيضا أن تدعو لي ؟
الجواب
الحمد لله , أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشرح صدورنا جميعا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأن يستعملنا في طاعته وأن ييسر لنا أعمالا زاكية يرضى بها عنا ... و بعد :..(9/30)
فإن آفة الفتور قد تعتري الدعاة إلى الله تعالى خلال مسيرتهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وقد جاء في الحديث النبوي الشريف (( لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك )) (أخرجه البيهقي )
وقبل أن أخوض في الأسباب التي توقع المسلم في مثل هذه الآفة , أذكِرك أختي في الله بأن عجلة الحياة ماضية , وكنز العمر ينفذ سريعا , والأرحام تدفع بالرجال ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) , والدعوة ماضية وهي دعوة الله لا يضرها من تقاعس فقعد أو أعرض فانتكس ( لا قدر الله ) مهما علا قدره وعظم شأنه , والميدان مليء بالرجال , والتنافس شديد , والهمم بلغت عنان السماء , وأبواب الجنة مشرعة للسابقين , والنصر حليف من يصبر في الساعة الأخيرة , والقوم في شوق إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهمهم مجلسهم منه يوم القيامة فهم ماضون في نصرة دينه لا يألون على شيء ولا يضرهم من قعد أو تأخر( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) , والذين التفتوا تأخروا على قدر التفاتهم .
ومن أسباب الفتور :
طول الأمد وقسوة القلب . ولا يحصل ذلك إلا إذا أهمل الداعية أوراده الإيمانية وأضعف صلته بالله سبحانه وتعالى وتأخر في ميدان التنافس الإيماني وأعمال القلوب وفترت نفسه وضعفت همته وثقل وتثاقل وآثر الراحة والدعة واشتغل بمباهج الحياة وتأخر في صفوف الصلاة .
تسلل الآفات إلى قلب الداعية دون أن يشعر كالرياء والعجب والكبر والحسد . . . وما إلى ذلك من الآفات التي تورثه فساد الرأي وعمى البصيرة وانطفاء نور القلب .
الركون إلى الدنيا والاشتغال بزينتها وزخرفها ونسيان الآخرة وتأخير الدعوة إلى الله في سلم الأولويات , ويحدث ذلك من خلال بعض المنعطفات الخطيرة في حياة الداعية كالزواج أو التجارة أو الوظيفة أو البناء أو الاشتغال بالشهوات المباحة أو المحرمة .......
الضغينة والشحناء , والتنازع والاختلاف الذي يقع بين الدعاة إلى الله تعالى ويؤدي إلى الفشل والانسحاب والبعد عن العمل الدعوي ( ونسيان أن الدعوة لله وليست لفلان وفلان )
ضعف الفقه الشرعي والفقه الدعوي الذي يعصم الداعية من اتخاذ القرارات الخاطئة التي تقذف به خارج صفوف الدعاة وتقوده إلى الإحباط واليأس والانضمام إلى جحافل القاعدين ( عن نصرة دين الله )
التأثر بقالة السوء , وما تلوكه الألسن المغرضة وتنفثه القلوب الحاقدة والخيالات المريضة حول الدعوة والدعاة .
الوقوع في شرك الترهيب والتخويف وتهويل الأمور الذي ييثه بعض العوام والتافهين , وأن الويل والثبور ينتظر العلماء المخلصين والدعاة العاملين إن هم تحركوا لنصرة الدين أو خالفوا إرادة أهل الأهواء وأرباب الشهوات .
ومن وسائل العلاج :
الدعاء والتضرع وسؤال الله بصدق وإلحاح , والتماس الأوقات والأزمنة الفاضلة التي ترجى فيها الإجابة .
إخضاع القلب لدورة إيمانية مكثفة تكون بمثابة دورة إعادة تأهيل تمكنه من الانطلاق من جديد .
إخضاع العقل لدورة ثقافية علاجية (( حيث أن الداعية إذا تأخر وقعد يفقد ملكاته وقدراته الدعوية , بل حتى لغة الخطاب الدعوي ترحل عنه , ولا يتصور أنه سيعود منذ اليوم الأول إلى ما كان عليه قبل القعود )) .
المسارعة بالبدء والانطلاق واستغلال حال الإقبال والانشراح وعدم إعطاء النفس أي فرصة للتردد والتبرير .
تخطي المعوقات الزائفة (التي يصورها الشيطان) والعمل على شحن النفس بجرعات عالية من التفاؤل والثقة .
التغاضي عما قد يبدر من البعض من معاتبة أو تعليقات ساخرة أو أي أذى نفسي , فإن ذلك سرعان ما يضمحل ويذهب في خضم الحركة والعمل لدين الله تعالى . والسلعة غالية والصفقة مربحة تستحق التضحيات .
الإخلاص والاحتساب واستحضار ما حصل من التقصير وعدم التطلع إلى المنازل القديمة في الدعوة إلى الله والتركيز على العمل والعطاء وتعويض ما فات .
المستشار : محمد فرغل ( بتصرف )
================
. كيف أحافظ على من دعوتهم ؟
كيف أحافظ على من تمكنت - بفضل الله تعالى - من دعوتهم إلى الله وإرشادهم إلى الطريق المستقيم من عدم الانحراف ، مع العلم بأن بعضهم من أسر يكثر فيها الاختلاط من والديه وأخوته مع أعمامه وأخواله وأبنائهم ، وهي تشكو لي دائماً من هذا الحال ، ولا أجد بيدي حلاً ؟ كيف أستطيع مساعدتها ؟
الجواب
الحمد لله , لاشك أخيتي أن من توفيق الله تعالى لعبده المسلم أن يكتب على يديه هداية إنسان ( كافر أو مسلم ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )) . أما المحافظة على من هداهم الله على أيدينا فيكون بإتباع المراحل المعروفة في الدعوة الفردية فهي كفيلة بأن تعين الداعية على الانتقال بالمدعو من مرحلة إلى مرحلة بثبات و استقرار , و هذه المراحل مدونة و مشروحة في العديد من الكتب الدعوية مثل كتاب ( الدعوة الفردية ) لمصطفى مشهور ( رحمه الله ) . أما بالنسبة لهذا المدعوة و ما ذكرت من وضع عائلتها فإني أنصحك بالأمور التالية :
- مناصحة المدعوة بالتعقل و عدم القيام بأي عمل أرعن مع عائلتها لأن ذلك سيشكل حاجزا يحول دون تقبلهم للنصح مستقبلا
- دراسة نفسيات أفراد العائلة وتصنيفهم بحسب قربهم و بعدهم من تقبل الخير و الاستجابة للنصح
- تدارس أساليب تعين المدعوة على كسب ثقة العائلة
- البدء بدعوة أفراد الأسرة القريبين من الخير و كسبهم للمساعدة على تغيير سلوك العائلة(9/31)
- البعد عن مناسبات العائلة المشتملة على منكرات معلنة و ظاهرة إلا في حال وجود مصلحة دعوية راجحة تعين على قطع هذه المنكرات مستقبلا
- تنبيه المدعوة إلى أن صقل شخصيتها و ثباتها على مبادئها يورثها حب الناس و احترامهم و كسب ثقتهم مما يعينها على تغيير حالهم بإذن الله تعالى
- اختيار تشكيلة مناسبة و مؤثرة من الكتيبات و الأشرطة و إهدائها و توزيعها على أفراد الأسرة
- دراسة و اقتراح بدائل شرعية مريحة للعائلة ( قدر المستطاع ) لجميع المخالفات المرتكبة أثناء الزيارات و اللقاءات .
و الأهم من ذلك كله الدعاء الصادق في ظهر الغيب و التضرع إلى الله تعالى بأن يشرح صدورهم و يحبب إليهم الهداية و الاستقامة ( و تخصيص الوالدين و القرابة القريبة بمزيد من الدعاء و تسميتهم في الدعاء )
المستشار : محمد فرغل
المصدر : وسط نت ( بتصرف )
=============
. كيف نجمع بين الأثنين
كيف توفق الداعية بين أمورها الخاصة التي لا تتعلق بأمور الدعوة وبين أمور الدعوة المكلفة بها ، أو أن تلزم الداعية نفسها بأمور دعوية تجهدها مع أمورها الخاصة ؟
الجواب
من التعارض بين متطلبات الدعوة وشئون المسلم إنما ينشأ من أحد أمرين :
1. كثرة الأعباء وتحميل النفس مالا تطيق من الأعمال .
2. سوء الترتيب وضعف التنسيق بين هذه المطلبات جمعها .
وعلاج ذلك يكون بمراجعة الداعية لوضعها ، والنظر في أعمالها هل فيها شيء من المبالغات والحماس الزائد في جانب متطلبات الدعوة أو في جانب المصالح الخاصة ، ومعالجة ذلك بالاعتدال والتوازن .
ثم بعد مراجعة التنسيق والتنظيم للوقت والأعمال بوضع جدول واضح ، وتوزيع أعمالها ومسؤولياتها بحسب الأولوية وتحديد الوقت المناسب لكل عمل تحت شعار " أعط كل ذي حق حقه " .
وإذا لم تنجح الداعية في تنظيم حياتها ومسؤولياتها فإنها بالبديهة لن تنجح في تنظيم حياة الآخرين وتوجيههم .
المصدر : نقل بتصرف من موقع "الوسط نت"
==============
. أصاب بقنوط
الحمد لله الذي منّ علي بالالتزام من حوالي 4 أعوام وبعد الالتزام بفترة سلكت طريق الدعوة إلى الله مع أخواتي الآخريات، وانغرست في حقل الدعوة، ولكن هناك مشكلة تقابلني هي أنني عندما أقع في بعض الذنوب المعينة تتدهور علاقتي مع الله وأصبح في فتور، وربما تؤدي بي إلى القنوط وتكون النتيجة أنني أنقطع عن الدعوة في هذه الفترة بدعوى أن أهم شيء هو إصلاح نفسي أولاً حتى أستعيد قوة إيماني من جديد، فهل أجد عندكم من حل لهذه المشكلة الصعبة؟
الجواب
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًّا.. آمين، ثم أما بعد:
فاعلمي-أخييتي - أن الله عز وجل قد منّ عليك بنعم كثيرة، في مقدمتها، نعمة الإسلام، ونعمة الالتزام، ثم أكرمك بأن اختارك للقيام بأشرف مهمة ألا وهي مهمة "الدعوة إلى الله"، قال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، فاحمد الله -أختي - على هذه النعم الكثيرة، وأدِّ شكرها ليزيدك الله من نعمه وفضله قال تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"، ومن أداء شكر هذه النعم أن تستمري في تبليغ دعوته سبحانه وتعريف عباده عليه، بإرشادهم لطريق طاعته وتحذيرهم من مغبة معصيته.
أما عما وصفتيه في رسالتك بأنه (مشكلة) تقابلك وأنت في طريق الدعوة، عندما تقعين في بعض الذنوب، فإنني أعتقد أن هذا أيضًا من نعم الله عليك، ذلك أنك -كداعية- بمجرد أن تقعي في ذنب تستشعرين بالخطر، هذه صفة طيبة، فلتحمدي الله عليها، نعم. احمدي الله أن رزقكِ قلبًا يستشعر خطورة الذنب في حق الخالق سبحانه، فكم من الناس لم يمن الله عليهم بهذه النعمة (نعمة استشعار خطورة المعصية)، غير أن هذا الاستشعار يجب أن يدفعك إلى مراجعة نفسك والمبادرة بالاستغفار امتثالاً لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ".
فحري بك أن تسارعي إلى التوبة والعودة إلى الله، لا أن تصيبك المعصية بنوع من اللامبالاة فتستمري المعصية، واعلمي أن الداعية إلى الله ليس نبيًّا معصومًا، وإنما هو بشر، يخطئ ويصيب، قد يقع في ذنب أو معصية لكنه سرعان ما يرجع إلى الله طالبًا منه العفو والغفران، وأنه عندما يرتكب ذنبًا ولو كان صغيرًا جدًّا فإنه يستشعر الخطر، فيؤنب نفسه، ويعاتبها.. كيف لي أن أتجرأ على معصية الله بعدما منّ عليّ بكل هذه النعم؟!
أما ما قلتيه من أن ارتكابك لبعض الذنوب يدهور علاقتك بربك، فهذا هو الخطر، فالفارق بين المؤمن والمنافق أن المؤمن إذا أذنب ذنبًا في حق الله دفعه ذلك إلى المبادرة بالتوبة وتحسين الصلة بالله، والإكثار من الاستغفار، كما أنه ينظر إلى ذنبه -ولو كان صغيرًا- على أنه كالجبل يوشك أن يتهدمه، أما المنافق فإنه ينظر إلى ذنبه -ولو كان عظيمًا- على أنه كالذبابة وقفت على وجهه فيهشها بيده!!!(9/32)
فإياكي إياكي أن تتدهور علاقتك بربك، وليكن استشعارك الخطر لارتكابك بعض الذنوب دافعًا لك لمزيد من الفرار إلى الله لا من الله، واحذري أن تطول بك مدة الفتور، فإنها تؤدي على الكسل عن الدعوة، ثم إلى التثاقل عن حمل مهامها، ثم إلى تركها والبعد عنها، ثم... ثم... إلى القنوط من رحمة الله قال تعالى: "وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ"، فاتقِ الله في نفسك ودينك ودعوتك، وشمري عن ساعد الجد، وعودي إلى ربك وخذي من معصيتك دافعًا لمزيد من الطاعة.
وختامًا،
فإن من الأخطاء الشائعة في عالم الدعوة على الله قول البعض -ممن يستشعرون التقصير أو يرتكبون بعض الذنوب الصغائر- قولهم: إنني غير صالح لمواصلة الطريق، عليّ أن أتوقف -لفترة- حتى أصلح نفسي!!. وهذه هي بداية النهاية في حياة الدعاة، عندما تسول لهم نفوسهم أن انقطاعهم عن طريق الدعوة سيصلح حالهم!!، فاعلمي أخيتي -حفظك الله- أن الداعية تدعو إلى الله فإن الله يكرمها بإصلاح حالها، فمثلاً لو كانت هذه الداعية مقصرة في صلاة النوافل، أو مقصرة في وردها القرآني، فإنه عندما تذكر الناس بفضل وأجر النافلة وعظيم الثواب المنتظر من المحافظة على الورد القرآني فإنه -ولا شك- سيكون بعدها أشد حرصًا عليهما.
نعم الأصل أن الداعية يدعو الناس إلى ما يؤمن به، ويحافظ على فعله، لكنه أيضًا لا يحرم الأجر من الله إن ذكر الناس بسنة أو دعاهم إلى الحفاظ على نافلة، أو فضيلة، ومن إكرام الله له أن يصلح له نفسه وأن يرزقه الحفاظ على ما يدعو الناس إليه.
فامضي في دعوتك، ولا تتوقفي في الطريق، ولا تستسلمي لنوازغ الشيطان، واجتهدي في الاستغفار والتوبة، واعلمي أن الله سيصلح لك قلبك، وسيعيد إلى إيمانك شبابه، فتوكلي على الله تعالى.. نسأل الله تعالى أن يهديكِ إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
اسلام أون لاين - نقل بتصرف
=================
. لا أريد أن أفشل في منزلي !
الأستاذة حفظك الله، دعيني لأشكو إليك همي، فأنا أعمل في مجال الدعوة منذ سنوات ومحملة -وربنا يتقبل- بكثير من الأعباء الدعوية، حيث لا يخلو يوم من عمل دعوي، وكذلك زوجي ولله الحمد داعية مجاهد على نفس المنهج.
ورغم كوننا هكذا، فإن أبناءنا للأسف الشديد لم يشبوا على ما نريده ونتمنى، فابنتي عشر سنوات لا تريد الصلاة ونلح عليها دائما وتهملها، ولا تصلي إلا إذا أنبناها، والابن الأصغر أيضا كذلك، غير أنهما أيضا لا يتسمان بالهدوء والسكينة التي أراها في أبناء أخواتي الداعيات. ولا أدري لماذا وما العمل؟؟؟ لا أريد أن أنجح خارج البيت وأفشل داخله، أرجوك ساعديني، وقولي لي ماذا أفعل مع أبنائي ليكونوا كما أريد؟
الجواب
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخت الكريمة.. تقبل منك صالح الأعمال ورزقك التوفيق والنجاح في عملك وبيتك وكل حياتك.
أول ما بادرني من شعور عندما قرأت سؤالك هو القلق الشديد على أبنائك؛ فالأطفال جد صغار!! وأنا أقدر قلقك على عدم انضباط ابنتك في الصلاة، لكني أدعوك إلى الرفق ثم الرفق ثم الرفق بأبنائك، وليكن اهتمامك الأول الآن هو تنمية وتعميق صلة وعلاقة جميلة بابنك وابنتك؛ فقد يكون رفض الفتاة لأداء الصلوات نوعا من الاحتجاج على انشغالك الدائم عنها!! أو نوعا من التمرد المصاحب للمراهقة المبكرة.
ولكن دعيني أنصحك بخطوات عملية لتحبيب ابنتك في أداء الصلاة:
1- أن تكفي تماما عن زجرها وتعنيفها في أي شيء يمس للصلاة!!.
2- أدعوك إلى تحبيبها في الصلاة بكل ما هو جميل من الأحاديث وحياة الصحابة رضي الله عنهم وأحاديث الجنة مما يفتح شهية الصغار لحب الصلاة.
3- لا مانع من أن تحضري لها ملابس صلاة جميلة جديدة وأن تعملي جاهدة على أن تصلي مع أبنائك الصلوات الخمس.
4- أن تعتبري هذا الأمر مسألة لا تنجز في يوم أو أسبوع، ولكنها تحتاج إلى مثابرة واستمرارية وصحبة جميلة بينك وبين ابنتك على وجه الخصوص.
5- لعل ذلك الأمر هو فرصة طيبة للغوص في شخصية أبنائك وفهم خصائصهم النفسية؛ فتتعرفين على أنسب الوسائل التي تنفذين بها إلى قلوبهم وبناء صداقة مع الأبناء يساعد كثيرا على في التواصل معهم بصورة سلسلة تجنب كثير من المشكلات في فترة المراهقة وما بعدها.
6- اعلمي أختاه أن كل ابن وكل ابنة نسخة فريدة؛ فلا تقارني أبناءك بأبناء الأخريات، ولا تطلبي منهم أن يكونوا مثل فلان أو فلانة، بل اعملي على أن يكون ذواتهم بما منحهم الله من صفات وخصائص، ودورك الأهم هو في اكتشاف هذه الصفات والخصائص وتنميتها وتقويمها إذا لزم الأمر.. وفقك الله لما يحب ويرضى.
المصدر : اسلام اون لاين ( بتصرف )
==============
. أصاب بفتور
داعية لها انشغالات كثيرة في أمورها الخاصة ، وتعطي ما تبقى من وقتها لأمورها الدعوية ماذا تفعل في هذه الحالة مع حرقتها الكبيرة على الأمة؟ .
الجواب
هو أن الداعية التي تعطي دعوتها فضول الأوقات وزوائد الجهود ، بينما تقع اهتمامها على الأكبر بمصالحها الدنيوية الخاصة هي داعية تجوّزاً لا حقيقة ، وصورة لا واقعاً ..
إن الدعوة إلى الخير لن تنتشر في الأمة ، وسلبيات المجتمع لن تتغير بمثل هذه المساهمات الضعيفة ، وإذا لم نعط الدعوة الأولوية فعلى الأقل اجعليها في درجة اهتمامك بمصالحك الخاصة .
لن تفلح أمة تجعل سعيها للدينار والدرهم أهم من سعيها للدين ونشر الخير في نفوس الناس : (وجاهدوا في الله حق جهاده ) .
المستشار : د.مصطفى مخدوم
المصدر : الوسط نت
=============
. أحب الدعوة.. دلوني على الطريق(9/33)
السلام عليكم، أنا أحب الدعوة إلى الله، ولكني أرى المنكر ولا أعرف كيف أغيره، ولا يوجد عندي أسلوب؛ لدرجة أنه يوجد معي فتاة غير محجبة ولا أعرف كيف أبدأ معها وأناقشها؟.
الجواب
السيدة الفاضلة ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فإن حبك للدعوة أمر محمود، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
ورغّب فيه النبي صلي الله عليه وسلم فقال يوما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم". رواه البخاري.
والدعوة إلى الله لا بد لها من علم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
ولحمة الدعوة وسداها هي الحكمة والموعظة الحسنة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"} [النحل: 125]؛ فهذا أمر ينبغي تحصيله قبل الدعوة وفي أثنائها وبعدها وفي كل وقت، ولا يمتنع المسلم عن الدعوة مخافة الوقوع في الخطأ أو لقلة علمه، وقد قال النبي عليه السلام: "بلغوا عني ولو آية" [رواه البخاري].
بالإضافة لذلك الجزء النظري لا بد من الاطلاع على سيرة من مارسوا هذا الأمر، والاستفادة من تجاربهم، فمن وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره. وبهذا يتكون لديك الكيفية والأسلوب.أ
وهكذا لا بد من التدرج وغرس العقيدة أولا، وملء قلبها بحب الله والخوف منه واليوم الآخر، فإذا صح الأساس صح فوقه كل شيء، وإذا فسد فسد كل شيء، حتى لو صح إلى حين.
ويمكنك بعد إيقاظ قلبها أن تعيريها أشرطة عن مناسبة عن الحجاب ففيها فائدة إن شاء الله
المصدر: اسلام اون لاين..." بتصرف"
==============
. أحس أني داعية فاشلة !
أنا مسلمة ملتزمة والحمد لله، وأحتسب نفسي داعية إلى الله، أقوم بإلقاء الدروس والمحاضرات كما أقوم بالدعوة بين طالباتي حيث إني معلمة، أعيش مع والدي حيث أني مطلقة (و ليس لدي أبناء) و لدي ثلاث أخوات في سن المراهقة 13-15-18 سنة، المشكلة تكمن في أخواتي لأني كنت بعيدة عنهن في صغرهن (عندما كنت متزوجة لمدة 6 سنوات)، ولما عدت إلى بيت والدي كن قد كبرن وأصبح من الصعب التأثير فيهن، فهن عنيدات، ولديهن تصرفات كثيرة خاطئة، كعدم الالتزام بالحجاب الصحيح، وكثرة الخروج للأسواق و المراكز، والجلوس على برامج الشات .. واكتشفت منذ فترة أن إحداهن (15سنة) تكلم شابا بالهاتف، دارت بي الدنيا ولا أعرف حتى الآن كيف أتصرف وكيف أتأكد من الموضوع، إن أخبرت أخوتي الرجال سيحدث ما لا تحمد عقباه؛ خصوصاً وأني غير متأكدة.. وإن كانت هناك دلائل تؤكد ذلك لكن ليس قطعياً.. علاقتي معهن طيبة إلا فيما يختص بالنصح والإرشاد؛ فهن لا يقبلن مني النصح، بل ويتطاولن علي أحياناً، وأحياناً كثيرة يخفين أمورهن عني حتى لا أنصحهن وقد يؤدي هذا الأمر بهن إلى الكذب، وغالباً ما أكتشف الحقيقة فيؤلمني تصرفهن هذا كثيراً.. عندما أرى تصرفاتهن أحس أني داعية فاشلة.. حيث إني أصلح بنات الناس ويسمعن لي ولا أستطيع أن أصلح أهل بيتي.. ماذا أفعل وكيف تكون الطريقة المثلى للتعامل معهن؟
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ذكرت تصرفات أخواتك التي يظهر عليهن بعض السلوكيات المنحرفة، وتشعرين بأنك داعية فاشلة؛ لأنك تستطيعين نصح الناس ولم تستطيعي التأثير في منزلك.. هذا الشعور إحباط من مداخل الشيطان على أي داعية، ويجب أن نعلم أنه ليس بأيدينا قلوب البشر، وأننا نعمل الأسباب، والتوفيق بيد ربّ العالمين سبحانه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهد عمَّه، وإبراهيم عليه السلام لم يهد أباه، ونوح لم يهد ابنه..
ولكن علينا أن نقوم بكل ما في وسعنا من أسباب إنقاذ من حولنا من النار {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}.
لا شكَّ أنَّ الأسلوب اللبق والخلق الحسن والكلمة الطيب مفتاح القلب، وأننا لو نشعر من أمامنا بحبنا له وخوفنا عليه، نعمل الأسباب من التشجيع والتفاؤل أحياناً واتخاذ الأساليب المتنوعة لدعوته من داخل البيت ومن خارجه.
عرفي أخواتك على الأخوات الطيبات وعلى دور القرآن، ولا شك في أنَّ بعضهم ألين من بعض، فابدئي بأقربهن إلى الخير ولا تتحدثي عنهم أمام الآخرين وحافظي على أسرارهن، ولا بدَّ أن تصلي إلى نتيجة بإذن الله، وعليك بالدعاء وستصلين إلى مبتغاك عاجلاً أو آجلاً، فلا تتسرعي النتائج، فيمكن أن لا يظهر أثر نصحك عليهن إلا بعد عدة سنوات.
أما بالنسبة لأختك التي تتحدث في الهاتف؛ فبإمكانك التأكد من ذلك عن طريق مسجل الهاتف الذي يستخدم داخل المنزل، ثمَّ اختاري الأسلوب المناسب للمعالجة، إما بالمصارحة وإسماعها صوتاً، أو بالتلميح بعد أن تتأكدي، وهناك قصص واقعية مؤثرة للأخوات نوال عبدالله وأمل عبدالله عن (رسائل حب) تحكي واقعاً أليماً لفتيات سلكن هذا الطريق المؤلم، فحبذا لو أهديتيها لأختك حتى تعتبر بها، وعليك بكثرة الدعاء، وأسأل الله لكِ الحكمة؛ فالحكمة: أن تضعي الشيء في موضعه، سواء كان الموقف يتطلب ليناً أو حزماً.
أعانك الله وسدد خطاك.
د/ الجوهرة المبارك / لها أون لاين
=============
. المرأة الداعية.. مشكلات من نوع خاص
ما هي المشاكل ذات الطابع الخاص التي تمس الدعوة النسائية؟
الجواب(9/34)
الدكتورة منى حداد: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، إن المشاكل ذات الطابع الخاص التي تمس الدعوة النسائية هي عديدة، وربما لا نستطيع حصرها في كلمات، من أهم هذه المشاكل المرأة المسلمة ذاتها. فهي -أي المرأة- إذا لم تعي دورها كما يجب فستقع في مشاكل عديدة أثناء قيامها بواجب الدعوة، وفي كامل سلوكها في الحياة. فمطلوب إذن أولاً من المرأة الداعية كما أراده الله لها، لا سيما أنه قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. هذا العمل الصالح إنما أراده الله للمرأة كما أراده للرجل، فحين تبدأ الداعية المسلمة بإصلاح عملها سواء في حياتها الخاصة أو في دعوتها لسائر بنات جنسها ولكامل مجتمعها لا بد أنها ستحيا حياة طيبة وستوفى أجرها بأحسن مما كانت تعمل. المشكلة الأساسية إذن هي المرأة نفسها، لا سيما أنها كما تشكل نفسها تساهم في تشكيل باقي أعضاء المجتمع حين تربي هذا الباقي على ما يريده الله عز وجل من قواعد وسلوك، فهي الأم وهي الزوجة وهي الأخت وهي الابنة. فلتنظر المرأة إلى نفسها ماذا قدمت بحق ذاتها وبحق مجتمعها ولتحدد خطها وطريقها بعد ذلك. هذه المشكلة الأولى، وهناك مشاكل عديدة، لا سيما منها ما تتعرض له الأخت الداعية في المجتمع من ضغوطات أسرية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو ربما حركية (تنظيمية).. كل هذه الأمور قد تتعرض لها الأخت الداعية ولكن نقول إذا تجاوزت المشكلة الأولى بالنظر لتحديد قيمتها دورها وإنسانيتها فلا شك أنها ستستطيع بعون الله تجاوز المشاكل الأخرى مهما تعددت. أما عن تسمية الدعوة النسائية على نسق الحركة النسائية فإنني أقول: إذا ما بدأنا بدعوة نسائية بحتة الآن فنحن على طريق العمل الدعوي الإسلامي العام؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}؛ فهو يقرن المؤمنين بالمؤمنات حين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. لقد حدد لنا سبحانه وتعالى بل بشرنا بأنه سيرحمهم {أولئك سيرحمهم الله}. نعتبر نفسنا في طريق العمل الدعوي العام، ولا داعي لتسمية دعوتنا بالدعوة النسائية على نسق الحركة النسائية؛ لأنه عند ذلك سنضع الفوارق والحواجز وبأيدينا بين المرأة والرجل، وسنعود إلى الصراع الذي عاشته المرأة مع الرجل منذ نشأة الحركات النسائية، علمًا أننا في الإسلام لا نجد مطلقاً داعياً لهذا الصراع طالما أن الله سبحانه وتعالى أعد للجميع مغفرة وأجراً عظيما وثواباً لكل عمل قدمه الإنسان من ذكر أو أنثى.
المصدر : إسلام أون لاين
===============
. تسمية الدعوة النسائية
س: هل صحيح تسمية الدعوة النسائية.. على نسق الحركة النسائية؟ نحن الداعيات المسلمات لا نجد مطلقاً فارقاً بين الرجل الداعية والمرأة الداعية من حيث الواجب ومن حيث الدور ومن حيث الأجر، فلِم الصراع إذن؟ ولِم نكون دعوة نسائية فحسب؟
الجواب
الأستاذة حكيمة المختاري: إن حمل أمانة عظيمة مثل أمانة الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ كلمته عن رسوله صلى الله عليه وسلم، مهمة عظيمة كلف الله تعالى بها المرأة كما كلف الرجل. وخصوصية المرأة أنها ذلك المحضن الذي تتربى فيه الأجيال، منذ نعومة أظافرها، خصها الله تعالى بالحلم وسعة الصدر واللين واللطف ما تنفق به على النساء كافة على الأقرب فالأقرب. لا بد من الحديث أولا عن مصطلحي الدعوة والمرأة، فماذا نقصد بالدعوة ومَن هي المرأة الداعية والمدعوة؟ الدعوة هل هي دعوة للحجاب؟ أم للصلاة؟ أم هي ربط بالله سبحانه وتعالى؟ وبالتالي اختيار الإنسانة المدعوة بين زينة زائفة وبين ما عند الله عز وجل. ولا بد أيضا للحديث عن الدعوة في صفوف النساء من التعرض للسياق التاريخي الذي مرت منه المرأة موءودة تحت التراب إلى أن كرمها النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجعها إلى المسجد؛ المكان الذي تلتقى فيه الدعوة بالدولة. مرورا بعهد الخلفاء الراشدين إلى الانكسار التاريخي الأول والذي أصبحت فيه المرأة حبيسة الجدران فانحبست بذلك قدرتها على التربية والعطاء والمشاركة في الحياة العامة للمسلمين. إن مشاركة المسلمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ركن أساسي من أركان الدين. فمن الآيات التي نص فيها الحق سبحانه على مكانة المرأة في واجب السهر على دين الله قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}؛ فهذا تكليف من الله سبحانه وتعالى للمرأة بحمل العبء ودعم بناء المجتمع الإسلامي ، تكليف من صميم الدين.
المصدر:إسلام أون لاين
=============
. مجتمع غربي
أنا أعيش حالياً في بلد غير إسلامي وحولي بعض المسلمات منهن المتزوجات ومنهن صغيرات السن والشابات، كيف أستطيع أن أدعوهن إلى التمسك بقيم الإسلام وأخلاقه في ظل المجتمع الغربي المفتوح الذي نعيش فيه؟
الجواب
هذا المجتمع الغربي الذي تصفينه بأنه مفتوح وتتساءلين عن كيفية الدعوة فيه للتمسك بقيم الإسلام وأخلاقه هو مجتمع يستحق منك الشفقة والاهتمام أيضاً.
هذا المجتمع بكل سيئاته يحتاج إليك وإلى جميع الدعاة الذين انتهجوا نهج الإسلام عملاً والتزاماً ومقولاً.
هو بحق يحتاج إليك لتبرزي هذا الإسلام الذي في داخلك لتفوح منك ريح المسك من خلال تعاطيك معه.(9/35)
أما أخواتك المتزوجات وصغيرات السن والشابات فعندما تكونين قدوة صالحة لهم فسيحببن فيك الدين والإيمان والالتزام.
افتحي للجميع قلبك ووسّعي صدرك لترتاح عليه كل مسلمة وكل محتاجة إلى سماع كلمة الحق ودعوة الإسلام. هذه الدعوة الربانية التي يمكنها أن تستنقذ البشرية من عثراتها ومن آلامها وأمراضها.
الجميع بحاجة إليك في ذلك البلد المفتوح، والذي يعني الاستعداد للتلقي وللتبصر وللفهم وللأخذ.
فهلا كنت تلك الداعية التي بإمكانها أن تكون شامة في مثل هذا المجتمع الضائع والتائه؟ أما بالنسبة للفريق من النساء والشابات حولك فبإمكانك الاطلاع على العديد من التوجيهات والبرامج التي تستطيعين قراءتها ومتابعتها على جميع المواقع الإسلامية، ما دمت تستعملين الإنترنت فبإمكانك أن تستفهمي عن أي أمر أو أي موضوع ولكن لا بد أولاً وابتداءً من التزود بالثقافة الإسلامية المطلوبة والضرورية دون أن تدعي إمكانية الإحاطة في كل أمر وكل شيء ولتنطلقي داعية مخلصة لدعوتها بين من تعرفين من النساء.
ولا تنسي مطلقاً أن تنشري عطرك في كل الأجواء التي تمرين بها من خلال موقف صادق أو كلمة طيبة أو معاملة حسنة أو منظر لائق أو استقامة واضحة حتى يشار إليك بالبنان وحتى تحببي الآخرين بدينك وبإسلامك.
المستشار : د.منى حداد
المصدر : إسلام أون لاين
... ================
. نصائح لدعوة الجيران في رمضان
أريد منكم برنامجا دعويا أقوم به مع جيراني في رمضان، حتى يكون هذا الشهر نقطة فارقة معهم.
الجواب
إن نقطة البداية في دعوة الجيران هي إدراك المسلم ما للجار من حق في الشريعة، وذلك يجعل المرء يدرك أن عونه لجيرانه والأخذ بأيديهم في سبيل عمل الصالحات، والسعي لتقريبهم إلى الله تعالى واجب شرعي، وحق اجتماعي، فالمسلم لا يعيش منعزلا، ولا يعيش في المجتمع فردا، ولكنه لبنة صالحة دءوبة تسعى للحفاظ على هذا المجتمع. وليس الحفاظ هنا محصورا في المحافظة على المنشآت والمباني، والالتزام بقواعد المجتمع وقوانينه فحسب، بل أساس صلاح المجتمع قائم على صلاح الناس الذين يمثلون هذا المجتمع، لأنهم هم المجتمع، وما سواهم عوامل مساعدة، أو أدوات لازمة لتيسير حياتهم. وفي ظني أنه ليست هناك عقيدة أولت الجوار أهمية مثل الإسلام، حتى أوصله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكاد وارثا حين قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه) رواه البخاري، وهذا الحديث المحفوظ يحتاج إلى معرفة فقهه، حتى ندرك ما فيه من معاني سامية لتلك "الرابطة الجيرانية".. والأمر الأول: الذي يُلحظ في الحديث أن الوصية بالجار تكررت بشكل كبير جدا، على غير العادة في كثير من شرائع الإسلام التي جاء الأمر بها، وربما تكررت التذكرة فيها، لكن لم نلحظ التكرار في الوصية على فعل شعيرة من الشعائر مثل ما جاء في الجار، وبعض الشرائع الأخرى، كالصلاة وحسن الخلق. الأمر الثاني: أن الأمر تعدى التكرار، بل وصل إلى حد الصلة الوثيقة التي تعتبر الجار واحدا من الأسرة، وبهذا المعنى يجعل الإسلام الجيران أسرة واحدة، بل بالنظر في المجتمع نجد بعض الجيران هم أقرب للإنسان من إخوته ومن أبيه وأمه، وهذا يشير إلى إعجاز الحديث من الناحية الاجتماعية. إذا كان هذا التمهيد، فإن البرنامج المطلوب لن يكون خطوات مرسومة بقدر ما هو تفتيح للأذهان، ومحاولة للتفكير بشكل جماعي يثير الاهتمام، ويدعو للإبداع والتجديد، وفق قراءة الإنسان لحاله ومعرفته بجيرانه، وما يمكن أن يقدمه لهم.
ومن أهم ملامح هذا البرنامج ما يلي:(9/36)
1- مصالحة كل من بينك وبينه شحناء أو بغضاء من الجيران، إذ لا يمكن دعوة لأحد أن يدعو أحدا وبينهما شحناء أو ضغينة، وهذا بمثابة تنظيف التربة قبل حرثها، ونزع للضرر من الأرض، حتى تؤتي ثمرها. 2- التمهيد لشهر رمضان، والتذكير بفضله، من خلال إهداء بعض الملصقات عنه، أو الشرائط التي تتحدث عن فضله، أو إخباره ببعض البرامج التي تتناول رمضان قبل مجيئها، فإن هذا يعد من باب التهيئة النفسية قبل الفعل، وهي من الأمور اللازمة لنجاح أي عمل إنساني. 3- يمكن تزيين المربع السكني الذي تعيشون فيه ببعض الزينة التي تجعل هناك تهيئة عامة للشهر أيضا، وهذا شكل يلحق النقطة السابقة مع تمايز الوسيلة بينهما. 4- لو كان من الممكن استضافة الجار وأسرته في إفطار جماعي، فإن هذا يقرب العلاقة بين الأسرتين، ويجعل القلوب تتآلف، ويمهد لك أن تدعوه لما هو مباشر في الدعوة، وقد يكون لطيفا أن تتفقوا على إقامة إفطار لسكان "البناية، أو العمارة" في يوم ما من أيام الشهر، وأن يساهم في ذلك كل بيت بما يستطيعه، وأن تقوموا بتجهيز برنامج مناسب لهذا اليوم، وأن يقوم أحدكم بتلاوة الأذكار، ويكون هناك من يذكر بدعاء الإفطار، وتصلون جماعة.. 5- الزيارات الخفيفة له، والسؤال عنه قبل رمضان إن أمكن، والاتفاق مع من تراه متقبلا لهذا الأمر منهم على أن تقوموا معا بزيارة غيره من الجيران. 6- التعاون مع الجيران في بعض الأعمال الخيرية في رمضان، كإفطار الصائمين، أو الصدقة أو إرسال بعض الحاجات الأساسية للأسر الفقيرة في محيط المربع السكني، فتحريك الجار للخير يجلب في نفسه حب الخير بشكل عام، ويدفعه للمزيد من عمل الخيرات. 7- عمل مقرأة للقرآن في مسجد الحي، أو في بيت أحدكم بعد صلاة التراويح، أو في أي مكان ترونه مناسبا. 8- الاتفاق مع الجيران على الصلاة في مسجد تختارونه يكون قريبا، وأن يكون الإمام حسن الصوت، وبه بعض الأنشطة الدعوية، حتى يعيش الجيران جو رمضان. 9- عقد حلقة لتعليم القرآن وحفظ آيات منه لأبناء الجيران، على أن يكون الحفظ قليلا، والمقصود منه غرس حب القرآن في نفس الأولاد، وأن تهدف هذه خطوة للاستمرار فيها بعد رمضان. 10- اقتراح اصطحاب الزوجات لصلاة التراويح مع الرجال، حتى ينعمن بثواب الصلاة وشهود جماعة المسلمين. 11- رصد جائزة لمن يواظب على صلاة الجماعة المفروضة في رمضان. 12- رصد جائزة لمن يحافظ على صلاة التراويح في شهر رمضان. 13- تفقد أحوالهم دائما، والحرص على زيارة مريضهم، مع اصطحاب بعض الجيران معك للمريض، حتى توثق العلاقة بين الجيران جميعا. 14- الاتفاق مع الجيران على الاستعداد للاعتكاف في أحد المساجد قدر المستطاع، فإن لم يكن الأيام العشرة كلها، فليكن بعضها، فإن لم يكن فجزء من اليوم أو الليل.. المهم أن تكون سنة الاعتكاف من العبادات المطبقة بأي شكل. 15- الاستعداد لقيام ليلة القدر، والاتفاق على المسجد الذي سيصلى فيه، ومعرفة الأفضل عندهم، هل في مسجد في الحي، أم الذهاب لأحد المساجد الكبرى، المهم هو قيام ليلة القدر.. وهي كما هو مشهور عند كثير من الناس، وما عليه عدد من العلماء أنها ليلة السابع والعشرين؛ وأن تحذر الحديث في الخلاف في يومها، فعمل الداعية غير عمل الفقيه، فالفقيه يبين الحكم، والداعية يدفع الناس للعمل به، فاهتم بالعمل ولا تهتم بالخلاف. 16- الاهتمام بيتامى الجيران والحي، والسعي في قضاء حوائجهم، وإشراك الجيران في تلبية حاجاتهم الأساسية، وتوفير ما يلزمهم من ملابس العيد. 17- تعجيل ما يفعله الناس من حاجاتهم الدنيوية قبل دخول العشر الأواخر، وألا تنشغل النساء أكثر من اللازم بعمل "كعك العيد" وغيره، بل التخفف منه، وشراء ما هو جاهز أولى، وشراء ملابس العيد مبكرا قبل العشر الأواخر، حتى يتفرغ الجميع للاجتهاد في العبادة. 18- اجلس مع الجيران، واجعلهم يشاركونك في وضع برنامج لبعض الأعمال التي يمكن أن تقوموا بها، فالمشاركة تجعل الناس يولدون أفكارا جديدة، كما تحثهم على العمل، لأنهم جزء منه، لا أنها أفكار مطلوبة منهم يؤدونها. 19- حثهم على السعي للتقليل من مشاهدة التلفزيون والفضائيات، ويمكن انتقاء بعض البرامج النافعة، وعمل ورقة ترصد أهم البرامج الدينية المميزة في رمضان حتى تكون المشاهدة نافعة، يؤجرون عليها، مع محاولة السعي للتقليل من المشاهدة عامة. 20- إحياء سنة أذكار الصباح والمساء بتوزيعها مطبوعة، أو من خلال بعض الشرائط المسجلة عليها. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل00
المستشار : أ.مسعود صبري
==============
. دور الداعية في المنزل
لي أب يفعل المعاصي، ولا يصلي إلا نادراً، وأنا أحياناً أنصحه، ولحرصي على هدايته قد أقسو في نصحه، فما توجيهكم - حفظكم الله-؟
الجواب(9/37)
قرأت مشكلة الأخت مع والدها الواقع في بعض المعاصي والمشكلة يبدو أنها تتكرر كثيراً مع بعض الشباب وبعض الفتيات، بسبب الحماس الذي يتميزون به من جراء ما حصلوا عليه من العلم والمعرفة، ومن جراء الرفقة الصالحة التي تحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.لكن قد يصاحب ذلك أحياناً بعض الجفاء الناتج عن نقص التربية، فالشاب، أو الفتاة حينما يعاد على مسمعه دائماً قصة قتل أبي عبيدة لأبيه- وهي ضعيفة سنداً ومتناً- ،أو قصة سعد حينما يقول لأمه: "لو كانت لك مائة نفس" مع ما ركب في الطبع البشري عند جيل الشباب من الانصراف عن هموم الجيل السابق، وعدم القدرة على تصور مشكلاته وظروفه، زد على هذا وذاك أن الأصل في الكبير أنه في مقام التوجيه والإرشاد بحكم السن والخبرة، بينما الصغير محتاج إلى ذلك لقلة خبرته وصغر سنه، وللوالدين في ذلك وضع خاص فهم يتذكرون الابن جيداً منذ ولادته، وطفولته، ومراحل حياته، وتقلبات أحواله، وصبواته، وهفواته، و..، و...والعوام عندنا يقولون: من عرفك صغيراً حقرك كبيراً!وهذا له رصيد من الواقعية.ولذا نجد في القرآن الكريم توجيهاً شديد الأهمية إلى الوالدين "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" الآية، [الآحقاف :15]، وقال: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" الآية، [العنكبوت : 8].وحتى في حال كونهما مشركين، بل ودعاة إلى الشرك، ويجاهدون الولد عليه، ونعرف جيداً معنى (المجاهدة)، فالتوجيه الإلهي: "فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" الآية، [لقمان :15].فهذا ملحظ تربوي مهم يجب على الموجهين والمرشدين والقائمين بأمر الشباب والفتيات في المدارس، والمراكز، والحلقات، والتجمعات شدة العناية بهذا الأمر، وحسن التوجيه في شأن الأبوين خاصة، ومن يكبرهم سناً بعامة.نعم. في كلام الأب جانب من الصواب -فيما يبدو لي- فهو ما دام يصوم ويصلي ويحب المساكين ويقرأ القرآن، فهذه خصال طيبة يجب استحضارها وعدم إغفالها بحجة وجود بعض المعاصي، و" الحسنات يذهبن السيئات " الآية،[هود: 114]، فلماذا نعتبر أن العمل الصالح لم يثمر بوجود بعض الذنوب؟ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه ولماذا تستحضر الأخت الكريمة في مخيلتها مثلًا: صورة والدها وهو يشاهد مشاهد سيئة فتثور شهوته، ولا تقرن معها صورة والدها وهو يعفر جبهته في التراب، ويخاطب ربه سراً، فيقول: سبحان ربي الأعلى، اللهم اغفر لي!إن الرفق أمر نسبي، والأخت قد تكون رفيقة في نظر نفسها، لكن نحتاج أن نسمع حكم الآخرين عليها، وإلى أي مدى يوجد هذا الرفق؟نعم. اعتقد أن الأخت صادقة في وصفها نفسها بالرفق؛ لأنه لا يوجد ما يدعوها إلى غير الصدق، وهي في مقام الاسترشاد، لكن: ألا يوجد مستوى من الرفق والصبر والحنو أبلغ مما كانت عليه الأخت؟ أعتقد: يوجد.فلتبالغ في رقتها ورفقها مع والدها ومع أسرتها.أمر آخر مهم: الشباب والفتيات في سن التكوين يتأثرون بالجو المحيط، فإذا حملناهم تبعة غير عادية في إزالة المنكرات مما لا يقع تحت طاقتهم وقدرتهم فمعناه أننا أربكنا السياق التربوي لهم، وأنشأناهم في بيئة قلقة، وهذا قد يعود على الشاب والفتاة بالانحراف، وقد جربت هذا في حالات عديدة.الشاب أو البنت في سن السابعة عشرة، ويصاحب ذلك شعور بأنه مسئول عن البيت تماماً، عن الوالدين، والأسرة، والصغار، والخدم، والسائقين، وأجهزة الإعلام، و...، و...، وهم لا يقرون له بهذه المسئولية، ويعتبرونه لازال مراهقاً لم ينضج بعد، ويقولون له: تكبر، وتعرف، ونشوف! فيحطمونه نفسياً، ويظل يعاندهم ويعاندونه..هذا وضع تربوي غير سوي، ولا يحسن أن يوضع فيه من يراد له أن ينشأ سليم النفس، معتدل النظر.
حين نوجه الشاب إلى دوره في المنزل يجب أن نراعي:
أولاً: الدور الإيجابي المتمثل في الخدمات والمسؤوليات العملية التي يجب أن يؤديها، وبالنسبة للبنت، مثلاً: الطبخ -الغسل- تنظيم وتنظيف المنزل، رعاية الصغار، مساعدة الوالدة، خدمة الوالد.ثانياً: الدور الإيجابي الدعوي المتمثل في نشر الكتاب والشريط والمطوية، وإقامة الدروس والمسابقات، والنشاطات الإصلاحية لسائر أفراد الأسرة.ثالثاً: الأخلاق الضرورية المصاحبة لعملية الإنكار، ومنها كما ذكره السلف والأئمة: الصبر وعدم المعاجلة، والرفق وعدم الغضب أو العنف، والعلم بحيث يتأكد من حكم المسألة التي سينكرها، فلا ينكر ما يجهل، أو ما لم يتعود عليه دون دليل شرعي، ويجب أن يكون لديه القدرة على الإقناع، والأريحية في النقاش، وعدم القابلية للاستفزاز.قد يقال: هذه مثالية.نعم: لكن يجب أن يربى الشباب على مثل هذا، ويُحرص على أن يكونوا نموذجيين في تعاملهم، وتستدرك أخطاؤهم، ولا يتركون يصارعون واقعاً لا طاقة لهم به وهم أغرار أغضاض محتاجون إلى التوجيه، والدعم، والرعاية.
المستشار : سلمان العودة
=============
. (قرارالمرأه في بيتها أولى )
الأستاذة الفاضلة زينب مصطفى، سامحيني على هذا الرأي، لكني أرى أن المهمة الأساسية والأولى للمرأة والتي يجب أن تضطلع بتا هي رعاية بيتها وأولادها وإرضاء زوجها، وأظن أنه في هذه الأيام والظروف التي نعيشها لا مجال للزيادة على هذه الواجبات لأنها صارت أخطر عن ذي قبل، فأرجو منك دعوة النساء للقرار في بيوتهن والقيام عليها، فتلك دعوتها.
الجواب(9/38)
وقد أجابت الأستاذة الفاضلة بما يلي: الإبنه مها، جزآك الله خيرا على حرصك على رعاية الأسر والقيام بأولى واجبات المرأة على أكمل وجه. وما من أحد يدعو النساء كل النساء للانشغال بمختلف الأعمال وترك المهمة الأولى والرسالة الأولى لها وهي رعاية الأسرة وإسعاد الزوج، لكن في نفس الوقت نرى أن كثيرا من النساء لديهن القدرات والظروف الميسرة لخدمة المجتمع والقيام بحق الدعوة. وأعتقد أنه من المجانب للصواب تعميم أي رأي على كل النساء، فمن استطاعت أن تفي بحق بيتها وأسرتها إلى جانب أن تكون فاعلة في خدمة المجتمع فذلك أمر طيب، ومن قدراتها لا تتعدى الاهتمام ببيتها وأسرتها، فهو أيضا أمر عظيم ولا بأس به. ولكن بالنظر إلى ظروف الأمة الراهنة نرى أن المجتمعات الإسلامية في حاجة إلى تنمية في كافة النواحي التعليمية والثقافية والاقتصادية، وعلى المرأة واجب ودور عظيم في الإسهام في نهضة المجتمعات، وكل ميسر لما خلق له، ولن تعدم امرأة وسيلة ما للإسهام في هذا المجال. وأعتقد أن أساليب تربية الأجيال والمناهج التربوية تحتاج إلى تطوير وصياغة جديدة تستند إلى قيم الإسلام وتعاليمه، تكون قادرة على إعداد أجيال من النساء والرجال لها رسالة واضحة في الحياة وقادرة على القيام بمختلف المهام في توازن طيب، مما يثمر نهضة الأمة. ومع احترامي الشديد لرأيك ابنتي الكريمة، فأنا لا أستطيع أن أدعو النساء جميعا إلى القرار في البيت بالمعنى الحرفي لذلك، لكني أدعوهن إلى بذل مزيد الجهد، في رعاية الأسرة وخدمة المجتمع، ونشر الدعوة كل بقدر اختصاصه وقدراته. وحتى بالنسبة للاتي يقررن في البيوت فإنهن يستطعن القيام بأعمال جليلة، خاصة إذا أحسن استخدام التقنيات الحديثة في التواصل، وأرجو ألا يكون التقاعس عن القيام بأعمال يعود نفعها على المجتمع هو مرادك للقرار في البيت. وجزآك الله خيرا.
المصدر : إسلام أون لاين
=============
. (الوصفة الخاصة للتوفيق بين متطلبات الدعوة والمنزل
كيف تستطيع المرأة التوفيق بين واجبها الدعوي وبين متطلبات بيتها؟
الجواب
أجابت الدكتورة منى حداد عن هذا السؤال أن من سخر نفسه لله سخر الله له الدنيا، فإذا جعلت الأخت الداعية صلاتها ونسكها ومحياها ومماتها لله رب العالمين فهل يصعب بعد هذا التوفيق بين العمل الدعوي وبين واجبات الزوجية والأمومة في البيت؟ إذن مطلوب من المرأة الداعية أن تصدق النية مع الله عز وجل، ثم مطلوب منها أن تكون على دراية لا أقول كبيرة وإنما دراية قليلة عن التنظيم مع شيء من الصبر.. هذه البنود تحتاجها الأخت الداعية خلال سنوات زواجها الأولى الصعبة حيث ولادة الأطفال وتربيتهم التي لم تكن معتادة عليها، ولكن ما أن تمر هذه الفترة ولا أحددها بما لا يزيد عن عشر سنوات، فتعود الحياة إلى البيت زوجاً وأطفالاً عادية وطبيعية حيث يكبر الأولاد ويصبحون عوناً لا عائقاً. وبالحب والرضا والتعاون يصبح الزوجان شريكين في كل المسؤوليات.. مسؤولية البيت ومسؤولية الدعوة. وتنتهي كل المشكلات. وهذه وصفتي الخاصة المجربة والناجعة أقدمها لكل أخت داعية تريد حياة دعوية وأسرية ناجحة. كما أضافت الأستاذة حكيمة مختاري بقولها : إن على النساء الداعيات مهمة شاقة وسهلة في نفس الوقت؛ أن تدعو النساء إلى المساهمة في بناء صرح الأمة الإسلامية، وأن تقنعهن في نفس الوقت بأن البناء يبدأ من البيت. ولقد ذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجبهة الحقيقية للمرأة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها". من هنا يجب على المرأة أن تعي واجبها الأول والأساسي وهو الدعوة من داخل بيتها، تبدأ دعوتها بتربية أبناء هم جيل الغد وتتعداهم إلى الأم والخالة والعمة والجارة والزميلة في العمل والمُدرسة، وها هي تجد نفسها داخل الحقل الدعوي بامتياز. من المؤسف ما نراه في بعض البيوت من تفريط في أبسط ما أمر الله به المرأة، وأبرز مثال على ذلك سوء التعامل مع الزوج والأهل؛ بدعوى التفرغ للدعوة خارج البيت .
المصدر : إسلام أون لاين
(((((((((((((
الباب العاشر- حوار الأفكار
المرأة الداعية وتحدي الإعلام مع د. شيخة المفرج
متى ما شعرت الداعية بأنها وصلت إلى المستوى الذي تسعى إليه فهذا مؤشر خطير في مسيرتها الدعوية؛ لأن الدعوة إلى الله عبادة، والعبادة لا تنتهي إلا عندما تنتهي الحياة ...
1- بداية نرحب بالدكتورة شيخة المفرج في لقائها بموقع دعوتها، ونود أن نعرِّف قراءَنا بنبذة مختصرة عنكم ؟
أختكم في الله شيخة بنت مفرج المفرج، أستاذ مساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قسم السنة وعلومها.
2- يلاحظ أن هناك انفتاحًا في عدد من الفضائيات الإعلامية على احتواء برامج دينية نسائية، فما انطباعك لهذا الحضور والاحتواء ؟
ليس لي اطلاع على الفضائيات، ولكن أقول أن القناة الفضائية التي تريد تحقيق النجاح لا بد أن تعرف رغبة أكبر شريحة في المجتمع وتلبي احتياجاتها حتى تحقق لها الجمهور الواسع، وقد يكون البعض يريد أن يصل لغاياته السيئة من خلال النساء في مثل هذه البرامج التي تحمل المسمى الديني، فيظهر التساهل بالحجاب أو رغبة المرأة في القيادة أو التحرر من قوامة الرجل... إلخ.
3- هل يمكن اعتبار ذلك الانفتاح الحاصل للفضائيات على البرامج الدينية مؤشرًا لتنامي معدل الالتزام الإسلامي بين المجتمعات ؟(9/39)
مما لا شك فيه أن نسبة ليست بالقليلة من دوافع هذا الانفتاح الحاصل في الفضائيات على البرامج الدينية دافعه ارتفاع معدل الالتزام الإسلامي، خاصة بعد وجود قنوات جادة تسعى لإخراج الإسلام بصورته الصحيحة التي فيها إنقاذ البشرية من الظلم والضلال.
4- وكيف يمكن الاستفادة من هذا الانفتاح على البرامج الدعوية لتكثيف الحضور واختيار الرسائل التوجيهية التي تخدم قضية الدعوة ؟
يمكن الاستفادة من هذا الانفتاح بتتبع المتابعين لهذه القنوات وإشعارهم بأوقات هذه البرامج وقيمتها برسائل الجوال وغيرها، خاصة عندما يكون البرنامج يخدم ويساهم في إصلاح خلل أعرفه عند شخص من الأشخاص، كأن يكون البرنامج عن بر الوالدين، وأنا أعرف شخصًا عاقًا وأرغب في أن يشاهده، فأخبره بموعده وأذكره به.
5- الإعلام الإسلامي الدعوي مازال يدور في قالبٍ واحد مهما تعددت مؤسساته، فلماذا لا يتم عقد لقاءات كبرى لتقديم أوراق عمل ودراسات جادة لتجديد الخطاب الإعلامي الدعوي ؟
أنا لا أتفق معكم في هذه الجزئية، بل أرى أن هناك محاولات جادة من جهات متعددة لتقديم الإسلام في قوالب متجددة تناسب اختلاف الفئات العمرية ونوعيات المدعوين، وهذا تراه جليًا في المعارض الذي تكرر قيامها في مدن المملكة تحت عنوان " كُن داعيًا "، لكن هذا لا يمنع من عقد لقاءات بين المهتمين بالدعوة سواء من الرجال أو النساء، وتبادل المقترحات والآراء، وعرض التجارب النافعة للاستفادة منها وتفعيلها.
6- من المعلوم قيام عدد من التجمعات التنصيرية بعقد لقاءات دولية لها في عدد من الدول الأوروبية، مثل: إيطاليا والنرويج؛ لتنظيم إدارة الإعلام بما يخدم مصالحها ؟ فأين الشخصيات الدعوية الإسلامية من عقد مثل هذه اللقاءات والتنظيمات ؟
هذا تساؤل رائع، ونحن نشارككم في الرغبة بعقد لقاءات دولية إسلامية لتنظيم إدارة الإعلام الإسلامي بما يخدم مصالح الإسلام والمسلمين، ومن منظومة مدروسة تعتمد على الوسطية التي لا إفراط فيها ولا تفريط، يدعمها قيادات واعية على مستوىً عالٍ من التعليم والفكر المنضبط بضوابط الشرع.
7- هل قامت المؤسسات الدعوية بدورها كما يجب في التوعية الإعلامية للداعيات ؟
لا ننكر أن للمؤسسات الدعوية دور لا بأس به في التوعية الإعلامية للداعيات من خلال الدورات التي تقوم بها بعض الجامعات والمعاهد والدور، ولكن مازلنا في أول الطريق ونحتاج لتكثيف الجهود.
8- ولماذا لا يتم التفكير بإنشاء معاهد إعلامية متخصصة للدعوة ؟
هذا الاستفسار يوجه لأصحاب الشأن، وفي كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تلبية لهذا الجانب.
9- كيف يمكن للمرأة الداعية أن تختار مواضيعها بما يتناسب مع الشريحة المستهدفة وبما يحقق أكبر قدر من الاستفادة للجميع ؟
الداعية الحكيمة الناجحة المؤثرة هي التي تتلمس جوانب النقص في المدعوات، فتحاول تسديدها بأسلوب ملائم، مع مراعاة المستوى التعليمي للمدعوات، ومراعاة المناسبة التي تمر وقت إلقاء المحاضرة.
10- ما هي ضوابط الدعوة النسائية في الإعلام ؟
يمكن للمرأة المشاركة في الدعوة النسائية بعلمها السيّال، ولكن لا أرى ظهورها بأي حال من الأحوال، كما أني لا أؤيد إخراج صوتها في البرامج، ولكن يكفي التواصل معها عن طريق الكتابة، فتذكر ما تريد إيصاله للمدعوين.
11- هل يمكن أن نعتبر أن المرأة الداعية قد امتلكت الحرية الكافية في اختيار مسار دعوتها، أم أنها ما زالت تخضع لقيود المجتمع ومساراته ؟
أقول إن المرأة الداعية تخضع لضوابط دينها وما يأذن به الشرع لها؛ أما المجتمع الآن - ولله الحمد - قد أصبح أكثر وعيًا بضرورة دعوة المرأة لبنات جنسها.
12- ومتى تشعر الداعية بأنها وصلت إلى المستوى الذي تسعى إليه ؟
متى ما شعرت الداعية بأنها وصلت إلى المستوى الذي تسعى إليه فهذا مؤشر خطير في مسيرتها الدعوية؛ لأن الدعوة إلى الله عبادة، والعبادة لا تنتهي إلا عندما تنتهي الحياة، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (99) سورة الحجر، كما أن هذا الشعور هو بداية انقطاع العطاء.
13- كيف تعكس الداعية الإعلامية النموذج المشرف للمرأة المسلمة ؟
لا شك أن الخلق الحسن الذي تتخلق به الداعية في تعاملها مع الجميع، وحرصها على التمسك بالحجاب الشرعي واللباس الساتر؛ لتكون صورة بعيدة عن المحاذير الشرعية في تصرفاتها وشكلها ولباسها، أمرٌ في غاية الأهمية لأنه مفتاح لقبول كلامها وتوجيهاتها.
14- من أين تستقي الداعية ثقافتها لكي تكون مؤهلة إعلاميًا ؟
الداعية ثقافتها مستقاة من المنبعين الأصليين: الكتاب والسنة، وما يتعلق بهما من كتب التفسير وشروح الحديث، بالإضافة إلى القراءة في كتب السلف المتنوعة، وسماع أشرطة العلماء العاملين، والاستفادة من كل ذلك كفيل بأن يصقل شخصية الداعية، وتأهلها لمواجهة المجتمع وإصلاحه بإذن الله.
15- ما هي عوائق العمل الدعوي الإعلامي التي تواجهها المرأة المسلمة الداعية من وجهة نظرك ؟
أقول قد يكون هناك بعض العوائق التي تعرض للداعية في طريق الدعوة، كالالتزامات المنزلية من رعاية بيتها وأهلها وغير ذلك.
كما أن عدم توفر المواصلات قد يكون عائقا، ولكن كل هذا قد يزول بمحاولة التوفيق بين التزاماتها المنزلية وأعمالها الدعوية، وإشعار أهل بيتها بأهمية ما تقوم به ليشاركوها هذا الهم، طمعًا في المشاركة في الأجر بإذن الله.
16- كلمة أخيرة توجهينها للمرأة الداعية في المجال الإعلامي ؟(9/40)
أخيرًا أقول: أخيتي الداعية اجعلي الإخلاص شعارك، وثقي أن الله سييسر لك كل عسير، وسيجعل لك قبولا بإذن الله، وتذكري قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت، وتذكري أنك تقومين بمهمة قام بها أشرف البشر وهي الدعوة إلى الله، واحتسبي كل ما يصيبك في هذا الطريق بأن كل ما كان في سبيل الله فهو خير بإذن الله.
رزقني الله وإياكنّ الإخلاص في القول والعمل، ومنحنا تقواه في السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، سدد الله خطانا على طريق الحق حتى نلقاه.. آمين.. أختكم/ شيخة المفرج.
===============
استغلال فرحة العيد في الدعوة إلى الله في لقاء مع أ. نوف العنقري
وصف الحوار:
ضيفة الحوار : الأستاذة نوف العنقري
أجرت الحوار : حنان الحميميدي .
أيام العيد أيام فرحة وبشر وتضرع إلى الله تعالى بقبول صيام وقيام الشهر الفضيل ، وأمام فرحة العيد وبعد انتهاء شهر رمضان المبارك يتراجع بعض الناس عمّا كانوا عليه من علو الهمّة في العبادة والحرص على الطاعة ، وقد يقع بعضهم في مخالفات ومحاذير في أيام العيد نتيجة الفهم الخاطيء لهذه المناسبة.
من هنا يظهر لنا أهمية الدعوة إلى الله في هذه الأيام وضرورة استغلال فرحة العيد في ذلك،وقد كان لنا لقاء مع الأستاذة الكريمة والمربية الفاضلة / نوف العنقري حول هذا الموضوع.
س1- البطاقة الشخصية ..
نوف العنقري عندي ولدين وثلاث بنات والحمد لله .
س2- ما هو عملك الأساسي وعملك التطوعي إن وجد ؟
أعمل مدرسة تربية إسلامية في الثانوية الرابعة , ومتطوعة في برنامج الفتيات التابع لمؤسسة مكة .
س3- ما هي الأنشطة الأكثر فاعلية التي تقومين بها في المصلى وتلاحظين أنها تؤثر في الطالبات ؟
الدروس التي تلقى كل صباح منها السيرة النبوية والتجويد وغيرها.. وكذلك الإشراف على الحلقة التي هي واحدة من مجموعة من الحلقات التي تعقد في وقت الفسحة لحفظ ومراجعة القرآن.
س4- هل لك أنشطة أو محاضرات خارج نطاق مصلى المدرسة ؟
أحياناً.. كالمشاركة في ندوات أوإلقاء محاضرات في الأماكن العامة إذا سمحت الظروف..
س5- ما المواضيع التي تركزين مجهودك عليها في الأنشطة والمحاضرات التي تقومين بها ؟
الإيجابيات- والجوانب الروحية – والدروس المستقاة من سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
س6- شخصيتك الدعوية هل كانت ثمرة موهبة أم علم ؟
لا يستغني أحدها عن الآخر، والفضل كله لله.. لكن العلم له الجانب الأكبر، وفي الحقيقة لا أملك إلا القليل من العلم.
س7- في رأيك، ما مسئوليات المرأة الدعوية ؟
الإحساس بمآسي المجتمع من حولها وهذا من شأنه أن يجعل مسؤولياتها تكبر وتتعدى بيتها وعائلتها وأقاربها وجيرانها وإن تمكنت خارج بلدتها أن تنشر الخير فلتفعل .
س8- هل كل امرأة مسلمة يمكن أن تدعو؟
نعم وبكل تأكيد إذا شعرت أنها تحمل هم..
س9- هل هناك أخطاء معينة تحذرين منها المبتدئات في طريق الدعوة ؟
بكل تأكيد.. أهم خطأ يجب أن تحذر منه الأسلوب المنّفر والجدال والدخول في نقاشات في أمور كان من المفترض أن تتفقه فيها أكثر، واحتقار الناس.
س10- ما هو حق الداعية على الناس ؟ وحق الناس على الداعية ؟
برأيي حق الداعية على الناس الاحترام والتقدير, وحق الناس على الداعية النصيحة والصبر والإحسان.
س11- العيد فرحة واجتماع فكيف يمكن أن نستغل هذه الاجتماعات في الدعوة إلى الله ؟
بإعداد هدايا مع مسابقات متنوعة يدخل فيها النفع والوعظ بطريق غير مباشر.. وتوزيع علب هدايا تحوي حلويات مع شريط أو مطوية.
س12- في رأيك هل الأنشطة الدعوية تقل أيام العيد أم تستمر كما كانت قبل وفي رمضان ؟
الغالب أنها تقل مما كانت عليه قبل رمضان، ونلحظ ذلك مع الأسف، بالرغم من أن فرحة العيد واجتماع الناس من أهم الفرص التي ينبغي أن تستغل في دعوة الناس فقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يذهب إلى أماكن تجمع الناس حتى يدعوهم.
س13- أيام العيد إجازة في أغلب الوظائف الحكومية والخاصة , فهل تعتبر أيضاً إجازة من الدعوة إلى الله ؟
للأسف كما سبق أن ذكرت غالباً نعم ، وهذا أمر يسوؤني حقيقة ، وبالتأكيد يسوء كل محب لدينه إذ أن الدعوة إلى الله لا تعرف الإجازات فهي في كل وقت وكل حين، والداعية عليه أن يبذل كل ما بوسعه ويستغل كل وقته في إيصال الخير للناس, ولا يُفهم من قولي الداعية من يلقي المحاضرات فحسب .. كلا ؛ بل كل من يعرف من الخير شيئاً عليه أن يدعو إليه ويوصله للناس , وأذكر هنا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : " من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس، أمر الدين، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" ؛ لذا علينا جميعاً أن نعمل كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعض في أيام العيد وغيرها..
س14- كثير من الناس يسافرون خلال أيام العيد فما هي الوسائل الدعوية الممكن عملها في السفر لكي يجمع المسافر بين المتعة والأجر بإذن الله ؟
توزيع مطويات دعوية، ومع الأهل يكثر من الوسائل مما لا يسع المقام ذكرها , فمن الممكن أن توزع المهام بين أفراد الأسرة فهذا يختار موضوع كذا ويتكلم عنه قليلا لأنه يملك الجرأة , وهذا مسؤول عن المسابقات والهدايا، وهذا عن ما سيحضره من أشرطة في الطريق ثم يجمع كل هذا عند أول اجتماع في العيد إذ في العادة أن يكون أول اجتماع هو الأكبر عدداً وهكذا.(9/41)
وأوصي هنا على التعاون , إذ أن العمل الجماعي والروح الجماعية المخلصة لله تعالى كفيلة بإنجاح العمل , ومن لم يجد إلا نفسه فليتذكر أن الله معه وليمضي في خدمة دين الله ولو بأقل القليل.
والله موفقه وهو حسبه.. وقد قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (69) سورة العنكبوت.
س15- وصلنا معك إلى نهاية الحوار .. نأمل أن تقدمي لنا في سطور نصيحة للداعية إلى الله لتشجيعها في استغلال أيام العيد في الدعوة إلى الله ؟
أكبر نصيحة توجه إلى الداعية في أيام العيد وغيرها... الإخلاص .. الإخلاص .. الإخلاص ، فمن افتقد الإخلاص في عمله فقد افتقد كل شيء ، ومن كسبه فقد كسب كل شي .
ثم إني أوجه كل من أراد أن يدعو إلى الله في أيام العيد خاصة أن يتخير الموضوع الذي يتلاءم مع فرحة الناس وبهجتهم , فلا يأتي بالموت مثلاً والتذكير به في أول أيام العيد والناس مبتهجة ؛ حتى لا ينفر الناس منه ، وبالتالي ينفروا من كل من يدعو إلى الله..
يوجه الناس مثلاً إلى هديه صلى الله عليه وسلم إذا فرح , وعن وصف الصحابة رضوان الله عليهم , ثم لا بأس أن يتحبب الداعية إلى الله إلى الناس عن طريق سؤالهم عن أحوالهم وأمور دنياهم.
================
شروط الحسبة وأهميتها.. وثقافة المحتسب مع الأستاذة الفاضلة فاطمة الجارد.
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: الأستاذة فاطمة الجارد.
أجرت الحوار: أسماء النجار.
الحسبة لها شأن عظيم ومكانة كبيرة في الإسلام.. وقد تجلى ذلك في آيات وأحاديث كثيرة...
حول الحسبة وأهميتها كان لنا هذا الحوار مع الأستاذة الفاضلة فاطمة الجارد...
نبذة يسيرة عن الأستاذة فاطمة الجارد..
فاطمة بنت صالح الجارد.
دبلوم في الحاسب الآلي.
بكالوريوس قرآن وعلومه.
ماجستير دعوة واحتساب. .
دارسة في مرحلة الدكتوراه في كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قسم الدعوة والاحتساب.
حائزة على إجازة في قراءة حفص عن عاصم.
حصلت على جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمية في السنة النبوية لعام 1426هـ .
1- كيف استطعتِ التوفيق بين الجانب الأسري والتحصيل العلمي ؟
سبب توفيقي بينهما أن ليس لي ارتباطات غير عملي وبيتي، وهذا سبب نجاحي ولله الحمد فيهما.
2- رسالتك في مرحلة الماجستير في الحسبة، نود أن تعطينا نبذة عن موضوع رسالتك؟
رسالتي في ستة محاور أولها التعريف بالحسبة، وثانيها أهمية الحسبة، وثالثها الاحتساب بدرجة التعريف، و رابعها الاحتساب بدرجة النصح والوعظ، و خامسها الاحتساب بدرجة التعنيف، وسادسها الاحتساب بدرجة التهديد.
3- هل من الممكن أن تعطينا مفهوماً عاما عن الحِسبة، وعن أهميتها ومكانتها في ديننا ؟
الحسبة لها أهمية عظيمة فهي القطب الأعظم كما قال ابن تيمية، لأن فيها نجاة للأمة بأكملها، ولأن رسولنا و حبيبنا وقدوتنا كانت الحسبة من أعظم صفاته التي وصفه بها القرآن ، وكذلك صفة لجميع الأنبياء، ومن أهمية الحسبة أنها سبب في الفلاح ، وسبب في النجاة من العذاب ، ومكافحة المنكرات والحد منها .
4- هناك معوقات في مجال الحسبة وبخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل يمكن توضيحها ؟
من معوقات الحسبة : التخوف الذي يدخله الشيطان في أنفس بعض الناس كما قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175) سورة آل عمران، ومن المعوقات الخوف من النتيجة، فيعتقد بعض الناس أنه مع كثرة المنكرات لا فائدة من الحسبة ، وهذه من الشبهات التي يدخلها بعض الناس في قلوب البعض .
و من المعوقات الخوف من أن يصيب المحتسب مكروه من المحتسبين الذين يحتسب عليهم،
و عدم وجود المحتسبين المؤهلين من الرجال والنساء .
5- هل تتغير أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتغير الزمان والمكان والبيئة الاجتماعية ؟
نعم تتغير، وهذا التغير أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل.
6- هناك انحسار في رجال الحسبة ملحوظ، برأيك ما هي الأسباب في ذلك ؟
أ ـ عدم وجود المؤهلين.
ب - الدخل الوظيفي بسيط جداً لا يستطيع أن يقتصر المحتسب عليه في الكدح في هذه الحياة .
7- ما رأيك بثقافة المحتسب الإسلامية، هل هي ضرورية له؟ وما مقدار هذه الثقافة في مجال العقيدة والفقه ؟
نعم أراها ضرورية وخاصة في أساليب الإنكار، وأرى أن المحتسب لا بد أن يكون مؤهله لا يقل عن بكالوريوس في الدعوة، مع ضرورة الاستمرار في النمو العقدي والفقهي عن طريق الدورات والدروس .
8- قضايا التيسير ومراعاة الواقع، وتغيير الخطاب الإسلامي، والاعتراف بالآخر .. هذه المفاهيم وغيرها .. مادرجة الاعتراف بها ؟ وهل هناك فكر معادٍ وراءها ؟
التيسير من طبيعة الخطاب الإسلامي وهذا الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس معنى التيسير إبطال العمل بالحكم أو تغييره، وأما تغيير الخطاب الإسلامي، فهذا فكر معاد، لأن الخطاب الإسلامي خطاب عام وصالح لجميع الظروف والأزمنة لا يحتاج إلى تغيير بل يخاطب كل فرد أو كل مجتمع أو كل موضوع بما يناسبه.
9- هل تعتقدين أن الاحتساب باللسان يكفي لإصلاح المجتمع ؟(9/42)
الاحتساب باللسان من أهم درجات الاحتساب، وله النصيب الأعظم من احتساب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرى أنه كافٍ مع الحاجة لبعض التغيير باليد في حدود ضيقة.
10- شواهدك في كتابك ( الاحتساب باللسان ) كلها من الصدر الأول، أين الشواهد المعاصرة وكثير من المشكلات قد تغيرت؟
السبب يعود إلى أن الدراسة تأصيلية، فإذا كانت كذلك لابد أن تكون من الصدر الأول .
11- ألا ترين أن كتابك تنقصه الأساليب التربوية الحديثة في الاحتساب؟
نعم، والسبب في إجابة السؤال الذي قبله .
12- ذكرت في كتابك أن من شروط المحتسب العلم .. ولم تذكري أن من العلم معرفة الاختلافات في الفروع الفقهية مثلا، وأنه لا نهي عن المنكر في هذه الخلافات ؟
تطرقت إلى هذه المسألة ، وأما الإنكار في الخلافات فقد وقع بين الصحابة وهذا دليل على أن من معه الدليل ينكر على من ليس معه دليل بحجته ، ومقولة (لا إنكار في مسائل الخلافات) أمر غير متفق عليه .
13- يدعي بعض العلمانيين أن الاحتساب يعارض حقوق الإنسان في الرأي والرأي الآخر، فما تصورك أنت ؟ بصفتك كتبت بحثاً في موضوع حقوق الإنسان .
هؤلاء ينادون بالحرية، والإسلام يعطي الإنسان الحرية ولكن بحدود، بحيث أن هذه الحرية لا تضره ولا تضر بمجتمعه، ومن حق المسلم على أخيه أنه إذا رآه على منكر نهاه وهذه هي الولاية التي أشار الله إليها بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة.
14- المشكلة أن هناك فصام بين القول والعمل، فكثير من الحكومات تدعي مراعاة حقوق الإنسان وتدندن بهذا في وسائل الإعلام، ولكنها في الواقع لاتراعي أبسط حقوق للإنسان في مجتمعها، برأيك ما سبب ذلك ؟
هذه الدول هي بحاجة أن تتعلم حقوق الإنسان من دولة المملكة العربية السعودية التي قامت على شرع الله.
15- بصفتك تهتمين بالتعليم والمناهج .. فما رأيك بالدعوات المعاصرة لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي بعامة، والمملكة بخاصة؟
هذه دعوة مغرضة حتى يبقى النشء جيلاً بلا دين.
16- هل من كلمة توجهينها للدعاة والداعيات إلى الله تعالى ؟
الاستزادة من العلم فهو قاعدة لكل داعية، والإكثار من الدعاء فهو سلاح الداعية وسلاح الأنبياء من قبله، فلو تأملنا دعوات الرسل لوجدنا أن لهم في كل خطوة دعوة وفي كل دعوة استجابة.
==============
أ.إيمان السعدون والعقيدة السليمة التي يجب أن يتحلى بها الداعية .
وصف الحوار:
ضيف الحوار: الأستاذة إيمان بنت فهد السعدون.
إن سلامة إيمان المسلم من سلامة عقيدته و ثباتها .. و في هذا الموضوع نتحاور مع الأستاذة إيمان بنت فهد السعدون / ماجستير مناهج عامة من جامعة الملك سعود، وتعمل حالياً مشرفة في وحدة التربية الإسلامية، و مستشارة في موقع لها أون لاين وموقع آسية .
س1- كيف نشأت فكرة التوجه إلى طريق الدعوة ؟ ومتى بدأتم بشق طريق الدعوة بشكل جاد ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نشأت فكرة التوجه إلى طريق الدعوة منذ الصغر، ومنذ البدايات كنت أحمل هم إصلاح نفسي ومن حولي، وإيصال الخير ونور الهداية والعلم إليهم.
أما شق طريق الدعوة بشكل جاد كان في سنة أولى كلية، حيث كان هناك مصلى في كلية التربية وكان فعال جداً، ويجمع النخبة من بنات الكلية، ويؤلف بينهم، وينمي المهارات والقدرات عن طريق الممارسة المباشرة للدعوة في صفوف الطالبات في المصلى.
س2- هل يحتاج الدعاة لمهارات متعددة في مختلف الفنون ؟ وهل نوعية المهارات تكمن في الإلقاء وفنون التعامل فقط .. أم في غير ذلك ؟
نعم يحتاج الدعاة لمهارات متعددة في مختلف الفنون، ولكي يظهر الوضوح والبزوغ بمهارة معينة يجيدها الداعية تميزه عن غيره.
ونوعية المهارات متعددة وكثيرة, كفن الإلقاء وفنون التعامل والتواصل والتقنية الحديثة وأخذ الحكمة من أي مكان يجدها.
س3- كثر الكلام والاتهام في عقائد الدعاة والعلماء بحجة بيان الحق لعامة الناس والجرح والتعديل ؟ فما هي ضوابط الجرح والتعديل وخاصة في شأن الدعاة والعلماء ؟
لا ينبغي من الداعية الخوض في عقائد عامة الناس فما بالك بعلمائهم ودعاتهم والمصلحين في الأرض، فهم أحق الناس بالصون والرعاية والتقدير؛ لأن التشويه والإفساد في عامة الناس مهلك فما بالك بدعاتهم و قدواتهم وصالحيهم.
أما بالنسبة لضوابط الجرح والتعديل فهي حسب ما وردت في الشرع وعلى قول العلماء الأفاضل, ولكن أرى الضابط الرئيس والأهم هو تقوى الله عز وجل وإصلاح النية، وأنا أنصح كل أخت وأخ داعية إلى الله أن يراجع نفسه كثيراً عند تحدثه عن الناس، وأن يتقي الله تعالى في أعراض الصالحين، وأن اللحظات التي يتحدث فيها عن الدعاة والمسلمين وهو يرى أنه على حق وإنها دقائق خفيفة محدودة, سينتقل بعد ذلك على دقائق ثقال وأيام طوال وحقوق عظيمة، سيقف بين يدي الله تعالى وهو أولى الناس بالتصديق بالله واليوم الآخر والحساب, فلماذا يغفل عن ذلك وينزلق وراء مهاوي اللسان ومهالكه، وكان من الأولى تقوى الله في ذلك.
س4- ما سبب اهتمامك بموضوع العقيدة ؟
سبب اهتمامي بموضوع العقيدة أنه هو الأساس في الإصلاح، فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد.
س5- موضوع العقيدة واسع و متشعب, على أي ناحية منه يكون تركيزك عند تجهيزك لموضوع تودين إلقاءه ؟(9/43)
تجهيزي لموضوع في العقيدة أنظر أولاً لحاجة الناس فيه ثم أبدأ بالتحضير.
س6- كيف يمكن غرس العقيدة الصحيحة في أبنائنا منذ الصغر ؟
العقيدة في الصغار تأتي بعدة طرق منها : التلقين، والقدوة، والحوار، وقص القصص، وضرب الأمثال وغير ذلك، ومن المهم أن يكون للداعية أو المربي أو المعلم هدف واضح بين يكون هو محور حديثه ومرتبط بما يقول، فيبلغ غايته عندما تكون واضحة التركيز.
س7- ما رأيك بمنهج العقيدة في المرحلة الابتدائية ؟
منهج العقيدة في المرحلة الابتدائية منهج جيد، وأنا من ضمن أعضاء اللجان التي وضعت هذا المنهج، وقد رأيت بعيني حرص الأعضاء الشديد على إتقان هذا المنهج بجميع السبل المتاحة وباستشارة العلماء الأفاضل.
س8- هل ترين استخدام المصطلحات والتعريفات نفسها لمسائل التوحيد لطلاب صغار لم يدركوا بعد؟
لا مانع من استخدام نفس مصطلحات وتعريفات مسائل التوحيد للصغار على أن يختار منها الأسهل بالفهم مع التوضيحات اللازمة، و للمعلومية عندما يقدم إلى ذهن الطفل المصطلح ثم يأتي تعريفه، هذا يساعد على ربط الطفل بالعلم الصحيح والمؤصل من كتب العقيدة, ثم التكرار والشروح والأمثلة تساعد على فهمه واستيعابه.
س9- في نهاية هذا الحوار النافع بإذن الله أترك لكم اختيار كلمة ختامية تخصون بها الدعاة عامة، وزوار موقع دعوتها خاصة ...
كلمة ختامية ..
أولاً إلى إخواني وأخوات الإيمان حفظهم الله ورعاهم, لا يشغلكم طول الطريق وصعوباته ومن حولكم أبدا عن غايتكم وهدفكم، فالله الله بالصبر.
ثم أنتم أولى الناس بالتقوى فابحثوا عنها علماً وعملاً, وأقول لكم: اتقوا الله في حياتكم اليومية فأنتم محل النظر، وراجعوا نواياكم وإخلاصكم فلا تغرنكم الحياة الدنيا, ولا يغرنكم بالله الغرور، وسلاحكم في طريقكم الصعب هو التمسك بالكتاب والسنة.
ثم أقول لكم: إن انشغل الناس بالذهب والفضة فقد انشغلتم بالذب عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة الناس، فهنيئاً لكم.
وإياكم والخلاف والاختلاف، فلا يلزم أن نكون كلنا أسلوب واحد وطريقة واحدة، ولكن يجب أن يكون لنا غاية واحدة ومنهج واحد, فإن هذه الأمة ما أضعفها وأوهنها والله إلا الاختلاف والفرقة بين جميع الناس، وخاصة الدعاة والعلماء، وهم القدوات التي ينبغي أن لا يختلفوا ذلك الاختلاف الذي يفكك الصف ويوهن القوى, وعلينا أن نحب لبعضنا البعض كما نحب لأنفسنا، وأن نسأل الله تعالى وإخواننا وأخواتنا في الله من العلماء والدعاة التوفيق والنصرة والولاية والرعاية من الله عز وجل, ولأن حقق أحد منهم نجاح فنحن أولى الناس بالفرح؛ لأنها نجاح لنفس الغاية ونفس المنهج الذي نريده حتى ولو لم نكن نحن الذي تعبنا في ذلك.
وكلمة أخيرة لزوار الموقع ..
إن ما تقرؤونه إما حجة لكم أو حجة عليكم، فإن هذا العلم حري أن يتبع ويعمل به، فإذا قرأ أحد منكم فائدة أو حكمة فيجب أن نوطن أنفسنا بالعمل فيها.
وفي الختام الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
واقع الأنظمة وآليات تمكين المرأة من حقوقها الشرعية) مع الدكتورة نجلاء المبارك .
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: الدكتورة نجلاء المبارك.
نجلاء بنت حمد بن علي المبارك، عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية/ كلية التربية الأقسام الأدبية، بالرياض.
بكالوريوس كلية التربية قسم الدراسات الإسلامية 1407 هـ .
ماجستير 1413 هـ كلية التربية/ قسم الدراسات الإسلامية، تخصص الحديث وعلومه، عنوان البحث: " أحاديث الدماء الطبيعية عند النساء بمسند الإمام أحمد، جمع ودراسة وتخريج ".
دكتوراه 1420 هـ كلية التربية / قسم الدراسات الإسلامية / تخصص الحديث وعلومه، عنوان البحث: " زوائد رجال التاريخ الكبير للإمام البخاري على تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر – حرف الألف "
المهام التي كُلفت بها:
- عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية/ كلية التربية.
- عملت رئيسة اللجنة التأديبية بالكلية.
- عملت عضو تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم.
- عملت عضو اللجنة الاستشارية بمؤسسة إعمار المساجد.
- عضو استشاري بموقع " لها أون لاين ".
- بصفتك أستاذة في قسم الدراسات الإسلامية، فهل نالت المرأة المسلمة في المجتمع العربي حقوقها الشرعية؟
- تختلف المجتمعات العربية في توفير حقوق المرأة، ومهما يكن من تقصير وخلل في هذا الجانب فهي أحسن حالاً بكثير من المجتمعات الغربية.
- هل تقف العادات والتقاليد عائقا في إعطاء المرأة حقوقها الشرعية؟
- لاشك أن بعض العادات والتقاليد تعوق إعطاء المرأة حقها، فمثلاً:
العضل ( وهو المنع من الزواج ) منتشر في كثير من المجتمعات العربية، فتمنع الفتاة من الزواج بغير ابن عمها وإن كانت كثير من العادات والتقاليد توافق الحق الشرعي للمرأة يبقى هناك بعض العادات المخالفة للمقصد الشرعي وهنا يأتي دور الناشطين في قضايا المرأة بوضع آلية يتم من خلالها ضبط هذه العادات والتقاليد بالضابط الشرعي.
- تعلمين جيدا أن أعداء الإسلام العلمانيين والملحدين يستغلون موضوع حقوق المرأة لمآربهم الخفية لإفسادها وتعريتها.. فما واجب الداعيات تجاه ذلك، وكثير من الأنظمة الإسلامية والعربية تسير في ركب الغرب الصليبي إعلاميا وفكريا ... فما هي الآليات العملية والواقعية لإيقاف هذا السير؟ وما هو دور الداعية الواعية في كشف مخططات أعداء الإسلام تجاه المرأة المسلمة؟ وما هو دورها في نشر الوعي بحقوق المرأة الشرعية؟(9/44)
يحتاج الدعاة في ظل هذا الزخم الإعلامي والفكري والحملات الشرسة ضد الإسلام والمسلمين، وإصابة المجتمعات الإسلامية في أهم أركانها وهي المرأة إلى جهود مكثفة وعمل جاد ولانقاذ المرأة المسلمة - سواء من الفكر الغربي أو المعتقدت الموروثة التي تعمد إلى إهانة المرأة المسلمة وتحقير شأنها – والسير بالمرأة في منهج شرعي مستقيم يتوافق مع فطرتها ويستفيد من طاقاتها ويحقق لها الحرية بمفهومها الشرعي، ولذلك لابد لنا من أمور مهمة منها:
1- طرح قضايا المرأة بنوع من الشفافية بعيداً عن التحفظات غير الشرعية.
2- تبصير الداعيات بقضايا المرأة المطروحة في أرض الواقع.
3- فهم موقف التيارات المنحرفة من المرأة حتى نستطيع مواجهة تلك التيارات فلابد أن نعلم أن أعداء الإسلام ومن يدعمهم من بني جلدتنا ممن يحملون الفكر الغربي لايحكمون الشريعة الإسلامية في فهم الحقوق والواجبات بل ينظرون لأي خلل في التطبيق على أنه عيب في الشريعة بل قد يتعاملون مع الأوامر الشرعية على أنها إقصاء للمرأة وإهانة لها،
ويحاولون بث هذا الفكر من خلال المنتديات واللقاءات والأطروحات الإعلامية المسموعة والمقروءة، وهذا موضوع حضرته شخصياً أثناء الحوار مع الناشطات منهن فمثلاً:
يعتبرن كثرة الإنجاب تعطيل لاستثمار المرأة في مجال التنمية، وكذلك ينظرن للقوامة على أنها استخفاف بالمرأة وتحقير لها، وكذا المحرم وغيره وغيره، وهن لا يستخدمن الحوار الشرعي الذي من خلاله يلمن للأحكام الشرعية بل يمارسن أسلوب التهكم والسخرية الذي كانت تمارسه الأقوام المنحرفة مع أنبيائها، لذلك عند الحوار معهن لابد من تحديد مرجعية حتى لاتختلط الأوراق وتتداخل الموضوعات.
4 - تبصير المجتمعات الإسلامية عامة والمرأة بشكل خاص بحقوق المرأة وواجباتها وذلك بعدة وسائل منها:
أ- نشر الوعي الإسلامي والعلم الشرعي بين أفراد المجتمع.
ب- جمع موضوعات للسنة النبوية الخاصة بالمرأة وتطبيقها على الحياة العملية.
جـ - تبصير الناشطات بقضايا المرأة بحقوق المرأة و واجباتها من خلال دورات علمية مكثفة.
د- تبصير الشباب والشابات بدور كل منهما في الحياة وذلك من خلال المناهج الدراسية.
هـ - الاستفادة من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة في طرح قضايا المرأة من الجانب الشرعي.
و- الاستفادة من المحاضرات واللقاءات الهادفة لطرح قضايا المرأة.
5- مشاركة الداعيات المهتمات بقضايا المرأة في المؤتمرات العالمية.
6- مبادرة الاتجاه الإسلامي لتبني قضايا المرأة ولاتكون مواقفهم مجرد ردود أفعال لغيرهم بل مبادرات جادة هادفة لمعالجة قضاياها.
- هل يمكن أن توجزي لنا حقوق المرأة الشرعية بنقاط محددة؟
الحقوق الشرعية كثيرة، ويمكن تقسيمها إلى أقسام:
1- حقوق تعبدية مثل حق الحج والصلاة في المساجد ( ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله )، حق الصدقة من مالها بدون إذن زوجها، الصيام الفرض، وغيره.
2- حقوق اجتماعية: كحق اختيار الزوج، حق الأمومة، حق الخلع كما في قصة بريرة.
3- حقوق اقتصادية: كحق الملكية، وحق التصرف في المال المملوك بالتجارة أو الصدقة أو الهبة دون إذن الولي، وحق الإرث، والنفقة، والمهر، ومتعة المطلقة.
4- حقوق سياسية: كحق البيعة كما في بيعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم، وحق التصويت في الانتخابات، وحق مراجعة الحاكم كما فعلت المرأة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- كيف نربي المرأة لتكون داعية؟ وهل يمكن أن تكون المرأة المسلمة زوجة وراعية أسرة وداعية أيضا؟
المرأة كالرجل في مجال الدعوة، وحياة السلف رضي الله عنهم مليئة بنساء حملن لواء الدعوة ليس فقط على مستوى مجتمعاتهم وأممهم.
المهم أن ننمي في المرأة الهم الدعوي ونربيها عليه كما نربي الرجل منذ السنوات الأولى من الطفولة بحيث يكون أمر الدعوة هماً يشغلهم، وترسم خطة مناسبة بحسب المرحلة العمرية بحيث تتواكب مع قدرت الداعية وظروف مجتمعه حتى يرى المنكر أمر يقض مضجعه، ويحرص على تغييره بطريقة مناسبة، ويبادر لنشر الخير كتعليم الناس العلم الشرعي والمنهج النبوي من خلال البرامج العملية كتوزيع كتيبات العلم، ونشر محاضرات العلماء، وتوفير بدائل عن المنكر.
ولابد في مثل هذه الظروف خاصة أن تمارس المرأة دور المرأة متعددة الأدوار التي يتمم بعضها بعضاً بحيث لايؤثر دور منها على ماسواه، فهي زوجة تقوم بحقوق زوجها ومسؤولة عن أسرتها معتنية بأولادها، حريصة على عبادتها ودعوتها فإذا هي مارست كل دور بالقدر المناسب استطاعت أن تلم بكل واجباتها.
- ما نصيحتك للمرأة المسلمة الداعية في عصر العولمة؟ وهل أنت متفائلة لمستقبل المرأة المسلمة.. والرياح الصفراء الفاسدة تحيط بها من كل جانب؟
كلمة أخيرة تتوجهين بها إلى الدعاة إلى الله تعالى .
نصيحتي للدعاة عامة والمرأة خاصة هي :
1- الاهتمام بالعلم الشرعي الموجه.
2- الحرص على الأنشطة الدعوية، والمهم أن لا يكون الهم الدعوي عبء على أسرة الداعية، وسبب في التفريط في مسؤولياتها.
3- المبادرة لخوض قضايا المرأة، ومتابعة الأحداث على أرض الواقع.
4- الرفق في الدعوة، واستخدام الأسلوب العلمي الهادف بعيداً عن المهاترات والصراعات التي لا تعود بفائدة على المجتمعات.
5- المشاركة في المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة.
6- تبصير أفراد المجتمع بما له وما عليه.
7- العناية بفئة الشباب والفتيات وتحصينهم فكرياً.
8- الاستفادة من وسائل الإعلام كمنبر دعوي مهم لا يفرط فيه.
9- الالتفاف على العلماء وولاة الأمر.
10- الحرص على توحيد الصف وجمع الكلمة والبعد عن الخلاف والفرقة والنزاع.(9/45)
11- الصبر والاحتساب وعدم استعجال النتائج.
و الحمد لله مجتمعنا بخير والصالحين فيه كثر، وهو مجتمع بشكل عام متدين ومحافظ والهجوم التغريبي على المجتمع جعل كثير من أفراده يزداد تمسكهم أكثر بتعاليم الإسلام.
( يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة 32-33
أعدت الحوار: أسماء النجار.
===============
بناء المرأة الداعية وتكوينها ) مع الدكتور عبد الكريم بكار.
وصف الحوار:
ضيف الحوار: الدكتور عبد الكريم بكار .
إن سبب قصور الدور الدعوي للمرأة هو عدم الاهتمام بإعدادها، وعدم وجود تقاليد علمية واجتماعية تدفع بالمرأة إلى القيام بنشر العلم الشرعي على نطاق واسع بين بنات جنسها، حيث إن هناك تخوفاً مستبطناً وغير مبرر من أن يؤدي قيام المرأة بدور اجتماعي وثقافي واسع إلى إهمالها لواجباتها الأسرية، وإلى تجاوز الضوابط الشرعية الخاصة بحركة المرأة في المجتمع...
حول رأي الدكتور بكار في سبب قصور الدور الدعوي للمرأة المسلمة ... وطرق علاجه .. وكيفية تكوين المرأة المسلمة فكرياً واجتماعياً لتكون داعية بإذن الله تعالى...كان هذا الحوار
السؤال الأول: بداية أستاذنا الفاضل:
هلَّا حدثتنا عن بطاقتك الشخصية، والمؤهلات العلمية التي حصلت عليها، بالإضافة للمؤلفات، والأنشطة الفكرية والدعوية .
عبد الكريم بن محمد الحسن بكّار - سوري الجنسية.
بالنسبة للدراسة والشهادات العلمية التي حصلت عليها :
- إجازة في اللغة العربية - درجة البكالوريوس، كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر.
- درجة الماجستير، قسم "أصول اللغة"، كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر.
- درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، قسم "أصول اللغة"، كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وكان عنوان الرسالة: "الأصوات واللهجات في قراءة الكسائي ".
التدرج الأكاديمي :
- محاضر، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بريدة – المملكة العربية السعودية.
- أستاذ مساعد، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بريدة – المملكة العربية السعودية.
- أستاذ مشارك، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بريدة – المملكة العربية السعودية .
- أستاذ مشارك، جامعة الملك خالد، أبها – المملكة العربية السعودية .
- أستاذ، جامعة الملك خالد، أبها – المملكة العربية السعودية .
- أستاذ، الجامعة العربية المفتوحة، الرياض – المملكة العربية السعودية.
مقالات وفعاليات ثقافية:
- أكثر من 150 مقالة علمية ومقالة رأي في مجلا ت وصحف عربية ،منها:
مجلة الفيصل (الرياض)، المجلة العربية (الرياض)، مجلة البيان (لندن)، مجلة المعرفة (الرياض)، مجلة الدعوة(الرياض)، جريدة المسلمون (لندن).
- أكثر من 50 محاضرة عامة ومتخصصة في عدد من الجامعات والمراكز الثقافية، ومنها:
جامعة أم القرى (مكة المكرمة)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (بريدة وأبها)، كلية المعلمين (المدينة المنورة)، جامعة الملك خالد (أبها)، جمعية الإصلاح الاجتماعي (الكويت)، المراكز الصيفية في المملكة العربية السعودية، الندوة العالمية للشباب الإسلامي (الرياض)، صندوق الحج (ماليزيا)، نادي أبها الأدبي (أبها)، الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم (بريدة).
- أكثر من 80 حلقة تلفازية وإذاعية بثت في كل من:
المملكة العربية السعودية: التلفزيون السعودي (بريدة)، إذاعة القرآن الكريم (الرياض)، قناة المجد (الرياض).
مصر: قناة المجد (القاهرة).
تركيا: إذاعة بورصة (بورصة).
بالإضافة إلى الكتب والدراسات المتخصصة التي تصل إلى ثلاثين إصدار .
الهيئات والجمعيات:
- عضو المجلس التأسيسي للهيئة العالمية للإعلام الإسلامي التابعة لرابطة العالم الإسلامي (الرياض).
- عضو الهيئة الاستشارية بمجلة "الإسلام اليوم" (الرياض).
شهادات التقدير:
وقد حصلت على عدد من شهادات التقدير من عدد من الجهات على مشاركتي في مختلف الأنشطة، ونلت لقب (الأستاذ المثالي ) عام 1995م/ 1415هـ على مستوى كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية بجامعة الملك خالد( أبها)، ومن الجهات المصدرة لشهادات التقدير: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، جامعة الملك خالد، جامعة أم القرى.
السؤال الثاني: قضية بناء الداعية وتكوينها، هل أخذت أهمية جِديَّة في حياتنا ؟
نحن لا نختلف أن المرأة المسلمة لم تنل من الاهتمام بتوعيتها وتهيئتها للمجال الدعوي- ما تستحقه، وهذا يعود إلى تهميش دور المرأة في الحياة العامة، والخوف من تعليمها في بعض الأحيان، كما يعود إلى سيطرة العادات والتقاليد بعيداً عن هدي الدين الحنيف.
ولا ننسى أن الأمة حديثة عهد بأمية، وكثير من أوضاعنا يميل إلى التخلف، وهذا كله يؤثر في مسألة إعداد الرجال والنساء معاً للقيام بالدعوة إلى الله تعالى .
السؤال الثالث : ما أهمية التكوين العلمي والثقافي للداعية، وهل يتم هذا التكوين في الجامعات ؟
لا شك أن المدارس والجامعات تقدم في مسألة تكوين الداعية الكثير من الثقافة، والكثير من المعرفة وأدوات الفهم، وعلينا أن ننظر إلى الدعوة على أنها اختصاص يجب أن يُدرس، ويُتعلم كما تدرس باقي التخصصات، لكن الجامعات لا تقدم كل شيء، حتى كليات الشريعة والدعوة، ولابد من الاهتمام الخاص قبل التخرج وبعده، وهذا الاهتمام يجب أن ينصب على شيئين:
1- المعرفة النظرية.
2- التدريب والحماسة.(9/46)
ولا حاجة إلى شرح أهمية التكوين الثقافي للداعية، لأن الداعية كثيراً ما يجد نفسه مرشداً ومصلحاً اجتماعياً ومفتيا، ولهذا فإن عليه أن يعد نفسه إعداداً جيداً للقيام بهذه المهام.
وأنا شخصيا أفضل للداعية بعد الاطلاع العام على علوم الدعوة وبعد تحصيل حد مقبول من المعرفة بالأسلوب الدعوي وعموميات الإسلام... أن يتخصص في شيء يهتم به:
فهذا يهتم بدعوة النساء، وهذا بدعوة طلاب الجامعات، وهذا بدعوة الأطفال، وهذا بدعوة التجار والصناعيين وهكذا...
فالإتقان والتميز يحتاج إلى التركيز، والتركيز يحتاج إلى التخصص، ولاسيما في ظل الاتساع المستمر للعلوم والخبرات.
السؤال الرابع: يُلاحظ انخفاض المستوى العلمي عامة لخريجي الجامعات وخريجاتها .. ماهي الأسباب؟ وألا ينعكس هذا على مستوى الداعية العلمي والثقافي ؟
قد لا يكون من المهم أن نتحدث هنا عن أسباب انخفاض المستوى العلمي لكثير من جامعاتنا، فهذا حديث طويل، لكن لا نختلف أن انخفاض مستوى الجامعات، يؤدي إلى انخفاض مستوى خريجيها، هذا شيء ملموس ومفهوم.
و لا بد من أن يخضع المشتغلون بالدعوة والذين يتم إعدادهم لممارستها إلى برامج خاصة، إذ إن الجامعات لا تقدم كل شيء، ولابد من تدريب وتعليم مكمل لما تفعله الجامعات.
السؤال الخامس: تطرقتم في كتابكم ( تجديد الوعي ) إلى تنمية المرأة، هل يمكن إعطاء القراء فكرة موجزة عما تقصد بتنمية المرأة ؟
أشرتُ في كتابي تجديد الوعي إلى أننا قصرنا في مساعدة المرأة على ممارسة واجباتها الشرعية الاجتماعية، وعلى القيام بدور فعال في تقدم المجتمع، والمقصود بتنمية المرأة:
عمل كل ما من شأنه الأخذ بيدها لتكون زوجة صالحة وأماً فاضلة، وداعية ناجحة، وساعية في صلاح المجتمع .
إن على المرأة أن تخدم الأمة، وتخدم الملة والدين، كما يفعل الرجل، ولكن ضمن الضوابط الشرعية المعروفة في مجال الحجاب، والاختلاط بالرجال، وفي نطاق مسؤولياتها الأسرية... والمسألة واضحة.
السؤال السادس: ألا ترى، ونحن في عصر العولمة، والغزو الفكري، أنه من المهم أن تكون الداعية على وعي كامل بما يجري حولها ؟
لا نستطيع أبداً أن يكون وعينا كاملاً بما يجري حولنا، فمعرفة البشر بالواقع ستظل منقوصة، لكن تحسين وعي الداعية بما يجري حوله شيء مهم جداً لأن التطورات الكثيرة التي تجري في المجالات المختلفة ـ تغيِّر في ترتيب الأولويات وتوزيع الاهتمامات لدى الدعاة ولدى غيرهم.
وهذا يجعلني أؤكد على موضوع التخصص، حيث إن من الصعب فهم الواقع من غير تخصص.
وأعني هنا بفهم الواقع على نحو مركَّز:
فهم واقع المدعوين واحتياجاتهم الدعوية والحياتية العامة، وفهم الظروف التي تؤثر في توجهاتهم واختياراتهم، إلى جانب فهم المشكلات التي يعانون منها، وامتلاك رؤية لمساعدتهم في حلها.
السؤال السابع: من وجهة نظركم: هل تؤيد أن الكلام النظري هنا وهناك حول المرأة والثقافة و...إلخ لا يستطيع أن يقف أمام التدفق الإعلامي، والفضائيات الفاسدة ؟ و ما هي الحلول العملية تجاه هذا الواقع المؤلم ؟
الكلام النظري جيد من أجل تكوين الوعي والمعرفة، لكن حين يكون مصدر بياناتك هو قنوات فضائية سيئة ومتكاثرة، فإن مجرد الكلام طبعاً لا يكون كافياً.
في معالجة الدفق الإعلامي السيئ لابد من اتباع ما نسميه ( الحلول المركبة ) مثل:
عدم إدخال القنوات السيئة إلى البيوت، وتقليل ساعات الجلوس أمام التلفاز، وتكثيف البرامج التي تساعد الناشئة على تنمية شخصياتهم بعيداً عن التلفاز، والعمل على إيجاد بدائل إعلامية نقية.
إن إقبال كثير من الناس على مشاهدة الفضائيات نابع من الفراغ الفكري والروحي الذي لديهم، وما لم يتم ملء هذا الفراغ بشيء جيد، فإن مشاهدة القنوات لن تتراجع.
السؤال الثامن: ألا تلاحظ أن دور المرأة في الدعوة إلى الله فيه قصور كبير، ما هو السبب في رأيك ؟
سبب قصور الدور الدعوي للمرأة هو عدم الاهتمام بإعدادها، وعدم وجود تقاليد علمية واجتماعية تدفع بالمرأة إلى القيام بنشر العلم الشرعي على نطاق واسع بين بنات جنسها، حيث إن هناك تخوفاً مستبطناً وغير مبرر من أن يؤدي قيام المرأة بدور اجتماعي وثقافي واسع إلى إهمالها لواجباتها الأسرية، وإلى تجاوز الضوابط الشرعية الخاصة بحركة المرأة في المجتمع.
ثم إن ( الكيف ) لا يأتي إلا بعد ( الكم )، فما دام عدد الداعيات محدوداً، فمن الصعب أن نرى تفوقاً ظاهراً لأعداد كبيرة من الداعيات.
ولكل قاعدة استثناء.
السؤال التاسع: ما نصيحتك، وأنت المفكر والداعية، للمرأة الداعية، حتى تكون على مستوى جيد وعياً وفكراً وثقافة ؟
الذي أود أن أقوله هو: أن علينا أن ننشر فكرتين أساسيتين، الأولى:
أن الدعوة إلى الله تعالى شرف عظيم، ومنة كبرى يمن بها الله على من يشاء من عباده، وهي إلى جانب ذلك مهمة عامة، حيث ينبغي على كل مسلم أن يدعوا إلى الخير، وينشر المودة، ويهدي إلى الرشاد، ويعمل على محاصرة الشر والمنكر على قدر استطاعته وحسب ظروفه.
الثانية:
هي أن حاجة الأمة ماسَّة إلى دعاة وداعيات يحملن رؤية شاملة وعميقة للمهام الدعوية، حيث إن عدم وجود خبرات دعوية عالية في الساحة، يلحق أشد الأضرار بالعمل الدعوي وبالمسلمين عامة.
ونحن نحتاج في هذا السياق أن نركز على عدد من الأمور:
1- الثقافة الشاملة، والخلفية التاريخية والفقهية، وفهم الواقع على قدر الإمكان شيء مهم جداً بالنسبة إلى الداعية.
2- معرفة ممتازة بسنن الله تعالى في الخلق، وفهم جيد بطبائع الأشياء، وخصائص كل مجال من مجالات الحياة.(9/47)
3- إخلاص وصدق وعزيمة وثقة بالله تعالى وبكرمه من غير حدود، إلى جانب الصبر على مشاق الطريق وتكاليف الدعوة.
4- حب الناس، والعطف عليهم، والحرص على هدايتهم.
5- دماثة الخلق والرقة واللطف واحترام الآخرين.
6- البعد عن العصبية الحزبية، وإشاعة روح التعاون والإعذار، وتقدير الاجتهادات المختلفة.
7- التركيز والتخصص والتعمق في شيء ما، أمور مهمة للنجاح.
8- تدعيم الجانب الروحي؛ لأن طبيعة العمل الدعوي استهلاك للطاقة الروحية لدى الداعية، وليس أحب إليَّ في هذا من الإكثار من الثناء على الله تعالى ومناجاته والتذلل بين يديه وتملقه وطلب كل شيء منه قل أو كثر.
السؤال العاشر: هل من رسالة تود أن توجهها للمرأة المسلمة من خلال موقع دعوتها ؟
أختي المسلمة:
هذه الدنيا دار ابتلاء، ووجودنا فيها عابر ولا ندري متى تنتهي الفرصة الممنوحة لنا، فلنجتهد في تقديم شيء نجده نوراً بين يدينا يوم نكون بين يدي الله تعالى .
وأنت أختي المسلمة ضمير هذه الأمة وروحها وسر جمال الحياة، وسر تراحم مجتمعها، فكوني عند حسن الظن بك، ولا تحتقري نفسك، فأنت شيء كبير جداً، وتستطيعين فعل الكثير الكثير.
والله مولانا ونعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعدت الحوار: أسماء النجار
================
حوار مع الأستاذة منيرة المفرج حول (واقع الدعوة إلى الله و تطلعات المستقبل).
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: أ. منيرة المفرج.
العقيدة هي الأصل في الدعوة ... قدوتي في ذلك نبينا و حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي استمرت دعوته ثلاثا وعشرين سنة، ثلاث عشرة سنة منها كانت في تثبيت العقيدة في القلوب، وهذا ما نحتاجه في دعوتنا، لأن ما يحصل الآن من البعض من غفلة عن الطاعات وتهاون في المعاصي ليس سببه الجهل بالأحكام، بل الغفلة عن عظمة الله وقدرته، لذا نحتاج لتثبيت العقيدة الصحيحة في القلوب أولاً ...
هذا مختصر لما تحدثت عنه الأستاذة منيرة المفرج ضيفتنا في هذا اللقاء الشيق..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
موقع دعوتها يرحب بكِ و يسره استضافتك في حوار ممتع بإذن الله ...
س1 : نود أن تعرفينا بنفسك ومجال عملك...
منيرة سليمان المفرج، مشرفة بوحدة التربية الإسلامية - مركز الإشراف التربوي بالرياض.
س2 : هل من الممكن أن توضحي لنا طبيعة عملك ؟
التوعية التربوية في مجال التربية والتعليم، والإشراف على أنشطة المصليات بالمدارس .
س3 : حدثينا عن أولى خطواتك في اللحاق بركب الداعيات.. هل كانت صعبة ؟
قولك (ركب الداعيات) يلبسني لقب داعية و هذا اللقب له مواصفات وضوابط لم أبلغها بعد، والحقيقة أنني أعمل في مجال الدعوة ولست داعية .
عموماً كل عمل بدايته لابد فيها من صعوبات، ولكن بفضل الله يسر الأمر.ولا أنسى صديقتي وأختي مها السويدان التي كان لها الفضل بعد الله في تشجيعي ومساعدتي على تجاوز الكثير من الصعوبات .
س4 : ما هو شعورك عند إلقائك لأول محاضرة؟
أول محاضرة لي كانت في مدرسة متوسطة، بداية شعرت بالارتباك والحرج أمام زميلاتي المعلمات وطالباتي ثم يسر الله الأمر.
س6 : ما هو سبب تركيزك في أغلب محاضراتك على موضوع العقيدة ؟
لأن العقيدة هي الأصل في الدعوة، قدوتي في ذلك نبينا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي استمرت دعوته 23 سنة، ثلاث عشرة سنة منها كانت في تثبيت للعقيدة في القلوب، وهذا ما نحتاجه في دعوتنا؛ لأن ما يحصل الآن من البعض من غفلة عن الطاعات وتهاون في المعاصي ليس سببه الجهل بالأحكام بل الغفلة عن عظمة الله وقدرته، لذا نحتاج لتثبيت العقيدة الصحيحة في القلوب أولاً .
ومما كان له أثر علي في هذا التوجه حضوري لدرس عن أهمية العقيدة في الدعوة لأحد الأخوات، وقراءة كتاب ( التوحيد أولاً) للشيخ د. ناصر العمر حفظه الله .
س10 : هل مستوى الدعوة إلى الله في حاضرنا مرضية باعتقادك؟
الدعوة إلى الله هي مهمة عظيمة، وهي مهمة الرسل والأنبياء، ومهما يُبذل من جهود وأموال وأوقات في الدعوة إلى الله فهو قليل، ونتطلع للأفضل. والعاملين في مجال الدعوة يبذلون الكثير نسأل الله أن يوفقهم ويبارك في جهودهم ويسدد خطاهم.
س11 : ما هي الموضوعات التي تلاحظين عدم تطرق الداعيات لها؟
طرحت الداعيات الكثير من المواضيع بارك الله فيهن، ولكن حبذا طرح أكثر لموضوعات العقيدة والآداب الاجتماعية.
س12 : ماهي اقتراحاتك لطرق أكثر فاعلية في الدعوة إلى الله مستقبلاً؟
الجهود المبذولة في الدعوة كبيرة ولكن حبذا:
1- التنسيق بينها لتوحيد الجهود وتوفيرالأوقات والأموال، لتكون نتائجها أفضل .
2- الاهتمام بطرح الدروس العلمية في دور التحفيظ وحلقات المساجد بدل التركيز على المحاضرات العامة.
3- عقد دورات تدريبية للقائمين على الدعوة لرفع كفاءتهم ومهاراتهم، ولكن حبذا مراعاة الأوقات المناسبة لعقد هذه الدورات .
س13 : ألكِ أمنية معينة في مجال الدعوة تطلبين من الله تحقيقها؟
أسأل الله أن يوفق العاملين في مجال الدعوة، وأن يرزقهم الإخلاص والثبات على الحق، وأن ينفعهم وينفع بهم ويجعلهم مباركين أينما كانوا.
س14 : هل هناك خطط مستقبلية تنوين تنفيذها؟
كل إنسان لابد أن يكون له خطط مستقبلية خاصة وعامة، لأنه لا يتحقق النجاح لأي عمل مهما كان إلا بالإخلاص لله والمتابعة لشرعه ثم بالعمل وفق خطط مستقبلية واضحة.
س8 : كانت لك مشاركات بسيطة في بعض المجلات... ماهو المحور الأساس الذي كانت تتحدث عنه ؟(9/48)
كانت مشاركتي في بعض المجلات محورها في الغالب الدعوة وبعض الأمور المتعلقة بالمرأة.
س9 : هل راودتك فكرة الدعوة إلى الله خارج المملكة العربية السعودية؟
هي أمنية أن تصل الدعوة إلى خارج البلاد، ولكن لم أفكر أبدا بالسفر للخارج من أجل الدعوة لأن ذلك ممكن أن يتحقق دون سفرعن طريق الشريط، والكتاب، والمحاضرات، وعبر الهاتف، والمشاركة في مواقع الشبكة العنكبوتية.
س5 : كيف استطعت التوفيق بين حياتك الشخصية وحياتك الدعوية؟
بفضل الله أولاً ثم بتعاون أفراد أسرتي معي، حيث تفهموا طبيعة عملي ومسؤوليتي مما ساعدني كثيراً على تذليل كثير من الصعوبات، كما أنني أحاول دائما وضع خطة خاصة لي في مجال الدعوة تتوافق مع مسؤولياتي الشخصية، ولكن هناك رسالة أوجهها عبر موقع دعوتها لأخواتي المتعاونات والمنسقات للأنشطة الدعوية: ( تذكري أن من تعمل وتتعاون معك في مجال الدعوة هي أم .. وزوجة ..وأخت .. وابنة تتحمل الكثير من المسؤوليات والالتزامات، فراعي ذلك رعاك الله وحفظك ) .
س7 : هناك مواقف عدة مرت بك كونك داعية وتختلطين كثيراً بالنساء ... هلا ذكرت لنا موقفا أحزنك وموقفا آخر أسعدك؟
المواقف كثيرة جداً ولكن الموقف الذي أحزنني عندما كنت في الحج ويسرالله لي زيارة مجموعة من النساء من إحدى الدول الإسلامية التي عرفت عن أهلها الحرص على حفظ القرآن، وفعلاً وجدت الغالبية تحفظ القرآن الكريم، ولكن أحزنني ما وجدته من جهل وبدع وانحرافات عقدية لديهن، شعرت خلالها بحزن كبيرلأننا نتحمل مسؤولية دعوتهن.
ومما يسعدني كثيراً عندما أرى حرص أخواتي وتنافسهن على إيصال الدعوة والخير للآخرين.
س15 : كلمة أخيرة ترغبين في التوجه بها إلى الداعيات ..
وصية .. ( أختي العاملة في مجال الدعوة تذكري حاجتك إلى الله وأنه لا حول لكِ ولا قوة إلا به سبحانه، فاسألي الله الإخلاص والثبات على الحق، وأن يرزقك حسن التوكل عليه، وأن يوفقك ويسددك و ينفعك وينفع بك ويجعلك مباركة أينما كنت).
و جزاكم الله خير الجزاء ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
أعدت الحوار : المحررة
================
تغريب المرأة المسلمة مع الداعية الدكتورة حياة باأخضر
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: د.حياة باأخضر.
عندما تعلو الهمم، وتقوى العزائم، وتزداد الثقة بالله والتوكل عليه تتفجر الطاقات، وتتيسر السبل، وتزاح كل العقبات ..
من أمثلة هذا النجاح الدكتورة الداعية حياة باأخضر، فهي نعم القدوة التي يحتذى بها وبأعمالها - نحسبها كذلك والله حسيبها - في مجال الدعوة إلى الله تعالى، ولمعرفة المزيد عن إنجازاتها وأعمالها، وعن رأيها بموضوع تغريب المرأة المسلمة، وماهي السبل للحد من هذه القضية الهامة أجرينا معها هذا الحوار .
س 1 : في البداية موقع دعوتها يرحب بك و يود أن تعطينا نبذة عن حياتك الدعوية ؟
اسمي حياة بنت سعيد باأخضر، بفضل الله حصلت على درجة البكالوريوس في تخصص ( دعوة و ثقافة إسلامية )، ثم تخصصت في مرحلة الماجستير في العقيدة و كان عنوان بحثي :( موقف الإسلام من السحر ) وهو مطبوع في جزأين،أما في مرحلة الدكتوراه فكان عنوان بحثي :( التنبؤ بالغيب عند الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام - دراسة نقدية على ضوء عقيدة أهل السنة و الجماعة ).
أثناء دراستي للبكالوريوس شعرت بالحياء من الله لكوني أدرس في قسم الدعوة و لا أجرؤ على الوقوف أمام الناس لأدعوهم، كما أنني كنت مصابة بتلعثم و تأتأة أثناء حديثي مما يجعل كلماتي متقطعة غير مفهومة، مع أنني – بحمد الله و فضله – متفوقة .
وعندما نظرت إلى أترابي من زميلات القسم وجدت بعضهن قد نفضت غبار الشيطان -وهو الحياء المذموم في الدعوة - فلماذا أنا لا أستطيع فعل ذلك أيضا؟! لماذا لا أزرع الثقة بالله في نفسي ؟ ! فقررت أن أبدأ الآن في مصلى الجامعة , وكان تخصصي في الدعوة جعلني قريبة الاطلاع على كيد الأعداء و حربهم المستمرة على الإسلام فحتى متى ننتظر؟ ففكرت في علاج لحالة التأتأة التي أعاني منها وذلك بألا أتكلم بسرعة، و في البداية لا أنظر للحضور بل أوزع نظراتي في القاعة حتى لا أشعر بارتباك ، وأي حرف لا أستطيع نطقه بيسر أغيره بحرف آخر أستطيع نطقه .
و بفضل الله بدأت ألقي دروسا في مصلى الجامعة ولكن بدون إشراف من أستاذات الجامعة، وبديهي أن إشراف الأستاذات يعطي قوة و تمكن للداعية، و دقه و صحة في الطرح، فلا يكون مجرد عواطف منثورة .
و هذا درس لكل داعية من الجنسين : إذا رزقك الله قدرة على العطاء فلا تتردد، وعالج مواضع قصورك بجميل التوكل على الله و صدق الثقة به سبحانه .
وقد انقطعت في وقت الماجستير و الدكتوراه إلا من مشاركات متفرقة لا أعتبرها إلا تدريب عملي على الدعوة ، ينقصه الكثير من القوه العلمية و الشخصية .
و بعد الانتهاء مما سبق يسر الله لي الانضمام لمكتب توعية الجاليات بمكة، و هناك بدأت العمل القوي في الدعوة، فبدأت أخطط للنهوض بالدعوة بمكة و من حولها، وقد جمعت في الدعوة بين :
1- الإلقاء للمحاضرات و الدورات ، و كلمات في الحفلات و المناسبات .
2- اقتراح برامج للفتيات و للمراكز و لقناة المجد .
3- كتابة المقالات في المواقع و المجلات .
4- المشاركة في برنامج منتدى المرأة كضيفة أو كمداخلة كلامية .
5- اقتراح خطط تطويرية لجهات دعوية و غيرها .
س 2 : كيف كانت بداية تدريسك للمسلمات غير العربيات ، و ما هو سبب توجهك إلى هذا المجال بالتحديد ؟ و هل وجدتِ صعوبة في ذلك ؟(9/49)
بعد انتهائي من مرحلة البكالوريوس رشحت للعمل كمعيدة بقسم الدعوة و الثقافة الإسلامية بالجامعة، فاستخرت الله و لم أجد نفسي مقبلة على العمل فيه، فاعتذرت لهم -رغم أنني لم أجد وظيفة بعد- ويشاء الله العليم الخبير أن تخبرني إحدى الأخوات في الله و التي تعمل بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بوجود وظيفة فيه، فتقدمت و يسر الله لي القبول، ثم حمدت الله على ذلك فقد كان توفيقا منه سبحانه، فالمعهد يعتبر من ثغور الإسلام المهمة و التي يجب أن نوليه عناية خاصة و هامة، فهو موئل عقول طلبة العالم الإسلامي ، لينهلوا من علوم الإسلام و اللغة العربية على نهج أهل السنة و الجماعة .
و قد ورد في سيرة الخليل بن أحمد الفراهيدي -إمام اللغة العربية- أنه بعد وفاته رآه أحدهم وهو نائم فسأله : ماذا فعل الله بك ؟ فقال قد غفر لي . فقال له : بم ؟ فقال له : بتعليمي الفاتحة لعجائز نيسابور . فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة إذ أننا بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها لدينا طالبات من كل بلد تقريبا وقد علمناهم كيف يقرؤون جزأين من القرآن، و كيف يعبدون ربهم على بصيرة . فاللهم لا تحرمنا الأجر، و اجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهك، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً
ومن البديهي أن تعليم طالبات لغة لا يتقنونها ، بل و لا يتكلمون بها أصلاً أمر صعب للطرفين أستاذات و طالبات، ويتطلب هذا الأمر قدرا من الصبر على احتواء مشارب شتى في الفهم و الهدف و البيئة و العقول، كما يتطلب ذخيرة من الكلمات الميسرة ،خاصة عندما تفاجأ الأستاذات بوجود طالبات لا يفهمن أيسر الكلمات في اللغة العربية، وعندئذ تكون الوسائل الحية و لغة الإشارة أيسر السبل للوصول إلى الهدف .
س 3 : هل يوجد إقبال على الدراسة من قبل المسلمات غير العربيات ؟
بحمد الله يوجد إقبال منقطع النظير للتسجيل بالمعهد، و لو نظرت إحدانا للكم الهائل لملفات طلبات القبول،لرأت امتلاء القاعة بأكملها إلى السقف، وهذا الإقبال من خارج المملكة العربية السعودية و من داخلها .
من الجنسيات التي نقوم بتدريسها في المعهد : البوسنة , صربيا , مقدونيا , كوسوفا , ألبانيا , تركيا , الأرجنتين , أسبانيا , بلجيكا , أمريكا , كندا , اليابان , الصين , تايلاند , نيوزلندا , غيانا , سورنيام , ترينداد , كمبوديا , إيران , إندونيسيا , الفلبين , ماليزيا , سنغافورة , بنين , ليبيريا , بوركينا فاسو , النيجر, نيجيريا , توغو , غينيا , غانا , قرغيزيا , روسيا , داغستان , طاجاكستان , كازاخستان , فرنسا , مالي , ساحل العاج , السنغال , الهند , باكستان , بنغلاديش , بورما , أثيوبيا , سيرلانكا , الصومال , نيبال , جنوب إفريقيا , إيطاليا ,زائير , هولندا .
س 4 : حول موضوع تغريب المرأة المسلمة لماذا يكون التركيز على المرأة بالذات من قبل الغرب، و من قبل أتباعه المستغربين ؟
السبب في تركيز الغرب والمستغربين على المرأة لأنها هي العنصر الرئيس الذي يؤثر على المجتمع ، فهي الأم و الابنة و الزوجة و الأخت، و بصلاحها أو بفسادها تكون السمة العامة للمجتمع، لذا من الملاحظ أن من يسعون لتغريب المرأة المسلمة ويزعمون الدفاع عنها هم من فئة الذكور لا الإناث،وذلك لتكون المرأة سهلة التناول بالنسبة إليهم .
ونلاحظ أنه في الآونة الأخيرة توسع التغريب ليشمل الشباب من الذكورأيضا، سواءً في طريقة تفكيرهم أو في ملابسهم أو قصات شعرهم، وذلك لنزع رجولتهم مما يجعل الرجال و النساء جنساً ثالثاً أو رابعاً لا ينتمي لأصله، ولا يعرف مآله و لا صورته الحالية الممسوخة .
س 5 : هل بالإمكان إعطاؤنا مفهوماً للتغريب من وجهة نظرك ؟
مفهوم التغريب: هو غزو فكري غربي يسعى لإخراج المسلمة من دينها أو لجحود فضائله، و جعلها بلا هوية محددة لتكون سلاحاً فتاكاً بأيدي الأعداء يقتل به المجتمع المسلم .
س 6 : باعتقادك في وقتنا الحالي ما هي البرامج المتبعة في تغريب المرأة المسلمة ؟
البرامج المتبعة لتغريب المرأة المسلمة عديدة منها :
1- برامج تعليمية :
وذلك بوضع مناهج تقوم على الفكر المادي الغربي الذي يمجد المادة، ويلغي الغيب أو يضعفه، وبالتالي يضعف التوحيد الخالص لله و الارتباط التام بالإسلام .
2- برامج إعلامية :
تشجع خروج المسلمة في البرامج و الأفلام سافرة متبرجة، أو بحجاب سافر متمسح بالدين وهو منه براء، لتنزع حياءها بل و قد تنزع عفتها في جو مختلط قد يصل للمجون وإعلان الفاحشة ،في صور شيطانية براقة تحمل عناوين الحرية والتطور .
3- برامج اقتصادية :
تدفع المسلمة دفعاً للعمل في كل المجالات بالتدريج بحجج واهية تزعم تنمية المجتمع، وهي في الحقيقة تدعو لاختلاطها ، و تستنزف قدراتها في عملها غير الحقيقي .
4- برامج اجتماعية :
تدعو إلى إشراك المرأة في أنشطة اجتماعية مختلطة و متعددة ،من خلال بعض الأنشطة المبثوثة في المجتمع و التي تزرع الشبهات في النفوس .
5- فتاوى دينيه مضللة :
تبث عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، والتي غدت كتسويق كبير تختار منه المرأة من الفتاوى ما يناسب هوى نفسها .
6- المؤتمرات النسائية المتعددة :
التي تنادي بسلخ المسلمة عن دينها و فطرتها، و جعلها رقماً من ضمن أرقام العولمة، يتغير موقعه حسبما يشاؤون.
7- الجماعات الشبابية :
التي انتشرت بين فتياتنا و فتياننا كسريان النار في الهشيم، والتي جعلتهم كأحجار الشطرنج يحركونهم في رقعة العمل الخيري، في جو مختلط متميع ينزع بالشباب نحو الخير بطرق ممزوجة بالشبهات .
8- الدورات التطويرية للنفس :(9/50)
والتي يختلط فيها الحق بالباطل ،و الإسلام الكامل بالفلسفات و الأديان الوضعية ،حتى تغدو المسلمة لا هم لها إلا المشي على الجمر، وجذب القدر – نستغفر الله – و أن تكون قوة لا حد لها ولا مانع، تفعل ما تشاء و متى تشاء ولا راد لإرادتها .
س 7 : ما هي اقتراحاتك للحد من عملية تغريب المرأة المسلمة ؟
للحد من تغريب المرأة المسلمة هناك اقتراحات عدة من أهمها :
برامج داخلية :
و أقصد بها برامج من داخل المسلمة، وتعني: اعتقادها الجازم الذي لا شك فيه ولاتردد بأنها تدين بدين كفل لها كل ما تحتاجه لتصل للفلاح في الدنيا والآخرة، و أنها هي التي يجب أن تقدم للعالم من حولها علاجاً لكل أزماته و قضاياه المصيرية .
و برامج من دخل الأسرة التي منوط بها تربية نسائها على هذا المعتقد، و صيانة عقل و قلب نسائها من تيارات التغريب ،بربطهن بالإسلام سلوكاً حياً في أسرهن ،و توعيتهن بحقيقة مكائد الأعداء .
برامج خارجية :
نحتاجها من وسائل التعليم و الإعلام، و الجمعيات الدعوية، و المساجد، و الملتقيات الثقافية لتقوم باستنهاض همم نسائنا للعمل بالإسلام ،ولتكشف لهن خطط الأعداء ضدهن، و تشرح لهن الإسلام كواقع يجب أن نعيشه .
و هذا يستدعي من هذه البرامج مواكبة العصر ببرامج علمية، و قنوات إسلامية، و مجلات، و مواقع نسائية، و ملتقيات تضم علماء ثقات،وبرامج علمية للاستفادة من همم الشباب في مناح خيرية متعددة .
س 8 : ما هي مظاهر تغريب المرأة المسلمة في مجتمعنا ؟
من مظاهر تغريب المرأة المسلمة في مجتمعنا :
-مظاهر شرعية :
كالدعوة إلى إباحة اختلاط المرأة بالرجال في مواقع العمل وغيرها، و نزع الحجاب الحقيقي سواء للوجه أو حتى للشعر، وإباحة ارتداء المرأة لملابس محرمة في وسط الرجال أوالنساء .
-مظاهر إعلامية :
تتمثل في ظهور المسلمة في القنوات و الصحف و المجلات و المواقع و هي تفاخر بنزع الحجاب، و تسمي الالتزام به رجعية و تخلفاً ،و تشجيع كل من تسن سنة شيطانية في أي مجال كان .
-مظاهر اجتماعية :
كالحفلات المختلطة، و أماكن الترفيه المختلطة، و سرعة انتشار المطاعم و مقاهي الإنترنت في الشوارع و المراكز التجارية .
-انتشار الأزياء العارية و الحجاب المتبرج في كل مكان، و بأسعار في متناول الجميع .
س 9 : لماذا ينظر الغرب للمسلمة في بلادي نظرة دونية ؟
من خلال استماعي لعدد من طالباتي فوجئت أنه إلى الآن نظرة الغرب للمرأة المسلمة في بلادي الحبيبة نظرة غير صحيحة ، فقبل حضور طالباتي للدراسة كان الاعتقاد السائد لهن أن المرأة هنا بلا عقل أو حياة، وأننا نعيش في خيام وسط الصحراء، فلما حضرن إلى مكة و شاهدن أستاذات الجامعة بكين من الحزن، فقد رأين سعوديات حاصلات على أعلى الدرجات العلمية وهن متزوجات ، ومع ذلك فإنهن عاملات سعيدات، و انبهرت طالباتي بمباني الجامعة و أثاثها الفاخر لأن الإعلام في بلاد الكفار ينشر صورا خاطئة عن بلادنا، و يصورها في صورة الجاهلية الغابرة .
ورغم أنهم يشاهدون بعضاً من نساء بلادنا المتبرجات أو المتحجبات إلا أن الصورة الظالمة مازالت هي الأساس ،فالإسلام في ذهن الكفار هو صورة الرسول صلى الله عليه و سلم وهو يحمل السيف في يده و يتزوج الكثير من النساء .
و لهذا يتوجب علينا نشر الصورة الصحيحة عن المرأة المسلمة في أوساط الجاليات الزائرة لبلادنا، و في وسائل إعلامهم .
س 10 : كلمة أخيرة توجهينها للداعيات للتركيز على هذا الموضوع .
كلمة للداعيات :
إن التغريب كيد شيطاني سيستمر مادام هناك إسلام و مسلمون، و هذا من سنن الله في الكون، و لا يعني ذلك الرضا بالواقع و الاستسلام و الذل ‘بل يعني أننا في الدنيا لم و لن نهدأ و نركن للدعة و النوم، فأعداؤنا لن يناموا بل إنهم يكدون الليل و النهار بلا كلل أو ملل، فلنتعوذ بالله من جلد الفاجر و عجز الثقة , كما أن دين الله منصور بفضله و كرمه فلنكن نحن من ينصره .
و هذا كله يتطلب منا دراية تامة و شاملة لمكايد الأعداء، و متابعة مؤتمراتهم و وسائلهم لنعرف خططهم و كيفية مواجهتها .
كما يتوجب علينا التقاء القلوب و الأيدي على الحق، و عدم شغل أنفسنا بمهاترات داخلية و شخصية تشتت جهودنا و تضعف هممنا و تبعدنا عن بركة القبول .
في نهاية الحوار موقع دعوتها يشكرك و يتمنى لك المزيد من الإنجازات في مجال الدعوة و جعله الله في موازين أعمالك .
================
د.منى العواد ...الفرصة للدعوة أمام الطبيب كبيرة وذات أرض خصبة
وصف الحوار:
ضيفة الحوار : د. منى العواد .
اختلاط ومنكرات .. ماهو دور الطبيب المسلم اتجاههم .. وكذلك دور الطبيبة المسلمة .. هل قاما بحقهما في مجال الدعوة .. وهل الدعوة فيها أمر سهل .. حول هذا الموضوع كان لقاءنا مع إحدى الرائدات في هذا المجال ..
نبذة عن الدكتورة منى العواد:
- الدكتورة منى محمد سعد العواد استشارية نساء وولادة / مستشفى النساء والولادة/ مجمع الرياض الطبي , المشرفة على التدريب في اختصاص النساء والولادة بمجمع الرياض الطبي. ممثلة وزارة الصحة في لجنة تطوير مستشفيات النساء والولادة على مستوى المملكة
المؤهلات : - بكالوريوس طب وجراحة عامة/ جامعة الملك سعود.
- دبلوم نساء وولادة / وزارة الصحة السعودية بالتعاون مع الكلية الملكية للأطباء بإيرلندا.
- الزمالة العربية (الدكتوراه) في اختصاص النساء والولادة/ المجلس العلمي للاختصاصات / دمشق/سوريا.
في بداية حوارنا معها كانت لها هذه الكلمات :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إلى القائمين على موقع دعوتها:(9/51)
أحب أن أحيي وأثمن جهودكم في مجال الدعوة وأشكركم على استضافتي, وأنا أرحب بأي مجال أستطيع من خلاله الدعوة إلى الله , فلا تترددوا في مخاطبتي ,وأدعو الله أن يوفقنا وإياكم لما يجبه ويرضاه وجزاكم الله خيراً.
- الدعوة النسائية ..ماهي طبيعة علاقتك بها؟
- الحمدلله رب العالمين الدعوة النسائية بالنسبة لي بدأت من خلال الاشتراك مع بعض الزملاء والزميلات بعمل أول لجنة دينية في مجمع الرياض الطبي في بداية عملي في المجمع, ومن ثم من خلال إعطاء المحاضرات الطبية الدعوية في المؤسسات الدينية والجامعات والكليات والمهرجانات الثقافية ودور التحفيظ,ومن ثم من خلال مشاركتي كرئيسة لطبيبات الحرمين وحاليا من خلال مشاركتي في مؤسسة مكة الخيرية وذلك بالإشراف على منتدى عطاء الصحي , ومن خلال إدارتي للفرع النسائي بالمركز الدعوي الطبي التابع لمكتب الجاليات بالبديعة.
- القطاع الصحي بشكل خاص والمستشفيات بشكل عام تعد أرضا خصبة للدعوة فماذا عن الجهود المبذولة في ذلك؟
- الجهود المبذولة متواضعة وإن كان أفضلها في مستشفيات وزارة الصحة وذلك لوجود إدارة للتوعية الدينية.
- ماهي العوائق التي قد تعترض طريق الدعوة في نظرك إذا كانت في مجال كمجالك؟
- من العوائق التي تعترض الداعية في مجالنا: عدم وجود الوقت الكافي, اختلاف اللغة (الانجليزية وغيرها), عدم وجود الدعم الإداري في حال النهي عن المنكر.
- إلى ماذا تتطلع منى العواد نحو الارتقاء بالدعوة في القطاعات الصحية ؟
- أن يكون كل فرد داعية ,ولا يحقر أي عمل في مجال الدعوة وإن صغر, فالمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة ونشر الكتيب والشريط الإسلامي وتحفيز الهمم من أهم الوسائل.
- المراكز الدعوية في المستشفيات .. ماذا عنها وماذا ينقصها في نظرك؟
- المراكز الدعوية في المستشفيات مازالت في طور النمو وتحتاج إلى الدعم من داخل المستشفيات وخارجها مادياً ومعنوياً. ولابد من تفعيلها بشكل أكبر ولابد من التركيز على العنصر النسائي في الدعوة .
- برأيك مالذي يمكن لطالب الطب تقديمه من أجل خدمة الدعوة في هذا المجال ؟
- على طالب الطب أن يكون داعية في نفسه أولاً , فاختيار التخصص المناسب له أثره في الدعوة, مثال على ذلك: أن تختار الفتاة مجال النساء والولادة رغبة في ستر عورات النساء . وعليه أن يحتسب الأجر في كل مايقوله ويفعله , وأن يخلص النية لله في عمله وأن يدعو من حوله ممن هم أعلى منه أو أصغر منه بالحكمة والموعظة الحسنة. وأن يفقه نفسه في أمور الدين بما يستطيع. وأن يجتهد في التحصيل العلمي بما لايتعارض مع أمور الدين.
- قد يتعرض المرء لمواقف عده في الحياة لكن هناك مواقف تبقى لتستقر في الداخل.. هل لك أن تخبرينا عن أحد المواقف الدعوية التي لاتنسى بالنسبة لك؟
- المواقف كثيرة ولكن هناك بعض المواقف الطريفة التي لاتنسى منها : أنني كنت يوما أدعو الممرضات خلال مناوبتي في الإسعاف وأتاني هاتف من خارج غرفة الإسعاف فذهبت للرد عليه, وعندما عدت لاستكمال الحديث لم أجد أحدا فاندهشت, وبعد ثوان قليلة وجدتهن مختبئات, إحداهن وراء الباب وأخرى وراء الطاولة وثالثة وراء الستارة, ولما سألتهن عن سبب الاختباء علمت أنهن خفن من أن تتأثرن بالحديث.
- برأيك هل يجب أن يكون لدى الطبيب مؤهلات من نوع معين ليستطيع ممارسة الدعوة في عملة؟
- أنا أعتقد أن أي مسلم داعية. والطبيب بحكم علمه باللغة الانجليزية وبحكم مكانته العلمية واحترام المجتمع له فالفرصة للدعوة أمامه كبيرة, ولكن لابد أن يحاول أن يفقه نفسه بقدر الاستطاعة عن طريق الاطلاع والقراءة وسؤال علماء الدين وحضور الدورات الشرعية وهي متوفرة بشكل جيد ولله الحمد.
- ماذا عن سفر الأطباء المستمر... كيف يستثمرونه دعوياً خصوصاً في المؤتمرات الطبية ؟
- كما قلنا سابقاً لابد أن يثقف نفسه فقهياً, وإذا كان جديدا في الدعوة أو ممن لايحسنون الدعوة بالحوار فليحمل دائما معه مطويات وكتيبات دعوية على حسب البلد المسافر إليه. وليحاول دائما أن يمزج الطب مع الدين فالطبيب أعلم الناس بقدرة الخالق لما يراه من خلال عمله مع الحياة البشرية.
- موقع دعوتها بريد الدعاة فهل هناك رسالة تحبين توجيهها لكل من يعمل في مجال الدعوة بالقطاعات الصحية؟
لكل من يعمل في مجال الدعوة بالقطاعات الصحية أقول لهم ما يأتي :
- على الداعية أن يجتهد ويثابر ولايحتقر من الأعمال شيئاً .
- أن يعلم أن الدعوة ليست مقتصرة على رجال الدين فقط .
- أن الكثير من إخواننا وأبنائنا داخل القطاع الصحي من يحتاج للدعوة فلابد أن نعطيهم من وقتنا ولو اليسير.
- أن المستشفيات أرض خصبة للدعوة ففيها الجاليات المختلفة و المذاهب واللغات المتعددة ,وفيها الاختلاط وغير ذلك من الأمور التي تحتاج للدعوة.
- أن يتحلى بالصبر ولا يستعجل الحصاد, وأن يكون قدوته في الدعوةرسول الله صلى الله عليه وسلم .
موقع دعوتها يشكر الدكتورة منى العواد لاستجابتها ويدعوالها بدوام التوفيق والنجاح
==============
مشروع تفعيل الهوية ..د/هناء سنبل
وصف الحوار:
ضيفة الحوار : د.هناء سنبل .
الهوية الإسلامية ..ذلك الموضوع الذي أولته الكثير من الاهتمام ومنحته من الرعاية ماجعله ينمو في صورة مشروع فكري لاقى من النجاح الكثير ..إنها ضيفتنا الدكتورة /هناء سنبل ..
س 1 : بداية موقع دعوتها يرحب بك ويتساءل عن سبب اختيار موضوع الهوية الإسلامية على وجه التحديد ليأخذ كل هذا الحيز والوقت في النقاش والعلاج .
بداية اشكر الموقع الذي يهتم بأمر الدعوة النسائية والتي وصف الله الخيرية
لهذه الأمة بها فقال سبحانه :(9/52)
} كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر {
وأدعو الله لكن التوفيق.
ج1) تم اختياري لموضوع الهوية الإسلامية قبل ثلاث سنوات عندما تم اتفاقنا فجميع أقسام الندوة العالمية للشباب الإسلامي لعمل ومتميز لشباب متميز.
فسألت نفسي لماذا شبابنا غير مميز وقد كان فيه سابقاً( علي ابن أبي طالب , عبدالله ابن عباس, أسامه ابن زيد , عائشة بنت أبي بكر ) .
وجدت رد السؤال هو بعدهم عن الهوية الإسلامية وذلك عن طريق جهلهم بها.
فقررت أن نقوم بمشروع يحمل شعار ( عزتي في هويتي )
س2) ما مفهوم الهوية " الإسلامية " في نظر د. سناء ؟
ج2) الهوية الإسلامية في رآي هي باختصار شديد التي بفضلها أكون تحت راية الرسول يوم القيامة .
وفي الدنيا أصل بها إلى أكرم الأخلاق وإلى الحضارة الحقيقية .
س3 : العولمة لا محالة قادمة .. هكذا الجميع يعرف ..وبناء ً علية يعد لها .. لكن السؤال يبقى .. كيف يمكن الحفاظ على هوية أمة في ظل مستجدات كهذه؟
ج3) كيف يمكن الحفاظ على الهوية من ظل هذه المستجدات ( العولمة وهو نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية حتى لا تكون أمه ممسوخة ليس لها قيم في وسط الأمم وتفعيلها في الواقع وكما اعدئنا يخططوا فعلى المؤمن أن يكون كيس فطن ويعلم ما يدور حوله وبها هو أيضا يكون له رويا واضحة وأهداف يسعى لها .
س4) لنتحدث عن التعليم أو لنقل.. الشق الآخر للتربية .. وكيف يمكن أن يكون للمدرس والمدرسة دور في جعل الطلاب والطالبات أكثر تعلقاً وتمسكاً بعُرى الهوية؟
ج4) قد بدأنا فعلا التعاون مع المؤسسات التعليم التي كانت مرجع جداً بمشروع الهوية وهو تكوين في كل مدرسة مجموعة من الفتيات يمثلن الهوية الإسلامية وينشروها بين زميلاتهن.
وذلك بتدريب المرشدات الطلابيات ومشرفات المصلى وعمل ورش عمل وكافة مشاريع لخدمة نشر الهوية الإسلامية.
س5 ) برأيك إلى أي مدى تسهم التربية في قدرة النشء على مقاومة هذا التيار وتمكنة من الإحتفاظ بهويته الإسلامية ؟
ج5)حتى تسهم في تربية نشئ قادر على مقاومة التيار العولمة ويحفظ على هوية ( القدوة- ثم القدوة )
وفي المنزل – وفي الإعلام –في المدرسة – في المجتمع .- في الأسواق.
لابد من تغيير المجتمع .
س6 ) هل ترين أن العولمة مقرونة بالواقع الحضاري الملتهب بتوافد الأفكار العقدية كانتا سبباً رئيسياً في قضية انعدام الهوية لدى الجيل الحالي أو لنقل غيابها؟
ج6) الهوية في ديننا ليست عقيدة فقط إنما تتميز عن غيرها أنها تستوعب الحياة كلها " قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " فالهوية تبدأ بقل يا أيها الكافرون حتى قول الرسول ليس منا من عمل بسنه غيرنا أو كما قال .
س7ماذا عن الهجمة الإعلامية الملحوظة على الشباب المسلم ..وهل ترين أن الإعلام الإسلامي قادر على مواجهتها كما ً وكيفا ً ؟
ج7) أما عن الإعلام الإسلامي هو قادر بإذن الله أن يتحدى على هذه الهجمة ولو ترى الإعلام الهادف ألان في المحطات الفضائية كانت نادرة سابقاً ولان تجدي أيضا ملفات مختلفة وتتكلم مع جميع الفئات .
في نهاية اللقاء موقع دعوتها يتمنى لك التوفيق والسداد..
================
الأستاذة أمل خضر..الدعوة في السجن النسائي..
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: أ.أمل خضر.
برامجنا الإصلاحية حولت السجينات إلى الداعيات..الأنشطة الدعوية وحلقات التحفيظ أهم البرامج الإصلاحية داخل السجن . - بعض الأهالي يرفض, زيارة السجينة أو استقبالها بعد خروجها. - ضعف الوازع الديني أكثر عوامل الانحراف لدى النساء - للنزيلة الحرية في إبقاء طفلها الرضيع معها حسب رغبتها - مركز صيفي سنوي للسجينات ومشاركة في المناسبات الوطنية - نعم.. هناك سجينات خرجن وعدن مرة أخرى
لقاء - فوزية المحمد: لم تعد السجون كما كانت مجرد عزل الإنسان عن المجتمع وحجزه لمجرد سجنه، بل أصبحت وسيلة للإصلاح والإرشاد والتوجيه يدخل إليها عتاة المجرمين فما يلبثون أن يخرجوا أناسا صالحين. السجون لدينا اليوم هي مؤسسة ثقافية توجيهية مهنية تهدف إلى مساعدة وتوعية وتوجيه وتثقيف السجين، تسعى لتأهيله وإصلاح اعوجاجه حتى يعود عضوا نافعا في المجتمع. إدارة السجون اليوم ليست جهة عقاب أو جهة تنفيذ حد، بل هي جهة علمية ثقافية مهنية هاجسها أولا خدمة ومساعدة السجين وليس عقابه.. تضع في نصب عينها أن يخرج هذا السجين من سجنه وهو متسلح بالعلم والثقافة والوعي وفي يده صنعة تعلمها داخل السجن، ومع ذلك يبقى السجن سبة ووصمة عار في جبين داخليه.. فما بالكم إذا كان من يدخله امرأة؟! فهل تتحمل تلك الأيادي الناعمة والقلب الرءوم غياهب السجن؟ وكيف تواجه قسوة الأهل ورفض المجتمع؟ وماذا تصنع إدارة السجن لتأهيل هؤلاء الخارجات عن القانون ليخرجن من رحمة السجن صالحات تائبات.
كل تلك الأسئلة وغيرها سنحاول أن نتعرف عليها في حوار مع" أمل خضر" مديرة سجن النساء بالرياض لتروي لنا ما يدور خلف تلك الجدران العالية والأسوار المنيعة من برامج وأنشطة دعوية.
أقسام السجن، في البداية نود أن تعطي القراء نبذة عن أقسام وعنابر السجن :(9/53)
- بالنسبة لأقسام السجن: هناك قسم الرعاية الاجتماعية والنفسية وقسم الإرشاد والتوجيه والمدرسة ومشغل الخياطة والأشغال اليدوية والرعاية الصحية، حيث يوجد مستوصف كامل لتقديم الرعاية الصحية للنزيلات وكذلك أمن السجن وهو المعني بسلامة النزيلات والمبنى والأجهزة ويوجد شؤون السجناء المعني بمتابعة إجراءات سير قضايا السجناء. والسجن معد لاستقبال النزيلات السعوديات اللاتي تجاوزت أعمارهن (30) سنة بالإضافة للأجنبيات من جميع الجنسيات والأعمار. الدعوة هي الأهم
- ما دور الجانب الدعوي في السجن؟ وكم محاضرة ودروسا دعوية تلقى في السجن تقريبا خلال الأسبوع؟
يعد الجانب الدعوي في السجن هو الركيزة الأساسية والمهمة لإصلاح النزيلة وتهذيبها وتأهيلها للخروج مرة أخرى للمجتمع بكيان جديد صالح وفعال في المجتمع. بعد أن تكون قد عرفت كيف تقاوم الظروف مهما كانت صعبة وتتمسك بما يمليه عليها دينها الحنيف حتى تكسب رضا الله وتبتعد عن المعاصي وإعطاؤها الأمل في المستقبل بأنه سيكون أفضل إن هي حرصت على إرضاء الله. وأهم الأنشطة الدعوية: محاضرات، سماع أشرطة كاسيت زائد فيديو وتوزيع كتيبات ونشرات، استعادة كتب من المكتبة. أبرز الأنشطة
ما أهم الأنشطة الدعوية في السجن؟ وهل توجد أنشطة أخرى للسجينات؟
النشطة الدعوية هي:
إقامة المحاضرات. إقامة مسابقات (في حفظ القرآن - التفسير - حفظ الأحاديث الشريفة). وتوجد أنشطة أخرى للسجينات مثل: المركز الصيفي الذي يقام خلال الإجازة الصيفية ويحتوي على: أنشطة دعوية - أنشطة ثقافية - أنشطة ترفيهية. بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى التي تقوم بها الأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات، بالإضافة إلى المعلمات مثل: المسابقات الثقافية والترفيهية وتنفيذ اللوحات الإرشادية. والمشاركة في المناسبات الوطنية مثل: (اليوم الوطني - المهرجان الوطني للتراث والثقافة) وذلك بفتح باب المشاركة للنزيلات للمشاركة في هذه المناسبات، أما عن طريق كتابة كلمات أو قصائد أو تنفيذ لوحات أو أعمال فنية. حفظ القرآن
* يوجد في السجن (قسم تحفيظ القرآن) ماذا يقدم هذا القسم للنزيلات؟ وكيف ترين الإقبال عليه من قبل السجينات؟ وهل تم لبعض السجينات حفظ القرآن كاملا؟
- يوجد في السجن قسم لتحفيظ القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (1) حلقة للمتعلمات. (2) حلقة للأميات. حلقة للأعجميات. والإقبال على هذه الحلقات جيد ولم يتم حفظ القرآن كاملا ولكن أجزاء مختلفة.
هل تقدم الحوافز التشجيعية والمساعدات المادية مثلا لمساعدتهن على الحفظ؟
. نعم تقدم لهن الحوافز التشجيعية والمساعدات المادية لمساعدتهن على الحفظ.
* ما دوركم في تمسك السجينة بدينها؟ وألا تعود لما كانت عليه مرة أخرى؟
- دورنا يكون عن طريق تكثيف المناصحة والوعظ والإرشاد بألا تعود إلى ما كانت عليه، ومن آثار النصح والإرشاد أنه تم خروج داعيات من هذا المكان. وعدد كبير من النزيلات دخلن في الإسلام من جنسيات مختلفة.
* هل تعطينا بعض النماذج لسجينات ممن تغير مجرى حياتهن وتبدل من حال إلى حال بعد دخولها السجن؟
- نعم يوجد العديد من النزيلات اللاتي تغير سلوكهن بعد دخولهن السجن وبالتالي ساهم في تغيير مجرى حياتهن بعد خروجهن من السجن، فهناك من دخلت السجن وقد كانت تعيش حياة لهو وطيش، ولكن بعد دخولها السجن ونتيجة جهود الأخوات العاملات في السجن استقام حالها وهناك بعض النماذج نذكر منها: إحدى الأخوات بدأت حفظ القرآن وهي داخل السجن والآن تقوم بدورها في إحدى دور تحفيظ القرآن الكريم بعد أن من الله عليها بحفظ القرآن الكريم كامل.
وأخرى دخلت السجن وهي متمردة على المجتمع والتقاليد وخرجت وقد تبدلت نظرتها وهي الآن إحدى الداعيات اللاتي يشار إليهن بالبنان، وقد حضرن عدة مرات للسجن لإلقاء محاضرات للنزيلات وقد كانت المحاضرات التي ألقتها مؤثرة جدا وقد لاقت صدى طيبا لدى النزيلات لأنها أوضحت فيها ما كانت عليه وكيف أصبحت وكيف أن السجن وما تعلمته فيه أسهم في تبدل أحوال.
وأخت أخرى دخلت السجن وقد كانت تمارس مهنة الطرب، ولكن بعد دخولها السجن وبمجهود الأخوات العاملات وبمساعدة الداعيات المتعاونات تركت الطريق الذي كانت تسلكه في السابق بعد أن ذاقت حلاوة الإيمان ومجالس الذكر واستقام حاله.
يوميات السجن * الحياة اليومية للسجينات كيف هي؟ وما ترتيبات المعيشة داخل السجن؟
- يبدأ يوم النزيلة من الساعة السابعة صباحا وذلك بإحضار وجبة الإفطار وتوزيع العلاج على المريضات منهن، ثم بعد ذلك تبدأ عملية تنظيف النزيلات لعنابرهن وبعد ذلك عند الساعة الثامنة صباحا يدب النشاط والحركة في مرافق السجن، فهناك بعض النزيلات ملتحقات بفصول المدرسة وحلقات تحفيظ القرآن وهناك من هي ملتحقة بمشغل الخياطة والأشغال اليدوية بالإضافة إلى النشاطات الأخرى وتقوم الأخصائيات والمشرفات بالدخول لعنابر السجن لتفقد السجينات وحل مشاكلهن وإجراء الاتصالات الهاتفية لهن للاطمئنان على ذويهن وبعد الظهر تقدم وجبة الغذاء تعقبها فترة راحة حتى صلاة العصر، حيث يبدأ خروج السجينات الملتحقات بمدرسة محو الأمية وقد تقام بعض النشاطات المسائية مثل المحاضرات والنشاطات الثقافية. وينتهي اليوم بتقديم وجبة العشاء عند الساعة السادسة مساء.
الترفيه * هل يوجد بالسجن أنشطة ترفيهية للسجينات خلال فترة معينة؟ أو دورات للخياطة ودورات للكمبيوتر مثلا؟(9/54)
يوجد أنشطة ترفيهية وثقافية للسجينات متنوعة من مسابقات ومعارض وتقديم مسرحيات وأناشيد، كما يوجد دورات للخياطة بشهادات موثقة بإشراف جمعية النهضة الخيرية والشهادة مقدمة من وزارة الشؤون الاجتماعية. أما بالنسبة لدورات الكمبيوتر ستطبق إن شاء الله في القريب.
تغير في السلوك * هل تلمسين تغيرا لشخصية بعض السجينات عما كانت عليه وقت دخولها؟ تذكرين لنا مثالا لذلك؟
- نعم نلمس ذلك بوضوح، فبعض السجينات في بداية دخولها السجن تكون إنسانة متمردة على الأنظمة مثيرة للمشاكل ولكن يتبدل سلوكها بعد انتظامها في البرامج والأنشطة المقدمة فيتحسن سلوكها ومثال على ذلك: إحدى النزيلات كانت تتمتع بقوة البنية وكذلك الشخصية الشرسة المتمردة وكثيرة المشاكل ولكن نتيجة جهود العاملات قمن بتهذيب سلوكها وذلك بإلحاقها بالبرامج ودروس التحفيظ وكذلك استغلال طاقتها الجسدية بتكليفها بالعمل داخل مراقبة السجن تم وبحمد الله تقويم سلوكها والسيطرة على انفعالاتها فأصبحت قوة البنية مستثمرة للعمل النافع بدلا عن إثارة المشاكل.
أبرز القضايا * في رأيك أكثر الأسباب وأهم القضايا التي تؤدي لدخول النساء إلى السجن؟
- انحراف النزيلة يكون نتيجة لعدة أسباب مجتمعة يمكن تلخيصها في التالي: ضعف الوازع الديني - الجهل - الظروف المادية والاجتماعية والبيئية التي تنشأ فيها النزيلة، بالإضافة للعوامل الذاتية للنزيلة وقابليتها للانحراف. فقد تنشأ النزيلة في بيئة اجتماعية منحرفة مما يؤدي حتما لسلوكها نفس المسلك، فعلى مدى سنوات عملي في السجن رأيت عددا من النزيلات ينتمين للعائلة نفسها فهناك البنات اللاتي سرن على نهج أمهاتهن، فبعد أن كن لأمهات نزيلات في السجن أصبحت البنات كذلك وهذه نتيجة حتمية للبيئة التي نشأت فيه. وقد تنشأ النزيلة في بيئة اجتماعية سوية ولكن لضعف وازعها الديني وقابليتها للانحراف تعرضها للتأثر برفقة السوء مما يؤدي لانحرافها وقد تتدخل الظروف المادية الصعبة للانحراف وذلك في بيئة مهيأة لذلك لنقص الوازع الديني والقابلية للانحراف.
الزيارات * كيف يتم نظام الزيارات للسجينات؟ وهل تتمكن السجينة من الاتصال بأهلها هاتفيا؟
- الزيارات والاتصالات متاحة للنزيلات، وهذا حق كفله النظام لهن، وذلك وفق ضوابط تنظم هذه الأمور بحيث تكون الزيارات والاتصالات لذوي السجينات. فيمنح تصريح الزيارة للزائر أو الزائرة بعد التأكد من الإثباتات الرسمية وتتم الزيارة داخل أماكن مخصصة عبارة عن كبائن مزودة بأجهزة هاتف لتسهيل سماع الصوت ولكل سجينة زيارتان في الأسبوع أحداهما للزائرين الرجال والأخرى للزائرات النساء، وتساوي في ذلك السعوديات والأجنبيات. وقد تتاح الزيارة الخاصة للنزيلة وذلك بالسماح لأطفالها أو والدتها وذلك تحت إشراف الأخصائية وتكون داخل المكتب وقد تمتد الزيارة لساعتين أو أكثر. وذلك إدراكا منا لأهمية مثل هذه الزيارة للنزيلات وأسرهن في ذات الوقت. كما أنه في القريب العاجل إن شاء الله سوف يتم إتاحة زيارة الخلوة الشرعية لأزواج السجينات وكذلك اليوم العائلي للسجينات كما هو معمول به في سجون الرجال وذلك بعد انتهاء العمل من إنشاء الأماكن المخصصة لذلك، وبالإضافة إلى الزيارات هناك الاتصالات الهاتفية التي تتاح للنزيلات للاطمئنان على ذويهن، كما يسمح للأجنبيات منهن بالاتصالات الدولية لمحادثة ذويهن في بلدانهن.
ما أهم المشكلات التي تواجه إدارة السجن مع السجينات؟
- أهم المشاكل التي نواجهها هي عدم تقبل النزيلة للواقع فور دخولها للسجن وعدم تفهمها للأنظمة والتعليمات. كما تواجهنا مع الأجنبيات مشكلة عدم تفهمهن للأنظمة وإلحاحهن المستمر للسفر لبلادهن دون مراعاة منهن بأن الإجراءات لم تنته مما قد يؤدي إلى تسببهن في إثارة المشاكل داخل السجن.
هل يوجد دار لرعاية السجينات اللواتي لا يجدن مكانا لهن في المجتمع بعد خروجهن من السجن؟ مع الأسف أنه لا يوجد دار لرعاية النزيلات اللاتي لا يجدن لهن مكانا في المجتمع بعد الخروج من السجن ولكن هناك تعاون مع الجمعيات الخيرية ودار المسنات، حيث سبق أن تم إحالة بعض النزيلات اللاتي لا عائل لهن للسكن الخيري في الجمعيات الخيرية وكذلك في دار المسنات. ونحن نناشد المسؤولين بإيجاد دور مساندة للسجن تتولى تقديم السكن والخدمات الأخرى للنزيلات التي لا يجدن مكانا لهن في المجتمع إما لرفض ذويهن عودتهن للسكن مع العائلة أو لفقدهن المعيل، فهناك الأرامل والمطلقات اللاتي لا يجدن من يؤويهن.
كيف ترين العلاقات الاجتماعية بين السجينات؟
- العلاقات الاجتماعية بين السجينات هي صورة مصغرة للمجتمع الخارجي، فهناك العلاقات الحميدة والعكس. وهناك بعض النزيلات اللاتي ينظرن للفوارق الاجتماعية بينهن مما يثير المشاكل ونحن نحاول جاهدين إزالة هذه الفوارق وذلك بمعاملتهن للجميع بعدالة ومساواة وإيضاح ذلك للنزيلات.
ما دور الأخصائية الاجتماعية والنفسية في السجن؟ وما الفرق بينهما؟(9/55)
- دور الأخصائية النفسية هو دراسة الحالة النفسية للنزيلة بعد تحويلها من قبل الباحثة الاجتماعية ومن ثم مساعدتها في حل مشكلتها النفسية بعد تشخيص الحالة وتحويلها إلى مستشفى الصحة النفسية لتلقي العلاج المناسب إذا استدعى الأمر ومتابعة حالتها وعمل برامج علاجية تناسب الحالة المرضية التي تعاني منها دور الأخصائية الاجتماعية في السجن هو عمل بحث اجتماعي للسجينة للوقوف على المشكلة التي كانت السبب في دخولها إلى السجن قد تكون بأسباب مالية، اجتماعية أسرية أو سلوكية والعمل على حلها بمساعدة النزيلة على تقبل بيئة جديدة وهي بيئة السجن والباحثة الاجتماعية مسؤولة عن الإشراف على عنبر كامل بتكملة احتياجاته اللازمة. والفرق بينهما: الأخصائية الاجتماعية تقوم بعمل بحث حالة السجينة من الناحية الاجتماعية ومساعدتها في حل مشاكلها الاجتماعية والقيام بعمل الاتصالات للسجينة وتوفير احتياجاتها داخل السجن. الأخصائية النفسية عملها مكمل لعمل الأخصائية الاجتماعية بالإضافة إلى مساعدتها في حل المشاكل النفسية ومتابعة حالتها ووضع البرامج المناسبة للسجينة في سبيل تعديل سلوك السجينة من الناحية السلوكية والانفعالية والعاطفية.
* بعض السجينات يكون لها أطفال دون السنتين أو فوقهما؟ هل يسمح لهم بمرافقة أمهم؟ وكيف تكون رعاية الأطفال داخل السجن؟ وجودهم في مثل هذا المكان ألا يؤثر ذلك على سلوكهم مستقبلا حتى لا يكتسبوا خبرات سيئة من السجن؟
- فيما يخص الأطفال الذين أعمارهم أقل من سنتين فلنزيلة الحرية في بقائه معها في السجن أو إخراجه وتسليمه لذويه. أما الأطفال فوق السنتين فلا يسمح ببقائهم داخل السجن فإذا لم يكن هناك من يقوم باستلام الطفل من أقاربهن فتتم إحالتهم إلى دار الحضانة المؤقتة لحين خروج أمه من السجن.
ما هي أبرز المشكلات التي تعاني منها السجينات؟
- من أبرز ما تعاني منه بعض النزيلات هو رفض أهاليهن لهن وعدم زيارتهن وكذلك رفض استقبالهن بعد خروجهن من السجن.
هل حدث أن خرج بعض من السجينات وعدن مرة أخرى وبرأيك ما السبب في ذلك؟
- نعم، يحدث كثيرا عودة بعض النزيلات للسجن مرة أخرى والأسباب هي عودتها للبيئة الاجتماعية المنحرفة ورفقة السوء وعدم تبدل أوضاعها الاجتماعية والمادية بعد خروجها من السجن، وافتقادها للمساندة التي تساعدها على بدء حياتها من جديد بعيدا عن المؤثرات السلبية التي تسهم في عودته.
من أبرز المشكلات لدى السجينات رفض المجتمع والأهل والزوج له. ما دوركم في ذلك؟
- نحاول جاهدين تقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين النزيلة وأهلها عن طريق محاولات تبذل من قبل الأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات، بالإضافة إلى أن هناك دورا كبيرا وفعالا يقوم به مكتب التوجيه والإرشاد لدينا متمثلا في الشيخ عبدا لعزيز الجمعية الذي له جهود واضحة ومثمرة في تسوية الخلافات الأسرية بين النزيلة وذويها أسفرت في حالات كثيرة عن حضور ذوي السجينة لأخذها من السجن بعد أن كانوا يرفضون ذلك. ولا تقتصر جهوده على الأعمال المكتبية بل تتعدى ذلك إلى زيارة ذوي النزيلات في منازلهم وفي بعض الأحيان السفر لخارج منطقة الرياض لهذا الغرض. ولا تقتصر جهوده على حل مشاكل النزيلات السعوديات فقط، بل تتعدى ذلك للأخوات الوافدات، فهو في أحيان كثيرة يقوم باتصالات هاتفية لخارج المملكة.
كلمة تختمين بها اللقاء؟
- أتقدم لك بالشكر لاهتمامكم وأتمنى أن أكون قد أوضحت الصورة عن السجن والتي قد تكون مجهولة لفئة كبيرة من أفراد المجتمع وقد يعد دور السجن مجهولا بالنسبة لهم، حيث تسوء فكرة أن السجن مكان للعقاب فقط ولكن بفضل الاهتمام الإعلامي مؤخراً بدأت تتضح الصورة عن الجهود المبذولة لإصلاح وتأهيل النزيلات
================
الداعية منى صلاح: العمل الاجتماعي غائب عن خريطة الدعوة الإسلاميّة
وصف الحوار:
ضيفة الحوار : أ.منى صلاح .
الصورة الرائجة للدعوة الإسلاميّة هي إما دعوة دينيّة البحتة أو دعوة دينيّة مقترنة بخطاب سياسي قد يقل فيكون مقبولاً أو يزيد فتختفي معه الدعوة الدينية أو تكاد؛ إذ يعتمد العمل السياسي على الإكثار من الكلام غير المقترن بالعمل، وفي مقابل هذه الصورة نجد الفاعليّة في الجمعيّات الإسلاميّة التي اختارت الدعوة الإسلاميّة المقترنة بالعمل الاجتماعي. وفي هذه السطور نقدم نموذجاً حياً للفاعليّة الإسلاميّة التي اختارت العطاء في المجال الاجتماعي .. إنها الداعية المسلمة السيدة منى صلاح الدين الباحثة الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعيّة المصريّة.. فقد بدأت العمل حينما تفوّقت بل وبرعت في تجويد القرآن الكريم، ونالت عدة جوائز في هذا المجال فصارت تتردّد على عدة مساجد لتعليم الفتيات والسيدات أحكام التجويد .. ثم تطور الأمر فبدأت في توصيل المساعدات الاجتماعيّة إلى المحتاجين من الأيتام والمعوقين والفقراء.. حتى عرفها الأغنياء فوثقوا فيها، وأعطوها زكاة أموالهم وصدقاتهم لتوزيعها على المحتاجين.. فمع السيدة منى صلاح الدين كان لنا هذا الحوار ..
خدمة الإسلام بالأفعال لماذا كان اختيارك لطريق العمل الدعوي المقترن بالعمل الاجتماعي؟(9/56)
وجدت في نفسي منذ الصغر زهداً في الشهرة والكلام الكثير.. ووجدت نفسي مشدودة نحو العمل .. وخدمة الإسلام ليست بكثرة الكلام ولكن بالفعل الإيجابي، وتحبيب الناس البسطاء في الإسلام، وفي الالتزام بما فيه فالبسطاء يعانون من مشكلات كثيرة قد تزعزع إيمانهم بالله، وقد تجعلهم يستجيبون للمنصّرين، ويتركون الإسلام كلية كما يحدث في إندونيسيا وماليزيا ومجتمعنا العربي مليء بالأغنياء ولكن الصلة مقطوعة بين الطرفين لأسباب كثيرة، والمفترض أن تقوم مؤسسات المجتمع بهذا العمل التكافلي الكبير، ولكنها قاصرة عن هذا الدور لأسباب عدة، والعمل التطوعي الأهلي أكثر نجاحاً في هذا الخصوص، إن هناك مساحات غائبة عن خريطة الدعوة الإسلاميّة هذه الأيام، وأنا اخترت حيزاً بسيطاً لأعمل من خلاله .. وقد كان ذلك بفضل الله ثم بتوجيه من والدي وهو خبير في التربية والتعليم .. فقد كان له دائماً دور في تقويم منطلقاتي الفكرية وحمايتي من الشطط والدخول في خلافات فقهية، ولذا فإنني على محورين، المحور الأول إعطاء دروس التجويد وتعليم النساء كيفية ترتيل القرآن ونطقه صحيحاً بعد أن درسته في المعاهد المتخصصة .. فالكثيرون يعتقدون أنهم طالما يأخذون ثواباً على التعتعة فلا داعي للحرص على القراءة الصحيحة، رغم أن الله يأمرنا أن نرتل القرآن ترتيلاً؛ لأن ذلك يجعلنا أقدر على فهم آياته فهماً مستقيماً، أما الجانب العملي في الدعوة فهو أن كثيراً من الأثرياء والمقتدرين فيهم من الخير الكثير، ولكنهم لا يجدون من يستحث نوازع الخير في نفوسهم، كما أنهم لا يجتهدون في تتبع أحوال ونوعيات المحتاجين.. ومن خلال عملي كباحثة اجتماعية أحاول أن أجد طريقاً أوصل من خلاله القادر بالمحتاج؛ فكثير من التجمعات الفقيرة منفصلة تماماً عن التجمعات الغنية .. مع أن الطرفين في حاجة إلى بعضها؛ فالغني في حاجة إلى الفقير كي يطهر ماله ويمنحه الحق المعلوم الذي أوجبه الله تعالى للسائل والمحروم، والدور الذي أقوم به هو إيجاد قنوات الاتصال والتلاحم بين المجتمع المسلم عملاًً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
من الفقراء إلى الأغنياء ما هي المجهودات الاجتماعية التي تقومين بها؟
• في البداية ركزت عملي على الملاجئ ودور الأيتام، فأذهب إليهم لأتعرف على ما يحتاجونه من ملابس وأدوات وأجهزة – الخ، وأنتقل بين المصانع التي تنتج الأجهزة التعويضية للمعاقين، وكذلك مصانع الملابس، وأستحث فيهم جوانب الخير؛ فمنهم من يعطيني ومنهم من يردني، ولم أيأس وكنت أصبر وأعتمد على الله طالما أنني لا أريد شيئاً لنفسي؛ فأنا والحمد لله ميسورة الحال وحينما لا يطلب الإنسان شيئاً لنفسه، ويخلص لله ويمشي في قضاء حوائج الناس فإن الله يفتح له القلوب المغلقة، وشيئاً فشيئاً عرفني هؤلاء الناس ووثقوا فيَّ وأصبحوا يعطونني كل ما أطلبه منهم؛ لأنهم متأكدون أنه سيصل للمحتاجين ثم تطور الأمر بعد ذلك .. فمن خلال تردّدي على المساجد لإعطاء دروس التجويد تعرّفت على كثير من السيدات، ومنهم الكثير من الثريات اللاتي أحببن عمل الخير، ولما عرفنني وجدن فيّ ضالتهن وصرن يعطينني من أموالهنّ لأوزعها على الفقراء والمحتاجين .. وأصبح لديّ كشوف كاملة بها أسماء وعناوين وأرقام هواتف الأثرياء والفقراء فنأخذ من هذا لنغطي ذاك .. وهناك كثير من أهل الخير تخصصوا مثلاً في علاج المرضى الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج وإجراء العمليات الجراحية ودوري أن استوثق عن مدى هذه الحاجة، ثم نوصل هذا الفقير المريض بأحد هؤلاء الكرام .. كما أصبحنا نعطي قروضاً للمحتاجين يسددونها وقتما تسمح لهم الظروف، ومن لا يستطع السداد نسقط عنه جزءاً من القرض، وأحياناً يطلب منا صيادلة طيبون تذاكر العلاج المرتفعة الثمن والتي لا يستطيع الفقراء شراؤها ويقومون بتوفير هذه الأدوية مجاناً.
التنصير والعمل الاجتماعي هل استفدت شيئاً من أساليب المنصرات اللواتي يعملن في المجتمعات الفقيرة؟
الانتشار الكبير الذي حققته المنظمات التنصيرية المتعددة المذاهب على مستوى العالم وبالذات في البلاد النامية، كان دائماً مرتبطاً بإنشاء مؤسسات اجتماعية شاملة تقدم مجموعة واسعة ومتنوعة من الخدمات التعليمية والصحية والمادية للمحتاجين فالجامعات ومعاهد التعليم الكاثوليكية منتشرة من الفلبين إلى أمريكا الجنوبية، والمستشفيات البروتستانتية موجودة في بلدان إفريقية الوسطى والجنوبية، وكذلك معاهد تخريج الحرفيين وعيادات رعاية الأمومة وورش صناعة الأطراف التعويضية والمصانع الزراعية كل هذه المنشآت من الأساليب التي تتبعها الكنائس الغربية والشرقية في العديد من البلدان النامية، ويستخدم المنصرون المرأة في تقديم الخدمات العلاجية والاجتماعية للنساء الفقيرات في هذه البلدان، وقد نتج عن هذا الأسلوب نجاح كبير في نشر دعوة وأفكار وعقيدة التنصير، ومن هنا أدركت أنني لابد أن أستفيد من التجربة ، وأدركت أيضاً أهمية العمل الاجتماعي في الدعوة. المرأة تحتاج إلى تشجيع تشتهر المرأة الغربية بتميزها في مجال العمل التطوعي والاجتماعي.
هل تعتقدين أن المرأة العربية تقل عن نساء الغرب في هذا الشأن؟(9/57)
يجب أن نقرر أولاً أن الظروف هي التي توجد العمل النسائي التطوعي تشجعه .. ثم تتراكم بعد ذلك الخبرة .. وهناك تجارب عملية للعديد من الجمعيات النسائية العربية على مستوى بعض البلدان، ولها خبرات تاريخية في هذه البلاد مثل: فلسطين ولبنان والكويت والسودان، والنساء في هذه البلدان ينطلقن من مبدأ عقائدي في الأساس، ثم من خلال المحن العامة تتبلور أدوارهن في العمل الاجتماعي والخدمة الطبية؛ فالمحن والكوارث تعمل على إيجاد مجموعات ميدانية مدربة بين هذه الجمعيات على مستوى كافة البلدان العربية والإسلاميّة. أننا لا نقل بدرجة أو أخرى عن الجمعيات التطوعيّة الأوروبيّة، ولكن المرأة عندنا تحتاج إلى بعض الجرأة والثقة بالنفس، والتشجيع من المجتمع والاعتراف بنشاطها ثم تدريبها.
ما هي السلبية الرئيسة التي تعتقدين أنها سائدة في مجال الدعوة الإسلاميّة؟
العمل الدعوي كلما اعتمد على مفاهيم لفظية فقط فإنه يفقد فاعليته ومستقبله ويصبح كلاماً في كلام؛ فالمسلم البسيط مطحون في مشكلاته اليومية، ودخله لا يكاد يكفي مصروفات التعليم والعلاج والملبس والمسكن، وهو في هذه الحالة غير مؤهل لاستقبال الرسالة الدعوية الكلامية، أما إذا وصلنا إليه وقدّمنا له خدمة تخفّف من مشكلاته كأن نعالجه ونعالج أبناءه أو نقدم له مصروفات التعليم أو جزءاً منها ساعتها سيشعر بدفء اليد التي تمتد إليه، وستزيد ثقته في دينه حينما يرى أن الذين يمدون له يد المساعدة إخوة له في الدين. لكننا نلاحظ أن العكس هو الذي يحدث في هذه الأيام؛ فكثير ممن يتصدون للدعوة يخاطبون الناس بأسلوب متشدد، ويصعّبون عليهم أمر هذا الدين السهل البسيط بل قد يفسقونهم ويكفرونهم، وهكذا أصبحوا عبئاً على الدولة بدلاً من أن يصبحوا خدماً لها. إن كثيراً من هؤلاء يخاطبون الناس بحدة وعنف وتختفي معهم المودة والكلمة الطيبة، أما العطف على الصغير ومد يد المساعدة للكبير والانخراط في همومه ودعوته بالحسنى وتقديم النموذج العملي للدعوة .. كل ذلك غائب عن خريطة اهتمام الكثيرين؛ فالكلام والسهر على حل مشكلاتهم أمر صعب .. والله سبحانه وتعالى لا يوفق إلى هذا الأمر إلا المخلصين من عباده. من خلال خبرتك العملية ..
ماذا تتمنين لمستقبل العمل الإسلامي الاجتماعي التطوعي؟
• أتمنى الكثير .. أريد أن أرى مؤسسات أهلية كبيرة، كل منها يخدم منطقته فيجب أن نرى في كل حي مؤسسة اجتماعية يشرف عليها أناس على تقوى وإخلاص ويثق فيهم الناس .. ثم يكون لديهم إلمام كامل بأحوال الفقراء في مناطقهم .. ثم يتصلون بالأغنياء فيقدمون العلاج للمريض والراتب الشهري للمحتاج حتى تزول حاجته، ويتكفلون باليتيم حتى ينهي تعليمه أو يتعلم صنعة ويصبح قادراً على الكسب. لو أن في كل حي مجموعة متخصصة على هذا النحو فسوف تكون النتيجة مبهرة، فما بالنا لو قامت الدولة نفسها بجمع الزكاة، وأنشأت لذلك وزارة مستقلة لرعاية هذه الفئات المحتاجة لو تحقق ذلك لاختفت مشكلة الفقر من مجتمعاتنا الإسلاميّة أو على أقل تقدير لأمكننا التخفيف منها إلى أبعد حد
================
أ. رقية الحجري: رؤيتي لأي إعلامية!
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: أ.رقية الحجري .
يعتبر الإعلام اليوم هو المرجع الأول والرئيس والذي يعول عليه الإسهام إما في تعميق معاني الأخلاق والقيم الحميدة، أو الهدم وتفكيك المجتمع.. ومازالت الساحة الإعلامية النسائية في الوطن العربي بشكل عام وفي اليمن خاصة بحاجة إلى مزيدٍ من الكوادر النسائية الإعلامية المؤهلة، كما هو لزامًا أيضًا أن تكون هناك المؤسسات التي ترعى هذا التوجه الإعلامي.. وحول المرأة وتفاعلها مع قطاع الإعلام، كان لموقع (الإسلام اليوم) هذا الحوار الذي أجراه مع الأستاذة رقية عبدالله الحجري، الموجهة بوزارة التربية والتعليم بدرجة وكيل مساعد، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية.. - مازالت نظرة المجتمع للمرأة نظرة تحتاج إلى دراسة وتحليل.. - لا يوجد إعلام يخص العالم العربي وطرح همومه ومعاناته. - الإعلام لم يكن صحافة فقط؛ بل هو أوجه مختلفة، والتغيير يتم حتى ولو بالكلمة..
يلاحظ بداية انتشار جيد للصحف والمجلات النسائية، كيف تقيمون هذا المستوى الذي وصلت إليه الصحافة النسائية؟
الظاهرة في حد ذاتها إيجابية وتدل على مبادرة فعالة للمرأة في المجال الإعلامي وتكون إيجابية إذا اتخذت مسارها الصحيح.
ما الذي ينقص المرأة كصحفية أو إعلامية في تعاطيها مع المادة الإعلامية؟
قد تكون الإعلامية إعلامية تجيد النقد اللاذع الغير بناء، وقد تكون كاتبة بليغة تستغل بلاغتها وطرح مواضيعها في صحف لا تجد لها رواجًا ولم تأخذ مكانها في المجتمع، وقد تكون في مستوى إعلامي متدن لكنها تبذل قصارى جهدها في التطوير والذي تحتاجه كل إعلامية هو: 1- الخبرة؛ لأن الوقت يكسبها خبرات فالاستمرار عملية لابد من المثابرة فيها والصبر عليها حتى تحقق ما تصبو إليه. 2- دورات في مجالات الصحافة و الإعلام. 3- مزيد من التواصل مع الاتجاهات وأصحاب الاتجاهات المختلفة من الإعلاميات ومحاولة جمع شتاتهن أو إيجاد أية قناة للتواصل فيما بينهن. 4- محاولة تطوير نفسها في مجالات عديدة منها: قيادة الذات، وفن التعامل، وأدب الحوار، وإدارة الوقت، وغيرها من الأمور التي تطور الشخصية سواء عن طريق الدورات أو التأسي بالقدوات سواء من تاريخنا العريق أو سيرة أسلافنا أو الشخصيات المثالية من عصرنا الحاضر.
هل تشترط الدراسة الجامعية لممارسة المرأة العمل الصحفي أم أن المجال موقوف للاستعداد الشخصي؟(9/58)
يحبذ أن تواصل الإعلامية دراستها الجامعية لاسيما أمام نظرة المجتمعات الحالية لأصحاب المؤهلات وكيفية التعامل معها، لكن الإعلامية التي حال بينها وبين مواصلة تعليمها أسباب قاهرة؛ فإن هذه الأسباب ليست معيقة لها من مزاولة عملها كإعلامية.
هل استطاعت الصحافة النسائية أن تلامس ما تحتاجه المرأة؟
إلى حد ما مقارنةً بما كانت تعانيه وما وصلت إلية.
لماذا تعمق المرأة عبر صحافتها فكرة انعزالها عن المجتمع وذلك باهتمامها فقط بالجوانب النسائية البحتة دون فتح نوافذ لمعالجة القضايا السياسية، وبهذا تكون قدمت إعلامًا منافسًا بقيادات نسائية مئة بالمئة؟
مازالت نظرة المجتمع للمرأة نظرة تحتاج إلى دراسة وتحليل ومعالجة من جميع الجوانب؛ إلا أنها تناضل رغم الصعوبات، ودخول المرأة في الصراعات السياسية قد يحجبها عن نافذة الصحافة تمامًا؛ إلا أننا لا ننكر مساهمتها في القضايا السياسية وتلك هي الخطوة التي ستنتهي إلى الألف ميل.
ما هي معوقات الإعلام النسائي؟
معوقات الإعلام النسائي كثيرة أهمها إجابة السؤال السابق. ما هو دور الصحافة النسائية الملتزمة اليوم أمام الغزو الثقافي الغربي المنحل الذي يسيطر على الفضائيات؟ ومن خلال خبرتك كرئيس تحرير سابق لأول مجلة نسائية إسلامية يمنية ما المشروع الذي ترينه للتصدي ومواجهة هذا الغزو؟ الإعلام لم يكن صحافة فقط؛ بل هو أوجه مختلفة كلنا يعرفها، وأنا أعتقد أن لكل شي دورًا في التغيير حتى ولو كانت كلمة؛ فالكلمة القوية كفيلة بأن تظهر الحق وتزهق الباطل؛ لكن كيف نوجد هذه الكلمة؟ ومن ثم كيف نجعلها قوية؟!.
ما الذي يعاب علي الإعلام العربي اليوم؟
لا يوجد إعلام يخص العالم العربي وطرح همومه ومعاناته، ولا يوجد إعلام أيضًا يختص بأمة الإسلام وطرح همومها ومحاولة رفع مستواها؛ والذي أعنيه هو الفضائيات، أما الإعلام المقروء وغيره؛ فهناك بعض الوجود له إلا أنه ضعيف جدًا أمام الهجمة الشرسة.
بعيدًا عن الإعلام.. كيف تنظرون إلى تأثير الاتجاه السياسي في أي مجتمع على ثقافة المرأة سلبًا وإيجابًا؟
بالنسبة للتأثير الإيجابي؛ فشخصية المرأة هي التي تعكس هذا التأثير، وكلما كانت شخصية فذه وصاحبة كلمة حق وتمتلك الحكمة والبصيرة؛ كلما استطاعت أن تحطم العراقيل وأن تقف أمامها وقفة جادة وقوية.
أين مكان الفتاه اليوم أمام مراكز البحث العلمي؟
أعيب على من يخص المرأة بهذا السؤال؛ لأننا كأمه يجب أن نطرح السؤال على الجميع ولا نخص به المرأة وجامعاتنا ومراكزنا البحثية ومدارسنا تشهد على تفوق الإناث على الذكور في أغلب المجالات.
هل يمكن أن تقدم مقاهي الإنترنت خدمة إيجابية للشباب وخصوصًا الفتيات؟
كما أمكنها تقديم خدمة للفتيان يمكنها أيضًا أن تقدمها للفتيات؛ إلا أن الخدمات الإيجابية لا تتناسب أبدًا مع السلبيات التي تعصف بشبابنا، لاسيما من كانوا منهم في سن المراهقة.
كلمة أخيرة؟
أسأل المولى عز وجل أن يسدد الخطى وأن ينير الدرب وأن يوفق الجميع إلى مافية الخير والصواب.
================
خادمات.. تحولن إلى داعيات
وصف الحوار:
لماذا يعود مئات الآلاف من الخادمات بدون دعوة؟!
* " توتي” تحولت إلى داعية وفتحت داراً للدعوة في إندونيسيا *
نحرص منذ لحظة قدومها على تعليمها كل شيء عن الإسلام *
جلبت لها الأشرطة والكتيبات وساعدتها على حفظ القرآن *
استثمرت جلوسي معها في المطبخ لتعليمها أحكام الشريعة *
لبست الحجاب عن قناعة تامة وتركت الشعوذة والكذب ...
هل من الممكن أن تتحول الخادمة إلى طالبة علم ؟! هل من الممكن أن تمتليء العقول والقلوب التي أظلمت بالجهل والشرك وفعل كبائر المنكرات بنور العلم الصافي الصحيح؟! هل من الممكن أن يُخرِّج أبناء هذه البلاد الطاهرة أفواجاً من حملة العلم الصحيح والدعاة إلى الله الذين ينشرون تعاليم الإسلام في بلادهم بين فئة فقيرة مستضعفة ما جاءت إلا لخدمة الناس وتنفيذ أوامرهم بكل ذلة ؟! نعم.. هذا ممكن.. بل هو واجب. نعم، واجب قصّرنا فيه كثيراً. بين أيدينا أمانة لم نرعها ونعطيها حقها الشرعي. لا يمكن أن ننكر منكراً.. لا يمكن أن نأمر بمعروف.. لا يمكن أن نقدم أي نصيحة.. لا يمكن أن نصحح عقائد.. وما هي حجتنا في ذلك؟ إنها خادمة!! إنه سائق!! وماذا يعني هذا المصطلح في نظرنا؟! يعني أنه آلة لتنفيذ المهمات فقط.. وليس إنساناً.. لا بل ومسلماً سنقف وقفة طويلة بين يدي الجبار جلّ جلاله لنُسأل عنه..
بين أيديكم نموذجان لخادمتين تحولتا بفضل الله إلى امرأتين صالحتين، بل إلى داعيتين إلى الله وهما نموذج من الكثيرات غيرهما ممن منّ الله عليهن بالعيش في كنف أسرة تعرف حقهن كمسلمات، وتحمل همّ الدين، وهمّ المسلمين في قلبها.. وتنظر إلى هذه الفئة بعين بصيرة لم يصبها العمى، كما أصاب كثيراً من قلوب وبصائر كثير من المسلمين. فإلى أم عبدالله التي نقلت خادمتها من ظلام الشرك والسحر إلى نور الطهر والإيمان. ثم ننتقل إلى دار البيان في الرياض ومع الخادمة المتميزة “ توتي” في رحلة قصيرة ولكنها ثرية ونافعة بإذن الله..
* سمعت عنك حرصك على تعليم خادمتك العلم الشرعي، فيخرجن من بين يديك صورة للمرأة المسلمة علماً وعملاً وخلقاً، فكيف ذلك؟(9/59)
ـ أبدأ معها منذ اللحظة الأولى.. ففي المطار أعطيتها فور وصولها عباءة شرعية وليس “ كاباً ” وغطاء وجه وأمرتها بلبسهما هناك، وعندما وصلنا البيت أكدت لها بالإشارة “لأنها لا تعرف العربية بعد”، أهمية لبس هذه العباءة وأخبرتها أن غطاء الوجه وحجاب الشعر لن أسمح بأن يسقط من على رأسها في البيت أبداً.. ثم أخبرتها بألا تدخل مكاناً فيه رجل، ولا يسمع صوتها أيضاً.. ولا بد من التسامح معها في البداية، فلا تعنف بشدة لأنها لم تتعود بعد، ولكن لا تهمل ويسمح لها بالتمادي، بل توجه برفق حتى تتعود وحتى لا تنفر أيضاً. ـ حرصت منذ قدومها على تعليمها كل شرائع الإسلام ولو كانت سنناً.. فأمام المغسلة علمتها الوضوء الصحيح عملياً، ثم انتبهت لصلاتها وتأكدت من قيامها بها على الوجه الصحيح، كما كان هدي رسول الله “، وكذلك في أوقاتها وبالذات صلاة الفجر. ـ أحضرت لها كتيبات وأشرطة بلغتها وفي موضوعات متعددة وجعلتها توزع منها على أهلها في بلادها وعلى أيّ خادمة تصادفها هنا ، بالإضافة إلى استفادتها هي منها، وعلمتها أن عليها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعليها نصح كل من تراها مخالفة ، وأن تعطيها من هذه الكتيبات وتتابعها في ذلك حتى تتعود. ـ حرصت على أن تحضر بعض المحاضرات التي تقام لهن بلغتهن. ـ شجعتها على حفظ القرآن الكريم وعلمتها الأحاديث الدالة على الأجر العظيم في قراءته وحفظه وأظهر لها سروراً كبيراً كلما سألتها ووجدتها تقدمت، وحرصت على التسميع لها بنفسي وتصحيح أخطائها وشرح معاني بعض الآيات لها وشجعتها ببعض الهدايا والجوائز. انتهز المناسبات ـ انتهز أيّ مناسبة تمر لأعلمها أي حكم فيها، ففي حرب العراق أناديها لتشاهد في التلفاز ما يحصل لإخواننا هناك وأبيِّن لها كيف تسلط اليهود والكفرة على الإسلام والمسلمين، وأشرح لها الحقيقة كما هي لا كما يزعمون. وفي يوم عرفة لا بد أن أبيِّن لها عظم هذا اليوم والحديث الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضله فيه، وأخبرها أنه لا بد من كثرة الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن، ثم أفرغها وقت العصر كله وأقول لها: هذا وقت مبارك لا يضيّع في أمور الدنيا فأشغليه بالقرآن والدعاء فتجلس في غرفتها تتعبد. وكذلك الشأن في رمضان حتى وهي تعمل في المطبخ أو أمام مقلاة الزيت أذكرها بأنه وقت مبارك، فلا بد أن تشغله بالتسبيح والتحميد والاستغفار وقراءة القرآن فلا تضيع نهارها بالعمل فقط.. ـ أحرص على أن تحضر صلاة العيد إن شاءت وأبيِّن لها فضل ذلك ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.. وهكذا في كل مناسبة. ـ لقد جعلت من وقت جلوسي في المطبخ فرصة ثمينة لتعليمها أحكام الشريعة، وبالذات أمور العقيدة وما يخص المرأة، فطول وقت جلوسي معها دروس شرعية وتعليم، وهي تسأل عمّا تشاء وأنا أجيب، وكم ضيعت المسلمة هذا الوقت الثمين الذي بإمكانها أن تُخرّج فيه طالبة علم، لأنه وقت طويل ويومي.. فبعضهن تتكبر عن الحديث معها، وبعضهن تزعم بأنها لن تفهم ما تقول: كيف تفهمك في أمور الدنيا ولا تفهمك في أمور الدين؟! وبعضهن شغلته بما ليس أجدى من تعليم الخير لمسلم يتعطش لذلك.. طلاسم وتعاويذ ولكن أذكر ذات مرة بأنني وجدت في حوزتها تعاويذ وطلاسم فسألتها لماذا تحتفظ بها؟ فأخبرتني بأنها تحتفظ بها لكي تحفظها من كل مكروه.. فأخبرتها بأن هذا شرك بالله وهو كبيرة من الكبائر المحرمة وقرأت عليها شيئاً من الأدلة من الكتاب والسنَّة.. وأحضرت لها كتباً تخص هذا الموضوع، فأقتنعت وتخلصت منها، ولكنها تفاجأت حيث قالت: إنه يوزع لدينا في المدرسة وبالمجان وأن المعلمة أخبرتنا بأنه يحفظ من كل سوء، وبالذات في حال الغربة والسفر!! ـ شي مهم لا بد أن تنتبه له المرأة المسلمة عند تعليم خادمتها وهو المعاملة الحسنة لها، والرفق بها، والتلطف معها، واعتبارها أختاً لها حق عظيم عليها وإشعارها بذلك، حادثيها دائماً واقتربي منها أكثر فهي في حال غربة ووحدة وفقر وحاجة، أشعريها بأنك تعتبريها إحدى أخواتك وأنك تحبين الخير لها، وترغبين بالاجتماع معها في الجنة.. استخدمي أسلوب الإقناع بكل تلطف وهدوء في تعليمها أحكام دينها وليس أسلوب الإكراه والتعنيف.. أرفقي بها في أعمال المنزل واجعلي لها فرصة للراحة ولو ساعة يومياً، لا تنقصيها مهما كان وساعديها إذا كثر العمل لديها، وبالذات في الولائم والمناسبات.. وإذا اضطرت للسهر ليلاً حتى وقت متأخر بسبب مناسبة أو غيرها فلا تجبيرها على الاستيقاظ مبكراً كالعادة وأعطيها فرصة للنوم الكافي والراحة من العناء وهي تشعر بكل ما تشعرين به، وتتعب كما تتعبين. ـ اجعليها تحتسب الأجر في كل ما تقوم به في حياتها حتى تهون لديها الغربة ويهون لديها العناء، وإذا كنت داعية مثلاً وتريدين الخروج في الدعوة فأجعليها تحتسب ذلك، مثلاً قولي لها سأذهب إلى مكان فيه مئة امرأة وسألقي عليهن محاضرة فأنت إذا انتبهت للبيت والأبناء ووفرت لي جواً مريحاً للدعوة إلى الله فأنت تأخذين نفس الأجر الذي آخذه ، ويأتيك أجر مئة امرأة سمعت كلامي، وهكذا في كل شؤون الحياة لا بد من تذكيرها بالاحتساب في كل عمل واستحضار النية فيه. ـ اسألي الله دائماً أن يسخرها لك، وأن يسخرك لها، وأن يشرح صدرها للإيمان، وأن يوفقك لتعليمها كل خير وأن يكفيك شرها.
صعوبات
* ألم تواجهك أي صعوبات في تعليمها وهل تستجيب لك بسرعة؟ ـ وهل سمعت بطريق لا صعوبات فيه؟!(9/60)
ولكن لتكن المرأة المسلمة على ثقة بأن كل طريق فيه رضا الله فإن الله يذلل لها كل صعوبة ويوفقها فيه متى ما صدقت مع ربها، فمثلاً من الصعوبات: ـ اللغة في بداية مجيئها وشرح بعض المصطلحات. ـ التأثر بالخادمات عند الاختلاط بهن، فكثيراً ما تأتي ومعها صور لهن أو أشرطة أغانٍ ولكن عندما أنصحها برفق وأبيِّن لها الأجر في الصبر على ما تهوى النفس وأحثها على أن تنصحهن لا أن تتأثر بهن أجدها تندم وتحزن وتشكرني على تذكيرها وتتخلص من كل ما معها أو تترك ما أمرنها به من معصية. ـ ومنها فعل بعض الأمور التي نهيتها عنها، ولكن من ورائي، مثلاً كانت تكشف غطاء وجهها إذا كنت غير موجودة عندها فلما اكتشفت ذلك ونصحتها فلم ترتدع، أظهرت لها حزني في هذا الأمر وقلت لها إذا لم تستجيبي فسأضطر لحرمانك من الذهاب معي لمنزل أهلي، وكانت تحبه كثيراً لاجتماع صديقاتها فيه، وفعلاً حرمتها من الذهاب لأسبوعين كاملين فارتدعت. ولكن كل هذه الصعوبات تكون في الأشهر الأولى لمجيئها، ثم تزول بحمد الله مع مرور الأيام، وحسن التعليم لها، وها هي الآن تعمل لديّ منذ 12 سنة، لا أرى منها سوى الحرص على دينها وحسن الخلق في تعاملها واستجابة سريعة لكل ما آمرها أو أعلمها.
الشرك
* كيف كانت خادمتك عند أول مجيئها وكيف أصبحت الآن؟
ـ كانت لا تعرف كثيراً من أمور دينها وعلى رأسها الشرك بالله وأمور العقيدة وكانت تعتقد بحل كثير من المحرمات كالسحر والشعوذة والزنا واختلاط الرجال بالنساء، بل تجهل الكثير من أحكام المرأة والكثير من فضائل الأعمال والحمد لله الآن تراها تظن بأنها من طالبات العلم من أبناء هذه البلاد. ـ أيضاً الحجاب أصبحت تلبسه كاملاً عن اقتناع حتى إنها ذهبت إلى بلادها وعادت إلينا كما خرجت من عندنا لم تخلعه أبداً.. بل حتى حينما تزوجت لبسته ليل زفافها ورفضت أن تصور ليلة زفافها بالرغم من أنه شيء واجب لديهم في مثل هذه الليلة. ـ أيضاً من الأمور التي كانت تتصف بها في البداية وتخلصت منها هي عادة الكذب، فكانت تكذب بكثرة، ولكني كنت أقول لها: إن الكذب هو الذي يغضبني منك وليس الصدق وإنك إن صدقت مهما فعلت فلن أغضب منك مهما كان، فكانت بعد ذلك إذا كسرت شيئاً أو فعلت أيّ أمر تأتي فتخبرني فأثني عليها وأدعو لها وأقول جزاك الله خيراً على صدقك ومهما فعلت وتردينه عظيماً من أمور الدنيا فلن يكون أعظم عند الله من الكذب والخيانة.. والحمد لله الآن لا أرى منها كذباً ولا خيانة في وجهي ولا من ورائي وأمنت من شرها ومن مشكلاتها واتهام غيرها بما فعلت. ـ كذلك القرآن حفظت منه سوراً كثيراً وتعلَّمت قراءته صحيحاً ولله الحمد.
* هل تعتقدين بأن هذه الطريقة تجدي مع جميع الخادمات ؟(9/61)
ـ الله تعالى لم يخلق النفوس متساوية وإلا لآمن من في الأرض كلهم أجمعون، ولكن المسلمين فطروا على الخير ويحبون دينهم وتعلُّم أمور دينهم، والكثيرات منهن إذا عُلمن برفق يستجبن ولله الحمد، وإنما التقصير منا نحن، وقد منّ الله علينا بنعمة الإسلام الصحيح والعلم الغزير في هذه البلاد، ولكننا نقصّر ويعود المئات إن لم يكن الآلاف إلى بلادهم كما رجعوا إن لم يكن أسوأ.. بسبب تقصيرنا، بل وسوء معاملتنا لهم وعلى كل حال حتى ولو لم تجد المرأة استجابة كبيرة فيكفي أن تستجيب في بعض الأمور وإن لم يكن كلها ويكفي أيضاً أن تعذري أمام الله بأنك أديت ما عليك والهداية من الله وحده، وأذكر بأن الخادمة التي كانت عندي قبلها لم تكن تستجيب بنفس القوة التي تستجيب لي فيها هذه الخادمة ومع ذلك لم أجد هذا عذراً مستساغاً لإهمالها، ولكني بالطبع لم أحاول إعادة استقدامها مرة أخرى كما فعلت مع هذه الخادمة التي عاشت عندي اثنتي عشرة سنة. “ توتي” تفتح “ دار البيان” “ توتي” تعرفها كل معلمات وطالبات دار البيان في مدينة الرياض، فهي إحدى العاملات المتميزات فيها وهي إحدى ثمرات عناية المسؤولات في الدار بالمنتسبات إليها . التقيت بالداعية “حصة الحناكي” مديرة الدار فسألتها عن “ توتي” المتميزة، وعن عنايتهن في الدار بكل العاملات فيها، وطلبت أن أجري لقاء مع “ توتي” فأخبرتني بأنها سافرت منذ أسبوعين. تقول الأستاذة حصة: هؤلاء العاملات أمانة عندنا وواجب تبليغ هذا الدين ليعم كل من وجد على ظهر هذه الأرض.. وإذا كان الكثير يظن: أن الواجب عليهم تجاه هؤلاء العاملات يقف عند حد تعليمهن أمور العمل والوظيفة، فهذا تقصير كبير وواجب تعليمهن أمور دينهن أعظم.. و” توتي” هي واحدة من أربع عشرة مستخدمة تعمل في هذه الدار حرصنا بفضل الله منذ التحاقهن بالعمل لدينا على تعليمهن جميع أمور دينهن وتعليمهن كتاب الله قراءةً وحفظاً وتدبراً، وذلك من خلال توفير معلمة إندونيسية تعرف اللغة العربية وعاشت في المملكة عمرها كله وتقوم بتدريسهن القرآن الكريم والفقه والعقيدة، كما حرصنا على حضورهن للمحاضرات التي تنظمها مكاتب الجاليات أو مؤسسة الحرمين أو غيرها، فكنا كل يوم أربعاء نذهب بهن إلى مؤسسة الحرمين، وكل يوم جمعة محاضرة في مسجد الراجحي، والحمد لله وجدنا ثمرة كبيرة لهذه الجهود وتغيّرت العاملات لدينا تغيراً جذرياً. أما “ توتي” فامتازت عنهن بسرعة الفهم وسرعة التعلُّم والحفظ وعلو الهمة حتى إننا كنا نشارك في المسابقات التي تقيمها الندوة العالمية للشباب الإسلامي وكانت تحرز المركز الأول دائماً، وقد استطاعت أن تحفظ لدينا خمسة أجزاء ولله الحمد، بالإضافة إلى حفظ كثير من دروس الفقه والعقيدة حتى أصبحت بفضل الله معلمة لدينا تدرس العاملات المستجدات، وعرفت بكثرة قراءتها للقرآن الكريم فكنا نسمعها في الحافلة تردد ما تحفظه طوال الطريق “وكان زوجها هو السائق” وكانت تلتزم بالحجاب الشرعي الكامل بالغطاء الساتر والقفازين والشراب.. وقبل أسبوعين سافرت إلى بلادها، وقد طلبت منها أن تعود ولكنها رفضت، وقالت الخير في بلادكم كثير ولكن أهل بلدي أولى بهذا العلم وإنني أريد أن أذهب إلى بلدي وأفتح داراً كداركم وأسميها باسم هذه الدار صاحبة الفضل عليَّ “ دار البيان”.
* هل كنتم تستعينون بأسلوب التشجيع والجوائز حتى يقبلنا على التعليم؟
ـ الرغبة في التعلُّم كانت موجودة في نفوسهن والكثيرات غيرهن يحلمن بذلك ويتمنين أن يساعدهن أهل هذه البلاد في تزويدهن بالعلم النافع، ولكننا للأسف لا نستغل هذه الرغبة لديهن. ولكننا أيضاً نشجعهن تشجيعاً مادياً ومعنوياً في وقت واحد، فقد وعدت المتفوقات بجوائز قيِّمة كالذهب والمال وغيره، وكنت أقيم لهن حفلاً تكريمياً كل سنة، كما أقيم لباقي طالباتي، وأنزل كل طالبات الدار ومعلماتها ليحضرن هذا الحفل ويشاركن فرحتهن، وأضع في هذا الحفل كما أضع في حفلات طالباتي فيحتوي على كلمة لي باللغة العربية، تتولّى معلمتهن ترجمتها كما يحتوي على فقرات منوّعة وأناشيد باللغة العربية، ومعلمتهن تترجم لهن ما يشكل عليهن، بالإضافة إلى الضيافة بمأكولات ومشروبات خفيفة، ثم توزيع الجوائز القيِّمة.
===============
حوار مع الدكتورة / رقية المحارب
وصف الحوار:
ضيفة الحوار: د.رقية المحارب .
الدكتورة رقية المحارب الأستاذة في كلية البنات في الرياض ، إحدى البارزات في مجال الدعوة النسائية ، ومن المهم أن نتعرف إلى توجهات العمل الدعوي النسائي : الواقع والطموحات ، كما أنه من المهم أن نتعرف إلى بعض قضايا المرأة من وجهة نظر المرأة نفسها ، ومن إحدى الناشطات في الدعوة النسائية ، لذلك كان لنا معها الحوار التالي :
كيف ترين واقع الدعوة في الوسط النسائي في المملكة ؟ وفي الخليج عامة ؟(9/62)
ج: يقول تعالى : (ولئن شكرتم لأزيدنّكم) [إبراهيم : 7] ونحن نتوجه بالشكر إلى الله عز وجل على ما في مجتمعنا من دعوة وخير وعلم ، ولا شك أن الطموحات كبيرة لكن ما نراه - ولله الحمد - من مظاهر العودة إلى دين الله ، والحرص على الأعراض ، ونشوء شابات حريصات على الدعوة ، وهن في سن السادسة عشرة والثامنة عشرة أمر يسر ويثلج الصدر ، ومدارس تحفيظ القرآن المنتشرة في كل قرية ومدينة تملأ قلوبنا بالتفاؤل ، وتدفعنا إلى مزيد من العمل من أجل تسديد المسيرة الدعوية والاهتمام بالعلم الشرعي نشرًا وتعليمًا في أوساط البنات . كذلك ما نراه في الكليات والمدارس من نشاطات المصليات واللجان الثقافية والاجتماعية وغيرها يدل على نهضة دعوية مباركة لا تزال في بداياتها بحكم أن الدعوة في أوساط النساء كانت مهملة فترة طويلة . وبالنسبة للخليج فإنني أسمع عن نشاطات طيبة وعودة للدين وتمسّك بالحجاب رغم ما ينشره الإعلام عن نماذج منحرفة لا تمثل السواد الأعظم من بنات الخليج . إن ما ينشره الإعلام ويحاول إبرازه وتقديمه على أنه نموذج للمرأة في الخليج يؤدي - بدون شك - إلى ازدياد هذه النماذج ، ولكن الأمل في وعي الفتاة وإدراكها لمخططات المنافقين ، ووجود مرجعية فكرية ثقافية تربي في قلبها الاعتزاز بدينها . ومع ما أسمعه من خير فإن هناك خللاً كبيرًا في التواصل بين الداعيات ونقصًا في إيصال المعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة ، بالإضافة إلى مشكلات أخرى .
هل بالإمكان أن نتعرف إلى ملامح العمل الدعوي النسائي : سلبياته وإيجابياته من وجهة نظركم؟
لا يخلو أي عمل من سلبيات ولا سيما إذا كان حديثًا.. والعمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين . ربما يكون سبب ذلك أن المرأة كانت مصونة من التعرّض للفتن وللأفكار المنحرفة لعوامل اجتماعية لا تخفى ، وبالتالي فإن أي عمل في بداياته لا شك سيكون من أهم سلبياته نقص الداعيات المؤهلات ، وعدم وجود المرجعية النسائية أو القيادة الدعوية النسائية القادرة على ترتيب الأوراق ، ودراسة الأولويات ، وإنشاء المشروعات المناسبة ،ومن السلبيات ضعف اهتمام الدعاة - حتى هذه اللحظة - بإيجاد محاضن تربوية تخرج للمجتمع المصلحات المؤهلات ، كذلك من أبرز السلبيات في نظري ندرة وجود مؤسسات دعوية نسائية متخصصة توفر كل ما تحتاجه المرأة من استشارة اجتماعية وفقهية وتربوية وغيرها. وأما الإيجابيات فكثيرة ، منها : العاطفة لدى المرأة فسرعة استجابتها للخير معلومة ، ومنها قوة الترابط الأسري الذي لا يزال يوفر دعامة للمحافظة واحترام التعاليم الشرعية ، ومن الإيجابيات في العمل الدعوي النسائي سهولة الوصول للمرأة بخلاف الوصول للرجل لانشغاله وغير ذلك .
كيف السبيل إلى تفعيل دور المرأة ، ولا سيما أن الدعوة النسائية تعاني من فقر وضعف في المستوى والمؤهلات والاهتمامات ؟ وما الذي تطمحون إليه في مجال الدعوة ؟
عندما نتأمل في رموز العلمانية من النساء الحاملات راية تغريب المرأة نجد أنهن أولاً كبيرات في السن في الغالب ، وثانيًا شاركن في كثير من اللقاءات الثقافية والمؤتمرات ، وثالثًا وجد من تبناهنّ منذ سن مبكرة ومكّن لهن في الصحف والمجلات وغير ذلك . هذه الخبرات المتراكمة لا شك تؤدي إلى وضوح في التصورات - وليس وضوح التصورات يعني صحة التصورات - وهذا الوضوح نتج عنه تأليف كتب ، ونظم قصائد ، وإقامة جمعيات متنوعة ، وتأسيس دور نشر ومراكز بحوث وغيرها ، وأدى هذا إلى تأثر طبقة من النساء بهذه الطروحات . وعندما نأتي للحديث عن كيفية تفعيل دور المرأة الدعوي فإننا لا بد أن نبذل جهدًا كبيرًا فيه من الألم والتعب ما فيه ، وهذه سُنَّة من سنن الله الكونية كما قال تعالى : (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) [النساء :104] . فالألم لا بد منه ، ولكننا نسأل الله الإخلاص في القول والعمل نرجو الجنة والنجاة من النار . لا بد من إقامة المحاضن التربوية والملتقيات الثقافية التي تكون أهدافها واضحة وطويلة المدى ، بعيدًا عن ردود الأفعال كما هو حالنا في كثير من الأحيان . والذي أطمح إليه هو أن تبادر المرأة المثقفة إلى ميدان الدعوة ، وأن تساهم بمواهبها وقدراتها ، فنحن بحاجة إلى الدعوة ودين الله منصور ظاهر ، ولكننا نأمل أن نكون من الطائفة التي ينصر الله بها دينه ، لا بد لتفعيل دور المرأة من تشجيعها وإعطائها الفرصة للكتابة والإلقاء في المجتمعات النسائية ، وصقل تجربتها بالقراءة وإقامة الملتقيات الثقافية المكثفة لنخبة مختارة من الفتيات القادرات على تحمّل الجهد الدعوي ، ولا بد من تربية قوية للقلب ، واهتمام بالعلم الشرعي ، والبعد عن تغليب جوانب الترفيه على جوانب التأصيل الذي يحمي بإذن الله من الشبهات والشهوات والله المستعان .
ما هي وظيفة المرأة برأيكم ؟ وهل يعتبر الزواج هو نهاية ما تصل إليه المرأة ؟ بمعنى : ما هو دور المرأة وواجباتها الدينية والاجتماعية ؟(9/63)
وظيفة المرأة هي عبادة الله عز وجل ، والله عز وجل أمرها بأوامر حماية لها ، وهو الخالق العليم سبحانه ، وأوصاها بالقرار في البيت ، ولا يعني هذا القرار ألا تخرج ، كلا بل المقصود أن الأصل هو في قرارها في بيتها ، وهذه إحدى صفات الحور في الجنة عند قوله تعالى : "حور مقصورات في الخيام" [الرحمن : 72] ، هذا القرار لا يعني أيضًا حبسها بين جدران أربع ، وعندما تتأمل سيرة الصحابيات تجد عجبًا من فقههن رضي الله عنهن لمعنى القرار . أيضًا عندما نقارن بين بيوتنا اليوم وبيوت الصحابيات ، فإننا نستغرب من حالنا مع هذا التوجيه الرباني ، وهذا الموضوع - موضوع القرار- يحتاج إلى تأمل ودراسة ؛ حتى ندرك الأسرار ، ولا يتسع المقام لهذا ، فوظيفة المرأة هي في الالتزام بأوامر الله عناية بقلبها ، وملاحظة لسلوكها ، وتعلمًا لدينها ، وتربية لأولادها ، وأن تعيش بين أقاربها ومعارفها ناشرة للطيّب من القول والعمل ، مبتعدة عن مواطن الفتن في مكان العمل والأسواق إلاّ لحاجة ماسة . والزواج في نظري نعمة من النعم تسخرها المرأة لطاعة الله ، وتدرس ماذا أمرها الله كزوجة من حسن التبعّل لزوجها ، وحسن رعاية لأولادها ، وهو بداية للنشاط الدعوي الكبير في نظري ، فالزوجة لديها من مجالات الدعوة ما ليس لغير المتزوجة ، فهذا زوجها تحاول دلالته إلى الخير وحثه على أن يكون في الصف الأول في كل شيء ، وهؤلاء أولادها تؤهلهم وتعلمهم وتحثهم على معالي الأمور ، وتتعاهدهم في صلاتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم ، وهؤلاء أقارب زوجها تعاملهم معاملة راقية فتعتني بمراعاة خواطرهم وإهدائهم والبعد عما يسبب المشاحنات والبغضاء والتغاضي عن الأخطاء ؛ فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ، وتحاول أن تؤثر عليهم بقدر ما تستطيع ، وبالأسلوب الحكيم المناسب فتزرع من سنابل الخير ما تستطيع ، فهذه الدنيا مزرعة ، ومسكينة تلك التي تجني على نفسها بسوء القول والعمل . الزواج بداية لمشوار الدعوة الحقيقي وفتح لأبواب من الخير كثيرة .
لا تزال قضية "تحرر المرأة" تشغل الكثير والكثيرات في عالمنا العربي ، كيف تفهمين التحرر ؟ وما هي رؤيتك للعلاقة بين الرجل والمرأة ، هل هي علاقة سلطوية (سيد ومسود) ؟
التحرر في الحقيقة هو في الانعتاق من أسر الشهوات ، والذين يدعوننا إلى الحرية اليوم انظر إلى واقعهم ، ألا ترى أنهم أبعد ما يوصفون بالأحرار ، أليسوا عبيدًا لشهواتهم؟ أليست حياتهم الخاصة ناطقة بالضياع النفسي والشقاء الكبير ؟ التحرر هو في السيادة على شهوات النفس والاستعلاء على الباطل ، هو في ارتفاع الروح وتحليقها عاليًا عن ثقلة الأرض ، هو في مقاومة الشيطان وعصيانه واتباع أوامر الله عز وجل . وكيفية العلاقة بين الرجل والمرأة لم تكن تطرح سابقًا ؛ لأنها فطرية طبيعية ، خلق الله الجنسين مكمّلين لبعضهما ، يحققان السكينة والاطمئنان لنفسهما حتى تَعْمُرَ الأرض وتستمر الحياة ويعبد الله رب العالمين ، العلاقة بين الزوج وزوجته علاقة محبة ومودة وسكن كما في القرآن العزيز ، وهي في طروحات العلمانية قطعة من العذاب ؛ لأنهم يريدون حياة المجون ، ولأنهم لا يعرفون السعادة ، ولذا فهم يتيهون في الأرض يبحثون عنها ولن يجدوها إلا في اتباع شرع الله والتحاكم إليه . وهي علاقة سلطوية لا شك ، علاقة سيد بمسود ، ولكن السلطة هنا ليست القمع والتعذيب حسب ما تعودنا عليه ، ولكنها السلطة التي تضمن السعادة للزوجة ، فهي سلطة نافعة طيبة للمرأة لا يمكن أن تكون المرأة سعيدة بدونها طالما كانت في إطارها الشرعي ، سيد ومسود ، الزوج سيد ؛ لأنه قائد الأسرة ولا يمكن أن يكون للأسرة قائدان ، وهذا قانون كوني لا تستقيم الحياة بدونه ، ولكن هذه السيادة مضبوطة بضوابط شرعية ، لا بد لهذا السيد أن يلتزمها وألا يتحول إلى ظالم طاغية . وقد وضع الشرع حلولاً للتعامل معه يفك الزوجة من عناء المعيشة معه ، السيادة للرجل حق له من خالقنا وانتقادنا لسلوك معين لا يعني سلب هذا الحق وتشويه صورته ، وما تصوره بعض المسلسلات من قسوة وسطوة مجنونة يمارسها الزوج على الزوجة لا يمثل إلا حالات لا تمثل الغالبية . وتكرار طرح الصور الشاذة ؛ يؤدي إلى نفور من الزواج وهذا هدف موضوع مخطط له .
الاستقلال المادي أحد أهم أركان مفهوم "تحرر المرأة" عند دعاته ؛ لأن التبعية المادية (النفقة) تستدعي التبعية الكاملة ، ومن ثمَّ تمَّ التأكيد على "عمل المرأة" ثم "الحقوق السياسية" وغيرها . كيف تنظرين إلى حقوق المرأة ، ما هي ؟ وهل ثمَّة هضم متعمّد لشيء من تلك الحقوق ؟ وما رأيك بعمل المرأة كمبدأ عام ، دون أن نخوض في التفاصيل ؟(9/64)
. صحيح أن الدعوات إلى عمل المرأة ليس إلا وسيلة لتحريض المرأة على أوليائها بحجة الاستقلال والاعتماد على النفس ، وبناءً عليه تلغى القوامة .وغير ذلك فإن حقوق المرأة مصونة في الشريعة ، ولا نحتاج إلى اتفاقيات صيغت ببيئات ومجتمعات مختلفة عنا عاشت ظروفًا معروفة - لا نحتاج إلى منظمات غربية - للدفاع عن حقوق المرأة المسلمة ، فمنذ متى نصرتنا هذه المنظمات ودافعت عن حقوقنا ؟ أفي أفغانستان عندما كانت تقتل النساء وتنتهك أعراضهن ؟ أم في كشمير المسلمة ؟ أم في الشيشان ؟ أم في فلسطين ؟ حقوق المرأة عند هذه المنظمات أن تخرج سافرة ، وحقوقها عندهم أن تقتحم المطاعم والمقاهي والملاهي عاملة وراقصة ومغنية ، وحقوقها عندهم أن تشارك في المناسبات الرياضية وأن تلبس ما تشاء وأن تقابل من تشاء وقت ما تشاء . ولكن علينا أيضًا أن نفكّر في حلول لبعض الممارسات المؤذية للنساء في مجتمعاتنا الناتجة عن نظرة دونية للمرأة ؛ بسبب البعد عن الدين والعلم الشرعي ، فسرقة مال المرأة حرام ، وحرمانها من الزواج جريمة ، وإجبارها على الزواج بمن لا ترغب وصمة عار ، وغير ذلك من الممارسات يجب أن تتوقف حتى لا يعزف دعاة التغريب على أوتار هذا الواقع المسيء للمرأة .
================
المرأة بين الواجب الأسري والواجب الدعوي.
وصف الحوار:
ضيفا الحوار : د. منيرة البدراني - الشيخ الدكتور سفر الحوالي .
تعيش المرأة الداعية هموماً كبيرة في القدرة على تحقيق الواجبات المتعلقة بها؛ هم مجتمعها الصغير – الأسرة – والمجتمع الكبير، كيف توفق بين هذين الواجبين ؟ هل حقيقة أن الزواج مقبرة الداعيات ؟ ولماذا يقل عطاء بعض الداعيات بعد الزواج ؟ بل ترى بعضهن صعوبة الاستمرار في الدعوة ؟ ولماذا تصاب الداعية بالملل والسأم من بعض طرق الدعوة ؟ هل الواجب على الداعية أن تدور في فلك واحد من مجالات الدعوة ؟ أسئلة كثيرة تهم المرأة نحاول أن نسلط الضوء عليها لنبحث معاً عن الإجابة . إن للمرأة طاقات وإبداعات قد تفوق بها الرجال في مجالها ، وخلال سنوات مضت كان هناك هدر لهذه الطاقات وعدم استغلال لها، والآن بدت بوادر جميلة في القدرة على توظيف هذه، تقول:
د. منيره البدراني
" في نظري يمكن توظيف هذه الطاقات بحسب إمكاناتها الجسمية والعقلية والفكرية والنفسية، فمثلا : من النساء من عندها قدرة على تحضير مادة علمية جيدة، والنظر في واقع الناس وأخطائهم ثم إلقائها في تجمع نسائي، ومنهن من عندها قدرة على التحضير وليس عندها جرأة على الإلقاء والإقناع ، ومخاطبة الجماهير، فيمكن لهذه أن تحضر المادة وتدفعها إلى من يستفيد منها ويلقيها ، ويمكنها أيضاً أن تكتب في مجلة أو دورية أو غيرهما مما يطلع عليه الكثير من الناس" . وقالت أيضاً : "ومنهن من منّ الله عليها بالقدرة على الأمرين؛ تحضير المادة العلمية، والإلقاء والإقناع، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء، ومن النساء من عندها قدرة على الإدارة في المؤسسات الخيرية ، ونفع الدين وأهله خلف الأضواء وفي كل خير" .
في حين تنقل الأخت عفاف فيصل عن الأستاذة /البندري العمر بأن مجالات استغلال هذه الطاقات كثيرة، منها : الأسرة، والمدرسة، والأقارب، والمستشفيات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، ودور رعاية الأيتام، والملاحظة الاجتماعية . وترى المشاركة سواء كانت معلمة أو طالبة في الدعوة عن طريق الوسائل المتعددة الحديثة، فتقول: سواء كانت طالبة أو معلمة تستطيع أن تؤثر على الزميلات والطالبات ، وحتى الطالبة تستطيع أن تؤثر على معلمتها عن طريق المطويات والمجلات الحائطية والإذاعة المدرسية ، وعن طريق كلمة صادقة تلقيها أثناء درسها أو محاضرتها أو حديثها مع من حولها .
ويرى الشيخ د. سفر الحوالي – حفظه الله – أن لكل إنسان طاقة وجهد، ولابد أن يصيبه الفتور، وهو من الأمور التي يشتكي منها الصالحون، فيقول :"إن مسألة الضعف والفتور مما شكا منه الصالحون والزهاد، فالنفوس البشرية تعاني الضعف والفتور، وإن الحالة التي يرغب فيها المؤمن لنفسه حالة الخشوع واليقين، الدمعة التي تذرف لذكر الله لا تدوم، بل تعقبها حالات من مشاكل الدنيا تسلب القلب البشري، ولم يسمَّ قلباً إلا لتقلبه، وما يعزي المؤمن والمؤمنة أنه مبتلى في كل الأحوال، وأنه يؤجر على كل ما يصيبه من هم وغم، ويؤجر على أعماله، فتؤجر المرأة مثلاً على حسن ابتعالها لزوجها وتربية أولادها. جاءت الشريعة فرفعت مقدار العابد في هذه الأمة حتى جعلته يحتسب نومته كما يحتسب قومته؛ لذا تستطيع أن تجعل هذه المسألة ليست قضية فتور عن الطاعة، إنما تقلب لحالة معينة تمر بها النفس البشرية، وتجعل لكل حالة حقاً وواجباً لا بد أن تؤديه، فالرجل حين يؤدي حق زوجته وأبنائه أو والديه فهو يؤدي عبادة شرعية، فإذا كان الفتور إنما بانشغال الإنسان عن قراءة القرآن والعبادة ومثل هذه الواجبات، فإنما هو نقلة من عبادة إلى عبادة. لكن علينا أن نجاهد ونقاوم ونتوكل على الله، فإن هذا أعظم التوكل". وحول القدرة على التوفيق بين الواجب الدعوي والواجب الأسري
يقول الشيخ د. سفر الحوالي : " أما التوفيق بين الواجبات، فينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء مشكلة نشتكي منها جميعاً، وإن لم يكن لنا مقدرة على ترتيب الأولويات، وإعطاء كل ذي حق حقه نكون مقصرين، فالمتزوجة إن قصرت في حق زوجها وأبنائها تأثم، وإن كانت داعية ناجحة لا بد أن يكون هناك منهج لتوفيق بين هذه الواجبات. لا بد لها من الاستشارة، استشارة الزوج، الأخوات الداعيات في الأصلح لها؛ إذ إن الحالات البشرية مختلفة، وكل إنسان له ظروفه.."(9/65)
وترى د. منيره البدراني أن المشكلة ليس في صعوبة التوفيق بقدر ماهي مشكلة داخلية لدى النساء، وأن بيدهن القدرة على التوفيق بين هذين الواجبين بعد توفيق الله _جل وعلا_ فتقول : " المرأة التي تحمل هم الدعوة إلى الله وإصلاح حال المسلمين لا تستطيع التوفيق بين هذين الواجبين إلا بتوفيق من الله وبالاستعانة بالله، والدعاء في الأوقات والأحوال التي يرجى فيها إجابة الدعاء، ثم بتنظيم الوقت والبعد عن كل ما من شأنه تضييع الأوقات من الملهيات المحرمة والمكروهة والمباحة، وتربأ بنفسها عن كثير مما تنشغل به كثير من النساء من اللهو" . وترى أن على المرأة أن تعرف مقاصد الشريعة، وتفهم واقع الحال والقدرة على ترتيب الأولويات في حياتها، فتقول : "أيضاً فهم الشرع فهماً صحيحاً من حيث تقديم بعض الواجبات على بعض ، والعناية بالأسرة وعدم إهمالها بدعوى الدعوة إلى الله، في نفس الوقت الشعور بالواجب تجاه المجتمع وعدم التقوقع في البيت" . في حين أن إحدى الأخوات الداعيات - والتي طلبت عدم ذكر اسمها - ذكرت حالاً للداعيات مما تعيشه في واقعها، وتشعر بسببه بكثير من الحسرة والشعور بتأنيب الضمير، فتقول في كلامها – المؤثر - : " سأجيب على تساؤلكم بجواب إنما هو حكاية واقع ، لمحاولة معرفة الصواب ؛ لأن هذا الموضوع يشغل كثيرات غيري ، ولم نجد حتى الآن ما تطمئن له النفس ، أو يرتاح له البال، فالمرأة إما أن تكون عاملة – موظفه – أو تكون ربة بيت ، والحكم يختلف ، وسأتكلم عن النموذج الأول بصفتي واحدة منهن . فالمرأة الموظفة التي تحمل الهم تخرج يومياً تقريباً من المنزل للمدرسة أو للجامعة أو للدار، ثم تعود مع عودة أولادها وزوجها، وهي منهكة تحتاج إلى الراحة ، فإذا عادت وجدت الجميع بحاجة إلى وجودها الصغير والكبير ، وشؤون البيت بحاجة إلى إشرافها، فتشعر بتأنيب الضمير؛لأنها تعد هذا تقصيراً، خاصة وهي تسمع كلمات العتاب إما من الزوج أو من الأولاد ، مثلاً : ( نتمنى أن نرجع ونجدك في البيت ) أو قريباً من هذا القول ، أضف إلى ذلك أن هذا هو الوضع الطبعي الموافق للفطرة". ثم تضيف أن هذه الحال موجودة في مكان عملها أيضاً مما يسبب كثيراً من المعاناة النفسية، فتقول :" ثم تفكر جدياً بترك العمل ، فتسمع كلمات العتاب ممن حولها، مثل : بقاؤك سد ثغرة ، لمن تتركين المكان ؟ بنات المسلمين بحاجة لك ولأمثالك... وهكذا، ولا تنتهي المعاناة عند هذا الحد؛ لأنه لو اقتصر الارتباط على عمل الصباح لقلنا: تبقى المرأة وتعوض أولادها، وتجلس معهم أطول وقت ممكن ، ولكن هذا في الحقيقة لا يمكن أن يكون؛ لأن الارتباط الواحد يتبعه ارتباطات متعددة والساحة بحاجة ، والنساء قليل فترتبط مع دار في الأسبوع لدرس أسبوعي ، والجيران لهم حق فترتبط معهم بدرس أسبوعي ، والعمل يحتاج إلى تنظيم فتذهب للاجتماعات ، وكذلك المسؤوليات الأخرى فتجد نفسها في دوامة لا تنتهي ، وإذا اعتذرت شعرت بالسلبية والتقصير ، وإذا أجابت شعرت بالتفريط في حق من تعول، وهذه مشكلة المشاكل. وتضيف أن الداعيات بحاجة ماسة إلى الحلول العملية لهذه المشكلة التي تقع فيها كثيرات منهن بعيداً عن التنظير المجرد، وأن واقع الدعاة يختلف عن الداعيات، فتقول :" دائماً نستشير أهل العلم، فيقولون: سددوا وقاربوا ، وهذا كلام نظري لا يمكن تطبيقه ، نحن نحتاج فعلاً إلى حلول عملية من واقع مجرب، فالرجل ليس كالمرأة ، نسمع عن رجال دعاة، ولكن هل يصلح أن تكون المرأة داعية بالمعنى المتعارف عليه؟ ثم تختم رسالتها قائلة :" الآن وبعد تجربة دامت قرابة خمسة عشر عاماً أعترف بالتقصير، وأرى أن الموضوع يحتاج إلى دراسة متأنية" .
هذه الرسالة المعبرة عن واقع كثير من الداعيات - والتي يرين من خلالها أن الوقت المتاح لا يخدم المرأة في القدرة على التوفيق بين خدمة أسرتها والقدرة على معالجة كثير من أوضاع المجتمع النسوي في سواء في المدرسة أوالوظيفة أوالمجتمع بشكل عام - تجعلنا نطرح هذا السؤال : ما الطرق المثلى لاستغلال الوقت وتنظيمه ؟(9/66)
ترى د.منيره البدراني أن الطرق لتنظيم الوقت متعلقة بالمرأة نفسها لاشك أن للقدرة على استغلال الوقت وتنظيمه أهمية عظيمة في حياة المرأة الداعية، سواء كانت عاملة أو موظفة أو من ربات البيوت ، حيث تبتلى كثير من النساء بكثرة النوم، وأنا أنصح بتقليل النوم، والاستعانة بالله، وتقليل الخروج من البيت، وعدم البحث عمن يضيع معها الوقت، سواء في الهاتف أوخارج المنزل أوداخله. وتقول إحدى الأخوات الداعيات محذرة: إن عدم تنظيم الوقت قد يكون سبباً في تقاعس كثير من الداعيات عن العمل الدعوي، فتقول :" احذري تلبيس إبليس عليك بأمور كثيرة منها: أن يقلل مما تعملينه في نظرك، فيجعلك تظنين أن عملك في هذا المجال ليس بذي قيمة، أو يخوفك من أن يؤثر عملك التطوعي على تربيتك لأبنائك أو اهتمامك بزوجك، ولكن .. تذكري أنك _والحمد لله_ مسلمة، وأن لهذا الدين حقوق عليك عظيمة، وكثيرات من نسائنا يقضون وقت الضحى دون استفادة؛ فمنهن من تصرفه في النوم ، أو الأسواق أو للمحادثة في الهاتف، ومع ذلك لم يلبس عليها إبليس" . ثم تضيف : "استعيني بالله وأقدمي، فبالتوكل على الله والإكثار من الدعاء بأن يقويك ويسدد خطاك، وأن يبارك لك في الوقت تستطيعين _بإذن الله_ التوفيق بين أعبائك المنزلية وعملك التطوعي، بحيث لا يطغى جانب على جانب، وهذا يحتاج إلى تضحية وجهد" . وترى أيضاً أن الكسل والفتور من أسباب ضياع الأوقات وعدم الاستفادة منها، فتقول :" احذري الكسل والفتور فإنه يقعد بك عن العمل، ويضيع الأوقات والفرص والمناسبات ، فالبعض قد يفتح له باب من أبواب الخير فيلج فيه، ولكن ما أن تمر أيام أو تعصف أدنى مشكلة أو تقف أمامه عقبة إلا وترك هذا الطريق ، وتمضي سنوات بدون فائدة ، وما ذاك إلا أنه فتح باباً فأعرضوا عنه، وقد لا يفتح هذا الباب مرة أخرى فتمسكي أختي بما أنت فيه، ولا تدعي الفرصة تفوتك فإن عمرك قصير والأيام تطوى والمراحل تنقضي" . وتقول إحدى الداعيات : " ومشكلة الوقت هذه تحتاج إلى تنظيم وعمل وتطبيق؛ لأن عدم تنظيم الوقت وتقسيمه قد يحدث فوضى عارمة لا في المنزل فقط بل في كل مجالات الحياة، فالإنسان العامل سواء في مجال الدعوة أو أي مجال غيره بحاجة ماسة لتنظيم وقته وعدم خلط هذا بذاك، فكل عمل يجب إعطائه حقه فلا يطغى شيء على شيء آخر ... وهذا بالنسبة للداعيات أيضاً فمن تخرج من منزلها للدعوة إلى الله _تعالى_ يجب أن تضع جدولاً مقسماً وواضحاً تمشي عليه حتى لا تحدث الفوضى في حياتها الأسرية، وحتى توفق بين عملها كداعية إلى الله وبين واجبها كزوجة وأم ....
إذن هل هناك مقترحات حول الوقت وتقسيمه؟
نقول: نعم، وإليك أختي الداعية بعض هذه المقترحات :
أولاً : عدم الخروج بتاتاً من المنزل قبل خروج الأبناء للمدارس _إن كانوا طلاب مدارس
ثانياً : الحرص على الرجوع للمنزل قبل الساعة السابعة مساءً _إذا كان العمل في المدة المسائية
. ثالثاًً : عدم الاتكال على الخادمة في العناية بالأطفال الصغار عند الغياب، ويمكن استبدال الخادمة بأم الزوجة أو أم الزوج أو الأخوات _إن أمكن ذلك
. رابعاً : لا تكن الأعمال الدعوية يومية، بحيث تضطر الأخت الداعية للخروج من منزلها صباحاً أو مساءً بشكل يومي، بل تختار أوقاتاً متفرقة تعطيها فرصة متابعة الأبناء بالشكل الصحيح وقضاء متطلبات الزوج.
خامساً : ألا يستهلك العمل الدعوي كل وقتها وتفكيرها.
وتضيف د.منيرة البدراني : " يجب الاستفادة من الصباح؛ لأن فيه بركة لمن استطاعت ذلك، كما أكرر أنه يفرق بين الداعية الموظفة والمعلمة وربة البيت في استغلال الوقت" وترى أنه من استغلال الوقت الاستفادة الكبرى من أماكن التجمعات في الدعوة إلى الله، فتقول : " يجب علينا عدم الاستهانة بأماكن التجمعات ( العائلية، المستشفيات، المصاعد، الأسواق ... وهكذا ).
وحول سؤالنا عن دور المرأة الداعية تجاه مجتمعها وأسرتها ترى الداعية / د.رقية المحارب أن دور الداعية هو أخذ الناس باللين والحكمة لجذب الناس من طريق الباطل إلى طريق الحق المبين، وليس لمحاربة فلان أو فلان، فتقول :" ليس الهدف من الدعوة هو تحطيم أشخاص معينين أو إسقاطهم، فلم يكن هم موسى _عليه السلام_ القضاء على فرعون، بل كان يرجو أن يخرج الناس من عبودية العباد إلى إخلاص العبادة لرب العباد. فلا بد من البعد عن السب والشتم، فهو ليس من طرق الدعوة ولا من وسائلها، فهي جاءت لإسقاط الباطل وبسقوطه يسقط من حمله" . وتقول أيضاً :" إن مهمة الداعية ليست تبكيت الناس ولا تقريعهم، ولا تبدأ بعيبهم وذمهم؛ لأن هذا قد يثير حمية الانتصار لأنفسهم أو لعدالتهم أو لمذاهبهم أولأقوالهم، ويعين الشيطان عليهم، كما ينبغي أن تكون دائمة القلق لحال الناس من غير يأس ولا قنوط، فتحمل هم الإسلام ولا تتجاهله كمن عنده صداع في رأسه لا يمكن أن يتناساه أو يغفل عنه"
وتقول د. منيرة البدراني :
" دور الداعية تجاه المجتمع :
1- الشعور بحاجة المجتمع إليها .(9/67)
2- الاستعانة بالله وتقديم ما يمكن من كتابة في الدوريات والمجلات، وإلقاء الدورس والمحاضرات، وإدارة دور التحفيظ والمؤسسات الخيرية ، فكل على ثغرة من ثغور المسلمين" طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه مغبرة قدماه ، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة" . أما الأسرة فهي الواجب الأول للمرأة " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " . إن كانت زوجة فعليها القيام بحق زوجها ، وإن كان لديها أطفال فعليها القيام بشؤونهم من مأكل وملبس وعلاج ومتابعة ...، وعدم الاتكال على الخدم . ويجب عليها تربيتهم وتعليمهم المبادئ الإسلامية ، وغرس العقيدة الصحيحة في نفوسهم والأخلاق الفاضلة ، والتحذير مما قد يضرهم في دينهم من مخاطر ومخالفات . وإن لم تكن زوجة فتحسن معاشرة والديها وأهل بيتها ، وتخدمهم بما تستطيع، وتدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ... ) وتختم كلامها بقولها :" ولا شك أن للمرأة قدرة فائقة على التأثير على بنات جنسها ، بل إن لها من القدرة ما ليس عند الرجل" .
أخواتي الداعيات هذه بعض المناقشات لقضية لا يخالطنا جميعاً الشك في أنها تهم كثيراً من النساء المهتمات بجانب الدعوة، واللاتي يرين أن لهن مهمة عظيمة لابد أن يبادرن بها لخدمة هذا الدين العظيم.
===============
الشيخ الدكتور سفر الحوالي يتحدث عن: أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر.
وصف الحوار:
ضيف الحوار: د.سفر الحوالي .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين تتشرف الشبكة النسائية العالمية باستضافة الشيخ الفاضل /سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله تعالى ورعاه وذلك في باكورة سلسلة محاضراتها عبر غرفتها المتواضعة على البالتوك نفع الله بها الإسلام والمسلمين وأثاب شيخنا الفاضل بالفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين على حسن تعاونه وتلبيته دعوتنا لإلقاء هذه المحاضرة التي عنوانها (( أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر)) فليتفضل شيخنا الكريم مشكورا مأجورا .
( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فاللهم لك الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على ما أنعمت به علينا من نعمة الإيمان والإسلام نشكرك كما يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك ثم نشكر بعد ذلك الإخوة الكرام والأخوات الكريمات الفاضلات الذين واللاتي حرصوا جميعا على هذا اللقاء نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا جميعا بما نقول وما نسمع وأن يجعل ما نعلم وما نتعلم حجة لنا لا علينا إنه على كل شيء قدير. الواقع أيها الأخوات الكريمات أن الأسئلة الكثيرة التي وصلت إلينا كافية في أن نتحدث وليتنا نفي الحديث عنها . كنت أريد أن أقدم ببعض الأمور أو المقدمات الكليات أوالقواعد العامة ثم رأيت أن كثيرا من هذه الأسئلة يشتمل على هذه القواعد ولذلك رأيت أن أبدأ مباشرة بالإجابة وما يفتح الله تبارك وتعالى به من مناسبة لأصلٍ أوقضيةٍ كبرى من قضايا المجتمع الإسلامي ، قضايا المرأة المسلمة قضايا دعوتها وقيامها بواجبها في عباده الله تبارك وتعالى وتحقيق ما أمر به وغير ذلك ، فكل ما يمكن أن يفتح الله تبارك وتعالى به عليّ فيأتي بإذنه تعالى في ثنايا هذه الأجوبة نسأل الله أن ينفعنا وإياكم جميعا بها إنه على كل شيء قدير.
كما هي مرتبة عندي هنا : من أخت تتحدث عن المرأة الداعية الصابرة المحتسبة التي تقوم بأعمال الخير وتنجزها وتضيق أوقاتها بذلك لكن القضية هي أو المشكلة هي الفتور الذي يعتريها في بعض الأوقات فهل من كلمة يارعاكم الله لها لتكون دافعا لعلو همتها وبلسما لآلامها ومشاقها التي تعيقها في طريق الدعوة؟(9/68)
* أقول لنفسي ولإخواني وأخواتي الفاضلات جميعا إن مسألة الضعف أو الفتور هي مما شكى منه الصالحون والزهاد وأولياء الله تعالى العباد الذين عرفوا حقارة هذه الحياة الدنيا وأنها إنما هي مزرعة ووقت يغتم للعمل للآخرة فاجتهدوا في ذلك وعرفوا عظيم رضوان الله تبارك وتعالى على من جاهد في سبيله واجتهد في طاعته ورضاه ومن صابر في ذلك وصبر فلما عرفوا هذا وهذا وجدوا أن النفوس البشرية لا تحتملهما بل تعاني من الضعف وتعاني من الفتور وتعاني من أن الحالة التي يرضاها ويرغبها المؤمن لنفسه حالة الخشوع والرغبة والرهبة ، حالة الإنابة إلى الله تبارك وتعالى ، حالة اليقين ، حالة الدمعة التي تذرف لذكر الله عزو جل أو للتفكر في شيء من آلائه ، هذه الحالة لا تدوم ..بل تعقبها حالات من فترات وحالات من أشغال الدنيا ومشكلاتها وحالات من معافسة الأهل والأزواج كما قال حنظلة رضي الله عنه ، وحالاتُ وحالات ، تنتاب القلب البشري الذي لم يسمى قلبا إلا لتقلبه أقول : إن هذا هو الذي أرق العباد والزهاد من قبل ، وهو الذي يؤرقنا جميعا في هذه الأيام وهو مشكلة كبرى لا بد أن نشكو منها ولكن لابد أن نعترف بأنها حقيقة بشرية إنسانية فالله تبارك وتعالى اختص الملائكة الكرام بأنعم يسبحون الليل واانهار لا يفترون أما نحن فلا بد أن نفتر لما ركب فينا من الضعف البشري ( وخُلق الإنسان ضعيفا ) ولما ركب فينا من وجوب بأداء أو مؤهلات ومكونات تقتضي حقوقا وواجبات للزوج أو للزوجة أو الأبناء وللكدح في هذه الحياة الدنيا ولغير ذلك من الأسباب ، لكن الذي يعزي المؤمن والمؤمنة أنه مبتلى في كل الأحوال وأنه يؤجر على كل ما يصيبه من هم وغم ونصب وأنه يؤجر على كدحه لعياله ، وأنها تؤجر بحسن تبعلها لزوجها وغير ذلك من الأعمال التي جاءت هذه الشريعة الربانية المحكمة العادلة فرفعت مقدار العابد من هذه الأمة حتى جعلته يحتسب نومته كما يحتسب قومته وجعلته لا يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان له به أجرا ، فبهذا نستطيع أن نجعل المسألة ليست مسألة فتور عن الطاعة أو العبادة أو الدعوة بل نجعلها تقلبا لحالات معينة تمر بها النفس البشرية ونجعل في كل حالة من الحالات ، نجعل لها حقا وواجبا لا بد أن تؤديه ، فالرجل عندما يؤدي حق زوجته وأبنائه أو والديه أو حتى بالكد في الدنيا عليهم فإنه يؤدي عبادة شرعية فإن كان الفتور إنما هو لانشغال الإنسان عن قراءة القرآن أو الدعوة أو العبادة بمثل هذه الواجبات فالحقيقة إنما هو نُقلة من عبادة إلى عبادة ، من حالة يتقرب بها إلى الله إلى حالة أخرى الأمر الآخر أن طبيعة كون الإيمان يزيد وينقص هي تتمثل فيها حالة البلاء والابتلاء الحقيقية التي أُبتلينا بها { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } فالبلاء إنما يتحقق بذلك ولو أن المؤمن إذا آمن بالله تبارك وتعالى وبلغ درجة من اليقين لا ينزل عنها أبدا لما كان البلاء بمثل هذه الدرجة وبمثل هذه الخطورة ، لكن البلاء أنه يعقب ذلك ضعف ، يعقب اليقين شكٌ ويعقب الاجتهاد ضعفُ أو فتور ويعقب الإنابة و الخشوع والرغبة والرهبة فيما عند الله يعقبها غفلة أو إهمالُ أو تناسي لذكر الله سبحانه وتعالى ، يعقب الطاعة معصية .. وهكذا كل بني آدم خطاء فأُجمل القول بأن هكذا خلقنا ربنا تبارك وتعالى ، وعلينا ان نجاهد وأن نقاوم وأن نعتبر ذلك جزءً من البلاء الذي ابتلينا به والعون في ذلك لا يلتمس إلا من الله عز وجل والتوكل عليه عز وجل في هذا هو أعظم التوكل كما قال جل شأنه {وتوكل على الحي الذي لايموت وسبح بحمده } فالتوكل عليه عز وجل في هذه أعظم من توكُل من توكَل من العباد والزهاد في تحصيل رغيفٍ أو عملٍ او معاشٍ أو أمرٍ من أمور الدنيا ، التوكل عليه تبارك وتعالى في الثبات على الصراط المستقيم والتوكل عليه في طلب الهداية والتوكل عليه في ثبات اليقين وحالة الخشوع وحالة الإنابة أعظم من ذلك بكثير وهو الذي كان عليه الأنبياء والعباد منذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعا منهم إنه على كل شيء قدير .
مجمله هو أن الإعلام الغربي يقوم بحملات واسعة وهجماتٍ على ديننا وعلى عقيدتنا وتنشرها وسائل الإعلام المختلفة ، فالسؤال كيف نستطيع مواجهة هذا التحدي ورجاء التبصير بمدى خطورة هذه الهجمات والحملات .. إلى أخره .؟(9/69)
* نقول إيها الإخوة : هذا الدين منذ أن أنزل الله تبارك وتعالى وأهبط أبوينا من الجنة إلى الأرض وأهبط معهما عدوهما وعدونا جميعا الشيطان الرجيم ونحن نعاني من الكيد والمكر الشيطاني ثم كان للشيطان أولياؤه وأتباعه الذين تكاثروا والذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه فمنهم اليهود ومنهم النصارى ومنهم المشركون ومنهم المنافقون وغير ذلك من أولياء الشيطان الذين يمكرون مكرا لا تطيقه الجبال ، الذين يكيدون لهذا الدين ليلا ونهارا ، لا جديد في حقيقة هذا المكر ، والله تبارك وتعالى يسلي نبيه صلى الله عليه وسلم فيقول : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } بأسلوب الحصر.. ما يقال لك إلا ماقد قيل لأولئك الركب الطاهر المؤمن من قبل فلا جديد في أصل الموضوع ، الذي استجد أيها الأخوات الكريمات هو أن التقنية الحديثة ..أن وسائل الإعلام الحديثة ..أن التواصل البشري الذي نتج عن صورة المعلومات التي تعيشها البشرية الآن _ والتي يبدو أنها لا تزال في أولها _ هو الذي أوجد أو جعل المشكلة تتضخم وتصبح الفكرة أو الموضة أو الموجة أو النزوة أو الانحراف أو الانحلال يمكن أن يصبح في أرض ولكن يمسي في أرض أخرى ويشرق ويغرب في أرض الله تبارك وتعالى في أيام بل ربما في ساعاتٍ ودقائق .. هذا هو الذي استجدَّ في هذا الموضوع .. الذي إذا ينبغي أن نتخذه في مواجهته هو مضاعفة وسائل الدفاع والهجوم معا الدفاع بمعنى التحصين من الشهوات والشبهات والقيام بواجب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في هذا ،، والجانب الأخر هو واجبنا في الدعوة أيضا أن نقوم نحن باستغلال هذه الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله عز وجل والإفادة من هذه التقنية وهذا التقدم وهذا التطور في نشر دين الله الحق بفضائله وقيمه وأخلاقه وسلوكياته التي تعجز عن الإتيان بها كل الأنظمة البشرية الوضعية فإن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزل هذه الشريعة المحكمة وجعل ما عداها كما قال عز وجل { أفحكم الجاهلية يبغون } وكما قال تبارك وتعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبعهم الجاهليون والجاهلون بأمر ا أهواء الذين لا يعلمون } فنحن عندنا شريعة الجاهلية وأهواء الذين لا يعلمون والذين لا يعلمون لله ودينه الحق وإن علموا شيئا من ظاهر الحياة الدنيا فلا يضر ذلك بكونهم جاهلين ،أقول هذا من جانب .. والجانب الآخر هم أو أعداءهم هم المؤمنون . الشريعة الإيمانية في جانب والشريعة الجاهلية في جانب .. والوسائل المادية هي مما يتنازعه الطرفان كما كانت صناعة الرماح والسيوف مثلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتصنع للمؤمنين وللكافرين ، وهذا يقاتل بها دفاعا عن دين الله وجهاد في سبيل الله وذاك يقاتل بها رياءً وكبراً وخيلاء وإظهارا للباطل على الحق وهكذا.. إذا الواجب علينا في هذه الحالة هو أن نكثر ونعمق الدعوة والإيمان من خلال الاستخدام الأمثل والأفضل لهذه الوسائل الحديثة التي تقوم بهذا السوء ونقلبها ونحولها بإذن الله تبارك وتعالى إلى أداة للخير والبشائر في هذا الحمدلله مشجعة وكل من جرّب من الإخوة أن يستخدم هذه الوسائل رأى خير ذلك والله عز وجل ينمي الخير ويباركه ويحق الحق بكلماته ويمحق الباطل ويزهقه ويدمغه وهذا رجاؤنا وثقتنا فيه تبارك وتعالى
مجموعة من القتيات متساهلات في أمر دينهن لا يتحجبن الحجاب الكامل ويتبعن الموضات الأزياء وقد يقمن صداقات محرمة إلى آخره ، السؤال كيف نستطيع تغيير مجرى حياتهن وجعل همهن أن يكون همهن هو خدمة هذا الدين والدعوة إليه والأمر صعب ويحتاج إلى جهد كبير معهن .؟(9/70)
* لا شك في ذلك يعني ما يمكن أن نسميه الغافلات وكلنا غافل نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويجنبنا ذلك ، كلنا في غفلة إلا مارحم الله عز وجل هؤلاء الأخوات الغافلات أخواتنا في الإسلام اللاتي أحوج ما يكون إلى النصح والهداية لاشك أن العمل معهن يتطلب جهدا وعملا دائبا ، ويتطلب مصابرة ومثابرة وسعيا دؤوبا ، وتجارب ، بل .. منهجية تأخذ من التجارب وتفيد من هذه الأعمال وترتبها وتنظمها لتقديم الخير في أفضل وأزكى وأقرب صورة تطمئن أو ترق بها قلوب هؤلاء الأخوات والإخوة جميعا على أيه حال ، يعني مسألة تغيير العاصي إلى أن يكون مطيعا ، أو المبتدع إلى أن يكون مستقيما على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي أيضا كتغيير الكافر او من جنس تغيير الكافر ليكون مسلما وإن كانت أخف عبئاً ، لكن على أية حال هذا عمل الأنبياء وهذه وظيفتهم وهذا شأنهم ، وهذا هم من وفقه الله تبارك وتعالى لاقتفاء طريقهم { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } أذكّر الأخوات الكريمات بأمر قد يغيب عن الأذهان : أن لانكتفي بمجرد إحكام المنهج الدعوي في كونه كلمةَ او شريطا أو فيلما أو نشرةً وتقديمه بأفضل الوسائل وما إلى ذلك بل نحتاج إلى امر قبل ذلك ومعه وبعده وهو الإخلاص لله سبحانه وتعالى والاجتهاد في الدعاء والضراعة إليه بأن يهدي الله تبارك وتعالى من ضل ويذكر من غفل وأن يجعلنا جميعاً هداةً مهتدين .. هذا الاهتمام وهذا الدعاء هو مما تتواصل به القلوب وقد لا تدركه الأبدان وقد لا يدخل تحت اختبارات المعامل والتجارب لكن القلوب عندما تتخاطب وتتجاوب الله عز وجل يفتح من الأساليب ما لا يدركه البشر ، والكلمة الطيبة لا تضيع إذا خرجت من قلب صادق فإنها مثل البذرة الصالحة لو لم تنجح أو تزرع اليوم فإنها بإذن الله تبارك وتعالى إذا وقع عليها المطر ولو بعد حين جاءها الوابل الصيب وجاءها الخير فأنبتت ربما في مكان أو في زمان لا يظن من ألقاها أول مرة أنه هو الذي ألقاها وأنه هو الذي بذرها ولكن الحكيم العليم عز وجل يعلم ذلك فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة سواء علم هو أو لم يعلم . المهمة شاقة ، لا شك في ذلك .. والعمل صعب ، لكن واجبنا جميعا هو أن نجتهد فيه ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا فيه وعلى قدر الاجتهاد والتركيز مع فئة مؤمنة منتخبة صالحة تكون عمادا لقيام الأمة تكون النهضة العامة للأمة ، لابد من قاعدة قوية ، من نخبة ، فئة منتخبة مصطفاة منتقاة من الإخوة والأخوات يتربون بل يتزكون تزكية عالية منهجية وبهؤلاء وعليهم تقوم الأمة . يعني هناك أمران ..جانب البلاغ العام لكن أمر آخر ومهم جدا هو جانب التركيز على صفوة مختارة تقيم الحجة على العباد بالفقه وبالعلم وبالدين وبالزهد وفي الضراعة والإنابة والرغبة والرجاء إلى الله تبارك وتعالى ، فلا بد من السعي المتكامل في هذا الشأن وهو باختصار هو شأن الدعاة جميعا فأي كلام يمكنكَ أو يمكنكِ أيتها الأخت الفاضلة أن تقوليه في دعوتك إلى الله عز وجل فإنه يقال في هذا الموضع وهو شأننا جميع نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك جهودنا إنه على كل شيء قدير .
كيف ندعو نساء الغرب غير المسلمات إلى الإسلام وكيف تستطيع المرأة المسلمة أن تقوم بهذه المهمة ، التي تستخدم الإنترنت أو لا تستخدمه ، وأنه ليس كل الأخوات يملكن اللغة التي يمكن بها مخاطبة غير الناطقين بالعربية؟
* أولا أنا أشكر الأخت الفاضلة على أنها نبهتنا على جانب مهم وهو دعوة غير المسلمين وغير المسلمات للإسلام فهذا الجانب ربما يظن بعض الإخوة والأخوات أنه لا علاقة للمرأة به ، والحقيقة أن المرأة المسلمة مطلوب منها في دعوتها إلى الله أن تخاطب المشركات والكافرات كما تخاطب المسلمات ، أما الإمكانات والوسائل فهذه بما يقدره الله تبارك وتعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } علينا نحن أن ننشر هذا الدين بلغتنا ، باللغة العربية لمن يجيدها ونستفيد من الإخوة الذين يتقنون لغات أخرى ولا نعنى لغة واحدة بل لغات كثيرة ونحتاج كل اللغات الإسلامي منها وغير الإسلامي في نشر هذا الدين وتبليغه أرجع إلى ما قلته في السؤال السابق أن النخبة المصطفاة والقاعدة الصلبة القوية إذا أقيمت فإن الترجمة تصبح عملا عاديا ، بمعنى أن بإمكاننا _ونحن نرى هذا ولله الحمد_ بإمكاننا أن نترجم أي كتاب لشيخ الإسلام بن تيمية أو أي كتاب للشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أو أي محاضرة لأي شيخ ، إما شفهيا وأما كتابيا ، يعني استكمال ذلك ليس بالأمر العسير وإن كنا لازلنا في الواقع متخلفين فيه ، لكن هو أمر ممكن مع نوع من الاجتهاد والمثابرة في هذا وهذا يغطي ذلك الجانب ، لكن المهم هو قيام أو وجود قاعدة قوية باللغة العربية من الإخوة والأخوات الذين يجيدون الدعوة إلى الله بهذه اللغة . ويبقى أنه لا يغني هذا عن الأخوات الداعيات اللاتي يتكلمن لغات أخرى من حيث الأصل أو ممن يتعلم اللغات الأخرى من الناطقات باللغة العربية فلاشك أن الواجب على الجميع بقدر الاستطاعة هو أداء هذا الفرض الكفائي الذي يريده الله تبارك وتعالى منا جميعا
سؤال من أخت في مقتبل العمر نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتها على الاستقامة التي تقول أن الله قد منّ بها عليها منذ فترة إلا أنها تشكو من بعد الوالد والإخوة عن الدين وبقائها في فراغ في بيت بلا زوج ولا وظيفة فماذا تفعل في إصلاحهم وتقول أنها تشعر باليأس وتردد اللهم أحييني ماكانت الحياة خير لي وتوفني ماكانت الوفاة خير لي إلى آخره ...؟(9/71)
* الدعاء هذا حق لكنه لا يدعى به بإطلاق إنما يدعى إذا اشتبهت الأمور ، نحن الذي نراه إن شاء الله في هذه المرحلة أنكِ لستِ في وضع غير طبيعي ، ووجود أخت أو أخ إنما أتكلم الآن للأخوات .. وجود أخت مستقيمة في بيت ليس بتلك الاستقامة ، أو وجود أخت ذات فراغ بلا زوج ولا عمل ، هذا أمر ليس بمستغرب ، هو من بلايا عصرنا المعقد ومشاكله التي يعاني منها كثير من الإخوة والأخوات فلذلك نحن نقول ليس في الأمر ما يقتضي الاقتراب من مرحلة اليأس .. لا ، نحن نقول أيتها الأخت الكريمة إننا مثل ما سبق الحديث آنفا نحتاج إلى صبر ومصابرة نحتاج إلى دعوة إلى الله تبارك وتعالى مستمرة ، نحتاج إلى إيمان ، إلى ضراعة إلى الله عز وجل في تثبيتنا واستقامتنا ، وتثبيت الأخوات اللاتي أيضا نريد أن ندعوهم ، والأهل والوالدين على نحو ذلك ، والله تبارك وتعالى في القرآن ضرب لنا أمثلة من هذا : فإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن إمام الموحدين الذي لا يمكن أن يقول أحد أنه لم يقم بواجب الدعوة أو لا يستطيعها او غير بليغ فيها إلى آخره .. هو عاني ما عانى من أبيه ، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك نلاحظ قصته مع عمه أبي طالب وهكذا فالقضية كما قال عز وجل : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } والوالدين بالذات .. أوصي بالوالدين بالذات خيرا كما أمر الله تبارك وتعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي } المصاحبة بالمعروف حقٌ جعله الله تبارك وتعالى للوالدين المجاهدين لابنهما على الشرك وليس فقط للطيبَين الطاهرَين المخبتَين المنيبَين { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } فهناك نهي صريح بل براءة من ما يكون عليه الوالدان من الشرك ومع ذلك فهناك أمر بالمصاحبة بالمعروف أي المعاشرة والخدمة والقيام بالواجب والبر والصلة والإحسان وهذا من أعظم أسباب الدعوة ولكن ليس المقصود فقط الدعوة ، هو مقصود لذاته حتى لو لم يؤمن الأب وإن لم يهتدي لا يسقط حقه في البر وفي الوفاء معه ، أما مسألة عدم الزوج وعدم الوظيفة فهذه أمور يشتكي منها المجتمع ويجب أن تُحلّ لا عن طريق الأخت وحدها بل عن طريق الأخت والأخوات والمجتمع ككل يتعاون في هذا الشأن ويجتهد وإذا جاء الزوج وهو موظف فالحمد لله هناك غنى عن العمل وعن الوظيفة إلا وظيفة الأمومة والحياة الزوجية والقيام بالدعوة أيضا مع ذلك لكن المقصود أن هذا من واجب الجميع التعاون فيه وعلى الأخت الفاضلة أن تجعل دعاءها هو ان ييسر الله تبارك وتعالى لها الحياة الطيبة الكريمة وأن يمنّ عليها بزوج يسعدها ويعينها على تقوى الله وعلى طاعته ونحن جميعا ندعو ونقول آمين لها ولأخواتها أجمعين.
عن المعركة بين الإسلام وأعدائه وأنها قائمة مستمرة وكل يوم تتجدد فيها الخطط ضد المرأة بالذات والأسرة إلى أن قالت الأخت الفاضلة فما هو سلاح المرأة المسلمة في هذه المعركة الذي تصول به وتجول لإعلاء كلمة الله والارتقاء بالدين ودحر أعداء الإسلام والتفافهم؟(9/72)
* نعم .. سلاح المقاومة ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه في آياتٍ كثيرة ، إن كانت مقاومة قتالية في حال قتالهم لنا ، وإن كان في حال هجومهم وتخطيطهم وعملهم لإخراجنا من ديننا فمن ذلك الصبر ، الصبر ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه كما قال الأمام أحمد لما عرضت عليه المحنة ، قال فتأملت في كتاب الله فوجدت الصبر في أكثر من تسعين موضعا { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الصبر على هذا الدين ، الصبر لله والصبر بالله والصبر على أقدار الله كل ذلك مطلوب والصبر على الطاعة وعلى أدائها على أفضل وجه والصبر عن المعصية واجتنابها على أفضل وجوه الاجتناب والترك وأبعدها عن الاقتراب أو الوقوع في الشبهات مع الصبر على أقدار الله تعالى ومنها تسليط الأعداء علينا وإظهارهم لحكمٍ يعلمها عز وجل ، كل ذلك من الوسائل أو السلاح الذي تقاوم به المرأة المسلمة والأمة المسلمة أعداءها ، كذلك التقوى ، والتقوى والصبر متلازمان وهذه في الجملة أيها الأخوات الكريمات المصطلحات أو الكلمات القرآنية تتداخل في معانيها فالصبر واليقين والإحسان كلها تتداخل لكن كلُ منها له معنى يخصه ولا يشركه الأخر فيه ولا في جزئياته لكن عموما التقوى والصبر لا بد منهما وتقوى الله عز وجل أساس كل فلاح ولو لم يكن من ثمرات وفوائد تقوى الله عز وجل إلا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وأنه من يتقِ الله عز وجل يجعل له فرقانا فيفرق بين الحق والباطل ويعرف به الخير والشر لو لم يكن إلا ذلك فهذا خير كبير وعظيم عند الله عز وجل ، ثم هناك الدعاء وهو سلاح المؤمن كما جاء في الحديث وسلاح المؤمنة وقال صلى الله عليه وسلم (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم ) فلا بد أن نجتهد بالدعاء ، الدعاء لهذه الأمة بالنصر والتمكين والثناء والرفعة والدعاء على أعداء الإسلام المحاربين لدين الله تبارك وتعالى والدعاء بالهداية لمن يحاول أن يجتهد في دعوته ليهديه الله تبارك وتعالى كما قد سبق من قبل الدعاء هو من التقوى ومن الصبر لكن خصوصيته لأنه ذكره الله تبارك وتعالى ورأيناه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .. والأنبياء ..دعا نوح عليه السلام ،ودعا موسى عليه السلام ،ودعا إبراهيم عليه السلام ، سواء كان الدعاء لهم (لقومه) أو عليهم وكذلك دعا محمد صلى الله عليه وسلم وكان يدعو وعلمنا الله تبارك وتعالى الدعاء بل إننا في الحقيقة في كل ركعة من صلاتنا ندعو فنقول اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين هذا كله من الدعاء وهو من أعظم الأسلحة التي نقاوم بها أعداء الله تبارك وتعالى ، مما يعيننا على المقاومة في هذا وهو من الأسلحة العديدة في هذا الثقة واليقين في نصر الله عز وجل . وإذا أردتِ أيها الأخت الفاضلة ، أي أخت منكن تريد أن تعرف حقيقة وأثر ذلك فلتنظر كيف قصّ الله تبارك وتعالى علينا في كتابه الكريم قصص الأمم الغابرة وكيف أرانا أيام الله في الذين خلوا من قبل وذكرنا بها وكيف حدثنا عن مصارع القوم وعن ما آلوا إليه وعن ما تركوا من جنات وعيون وزروعٍ ومقام كريم وعن خذلان الله تبارك وتعالى لهم ، كيف خانتهم قواهم وهم أحوج ما يكونون إليها .. كيف يفرون من مساكنهم التي طالما عمروها كيف تخونهم وتنهار أمامهم جيوشهم التي طالما جمعوها وألبوها ، كيف تنهار وتخسر أموالهم وتكون حسرة عليهم وطالما جمعوها وكنزوها وادخروها وانفقوها لحرب هذا الدين الجليل وهكذا .. نجد عبرا ، نجد أياتٍ يقرؤها الطفل المسلم وهو لا يزال في المرحلة الابتدائية بل دونها عن هلاك عاد وفرعون وثمود وأمثالهم وهذا مما يعيننا أن نعلم أن عدونا الحاضر الآن إن كان الصهيونيه العالمية وإن كان القوى الطغيانية الأخرى ، وإن تألب علينا الشرق والغرب والمنافقون معهم من داخل مجتمعاتنا فكل ذلك في الحقيقة إنما هو تكرار لما قد كان من قبل والنتيجة واحدة ، والمهمة التي علينا نحن هي الصبر والاستمرار واليقين بأن مصير هذا الدين هو الظهور والعلو والانتصار ومصير أولئك هو الدحور والخزي والعار في الدنيا والآخرة والله تبارك وتعالى يقول { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } يعني بحنده الذين لا يعلمهم إلا هو {ولكن ليبلو بعضكم ببعض } أي إن هذا حكمة من الله عز وجل ليمتاز المؤمنون عن أولئك وليكون للنصر حلاوته وبهجته ورونقه .. لماذا ؟؟ لأنه يأتي بعد الجهد البشري ، بعد ما نبذل نحن من جهد بخلاف لو جاءنا مجانا بمجرد أن نقول أننا آمنا .. لا .. {أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ما يمكن { ولقد فتنا الذين من قبلهم } لابد .. لكي ماذا . تظهر الحقيقة الساطعة التي هي في علم الله ثابتة ، لكن تظهر في الواقع البشري حقيقة الصادق من الكاذب ولكي يميز الله الخبيث من الطيب فاليقين في نصر الله عز وجل واليقين في أن كل قوى الطغيان والكفر في الأرض ستنهار وتدمر لسبب واحد هو الأساس وتأتي الأسباب الأخرى المادية تبعا ، وهو كفرها بالله وجحودها وطغيانها وبغيها وعدوانها وكل ذلك من الكفر ومظاهره وصوره ، هذا يجب أن يكون حاضرا في قلب كل مؤمن { لا يغرنّك } تحذير من الله سبحانه وتعالى { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاعٌ قليل } قليل .. مهما يكن فهو قليل ، يعني أكبر طواغيت العالم اليوم يحكم بلده أربع أو ثمان سنوات .. قليل ، ماذا يعني ذلك .. ماذا يعني ، نحن في عمرنا المحدود أيها الإخوة والأخوات ، عمرنا نحن المحدود هذا أدركنا امبرطوريات انهارت ، أدركنا انهيار فرنسا وبريطانيا مثلا اللتين كانتا(9/73)
الدولتين العظميين ثم انهيار الاتحاد السوفييتي هذا أدركه أبناؤنا سبحان الله .. وسوف نرى بقوة الله عز وجل انهيار القوة الطاغية الآن التي تتآمر علينا وعلى أمتنا نسال الله تبارك وتعالى أن يرينا فيهم عجائب قدرته وأن يكفينا شرهم إنه على كل شيء قدير
السؤال السابع : بعض الفتيات هداهن الله يرددن ما ينادي به دعاة التحرر _ وهو الرقّ حقيقةً _ والتغريب والعلمانية ويطالبن بحريتهن ويتضجرن من وجود المحرم أو ضرورة وجود المحرم معهن وتقييدهن بالحجاب الشرعي .. كيف نخلّص بنات الإسلام من هذه الأفكار والثقاقات التي يروج لها البعض ؟؟
* سبق في مجمل وفي مضمون الأسئلة الماضية ماقد يجيب عن هذا ، ربما يكون الجديد في هذا هو أن هناك دعاة .. ما يسمى دعاة التحرر والعصرية والتغريب كما ذكرت الأخت والعلمانية كلها ألفاظ متقاربة مترادفة ، المقصود في هذا الشأن أن المدلول واحد هو : المهمة الشيطانية .. وجود من يقوم بالمهمة الشيطانية ، المهمة الإبليسية الغاية الإبليسية { ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما } إظهار العورات هذه مهمة شيطانية حرص عليها إبليس عدو الله منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبوينا في الجنة ورآهما ، وذريته والمتواطئون معه لا يزالون حريصين عليها ، غاية ما يسعون إليه هو الإفساد والتعري لكي تتمرد المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة تتمرد على ربها عز وجل وعلى دينه وعلى شريعته وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم وتنسلخ من أخلاق أمهات المؤمنين الفاضلات التقيات ، هذا العمل أو هذا الجهد الذي يقوم به الآن البعض في ديار الإسلام يجب أن يقاوم وأقولها بكل صراحة الآن : يجب يا أخواتي الكريمات أن يقاوم منكن أنتن بالدرجة الأولى ، مهما كتبنا نحن أو قلنا يظل أننا نتكلم عن غيرنا أما إذا قامت الأخوات الفضليات بواجبهن وخاطبن ورددن وناقشن وبينن أن الحرية كل الحرية في تقوى الله عز وجل والالتزام بأمر الله وأن العبودية والرق والذل والمهانة والخزي والعار إنما هي في اتباع غير شرع الله تبارك وتعالى والتحلل والانحراف والانحلال وإن سمي ذلك تقدما وإن سمي عصرية وإن سمي ما سمي ، فما من سمٍ ولا شرٍ ولابلاءٍ في الدنيا إلا ولأهله اسمٌ يسمونه به من أسماء الزيف اللاتي يأتي أصحابها ، فلو قدموها للناس على أنها السم الزعاف ما قبلها أحد لكن تقدم في أثواب شتى من أثواب الزور والبهتان والشعارات الخادعة والمظللة لكي تسلب العقول ، مثلما سحر سحرةُ فرعون أعين الناس واسترهبوهم فيأتي هذا البهرج التقدم والحضارة والرقي والعصرية والتغريب إلى آخره فيسلب عقول ضعيفات الإيمان من المسلمات وبدلا من أن تعبد الله عز وجل وأن تطيعه تتعبد بقيود والتزامات يفرضها أصحاب الأزياء وأصحاب الأهواء وأصحاب الشهوات فيفرضون على المرأة شروطا باهضة وعلى الرجل ، الحقيقة تكون المرأة هربت من التكليف الشرعي الرباني وهو طمأنينة وهو راحة وهو هداية وهو استقامة إلى الالتزام لأهواء الذين لا يعلمون ولتشريعات وحي شيطان الجن والإنس إلى أوليائهم وهي في الحقيقة تحمل من معاني الذل والخزي و المهانة ما سبقت الإشارة إليه فأقول : أرجو من أخواتي الكريمات أن كل واحدة منهن تعد نفسها لتقوم هي بواجب في هذا الشان وكلما رفع أحد من هؤلاء عقيرته بنداء التغريب أو العلمنة أو التحرر يرفعن هن صوت الحق في وجهه رافضاتٍ ذلك رفضا قويا بأدلته من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعزيمة والإصرار على التمسك به وإن ارتدت عنه الدنيا كلها وإن نابذته الدنيا كلها العداء نسأل الله الثبات للجميع إنه على كل شيء قدير
كيف تستطيع الداعية الحصول على القبول بين الناس وكيف تتمكن مع كثرة الواجبات من متابعة مشكلات الأمة وهمومها والوقوف في وجه الغزو الثقافي .. إلى أخره؟(9/74)
* كأني أفهم من الأخت في الحقيقة للسؤال جانبان : الجانب الأول القبول عند الناس ، والجانب الآخر التوفيق بين الواجبات أو التنسيق بينها . أما القبول فهو أولا من عند الله تبارك وتعالى ، إذا أحب الله تبارك وتعالى نادى جبريل ونادى في الملأ الأعلى إني أحب فلانا فأحبوه فيحبونه فيوضع له القبول في الأرض ، وبالعكس أعاذنا الله وإياكم إذا أبغض عبدا من عباده ، ومعنى أنه من عند الله أننا بالإخلاص لله والتقرب لله عز وجل يمكن أن نحظى بالقبول لا لذاتنا لكن نريد للحق أن ينتشر ، ليس لذواتنا ولا نعني بالقبول مجرد التقرب بالطاعات ، بل من شروط القبول وصفاته ومؤهلات القبول أن نتحلى بأخلاق القبول أو متطلبات القبول التي هي أو منها : حسن الخلق والبشاشة واللين { فقولا له قولا لينا } فالقول اللين أدعى إلى القبول بلاشك بإجماع كل العقلاء ، الكلمة الحسنة أدعى ، البر والصلة ، تعجب كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة عداوة المشركين له وتتبعهم له ولا سيما عند الهجرة وعن الاحتياطات التي عملوها للهجرة أن الأمانات _ أماناتهم _ تكون في بيته صلى الله عليه وسلم . الثقة في أمانة المؤمن ، في أمانة الداعية المسلمة وفي حبها وحرصها على الخير وإخلاصها هذه من أعظم مايعطي الله تعالى به القبول لها فتكون عند الناس الصادقة الأمينة وإن لم يستجيبوا لها في دعوتها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك ، فللقبول مؤهلاته وهو على أية حال في جانب القبول بالذات يمكن الإفادة ( وفي غيره ) من الفوائد أو من التجارب البشرية الحديث منها والقديم في التعامل مع الخلق ، وهناك شيء منها جبلة وطبيعة كما كان كثير من الناس في الجاهلية والإسلام محببين إلى الخلق ، وهناك جانب مكتسب ، يكون الحلم بالتحلم ( إنما الحلم بالتحلم ـ وإنما العلم بالتعلم ) كما جاء في الحديث أيضا ، فكل شيء يؤتي بالاكتساب والمران والتدريب على ذلك حتى يحقق الإنسان لنفسه القبول ، ليس طبعا لذاته لكن لأننا نريد أن يقبل الناس الدعوة والناس الآن بالذات في هذا الزمن ملوا من شعارات تردد ويريدون حقائق يرونها في العدل أو الإخلاص أو الصبر أو القيام بالواجب أو النظام سواء كان ذلك على مستوى الدول أو المجتمعات والمؤسسات . أما التنسيق بين الواجبات فينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء هو المشكلة التي نشتكي منها جميعا وتداخل الواجبات وما لم يكن لدينا المقدرة على ترتيب الأولويات وعلى وضع كل شيء في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه فإننا نكون مقصرين وإن أفلحنا في بعض الجوانب وهذا لا ينبغي وقد يكون أيضا مما يوقع في الإثم ، فزوجةُ مثلا تترك حق زوجها وأبنائها وتقصر فيه تأثم وإن كانت داعية ناجحة والعكس ، يعني يجب أن يكون هناك منهج في التنسيق بين هذه الواجبات والأعباء والمهمات وهناك أكثر من توجيه أو حيلة إلى هذا . الواقع أنا أعتقد أن هذا من الأمور التي لايمكن أن ينفرد بها الأخ أو الأخت بذاته ولكن تكون بنظر من يعرف ذلك وممن يستشار في ذلك الزوج والزوجة ويستشار في ذلك أيضا المربي والموجه والأخوات المشاركات مثلا في العمل الدعوي ، يعني الكل ممكن أن يعطي رأيه في أنه : ماذا أصلح له ، وماذا علي أن اقوم به ، وكيف أوفق مع واجباتي الأخرى . لماذا ؟ لأن الحياة البشرية مختلفة ، فكل أخت هي غير الأخرى بلاشك ، وتتشابه بعض الأعمال لكن يظل أن لكل إنسان طبيعته، وأن لكل زوج أو زوجة أيضا طبيعته الخاصة ، وعدد الأطفال يؤثر ونوعية العمل ، بل بعد المسافة أحيانا بين البيت والعمل مثلا تؤثر ، بل نوعية الأعباء في المنزل تؤثر ، التقاليد والعادات في هذا وطريقة استقبال الضيوف وكذا وكذا ،، لأن العمر هو هذه الأيام وهذه الساعات فكثير من العادات تفرض أحيانا على المرأة ساعات طويلة في المطبخ وفي كذا ، بينما نجد في بعض المجتمعات أنها لا تحتاج منها إلا دقائق أولا تحتاج منها شيئا وهكذا فلا بد أن يكون هناك مراعاة للفروق الفردية واستشارة ومن هنا قوله تعالى { وأمرهم شورى بينهم ) يصلح في هذه المسؤليات وفي غيرها نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا جميعا إنه على كل شيء قدير .
من أخت فاضلة تقول : إن بعض الداعيات هداهن الله قد يخالط عملهن في مجال الدعوة رياء وسمعه وقد يطرأ عليهن ذلك نتيجة لمدح الناس والمجتمع لهن فكيف يمكن للداعية أن تتلافى ذلك وأن تكون عملها خالصا لله وحده المطلع على السرائر ؟(9/75)
* نعم ..هذا الموضوع أيها الأخوات يختلط على الناس في بعض الأمور ، هناك مسألة .. يعني .هناك عاجل بشرى المؤمن كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم ، عاجل البشرى أنت ترغبه ، أو أنت أختي الداعية تريدينه إذا دعوتِ الله عز وجل أن تري آثار الدعوة وأن يستجاب لك وتفرحين بذلك وهذا حق من حقك ، ولكن يختلط عند بعض الأخوات إذا كنت قد فرحت بنجاح دعوتي أو بقبولها فهذا رياء أو هذا سمعة . نعم قد يكون البعض لا يريد إلا ذلك وهذا ولا شك خطرٌ عظيم { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } فهذه الآية مجيء النهي عن الشرك بعد العمل الصالح يدل على أنه كما فسرها كثير من العلماء المقصود هو إخلاص العمل من شرك الرياء { ألا لله الدين الخالص } ومن عمل عملا كما جاء في الحديث القدسي أشرك فيه غيره فهو للذي أشرك ،ولأن الله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك عز وجل فإذا الأمر خطير يجب أن نتنبه له ، لكن هناك غلو يأتي به الشيطان في هذا المجال فيقول : مادمتِ قد عملتِ هذا العمل وفرحتِ بثناء الناس عليك فهذا لغير الله إذا فلا تعملي .. إذا فلا تعملي!! وهذا هو مشكلة وهذا هو خطأ فالعمل إن كان من أجل الناس وإن كان ترك العمل أيضا من أجل الناس فكلاهما مذموم وكلاهما منهي عنه ، فإذا يجب أن يكون العمل لله وإن رآه الناس وأثنوا عليه ويأتينا ذلك في الأعمال التي جعلها تبارك وتعالى حالها مستويا أو قائما في كلا الحالين في السراء والضراء كما قال { الذين ينفقون أموالهم بالليل النهار سراً وعلانية} يعني في هذه يستوى الأمران ولا ينبغي لنا أن تكون صدقاتنا وأعمالنا كلها سراً.. نحقق كلا المعنيين الذين ذكر الله تبارك وتعالى لكن هذا له حكم ومصالح ومعترك الرياء وهو الجهر بها وإظهارها ، وهذا له حكمه ومصالحه وهو أن لا تعمل الشمال ما تنفق اليمين لكي يكون هناك إخلاص لله عز وجل في هذا فيجب علينا أن نجتهد في المواءمة والتوفيق بينهما وعموما أيتها الأخوات الفقه المتعلق بأعمال القلوب نفيس وعزيز وأرجو من كل واحدة منكن وفقها الله أن تجتهد في هذا النوع من الفقه وأن تبذل ما تستطيع بإذن الله تعالى لكي تتفقه فيه وأعظم مصدر له هو كتاب الله عز وجل وعمل النبي صلى الله عليه وسلم
ماهو واجب المرأة المسلمة الداعية تجاه أخواتها الأسيرات المضطهدات الأسيرات ( يمكننا أن نضم إليه السؤال الثالث عشر) الذي بعبارة الأخت الفاضلة تقول :إن وضع أختنا الفلسطينية المجاهدة الصابرة في ظل استبداد أصحاب الغدر والخيانة قاتلهم الله محزن بالفعل بل هو مأساة بالغة فقد هتكت الحرمات وشردت الأسر وعذبت الفتيات وكشفت العورات .. ومع ذلك كنّ ولازلنّ يحملن على عواتقهن الوقوف على ثغر من ثغور الإسلام ضد العدو الصهيوني بل أيضا تحملن مسؤلية تربية جيلٍ بل أجيال من المجاهدين والمجاهدات فما واجبنا مع هؤلاء المستضعفات وكيف لنا أن نقف معهن على هذا الثغر وأن ندعمهن بشتى الطرق مع اعترافنا بتقصيرنا في ذلك بشكل كبير والله المستعان ؟(9/76)
* نعم .. الأمة المسلمة مبتلاة الآن ومستضعفة في كل مكان في العالم والعبء الكبير الذي يقع على رجالها يقع مثله وأكثر منه على النساء بل الغالب أن عبء المرأة أكثر لأنها بطبيعتها تعاني من الضعف الذاتي من جهة والأعباء .. أعباء الأسرة وأعباء الأبناء من جهة أخرى فهي لم تؤهل لهذا الاستعباد أو هذا الأسر والاضطهاد أو هذه المعاناة الطويلة كما أُهِّل الرجال ومع ذلك فإن صبرها تؤجر به عند الله تبارك وتعالى . واجبنا نحن عظيم بلا شك .. يجب علينا أن يشعر كل أخٍ هنا أن له إخوة هناك وكل أخت هنا أن لها أخوات هناك يجب علينا أن نستشعر حقيقة الأخوة الإيمانية وأننا كالجسد.. كالبدن الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقيته بالحمى والسهر.. أن المؤمنون إخوة كما قال تبارك وتعالى .. أن عدونا واحد ..أن الذي استفرد أو أكل الثور الأبيض اليوم فإنه سوف يأكل الأحمر غدا والأسود بعد غد وربما أكلها جميعا غدا .. وهكذا .. لا يجوز أبدا الحالة التي يريدها منا الأعداء، أن يشغلوا كل مجتمع بمشكلاته وهمومه ، بل أصبحوا يشغلوا كل مجتمع بشهواته أو كدحه من أجل نيل القوت لأن مجتمعاتنا على نوعين : نوع يكدح فقط لكي يحصل على القوت ونوعٌ آخر مشغول بالشهوات والتفنن في البذخ واللهو وهذان كلاهم خطر عظيم ويشغلان عن الاهتمام بالقيام بواجب الأخوة الإيمانية ..الأخوات المؤمنات أشياء يقشعر منها البدن تقع في فلسطين المباركة الصابرة المجاهدة وتقع في العراق وتقع في افغانستان وفي كشمير وفي الفلبين وفي أريتريا ، أيضا في الصومال ، في الشيشان ، في البوسنة ، في مناطق كثيرة جدا هناك ، بل اضطهاد كما ذكره الأخوات في السؤال الحادي عشر أنه حتى في الدول التي تزعم الحرية ، فرنسا التي يسميها البعض الفجر انبثق منها النور والفجر الجديد على العالم وباريس عاصمة النور ووو إلى آخره .. ضاقت علمانيتها وحريتها وحقوق الإنسان وكل هذه الشعارات الجوفاء ، أو الحقيقية عند بعضهم لا شك أنها قيم ،..يعني ضاقت عن قطعة من القماش تضعها الفتاة المسلمة على رأسها !! هذا معناه أن هذه الأمة مبتلاة فعلا ليمحصها الله عز وجل وليرفع من شأنها وليميز الخبيث منها من الطيب إذا نحن في مواجهة هذا البلاء يجب ان يكون لدينا حلولا عملية، ولا نكتفي بمجرد البكاء أو الرثاء أو الحزن أو الألم ومن ذلك على سبيل المثال أيها الأخوات أن كل أخت عاملة _ أنا أنصح وأوصي كل أخت عاملة_ موظفة وإن كان كلا الزوجين يعمل أو لديهما دخل مناسب من وظيفة أو غيرها فالواجب يتحتم أكثر أن كلا منا يكفل أسرة فلسطينية ، ثم نتجه إلى بلاد أخرى نعلم كيف يمكن أن نوصل إليهم الإغاثة وكيف يمكن أن نقوم بواجبنا في إيصال الكتاب النافع أو الشريط النافع أو العلم النافع ومعه أيضا الإغاثة ومعه الحجاب. كثير من الفتيات في دول عربية قريبا منا لو كانت تستطيع أن تشتري ما تتحجب به لتحجبت فلو أوجدنا نحن مشاغل .. المشاغل تقوم بأمرين : تشغيل الأخوات الفاضلات يعملن فيها وإنتاج ما تلبسه هؤلاء الراغبات في الهداية والحجاب لرأينا فوائد مركبة ومزدوجة في هذا الشأن. أقول : كمثال على ذلك أنه ينبغي على كل أسرة هنا في هذه البلاد التي أنعم الله سبحانه وتعالى عليها بهذه النعم أن تكفل أسرة أو أن تكفل طفلا، وكما ذكرت الأخت الكريمة أخواتنا هناك ضربن أروع الأمثلة .. لا يوجد أم في العالم الآن تتحلى بصفات المقاومة والصمود والصبر كما هي الأم الفلسطينية وأصبحت الأم العراقية على الطريق بحمد لله تبارك وتعالى وتوفيقه ، هناك صمود عجيب ، هناك إثبات حقيقي وبرهان عملي على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم طاهر وظاهر وأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون وأن هذه الأمة العاقبة لها بحول الله تعالى وقوته وهو صمود هؤلاء الأخوات .. الأخت التي تأتيها حالة الولادة وهي على معبر .. الأخت التي تقتل وقبل أيام قتلت الأخوات كما تعلمون.. الأخت التي تضحي ومع ذلك الإصرار على أننا لابد أن نستمر وأن نربي المجاهدين والمجاهدات وأن نثبت في أرضنا وعلى ديننا وبإيماننا هذه حقائق ولله الحمد أصبحت واقعية ملموسة ، وبقدر ما نثبت هذا الإيمان فإن العدو يهتز ويضعف، وهذا العدو ..يعني رأس الأفعى لهذا العدوان تمثله هذه الدولة الصهيونية ، نسأل الله تبارك وتعالى أن يدمر عليها وأن يهلكها وأن يجعلنا ممن يعين على ذلك بإيجاد المجتمع المؤمن في هذه الأرض المباركة ومن كتب الله له الهداية منهم والدخول في عدل الإسلام أو في دين الإسلام فالحمد لله شريعة الله تعالى وعدله يسعهم جميعا. الواجب أقول : أن كل واحدة أو واحد منا يجتهد في أن يكفل أسرة مسلمة أو طفلا مسلما وكما تعلمن أن الطفل المسلم يمكن أن يكفل بمبلغ ليس والله صعبا لله الحمد والشكر على كثير منا وهو ألف وخمسمائة ريال سنويا فقط .. أربعمائة دولار فقط في السنة يمكن (لا نقول أنها تقوم بالواجب ) لكنها تعين بقدر أو تقارب من الكفاية على القدر الضئيل الذي لديهم فنستطيع بذلك أننا نوفر العيش الكريم والاستمرار في تحفيظ القرآن لأن أكثر وأول المستفيدين من هذا هم طلاب حلقات التحفيظ نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بالجميع إنه على كل شيء قدير . اندرج السؤال الحادي كما سبق في هذا وهو الأخت تتعجب تسأل : كيف نستطيع بناء الشخصية المسلمة كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكي تواجه خطر العلمانية وضربت المثال على ذلك بالمسلمات اللاتي يردن الحجاب في فرنسا وفي غيرها؟ * نعم .. إذا نحن درسنا أوضاع وأحوال هذه المجتمعات وتعاملنا كأمة(9/77)
لا كأفراد في علاج هذه المشكلات بإمكاننا أن نحقق الشيء الكثير في هذا ، أما بناء الشخصية بذاتها بإيمانها فقد سبق إن شاء الله ما يكفي عنه ، لكن نحن نريد بناء خط دفاعي يحفظ للمرأة المسلمة نوعا من الحرية مثل _بل أكثر لأنها هي الأفضل _مثل المرأة اليهودية .. المرأة اليهودية لا يستطيع أحد أن ينال منها بشيء .. لماذا ؟ لأن لها منظمات هناك جهات ومؤسسات وحكومات وأفراد وإعلام يدافع عن قضاياها .. فكذلك بل الواجب للمرأة المسلمة أن يكون لنا كذلك ، يعني نحن البلد الذي يعامل المحجبات بهذه المعاملة لو قاطعنا بضائعه ، لو احتججنا على سفارته ولو كتابيا ، لو كتبنا ذلك في الإعلام ، لو تحدثنا ,, لأثر ذلك ولاشك . أما أن نستخلي ونستسلم وكأن القضية تخص تلك الفتاة أو ذلك الأب فهذه مشكلة حقيقة تتنافى مع واجب الولاء والبراء والنصرة الإيمانية
بعد الأحداث التي ظهرت في العالم الآن طبعا ، دوليا لم تعد لأمريكا تلك المكانة كما كانت في سابق عهدها ، تقول لا نقصد المكانة والقدرة العسكرية_ بل حتى هذه _ وقد نقد إدارتها وأعمالها التعسفية المجتمع الأمريكي والشعب الأمريكي نفسه فكيف يمكن للدعاة والداعيات استغلال هذه النقطة للدعوة إلى الإسلام سواء دعوة الشعب الأمريكي أو كل من كان يقدس أمريكا ثم تراجع عن ذلك ؟
* نعم.. باعتبار أمركيا تمثل الآن القوة الطاغية في العالم ، القوة التي قبل أشهر في الحقيقة ، قبل أن تقع في المستنقع العراقي كما يسمونه كان الذين يكتبون عن أمريكا ومنهم بعض المفكرين تعجب .. فعلى سبيل المثال : ( هيكل ) الكاتب المصري المعروف يقول : لم يعد وصف الدولة العظمى يكفي لأمريكا إنما لابد من استحداث وصف أكبر من ذلك وأكثر بكثير لأن بين أمريكا كدولة في مقدمة الدول العظمى وبين ثاني دولة بعدها .. أمريكا تفوق الدولة الثانية بعدها بعشرين ضعفا .. فمعنى ذلك أنه لم تكن مثل السابق قوة متفوقة على قوة ، كتلة متفوقة على كتلة .. بل دولة من النوع الإمبراطوري البالغ العظمة ودول أخرى عظمى أو ما أشبه هذه العبارات . المقصود : هذا كله أصبح الآن موضع شك لدى كثير من الناس بعد ما حدث في العراق ، العراق البلد الذي حوصر السنوات الطويلة ، البلد الذي عانى من صواريخ تأتيه من مسافة مئات الأميال أو آلافها ولا يستطيع أن يفعل شيئا ، البلد الذي عودي وضرب حتى تفشى فيه من الأمراض من أخبث أنواع الأمراض ما أدى إلى قتل عشرات الألوف بل ربما يكون ما يقارب المليونين من أطفالٍ مابين قتيل ومصاب بالسرطان وغيره .. هذا البلد نفسه يضرب أروع الأمثلة في تمزيق هذه الشعارات الكاذبة التي نسجتها أمريكا ونسجها الإعلام حول قوتها في الأرض . في التقرير الذي نشرته وكالة ( اليونايتد برس ) مع بعض الصحف الأمريكية وهزّ أمريكا هزة قوية وكثير من مفكري العالم .. يقول : إن تقريبا ثلاثة أشهر في العراق تعادل بخسائرها وهزائمها ثلاث سنوات في فيتنام !! وفيتنام كانت الكتلة الشيوعية معها كانت الصين والاتحاد السوفييتي ، كان معها قوى أخرى ، وفي وضع آخر وطبيعة الغابات وكذا وكذا تختلف ومع ذلك الشهر العراقي بسنة فيتنامية ! معنى هذا أن هذه الأمة أمة مباركة وموفقة ولابد أن تنتصر في النهاية ولتكن المرحلة الآن ليست مرحلة انتصار .. يعني ليست مرحلة التمكين ، لكنها حققت شيئا عظيما جدا وهو إمكانية المقاومة يعني إمكانية المقاومة أول قاعدة يبنى عليها بناء القوة بإذن الله تبارك وتعالى ، إمكانية مقاومة غير عادية على الاطلاق ولاتنبثق من مجرد القوة المادية إنما انبثقت وانطلقت وقامت على أساس القوة الإيمانية ، القناعة بالحق ، عدالة القضية كما يحاول الغرب دائما أن يعبر عنها.. لا يشعر الجندي الأمريكي بأي عدالة في قضيته، لأنه لا أسلحة دمار شامل ،لا كذا.. لا كذا ..من الكذب المروج له وإنما احتلال من أجل المصالح لفئة معينة وشركات محددة بذاتها لتعمل في العراق .. ينقلب ذلك إلى جحيم يصلى ويعاني منه كل فرد أمريكي في العراق ولا أحد يرى نفسه في مأمن منه بل إن الهجوم أكثر ما يستهدف مقر القيادة ذاته .في مقابل ذلك نجد الإنسان العراقي الذي يتحلى بالإيمان بالله سبحانه وتعالى لأن المقاومين أكثرهم والحمد لله من أهل الإيمان والسنة وعلى خير، يحتاجون دعوة ولا شك ولكنهم على خير إذا قارنتهم بغيرهم في ذلك المجتمع ، وأيضا هناك قدر غير منكر عالميا وهو الإيمان بعدالة القضية وبالحق . وهنا تظهر حقيقةً أن هذه القوة زائفة. المقصود : كيف ندعو وكيف نخلخل المجتمع الأمريكي من داخله . الواقع أن المفكرين في أمريكا عموما (ونحن نتكلم عن واقع قرأناه وتتبعناه عمليا ) المفكرون ، أساتذة الجامعات ، الباحثون في المراكز وما إلى ذلك ، ثم الكنائس أيضا ماعدا الكنيسة الضئيلة التي ينتمى لها بوش ومن معه ، الكنائس أيضا بما فيها الكنيسة الكاثولوكية وأكثر الكنائس الأخرى كالكنيسة المشيخية والكنيسة المتحدة وغيرها.. كلها ترفض ما حدث وحقيقة أن هناك فرصة لكي نخاطب الشعب الأمريكي هذا الممثل في هيئاته الثقافية والدينية الرافضة للعدوان لنقول له إن ديننا هو كذا وكذا وإن الحق والعدل كذا وكذا لكي ندعوهم إلى الله .. نكسب بذلك عدة أمور منها : هدايتهم وهي أعظم مطلب لنا ، ومنها كف شرهم وعدوانهم علينا ، ومنها أن نثير أهل الحق منهم والعدل على أهل الباطل وعلى أهل الظلم في هذه القضايا فالفرصة مهيأة وأنا أشكر الأخت التي نبهت إلى ذلك ونحن ولله الحمد إذا قمنا بالقليل فإن الله تبارك وتعالى سوف يباركه بإذنه(9/78)
عن أخواتنا الفلسطينيات المجاهدات سبق السؤال الرابع عشر عن التنصير وجهوده وعن كيفية مقاومته ؟
* والواقع ان التنصير أخطر داء عقدي يواجه الأمة الإسلامية .. اليهود يواجهوننا بالمكر وبالخديعة وبتجييش الجيوش علينا كما جيشوا الأمريكان لاحتلال العراق وغير ذلك ، لكن النصارى يواجهننا _ لا سيما في الدول الفقيرة _ وأكثر دول العالم الإسلامي فقيرة مع الأسف بتغيير الدين وبالعقيدة ، فكأن هناك أدوار موزعة الشيطان وزعها ، قد لايكونوا هم متفقين، أن لليهود مجال ودور وللنصارى مجال ودور والكل يهدف إلى أن يطفئ نور الله بفيه والله تعالى يأبى ذلك عز وجل ويجب أن يكون لدينا ثقة ويقين بأنه بقدر ما نقاوم التنصير بقدر ما نستطيع أن نكسب ، يعني بشيء من الصبر ليس بكبير، التنصير خاسئ الحمد لله {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} وهذا متحقق في الدول الإسلامية من فضل الله تعالى . لاشك أن التنصير ودمّر وأنه خرّب لكن هناك نجاح كبير في المقاومة الإيجابية للتنصير عن طريق الدعوة للإسلام في المناطق النصرانية والحمد لله يسلم في افريقيا الآن آلاف سنويا في الحبشة في تشاد في زائير في دول البحيرات وفي جنوب أفريقيا وفي موزنبيق وبتشوانالاند وغيرها مما يبلغنا من الثقات وإحصائيات دقيقة أن الذين يسلمون هذه الأيام لم يكن أحد يتوقع ذلك بل إن بعض الدول في خلال عشر سنوات تقريبا ارتفع نسبة الإسلام فيها من أقل من 10% إلى حوالي 30% ولله الحمد والشكر وهذا بجهود لا تكاد ترى إذا قورنت بكثافة وضخامة القوى التنصيرية لكن الحق والنور يغلب بإذن الله عز وجل فالواجب إذا أن نعمل على بصيرة في الاهتمام بنشر الإسلام وبالدعوة إليه بالوسائل التي أشرنا إليها في الأجوبة السابقة بالتقنية الحديثة وبغيرها وبالذهاب المباشرإلى هناك وباستقدام الإخوة بل وحتى الأخوات للدراسة هنا ثم الرجوع إلى هناك للقيام بواجب الدعوة إلى الله وبغير ذلك من الوسائل التي نسأل الله تعالى أن يوفق الإخوة جميعا للقيام بها إنه على كل شيء قدير .
هناك سؤال عن الدعوة وأنها واسعة وتحتاج العلم والإخلاص والهمة لكن الفتن المتلاطمة عكرت عليها؟
* لم يكن يوما من الأيام دعوة بلا فتن الله عز وجل يقول : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين } فالله تعالى جعل لكل دعوة أعداءها ، ولم يقل أن للدعاة من يعاديها ، لا.. هو جعل كونا وقدرا أراد ذلك وقدّره ودبّرهُ ليكون الابتلاء أكثر ولتكون نتيجة العمل أجدى وأحلى للدعاة إذا حققوا نتيجة ونجاحا في ذلك. الفتن مهما تلاطمت ومهما كثرت فلا يجوز أن تشغلنا عن القيام بالواجب بل نصبر ونثبت والله تعالى هو المستعان عليها جميعا
هل من واجبات المرأة الداعية قول الحق وبيان التوحيد على أرض الواقع والتبصير بالعقائد الفاسدة والفئات الضالة إلى آخره .. أم أنه على مسائل الفروع وما يتعلق بالأمور الفقهية التي تخص النساء ؟
* لا ..الحقيقة الواجب عليها أن تحيط بكتاب الله تبارك وتعالى فقها وعلما وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا فعلت ذلك ففيها كل هذه الأمور، لا نقلل أبدا من شأن ما يخص المرأة في ذاتها أو أحكامها الخاصة ولكن ذلك لايعني الاقتصار عليها بل بالشمول القرآني وبالكمال القرآني وبالعمق أيضا الإيماني الذي علمنا إياه القرآن ينبغي أن تكون دعوتنا دائما بإذن الله تعالى .
كيف تتحول الداعية من مجرد داعية إلى مربية تقود الناس إلى الالتزام العملي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
* لايمكن أن تكون الداعية إلا مربية ، وإلا فهي لاتزال في موقع التدريب أو التدرب ، لأن ما يسمى التربية في المصطلح القرآني واللفظ أو الكلمة القرآنية هو التزكية { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } فالتزكية هي عمل الأنبياء ولايمكن أن تكون دعوة إلا بهذه التربية وهذه التزكية .. فلا تكون داعية إلا وهي مربية ، وإن لم تكن كذلك فقد تكون واعظة أو فقيهة تقول الكلمة وتمشي، لكن هذا يختلف تماما عن المطلوب الذي نحن نتحدث فيه هذه الليلة ، وهو الداعية التي تكون قدوة بعملها وقائدة لغيرها إلى الهدى وإلى الصراط المستقيم ، وتأتي هذه بقراءة القرآن والتفقه فيه ، ومتابعة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ونساء بيته والمؤمنات الفضليات في العصور الأولى ، عصور الخير والإيمان والفتوح والنصر والعزة والتمكين.
المرأة كيف يمكن إن ترفع من همة زوجها وأن توفق بينه وبين الدعوة؟
* لعل هذا تقدم إن شاء الله فيه مايكفي
تعاون الفتاة الملتزمة مع الجمعيات النسائية ومكاتب الدعوة لتنسيق الكلمات والمحاضرات إلى آخره حيث أنه من باب التجربة رأينا أن الداعيات متحمسات لكن أين من ينسق فقط ويرتب الموعد ؟
* جزاكن الله ألف خير، وهذا العتب نحن ننقله بدورنا إلى الإخوة المسؤلين عن التنسيق والترتيب في المكاتب التعاونية أو بالمساجد أو مراكز الدعوة .
كيف تكون الفتاة مفتاحا لكل خير مغلاقا لكل شر ؟(9/79)
* القضية لا تخرج عما قلنا من قبل ، فالخير كل الخير في تقوى الله ، وطاعة الله ، والالتزام بهدى الله . والشر هو في معصية الله والفسق والخروج عن أمر الله عز وجل وكون الإنسان مفتاحا للخير مغلاقا للشر معناه : أنه يبذل نفسه ووقته وجهده وما يستطيع لمنفعة المسلمين أيضا ، يعني زيادة على أن يستقيم في ذاته لكن ينفع الله به إخوانه المسلمين وينفع به من حوله من الناس بحيث يكون كما كان أنبياء الله عز وجل رحمةً للعالمين كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، رحمة لأقوامهم من حولهم كما كان كل الأنبياء .
أسئلة أخرى جاءت لاحقا:
1/ الأخت تشكو من زوجها الذي يجلس الساعات الطويلة عند الإنترنت يشارك فيها بنشاط دعوي لكن نحن بحاجة إلى علمه ودعوته ؟
* لابد من التوفيق بين هذه الجهود وبين هذه المجالات وإذا كان الأخ يؤدي على هذه الشبكة دورا أعظم وأهم من مجرد الجلوس وحلقات العلم فليغتفر ذلك له وليعفى ويسمح عنه ذلك.. أما إذا كان ذلك يشغله بالكلية أو كان أداؤه في الحلقات فعلى كل حال ينبغي للإنسان أن ينسق بين كل تلك الأمور وعموما لاينبغي للزوج أن ينشغل عن أداء الحقوق الزوجية التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه لا بالدعوة ولا حتى بقراءة القرآن ولا بالعبادة ولا بأي شيء في الإنترنت أو في غيره.
2 / أيضا هذا سؤال : من لم يستطع أن يجمع بين العلم الشرعي والعمل الدعوي والخير بإشرافها أو بإشرافه على حلقات التحفيظ أو مشاريع دعوية أو مؤسسية ، فنسي العلم الشرعي فهل أترك العمل وأتفرغ لطلب العلم ؟
* لا .. الحقيقة لا .. من وهبه الله سبحانه وتعالى نجاحا وفلاحا في أمر فلا يتركه لغيره قد يتجشمه أو يصعب عليه ، إذا أمكن التوفيق فحسنٌ ماهو .. إن لم يمكن فنحن أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن كلا منا ميسر لما خلق له ، وكلا منا ركبت فيه مواهب وصفات ليست في غيره فمن نجح في جانب فليحمد الله عليه ، وكلها طرق وكلها أبواب إلى الجنة ، وكلها من سبل الله عز وجل التي قال فيها { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ولا ينبغي لأختٍ أن تجعل همها فقط أن تكون طالبة علم وقد فُتح عليها في غير ذلك ، فمن استطاع أن يدخل من أكثر من باب من أبواب الجنة فليكن كذلك وأقول أيضا أيها الأخوات الكريمات : إن مشكلتنا اليوم ليست في وجود الفقيه أوالفقيهة أوالعالم _على أهمية العلم _ لكن ..هل المجتمعات الإسلامية تعمل بما يعلمه كل مسلم بما لايكاد يخفى على العمي من المسلمين من تعظيم حق الله ، من ترك الفواحش ، من ترك الغش والكذب ، من حسن المعاملة ، من أداء الفرائض ، من كذا من كذا ؟ الحقيقة التقصير في هذا واضح لو عملنا به لكان فيه الخير الكثير دون إضعاف لجانب العلم على الإطلاق
3 / أخت تتحرج من دعوة من هي أكبر منها لأنها أكثر منها علما ؟ * لا ..والدعوة هي النصيحة وهي تكون بأسلوب المحبة واللطف، وبطريقة العرض يمكن للأخ أن يدعو من هو أكبر منه والأخت كذلك 4/ السؤال الأخر : تجديد النية في كل عمل نقوم به ؟
* هناك فرق بين إصلاح النية وبين محاولة الإخلاص لله تعالى من جهة ، وبين الوسوسة التي تكتب عنها ويتحدث عنها الصوفية من جهة أخرى ، وهي أني لا بد أن أفكر أو أجلس أو أجدد النية.. إلى آخره . علينا أن نعمل ونتوكل على الله بلا تردد ونجتهد في طاعة الله سبحانه وتعالى ونستغفره من التقصير فيها فكلنا عرضة للتقصير والنية في هذا هي نية الإخلاص لله عز وجل كافيه ، وتصحيحها مع العمل من غير أن يتوقف عن أدائه هذا هو المطلوب.
5 / سؤال آخر : استخدام أسلوب الدفاع عن الحق والانشغال برد الشبهات دون الاجتهاد في إيضاح الحق وتأصيله ووضع أسسه وقواعده فما الأولى ؟
* لا .. الأولى هو إيضاح الحق والاجتهاد فيه .. ويقترن بذلك رد الشبهات وليس تقديم رد الشبهات أو الانشغال به عن إيضاح الحق .نعم لأنه ليس المقصود فقط أن الناس لا يعصون الله عز وجل ، المطلوب أن يطيعوا الله ويعبدوا الله ، ليس المطلوب من الفتاة المسلمة فقط أنها تترك الفواحش تترك التبرج تترك ... لا . قبل ذلك ومعه أن تعبد الله وتخلص النية لله وأن تؤدي الفرائض وتقوم بالواجبات ومع ذلك تترك هذه المنهيات .
6/ صيحات الموضة وكذا ..
* قد سبق الإشارة لها وهي الفرق بين الغافلة والذاكرة ، بين من تعمل لله وتعلم أنها ستقف بين يدي الله ، وأن العمر ثمين وقصير ولا ينبغي أن يفرط فيه ، وأن المال أيضا لا يجوز التبذير فيه فلا يمكن أن تشتغل بالجري وراء الصرخات والموضات إلى آخره .. وبين من غفلت عن ذلك فانساقت وراءها وأصبحت تكدح وتعمل لتدخل في جيوب اليهود والصيانة ووكلائهم هذه الأموال الباهضة وتتقيد وتلتزم بأوامرهم التي تكلفها العناء الشديد من غير أجر ..بل بالإثم
7/ ما رأيكم فيما يقال حول قاعدة سد الذرائع وخاصة في قضية المرأة ؟(9/80)
* سد الذرائع هي قاعدة حقيقية .. المشكلة هي المبالغة في ذلك .. بعني أنا أذكر من ذلك مشكلة حدثت لإحدى الأخوات في إحدى مناطق المملكة المحافظة جدا وهو أن فيها شيخا فاضلا كما كتبن لي يعلمهن العلم الشرعي النافع والقرآن وليس هناك أي ذريعة للاختلاط أصلا وليس في كلامه وفقه الله كما ذكرن جميعا _ وأنا أعرفه _ ليس في كلامه أي شيء من هذه الأمور ولا في عمله ومع ذلك البعض يقول : مجرد أننا نخرج ، مجرد أن الرجل يتكلم معنا ، حتى لو كان _ بعضهن تقول _ حتى لو كان على الهاتف ، حتى لو كان من وراء الباب.. لا ... إذا غلونا في هذه الأمور بقضية سد الذرائع فنجعل المرأة وراء أسوار من الجهل والتخلف والبعد عن القيام بنصرة الدين ، لكن نحن .. الحرام حرام، والذريعة إليه حرام إذا كانت تؤدي إليه فعلا ، مثل ما يؤدي الاختلاط أو البسمة والضحكة وإلى آخره إلى أنه في النهاية نسأل الله العفو العافية يعقب زنا العين زنا الفرج ،نسأل الله أن يحفظنا ويحمي نساء المسلمين أجمعين. المقصود : أن الذرائع القاعدة صحيحة وحق، في الشرك وفي المعاصي وفي غيرها ، لكن المبالغة فيها لاتجوز .. لانستطيع أن نطيل أكثر من ذلك . هذا يعني كمثال ..
أنه تقول الأخوات : تنبيه الأخوات الداعيات عن التمادي مع الرجال عبر الإنترنت وخاصة الملتزمين والملتزمات بحجة الدعوة وتبادل المنفعة ؟
* على كل حال .. الحديث بالإنترنت أشد منه الكلام بالهاتف ، ومع ذلك لابد من ذلك ، فينبغي أن تكون المرأة المسلمة مفيدة ، أن تفيد من أي وسيلة من الإنترنت أو الهاتف أو غيره ولكن من غير خضوع في القول فيطمع الذي في قلبه مرض .فلا نحرم الاتصال بالهاتف أو بالكتابة ولكن أيضا لابد من التنبيه أن يكون في حدود العلم وطلب العلم وسد ذرائع الشيطان في هذا الباب .
هذا السؤال به نختم وهو يُؤهَل للخاتمة : رجاء توجيه كلمة حول التجرد والبحث عن الأولويات للعمل الدعوي لأكثر من أربعين فتاة كلهن من المجتهدات في العمل الدعوي .
* نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثرهن ويباركهن وينفع بجهودهن جميعا وأساس ذلك كما طلبت الأخت الإخلاص لله تعالى { ألا لله الدين الخالص} والله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم {أن أعبد الله مخلصا له الدين }.
================
الدكتور محيي الدين الصافي ...المرأة المسلمة تعاني من الأمية الثقافية
وصف الحوار:
ضيف الحوار : د.محيي الدين الصافي .
اكد الدكتور محيي الدين الصافي عميد كلية اصول الدين بالقاهرة ان المرأة المسلمة تعاني من الامية الثقافية وتواجه طوفانا من القيم والسلوكيات الوافدة من الغرب والتي تستهدف عزلها عن شريعتها وخداعها بشعارات مزيفة ، ومضللة وحرمان المجتمع المسلم من جهودها ودورها الكبير في التربية والتوجيه واعداد اجيال جديدة تلتزم بالاسلام وتطبق تعاليمه في الحياة العامة والخاصة. وقال الدكتور الصافي في حوار مع (الضياء): ان هناك صحوة اسلامية ملحوظة في محيط النساء تظهر بوضوح من خلال الالتزام بالزي الشرعي والاقبال على دراسة الاسلام, لكن هذه الصحوة في حاجة الى توجيه وارشاد وتوظيف جيد حتى تنعكس اثارها الايجابية على الاسرة والاولاد. وفند عميد كلية اصول الدين بالقاهرة المغالطات ورد على الشبهات التي يرددها خصوم الاسلام في الداخل والخارج حول موقف الاسلام من المرأة وتمييز الرجل عليها في بعض الامور موضحا مقاصد الشريعة الاسلامية من وراء ذلك, ووصف هذه الشبهات بأنها مغالطات مكشوفة الهدف منها صرف المرأة المسلمة عن عقيدتها وشريعتها, لكن هذا لن يحدث لان العقيدة متأصلة في النفوس رغم المظاهر التي تؤكد البعد عن منهج الله. وهذا هو الحوار الذي اجرى معه: أمية ثقافية
* تعاني المرأة المسلمة في معظم الاقطار العربية والاسلامية من الامية الثقافية وخاصة فيما يتعلق بالثقافة الاسلامية.. ترى ما اسباب ذلك؟
- الامية الثقافية التي تعاني منها المرأة المسلمة الآن واقع لا ينكره احد.. والبنيان الاجتماعي والفهم الخاطىء لرسالة المرأة ودورها في الحياة في بلادنا الاسلامي ساعد على ذلك.. فالبعض يفهم ان المرأة خلقت لترعى شئون البيت وتحقق رغبات الزوج وهذا خطأ لان هذا المفهوم القاصر لدور المرأة المسلمة دفع البعض الى حرمانها من التعليم فكثير من النساء لم يكملن تعليمهن بسبب الزواج, ايضا المرأة داخل بيتها لا تجد فرصة للقراءة ولا تجد تشجيعا من الزوج او الاب على ان تقرأ وترفع مستواها الثقافي.. كل ذلك يؤثر على ثقافة المرأة المسلمة. اما الثقافة الاسلامية فتتمثل فيها الامية اكثر من غيرها رغم الصحوة الاسلامية في المحيط النسائي, فالمرأة او الفتاة لا تقرأ عن الاسلام إلا اذا كانت متدينة او وجدت زوجا او ابا او اخا يحثها على ذلك ويساعدها على ان تعرف امور دينها وان تلتزم بالاسلام في حياتها العامة والخاصة وفي سلوكياتها داخل المنزل وخارجه. وهنا لابد من التأكيد على دور وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون حيث تقضي المرأة جزءا كبيرا من وقتها امام هذا الجهاز, لذلك ينبغي الاستفادة منه وتوظيفه لرفع مستوى المرأة الثقافي سواء اكانت الثقافة عامة ام كانت ثقافة ,اسلامية بدلا من شغل النساء والاطفال بالافلام والمسلسلات التي تغرس قيما وتنمي سلوكيات بعيدة عن منهج الله. مغالطات مكشوفة
* هناك مغالطات وشبهات كثيرة يرددها خصوم الاسلام فهم يزعمون ان الاسلام ظلم المرأة وميز الرجل عليها ويستدلون على ذلك بتميز الرجل بالشهادة, والميراث, والدية, وقوامة المنزلة, ورياسة الدولة وبعض الاحكام الجزئية الاخرى.. فما رد فضيلتكم؟(9/81)
- الواقع ان هذه مغالطات كما ذكرت في سؤالك ولو فهم هؤلاء مقاصد الشرع الاسلامي وغاياته من تشريع واقرار هذه الامور ما رددوا هذا الكلام, صحيح ان الشرع قد اعطى الرجل تمييزا عن المرأة في هذه الاحكام, لكن ليس معنى ذلك ان جنس الرجل اكرم عند الله واقرب اليه من جنس المرأة, ولكن لان هذا التمييز اقتضته الوظيفة التي خصصتها الفطرة السليمة لكل من الرجل والمرأة. فالاسلام جعل شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين, وهذا الامر ليس لنقص انسانية المرأة او كرامتها, بل لانها بطبيعتها لا تشتغل عادة بالامور المالية والمعاملات المدنية, بل لها في الغالب اهتمامات اخرى.. اما التقارب في الميراث بين الرجل والمرأة فهو نتيجة طبيعية للتفاوت بينهما في الاعباء والتكاليف المالية المفروضة على كل منهما شرعا, فالرجل هو المسئول عن الانفاق على زوجته وأولاده وفي ظل العرف والشرع الإسلامي هو المسئول عن تجهيز منزل الزوجية وتأثيثه الى غير ذلك من الواجبات التي جعلها الإسلام على الزوج وألزمه بها. واذا نظرنا إلى موضوع القوامة التي يستغلها هؤلاء للتنكيل بموقف الإسلام من المرأة نجدهم يغالطون انفسهم.. فالإسلام لم يجعل القوامة للتسلط والعدوان على الحقوق بل جعلها الاسلام توجيها لحياة الاسرة والرجل بطبيعته هو القادر على التوجيه والرعاية.. كما ان الرجل هو الذي ينفق الكثير على تكوين الاسرة ولذلك سيفكر كثيرا قبل ان يتخذ قراره بهدم هذه الاسرة او تفكيكها. وقضية رئاسة الدولة لا يقدر عليها إلا الرجال فطاقة المرأة لا تحتمل الصراعات السياسية وتحمل الضغوط واتخاذ اصعب القرارات وفي هذا رحمة بالمرأة ومراعاة لظروفها. لكن من حق المرأة ان تتولى بعد ذلك ما تشاء من مناصب قيادية داخل المجتمع الاسلامي وقد اخذت المرأة المسلمة مكانها في كثير من المواقع داخل المجتمع فأصبحت نائبة في المجالس النيابية, واصبحت وزيرة بل رئيسة وزراء, واصبحت عميدة لكلية ومديرة لشركة الى غير ذلك من المناصب العامة والقيادية التي جعل الاسلام للمرأة حقا فيها مثل الرجل تماما. شعارات خادعة * بعض الجمعيات النسائية تقوم بحملة الآن لتعديل وثيقة الزواج ووضع شروط تضمن حقوق الزوجة وتحد من تسلط الزوج عليها.. فهل الاسلام يوافق على وضع هذه الشروط؟ وهل ترى ان هناك ضرورة لها الآن؟ - لا ادري ماذا تريد الجمعيات النسائية من وضع شروط لضمان حقوق الزوجة, وما هو الجديد الذي جاءت به هذه الجمعيات التي ترفع شعارات فارغة من اي مضمون بل ان كثيراً من هذه الشعارات زائفة ومضللة وتقليد لما يحدث في الغرب ونحن مجتمع اسلامي له قيمه وعاداته وتقاليده وله عقيدته التي توجه كل مجالات الحياة فيه. ان الاسلام اعطى للزوجة كل حقوقها وجعلها داخل بيت زوجها مصونة مكرمة فالزوج هو المسئول عن الانفاق الكامل عليها وعلى اولادها حتى لو كانت تعمل او كان لديها مال خاص بها فالزوج مسئول عن الوفاء بالتزاماته نحوها التزاما كاملا, ونظم الاسلام العلاقة بين الزوج وزوجته على أسس وقواعد توضح لكل طرف حقوقه وتحدد له واجباته, واذا كان الاسلام قد جعل الزوج هو صاحب القوامة داخل بيته فإن القوامة لا تعني التسلط والاستبداد والعدوان على حقوق الزوجة.. وحق التطليق الذي منحه الاسلام للزوج له غاية وهدف للحفاظ على كيان الاسرة من الانهيار عند حدوث اي خلاف فالرجل من طبيعته ان يفكر بهدوء وان يزن الامور قبل التسرع في الطلاق على خلاف الزوجة التي قد تنهار من أول مشكلة وتطلب الطلاق.. ولو كان الطلاق من حق النساء لانهارت مجتمعاتنا الاسلامية اجتماعيا واخلاقيا. لذلك لا ينبغي ان نرفع شعارات لا نفهم مغزاها او لا ندرك عواقب العمل بها فالمرأة لها كامل حقوقها داخل منزل زوجها. اما من الناحية الشرعية فالاسلام لا يمنع وجود شروط وثيقة الزواج لتوضيح بعض الحقوق والواجبات لكل من الزوج والزوجة, وقد اتفق الفقهاء على ضرورة الالتزام والوفاء بما في عقد الزواج من شروط ما دامت هذه الشروط تجري في نطاق الشرع, كاشتراط العشرة بالمعروف, واشتراط الزوجة على زوجها ان ينفق عليها, وألا يقصر في حقوقها, وكاشتراط الزوج عليها ألا تخرج من بيته دون رضاه, ولا تتصرف في ملكه دون اذنه.. فمثل هذه الشروط يجب الوفاء بها لانها من مقتضى العقد ومأمورات الشرع.. أما اذا كانت الشروط مخالفة لاحكام الشريعة مثل اشتراط الزوجة على زوجها ان يبيح لها الخروج من البيت كما تشاء في اي وقت تريد, او يطلقها عندما تطلب هي ذلك فإنه لا يجوز الوفاء بهذا الاتفاق لان هذه الشروط مما يحل حراما ويحرم حلالا, وقد ارشدنا النبي صلى الله عليه وسلم الى عدم جواز ذلك عندما قال: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا او أحل حراما) . (رواه الترمذي).
المرأة داعية * تفتقر مجتمعاتنا الاسلامية الى وجود داعيات مسلمات مثفقات لمحاربة الامية الثقافية لدى النساء.. باعتباركم عميدا لكلية مهمتها الاساسية اعداد الدعاة هل ترى ضرورة الآن لانشاء كليات ومعاهدة متخصصة لاعداد الداعيات؟(9/82)
- التعليم الاسلامي اصبح متاحا الآن في معظم بلاد المسلمين للرجل والمرأة على السواء وهناك العديد من الكليات في الاقطار العربية والاسلامية التي تعد الرجال والنساء للعمل في حقل الدعوة الاسلامية.. فالمشكلة ليست في اقامة كليات او معاهد لاعداد الداعيات بقدر ما هي في تقبل المرأة نفسها لطبيعة العمل الدعوي. والواقع الذي نعيشه في معظم مجتمعاتنا الاسلامية يؤكد ان الدعوة الاسلامية في محيط النساء يقوم بها الرجال.. لكن اذا امكن وجود داعيات متميزات للعمل في حقل الدعوة الاسلامية في المحيط النسائي يكون افضل لان المرأة اقدر على مخاطبة المرأة, وهناك امور خاصة بالنساء لا تبوح بها للرجال وهنا تصبح المرأة هي العنصر البشري المناسب جدا للعمل في محيط النساء. لكن هذا يستلزم وجود وعي نسائي بضرورة اقتحام المرأة لهذا العمل ويستلزم ايضا توفير المناخ المناسب للنساء لكي يعملن داعيات دون اخلال بواجباتهن داخل الاسرة, وان تكون هناك حوافز مادية ومعنوية تشجع الفتيات على العمل كداعيات للنساء. المرأة.. وزيرة ومديرة
* اصبحت المرأة الان وزيرة ومديرة وعميدة لكليات ورئيسة في اعمال كبيرة ومتميزة.. فهل الاسلام منح المرأة الحق في العمل حتى تصل الى هذه الاعمال وهذه المناصب الرفيعة داخل المجتمع الاسلامي؟
- هذا رد عملي على الذين يظنون ان الاسلام حرم المرأة من حق العمل وامر بحبسها في البيت فالمرأة الوزيرة والمرأة العميدة او المديرة لم تصل الى هذا المكان إلا بالكفاح والجهد والتميز فهي ليست مخلوقا ناقصا كما يظن البعض وليست ناقصة عقل ودين, كما فهم البعض ذلك من ظاهر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (النساء ناقصات عقل ودين). لذلك فإن موقف الاسلام من عمل المرأة واضح كل الوضوح فالاسلام اعطى المرأة حق العمل لكن وضع لها ضوابط واحاطها بسياج من القيم والاخلاق التي يجب ان تلتزم بها عند خروجها للعمل وممارستها لهذا العمل لو نظم العلاقة بينها وبين كل زملائها وزميلاتها في نطاق العمل فلا تبرج ولا سفور ولا مياعة في الحديث ولا خلوة محرمة ولا ممارسة لاعمال لا تتفق مع طبيعتها كأنثى وفوق كل ذلك لا اهمال لواجباتها داخل الاسرة تجاه الزوج والاولاد لان هذه هي المهمة العظيمة التي كلف الاسلام الزوجة بها ايضا لابد ان تكون المرأة في حاجة الى هذا العمل.. او العمل في حاجة اليها لان العمل في حد ذاته ليس هدفاً لذلك تخطىء كثير من النساء عندما يخرجن للعمل من اجل العمل, وقد تخرج المرأة للعمل وتأخد منه مئة جنيه مثلا ثم تستعين بشغالة او مربية تدفع لها مئتين!! وهنا امر لابد ان نوضحه وهو ان تولي المرأة لمناصب ومهام كبيرة داخل المجتمع الاسلامي لا يعفيها اطلاقا من مهامها وواجباتها تجاه زوجها واطفالها.. قد تستعين بشغالة او طباخة او مربية لكن تظل مسئولية الزوج والاولاد في اعناقها وتظل مسئولية تنظيم شئون البيت من أولى واجباتها.
===================
الشباب والصيف
الشباب والصيف .. تنظيم أوقات واستثمار طاقات
أرغب في أن أوجه بعض الشباب إلى حسن استغلال الأوقات خلال إجازة الصيف؛ لذا ما هي الجوانب التي ينبغي أن أركز عليها ؟.
وكيف يمكن الاستفادة من طاقات الشباب فيما يعود عليهم بالفائدة ؟.
وهل يمكن وضع جدول للإجازة ؟.
وما الطاقات الكامنة في الشباب التي يمكن توظيفها في خدمة الأمة ؟.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية, شباب وطلاب …الموضوع
الأستاذة تقوى سيف الحق…المستشار
……الحل …
أخي الكريم عبد الرحمن، جزاك الله خيرا على اهتمامك بالشباب وتنميتهم، وجعلك الله مثلا يقتدي به الدعاة.
ووالله - أخي الكريم - لقد أمسكت خيطا حساسا، ولو كنت قادرا على التعامل معه لاستطعت فعْل الكثير لدين الله، وصدقني أنا لا أبالغ، فلقد أفرد رسولنا الكريم الحديث عن شباب الإنسان في حديثه: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.." منها: "شبابه فيما أبلاه" رواه الترمذي بسند حسن.
ولأهمية دور الشباب في بناء الأمة ترى أعداء الإسلام لا يألون جهدا في محاولاتهم لتدمير مستقبل هذه الأمة بتدمير روح "الفعل" في نفوس شبابها عن طريق منافذ الفساد التي يحاولون ترسيخها في مجتمعاتنا، إذ علموا أن تحطيم الشباب المسلم يعني تحطيم أمة الإسلام، وللأسف لقد نجحوا لدرجة ليست بالقليلة، ولكن إلى حين إن شاء الله.
ولن نستطيع - كدعاة - أن نؤثر في الشباب، ولا أن نصل إليهم وصولا سليما إلا إذا اهتممنا بما يريدون هم أولا، لا بما نريد نحن لهم وفقط، وأن نقدر لهؤلاء الشباب ذاتيتهم ونعمل على تنميتها، ولا نحاول تحت أي مسوغ التعدي عليها، أو أن نذيبهم في ذواتنا نحن، كي يكونوا صورا مطابقة لنا، إذ أثقل كاهل الدين كثرة المقلدين من أبنائه الذين أصبحوا بسبب التربية على التبعية العمياء، يتبعون كل ناعق سواء كان دعاؤه بالشر أو بالخير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تكونوا إمعة" رواه الترمذي بسند حسن.
نحن نحتاج إلى أن نطور وسائلنا حتى نصل إلى الشباب، جميع الشباب، على اختلاف مستوياتهم وعلى تفاوت طبائعهم، كي نوصل إليهم دعوة الله التي حرمتهم مجتمعات بعيدة عن الإسلام في كثير من مظاهرها عن أن تراها على حقيقتها الربانية الصافية.(9/83)
لذا يجب ألا نقصر دعوتنا على المسجد، ومن يأتي إليه من الشباب، بل الأولى أن نوسع من دائرتنا، ونحاول أن نصل بالدعوة إلى الأماكن التي يتجمع فيها الشباب، ألم تر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب للناس في نواديهم وفي أسواقهم، وكذا تعلم الدعاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتلمسون المواطن التي يتجمع الناس فيها ويذهبون إليهم، فكان الأستاذ حسن البنا مثلا يعطي دروسه في المقاهي.
أمور ينبغي العناية بها:
أما عن الجوانب التي ينبغي أن تركز عليها فهي عديدة، وسوف أشير إليها على شكل نقاط:
1- حاجة الشباب الماسة للبديل الإسلامي لكل ما يجدونه أمامهم، على أن يكون جذابا، كي لا نأخذهم من حياتهم إلى ما هو خال من كل متعة، كما يظن البعض في طبيعة الالتزام.
2- تقديم القدوة كصاحب للأخلاق الحسنة والشخصية الجذابة.
3- احرص - أخي الكريم - على التقرب منهم ومن حاجاتهم، اسأل عن أوضاعهم الاجتماعية، شاركهم أفراحهم وأتراحهم، قدم الهدية، فهي صاحبة تأثير إيجابي رائع.
4- حاول أن تعامل الجميع بنفس المستوى من المحبة، وأشعرهم بتلك المحبة، وخير قدوة لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كان كل صحابي يرى أنه الأحب إلى رسول الله من غيره.
5- حاول أن تستخدم الموضوعات التي يحبونها هم، وعليك أنت بحسْن تصرفك وذكائك تحويلها لصالح الفكرة التي تريد إيصالها لهم، حتى لا نُتهم "بالقولبة"، وهي أننا نضع الناس في قوالب معينة ونتعامل معهم على أساسها.
فلا مانع من الاندماج "العقلاني" مع الآخرين، ومن واقع التجارب نعلم أن الإسلام هو الأقرب إلى النفوس، ولكن الأسلوب هو الذي يرتفع به لينال القبول أو العكس.
جدول للإجازة:
أما عن الجدول للإجازة، فاعلم - أخي الحبيب - أن التخطيط للعمل يوفر لك ضعْف الوقت الذي يمكن بذله في ذلك، وهو من أهم الأسباب التي يجب علينا الأخذ بها، ويمكن أن تضع مخططا بسيطا لفترة الصيف بهذه السمات:
- حدد واقع من معك من الشباب: عددهم، مدى التزام كل منهم، مشكلاتهم التي تحتاج إلى علاج.
- حدد إمكانيات كل واحد من هؤلاء الشباب وما لديه من مواهب، وإن لم تكن على علم بمواهبهم فمن الواجب عليك أن تضع من أهدافك أن تكتشف ما يتميز به كل واحد منهم.
- حدد أهدافك التي تريد أن تحققها مع هؤلاء الشباب.
- حدد أفضل الوسائل التي يمكن أن تعينك على الوصول إلى هذه الأهداف.
أنشطة وبرامج:
وسوف أضع لك بعض النقاط علها تفيدك فيما أنت بصدده إن شاء الله، ويمكنك أن تطورها حسب حاجتك، وحسب تصورك للنشاط الذي تريد أن تقوم به:
1- حفظ القرآن الكريم، وذلك عن طريق عمل مسابقات خاصة لحفظ جزء أو سور من القرآن الكريم، وإذا ما تم استغلال هذه النقطة سوف تعود عليك بالخير الوفير إن شاء الله، وأنا أعرف فتاة استطاعت أن تحفظ القرآن الكريم خلال 3 إجازات صيفية عن طريق هذا النوع من المسابقات.
2- النشاطات الرياضية والترفيهية، وتعلم رياضات مفيدة.
3- الألعاب التعليمية.
4- تعلم اللغات، فهناك الكثير من الشباب يحبون ذلك، ويا حبذا لو كانت تعطى لهم بطريقة تشوقهم إلى المعرفة أكثر، فالإسلام بحاجة إلى الشباب المثقف.
5- الفنون المسرحية والأناشيد، فمثلا يمكنك أن تجد موهبة لأحد الشباب لديك وتنميها، أو على الأقل توجه نظره إلى ضرورة الاعتناء بها وتقدم له الدعم المعنوي.
6- تعلم الكمبيوتر والإنترنت.
7- تعلم مهارات وفنون الخط العربي.
8- الحرص على تفعيل دور المكتبة لدى الشباب، والتي أصبح دورها محصورا بالدراسة فقط.
9- تنمية أسلوب الكتابة لديهم، ويمكنك إصدار كتيبات من كتاباتهم لتدعيم أسس الكتابة لديهم وتشجيعهم.
10- تعلم النشاطات المهنية والحرف اليدوية.
وتذكر - أخي الكريم - أن تبحث وتنقب عن مواهب لدى الشباب، تفيد الإسلام، وترسخ لديهم شمولية هذا الدين عمليا.
كما أذكرك بالإضافة إلى ما سبق أن تضع في اعتبارك أن تنشئ منهم قيادات شابة قادرة على الدعوة وعلى صنع القرار.
وبإمكانك الاستفادة بشكل كبير في هذا المجال من سلسلة الكتب الصادرة عن مركز التفكير الإبداعي للدكتور علي الحمادي، وكتب الدكتور طارق السويدان، وكتب أخرى قد لا تكون كتبت على أصول إسلامية، ولكنها قد تكون مفيدة، وهنا يأتي دورك بإعطائها بالأسلوب الأمثل الذي تريد، كما يمكنك الاستفادة من شريط كاسيت للشيخ إبراهيم الدويش بعنوان:
أربعون وسيلة لاستغلال الإجازة الصيفية
استثمار الطاقات:
أخي عبد الرحمن، إن في الشباب طاقات عديدة ومتنوعة ومتجددة وجديرة بالاهتمام، كما لا يمكن حصرها، ولكنها تتلاشى مع الوقت بسبب عدم الاهتمام بها ومراعاتها، ويكفي أن أذكرك - أخي الكريم - بالصحابي الجليل أسامة بن زيد الذي كان قادرا على قيادة جيش كامل للمسلمين، وهو لم يتعد بعد السبعة عشر ربيعا، ومن هذه النقطة تجد أن الإسلام قد سخر هذه الطاقات لخدمته وللرقي بالنفس الإنسانية.
ولكننا للأسف منذ بعدنا عن الإسلام، أصبحنا نسمع ونتكلم عن "سن المراهقة"، وغيره من المفاهيم التي وضعت لنا حواجز تحول بيننا وبين الاستفادة من هذه الطاقات.
وبكلمة أخيرة - أخي - أستخدم كلمة اقتبستها من كتاب "لافتات للمبصرين" للأخت مريم النعيمي: نحن بحاجة إلى "إحياء جوهر الشخصية الإسلامية المتواصلة مع الناس"، فهذا هو الهدف، وطرق تحقيقه عديدة جدا إذا أخلصنا العمل لوجه الله تعالى.
فتح الله عليك أخي عبد الرحمن.
=================
هل يصلح الإسلام لهذا الزمان؟(9/84)
كنت أتناقش مع أحد أصدقائي حول صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، ولكنه مقتنع بما يحاول أن يشيعه البعض بأن الشريعة الإسلامية غير صالحة لكل زمان ومكان، وبعبارة أوضح أن الشريعة الإسلامية تصلح فقط لعصر الرسول عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح، فما ردكم على مثل هدا الكلام؟.
…السؤال
ثقافة ومعارف …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.
أخي الحبيب، وكأن النظم الحالية كلها ثقة أنها قد أراحت الناس وأسعدتهم!.
لقد أذلتهم واستعبدتهم الشيوعية بالقهر والقسوة والحديد والنار عشرات السنين حتى سقوطها، وأفقرتهم العولمة لصالح قلة منهم، وخدعتهم وأخضعتهم الليبرالية لشهواتهم، فأفسدوها بدلا من أن يحسنوا استغلالها كنِعَم، وافتعلت حروبا ظالمة وتهديدات دمارية زائفة ليغتني تجار السلاح، ونشرت فسادا ليشبع تجار الدعارة والمخدرات، وأغرقت ديونا لينتعش المُرابين، وأقامت ديكتاتوريات ليمتلئ تجار السياسة، وحتى العلم لم يسلم فأصبح له تجار يُلوِّثون الهواء والماء والمأكولات والجينات، وسيذلهم ويتعسهم أيّ نظام قادم شبيه، فما الذي تبقى إذن من حياتهم آمنا هانئا سعيدا في ظل هذه الأنظمة؟!.
لقد كان مُتوقعا أن يكون هذا الوضع التعيس المهين دافعا لكل بشر مخلص حريص على سعادة حياته أن يبحث عن مَخرَج، عن نظام يأخذ بيد الجميع لحياة آمنة سعيدة، وإذا ما تقدَّم أيّ أحد بأي نظام فمن الطبيعي والبديهي أن يُسارَع إليه ويُؤخذ ويُدْرَس ويُنتقىَ الصالح منه، وإن كان كله صالحا أُخذ كله، لا أن يُصرَّ على عدم قبوله واستبعاده والاستمرار فيما هو ضار، بحجج واهية أهمها أنه رَجعي! رغم أنه رجعي للخير المنسي المفقود!!.
إن الذين يُروجون لهذا لابد أنهم فقط هم المنتفعون من هذه الأنظمة الفاسدة، لأن أحدا لا يريدها، والكل يبحث عن غيرها، فلنكن نحن المسلمين هؤلاء الذين يحملون الخير والسعادة لكل الناس كما سعدنا، تطوعا لهم، وحبا فيهم وفي ربنا الذي يطلب منا ذلك للجميع لتكتمل سعادتنا بسعادتهم حولنا، فلنقدم لهم اقتراحا بنظام أخلاقي صالح يصلحهم، نسميه نحن الإسلام، ويسمونه هم بما يشاءون، وإنْ كانوا صادقين في الإصلاح فسيُحسنون استقباله، ولن نطلب نحن منهم إلا النظر فيه بصدق وإنصاف.
إننا سنقول لهم أنه نظام بشري بمرجعية خيرية فطرية إلهية، أي نظام يشارك في وضعه كل البشر في إطار الأخلاق الأساسية التي لا تخالف الفِطر السليمة والعقول المُنصِفة، والأهم - من وجهة نظرنا كمسلمين - أنّ قواعده وأصوله هي من خالقهم، الذي لا يُخطيء ولا يظلم، ويعرف كل ما يصلحهم ويسعدهم، وهم يحبونه ويصدقونه ويثقون تمام الثقة فيه، فإن قبلوا هم أيضا بذلك، سيزدادون ثقة في هذا النظام، وإن اكتفوا بأنه نظام بشري صالح شامل فليدرسوه، ونحن متأكدون من صلاحيته وانتصاره.
إن هذا هو سر صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، أنه نظام يضع القواعد العامة الصحيحة ويترك التفاصيل، يضعها بشر كل عصر وبيئة بما يناسبهم ويسعدهم، ولكن بما لا يخرج عن هذه القواعد والمرجعيات، كما يُفهم من القاعدة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" رواه مسلم، فيأخذون مثلا في السياسة بنظام رئاسي أو جمهوري، وفي الاقتصاد بنظام حر أو مؤسسي أو خليط بينهما، وفي الإعلام بنظام مفتوح أو محلي، وفي الصحة بنظام تأميني أو غيره، وهكذا في كل مجالات الحياة.
إنه نظام يتيح الفرصة لكل البشر بل يطلب منهم جميعا أن يديروا أرضهم وليس من المسلمين وحدهم، نظام يديره الأخلاقيون المتخصصون حتى ولو لم يكونوا مسلمين، وذلك بأن يختار عموم الناس وكلاء عنهم من أصحاب التخصص ممن يعرفونهم ويشهدون لهم بالسمعة الطيبة والخلق الحسن؛ ليتقدَّموا ليُديروا وليختاروا الفرق التي تساعدهم في الإدارة أو يعاونوهم أيضا في اختيارهم؛ لأنهم هم الذين سينتفعون بإحسانهم وسيُضرون بإساءتهم، ولذا فهم يرشحون بعضهم وينتخبونهم، ويفرز الانتخاب الحر أفرادا يعرفونهم ويثقون فيهم، فإن كان غالب الناس مسلمين أفرزوا غالبا مسئولين مسلمين والعكس صحيح، ثم لا يُؤخذ فقط بتشكيل الأغلبية والتي قد لا تتجاوز نسبتها أحيانا 51 % حيث سيتحكم ممثلي النصف في الكل، وإنما يُشارك وُيمَّثل كل الناجحون بالانتخاب على حسب نِسَب نجاحهم لأن هذا يُثري الإدارة بأفكارهم وجهودهم، ويُحسِّن الأداء، ويُطمئن الجميع، ويجعل الكل مشارك في الانتفاع بالإيجابيات وتطويرها وتحمّل السلبيات وعلاجها.(9/85)
إنَّ الشريعة الإسلامية ببساطة ما هي إلا نظام لإدارة الحياة والأحياء عليها؛ لإسعادها بالخُلق والتخصص والتعاون والشراكة والشوري والحرية والانضباط والعدل والمساواة، يقول الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالي: (وتعاونوا على البر والتقوي ولا تعاونوا على الإثم والعدوان): "أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوي"، ويقول الإمام ابن تيمية في معرض كلامه عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا ُضِّيعَت الأمانة فانتظر الساعة "، قيل كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخاري : "يختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ... والولاية لها ركنان: القوة والأمانة كما قال تعالي: (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، والقوة في كل ولاية بحسبها، وإذا تعيَّن رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قدِّم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا، ويُقدَّم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإنْ كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا ".
إنها إدارة أخلاقية ائتلافية من الكل لكل الأرض، وهذا هو سر صلاحيتها الدائمة الشاملة، فلماذا إذن يرفضونها وهي لهم ومنهم وبهم؟! وهي تتركهم على فكرهم ومعتقدهم دون أي إكراه! وقد جُرِّبَت من قبل فأصلحت وأسعدت كما يقول تعالي: (إنَّ الله نِعمَّا يعظكم به).
والفطرة دائمة البحث عنها بشغف وتنتظرها، ويحتاجها الجميع، وما سبب عدم تجربتها ثانية؟! لا بد أنه الجهل بها كما يقول تعالي: (ولكني أراكم قوما تجهلون)، أو الانخداع بتزيينات الشيطان ضدها كما يقول تعالي : (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين)، أو الِكبْر كما يقول تعالي: (إنَّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إنْ في صدورهم إلا كبر).
أخي الحبيب، إنَّ العودة للإسلام ليست شيئا غريبا صعبا مُبْهَما على البشرية، إنها العودة للأصل، للفطرة، إنه الطريق الأسهل، المُعَبَّد، الأوضح، الأسرع، الأسلم، الأسعد، أما كل الطرق الأخري فغريبة، صعبة على الفطرة، وتضرّها، وتضيق بها، وتتعسها، وتتمنى اليوم للخلاص منها والعودة لما هي مبرمجة عليه أصلا منذ خلقها خالقها، كما يقول تعالي : (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
إنَّ أهل الشر هم الذين يجعلون العودة لشريعة الفطرة مُعقدَّة ومستحيلة ليظلوا مستفيدين من غفلة الناس مستعبدين لهم، فلماذا لا يستجيب لهم العاقلون الواعون؟!.
إنَّ مشاركة غير المسلمين مع المسلمين في إدارة شئون الأرض سيغيرهم تدريجيا للخير ولاشك، وهذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده، فقد شاركوا الآخرين في تجاراتهم وزراعاتهم وأعمالهم، وتزاوجوا معهم، وعاونوهم على تسيير أمورهم، فتغير السيء للصالح، والصالح للأصلح، وسعد الجميع.
إن علينا أن نحسن عرض سلعتنا ومشروعنا، بالصورة التي سبق وذكرناها، وسنجد الاستجابة والإقبال بالتدريج بإذن الله.
وفقكم الله وأعانكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
================
دعوة النساء .. من المظهر إلى الجوهر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد..
نريد سؤالكم عن كيفية دعوة النساء إلى التمسك بالدين الإسلامي والالتزام بلبس الخمار والملابس الفضفاضة التي لا تشف ولا تصف عورة المرأة، وأيضًا نريد أن ندعو إخواننا المسلمين إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
جزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
الدعوة النسائية …الموضوع
الأستاذة سميرة المصري, الأستاذ محمد حسين …المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة سميرة المصري:
أختي الكريمة سمر، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
كتمهيد للإجابة على تساؤلاتك، فإننا نؤكد على أن الله خلق السماوات والأرض بالحق، وفي ذلك دلالة على ألوهيته، وتأكيد على قدرته المطلقة وحكمته البالغة، وقد خلق الإنسان بعد ذلك لغاية عرَّفها حين قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
وقد يسر الله للإنسان وسائل المعرفة والوصول إليه من خلال ما ميّزه به عن باقي المخلوقات من الإرادة وحرية الاختيار والعقل، وجعل له السمع والبصر والفؤاد كمنافذ للتعرف عليه، وإذا آمن الإنسان بوجود الخالق، فإن عليه الانقياد لحكمه، وأن يعلم أن طاعته لله هي الطريق الأقصر لسعادته في الدنيا والآخرة (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
فإذا علمنا ذلك فإن فريضة الحجاب التي أمر الله بها نساء المؤمنين هي مما ينبغي الالتزام به، فالتسليم لكلام الله هو العبودية الحقة، ثم يمكننا بعد ذلك معرفة الحكمة من هذا التشريع.
والمرأة التي تتهاون بحكم من الأحكام الإلهية عاصية لله، وهو القائل في كتابه الكريم: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
ويجب أن تعلم كل فتاة أن حجابها كرامة وشرف لها، وهو عامل مساعد على انتشار العفة والفضيلة، والأمم التي تنتكس في قيمها فتدعو الى عري نسائها إنما هي عودة الى الهمجية، فالإنسان عندما تعلم وتحضر ستر جسده وتميز عن الحيوانات، بل إن العري كان عقوبة الله لآدم الذي عصاه في الجنة فنزع عنه وعن زوجه لباسهما، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.
إن الإسلام يدعو الى احترام عقل المرأة ودينها وأخلاقها، وينبذ استغلال جسدها والحط من قدرها وجعلها سلعة رخيصة في الإعلانات وفي مشاهد الفيديو كليب، فهي جوهرة يجب أن تصان عن أعين الدخلاء، وتستر مفاتنها إلا عن زوجها أو محارمها.(9/86)
وعندما يقول الله: (ولا تقربوا الزنا)، فإنما يدعونا إلى عدم القفز فوق أحكام العفة من التزام حجاب، وعدم خروج المرأة متعطرة، وتحريم الخلوة بالرجل، والخضوع بالقول؛ وكلها وسائل تؤدي الى الفضيلة وتبعد عن الفاحشة والرذيلة.
أختي الكريمة، إن كل مسلم مؤتمن على تبليغ هذا الدين لمحيطه الضيق أولاً، ثم الانطلاق إلى المجتمع وإلى العالمين، والمرأة المسلمة باستطاعتها - مع التوجه الصادق إلى الله - أن تبدأ الدعوة لدينها وسوف يبارك خطواتها.
فهي مؤتمنة أولاً على صلاح أفراد عائلتها وأطفالها، فإذا نجحت بتأسيس بيت صالح، فهذا يساعدها ويعطي من حولها الثقة بصلاحها، ويمكّنها من إقناع غيرها.
والفتاة المسلمة الملتزمة بأوامر الله في سلوكها ولباسها وتعاملها، هي داعية إلى دين الله بالقدوة، وبحب الناس لها.
والخطوة الأولى تبدأ مع تربية الفتاة لنفسها، وإثراء ثقافتها الإسلامية، والبدء مع الفئة التي لا تتحرج بالحديث معها، سواء كان لصغر أعمارهن، أو لأنهن من الأهل.
وفي بداية حياتي الدعوية مارستها مع مجموعة من الفتيات الناشئة، لمظنة عدم وقوفهن على بعض الأخطاء الطبيعية التي تبدر من كل مبتدئة، فإذا انكسر حاجز الخوف وازدادت الثقة بالنفس، يمكن للأخت أن تنطلق ضمن محيطها.
وقد مارست هذا العمل مع جيراني في البناية، فكنت أدعوهم لشرب القهوة في وقت محدد من كل أسبوع، حتى إذا توثقت رابطتي معهن، بدأت بمنهج الدعوة إلى الله من خلال شرح القرآن، ودراسة الأحاديث النبوية، وغيرها من الكتب المختارة، ولم أقل لواحدة منهن على الإطلاق أن تلتزم الحجاب، وكن جميعًا سافرات، ولكن بعد فترة بدأت واحدة إثر الأخرى بالتزام الحجاب، وهذا فضل من الله.
مع العلم أني لم أترك حتى الآن التزود من العلم والبحث عن كل جديد؛ لأن الثقافة للداعية تغني تجربتها وتعطيها قوة في التأثير والإقناع، لأن الفئات العمرية التي تدعوها متنوعة.. من طالبات، ونساء متقدمات بالعمر، ومثقفات.
ونصيحتي إلى كل أختٍ أن تصدق مع الله في دعوتها، ومتى بلغت حرقتها على دينها الحد الذي يجعله همها الأول، فإن تيسير هذا الطريق لها يصبح أكيدًا بإذن الله.
وأجمل لك القول - أختي - في الكلمات التالية:
* اعملي على تزكية روحك، والسعي لمرضاة الله في أمورك كلها، وألزمي نفسكِ بعبادات ونوافل كي تشرق روحك، ومن ثم يمكنكِ إضاءة طريق الآخريات، وهذا هو الهدي القرآني الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد فرض الله عليه قيام الليل إلا قليلاً: (يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً)؛ فالشحن الروحي ضروري لمن تتصدى للدعوة إلى الله.
* عليك بوسائل الدعوة، ومنها:
1- إفشاء السلام، والسؤال عن الأحوال، والزيارة في المناسبات، وعيادة المريض، ومواساة المكروب، والتهنئة بالنجاح والأفراح، والتهادي ... إلخ.
2- كسب ثقة الناس من خلال حسن الخلق، والتضحية من أجل الآخرين، وتقديم النفع للمحتاج، وإصلاح ذات البين ... إلخ.
3- الصبر على التواءات النفوس، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتجرد في العمل عن المصالح الشخصية.
4- الترغيب في الجنة، والإنذار بعذاب الله، والاستعداد للموت.. كلها موضوعات تقرب المسلم من ربه، أما الحديث عن التوبة وإخلاص العمل لله، ومجاهدة النفس، فهي من الأبواب التي تجذب الفتيات وتؤثر في قناعاتهن.
5- عدم إغفال الاستزادة من العلم والثقافة بشكل متواصل، وابتعدي في بداية عملك الدعوي عن الإفتاء، حتى لا تدخلي في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار".
6- التوجه إلى الله والاستعانة به، وبداية كل لقاء بالتسمية والدعاء، ولتعلمي أن ترغيبكِ بطريق الدعوة هو فضل من الله لا يعطيه إلا لمن يحبه، وأن عليكِ واجب الشكر لله والتقرب منه أكثر.
وفق الله كل طامع في رحمة إلى دعوته، ولك الأجر كاملاًَ بإذن الله، لأن الدال على الخير كفاعله.
ويضيف الأستاذ محمد حسين:
أختي الكريمة؛ هذا سؤال عام وشامل، لكن نحاول أن نأخذ ببعض أجزائه، أما عن دعوة النساء للتمسك بالدين الإسلامي والالتزام بلبس الخمار، فأعتقد أن الكثيرين من الدعاة يجعلونها من أهم قضاياهم ويركزون عليها كثيرا، وهو ما نرى انعكاسه في مجتمعات المسلمين من انتشار ظاهرة عودة المرأة المسلمة إلى لباسها الشرعي، وأعتقد أن هناك كتبا كثيرة تعالج هذه المسألة.
وأرى أن خير ما يدخل به لهذا الأمر هو إشعار المرأة بأن في هذا اللباس الذي أمر الله به حفاظ على كينونتها وعلى عفتها، وأن الإسلام ينظر لها كجوهرة ينبغي ألا تكون مشاعا لكل ناظر، لأن الغرب يجعل منها سلعة رخيصة يروج بها بضائعه وسلعه، وفي هذا احتقار للمرأة أي احتقار.
كما أن النساء يتأثرن كثيرا بالترغيب والترهيب، ولذلك فالدخول إليهن من باب الترغيب يكون من أكثر الأمور تأثيرا في المرأة.
على أنني - يا أخت سمر - أود أن أنبهك إلى أن الالتزام باللباس الشرعي أو بالخمار ليس نهاية المطاف، وأنه - وإن كان ضروريا وفريضة لا شك في ذلك - إلا أنه صورة خارجية لأمور كثيرة أخرى تمثل في مجملها كيان المرأة المسلمة، فهناك أيضا فرائض أخرى على المرأة المسلمة من أهمها مثلا حسن الخلق، الذي هو أكثر ما يدخل الناس الجنة، وحسن معاملة الزوج وطاعته، وحسن القيام على تربية الأبناء والبنات، وطاعة الوالدين إذا كانت الفتاة لم تتزوج بعد.
وأرجو ألا يأخذنا التركيز على أمر الزي فننشغل به، ونفرط في أمور أخرى عظيمة كتلك التي أشرت إليها سلفا.(9/87)
================
أبجديات العمل الجماعي
السلام عليكم،
نحن نعمل في حقل الدعوة الى الله، ولكن كثيرا ما يتعثر سيرنا نظرا لعدم فهم أو نسيان أبجديات وقواعد العمل الجماعي الإسلامي، الرجاء التذكير بها بشيئ من التفصيل و جزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة والحركة …الموضوع
الأستاذ أسامة حمود…المستشار
……الحل …
العمل الجماعي الإسلامي وسيلة من وسائل الدعوة ونشر دين الله تعالى، فإذا كانت الجماعة هي وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد، تجمعهم أهداف مشتركة، وبينهم تفاعل اجتماعي متبادل، فإن هناك شروطا وسمات عامة لابد من توافرها فكرا وسلوكا، فأية مؤسسة تتصف بالفعالية والروح المعنوية المرتفعة، ويشعر أفرادها بالرضى، ويؤدون أعمالهم بدرجة عالية من الجودة، لابد لها من آليات واضحة وقواعد معتبرة.
* سمات لابد منها:
لعل أبرز السمات المطلوبة في أي عمل جماعي هي:
1- تحديد الأهداف وتفعيلها:
وأهمية الأهداف أنها تحدد مسارات الأنشطة التربوية والوسائل الدعوية، والأدوات اللازمة للتنفيذ والتقويم، وهي تُشتق مباشرة من فلسفة التربية الإسلامية، وتنبثق عنها انبثاق الثمرة من البَذرة، فالعمل دون أهداف واضحة يتعرض لعقبات شتى، عقبات في الفهم والتفكير، وعقبات في التطبيق والممارسة.
ويجب أن تتصف الأهداف ببعض الخصائص الجوهرية، ومنها:
* أن تكون هذه الأهداف شاملة متكاملة، وأن توضع في ضوء العلاقات التي تحدد نشأة الإنسان ومصيره وعلاقته بالله وبالكون والإنسان والحياة من حوله.
* أن تحدد معنى العمل الصالح المراد تربية الإنسان عليه، فمفهوم العمل الصالح لابد من تجليته لأنه يختلف من بيئة إلى أخرى.
* أن تكون متفقة مع الطبيعة الإنسانية، مراعية لحاجاتها، قابلة لإطلاق قدراتها الإبداعية.
* أن تحدد الأهداف العلاقة بين الفرد والمجتمع، ثم بينه وبين التراث الاجتماعي من عقائد وقيم وعادات وتقاليد.
* أن ترشد العاملين في الجماعة إلى ما يجب أن يعملوه، وأن تكون واضحة بحيث تمنع التصادم.
* أن توضح نوع المعارف والمهارات والاتجاهات التي يراد تنميتها في شخصية الفرد.
2- الطوعية والالتزام مع إعطاء قيمة لكل الأفراد:
فالفرد ليس رقما داخل جماعة، بل هو عنصر غني ومتميز ومبدع وصاحب خصوصية داخل الجماعة، وهنا جوهر الإنجاز وعنصر الاستغلال من أجل إثراء العمل الجماعي.
أما الحركات الشمولية في العالم العربي، والتى ترى في الفرد مجرد عامل في المجموع، ما عليه إلا الانقياد والسمع والطاعة، فهو مجرد شخص أفاق من غيبوبته الفكرية وتم تطهيره وبرمجته، ليتحول إلى فرد مسلوب الإرادة، معطل التفكير، وهذا أول عنصر هدم وتحطيم لكل عمل متميز.
إن الإنسان في المجتمع الإسلامي - من حيث هو أمة - له غاية في ذاته، وليس مادة خام تشكلها رغائب فوقية في أية صورة شاءت، وهنا تبدو أهمية التوازن بين الفرد بكل تطلعاته والجماعة بكل طموحاتها، فكلما كانت العلاقة بين الطرفين متسامحة ورحبة، كلما كانت إمكانات التطور متاحة.
إن ممارسة التعسف الجماعي على الأفراد، يلغي ميزات الأفراد، ويساهم في إفقار قدرة الأفراد على العطاء، وفي الالتزام الطوعي بديل لكل أنواع التعسف والرضوخ، ففي الطوعية والالتزام ما يكفي لتنظيم العمل وتوزيع الأدوار.
إن الأفراد لهم - بحكم تكوينهم الذاتي - رغبة كامنة في التميز، وحين تقوم المؤسسات بقتل روح التميز والاختلاف داخل الموهوبين، ووصفهم بالخروج على الشرعية، فهنا لا تقوم هذه المؤسسات بعملية تشويه تجاه الفرد فحسب، بل تجاه المجتمع، الذي تَحُول هذه المؤسسات دون استفادته من طاقة الاختلاف والتميز في قسم مهم من أفراده.
3- المساهمة الجماعية في اتخاذ القرارات:
من أهم الوسائل المتبعة في تحقيق الانتماء والإيجابية لدى الأفراد، مشاركتهم في صنع القرارات المؤثرة، فالمشاركة تثري المعلومات، وتشجع على الالتزام بالقرارات، وكذلك تعطي بدائل كثيرة وحلولا منوعة، ومن ناحية أخرى فإنها تعمل على تنمية الأفراد فكرا وتخطيطا وممارسة، فمن الصور الشائعة في صنع القرار ما يسمى بالعصف الذهني، وفيها يقوم المشاركون بهجوم خاطف على مشكلة ما، وإطلاق العديد من الأفكار حتى تأتي الفكرة التي تصيب الهدف.
ولعل مبدأ الشورى من أهم المباديء التي تقوم عليها أية مؤسسة تريد أن تحرز شيئا من النجاح والتميز.
4- تحديد الأدوار والمسئولية الاجتماعية:
والتي هي مسئولية الفرد الذاتية عن مشاركته المجتمعية أمام نفسه وأمام الجماعة وأمام الله، وهى الشعور بالواجب الاجتماعي والقدرة على تحمله والقيام به، وعناصرها الفهم والاهتمام والمشاركة.
والمسئولية مساءلة محتكمة إلى معيار، مساءلة عن مهام أو سلوك، وتحديد مدى موافقته لمتطلبات ومعايير بعينها.
وعندما تكون هذه المساءلة خارجية، مصدرها خارج الذات، نقول عنها أنها مسئولية قانونية، أما عندما تكون المساءلة داخلية من الذات، فإننا نقول عنها أنها مسئولية ذاتية.
وعندما تكون مساءلة الذات، واحتكامها إلى معيار استيفاء الذات حق فهم الجماعة التي تنتمي إليها، والاهتمام بها والمشاركة لها، عندئذ تكون هذه مسئولية اجتماعية.
وفي توزيع الأدوار يكون هناك مثلا دور المشرف، وهو دور يُعنى باختيار وتدريب الأفراد، مع إعطاء الأفراد الذين يُظهرون تميزا دورا أكبر في مناقشة أهداف المؤسسة ووسائل تحقيقها وكيفية تطويرها.(9/88)
وهناك دور المربي الذي يهتم ببناء الشخصية وتقديم الدعم الفكري والتأكيد على الأهداف - لإيجاد مستوى من الوعي والالتزام - وتسهيل التفاعل بين الأفراد، مع التأكيد على العلاقات الشخصية ورعاية الأنشطة الاجتماعية.
ولتحديد الأدوار والمسئوليات لابد من مراعاة أشياء، لعل أبرزها الانسجام بين الدور والخلفية العلمية والمهارية لكل فرد، ثم وضوح الدور المُسند للفرد بدقة، ثم وضع ملامح للنتائج المتوقعة، ثم توضيح معايير النجاح والإخفاق، وأخيرا وضع برامج إشرافية وآليات متابعة.
إن المسئولية الاجتماعية - فهما واهتماما ومشاركة - هي مسئولية أخلاقية في صميمها، وهي مسئولية أخلاقية في عناصرها ومكوناتها، في محركاتها وبواعثها.
5- وجود آليات لإدارة الخلافات:
وجود الاختلافات والخلافات شيء متوقع، بل شيء حتمي في أي تجمع بشري، فالخلاف والتنوع طبيعة جِبلّية من طبائع البشر، لكن لم يزل – للأسف - في الشرق كثير من الناس يحاولون القضاء على المخالفين لهم بالرأي، معتقدين أنهم بذلك يقضون على الخلافات والفتن، ولو عقلوا لعلموا أنهم في الفتنة سقطوا!.
إن في مُكنة كل مختلفين في الآراء أن يتعايشوا، بل أن يتعاونوا بالمعروف، ولقد أباح ديننا أن يتعايش دينان أو عقيدتان في بيت واحد! وذلك بالزواج من الكتابيات.
ووظيفة الحكيم أو القائد الماهر - عند تصاعد الخلاف - أن يبحث عن مواطن اللقاء بتحديد النقاط المسلّمة، وتعميق التفاهم بين الأطراف المتصارعة، ليعلموا أن الآراء المختلفة قد تؤدي إلى الإبداع ما دام ذلك لا يعيق تقدم المجموعة في عملها، فينشر ثقافة أن آراء الآخرين قد تكون مفيدة.
ودراسة المواقف من الآليات المهمة، فلا يمكن الحكم على المواقف نفسها حتى نتبين من أسبابها، لذا من الواجب أن نحدد - وعلى وجه الدقة - مواقف وحُجج الأطراف المتنازعة، وإشراك مزيد من الأعضاء لدراسة الموقف يؤدي لمزيد من الأفكار والحلول.
ومن آليات حل الخلافات كذلك الابتعاد عن الحلول العنيفة، وكذا من الضروري مواجهة صاحب الخطأ مهما علا قدره ومطالبته بالاعتذار لمن أخطأ في حقه.
ومن الضروري مواجهه الأطراف وجها لوجه، وتقليل حل الخلاف عن طريق الهاتف، مع الوعي الكامل لأهمية البيئة المكانية في حل الخلاف، فالمكان الملائم - ويفضل أن يكون حفلا أو وليمة - يجعل الحل ميسورا، فالسيارة مثلا أو المكان الضيق ليسا المكان المناسب.
ودور الأفراد هنا هو تجنب الجدال ما استطاعوا لذلك سبيلا، مع التمتع بدرجة من المرونة الفكرية التي تهشّ لمواطن اللقاء، وهذا يحتاج لتربية طويلة المدى، لتوسيع مجالات السعة والمرونة العقلية، وترسيخ المعاني الأخلاقية العالية.
* محددات تأثير الجماعة على الفرد:
لكن لا يمكن ترسيخ معاني الانتماء والتعاون دون قناعة تامة بالسمات أو بالخط العام للمجتمع الذي أنتمي إليه، فإنما يتحدد انتماء الأفراد لجماعتهم – سواء كانت أمة أو حركة - بما يسمى "أدوات تأثير الجماعة على الفرد"، ولعل أهمها "جاذبية الجماعة عند الأفراد"، ولا تأتي تلك الجاذبية إلا بتوفير منظومة من العناصر المتكاملة، ومنها:
* القدرة على إشباع ما يحتاجه الأفراد عقليا ووجدانيا وماديا، وبقدر إشباع الجماعة للفرد، بقدر تعاظم جاذبيتها في نفسه، وعدم إشباع العقل معناه الحرمان الفكري، وهذا يؤدي إلى غياب الوعي والعيش على الهامش.
وهناك ما يسمى بالجوع العاطفي، أي الحرمان الوجداني الذي تربى عليه الفرد في مؤسسات لا تجيد إلا أساليب السحق، وعلاج ذلك لا يكون إلا بالحياة الدافئة داخل المؤسسات التربوية لإشباع وجدان الأفراد وصيانة ذواتهم.
* توفير فرص الوصول إلى مراكز عليا في الجماعة، فكلما ارتفع مركز الفرد كلما زاد انتماؤه.
* توافر عنصر التقبّل للفرد وحفظ كرامته، فكلما زاد إدراك الفرد بأنه موضع تقبل واحترام من المجتمع، كلما ربَى انتماؤه.
* وضوح الأهداف التي يسعى إليها المجتمع، وكذا الأساليب المستخدمة للوصول لتلك الأهداف، فكلما اتضحت تلك الأهداف، كلما اتضح دور الفرد وموقعه في المجتمع.
* توفير نماذج للاقتداء، فتستطيع الجماعة أن تؤثر على أفرادها إيجابيا من خلال النماذج المعجَبة، فالبارزون أصحاب الشخصيات الأخلاقية يقتدي بهم الأعضاء، حيث أن أحد مصادر التعلم هو الاقتداء ومحاكاة الغير
=================
المخيمات الطلابية .. أفكار وبرامج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بارك الله في جهودكم في خدمة الدعوة، وجعل ما تقومون به في موازين حسناتكم.
إخواني الأحبة، استشارتي أن مجموعة من الإخوة العاملين في إحدى الجمعيات الخيرية الشعبية يرغبون في إقامة مخيم للطلاب المنتسبين للجمعية، وهم بحاجة إلى نصائح ومقترحات بخصوص برامج المخيم.
وأنا بدوري أطرح ما يطلبونه عليكم، راجيا منكم تزويدنا ببعض الأفكار والمقترحات والنصائح بهذا الخصوص، ويا حبذا لو تم إرشادنا إلى بعض المصادر التي يمكن أن يستفيد منها العاملون في هذا المجال، وبارك الله فيكم.
…السؤال
شباب وطلاب, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أهلا ومرحبا أخي الكريم، وجزاك الله خيرا على هذا الشعور الطيب نحونا، ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل منك ومن إخوانك جهدكم وسعيكم، وأن يجعله في ميزان حسناتكم.
واسمح لي - أخي الكريم - أن أجيب عن استشارتك باقتراح بعض الأفكار التي أن يمكن تنفيذها في مخيم الطلاب الذي تعتزمون القيام به من خلال النقاط التالية:
أولا- قواعد عامة تراعى عند إقامة المخيمات:(9/89)
في البداية - أخي الكريم - هناك بعض القواعد الهامة التي من الضروري مراعاتها عند إقامة المخيمات منها:
* وضع أهداف واضحة ومحددة للمخيم، في ضوء ما نريد إكسابه للمشاركين من معارف ومفاهيم ومهارات وقيم وأخلاق وسلوكيات.
* وضع البرنامج الذي يمكن من خلال فقراته تحقيق الأهداف المرجوة من إقامة المخيم.
* اختيار المكان المناسب لتنفيذ هذا البرنامج الموضوع لتحقيق أهداف المخيم.
* وضع ميزانية لتكاليف المخيم.
* إعداد وتجهيز الأدوات والمعدات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف؛ مثل: الأدوات الرياضية، وأدوات الطهي، وأدوات السمر، وأدوات الإسعافات الأولية ... إلخ.
* اختيار المشرفين المنفذين بدقة بالغة؛ بحيث يكون لديهم القدرة على تحقيق أهداف المخيم.
* يفضل تنويع الفقرات، بحيث لا يكون برنامج المخيم ثابتا يوميا فيصبح مملا، بل يراعى أن يكون كل يوم مختلفا عن سابقه.
* الحرص على إذكاء روح المنافسة بين الفرق، بعمل لوحة تسجل عليها نتائج الفرق والرهوط أولا بأول، في جميع الجوانب الرياضية والثقافية والفنية والانضباطية ... إلخ.
* الاهتمام بتقييم مدى تحقق الأهداف بعد انتهاء المخيم، والعناية بسماع آراء واقتراحات المشاركين فيه.
ثانيا- اقتراحات لفقرات المخيم:
هناك عدد من الفقرات التي يمكن تنفيذها ضمن برنامج المخيم، ومنها:
1- كلمة افتتاحية:
من الضروري عند بداية المخيم أن تكون هناك كلمة افتتاحية، تبين فيها أهداف المخيم، ويذكر فيها بتجديد النية، وينبه على الآداب المطلوب الالتزام بها خلال فترة المخيم.
2- فقرات إيمانية:
من الممكن وضع عدد من الفقرات التي تساعد على تنمية الجوانب الإيمانية لدى المشاركين،
مثل:
* أداء الصلوات مع المشاركين جميعا في أول وقتها.
* إتاحة الفرصة للمشاركين للتفكر في بديع صنع الله، ثم إتاحة الفرصة للتحدث حول الخواطر التي جالت بعقولهم أثناء هذا التفكر.
* وضع أوقات محددة في البرنامج لتلاوة القرآن يوميا، كما يفضل تحديد عدد من الآيات أو سورة من سور القرآن يتم حفظها أثناء فترة المخيم، ويتم تسميعها في نهايته، وتمنح جوائز للأوائل.
* تنظيم محاضرات حول بعض الموضوعات المرققة للقلوب، مثل: الحديث عن نعم الله علينا، وعن الجنة ونعيمها، وعن مشاهد يوم القيامة.. إلخ.
* التوصية بقيام بعض الركعات بالليل، بصورة فردية أو جماعية.
* وضع ورد يومي من الأذكار، يقوم كل فرد بأدائه في الأوقات البينية، أو يخصص له وقت.
3- فقرات ثقافية:
من الممكن أن يتضمن برنامج المخيم بعض الفقرات الثقافية، مثل:
* محاضرات وندوات.
* دراسة بعض الكتيبات، وفتح باب النقاش حول موضوعاتها.
* طرح بعض القضايا للحوار، وإدارة المناقشات حولها.
* تنظيم بعض المسابقات الثقافية، سواء كانت شفوية أو مطبوعة أو في إعداد بعض
الأعمال الثقافية مثل: مجلات الحائط.
* عرض بعض القضايا باستخدام الفيديو أو الكمبيوتر ... إلخ.
4- فقرات رياضية:
هناك بعض الفقرات الرياضية التي من الممكن أن يتضمنها برنامج المخيم، مثل:
* تنظيم طابور رياضي في الصباح، بحيث يحتوي هذا الطابور على الجري لوقت محدد، ومجموعة من التمارين الرياضية المتنوعة، ويفضل أن يكون القائم بهذه التمارين من ذوي الخبرة في هذا الشأن.
* وضع عدد معقول من التمارين، مثل: تمارين البطن والضغط والظهر ... إلخ، ويطلب من كل الأفراد القيام بممارسة هذه التمارين، مع منحهم فرصة طوال اليوم لأدائها.
* تنظيم بعض المسابقات والدورات في عدد من الرياضات، مثل: كرة القدم أو السلة أو اليد أو الطائرة أو تنس الطاولة أو ألعاب القوة.. إلخ.
5- ألعاب ترفيهية:
ويمكن أيضا تنظيم بعض الألعاب الترفيهية مثل: لعبة المنديل، أو القائد يقول، أو الكراسي الموسيقية، أو شد الحبل ... إلخ.
6- رحلات وجولات حرة:
من الجميل تنظيم بعض الرحلات خارج المخيم، أو جولات حرة تساعد المشاركين على التعرف على طبيعة المنطقة المقام بها المخيم، وزيارة أهم المعالم التي تشتهر بها هذه المنطقة.
7- حفلات السمر:
والتي من الممكن أن تتضمن مجموعة من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، وبعض الأناشيد والمسرحيات القصيرة الهادفة التي تكسب بعض المعاني والقيم والمفاهيم للمشاركين، ومسابقات ثقافية، وألعاب ترفيهية، وفقرات للتعرف على المواهب المجهولة لدى المشاركين ... إلخ.
ومن الضروري الحرص على اكتشاف قدرات وطاقات وإمكانات المشاركين الفنية، والاستفادة منها في إعداد وتنفيذ هذه الحفلات.
هذه – أخي الكريم – بعض الفقرات التي يمكن أن تتضمنها برامج المخيمات بصفة عامة، نسأل الله عز وجل أن ينفعك بها.
ثالثا- مصادر يستفاد بها:
وأما عن المصادر التي من الممكن أن تفيدك في هذا الشأن، فيمكنك الرجوع إلى:
1- كتاب دليل التنمية البشرية للأستاذ هشام الطالب.
2- كتاب التدريب العملي لطلاب الخدمة الاجتماعية، للدكتورة سوسن عثمان، ودكتور عبد الخالق العفيفي.
وفي النهاية ندعو الله عز وجل أن يسدد خطاك، ويرشدك لما فيه الخير والرشاد.
================
إنكار المنكر .. فردي أم جماعي؟
بسم الله الرحمن الرحيم،
الأخت ريم السعوي حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إذا كنا في مجتمع نسائي، وكثر فيه المنكرات، هل يتعين علي أن أنصح كل واحدة أم أكتفي بنصح واحدة فقط، وأكون بذلك قد قمت بواجب الإنكار؟.
وجزاك الله خيرا.
…السؤال
الدعوة النسائية, المجتمع, ثقافة ومعارف …الموضوع
الأستاذة ريم السعوي…المستشار
……الحل …
أختي الكريمة نورة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،(9/90)
بداية اسمحي لي أن نتعمق قليلا في قضية ما يحدث من منكرات في مجتمعاتنا، علينا أن ندرك أن كل مظاهر البعد عن الدين في هذا الوقت، وهذا المكان هو نتاج مخططات تستهدف الإسلام منذ زمن بعيد، ولا شك أن هذه المخططات نجحت إلى حد ما كما هو واضح للأسف.
والحاصل الآن في مجتمعاتنا النسائية:
1- تأثير كبير في وسائل الإعلام الذي يدعو إلى توجيه هم الحياة بل تسخيره في مظهر المرأة فقط.
2- غياب الدعوة المواكبة لهذا التأثير بالنسبة لهذا الهجوم الإعلامي الواسع جدا.
فإذا كان اهتمامك دعويا - وهذا واضح من سؤالك إن شاء الله - فإننا يجب أن نسخر كل قوانا لعلاج واقعي وعملي لهذه المنكرات، فالعلاج أكبر بكثير من الاعتماد فقط على النصيحة.
يقول أحد الكتاب الإسلاميين: "إن المشكلات التي خلفتها الحضارات والفلسفات المادية والغزو الفكري الحالي تتطلب جهودا جبارة على كل صعيد".
إن ما يقلقنا الآن أمران:
1- حصر الاهتمام بالنصيحة، وترك أمور أخرى هامة أيضا، فالموازنة مطلوبة، وإعطاء كل الأمور حقها كاملا.
2- ما هو المقياس لهذه المنكرات؟ يجب أن يكون مقياسنا مقياس الاعتدال، فلا نضخم الصغير في الدين أو نصغر الكبير فيه بحكم العادة فقط.
وبما أنك لم تحددي نوع المنكرات، فإن النصح قد يكون بحسب نوعها، فمثلا الغيبة منكر جماعي، وهي منتشرة في الأوساط النسائية، ولا يخفى على مسلم حكمها في القرآن والسنة، فالنصيحة هنا يجب أن تشمل الكل.
أما المنكرات الفردية، فمن الصعب أن تكون النصيحة لكل شخص، لأن قدرة الإنسان محدودة، وثانيا فالتركيز على شخص معين بما يناسبه والتواصل معه أكثر جدوى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم" رواه البخاري.
علما بأن الدعوة المباشرة ينفر منها غالبية الناس بطبيعتهم إلا بوجود الحكمة والكلمة الطيبة، والله تعالى أعلم بخلقه منا، حيث قال سبحانه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وقال عز وجل: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وفي كتاب "من فيض الرحمن" للشيخ الشعراوي رحمه الله، أشار فضيلته إلى أدب الدعوة إلى الإيمان بقوله: "ها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى تعليم ربه بأن يقول لخصومه: (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون).
إن محمدا صلى الله عليه وسلم يتحدث إلى خصومه بأن كل واحد من البشر محاسب على عمله، فأنتم أيها الخصوم لا تسألون عن (إجرام) أي من المؤمنين، ونسب الإجرام هنا لنفسه، وللمؤمنين لأن خصوم الإسلام نظروا إلى الإيمان أول الأمر على أنه جريمة، ولكن حين أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصف سلوك الخصوم قال بلسان الحق: (ولا نسأل عما تعملون).
إن قياس الكلام هنا كان أوجب أن يقول الرسول: (ولا نسأل عما تجرمون)، لكن الله يعلم نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم آداب الجدل، فلا تأتي سيرة الإجرام حتى بالنسبة لمن يتحقق عند الله إجرامهم، ومع ذلك لم يجابههم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجرام، هذا هو أدب الجدل".
هذا هو الأمر مع الكفار، فكيف بدعوة المسلمين؟.
وقصة المأمون تدل أيضا على ذلك، عندما دخل واعظ على المأمون فوعظه وعنف له في القول، فقال المأمون: يا رجل، ارفق، فإن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، بعث موسى وهارون إلى فرعون، فأوصاهما بقوله: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
فنبغي الانتباه والحرص عند النصيحة على أن لا يشعر المتلقي بأنه مسرف ومخطئ أو أقل درجة من الناصح.
وأنا متأكدة - إن شاء الله - أنك بنية صادقة وعمل جاد دؤوب، ستؤدين واجبك بعون من الله تعالى وتوفيق منه.
وحول فقه تغيير المنكر، أنصحك بقراءة الفتوى التالية:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقهه وضوابطه
أسأل الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه.
=================
ننصحه فيتوب .. ثم يعود!
السلام عليكم،
لي أحد الزملاء ممَّن حُرم من العاطفة الأسريَّة، فهو يكون بيننا من الملتزمين، ولكن نكتشف أنَّه ذو تصرفاتٍ خاطئةٍ ومُخلَّةٍ من ورائنا، وكلَّما حاولنا نصحه يسمع ويتوب ويبتعد، ولا يلبث لحظاتٍ إلا وقد عاد بشهوةٍ أقوى من الشهوة القديمة، وأنا مَن يقوم بتربيته حاليّا، علمًا بأنَّه في الـ 16 من عمره.
…السؤال
الدعوة الفردية, إيمانيات …الموضوع
الأستاذة سميرة المصري…المستشار
……الحل …
الأخ الكريم فهد، السلام عليكم ورحمة الله
إنَّ مرحلة المراهقة التي يمرُّ بها زميلك هي مرحلةٌ خطرة، يكثر فيها زلل الشباب، وتتزايد فيها الأخطاء عند غالب الناس، إلا من أكرمه الله بمَن يُحسِن رعايته، ويتابع تربيته، ويوجِّه طاقته نحو الخير.
وبما أنَّك قريبٌ من صديقك هذا وتتابع تربيته، فإنِّي أنصحك أن تحاول فعل ما يلي:
* أن تشغل أوقات فراغه؛ لأنَّ الشيطان يُزيِّن المعاصي، ويُوسوس للإنسان من باب الفراغ، وبما أنَّ الطاقة والحيويَّة تكون في هذه السنِّ في أعلى درجاتها، فإنِّها تبحث عن مُتنفسٍ لها، فإذا لم تصرف بالنافع من العمل فإنَّها ستتوجَّه تلقائيّا نحو السوء.
فإلحاقه بنادٍ رياضيٍّ يصرف فيه بعض طاقته هو أمرٌ جيِّد، وتكليفه بمهامٍ تتطلَّب حيويَّةً وجهدًا يمكن أن تُعزّز ثقته بنفسه، وتفرغ الشحنات الحبيسة من طاقته.(9/91)
* أمَّا الرفقة فهي من أكثر العوامل فعاليةً على طريق إصلاح الفرد والتأثير في مساره؛ لأنَّ هذه المرحلة من العمر تحتاج إلى راعٍ ناضجٍ يُبصّره بالصواب ويرشده نحو الخير، وإلا أصبح تابعًا لمن يُلبِّي له رغباته دون النظر إلى عاقبة عمله، فالاندفاع الغريزيّ يكون في أوجه، ومكابح العقل تكون ضعيفة، فإذا تلازم ذلك مع افتقاد العاطفة الأسريَّة وضعف الإيمان، يصبح الانحراف والضياع أمرًا طبيعيّا وكثير الحدوث.
* إنَّ مرافقته إلى المسجد ومشاركته في الأنشطة المفيدة، سواءً كانت دينيَّةً أو ترفيهيَّة، كلُّ ذلك يخفف من شعوره بالحرمان العاطفي، خاصَّةً إذا احتضنه بعض الإخوة، وأحسَّ منهم الحبَّ والمودَّة، عند ذلك يسترجع بعض توازنه النفسي، فلا يلجأ إلى تأكيد شخصيَّته من خلال الانغماس في الشهوات أو عبر التصرُّفات الخاطئة.
* إنَّ متابعتك له مع مربٍّ يثق به ويحبُّه كي يوجِّهه هو السبيل الأهمّ على طريق إصلاحه، فما أسرع ما تزلُّ في هذه المرحلة القدم نحو الهاوية؛ لأنَّ الشهوة تكون عارمة، والسيطرة على الغريزة ضعيفة.
وألخّص نصيحتي بالتالي:
أوَّلاً: تقوية وازعه الدينيّ إذا أمكنك ذلك، وإلا فاستعن على ذلك بمن هو أكبر منك وأعلم بسبل الإرشاد والتوجيه، عَبْر جلسةٍ إيمانيَّةٍ تتحدَّث فيها عن نعيم الجنَّة، ومنزلة كلّ شابٍ ينشأ في طاعة الله، ويُعرض عن هوى نفسه ويغلِّب حبَّ الله ورسوله عمَّا سوى ذلك، كي يتذوَّق حلاوة الإيمان، وله في قصَّة يوسف عليه السلام خير أسوة، وفي رواية قصص الصحابة الشبَّان خير قدوة؛ لأنَّهم استطاعوا ترويض أنفسهم نحو رضى الله.
ثانيًا: محاربة الفراغ بإشغال وقته وصرف طاقته نحو النافع من العمل؛ لأنَّها إذا لم تجد مصرفًا مفيدًا؛ فسوف يشغلها بالسوء، ويندم بعد ذلك على ما فاته من الخير بعد فوات الأوان.
ثالثًا: إبعاده عن رفقاء السوء؛ لأنَّه في هذه السنّ لا يعرف مصلحته، ويندفع وراء شهوته وينزلق تدريجيّا دون أن يدري.
رابعًا: التأكيد على دور الحفظة الكرام الكتبة، الذين يدوِّنون أعمال الإنسان بأمرٍ من الله، وأنَّه سوف تُنشَر صحيفة أعماله على الملأ يوم القيامة، فما يُخفيه عن الخلق يراه الخالق، وما يتحرَّج عن الإعلان عنه، وإطلاع الناس عليه فسوف يُفضَح به على الأشهاد جميعًا، ما لم يتبعها بتوبةٍ نصوح.
وفّقك الله يا أخ مُهنّد إلى ما يحبُّه الله، وأعانك على هداية زميلك.
===============
خطة صيفية للمراكز الإسلامية
أنا أعمل في مركز إسلامي، ونريد أن نعد برنامجًا دعويًا صيفيًا لجمهور المركز، بحيث يكون صيف مفيد ومثمر بالنسبة لهم.
نرجو اقتراحاتكم حول هذا البرنامج.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
بداية أحييك - أخي الكريم - على همتك وحرصك على نشر الخير والفائدة بين المسلمين.
إن دور المراكز الإسلامية في الغرب له عظيم الأثر على أبناء الجالية المسلمة وعلى المسلمين المحليين بنفس الوقت، ولأن الصيف ثري بالساعات التي تضيع هباءً - غالبًا - فإن برامج الصيف تصبح مطلبًا هامًا لا بد أن تعد المراكز الإسلامية له خير الإعداد.
وأقدّم هنا تصورًا مجملاً، عسى أن ينتفع منه أكبر قدر ممكن من المسلمين عبر المراكز الإسلامية المنتشرة في بلاد غير المسلمين:
معرفة الواقع:
ونعني به حجم ونوعية مرتادي المركز خلال الصيف، فبعض الطلبة غالبا ما يغادرون إلى بلادهم الأصلية، ويتبقى القليل منهم، وبذلك تكون الفئة المستفيدة من البرامج هي الأسر المقيمة في هذا البلد بصورة دائمة، إضافة لبعض المسلمين الجدد، وربما بعض القادمين للسياحة الداخلية من المدن الأخرى أو حتى من الخارج.
أهم البرامج والأنشطة:
وحتى تؤتي هذه الأنشطة والبرامج ثمارها لا بد أن نراعي فيها احتياجات ورغبات جميع فئاتها، لذلك لا بد أن تتنوع بين برامج تخص النساء، وأخرى تخص الأطفال، وأخرى تخص الشباب، وهكذا، ونبين كلاً منها على حدة حسب الفئة المستفيدة منه:
* الأطفال:
حيث إنهم يمتلكون في العطلات الصيفية الوقت الكثير، ولا بد من استثمار أوقاتهم حتى ينشأوا نشأة صحيحة سوية، وهذا يتطلب منا أن نعد لهم البرامج المختلفة والتي تجمع بين الفائدة والمتعة.
وأقترح في هذا المجال النشاطات التالية:
1- النادي الصيفي:
حيث يشتمل على برامج تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم الحديث النبوي الشريف، وأركان الإسلام والإيمان، والقصص القرآني، والأذكار، والعبادات، واللغة العربية، إضافة لبرامج ترفيهية، كالمسابقات الثقافية والرياضية، والرسم، والكمبيوتر، والألعاب، والرحلات.
2- يوم رياضي:
ويزاول فيه المشاركون هواياتهم وألعابهم الرياضية، ويمكن تعليمهم بعض الألعاب المسلية والممتعة.
3- المخيم الصيفي:
ويكون عبارة عن مخيم يتم إقامته في منطقة جميلة ومناسبة، ويحوي أهم المرافق اللازمة لإقامة البرامج التعليمية والتثقيفية والترفيهية والرياضية، وتصقل فيه مواهبهم ويفرغوا طاقاتهم، ويكون مدته أسبوع على الأغلب أو حسب ما يراه المنظمون.
* الأسرة:(9/92)
تعاني الأسر المسلمة في بلاد غير المسلمين من قلّة برامجها الترفيهية لكثرة مشاغلها الحياتية ولقلة الأماكن المناسبة لإقامة الأنشطة فيها من جهة أخرى، هذا ناهيك عن انتشار الإباحية والفساد الأخلاقي، مما يصعب إمكانية الترفيه والاستمتاع بالإجازات والعطل؛ وهذا لا يمنع من وجود أماكن مناسبة يختارها المشرفون على المراكز الإسلامية بعناية، بحيث يقيمون فيها بعض أنشطتهم، ويعرِّفوا هذه الأسر على مثل هذه الأماكن حتى يرتادوها وتكون لهم كبديل مناسب يقضون فيها عطلاتهم وإجازاتهم.
ومن الأنشطة الطيبة التي يمكن القيام بها:
1- يوم الأسرة:
وهذا نشاط جميل يمكن لأفراد الأسرة جميعًا المشاركة فيه، وهو عبارة عن يوم كامل يقضيه أفراد الأسر المسلمة المقيمة في الغرب معًا في مكان معد مسبقًا لذلك، قد يكون هذا المكان هو المركز الإسلامي في حالة أن تكون المرافق الخاصة - كالحديقة وملاعب الأطفال والصالة الرياضية وغيرها من مرافق تلزم عادة - متوفرة فيه، أو يكون أي متنزه يتم حجزه، أو أي مكان عام مناسب يحدده بعض المتطوعين من المشاركين، بحيث يكتشفوه ويروا مدى ملاءمته.
ويمكن للنساء أن يقمن بإعداد مأكولات أو حلويات خاصة على ألا يجهدن أنفسهن في ذلك كثيرا، ويمكن للرجال أن يقوموا بالشواء وإعداد الطعام، ويتعاون الجميع في نفقاته وتجهيزه. المهم أن هذا اليوم لا يدرج فيه محاضرات أو دروس لأنه يهدف إلى توطيد علاقة الأسر المسلمة ببعضها صغيرها وكبيرها، كما يهدف إلى توفير جوّ من المتعة والترفيه الذي طالما تطلعت إليه هذه الأسر.
2- رحلات عائلية:
حيث يرتب المركز لعدة رحلات عائلية للمتاحف الموجودة في المدينة أو المدن القريبة منها، كما تقام رحلات أخرى في السفن السياحية التي يمكن حجزها، أو الذهاب للمتنزهات والحدائق العامة، ويمكن أن تقام فيها مسابقات بين العائلات تحتوي على أسئلة دينية وثقافية وعلمية، وتفوز في النهاية إحدى الأسر المشاركة.
3- البرامج التعبدية:
يمكن في هذا المجال عمل اعتكاف يوم شهريا، أو حلقات تلاوة يومية أو أسبوعية، بحيث نحيي قلوبنا بطاعة الله، ونجعل لها حظًا من العبادة الروحية بشكل طبيعي لا إفراط فيه ولا تفريط.
* الشباب:
حيث يمثلون شريحة كبيرة من المسلمين المقيمين في الغرب، ولديهم من الوقت والطاقة ما يؤهلهم للتفاعل مع مختلف الأنشطة والبرامج، علمًا أن بعض الآباء - للأسف - يقصر في اهتمامه بأبنائه ممن هم في هذه المرحلة العمرية، مما يجعلهم ينخرطون في المجتمع بشكل سلبي، ويتأثرون به وبما يسوده من الإباحية والفساد.
لذا يمكن للمراكز الإسلامية أن تأخذ زمام المبادرة بإعداد برامج خاصة تتناسب مع هذه الفئة العمرية الهامة، ويمكن القيام بهذه الأنشطة:
1- دورات تعليمية:
من الممكن أن تكون هذه الدوات في التلاوة، والتجويد، والكمبيوتر، واللغة العربية، والخط العربي، بعض الحرف أو المهارات العملية الحياتية، وما شابه.
2- مخيمات صيفية:
حيث يمكنهم أن يقضوا فيها أوقاتهم في التثقف والتعلم والتنافس في المسابقات المختلفة والرياضات الممتعة، كما يحيوا فيها لياليهم بالسمر الممتع والمفيد، والذي يشتمل على الفقرات المتنوعة من ألعاب ترفيهية ومواقف تمثيلية وأناشيد هادفة.
3- اليوم التطوعي:
يجتمع فيه الشباب على التطوع في عمل معدّ له مسبقًا، ويكون فيه خدمة للمجتمع من حولهم، كمراكز العجزة، وملاجئ الأطفال الأيتام، أو تنظيف مقبرة المسلمين، أو طلاء أرصفة الشوارع التي يسكنون فيها، أو تنظيف الحدائق العامة وتقليم أشجارها.
ومعلوم ما لهذه البرامج من فائدة تعود على المجتمع ككل عندما يعطي المسلمون فيها صورة حية للتعايش بين الثقافات المختلفة، ويدللون على صدق انتمائهم لأوطانهم ومجتمعاتهم التي يعيشوا فيها.
4- المسابقات المتنوعة:
من المعلوم أن المسابقة تحقق الكثير من الأهداف التربوية، ولها دور في تحفيز القدرات وتوظيف الطاقات، لذا يحسن بالمراكز الإسلامية أن تعد مسابقات في حفظ القرآن الكريم، وحفظ بعض المتون كالأربعين النووية؛ ومسابقات ثقافية شاملة حية بحضور مجموعة من الفرقة المتسابقة في مكان واحد وتجرى مسابقة حية بينهم؛ كما يمكن عمل مسابقة في الألعاب الرياضية المختلفة، كدوري كرة قدم، والطائرة، وتنس الطاولة، الشطرنج، وغيرها من الألعاب التي تبرز فيها المهارات وتوظف بشكل صحيح.
أخي الحبيب، الأنشطة التي يمكن القيام بها خلال الصيف كثيرة ويسهل التعرف عليها أو الإعداد لها، والذي نقصده من خلال هذه الإجابة هو أن نؤكد على أهمية استثمار الصيف وتفعيل برامج المراكز الإسلامية فيه، ويمكن لكل مركز أن يضع خطة مدروسة يراعي فيها الإبداع والابتكار بما يخدم الواقع ويحسن توظيف الإمكانيات المتاحة، ولنتذكر أننا لا نحرص على إقامة الأنشطة الكثيرة بمقدار حرصنا على أن تتلاءم هذه الأنشطة مع واقع الجالية واحتياجاتها.
واللهَ نسأل لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل، وبارك الله لنا في صيفنا وجعله صيف طاعة ومتعة وفائدة.
==============
الحقد الأخوي .. كيف أنزع فتيله؟
أولا: إني أحبكم في الله،
هناك ثلاثة أسئلة، أرجو الإجابة عليها من الأستاذ فتحي يكن، وهى:
* إن لي أخا أشعر في أحيان كثيرة أنه يحقد علي، ما هو رد فعلي؟ وماذا أفعل معه؟.
* قال لي أحد الإخوان أنني متى أعرف أي شيء من العلم أو الأخوة أو الإخلاص يجب أن أطبقه أولا، وإن لم أطبق منها جزءا سأحاسب عليه.(9/93)
* سأل أحد الإخوان عن العادة السرية ومدى تعارضها مع الدعوة في العمل الجامعي، هل يستمر أم يعمل في مجال معين، أم ينقطع عن الكلام في المسجد، أم أن هناك حلا آخر؟.
عفوا - يا أخي - أشعر أن كلامي مباشر وسريع، ولكن نظرا لضيق الوقت.
وجزاكم الله خير الجزاء.
…السؤال
قضايا وشبهات, العائلة …الموضوع
الدكتور فتحي يكن, الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد رعاك الله،
نقول لك ابتداء إننا نحبك في الله كذلك، ونسأله تعالى أن يلهمنا حبه، وحب من يحبه، وحب عمل يقربنا إلى حبه.
سؤالك الأول - أخي الكريم - يكتنفه الغموض، فشعورك بأن أخاك يحقد عليك يبقى شعورا لا أكثر يلزمه الدليل والبينة، فهو حكم على ما في داخل أخيك وباطنه، فهو كلام عن الحقد، والحقد يبقى صفة من صفات الباطن، قد يكون موجودا وقد لا يكون له أدنى وجود.
اعلم أيها الأخ الكريم أن للحقد أسبابا، كما أن له دلائل، وكما أننا مطالبون بتبيين دلائل الحقد، فإننا قبل ذلك مطالبون بالبحث عن أسبابه؛ لأنه لا يمكن أن ينشأ من فراغ وبدون سبب.
فإذا أدركنا ذلك وقمنا من جانبنا باستكشاف الخلفيات الكامنة وراء الحقد والغيرة والحسد وغيره، أمكننا وضع الإصبع على العلة والمشكلة، وعرفنا كيف نبدأ بالمعالجة ومن أين.
هل سألت نفسك - أخي - وبصراحة كاملة عن سر حقد أخيك عليك؟ إن تأكد لك ابتداء أنه يحقد عليك، وهل خالجك شعور ما باحتمال أن تكون أنت المسئول عن حالة الحقد هذه؟.
أنا أطرح عليك ذلك وأنا لا أعرف طبيعة ظروفك وحياتك وعائلتك وعلاقاتك، هل لكما أبوان؟ هل لكما أشقاء آخرون؟ وهل أخوك - الذي ذكرت - يكبرك في السن أم هو أصغر سنا منك؟ هل يتابع دراسته كما تتابع أنت أم أنه ترك الدراسة؟ هل يعمل أو لا يعمل؟ هل تلقى ممن حولك رعاية لا يلقاها هو؟ هل أنت متميز أو مميز في أمور هو محروم منها؟
هذه الأسئلة وغيرها لابد من معرفة الجواب عليها، إن أردت أنا أو أراد سواي أن يساعدك على حل مشكلتك.
يكفي أن أذكرك بالمأساة التي ألمت ببيت نبي الله يعقوب عليه السلام التي حكاها القرآن الكريم بالتفصيل، وأفرد لها سورة كاملة هي "سورة يوسف"؛ لتكون عبرة لآل يعقوب ولنا وللناس أجمعين، أفرادا وأسرا ومؤسسات ومجتمعات، المأساة هذه بدأت بغيرة أبناء يعقوب عليه السلام من أخيهم يوسف: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين)، ثم انتقلت إلى حال من الحقد والكراهية، دفعت بهم إلى التخلص من أخيهم يوسف عليه السلام: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخْل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين).
وهكذا بدأت رحلة المأساة هذه تشتد وتكبر لحكمة يريدها الله تعالى، منها ما يخص خلقه وعباده من دروس وعبر، مصداقا لقوله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)، وقوله: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون).
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن تبين لك - يقينا - أن أخاك يحقد عليك، وأسأل الله تعالى أن لا يكون كذلك وأن يدحض الشك باليقين، فمطلوب منك أن تبادر إلى معالجة الأسباب، سواء كنت أنت المسئول عنها أو غيرك، ولو بمكاشفة أخيك بدافع الحب له والغيرة عليه، وإن لم يبادلك الشعور نفسه.
إن جلسة صفاء مع أخيك تبادره بها احتسابا لوجه الله وطمعا في إصلاح ذات البين، يمكن أن تكون كافية لحل المشكلة وإعادة الأمور إلى طبيعتها، هذا فضلا عما ينالك من أجر وثواب، فرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"رواه البخاري.
وثمة قضية أخرى أتمنى أن تتحلى وتتجمل بها، وهي أن لا تعامل أخاك بمثل ما يعاملك به هو كائنا ما كانت الأسباب والخلفيات والعوامل، فنحن مطالبون بالإحسان وإن أساء إلينا الآخرون، فكيف إن كانوا من أولي الأرحام والأقربين؟ وصدق الله تعالى حيث يقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
ثم دعنا نستذكر معا قصة قابيل وهابيل فهي تعنينا جميعا، بخلفياتها ووقائعها ونتائجها، فضلا عن دروسها وعبرها، مستعيذين بالله من الشيطان الرجيم ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، قال تعالى: (واتل عليهم نبأ ابنيْ آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين"، إلى آخر الآيات التي تحكي قصة هذه المأساة.
أما عن سؤالك الثاني المتعلق بالتطبيق العملي لما نتعلم، فنحن بدون شك مطالبون بالعمل، ولابد وأن يصدق العمل العلم، وإلى ذلك يلفتنا أنس رضي الله عنه حين يقول: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل".
آمل أن أسمع منك ما يطمئن ويثلج الصدر فيما يتعلق بأخيك، وإنني على استعداد لمتابعة المشكلة معك حتى يوفق الله لحلها، إنما لابد حينذاك من بعض التفاصيل التي سبق وأشرت إليها، والله الموفق إلى سواء السبيل.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
بالنسبة لسؤالك الأول - أخي الحبيب محمد - فإن كلام الدكتور فتحي – حفظه الله - ينطبق تماما على الأخ في الله كما ينطبق على الشقيق، أنت أسميته "أخ"، وهذه ليست بالكلمة القليلة ولا الهينة، إنها رابطة وحقوق، إنها تفاهم وتآلف، حتى لو لم تجمع بينكما رابطة النسب، ولله در من قال:
إن يبْل مصطنع الإخاء فإننا ..... نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ..... عذب تحدر من غمام واحد(9/94)
أو يفترق نسب، يؤلف بيننا ..... عمل أقمناه مقام الوالد
فالأخوة علاقة أصلها الصفاء ونقاء القلوب، وأقل حقوقها سلامة الصدر؛ ودعني أجمل لك القول في هذه النقاط:
* اعلم - أخي - أن الأصل في علاقة المسلمين ببعضهم البعض تقديم حسن الظن وافتراض الخير فيهم، ومع أخيك أولى؛ لأنني لو أحسست أن أخي يحقد علي سأحمل كل مواقفه معي على هذا الإحساس، وهو في نهاية الأمر إحساس قد يكون أخي منه براء؛ وحينها يجد الشيطان أرضا خصبة يغرس فيها بذور الفرقة والشقاق بين المسلمين.
* حاول أن تبعد هذا الإحساس عنك - حتى لو كان حقيقيا وبدا ما يؤيده - بالتقرب إلى أخيك وتحبيبه إلى قلبك عمليا وكن أنت اليد العليا.
* أكثر من الدعاء (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا واغفر لنا إنك رؤوف رحيم).
* وأخيرا أسوق لك موقفا ما أجمل ما يحمله من معاني في الدلالة على نقاء هذه الأخوة، هو موقف ابن السماك الزاهد واعظ هارون الرشيد "حينما قال له صديق: الميعاد بيني وبينك غدا نتعاتب؛ فقال له: بل بيني وبينك غدا نتغافر".
أما عن سؤالك الأخير أخي محمد، فاعلم بداية أن المعصية لا توقف عملا لله، ورحم الله الحسن البصري إذ يقول: "لو لم يعظ الناس إلا المتقون ما وجدنا في الناس واعظا"؛ وما أجمع ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره بهذا الصدد، حيث يقول: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام في جميع الناس، فإن تشبثوا بقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)، وقوله: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ونحوه، قيل لهم: إنما وقع الذم هاهنا على ارتكاب ما نهي عنه لا على نهيه عن المنكر، ولا شك في أن النهي عنه ممن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه".
ولا أجد ردا على سؤالك التفصيلي عن العادة السرية خيرا من أن أضع بين يديك هذه الاستشارة والتي أجابها الدكتور فتحي يكن؛ فهي وما حوته من روابط قد غطت جوانب هذا الأمر جيدا، وعنوانها:
استمنائي وتفريطي .. مازلت قادرا
أعانك الله يا أخي، ووفقك لكل خير.
=================
في علوم الكمبيوتر .. ماذا أقدم للإسلام؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع"، وذكر منها: "وعن علمه ماذا عمل به". لقد قضيت سبع سنوات من عمري في دراسة تكنولوجيا المعلومات، فحصلت على درجة الدبلوم ثم البكالوريوس، كما أتيحت لي مؤخرا فرصة العمل في شركة أمريكية عالمية لها صيتها في مجال تخصصي.
وبما أن الأمة الإسلامية تعاني تخلفا كبيرا في شتى المجالات العلمية وخاصة علوم الكمبيوتر، فإني أشعر أن طريقا للجهاد فتح لي، وأن من واجبي إفادة أمتي بما خبرت وتعلمت، كما أني أتخيل من حين لآخر سؤال الله عز وجل لي يوم القيامة: "لقد أمضيت سبع سنوات في دراسة هذا المجال، لقد رزقتك علما نافعا، فماذا عملت به؟ وماذا قدمت للأمة، وهل استفادت منك؟".
والسؤال الآن: كيف يمكنني ذلك؟.
أفكر في تخصيص يوم كل أسبوع لتدوين الخبرات والتجارب التي أمر بها أثناء ممارستي للعمل، ثم أجمعها في كتاب أكتبه باللغتين العربية والإنجليزية؛ كي يستفيد منها المتخصصون في المجال نفسه، وكذلك أبناء الأجيال القادمة الراغبين في دراسته. لكن .. هل هذا يكفي؟.
وشكرا لكم.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.
أخي الحبيب، إن نية النفع وحدها تكفيك يوم القيامة إن شاء الله.
ألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهمية النية الصادقة والعزم الأكيد: ".. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أنَّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء .. " رواه الترمذي.
قال الإمام ابن تيمية: "في الأعمال الظاهرة قد يُعطىَ الإنسان مثل أجر العامل إذا كان يؤمن بها ويريدها جهده"، وهذا فيمن لا يملك شيئا لكن نيته صادقة وعَقدَ عزمه إذا جاءه نفع به، فما بالك بمن عنده مخزون منفعة من بعض أشياء كبعض علم وينتظر التوقيت المناسب لينفع به، أو هَمَّ بالنفع، أو بدأ بالفعل مثلك؟ لا شك أن ثوابه سيكون أضمن وأعظم.
ثم منفعة واحدة عظيمة تكفيك إن شاء الله، فهل سمعت عن الصحابي الجليل الذي يُسمَّي نُعَيْم إلا في منفعة واحدة، لكنها كانت هائلة الأثر، وقلبَت الموازين لصالح الإسلام والمسلمين في غزوة الأحزاب بحيلته الذكية وإيقاعه الخلاف بين المعتدين، ومثل نُعَيْم كثيرون.
ثم إن المنفعة قد لا يظهر آثارها إلا بعد موتك، فالواقع يثبت مثلا أن كتابا مثل: "في ظلال القرآن"، والذي كان نقلة في تفسير عملي واقعي للحياة بالقرآن، ما انتشر نفعه واشتهر إلا بعد استشهاد كاتبه، ومثل ذلك كثير.
ثم أنواع النفع كثيرة متنوعة، وذلك كما يُفهم ضمنا من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليُصَلوَّن على مُعَلمَِّي الناس الخير" رواه الترمذي، فقد تنفع بالعلم بذاته، أو بملحقاته، كأن تفيد الآخرين مثلا بخبراتك في كيفية التعلم أصلا، أو الترقي في العلم، أي علم، أو أساليب البحث العلمي، أو تطبيقاته العملية، أو المؤسسات العلمية التي يمكن التواصل معها، أو الوظائف المتاحة لهذا العلم أو غيره، أو كيفية تحصيل المال والعلاقات منه، أو إيجابياته وسلبياته والخطوات والخبرات الإدارية التي يحتاجها، أو ما شابه هذا.(9/95)
ثم درجات النفع أيضا كثيرة متنوعة، فهي تبدأ بنفع الفرد نفسه، ثم نفع من أقرب الناس إليه مثل: أسرته ثم جيرانه ثم أقاربه ثم زملائه وأصدقائه ثم أهل الحي الذي يسكنه ثم أمَّته ثم البشر كلهم ثم الأرض كلها بجميع مخلوقاتها، وهذا التوسيع لدائرة النفع يُفهَم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة" رواه مسلم.
وسيكون ذلك النفع من إجاباتك يوم القيامة على سؤال علمك ماذا عملت فيه، ولا تنس أبدا أن السؤال سيكون - بإذن الله - مخففا لكل مؤمن مستعد للآخرة، مطمئن لعمله، كما يقول صلى الله عليه وسلم عند تفسيره لعائشة رضي الله عنها قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا) : "إنما ذلك العَرْض، َمن ُنوقش الحسابَ يوم القيامةِ ُعِّذب" رواه البخاري ومسلم، فهو عرض سريع لأعماله دون تفاصيل، ولن يستغرق ذلك إلا كصلاة مكتوبة كما قال الإمام ابن حجر: "وقع في حديث أبي سعيد عند أحمد أنه يُخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة وسنده حسن".
أخي الحبيب، لقد استغرقنا سنوات سابقة كثيرة في التربية على أخلاق الإسلام كالصدق والأمانة وغيرها، ولا يزال علينا بالطبع الاستمرار عليها، ولكننا أصبحنا فعلا في حاجة إلى التركيز على التخصص، وهي المرحلة المُكَمِّلة التي يحتاجها الإسلام الآن؛ لتكون له دولة يديرها متخصصون في كل شئون الحياة بأخلاق الإسلام التي تربوا عليها سابقا، فتصبح دولتهم تلقائيا وتدريجيا إسلامية بحق، يسعد كل مَن فيها مِن مسلمين وغيرهم بعدل وحرية الإسلام، ثم دولة إسلامية بحق بجوار أخرى، وثالثة ورابعة تتَّحِد فيما بينها لتكوين اتحاد إسلامي (أي خلافة إسلامية)، يكون له مِن القوى البشرية والمالية والعلمية والإعلامية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والفنية والرياضية وغيرها ما يؤهله لنشر الإسلام بالحسنى للعالم كله ليسعد به، وينال المسلمون ثواب كل ذلك في آخرتهم بعدما سعدوا في دنياهم.
أخي الحبيب، ابدأ باستحضار نوايا أن عندك مخزون من العلم ستنفع به بإذن الله، وابدأ فيما اقترحته من اقتراح طيب، واجتهد في إقناع المقربين الثقات لك به، وكوِّنوا معا بذور فرق عمل علمية، وادع غيرك في التخصصات الأخرى لتكوين مثلها أيضا في تخصصاتهم، وليكن بينكم إن أمكن مؤتمرات نصف سنوية تنسيقية تكميلية؛ لتكونوا - بإذن الله - نواة المتخصصين المسلمين.
ولا تنس أن تكون قدوة على مسار حياتك، فأنت بعلمك وفكرك ومظهرك ومالك الذي ستكسبه من هذا العلم ستكون – بإذن الله - أفضل دعوة عملية لمن حولك.
واستمر في نواياك ونفعك بعلمك، فذلك جهادك في سبيل الله، لأن للجهاد كما تعلم صورا كثيرة غير القتال لصد الاعتداء، منها وأهمها العلم والفكر والمال والدعوة.
ولك ثوابك العظيم، ثواب العلماء والمفكرين والمجاهدين والدعاة إن شاء الله.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
===============
برامج دعوية للإجازة الصيفية
الأخوة الكرام في موقع إسلام أون لاين،
السلام عليكم ورحمة الله،
أنا طالب في إحدى الكليات العملية، وأمارس العمل الدعوي منذ كنت طالبا في المرحلة الثانوية، وأنا الآن أشرف على مجموعة من طلبة المرحلة الإعدادية، وأريد أن أستثمر معهم الإجازة الصيفية، وكذلك أريد أن أرتقي بنفسي خلال هذه الإجازة، فما تقترحون علي في هذا الشأن؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
…السؤال
وسائل اجتماعية, فنون ومهارات …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم، جزاك الله خيرا على حرصك على الاستفادة القصوى من كل المناسبات وتوظيفها دعويا بصورة عملية ومفيدة.
ونسأل الله تعالى أن تكون الكلمات التي سأقدمها هنا تحقق ما تأمل من سؤالك، وأن يكون فيها الفائدة لك وللقراء، وسأحاول في هذه الكلمات أن أعرض لجوانب الاستفادة من الإجازة وتوظيفها بشكل مفيد على المستوى الشخصي، وعلى مستوى العمل الدعوي.
أولاً- لتكن لنا زادا:
من فضل الله علينا أن جعل لنا استراحات نتوقف عندها، لنستريح من عناء المسير، ونراجع فيها أنفسنا، ونتزود منها لنواصل السير في طريق الخير والحق والصلاح، فلتكن لنا هذه الإجازة محطة نتزود منها بزاد الإيمان والثقافة، ونستثمرها كذلك في تنمية مهاراتنا المختلفة.
1- نتزود بوقود الإيمان:
لنجعل هذه الإجازة استراحة إيمانية وواحة روحية تصفو فيها نفوسنا، وترتقي بها أرواحنا، ونستمتع فيها بحلاوة العبادة ولذة القرب من الله تعالى ومناجاته، ونأخذ منها الزاد لسيرنا. وإذا أردناها كذلك فلنهيئ أنفسنا ونعدها ونوطنها وندفعها لذلك الأمر، ولنرفع يد الضراعة إلى الله تعالى ونلح عليه سبحانه أن يعيننا على ذلك، ثم نخلو بأنفسنا لنسطر برنامجا يساعدنا على أن نجعلها كذلك.
ومن الممكن أن يحتوي هذا البرنامج على عدة أمور منها:
* نجود أداء الفرائض: فهي أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وهي أحب الأعمال إليه تعالى كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن رب العزة: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه" رواه البخاري، ومن الأمور التي تساعدنا على تجويد أداء الفرائض:
- التزام الصمت عند الأذان، وترديده مع المؤذن، ثم ذكْر الأدعية المأثورة بعده.
- الحرص على الذهاب إلى المسجد مبكرا حتى لا تفوتنا تكبيرة الإحرام.
- مجاهدة النفس للتحلي بالخشوع في الصلاة.
- المواظبة على الأذكار المأثورة بعد أداء الصلاة.
- المحافظة على أداء النوافل القبلية والبعدية.(9/96)
* نكثر من الحج والاعتمار: ويمكنا الفوز بثواب الحج والعمرة بالانشغال بعد صلاة الفجر بذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم أداء ركعتين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" رواه الترمذي.
* نضاعف تلاوة القرآن: فتلاوة القرآن من العبادات الروحية التي تسمو بصاحبها، وتدفعه إلى فعل الخيرات، وهو أفضل ما يتقرب به إلى الله، وفي ذلك يقول الصحابي الجليل خباب بن الأرت: "تقرب إلى الله بما استطعت، فلن يتقرب إلى الله بشيء أحب إليه مما خرج منه" يقصد القرآن، فلنضاعف قدر تلاوتنا في هذه الإجازة.
* لا يزال لسانك رطبا بذكر الله: ولنضع لأنفسنا وردا من الأذكار المطلقة يوميا، كالاستغفار والتسبيح والتهليل والصلاة على النبي… إلخ.
* دقائق الليل الغالية: ليكن لنا ورد من قيام الليل، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ فقال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة: الصلاة في جوف الليل" رواه مسلم.
2- نتزود بالعلم والثقافة:
ومن الضروري أن يستثمر الداعية هذه الإجازة في تنمية الجوانب العلمية والثقافية لديه، ويمكنه ذلك بوضعه برنامجا يحتوي على بعض الأفكار التي تساعده على تنمية هذه الجوانب، مثل:
- تحديد قدر مناسب من القرآن يتم حفظه ومراجعته يوميا.
- تحديد عدد من الأحاديث النبوية الشريفة يتم حفظها خلال هذه الإجازة، مع مراعاة قراءة شرح مبسط لهذه الأحاديث.
- اختيار كتاب أو مجموعة من الكتب لمطالعتها خلال فترة الإجازة.
- انتقاء مجموعة من شرائط الكاسيت والفيديو والأسطوانات المدمجة CDs للاستماع إليها أو مشاهدتها خلال هذه الإجازة.
3- ننمي مهاراتنا وقدراتنا:
وتعد هذه الإجازة فرصة يمكن للدعاة أن ينموا فيها قدراتهم وإمكاناتهم ومهاراتهم في الجوانب المختلفة، مثل: مهارات القراءة السريعة، ومهارات استخدام الكمبيوتر، وتعلم اللغات الأخرى، وتعلم فنون كتابة الخط العربي، ومهارات البحث والتعامل مع المراجع، ومهارات وفنون التعامل مع الآخرين، والإسعافات الأولية، والأشغال اليدوية… إلخ.
ومن الضروري أن نحدد بدقة ما نحتاجه بالفعل من مهارات، وما تسمح به ظروفنا أن نكتسبه خلال هذه الإجازة دون مبالغة أو إسراف في محاولة اكتساب العديد من المهارات دفعة واحدة، ثم لنشرع في تعلمها واكتسابها من خلال الانتظام في إحدى الدورات المتخصصة أو بالاستفادة من خبرات وتجارب أحد المتخصصين أو المتميزين في هذا الأمر أو بالقراءة عنه أو غير ذلك من الوسائل التي تساعدنا على اكتساب ما حددناه من مهارات.
ثانيا- برامج دعوية:
كان الارتقاء بالنفس روحيا وثقافيا ومهاريا هو الشق الأول المقترح لاستثمار الداعية للإجازة، أما عن الشق الآخر فهو العمل الدعوي، فنقترح عددا من الأفكار الدعوية التي نرجو الله تعالى أن تكون عونا للداعية على حسن استثمار هذه الإجازة مع من يدعوهم من الشباب:
1- مساعدتهم لوضع برنامج مماثل لما سبق:
من الممكن أن يوجه الداعية من يدعوهم ويعاونهم على وضع برنامج للارتقاء بالجوانب الروحية والثقافية والمهارية لديهم، مستعينا في ذلك بالأفكار المذكورة سلفا للارتقاء بذاته، مع مراعاته لقدرات وأعمار من يتعامل معهم من المدعوين.
2- دورات مهارية:
ويمكن للداعية أن ينظم عددا من الدورات في المجالات المهارية المختلفة، بقصد تنمية مهارات وقدرات وإمكانيات المدعوين، مثل: مهارات استخدامات الكمبيوتر، وتعلم اللغة العربية واللغات الأخرى، وفنون التعامل مع الآخرين، والإلقاء، والتطريز، والإسعافات الأولية، وتعلم أساسيات حرفة من الحرف... إلخ.
3- دورات ثقافية مكثفة:
ويتم تنفيذ هذه الدورات الثقافية المكثفة في أحد العلوم، مثل: التجويد، والفقه، والسيرة، والتاريخ الإسلامي، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، وعلوم القرآن أو غير ذلك من العلوم التي يحتاج إليها المدعوون.
4- مدرسة لتحفيظ القرآن:
وينصب اهتمام هذه المدرسة على تحفيظ المدعوين قدرا مناسبا من القرآن خلال هذه الإجازة، ولذا فمن الممكن أن تنفذ هذه المدرسة كل يوم أثناء فترة الإجازة.
5- مسابقات متنوعة:
ويمكن إقامة عدد من المسابقات بأشكال مختلفة، مثل: مسابقات في حفظ القرآن أو الأحاديث، أو في إعداد بعض الأبحاث، أو في تلخيص بعض الكتب، أو مسابقات ثقافية مطبوعة.
6- معارض فنية:
ومن الممكن تنظيم معرض فني، تُعرض فيه الأعمال الإبداعية للمدعوين من أعمال فنية وأدبية وغير ذلك.
7- أنشطة رياضية:
ويمكن تنظيم هذه الأنشطة في صورة دورات في عدد من الرياضات، مثل: كرة القدم أو السلة أو اليد أو الطائرة أو تنس الطاولة… إلخ.
8- حفلات السمر:
ومن الممكن أن تتضمن هذه الحفلات مجموعة من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، وبعض الأناشيد والمسرحيات القصيرة الهادفة التي تكسب بعض المعاني
والقيم والمفاهيم للمدعوين، ومسابقات ثقافية، وألعاب ترفيهية، وفقرات للتعرف على المواهب المجهولة... إلخ.
9- رحلات ترفيهية:
ويستطيع الداعية أن ينظم خلال هذه الإجازة رحلة لمن يدعوهم، ومن الممكن أن تكون هذه الرحلة زيارة لإحدى الحدائق والمنتزهات أو الأماكن العامة، وقد تكون زيارة لأحد المتاحف، وقد تكون رحلة نيلية أو خلوية أو جبلية أو بالدراجات... إلخ.
10- المخيم أو المعسكر:(9/97)
وهناك عدد من الفقرات من الضروري أن يراعي الداعية أن يحتوي عليها المخيم حتى يؤتي ثماره الدعوية، مثل: فقرات إيمانية، وثقافية، ورياضية، وألعاب ترفيهية، ورحلات وجولات حرة، وحفلات السمر.
11- تنظيم أنشطة خدمية:
مثل المساهمة في إقامة وتنظيم برامج لمحو الأمية، أو تنظيف الحي وتشجيره وتجميله، أو تنظيف المسجد وإجراء الإصلاحات التي يحتاج إليها… إلخ، مع مراعاة أن تتم هذه الأنشطة
بإشراك المدعوين في تخطيطها وتنفيذها.
ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم التوفيق والسداد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
================
إلقاء الكلمات .. خطوات لكسر الخوف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد..
في البداية أحييكم على هذا الموقع الممتاز.
أنا والحمد الله ملتزم منذ فترة مع شباب صالحين في الحي الذي أسكن به، وفي المسجد الذي نصلي به يوجد بعض الأنشطة التي نقوم بها، ولكن عندما يسند لي بعض الأعمال مثل إلقاء كلمات أو الإمامة، لا أستطيع أن أقوم بها، وأحس برهبة شديدة، وأرفض القيام بها، وغير ذلك من الأعمال الدعوية التي أقوم بها.
فما هي الوسيلة التي أتغلب بها على هذا الحوف؟.
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
فنون ومهارات …الموضوع
الأستاذة حياة المسيمي…المستشار
……الحل …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الفاضل، إن من أفضل الأعمال إلى الله تعالى الدعوة إلى الإسلام ونشر فكرته بين الأنام، كما قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)، وصاحب هذا الأمر يقوم بأجلّ وظيفة، وأكرم عمل، وهي وظيفة الرسل والأنبياء والصالحين.
والدعوة عمادها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالكلمة، والموعظة، والخطبة، والكتابة، والتأليف، وغيرها من الوسائل المتنوعة، وكل مسلم مطالب بجزء منها حسب طاقاته وقدراته، وكلما زادت معرفته بأهمية الأمر وزادت قناعته به، زاد واجبه في توصيله إلى الآخرين.
وأعتقد - أخي الكريم - أن أهم أمر في الدعوة ميسر لك، ومسهل عليك، فأنت متوفر عندك - والحمد لله - الرغبة والقناعة الداخلية، وحب هذا العمل، بالإضافة إلى الصحبة الصالحة التي تعينك على هذا الأمر.
وبقي أن أقدم بين يديك بعض النصائح التي قد تساعدك إن شاء الله:
1- التدريب والمران على هذا الأمر، وليكن ذلك مرارا أمام أصدقائك من شباب المسجد، أو أهل بيتك، أو بينك وبين نفسك.
2- التحضير الجيد والمكتوب مهمان جدا في إعطاء الإنسان ثقة بنفسه وبما لديه.
3- المرة الأولى ستكون لها رهبة خاصة، وشعور بالخوف، وهذا لا ينبغي أن يرهبك لما بعده، لأنه أمر طبيعي يمكنك تجاوزه.
4- البدء بموضوع تشعر أنك تتقنه، وتستطيع أن تتحدث حوله براحة واسترسال.
5- يفضل البدء بموعظة قصيرة محددة، حتى تكسر حاجز الخوف.
6- حاول وأنت تتحدث أن تنسى من أمامك من أجل إرضاء الله تعالى، ولا تشعر بمراقبة الناس لك أثناء الحديث.
7- تذكر أن الناس يتلهفون لسماع الكلام الطيب وكل ما هو هام وجديد بالنسبة لهم، فاعتنِ بانتقاء الموضوعات التي تهم الحضور.
8- أكثر من الحديث الإيجابي مع ذاتك مثل: "أنا قادر على ذلك الأمر.. لقد حضرت له جيدا... إلخ"، وكرر هذا الأمر أثناء التحضير وقبل بدء الموعظة أو الدرس.
9- وقبل كل ذلك وقوامه الاستعانة بالله، والدعاء، وصلاة الحاجة.
وفقك الله إلى كل خير.
===============
لا أثق بنفسي .. نظرة الهر والأسد
مشكلتي هي أنني شخص ضعيف الثقة في نفسي، رغم أنني أمتلك من المهارات ما يساعدني على الدعوة إلى الله وأسعى جاهدا أن أوفّق بين دراستي والعمل لخدمة ديني، ولكنني يرتابني هاجس الهزيمة، ودائما أعتقد أن الدعوة الإسلامية ستضعف في المستقبل، وسيطغى أعداء الإسلام من العلمانيين ببلادنا، وذلك الهاجس والقلق لم يأت من فراغ، بل بعد أن تفحصت ما يجرى للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
فهل من وسيلة تعينني على كسب الثقة في نفسي، والنظر إلى المستقبل بمنظار إيجابي؟ وشكرا.
…السؤال
قضايا وشبهات, شباب وطلاب, إيمانيات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
أخي الكريم، بما أن الله قد أنعم عليك بمهارات شتى، فما عليك إلا إعادة استكشافها ثم ممارستها وتنميتها، وعليك أن تركز على مواطن القوة والتميز فيك وتقوم بتطويرها وإثرائها، كل شخص فينا قد أوجد الله فيه ما يميزه عن غيره، وأنت وجدت بفضل الله ما يميزك، فاشكر الله تعالى، وأد زكاة مواهبك هذه بالثقة فيها أولا، ثم بالعمل بها بما يخدم أمة الإسلام، ولا أدري من أين يأتيك هذا الضعف والوهن وأنت صاحب مواهب متميزة كما تقول؟ يا أخي إن الشخص الضعيف يجعل من نفسه أسدا، فكيف يرى القوي نفسه هرا؟!.
عليك أن تثق بالله أولا، ثم تثق بمواهبك وقدراتك، ثم تؤدي حق هذه القدرات زكاة واجبة للعالمين.
ومما يعينك على زيادة ثقتك بنفسك عند دعوة الناس لله تعالى أن تتذكر الآتي:
1- أن سلعتك التي تعرضها هي أحسن سلعة، كما قال تعالى: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)، فهي شاملة تدير كل شئون الحياة على أحسن صورة: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، بعيدة عن الخطأ لأنها من عند الله الكامل المنزه عن الأخطاء، قوية في ذاتها ليس فيها خلل: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، لا تحتاج منك إلى مزيد جهد في التنسيق والتجميل، فهي جميلة منسقة ومتينة في ذاتها، عليك فقط أن تحسن عرضها.(9/98)
2- أن من تدعوه عنده رصيد من الفطرة، كما قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه البخاري، أي يجعلوه مجوسيا يعبد النار.
فإن حدثته حتى ولو كان لأول مرة فستجد أنك لا تحدثه من الصفر، بل وكأنك تكمل معه حديثا سابقا، فمهمتك ما هي إلا محاولة إزالة ما يحجب الفطرة السليمة عن نور الإسلام مما قد ترسب عليها من غبار الشهوات وشواغل الدنيا.
3- أن عليك الأسباب وليس عليك النتائج، كما قال تعالى: (ما على الرسول إلا البلاغ)، فواجبك الذي تثاب عليه أن تبلغ ما تعلمته من الإسلام لمن حولك، الأقرب ثم الأبعد، كما قال تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وأن تصر على ذلك: (واصبر وما صبرك إلا بالله)، لكن لا شيء عليك إن لم يستجب أحد، أو استجاب ببطء، أو استجاب ثم رجع، أو ما شابه ذلك، إذ لك الثواب في كل الأحوال إن شاء الله.
4- أنك لو أخطأت فلك ثواب، ولو أصبت فلك الضعف، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر" رواه البخاري.
فذلك يشجع المسلمين على مزيد من العمل والدعوة، وأن يستفيدوا من أخطائهم ويصححونها، فتزداد خبراتهم من أجل إعمار الكون، ولعل هذه الاستفادة وهذا التصحيح وتنبيه الآخرين لعدم الوقوع في مثل هذا الخطأ هو السبب في أن عليه ثوابا أيضا، رغم أن المعروف والمتوقع دائما أن الخطأ عليه عقاب، ولكن هذا لا يعني بحال أن تتكلم فيما لا تعلم، ولكنه يعني أننا قد يصيبنا بعض السهو أو النسيان أو سوء الفهم، فنتحدث خطأ فيما نعلم، ثم نكتشف الحق، فنصحح ما نقول، أما الحديث فيما لا نعلم فليس من هذا الباب في شيء.
5- أنك بمجرد أن تبدأ دعوتك يأتيك عون الله تعالى وتوفيقه، وكفى بذلك زيادة لثقتك بنفسك، قال تعالى في الحديث القدسي: "ومن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا" رواه البخاري ومسلم.
فإذا ما تذكرت النقاط السابقة، فانتق البسيط من الأعمال الدعوية التي تتيقن استطاعتك القيام بها غالبا: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، حتى إذا ما نجحت في إنجازها ارتقيت إلى ما هو أكبر، وهكذا مزيد من النجاح بعد النجاح، مما يزرع فيك إضافة إلى ما ذكرته مما وهبك الله إياه من صفات جيدة مزيدا من الثقة تدريجيا بإذن الله.
أخي الكريم، مما يعينك على زيادة ثقتك بأن المستقبل للإسلام، أن تتذكر أنه في السنوات العشرين الماضية حدثت كثير من البشائر التي تدل على ذلك بفضل الله أولا ثم بفضل العاملين المخلصين المجاهدين للإسلام:
1- انتشار الفهم الشامل للإسلام: فبعد أن كان الناس يفهمونه على أنه صلاة وصوم وحج وذكر فقط، أصبح كثير منهم الآن يفهمونه على أنه أفضل نظام شامل وعادل للحياة كلها، وطبقوا ذلك عمليا بالفعل فيما تراه من مؤسسات المجتمع من وبنوك وشركات ومدارس ومستشفيات وعلوم ومخترعات ومنتجات وكتب وبرامج وفضائيات ومواقع كلها إسلامية النهج بمفهومه الشامل العام.
2- انتشار الحجاب بين معظم طوائف النساء، بعد أن كان مقصورا على الفقيرات أو العجائز أو القرويات، وكان في معظمه من باب العادات والتقاليد لا أكثر، ولكنه اليوم امتد وانتشر بفضل الله حتى شمل طوائف كان حلما أن يصل إليها، كالفنانات مثلا.
3- انتشار الأسماء ذات الدلالات الإسلامية، كعمر وعلي وخديجة وفاطمة، بعد أن كانت في أحيان كثيرة رمزا لتخلف من يسميها أو يحملها.
4- انتشار حفظ القرآن الكريم ودروس العلم في المساجد ودور التحفيظ، وحتى في البيوت.
5- إحياء بعض السنن التي كانت قد ماتت أو أوشكت، كالعقائق وصلاة العيد في الفضاء والتهجد في رمضان.
6- إحياء روح الجهاد والتحرر، كما نرى في العديد من المناطق، وفلسطين أبرز مثال على ذلك.
7- سهولة الاتصال والتواصل بين المسلمين، وبينهم وبين علمائهم وموجهيهم، وبينهم وبين غيرهم من غير المسلمين، من خلال وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والفضائيات وما شابهها، مما يعين على حسن فهم الإسلام، وتوضيح صورته النقية الخالصة الواضحة للعالم كله.
أخي الكريم، إن قوة الإسلام وضعفه ما هي إلا انعكاس لقوة المسلمين أنفسهم وضعفهم، فإذا كان المسلمون أقوياء في ارتباطهم بدينهم، وفي ترابطهم مع بعضهم، كان الإسلام قويا، والعكس بالعكس.
إن ما تراه الآن مما يحدث من إهانة للمسلمين في أماكن متفرقة من العالم، ما هو إلا نتاج عشرات السنين السابقة من تخاذلهم ونسيانهم لإسلامهم وتفريطهم فيه، في مقابل جدية عدوهم واستعداداته، فهذا هو قانون الأسباب والنتائج، فمن اتخذ الأسباب حقق النتائج حتى ولو لم يكن مسلما.
لكن لا تنس أن ما تراه من بشائر كثيرة ذكرنا بعضها، قد تحقق في زمن قليل، وهذه هي طبيعة الإسلام وقانون الله في التوفيق والبركة، فقليل من العمل المخلص الدائم يحقق كثيرا من النتائج، فما بالنا لو أكثرنا من العمل؟ ستكون النتائج عظيمة ولا شك، وسيعم خير الإسلام كل الأرض في وقت وجيز، بإذن الله وفضله.
فعليك - أخي الكريم - ألا تضيع لحظة، إلا وتدفع بها الإسلام للأمام خطوة، وعليك بالعمل الجاد المستمر، مع الصبر والأمل: (ألا إن نصر الله قريب)، ولا تنس أن تتعاون مع إخوانك في ذلك: (وتعاونوا على البر والتقوى)، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
أعانك الله أخي الكريم، ولا تنسانا من صالح دعائك.
===============
دعوة العمال .. الواجب المنسي
السلام عليكم،(9/99)
أعيش مع عدد كبير من عمال المطاعم والميكانيكيين، وقد دعوتهم للجلوس في حلقات علم ندرس فيها القرآن وقليلا من الفقه والثقافة الإسلامية، واتفقنا سويا عليها وتعاهدنا على ذلك، لكن أوقاتهم تتعارض كثيرًا، ودوامهم يأخذ معظم الوقت، فهم يقضون معظم النهار ونصف الليل في مطاعمهم وورشهم.
بعض هؤلاء يحمل هَمَّ الدعوة، لكن وقته لا يسمح له، فكيف يمكن العمل الدعوي في أوساط هؤلاء بنجاح؟.
شكر الله لكم.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الأستاذ عصام تليمة…المستشار
……الحل …
أخي عارف؛ حيا الله همتك، وسدد على طريق الحق خطاك، وفتح لك قلوب الناس لتملأها بنور الهداية بإذن الله.. آمين.
أخي الحبيب؛ إن مما يؤخذ على الدعاة اليوم تقصيرهم في دعوة العمال والفلاحين، فقد تحولوا في هذه الفترة إلى دعوة النخبة من المثقفين، وطلبة الجامعات والمعاهد والمدارس، لما في ذلك من سهولة استجابة المدعو، عملا بالحكمة القائلة: "التعليم في الصغر كالرقْم على الحجر، والتعليم في الكبر كالرقْم على الماء"، ونسوا أن هذه الشريحة من المجتمع تمثل ربعه إن لم يكن نصفه، تزيد أو تقل من مجتمع لآخر على حسب مستوى التعليم والثقافة.
فللأسف يعاني العمل الإسلامي حاليا من ضعف في العمل بين هذه الفئة، ولا نرى جماعة من الجماعات تعمل مع هذه الفئة، اللهم إلا جماعة "الدعوة والتبليغ" على ما نأخذه عليهم من ملاحظات في أسلوبهم ومنهجهم، إذ إنهم يهتمون فقط بالوصول بهذه الفئة إلى صورة معينة من التدين ليست هي الصورة المنشودة، ورغم ذلك فهم يسدون جزءا مهما من هذه الثغرة.
أما يا أخي وقد وقفت على هذه الثغرة، فلا بد من وقفة نقفها على أمرين مهمين، وهما:
- الأولى: أن نقف على أخلاقيات هذه الفئة حتى يسهل التعامل معها.
- الثانية: عن الوسائل والنصائح التي يمكن أن يستفاد بها في دعوة العمال.
طبيعة العمال وأخلاقهم:
للعمال أخلاقيات فيها الصواب وفيها الخطأ، شأنهم شأن أي إنسان، فيه من الضعف والقوة، وما تورثه البيئة من سلوكيات صائبة أو مخطئة، ولكنهم يتميزون عن غيرهم من المجتمع بسلوكيات وأخلاق منها:
1- البساطة والعفوية، فلا بد من مراعاة هذا، وأن يعاملوا بلا تكلُّفٍ أو تعالٍ.
2- الشهامة والنخوة، فهذه الفئة من الناس تتوفر فيهم هذه الصفة غالبا.
3- في العمال جرأة وطاقة قد تصل إلى تهور أو شدة، فلا بد من ترشيد هذه الطاقة، ووضعها في مكانها ووقتها المناسب.
4- هناك بعض الأخلاقيات فرضتها عليهم طبيعة المهنة، كالكذب، وإخلاف الوعد، والغش، وسوء الألفاظ؛ وهم يشتركون في هذه الأخلاق مع غيرهم، لكن يضطرون للجوء إليها بحكم طبيعة تعاملهم الدائم مع الناس، وليس ذلك تبريرا لما يفعلون، ولكن أردت أن نقف على ما بهم من سلوكيات.
أفكار ووسائل لدعوتهم:
أما عن كيفية دعوتهم والتعامل معهم لكسبهم في جانب الدعوة، فأوصيك بما يلي:
1- النهوض بمستواهم الخلقي والديني، وذلك يكون بمعاشرتهم، والتودد إليهم، وخفض الجناح لهم، وإعطائهم نموذجا للأسوة العملية بعيدا عن الكلام؛ فهذه الفئة من الناس تحتاج إلى نموذج يرونه أمام أعينهم يتواضع في تعامله معهم، وبعضهم يفتقد إلى مصداقية الداعية، لابتعاد الدعاة المشاهير عنهم وانشغالهم بمخاطبة الصفوة، فلو وُفِّقت إلى الاحتكاك بهم والتعايش معهم، ليعيشوا معك مناخ التدين، فهذا أمر مثمر بإذن الله.
2- مساعدتهم في النهوض بمستواهم الثقافي، ففي هذه الفئة تتفشى الأمية، أمية القراءة والكتابة، فيا حبذا لو استطعت محو أمية بعضهم، أو حفزتهم إلى ذلك، فإنك بذلك تكون قد أسديت إليهم جميلا لا ينسونه لك طوال حياتهم، وتكون قد طوقت عنقهم بهذا الفضل، وساعتها سيستجيبون لما تلقيه عليهم وتبلغهم به من أوامر الدين.
3- مخاطبتهم بما يفهمون ويألفون، وذلك لا يتأتَّى إلا من خلال التقرب منهم، ومعرفة مشكلاتهم، وما يهتمون به، وما يحتاجون إليه؛ ولذا كثيرا ما ينجح غير الإسلاميين في مخاطبة الجماهير من العمال، والسبب: أنهم يعزفون على الوتر الحساس عند هذه الجماهير، فحري بالداعية أن يكون أكثر قربا ولصوقا بالناس، وفهم ما يحتاجون إليه من توعية وتثقيف.
ومن الدعاة الذين كان لهم جهد طيب في هذا المجال الإمام حسن البنا رحمه الله، ومعلوم موقف "الفتوَّة" الذي أراد أن يمنع البنا من الكلام، ويحطم السرادق المنعقد فيه المحاضرة، فما كان من الإمام البنا إلا أن جعل عنوان المحاضرة "القوة في الإسلام"، ثم قال البنا: يا إخواني لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "فتوّة"، ولكنه كان "فتوّة" في الحق، فقام "فتوة" المنطقة - الذي جاء ليفسد المحاضرة - يصفق بحرارة قائلا: اللهم صلِّ على "أجدع" نبي. والشاهد هنا أن مخاطبة هذه الفئة بما تفهمه مهمّ لكسب قلوبها.
4- الوقوف بجانبهم في أزماتهم، والمساهمة في حلها ما استطعت، وتفعل ذلك تقربا إلى الله تعالى، وكسبا لقلوبهم، فالإنسان أسير الإحسان، وقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة".
ومن ذلك أيضا: مشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، فالاجتماعيات أمور مهمة في حياة الداعية، وبخاصة في التعامل مع فئة العمال والفلاحين، فهم لا ينسون من يشاركهم أو من يهملهم في مناسباتهم الاجتماعية، لا ينسون الأول من الشكر وذكر فضله، ولا ينسون الآخر من العتاب، لعدم اكتراثه وإهماله في واجباتهم.(9/100)
5- ربطهم برفقة صالحة؛ فاحرص على أن تجمع الصالحين منهم في لقاء أو حلقة علمية لتلاوة القرآن كما فعلت، فالمرء على دين خليله.
كيفية التعامل مع انشغالهم:
أما ما تساءلت عنه وشغلك التفكير فيه، وهو: انشغالهم بلقمة العيش، رغم أن فيهم من يحمل همّ الدعوة، وكيفية التعامل مع هذا الأمر، فأنصحك بما يلي يا أخي:
- أن تقبل منهم مبدئيا ما يفضل من أوقاتهم، فالحياة صعبة ومطالبها كثيرة، فستجد منهم الشاب الذي يعمل ليدخر ويتزوج، وستجد منهم المتزوج الذي يريد أن ينفق على بيته، ويوسع على نفسه وأهله، والولد مجبنة مبخلة، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
- عليك أن تشغلهم بواجب الدعوة إلى الله بين زملائهم، فهم بذلك يحافظون على أنفسهم، وعلى تدينهم، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والمسلم مطالَب بعد أن يمن الله عليه بالهداية أن يدعو غيره لهذه الهداية، وبعد أن يصلح نفسه أن يسعى لإصلاح الآخرين، وهم أقدر الناس على دعوة زملائهم في العمل، فهم أعرف الناس بما فيهم من عوامل الخير والقبول للدعوة، كما أنهم معهم ليل نهار، وهو واجب عليهم أيضا، يقول تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري.
ولا يتعلل أحد منهم بعدم الإلمام بفنون الدعوة، ولا بالعلم الشرعي، فليس مطلوبا منه أن يقف بينهم خطيبا، إنما المطلوب أن يكون داعية بالأسوة والقدوة العملية، وإن تطلّب الأمر الكلام، فليكن على قدر معرفته، وبما هو معلوم من الدين بالضرورة، وفضائل الأعمال والأخلاق، دون دخول في تفاصيل علمية، ومناقشات تجره إلى القول بغير علم.
هذا ما لدي من نصيحة لك في هذا المجال، وأشد على يديك – أخي الكريم - أن تظل على هذه الثغرة الهامة، وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضى، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
===============
موقع للمسلمين الجدد .. قواعد للنجاح والتميز
السلام عليكم،
بارك الله فيكم وفي جهودكم الرائعة.
أسعى الآن لتصميم موقع يعتني بالمسلمين الجدد، ويقدم لهم ما يحتاجون، وأريد منكم أن تربطوني بمسلمين جدد إذا كنتم على تواصل ببعضهم، وأريد نصائحكم لي ليكون هذا الموقع بأبهى حلله، وكيف يمكنني أن أعرض لهم المعلومات بأسلوب بعيد عن الرتابة والتقليد؟.
…السؤال
وسائل الكترونية, المسلمون الجدد …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري, الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة إيمان المصري:
أختي الكريمة، حيّاك الله وبارك فيك، فما ترينه من خير فهو بفضل الله تبارك وتعالى، نسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، وأن يثبتنا بعد أن استعملنا، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين، لا ضالين ولا مضلين، وللحق ناصرين ولعدونا قاهرين.
إن الإنسان المسلم طُوعت له الدنيا ليسخر كل ما يملك من طاقات وقدرات وعلم وإمكانيات لينير قلوب العباد بنور الله تبارك وتعالى. وما أعظم هذه المهمة الربانية، وكلما ملك الداعية مهارات وقدرات أكثر لمس بذلك كله فطرة الناس بحب الله تبارك وتعالى وإيمانهم به وعمل على تعزيز وزيادة هذا الحب.
وإن أبواب الدعوة مفتوحة ومداخلها متنوعة، والمواقع في شبكة الإنترنت أصبحت مدخل واسع لهذه الدعوة، ويجب استثماره لكسب وتحبيب الناس في ديننا ودعوتهم للارتقاء في سلم الإيمان. والمسلم الجديد والملتزم حديثا يحتاج إلى من يأخذ بيده ويعينه على الثبات في بدايته، والتي إن ثبت فيها استمر على خير بمشيئة الله، فإنه كما قال العلماء: "الفتور من فساد الابتداء، ومن صحت بدايته صحت نهايته".
وقفات قبل الانطلاق:
أدعوك - أختي الكريمة - أن تنطلقي في بناء هذا الموقع بعد تخطيط هيكليته، وترتيب مواده، وإعداده بشكل جيد قبل أن تنطلقي في ترتيب الأمور التقنية. وهذه بعض الأفكار للبدء:
* اختاري اسما مميزا للموقع، بحيث يحمل الرسالة التي تودين إيصالها والتركيز عليها.
* قومي بالتخطيط وهيكلة زوايا الموقع بشكل دقيق، بحيث ترسمينه رسما، وتختاري اسما لكل زاوية.
* حضّري الفروع بعد ذلك، المقالات ومضمون الزوايا، وعلى الأقل تعدّي موضوعين في كل زاوية.
* أقترح عليك أن تعملي على الموقع مع مجموعة من الأخوات الملتزمات، بحيث يكون هذا العمل هو مبادرة جماعية تعينك على تنفيذ ما تصبين إليه، لكني أرى أن العمل الجماعي على موقع دعوي هو تجربة غنية تسع أكثر من شخص، بحيث يشارك الجميع في الأجر، وهذه فرصة لإخراج إبداعات فردية بصورة جماعية.
ويمكنك بناء هذه المجموعة على أساس عملي، بحيث تكون أخت عندها علم شرعي، وأخت مبدعة في التصميم، وأخرى تكتب مقالات بلغة أدبية ودعوية مميزة، وأخريات ذوات خبرة في العمل الدعوي ... إلخ.
بعد أن تشكلي هذه المجموعة، اجتمعي بهن وابدئي مناقشتهن في الأفكار، حتى تتشكل لديكن الصورة النهائية للموقع، والهدف المركزي الذي تهدفن إليه. فمثلا لو ركزنا على الجانب الإنساني في الدعوة لرأينا إقبال الناس المبتدئين، وحتى أولئك الذين تقدموا في طريق الالتزام، فالناحية الإنسانية لا تفرق بين هذا وذاك؛ لأنها تلمس فطرة الإنسان الذي جُبل على الحب والرحمة بينه وبين أخيه الإنسان. لكن الحياة المادية استهلكتنا واستهلكت أوقاتنا، مما جعلنا نقسو ونبتعد.
آليات مقترحة:
أختي الكريمة، لو جعلت المحبة هي ركيزة هذا الموقع لكسبت قلوب الناس. وآليات تحقيق هذا المعنى السامي كثيرة ومتعددة، خاصة في وقت تطلعنا الوسائل التكنولوجية كل يوم على برنامج جديد، يفتح ألف أفق رحب أمام من ينظر إلى التميّز، ومن هذه الآليات:(9/101)
* البوربوينت، نأخذ مثلا فكرة تحضير عروض بوربوينت ورفعها للموقع، برنامج سهل فيه الكثير من الوسائل المؤثرة: الصوت، الصورة، والكتابة، وهم ثلاثة أساسيات تجذب نظر الناس.
* الفلاشات، كذلك فكرة استخدام برنامج الفلاش لعمل فلاشات دعوية عن موضوعات مختلفة، يميز البرنامج ميزة تحرك الصورة أو النص أو كلاهما، مع إضافة صوت أيضا.
* فكرة ترتيب ملفات فيديو من خلال تقطيعها وإضافة بعض النصوص الملائمة لها عن طريق برامج الفيديو المختلفة.
* استخدام أدوات التصميم المؤثرة لإخراج الموقع بصورة أبهى؛ يجعل الزائر للموقع يقبل على المواضيع بشغف مستمر. والنفس تألف الجمال ويؤثر فيها التأمل أكثر من عشرات المواعظ.
أفكار للمضمون:
إنك بهذه الوسائل تستطيعي أن تبدعي وتتألقي، أما من حيث المضمون فهذه بعض الاقتراحات:
* التركيز على التأمل في الكون من طبيعة وعلوم وأحداث؛ لتترسخ العقيدة، ويرتقي المسلم في سلم الإيمان.
* تعديد بعض نعم الله التي أنعم بها على الإنسان المسلم وغير المسلم، وطرح تساؤلات حول كيفية شكر الله على بعض هذه النعم. ومن أعظم هذه النعم نعمة الهداية لطريق الإسلام. وبالمقابل فإن الإنسان الذي يقابل إحسان الله بلا شكر ولا عبودية فإنه يشقى بنفسه.
* ميزات الإسلام، لماذا هو الدين القيم ولمن هو؟
* ماذا بعد الإسلام؟ ما لي وما عليّ.
* طرح أركان الإسلام، لكن بصورة عميقة وليس بصورة سطحية. إذ أن الصلاة ليست فقط مجرد حركات تؤدى خمس مرات بل هي لقاء مع الله سبحانه وتعالى، وليس الحج بالمناسك فقط بل هو هجرة تشبه يوم الحشر. إن فهمنا ووعينا بذلك يرسخ فينا معنى العبادات ويمنحنا حياة ملؤها الطاعة والتسليم لرب العالمين.
* التركيز على الأذكار والطمأنينة التي يتمناها كل شخص في هذا العالم في ظل الحياة السريعة المليئة بالمشاغل وكثرة الهموم. فذكر الله من القلب يحقق الاطمئنان بعمق.
* الرسول الإنسان صلى الله عليه وسلم.. كيف كانت أخلاقه وحياته عليه الصلاة والسلام؟ وكيف كانت معاملاته؟ ... إلخ.
* القيم السمحة والعالية التي يفتقر إليها العالم؛ فأصبح متخبطا في زمان قلبت فيه الموازين، فأصبح الحق باطلا والباطل حق.
* استخدام القصص في طرح المواضيع، فلو خصصتِ زاوية لقصص الهداية لكان رائعا، فإن الأسلوب القصصي أسلوب قريب إلى النفس؛ لاعتماده مبدأ التشويق والرغبة في الوصول إلى عمق المعنى، فيعلق ذلك في النفس والفكر ويبقى مشدودا لوصول النهاية.
* دعوة بعض العلماء والدعاة للكتابة في الموقع، فإن لكتاباتهم تأثير ونفع كبير على الملتزمين.
نصائح إجمالية:
أما نصائحي الإجمالية هي:
* أقترح عليك تسمية الموقع بـ: "ثُم اهتديت".
* للتصميم دور كبير في جذب واستمتاع الزوار في تصفحهم للموقع، فعليك باختيار مصمم له خبرة ولمسة جمالية مميزة.
* لتسويق الموقع اعملي على إنشاء مجموعة مراسلة عن طريق بعض المواقع المجانية، وراسلي قائمة الأسماء التي تملكينها، واعملي على نشر الموقع في محيطك، ثم عندما يزدهر ويكبر تستطيعين أن تعلني عنه في مواقع أخرى يدخل عليها الكثير من الزوار.
* وجود مجموعة معك أمر مهم وضروري لأن إنشاء موقع دعوي مهمة ليست سهلة، وتحتاج معرفة في ثلاثة شئون رئيسية: معرفة تقنية، علوم شرعية، خبرة دعوية.
* إذا لم توفقي في أن تنشئي موقع مميز له بصمة مختلفة، فلا تقدمي على هذه المهمة؛ لأنه سيكون تكرارا لما هو موجود، ولا أقصد بذلك إضعاف همتك بل أنت أهل لهذه المهمة بإذن الله، وكل ما في الأمر أنه قد يحدث أي عائق يكون الخيرة فيه أن يتأجل الموضوع حاليا أو تلغى الفكرة لوجود شيء أفضل كاستثمار جهودك وفكرتك في موقع آخر لدعوة المسلمين الجدد، يحتاج لتطوير، وما أكثر هذه المواقع الموجودة.
أقصد فقط أن تقدمي بعد أن تتأكدي أن ظروفك مواتية حتى لا تتوقفي؛ لأن عدم تطوير الموقع بعد نشره سيسبب خطوة عكسية: الذهاب عنه لا إليه!.
وأخيرا، بالنسبة لتساؤلك الذي بدأت به استشارتك والمتعلق بالتواصل مع مسلمين جدد، فإن ذلك متاحا من خلال المؤسسات الدعوية التي تعمل في الدول الغربية والعربية بشكل أفضل. ويمكنك أن تبحثي عن هذه المؤسسات وتستفيدي من أصحابها بعمل حوارات والتعاون معهم بشكل دائم عن طريق مواقع البحث.
اللهم إنا نسألك أن تسخرنا لدعوتك وتجعلنا من جنودها، ولا تقبضنا إلا وأنت راضِ عنا، اللهم وفق أختنا لما تحب وترضى، وأرشدها لتكون شامة بين الناس، تهدي إلى الخير وإلى طريق مستقيم، اللهم ثبتنا وإياها، وتقبل منا ومنها، واجمعنا وإياها في جنانك ومستقر رحمتك.
ويقول الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب:
بارك الله في الأخت الكريمة على همتها وهمها الذي دعاها للسعي الجاد لخدمة هذا الدين العظيم، من خلال بحثها عن وسائل دعوية تعين على التعريف بالإٍسلام والتثقيف به، خاصة لشريحة يغفل عنها الكثير من المسلمين، وهم المسلمين الجدد.
وتعتبر المواقع الإلكترونية وسيلة فاعلة لما تتميز به من انتشار على مستوى رقعة المعمورة؛ مما يوفر فرصة سانحة لتعميم الفائدة وتبادل الخبرات والتجارب الدعوية.
وحتى تؤتي هذه المواقع وتلك الوسائل ثمارها، لا بد أن يراعى فيها الآتي:
* إخلاص النية لله تعالى.
* تحديد الغاية من هذه المواقع، وهذا يتطلب وضع أهداف محددة ووسائل متعددة تحقق ذلك.
* إضافتها شيء جديد على الساحة الدعوية وعلى الشبكة الإلكترونية، وتركيزها على محور تتميز به عن المواقع الأخرى؛ خشية تكرار المضمون والوسيلة.(9/102)
* لا بد من التعرف على التجارب السابقة ودراستها والوقوف على نقاط القوة والضعف فيها؛ لتجنب تكرار أي خطأ أو سلبية، ويفضل الاتفاق مع بعضها على دعمه بالفكرة والجهد.
* لا بد من توفير المتطلبات الأساسية للموقع من دعم مادي يشمل (تكاليف البرمجة والعرض والتحسين ...)، ودعم معنوي يشمل جهود دعاة ومتطوعين وعاملين لديهم القدرة والرغبة على أداء هذه المهمة الدعوية.
* مراعاة تقديم الإسلام برؤى واضحة، تنطلق من وسطية الإسلام وشموليته واعتداله وإنسانيته.
* دراسة الشريحة المستهدفة، ومعرفة واقعها وآمالها وآلامها واحتياجاته والتحديات التي تواجهها.
* القيام دوريا بتطوير الموقع من حيث المضمون والعرض ليبقى به التجديد.
* استثمار العرض العلمي الجذاب في عرض المادة من فوتوشوب وفلاشات وغيرها.
* الدعاء لله تعالى بالتوفيق وسؤاله السداد في القول والعمل.
* لا بد من وجود متخصصين يعيشون واقع الشريحة المستهدفة، ولهم القدرة على تقديم البرامج الدعوية التي يتقبلونها باللغة المناسبة والطريقة الأمثل.
أختنا الكريمة، يسر الله أمر دينك ودنياك، وجعلك سببا في هداية غيرك إلى المزيد من طاعة الله، وأثابك عن ذلك خير الثواب في الدنيا والآخرة
==============
كيف أنقذ زوجي من المسابح المختلطة؟
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته،
كيف يمكن لزوجة أن تقنع زوجها بعدم الذهاب لمسابح مختلطة؟.
الرجاء إعطائي أفكار قوية وأحاديث نبوية، تبيَن عذاب الآخرة للعاصي، الذي يعلم أن ما يفعله حرام ويصر على المعصية.
جزاكم الله كل خير، وأعانكم على إفادتي.
…السؤال
العائلة, الدعوة الفردية …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
السلام عليكم أختنا الحبيبة، نشكر لك ثقتك الغالية بنا، ونأمل أن نكون عند حسن ظنك.
أختي في الله، دعينا نتفق أنك حين اخترت زوجك بداية ربما لم تفكري في حقيقة التزامه، ولم تسألي عن أشياء كنت أولى الناس بالمبادرة إلى الاستفسار عنها؛ لأن زوجك سيكون شريك رحلة طويلة، وهو خطأ شائع في هذا الزمان، وبداية ليست راسخة الأسس.
أقول لك تلك الكلمات لأذكرك بداية أنك شريكة في الخطأ، لا لتلومي نفسك أو تجلديها جلدا ذاتيا، ولكن لتخرجي من دائرة سجن زوجك في زنزانة خطأ ومعصية هو بالفعل يقوم بها، لكنك تضعين عليها عدسة التكبير، وهذا قد يتسبب في توسيع الفجوة بينكما؛ لأنك بالقطع سترين نفسك في حالة التزامية أعلى منه، مما قد يثير في أي نفس بشرية نوازع الكبر والغرور، حاشاك أن تصلى لتلك المرحلة إن شاء الرحمن.
أقول كل هذا فقط لأذكرك بمهمتك الدعوية المتميزة مع رائد أهل بيتك وشريك رحلة حياتك الذي اخترتيه أنت، إن دعوة الرجل ليست سهلة؛ لأن الذي يجلس على دفة القيادة دائما يؤلمه اللوم أو التعنيف ممن يلونه في القوامة، وكلما صغّرته أمام نفسه بانتقادات متكررة كأنه طفلك لا زوجك - كما أشرت في طلبك بذكر أحاديث عن المعصية والعقاب والترهيب -، كلما أشعلت بداخله نار العناد والإصرار على الذنب بدلا من العودة إلى سبيل الله؛ لذا فأنت في حالتك تلك تحتاجين إلى كم هائل من الحكمة والفطنة والكياسة لكي تعودي به بإذن الله إلى طريق الصواب.
والبداية تأتي من الصحبة الصالحة، فابحثي فيمن حولك عن أسرة يكون قائدها من أهل الصلاح، وحاولي بالاستعانة بالله التقريب بين الأسرتين قدر إمكانك، فكلما اقترب زوجك من أهل الصلاح ذوى الصدور المتسعة لاستيعاب أهل المعاصي وتقويمهم تدريجيا، كلما كان التغيير أسهل وأيسر وأقرب.
أما إن لم تستطيعي ذلك، فابدئي بزيادة تدريجية لجرعة البرامج والشرائط الدينية لعلماء الدين الذين يميل إليهم زوجك، دون أن تلفتي نظره وأنت تفعلين ذلك إلى سبب فعلك، اجعلي سماعكما الدرس أو للشريط أقرب إلى المصادفة منه إلى التعمد، مع حرصك الشديد على عدم استصحاب الشريط بنظرات لوم أو كلمات توبيخ واضحة أو تلميحية.
يمكنك أيضا أن تحضري مطويات أو مجلات دينية، تتحدث عن العفة والحياء، وضعيها في متناول يده دون أن تعطيها إياه بطريقة مباشرة أو متعالية.
حاولي أيضا أن تعطلي ذهابه أو ذهابكم كعائلة إلى تلك الأماكن بدعوى أنك تخافين على أبنائك من التعرض لعورات النساء، ومن ثم فتح أعينهم على ما لم يكن في الحسبان، خاصة أن الزمن الآن أصبح مختلفا ويحتاج إلى الكثير من الحنكة في تربية الأبناء، وإلا فقدتموهم أو ضيعتموهم عافانا الله وإياكم.
واحذري - أختي الكريمة - أن توجهي إليه أي نصيحة أمام أبنائه، تشعره أنك أو أنهم ينالون منه، فهذه الطريقة هي أسوأ الطرق الدعوية على الإطلاق، وأكثرها استفزازا للمشاعر.
يمكنك أيضا اقتناء كتاب عن العلامات الصغرى والكبرى للساعة، مثل: كتاب الفتن والملاحم لابن كثير، وكتاب التذكرة للقرطبي، وإدخال الأحاديث التالية في معرض كلامك دون أن تظهري تعمد حكايتها وهي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم. والكاسيات العاريات هن اللواتي يرتدين الضيق والقصير والعاري من الثياب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير" رواه الهيثمي، ورجاله رجال الصحيح. والتسافد هو الالتصاق لشهوة، وأكثر ما نرى ذلك في المسابح المختلطة وعلى الشواطئ المفتوحة، وعليه فيمكنك أن تتندري بهذا بعد رواية الحديث دون أن تجعليه طرفا في الموضوع.(9/103)
فإن آنست منه تجاوبا، فيمكنك أن تتكلمي بهدوء بينك وبينه عن أنك نادمة أنك تذهبين إلى تلك الأماكن الموبوءة، وأنك تستغفرين الله كلما رأيت أو مر بذاكرتك أنك فعلت ذلك، ويمكنك أن تسأليه أن يساعدك على عدم العودة للمعصية، وكأنك أنت المذنبة الأصلية، فالرجل يحب أن يشعر أنه هو القائد والسيد والناصح لا العكس.
أعينيه أيضا على المحافظة على الصلوات في موعدها بأن تهبي أنت إليها بمجرد أن تسمعي الأذان، فإن رآك كذلك حرص هو الآخر تدريجيا على ذلك، والصلاة كما تعلمين تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكلما اقتربتما من الله كلما زاد تباعده عن المعصية، فالخير يأتي بمثله والمعصية تجر أختها.
أوصيك أختاه قبل كل ما ذكرت بالحرص على الدعاء، وتلمس أوقات الإجابة والإخلاص لوجه الله وتجديد النية، واعلمي أنك لست من تهدين، أنت فقط سبب أو أداة والأمر كله بيد الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه أن يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، قالت – السيدة أم سلمة – قلت: يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب، قال: "نعم، ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، فإن شاء الله أقامه، وإن شاء أزاغه" رواه الهيثمي بسند حسن.
استعيني بالله واصبري وخذي بالأسباب، وإن شاء الله يجعل الله لك من ضيقك فرجا ومن همك مخرجا.
================
سب الحكام .. طريق للإصلاح أم دعوة للبلبلة؟
أخي الكريم، هل يفيد ما يُشَاهَد في المنتديات الإلكترونية وغرف الدردشة على الإنترنت من التحامل على رؤساء الدول، وإظهار عيوبهم، من قبيل الدعوة إليهم وإجبارهم على الإصلاح في أحوالهم ورعاياهم؟ أم أنَّها بلبلةٌ فقط؟.
وهل يأثم الإنسان في ذلك ؟ وخاصَّة أنَّ الخطأ واضحٌ وبيِّن، ولا يفيد الإسلام والمسلمين بشيء.
…السؤال
قضايا وشبهات, المجتمع …الموضوع
الدكتور فتحي يكن, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي السائل، لابد وأن ندرك ابتداء أهمية صلاح الحاكم في حياة الأمة، وترى ذلك في قول ابن عباس رضي الله عنه: "صنفان من أمتي إذا صلُحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء"، ثم ندرك أهمية الدعوة في إصلاح الراعي والرعية ووجوب ذلك على جميع المسلمين.
إن دعوة الناس إلى الإسلام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، واجب إسلامي يجدُر بالعاملين في الحقل الإسلامي أن ينهضوا به، ويولوه حقه من جهدهم وتفكيرهم ووقتهم، بل إن هذا الواجب بالذات هو المهمة الأصلية الأساسية لكل داعية.
والقرآن الكريم حض على القيام بهذا الواجب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وقوله: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)، وقوله: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم)، وقوله: (وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم)، وقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).
والسنة المطهرة تذخر بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث في شأن النهوض بواجب الدعوة إلى الله ومكافحة المنكرات، نذكر منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم، وقوله: "مُرُوا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم" رواه ابن ماجة بسند حسن، وقوله: "ما من رجل يحفظ علما فيكتمه، إلا أُتي به يوم القيامة ملجما بلجام من النار" رواه ابن ماجة بسند حسن.
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب:
ثم إن دعوة الناس إلى الإسلام، وإقناعهم به، وتهيئتهم للنزول عند أصوله وأحكامه، من الوسائل التي يتحقق بها إقامة المجتمع الإسلامي، واستئناف الحياة الإسلامية.
فإذا كان تحقق المجتمع المسلم واجبا بذاته، فتصبح - بالتالي - كل وسيلة لإقامته وإيجاده واجبة هي الأخرى، بل إن الأمر أبعد من هذا، إذ إن الإسلام اليوم ليس له دولة تحتكم إليه في شئونها كلها، وتصدر عنه في جميع تصرفاتها، فمعظم أحكام الإسلام مُعطلة، فإذا كان الاحتكام إلى شريعة الله فريضة إسلامية، وكان تحقيق هذه الفريضة مرهونا بوجود دولة، يصبح بالتالي العمل لإقامة الدولة الإسلامية - ومن أهم وسائله الدعوة إلى الله - فرض عين على كل مسلم، حتى يتحقق وجود هذه الدولة.
فدعاة الإسلام مطالبون ببذل قصارى جهدهم للقيام بتكاليف الدعوة، وتبليغها إلى الناس، وتبسيطها لهم، بحسب مستوياتهم من الفهم والإدراك، وهذه هي الأمانة التي ائتُمنُوا عليها ليكونوا ورثة الأنبياء، ثم ليسمعوا قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: "ما منْ نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه أحمد بسند صحيح.
الله أحق أن تخشوه:(9/104)
وقد يتحاشى بعض الدعاة أحيانا الكلام في موطن تجب فيه النصيحة، أو تنفع معه الكلمة الجريئة الحقة، خوفا من أن يجر ذلك عليهم سخط الناس وأذاهم، وهذا التصرف بدون شك ثمرة من ثمرات الجُبْن والخوف، وهما صفتان ينبغي أن لا تعرفا طريقهما إلى قلب مؤمن، فالله أحق أن نخشاه، والله أحق أن نخافه، وليكن حرصنا دائما وأبدا على رضاه، وإن أسخط ذلك الناس أجمعين، وليكن شعارنا: "اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
لقد فُرض على دعاة الإسلام أن يحملوا مواريث النبوة، وأن يضطلعوا بأعبائها، ولقد كان من أهم مواريث النبوة مواجهة الجاهلية في شتى صورها وأشكالها، ومجاهدة المنكر مهما كانت صولته وجولته، مصداقا لقول الله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وروي عن عبادة بن الصامت أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم - أو نقول - بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم" رواه البخاري.
فليحذر دعاة الإسلام من أن يكونوا جبناء في موطن الشجاعة، خائفين في موطن النصح، وليصغوا إلى ما رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"، ثم قال: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).
إن الخوف من الناس لا يمكن أن يكون صفة من صفات المؤمنين؛ لأن الإيمان بطبيعته يُكسب الإنسان الجرأة في الحق والشجاعة فيه، يؤكد ذلك قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).
وإلى هذا المعنى يشير أبو ذر رضي الله عنه في نقله لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له، حين قال: "وأن أقول الحق وإن كان مُرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم" رواه أحمد بسند صحيح.
وإن الفرار من المعركة صفة المتشككين المترددين الغافلين عن قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، والذين يظنون أنهم مانعتهم حصونهم من الله ومن قدره، ونسوا قول الله تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة).. إلى هؤلاء وأمثالهم يشير القرآن الكريم بقوله: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قُتلُوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين)، وقوله: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
أسلوب الدعوة ومخاطبة الناس:
والداعية الناضج كالطبيب الناجح، يعرف من أين يبدأ؟ وكيف يبدأ؟ ثم لا يبدأ قبل أن تتوفر لديه إمكانية التمحيص والتشخيص والمعالجة، حتى لا يكون عمله سلسلة من تجارب فاشلة وأعمال مرتجلة.
والمجتمع اليوم يموج بالعديد من المذاهب والاتجاهات، وكلها تتجاذب الناس بما تطلع عليهم من دعايات منمقة وأساليب مزوقة، تخاطبهم من حيث يصغون ويسمعون، وتأتيهم من حيث يحسون ويشعرون، تلامس جروحاتهم، وتتحسس أمراضهم، وتتلمس مشكلاتهم.
ودعاة الإسلام يجب أن لا يكونوا أقل عناية واهتماما بأساليب دعوتهم من سواهم، فلا يخاطبون العمال الكادحين بلغة "القبوريين"، ولا يناقشون الملاحدة الماديين بلسان "العاطفيين"، وإنما يجعلون لكل مقام مقال، يحدوهم لذلك قول علي رضي الله عنه: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم".
إن الإسلام في هذا الزمن بحاجة إلى دعاة يحسنون عرض أفكاره ومبادئه بأسلوب شيق جذاب، يؤثرون ولا ينفرون، ويوضحون ولا يعقدون، ويحسنون فلا يسيئون، وكم من أدعياء شوهوا الإسلام بسوء دعوتهم له وأساءوا إليه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ومن هنا كانت وظيفة الدعاة خطيرة ومسئوليتهم كبيرة؛ ولهذا وجب أن تتوافر عناصر الواقعية والإيجابية والاتزان في أساليب الدعاة.
بين الشدة واللين:
إن النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، وقد تدفعها القسوة والشدة أحيانا إلى المكابرة والإصرار والنفور، فتأخذها العزة بالإثم، وليس من معنى اللين المداهنة والرياء والنفاق، وإنما بذل النصح، وإسداء المعروف بأسلوب دمث مؤثر، يفتح القلوب ويشرح الصدور، خاصة إذا كانت الدعوة لجماعة المسلمين، إذ لا ينبغي بحال مجاهرتهم بالتوبيخ والتقريع الشديدين.
ألا ترى إلى القرآن الكريم في معرض التوجيه الرباني يخاطب "موسى وهارون"، ويوصيهما بمبادأة الطاغية فرعون باللين والحسنى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، بل إن اللفتات القرآنية والإشارات النبوية إلى الرفق ومجانبة الغلظة والقسوة، تؤكد بما لا يحتمل الشك فاعلية هذا الأسلوب وقيمته التوجيهية.
ويقول الأستاذ حسن البنا - رحمه الله - متحدثا عن منهج الدعاة في التعامل مع الحكومات: "هنالك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة:
1- نحن لا نُطلب الحُكْم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد فالحُكم منهاجنا، وسنعمل على استخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله". "من رسالة المؤتمر الخامس".(9/105)
2- "نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الإصلاح، ونخاطب الحكومة بلسانها، وبالأدب الرسمي حرصا على تأليف القلوب، وليس مبرر هذا الأدب وهذا التوجه إسلام المخاطبين، وإنما الإصلاح، وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلابد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل"."من مذكرات الدعوة والداعية".
3- "ورغم كل هذه المجهودات، فإننا نعلم أن الذين تربوا في أحضان الأجانب ودانوا بفكرتهم، يصعب استجابتهم، ولا نتوقع أن يكون هناك أثرٌ عملي لمطالبنا، فإن قوما فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشئونهم الخاصة والعامة، لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه، وفاقد الشيء لا يعطيه، وإنما المطلوب الوصول إلى إنشاء الجيل الجديد الذي يتربى على الإسلام، ومع هذا فسنظل في موقف الناصح حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الفاتحين". "رسالة الإخوان تحت راية القرآن، ورسالة المؤتمر السادس".
4- "وقد تضطر الجماعة إلى القيام ببعض الأعمال لمساعدة الحكومة على الاستجابة لمطالبها، إذا آنستْ في العمل فائدة، وقد يتقدم الإخوان إلى الحكومة بعرض خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ، إلا أن هذه الأعمال كلها يجب أن تبقى محكومة بالقواعد الشرعية، فلا تشارك في منكر بحجة السياسة. "مذكرات الدعوة والداعية".
5- وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها، وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحناء يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل".
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أخي الكريم، بعدما تفضل أستاذنا الدكتور فتحي يكن بتأصيل المسألة التي تحدثت عنها من وجهة نظر الشرع المطهر، وبين كيف يطبق ذلك من الناحية العملية، أحب أن أتساءل معك، موجها أسئلتي لإخوتي الأحباء الذي يشاركون في المنتديات الإلكترونية بمثل هذه المشاركات التي تعرضت لها، من سب للحكام والتعرض لهم بالغمز والتجريح، ويصل في بعض الأحيان إلى استخدام الألفاظ البذيئة التي يعف اللسان المسلم عن ذكرها .. أسأل:
- ما الفائدة القريبة أو البعيدة التي يمكن أن يجنيها الإسلام والمسلمون جراء هذه الشتائم وهذا السباب؟! وماذا لو تحول هذا السب والتجريح إلى نقد بناء، ونصيحة مخلصة؟.
- هل يتصور من يسُب ويجرح، أن الحاكم بمجرد أن يقرأ هذا الغثاء أو يصل إليه، سيتأثر إيجابيا، ويسلك طريق الإصلاح، أم أنه سيشتاط غضبا وحنقا، ويزداد عزما على طريقه ومنهجه؟.
- ألم يكن من الأولى أن نُحسن استخدام هذه النعمة التي من الله بها علينا - نعمة الإنترنت - فنجعلها وسيلة فعالة وبناءة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، من خلال شرح وبيان المفاهيم الإسلامية الصحيحة، وأخلاق الإسلام الفاضلة، ومنهجه في الإصلاح، بدلا من أن نظهر على الخليقة كلها بهذه الأخلاق التي تُتخذ ذريعة لإلقاء التهم على العقل العربي والمسلم، ووصفه بمزيد من التخلف الحضاري والجهل والهمجية؟!.
- ألم نمل بعد من الصياح والنواح، ونفيق لننظر حولنا، ونتخذ طريق العمل المُجدي البناء، لتربية الشعوب المسلمة، وإيقاظها من غفوتها، لتتلمس منهاج ربها، لتصلح به شأنها، إصلاحا يبدأ من الجذور، ثم يتوجه إلى الفروع، يبدأ من الباطن ثم ينتقل إلى الظاهر، ليرتفع البناء ويتم صحيحا ثابتا؟!.
- هل من الشجاعة أن أدخل باسم مستعار، وفي مكان لا يعرفني فيه أحد، وأطلق لساني بالشتم والسب على أحد الأشخاص؟ وهل أنا على استعداد لمواجهة هذا الشخص - حقيقة - بما أقول؟.
هذه هي التساؤلات التي تنتظر إجاباتها من كل مسلم واع غيور.
أخي الكريم، سيظل القانون الرباني يحكمنا، ويحكم دعوتنا، القانون الذي تقول مواده: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وتقول: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، وتقول: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم).
والحاكم - وإن كان جائرا - هو من أهل الدعوة، الذين يجب أن يُعاملوا بنصوص هذا القانون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قيل: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. والنصيحة لأئمة المسلمين - كما فسرها العلماء - تعني: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وألا يُغروا بالثناء الكاذب عليهم، والدعاء لهم بالصلاح.
ودعني - أخي الحبيب - أستعير هذه الكلمات من قائلها لأختم بها حديثي: "إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ". وما يذكر إلا أولو الألباب
================
طالبي لا يكتم سرا .. أفكار للعلاج
أنا أدرِّس في أحد المراكز، وعندي أحد الطلاب لا يكتم سرا، هو بسيط إضافة إلى أنه غير ناضج نظرا لمستوى عمره، حيث إنه في الصف الأول الثانوي.. فماذا أفعل معه؟
وجزاكم الله كل خير.
…السؤال
الشباب …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم علي، جزاك الله خيرا على تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يديم هذا التواصل بيننا.(9/106)
من الضروري - أخي الفاضل - أن تبحث عن السبب الأساسي الذي يقف وراء هذه المشكلة حتى تستطيع التعامل معها، فقد يكون السبب في ظهور هذه المشكلة لدى هذا الطالب هو البيئة التي تربى فيها، أو قد تكون المشكلة في عدم نضوجه وعدم إدراكه لما ينبغي أن يقوله مما يراه أو يسمعه وما لا ينبغي أن يقوله، أو قد تكون نتيجة عدم وعيه بضرورة كتمان السر وعدم إفشائه، إلى غير ذلك من الأسباب التي من الضروري أن تبحث عنها وتضعها في الاعتبار حين تبدأ في علاج هذه المشكلة.
وهذه بعض الأفكار - أخي الكريم - التي ندعو الله أن تكون لك عونا على التعامل مع مشكلة إفشاء الأسرار عند هذا الطالب:
* تناول موضوع حفظ أمانة المجالس وأهميته في الإسلام بصورة مباشرة، مع تدعيم الحديث حوله ببعض الأحاديث والآثار والقصص والمواقف التي تحث على حفظ أمانة المجالس، وعدم إفشاء الأسرار.
* فتح حوار ونقاش حول خطورة إفشاء الأسرار، وما يترتب عليه من إيذاء لمن نفشي سره، وما يسببه من إضرار بالعلاقات بين الناس بصفة عامة، وأخطر من ذلك ما يتبعه من عقاب في الدنيا والآخرة لمن يخون أمانة المجالس.
ولتحرص - أخي الفاضل - على أن يكون لهذا الطالب دور إيجابي وفعال في هذا الحوار، فمن الممكن مثلاً أن يكون هو مدير هذا الحوار، أو يشترك في الإعداد له، أو يكون هو الذي يسجل أهم النقاط التي تدور أثناء الحوار، أو أن تطلب منه رأيه في هذا الموضوع الذي يدور حوله الحوار، أو غير ذلك من أشكاتل المشاركة.
* تطلب منه إعداد بحث مصغر يدور حول موضوع حفظ أمانة المجالس وعدم إفشاء الأسرار، وتطلب منه في هذا البحث أن يجمع الآيات والأحاديث والآثار التي تدعو إلى حفظ أمانة المجالس وتحذر من إفشاء الأسرار.
* تعطي هذا الطالب "شريط كاسيت" حول نفس الموضوع، وتطلب منه الاستماع إليه وتلخيصه، مع استخراج أهم الدروس العملية المستفادة منه، ثم تطلب منه عرض هذا التلخيص وتلك الدروس المستفادة على مجموعة من زملائه.
* تعطيه كتيبًا يتناول هذا الموضوع، ثم تتناقش معه حول ما استفاده من هذا الكتيب فيما يخص حفظ أمانة المجالس.
* تصميم أحد المواقف التمثيلية أو المسرحيات القصيرة التي تعالج هذا الموضوع، وليكن له دور أساسي في هذه المسرحيات.
* التوجيه المباشر، كأن تجلس معه وحدكما، ثم تتحدث معه - من باب الأخوة والتناصح والحرص عليه - حول هذا الموضوع، مع مراعاة اختيارك لألطف العبارات وأرق الألفاظ، ومراعاة آداب النصيحة بصفة عامة، ولتجعل ذلك آخر الحلول التي تلجأ إليها في تعاملك مع هذه المشكلة.
===============
تحفيظي للقرآن يضعف إيماني!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا ومجموعه من أخواتي في الله كنا ندرس لمده 4 أعوام في مدارس القرآن الكريم، وكان الدوام 5 أيام بالأسبوع، وحصدنا خلالها أروع الإيمانيات، وتعلمنا فيها الكثير من أجل ديننا، وارتقت بها نفوسنا، وبعد ذلك انطلقنا للتدريس في نفس المجال وفي نفس المكان، مع استمرارنا في الحفظ مع أستاذتنا السابقة.
والمشكلة أننا جميعا نشتكي الآن من تراجع الإيمانيات، وقلت قدراتنا الدعوية، وإن كنا نبدو ناجحين، لكن مع أنفسنا بالداخل نشعر بتراجع الروحانيات بشكل واضح، فالجميع يتساءل خلال اجتماعاتنا الدورية: هل نترك مجالنا ونعود للدراسة من جديد، ونتفرغ لها مادمنا غير قادرين على التوفيق بين الجانبين، أم أن المصلحة العامة تقتضي إكمال مسيره تعليم القرآن؟.
وهل مقابل المصلحة العامة يمكنني التضحية بشيء من حلاوة الإيمان الذي كنت أجده بصدري؟ وأيهما أثقل عند الله بالموازين؟.
…السؤال
إيمانيات, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ عبد الهادي أحمد…المستشار
……الحل …
أختي الكريمة، اسمحي لي أن أهنئك على اجتهادك في حفظ كتاب الله عز وجل، و لعلي أذكرك ببشارة النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : "اقرؤوا القرآن، فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن" ذكره الألباني في ضعيف الجامع، ودعيني أهنئك على أمر أعظم من ذلك وهو تعليمك لكتاب الله عز وجل، فالخيرية والرشد هي لمن تعلم القران وعلمه، ولعله قد مر عليك الحديث الشريف "خيركم من تعلم القران و علمه" رواه البخاري.
تشكين من تراجع الإيمانيات وانخفاض مستوى الروحانية لديك أنت وصديقاتك، رغم أنكن تدرّسن القرآن الكريم للأخريات، وتسألين هل أعود للحفظ فقط، أم أستمر بما أنا عليه من التعليم رغم أنني أشعر بتراجع روحاني ملحوظ.
أحيانا نربط - أختي الكريمة - بعض الأمور برابط ما، فإذا تغيب ذلكم الرابط نشعر أننا فقدنا هذا الأمر! وكثير منا يربط الروحانيات بالعبادات فقط، يربط زيادة الإيمان بالصيام والقيام لا غير! وهذا تضييق لواسع.
ودعيني أذكرك بالحديث النبوي "الإيمان بضع وسبعون، أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" رواه أبو داود بسند صحيح.
فلم نربط نحن زيادة الإيمان والشعور بحلاوته بالأعمال التعبدية المحضة! لم لا نربطه بإتقان العمل، وبر الوالدين، وحسن العشرة للزوج، والابتسامة الصادقة، وتعليم الآخرين ... إلخ.(9/107)
أتمنى عليك فقط التفكير جيدا قبل استقالتك من تعليم القرآن الكريم، أتمنى عليك أن تجلسي مع نفسك جلسة تستحضري فيها كل أحاديث فضل تعليم كتاب الله، فقط تخيلي أنك ربما حفّظت امرأة كبيرة السن قصار السور، وغدت تقوم بها الليل، وربما تكوني أنت نائمة، إلا أنك تشاركينها الأجر بإذن الله، تأملي الأجر المترتب على تحسينك قراءة فتاة وتشجيعك الدائم لها، فربما ختمت عدة ختمات في شهر واحد، وينالك مثل أجرها؛ لأن الدال على الخير كفاعله.
إن فضل وأجر الخير المتعدي - أختي الفاضلة - أكثر وأوفر من النفع القاصر على الفرد، بمعنى أنك لو قمت الليل، وصمت الاثنين والخميس، وربما ذرفت عيناك من خشية الله حال سماعك محاضرة ما أو لتفكرك بمخلوقات الله، ربما عدل ذلك وزاد عليه تعليمك لكتاب الله ودعوتك الأخريات.
وهنا أوصيك أن تحرصي على نفخ الروح في الوظائف والأعمال التي تؤدينها، بمعنى استحضار النية دوما، والتوجه إلى الله بالدعاء وطلب التوفيق والسداد، وأن يكتب الخير على يديك، فأنت في خير كبير، ربما لا تشعرين به لأنك صاحبته.
كذلك - أختي - لكل فترة من حياة الإنسان مسئولياتها، كنت طالبة تدرسين وتحفظين القرآن، وتلك الفترة لها ظروفها ومناخها، والآن أنت معلمة، فالدور المطلوب منك يختلف عن دورك أيام دراستك، فلا مجال للمقارنة في رأيي.
تذكرين أنك وصديقاتك تراجعتم روحانيا! وأرى - وأتمنى أن يكون كلامي هنا دقيقا - أنكم ربما قلّت نوافلكم من صيام وقراءة للقرآن وذكر وصلاة،س وهذا شيء طبيعي؛ لأنكم قد تحمّلتم مسئولية جديدة، وهي الدعوة والتربية مع الحفظ، فربما قل خزينكم التعبدي من التنفل؛ لتعب أو ضيق وقت أو لتضارب المصالح، ماذا لو كانت إحدى الأخوات شعلة نشاط أيام صباها، ثم انشغلت بالزوج والأولاد ومشاكل الأسرة والطبخ ... إلخ، من الطبيعي أن يقل تنفلها لله تعالى، هنا هل نصم تلك المرأة بالتقهقر والصدأ الروحي، ونعلن أنه منذ طرقت أذناها دفوف الفرح تكون تلك الدفوف إيذانا بانتهاء فترة الروحانية بحياتها؟! والله نكون حينها قد ظلمنهاها ظلما شديدا.
و رغم ذلك دعيني أقترح عليك - أختي الكريمة - بعض الحلول كما يلي:
- تذكري دوما أن المسلم يكتب له عمله المداوم عليه في حال مرضه أو نومه، و كوني حسنة الظن بالله تعالى.
- عليك بالعزلة لبعض الوقت يوميا؛ لبعث الروح من جديد، لتتجدد ونشعر أننا لازلنا على روحانية متفوقة مرفرفة، وأقصد بذلك الحفاظ على الأوراد من أذكار وقراءة للقران ... إلخ، وأوصيك بتطبيق وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة، فعنه رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام".
- إدخال بعضا من تلك الأمور الإيمانية الخالصة في أنشطتكم مثل: التواصي بالحفاظ على ركعتي الضحى، صيام اثنين أو خميس، إخراج صدقة، قيام الليل، والتعاون معا على أداء هذه الأمور.
- عدم حصر الشعور بالحلاوة واللذة بالطاعة في أمور محددة، فحلاوة الطاعة كما تكون في سجدات طويلة، تكون في دعوة ضال، وكما نشعر بها في سبحات مع كتاب الله، لابد أن نترقبها حال تعليمنا الآخرين لكتاب الله.
بارك الله فيك، وفي أعمالك، وجعلك ممن يستخدمهم الله في طاعته، ويستعملهم في دلالة الخلق إليه
================
تتبع العورات .. وسيلة دعوية!!
هل يجوز تتبُّع عورات الناس لهدايتهم عن طريق معرفة نقاط الضعف الإيمانيَّ لديهم؟
جزاكم الله خيرا.
…السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
الأستاذة أسماء جبر أبو سيف, الدكتور كمال المصري…المستشار
تقول الأستاذة أسماء جبر أبو سيف:
أخي الفاضل، أقدِّر لك غيرتك على أخيك المسلم، وحرصك على هدايته، ولكن - أخي العزيز - واضحٌ أنَّك تعلم معنى تتبُّع عورات المسلمين، وأنَّه أمرٌ غير مقبولٍ مهما كانت مبرِّراته لا من الناحية الشرعيَّة، ولا من الناحية الذوقيَّة والاجتماعيَّة، فلا أحد يحبُّ كشف ستره النفسيِّ والسلوكيّ، والعورة لا تشمل فقط العورة الجسديَّة، بل كلُّ ما هو خاصٌّ بك، ولا تحبُّ أن يطَّلع عليه الناس، سواءً في جسدك أو لباسك أو أسلوب حياتك أو طريقة طعامك ونومك … إلخ.
والداعية الحقيقيُّ لا يحتاج لكي يهدي الناس إلى الحقِّ أن يتتبَّع عوراتهم، فتتبُّع العورات له عواقب غير حميدةٍ في الدنيا والآخرة، عواقب على نفسك وعلى أخيك المسلم، فعن معاوية رضي لله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّك إذا اتَّبعت عورات المسلمين أفسدتَّهم أو كدتَّ تفسدهم" رواه أبو داود بسندٍ صحيح، وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه أُتِي برجل، فقيل له: هذا فلانٌ تقطر لحيته خمرا، فقال: إنَّا قد نُهيِنا عن التجسُّس، ولكن إن يظهر لنا شيءٌ نأخذ به" رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
ونقاط الضعف الإيمانيِّ التي تحدَّثتَ عنها يمكن الوصول إليها ومعرفتها بطرقٍ أخرى من خلال الأخوَّة في الله، والتقارب الروحيِّ بين الأخوين، وطول العشرة في إطارٍ معتدلٍ من الصحبة والصداقة ونباهة الداعية نفسه، إنَّ واجب الداعية هو هداية الناس، والتعامل مع الظاهر منهم، ولا شأن له بما وراء ذلك.(9/108)
وإن كنت تعني أيضاً أنَّك تريد أن تؤثِّر فيهم من الداخل في إيمانهم، وتصلح قلوبهم، فاحرص أوَّلاً على كسب محبَّتهم في الله، ثمَّ مساعدتهم على تحسين روحانيَّاتهم، وسلوكهم الدينيّ، وطاعتهم، ومعاونتهم على إصلاح ما في نفوسهم من ضعف الثقة بالله، وإخلاص النيَّة في كلِّ عمل، ودعم ثقتهم بأنفسهم أيضا، ومعالجة غضبهم، وآفات اللسان فيهم، وتعليمهم الصبر والزهد عما في أيدي الناس، وترقية معاملاتهم مع زوجاتهم وأهلهم وجيرانهم ومجتمعهم، ورعاية أبنائهم، وتلمُّس احتياجاتهم الدينيَّة والنفسيَّة.
ويمكنك - أخي الكريم - تقوية ضعفهم الإيمانيِّ بشكلٍ عامٍّ دون الاضطرار إلى معالجة كلِّ نقطة ضعفٍ على حِدة، وثق أنَّها ستتلاشى تدريجيًّا بتوفيق الله، وذلك بتدريبهم على التسبيح في كلِّ وقت، واللجوء إلى الله تعالى عند الشكوى والحزن، والوقوف بين يدي الله تعالى في جوف الليل الساكن، ومسح رأس اليتيم، وتلمُّس احتياجات الرحم والفقير، والاهتمام بأمر المسلمين، كلَّ ذلك - أخي الكريم - يعالج نقاط الضعف بإذن الله أوَّلا، وبهمَّة المدعو ثانيا.
أعانك الله ووفَّقك لما يحبُّ ويرضى.. آمين.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
دعني أخي الكريم - بعد انتهاء إجابة الأستاذة والمربِّية الفاضلة أسماء - ألخِّص لك الأمر في سطور:
1- لا يجوز شرعاً تتبُّع عورة أحد، حتى وإن كان القصد من ذلك خيرا، "إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبا"رواه مسلم، ونحن لسنا "مكيافلليِّين" والغاية عندنا لا تبرِّر الوسيلة، ولن نستطيع الوصول أنقياء إلى الشطِّ الطاهر، إذا خضنا للوصول إليه طريقاً موحلةً قذرة.
2- استخدم - أخي الكريم - أسلوب رسولنا صلى الله عليه وسلم في الدعوة غير المباشرة في تصحيح الأخطاء، فكان إذا رأى خطأً صعد المنبر وقال: "ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا"، كما ورد في أحاديث صحيحةٍ كثيرة، وحينها لن تكون في حاجةٍ إلى تتبُّع عورة أحد.
3- وكما تفضَّلت الأستاذة أسماء، اشتغل برفع الإيمانيَّات والهِمم عموما، بعيداً عن أيِّ تفصيلٍ أو تحديد، فرفع الإيمانيَّات والهِمم كفيلٌ بعلاج كلِّ العيوب والتقصيرات.
بارك الله في حرصك، وهدى الجميع للإيمان والطريق السوي.
=================
طلب المسئولية .. معادلة التطلع والمصلحة
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
إن الإلزام في المؤسسات الدعوية أمر مفروغ منه، ولكن أرى أني من الممكن أن أكون في مكان أفضل، فعرضت الأمر، فتم الرفض مع أني قلت: أبقى بمكاني القديم كما أنا وأستطيع أن أبذل أكثر في المكان الجديد، فأنا في هذه المرحلة شبه متفرغ.. فهل أكتفي بذلك أم من حقي شرعا ودعويا أن أطلب رفع الأمر؛ لأنني أحتاج العمل في هذا المكان؟ وهل من حقي شرعا ودعويا أن أستوضح الأسباب؟.
والله أحسن الظن بإخواني، وأعلم أنهم لا يريدون إلا مصلحة الدعوة ووجه الله.
…السؤال
الدعوة والحركة, زاد المسير …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم به وله.
أخي الحبيب محمد، "أطلب المسئولية أم لا؟".. سؤال يحيّر الدعاة وكل مسلم في موقعه.
والإجابة أن طلبها قد يكون جائزا (أي يجوز طلبها ويجوز تركها؛ فمن طلبها بنوايا حسنة أثيب، ومن تركها بنوايا حسنة أثيب أيضا على قدر نواياه).
وقد يكون مستحبا (أي يثاب طالبها ولا يأثم تاركها) إذا كان لأهداف صالحة.
وقد يكون فرضا (أي يثاب طالبها ويأثم تاركها) إذا لم يوجد غيره لهذا العمل.
وقد يكون مكروها (أي يثاب تاركها ولا يأثم طالبها) إذا طلبها لغرض مكروه.
وقد يكون محرما (أي يأثم طالبها) إذا طلبها لغرض محرّم.
يقول تعالى موضحا هذا على لسان يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمره للحاجة لذلك، وذكر أنه حفيظ أي خازن أمين عليم على علم وبصيرة بما يتولاه.. وقد سأل العمل لعلمه بقدرته عليه ولما فيه من المصالح للناس..".
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: "باب من فضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه": ".. كان ابن مسعود مصحفه يخالف مصحف الجمهور (أي فيه بعض الكلمات مختلفة: مشددة مثلا أو مخففة أو نحو ذلك بما لا يخالف المعنى). وأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وموافقة مصحف الجمهور.. فقال ابن مسعود على سبيل الإنكار: "ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه". ثم قال النووي: "في هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة. وأما النهى عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة بل للفخر والإعجاب، بل إن تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة؛ كدفع شر بذلك أو تحصيل مصلحة للناس أو ترغيب في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك..".(9/109)
وأما ما ورد من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: "لن نستعمل على عملنا من أراده" رواه مسلم، فيقصد به الانتباه والتحذير من عدم العدل فيها أو تحقيق مصلحة شخصية، وتجاهل المصالح العامة أو الوصول لجاه أو فخر أو نحو ذلك مما يؤدي بمريدها وطالبها والحريص عليها إلى الهلاك والتعاسة في الدنيا والآخرة، كما قال فرعون مثلا تكبرا: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الزخرف:51]، وإلا إذا لم يتقدّم الصالحون المقتدرون للمسئولية وفهموا – مخطئين - مقاصد الأحاديث أنها الامتناع والبعد.. فمن يتقدّم إذن؟! الفاسدون المنتفعون الظالمون آكلو الحقوق المتعسون للخلق؟!.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني مؤكدا ذلك في كتابه "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" إضافة إلى الكلام السابق للإمام النووي: "أخرج مسلم عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: "إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"، قال النووي: "هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية، ولا سيما لمن كان فيه ضعف، ومن دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل فإنه يندم على ما فرّط إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا، وعدلَ فيها فأجره عظيم..".
ويضيف الإمام ابن حجر أيضا: ".. وقوله (أي البخاري) باب مَن لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها.. يُستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه، ويدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يعان.. وسبب عدم سؤالها الهيبة والخوف من الوقوع في المحذور.. وقال ابن التين: هذا محمول على الغالب (أي أن لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم- استثناءات)، وإلا فقد قال يوسف: اجعلني على خزائن الأرض، وقال سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي..".
ولقد روت لنا السيرة - أخي الحبيب - كثيرا من الأحداث التي طلب فيها الصحابة الكرام تقديم أنفسهم من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين والناس جميعا، ومن أجل إسعاد أنفسهم وإسعاد الناس في الدنيا ونيل أعظم ثواب في الآخرة.. فمثلا قال سعد بن معاذ رضي الله عنه قولته المشهورة في موقعة بدر للرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل الأنصار: "لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق.. فامض لما أردت ونحن معك؛ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا لصُبُر في الحرب، صُدُق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك..".
وقدّم أبو دجانة رضي الله عنه نفسه ليقاتل حتى النصر أو الشهادة، وذلك حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم في موقعة أحد: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟"، فقال: "أنا آخذه يا رسول الله بحقه" رواه الهيثمي ورجاله ثقات.
وتحدث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن فضله وقت حصاره من بعض الباغين الظالمين يريدون قتله أنه جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة؛ من أجل تذكرة غير العارفين بمكانته ودفع شبهة التقصير عنه، وغير ذلك من الأمثلة الكثير.
أخي الحبيب، بناء على ما سبق، ومن الناحية الشرعية والدعوية (وشئون الدعوة كلها ينبغي ألا تخرج عن الشرع)؛ فمن حق الإسلام أولا عليك أن تقدّم سيرتك الذاتية وما عندك من إمكانات لينتفع بها الجميع، بل إنك لو كتمتها فقد تكون في حرج؛ لتفويت النفع والسعادة لمن حولك دنيويا والثواب الذي ينتظركم إذا أحسنتم أخرويا.
ثم من حقك ثانيا أن تقدم مواهبك وتطوراتك، حيث إن تطور النفس هو شيء تحبه، ومن فطرتها، وتسعى إليه، ولا إثم عليه؛ بل هو تشجيع لها على مزيد من الإنجاز والرقي، وله عظيم الثواب إذا كان من أجل إسعادها هي ومن حولها، كما كان يفعل الصحابة الكرام وذكرناه سابقا.
فاعرض - أخي الحبيب - سيرتك الذاتية على إخوانك، وليعرضها كذلك كل أخ منكم، واقترح عليهم أن تتركوا الأمر للانتخاب الداخلي في المؤسسة - إن أمكن فعله - بين جميع الأفراد ما أمكن؛ فهو من أعظم الوسائل الإسلامية لتحقيق العدل والشورى عمليا، ومن أفضلها في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ومن أقواها في تطوير الأفراد وتنافسهم في الخير بلا حساسيات نفسية، ومن أحسنها في تقوية الدعوة والإسلام والمسلمين؛ ليسعد الجميع في دنياهم بالتطور وفي أخراهم بعظيم الثواب، إذا أخلصوا نواياهم لله تعالى أنهم يتقدمون للمسئولية لإسعاد الناس بالإسلام، بالعدل والحرية والحوار والتعاون والابتكار وغيره من أخلاقه؛ حبا في الله الذي طلب منهم ذلك، وطلبا لحبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا، ولأعظم درجات جناته يوم القيامة.(9/110)
ثم بعد ذلك، وفي النهاية إن تم تسكين الأفراد كلّ فيما يريد، فهذا هو المطلوب والمفيد والأنفع والأسعد، وإن بقي بعضهم في مكان لا يريدونه لفترة، فليصبروا وليستمروا في أعمالهم، ولا يتركوها، وإلا توقفت الدعوة وحدث الضرر؛ فإن ثوابهم بإذن الله أعظم؛ لأنهم يعملون ما لا يريدون، ولأنهم يحافظون على تماسك الصف وألفته وعدم إشغاله بفتن أو شواغل لا أولوية لها. وليثقوا في إخوانهم، وليعلموا أنه ربما يكون هناك سبب لعدم الاستطاعة، أو أن الظروف لا تسمح، أو أن هناك من هو أولى، أو ما شابه ذلك من الأسباب، والتي من حقك بكل الود أن تعرفها، ومن واجبهم أن يذكروها لك لتطمئن النفوس؛ فإن لم تعلمها أو لم يذكروها فلعل عدم ذكرها أفضل للجميع، ثم يكون الحب وتكون الثقة والأخوّة وسلامة الصدور والتقوى هي العواصم المتينة ضد أي فتن، مع الاجتهاد في الاستمرار في التعديل والتصويب كلما سمح الواقع؛ حتى نصل إلى درجة الكمال يوما ما كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ".. سددوا وقاربوا وأبشروا.." رواه البخاري.
================
دعوة الرجال للنساء .. الممنوع والمقبول
جزاكم الله كل الخير على ما بذلتموه وما تبذلونه من أجل الوصول بالشباب إلى أفضل حال في وسط هذه العواصف والمحن التي تحيط به، وبعد..
أنا طبيب وأنتمي إلى إحدى المنظمات الدعوية، عند تخرجي وجدت نفسي فجأة في وسط مجتمع يختلط به الرجال والنساء بصورة شديدة، ويصل فيها التباسط إلى درجة المزاح باليد أحيانا، ولما كانت صلتي بالجنس الأخر أثناء الدراسة لا تتعدى بضع كلمات في أحوال الدراسة أو مواعيد المحاضرات أو الخدمات الطلابية التي أقدمها لا أكثر لذلك، فقد هالني الموقف عند التخرج وخاصة أني قد قررت الاشتراك في بعض الأنشطة خارج إطار المنظمة الدعوية التي أنتمي إليها؛ وذلك رغبة في نشر الفكر الملتزم بين أفرادها والاستفادة العلمية المشتركة أيضا، لذلك عند الاحتكاك الفعلي بإحدى هذه المجموعات لاحظت بعض الأشياء وبعض المشاكل التي أود لها ردودا منكم:
1- قد يحدث أن يتفق أفراد المجموعة على رأي ما، هذا الرأي أراه من وجهة نظري مخالفة شرعية، وأنا الوحيد بينهم، لذا لن يؤخذ برأيي، وهذا العمل المتفق عليه منهم يجب أن أشارك فيه، لأني سوف أقوم بعمل ما لن يستطيع الآخرون منهم عمله وأنا رافض للفكرة أصلا.. فماذا أفعل؟.
2- أجد بعض من زميلاتي يقمن "بالهزار" مع الزملاء فهل أنصحهن؟ وكيف أنصحهن؟ أم ماذا أفعل؟.
3- هل فعلا يمكن أن يقوم نشاط مشترك بين أفراد من الجنسين - خاصة الشباب - في أي من مجالات الحياة، سواء الصحية أو الاجتماعية أو غير ذلك دون أن تقع مشاكل، أم أنه من الأفضل أن يكون أي فريق عمل - خاصة الشباب - مكون من ذكور فقط أو إناث فقط.
أرجو أن تردوا علي بالنصيحة والتوجيه؛ لأني حائر في مثل هذا الموقف هل أترك هذه المجموعة أم استمر معها على ما بها وهل الانفتاح على المجتمع يجعل الإنسان يتخلى عن بعض ما آمن به أو اقتنع به لتسير الحياة.
جزاكم الله خيرا على سعة الصدر
…السؤال
آداب وأخلاق, قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الكريم، نشكرك على ثقتك الغالية بنا، والتي نسأل الله أن يجعلنا أهلا لها في الدنيا والآخرة أما بعد..
جميل أن تكون نشأة رجولتك في ظل الحقل الدعوي والعمل الإسلامي، ذلك أن من شب على شيء شاب عليه، ومن احترقت بداياته أشرقت نهاياته، فالأساس السليم إذا بني عليه رسخ البناء واستقر، بينما لو لم يكن كذلك لم تثبت فوقه لبنة وإن ثبتت وتراشقت مع زميلاتها بعض الوقت انهار البناء ككل عند أول زلزلة يتعرض لها دون أن يترك ما ينفع أو ما يفيد.
أقول هذه الكلمات لأن مشكلتنا الأساسية في المجتمع الإسلامي ككل هي أن التربية في كثير من الأحيان لا تكتمل، ونقصها ربما يؤدى إلى مشاكل عدة عند مواجهة المجتمع الحقيقي المعاصر بسلبياته وإيجابياته، بأمراضه وأدوائه، وردود فعل الدعاة الشباب أو من يعمل بالدعوة عند احتكاكهم بهذا المجتمع تختلف.. فمنهم من ينخرط فيه وتأخذه عجلة الحياة إلى مناطق بعيده عن طموحات العمل الدعوى الذى كان يأمل أن يحقق فيه شيئا في فترة سابقة في حياته، ومنهم من يتقوقع على نفسه ويعتني بها دون النظر إلى إصلاح الآخرين ويتبع المقولة الشهيرة "نحن لن نصلح الكون"، ومنهم من يصر على التغيير، ويعمل على استغلال الإيجابيات بأقصى فائدة مرجوة ممكنة، ومحاربة السلبيات بما أوتي من مهارات.
وهذا النوع الأخير ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول يتشدد، والثاني يسير إلى أبعد الحدود، ويبرر أخطاء المجتمع؛ لأنه يريد الوصول إلى قلوب فئاته المختلفة بنية التغيير التي قد تكون بالفعل صادقة، والأخير يحتك بالمجتمع ولا يذوب فيه، يعمل معه دون أن يلغي كيانه وفكره وأهدافه، يصلح بالتدريج، ويواجه بالحوار الهادئ، ويستخير الله ويستشير من يفوقه علما وإخلاصا من العلماء المخلصين المشهود لهم بالتجرد لله، وأعتقد أن هذا النوع الأخير هو الذي يستطيع بالفعل إحداث نقلة مجتمعية دون غيره، وإن كانت النية الخالصة ليست حكرا عليه دون الآخرين،(9/111)
والمجتمع الذي وصفت أصبح الآن - للأسف - طرازا سائدا في الجامعة والعمل ووسائل المواصلات والشارع والنادي وجميع مناحي الحياة، هذا لا يعني بالطبع أن السلبيات هي التي تحكم المجتمع ككل، فالتعميم ضد المنطق، ولكن يعني أن السلبيات والسلوكيات الخاطئة هي التي تظهر دائما على السطح، وتسلط بعض كاميرات الإعلام عليها الضوء أحيانا بوصفها من دروب التحرر والحياة المنطلقة، وأحيانا بصورتها الحقيقية التي تدفع إلى مزيد من الانحراف عن جادة الطريق.
بيد أن العزلة المجتمعية بدعوى أن ذلك المجتمع خارج عن معطياتنا الدعوية خاطئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه بن ماجه بسند صحيح.
وعليه فانخراطك في العمل المجتمعي مع من هم أقل منك التزاما قد يكون إيجابيا، طالما أنك لم تخرج إلى مخالفة شرعية ثابتة قاطعة، وذلك بعد استشارة أهل العلم والفتوى؛ لأنها إن تواجدت فلا يحق لك المشاركة فيها بدعوى اتفاق الجميع عليها، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولعلي أحذرك من التعاطي مع الأمور والمخالفات بشدة وحماسة غير مقننة، مما قد ينفر منك فريق العمل، فالمؤمن كيّس فطن، ويمكنك أن ترفض العمل بهدوء وتوضح أسبابك بموضوعية.
ويمكنك أيضا أن تنسحب إن أصر الجميع على عمل يخالف الشرع بعد تحذيرهم بالحسنى وتذكر كلمات الله تعالى في كتابه الكريم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ولكن هذا لا يعنى أن تنسحب من الفرق العاملة بأسرها، فالانسحاب يُقدر بقدر الخطأ الشرعي، والمخالفة التي تراها وتستفتى فيها قبل خروجك من العمل، ويمكنك استئناف العمل في مشاريع أخرى لا ترى فيها شبهات، هذا عن سؤالك الأول.
أما السؤال الثاني: وهو عن توجيهك لزميلاتك اللواتي يمزحن مع زملائهن ونصحك لهن، فهذا جزء من وظيفتك الدعوية في المجتمع كفرد مسلم أولا وكداعية ثانيا، وما أريد تنبيهك إليه هو ماهية الطريقة المثلى لذلك، والتي ربما أراها لا تتأتى إلا بالتعريض غير المحرج ولا الموجه لواحدة بعينها، ولا بالاقتراب الشديد من المدعوة لأنه مؤهل للفتنة ومدخل من مداخل الشيطان، واستخدام الوسائل الدعوية كالشريط والأقراص المضغوطة والمطويات والكتيبات... إلخ ربما تكون هي الطريق الأمثل في هذه المشكلات.
ومن المستحسن أن تكون تلك الوسائل لجميع الموجودين في لحظة بعينها من الشباب والفتيات حتى لا تتضرر أخت من اختصاصك لها بالنصح، فتصاب بالإحراج الذى يكون مردوده في بعض الأحيان عكسيا.
وبالنسبة للسؤال الثالث، والمتعلق بالعمل المختلط، فلن أتكلم فيه عن الحكم الشرعي له، ولكنى سأتكلم من واقع المجتمعات التي نعيشها، والتي أصبح من طبيعتها العمل المشترك بين الجنسين، ومن واقع السنة النبوية، ولعلي أسأل: ألم تشارك النساء في الغزوات الكبرى، سواء بالتمريض أو بخدمة المحاربين وأحيانا بالقتال بالسيف جنبا إلى جنب مع الرجل؟.
المسألة ليست في العمل المشترك البناء، ولكن المشكلة تكمن في كيفية وآلية القيام بالأعمال، فإذا كانت الكيفية سليمة والالتزام بالجدية من القوة بمكان فلا مشكلة، أما إن كان يشوب العمل مخالفات شرعية عدة، وسقطات لا يستطاع تجنبها، فمن الأفضل عدم الاستمرار والانسياق، خاصة إن كنت واثقا أنك لن تستطيع إحداث تغيير إيجابي.
وأخيرا - أخي الكريم - أود أن أذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "استفت قلبك والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه المنذري باسناد حسن.
لديك بصر وبصيرة ولا نزكيك على الله، وربما أعتقد بعد حوارنا في السطور السابقة أنك الوحيد الذى تستطيع الحكم على العمل الذى تشارك فيه واستبيان فوائده من غيرها، ولا تنس أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، فإن كان الأمر أكبر من قدرتك على الثبات على الحق، ويتطلب انخراطك في سلبيات ومخالفات شرعية، فلن تجد من ينصحك بالاستمرار حرصا على دينك، وإن كان الأمر أيسر من ذلك وتستطيع أن تتحكم فيه وتمسك بمفاتيح قيادتك لنفسك دون إفراط أو تفريط فلتستمر ولتغير شريطة ألا تذوب.
وأوصيك ونفسي بالدعاء والإخلاص لوجه الله تعالى، وفقك الله وسدد خطاك.
=============
الفساد ينتشر .. الإصلاح لا اليأس
في البداية، أشكر العاملين في هذا الباب الهام، وأدعو الله أن يوفقهم.
هناك مشكلة تقابلني، وهي الفساد الموجود داخل بلادنا من نفوذ وضياع للقوانين، سواء في الحصول على الوظائف أو قضاء الحاجات التي لا تسير إلا من خلال "الواسطة"، وهذه الأمور حينما تثار من بعض الأصدقاء أو الجيران فإنما تثير في النفس اليأس من الإصلاح.
وعندما أثيرها مع آخرين قد يتسرب اليأس أيضا إليهم، فبرجاء إفادتنا عن مثل هذه الأمور، وحين تتطرق إلى سمعنا، هل من الأولى تجاهلها، أم التفكير فيما وصل إليه حال المسلمين وكيفية الخلاص منها؟.
مع جزيل الشكر.
…السؤال
قضايا وشبهات, المجتمع …الموضوع
الأستاذ عمر أمكاسو…المستشار
……الحل …
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وحزبِه وسلِّم تسليما، وبعد..
أخي الكريم، لابد في البداية من التذكير ببعض بدهيّات ديننا الحنيف المرتبطة بسؤالك، ومنها:(9/112)
- أن ديننا الحنيف ينهى عن الفساد والإفساد في الأرض، يقول عز من قائل: (والله لا يحب المفسدين)، وقال تعالى: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
- بناء على ما سبق، يأمر الحق سبحانه وتعالى عموم المؤمنين ألا يقبلوا الفساد، وأن يسعوا لتغييره أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، إذ يقول سبحانه وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، حيث ربط الله تعالى خيرية أمة الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقول تعالى أيضا آمرا المسلمين بالتصدي للفساد: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
وواضح من هذا الحديث أننا جميعا مدعوون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجميع الوسائل وعَبْر جميع المراتب.
- إن التصدِّي للفساد والمفسدين، والسعي لإصلاح أوضاع المجتمعات الإسلامية واجب شرعي وعيني، يجب أن يساهم فيه كل أفراد هذه المجتمعات رجالا ونساء، يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فمن شروط تمام الولاية العامة بين أعضاء المجتمع الإسلامي أن يشارك هؤلاء جميعا في الإصلاح والتصدِّي للفساد.
إذا انطلقنا من البديهيات السالفة، يتبين لنا - أخي الكريم - وجوب التصدِّي للمفاسد التي استشرت في مجتمعاتنا، وألا نترك لليأس والإحباط منفذا إلى نفوس المسلمين، وأن نُبين للجميع من خلال ضرب الأمثلة من تاريخ المسلمين أن الإصلاح ممكن، وأن الباطل مهما كبر واستشرى وانتفش فإن الحق سيزهقه ويقضي عليه ويحل محله، فكم من مراحل حرجة مرت بها أمتنا الإسلامية.. استشرت فيها المفاسد، وعظم فيها البلاء على المسلمين، حتى استيأس الناس، لكن بفضل عناية الله تعالى بهذه الأمة وحفظه لدينها، ثم بفضل جهود المصلحين والمصلحات، عادت الأمور إلى نصابها، وعاد الأمل إلى القلوب المؤمنة، ويمكننا ملاحظة ذلك في واقع بعض البلدان الإسلامية التي نجح فيها المصلحون والدعاة في الإصلاح والتغيير.
إذن فلابد لنا جميعا - أخي الفاضل - من الانخراط في جهود إصلاح أوضاع مجتمعاتنا، وتعبئة من حولنا من أهلنا ومعارفنا للمشاركة في ذلك، كل على قدر استطاعته، وقد مرت بنا مراتب تغيير المنكر التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن انخراطنا في جهود الإصلاح يجب أن يكون بوعي ومسئولية، وأن تراعَى فيه عدة أمور، أهمها:
- يجب أن ننطلق من العلم الشرعي في تعريف المنكر المراد تغييره، والمعروف المراد إحلاله، فالمسألة عبادة وقربة، والله تعالى لا يُعبَد عن جهل، إنما يُعبد عن علم ومعرفة.
- يجب مراعاة ضوابط الدعوة في سعينا للإصلاح، مثل: التدرج، والرفق، وتجنب ما يمكن أن يثير الفتنة بين المسلمين، كما يجب استحضار بعض القواعد الفقهية ذات الصلة بالموضوع، مثل: "درء المفاسد مُقدم على جلب المصالح"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، و"لا يمكن دفع مفسدة بمفسدة أعظم منها"، وغيرها من قواعد أصول الدعوة والفقه.
- كلما تيسر التعاون مع الآخرين في أمر الإصلاح يكون ذلك أجدى وأولى؛ لأن أهل المنكر متكتلون ومتعاونون، فكيف نواجههم ونحن أشتات متفرقون؟ والله تعالى يحثنا على أن تكون منا أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ويجب أن نسعى جميعا لنكون من تلك الأمة ونفوز بما ادخره الله لها من أجر ونعيم.
والحمد لله هناك في أوطاننا تجمعات إسلامية تجتهد في إصلاح أوضاع بلدانها، فلنستخر الله تعالى ليختار لنا منها ما يؤطِّر جهودنا الإصلاحية.
- أخيرا، بل أولا وأساسا، يجب الحرص الشديد على إخلاص عملنا التغييري والإصلاحي لله تعالى وحده، باعتباره قربة وعبادة واستجابة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس انهماكا في العمل السياسي بمعناه القدحي، وانتصارا للنفس، وانتقاما من المفسدين، وتسابقا إلى المناصب وإلى الجاه.
والله تعالى نسأل أن يصلح أوضاع أمتنا، وأن يرفع هممنا لنكون من المصلحين المخلصين، وهو سبحانه أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
==============
حملة ضد سب الذات الإلهية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبارك الله فيكم على هذا الجهد المميز.
أعيش في بلدة منفتحة نوعا ما، والدعوة فيها تتقدم والحمد لله، لكن مشكلة هذه البلدة أن بعض الناس من أبنائها يشتمون الذات الإلهية بقصد أو دون قصد.
قررنا القيام بحملة ضد هذه الأعمال بالتنسيق مع خطباء المساجد، وأريد من حضراتكم أن تفيدونا مما فتح الله به عليكم في كيفية القيام بهذا العمل على أكمل وجه، وما العنوان المقترح لهذه الحملة؟ وماذا نصنع حتى نكون أقرب إلى قلوب الناس.
…السؤال
الدعوة العامة, المجتمع …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ أسامة حمود، كاتب ومستشار تربوي مصري:
أصل الإيمان بالله الإجلال والمحبة، وروح العبادة في الإسلام الرغبة والرهبة، وعلى هذين الأصلين يبني المؤمن علاقته بالذي أوجد وخلق، وأعطى ورزق، فالإيمان به ومحبته وعبادته وإخلاص العمل له، هو غذاءُ الإنسانِ وقوّتُه وصلاحُه وقِوامُه.
إن توحيد الله اعتقادٌ وسلوك، حقيقةٌ وعنوان، ساحةٌ وأركان، وعندما ضعفت هيبة الدين في النفوس، تجاسر الناس على كل المقدسات والقيم، وارتكبوا الأفعال التي لا تَصدُر إلا عمن استحكمت غفلتُه، وقسا قلبه.
حُكمُ مَن سبّ الله تعالى:(9/113)
لستُ ممن يحب تصيّد التهم للناس، ورميهم بالفسق والشرك، لكننا أمام تصرف يوجب النظر الطويل، والمصارحة الخالصة.
إن سبّ الخالق العظيم ليس شيئا هيّن الخطر، إنه سفالة عميقة القرار، فقد أجمع العلماء على أن من سبّ الله تعالى فقد كَفر، بل هنا أكبر أنواع الكفر، فهو أعظم من مجرد الردة عن الإسلام، نص على ذلك أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني"- : ومن سب الله تعالى كَفَر، سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة:65].
وعلينا أن ننظر في المكان الذي يعيش فيه هذا المستهتر، فإن كان السابّ مسلماً ناشئاً في بلاد الإسلام فلا يُعذر، لأن مسألة تعظيم الله وتوقيره من المسائل العظيمة المشهورة، وليست من المسائل الهيّنة الخفية.
بل إن الله تعالى نهى المؤمنين عن مجالسة من يستهزيء بآياته سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) [النساء:140]، أي: أيها المؤمنون، إن استمعتم إلى مَن يعلنون الاستهزاء بآيات الله تعالى، كنتم معهم فى الاستهانة بآيات الله، وشركاء لهم فى آثامهم؛ لأن الراضي بالكفر بآيات الله وبالاستهزاء بها يكون بعيدا عن حقيقة الإِيمان، ومستحقا للعقوبة من الله، قال صاحب الكشاف – الزمخشري – "فإن قلتَ: لِمَ يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم فى وقت الخوض؟ قلتُ: لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين".
إنه التهديد الذي يرتجف له كيان المؤمن: (إنكم إذاً مثلهم)، قال القرطبى: "فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصى إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يتجنبهم فقد رضى فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله تعالى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ)، فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم فى الوزر سواء، وينبغى أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
لا شك أن ضعف وليونة الدين في القلوب، أدى إلى هذا السلوك العبثي اللئيم، وهو سلوك جمع الكفرَ ظاهرا وباطنا، فهو كفر ظاهر، لجريان السب على لسان صاحبه دون وجل، وكفر باطن؛ لأنه سلوكٌ دال على استهانته بالله تعالى، وانعدام خشيته من الذي خلقه فسواه.
مقترحات عملية وتطبيقات تربوية:
واجب العلماء والعقلاء - بل وعامة الناس - أن يرمُقوا هذا الفعل الشنيع باستنكار، وأن يبذلوا جهدهم لتعليم ذوي السلوك النابي طريق الحق، ومخاطر هذا الفعل الذي لا ينفع معه تمحلٌ ولا اعتذار.
ونقترح "بين الخطيئة والمتاب" عنوانا لتلك الحملة، أو ما تختارون من عنوان لتلك الحملة المباركة، التي هدفها بيان شناعة هذا الفعل، بل هذه الخطيئة، ووجوب التوبة العاجلة منها، فمن النقائض أن نعبد الله ونحن شَتّامون له، وأن ندعي المحبة والتوكل والزلفى، ونحن غير هيابين لجلاله، غير معظّمين لأسمائه.
فحرام أن ندع الجهل يفتك بالإيمان ونحن شهود، فما استطاع الضلال أن يسود إلا في غيبة الناصحين المصلحين الأوفياء.
فعلى كل من عنده مُسْكةٌ – بقية - من إيمان، أن يشارك في تلك الحملة.. المعلم في مدرسته، والمرأة في بيتها، والرجل في سوقه، والفتاة في ناديها، والخطيب في مسجده، والإعلامي في حقله.
وهناك مقترحات عملية لنجاح تلك الحملة:
* توفير النشرات العلمية المبسطة، والملصقات الجذابة، والكتيبات المناسبة التي تعالج قضايا الإيمان وأركانه ومتطلباته، مع بيان واضح لحكم من يرتكب هذا الإثم الصريح.
* اعتماد سياسة التعزيز، أي مكافأة أصحاب النشاط الملحوظ في تلك الحملة، سواء كان عالما أو متعلما، شابا أو شيخا، رجلا أو امرأة.
* التهديد بوضع اسم كل من تطاول على الله في لستة سوداء، تُعلق في الأماكن العامة من البلدة بعد إمهالهم فترة زمنية يتم خلالها تعليمهم معنى العقيدة، وتدريبهم على ترك تلك الخطيئة.
* مخاصمة كل من تجاسر وارتكب على هذا الفعل – بعد انقضاء الزمن المضروب لهم - من قِبل ذويه وأصدقائه وكل من لهم به صلة.
* رفع دعوى قضائية ضد كل شخص يرتكب هذا العمل - بعد انقضاء الزمن المضروب أيضا - أمام المحكمة الشرعية لاستتابته.
وأخيرا يجب أن نؤكد لعوام الناس أن الأفضال الإلهية لا تنقطع عنا، فالأمداد الإلهية – وحدها - هي التي تُبقينا على قيد الحياة، ولولا هذه الأفضال وتلك الأمداد لتلاشى كل شيء، ولصار الإنسان فانيا ذاويا، فعلى العاقل أن يهتف باسم الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي خلقه من طين، فمهما التفتنا يمينا وشمالا، فلن نجد ملجأ تهرع إليه أفئدتُنا، أو مَثابة تفزع إليها شعوبنا، إلا بركة الواهب الأعلى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ).
ويضيف الدكتور رجب أبو مليح محمد:
في البداية نشكر الأخ الكريم على هذا العمل الإيجابي الهام، فالمسلم مطالب بتغيير المنكر حسب الطاقة والوسع، باليد أو اللسان أو القلب، وذلك أضعف الإيمان، ثم نشكر الأخ الكريم على رده النافع إن شاء الله، ونسأل الله أن يعينكم على الإفادة منه.
لكننا نحب أن ننبه على نقطتين نراهما من الأهمية بمكان:(9/114)
الأولى: أن من سب الله تعالى - قاصدا هذا السب للذات الإلهية - فقد كفر بإجماع العلماء، غير أن بعض العلماء يرى أن كثيرا من الجهال لا يقصد سب الذات الإلهية، ولكنه يقصد سب الشخص الذي أمامه، غير أن هذا ليس أمرا هينا، بل هو كبيرة من الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى، وعلى فاعلها المبادرة بالتوبة قبل فوات الأوان.
الثانية: أن ثمة فارق بين تكفير النوع وتكفير الشخص المعين، فيمكننا أن نقول: من فعل كذا فقد كفر، ومن قال كذا فقد كفر، غير أننا لا نستطيع أن نكفر شخصا معينا إلا بعد مناقشته من قبل العلماء الراسخين في العلم لعل له عذر، أو لعله لا يقصد ما فهمناه منه، أو يجهله، أو يتوب بعد أن نوضح له خطورة ما هو عليه عسى الله أن يتوب عليه.
فعلى الأخوة الدعاة وهم يقومون بهذا العمل الجاد النافع أن يتجنبوا التساهل في إطلاق لفظة الكفر بغير دليل ولا برهان؛ لأن هذا كفيل بهدم العمل، وعدم وصوله إلى الأهداف المرجوة منه.
وعليهم الإعداد الجيد لهذه الحملة ومراجعة مضمونها من الناحية الفقهية والدعوية، ومراجعة وسائلها من الناحية الفنية، والإفادة من خبرات السابقين في مجالات الإعلام والدعوة.
نسأل الله أن يرزقك وإيانا الإخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
ومن الأفكار التي يمكنك - أخي الكريم - القيام بها أيضا في هذا الشأن:
* توزيع شرائط الكاسيت لبعض العلماء، والتي تدور بشكل مركز حول سب الدين أو سب الذات الإلهية، وما يترتب عليه من أضرار بالغة بالإيمان.
* كذلك من الوسائل التي نراها نافعة - إن شاء الله - في ذلك الأمر أن يكون هناك تواصل مباشر مع هؤلاء الذين يقعون في ذلك الذنب؛ يتم الحديث خلاله بشكل مباشر حول هذا الموضوع.
مع مراعاة اختيار وانتقاء من يقوم بهذه المهمة بدقة شديدة، بحيث يكون له عند هؤلاء الناس قبول نفسي وسابق ود، وأن يلتزم الكلمة الطيبة واللين والرفق.. وكل آداب النصح أثناء الحديث معهم.
نسأل الله تعالى أن ينفع بك وبمن يعاونك على هذا الخير، وأن يرزقنا جميعا القبول والتوفيق.
=============
7 أفكار للدعوة بالمحاسبة
كيف أفيد الإسلام من خلال مهنة المحاسبة التي سأتخرج منها؟
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الأستاذ علي محمد موسى…المستشار
……الحل …
بداية، تحية لك أيها الأخ الكريم على سؤالك الذي ينم عن فهم صحيح لرسالة المسلم في الحياة، فلقد أتى على المسلمين حين من الدهر تصوروا فيه - خطأ - أن الدين منفصل عن الدنيا، وأن طريق الدنيا والآخرة طريقان منفصلان لا يلتقيان أبدا، وأن العمل إما أن يكون دنيويا ماديا أو أخرويا روحيا.
وحتى جمهور المتدينين يقع أكثرهم في هذا الخطأ، فيتصور البعض أن خدمة دين الله عز وجل قاصرة على منابر المساجد أو حلقات الوعظ أو التفرغ لطلب العلم الشرعي، ونسوا - أو تناسوا - أن دين الله عز وجل يحتاج عمل الجميع.. الشيخ الواعظ، الطبيب الحاذق، الجندي المجاهد، والمحاسب الأمين ... إلخ.
أخي الكريم؛ إن أردت أن تخدم دينك من خلال مهنة المحاسبة فاحرص على ما يلي:
1- أخلص نيتك لله عز وجل، فقليل من العمل مع إخلاص النية يعطي أكبر الأثر وأعظم الثمار، وكما روي: "نية المؤمن خير من عمله" رواه السيوطي بسند ضعيف.
2- للإسلام رأي وحكم في كل شئون الحياة، فاحرص على أن تُحكم حلقة الوصل بين المحاسبة والإسلام، وداوم على الإطلاع على المؤلفات التي تعرض المحاسبة من وجهة النظر الإسلامية، وأرشح لك على رأسها مؤلفات الدكتور حسين شحاتة.
3- أتقن مهنتك إتقانا فائقا حتى تعطي المثل الصالح للمحاسب المسلم، فالدعوة بالقدوة هي أكثر وسائل الدعوة إقناعا، ولذلك قيل: "إن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل".
4- لا تنقطع عن الدراسة والتعلم، واحرص دائما على ألا تقطع صلتك بعلم المحاسبة، وأمامك المجال متسعا لقراءة منفردة أو دراسات عليا أو دورات متخصصة ... إلخ
5- اخدم المؤسسات الإسلامية والخيرية بعلمك المحاسبي، سواء أصبح عملك في هذه المؤسسات هو العمل الأساسي أو كان عملا إضافيا تطوعيا؛ وابتعد عن خدمة المؤسسات المشبوهة أو التي تتاجر في سلع محرمة، واحرص دائما ألا تصرف علمك وجهدك إلا لمن يخدم الإسلام وينفع المسلمين.
6- أدِّ زكاة علمك، وزكاته تعليمه للغير، فاحرص على أن تتواصل مع طلاب علم المحاسبة لتعطيهم شيئا مما أنعم الله عليك به.
7- كن مستشارا محاسبيا وماليا لكل المسلمين من حولك، فتواصل مع من تعرف من التجار وأصحاب الأعمال لإفادتهم بآرائك واستشاراتك، فالدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، كما ورد في الحديث الصحيح.
وهذه الوسائل - أخي الكريم - بمثابة باب نفتحه لك، فإذا دخلته ستتفتح لك أبوابا شتى لخدمة الإسلام من خلال مهنتك، وفي خلال سنوات قليلة ستصبح أنت مستشارا لإخوانك من المحاسبين، وستنقل إليهم تجاربك العظيمة في كيفية خدمة الإسلام عن طريق مهنة المحاسبة.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياك بما رزقنا من العلم، وأهلا بك دائما.
==============
كيف أدعو جاراتي؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة متزوجة منذ عامين، من زوج تقي أحسبه على خير ولا أزكى على الله أحد.(9/115)
وسؤالي: كيف يمكننا دعوة جيراننا؟ مع العلم أن كل منهم منغلق على نفسه، ولا أحد يعرف شيئا عن أحد، ولقد حاولت أنا وزوجي في بداية زواجنا التعرف عليهم عن طريق إهدائهم شريط ديني لطيف أو مطوية صغيرة كتبنا عليها "يُسعدنا السُكنى بجواركم، ندعو الله أن نكون جميعا مع النبي صلى الله عليه وسلم"، وحاولنا أيضا إهدائهم بسكويت من صنع أيدينا في العيد، ولقد بادلتنا عائلة واحدة الهدية، ولم تتسنى فرصة للتحدث بعد ذلك.
أحيانا أشعر أن السبب هو فارق السن، فكلهم متزوجات وكبار في السن ومقاربات لسن والدتي، ولكني بفضل الله يمكنني كسب ود أي شخصية والتلطف معها مهما كان عمرها، ولكنى لا أعرف كيف أبدأ سوى ما فعلت، خاصة أن بنات الجيران المقاربات لسني سلوكهم بعيد عن تعاليم ديننا الحنيف سواء في ملبسهم أو وقوفهم مع شباب الجيران في الشارع ليلا، وغير ذلك من التصرفات التي تثير استهجاني، ولا أعرف كيف أتصرف.
أرجو إجابتي إجابة وافية، وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة النسائية …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
بسم الله الرحمن الرحيم،
أختنا الحبيبة، بارك الله لك في حملك لهم الدعوة أنت وزوجك، وجعلكما من الصالحين الصادقين المخلصين لوجهه الكريم في كل أعمالكما الظاهرة والباطنة، أما بعد..
جميل أن نبدأ عملا دعويا عائليا بهمة عالية وحماسة متدفقة، والأجمل هو إعادة تصحيح النية وإخلاصها لوجه الله تعالى، ذلك أن العمل لوجه الله تعالى لا شريك له يجعلك لا تتعجلين نتائج الدعوة، بل وتعتبرين كل جهد مبذول وكل محاولة غير مجدية ثقلا جديدا في ميزان حسناتك إن شاء الله، ومن ثم تصبرين على ما انتويته من خير.
أضيفي إلى هذا أن طريق الأنبياء وهو الدعوة ليس طريقا سهلا، ولكنه شديد الوعورة، صعب لا يصبر على لأوائه إلا صاحب حظ عظيم.. ألم يدع سيدنا نوح قومه ألف سنة إلا خمسين؟ ألم يدع سيدنا إبراهيم قومه، فكفروا بما أتاهم به من خير إلا لوط أكرمه الله بالإيمان ثم بالنبوة؟ وطريقك أسهل بكثير من طريق الأنبياء؛ لأنك لا تدعين كفارا ولكنك تدعين مسلمين، ودورك فقط هو بذل المحاولة لاستنقاذهم من الغفلة وقصر النظر على الدنيا دون الآخرة.
بيد أنك يجب أن تتفهمي طبيعة العصر الذي نعيشه والذي جعل كل واحد منغلق على نفسه وعائلته، قليل الاحتكاك بمن حوله، لا وقت لديه للاقتراب أو محاولة الاقتراب من غيره، والإفراط في هذا المسلك ليس محمودا لكن الإيقاع المتسارع لحركة الحياة هو الذي عودنا على ذلك، وربما ساعد على ذلك أيضا الانفتاح الفضائي والغزو الفكري الذي زاد من تقوقع الإنسان على نفسه، فوقت الفراغ الذي كان يتزاور فيه الأهل والأصدقاء تقلص وأصبح له ما يملأ مساحاته من متابعة للقنوات الفضائية وتعلق بالشبكة العنكبوتية، واستبدل التواصل الفعلي واللقاء الدوري بمكالمات هاتفية أو رسائل جوال سريعة، تفي بالغرض لمن هم حريصين عليه، وتعزز داخل كثير من الناس سوء الظن ببعضهم البعض، لذا فالمسألة ليست سهلة وتحتاج منك لكثير صبر ومواصلة جهد من غير يأس ولا ملل.
ولقد ذكرت أن معظم جاراتك أكبر منك سنا، لذا أرى أن فكرة إرسال شريط دعوي لهن وتقديم النصح المباشر ربما تكون غير مجدية، ذلك أن النصح ثقيل على النفس خاصة إن كان من الأصغر إلى الأكبر، لذا أقترح عليك أن تحاولي التواصل معهم من منطلق جديد، وهو أن تظهري أنك بحاجة إلى جاراتك وإلى خبراتهن، خاصة وأنت حديثة عهد بالزواج مقارنة بهن.
ولا تدخلي إلى ميدان النصيحة مبكرا لا معهن ولا مع بناتهن، حتى لا تخلقي جوا من التنفير، بل مدي جسور الثقة أولا ثم ادلفي إلى ما تريدين من خير بلطف وهوادة.
لا تلحي في النصيحة، ولكن اجعليها على فترات متباعدة، وحاولي أن تستخدمي التعريض والتلميح، لأنه أخف وقعا على النفس وأقرب إلى التقبل.
واحذري أن تقحمي نفسك في حياة جاراتك فجأة، وحافظي على حقهن في الاحتفاظ بخصوصياتهن، وتخيري أوقات الزيارة والمواقف التي تثبتين لهن بها أنك أخت تحمل همهن وتقف إلى جانبهن في المرض والظروف الصعبة التي يكون الإنسان فيها بحاجة لمن يمد له يد العون.
ولاتنسي الرفق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
وإن أردت أسهل الطرق وأقصرها لدعوة جيرانك خاصة والمسلمين عامة، فهي أن تكون عائلتك مثلا ونبراسا في الخلق والتعامل والعبادات، وأن يصدق القول العمل والمظهر المخبر، وإلا فستكونين كالذي يبني بناءا بلا أسس، فينهار به وبحلمه، وهو يظن أنه على صواب.
ولا تنسي - أختي الحبيبة - أن الدعاء هو سبيلك لكل خير، فالله لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، فتضرعي لله أن يهديك ويهدى جاراتك لسواء السبيل، فدعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب من الأدعية المرجوة الإجابة بإذن الله.
نسأل الله لنا ولك وللمسلمين أجمعين الهدى والتقى والعفاف وخير الدارين.. آمين.
============
لماذا نمنع غيرنا من الدعوة لدينه؟!
بسم الله الرحمن الرحيم،
من المعروف أننا كمسلمين لا نسمح للنصارى أن يحاولوا نشر دينهم في بلاد المسلمين، بينما نحن نطالب بحرية الدعوة في بلادهم.
وذلك - كما أفهم - بسبب أن دعوتنا عقلية تقوم على الحجة، بينما هم يعتمدون أسلوب التنصير واستغلال الظروف الصعبة لصد الناس عن دينهم، وسبب آخر أننا ندعو في دول علمانية، فبالتالي الدعوة لأي دين لن يصادم دستور البلاد هناك، بينما الدول الإسلامية ذات مرجعية إسلامية، ولو على الورق.(9/116)
فهل هذه هي الأسباب بالفعل؟ وكيف يمكن الرد على من يدعي أننا نطالب بحرية دخول الناس إلى الإسلام وترك دينهم، بينما نحن نمنع خروج المسلمين عن الدين بسبب حد الردة؟
أفيدونا أفادكم الله.
…السؤال
قضايا وشبهات …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي الحبيب، "الحوار" أسلوب دعوي قرآني نبوي أصيل، لكننا أحيانا نغفله، والحوار لا يعني أبدا التلقين برأي ٍأو فكر مُعيِّن من جانب واحد، وإنما يعني أن يُعِلن كل طرف عن رأيه، بل ويأتي بكل دليل يؤيده، ويُسَمح له بذلك تلقائيا وبديهيا ما دام قد ُسمِحَ له بالحوار، بل ويُطلب منه إذا لم يفعله.
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالي: (وجادلهم بالتي هي أحسن): "أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن، برفق ولين، وحسن خطاب"، ولفظ الجدال إذا كان في الخير فإنه يعني حوارا إيجابيا مثمرا نافعا، وهذا هو المحمود المطلوب، أما إن كان في الشر، وللانحراف عن الحق رغم وضوحه ومعرفته، ولتفريق القلوب، وتشتيت الأعمال، فهو المذموم المرفوض.
ويكون ذلك الجدال في إطار الأخلاق العامة، كما يقول تعالي: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، فلا جدال، ولا تجريح، ولا استهزاء، ولا استكبار، كما يقول تعالي: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، ولكن محاولات جادة صادقة من أجل تحريك الفطرة السليمة والعقل المنصف؛ لتحقيق الخير والصواب، واللذين هما مصدرا السعادة في الدنيا والآخرة.
لقد تقبَّل الله تعالي الحوار مع أهل الكتاب ودعاهم إليه، كما يوضح لنا في قوله: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)، وأوصانا به معهم ومع غيرهم، كما يقول: (قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء)، بل وتحاوَر أيضا مع إبليس - رمز الشر والكفر -، كما يقول: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين)، لينبهنا لضرورة التحاور مع كل كافر، ويرشدنا أن بديهيات الحوار تقتضي إبداء الأسباب كما قال إبليس مُبَرِّرا: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) .
فإذا كان هذا مع الشيطان! فما بالنا مع بشر لديه استعداد للهداية في أية لحظة مهما عظمت شروره وجرائمه؟!
ثم السيرة أيضا قد روت لنا أنَّ هذا التوجيه القرآني كان هو نهج الرسول صلي الله علية وسلم مع زعماء الكفر وجنوده، فيستمع لهم حتى يفرغوا من كل ما يريدون قوله، ثم يردّ عليهم كما قال لزعيم لهم: "أفرغت يا أبا الوليد".
فلماذا إذن نغلق نحن باب الحوار؟! أنحن أحرص على دين الله أو على خلقه منه سبحانه؟!. إنَّ من فوائد هذا القبول لهم والحوار معهم أن يدعوهم للتعبير عما يلتبس عليهم، فإن كانوا صادقين وعلموا الحق سيراجعون فِطرهم وعقولهم، وسيتبعونه بكل تأكيد وترحيب؛ ليسعدوا كما حدث مع كثير، وإن كانوا غير صادقين سيتبين بالحوار كذبهم وكيدهم للآخرين، أما كبتهم، فقد يحولهم إلى منافقين، يُظهرون الخير ويُبطنون الشر، وهذا سيكون أضرّ على أنفسهم ومجتمعهم أكثر من كفرهم.
ومن فوائد الحوار أيضا المقارنة، إذ لولا وجود بعض البشر ممن يستجيبون لوساوس الشيطان، لمَا أحسسنا بقيمة الخير، ولولا وجود الدنيا لما استشعرنا قيمة الآخرة، ولولا وجود أديان ونظم أخرى غير مكتملة لما أيقنا باكتمال الإسلام وصلاحيته لإدارة كل شئون الحياة وإسعادها، ولما حرصنا عليه وتمسكنا به ودعونا إليه.
أخي الحبيب، إذا كان الله ورسوله والإسلام لم يمنعوا أحدا أن يعلن عن فكره - مهما كان - في حدود الأخلاق العامة الفطرية المعروفة المتوارثة، فمن ذا الذي يتجرأ إذن من المسلمين أن يمنع أحدا أن يعلن عن أفكاره، ويدعو لها ما دام مقتنعا بها بصدق؟.
إن من حق كل صاحب فكر أن يدعو لفكره بأدب وإخلاص، سواء أكان مسلما أم غيره، وسواء أكان المسلمون أكثرية أم أقلية، وفي دولتهم وبقوانينها أم خارجها وبغيرها، فإن كان الفكر فاسدا سيلفظه العقل المنصف والفطرة السليمة، وإن كان على جزء من الصواب سيُقبَل جزئيا ويُستكمل، وإن كان على صواب كامل سيُقبَل كليَّا.
لكنّ الغريب والمزعج هو غياب المسلمين أصحاب الحق، إذ لاشك أنه كلما نشر المسلمون إسلامهم بالقدوة وبالحكمة والموعظة الحسنة، كلما استطاعوا تحريك الفِطر والعقول، واللذيْن هما أصلا مع الله والرسل والإسلام، وقد خلقهما خالقهما كذلك ليسعد بهما الإنسان في دنياه وآخرته، وكلما لم يعد هناك مكان لفكر ناقص أو ضعيف أو خاطيء أو فاسد لينتشر بين الناس حيث لا ثغرة ينفذ منها.
فلننشغل جميعا - كل على قدر طاقاته وإمكاناته - بنشر ديننا ونظامنا الحق، بكل الوسائل الممكنة المُتاحة المُباحة، الحديثة والتقليدية المناسبة، وسيهتدي منهم بإذن الله الكثيرون، كما نرى واقعنا الآن، وكما حدث على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث آمن من أئمة الكفر قادة للإسلام أمثال: عمر وعمرو وخالد وغيرهم، وسيكون لكل من شارك ثوابه العظيم.
بناء على ما سبق أخي الحبيب، لا يستطيع أحد أن يُكره مسلما على أن يبقى في الإسلام؛ لأنه لماذا لا تشمله هو أيضا الآية الكريمة: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)؟!، ولكنه هو الذي سيخسر ويتعس في الداريْن، ومع ذلك يظل يُحاور مدى الحياة حتى يتوب على رأي بعض العلماء!.(9/117)
كما قال الإمام ابن حجر: "عن النخعي: يُستتاب أبدا"؛ لأنه إذا كان المطلوب من المسلم أن يصبر على البعيد عن الإسلام دائما أملا في إصلاحه، أفلا يصبر عليه إن دخل فيه لفترة ثم خرج، فلعله يعود ويدخل ثانية ولا يخرج أبدا؟!.
ولعل الإمام النخعي قد فهم من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل المرتد أنه الذي يدخل في الإسلام لفترة؛ بغرض إحداث الفتن - حيث كنت مسلما - وقد خرجت، فهذا أكبر دليل عملي على سوئه! كما يُفهم ضمنا من قوله تعالي: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)، فيُحدث ضررا كبيرا بوجوده، فالتخلص منه حينئذ - بحبسه أو حتى قتله بعد استتابته لفترات - سيكون مصلحة للجميع، وهذا يمكن التوصّل إليه من خلال القضاء والتحرِّيات والتحقيقات، لكن إن ظل على ارتداده دون ضرر منه على غيره، فيظل يُراجَع حتى يعود أو يموت.
وفقك الله وأعانك، ولك ثوابك العظيم، ولا تنسنا من صالح دعائك.
ويضيف الدكتور محمد عبد اللطيف البنا:
إضافة إلى ما ذكره الدكتور محمد منصور أود التأكيد على بعض الأمور في هذا الشأن، وهي:
أولاً- الإسلام دعوة عالمية، يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ويقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ)، فدعوة الإسلام من خصائصها أنها عالمية، وانطلاق المسلمين للعالمين بالدعوة إليه من باب التعريف بالدين الإسلامي، وليس إجبارا لأحد على الدخول فيه لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ). فالمسلم مطالب بأن يبين للناس الحق أما الإرادة والاختيار فهي للناس.
ثانيًا- كما أن المسلمين لا يخالفون في دعوتهم للناس قانون هذه البلاد، ويلتزمون الحسنى في الدعوة، وغالبا ما تمارس هذه الدعوة بطريقة فردية، وليست من خلال مؤسسات كل همها صرف الناس عن دينهم، ويرصد لمثل هذه المؤسسات ميزانيات مستقلة تصل إلى مليارات الدولارات، مستغلة في ذلك جهل الناس أو فقرهم أو مرضهم.
ثالثًا- والمسلمون عندما ينشرون دينهم، ينشرون دينا سهلا، لا تعقيد فيه، ولم يتخلله التحريف، دين تكفل الله تعالى بحفظه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، أما المبشرون فعلى أي دين يعتمدون، وعلى أي طريق يسيرون، فمعلوم أن الكاثوليكية غير البروتستانتية، غير الأرثوذكسية، والعهد القديم غير الجديد في اليهودية، فقد امتدت الأيدي للتحريف، واستساغت العقول ما لا يعقل.
رابعًا- لا مانع في الإسلام ولا في أي دولة أن يعلن كل عن رأيه، ويبرهن عن صحة ما عنده، ولكن في وضوح تام، وعلانية وشفافية، وفي مناظرات حرة تكفل فيها الحقوق، ويتاح فيها الجدل بأصوله، والتحاور بآدابه، أما خرق قوانين الدولة، واستغلال مثلث الفقر والجهل والمرض في قسر الناس عن دينهم، والتحايل على ما بقي من مساحات حرة، وخرق النظام العام في الدولة، هذا كله مرفوض تماما.
خامسًا- أما عن موضوع الردة، فإنه لو ارتد أحد عن دينه فهناك من الآراء المعاصرة من يقول بأنه يستتاب أبدا، ومرده لرأي النخعي الذي ذكر في السطور السابقة، والراجح أن تحدد مدة استتابته، وفيها يتم تبيين خطؤه، والعمل على رده للصواب، ولن يكون ذلك مع أي مرتد، بل مع من يكتشف أمره وهو يدعو الناس لردته، ليوجد بذلك اضطرابا عاما في المجتمع.
تقبل الله منك صالح الأعمال، وهدانا وإياك إلى ما فيه الخير والرشاد.
================
في الحلقة التربوية .. مشكلات وحلول
السلام عليكم ورحمة الله،
جزاكم الله خيرا على الجهد المشكور لكم في هذا الموقع، وأدعو الله أن يتقبله منكم.
المشكلة التي أود أن تنصحوني في كيفية التعامل معها هي مشكله اثنين من الإخوة الطلاب: الأول منهما في الثانوية العامة، والثاني في الثانوي الصناعي.. هما في جلسة تربوية واحدة؛ والمشكلة المشتركة بينهما هي التقصير في التحضير - وإن كان مادة واحدة فقط - وحاول المشرف مساعدتهم في تحضيرها لمرة أو مرتين متتاليتين، وهما أيضًا يقصران في الجلسة التربوية وثقافتهما ضحلةٌ بشكل لافت للنظر.
الأول منهما طفولي جدا، ولا يحب أن يُعامل كصغير في السن - برغم أننا لا نعامله أبدا علي أنه صغير، بل نحاول أن نحدثه دائما فيما يجعل عقله ينضج، ونوكل إليه الأعمال ولكنه يهملها، وهو برغم مرور عامين تقريبا على وجوده في جلسة تربوية مستقرة إلا أنه لا يعرف الكثير عن الدعوة، حتى ما هو موجود في منهجه الثقافي؛ ومما يجدر الإشارة إليه أنه يعاني من بعض التحكم في بيته من والديه، والضغط عليه بسبب المذاكرة، وهو أيضا لا يستمر في أي شيء لمدة طويلة - نفسه قصير -، وهو أيضا غير منظم في حياته بشكل عام.
الثاني: مميز في الجوانب الفنية بشكل جيد، ويتم تفعيله فيها بشكل معقول أيضا، ولكنه غير محافظ علي أوراده كلها، ويفضل في كثير من الأحيان عمله - برغم أنه طالب وغير محتاج - على أي عمل دعوي.
ملحوظة: المشرف المسئول عنهما من المشرفين الأكفاء، وهو على علاقة فوق الممتازة بكليهما، ولكنه مشرفهما منذ أن كانا في المرحلة الإعدادية وحتى دخولهما المرحلة الثانوية.
ما هو الطريق السوي للتعامل معهما؟
أرجو أن تردوا علينا بخطوات عملية حتى و لو كانت طويلة الأجل.(9/118)
…السؤال
الدعوة العامة, الشباب …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الفاضل كريم، جزاك الله خيرا على هذا الحماس للدعوة إلى الله، وعلى حرصك على من تدعوهم، ونسأل المولى عز وجل أن يتقبل منك.
في البداية - أخي الكريم - نود أن نشير إلى أنه من الضروري أن يكون تقديرك لهذه المشكلات التي يعاني منها هؤلاء الطلاب - بالإضافة إلى ما تسمعه من مشرفهم - من خلال قربك من هؤلاء الطلاب ومعايشتك أنت لهم، وتعاملك الشخصي معهم حتى تستطيع أن تقيم هذه المشكلات بصورة واقعية وموضوعية، ثم تضع تصورا للتعامل مع هذه المشكلات، ونرجو أن تكون النقاط التالية مما يعينك على معالجة هذا المشكلات والتعامل معها.
أولا- لترتق بثقافتهم:
بالنسبة للمشكلة الأولى وهي عدم التحضير وما ينتج عنها من ضحالة في مستواهم الثقافي، فنقترح عليك الأمور التالية للتعامل مع هذه المشكلة:
- إيجاد دافع التعلم لديهم:
وذلك بالإكثار من الحديث معهم حول العلم وفضائله، وعن العلماء ومكانتهم عند الله تعالى، وتزويدهم بالكثير من قصص وتراجم العلماء، ومن الأمور التي من الممكن أن تساعد أيضا على إيجاد الدافع: زيارة بعض العلماء وفتح حوار معهم حول أهمية العلم بالنسبة للمسلم، وكيف يحصله؟ وكيف حصلوا هم ما وصل إليه من علم ... إلخ.
- التدرج في تنمية مهارة التحضير:
فلا نطلب منهم أن يحضروا ما قد تقعد بهم عزائهم عنه، بل نتدرج معهم في هذا الأمر، فنطلب منهم في بادئ الأمر تحضير ولو صفحة واحدة من كتيب صغير، فإن استجابوا - وأظنهم يستجيبون إن شاء الله - زيدت الصفحة لاثنتين ثم ثلاثة، حتى يصلوا إلى المستوى المطلوب.
كذلك نتدرج معهم في طريقة التحضير، فنسمح لهم بالقراءة من الكتاب في بادئ الأمر، ثم نطلب منهم بعد ذلك أن يحاولوا الاستغناء عن الكتاب بنقل أهم ما يريدون أن يقولوه في ورقة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى كتابة بعض النقاط الهامة فقط في الورقة وهكذا، فهذا التدرج يشعرهم بالإنجاز ويمنحهم الثقة في أنفسهم ويشجعهم على الاستمرار.
- تنويع مصادر تحصيل الثقافة:
فالكتاب ليس وحده الطريق الأوحد لتحصيل العلم والثقافة - وإن كان أفضل الطرق وأعمقها -، ولكن هناك وسائل أخرى عديدة من الممكن استخدامها أيضا في الارتقاء بالمستوى الثقافي لهؤلاء الطلاب مثل: دروس العلم، وشرائط الكاسيت، وأفلام الفيديو، وبرامج التليفزيون، والقنوات الفضائية، والإنترنت، واسطوانات الكمبيوتر، وغير ذلك.
ومن الممكن أن نطلب منهم الاستماع إلى شريط كاسيت يتناول موضوعا معينا، ثم ندير نقاشا حول موضوع هذا الشريط، أو نذهب معا لحضور أحد دروس العلم، أو نجلس لمشاهدته من خلال اسطوانة الكمبيوتر ... إلخ.
- تغيير وتنويع أساليب تناول الموضوعات:
فبدلا من الاقتصار على استعمال الطريقة التقليدية بأن تطلب منهم قراءة موضوع معين ليلقوه على زملائهم في المرة التالية، يمكنك استخدام طرق أخرى أكثر إثارة وتشويقا مثل استخدام طريقة حل المشكلات، وفيها تقوم بصياغة ما تريد تناوله معهم من موضوعات في صورة مشكلات تحتاج إلى حل، ثم تثير معهم هذه المشكلة، طالبا منهم الاجتهاد في البحث عن حلول لها، مع إرشادهم إلى المراجع التي يمكنهم أن يستعينوا بها في الوصول إلى الحلول.
وهكذا نجتهد في ابتكار واستخدام أساليب أخرى غير تلك التي اعتدناها فأصبحت تجلب الملل والكسل، ولا إثارة فيها ولا تشويق.
- تنمية قدراتهم الأخرى:
ومن الضروري أن تبحث عن نقاط القوة والتميز الأخرى لديهم، وتعمل على إبرازها وتنميتها والعناية بها، محاولا الاستفادة بها في تنمية قدراتهم في تحصيل الثقافة.
ثانيا- مساعدتهم على بناء الإرادة الصلبة:
فبناء الإرادة الصلبة سيساعدهم على علاج بعض المشكلات التي يعانون منها، مثل عدم الاستمرار في أداء أشياء يقومون بها، أو الكسل عن التحضير، أو عدم المحافظة على الأوراد، ويمكنك مساعدتهم على ذلك من خلال مطالعة الرابط التالي.
صناعة الإرادة .. خطوات عملية
ثالثا- وصايا للتعامل مع الطالب الأول:
- راعِ مراهقته:
وبالنسبة لقضية أنه لا يحب أن يعامل معاملة الصغار، فهذا الأمر ليس خاص به وحده، بل إنه إحدى سمات هذه المرحلة العمرية التي يعيشها، وهي مرحلة المراهقة، والتي يرغب المراهق فيها أن يعامل معاملة الكبار بينما من حوله يعاملونه معاملة الصغار أو على الأقل لا يعاملونه المعاملة التي يرى نفسه جدير بها، وفي الوقت نفسه يطلبون منه في مواقف أخرى أن يتصرف تصرف الكبار، فتحدث لديه ما يمكن تسميته بأزمة الانتماء، فلا يدري إلى أيهما ينتمي.. إلى عالم الصغار أم إلى عالم الكبار؟ ويؤثر ذلك على انفعالاته وثباتها، وبالتالي على سلوكياته وتصرفاته.
ولكي نعينه على تخطي هذه الأزمة علينا أن نعامله على أنه كبيرٌ بالفعل، ونقدر قدراته، ونحترم عقله ورأيه، ولا نعامله على أنه صغير ونريد أن نجعل عقله ناضجا كما ذكر في السؤال، ولكن نعامله على أنه شاب ينتمي إلى عالم الكبار، ويكون كل تعاملنا معه مبني على هذه النظرة، فنكسبه الثقة في نفسه، ونملك قلبه لأننا ننظر إليه النظرة التي يريد كل مراهق أن يعامله بها الآخرين.
- أهله ومذاكرته:(9/119)
وبالنسبة لمشكلة ضغط أهله عليه من أجل المذاكرة، فمن الضروري أن يكون لك معه ومعهم دور، فمن ناحيته تحثه على الاجتهاد في المذاكرة وتوجد لديه الدافع لها، وتعلمه كيف يذاكر دروسه بطريقة صحيحة، وتدربه على تنظيم وقته بصورة جيدة يوازن فيها بين مذاكرته وحضور الأنشطة الدعوية وغير ذلك، وترشده إلى الطريقة التي يكون بها منظما في كل شئونه، فهذا بلا شك سيمنح أهله ثقة فيه وفي جده، فيتركون له مساحة يتحرك فيها.
ومن ناحية أهله، فمن الضروري أن تكون على اتصال بهم، وتطمئنهم على دراسته، وأنك تحثه على ذلك وتساعده على أن يكون من المتفوقين، وفي نفس الوقت تحاول أن توضح لهم أن الضغط عليه قد يأتي بنتيجة سلبية.
رابعا- وصايا للتعامل مع الطالب الثاني:
- ليحافظ على أوراده:
بالنسبة لمشكلة عدم محافظته على أوراده فيمكنك مساعدته على المحافظة عليها من خلال الأمور التالية:
1- إيجاد الدافع لديه: وذلك بالإكثار من ذكر فضائل هذه الأوراد التي تتفق معه على القيام بها، فهذا يوجد لديه دافعا ذاتيا لأدائها.
2- القليل الدائم: فلتبدأ - أخي الفاضل – معه بورد بسيط يمكنه المحافظة على أدائه ولا تثقل عليه، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل" رواه البخاري.
3- وتعاونوا على البر والتقوى: من الضروري أن تعاونه على أداء هذه الأعمال التي يتم الاتفاق عليها، فمثلا تعاونه على الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر، وتحاول مقابلته في بعض الصلوات وتطمئن على أحواله ومن بينها الحالة الإيمانية ... إلخ.
4- درّبه على محاسبة نفسه: من خلال الوقوف مع نفسه في نهاية كل يوم ومحاسبتها على ما لم تؤده من أعمال، ودرجة إتقانها، وإخلاصها فيما أدته من أعمال، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
5- ليستدرك ما فاته: فإذا فاته شيءٌ من هذه الأوراد فليجتهد في القيام بها حتى ولو فات وقتها، كما أرشدنا إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل" رواه مسلم.
بين العمل والدعوة:
وعن عمله وهو مازال طالب يدرس، فهذا سلوكٌ جيدٌ في حد ذاته ولا يستحق منا الذم، بل يستحق التقدير والاحترام والتشجيع، ولكن ما يحتاجه أن نعلمه أن يوازن بين هذا العمل وبين الأنشطة الدعوية بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولنعاونه على ذلك بأن نحاول التوفيق بين مواعيد عمله ومواعيد الأنشطة الدعوية.
ويفيدك في هذا الشأن - أخي الكريم - مطالعة هذه الاستشارة:
بين الدنيا والآخرة .. ساعة وساعة
خامسا- مشرف آخر:
وأخيرا - أخي - أقترح أن يتم تغيير المشرف المتابع لهما؛ لأنه قد يظل يعاملهم بنفس الطريقة التي كان يعاملهم بها حين كانوا صغارا، وهم الآن يحتاجون إلى معاملة أخرى غير هذه؛ نظرا لطبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها، ولا يكفي أن نعتمد على العلاقة الطيبة بينهم وبين المشرف، وكذلك لا ينبغي أن نركن لكفاءة المشرف، فقد يكون مشرفا كفأ في مرحلة ما، ولكنه قد يكون الآن غير قادر على تلبية احتياجات هؤلاء الطلاب في هذه المرحلة.
وفي النهاية لا تغفل عن الاستعانة بالله تعالى، والابتهال إليه سبحانه وتعالى أن يعينك على حسن التعامل مع هؤلاء الطلاب، وأن يرزقك الوصول إلى مفاتيح قلوبهم، وأن يفتح قلوبهم لدعوته سبحانه.
ندعو الله عز وجل أن يتقبل منك جهدك وعملك، وأن ينفعك وينفع بك.
==============
الدعوة النسائية في الغرب .. قواعد وأصول
أتابع باهتمام الاستشارات الدعوية التي تنشر في موقع إسلام أون لاين، والتي باتت كنزاً علمياً نستفيد منه وننهل، وأدعو الله تعالى أن يبارك جهودكم وينفعنا بعلمكم، إنه سميع مجيب الدعاء.
أود سؤال فضيلة الشيخ عماد أبو الرُّب عن نصائحه للمرأة المسلمة في مجال دعوة غير المسلمات ومجال دعوة المسلمات الجدد منهن حيث أننا ننوي أن نعد برنامجاً متكاملاً في هذا المجال عبر المركز الإسلامي في مدينتنا.
آمل أن يكون الرد إجابة شافية، تكون لنا ولغيرنا من المراكز الإسلامية في الغرب معيناً نستفيد منها من تجربة الشيخ الفاضل.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
…السؤال
الدعوة النسائية, المسلمون الجدد, دعوة غير المسلمين …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
أرحب بك أختي الكريمة أم عبد الله، وأسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك، وأن يجعلنا وإياك من الدعاة لدينه على بصيرة ونور، وكم نحتاج اليوم لجهد المرأة المسلمة في حمل هذه الأمانة العظيمة، خاصة أن هناك مهام دعوية تتطلب جهداً نسائياً لا يحسنه الرجال؛ وبهذا تتكامل الأدوار الدعوية بين الرجل والمرأة لتصب في التعريف بهذا الدين ونشره والتحبيب به وإزالة الشبهات عنه، كما أن المرأة مثل الرجل تدخل في دائرة المكلفين بالدعوة لدين الله.
إن العمل الدعوي - أختي الكريمة - يحتاج من الدعاة لحسن التخطيط والإعداد، ويتضمن ذلك تحديد الأهداف والوسائل المناسبة ثم توزيع العمل على كادر مناسب ضمن جدول زمني محدد، وبذلك نكون قد قدمنا دراسة منهجية للعمل الدعوي الفاعل.
أما عن نصائحي في مجال دور المرأة في دعوة غير المسلمين والمسلمين الجدد فقد كتبت ذلك في استشارة خاصة نشرت من قبل وهذا رابطها:
برامج دعوية للمراكز الغربية
ويمكنني أن أضيف عليها ضرورة مراعاة النقاط التالية:(9/120)
أولاً- استحضار أهمية وفضل الدعوة إلى الله، ومن ذلك استحضار الأمور التالية:
1- الأجر العظيم للقائمين عليها (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت 33]، وما أخبر به النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما أعطاه الراية يوم خيبر: "لئن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من أن يكون حمر النعم" رواه البخاري.
2- وجوب الدعوة إلى الله، لقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
3- ضرورة إنقاذ الناس من النار، ونتذكر ما ورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلِم". فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
4- الأجر المضاعف لمن علمّ الناس الخير، فكل حسنة يعملها من اعتنق الإسلام على يديك لك بها أجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله" رواه مسلم، وأكبر الخير أن يعتنق الإسلام ويعمل به وله.
5- التخفيف على الدعاة من خلال إشراك الجدد من المسلمين في الدعوة إلى الله، وقد يكون لبعضهم القبول والتأثير؛ وبذلك يعينوا في حمل رسالة الإسلام لبني جلدتهم.
6- استشعار كثرة عدد الإناث الراغبات في التعرف على الإسلام والمقبلات عليه؛ نتيجة للمعاناة التي يعانين منها من مجتمعاتهن التي لم تنصفهن، وعاملتهن بامتهان لكرامتهن وأنوثتهن، ونظرت إليهن كجسد يلهو به من شاء لا كإنسان له مشاعره وأحاسيسه. وهذا يحتم زيادة الجهود وتركيزها على هذه الشريحة من النساء، ويجعل الأخوات القائمات على العمل الدعوي ينظمن عملهن ويتعاونّ على أدائه وإنجاحه حتى يكن شركاء في الأجر العظيم، ويرفعن عن أنفسهن مسئولية تبليغ هذا الدين.
ثانيًا- تحديد الأهداف:
حيث لا بد من وضع أهداف واضحة ومحددة، تحقق الغاية المرجوة من دعوة غير المسلمين ودعوة المسلمين الجدد ومن هذه الأهداف:
أ- العمل الدعوي مع غير المسلمين:
1. الأهداف العامة للعمل الدعوي مع غير المسلمين:
- التعريف بالإسلام الحنيف، والمتسم بالوسطية والشمولية والاعتدال وكسب المخالفين له كمعتنقين أو متقبلين له.
- إزالة الشبهات العالقة حول الإسلام والمثارة من الجاهلين به أو الحاقدين عليه.
- ترسيخ معنى التعايش والتعارف والتعاون على الخير مع غير المسلمين.
2. الأهداف الجزئية:
- التعريف بأصول الإسلام وأركانه ومقاصده وخصائصه.
- التعريف برأي الإسلام في القضايا المعاصرة والمستجدات فيها.
- التعريف بالقضايا المثارة حول الإسلام، خاصة حول النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والمرأة وحقوق الإنسان والجهاد وغيرها.
- إبراز إنسانية الإسلام وعالميته وسماحته مع المخالفين.
- إبراز إيجابية المسلم في المجتمع الذي يعيش فيه.
ب- العمل مع المسلمين الجدد:
1- الأهداف العامة للعمل الدعوي مع المسلمين الجدد:
- الحفاظ على هوية المسلمين عامة والجدد خاصة، وحمايتهم من الذوبان في مجتمعاتهم.
- تعزيز انتمائهم للإسلام واعتزازهم به.
- تحقيق مبدأ الاندماج الإيجابي.
- تعريفهم بالأحكام الشرعية اللازمة لقيامهم بأداء الشعائر الدينية.
2- الأهداف الجزئية:
- تحقيق مبدأ المواطنة الصالحة في المجتمع.
- توطين العمل الدعوي من خلال إيجاد جيل يحمل هم الإسلام والدعوة إليه.
- تثقيف المسلمين الجدد بشتى جوانب الإسلام.
- تعريفهم بأهم الشبهات المثارة حول الإسلام وكيفية دحضها.
- توعيتهم بواقع مجتمعاتهم وخصوصياتها وكيفية التعامل معها.
ثالثًا- الوسائل الدعوية المعينة لتحقيق هذه الأهداف:
لا بد لنا بداية أن ندرك أن الدعوة ووسائلها ليست كلمة تقال أو مقالة تكتب أو كتاباً ينشر وحسب، بل هي عملية تكتمل فيها الجوانب العلمية والعملية والسلوكية والوجدانية؛ لتتجلى فيها روعة الإسلام الحنيف. وبهذا الفهم يكون لوسائلنا الروح التي تدب في الأرض، والجاذبية التي تخطف الألباب، والتأثير الذي يحدث في القلوب الأثر المطلوب. ومن أهم الوسائل المفيدة في ذلك:
- التعامل والقدوة الطيبة.
- تعليم اللغة العربية.
- الندوات والمؤتمرات.
- الصحف والمجلات.
- الكتب والنشرات.
- عروض الفيديو.
- الأشرطة السمعية والمرئية.
- البرامج التلفازية والإذاعية الموجهة.
- الأنشطة الرياضية.
- الزيارات الاجتماعية.
- المساهمة في الأفراح والأتراح.
- المساعدات الإنسانية.
- المخيمات الدعوية.
- المسابقات الثقافية (البحوث – الدراسات).
- المواقع الإلكترونية.
وفي الختام أضع بين يديك النصائح التالية، والتي أرجو أن تكون لها فائدة في العمل مع غير المسلمين ومع المسلمين الجدد:
1- استثمار الفراغ الروحي لدى غير المسلمين، حيث إن انتشار العلمانية والإلحاد من جهة، وانتشار العقائد المنحرفة من جهة أخرى جعل الكثير من غير المسلمين يفقد الثقة بمعتقداته ومن يعظه منهم.
2- استثمار حب المطالعة والتعرف على الآخر من قبل شريحة كبيرة من أبناء الغرب، وهذا يشجع على نشر الكتب والنشرات الموجهة.
3- تجنب الإثقال على المسلمين الجدد أو الراغبين في التعرف على الإسلام بمادة أو أنشطة تجعلهم يشعرون بالملل أو الضغط.(9/121)
4- تجنب إثارة القضايا الخلافية والجزئية في البداية وتركها لمرحلة تنضج فيها عقولهم وتصوراتهم عن الإسلام.
5- تجنب إهمال المسلمين الجدد، خاصة في الفترة التي تلي اعتناقهم الإسلام، فهم ينتظروا إشباع حاجتهم الروحانية ويتعطشون للتعرف على دينهم الجديد.
6- متابعة أحوالهم المعيشية ومشكلاتهم الاجتماعية، خاصة في مرحلة ما بعد اعتناق الإسلام حتى لا يثيروا مشكلات مع عائلاتهم ظناً منهم أن الإسلام يحرم التعامل مع الآخر أو ينظر له نظرة دونية.
7- متابعة الأخوات المسلمات اللاتي دخلن الإسلام حديثا في قضية الحجاب، حيث يرتديه البعض منهن بشكل يستفز الآخرين، خاصة عائلاتها أو المحيط الذي تدرس فيه أو تعمل فيه، أو يرفضه البعض بحجة أنه غير واجب ومن المصلحة عدم ارتدائه؛ مما قد يحول قناعة المسلمة الجديدة أنها ليست مأمورة أصلاً به. والأصل هنا التوسط والحكمة بحيث تفهم أن الحجاب واجب وعليها ارتدائه، وأنها يمكن أن تتدرج في ارتدائه إذا دعت الحاجة كوجود تضييق من الأهل أو من العمل وما شابه.
8- الحرص على عمل جلسات دورية حوارية يشارك فيها هؤلاء، بحيث يتم التعرف أولاً بأول على آرائهن وتوجهاتهن وميولهن، ومدى تجاوبهن مع البرامج الخاصة بهن، كما يمكن الإفادة من آرائهن بتضمين البرامج الدعوية معهن ببعض اقتراحاتهن حول العمل.
هذا ما أراه أختي الفاضلة، وأؤكد على ضرورة تصفح باقي الاستشارات الموجودة في محور الاستشارات الدعوية، خاصة المتعلق بغير المسلمين والمسلمين الجدد،س علماً أننا نقوم حالياً بإعداد برامج متكاملة تخدم هذا الجانب سنقدمها حال الانتهاء منها.
بارك الله فيكم وفي همتكم، ونرحب بتواصلكم، وجعلنا الله وإياكم دعاة لدينه هداة مهديين.. اللهم آمين.. اللهم آمين.
==============
خطوات عملية للدعوة إلى الحجاب
أنا فتاة محجبةٌ والحمد لله، ولي زميلةٌ على أخلاق طيبة، ولكنها غير محجبة، فكيف أدعوها؟ خاصةً أن الشباب متغيري المزاج، كما أن كثيرا منهم قد تكون دعوته صعبة.
فما هي الخطوات العملية التي يمكن أن أتبعها معها؟.
…السؤال
الدعوة الفردية …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
الأخت الكريمة مها، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك حملك لهمِّ الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأن يجعل حجابك حجابًا لك من النار يوم القيامة إن شاء الله.
أختي الكريمة، كون صديقتك كما قلتِ تتحلَّى بخلقٍ طيِّبٍ فهذا سيوفر عليك الكثير من الجهد، بل يمكن أن يكون هذا مدخلاً لدعوتها، ولكن قبل أن أسرد لك خطوات عملية لإقناعها بالحجاب أحب أن أوضح أمرًا هامًا جدا، وهو أن الكثير من الناس - للأسف - يظن أن حجاب الفتاة هو نهاية الطريق، وأنه الهدف الذي يلهث وراءه الدعاة لكي يحققوه مع الفتيات والنساء.
والأمر من وجهة نظري يختلف، فما أراه أن الحجاب لا شك فريضة على كل امرأة مسلمة، ولكنه فريضة واحدة من ضمن فرائض عدة وواجبات كثيرة، تلك الفرائض والواجبات ينبغي أيضا أن تأخذ حقها من اهتمام الدعاة، ولا يختزلون دعوتهم للنساء في الحجاب، فإن هذه الممارسات تُنتج لنا بعد ذلك نساء لا يأخذون من الإسلام إلا اسمه والمظهر الخارجي منه فقط، أما البناء الداخلي فنجده هشًّا لا يقوم ولا يثبت أمام أي مواجهة مع الشيطان أو النفس.
لذا ينبغي أن يتوازن عمل الدعاة مع النساء فتتم تربيتهن على آداب الإسلام وفرائضه كلها دون اجتزاء.
وربما لا تكون الدعوة للحجاب هي البداية أو ما يتم التركيز عليه أولا، بل ربما يتم تأجيل الكلام في هذا الموضوع للتهيئة والإعداد لتقبله.
فأنت - أختي الكريمة - لو استطعت أن تغرسي الإيمان الوثيق بالله في نفس هذه الصديقة، وجعلتيها تعلم أن من توابع هذا الإيمان هو التصديق والطاعة لله عز وجل في كل ما أمر وفي كل ما نهى، فإن الأمر لن يحتاج منك بعد ذلك سوى أن تعلميها فقط بفرضية الحجاب فما يكون منها إلا أن تسارع بستر نفسها.. لا لشيء إلا لأن الله أمر وهي آمنت بأن الله إذا أمر فليس لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
ويمكنني أن ألخص لك - أختي - طريقا صالحا لدعوتها في النقاط التالية:
* أهم ما يجب أن تركزي عليه في البداية هو أن تجعليها تحب ربها سبحانه وتعالى، فالحب باب الإيمان، والعلم بأنه سبحانه وتعالى مستحق للعبودية، مستحق للطاعة لما يغذونا به من نعم، وأننا لا ينبغي أبدا أن نبارزه بالمعاصي رغم نعمه تلك علينا.
* ثم بعد ذلك تقنعينها بأن الحجاب فريضةٌ ربانيةٌ فرضها الله عز وجل على النساء، فربما يكون عندها شك في فرضيته، خاصة وأن أعداء الله عزَّ وجل كثيرًا ما يثيرون الشبهات حول هذه النقطة، وأنه ليس فرضا.. فأحضري لها الكتب والتفاسير والأشرطة التي تبين حكم الحجاب، ولكن تخيري لها العلماء والدعاة الذين يتسمون بالقبول وعدم التنفير والتخويف.
* إذا اقتنعت بفرضيته وبوجوبه فقد يمنعها من ارتدائه بعض الشبهات والتخوفات التي يقذفها الشيطان والهوى في القلوب، فابدئي معها بنقض هذه الشبهات واحدةً واحدة، وتمهلي عليها ولا تتعجلي، ولا تشعريها بالرفض لها والكراهية، بل اصبري واصبري واصبري، وتذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري.
* حاولي - أختي - أن تربطيها بصحبةٍ صالحةٍ من المؤمنات المحجَّبات اللاتي يتمتعن بالخلق الطيب والروح الطيبة، لترى أن الحجاب لا يمنع المسلمة من العيش بصورة طبيعية، ولا يحرمها من الدنيا ومتعها كما قد تظن.(9/122)
* بيِّني لها شروط الحجاب الشرعي دون إفراطٍ ولا تفريطٍ حتى لا تنفر، وحتى لا تلبسه دون علمٍ بواجباته وشروطه من الناحية الشكلية ومن الناحية العملية.
وفي النهاية أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك سعيك وجهدك ويجعله في ميزان حسناتك.
=============
صفات خطيب الجمعة الناجح
ما هي الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها في خطيب الجمعة؟.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور أحمد ربيع:
أهلا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.
أخي مدحت، إن الخطابة هي فن مشافهة الجماهير والتأثير عليهم، وخطبة الجمعة كانت ولا تزال لها أثر كبير إذ أُدِّيت على الوجه الصحيح.
وأما صفات الخطيب الناجح، أو الشرط التي يجب أن تتوفر فيمن يخطب الجمعة، فمن الممكن أن نلخصها في الأمور الآتية:
أولاً: يجب أن يشعر الخطيب بأنه صاحب رسالة يؤديها، ويقصد من خلالها وجه الله، حتى ولو كانت تلك وظيفته التي يقتات منها، وذلك لأن صاحب الرسالة يستفرغ كل طاقته في محاولة توصيلها للناس، لا يكل ولا يمل.
والمشكلة الآن أن الخطابة أصبحت وظيفة فقط عند الغالبية العظمى في كل البلدان، وهذا ما ضيَّع كثيرًا من فائدتها.
ثانيًا: الخطابة فن، ولذا ينبغي لمن يتصدى لها أن يكون ذا موهبة، يثقلها بالعلوم والمعارف المختلفة، ذات الصلة الوثيقة بعلم الخطابة، فسعة الاطلاع خير معين للخطيب في أداء خطبته بقوة وتأثير.
ثالثًا: الناس ينظرون إلى سلوك الخطيب، ويدققون النظر فيه، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعاله مع أقواله، فالتزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيق ما يدعو إليه في خطبته، يجعل لكلامه قبولاً عند المستمعين، أما مخالفة القول للعمل، فأكثر المستمعين لا يثقون به ولا بكلامه.
رابعًا: أن يكون الخطيب شجاعًا في قول الحق، مع التحلي بالحكمة وحسن التقدير للموقف، بعيدًا عن التهور والاندفاع غير المحسوب، فالشجاعة في قول الحق صفة أساسية لابد وأن يتحلَّى بها الخطيب؛ لأنه سيتعرض لأمور كثيرة إن لم تكن عنده الشجاعة الكافية فلن يستطيع أن يوفيها، وكما نطالب الخطباء بالشجاعة، فعلى الحكومات والوزارات المعنية أن توفر جانبًا من الحرية للخطباء، كما توفر هامشًا - قل أو كثر – للصحافة وأجهزة الإعلام.
خامسًا: أن يكون وثيق الصلة بجمهوره، أقصد مستمعيه، وأن يُحدِثَ تقاربًا بينه وبينهم، فيعود مرضاهم، ويسأل عن غائبهم، ويشارك في وضع الحلول لمشكلاتهم، وكلما اقترب من المدعوين ووقف بجانبهم في أزماتهم، كلما كان ذلك أدعى إلى التفافهم حوله.
مع ملاحظة أن يعف نفسه عما في أيدي الناس، وكما ورد في الحديث الشريف: "ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك" رواه ابن ماجة بسند صحيح.
سادسًا: أن يكون على قناعة تامة بما يدعو إليه، حتى يكون قادرًا على الإقناع والتأثير، فالإيمان بقضية ما يجعل صاحبها يدافع عنها بكل ما يملك.
سابعًا: اختيار موضوع الخطبة من واقع الحياة التي يحياها الناس، ومناقشة المشكلات الاجتماعية المتعددة، ومحاولة طرح الحلول لها، أما الموضوعات السلبية التي لا تعالج أمراض المجتمع وعلله المختلفة، فإن الاستفادة منها تكون قليلة.
ويا حبذا لو اتفق خطباء الحي أو المنطقة على موضوع واحد، كل يعالجه بطريقته الخاصة، فستكون النتيجة أفضل.
ثامنًا: فصاحة اللسان، وسلامة مخارج الحروف، مع مراعاة حسن الإلقاء، قوةً ولينًا، فلا يكون الإلقاء على وتيرة واحدة، حتى لا يمل السامع.
تاسعًا: حسن الهندام والمظهر، فينبغي عليه أن تكون ملابسه وهيئته حسنة.
عاشرًا: مع الإعداد الجيد، ومع كل ما سبق: التوكل على الله، وطلب العون منه، كما فعل ذلك نبي الله موسى عليه السلام، حينما دعا ربه قائلاً: (ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي).
ويضيف الأستاذ علي مدني الخطيب، الداعية المصري:
اعلم - أخي الكريم - أن الخطيب الناجح والمؤثر هو ذلك الإعلامي الذي يعرف أخبار أمته فيقوم بإعدادها، وتبسيطها، وصياغة عرضها، إلى خليط من الناس مختلفي المنهل والمشرب.
الخطيب الناجح محب ودود، يَأْلف ويُؤْلف، فلا يعزل نفسه عن الناس، بل يسأل عنهم، ويغشَى مجالسهم، ويبارك أفراحهم، ويحزن لحزنهم.
الخطيب الناجح يغشى مجلسه الكرماء، والصلحاء والبسطاء، فيعمر الحديث بالفكر والذِّكر، فتحل بركة السماء في الزمان والمكان.
الخطيب الناجح له في القلوب مكانة، ولدى النفوس منزلة؛ لأنه عنصر من عناصر الخير والنماء.
الخطيب الناجح هو من يدرك آلام أمته وآمالها، فيخفف الآلام، ويمسح الجراح، ويهون الداء، وينفث في الآمال لينتشي ويرتقي بها نحو آفاق رحبة عالية.
الخطيب الناجح هو إفراز أصيل، يدرك عظمة الأمانة وقدر المسئولية وتبعة العطاء.
الخطيب الناجح له همة عالية، وإرادة ماضية، ونفس راضية، وفعالية رائعة.
الخطيب الناجح هو ينبوع متدفق من الخير والعطاء؛ لأنه يحب ويعطي عن أريحية ورضى، سيّما وأن الشفقة على الخلق إحدى سماته وصفاته، يرى المنكر فلا يسكت عليه، بل يصوغه في قالب خطابي تربوي مؤثر، يوقظ الوسنان ويروي الظمآن، ويؤنس الرجفان، ويقود العميان إلى دروب الحق وميادين المعرفة.
الخطيب الناجح يُحسِّن الحَسَن، ويُقبّح القبيح، ويرى معروفًا مطبوعًا أو مصنوعًا فلا ينسى أن يذكِّر به، وأن يشي بصاحبه، دعوة للخير وريادة في البر.(9/123)
الخطيب الناجح لا تؤثر فيه الأحداث، بل هو الذي يؤثر فيها، ويحولها إلى إشراقة من الفأل الحسن، والثقة المبتغاة، فلا يزيده القهر إلا إرادة صلبة قوية، لا تتفتت أو تلين، ولا يزيده الظلم إلا عفوًا وعزّا، ولا تزيده المكارة إلا مضاء وعزمًا.
الخطيب الناجح يستلهم الحَدَث ليربي به تلك الجموع الغفيرة التي قدمت إليه، وانساقت له، ورغبت فيه، فلا يمكن أن يمر حدث على الخطيب الناجح دون حسّ تربوي مؤثر، أو موعظة بليغة، أو ربط جيد بالآخرة، أو استنفار وبعث بالأمل بامتداد أنفاس الحياة، والتهوين من أمر الدنيا.
الخطيب الناجح إشراقة أمل، وفأل حسن، وهو روضة ندية نضيرة تغشاها رياحينها، وتزقزق حولها عصافيرها، ويشم عبيرها القاضي والداني.
الخطيب الناجح والمؤثر هو الذي يسأل نفسه عندما يقوم بإعداد مادته: ما الذي أريده من عرض هذا الموضوع دون غيره، والغاية من سرد هذه القضية، وما هي الوسيلة المثلي لبسطها وعرضها؟.
وبمعني آخر يسأل نفسه: هل أريد معالجة فكرة جديدة؟ أم تثبيت مبدأ أصيل؟ أم محاربة عادة مقيتة دميمة وصفة مرذولة؟
الخطيب الناجح لا يقل أهمية عن المقاتل في صدر الجيش، يذود عن أمته بروحه؛ لأنه يحمي عقائدها من الدخن والدخل.
الخطيب الناجح هو لسان أمته المعبر، وترجمانها المؤثر، وقلبها النابض، وشريانها المتدفق، بل هو روح جديدة تسرى في نبضاتها وشرايينها وأبنيتها وكل مؤسساتها.
الخطيب الناجح يفهم الإسلام بشموله وجميع محتوياته، من عبادات وآداب ومعاملات وعقائد وأخلاق وتشريعات.
الخطيب الناجح يحدد الظاهرة التي يريد أن يتناولها، فيعيش معها سحابة النهار وجزءًا من الليل، فيستغرق جل همه ومحتوى فكره مدندنًا حولها، ومصغيًا إليها، حتى إذا غمرت عقله وسرت في شرايينه تحرك قلمه الدافئ يحفر أفكارًا، حتى إذا وقف على المنبر فاسترجع ما كتب كان مصيبًا، في حسن الأداء وعمق الربط بين الفكرة والتي تليها، دون أن ينسى استمالة القلوب أو تهييج المشاعر وإيقاظ الوجدان.
الخطيب الناجح والمؤثر هو خطيب يتخذ الإخلاص مطية، تصل به إلى دربه ومبتغاه، ويحزم متاعه برباط الخوف من قيوم السماوات والأرض.
الخطيب الناجح والمؤثر يمتلك من الألفاظ أعذبها وأشوقها وأقربها إلى القلوب والشعور، يأسرك بكلماته التي هي واحة المتعبين وأنس السامرين، ودليل الحائرين، يربطهم بالمسجد ربط الطائر بعشه وأفراخه.
الخطيب الناجح يمتاز بالقدرة على تحليل المواقف، وتركيب الفكرة وتنسيقها، والإيقاع بها في رشد زمانها وطيب مكانها.
الخطيب الجيد إذا حدَّث الناس عن الجنة كأنما بجناحيه فيها يطير، وحول أنهارها يسير، وبين يدي حُورها يميل، وإذا حدَّثهم عن النار كأنه في بركانها يصطلي، كلامه عنها يفتت الأكباد، ويذهل الألباب، ويقطع الآمال.
ومن هنا - أخي - تبرز قيمة الخطيب الناجح والمؤثر، ولكن ذلك موقوف على إعداده وتكوينه.
وفقك الله وأعانك.
=============
التفرغ للدعوة .. العلم لن يعطله العمل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نحن من عائلة ميسورة الحال، ولي ثلاث أخوات، وقد أعطى والدي كل واحد منا شقة ومحل وأرضا ورأس مال، فأجرت المحل، وشغلت رأس المال، والأرض تدر لي دخلا، وتفرغت لحفظ القرآن وطلب العلم الشرعي، حيث أود أن أصير داعية إسلامي، علما بأن عمري الآن 26 عاما.
ومشكلتي أن كل شخص أقابله يقول لي: إن الدنيا عمل وعبادة وإن ما أفعله ليس من الشرع، فيجب عليك أن تعمل، وأكثر ما أخشاه لو فعلت ذلك أن يشغلني العمل عن العلم.
سؤالي هل لو فعلت ما أريد، وتفرغت لحفظ كتاب الله والعلم الشرعي أكون أخطأت شرعا؟ وهل الإسلام لا يقر تلك الفعلة، وهل لا يحق لي أن أفكر في الزواج لأني غير مكتمل القيمة، حيث يقول الناس لي أن الزوجة يجب أن تشعر بقيمة زوجها، بغض النظر عما يملك؟.
أفيدوني أثابكم الله.
…السؤال
قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
السلام عليكم أخي الكريم،
أولا أحب أن أحييك وأشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك بما يرضى الله تعالى.
أخي الكريم، نسعد كثيرا حين نرى من شبابنا هذا الحرص الشديد على العلم الشرعي، وعلى الدين ككل، وعلى الدعوة إلى الله، فبارك الله فيهم وأعانهم وعلمهم من لدنه علما نافعا لهم ولغيرهم.
جميل أن يكون لدينا في الحياة من المال ما يكفينا لإكمال مسيرتنا العلمية والعملية، وأرى أن تفرغك للعلم شيء رائع وجيد - دون أن أفتي -، لكن العمل في حد ذاته قيمة، وإلا لفرّغ الله أنبياءه للدعوة، وهم أولى الناس بذلك، لكن الثابت أنهم كانوا يعملون من آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم، فداوود كان صانع دروع، وكان نبي الله نوح ونبي الله زكريا يعملان بالنجارة، كما كان نبي الله إدريس خياطا، أما نبي الله موسى فكان راعيا للغنم، وعمل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم برعي الغنم ثم بالتجارة، وكذلك اقتفى الصحابة أثر رسل الله وعملوا جميعا، فعمر وأبو بكر الصديق وعبد الرحمن بن عوف كانوا تجارا، وسعد بن أبي وقاص كان نبالا، وعلى ابن أبي طالب كان عاملا يحمل الصخور والحجارة، وفي ذلك قال:
لحملي الصخر من قمم الجبال أحب إلي من منن الرجال(9/124)
فالعمل قيمة في حد ذاته، لأنه يشعر الإنسان بالمسئولية والثقة في النفس، وحرصك على العلم لن يعطله العمل، بل سيزيده ويقويه إن كان حرصك صادقا مخلصا لديه الهمة الكافية لإكمال طريقه، أما إن كان غير ذلك فالتفرغ لن يخدمه، بل ربما قد يهدمه عند إدبار القلوب، ومع ذلك فيمكنك التفرغ بعض الوقت من أجل إنجاز مرحلة علمية بعينها مع الارتباط بعمل تعود إليه وتلوذ به - بعد الله - بعد إنهاء مهمتك، فالداعية يجب أن يكون هو نفسه قدوة؛ لأن فعله وحياته جزء لا يتجزأ من دعوته والتفاف الناس حوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له".
نحن في مجتمع يموج بالحركة والعمل، ولكي نتبوأ مقعدنا وسط الأمم، فعلينا بالعلم والعمل معا، أما أن نوقف حياتنا على العلم وحده ففي هذا تعطيل لحركة الحياة وتقدم الأمة ككل، وهذا لم يأمر به الله تعالى.
وتعالى نتفق أننا ننفق الكثير من أعمارنا ونحن في حالة تفرغ من أجل دراستنا الدنيوية، فإن كانت نيتك الدعوة والتفرغ فلم لم تبدأ هذه الرحلة في مرحلة مبكرة، خاصة مع توافر كليات وجامعات الدراسات الإسلامية؟.
إنك الآن في مرحلة الرجولة والمسئولية وغدا ستكون أبا وزوجا، فإن لم يكن لك عمل واضح المعالم أمام زوجك وأبنائك، فسوف يقلل ذلك من قدرك أمامهم، وهذا ما لا نحبذه؛ لأن بيتك هو ساحة الدعوة الأولى التي يجب أن تنجح فيها قبل أي ساحة أخرى.
بارك الله في أنفاس حياتك، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
==============
بـ "الباوربوينت" .. ندعو إلى الله
السلام عليكم ورحمة الله،
ممكن تفيدوني بطريقة الدعوة من خلال الباوربوينت، ومن خلال الفلاش، ومن خلال الفوتوشوب؛ لأنها مفيدة جدا لجذب الناس للإسلام، لكن الحديث عنها قليل جدا.
فأرجوكم أمدوني بذلك لأفيد وأستفيد، وجزاكم الله عني خير الجزاء.
…السؤال
وسائل الكترونية …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
بسم الله الرحمن الرحيم،
اسمح لي - أخي الكريم - أن أحيي هذه الهمّة المتقدة فيك أولا، لحرصك على الدعوة إلى سبيل الله، وثانيا لسعيك للاستفادة من الوسائل التكنولوجية وتسخيرها للدعوة، فثبتك الله وصب في قلبك وروحك حب الدعوة إلى سبيله، وكتب على يديك هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، برحمة منه سبحانه وتوفيقه.
إن الدعوة إلى سبيل الله أبوابها واسعة، ولم تقتصر يوما على المنابر والخطب في المساجد، أو الوعظ في المجالس، فالمسلم الداعية مطالب أن يكون مبدعا حتى يخدم الحضارة الإسلامية، وحتى يقيم صروح حب الجمال لتصل القلوب بفطرتها السليمة التي خلقها الله عليها إلى الله بقلب منيب تواق إلى لقائه.
وينبغي على القائمين في الحركات والجماعات الإسلامية أن يقدموا المبدعين المخلَصين من أهل الأدب والخط والرسم والنحت والإعلام وغير ذلك من الفنون، فتمتزج المساجد بالمعارض، والمجالس بالندوات، وفي ذلك تأثير تربوي يغفل عنه كثير من الدعاة، فكم من قصيدة فيها أسمى المعاني دفعت مجاهدا للتقدم في ميدان المعركة؟ وكم من لوحة سكبت أجمل الأماني فأطربت وأشغلت الفكر والقلب؟ وكم من أنشودة أطربت حتى أسكرت وصبت حب الله ورسوله صبا في سويداء القلوب؟.
وبعض الذي نمر به من آيات الجمال يؤثر فينا أكثر من عشرات المواعظ والدروس؛ لأنه نقل وضرب على الجذور التي في الصدور وهي القلوب..(فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ)، والتأمل والتفكر في آيات الجمال للوصول إلى الله هو أعمق الوسائل التي تقرب العبد من الله.
وبعد هذه المقدمة في آيات الجمال، وأهميتها، وتأثيرها العميق على بني آدم، فإنك قد ذكرت وسيلتين من البرامج الحديثة التي تريد استخدامها لتحقيق هذه الغاية وهما:
* الفوتوشوب، وهو برنامج لتصميم الصور والفلاشات.
* الباوربوينت، وهو برنامج لعمل شرائح للعرض.
أما الفوتوشوب، فيمكنك أن تصمم من خلاله ما شئت من الصور، سواء باستخدام خلفيات لصور فوتوغرافية، أو بتصميم الصورة ككل، مع كتابة المعاني التي تريد التعبير عنها بأبلغ وصف يُذكر، فعلى سبيل المثال تستطيع أن تأتي بصورة لحقول يانعة مخضرة، فيها الورد والنخل والأشجار، وتكتب الآيات التي يصف بها الله جل وعلا في كتابه الكريم الجنة مثل قوله تعالى: (وهُوَ الَذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ والنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً).
وتؤلف العقد الدري هذا من صور مناسبة وآيات من الذكر الحكيم، وأحاديث فيها الوصف البليغ، وأقوال ووعظ قصير، لكنه ذو جمال شديد، فتتشكل لديك محاضرة هي قمة في الجمال تسميها على سبيل المثال: سباق إلى الجنان.
وتستطيع أن تنسق بين الصور وبين البوربوينت، بحيث تصمم الصور مع الكتابة عليها في الفوتوشوب، ثم تقوم بتنسيقها في البوربوينت، وهذه الخطوة تطفي جمالا للصور؛ وذلك لأن الفوتوشوب هو برنامج مخصص للصور بينما البوبوبينت فهو لشرائح العرض.
أما المواضيع فكل معنى جميل ترى فيه الخير ويوافق الشريعة الإسلامية يمكنك أن تصمم فيه الصور، وتحضّر فيه الشرائح، ومن أمثلة ذلك: موضوع تنمية الذات وتطويرها، الوجدانيات، العبادات، قصص وحكايات، أحوال الصالحين والتابعين، الإعجاز العلمي وغيرها من الموضوعات.(9/125)
وأقترح عليك أن تتناول موضوعا معينا، وتبحث في الإنترنت عن صور مناسبة له، ثم تقوم باستعمال إحدى هذه الوسائل الثلاثة حسب ما تراه مناسبا، حتى تستجمع فكرة طرح الموضوع والمعاني التي تريد من خلال العرض أن توصلها، ثم تبدأ بالعمل على تحقيقها من خلال هذه الوسائل المتاحة، إذ أن أي موضوع في الكتب الدينية والعلمية والتربوية والتنموية يمكنك أن تجعله ملهما لك لتستخرج منه فكرة التصميم.
ويفيك - أخي الكريم - مطالعة الرابط التالي:
صفحة الباوربوينت للدعوة
كما أقترح عليك فكرتين أخرتين هما:
* تصميم تواقيع دعوية يمكن استعمالها لمستخدمي المنتديات التي زاد انتشارها، فتسكب بذلك الأجر.
* تصميم بانرات للمواضيع المهمة التي تراها في المنتديات أو الروابط لمواقع إسلامية فيها الخير والفائدة.
وهذه بعض الأفكار الأخرى التي يمكنك من خلالها نشر أعمالك كوسيلة للدعوة إلى سبيل الله والاستفادة من جهودك النافعة إن شاء الله:
* إنشاء مدونة شخصية لك، تنشر فيها إبداعاتك وتراسل بعدها أصدقائك، وتدعوهم للاستفادة منها، ويمكنك أن تنشأ مدونة مجانية عن طريق المواقع المخصصة لذلك.
* إنشاء مجموعة مراسلة في الياهو أو غيره، والتي تتيح لك مراسلة أعداد كبيرة جدا على دفعة واحدة.
* التسجيل في المنتديات الإسلامية، ونشر تصاميمك وإنجازاتك.
وقبل أن أختم، إليك بعض النقاط المهمة:
* احذر أن تضيع أولوياتك، فالعمل في التصميم وأمور الإنترنت والكومبيوتر عموما يأخذ وقتا كبيرا، فأعطِ كل ذي حق حقه، فلا تقدمه على الواجبات اليومية التي عليك سواء تجاه نفسك من حياة شخصية أو بعلاقتك مع الله سبحانه وتعالى.
* مارس الدعوة بشكل واقعي، وحاول أن تطور مهاراتك، وتنمي إبداعاتك الأخرى، وترتقي بنفسك وبعلمك واقعيا أيضا.
* طبق على نفسك ما تدعو إليه، حتى ترتقي بعلمك من خلال عملك قبل أن تدعو الناس إليه.
* ادعوا الحركات والجماعات الإسلامية الدعوية في محيطك أو مؤسساتها لإقامة مسابقات لتصميم صور وعروض عن موضوع معين يتم استثماره دعويا، مثل مسابقة الأقصى للتصميم والإبداع الفني.
* ساهم بتعليم الناشئة الشباب، خاصة من هم في جيل الثانوية فما فوق على هذه البرامج؛ لأن في هذا استغلال لطاقاتهم وتسخيرها للخير، ولكن حاول متابعتهم حتى لا يتم تنحيتها عن طريق الخير والعياذ بالله.
* اقرأ كثيرا وتجول في حقول الكتب؛ لتبدع في اختيار العبارات الجميلة ذات التأثير القوي والمعاني السامية، فتصيد الدرر وتهديها للناس.
* اكتشف وتعلم هذه البرامج وتابع إصداراتها الجديدة، وحاول أن تفتح فنونا لم يعتدها الآخرون، كاستخدام فراشي وخامات جديدة، وكالحركات في النص والصور المميزة، وهناك مواقع على الإنترنت متخصصة في هذه البرامج، فلا تحرم نفسك من خيرها، فأنت أحق بذلك.
* استخدم قدراتك في التصميم، وبناء الشرائح، وعمل الفلاشات في دعوتك المحلية، في مؤسستك التي تعمل أو تدرس فيها.
* اشترِ الكتب الدعوية، واستخلص منها المعاني، وحلق بفكرك لتخرج من عصارته تصميم دعوي جديد.
* حاول أن تدخل عليك عائدا ماديا أيضا مقابل هذا العمل إذا احتاجت ظروفك ذلك، وليس في ذلك حرج بل هذه استفادة من العلم الذي علمك الله إياه، وذلك من خلال الإعلان عن إمكانية تصميم فلاشات، بانرات، وصور للمواقع الشخصية والعامة.
أخيرا، أفكار هذه البرامج، وطرق استخدامها في الخير متعددة، والكتب والمواقع كثيرة أيضا، كل ما عليك هو أن تقرأ وتفكر ثم تصمم، ويسعدني أن أراك تستخرج درر الكلام وتبرز أجمل معانيه؛ لتصور آفاق الجمال بتصاميم تكون جبالا من الحسنات تقيك عذاب النار وتدخلك جنات الرحمن.
===============
أنا المخ .. فأين العضلات؟!
أحس أنني عالة على الدعوة، لا أستطيع عمل دعوة فردية، ومقتنع في داخلي أنه لا بد أن تكون الأعمال العامة جماعية؛ يعني تنزل توصيات بها وتنفذ، ويكون لكل عمل قيمة شهرية أو أسبوعية، كل الناس تنشرها بما فيها أنا وهكذا.
المشكلة الثانية: أرى أنني لا أنفع في التنفيذ، فاشل تنفيذيا، ولكني أفهم في التفكير الجيد والتخطيط، وأنا "مان" مثالي شويه، لكن عندي أفكار كثيرة؛ ولذلك مش قادر أنفذ، وباتكلم كتيير جدا في أفكار كتير جدا، وبعد فترة المحصلة صفر، مش عارف أعمل إيه؟.
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, فنون ومهارات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم به وله..
أخي الحبيب محمد، "التوظيف الدعوي" فن أتقنه بعض الإداريين فى إدارتهم لمشروعاتهم فنجحوا، ولم يتقنه بعض الدعاة فى دعوتهم فلم ينجحوا.
فليس كل مفكر منفذا، وليس كل منفذ مفكرا، ومن استطاع الجمع بينهما بنسب تختلف على حسب إمكاناته وظروفه وأحواله فهذا هو المطلوب، وسيكون على خير كثير فى الدنيا والآخرة.
لقد كان الأذان للصلاة فكرة عمر وعبد الله بن زيد، ولكن نفذها بلال - رضي الله عنهم أجمعين -؛ لأنه كان أنسب لتنفيذها بنداوة صوته، وكان جمع القرآن فكرة عثمان ومستشاريه، ونفذها زيد بن ثابت بحفظه الثابت وشبابه وحيويته وحركته، وتدوين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كان فكرة ابتدأها بعض الصحابة حفظا لها، واستكملها تابعوهم وتلامذتهم كالبخاري ومسلم وغيرهما، وإنشاء الوزارات التخصصية فى دولة الإسلام بعد اتساعها كان فكرة عمر، ونفذها معاونوه.(9/126)
وهكذا.. بيوت خبرة وعقول مفكرة تخطط، وتضع الأولويات فى كل التخصصات، ثم منفذون جادون مصممون على تحويل ما هو نظري إلى واقع لتحقيق الأهداف وبلوغ النتائج.
وكل يكمل الآخر، فإنسان بعقل مفكر فقط دون جسد سيظل فكرا نظريا دون واقع عملي ينتفع ويسعد بهذا الفكر، وبجسد منفذ فقط دون تفكير سيبقى متجمدا دون أي تطوير وازدهار، فلا بد إذن من فكر جيد وتنفيذ بعده جيد.
ولذلك أخي الحبيب حلان: حل أساسي، وحل فرعي:
فأما الحل الأساسي، فهو التكامل، هو التجمع والتخصص، هو جمع المفكرين مع التنفيذيين، المخ مع العضلات، الموتور مع "الشاسيه" والعجلات.
فاشترك - أخي الحبيب - مع مجموعة من إخوانك فى تكوين وتدعيم لجان فنية، مراكز استشارية فى التخصصات الدعوية المختلفة، في دعوة الأشبال والزهرات وطلاب الثانوي والجامعة والعمال والجيران وربات البيوت والأقارب والأصحاب وزملاء العمل وكل طوائف المجتمع، اشتركوا فيما تجيدونه، ولكم حصيلة خبرات فيه؛ لتكون مهمة هذه اللجان أساسا تجميع الخبرات وتبادل المشورات ودراسة المقترحات وابتكار التجديدات وما شابه ذلك.. وفي مقابل هذه اللجان الفنية تكون هناك مجموعات تنفيذية إدارية، مهامها الأساسية كيفية وضع التوصيات فى حيز التنفيذ من خلال المخططات والميزانيات والإجراءات والمتابعات اللازمات لذلك، فبهذا التجميع الطيب للجهود والتوظيف الجيد للأفراد تتحقق الإنجازات والنجاحات.
وأما الحل الفرعي، فهو التدريب الفردي؛ فليس معنى أن عثمان رضي الله عنه اقترح فكرة كتابة المصحف ألا يشارك فيها بما يحفظ، وليس معنى أن الأذان فكرة فرد ألا يؤذن هو بنفسه، ولكنه ليس من أولويات أعماله؛ إذ ليس من المعقول مثلا أنك إذا كنت من فريق المفكرين للدعوة أن تقابل جارك، ولا تسلم عليه! أو ألا تزوره أو تدعوه لزيارتك، أو ألا تشاركه فى فرح أو حزن، أو ألا تسأل عن أقاربك ولا تبر والديك وإخوتك، ولا تعين زملاءك، ولا تتواصل مع أصدقائك؛ لأنك مشغول بالفكر ولا يعنيك التنفيذ!..
وهذه هي الدعوة الفردية بكل بساطتها وخفة أعمالها وكثرتها وعظمة نتائجها وعوائدها؛ فلماذا تصعبها على نفسك هكذا؟! ولماذا تتهم ذاتك بالفشل فى التنفيذ لوسائلها، وبأنك "عالة" عليها رغم أنه لم ولن يفشل فيها أحد؟! لأن أعمالها تلقائية فطرية لا تحتاج إلى تكليف من غيرك، ولكن فقط إلى توصيتك وتذكرتك إياها؛ لأن خلاصتها عبارة عن قدوة وحب وخدمات ومعاملات وتذكرة وتواصٍ وعون على كل خير.
ثم إن الدعوة ليست مشروعات وأعمالا عامة فحسب! وإلا ستكون مقتصرة على المحترفين والمتخصصين وذوي المؤهلات فقط! رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمّمها للجميع على قدر استطاعاتهم فى قوله: "بلغوا عني ولو آية..." رواه البخاري، ولكن هذه الصورة الدعوية - المشروعات - جزء، وقد يكون قليلا نسبة إلى عموم التناصح بين الجميع.. مشروع تعليمي وآخر صحي وثالث ثقافي ورابع مهني وهكذا؛ من أجل نشر الإسلام عمليا، والتواصل مع المدعوين، وتعليمهم أخلاقه تدريجيا من خلالها، فهذه هي التي تحتاج إلى إدارة تنفيذية وتخصص وتدريب على إدارتها، وهذه هي التي قد تحتاج إلى تكليفات بها من ذوي الخبرات من أجل تنظيمها وتوجيهها وترتيب أولوية القيام بها حسب الاحتياج إليها.
أما أكثر الدعوة فيكون من خلال الأفراد بالدعوة الفردية بين المحيطين، ولا تحتاج إلى تكليف من أحد، ولكن فقط إلى تذكرة، وإلى تجميع وتنظيم للجهود حتى تظهر محصلاتها ونتائجها، وهذه هي أهم فوائد وأسباب أي تجمع دعوي: اشتراك الجميع فى التربية على أخلاق الإسلام، ثم اشتراكهم جميعا في التخصص في مجالات الحياة المختلفة العلمية والإعلامية والاقتصادية والسياسية وغيرها، حتى يمكنهم يوما ما إدارة كل شئون بلادهم بأخلاقه وقوانينه؛ فتصبح دولتهم - تلقائيا وتدريجيا - إسلامية بحق، يسعد كل من فيها بخير وأمن وعدل الإسلام.
إن التركيز على قيمة أخلاقية كل أسبوع أو شهر يتواصى بها عموم الناس أمر طيب يعينهم ويدربهم على التمسك بالإسلام بالتدريج، لكنه واقعيا قد لا يحدث؛ لأن كل فرد يميل إلى أن يبدأ بتطبيق الأخف على نفسه، والذي يغلب على ظنه مقدرته عليه قبل الأصعب، وهذا حق وواقع، ولذا فهذا التواصي ينجح بين مجموعات صغيرة من الأقارب أو الجيران أو الأصحاب لا بين عامة أهل الحي؛ ولذلك فعلينا أن نوصي الآخرين بالحسنى، ثم نترك لهم المجال ليبدؤوا بما يختارونه هم، ويستسهلونه لا بما نفرضه نحن عليهم؛ فلقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، ويترك من حوله يأخذون من أخلاقه ما يستطيعون تدريجيا ويقول: "عليكم بما تطيقون..." رواه البخاري ومسلم.(9/127)
بهذا أخي الحبيب.. بالجمع بين الفكر والتنفيذ بنسبة على حسب القدرات والاحتياجات والظروف المحيطة، بالمشاركة في اللجان الفنية الاستشارية، وبالبدء بالتدريب على الدعوة الفردية وبعض الأعمال التنفيذية تدريجيا تكون بإذن الله "مانا!!" مسلما مثاليا، كما كان الصحابة الكرام مثاليين فكرا وتنفيذا وتطبيقا، وما أنزل الله الإسلام إلا لنكون به نحن البشر مثاليين، مكتملين، ناجحين، سعداء في الدنيا، كما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكما يقول تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة: 16]، ولننال أعظم الثواب فى أعلى درجات الجنات كما يقول تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
وفقك الله وأعانك، ولا تنسانا من صالح دعائك.
==============
التمييز بين النشء .. معول يهدم "الذات"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بارك الله فيكم على هذا الموقع الرائع والنافع.
نحن مجموعة أفراد يحب بعضنا بعضا في الله، ونحاول أن نصلح الجيل الصاعد، ونبعده عن الملهيات التي قد تسبب له الدمار، وقد نجحنا في جلب طلبة كثيرين والحمد لله، وهم الآن ملتزمون بنشاطات تربوية ورياضية.
لكن هناك مشكلة أخذت تؤثر سلبا على الطلاب وعلى المشرفين كذلك، وهي أن بعض المشرفين يميز طالبا عن آخر - علاقة شخصية زيادة عن اللزوم - فضج معظم الطلبة، وكاد بعضهم أن يتركنا لولا أن وفقنا الله فتداركنا الموضوع.
أريد من حضراتكم أن تكتبوا لي من خبرتكم أضرارا التمييز، ومتى يجوز ومتى لا يجوز؟ وكيف نتعامل مع مثل هذه الحالات؟.
وهناك سؤال آخر، هو أن الطلاب الذين معنا أعمارهم مختلفة، تبدأ من الصف الخامس وحتى العاشر، وقد قمنا بتقسيمهم إلى مجموعات غير متناسبة في السن ليتلقوا دروس التحفيظ والأخلاق .. باعتقادكم هل تقسيمهم بمستويات لسنين متقاربة أفضل أم هذا التقسيم أفضل؟
…السؤال
ثقافة ومعارف …الموضوع
الأستاذ أسامة حمود…المستشار
……الحل …
تُعد التنشئة الاجتماعية السوية أحد أهم القضايا التي تشغل المفكرين وعلماء التربية، فمن خلالها يتم تحويل الفرد من كائن بيولوجي غرائزي إلى كائن اجتماعي أخلاقي.
والتنشئة الاجتماعية تعني العملية التي يتم من خلالها نقل ثقافة المجتمع إلى أفراده؛ لاكتساب الخبرات اللازمة التي تجعل منهم أفرادا أسوياء.
وإجابة على الشق الأول من السؤال نقول:
إن عملية المساواة والعدل - بين الأفراد في التربية - تعني في أفقها العالي بَث روح الحب والمرحمة والتآلف، إنها القاعدة التي نسوي بها الصفوف، فهي التي ترد المتقدم إلى مكانه، وتقدم المتأخر عن أقرانه.
والمربي غير الخبير قد يميز - بصورة فِجّة - أحد الأفراد لنباهة أو غنى أو قرابة، وقد حذر الإسلام من هذه الرذيلة التي قد تبدو للنظر القاصر تافهة الخطر، رغم ما لها من عواقب تَصدع القلوب وتمزق الشمل، فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العدل هنا هو التقوى، فعن النعمان بن بشير قال: تصدق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت: أمي - عَمرة بنت رواحة - لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لا، قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ"، فرجع أبي فرد تلك الصدقة. رواه مسلم.
وكان عليه السلام يعطي كل جلسائه نصيبَه واهتمامه اللائق، فلا يحسب جليسه أن أحدا أكرم على رسول الله منه!
إن المساواة في العملية التربوية يجب أن تكون شاملة مستوعبة، أي تشمل مساواة في توزيع الكلام على الجميع، ومساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، ومساواة في توزيع النظرات، بل ومساواة في المداعبات، كل هذا بقدر الإمكان.
كذا المساواة في الإصغاء والاستماع، فالأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل، فهناك من يبادر بالحديث ويستأثر بالاهتمام، ومنهم من يقل كلامه لخجله، ولضبط هذا الجانب الصعب يجب تخصيص وقت تشجيعي للطفل الخجول، فمن الضروري أن يشعر الأولاد بأن هناك وقتا مخصصا لكل منهم تُحترم فيه آراؤه.
الفرق بين التعزيز والتمييز:
التعزيز أو التدعيم، يعني تعديل السلوك عن طريق المكافأة، وهو أمر حيوي لأنه يمثل دافعا قويا لتعديل وتنميط السلوك، فهو يقلل من مشاعر ملل الأولاد وإحباطهم، ويزيد من مشاعر حماسهم واندماجهم في مواقف الحياة الإيجابية.
وتفسير ذلك أنهم يشعرون بإشباع ذاتي عندما يحسنون التصرف، وهذا سيكون وحده فيما بعد مكافأة في حد ذاته، فيحاولون دائما تطوير سلوكهم بأنفسهم.
والتعزيز هو: أي شيء يضاف إلى الفرد في موقف ما، فيزيد من احتمال تكرار وتقوية السلوك المرغوب المستهدف- Target Behavior - أو إضعاف السلوك غير المرغوب0
والتعزيز ليس برشوة للفرد، فنحن لا نعزز أطفالنا إلا عند عمل اجتهد في تحصيله، وكذلك التعزيز لا يكون قبل العمل كالرشوة، لكنه يكون بعد الإنجاز.
أما التمييز فيعني تفضيل واحد على الآخر في الاهتمام والمعاملة، مما يولد مشاعر الغيرة والحقد وحب الانتقام، ومن ثَم يؤدي في النهاية إلى الإحباط والفشل.(9/128)
إن تمييز فرد وإحاطته بالإيثار، يعني إهمال آخر، وإهمال الطفل يعني الفشل في تزويده بالحاجات الأساسية، و يتخذ الإهمال أشكالا مختلفة منها: الإهمال العاطفي، ومن أسبابه غياب العدالة في معاملة الأطفال، ويتضمن الإهمال العاطفي الفشل في تزويد الطفل بالرعاية النفسية، و حرمانه من العطف والحنان في الأسرة والمدرسة وغير ذلك من المؤسسات التربوية.
وهذا يعني بدوره الإساءة العاطفية، وهي نمط سلوكي مستمر يتصف بانسحاب المسيء من العلاقة العاطفية الطبيعية مع الطفل، والتي يحتاجها لنمو شخصيته، وتشمل الإساءة الاستخفاف بالطفل أو إهماله، أو نبذه واستخدام كلام حاط من مكانته، أو تعنيفه أو لومه أو إهانته.
ثمرات التمييز والإساءة:
تشير دراسات عديدة إلى أن تعرض الأولاد للإساءة العاطفية - الإهمال والرفض والإساءة النفسية - من قِبل المجتمع، وعدم الاكتراث بشئونهم، مثل ترك الطفل بلا إشباع لحاجاته من الحنان والعطف والرعاية، كل هذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى:
* حدوث اضطرابات سلوكية لدى الأطفال المُساء إليهم، فيصبحوا عدوانيين، وغير متزنين عاطفيا، وغير قادرين على إقامة علاقات اجتماعية متزنة مع الآخرين، فتكون علاقاتهم مع المقربين ضعيفة يشوبها التوتر وعدم الثقة.
* كما يؤدي إهمال الطفل وتمييز الآخرين عليه إلى حدوث اضطرابات نفسية، تتمثل بعدم احترام الذات، ومن ثم عدم الثقة بالنفس، وارتفاع معدل القلق والتوتر النفسي لديه.
واحترام الذات هو أساس كل نجاح وتفوق، فالولد الذي يشعر بعدم تقبّل المجتمع له، لا يستطيع تقبل ذاته، أما الذي يشعر بتقبل المجتمع له، فذاك الذي يقبل ذاته ويثق في قدراته.
* التفرقة بين النشء تضر بالولد الذي يُهتَمّ به مثل ما تضر الولد الذي عاش نهبا للإهمال، فالأول يبدأ الغرور في التجذر في نفسه، ويستصحب ذلك معه طول عمره، أما الولد الذي تعرض للإهمال فإنه يصاب بعدد من العقد النفسية، وتستمر معه أيضاً لفترات طويلة، ويبدأ في كره المجتمع الذي أهمله وميز الآخرين عليه.
العلاج:
* يجب عدم إعطاء اهتمام خاص لأحد الأفراد بشكل لافت أمام الآخرين، كي لا يُفسّر ذلك بأنه نوع من التمييز بينه وبين أقرانه.
* توافر عنصر التقبّل لكل الأفراد وحفظ كرامتهم، فكلما زاد إدراك الفرد بأنه موضع تقبل واحترام من المجتمع، كلما ربَى انتماؤه.
* إشباع ما يحتاجه الأفراد وجدانيا، فعدم إشباع المكوّن العاطفي معناه الحرمان أو "الجوع العاطفي" وعلاج ذلك لا يكون إلا بالحياة الدافئة داخل كل المؤسسات التربوية.
* من الضروري عدم ذكر سلبيات الشخص - حين يقوم بالخطأ - وتجريحه أمام غيره، ففي ذلك امتهان لكرامته، وليس تصحيحا لسلوكياته، علينا أن نحيطه بالاحترام والمحبة حتى عندما يخطيء.
* ضرورة تطبيق التعليمات على الجميع، ودون تمييز في الثواب والعقاب.
* يُفضل بث روح التعاون والمحبة بين النشء، وتكليفهم بمهام جماعية من شأنها إيجاد هذا التعاون وبث روح الفريق.
ضرورة تجانس المتعلمين:
أما بالنسبة للسؤال الثاني المتعلق بتقسيم المتربين نقول:
* إن مستوى النمو والنضج المتقارب - بسبب العمر - يسهّل للمربي تحقيق الأهداف التربوية، فحاجات الصغير الوجدانية العاطفية أكبر من حاجات الكبير، وعقل الصغير لم يصل إلى النمو الذي يسمح له بالتفكير التجريدي، فحاجاته - الوجدانية والعقلية والجسمية - تختلف عن حاجة الكبير ولا شك، وعند وجود هوّة كبيرة في العمر والفروق الفردية، فإنها تؤثر سلبا علي التحصيل.
* ويؤدي التجانس أيضا إلى تفاعل أكثر فيما بين التلاميذ – علاقات إنسانية قوية – كما يؤدي إلى الأمان والاطمئنان، وكذا عدم الملل.
* وكذلك يقلل من عيوب التبعية، ففي تباين الأعمار تكون هناك شخصيات تابعة وأخرى متبوعة، فالصغار يتبعون الكبار، وهذا يؤدي إلى ضعف شخصية الصغار.
* بالإضافة إلى تحقيق ما يسمى بصدق الاختبار، أعني صدق تقويم التلاميذ وتقسيمهم - حسب نتائج الاختبار- إلى مجموعات ممتازة ومتوسطة وضعيفة، فلا أستطيع تقويم ابن السادسة بنفس اختبار ابن العاشرة، فلكل فئة عمْرية اختبارها الذي يناسبها.
وأخيرا أقول إن التصدي لتربية النشء عملية معقدة، وفي حاجة إلى خبرات علمية تربوية عالية، وعلى من تصدى لهذا العمل أن يتعمق في أصول وفلسفة التربية، وكذا علم الصحة النفسية، وإذا تيسرت دورات تربوية - من قِبل المتخصصين - فهذا أشمل وأكمل، فالتربية بناء ومعاناة، وإعداد وتشكيل، وهي غِراس يُنتظر ثماره، فالأبناء كالزروع النّضرة، وإذا أردناها زروعا تسرّ الناظرين، فعلينا أن نوفر لها الغذاء الجيد والجو الصالح، وأن نُبعد عنها الغذاء الفاسد الذي يشوّه بريقها، والآفات الجائحة التي تدمر كيانها، أداء لواجبنا نحوهم، وشكرا لله الأكرم
===============
هل يأثم المقصر في مهامه الدعوية؟
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كيف ننمي لدى الدعاة شعور (إثم التقصير) تجاه تحقيق الأهداف، بعبارة أخرى نريد أن يشعر الداعية أن تقصيره بأداء العمل المناط به في الدعوة مهما كان بسيطا يطاله ذنب وإثم، كما لو ارتكب معصية أو أخل بشروط إحدى العبادات سواء بسواء.
أرجو تأصيل الرد من الكتاب والسنة، وجزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين
…السؤال
آداب وأخلاق, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
الأخ الفاضل عبد الكريم، أسأل الله أن يأجرك الأجر العظيم على اهتمامك بقضايا الدعوة.(9/129)
أخي الكريم، إن إخوانك الدعاة متطوعون بهذا العمل، ولا يأخذون مقابل عملهم حظا من حظوظ الدنيا، ولا يرجون سوى الأجر والمثوبة من الله تعالى، ولا يمكن أن نذكر لهم إثما بتقصير يقومون به في عمل من أعمال الدعوة، إذا لم يكن واجبا شرعيا أوجبه الشرع وذكر عقوبة تاركه.
وتحفيز الدعاة وتذكيرهم بالأجر والمثوبة والرفق أفضل بكثير من ذكر العقوبة والإثم، ولهذا الأمر قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
فالرفق ولين الجانب هما السبيل لتفعيل دور الدعاة في الدعوة وزيادة إنتاجهم، والعنف والأسلوب الغليظ لا ينتج عنه إلا السقوط والخروج من الدعوة وانتهاج الأساليب العنيفة، والله عز وجل يقول مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ويقول تعالى مخاطبا موسى وأخاه هارون عليهما السلام: (وقولا له قولا لينا)، والمعني باللين هنا هو فرعون، فما بالنا بدعاتنا وإخواننا؟!.
نسأل الله أن يبارك بالدعوة والدعاة.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
ينبغي - أخي الكريم - قبل البحث في العقاب أن نبحث في الأسباب؛ أسباب التقصير، والتي من الممكن أن يكون منها: الفتور والملل، الانشغالات الحياتية من أسرة وبيت وعمل، عدم وضوح الثمار نتيجة الدعوة، وغير ذلك من الأسباب، وبعد التوصل للأسباب وتحديدها بدقة، نبدأ في علاجها جنبا إلى جنب مع وسائل التحفيز والتنشيط ورفع الهمم.
إن كانت الأسباب الفتور والملل، فعلينا أن نتذكر بسمو المهمة وعظمها، وأنها مهمة الأنبياء والرسل، وكما يقول الشيخ الكيلاني رحمه الله: "هذه - أي الدعوة - هي الغاية القصوى في بني آدم، لا منزلة تفوق منزلته إلا النبوة".
وإن كانت الانشغالات هي السبب، فبعضا من تنظيم الوقت، وشيئا من ترتيب الأولويات، ثم محاولة زحزحة جدار تعب الدعاة قليلا كي يستوعب أكثر مما كنا نسمح له بالاستيعاب.
وإن كانت العلة عدم رؤية الثمار والنتائج المشجعة، فعلينا البحث لماذا؟ فربما تكون المشكلة في طريقة دعوتنا، فنقوم بتغييرها، وربما يكون السبب اتخاذنا لوسائل محددة في الدعوة سئمها الناس، فالعمل إذن هو التنويع والإبداع والابتكار.
دعنا أخي ننظر في السبب، ولنقم مع الدعاة بكل وسائل التحفيز ورفع الهمم، ولنتذكر جميعا عِظَم المهمة وجلالها
===============
"جماعة التبليغ" .. كلها عيوب!!
لدى حضوري إلى قطر، رأيت جماعة تدعو إلى الخروج للدعوة، وتقول إن الخروج 3 أيام في الشهر، و40 يوم في السنة، و4 شهور في العمر، ويجب على المسلمين الخروج، ويتركون أعمالهم وأهلهم في العطل ويخرجون.
كما أنهم ينذرون الخروج لقضاء الحاجات، ولا يعترفون بالعلوم، ولا حتى العلوم الشرعية، ولا يعترفون بالمشايخ إلا شيوخهم، ويقولون أركان الإسلام خمسة وقاعدتها الخروج.
وأود إجابة مباشرة على ما ورد في سؤالي.
…السؤال
ثقافة ومعارف, الدعوة والحركة …الموضوع
الأستاذ همام عبد المعبود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم ميلاد، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، في نطاق الدعوة، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً... آمين... ثم أما بعد:
فإنني أستعين بالله وأقسّم الرد على سؤالك إلى أربعة محاور، وهي:
• فضل الدعوة إلى الله.
• معلومات عن جماعة التبليغ.
• مبادئ عامة نذكر أنفسنا بها.
• كلمة أخيرة إلى أخي ميلاد.
فضل الدعوة إلى الله:
الأدلة على فضل الدعوة إلى الله - في صريح القرآن وصحيح السنة - أكثر من أن تحصى، وأذكر منها - على سبيل المثال - قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: آية 104]. وقوله أيضاً: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [النحل: آية 125].
وأما من السنة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً".
وروى البخاري وغيره من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".
معلومات عن جماعة التبليغ:
اسمح لي أن أعرض لبعض المعلومات الأساسية عن جماعة الدعوة والتبليغ، حتى نكون على دراية بمن نتحدث عنهم، وعلى علم بتاريخهم ومبادئهم، وقواعد دعوتهم، فنكون عند الحكم عليهم أقرب إلى الصواب، والله أسأل أن يغفر لي زيادتي ونقصي، وقدحي ومدحي، وأن يجعل قولي وشرحي في ميزان حسناتي يوم قيامتي وعرضي...آمين.(9/130)
فقد تأسست جماعة الدعوة التبليغ في الهند، على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، وانتشرت في باكستان وبنجلاديش، ثم انتقلت إلى العالم العربي، فصار لها أنصار في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والعراق، وللجماعة جهود لا تنكر في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وخاصة في أوربا وأمريكا وأسيا وأفريقيا.
وتتخذ هذه الجماعة من الكتاب والسنة منهجاً وزاداً، وتتلخص طريقتها في تفريغ الجهد، واقتطاع الوقت، وبذل المال لنشر وتبليغ دعوة الله إلى عباد الله، كما تقوم طريقتها في الدعوة على الترغيب والترهيب، وقد استطاعت أن تجتذب إلى رحابها كثيرًا من العصاة والمذنبين الذين انغمسوا في الملذات والآثام، فكانت هذه الجماعة سبباً في تحولهم إلى العبادة والذكر.
ودعاة هذه الجماعة لا يتكلمون في السياسة، ولا يخوضون في قضاياها الشائكة، ولا ينتمون للأحزاب، بل ويبتعدون عن كل ما من شأنه أن يفرق جهود الدعوة ويشتت شمل الأمة، مثل الخلاف في الأفكار والمذاهب الفقهية، ولديهم قاعدة في هذا يسمونها (اللاءات الأربع) وهي:
1- لا .. للكلام في السياسة أو الدخول في الأحزاب.
2- لا .. للكلام في الخلافات الفكرية.
3- لا .. للكلام في الخلافات الفقهية.
4- لا .. للحديث في أمراض الأمة.
وتقوم هذه الدعوة على ستة مبادئ رئيسية وهي:
1- لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2- إقامة الصلوات.
3- العلم والذكر.
4- إكرام المسلمين.
5- الإخلاص.
6- الخروج في سبيل الله
مبادئ عامة نذكر أنفسنا بها:
عندما نتناول أي حركة أو جماعة عاملة في مجال الدعوة الإسلامية بالنقد والدراسة، لا بد أن نكون منصفين، وأعتقد أنه من الإنصاف أن نتفق على القواعد الآتية:
1- أن هذه الحركات – جميعها – هي في النهاية جهود بشرية، ليست معصومة من الخطأ.
2- أن الأصل لدى المسلم أن يحترم الآخر، ويقدر جهوده، وألا يسفه آراءه.
3- أن تنطلق هذه الجماعات العاملة للإسلام من القاعدة الذهبية التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه - وهو كثير - ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه – وهو قليل-).
4- أن ننظر إلى كل حركة من هذه الحركات العاملة للإسلام، والتي تنتشر في أرجاء المعمورة، بعين الاعتدال والإنصاف، فلكل منها مزايا وعيوب، فيجب أن نحمد مزاياها، كما ننكر عيوبها، وأن يكون ديدننا ورائدنا في الدراسة والنقد هو الإصلاح.
5- أن هذه الحركات - في تقديري– هي أشبه ما تكون بالأنواع المختلفة من الزهور والرياحين، فلكل منها لون خاص، ورائحة مميزة، فما أراه أنا غير مناسب، قد يكون مناسباً في نظر الآخرين.
6- يجب أن نفرق بين مبادئ الجماعة وبين تصرفات وسلوكيات الأفراد المنتمين للجماعة، فلابد أن نعترف أنه من الظلم أن نحاسب الجماعات على تصرفات الأفراد.
كلمة إلى أخي ميلاد:
الحق أن استشارتك أسعدتني كثيراً، كما أسعدتني غيرتك على دينك ودعوتك، وهي غيرة محمودة، أسأل الله أن يثيبك عليها خيراً، وجماعة الدعوة والتبليغ هي إحدى الجماعات العاملة في ساحة الدعوة إلى الله، لها حسنات كثيرة وجهد لا ينكر، فهي توجه دعوتها إلى شريحة كبيرة من المسلمين، تغفل عنها الكثير من الجماعات الكبرى والحركات العاملة للإسلام، ألا وهي شريحة عوام المسلمين، ومن ليس لهم نصيب من العلم، وقد أكملت بهذا لبنة مفقودة في بناء الدعوة الإسلامية.
فالكثير من الجماعات العاملة للإسلام لا تلقي بالاً لهذه الشريحة من المسلمين، وبعضها تكتفي بخطبة الجمعة، أو الدروس العامة في المساجد، غير أن المشكلة أن عددًا كبيراً من هذه الشريحة لا يحضرون هذه الدروس العامة، ولا ينتظرون لسماع المواعظ عقب الصلوات، هذا إن ذهبوا إلى المساجد أصلاً، أو ربما أنهم لا يصلون من حيث المبدأ.
وهنا يأتي دور هذه الجماعة، حيث يذهب دعاتها إلى الناس، في المقاهي والنوادي والشوارع، بل ويطرقون عليهم بيوتهم، يذكرونهم بالله، وبنعمه الكثيرة وآلائه الوفيرة، ويرغبونهم في الجنة ونعيمها، ويرهبونهم من النار وجحيمها، في محاولة لتليين قلوبهم الجاحدة، وعيونهم الجامدة.
أما عن قولك "ويجب على المسلمين الخروج، ويتركون أعمالهم وأهلهم في العطل ويخرجون"، فأقول لك: أنا لا أنتمي إلى هذه الجماعة ولا إلى غيرها، غير أني شرفت بالخروج معهم مرات عدة، والتقيت عدداً من دعاتهم، بل وقابلت وناقشت بعضاً من قادتهم، وما أُشهِدُ اللهَ عليه أنني ما سمعت منهم يوماً دعوة إلى ترك العمل، بل إن دعوتهم تقوم على قاعدة (تفريغ الوقت الحلال واقتطاع المال الحلال)، فالعامل منهم يقوم باستثمار أيام الإجازات والعطلات الرسمية، وكذا أيام الإجازات الاعتيادية، التي يستفيد منها الكثيرون في الذهاب إلى المصايف، يستثمرونها في الخروج لتبليغ الدعوة، أما غير العامل من دعاتهم؛ فإنه يرتب أموره، ويفرغ وقته لدعوته.
ولا يعني كلامي هذا أن كل دعاتهم والمنتسبين إليهم والمحبين لهم، يسيرون على الطريق الصحيح 100 %، فكما قلت آنفاً إنهم بشر يخطئون ويصيبون، بل ربما كان بعضهم صورة سيئة لجماعته، ومثل هذا النموذج موجود في كل الجماعات العاملة للإسلام، بل وفي أقدمها وجوداً وأكثرها عدداً، وأرقاها تعليماً، حتى صار هذا البعض عبئاً على الدعوة تحمله ولا يحملها!.(9/131)
أما عن قولك: "كما أنهم ينذرون الخروج لقضاء الحاجات"، فأنا لم أسمع ذلك منهم ولا أعرف ذلك عنهم، غير أني أقول لك: إذا كان الهدف من الخروج في سبيل ممارسة الدعوة إلى الله، وإذا كانت الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فما المانع وما الحرج من أن يسأل العبدُ رَبَه تفريج كروبه بصالح الأعمال التي تقرب بها إلى ربه؟!، لا أعتقد أن أحداً يقول بحرمة ذلك، فالدعوة إلى الله، وتعريف الناس بربهم من أشرف العلوم وأفضل الأعمال.
أما قولك إنهم: "لا يعترفون بالعلوم، ولا حتى العلوم الشرعية"، فهذه تهمة كبيرة أتمنى أن تستغفر الله منها، إذ كيف نقول عن مسلم يدعو إلى الله إنه لا يعترف بالعلوم الشرعية، وهل يعقل أن تقوم جماعة تدعو إلى الإسلام على فكرة نبذ ورفض وإنكار العلوم الشرعية، أتدري ما هو المقصود بالعلوم الشرعية؟!، إنها مجموعة العلوم المنبثقة عن القرآن والسنة، شرحاً وتفصيلاً.
وأما قولك إنهم: "لا يعترفون بالمشايخ إلا شيوخهم"، فربما كان هذا سلوك بعض عوام المنتسبين إلى هذه الجماعة، ممن لا يعرفون القراءة والكتابة، وهؤلاء تعودوا على التلقي، أما غالب علماء ومتعلمي ومثقفي هذه الجماعة فإنهم يحترمون ويحبون علماء الأمة، ويأخذون العلم عنهم، إلا إذا كنت تقصد - أخي الكريم - بكلمة "الشيوخ" شباب الدعاة في بعض الجماعات العاملة على الساحة- ممن لا علم عندهم، ويتصدون للفتوى في مسائل لو عرضت على كبار الصحابة لجمع لها أهل بدر ليشاورهم فيها، وهؤلاء – أخي - آفة من آفات الدعوة التي تنفر الناس منها.
أما قولك إنهم: "يقولون أركان الإسلام خمسة، وقاعدتها الخروج"، فلا أعتقد أن الجزء الأول من العبارة "يقولون أركان الإسلام خمسة" يختلف عليه مسلم، وبالتأكيد أنك لا تقصده، أما كلمة "وقاعدتها الخروج" فلم أسمعه من أي عالم من علمائهم، أو أي داعية من دعاتهم.
وأنصحك - أخي الحبيب - أن ترجع إلى كتبهم، أو كتب المنصفين ممن كتبوا عنهم، ومن ذلك:
1- حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، دار القلم، دمشق، ط 2، 1403هـ - 1983م.
2- الموسوعة الحركية، فتحي يكن، دار البشير، عمان، الأردن، ط 1، 1403هـ-1983م.
3- جماعة التبليغ .. عقيدتها وأفكارها مشايخها، ميان محمد أسلم الباكستاني، وهو بحث مقدم لكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، للعام الدراسي 1396-1397هـ.
4- الطريق إلى جماعة المسلمين، حسين بن محسن بن علي بن جابر، دار الدعوة، الكويت، ط 1، 1405هـ-1984م.
5- مشكلات الدعوة والداعية، فتحي يكن، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 3، 1394هـ- 1974م.
6- الدعوة الإسلامية .. فريضة شرعية وضرورة بشرية، الدكتور صادق أمين، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، 1978م.
والحق أننا اليوم، واليوم بالذات، أحوج ما نكون إلى العمل والعلم، من أجل إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وأن من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين أن يرشدوا القائمين على هذه الحركة وأن يبصرونهم بالأمر، فهذا واجب شرعي ومندوب دعوي.
وختاما،
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول.
وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
================
ترك الدعوة .. يصون النفس والدين!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة..
ترددت كثير فيمن أستشير، ولكني وجدتكم أنسب مكان، فأسأل الله لكم ولي التوفيق.
بداية أنا ممن يمارسون الدعوة العامة والفردية على وجه الخصوص - له الحمد - في أحد المدارس، وظهرت لي مشكلة قريبا، حيث أني عندما أتحدث مع من أدعوه سواء كان على انفراد، أو كان الحديث مدعوما بكلام عاطفي إذا استلزم الأمر، أو عند التوجيه أو الحديث معه بعض الأحيان أشعر بنزول قطرات من المذي - أكرمكم الله -، مع العلم أني لا أفكر في فعل شيء من الشهوة، وأيضا مع العلم أني كنت أمارس العادة السرية، وكنت ممن يتوب ويعود - أسال الله التوبة والغفران -، وقد توقفت وأسأل الله الثبات والإعانة.
وأخشى أن يعوقني خروج المذي عن الصلاة، وأن يؤدي إلى أشياء شيطانية، وأخشى أن يكون خروجه من أجل الكلام المشبع بالعاطفة والمزاح الكلامي، مع العلم أني لا أفكر تماما في فعل شيء لا يرضي الله؛ لأنني لم أكن مع من أدعوه إلا لغرض إصلاحه وتغييره، ومن ثم هو يمارس هذه الدعوة، فضلا عن اكتساب الأجر وعظيم الثواب.
هل أترك دعوتي صيانة لنفسي وديني، أم أن هناك حلا آخر يقيني من نزول هذه القطرات؟.
مع العلم أني أصبحت لا أحتلم لأكثر من شهرين منذ توقفي عن العادة.
هل من الممكن أن يكون أصابني مرض، ويحتاج إلى الكشف والعلاج؟.
وكما تعلمون أن ديني هو رأس مالي.. فماذا أفعل؟ وقد وجدت أن أنسب حلٍ هو ترك من أدعوه والاتجاه إلى الدعوة العامة؛ ولكن هناك شيء في نفسي يدعوني لعدم الترك؛ لأني سأجد أثر دعوتي الفردية بعد سنة إن شاء الله، وكذلك حتى في الأجيال اللاحقة.
فأفيدوني بالجواب؛ لأني أجد أن مشكلتي طامة كبرى، وستغير مجرى حياتي.
جزاكم الله خيرا، وأرجو منكم تدعيمي بالجواب، مدعما بكتب أو أشرطة أو مواقع.
وبالله التوفيق.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
أخي الحبيب محمد، شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.(9/132)
يا أخي، وهل أنت خير من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي أخبر عن نفسه: "كنت رجلا مذاء"؟!.
يقول رضي الله عنه: "كنت رجلا مذاء، فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فسأله، فقال: "توضأ واغسل ذكرك" رواه البخاري.
لقد أعلنها علي رضي الله عنه صراحة للأجيال من بعده - خاصة الشباب - ليريحهم وليطمئنهم أن هذه الإفرازات تختلف من شخص لآخر، تماما كالعرق.. فهل الذي يعرق كثيرا يعتبر فاسقا آثما ولا يصح أن يكون داعيا إلى الله والإسلام؟!.
وهل يشق الإسلام - وهو دين الواقعية مع المثالية – على أمثالك ويرهقهم، وهو الذي يقول مُنزله سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، ويقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)؟!.
إن "المذي" وهو السائل الأبيض الرقيق غير اللزج أو المعتدل اللزوجة، الذي يشبه ماء الأرز، والذي يخرج عند التفكير في الشهوة، أو حتى بدون تفكير فيها عند البعض، وقبل نزول المني من أجل تطهير قناة البول حماية للحيوانات المنوية أصل الخلقة فلا تتشوه، هو من النجاسات التي لها تعامل خاص في الإسلام، وفي ذلك أقوال للعلماء أرجو أن تراجعها في هاتين الفتويين:
* أثر سلس المذي على صحة الوضوء والصلاة
* العفو عن بعض النجاسات
وبهذا التيسير يتم العلاج بإذن الله؛ لأن معظم الحالات يكون سببها نفسيا، أي توقع نزول المذي بما يصاحبه من إعياء يجعل العضلة القابضة المانعة لنزوله متوترة ضعيفة، فيزداد النزول، فيزداد الألم النفسي والتوتر، فيزداد الضعف، فيزداد النزول.. وهكذا.
أما بهذا التيسير ومعرفة حجم هذا الأمر شرعيا، ومعرفة كيفية التعامل معه وعلاجه، تنقطع هذه السلسلة ويتم العلاج تدريجيا.
هذا، وجزء من العلاج مراجعة الأطباء المتخصصين في هذه الشئون، لأن الحالة قد تكون عضوية لا نفسية، وتشفى بمجرد العلاج الدوائي بإذن الله.
أخي الحبيب، إن الحل في الاستمرار في الدعوة لا تركها؛ لأن الإسلام يحب الأسلوب الايجابي في حل المشكلات، لا الأسلوب السلبي، يجب مواجهة المشكلة وتحديد أسبابها، ومحاولة علاج هذه الأسباب واحدا تلو الآخر، ثم مع دعاء الله تعالى والتوكل عليه، والتشاور مع الثقات من أهل الخبرة يسهل العلاج، ويتحقق الإنجاز، وتستخلص الخبرات من أجل إحسان التصرف في مواقف حياتية أخرى قادمة، فيسعد بذلك المسلم في حياته كلها بالتوفيق والنجاح، وفي آخرته بأعظم الثواب.
أما الحلول السلبية التي تعتمد على الهروب وعدم المواجهة فيكرهها الإسلام؛ لأنها حلول انهزامية استسلامية، تقيّد التفكير، وتقتل المواهب، ومصيرها دائما الفشل والتخلف والضعف والكآبة والتعاسة في كل شئون الحياة، مع احتمالية الإثم في الآخرة.
إن أكثر الدعوة - أخي الحبيب - فردية وأقلها عامة، فالدعوة العامة.. كإلقاء الخطب والدروس وما شابه ذلك، تحتاج إلى إمكانيات قد لا يملكها كل مسلم، إلا إذا تدرب عليها، وتكون في أماكن محددة.. كالمساجد أو القاعات أو نحو ذلك، وثمارها عامة يصعب قياس ومعرفة وتحديد كم عدد المتأثرين بها والمتغيرين بسببها.
أما الدعوة الفردية.. فيمكن لكل مسلم أن يصيب من خيرها على قدر استطاعته وطاقاته وإمكاناته، وهي في كل مكان، فيمكن له مثلا أن يوصل الإسلام لجاره بالقدوة، ولقريبه بالقدوة وبالزيارة، لزميله بهما وبالهدية، ولأهل الحي الذي يسكن فيه بهذه كلها وبالخدمة وبالمشاركة في الأفراح والأحزان، ونحو ذلك.
كما أن ثمارها أقوى؛ لأن المعايشة عن قرب للمدعو فيها أكثر، ويمكن قياس نتائجها من خلال المتابعة القريبة لتغيُّر المدعوين.
فهل يحرم الإسلام المسلم من كل هذا الخير في الدعوة الفردية لأنه مريض؟! ألا يكفي مرضه الذي قد شغله وأرهقه بعض الشيء "وله ثواب ذلك بكل تأكيد عند الله تعالى"، فيأتي الإسلام إضافة لذلك ليجعل مصيبته مصيبتين! وهل اشترط الرسول صلى الله عليه وسلم في الداعي أن يكون سليما معافى حين فرض الدعوة على كل مسلم ومسلمة كلّ على قدر استطاعته؟!.
بل نحسب أن ثواب الداعي المريض أعظم؛ لأنه يبذل جهدا أعظم من الداعي السليم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها - ولكل من بذل جهدا أكبر في أمر يحتاجه هذا الجهد -: "أجرك على قدر نصبك" رواه البخاري.
فاستمر - أخي الحبيب - في دعوتك ما دامت نواياك خير، وما دمت تراعي ربك مع من تدعوهم، واطلب من الله حبه وعونه ومغفرته وتوفيقه وثوابه.
فإن شفاك الله فستستزيد دعوة للغير وتستزيد ثوابا، وإن ظللت على ثواب الدعوة وثواب الصبر على المرض فهنيئا لك، فأنت رابح في أي الأحوال، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.. إن إصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" رواه مسلم.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
==============
كيف تصبح واثقا بنفسك؟
كيف يكتسب الداعية الثقة بالنفس، والتي تعد أمرا ضروريا لاستمراره ونجاحه في العمل الدعوي، وكذلك للنجاح في حياته بشكل عام؟.
جزاكم الله خيرا، وتقبل منكم جهدكم.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم أحمد، أهلا ومرحبا بك، ونسأل الله تعالى أن يديم التواصل بيننا، وأن يجمعنا وإياك في مستقر رحمته.
في البداية - أخي الكريم - أود أن أوضح أن الثقة بالنفس شعور متأرجح داخل المرء، فهو يزيد وينقص، يعلو أحيانا وينخفض أحيانا أخرى، فحين يصيب المرء بعض الإخفاق يؤدي هذا إلى انخفاض الثقة بالنفس، بينما يؤدي تحقيق بعض النجاح إلى زيادتها.(9/133)
وعلى الرغم من أن فقدان الثقة بالنفس أمر مذموم لما يترتب عليه من عجز صاحبه عن إحراز النجاح في حياته والتقصير في القيام ببعض أدواره، فإن زيادة الشعور بالثقة بالنفس على نحو مبالغ فيه يعد أيضا أمرا مذموما غير مقبول؛ لأن ذلك قد يدفع صاحبه إلى التقصير في الأداء فيكون هذا خطوة نحو الركود والنمطية وعدم إحراز نجاحات جديدة، ثم يصبح تراجعا إلى الوراء؛ مما يصيبه بحالة من الإحباط يتبعها انخفاض الثقة بالنفس وامتهان الذات.
ولكن المطلوب هو إحداث حالة من التوازن بين فقدان الثقة وبين الثقة المبالغ فيها، وذلك من خلال وثوق المرء في ذاته وقدراته، مع ترك مساحة صغيرة من الشك في قدراته وإمكاناته تكون بمثابة الدافع لتطوير ذاته، والعمل على تحسين قدراته وأدائه.
أفكار لاكتساب الثقة بالنفس:
ومن الأفكار التي يمكن للمرء أن يعزز من خلالها ثقته بنفسه:
1- الثقة في عون الله:
فمن أولى خطوات اكتساب الثقة بالنفس أن يتوكل المرء على الله تعالى وأن يثق في عونه سبحانه له، كما كان نبي الله موسى عليه السلام واثقا في عون الله له حين أوشك فرعون على اللحاق به وبقومه حتى قال من معه: (إنا لمدركون)، فرد عليهم بقلب الواثق في عون الله: (كلا إن معي ربي سيهدين).
وكما علمنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حين أوشك من يطاردونه من المشركين على اللحاق به وبصاحبه أثناء رحلة الهجرة، حتى قال صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله"، فيرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم - وقد ملأ قلبه بالثقة في نصر الله وعونه سبحانه له - قائلا: (لا تحزن إن الله معنا) رواه البخاري.
وهكذا ينبغي أن نكون واثقين في عون الله لنا، فيكون هذا عونا لنا على ثقتنا في أنفسنا.
2- تقويم الذات:
وذلك بأن يتعرف المرء على ذاته بصورة موضوعية، فيبحث عن جوانب القوة لديه، سواء كانت قدرات عقلية أو معرفية أو اجتماعية أو رياضية أو فنية أو لغوية أو ميكانيكية، أو غير ذلك من القدرات والمهارات، ثم يعمل على استثمارها والارتقاء بها حتى يصل بها إلى أقصى درجات التميز، فتصبح هذه الجوانب مصدرا لشعوره بالثقة في نفسه.
وبالنسبة لجوانب الضعف لديه، فليقنع نفسه بأنه ما من أحد من البشر إلا ولديه جوانب ضعف وجوانب قوة، وإلا لما كان من البشر، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن من ناحية أخرى يعمل على حصر هذه الجوانب، ثم يبذل ما في وسعه للارتقاء بها وتنميتها.
3- تبني نظرة إيجابية نحو الذات:
وبعد أن يتعرف المرء على ما لديه من جوانب قوة أو ضعف، فعليه أن ينمي اتجاها إيجابيا نحو ذاته، وذلك من خلال التركيز على نقاط القوة والجوانب الإيجابية لديه، والبعد عن تكبير وتضخيم الجوانب السلبية ونقاط الضعف، وكما يقال: "النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب لا إلى نصفه الفارغ"، فهذا يساعد المرء على اكتساب الثقة بنفسه، كما يدفعه إلى تنمية جوانب الضعف دون احتقار أو امتهان للنفس.
4- الحرص على النجاح مهما يكن صغيرا:
من الأمور التي تساعد على اكتساب الثقة بالنفس أن يحقق المرء نجاحا ولو كان صغيرا، بحيث يصبح يومه أفضل من أمسه؛ وهذا النجاح يمنحه شعورا بالرضا عن النفس وبالتالي يشعر بالثقة في نفسه، كما أنه مع مرور الأيام يحدث تراكم لهذه النجاحات الصغيرة فتصبح نجاحا كبيرا، وهذا بدوره يكسب المرء ثقة أكبر في نفسه.
5- استراتيجية التعويض:
يمكن للمرء أن ينمي شعوره بالثقة في نفسه من خلال عملية التعويض، فحين يشعر المرء بالنقص أو بضعف الثقة بالنفس نتيجة مواجهته لبعض الصعاب أو العوائق التي يعجز عن التعامل معها، فيمكنه حين إذن أن يتبع أسلوب التعويض الذي يساعده على استعادة ثقته بنفسه، فمثلا إن كان صاحب درجة منخفضة من الذكاء فيمكنه تعويض ذلك بتكثيف القراءة والعمل على تحسين طرق الفهم وبذل المزيد من الجهد والوقت في تحصيل العلوم، وإن كان يعاني من الفقر وضعف الإمكانات المادية فيمكنه تحسين ذلك ببذل المزيد من الجهد في عمله حتى يصبح من المميزين في مجاله، فيزداد دخله أو يعمل لوقت أطول من خلال عمل إضافي أو يتعلم مهنة رائجة أو غير ذلك من صور التعويض.
وبهذه الصورة يصبح التعويض وسيلة لاستعادة المرء للثقة في نفسه.
6- الاستعداد لقبول النقد:
ومما يدفع عن النفس الشعور بعدم الثقة أن يكون لدى المرء استعداد لقبول النقد من الآخرين بصدر رحب، بل ويعتبر هذا النقد وسيلة جيدة كي يتعرف على أخطائه ويعمل على تطوير أدائه في المستقبل، فيصبح هذا النقد مصدر قوة له، ودافعا للتقدم وتحقيق النجاح بصورة أفضل.
7- تجنب مقارنة الذات بغيرها:
من المصادر التي قد تصيب المرء بالإحباط وما يتبعه من فقدان الثقة بالنفس أن يقارن المرء نفسه بغيره، وهذا فيه ظلم للنفس، فلكل فرد قدراته وإمكاناته التي تميزه عن الآخرين، ولكي تكون المقارنة مفيدة ونافعة فعلى المرء أن يحصرها على ذاته، فيقارن بين ذاته وأحواله بالأمس وبين ذاته وأحواله اليوم، فهذه المقارنة تدفع المرء إلى التقدم نحو الأمام وتحقيق النجاح وهذا بدوره يمنحه شعور بالثقة.
8- الممارسة الفعلية:(9/134)
قد يكون الدافع وراء انخفاض الثقة بالنفس هو الخوف من الفشل في القيام ببعض الأعمال، ولكن حينما يبدأ المرء في الممارسة الفعلية لهذه الأعمال يقل قلقه وينخفض اضطرابه، ثم يذهب عنه الخوف من الفشل مع الممارسة، ثم قد يكون هذا العمل الذي كان يخشى الفشل في أدائه مصدرا لاكتسابه الثقة بنفسه، فالممارسة الفعلية تلعب دورا مهما في تخفيض الشعور بعدم الثقة، بل وتعمل مع استمرارها على ارتفاع معدل الثقة بالنفس لدى المرء.
9- التعرف على أسباب انخفاض الثقة وعلاجها:
فحين يقف المرء مع نفسه ليبحث عن أسباب انخفاض ثقته بنفسه، ويدرس ذلك بصورة موضوعية، ثم يضع تصورا للتعامل معها، فإنه يعمل بذلك على سد المنافذ التي يتسلل من خلالها الشعور بعدم الثقة إلى النفس، فمثلا الذي يشكو من ضعف القدرة على التواصل مع الآخرين والعجز عن بناء العلاقات الاجتماعية، ويكون ذلك سببا لانخفاض ثقته بنفسه، فيمكنه أن يتغلب على هذا الشعور بأن يعمل على رفع قدراته في التواصل مع الآخرين وذلك من خلال القراءة الواسعة في فنون التعامل والتواصل مع الآخرين، أو من خلال الالتحاق ببعض الدورات المتخصصة في هذا الأمر، أو غير ذلك من الأساليب التي تساعده على التغلب على هذه المشكلة التي تحدث لديه اضطرابا في ثقته بنفسه.
نسأل الله تعالى أن يسدد خطاك، وأن يلهمنا وإياك طريق الخير والرشاد، وتابعنا بأخبارك.
==============
جماعتي: تزوج أختا وإلا .. !!
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
سؤالي هام جدا - بالنسبة لي علي الأقل - وهو:هل يمكن للمؤسسة الدعوية أن تفرض على أفرادها الزواج من داخل المؤسسة وعدم الإتيان بزوجة من خارج المؤسسة؟.
وماذا لو أني وجدت خارج الجماعة مسلمةً ملتزمةً بأمور دينها، وتمارس الدعوة إلي الله أيضا لكنها ليست أختًا، بل ومن الممكن أن تكون أفضل من كثير جدا من الأخوات، ولكن الجماعة تقول إنه لابد أن أتزوج من أخت رغم أنني غير مقتنع بالزواج من أخت "من المبدأ نفسه" أو غير ذلك.. فهل لهذا تأصيل؟.
وهل يمكن المخالفة؟.
الرجاء أفيدونا فهذه شبهة يتعرض لها الكثير.
…السؤال
الشباب, مشكلات في الدعوة والحركة, قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
أخي الحبيب، شكر الله لكم، وجزاكم خيرًا كثيرًا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي محمد، ما الخَلق؟ وما الشرع؟ وما الزواج؟ وما المؤسسة الدعوية؟ وما الأخت؟ وما الأخ؟.
لو تمكنا معًا من الإجابة على هذه الأسئلة، سيمكنك أن تحدد من ستتزوج، وسيزول بإذن الله الالتباس بينك وبين مؤسستك.
أولا- الخَلق:
الخلق - أخي الحبيب - هم كائنات أوجدها الله تعالى خالقها وواجدها في بقعة من كونه هي الأرض، سخرها لهم من أجل أن يتعرفوا على فضله وكرمه فيها، وينتفعوا ويتمتعوا بخيراتها، كما يقول: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، أي إلا ليعرفون، أي ليتعرفوا عليّ وعلى خيرات كوني وينعمون بها، إلى أن آخذهم عندي في جناتي حيث النعيم الدائم والهناءة الخالدة، كما يقول: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).
ثانيا- الشرع:
والشرع هو نظام علمه الله لهم عن طريق رسله ليتبعوه ليتحقق لهم تمام التمتع والسعادة في دنياهم وآخرتهم، كما يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) فمن اتبعه اتبع هذا الشرع، اتبع هذا الدين، اتبع الإسلام، كما يقول تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)؛ ومن تركه تخبط وأخطأ وتعس غالب حياته وبعد مماته، كما يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى).
ثالثا- الزواج:
والزواج هو جزء من هذا النظام؛ فالكائنات أزواج كما يقول خالقها عنها: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، ذكر وأنثى، كما يقول: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ليكمل كل منهم الآخر، فالذكر وحده إذا بلغ سن الزواج ولم يتزوج يكون غير مكتمل.. ناقص الانتفاع بالحياة، ناقص السعادة؛ وكذلك الأنثى.. ولذا، فعند الزواج تبحث كل نفس بفطرتها وبتكوينها عمن يكملها، وهذا هو أحد مفاهيم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) رواه مسلم، وذلك حتى تكتمل القدرة على استكشاف الدنيا فتكتمل السعادة بذلك.
وهذا الشعور بالتكامل قد يحدث بسبب قرابة أو زمالة أو جيرة أو عند البدء في البحث ونظر كل منهما لنصفه الآخر، ثم التزاور والتعارف في وجود أهلهما.. فينشأ بينهما حب وارتباط وشعور باكتمال كل منهما بشريكه وأن كلاهما أصبح قطعة منه بل شطره، تمامًا كالذرّة تستقر باكتمال عنصريها الموجب والسالب، وإن انقسمت ظل كل عنصر هائجًا باحثًا عن مكمّله حتى يجده! وهذا هو بعض معاني قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، وقوله: (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).. فيعيشان بهذا الحب وبهذا التكامل والتماسك والاستقرار والاطمئنان في الحياة سعداء هانئين آمنين مستبشرين.. ثم بهذا الحب وبهذا الإحساس.
بالتكامل سيتعاونان وسيتحاوران ويتشاوران وسيتسامحان وسيتغافران وسيعوض أحدهما تقصير الآخر، وسيخططان لحياتهما ولأبنائهما، وسيعملان وسيكتشفان وينتجان وسيتمتعان بالترويح الحلال وبالعلاقات الجنسية الجيدة وبالعلاقات الاجتماعية الطبية مع من حولهم.. فيبتهجان بالحياة ويسعدان.. فيضفيان تلقائيا بهجتهما وسعادتهما على غيرهما.. فيسعد الجميع في الدنيا والآخرة.
رابعا- المؤسسة الدعوية:(9/135)
والمؤسسة الدعوية ما هي إلا تجمع من أجل نشر هذا الشرع لجميع الأرض، هذا الشرع الذي يسعد الخلق جميعا.. ينشره المسلم بأن يطبقه على نفسه أولا، ثم يقول للعالم أجمع: هآنا ذا سعيد ناجح بديني، فكونوا مثلي لتسعدوا وتنجحوا مثلي، تجمع سعيد بالإسلام، تربي رجاله ونساؤه منذ صغرهم على أخلاقه، ثم تخصصوا في مجالات الحياة المختلفة وأتقنوها فأحسنوا إدارتها بقوانينه، فكانوا دعوة عملية واقعية للآخرين.
خامسا- الأخت والأخ:
والأخت ما هي إلا كل امرأة فهمت هدف الخلق ومقصود الشرع وفوائد الزواج.. وأحبت ربها الذي خلقها لتنتفع، وأحبت إسلامها الذي وجهها لكل خير، وأحبت زوجها الذي يكملها وتكمله، وأحبت أبناءها الذين هم جزء منها، وأحبت جيرانها وأقاربها وأنسابها والخلق كلهم.. فأرادت لهم السعادة والنجاح كما سعدت ونجحت هي، فنشرت سبب سعادتها ونجاحها لهم، نشرت الإسلام ودعتهم إليه بالحسنى وبالتدريج، وكانت رمزا وقدوة لهم ليرونه فيها فيفعلوا مثلها.. وبذلت كل أنواع الجهود الممكنة قدر استطاعتها الفكرية والبدنية والمالية والوقتية وغيرها في سبيل ذلك.والأخ ما هو إلا أي رجل فهم ما فهمته الأخت كما سبق وبيَّنا.
أخي الحبيب، إذا كانت المؤسسة الدعوية قد أنشئت أساسا من أجل الشرع، من أجل تطبيقه وحمايته ونشره وحسن عرضه للآخرين وتقديم نموذج لمجتمع صغير سعيد به ناجح يكون منارًا تستنير به الأرض كلها، فكيف لهذه المؤسسة أن تخالف الشرع؟!! كيف تتعس أفرادها من الرجال والنساء بإجبارهم على الزواج ممن لا يرغبون؟!.. إذا كان الإسلام ذاته لا يمكن إجبار أحد عليه! فكيف يجبر أحد على جزئية من جزئياته وهي الزواج؟!.
إن المكره المجبر تعيس غير منتج غير مبتكر يتمنى اليوم الذي يتخلص فيه مما أجبر عليه، فهل الإسلام أنزله الله تعالى لتربية أفراد جبناء ضعفاء، غير فاهمين، غير واعين، فاشلين تعساء؟!.. أفراد يتمنون اليوم الذي يتخلصون فيه من دينهم أو يتخلص كل منهم من الآخر أو يتخلص حتى من نفسه!!..
إن البيت الكئيب، البيت الذي فُرضَ فيه زواج الرجل من زوجة لا يحبها ولا يرغب فيها، أو زواج المرأة من زوج لا تحبه ولا ترغب فيه، بيت لا يمكن أبدا أن يدعو لله وللإسلام بصورة صحيحة مكتملة مؤثرة مثمرة، حتى ولو كان الزوج وحده أخا كريما والزوجة وحدها أختا فاضلة!.
هل سيربي أبناءه على هذه الكآبة، أو سيدعو الآخرين لكآبته؟!.
إنه لابد سينهار إن عاجلا أو آجلا، في دنياه قبل آخرته، وسيكون غالبا سببا رئيسيا في صدود المدعوين، فهم رغم أنهم بغير الإسلام أكثر حياتهم شقاوة، لكنها لازالت أفضل من أن تكون به في تمام الشقاء.
إن أي مسئول مهما كانت درجته في أية مؤسسة دعوية لا يمكنه أن يتجرأ ويضع نظاما يخالف الإسلام ولو بمقدار شعرة!.
إن النظام في هذه المؤسسات لابد أن يوضع بالشورى وتبادل الآراء في إطار الأخوة وسلامة الصدور ومحاولة الوصول لكل خير، ثم أخذ الأفضل والأنسب منها، وهو نظام عبارة عن قواعد عامة وأهداف وأولويات وخطط في إطار الشرع لا تخرج عنه، ثم تترك التفاصيل لكل فرع من فروعها ومجموعة من مجموعاتها يرى فيه ما يشاء لما يحقق الغاية والمصلحة والسعادة.
فهي إدارة بالأهداف وتحقيق النتائج.
إدارة بالحب والتفاهم والتشاور والتسامح والتناصح.
وطاعة الأفراد لهذا النظام كذلك، يطيعونه لأنهم مشاركون فيه، لأن إطاره وأصله أساسه وعمومياته من عند ربهم ومن إسلامهم ولا يخالفها، لأنهم سويا يحبونه ويصححونه ويحصدون نتائجه في الدنيا بالسعادة وفي الآخرة بالثواب العظيم.
إن لكل إنسان ولكل مسلم اهتماماته الخاصة به، والتي من حقه ألا يتدخل فيها أحد إلا بالنصح إذا طلبه منه، وهي متروكة لاختياره مادامت لا تخرج عن إسلامه ولا تخرج عن نظام مؤسسته التي يعمل بها سواء أكانت دعوية أو غيره، والذي ارتضته لنفسها ومتمشيا مع أهدافها وإسلامها ولا تضرهما بل تنفعهما، كالأكل والشرب واللبس والزوج والزوجة وما شابه ذلك، كما يفهم من قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) وقوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)..
فإن أضرت بهما، أصبح النصح فرضا، وأصبح الالتزام بالنصيحة وبرأي الأغلبية فرضا.
إن أي تجمع لو تزاوج أفراده من داخله فقط لانقرض مع الزمن! كالعائلة التي لا تتزوج إلا من داخلها فقط تكون قليلة الخبرات ومتقوقعة وقليلة الانتشار وضعيفة وغالبا ما تختفي مع الوقت، أما إن تزوج الأخ من خارج مؤسسته الدعوية فسينشر دعوته لأنسابه الجدد وأقاربهم ومعارفهم وجيرانهم وزملائهم، وكذلك الأخت، فتتسع دائرة الدعوة يوما بعد يوم، وستصبح زوجته يوما ما في الغالب رفيقة له في مؤسسته ودعوته، ولها دور يرضاه ويحبه، وذلك بحسن معاملته لها وتفهيمها أهدافها، وسيصبح زوجها يوما ما رفيقا لها في مؤسستها ودعوتها، وله دور ترضاه وتحبه بحسن معاملتها له وتفهيمه أهدافها.(9/136)
أخي الحبيب، إننا على يقين بأن ما يدعوك إليه إخوانك هو من باب عونك على إحسان ترتيب الأولويات ومن باب النصيحة، وليس من باب الفرض الذي تثاب إذا فعلته وتأثم إذا لم تفعله، فهم ينصحونك إن كنت خاليا، أي إن لم يكن هناك بدايات ارتياح وتعلق وحب مع شخصية ما من خلال جيرة أو قرابة أو زمالة أو غيره، لأن الإسلام يحترم الحب النافع المثمر الواضح في النور لا في الظلام، والذي يعلمه الجميع وينتج زواجا وأسرة سعيدة، فاجعل الأولوية بين أخوات مؤسستك إن حدثت لديك رغبة في إحداهن بعد رؤية وبعد نشوء شعور بالتكامل معها والارتياح إليها، ومما يساعد على ذلك وجود لجنة في المؤسسة تهتم بتوصيل وتعريف هؤلاء بهؤلاء.
وكذلك الأخت، إن كانت خالية تجعل الأولوية لإخوة الصف، فذلك سيمنعهن من البوار، والذي قد يشكل عبئا وخطرا ومعوقا دعويا مستقبلا، وسيكون أقرب لمزيد من التفاهم والتجانس والتناسق ولمزيد من الحب ولمزيد من العون على الحياة السعيدة ولمزيد من العون على نشر الدعوة.
أما إن كان هناك تعلق ما من خارج الصف فله الأولوية بكل تأكيد، وإلا لو أخذت أختا في هذه الحالة لظلمتها أو لظلمتك، وسيكون لك الثواب بالطبع في كل الأحوال.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
================
في الحركات الإسلامية .. لا "للأحكام العرفية"
الأستاذ فتحي عبد الستار،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تعلمون أن العمل الجماعي هو عمل إنساني بالدرجة الأولى، يجتمع فيه مجموعة من البشر ارتضوا تحقيق أهداف معينة ويجمعهم رابط مشترك، هذا يسري على مجموعة من المزارعين يعملون معا في مزرعة أو مجموعة من العمال في مصنع يهدفون إلى كسب من عائد عملهم وهكذا ..
والعمل الجماعي لخدمة هذا الدين أيضا عمل إنساني يجمع مجموعة من البشر حول أفكار متقاربة، بل قد تكون أحيانا موحدة، ولابد لذلك من قيادة مختارة وجنود طائعون.
وقد يقدم الجندي رؤى وأفكارا ومقترحات قد يراها - وهو محق - صوابا، بينما قد يراها القائد - وهو محق - غير مناسبة، فماذا في رأيك حل هذه الإشكالية، والتي قد تسبب - كما نرى كثيرا - من تبرم خفي أو معلن، حيث يرى كل طرف - القائد أو الجندي - أن الآخر لم يحسن القيام بواجبه.
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, آداب وأخلاق …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
أخي الكريم مصطفى، مرحبا بك، وأشكرك على سؤالك..
وفي رأيي - أخي - أن إشكالية التبرم الخفي أو المعلن على حد تعبيرك، مسئول عن وجودها كلا الطرفين على حد سواء، القادة والجنود، مع تحفظي على إطلاق مثل هذه الأوصاف في غير موضعها؛ لما تعطيه من دلالات تحكم العلاقة بين الطرفين وتوجهها نحو نظام معين.
ومن الممكن بسهولة تفادي هذه الإشكالية ووأدها في مهدها، لو جعل الطرفان في حسبانهما إعلاء قيم الشريعة وأخلاق النبوة فوق قيم تنظيمية أخرى فرضها واقع معين، صارت مطلقة ومقدَّمة للأسف في كثير من الأحيان على الأصول الشرعية.
إن تواري قيم أصيلة في ديننا، مثل: الحب في الله، وحسن الظن، والشورى، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، ومعرفة حق العالم، وحفظ سلامة الصدور، وأن نجتمع على الصواب خير من أن نتفرق على الأصوب، والدفع بالتي هي أحسن ... إلخ، وإبراز قيم أخرى لها احترامها أيضا ولكنها تأتي في مرتبة تالية، مثل: السمع والطاعة والجندية ... إلخ، واختزال العلاقة بين الأفراد والقادة في هذه القيم المعسكرة خلق المناخ لوجود هذه الإشكالية في العمل الجماعي، وكرس قيما وتقاليد تراكمت عبر الزمن، بسبب حالات (الطوارئ) التي تمر بها الدعوة، والتي تفرض (قوانين عرفية) تحد بعض الحريات، وتفرض بعض القيود، وتطلق يد (القادة) في رقاب الأفراد، لأمن ومصلحة (الوطن) عفوا .. الدعوة، على غرار ما تقوم به بعض الحكومات، وينتقده رعاة (الطوارئ) أنفسهم في تلك الجماعات، ولا يكفون عن مطالبة الحكومات بالعودة للقانون الأصلي، في مفارقة مضحكة لحد البكاء.
وللخروج من هذه الحالة أخي مصطفى، وفض هذه الإشكالية، ينبغي أن يقتنع الطرفان أولا بأهمية الخروج منها، ثم يأخذ كل منهما على عاتقه القيام بالآليات التي تكفل العودة إلى المناخ الصحي الأصيل، بمحاولة إحياء تلك القيم الأصيلة التي أشرتُ إليها في البداية، وإدراجها بشكل نظري وعملي في المناهج التربوية التي يدرسها الجميع، والعودة إلى المعين التربوي الصافي المتمثل في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يعامل أصحابه، ويشاورهم، وينزل على رأيهم في كثير من المواقف، وهو المعصوم المؤيد بالوحي.
وكيف كان أصحابه صلى الله عليه وسلم بالمقابل يوقرونه ويحترمونه، ولكن ذلك ما كان يمنعهم من إبداء آرائهم، والإدلاء بدلوهم، والاستفهام في كثير من المواقف، بل والاعتراض والرفض في سياج من الأدب وحسن الخلق، حتى وإن جاوز أحدهم قدره، وعلا صوته، لم يعنفه القائد القدوة صلى الله عليه وسلم، ولم يخرجه عن دائرة الأخوة الإيمانية، ولم يتهمه بالخلل التربوي، ولا يسئ الظن به، ولا خلع عنه الانتماء للصف المؤمن، ولا أوعز إلى أصحابه باجتنابه لمجرد أنه يرى رأيا مخالفا، بل كان صلى الله عليه وسلم يوسع له صدره، ويبسط له سمعه، ويناقشه في مقالته، ويبين له الأمر، فما يخرج الصحابي من بين يديه إلا نقي الصدر، مقتنع العقل.(9/137)
والمقام يضيق عن ذكر أمثلة لذلك، ويكفي أن أشير إلى قصة الحباب بن المنذر الشهيرة قبيل غزوة بدر، حيث أشار على النبي بتغيير موضع الجيش المسلم، ونزول النبي على رأيه، وإلى ما حدث قبيل الخروج لأُحد، ونزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبية من الشباب من أصحابه، رغم مخالفته لرأيه ولرأي الشيوخ، ولا يتعلل أحد بما حدث بعد ذلك ليتخذ منه دليلا على خطأ النزول على رأي الشورى، ووجوب اتباع رأي القائد، فما نزل من القرآن بعد ذلك يقطع الطريق على هؤلاء، بقوله عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ).
أما الأفراد، فعليهم بالمقابل حسن التأتي، واتباع الآداب الإسلامية في النصح والمشورة، دون تسفيه أو تعدٍّ، وبذل الجهد في إقناع القيادة برأيهم، وحشد الدلائل، وأيضا دون حرج أو اعتبار لهيبة القائد وتاريخه على حساب ما يرونه صوابا وفيه المصلحة - كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -، مبدين حرصهم على مصلحة الإسلام، ومنزهين أنفسهم عن أية شبهة مصلحة شخصية.
ثم إذا عُقدت الشورى بعد الدراسة المتأنية لمختلف الآراء، وتم الاستقرار على رأي، فعلى الجميع احترام ما تسفر عنه الشورى، والاحتفاظ بالرأي الشخصي داخل النفس، وعدم التحدث به ثانية، حتى ولو ثبتت صحته فيما بعد وخطأ الشورى، وهذا لا يحدث إلا نادرا لبركة الشورى.
فلو تبرم أحد بعد ذلك أخي مصطفى، جنديا كان أو قائدا، فتبرمه إذن على نفسه، وحينها يجب أن يعاد تأصيل تلك المفاهيم لديه، وإلا فالعمل الجماعي لا يصلح له.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والحق، وأن يوفقنا جميعا إلى كل ما يحبه ويرضاه.
تم الإجابة على هذا السؤال خلال حلقة استشارات مباشرة يوم 3/5/2007.
================
الدعوة الإلكترونية .. مفاهيم ووسائل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كيف أستطيع أن أستفيد من الإنترنت في الدعوة الى الله؟.
…السؤال
وسائل الكترونية …الموضوع
الأستاذ محمود إسماعيل, الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ محمود إسماعيل:
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منك حرصك على الدعوة إلى الله تعالى.
من المفيد للغاية - أخي الكريم - أن تسأل مثل هذا السؤال، والجميل أن ثمة شيء ما من وراء سؤالك أشعر به وكأن شيئا تود فعله من أجل دينك وأمتك.
وما دمت ترى أن الإنترنت وسيلةٌ لخدمة الدعوة الإسلامية، وتسأل عن كيفية الاستفادة منها فيبدو لي أن هناك خطوطاً عريضةً لنتفق عليها سويًّا، وعليه أقول لك:
* الإنترنت وعاء، وهذا الوعاء يمكن أن يُملأ بالطيب أو الخبيث، المفيد أو الضار، وكلما كثرت المواد الخبيثة والضارة في الإنترنت كلما كانت أكثر ضرراً وخطرا، والعكس لو كانت المواد الموضوعة في هذا الوعاء مفيدةً وطيبة.
* الإنترنت كأي جهازٍ إعلاميٍّ سلاحٌ ذو حدين، إن وظف في نشر العلم والخير وتثبيت العقيدة الإسلامية وتدعيم الأخلاق وربط الجيل المسلم بأمجاده وتاريخه وتوجيه الأمة ما يصلح أمرها وتربية الأجيال نحو حياةٍ أفضل، فعندها يكون الإنترنت وسيلةً للبناء.
وإذا استعمل لأجل ترسيخ الفساد والانحراف ونشر الميوعة والانحلال وتحويل الجيل إلى مبادئ غير إسلاميةٍ وأخلاقٍ غير فاضلة، عندها يكون الإنترنت وسيلة هدمٍ لا بناء.
* الإسلام لا يعادي الحضارة أو المدنية، ولكن ليس ذلك وحده هو السر في عظمة الإسلام، ولكن عظمة الإسلام تكمن في أنه لا يعانق إلا الحضارة النافعة ولا يؤاخي إلا المدنية الراشدة والتطور المفيد، والإنترنت ووسائل الإعلام عامةً هي من ثمرات هذه الحضارة التي أبدعها عقلٌ خلقه الله وأبدعه لنا، والإسلام يقف منها موقف الموجه والمصلح المتبصر الواعي، حتى تُستخدَم هذه الوسائل في نشر العلم والخير ودعم العقيدة والأخلاق والمثل العليا قال الله تعالى: (وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وهذا هو الأصل وإلا :(فَلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
إضافة لما سبق فإن من المهم أن نعي بعض المفاهيم والآليات والمحددات التي لا يتصور تقديم الدعوة الإسلامية بدونها، وكي نستطيع بحقٍّ خدمة الدعوة الإسلامية فلابد من مراعاة الآتي:
* أن نوسع دائرة مفهومنا عن الدعوة الإسلامية ذاتها، فالدعوة إلى الإسلام لا تعني الاقتصار على بث مئات المراجع التراثية والبحثية عبر شبكة الإنترنت، بل الأهم كيف نطوع كل هذا إعلامياً حتى يستفيد منه الإسلام والمسلمون بصورةٍ حياتيةٍ وحضارية، مع الحفاظ على ثوابت الأمة ومقدراتها.
* أن نتفهم محددات الدعوة الإسلامية وهو أن أيَّ قصورٍ أو خللٍ في الأشخاص القائمين على الدعوة والذي قد يتسبب كثيراً في تشويه صورة الدعوة لا يعني أن العيب في الإسلام بل في بعض المسلمين.(9/138)
* كي نخدم الدعوة الإسلامية على شبكة الإنترنت، فليس من المفيد أن نقتصر على كل ما هو إسلاميّ دون سواه، ولكن علينا أن نقدم كل ما هو إسلامي، إضافةً إلى كل ما هو مفيد، فليس من الضروري أن نكرر جملة: "يقول الإسلام"، "يقول الإسلام"؛ لأنه يكفينا أن نعبر بالمادة التي نقدمها عما نريد أن نقوله عن ديننا، لأنه من السهل أن نقول: "يقول الإسلام"، ولكن من الصعب أن نعرض الإسلام في أحسن صورة.
* كي نخدم الدعوة فلابد أن نحدد ما تحتاجه الدعوة بالفعل؛ لأن الفرق كبيرٌ بين ما نريد أن نقدمه نحن وبين ما تحتاجه الدعوة الإسلامية بالفعل، فليست المشكلة كيف نخدم الدعوة الإسلامية عبر وسيلة الإنترنت، ولكن المشكلة تكمن - غالبا - في فهمنا المحدود لطبيعة الدعوة الإسلامية ذاتها، لأنه من السهل أن تجد آلافاً يتبنون الدعوة إلى الله، ولكن القليل من هم من يستوعب المفهوم الشامل للدعوة الإسلامية، بمعناه اللامحدود، وهذه مشكلة خطيرة تلقي بظلالها على واقع الدعوة.
وإذا تتبعنا المواقع العربية والإسلامية على الإنترنت لوجدنا مئات المواقع التي تتبنى الدعوة إلى الله، ولكن كم موقعاً منها يطبق المفهوم الشامل للدعوة الإسلامية وبصورة عصرية ومناسبة؟.
وبالتالي فليس غريبا أن يدعو البعض دون أن يؤثروا؛ لأنهم يهتمون بالكمِّ دون الكيف، والدعوة بهذا الشكل ما تقدمت خطواتٍ إلا تقهقرت أكثر، فالواقع يفرض علينا أن نكون أكثر جذباً وتأثيراً ودراسةً لنوعية الزوار، وأن يكون الاهتمام بالكمِّ والكيف معا.
إن المفهوم الشامل للدعوة إلى الله يطرح أمامنا حقولاً خصبةً لنزرع فيها بجدٍّ وذكاءٍ ودراسةٍ شاملةٍ وعميقة، وعليه أقول لك: إن أيََّ مادةٍ بناءةٍ نافعةٍ تقدم على الشبكة هي من الخير الذي يحث عليه الإسلام، ويتعاهده ويحرص عليه، ويثيب فاعله وزائره، وإن كل لحظةٍ نقدم فيها أي خيرٍ على الشبكة معناه أننا نقدم لحظةً من الخير، ونحجب كذلك لحظةً من الشر، وعليه فإن أي موادٍّ سواءً كانت سياسيةً أو اقتصاديةً أو علميةً أو تكنولوجيةً أو فنية، ما دامت تستند على ثوابت الدين فهي من الإسلام وروحه، بل وتؤصل كذلك مبدأ كون الإسلام منهجَ حياة.
فكل كلمةٍ طيبةٍ تكتبها على الإنترنت هي دعوة.
وكل بريدٍ إليكترونيٍّ تستثمره في توطيد أواصر الأخوة والدعوة إلى الله بكلمةٍ طيبةٍ أو سلوكٍ جميل هو دعوة إلى الله.
وكل حوارٍ مفيدٍ وبنَّاءٍ تشارك فيه هو دعوةٌ إلى الله تثاب عليها.
وأي تصويتٍ لصالح الأمة تشارك فيه هو شهادة حقٍّ عليك أداءها.
وأي فضيلةٍ تحث عليها بحكمةٍ وذكاءٍ هي إضافةٌ رائعةٌ في عالم الدعوة.
أخي الكريم، إذا أردت أن تخدم الدعوة الإسلامية عبر الإنترنت فاعتقد تماما أن الخير على أطراف أصابعك وفقك الله".
ويضيف الدكتور كمال المصري:
أخي الكريم، أما وقد أوضح لك الأستاذ الفاضل محمود إسماعيل الأطر والأسس العامة التي عليك أن تراعيها عند تعرضك لمسألة الدعوة على الإنترنت، فاسمح لي أن أدخل معك في التفاصيل، لنرى كيف يمكن أن نخدم الدعوة على الإنترنت:
دعنا نحدد المجالات التي توفرها لنا الإنترنت ثم لنناقشها واحدةً واحدة، هذه المجالات هي:
- المواقع.
- البريد الإليكتروني.
- ساحات الحوار.
- غرف الدردشة.
أولاً- المواقع:
وهذه حالها لا يخلو من أن يكون أحد أمرين: إنشاء موقع جديد، أو المشاركة في موقع موجود بالفعل. وقد كثرت المواقع الإسلامية وتعددت لدرجة جعلتها صعبة الحصر.. وزيادة هذه الأعداد بموقع يقف في هذا الطابور الطويل يجعله يبدو في ظاهره أنه خير، ولكن كم من هذه المواقع حقق الأسس والأطر العامة التي ذكرنها الأستاذ محمود إسماعيل آنفا؟ كم منها حقق تكاملية الإسلام وشموله؟.
فما العمل إذن؟ التعاون قدر المستطاع مع أحد هذه المواقع الموجودة، ومحاولة تبصيرهم بما ينقصهم ومدهم بالمادة التي يحتاجونها. "التكاملية" يجب أن تكون شعار الدعاة، وليس على أحدنا بالضرورة البدء من الصفر، فهذا من حق الدعوة علينا.
وإذا كان لا بد من إنشاء موقع جديد فمن الأهمية بمكان عدم تكرار الموجود، والنظر في الجوانب المفتقدة للإسلام على الإنترنت، ثم استكمالها بموقع يحقق هذه التكاملية، موقع يعرض لغير الموجود، ويربط بالموجود في المواقع الأخرى دون أي تكرار أو إعادة.
ثانيًا: البريد الإلكتروني:
هذا بابٌ واسعٌ للدعوة إلى الله تعالى، يمكن استخدامه بإرسال رسائل خير، أو روابط طيبة إلى العديد من قوائم البريد الإلكتروني الموجودة في المواقع المختلفة. لكن الحذر الحذر، فاستخدام هذه الوسيلة بدون دراسة أو وعي قد يقلبها على الدعوة، فلنفكر فيها جيدا، ما المفروض بثه من خلالها، وكيف، ومتى، ولمن؟.
ثالثًا: ساحات الحوار:
يمكن من خلالها المشاركة في أي ساحة موجودة على المواقع، من خلال رسائل دعوية تتم المشاركة فيها، سواء بإنشاء قضية جديدة، أو بالإضافة على قضية موجودة بالفعل، وهذه أيضا تحتاج إلى الأناة والحكمة والذكاء.
رابعا: غرف الدردشة:
بابٌ واسعٌ للخير، ولكنه في نفس الوقت كثير الأخطار والمحاذير، ويمكن مطالعة هذا الموضوع بالتفصيل في هذه الاستشارة:
داعية غرف الدردشة.. محاذير يجب أن تراعى
نسأل الله تعالى أن يتقبل منك حرصك على دعوة الآخرين إلى الخير، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين
=================
المحمول والإنترنت .. في خدمة الحجاب
لو من الممكن تزودي برسائل دعوية أوجهها إلى النساء المتبرجات، وأيضا أستخدمها لنصرة الحجاب، بحيث تكون هذه الرسائل مختصرة ومفيده، ويمكن أن أرسلها عن طريق رسائل الجوال، وكذلك عن طريق الإميل.(9/139)
شكر لكم على ما تقومون به من جهد دعوي.
…السؤال
الدعوة النسائية, وسائل الكترونية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة نور الإيمان، عضو فريق الاستشارات بالسعودية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد ..
أختنا العزيزة، بداية أدعو الله لكِ أن يسدد خطاكِ ويبارك فيكِ، وأن يتقبل منك غيرتك الطيبة على دينك وحرصك على الدعوة للخير.
كم جميل تفكيرك باستثمار التطور الهائل الذي وصلنا له في دعوة الناس وإحياء فرائض الدين في النفوس، وهذا شيء مطلوب بضوابط وشروط؛ لنحقق نجاح وفائدة في وقت أصبح وجود الإنترنت والهاتف النقال في كل بيت أمر أساسي، وربما بيد كل فرد في الأسرة، بالتالي أصبح من الضروري استخدام هذه الوسائل الحديثة بطريقة ذكية؛ لنصل لأهداف سامية وهامة للأمة كافة، ونتذكر ونحن نفعل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري.
أمور تراعى:
وهناك بعض الأمور التي ينبغي مراعاتها عند استخدامك لهذه الوسائل في الدعوة، منها:
* موضوع الحجاب مهم جدا، والتركيز في الدعوة إليه شيء نحن بحاجة ماسة له في هذا العصر؛ لحفظ المجتمع وصيانته، لكن لا بد أن نتذكر في دعوتنا للحجاب ألا نهتم فقط بالمظهر الخارجي فقط، بل أيضا الاهتمام بالجوهر الداخلي وصفائه، وحُسن خلق المؤمن، وهما أمران متلازمان لا ينفصلان.
* الدعوة عن طريق الرسائل الإلكترونية ورسائل الجوال سلاح ذو حدين، ولابد من التأني في استخدامها، فكلنا نعرف كم من الرسائل التي تصلنا يوميا "Forward"، وكم منها نقرأه ونهتم به، وكم منها نحذفه ولا نهتم به، ولكي نهتم بقراءة هذه الرسائل لا بد أن تحمل محتوى مميز، منوّع، مبدع، جذاب، قريب للقلب، وذلك في شكل النص أو مضمونه.
* لابد من قراءة بعض الكتب أو المقالات في موضوع الحجاب لعلماء أو مفكرين في مجالات ودول مختلفة لتطلعي على أساليبهم، ويكون ذلك مدخلا لكِ في دعوتك وتستطيعي البناء على هذه القراءة والاستفادة منها في صياغة جمل أو مواضيع تناسب ما تريدين، وفي نفس الوقت يكون لكِ مصادر موثوق بها ترجعي لها عند الكتابة.
* تذكري في رسائل الجوال أن تكون جمل مسجوعة، قصيرة، منوّعه، حتى لا يمل القارئ، ولا يتكلف في إرسالها لو رغب.
* حاولي أن تُشركي بعض زميلاتك ممن يحملن نفس الفكر والهم في دعوة الناس، وتتبادلوا الأفكار سويا، وتنسقوا النصوص والجمل كلا حسب خبرتها ومهارتها، وعندها ستكتشفن الكثير من الطاقات والخبرات التي كانت كامنة في داخلكن.
* من الممكن مستقبلا تحويل هذه الفكرة لتكون مجموعة بريدية تهتم بهذا الموضوع، ويشترك فيها كل من يرغب.
أرجو أن تأخذي النصائح السابقة في عين اعتبارك قبل أن تبدئي في دعوتك؛ لأنها ستفتح لكِ - بعون الله - آفاقا كبيرة وأفكار عديدة، فأنا لن أستطيع في رد بسيط أن أسرد لكِ العبارات والرسائل التي ممكن أن تستخدمينها؛ لأن هذا يحتاج عصف ذهني ووقت طويل للخروج بما تريدين، وربما تقومين به مع زميلاتك، وتخرجن بكم هائل من الإبداعات.
نصائح لصياغة الرسائل الدعوية:
سأقدم لكِ بعض النصائح والأفكار التي يمكنك البناء عليها في صياغة الجمل والرسائل الدعوية والله الموفق:
أولا- رسائل البريد الإلكتروني:
* اختيار عنوان جذاب مشوق يعبر عن المضمون بطريقة غير مباشرة، وتارة يكون جملة، وتارة يكون بصيغة سؤال غير مباشر.
* أؤكد على أهمية التنسيق الجميل، الهادئ، مع اختيار صورة معبره عنه.
* البعد عن أسلوب النصح المباشر والوعظ الموجه، حاولي أن تبدئي برسائل الرقائق، وحب الله عز وجل، والترغيب في التقرب من الله بشكل عام، وبشكل تدريجي وعلى فترات متباعدة تتجه الرسائل لموضوع الحجاب بأساليب منوّعه، وطرح راقي قريب للقلب.
* الاستفادة من "الباوربوينت" في عرض الرسائل بطريقة جذابة ومنسقة ومعبرة وبعدد قليل من الشرائح، سواء كان المضمون أحاديث قدسية، أو نبوية، أو قصص معبره، أو أبيات شعر، أو خواطر، أو مقال مباشر أو غير مباشر عن الحجاب".
* استخدمي في بعض الأحيان أسلوب الرسائل المتتابعة المتصلة ببعض، بحيث تنتهي الرسالة الأولى بسؤال أو حدث يتم معرفته في الرسالة المقبلة؛ لخلق نوع من التشويق لدى القارئ، بشرط أن لا يزيد هذا التسلسل عن رسالتين متتاليتين.
* إرسال معلومات عن الحجاب في الغرب، وكيف أن الكثير من الغربيات يدخلن الإسلام من أجل الحجاب وأثر ذلك عليهن في نواحي مختلفة.
* استخدام قصص ارتداء الفنانات والإعلاميات والغربيات للحجاب.
* البحث عن إحصاءات حول زيادة نسبة الحجاب، وأثرها في المجتمع.
ثانيا- رسائل الجوال:
يمكنك اتباع بعض الأفكار السابقة وكذلك بعض الأفكار التالية:
* يمكنك في رسائل الجوال إرسال جزء من حديث قدسي، وتكتبي تعليق بسيط في نهايته يخدم الهدف ويستوفي الشروط التي ذكرناها سابقا في النص.
* لغز بسيط من جملة بسيطة، أو سؤال مشوق، يرسل في يوم ويكون الرد عليه في اليوم التالي، وذلك كالمثال التالي:
س: هل تريدي أن تكوني وردة أم لؤلؤة؟.
ج : الوردة منظرها جميل، رائحتها عطرة، الناس تزرعها لتتمتع بها فقط، وتتعامل معها باستهتار، أما اللؤلؤة تعيش في صدفة تحميها، كلما ابتعدت عن أعين البشر زاد جمالها ولمعانها وثمنها، فاختاري لنفسك أن تكوني وردة أم لؤلؤة.
* ممكن إرسال اسم كتاب ما في الرقائق وحب الله والحجاب، أو إرسال رابط موقع إلكتروني لمقال هام متعلق بهذه الأمور.(9/140)
كانت تلك - أختي الكريمة - بعض النصائح العامة والملاحظات الهامة، التي أسأل الله أن ينفعك بها أختي العزيزة، وتابعينا دائما بأخبارك، وإن شاء الله تصلنا منك رسائل مميزة ومُعبره، تنفع الإسلام والمسلمين، ولا تنسينا من صالح دعائك.
================
الدعوة .. تؤخر زواجي ودراسة خطيبتي!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله خير على هذا الموقع، وجعله في ميزان حسناتكم عند لقائه.
مشكلتي: خطبت فتاة في سنتها الدراسية الثانية، وهي بفضل الله تعالى من الأخوات النشيطات دعويا، وهذا كان مطلبي؛ لأن الداعية - نرجو الله أن نكون منهم - يحتاج إلى فتاة داعية تفهمه وتكون أقدر على التضحية في هذا المجال.
وكان الاتفاق أن يكون الزواج في بداية السنة القادمة، حيث يبقى لها فصلان في الجامعة، وبعد فتره فاتحتني بأنه من الصعب جدا أن تفعل هذا، ويجب أن تتأخر فصلا آخر، بحجة أن العمل الدعوي كثير، ويجب أن تخفف من موادها في كل فصل، واقترحت أن يؤجل الزواج خمسة أشهر على الأقل، وتأجيل الزواج صعب بالنسبة لي.
الملاحظ أن العمل الدعوي يأخذ كل وقتها في الجامعة؛ مما يؤثر سلبا على دراستها، والتي هي في صلب الدعوه، فهي تدرس الشريعة، ودراسة الشريعة تعطي الداعية قوه كبيرة، وهي دائما تقول لي: أنه ليس هناك أفراد كفاية في كليتها، وهي تتحمل كل العمل؛ مما يؤثر عليها سلبا حتى في نفسيتها.
أعتذر للإطالة، وأرجو أن تنصحوني، ويكون من ضمن الرد رسالة ابعثها لها، جزاكم الله خير.
…السؤال
الدعوة النسائية, قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شكر الله لكم ثقتكم بنا، والتي نسأل الله تعالى أن نكون في محلها في الدنيا والآخرة، وبعد..
أخي الكريم، لدينا جميعا والأجيال الجديدة من الدعاة خاصة مشكلة في مفهوم الدعوة والعمل في سبيل الله، فالعمل الدعوي ليس بهذا الضيق الذي يفترضه الأفق الفكري للبعض، ولكنه فضفاض واسع، يشمل كل مناحي الحياة، وكل حركات وسكنات الداعية، ابتدءا من استيقاظه وحتى نومه، وقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ ونتيجة لهذا المفهوم يهمل الكثير من شباب الدعوة جوانب هامة في حياتهم قد يكون نجاحهم فيها أساسا دعويا قويا لرحلتهم التي ارتضوها لأنفسهم، وذلك لحساب عمل دعوي شكلي قد يكون نتاجه أقل بكثير من الذي يمكن أن يفعلوه لو اهتموا بتلك الأمور.
وربما أرى كثيرين من العاملين في الحقل الدعوى يهملون حياتهم الخاصة، وبيوتهم التي هي اللبنة الحقيقية لبناء المجتمع المسلم، وأبناءهم، ودراستهم من أجل ادعاء العمل الدعوى، وربما لا أصفهم بالمدعين بقدر ما أراهم مغيبين وبعيدين عن حقيقة الدعوة.
ونجاحات الداعية على كافة الأصعدة وحدها قد لا تحتاج إلى كلمات أو كثير تحركات بل تجعله قدوة في أعين غيره من الناس، فيحذون حذوه، ويسيرون على نهجه، بينما العكس يجعله قولا بلا عمل، ويفقد بالتدريج مصداقيته، وتذهب كلماته عن الإخلاص والكد والاجتهاد وبناء المنزل المسلم أدراج الرياح، وتجعل البعض ممن يعادون العمل الإسلامي ويتصيدون أخطاءه يتطاولون عليه ويتهمون أهله بالفشل والكذب.
وربما نعلم أن كثيرين ممن تتعثر خطواتهم الحياتية من العاملين في حقل الدعوة مخلصون، ويريدون دفع عجلة الدعوة للأمام، وتغيير طبيعة المجتمع من العلمانية والتغريب إلى الالتزام الشرعي والعودة لديننا الحبيب، لكن ما يغيب عن أذهانهم هو أن الغاية يمكن الوصول إليها من أقرب الطرق بتربية النفس أولا، وجعلها قدوة ومثل يلفت الناس إلى طريق الحق في أقل عدد من الخطوات، وفى نفس الوقت يعطى النجاح ثقة للإنسان ويدفعه في جميع المجالات للأمام، وذلك عكس الفشل المتكرر الذي قد ينفر العامل من الداخل مما يعمل ويجعله يلقى باللوم على ما عطله عن المضي في حياته قدما كما فعل غيره من قبل.
و دعني أوجه رسالة لخطيبتك:
أختنا الحبيبة..
ربما نعلم أنك صادقة في سبيلك الذي اخترت لنفسك، وفى تفانيك من أجل الدعوة إلى سبيل الله، لكني أذكرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا كل الحرص على جعل نفسه قدوة لأصحابه، وكان حريصا على تربيتهم لكي يصبحوا مثله، وقد نجح صلى الله عليه وسلم في ذلك.
إنهم لم يتوقفوا عند العمل الدعوى الحركي فقط، لكنهم جعلوا من أنفسهم دعوة تمشى على الأرض، فكان منهم المثقفون مثل سيدنا "أبي بكر الصديق"، الذي كان حجة في الأنساب والشعر، وكان تاجرا بل أنه حين احتضر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزرع، وكان "حسان بن ثابت" شاعرا وأديبا، خدم الدعوة بشعره كما فعل غيره بسيفه، وتعلم "زيد بن ثابت" السريانية؛ ليحادث الناس بلغتهم ويفهمهم ويتواصل معهم.
وأنت لب دراستك لا غناء عنه لمن خططت لبيت وعمل دعوي، إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم:(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وأخبريني بالله عليك من أين تأتى الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن إن لم يكن لديك علم يحميك وخلفية شرعية تكفيك؟.(9/141)
وعليه فكيف تهملين واجبك تحت أي مسمى، ثم أنت اخترت أن تتزوجي من هو مثلك في حرصه على العمل الدعوي، وبدأتما شراكتكما على أساس راسخ هدفه مستقبل في سبيل الله، هذا المستقبل أول وأهم خطواته هي بناء البيت الإسلامي، الذي سيكون شعارا ورمزا لغيركما ممن تدعونهم، فكيف لم تفكري في أنك بإهمالك لبناء هذا البيت وتأجيلك لقيامه تعرقلين مسيرتك ومسيرة شريكك الذي ارتضيته لك رفيقا ومؤازرا في رحلة طويلة أولها لا إله إلا الله، وآخرها توليد وتفعيل المجتمع المسلم الذي يحق الحق ويلفظ الباطل.
يجب أن تحددي أولوياتك وتجيبين على سؤال بعينه وهو: لمن تعملين .. لصالح فرد أو جماعة أو مجد شخصي أم في سبيل الله وحده لا شريك له؟؟.
إن استطعت أن تجيبي على هذا السؤال فسيتسع مفهومك للدعوة والعمل الدعوى، وستعرفين مالك وما عليك وما يجب أن تفعليه لتفوزي برضا الله، وهو الغاية والمبتغى.
استخيري الله في كل خطوة، واستشيري من تتلمسين فيهم الصلاح والتقوى، وتذرعي بالدعاء، فهو مخ العبادة وزاد المؤمن على طريق الخير والفلاح.
نسأل الله لنا ولك حسن الخاتمة، والفردوس الأعلى دون سابقة عذاب.
==============
في غرف الدردشة .. بشروا ولا تنفروا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد دخلت موقع للدردشة لإبداء النصائح والوعظ والإرشاد لرواد تلك الأماكن، ولكن كلما بدأت في كتابة بعض عبارات الموت وعذاب القبر وغيرها، أجدهم يقومون بطردي، وحدث ذلك أكثر من 5 مرات، وفي كل مرة كانوا يصدون عن كلام الله، مع العلم أن بعضهم استجاب لهذه النصائح وأخذ يكتب معي على العام.
ماذا أفعل؟ هل أستمر في اقتحام الشات عليهم وأذكرهم بالله، أم أنصرف عن هذا الموضوع؟
أريدكم أن تبقوا على تواصل معي عبر هذا الموقع الدعوي، بارك الله فيكم.
…السؤال
الشباب, وسائل الكترونية …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيّاك الله أختي الكريمة، وأهلا ومرحبا بك، أطمئنك أننا سنبقى على تواصل معك بإذن الله تعالى، فليطمئن بالك، والله حافظك.
أحيي استجابتك للأمر الرباني والواجب الشرعي الملقى على كل منا، وهو الدعوة إلى سبيل الله تعالى لقوله تعالى: (ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).
وكم من منكرات تحدث في الدردشة من اختلاط، ولهو، وكذب، ونفاق، تصب كلها في وحل الفساد والمعصية والبعد عن دين الله، وقليل ما نجد دردشة تنضبط بالضوابط الأدبية، وتتحلى بالقيم الأخلاقية، وتتسم بتطبيقها لضوابط الشرع في التعامل.
لذا وجب علينا أن نوجه شبابنا وشاباتنا من الدعاة للتعرف على وسائل الدردشة، وندخل إليها وننقذ الشباب من الوقوع في مصائدها.
أما وأنتِ تعرفين الوسائل فلنركز في الأسلوب والمضمون، بالنسبة لأسلوبك وهو تذكيرهم بالموت وعذاب القبر فإن الترهيب في البداية ينفر الناس؛ لذا أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ).
فهل عجزنا - أختي الكريمة - أن نجد ما هو أحسن من الترهيب بعذاب القبر والتذكير بالموت، وهو حقيقة أسلوب قد يستجيب له بعض الناس، ولكن أناس آخرون قد لا يجدي معهم هذا الأسلوب، ولكنهم يحتاجون إلى أساليب أخرى مثل: المعاملة الحسنة والقول اللين، ومثل هذه الأساليب يكون لها عميق الأثر في نفوس الناس، ولعل هذا ما جعل من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة إلى يوم الدين؛ لكونه عليه الصلاة والسلام لم يصب أحد بإساءة يومًا ما، بل رفق بالجميع حتى الكفار واليهود الذين عادوه.
بالترهيب من الموت وعذاب القبر ندفع الناس من الخلف، ولا نتحكم بهم، ثم ينفضوا من حولنا، أما الحب بلا شروط فهو الجذب من الأمام، وكسب انقيادهم للخير، الحب الصادق هو الذي يجعل الشاب الذي اعتاد الكذب أن يغير عمله السيئ هذا عندما سمع كلمة من أحد الدعاة لمست قلبه، حتى إن كان فيها قدرا معتدلا من الترهيب، وهذه لفتة لنا جميعا أن نأخذ بأيدي الناس ونحن نحبهم محبة صادقة، ونريد في عمق قلوبنا أن نهديهم للخير الذي نوره الله في قلوبنا ووفقنا إليه.
كيف نؤثر في الآخرين؟.
هناك لمسات رقيقة لطيفة عندما نقوم بها نشعر أن قلوب الآخرين تضيء لنا، وأحرى بنا نحن الدعاة أن نتعلم هذه الأساليب التي إن قمنا بها أشرقت شمسنا من جديد، ومن هذه اللمسات: أن نسمع الناس، نحاورهم، نقدر رأيهم، نرشدهم، نكرمهم، ونرحمهم، فما رأيك أن تدخلي من هذا الباب؟.
دعينا نبدأ وإياك بالدعوة من خلال الدردشة، لكن بأساليب مختلفة، وقبل أن نبدأ بالمضمون دعينا نسأل سؤالا: هل الدعوة ستكون موجهة للشباب والبنات، أم أنها للبنات فقط كونك منهن؟.
بالتأكيد علينا أن ننطلق من شرعنا الحنيف، والدردشة مساحة لا يمكن التحقق فيها من شخصية من نحدثهم، وفيها إمكانيتان وهما: الكلام العام في الغرف، والحوار الخاص.(9/142)
أما الكلام العام فيمكنك أن تستعمليه مع الجنسين، وأما الحوار الخاص فلك أن تستعمليه مع الفتيات، وإذا أردتِ نصيحتي الشخصية، فلا تستعملي نوافذ الحديث الخاص مع كلا الجنسين؛ لأن الدردشة وسيلة حوار من السهل الخداع فيها، وقد حدثت مشكلات كثيرة وصل الموقع الكثير منها، مشكلات يدمي لها القلب؛ لذا أن تثبتي على الحق خير لكِ أن تغوصي في بحر لا تُحمد عقباه.
نأتي وإياك الآن للمضمون، إلى ماذا سندعو الناس؟.
نرى الشباب تائهين، لا يعرفون ما هدفهم؟ ولا لماذا خلقوا؟ ولا ما هم فاعلون في هذه الحياة؟ ما دورهم؟ ما لهم وما عليهم؟!.
لذا واجبنا الأول - قبل الحديث معهم عن أمور الدين - أن نرشدهم إلى ما يملكون من قدرات عظيمة، لكنهم يخطئون عندما يضيعونها في الدردشة التي لا هدف من ورائها ولا فائدة، ثم نرشدهم بصورة إيجابية إلى قدرتهم على أن يصحبوا أصحاب تميز في هوايتهم، وأنهم بما يملكون من قدرات هائلة يمكنهم إحداث تغييرات كبيرة في بلادهم ومجتمعاتهم.
ومن هذه النقطة انطلقي إلى التركيز على القيم الطيبة الموجودة، وإلى ما يجب تصحيحه من مفاهيم وأخلاق، وما يمكن غرسه من معاني إسلامية سامية.
أفكار لما يُتناول معهم:
وإليك بعض الأفكار التي يمكنك تناولها من خلال غرف الدرددشة:
• ابحثي عن مواقع في التطوير وصناعة النجاح، وضعي لهم روابطها في الصفحات العامة في الدردشة.
• ضعي روابط لأشرطة في هذا الموضوع، ويمكنك البحث عنها في الشبكة عن طريق محرك البحث.
• ضعي فقرات تثير الهمم من المواد التي تجدينها في هذه المواقع بصورة تثير الحماسة، ولتكن فقرات قصيرة فيها الخطاب الإيجابي والحماسة لجذب انتباه المشاركين بالدردشة.
• ضعي روابط لمواقع فيها فلاشات مؤثرة، وضعي روابطها مع بعض التوجيه اللين.
• افتحي بعض المواضيع للحوار مثل: لماذا خُلقنا؟ ما هو هدفك من الحياة؟ ما هي اهتماماتك؟ ما هي ايجابيات الدردشة؟ كيف تقضي وقتك؟ من هو مثلك الأعلى؟ ... إلخ.
أما الوسيلة الأصعب والمهمة الشاقة، فهي فتح غرف دردشة إسلامية الطرح، حيوية في نقاشها واختيارها للموضوع، ولكنها قابلة للتحقيق إذا عقدت العزم وتوكلت على الله وسعيت لها سعيها.
ويمكنك أن تقومي بهذا من خلال الخطوات التالية:
- افتحي غرفة للفتيات فقط.
- قومي باختيار موضوع شيق مثل محبة الله للعبد، وحضري المادة، ثم اختاري عنوان يجذب الآخرين مثل: إنه يحبك، فكيف لا تحبينه؟!.
- اطبعي مادة الدرس على جهاز الكومبيوتر لتكون جاهزة عندك.
- اجمعي في درسك: الآيات، الأحاديث النبوية، والأحاديث القدسية، والقصص الجميلة.
- بعد حضور عدد من الأخوات اقفليها ثم ابدئي الدرس.
- اتركي الفرصة للمشاركات للتعبير عن أرائهن.
- اطلبي منهن أن يذكرن موقف استشعرن فيها محبة الله لهن، وكان له أثر كبير عليهن.
- نسقي مع بعض الأخوات ليكن لك عونا على إدارة الغرفة من خلال حضورهن معك، وتشجيع المشاركات من غير الملتزمات، بمدحهن والثناء على هذه الفطرة السليمة لديهن.
- نسقي مع إحدى الداعيات - يكون لديها معرفة بالإنترنت - أن تشارك في الحوار إذا أمكن.
- في نهاية الدرس أعلني لهن الموعد الأسبوعي للدرس، ويفضل أن يتم الاتفاق عليه بالتنسيق معهن جميعا.
شاركي في الحديث الذي يطرح في الغرف، وخاطبيهم بحسب عقولهم، وادعي إلى الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا، لكن احذري كل الحذر، فالطريق شائك، ولا أنصحك أن تستهلكي وقتك في الشات من باب الدعوة، ولكن يكفي أن تدخلي إليه مرة أسبوعيا، وكوني مع صديقة لك أفضل حتى تسلمي من الفتن.
نسأل الله تعالى أن يجعلك من جنود الدعوة، ويفتح لك فتوح العارفين، ويحفظك بحفظه وعنايته.
===============
الرأي الآخر في جماعتي .. ممنوع
الأخوة الأفاضل، سؤالي لكم - والذي أتمنى من كل قلبي أن أجد رداً شافيا عليه - هو ما يلي:
أنا شاب أعمل منذ صغري - والحمد لله - في إحدى الحركات الإسلامية المعروفة، ولقد تربيت في أحضانها، ولقد قدمت لها كل جهد ممكن، وبدأت تجربتي تأخذ بعدًا آخر بعد دخولي الجامعة واقتحامي تجربة العمل الطلابي وتسلمي مسئولية فيه.
بدأت وللأسف أتعرف على واقع مؤلم في الحركة، ألا وهو واقع الشللية وانقسام الحركة من الداخل إلى أكثر من اتجاه، وبسبب الرؤية وآليات العمل التي كنت أحملها وأتبناها في العمل الطلابي، والتي صنفت من أجلها على أنني أناصر تياراً بعينه، خضت وللأسف مواجهات كثيرة مع المسئولين، الذين بطبيعة الحال كانوا محسوبين على تيار آخر، طبعا هذه المواجهة انتهت بإقصائي من مسئوليتي التي كنت أحملها - الرسمية منها والداخلية - على الرغم من شهادة الكثيرين حتى من خصوم الاتجاه الإسلامي بتميزها، هذا الأمر كان له وقع الصدمة المفجعة على نفسي، حيث أن أبرز ما كنا نطالب به إدارة الجامعة والحكومة بشكل أساسي هو حرية الرأي والتعبير ورفع الظلم، فإذا بي أتعرض له، وأين داخل الحركة الإسلامية؟!.
ومن شدة ألمي من الموضوع اضطررت لدخول المستشفى أكثر من مرة، وكان تشخيص الطبيب لأهلي أنني تعرضت لصدمة نفسية كبيرة، هذا غير فشلي الدراسي في ذلك الفصل، من تلك الحادثة بدأ نشاطي في الحركة يقل ويضعف، ولولا وقوف بعض الإخوة بقربي لربما كنت خارج صفوفها الآن.
وبدأت أركز بعدها على الكتب والدراسات التي تتحدث عن أوجه الخلل داخل الحركة، أو تلك التي تتحدث عن دور النقد الذاتي داخل الحركات الإسلامية، والغريب في الأمر أنني كلما ازددت قراءة في تلك المواضيع ازدادت نظرتي السلبية للوضع حتى غدت قاتمة.(9/143)
وقد قدمت بحثًا طويلاً للمسئولين بعنوان: "أوجه الخلل في العمل الطلابي .. أسبابه، أثاره، نتائجه، سبل علاجه"، لكنه وللأسف لم يلق أي اهتمام، على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته في البحث.
المشكلة الآن باختصار أنني مؤمن تمامًا أنني مسلم عامل، إذن أنا صاحب رسالة، وهذه الرسالة لن أستطيع أن أبلغها إلا عن طريق عمل جماعي، أي عبر جماعة، والجماعة الوحيدة التي تملك الحد المقبول من المواصفات والمؤهلات هي الجماعة التي أنتمي لها، والتي تقريبا فقدت الثقة بكثير من مسئوليها، مع العلم أنني حاولت كثيرًا أن أردم الهوة فلم أفلح، فما هو الحل بالله عليكم؟.
…السؤال
ثقافة ومعارف, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
أخي الحبيب يمان،
حديثك حقاً ذو شجون، تظهر من خلاله أمام العين الكثير من المرئيات والمشاهدات حول مشكلات الحركات الإسلامية في كل مكان، وليس فقط الحركة الإسلامية بل والجماعات والأحزاب السياسية أيضاً، ولست معنياً هنا بالدفاع عن الكيانات أو عن الأفراد، كما أن دوري الأساسي ليس تحديد من المخطئ، ولكن الدور الأساسي - من وجهة نظري - هو إجراء عملية توضيح وإبراز للعديد من النقاط التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، سواء من الكيانات أم من الأفراد.
والموضوع حقيقة متشعب ومتفرع، وأسأل الله أن أستطيع الإلمام بخيوطه، والسيطرة على تنوعاته، وتشعباته هي: جلسة صفاء مع الأفراد - حديث القلب إلى الحركات الإسلامية والجماعات والأحزاب السياسية - أولوياتنا في الحياة - تساؤل وإجابة.
1- جلسة صفاء مع الأفراد:
أحدث فيها أخي يمان، وكل المنتمين إلى حركات إسلامية وجماعات وأحزاب في ثلاثة أمور:
الأول- مسألة الثقة في الدعوة:
لا أدري لماذا تكون دائمًا نتيجة أي خلاف في الرأي بين اثنين أزمة ثقة؟ ويبدو هذا الأمر جليًا داخل العديد من الحركات الإسلامية والأحزاب، فبمجرد اختلاف أحد أعضائها مع مسئوليه، يعزل هذا العضو من كل مسئولياته، ويفقد العضو الثقة في حزبه وحركته ودعوته التي غالبًا ما يكون قد تربى في أحضانها.
هل السبب في أزمة الثقة هو مبدأ التطابق الذي يشعره العضو مع حركته أو حزبه، بحيث يكون هو وحركته كياناً واحدًا لا ينفصلان، وبالتالي عند حدوث أية أزمة تنعكس على ثقته بحركته أو حزبه؟ أم السبب أننا ننسى أن قيادات هذه الحركات والأحزاب هم بشرٌ يصيبون ويخطئون، وبالتالي نصاب بفقدان الثقة عندما يتصرفون تصرفًا خاطئًا؟.
ولست هنا أبرر خطأهم إن وجد، ولكني أنبه إلى أنهم مهما وصلوا من تقوى وورع يبقون بشرًا يصيبون ويخطئون، وصحيح أنه ينبغي عليهم أن يترفعوا عن هذه الأخطاء، وأن يعودوا للحق والصواب عند اكتشافهم خطأهم، كذلك عليهم تقبل النصيحة، ولكن هل يعني عدم حدوث هذا فقدان الثقة؟
بصرف النظر عن الأسباب، علينا الالتفات للمضمون الذي يقول: ليس كل ممارسة خاطئة ينبغي أن تتحول إلى أزمة ثقة، وليس معنى انتقائي لحزب أو حركة ما أن أصبح قالبًا من قوالبها، بحيث يصبح كل أفرادها قالبًا واحدًا متكررًا، إذا اقتنعنا بهذا الأمر فلن نصل في يوم - مهما كثرت الأزمات مع قيادات الحركات والأحزاب - إلى أزمة ثقة مع الكيان نفسه، وبالتالي سيخف الضغط العصبي علينا، ولن نحتاج لنسيان حياتنا أو التقصير في واجباتنا الحيوية والدعوية، أو حتى دخول المستشفيات.
الثاني- قول الله تعالى: (ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى):
عند خلافنا مع أي إنسان فإننا نكثر من ذكر أخطائه ومساوئه، وحتى حسناته لا نراها، وإذا رأيناها نحاول تبريرها وغض الطرف عنها، وهذا أمر ليس بالصحيح، فليس معنى خلافنا مع قيادات الحركة أو الحزب أنه ليس لهم فضل، فلننتبه لذلك جيدًا.
كما أنبهك - أخي الكريم - إلى خطورة قراءة الكتب التي تتحدث عن علل وأخطاء الحركة الإسلامية خلال هذه الفترة التي أنت فيها الآن؛ وذلك لأن هذه الكتب ستزيد الهوة بينك وبين الحركة، وحتى لا يحدث لبسٌ، لست ضد قراءة هذه الكتب، بل بالعكس أنا أدعو إلى قراءتها؛ لما فيها من تجارب مفيدة بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها، ولكني لا أنصح بقراءتها لأخي يمان في هذه الفترة لما لها من تأثيرات سلبية عليه.
الثالث- التفريق بوضوح بين حرية التعبير عن الرأي وطريقة اتخاذ القرار:
فنعرف جميعاً أن لكل حزب أو جماعة طريقة في اتخاذ القرارات ارتضوها لأنفسهم، وسواء اتفقنا معهم أم اختلفنا، فلا يمكن بحالٍ أن نعتبر اتخاذهم للقرار خاطئاً بمجرد أنه خالف رأينا، وأحياناً ما تأخذنا حماسة الشباب إلى أزمة الثقة بيننا وبين حركتنا؛ بسبب عدم فهمنا لهذه النقطة، فإذا ما تم اتخاذ قرارٍ ما يخالف رأيي، وراجعتُ فيه القيادة فلم تأخذ بمراجعتي، اسودّت الدنيا في عينيّ، وفقدتُ الثقة في هذه القيادة، وكأن القيامة قد قامت، مع أن الأمر يمكن ألا يخرج عن كونه طريقة من طرق اتخاذ القرار بالأغلبية لا أكثر، وهي الطريقة التي علينا أن نتعلّمها ونفهمها ونرتضيها.
2- حديث القلب إلى الحركة الإسلامية والجماعات والأحزاب السياسية:
تحكي لنا الكتب عن صياد اصطاد مجموعة من الطيور في ليلة شتاء باردة، ووضع هذه الطيور في قفص، وأخذ يتناولها واحداً واحداً ليذبحها بسكينه، وكان أن دمعت عيناه من شدة البرد، فنظر طيرٌ من الطيور التي في القفص إلى الصياد، وقال لطيرٍ بجانبه: ما أطيب هذا الصياد، انظر كيف يبكي علينا، فقال الطير الحكيم الذي بجانبه: "لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه".(9/144)
هذا تماماً ما تقوم به الكثير من الحركات الإسلامية والجماعات والأحزاب السياسية اليوم، فهي تقول: أنها ليست جماعة المسلمين وإنما جماعة من المسلمين، ولكن الممارسات تخالف ذلك، ولا أقصد هنا جماعة المسلمين من الناحية الشرعية، بمعنى أن لم ينتم إليها فهو غير مسلم، وإنما أعنى "جماعة المسلمين الحركية"، نعم سيقول لي الكثيرون من قيادات هذه الجماعات: لسنا كذلك، ولا نقول به، وإجابتي هي: "لا تنظروا إلى دموع عينيه، ولكن انظروا إلى فعل يديه".
العديد من ممارسات الحركات الإسلامية تقول ذلك، مثل: عدم قبول مبدأ الخلاف الخارجي والداخلي، إقصاء كل معترض، الاعتماد في الانتقاء على الشخصيات المسالمة الهادئة، أليست هذه كلها توحي بمبدأ "جماعة المسلمين"؟ ألسنا جميعاً شاهدنا خروج أو إخراج أو تجميد العديد من أعضاء هذه الحركات تحت هذه الحجج؟ وما يندرج على الحركات الإسلامية يندرج على الأحزاب السياسية تحت منطق "الحزب الأوحد".
قضية أخرى تعاني منها الكثير من الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية - تمارسها فعلياً وتنكرها نظرياً تحت نفس مبدأ "دموع العين، وفعل اليد" - وهي عدم قبول التعددية داخل الحركة أو الحزب، وذلك من خلال مبررات عدة منها: أنها حركة وحزب واحد، وبالتالي رأيٌ واحد، وكذلك لأن الاختلاف يعني انقساماً في الصف، فتتم الممارسات برفض الرأي المخالف وعدم السماح به، مع أن نظرة سريعة على موقف واحد لنبينا صلى الله عليه وسلم تجلي لنا الأمر، في غزوة أحد، ورغم كل الأضرار التي عادت على المسلمين، والتي كان يعرفها صلى الله عليه وسلم جيداً، إلا أنه فتح المجال لإبداء الرأي، وأصرَّ على تطبيق مبدأ الشورى، وذلك رغم أن رأيه كان مخالفاً لما قاله الأكثرون، ورغم علمه بعواقب ذلك.
هكذا - للأسف - تمارس بعض الأحزاب والحركات رفض الرأي المخالف، وأتمنى لو تعيد قيادات هذه الحركات والأحزاب النظر في هذا الأمر، فتفتح مجال إبداء الرأي دون أن تصنف من خالفها تحت بند: "كثير الاعتراض"، "مزعج"، "متخصص في المشاكل"، بل تسمح بكل رحابة صدر لكل من يريد إبداء رأيه أن يقول ما يشاء دون ردِّ فعلٍ أو انفعالٍ منها نحوه أو تصنيفٍ له، لأن الأمر باختصار حقٌّ شرعيٌّ للفرد وليس فضلاً تتفضل به الحركة أو الحزب.
بوضوحٍ شديد: لا تعني وحدة القرار عدم اختلاف الآراء، ولا تعني اختلاف الآراء عدم وحدة القرار، فالأمران يجب أن يتواجدا معاً داخلنا أفراداً كنا أم كيانات، وأن نطبقهما معاً في حياتنا أفراداً كنا أم كياناتٍ أيضا.
أعلم أن هذه الممارسة لو تمت فستؤدي إلى بعض المشاكل والممارسات الخاطئة في البداية؛ نظراً لعدم تعودنا جميعاً أفراداً وقيادات على التعبير عن الرأي، وقبول الرأي والرأي الآخر، والالتزام برأي الأغلبية وإن خالف آراءنا، وقد تحدث بعض الانقسامات، وهنا يأتي الدور الأكبر والأهم للقيادة بإصلاح الأخطاء ولمِّ الشمل، إلى أن نتعود جميعاً على حرية التعبير، وعلى قبول الرأي والرأي الأخر، وعندها تحقق هذه الكيانات تقدماً ونقلةً نوعية كبيرة، وحتى لا تكون الصورة قاتمةً فقد سمعنا عن عددٍ من هذه الكيانات التي تمارس حرية الرأي داخلها، دون أن يحدث فيها انشقاقٌ أو انقسامٌ، وهي تفخر بذلك، ولها الحقُّ كل الحقِّ في أن تفخر.
3- أولوياتنا في الحياة:
لن أطيل الحديث في هذه النقطة، ولكننا ينبغي أن ننظر كثيرًا في أولوياتنا في الحياة، فهل معنى اختلافي وإقصائي عن كل مسئولياتي، هل معنى هذا أن تتوقف حياتي؟ أن أقصر في دراستي؟.
الدعوة إلى الله ولا شك أولوية من الأولويات، ولكن إن لم أستطع القيام بها جماعيًا لظرف من الظروف، فعلي أن أقوم بها فرديًا، وكذلك الدراسة والتفوق، مادمت أدرس فهي من أولى أولوياتي، ولا ينبغي أن أقصر فيها مهما كانت الأسباب.
باختصار ووضوح: انظر – أخي الكريم - في أولوياتك ثانية، ضع الدعوة والدراسة في طياتها، وتأكد أن حياة الإنسان لن تتوقف بسبب موقفٍ عارضٍ أو مشكلةٍ قائمة.
4- تساؤلٌ وإجابة:
بقي أن أتطرق لسؤالك حول البقاء في الحركة أو تركها، وفيها أرى أن الأصل أن تبقى فيها، وأن تستمر ساعيًا في إصلاحها، وأن تحاول بكثير من الحصافة والذكاء أن تتجاوز المشكلات، حتى تكون فاعلاً وقادرًا.
ولكن ما العمل إذا لم تستطع الاستمرار لأي سبب من الأسباب؟
أرى أن أمامك أحد ثلاث خيارات: أن تؤسس جماعة جديدة تتجاوز أخطاء الجماعات الأخرى، أو أن تنتمي إلى جماعة أخرى، أو أن تبقى منفردًا تدعو إلى الله.
أما الخيار الأول "تأسيس جماعة جديدة": هذا أمر ليس بالجيد، فنحن ما زلنا نعاني من كثرة الجماعات واختلافاتها، وإذا قلت لي: أنني سأُكَوِّن جماعة تصحح أخطاء الجماعة التي كنتُ فيها، فسأقول لك: لنفرض، ولنفرض أنك ستأخذ من كل جماعة أحسن ما فيها وستسميها جماعة: "الأحاسن"، وبما أنك بشر فستقع في أخطاء، فسيقوم أحد أفراد جماعتك "الأحاسن" بالخروج منها بحجة وجود أخطاء فيها، وبالتالي سيؤسس جماعة "أحاسن الأحاسن"! وهكذا تصبح الجماعات كالخلية السرطانية التي تنقسم وتنقسم إلى ما لا نهاية، ويكون مصير الدعوة إلى الله الموت لولا رعاية الله وحفظه لها.(9/145)
الخيار الثاني "الانتماء إلى جماعة أخرى": وهذا أمرٌ يرجع إليك، ولكن دعني أوسع لك دائرة الرؤية، فالانتماء لا يكون للجماعات الإسلامية المعروفة فقط، بل يمكن الانتماء إلى مؤسسات وكيانات المجتمع، وبالتالي ممارسة الدعوة من خلال مجالات اجتماعية فاعلة ومؤثرة في المجتمع، ولعل هذا المجال يكون أكثر فائدةً وتأثيرًا نظرًا لارتباطه المباشر بالمجتمع، انضم إلى مؤسسات المجتمع المختلفة إذا شئت، وإذا أردت انضم إلى جماعة إسلامية أخرى.
الخيار الثالث "البقاء منفردًا": وهو أمر مرجعه إليك، وإن كنت لا أفضله شخصيًا، ولكن إن كان هذا هو اختيارك فلا أقل من بقائك مؤمنًا برسالتك التي ذكرتها في الاستشارة: "إنني مؤمن تمامًا أنني مسلم عامل، إذن أنا صاحب رسالة"، فيا صاحب الرسالة لا تنسَ رسالتك حتى ولو كنت وحدك، وأنت بفضل الله إيجابيّ، فحافظ على إيجابيتك.
أخي يمان، أرجو بهذا التفصيل الطويل أن أكون قد أوجدتُّ بعضَ الردِّ الشافي في قلبك، وآمل أن أسمع منك رأيك، وملاحظاتك، وتطورات الأحداث معك، والله معك.
=================
الإخوان والسلفيون .. الإخوة الأعداء
الإخوة القائمون على استشارات دعوية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرجو الإفادة في هذه المشكلة، فأنا شاب ممن تربوا في مدرسة الإخوان، واعتنقت فكرتهم، والحمد لله أسكن في قرية بها عدد جيد من الإخوة، ولكن هناك قرية مجاورة لقريتي لا يوجد بها أحد، والعمل الإسلامي بها قليل، وقد كُلّفت من قبل إخواني بالعمل مع طلبة الثانوي في هذه القرية، وبالفعل بدأت في ذلك، وكونتُ حلقة مسجدية، بها حوالي 7 طلاب.
ولكن المشكلة بدأت بأن جاء لزيارتي بعض إخواني الشباب ممن ينتمون إلى التيار السلفي، وبدءوا في التدخل في نظام الجلسة، وطلبوا تغييرها، وتغيير منهجها وفقراتها، وحاولت استيعابهم بالطرق المختلفة، مثل ترك فرصة لهم ليتكلموا في بعض فقرات الحلقة، ولكن لم يكتفوا بذلك، بل جعلوا الجلسة أشبه بالجدال المفتوح منهم، وتبادل الاتهامات أمام الشباب، مما أفقد الجلسة قيمتها والمحافظة عليها، وهو ما كان من طلاب الثانوي، حيث إنهم أُدخلوا في صراعات لم يفهموها بعد، فهم في أول طريق الالتزام.
ليت الأمر توقف عند ذلك، بل تعداه إلى ما هو أسوأ، حيث جاءني ثلاثة منهم في المسجد وهددوني بإبلاغ السلطات عني، ولم أخشهم ولله الحمد، ولكن لم يكتفوا بذلك، بل ذهبوا لمنازل الطلاب الموجودين، وهددوهم بإبلاغ السلطات عن أسمائهم، وأنَّ من يمشي معي أو يحضر معي سوف يضيّع نفسه، ولذلك خاف الطلاب وأولياء الأمور من إرسال أبنائهم لهذا المسجد الماثل في أطراف هذه القرية.
ولقد طلب مني هؤلاء الشباب أن أذهب إلى مسجدهم بوسط القرية، وأن ألقي درسًا أسبوعيّا، وهددوني إن لم أذهب إليهم في مسجدهم سيأتون هم لمسجدي !!.
أريد حلولاً عمليةً على الأخص، ونصائح عامة عمومًا.
وجزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
آداب وأخلاق, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الفاضل، جزاك الله خيرًا على ثقتك بنا، ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يهدينا وإياك إلي صراط مستقيم.
من المؤسف - أخي الفاضل - أن يرى المرء مثل هذه المشاهد المليئة بالتنافس غير الشريف، والصراع المذموم بين المسلمين، فضلاً عن أن يراه من دعاةٍ يسعون إلى هداية البشرية جمعاء إلى طريق الله المستقيم، حتى ينقلب الأمر في هذا الصراع إلى الصد عن سبيل الله، بتنفير الناس وتخويفهم من طلب تعلم تعاليم الإسلام والالتزام بها، وكان الأجدى بهؤلاء الدعاة أن يسعدوا برؤية هؤلاء الشباب الذين بدءوا يضعون أقدامهم على طريق الهداية بصرف النظر عن انتماء مَنْ بدأ معهم.
قواعد وآداب في العمل الجماعي:
وأحب في البداية - أخي الكريم - أن أذكر بعض القواعد والآداب التي من الضروري أن تسود بين الجماعات العاملة في ساحة الدعوة الإسلامية.
1- ليست جماعة المسلمين:
من الضروري أن يعرف كل داعية منتمٍ لجماعة من الجماعات العاملة في حقل الدعوة أنَّ جماعته - بل كل الجماعات - ليست إلا جزءًا من جماعة المسلمين، وبالتالي فليس مَن لا ينتمي إلى جماعته أو أية جماعة أخرى خارجًا عن دائرة الإسلام والمسلمين، بل إننا حين نتفحّص الواقع الفعلي، نجد الكثير والكثير من الدعاة من غير المنتمين يحملون راية الدعوة إلى الله تعالى، ويبذلون وقتهم وجهدهم ومالهم في سبيل نشرها، وربما أفضل ممن يحملون شارات الجماعات المختلفة.
2- نختلف ولكن لا نتعصب:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد العودة من غزوة الأحزاب إلى أصحابه ثم قال: "لا يُصلِّينَّ أَحدٌ العصرَ إِلا فِي بني قُرَيظةَ، فَأَدركَ بَعضهُم العَصر فِي الطَّريق، فقالَ بَعضُهم: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأتيها، وقالَ بَعضُهم: بل نُصَلِّي، لم يُرَدْ مِنَّا ذلكَ، فذُكرَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وَسلَّم، فلم يُعَنِّف وَاحِدًا مِنهُم" رواه البخاري.
بهذه الطريقة الهادئة، وبهذا الأسلوب المهذَّب، اختلف الصحابة في فهمهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتهم أحدٌ منهم الآخر بالخروج عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالانحراف عن الطريق القويم، وكذلك لم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا منهم؛ لأن كلاً منهم بذل وسعه في فهم النص.
إذن، ليس العيب في أن نختلف، ولكن العيب في أن نتعصَّب لرأينا، ونرمي مَن يخالفنا بالخروج عن الطريق القويم.
3- نتعاون فيما اتفقنا عليه:(9/146)
فلو اهتمت الجماعات العاملة في ساحة الدعوة بالبحث عن نقاط الاتفاق، والالتقاء فيما بينها، بدلاً من الانشغال بالبحث عن نقاط الاختلاف وتضخيمها؛ لوَجَدَتْ العديد من نقاط الاتفاق التي يمكن أن تكون قاعدةً ومقدمة لبداية التعاون فيما بينها، فما المانع إذن من البحث عن هذه المساحات المتفق عليها، ثم يتم التنسيق فيما بينهم ليتعاونوا في هذه المساحات، ثم ليعذر بعضهم بعضًا، ولينصح بعضهم بعضًا في الأمور المُختَلف فيها.
4- نسعد بكل جهد:
فمن المُسلَّم به أن يسعد كل داعية - صادق مع الله - بكل جهد يُبذَل في سبيل نشر دعوة الإسلام، بصرف النظر عمَّن يقوم بهذا الجهد، أو انتمائه أو عدم انتمائه، أما إذا وَجَدَ أحدٌ غير ذلك فليراجع نفسه، هل هو يريد حقّا أن ينشر الإسلام وتعاليمه بين الناس، أم يريد الانتصار لجماعته ولنفسه وأهوائه ؟!.
5- لا ننسى الأخوة وحقوقها:
فالقرآن الكريم يشير في العديد من آياته إلى وجوب تماسك المسلمين ووحدتهم، وعدم التنازع واجتناب التفرّق، وكذلك السُّنَّة النبوية تؤكد هذا المعنى وتوضح الكثير من الحقوق المترتبة على هذه الإخوة بين المسلمين، من تحابٍّ، وتوادٍّ، وتراحم، وتعاطف، وإيثار، وتكافل، وتزاور، وتسامح، وتناصح .. إلخ، وهذه الحقوق مطالب بها كل مسلم نحو إخوانه من المسلمين، ومن باب أولى فالدعاة مطالبون باستشعار هذه المعاني، وإقامة هذه الحقوق نحو جميع المسلمين بصفة عامة ونحو بعضهم البعض بصفة خاصة.
ومن هذا الباب فليس من المقبول أن يكون أحدٌ من المسلمين سببًا في إيذاء إخوانه المسلمين، بالإبلاغ عنهم لدى السلطات بلا جُرم ارتكبوه غير اختلافه معهم في الرأي ووسيلة العمل، كما ذُكِرَ في الرسالة.
وصايا خاصة:
أما عن موقفك - أخي الفاضل - من هؤلاء الإخوة الذين يطاردونك في عملك الدعوي، فأقترح عليك بعض الأمور التالية:
1- ادعُ الله لهم بظهر الغيب، وكن صادقًا مخلصًا مُلِحّا في دعائك بأن يهديهم الله إلى حُسن السلوك، وأن يبصّرهم وجميع الدعاة بما ينفع الإسلام والمسلمين.
2- أن تتمثل أنت هذه القواعد والآداب التي ذكرتُها في النقاط السابقة، وتحرص على الالتزام بها أولاً في تعاملك مع غيرك من العاملين في ساحة الدعوة من أفراد وجماعات.
3- حاول أن تجلس مع هؤلاء الإخوة وتتناقش معهم حول هذه المعاني التي ذكرتها، واهتم بالتركيز على معاني الأخوة الواجب مراعاتها فيما بينكم خاصة عند الاختلاف في الرأي، فإن وجدت منهم تجاوبًا فبها ونعمت، وإن وجدتَ غير ذلك فعليك ألا تحيد أنت عن المحافظة على الالتزام بهذه الآداب.
4- احرص على أن تُعلِّم كلَّ مَنْ تدعوه آداب الخلاف مع الآخرين واحترام آرائهم.
5- بالنسبة للشباب الذين ابتعدوا عنك، فحاول أن تتصل ببيوتهم، وتتعامل مع أهاليهم عن قرب، حتى تتضح لهم الصورة الحقيقية، دون تجريح أو عيب في أحد، ويكفيك السلوك القويم، والقدوة الحسنة، وعاود العمل معهم من جديد.
لعلها بداية خير:
أما عن طلبهم منك أن تلقي درسًا بمسجد قريتهم، فاسمح لي - أخي - أن أقول: إنَّ هذا الأمر متناقض تمامًا مع ما ذكرتَ في بداية الرسالة، إذ كيف يطاردونك في أعمالك الدعوية ليفضُّوا الناس من حولك، ثم يسمحوا لك بأن تعطي درسًا بمسجد قريتهم، فضلاً عن أن يطلبوا هُمْ منك ذلك.
على العموم لعلها تكون بداية التعاون، ولا نرى أيّة غضاضة في أن تُعطي درسًا في مسجدهم، بل يمكنك أن تستثمر هذا الأمر ليكون رسول تفاهم وتعاون فيما بينكم، وذلك إن لم تكن ترى أنَّ هناك جوانب سلبية في هذا الأمر إلى درجة تفوق الجوانب الإيجابية له، من نشر للخير بين الناس في هذه القرية، ومن بداية تعاون مع هؤلاء الإخوة.
وفي النهاية ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يجمع قلوب المسلمين على عمل الخير وخير العمل، وأن يرزقنا وإياك الهداية والقبول.
=============
أيهما أقدم: دعوتي أم بر والدتي؟
الأخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب مصري، عمري 19 عاما، في الصف الثاني الجامعي، انضممت إلى جماعة الإخوان المسلمين منذ ثلاث سنوات تقريبا، مع رفض شديد من أهلي، ولهذا أخفيت عليهم هذا الأمر، ولكن كانوا يشكون في ذلك، ومن هنا تحدث المشكلات، ولكنى كنت أنفى أنى من الإخوان باستمرار، وأنا الآن متردد أكثر من أي وقت مضى .. هل أستمر مع الإخوان أم أطيع أهلي؟.
مع العلم أن والدي متوفى، وهم الآن قلقون جدا، وخائفون جدا، ولا يريدونني أن أقترب منهم على الإطلاق، بل طالبوني بأن أقطع علاقاتي مع أصحابي من الإخوان، وأنا الآن حائر، وفى نفس الوقت أرى التوفيق بين الأمرين في هذا الوقت بالذات صعب جدا.
أعلم أن طاعة الوالدين فرض، ولكن في نفس الوقت حمل هم الدين والعمل على نصرته فرض .. فماذا أفعل؟.
…السؤال
الشباب, آداب وأخلاق …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي الحبيب، ما معني بر الوالدين أصلا؟ وما معنى عقوقهما أو أحدهما؟ وهل ما وصانا به ربنا هو الإحسان لها أم طاعتهما؟.(9/147)
إننا سنبدأ بمعنى العقوق ليتبين لنا معنى البر، فليست كل مخالفة للوالدين أو أحدهما تُعَدّ عقوقا وإثما؛ لأن العقوق قد عرَّفه الإمام الصنعاني في كتابه "سبل السلام" بقوله: "ضابط العقوق المُحرَّم هو أن يحصل من الولد للأبوين أو أحدهما إيذاء ليس بالهيِّن عُرْفا، فيخرج من هذا ما إذا حصل من الأبوين أمر أو نهي فخالفهما بما لا يُعدّ في العُرْف مخالفته عقوقا، وكذلك لو كان مثلا على أبوين ديْنٌ للولد أو حق شرعي فرفعه إلى الحاكم فلا يكون ذلك عقوقا، كما وقع من بعض أولاد الصحابة شكاية الأب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في احتياجه لماله، فلم يَعُدّ النبي صلى الله عليه وسلم شكايته عقوقا ".
ويؤكد ذلك ما أخرجه الإمام البيهقي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه سُئِلَ عن العقوق فقال: "إذا أقسم عليه لم يبره، وإذا سأله لم يعطه، وإذا ائتمنه خان"، ويؤكده أيضا قول الإمام الأوزاعي: "لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض"، مستندا في ذلك إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه بن عبد البر بسند صحيح، وعَدَّد صاحب كتاب "المُغني" من هذه الفرائض السفر للعلم الواجب.
أما معني البر فقد لخصه ووضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الجامع: "البر حسن الخلق" رواه مسلم، ويقول الإمام ابن حجر - في كتابه "فتح الباري" - عند شرحه للبر المقصود في قوله تعالي: (وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً) - مع مراعاة أنه سبحانه لم يقل وبالوالدين طاعة -: "الاعتناء بأمرهما والقيام بمصالحهما".
ويقول الإمام النووي: "الإحسان إليهما ... وفعل ما يسرهما"، وإن حدث بعض مشقة يُصْبَر عليها لزيادة الثواب، كما في حديث الرجل الذي ظل حاملا اللبن لوالديه طوال الليل حتى يشربا عند استيقاظهما صباحا، والذي قال فيه الإمام ابن حجر: "فيه تحمّل المشقة لأجلهما ".
والخلاصة إذن أنَّ بر الوالدين لا يعني تمام الطاعة في كل شيء، وإنما معناه الإحسان والاعتناء والاهتمام والإسعاد؛ لأن العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة فطرية أساسها وهدفها الحب من أجل عيش حياة هانئة؛ ولأن الوالدين الصالحين يبران أبناءهما ولا يطلبان أصلا منهم شيئا يضايقهم أو يضعهم في حرج أو ضيق؛ ولأن الأبناء الصالحين أيضا كذلك - من باب أوْلي - يحرصون على إسعاد أبويهم ما أمكنهم وقدر استطاعتهم، وإن طلبوا منهم ما هو فوق طاقتهم وظروفهم فهم يجتهدون فيه ما أمكنهم، أو يؤجلونه قليلا حتي يتمكنوا، أو يعتذرون بلطف عنه، ويحاولون تعويضهم بشيء آخر؛ لأن صور البر كثيرة، وقد وسَّعها ربنا فلا نضيقها نحن في طلب محدود.
أخي الحبيب، إنك لم تؤذ أمك إيذاءً ليس بالهَيِّن، ولا زلت لم تقاضيها، ولم تخنها إذا ائتمنتك، ولم تحرمها إذا سألتك، حتى تُعتبرعاقا، بل ما نظنه أن العكس هو الصحيح، لقد أكرمتها - وأكرمت أقاربك - ورفعت من شأنها، فقد جعلتها أمّا لمن يحمل الإسلام لنفسه ولغيره؛ لإسعادها وإسعادهم، ويعمل به، ويدعو له، ويدافع عنه، ويجاهد في سبيله، إنها بك أمّ لمن يقود الناس لكل خير وسعادة، إنها الآن أمّ البطل، إنها العزيزة ُأمّ العزيز في الدنيا والآخرة، إنَّ هذا هو أعظم البر عند الله تعالى وإن رآه الآخرون عقوقا؛ لأنهم يقيسون البر بمقاييس عصر قد بَعُدَ عن إسلامه حيث التراجع وعدم الإقدام والبقاء في الأحضان.
أخي الحبيب، إنَّ الدعوة لله وللإسلام، والتجمّع لها لتجميع الجهود الفكرية والمالية وغيرها لنشرها لا تحتاج إلى إذن الوالدين؛ لأن الغالب فيها السلامة من الأضرار، ولأنها مفروضة عليهم هم أيضا قدر استطاعتهم، ثم ما قد يطرأ من إصابات بسببها هو قليل بالنسبة لسلامتها، بخلاف الجهاد بالقتال عند الاحتياج إليه والذي يغلب عليه الاستشهاد؛ ولذا وَرَدَ فيه فرضية إذن الوالدين لأنه لابد من مشاركتهما وموافقتهما على فقدان ابنهما، وهذا هو مفهوم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل يستأذنه للجهاد بالقتال فردَّه حين سأله: "أحيّ والداك؟"، فقال: نعم، فقال له: "ففيهما فجاهد" رواه البخاري.
أخي الحبيب، أرى أن تجتهد في مصارحتهم أنك معهم، ولكن بعد اختيارك للوقت المناسب، ولتبدأ بمن تظن أنك أقرب إلى قلبه ليناصرك، واشرح لهم بكل ود وهدوء مَنْ هم؟ وماذا يريدون؟ وطمئنهم أنهم ما يريدون إلا إسعاد حياة جميع الناس مسلمهم وغير مسلمهم بأخلاق الإسلام، من خلال دعوتهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن خلال عونهم على التخصص في كل مجالات الحياة ليتمكنوا من إدارة شئونها مستقبلا بالأخلاق، وطمئنهم كذلك أنه ليس كل الدعاة يُؤذوْن، وأنه نادرا ما يحدث إيذاء لذويهم، وحتى لو حدث نوع منه فهناك مَن هم أشد إيذاء في فلسطين والعراق وغيرها، بل هناك من قد يتضرر ويُسجَن لغير شيء أو في قضايا أخلاقية كالمخدرات أو الشجارات أو نحوها، فلنحمد الله أننا معه ونعمل في سبيله، وهو مجازينا أعظم الجزاء نصرا وعزة وسعادة في الدنيا ثم هناء دائما خالدا في الآخرة.
ثم َبيِّن لهم أنك بهذا تكون من البارِّين بهم وبمجتمعهم، فإن استجابوا فقد استفدت دعاة لصفك وأسقطت عنك فرض دعوتهم، وإن لم يستجيبوا فيسيبقون على الحياد وهو وضع يُعَدّ مَكسَبا أيضا، ولا نظن أنهم سيُعادونك لأنك ابنهم، وإن عادوك فاصبر واحتسب أجرك، فكلها عدة سنوات وتتخرج وتعمل وتتزوج وتكون لك حياتك الخاصة، مع مراعاة حسن معاملتهم قبل ذلك كله وبعده.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن يكون لك عونا على الموازنة بين بر والدتك والإحسان إلى أهلك وبين عملك لنصرة الإسلام.(9/148)
وفيما تفضل به الدكتور محمد منصور الكفاية، ولكن وددت أن أقترح عليك بعض الأمور التي رب تكون مفيدة في حالتك:
* عليك - أخي الكريم - أن تحسن بر والدتك بكل ألوان البر، وكذلك أن تحسن معاملة إخوانك وأخواتك، وأن يلمسوا منك أثرا عمليا في سلوكك وأخلاقك ومعاملاتك وعطفك عليهم ومساعدتك لهم؛ كنتيجة مباشرة لالتزامك والتحاقك بالعمل الدعوي، فأظنهم في هذه الحالة سيشجعونك ويدفعونك إلى المحافظة عليه، وأظنهم في هذه الحالة لن يطلبوا منك أن تترك العمل الدعوي؛ لان تركك له ربما يفقدهم بعض ما رأوه منك من جميل الأخلاق وحسن المعاملة.
* كذلك - أخي الكريم - لا بد أن تشعرهم بالأمان، وأنك في بيئة نظيفة، لا تدعوا إلا لكل خير، ويمكنك أن تفعل ذلك من خلال تعريفهم بأصدقائك، بدعوتهم إلى منزلك على طعام أو في مناسبات العائلة أو غير ذلك من الفرص التي تتيح لأسرتك أن يعرفوا أصدقاءك ويطمئنون إليهم، بل مما يساعدك في هذا المجال أن تعمل أنت وإخوانك على توثيق العلاقة بين أسركم، وذلك من خلال تنظيم بعض البرامج العائلية مثل: الرحلات، المسابقات ... إلخ، فهذا كله يمنحهم نوعا من الاطمئنان وعدم القلق عليك.
وأما إذا تأزمت الأمور مع أهلك بعد كل جهد ومحاولة مما ذكر في سابق الإجابة، فعليك - أخي الكريم - أن تظل على اتصال بإخوانك، وتحافظ على صلتك بهم حتى تتاح لك الفرصة كي تحمل الدعوة معهم.
وكذلك عليك - أخي الكريم - ألا تتوقف عن دعوة الناس إلى الخير في كل مكان تتواجد فيه، فليست الدعوة والعمل للإسلام قاصرا على التنظيمات والجماعات الإسلامية، بل إن ذلك مطلوب من كل مسلم بالقدر الذي يستطيعه.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسانا من صالح دعاك.
===============
الغلو في الإسلام .. أزمة الفهم والتعامل
ما هو رأيكم في التعامل مع أصحاب الغلو في فهم وتطبيق الإسلام من المصلين، هل الأفضل مناقشتهم بالحجة أم الرد عليهم فقط حين بروز حدث ما؟.
خاصة أن لهم قناعاتهم، وإذا راجعناهم لا يناقشون من أجل الاستفادة، إنما لاستظهار ما حفظوا، حتى أننا أحيانا نقدم لهم الدليل، فيؤولون النصوص إلى غير ما أُثر من أقوال علمائنا فيها، ونخشى أن يكونوا مشكلة تنفجر فتضر بالمسجد وسمعته، كما نخشى أن يتعصبوا أكثر إذا ناقشناهم فيظنوا أنهم على حق وأن الجميع يخالفهم لأنهم على حق.
أجيبونا بارك الله فيكم.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الشيخ منير الركراكي:
أخي الكريم، إن ما سألت عنه من الأهمية والعمق بمكان، ذلك أن ديننا ليس دين علم فقط، بل ديننا مع العلم هو إمام العمل، ونيتنا يوجهها خلق وحكمة، وما لم تراعَ هذه العناصر في التعامل مع الآخرين والتواصل معهم أصاب سلوكنا النقص والاضطراب والتناقض، وربما الانحراف في بعض الأحيان؛ مما يؤدي إلى نتائج سلبية، وربما عكسية.
والغلو في الدين هو تجاوز الحد والقصور عن القصد، وهما سيئتان تتوسطهما حكمة التسديد والتقريب، "سددوا وقاربوا" رواه البخاري، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكما قال الأستاذ عبد السلام ياسين في بعض حكمه ودرره: "ليست الحكمة أن تقول الحق ضربة لازب، ولا أن تؤاكل وتشارب، بل تسدد وتقارب، تحافظ بها على المكاسب، وتصانع ظرفك بما يناسب".
قال الله تعالى: (ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)، (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
إذن ما نطلبه هو هذه الشهادة، التي هي الوسطية والاعتدال والخيرية على كل حال، وهي لا تعدو ثلاثا:
- الشهادة لـ.
- الشهادة على.
- الشهادة بـ.
فالشهادة للناس تمييزا وتفضيلا، أو نصرة لهم ودفاعا عنهم وتثمينا لخير فعلوه.
والشهادة على الناس وعلى النفس بالأساس "إياكِ أعني واسمعي يا جارة"، نصحا واستدراكا ونقدا وتجريما -إذا دعت الضرورة إلى التجريم لا إلى أن تعتبر غيرك مجرما، ولكن أن تعتبر ما فعله جرما، وتنقضه من نفسه الأمارة بالسوء والفاعلة للشر-.
والشهادة بالقسط والحق في الناس، وقد أمرنا أن نكون شاهدين بالقسط قائمين لله بالحق.
يا أخي، إن من لا موجِّه له ولا مرشد، ولا واعظ له من ذاته، يعظه ويحبسه عن الظلم، أنى له أن يشهد؟؟ فهو يعتمد على رأيه فيزل، أو يعتمد على عقله فيضل، أو يعتمد على آراء شاذة وعقول غير رشيدة، علمها بالدين قليل، أو فهمها للدين عليل، ومع ذلك يعتلون المنابر، ويحولونها منصة قضاء، ويحكمون على الناس بالجاهز المسبق.
هذا إن كانوا من أهل المنابر، أما إذا كانوا من عامة المصلين ورواد المساجد، فهم أصحاب صوت مرفوع وتلك بدعة، أو تعصب للرأي إن كان لهم رأي، وإلا فالغالب على مثل هؤلاء - غفر الله لنا ولهم - أنهم ضحايا أراء الآخرين أو تحزُّبٍ بمذاهبهم بتأويل معتسف، أو لعلم جاف، أو قاصر، يفتقر إلى الحكمة والرحمة، أو لفهم لمَّا يستكمل أدوات الاستنباط وشروط الاجتهاد والإفتاء، مما يوقعهم في العلم المنشئ للجدل، لا المحفز للعمل، ولإصدار الأحكام على الآخرين، لا لتعلم وتعليم أحكام الدين وحدوده وآدابه.
والمشكلة ليست في وجود هؤلاء، فهم موجودون شئنا أم أبينا، وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ لا نعدم وجود أشباه وأمثال.(9/149)
أخي الكريم، إن من أخطر التحديات التي تواجه الدعوة ورجالاتها هو التعامل الكثير من أفرادها بشكل غير صحيح مع النصوص القرآنية والنبوية العامة والخاصة، وذلك بوضعها في غير موضعها والاستشهاد بها في غير محلها، وبدون تحقيق المناطات العامة والخاصة، والتي لابد من وجودها للربط ربطا صحيحا بين دلالات النصوص والواقع.
وسوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديما وحديثا، بل هو أصل كل الأخطاء في الأصول والفروع؛ ولذا يقول ابن القيم رحمة الله: "وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرواسب، وسائر طوائف أهل البدع فيما وقعوا فيه إلا سوء الفهم عن الله ورسوله؟"، ومن ثم ظهر الإمام البخاري رحمه الله يبوب في كتاب العلم بابا بعنوان "باب الفهم في العلم"، ويروي فيه حديث معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "أي يفهِّمه"، ثم قال: "ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرم من الخير كله".
وإليك الدواء من عند من فقه داء أمته وكان طبيبها، قال صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين" رواه أحمد بسند صحيح، لكن روي موصولا من طريق جماعة من الصحابة، وصحح بعض طرقه الحافظ العلائي، إذن ليست المشكلة في وجود هؤلاء، ولكن المشكلة تكمن في الحكمة في التعامل معهم والتواصل معهم، خاصة في ديار الغربة حيث لا مُذكِّر ولا معين ولا وازع ولا رادع، وخاصة في المسجد حيث ينبغي الذكر والسكينة والأدب والرفق، وخاصة في وقت كثرت فيه وسائل التلقين وقنواته من مُستَأمَنٍ وغير مُستأمَن، ومؤهَّلٍ وغير مؤهَّل؛ مما يزيد الطين بلة، والحشف سوء كيل، فإذا بالاختلاف المحمود الذي هو رحمة وتكامل وتشاور وتواصل يصبح خلافا قَتَّالا والعياذ بالله.
هنا تكمن رسالة الدعاة من أجل العلم والتربية والمسجد، فهي "رسالةٌ" من "مرسِلٍ" إلى "مرسَلٍ إليه" لها "ظرفٌ" و"خطٌ" و"مضمونٌ" و"طابعٌ" و"صندوق بريد":
- الرسالة: هي الدعوة إلى الله (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ).
- والظرف: هو ما تحدثنا عنه وينبغي مراعاته واقتحام عقباته ومواجهة تحدياته دون ارتجال أو استعجال، أي بعلم وتؤدة وقصد ومسئولية ووضوح وتدرج وإحسان.
- والخط: ينبغي أن يكون واضحا لا غموض فيه ولا التواء، على البيضاء كتابا وسنة، شرعة ومنهاجا، وحقا وصوابا، لا نفاق ولا رياء، ولا انحراف عن الجادة، ولا انجراف مع الآراء الشاذة.
- والمضمون: ينبغي أن يكون رحمة (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، ينفضون وفي قلوبهم شيء، ينفضون لكي يروجوا عنك قول السوء، ينفضون لكي يثيروا الفتنة.. فكيف تستوعبهم؟ كيف تهدئ من غلوهم وغليانهم؟ كيف تحتضنهم وتحصنهم من أنفسهم ومن الشيطان حليف الأنفس؟ كيف تكون لهم طبيبا تدلهم على الداء بحكمة وتعطيهم وصفة الدواء؟ -لأن وصف الداء دون وصفة الدواء يزيد الداء استفحالا واستفحاشا-: تعفو عنهم، وتستغفر لهم، وتشاورهم في الأمر، (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
- أما الطابع البريدي الذي ينبغي أن يتصدر رسالتنا: فهو الطابع الذي يعكس وجه الملك، والملك هو الله سبحانه تعالى، وإنما نحن في معرض التقريب لا التشبيه والتمثيل والتجسيم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
بمعنى علينا أن نخلص في دعوتنا ونريد الخير للمدعو، ونحرص الحرص كله على أن نرده إلى الرشد من الغي، وأن نقنعه ونشبعه حتى لا يبقى في قلبه تردد وإثم محيك.
- وصندوق بريدنا الذي نستهدفه بالرسائل: هو القلب، متى كان هذا الصندوق مفتوحا سليما غير ضيق ولا خرب.
- والمرسِل: هو أنت أيها الداعي الحبيب اللبيب.
- والمرسَل إليه: هو المستهدف برسالتك، ولذا وجب التعامل معه بالحكمة، والحكمة وضع الشيء موضعه، فلا نعطيها - أي الحكمة - غير أهلها فنظلمها، ولا نمنعها أهلها فنظلمهم، (ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
والحكمة في هذا المجال باختزال شديد أن نميز بين المصلين من الطراز الذي ذكرت، وهذا النوع كله مما لا ينبغي وجوده بين المصلين، ولا نتحدث هنا عن النماذج الطيبة، ولكن نتحدث عن النماذج التي لها في أصل جبلة تكوينها وتعاملها مع الناس خلل، علمت أم لم تعلم، عن وعي وإصرار أم عن غفلة وسهو عن المقصود.
قلتَ إن هؤلاء في المسجد أصناف لا صنف واحد، فمنهم:
- الصنف الأول هو السائل الجاهل الذي يريد أن يعلم، وحظه من الفهم قليل، وهذا ينبغي أن تصبّر نفسك معه وأن تمهله لا أن تهمله، وأن تنوع له من الأمثلة والأدلة، بل بعد أن تستنطقه وتقف على مستواه وحقيقة مراده ومرماه، وأن تعامله بحسب ما بدا لك منه ومن أدبه وطبعه وعلمه.
وهنا ينبغي للمعلم الرحيم الرفيق أن يكون لديه فراسة ونور يكشف بها عن المستور، فإن وجدت منه تقبلا فزده، وراقب وُسعه؛ وإن وجدت تمنعا فتوقف، أو أحله إلى مرجعٍ مفيدٍ من كل متاحٍ وممكنٍ قريب المأخذ داني القطف؛ لأن الجدال مع هؤلاء عقيم، والموعظة أقرب إلى نفوسهم إن وجدت لها منفذا إلى قلوبهم، وإلا تكفي الإحالة عن المحاولة.(9/150)
- صنف ثانٍ، هو صنف المجادل المتعالي الذي لا يسأل ليستفيد، بل يسأل ليفيد بجاهزٍ من محفوظه أو معلومه أو مفهومه، وهذا من الحكمة الإنصات إليه وعدم مجادلته إلا بالحسنى، والحسنى في هذا المقام أن تقبل منه الحق الذي صدر على لسانه، وما كان مختلفا فيه يمكنك أن تبين له وجه الاختلاف بعلمٍ مؤصّلٍ، وسَعَةٍ تستوعب نظرته الأحادية، وتحيله على متعدد يستكمل نقصه، ويوفي بالقصد من خلال جوانب وطرق مختلفة، وإن وجدت منه إصرارا على رأيه وتعصبا لمذهبه ومشربه، فيمكنك أن توافقه على الحق الذي رآه وتعظه بما ورد في الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي لحكمته الجليلة - جعله الحبيب المصطفى مما يتصدر قيام العبد ووقوفه بين يدي مولاه في حلك الظلام: "اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل، فاطر السموات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" رواه مسلم.
إذا استنطقنا مفردات ومعاني هذا الحديث سنجد جوابا شافيا كافيا لنا وللآخر إن كان له حويصلة تستوعب ما يقال، ويوحي هذا الحديث - كذلك - أن العباد يختلفون، وقد يختلفون في الحق والهداية من الله، وبإذنه له الحكم وله الأمر، يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم، والمهديون إلى الصراط المستقيم هم المنعَم عليهم، كما ورد في الفاتحة، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقا في الدنيا والآخرة.
والذي لم يجد هذا المنعَم عليه ولم يرافقه في دنياه، فأنى له أن يهتدي إلى الحكمة، وأن يشهد للناس بالحق، ويكون صالحا مصلحا؟ فأحرى أن يكون صديقا يتحرى الصدق، ويصدق في قوله، ويصدِّق بالصدق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وأما الصنف الثالث، فهم المجادلون القضاة الذين لا همَّ لهم إلا الحكم على الناس، وتصنيفهم تصنيفا جائرا لا يستند إلا إلى نظرة متعالية وأنانية مستعلية، وشهوة ظاهرة وخفية، شهوة في الرئاسة والأستاذية؛ فهم الفرقة الناجية وغيرهم ضال مضل، مبتعد مبتدع.
فهؤلاء حكمة التعامل معهم تقتضي عدم الجدال مطلقا، وقد يقتضي عدم الجدال الإعراض عنهم (وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) - إن كانوا من الجاهلين - (وإذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)، لأن الجدال هنا قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
أو تقتضي الحكمة أن نقول لهم في أنفسهم قولا بليغا إن كانوا من الصنف الذي ينزجر، ويرتدع بهذا الأسلوب القوي، وإلا فالحكمة تقتضي منا مصانعة ومداراة بعضهم ممن لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: "ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام"، فقلت له: يا رسول الله: قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول؟! فقال: "أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه - أو وَدَعَه - الناس اتقاء فحشه".
إذن، فالحكمة تقتضي المصانعة والمدراة والملاينة؛ وكما يقولون: "دارِهم ما دمت في دارهم، وأرضهم ما دمت في أرضهم"، لا أقصد أن نرضيهم ونغضب الله، ولكن نحاول أن نستل سخيمة قلوبهم، وأن نكف عن الناس شرهم، هذا ممن لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، أولئك الذين يبغوننا الفتنة وفينا سماعون لهم، خاصة في بيوت الله، حيث يكون المنكر كل المنكر أن ترفع الأصوات، وأن تثار الاختلافات، ويظهر المسلمون - وقد أُمروا ألا يختلفوا في صف الصلاة، والله لا ينظر إلى الصف الأعوج - بمظهر المختلف المتحارب.
وحميدٌ ما فعله حسن البنا رحمه الله في مرةٍ من المرات حين رأى الاختلاف وارتفاع الأصوات في المسجد بسبب الأذان، فأقام الصلاة بلا أذان حسما للخلاف؛ لأن تلافي الخلاف فرض، والأذان سنة.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الحكمة وفصل الخطاب، وأن يجعلنا ممن يعاملون الناس كل صنف بما يستحقه، وبما يرده إلى الصواب، أو بما يدفع عن الناس خطأه وضلاله وعنفه وشره، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا ويوفقك لكل خير.
والحمد لله رب العالمين.
==================
للارتقاء بالشباب .. التشخيص أول العلاج
السلام عليكم ورحمة الله،
الأخوة الكرام، مهما تحدثت فلن أوفيكم حقكم.
أجلس مع بعض الشباب - دعوة فردية - جلسة أسبوعية، دون أن أوضح لهم مرجعية هذه الجلسة، وهم في حدود السنة الثالثة الجامعية، وهم بفضل الله منتظمون في حضورهم إلى حد كبير، ونتناول بعض الموضوعات مثل: السيرة من "الرحيق المختوم"، والتفسير من "تفسير بن كثير"، والفقه من "فقه السنة".
والمشكلة تكمن في عدم وجود أهداف محددة، غير أنى في البداية وضعت خطوات الدعوة الفردية العادية المتعارف عليها "تعارف، تقارب، رفع الإيمان، شمولية الإسلام، العمل من أجل الإسلام، وأخيرا العمل الجماعي".
إلى أن توقفت عند شمولية الإسلام، وشعرت بأني تائه، ولا أعرف ماذا أفعل بعد ذلك سوى الاستمرار في الجلسة والإبداع فيها على قدر المستطاع، فهل تضعوا لي أهدافا واضحة، وخطوات ثابتة، واختبارات لتقييم وصول الأهداف، والانتقال من هدف لآخر.
أفادكم الله وفرحكم بمجهودكم هذه، وأعطاكم ما لا تتوقعون يوم العرض عليه.
…السؤال
فنون ومهارات, شباب وطلاب …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وبعد ..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.(9/151)
أخي الحبيب، "إسعاد الناس بالإسلام في دنياهم ثم أخراهم"، هذه هي رؤية أيّ تجمّع إسلامي، وهدفه العام الكبير البعيد، وهي مأخوذة من قوله تعالي: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ِتَشْقَى)، والذي يفيد أنَّ الإسلام للسعادة لا للشقاء، والذي قال فيه الإمام القرطبي في تفسيره: "دين لإسلام، وهذا القرآن هو السٌّلمَّ إلى نيْل كل فوز، والسبب في إدراك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها".
ويؤكده أيضا قوله تعالي: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، والذي يعني أنًّ الإسلام فرحة وسعادة، وما أنزله سبحانه، بل وما خلق خلقه أصلا إلا لهذه الغاية، غاية الانتفاع بالحياة والسعادة فيها، كما يقول الإمام القرطبي : "أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا ".
وهي لن تتحقق بأي نظام غير الإسلام؛ لأنه هو النظام الوحيد على الأرض الذي يشمل كل أصول وقواعد إصلاح وإسعاد كل شئون الحياة، صغيرها وكبيرها، حيث يبين أين الصواب من الخطأ فيها كلها؛ لأنه من عند الله الكامل المنزَّه عن الأخطاء أو النواقص أو المحاباة، والذي يعلم خلقه وأرضه وما يصلحهم، أما بقية النظم فهي علي جزء من الخير، وليس كله بل قد يكون بعضها على بعض الشر أو الشر كله كما نلمس ذلك واقعيا.
ولن تتحقق هذه الرؤية إلا إذا حققها التجمّع في أفراده أولا، فإذا ما سعدوا هم كانوا روحا وَبعْثا جديدا، يضفون سعادتهم تلقائيا وتدريجيا علي كل من حولهم، كما يُستنتج ضمنا من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين" رواه البخاري، أي ُمَسِّهلين، مُسْعِدين، لا مُعَقِدين ُمتعِسين.
ومن اليُسْر يُشْتقّ اليسار، أي الرخاء، يقول الإمام الشوكاني في شرح الحديث: "قوله فإنما بعثتم إسناد البعث إليهم علي طريق المجاز؛ لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم، لكنهم كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته، فأطلق عليهم ذلك، أو هم مبعوثون من قِبله أي مأمورون".
ولن تتحقق هذه الرؤية إلا بتحقيق هدفين كبيرين، يُستنتجان أيضا من الحديث السابق وهما: الأخلاق والسياسة، كما يُفهم من كلام الإمام ابن تيمية في شرحه له: "هذا يحتاج إليه الرجل في سياسة نفسه، وأهل بيته، ورعيته"، أي تربية الناس جميعا على حسن الخلق، ثم سياسة شئون مؤسساتهم وإدارتها بنظم أخلاقية تراعي المصلحة العامة والخاصة، حتى ولو أدارها غير مسلم ما دام يرعاها، وإن كان المسلم هو أقرب لذلك بالتأكيد.
وهذان الهدفان يحتاجان لجهد كبير، قد لا يقدر عليه فرد وحده؛ ولذا كان التجمّع، كما يُفهم ضمنا من قوله صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع لا المفرد "بعثتم"، من أجل تجميع الجهود الفكرية، والمالية، والبدنية، والدعوية ... إلخ، حتى يمكن القيام بهذه المهمة المفروضة علي كل مسلم ومسلمة على قدْر طاقاته وإمكاناته واستطاعته، فيتربي الأفراد فيما بينهم كمجتمع صغير على كل أخلاق الإسلام مثل: الصدق والأمانة والشوري والوفاء والعدل والتعاون والحب والتخطيط والابتكار ونحوه.
ثم ينطلقون وينتشرون كقدوات سعيدات، صالحات، مؤثرات – وهذا هو تطبيق معني "بعثتم" – وسط جميع الناس، يغيرونهم بالرفق وبالتدريج، بدءا بالأقرب ثم الأبعد، وبالأسهل ثم الأصعب، في كل مكان، في البيت، ومع الأقارب، والجيران، والأصدقاء، والمعارف، وزملاء الدراسة والعمل، وأهل الحي، وبين المساجد، والنوادي، وأماكن الترويح، وكل مكان تجمّع ممكن.
وأثناء تربيتهم، يتخصصون في كل مجالات الحياة المختلفة: العلمية، والإعلامية، والإدارية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفنية، والرياضية، وغيرها، بحيث يكونوا مؤهلين لإدارة حياتهم وإسعادها، وبالطبع سيشترك معهم في إدارتها كل المواطنين الشرفاء أصحاب الخلق من الرجال والنساء والشباب، حتى ولو لم يرتض بعضهم الإسلام دينا؛ لأنهم جزء من من نسيج وطنهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم فيه، كما طلب الإسلام معاملتهم كذلك، المهم أن يكونوا أقوياء وأمناء، أي أصحاب تخصص وأصحاب أيادي نظيفة، وبهذا يطمئن الناس جميعا، مسلمهم وغير مسلمهم.
أخي الحبيب، المطلوب منك إذن هو تكوين مجموعة سعيدة، مجموعة من الأخلاقيين الإداريين، َيتربّون بأفضل وسائل التربية وأضمنها وهي المعايشة، أي يُعايشونك – وغيرك من الدعاة – كقدوة سعيدة لهم في كل أقوالك وتصرفاتك، ثم يُعايشون هم المحيطين بهم في كل حياتهم ليُسعدوهم، وأثناء ذلك يُتقنون كل تخصصاتهم إتقانا دقيقا؛ استعدادا لإدارة بلادهم مستقبلا مُزيحين كل فاسد.
ولا تحمل هَمّ المتابعة التربوية والتخصصية! فالأمر أبسط مما تتصور بكثير، إذ تكفي المُعَايَشَة، فهي تمثل الجزء الأعظم، ثم معها ضع لكل شهر هدفا تربويا، وآخر تخصصيا، وثالث سياسيا إداريا، وضعْ لكلّ ٍما يحقق جزءه النظري من آيات أو أحاديث أو أقوال علماء ودعاة فيه.
ثم ضعْ لكل هدف ما يحققه من وسائل عملية مناسبة، تعين على تطبيقه فيما بينهم، ثم مع ذويهم، ثم في نهاية الشهر عليكم تقييمها، وتقييم مظاهر النجاح فيها، من خلال قياس مدى تحقق الصفات المُسْتَهَدَفة، وإذا لم يتحقق بعضها، فعليكم بتكراره لفترات أخرى حتى يتحقق هذا.
وقد تحتاج بعض الأهداف لبعض الدورات؛ لنقل بعض الخبرات بصورة مجمّعة سريعة، خاصة فيما يتعلق بفنون الاتصال بالآخرين وإدارة المؤسسات وأهمية التجمّع وما شابه هذا، فإن فعلتَ ذلك، فقد طمأنتَ الناس جميعا، ومَهَّدتَ لدعوتهم، واجتذبتهم أكثرهم أو بعضهم لصفك، ونلتَ معهم أعظم الثواب.
ويصيف الأستاذ ياسر محمود:(9/152)
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منك جهدك وحرصك على الارتقاء بمن تدعوهم.
أود - أخي الكريم - أن أوضح أمرا - أراه ضروريا - في موضوع سؤالك، وهو أن من الخصائص الأساسية للعملية التربوية أنها عملية شاملة ومتوازنة.
شاملة بمعنى أنها تهتم بجميع جوانب الشخصية: النفسية والاجتماعية والعقلية والبدنية، فلا تهمل جانبا من هذه الجوانب.
ومتوازنة بمعنى ألا يكون الاهتمام بهذه الجوانب جمعيها بنفس بالقدر، بل يكون لكل جانب القدر المناسب له تبعا لاحتياج المتربي، فإذا كان أحد هؤلاء الشباب - على سبيل المثال - يحافظ على أداء العبادات بشكل متميز، ولكنه ضعيف في الثقافة الشرعية، فلابد حينئذ أن يوزع المربي اهتمامه بشكل يناسب الاحتياج الفعلي للمتربي، فيعطي الثقافة الشرعية - في هذه الحالة - اهتماما زائدا في برامجه التربوية عن العبادات.
والمربي في ذلك مثل الطبيب الذي يأتي إليه مريض يشكي من الألم، فيكون دور الطبيب أن يبحث عن ماوطن العلة وجوانب الضعف والقصور ويعمل على علاجها.
وانطلاقا من هذه الفكرة، فعليك - أخي الكريم - أن تبحث عن مواطن الضعف وجوانب القصور لدى هؤلاء الشباب، وتجعل منها أهدافا للارتقاء بهم، ثم تضع مجموعة من البرامج المناسبة التي يمكنك من خلالها أن تحقق هذه الأهداف معهم.
ويفيدك - أخي الفاضل - في وضع الأهداف التربوية وصياغتها، وفي التعرف على البرامج التربوية التي يمكنك من خلالها تحقيق هذه الأهداف، ويساعدك كذلك في اختيار وسائل التقويم المناسبة أن تطالع الاستشارة التالية:
أهداف واضحة + تقييم مستمر = تربية سليمة
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
===============
سلفي، أم إخواني، أم ...؟؟ السؤال الخطأ
بسم الله الرحمن الرحيم،
أنا حائر بين التيارات أو المناهج، فأنا أحب السلفية والإخوان، ولدي كتب كثيرة، منها سلفية وأخرى لبعض العلماء الإخوان، مثل: ركائز الإيمان للغزالي، وجدد حياتك، والمنهج الحركي للسيرة لمنير الغضبان، وفقه السيرة للغزالي، ورسائل العين للراشد، وتهذيب مدارج السالكين، وغيرها من الكتب الأخرى.
ولدي شروح في العقيدة، وكذلك كتب تتحدث عن الولاء والبراء، وأصول الإيمان، وكشف الشبهات لابن عثيمين، وكتب أخرى كثيرة، حتى أن أصدقائي حائرون في هل أنا إخواني أو سلفي.
فمن أين أبدأ؟.
وهل أهتم بما قيل في هذا العالم أو ذاك والخلاف بينهم؟.
أريد النصيحة.
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, ثقافة ومعارف …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
أخي الكريم نعمان، أنعم الله عليك بالخير والهدى، ووفقك إلى طريق الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
من المحزن والمؤسف حقًّا، أننا بعد أن يمُنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعمة الهداية إلى طريقه والالتزام بمنهجه، والسير على صراطه المستقيم، نجنح بأنفسنا ونبحر بها في ظلمات الحيرة من جديد، ويجد الشيطان - بعد أن ضيقنا عليه نسبيًّا مدخل المعاصي والذنوب - مدخلاً ذكيًّا يدلف منه لقلوبنا، وينفث فيها سمومه، تحت ستار الرغبة في إيجاد عمل دعوي فاعِل يرضي الله عز وجل.
وإنه عجيب والله أن نَنْحتَ من الإسلام - الذي جاء لينقذ الناس من الحيرة والضلالة - أدوات للفرقة والاختلاف وتقطيع الأواصر بين حامليه والمنتسبين إليه.
أخي نعمان، إن أعظم قوة يتمتع بها المسلمون، ويحققون بها النصر على أعدائهم، بعد قوة إيمانهم بالله عز وجل، هيقوة الإخاء والوحدة والترابط، وهي ما أرشد إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
أمْرٌ بالاتحاد والتآخي، يعقبه نهيٌ وتحذيرٌ من الفُرقة والاختلاف. وفي آية أخرى يقصِر الله عز وجل الأخوَّة على المؤمنين، ويجعل الأخوَّة مرادفة للإيمان، فيقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وهو ما أكده نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا" متفق عليه.
خطابٌ قرآنيٌّ وحديثيٌّ يشمل المؤمنين جميعهم، كلَّ المؤمنين، كل من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وبالقرآن الكريم شريعة ومنهاجًا ودستورًا، ولا أظن أن هناك جماعتين، أي جماعتين، قد اختلفتا على هذه المبادئ أو تنازعتا عليها.(9/153)
إن هذه التيارات - كما تسميها - أو الجماعات - كما يطلق عليها البعض - إنما هي في حقيقتها مجرد"تجمعات" لا نستطيع أن نطلق على أحدها - أو حتى مجموعها - أنها جماعة المسلمين التي يجب أن ينضوي تحتها كل المسلمين، وأن مَنْ يخرج عن كنفها مفارق لجماعة المسلمين. فكل تجمع من هذه التجمعات اصطلح أفراده فيما بينهم على تبني وسائل معينة يخدمون من خلالها الإسلام، ويرون - مخلصين والله حسيبهم - أن هذه الوسائل ستؤدي بهم يومًا ما إلى تحقيق ما ينشدونه من خير للإسلام والمسلمين. قد يتفق معهم على بعض هذه الوسائل غيرهم من التجمعات وقد يختلف.
ووجود مثل هذه التجمعات وتعددها في هذا النطاق ليس بالأمر الضار، وإنما هو ظاهرة صحية لو فهم كل منها دوره، وعرف كيف ينظر إلى غيره من هذه التجمعات وكيف يتعامل معها. فتكون العلاقة بين تلك التجمعات علاقة تعاون وتكامل بنَّاء، لا علاقة تصادم وتناحر هدَّام.
وسؤال دائمًا ما يطرح نفسه على الملتزمين الجدد:"إلى أي جماعة أنتمي؟؟" حيث يظن - أو هكذا يُلقَّن - أن إيمانه لا يكمُل والتزامه لا يصح، إلا أن يكون عُضوًا بإحدى هذه التجمعات. وغالبًا ما يكون الترشيح الوحيد الذي يُطرَح أمامَه ويُستبعَد ما عداه هو التجمع الذي ينتمي إليه من أخذ بيده إلى طريق الالتزام، الذي يحاول أن يربي من يدعوه داخل ما يشبه الحضَّانة المحصَّنة، لا يُقرِئُه ولا يُسمِعُه ولا يُريَه إلا ما يرضى هو عنه، ويُحَرِّم عليه ما سوى ذلك من قراءات ومسموعات ومشاهدات، بدعوى الحفاظ عليه من التأثر بالأفكار الأخرى، وهو في ذات الوقت يدرس له الشبهات المختلفة التي تقدح في تصورات التجمعات الأخرى، قبل أن يعلمه أصول الدين وقواعده، فيخرج صاحبنا المسكين بعد ذلك مَسْخًا مُشوهًا غير قادر على الفكر والنظر، يحفظ كلمات وجملاً يرددها كالببغاء دون وعي، وقد حفظ لسانه كلَّ ما يسيء به إلى غيره من المسلمين الذين يعملون من خلال منظور آخر غير المنظور الذي تلقَّنه.
أخي نعمان، لكي تنجو من هذه الهاوية، وتخرج من هذه الحلقة المفرغة بسرعة، يجب أن تجيب عن سؤالين:
الأول: هل تنتمي إلى أحد هذه التجمعات؟؟ أم تعمل منفردًا؟.
الثاني: إذا انتميت، فإلى أيِّها تنتمي؟.
وكلا الإجابتين ليس لأحد الحق في تحديدها إلا أنت وحدك، ولكني أستطيع هنا أن أضع لك إشارات تنير لك طريق الاختيار.
أهم خطوة أن تحدد قدراتك العقلية والنفسية والبدنية، وظروفك الحياتية، وما حباك الله به من مواهب ومهارات، وكمّ الوقت الذي تستطيع أن تجود به للعمل الدعوي، ومدى مناسبة هذا كله للعمل من خلال تجمع معين، تنضوي تحت لوائه، وتعمل من خلال رؤيته العامة في الإصلاح.
فإن وجدت من خلال نظرة فاحصة لكل المعطيات التي ذكرتها، أن الخير لك ولدينك يتأتى من خلال العمل مع أحد هذه التجمعات - وذاك هو الغالب في معظم الحالات - فذاك خير. أما إن وجدت أن تلك المعطيات تتعارض مع إمكانية انضوائك تحت لواء أحد هذه التجمعات لسبب أو لآخر، وأنك بما منَّ الله عليك من عطايا وقدرات، تستطيع أن تعمل وحدك، أو بالتشاور مع من تثق فيهم من العاملين في الطريق، فذاك خير أيضًا. فالحاكم الوحيد هنا هو مصلحة الإسلام على أية حال.
إننا يجب أن نرحب بأي جهد يُبذَل في طريق الدعوة، فكل عمل سواء كان جماعيًّا أو فرديًّا فإنما هو يضع لبِنَة في صرح المشروع الإسلامي، ويمهد الطريق أمام إقامته.
وليس شرطًا لتساهم في بناء هذا الصرح أن تكون عالمًا شرعيًّا، وإنما تستطيع أن تفعل ذلك في أي موقع تشغله، فالإسلام كما يحتاج للوعاظ، يحتاج أيضًا إلى العلماء في شتى المجالات والعلوم الحياتية، بل يتأكد احتياجه لهؤلاء في هذا العصر الذي تخلفت فيه أمة الإسلام عن ركب الحضارة والمدنية.
نأتي بعد ذلك إلى السؤال الثاني، وهو: إذا انتميت، فإلى أيِّ تلك التجمعات تنتمي؟ وكما قلت لك: أنت صاحب الإجابة، ولكن دعني أعطيك إجابة عكسية، لن أقول لك إلى مَنْ تنتمي، ولكن سأقول لك إلى من لا تنتمي.
لا تنتمِ إلى من يجعلون غايتهم تصنيف الناس والشق عن قلوبهم، ووسيلتهم التجريح والسب.
لا تنتمِ إلى من اختزلوا علم معرفة الرجال إلى جناحٍ واحد، هو الجَرْح، فلا مكان للتعديل عندهم إلا بما يمليه عليهم هواهم، فصار ميزانهم أعرج ومنطقهم أعوج.
لا تنتمِ إلى من يقسمون المسلمين شيعًا وطوائف، ويكثر على لسانهم استعمال الضميرين (نحن) و (هم).
لا تنتمِ إلى الذين لا تشمل حدود ولائهم إلا مَن يحملون شارة تجمعهم، ويشهرون سيف البراء والمحادة على من يقف خارج هذه الحدود.
لا تنتمِ إلى الذين يعكفون على ذواتهم لا يخرجون عنها، وينحرفون بإسلامهم إلى ركن منزوٍ بعيدًا عن ظروف الحياة وواقع البشر.
جميل منك يا أخي أن تحب السلفيين والإخوان، والأجمل أن تحب كل المسلمين، وكل العاملين للإسلام على اختلاف مناهجهم، طالما كانت في مجملها مستقاة من الكتاب والسنة، وإن كان بها بعض القصور، فالكمال لله وحده، وهذا هو معنى الحب في الله الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم أوثق عُرَى الإيمان، وهذا هو معنى الموالاة في الله، والولاء له هو سبحانه، لا إلى تجمع أو فرد أو راية.
إن كل الأسماء التي ذكرتها في كلامك هم كلهم - بلا استثناء - علماء أجلاء، نحبهم ونحترمهم ونقدرهم، ولكل منهم باع طويل وجهد مشكور في الدعوة إلى الله عز وجل. وكل منهم يعد فارسًا لا يشق له غبار في مجاله.(9/154)
وهذا التنوع والاختلاف في الأفهام والرؤى كان موجودًا بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين السلف الكرام رحمهم الله، ولم يكن يظهر بينهم أو بين المقتدين بهم ما يظهر الآن من نزاع وشقاق، وتجريح وخروج عن آداب الإسلام في معاملة الآخر، وما نعَتَ أحدٌ منهم مخالفَه بالجهل أو سوء الفهم أو خبث النية أو سوء الطوية. بل كان الواحد منهم يترك العمل بمذهبه ورأيه، ويعمل برأي ومذهب مخالفه إذا تواجد ببلد هذا المخالف احترامًا له وتوقيرا لعلمه. ورحم الله الذي قال: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
إن مكمن الداء ليس في هؤلاء العلماء أو الدعاة أو القادة، إنما هو عند البعض من تلاميذهم أو ممن يدعي الانتساب إليهم، وهؤلاء العلماء أو الدعاة أو القادة لا أشك أن واحدًا منهم يرضى أن يرفعه تلاميذه وأتباعه إلى مرتبة العصمة، أو ينزلوا بغيره إلى أدنى المراتب.
أما عن سؤالك: "هل أهتم بما قيل في هذا العالم أو ذاك؟" أقول لك: نعم اهتم يا أخي، وكن مدافعًا عن كرامتهم، حافظًا لغيبتهم، ذابًّا عن أعراضهم، أمام من تسول له نفسه التعرض لهم بسب أو تجريح. يقول ابن عساكر من علماء السلف الكرام: "اعلم يا أخي وفقني اللّه وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادةُ اللّه في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلْب بلاه اللّه قبل موته بموت القلب".
لذا يا أخي، لا يهمك حيرة أحد في أمرك، فإن سُئلتَ عن هويتك فقل: أنا مسلم، وإن سُئلت عن مذهبك فقل: أنا محمدي، وإن سئلت عن انتمائك فقل: لجماعة المسلمين.
خلاصة الأمر أخي نعمان، وإجابة على سؤالك: "من أين أبدأ؟" أقول لك: اطرح حيرتك جانبًا يا أخي، وضَعْ يدك في يد كل من يعمل للإسلام، دون النظر للراية التي يعمل تحتها طالما انتهت جذورها إلى تربة الإسلام النقية. وخذ من كل بستان زهرَه وعطرَه، ودع آفته، واحرص على ما ينفعك، وليكن أول ما تبدأ به أخي هو الشيء الصعب والشاق والعسير، أتدري ما هو؟ أن تتعلم الحب، نعم أخي، الدعوة إلى الله لا بد وأن يكون منطلقها الحب، تعلم كيف تحب الله، وتحب الناس، وتحب جميع إخوانك السائرين معك في الطريق، أما تحصيل العلوم وتخزين النصوص في الذاكرة، ثم استرجاعها وسردها على الناس، فهذا أمر سهل ميسور، يستطيعه كل البشر، ولن تعجز عنه إن شاء الله.
كما أني - أخي الكريم - لا أرى مانعًا أبدًا من أن تنتمي لتجمع معين، وفي نفس الوقت تتعاون مع تجمع أو تجمعات أخرى، طالما أن الهدف واحد والغاية نبيلة والوسيلة شريفة، فيتأكد في نفسك أن ولاءك للإسلام وليس لشخص أو تجمع بعينه، فتكون سلفيًّا إخوانيًّا، أو إخوانيًّا سلفيًّا مثلاً، ما المانع؟؟؟ وهذا يجعلك تحوز الخير من أكثر من جهة، فتأخذ من كل تجمع ما يميزه عن غيره، وتتعاون معه فيما تستطيع وتؤدي من خلاله دورًا لا تستطيع أداءه مع الآخرين، وهكذا، فتكون كالنحلة التي تتنقل بين الأزهار لتجمع رحيقًا مختلفًا من كل واحدة منها، فتخرج لنا من هذه الحصيلة نتاجًا شهيًّا طيبًا، فيه شفاء للناس.
آسف أني أطلت عليك، وأرجو أن تجد فيما ذكرت لك إجابة على أسئلتك، وفي انتظار رسالة تطمئننا عليك.
==============
كيف يمكن أن يتربى الإنسان ليصبح رجلاً حقيقيًّا مثل سلفنا الصالح؟
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
أخي السائل الكريم،
شكرًا على سؤالك قليل الكلمات، عظيم التبعات؛ السؤال الذي يحمل في إجابته تاريخ الأمم، وعوامل قيامها وانهيارها، السؤال الذي تأسس على سنن الله تعالى في الكون، وأخيرًا هو السؤال الذي ما فتئ القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوان إلى فهمه كي يأخذ المسلمون بأسباب فلاحهم وتفوقهم وإبداعهم.
وكي أجيب على السؤال، عليَّ أن أتعامل معه بتحليل مفرداته، ومفرداته هنا أمران: "الرجولة"، و"السلف".
وحين نتحدث عن "السلف" فإننا نصل إلى معنى "الرجولة"؛ لأنهم بأفعالهم حققوا معنى "الرجولة"، فإذا فهمنا "السلف" وصلنا للـ"رجولة".
وكي نحلل "السلف"، فإن علينا أن نرى أدواتهم التي أوصلتهم للرجولة، وبما أن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم هم خير السلف، فلندرس كيف تعاملوا مع الإسلام حين جاءهم، وكيف جعلوه واقعًا يعاش، ولماذا حققوا بجميعهم، ما لم يستطع من بعدهم تحقيقه بجميعهم.
كيف تعامل الصحابة الكرام مع الإسلام والواقع؟
حمل تعامل الصحابة الكرام مع الإسلام والواقع عناصر خمسة:
1- نقاء المنبع.
2- الفهم.
3- التلقي للفعل.
4- إرادة التغيير.
5- فهم الواقع والحال.
1- نقاء المنبع:
جاء صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام في وقت كانت تموج فيه الجزيرة العربية بين عبَّاد الأصنام، ومتبعي الأديان السماوية كاليهودية والنصرانية، ومتبعي الديانة الإبراهيمية المتوقفين عن اتباع أية ديانة أخرى، ويحيط بالمنطقة حضارتان عظيمتان تحفان في حدودهما جزيرة العرب، هما الحضارة الرومانية والحضارة الفارسية، وهاتان الحضارتان كان لهما من التأثير على العرب الشيء الكثير.(9/155)
كل هذه التأثيرات هي التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يرفض أي نوع من "المساومة" مع مشركي مكة.. فلا إمارة، ولا مال، ولا عبادة كل إله عامًا، ولا شيء من كل ذلك، وهو ما أكده القرآن الكريم بوضوح شديد، وبتأكيدات متعددة، حين نزلت سورة "الكافرون" قاطعةً فاصلةً جلية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
ولهذا السبب نفسه كان غضب النبي صلى الله عليه وسلم ورد فعله القاطع حين أتاه عمر بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب وقال: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني" رواه أحمد والبزار، قال الإمام ابن حجر: "ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفًا"، ثم قال: "واستعمله -أي البخاري- في الترجمة لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح".
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا أن تكذِّبوا بحقٍّ أو تصدِّقوا بباطل" أخرجه سفيان الثوري بسند حست.
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن" رواه مسلم.
لذلك كان كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو نتيجة لما بثه القرآن الكريم في نفسه عليه الصلاة والسلام.
إذا أردنا أن نكون "رجالاً" علينا إذن أن نرجع إلى نبعنا الصافي.
وحتى لا يساء فهم كلامي: لست أعني هنا أن نهمل التفسير وأقوال العلماء في معاني الآيات، إنما أعني أن نترك ما أضافه كثير من الناس من علوم الكلام على القرآن الكريم، ومن وجود الإسرائيليات في التفسير، ومن الروايات الضعيفة والموضوعة التي حفلت بها كتب التفسير، أن نعود إلى القرآن الكريم بنصه، وإلى الأحاديث الصحيحة الواردة حول آياته، وإلى أقوال العلماء وتفسيراتهم المعتمدة الموافقة لأصول الإسلام ومقاصده.
2- الفهم:
من أكبر ما أصاب أمتنا في مقتل انعدام الفهم في عقول أبنائها، فغدت نصوص الإسلام نصوصًا حفظيةً، يحفظونها عن ظهر غيبٍ بلا وعيٍ ولا فهمٍ، فظهرت الأفهام القاصرة، وتعددت الاجتهادات غير المبنية على أي أصل من أصول الشريعة، وانبنى على ذلك كله أفعال أفسدت وأضلت، وعادت بأمتنا سنين طوالاً إلى الوراء.
لقد غدونا نرى المفتي المبدع الذي أفتى بقصر صلاة المغرب في السفر! ولمَّا سئل عن كيفية ذلك، إذ هي ثلاث ركعات، وقصرها يعني ركعةً ونصف الركعة، أجاب بعبقريته الفذة بأن النصف يصبح واحدًا بقاعدة جبر الكسر المعروفة في علم الرياضيات!! فتغدو المغرب ركعتين في السفر.
وعَلمنا من ترك الدراسة والتعلُّم وأخذ يبيع مشروب "السوس" للناس في الشوارع بحجة أن الجامعات جاهلية!
وسمعنا من يسافر من بلدٍ إلى آخر كي يشتري "البنزين" لسيارته لأن محطات البنزين في بلده ملكٌ لحكومته "الكافرة"، بينما هي محطات خاصة في البلد الآخر.
وشاهدنا من تحدثه في مسألة فقهية اختلف فيها العلماء، فيردُّ عليك قائلاً: "لو أتيتني بنصٍّ صحيحٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فسأبقى أقول أنه حرام". أهم يضعون دين الله تعالى وأحكامه؟ بل هم يضيّعونه.
وطالعنا حملة لواء القتل والتكفير واستحلال مال "الأمِّيِّين" بمنطق اليهود حين قالوا: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).
قصصُ غباءٍ وجهلٍ كثيرة وغريبة وشاذة لا يمكن ذكرها هنا بحال، ولا حصر آثارها السلبية، وكلها منبعها انعدام الفهم في عقول هؤلاء، وما كان هذا منهج الإسلام، لقد أمرنا الله تبارك وتعالى مرارًا وتكرارًا بالتفكر وإعمال العقل للفهم والفقه والعظة، كما اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم منهج "التعليم" مع أصحابه الكرام: فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات، كما تعلم الكتابة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن نردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وعذاب القبر" رواه البخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" رواه مسلم.
ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم من كان يختم القرآن الكريم كل ليلة عن فعل ذلك، وآخر ما وصل به مع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يقرأ القرآن الكريم كل سبع ليال، فحين ذُكر فعل عبد الله بن عمرو للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "القني به"، فلقيته بعد، فقال: "كيف تصوم"، قلت: كل يوم، قال: "وكيف تختم"، قلت: كل ليلة، قال: "صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام في الجمعة"، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "أفطر يومين وصم يومًا"، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصوم، صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة" رواه البخاري.
فليست المسألة ختمًا للقرآن الكريم مجردًا من الفهم، وإنما هو قراءة فاهمة واعية له، هكذا كان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا إذا تعلمنا من نبي الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعلم ما فيه"، فقيل لشريك - راوي الحديث -: من العمل؟ قال: نعم، رواه الحاكم بسندٍ صحيح.(9/156)
ثم لا حظ معي قول الله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) "على مكث": أي برويةٍ وأناةٍ، فهذا أدعى للفهم.
الفهم حديثه يطول، وحسبي من الاستشهاد الإثبات.
3- التلقي للفعل:
وهذا بابٌ آخر فقدناه، ففقدنا أمتنا من جرائه، حين كثرت علوم "التفلسف" غير المبني عليها عمل في الإسلام، وتكاثر المنظِّرون الذين لم يهدءوا ليل نهار في التفكير ووضع النظريات في ما لا يفيد، وظهرت موضوعات فلسفية عجيبة غريبة انشغل فيها الناس وتشاغلوا، وأضاعوا فيها الأوقات والأموال والمجهود، وهي لا تساوي شيئًا في ميزان الله تعالى، بل سيحاسب أصحابها على تضييعهم لأوقاتهم وجهودهم ومقدراتهم في ما هو هباء منثور.
إن حديث ابن مسعود السابق خير دليل على أن منهج الإسلام هو التلقي للفعل: "كنا إذا تعلمنا من نبي الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعلم ما فيه"، فقيل لشريك -راوي الحديث-: من العمل؟ قال: نعم، رواه الحاكم بسندٍ صحيح.
إنه العمل إذن.
ومن ينظر في القرآن الكريم يجده نزل مقطَّعًا ولم ينزل جملة واحدة: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً)، لم ينزل هذا القرآن جملة، وإنما نزل بالتدريج، قال الإمام السيوطي: (وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) شيئا بعد شيء على حسب المصالح"، وأي مصلحةٍ أهم من تلقي أوامر الله تعالى لتطبيقها وتنفيذها؟
4- إرادة التغيير:
كثيرون من أمتنا مقرُّون ما هم فيه من خطأ أو ضعفٍ أو كسل، لكن كم من هؤلاء يمتلك إرادة التغيير هذه؟.
لقد كان الرجل حين يدخل الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه الجاهلي، ليبدأ عهدًا جديدًا، ثم يسير وفق أوامر الله تعالى توجهه حيث توجهت، تتحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام فيتحول بلا تفلسف وهو يصلي، عن البراء قال: "صلى - أي النبي صلى الله عليه وسلم بعد تحويل القبلة - أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجلٌ ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت" رواه البخاري.
وروى الإمام أحمد بسندٍ صححه بعض المحدثين أنه لما نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قال الصحابة: "انتهينا ربَّنا"، وقاموا ليكسروا أقنية الخمر.
إن "الرجل" هو الذي يجب أن يمتلك إرادة التغيير في نفسه، ألا تأسره عادة، ألا يتحكم فيه هوى، ألا يقوده شيءٌ غير أوامر الله تعالى وإرضائه سبحانه.
5- فهم الواقع والحال:
لست في حاجة إلى تكرار الحديث في هذا الموضوع، إذ تطرقنا إليه مرات ومرات، أشير فقط إلى أنه لا يجوز، ولا يصح، ولا يُقبل أن يعيش المسلم خارج الزمان، وواقعه خارج الأكوان، لا يعي ما حوله، ولا يفقه كيف يحول دينه إلى واقعٍ يطبقه في حياته، فيغدو من أهل الكواكب الأخرى الذين يتفرج الناس عليهم ويتندرون.
ويمكن الاستزادة في هذا الأمر عبر الروابط المذكورة في آخر الاستشارة.
أخي الكريم، بهذه العناصر الخمسة تفهم كيف كان "السلف" - الذين ترغب أن تكون "رجلاً" مثلهم - يتعاملون مع دينهم وواقعهم، وبهذه العناصر نعود بأفرادنا "رجالاً" لتعود أمتنا أمة "الرجال".
===============
لمحات من فقه الإمارة
أحب الإمارة، فماذا أفعل؟
مع العلم أني نشيط جدا، وأؤدي أشياء دعوية كثيرة، كما أحب القيادة وأتمرسها في مؤسسات عديدة، وغالبا ما أنجح.
أرى نفسي أني كفء في أعمال عديدة، والمشكلة الأكبر أن الناس تراني بنفس النظرة، ولكني أعرف نفسي جيدا أني لست بهذه الدرجة.
أرجوكم، إن هذا الأمر كاد يعطلني عن الدعوة إلى الله.
أرجوكم أريد حلا بأسرع وقت.
…السؤال
فقه الدعوة …الموضوع
الأستاذ عبد الحميد الكبتي…المستشار
……الحل …
الأخ الفاضل محمد،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبارك الله فيك على تواصلك معنا، وطرحك لما تعاني منه.
أخي الكريم محمد، من الوهلة الأولى عند قراءة سؤالك شعرت بالحيرة في كلماتك، وشعرت بالتعميم فيها، كما شعرت - لا أكتمك - بنوع من الاضطراب في نفسك.
ومن أجل ذلك، ومن أجل أن موضوع الإمارة قد يكون من المواضيع الشائكة التي قد تزل فيها أقدامنا، يجب أن نتكلم بنوع من الصراحة والتأصيل والعمق، كي ننشد الصواب بتوفيق الله وحده.
جاء في سؤالك أخي الكريم: "أحب الإمارة، أحب القيادة"، "أؤدي أشياء دعوية كثيرة، في مؤسسات عديدة"، "كفء في أعمال عديدة".
فما هي القيادة والإمارة التي تحب؟.
جاء في لسان العرب: "والأمير: ذو الأمر، والأمير: الآمر".
فهل حب الإمارة أو القيادة هو حب لإلقاء الأوامر على الآخرين؟ هل هو حب لأن يكون لك الأمر والنهي في المؤسسة أو في العمل الذي أنت تقوده؟ أم هو حب لأداء دور لهذا الدين عبر هذه المؤسسة أو تلك؟ أم هو الحرص على تقديم نفع للمسلمين من خلال مركزك هنا أو هناك؟.(9/157)
إذا كان الحب هو الحالة الأولى - وهي حالة "الآمر الناهي الذي يجب أن يكون أمره مطاعا، وتحت إمرته أناس يسمعون ويطيعون" - فهذا أخي أمر خطير، يدل على نفسية تحب التعالي ولا ترضى بأقل منه، وقد تتستر النفس على هذا الأمر بأدلة وحجج كثيرة كي تبعد عن نفسها هذه التهمة، وتريد أن تغطيها وتسترها بهذه الأدلة والحجج، والأمر في نهايته ما هو إلا شهوة نفس، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشفَّع) رواه البخاري.
فقد ذم النبي عليه الصلاة والسلام من يكون عبدا للمال، ومن يعبد المظاهر، إن أعطوه ما يريد رضي وفرح، وإن منعوا عنه سخط وغضب، دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالتعاسة، وأنه إن مرض لا يشفَى، بل لو دخلت شوكة في رجله دعا عليه بأن لا يجد من يخرجها له.
ثم ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام صورة أخرى جميلة، صورة المؤمن المترفع عن هذه الزخارف والمظاهر، الذي يعمل أينما وضع، سواء أكان حارسا في الجهاد، أو ساقيا للمجاهدين، يعمل بفقه عمله؛ لذا قال ابن حجر في شرح الحديث: "أي: إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه، أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله"، وقال ابن الجوزي: "المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن اتفق له السير سار، فكأنه قال: إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها".
وإن كان حب الإمارة هو حب للعمل والتقديم لهذا الدين، فما يضير المرء أن يكون أميرًا أو يكون جنديًّا ما دام الأمر كله متعلق بالعمل؟ فيكون حبه للعمل لا للمنصب والرياسة فيه.
أما تعدد الأدوار - أخي محمد - في قولك: "أؤدي أشياء دعوية كثيرة، في مؤسسات عديدة، كفء في أعمال عديدة"، فهذا أمر أستغربه منك وأنت القائد الممارس!.
أين التخصص يا أخي؟ إن العمل الدعوي المؤسسي اليوم يحتاج إلى التخصص، بل في العالم اليوم تخصصات متفرعة دقيقة جدا، يحوز المرء فيها درجات علمية راقية، فلِمَ نحن لا نزال نعيش في عصر "الداعية السوبر"؟.
أيها الأخ الفاضل، مؤسساتنا الدعوية، يجب أن ترقى لهذا المستوى من الوعي والفهم، وإن لم يرتق بها أمثالك ممن مارسوا الإمارة والرياسة والدعوة، فمن يقوم بذلك؟ إن "السوبر أخ" هذه لها صلة بحب الرياسة بالمعنى المذموم الأول، بحيث يشعر المرء - لحبه للأمر والنهي - أنه ينفع هنا، ويعطي هنا، وممتاز هناك، ويجد من يصفق له ويمدحه، في حين ننسى ونغفل عن طاقات أخرى كثيرة يمكنها العمل، ويمكنها العطاء، ولها إمكانيتها الكبيرة التي يجب أن نتيح لها المجال لتبدع وتنطلق في "المؤسسة" الدعوية.
إلا أن هذا - كما يقول الأستاذ فتحي عبد الستار -: "لا ينفي أن هناك دعاة مخلصين يؤدون أعمالاً كثيرة في مجالات متعددة بحكم أن الظروف المحيطة بالعمل فرضت عليهم ذلك، لقلة عدد الدعاة، وانعدام الخبرات ونقص الكفاءات، فهم في هذه الحالة لم يتصدوا بأنفسهم للإمارة حبًّا فيها وفي مظاهرها، وإنما لأنهم كُلفوا بتلك الأعمال وقبلوا بهذه التكليفات خدمة للدعوة. إلا أن هذا أيضا يظل عيبا في كيان العمل الإسلامي إن لم يتم جبر هذا النقص وإعداد الكفاءات التي تشارك في حمل أعباء الدعوة كل في تخصصه".
أخي الفاضل محمد، تعال معي في جولة في بعض فقه الإمارة.
أولاً- الإمارة بين الغُنم والغرم:
وردت أحاديث في فضل الأمير العادل وأجره، ووردت أحاديث في التحذير من الإمارة، ففي فضل الأمير العادل وأجره الكبير، قال عليه الصلاة والسلام: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا" رواه مسلم، وفي البخاري قال عليه الصلاة والسلام: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلَّطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"، قال ابن حجر: "وفي الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على أعمال الحق، ووجد لها أعوانًا، لما فيه من الأمر بالمعروف، ونصر المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم، والإصلاح بين الناس، وكل ذلك من القربات".
والاجتهاد الدعوي يتيح لنا قياس القضاء والحكمة الواردة في الحديث على الإمارة في المؤسسة الدعوية، ويجعل الأمير يناله الأجر الكبير العالي لو هو عدل وأقسط وقام بدوره كما ينبغي، قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام": "وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل، فإن أحدهم يقول الكلمة الواحدة فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما دونها، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها، فيا له من كلام يسير وأجر كبير، فإذا أمر الأمير بجلب المصالح العامة ودرء المفاسد العامة كان له أجر بحسب ما دعا إليه"، أي أن الأمير في أمره بالخير والصالح له أجر من عمل بذلك الخير كله، بحسب عدد أتباع ذلك الأمير، ولو بلغوا مائة ألف، كما قال العز رحمه الله.(9/158)
وفي المقابل جاء في صحيح مسلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة"، وروى المنذري بإسناد جيد: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل"، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة، وإنها ستكون حسرة وندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".
هذه الأحاديث تخبر عن دقة محاسبة الأمير يوم القيامة، حتى لو ولي على عشرة من الناس، ومناط محاسبته على مدى عدله ونصحه وحرصه عليهم، وتقديم الخير والصالح لهم، وستكون حسرة وندامة على من فرط في ذلك وأخذ بظاهرها فقط؛ لما فيها من الجاه والمكانة، وسيحاسب حسابا دقيقا يوم القيامة.
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: "ولعل القليل البصيرة يرى ما ورد من فضل الإمارة مع ما ورد من النهي عنها متناقضًا، وليس كذلك، بل الحق فيه أن الخواص الأقوياء في الدين لا ينبغي أن يمتنعوا من تقلد الولايات، وأن الضعفاء لا ينبغي أن يدوروا بها فيهلكوا، وأعني بالقوي الذي لا تُميله الدنيا، ولا يستفزه الطمع، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهم الذين سقط الخلق عن أعينهم، وزهدوا في الدنيا، وتبرموا بها وبمخالطة الخلق، وقهروا أنفسهم وملكوها، وقمعوا الشيطان فآيس منهم، فهؤلاء لا يحركهم إلا الحق، ولا يسكنهم إلا الحق، ولو زهقت فيه أرواحهم، فهم أهل نيل الفضل في الإمارة".
ثانيًا- تعامل الصالحين حيال ذلك:
من أجل هذه الأحاديث المحذرة من دقة الحساب للأمير، والأحاديث التي تصف عظيم أجره عند الله لو هو عدل وحرص وأنصف، كان للصالحين موقف في التعامل مع طرفي المسألة، فعند البخاري قول النبي عليه الصلاة والسلام: "تجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية"، أي شأن الولاية والإمارة، يقول الأستاذ الراشد في كتابه "أصول الاجتهاد": "وهذا الحديث لا يؤسس حكما، لكنه يتحدث عن ظاهرة في الحياة الإسلامية حَريَّةٌ أن يتنبه لها الدعاة، إذ فيها موعظة عظيمة، قال ابن حجر: قوله "أشدهم لهم كراهية: أي أن الدخول في عهد الإمارة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه، وإنما تشتد الكراهية له ممن اتصف بالعقل والدين، لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم، ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم من حقوقه وحقوق عباده"، و قال الإمام الغزالي في "الإحياء": "ولم يزل المتقون يتركونها ويحترزون منها ويهربون من تقلدها وذلك لما فيه من عظم الخطر، إذ تتحرك بها الصفات الباطنة ويغلب النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا، فإذا صارت الولاية محبوبة كان الوالي ساعيًا في حظ نفسه، ويوشك أن يتبع هواه فيمتنع من كل ما يقدح في جاهه وولايته وإن كان حقًا، ويقدم على ما يزيد في مكانته وإن كان باطلاً".
ثالثًا- طلب الإمارة بين شهوة النفس ومصلحة الدعوة:
قال ابن حجر: "قال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها، حتى سفكت دماء واستبيحت الأموال والفروج، وعظم الفساد في الأرض"، وهذا الحرص القديم الذي جر للدماء وسفكها، قد يتوفر هذا الحرص اليوم، وتسفك فيه طاقات العاملين للإسلام من غير دماء، وتستباح فيه الدعوة لتكون عرضة لنزاع شخصي، ويغطى كله بصالح الدعوة وصالح العمل الإسلامي، وليعظم التأخر في الإنجاز ولتعيش المؤسسة صراعات شخصية مبطنة، كل ذلك من جراء هذا الحرص المقيت.
وليس كل من طلب الإمارة حريصا عليها، فثمة صالحين يحركهم الهم العام، وسد الفراغ، والتقدم بالدعوة والمؤسسة الدعوية خطوات للأمام، من بعد جمود وتخلف قد لفها دهرا، قال ابن حجر - وهو يشرح حديث "إنا لا نولي هذا الأمر من حرص عليه"- : "في التعبير بالحرص إشارة إلى أن من قام بالأمر خشية الضياع يكون كمن أعطي بغير سؤال، لفقد الحرص غالبا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجبا عليه".
يقول الدكتور أحمد الريسوني - حفظه الله - في مقال نشرته جريدة التجديد المغربية، بعد أن ساق حديث "إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه": "فهذا الحديث صريح، مؤكد بالقسم، في أن من طلب الإمارة أو حرص عليها لا تعطى إياه، ولذلك مقاصد ومصالح لا تخفى؛ وحسبنا أن أعظم مصائبنا هو الصراع على الإمارة بين طلابها، وتسلطهم على الأمة من غير أهلية منهم ولا موافقة منها، وللحديث مرام تربوية تتمثل في كبح أطماع النفوس من حب للرئاسة والعلو والظهور وما في ذلك من مكاسب مادية ونفسية.
ومع هذا كله فإن التطبيق المصلحي المتبصر ينظر ويميز ويستثني الحالات التي تكون مبرأة من هذه الآفات، وتكون محققة لمصالح أخرى واضحة، ولذلك وجدنا النبي عليه الصلاة والسلام يولِّي ويؤمِّر من سأله ذلك، كما في قصة زياد بن الحارث من قبيلة صداء، وكان هذا الرجل هو الذي قاد وفد قبيلته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليعلنوا إسلامهم الذي تبعه إسلام قبيلتهم، قال زياد: "وكنت سألته أن يؤمرني على قومي، ويكتب لي بذلك كتابا، ففعل".(9/159)
وقد علق ابن القيم على هذه القصة فقال: "وفيها جواز تأمير الإمام وتوليته لمن سأله ذلك إذا رآه كفأ، ولا يكون سؤاله مانعا من توليته، ولا يناقض هذا قوله في الحديث الآخر: "إنا لن نولي على عملنا هذا من أراده"، فإن الصدائي - زياد بن الحارث - إنما سأله أن يؤمره على قومه خاصة وكان مطاعا فيهم، محببا إليهم، وكان مقصوده إصلاحهم ودعاءهم إلى الإسلام، ورأى أن ذلك السائل - الذي في الحديث الأول - إنما سأله الولاية لحظ نفسه ومصلحته هو، فمنعه منها؛ فولى للمصلحة، ومنع للمصلحة، فكانت توليته لله، ومنعه لله".
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ): "ودلت الآية أيضا على جواز أن يخطب الإنسان عملا يكون له أهلا؛ فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"، وعن أبي بردة قال: قال أبو موسى: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك، فقال: "ما تقول يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس-"، قال قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلصت، فقال: لن – أو لا - نستعمل على عملنا من أراده" وذكر الحديث؛ رواه مسلم أيضا وغيره؛ فالجواب:
أولا: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه، فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم، لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه لتعين ذلك عليه، ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك، كما قال يوسف عليه السلام، فأما لو كان هناك من يقوم بها ويصلح لها وعلم بذلك فالأولى ألا يطلب؛ لقوله عليه السلام لعبد الرحمن: "لا تسأل الإمارة"، وأيضا فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "وكل إليها"، ومن أباها لعلمه بآفاتها ولخوفه من التقصير في حقوقها فر منها، ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها، وهو معنى قوله: "أعين عليها".
الثاني: أنه لم يقل: إني حسيب كريم، وإن كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"، ولا قال: إني جميل مليح، إنما قال: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ، فسألها بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال.
الثالث: إنما قال ذلك عند من لا يعرفه، فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ).
الرابع: أنه رأى ذلك فرضا متعينا عليه؛ لأنه لم يكن هنالك غيره، وهو الأظهر، والله أعلم".
رابعًا- من فقه القادة في التأمير:
ليس الأمر في فقه التأمير منوط فقط بالقدرات العملية للداعي العامل في المؤسسات الدعوية، وإنما للقدرات النفسية والأخلاقية كذلك، فقد يكون هذا الداعي من حيث قدراته العملية ممتازا ومناسبا للعمل، لكن من حيث قدراته النفسية غير مناسب، وهذا لا يقدح فيه بأي حال من الأحوال، يقول الشيباني في "شرح السير الكبير": "كان عمر بن الخطاب يكتب إلى عمّاله: لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين؛ فأنه هلكة من الهُلك يقدم بهم"، أي أنه شجاع مقدام لا يهاب أبدا، فقد يهلك الجيش، والبراء بن مالك قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك" رواه مسلم، فبرغم أنه مستجاب الدعاء إلا أنه لا يصلح لقيادة الجيش لفرط شجاعته رضوان الله عليه، وكذا الأمر في المؤسسة الدعوية، قد يكون الأخ على علم شرعي، لكنه غضوب لا يصلح للعمل التربوي وتربية الجدد من الدعاة، وقد يكون الأخ ماهرا في إلقاء الدروس إلا أنه لا يصلح لترتيب مؤتمر لأنه لا يبالي بالوقت والدقة فيه... ونحو ذلك، وهذه الأمور يعرفها القادة في العاملين معهم.
أخي الكريم محمد، بعد هذا التطواف أريد أن أنبهك لعدة أمور:
* اعمل ولا تتوقف، واجعل حب الإمارة في يدك لا في قلبك، فإن كنت الأمير العادل عملت وبذلت وقمت بحق مكانك، وإلا فأنت الجندي النشيط الذي لا يقصر ولا يتوانى.
* إن الإمارة يجب أن تقوم على الكفاءة كما قال القرطبي، وأن تكون على تخصص.
* إن العمل الدعوي لو قبل طلب الإمارة من أحد الدعاة إنما يربط ذلك بالإنجاز وتحقيق الأهداف ليس غير، فإن عجز الداعي عن ذلك، عليه أن يعتذر ولا يكابر، فكما تقدم لينجز يتأخر لينجز غيره، ولا يتشبث.
* إن معايير التأمير والقيادة في العمل الإسلامي يجب أن تخرج من إطار النظر إليها على أنها أعمال تطوعية، لننظر إليها كمؤسسة لها ضوابطها، ولها معاييرها، ولها شروطها؛ فمن أنجز فهو الأمير بحق، ومن عجز فيبقى ود الإخاء، ولا محاباة على مصلحة المؤسسة.
* ادع الله أن يُعينك على دعوتك، واطلب التوفيق منه، ودع عنك كلام الناس، فقط اطلب العون من الله، فإنه محاسبك حتى على خلجات نفسك.(9/160)
وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه، وجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، وننتظر تواصلا جديدا منك
==============
نحن وطلابنا والسلفي .. مشاركة تفتح أبوابا
كان لدي تعليق على موضوع:
نحن وطلابنا والسلفي .. الحق أولى
وكان الأخ يعتب على الأخ السلفي، كما يقول أنه يعلمهم أمور البدع، فأقول:
واجب عليكم فعل هذا، فقد رأينا أشخاصا يميعون كل شيء بدعوى الخلاف الذي لا يستساغ، خصوصا في أمور العقائد.
وأعرف قصة لأحد الإخوة من جماعة الإخوان - وكان الأخ مع أنشطتهم - لكنه لا يرى بجواز التصوير، وكان في المركز الصيفي، وكنت مسئول التصوير، فقال لي الأخ: أصدر لي بطاقة من غير صورة، فوافقت، لكن مدير المركز لم يوافق!!.
فأين استيعابهم لمعنى الخلاف الذي يتحدثون عنه؟ وهم أول من يتحدث في أمر الخلاف إذا كان في أمر فيه تمييع للدين، لكن لا يقبلون برأي أشد، مع أن الشاب هذا أعرف أنه من أهل الصلاح والخير ونشيط جدا في الدعوة.
وحدثت حادثة أخرى في أحد الأنشطة، وكان النشاط للسلفيين - كما يسمونهم - فأخذه الإخوان بالتصويت، وبصراحة أنا أعطيت صوتي للسلفيين، مع أني في ذلك الوقت كنت مع نشاط للإخوان، لكن الحق كان مع السلفيين.
أنا لا أنتمي الآن إلى أي نشاط، لا هذا ولا هذا، بالأحرى أني لم أكن يوما مع السلفيين، لكن كنت مع الإخوان، واليوم كتبت هذه الكلمات دفاعا عن السلفيين رغم أني أخطِّئ بعض أفعالهم، لكن للأسف بعض الإخوة أصبح تعصبه لجماعة معينة يعميه عن أن يرى الحق ويصبح مدافعا عن الباطل، كما يحدث اليوم في العراق وموقف الحزب الإسلامي المخزي من الحرب، فأصبح بعض أعضاء الحزب يتكلم في أن المقاومة على خطأ ليدافع عن موقفه المخزي، فاختفى فجأة من يقول: الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وأصبحت شعارا للزخرفة.
كنت قبل الحرب أتكلم مع أحد الإخوة عن أخطاء بعض أفراد الإخوان في الكويت، وقولهم إن الحرب حرب تحرير، فخرج أحد القادة في النشاط ينكر عليَّ ويقول: "لحوم العلماء مسمومة"، مع أني لم أتكلم فيه بسوء سوى الانتقاد، واعتقدت أن هذا منهجه هداه الله، لكن بعد فترة كنت أمتدح أحد الشيوخ، فقام يتكلم فيه ويصدر الإشاعات عنه، فسبحان الله، الجميع يتكلم في أمر ثم تجده يخالف نفسه!!
أما قول الأستاذ فتحي عبد الستار؛ فأنا أخالفه، فهناك من الدروس ما يجب أن يعطَى شخصيا، وفي حلقات خاصة وليس في المسجد، فحتى الجماعات الأخرى تقوم بنفس العمل، أم أن بمجرد أن يصبح الأخ سلفيا تصادر حقوقه.
وأوافقك - شيخي الفاضل - في مسألة تحصين الشباب بالعلم الشرعي، لكن - يا شيخي الفاضل - الذي يمارَس هو الإرهاب النفسي، بأن يقول كل شخص عن الآخر أن هذا متعصب، وهذا ضال ... إلخ، فيصبح الطالب لا يستقبل إلا من قناة واحدة، لا يقبل الحق أبدًا، خصوصا إذا خالف الحق جماعته، أو يُمارَس نوع من الإرهاب، فيقول: حكم كذا كذا، انتهى!! ولا يذكر دليلا، ولا أقوال المخالفين له والرد عليها، أو الترجيح الذي يراه، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بخط سير الجماعة، فلديه لونان: أبيض وأسود.
وهذا لدى الجماعتين، مع أنه بصراحة من ناحية القوة الشرعية، فالسلفيون أقوى، فحتى عامتهم يستطيعون الرد على من خالفهم بالكتاب والسنة، وهذا بسبب تدريسهم هذه الأمور في أنشطتهم، لكن من الناحية الأخرى فلا نجد نفس القوة في العلم الشرعي، وهذا خطأ.
قد يجد القارئ تحاملا على جماعة الإخوان، لكن بصراحة مواقفها الأخيرة من قضايا الأمة أصبحت مثل مواقف القمم العربية، مجرد بيانات شجب واستنكار.
وأقول في النهاية: أحد الإخوة كان يكلمني عن حسن البنا، وقال: إنه عندما انشقت جماعة جيش محمد عن الجماعة، كان هو أول المسجلين في الجماعة، فليتهم يفهمون.
…السؤال
الدعوة العامة, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
الأخ الحبيب محب الصالحين، مرحبا بك، وأشكرك على اهتمامك ومتابعتك، وهمتك العالية التي دفعتك للكتابة إلينا معلقا على الاستشارة المذكورة، فجزاكم الله عنا خيرا، وأسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياك في زمرة الصالحين الذين تحبهم ونحبهم، وبعد..
فقد أثارت رسالتك في نفسي شجونا كثيرة حول واقع العمل الإسلامي، والعلاقات بين أطيافه المختلفة، ولم يكن من الصعب أن أستنتج من خلال كلامك أنك عاينت وعانيت الكثير من المشكلات والمواقف التي تحدث بين أفراد التيارات المختلفة عندما يجمعهم حقل عمل مشترك.
ودعني أناقش معك ما ذكرته في رسالتك في عشر نقاط:
أولاً- أؤيدك بالطبع فيما ذكرته عن وجوب تعلم ما يتعلق بالتمييز بين السنن والبدع، شريطة أن يكون القائم على تعليم الناس هذه الأمور عالما بها حق العلم، يتخذ من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح وأقوال العلماء الثقات رائدا له، بحيث لا يتشدد فيجعل كل جديد بدعة، ولا يفرّط فيجعل من السنة ثوبا مهلهلا مليئا بالخروق والرقع.
ولفهم هذا الأمر يرجع إلى تعريف العلماء للبدعة، وتقسيماتهم لها، ويمكن الاطلاع على الفتوتين الآتيتين في الموضوع:
- معنى البدعة وضوابطها
- البدعة الحسنة والبدعة السيئة(9/161)
ثانيًا- جاء في كلامك أخي: "فقد رأينا أشخاص يميعون كل شيء بدعوى الخلاف الذي لا يستساغ خصوصا في أمور العقائد"، واستشهدت على ذلك بواقعة الأخ الذي كان يرى حرمة التصوير، ولعلك لا تقصد الاستشهاد بهذه الواقعة على عبارتك المذكورة، حيث إن التصوير الفوتوغرافي ليس من مسائل العقيدة، إنما هي مسألة فقهية عادية اختلفت حولها أفهام العلماء وأحكامهم عليها، ويجب أن نضعها - هي أو أية مسألة تعرض لنا - في مكانها الصحيح وحجمها الصحيح، فلا نضخِّم ولا نحقِّر.
ولا ينبغي أن نجعل الاختلاف حول هذه المسائل التي يباح فيها الاختلاف محلَّ عراك ومفاصلة، بل يجب أن يحترم كل منا موقف الآخر منها طالما عنده من الشرع وأقوال العلماء الثقات ما يستند إليه في موقفه هذا، وتلك القيم - قيم السعة، واحترام المخالف، والتعاون في المتفق عليه، والتناصح في المختلف فيه - كلها من فضائل شريعتنا السمحة.
ويمكنك أخي الاطلاع على الفتوى التالية في مسألة التصوير:
التصوير بين الحل والحرمة
ثالثًا- بالنسبة لموقف مدير المركز الذي رفض أن يصدر بطاقة من غير صورة للأخ الذي يرى حرمة التصوير، فتعليقي عليه يتلخص في الآتي:
لو أن هذا الأخ الذي يرى حرمة التصوير الفوتوغرافي ذهب ليستخرج جواز سفر أو بطاقة هوية من المكاتب الحكومية، هل يستطيع أن يطلب منهم استخراج ما يريد دون صورة شخصية له؟! بالطبع لا، وقد تقول لي: إن هذه ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
فلماذا يكون هذا هو المنطق في مثل هذه المواقف، ولا يكون في غيرها مع وجود نفس الظروف والأسباب؟؟ قد تقول لي: وأين الضرورة في استخراج بطاقة المركز؟؟ فأقول لك: لو أن الأخ لا يرى ضرورة في الاشتراك في أنشطة المركز، فله ألا يشترك، فلا شيء يجبره على الاشتراك، لكنه طالما رغب في الاشتراك، فعليه أن ينصاع لشروط الاشتراك، طالما أنه ليس فيها ما يخالف الشرع مخالفة صريحة لا خلاف عليها، أما لو كانت هناك مسألة خلافية فعليه إن أراد الاشتراك أن ينزل على رأي المنظمين وأولي الأمر في هذا المكان، طالما الأمر يسعهم فيه الخلاف.
لا تظن - أخي - أني أدافع عن موقف مدير المركز، بل إنني أحاول أن أضع الأمور في نصابها الصحيح بعيدا عن العاطفة والانفعال. وحتى تكتمل لديك رؤيتي للموقف أقول: إنه كان واجبا على هذا المدير - خاصة وأنه يدير نشاطا تربويا أو دعويا - أن يترفق بهذا الأخ الرافض للتصوير، ويحاول أن يشرح له أن هذه مسألة خلافية، وليس عليه وزر لو تنازل عن رأيه في موقف كهذا، دفعا لضرر الفتنة التي قد تحدث لو استجاب لطلبه وأصدر له بطاقة بغير صورة، حيث إن الأمر يتعلق بنظام مركز أو مؤسسة لها قواعدها ونظمها، ومن حقها أن تأخذ بالأحكام الشرعية التي يرتئيها علماؤها والقائمون عليها.
رابعًا- بالنسبة لتصويتك لإخوانك "السلفيين" لأنك رأيت الحق معهم، رغم أنك كنت من الإخوان ساعتها، فهذا أمر يحمد لك، شريطة أن تكون مطمئنا تماما بناء على معلومات أكيدة أن الحق معهم بالفعل، فالحق هو الحق، يجب احترامه والوقوف عنده، أيا كان الشخص أو الهيئة أو الجماعة التي تحوزه. وانتماؤنا لأي تيار يجب ألا يمنعنا من أن ننصف الآخرين ونعطيهم حقوقهم.
ولكن هنا نقطة مهمة يجب الانتباه إليها حتى تسلم من الاتهام بخيانة العهد ومخالفة الجماعة، وهي أن هناك فارقا بين أمرين:
الأول: أن تكون المسألة التي يجري الاحتكام فيها أو التصويت حولها مسألة تتعلق بحق شرعي واضح عندك فيه من الله – فيما تظن - دليل وبرهان، وترى أن هذا الحق مع غير تيارك الذي تنتمي إليه، فيجب عليك في هذه الحالة أن تُعلِم إخوانك الذين تنتمي إليهم بهذا وتناقشهم، فإما أن يقتنعوا برأيك، وإما أن يقنعوك هم وتطمئن نفسك لرأيهم. فإن لم يحدث هذا ولا ذاك، فالحق أحق أن يتبع، فأعطِ صوتك لمن ترى أن الحق معه، ولا تخشَ في الله لومة لائم، فكل آتيه يوم القيامة فردا، وستحاسب بين يدي الله وحدك.
الثاني: أن تكون المسألة التي يجري الاحتكام فيها لا علاقة لها بالحق الشرعي الذي لا يختلف عليه أحد، وإنما هي من باب التنافس في عمل الخير والدعوة إلى الله وحيازة الفضل. وفي هذه الحالة لا ينبغي لك أن تخالف ما استقر عليه رأي الجماعة التي تنتمي إليها وأعطيت قيادتها البيعة والعهد على أن تسمع وتطيع فيما ليس فيه معصية.
وقد قرأتُ في أدبيات الإخوان أن المنتمي إليهم يبايع قيادتهم على أن يعتبر الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية قاطعة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير، مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب. وكذلك يبايع على أن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب، إذا تعارض ما أُمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي. فإن بايعتهم على ذلك، فلا مجال للنكوص، إلا بإعلانك مفارقتك لهم، وتطلب منهم ألا يحسبوك على جماعتهم، ولك بعد ذلك أن تتعاون معهم فيما تحب، وتتجنبهم فيما تكره.
خامسًا- "لحوم العلماء مسمومة"، كلمة حق، أحيانا يراد بها باطل، عندما تُشهَر كسيف في وجه من يقوم بانتقاد أحد من العلماء، حتى ولو كان محقًّا في نقده، ولم يتجاوز حدود الأدب، ويستخدمها من يريدون المصادرة على آراء غيرهم وأفكارهم، لإرهابهم وإثنائهم عن التعبير عن وجهات نظرهم.
وفي المقابل هناك أيضا من يتحجج بالنقد الموضوعي ويجعله حجة ومدخلا ينفذ منه إلى التجريح الشخصي والغيبة المذمومة.(9/162)
وكلا الاتجاهين مرفوض: اتجاه مصادرة الأفكار وتقديس الأشخاص، واتجاه التجريح والثأر الشخصي، وفيما وضعه علماء الإسلام من قواعد وأصول لعلم الجرح والتعديل تفصيل للآداب التي يجب أن تراعى حال النقد، فليرجع إليها من أراد.
أما موقف هذا الأخ الذي أنكر عليك الحديث عن أحد العلماء ثم وقع هو فيما بعد في نفس ما أنكره عليك، فهو ولا شك موقف مرفوض، ليس لأنه نقد، فربما راعى الأدب في نقده، ولكن لأنه ينهى عن خلق ويأتي بمثله، وكان يجب عليك أن تنبهه وتكون فرصة لتذكيره بكلامه السابق وإصلاح المفاهيم عنده.
ولتعلم - يا أخي - أن إخوانك ليسوا بملائكة، فهم ونحن بشر تعترينا جميعا - مهما كانت مكانتنا - عوامل النقص البشري وصفات البشر، نحاول جهاد أنفسنا وكبح جماحها، فنفلح مرة وننجح، ونخفق مرة ونسقط، وواجبنا مع إخواننا حال إخفاقهم وسقوطهم أن نذكِّرهم وننصحهم، ونأخذ بأيديهم لنساعدهم على النهوض مرة أخرى، لا أن نعين الشيطان عليهم، ونقطع عليهم طريق الرجوع للجادة والصواب، وقد صدق الشاعر الذي قال:
وليس بمستبْقٍ أخا لا تلمه ....... على شعث أي الرجال المهذب؟!
سادسا: أنا - يا أخي الكريم - لم أصادر على حق أحد، ولم أنفِ جواز أن يعطي الإخوة دروسا في المنازل إن كانت تستحق ذلك، والأمر بالتراضي والتوافق بين من يعلِّم العلم ومن يتعلمه، ولم أقصد ما قد تكون فهمته من كلامي، ولكن ما قلتُ كان في معرض ردي على الأخ السائل الذي يريد أن ينافس إخوانه في الخير، ومجال الدعوة بكل سبله المشروعة مفتوح للجميع (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
سابعا: بالنسبة لما أسميته بالإرهاب النفسي، وتقصد به فرض رأي فقهي معين على الناس دون اعتبار لدليل، ولا لأقوال المخالفين المعتبرة شرعا، فأنا أوافقك على هذه التسمية، فهذا الفعل بحق يعد إرهابا، بل هو أبشع أنواع الإرهاب، وتنبغي محاربته بكل السبل، ومواجهة من يمارسه حتى يرتدع.
كما ينبغي على كل منا أن يتحرى لدينه، خاصة فيما يتعلق بالعبادات المحضة، فلا يأخذ إلا بما يطمئن إليه قلبه السليم من الأحكام الموثقة بالأدلة وأقوال العلماء. وليس لأحد أن يفرض رأيا فقهيا على أحد حتى ولو كانوا أتباعا له في جماعة ما من الجماعات. وأية جماعة راشدة لا تقوم بهذا الفعل، ولا تكره أحدا من أعضائها على رأي فقهي معين، ولكن قد يقوم بهذا من أسميهم صبية هذه الجماعات وأنصاف المتعلمين الذين قد يصلون إلى مواقع قيادية دون تثبت وتحقق من قدراتهم وعلمهم، ففي كثير من الأحيان يكون الالتزام الحركي والانضباط التنظيمي أهم من غيره من الصفات عند بعض من يرشحون الناس لشغل المناصب القيادية.
ثامنا: فيما يتعلق بمواقف جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة من قضايا الأمة، وتشبيهك لها بمواقف القمم العربية، فربما يكون هذا صحيحا وأوافقك عليه من حيث الشكل، ولكن - أخي الكريم - هلا سألت نفسك عن حجم ما يملكه الإخوان - أو أية جماعة أخرى - من أدوات ووسائل بالمقارنة بما تملكه الحكومات العربية؟؟ لا شك أنها مقارنة ظالمة.
لقد كان للإخوان تاريخهم المشرف ومواقفهم الناصعة مع قضايا الأمة كقضية فلسطين، وجهادهم وتضحياتهم على أرضها، والتي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء. كان ذلك عندما كانت الظروف مهيئة للقيام بهذا الواجب وباتخاذ هذا النوع من المواقف.
أما الآن فلا شك أن الظروف تغيرت على جميع المستويات، ولا تسمح الأرضية للقيام بمثل ما كان يقومون به، ونحن نعذرهم في ذلك، لكن هذا لا يعفيهم - ولا يعفي غيرهم من المسلمين - من المسئولية في ابتكار أساليب أخرى ووسائل أكثر فاعلية من الشجب والاستنكار. وجماعة في حجم الإخوان وتاريخها، بل وأمة في حجم أمة الإسلام وما تملكه من مقدرات نظن فيها ألا يعجز رجالها عن الإتيان بوسائل فاعلة تناسب الظروف والواقع.
ويجب ألا نلقي المسئولية بكاملها على جماعة بعينها أو على طائفة ما لتبحث لنا عن وسائل للنهوض بالأمة والخروج بها من مأزقها، بل يجب أن يُعمل كل مسلم مهما كان موقعه وحجمه عقله للتفكير في هذا الأمر، ويجب أيضا أن نقف كلنا صفا واحدا خلف أية فكرة أو وسيلة تدعم قضايا المسلمين وتناصرهم أيا كان مصدر هذه الفكرة أو صاحبها.
تاسعا: في نهاية حديثك وللتدليل على تعاون المسلمين بمختلف تياراتهم فيما يحقق الخير للأمة، ضربت مثلا بموقف الأستاذ حسن البنا رحمه الله، عندما انشقت جماعة شباب محمد - وليس جيش محمد - عن الإخوان، فكان البنا رحمه الله أول المسجلين فيها. وأشكرك على هذا المثل الرائع، واسمح لي أن أزيد بعض المعلومات للتوضيح وزيادة الفائدة والعبرة، فأقول: لم يكتف الأستاذ البنا فقط بكونه أول من اشترك في تلك الجماعة المنشقة عن جماعته، بل قال فيهم: "لقد خسرنا إخواناً لنا من أعز إخواننا وأطيبهم".
وذكر الأستاذ منير الغضبان في إحدى مقالاته أن البنا رحمه الله سُئل ذات مرة عن جماعة إسلامية نشأت جديدا، فأجاب: "الإسلام بحاجة إلى عدد كبير من المحامين يدافعون عنه، ويردون بالحق كيد الكائدين، وبطلان المبطلين".
وقال الغضبان: "قد كانت مرجعية البنا في هذا الفهم هي أن التنوع سنة الله في الوجود كله، وأن الاختلاف في الرأي ضرورة بشرية، وأن الإجماع على أمر فرعي مستحيل، كما أن الإخوان جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين، فمن خرج منهم أو من لم يلتحق بهم - وإن كان مخطئاً أو مفرطاً - إلا أنه ليس كافراً أو فاسقا،ً خاصة إذا كان مجتهداً متأولاً يعمل من أجل نصرة الإسلام والمسلمين". انتهى كلام الغضبان.(9/163)
ومما أذكره في هذا المجال أيضا أن فضيلة الشيخ محمد الغزالي في قمة خلافه مع الإخوان وبعد أن تركهم، يقول في كتابه من معالم الحق: "شهدت رجلاً كان يهاجم الأستاذ البنا رحمه الله في الهيئة التأسيسية مهاجمة عنيفة، ويخاطبه بما لا يليق من الألفاظ. فلما ثار عليه الإخوان غضب الإمام الشهيد وثار في وجه الغاضبين، حتى لقد أخرج بعضهم، ثم أقبل مبتسما على هذا المهاجم المتجني، وقال له : قل ما شئت وانقدني كما ترى، فلن تُقاطَع بعد ذلك، ولعلي أجد في قولك ما أصلح به خطأ أو أقوم به معوجا".
ما أشد حاجة الدعاة والتجمعات الإسلامية اليوم إلى مثل هذه الأخلاق الرائعة، المستمدة من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سنته المطهرة، الذي رفض أن يقتل المنافقين المعلوم نفاقهم حفاظا على وحدة المسلمين وعدم بث الفتنة والفرقة فيهم، وقال كلمته الشهيرة: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" رواه البخاري، فكيف بإخواننا المؤمنين؟!.
عاشرا وأخيرا: أخي الحبيب، ليتنا جميعا ننتهي من هذه الجدالات والصراعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ونلتفت إلى ما يحقق خير أمتنا، فنتواصى بالحق والصبر، ونتعاون سويا لإعلاء كلمة الله ونصرة الدين ورفعة الأوطان، فالأعداء لم يعودوا على الأبواب، بل هم حطموا تلك الأبواب بالفعل، واقتحموا ديارنا ونهبوا خيراتنا، وانتهكوا أعراضنا، ونحن ما زلنا غارقين في خلافاتنا السطحية، فهل نظل في حالنا تلك حتى يفاجئنا عدونا كما فاجأ إخواننا؟ ساعتها هل سيفرق العدو بين سلفي وبين إخواني؟ لا أظن.
نسأل الله العفو والعافية، وأشكرك أخي مجددا، ومرحبا بك دائما.
=============
14 وسيلة للتفعيل الإيماني والحركي
أنا مربي في حقل الدعوة، ومسئول عن مجموعة طلاب، وهؤلاء الطلاب تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر والسابعة عشر، ويوجد عندهم تقصير في بعض الأمور التربوية والحركية.
أما التربوية والإيمانية، فتتمثل في ضعف الجانب الروحي بين الفترة والأخرى، وأتكلم معهم فيستجيبون بهمة عالية، ولكن بعدها يأتي الفتور والتراجع، فما الحل لهذه المشكلة؟.
أما الجانب الحركي فيتمثل في عدم السمع والطاعة في بعض الأمور المطلوبة منهم، هل هذا نقص في أسلوب التربية، أم يوجد أسلوب آخر في التربية الحركية لهؤلاء الفتية الذين لهم ما يقارب الأربع سنوات وهم معنا في حقل الدعوة؟.
أجيبوني، وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
شباب وطلاب, وسائل اجتماعية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ عبد الهادي الأحمد، الداعية والكاتب السعودي:
الأخ الكريم أبو جهاد، حياك الله، وبارك في جهودك، قد لمست في سؤالك الحرص والحرقة على من تربيهم، وهذا شيء رائع أن يكون المربي بهذه الأحاسيس التي تؤكد على مصداقيته ونزوعه للإتقان.
سن الطلاب الذين تتعامل معهم سن حرج، حيث يمر أولئك الفتيان بتحولات وتغيرات المراهقة سواء ما يتعلق منها من الناحية الجسمانية أو النفسية؛ لذا تراهم متقلبين غير مستقرين، وهذه إحدى ميزات المراهقة، أضف إلى ذلك فان لديهم رغبة ملحة للاستقلال ربما تنحو حينا نحو التمرد وعصيان الأوامر والتوجيه، كل ذلك ليشعر بفرديته واستقلاله ورجولته، وهذه المرحلة العمرية مقاربة للرجولة، فليسوا أطفالا فتكون البرامج الموجة لهم يغلب عليها الحركة والعاطفة، وليسوا برجال مكتملين لتغلب على البرامج المقدمة لهم جانب الإقناع الذهني والعقلي، بل هم بين بين.
إذا فلنخلط لهم البرامج ولننوعها لتلائم سنهم، وكل الذي نريد من الأخوة المربين هو المعرفة الجيدة بهذا السن ليكون إسقاط البرامج بعد ذلك مناسبا لهم، إذن - صديقي - دعني ألخص لك النقطة الأولى بعبارة واحدة: "افهم سنهم و تحدث بلغتهم".
ذكرت في طرف سؤالك أنك تتكلم معهم فيستجيبون بهمة عالية، ولكن بعدها يأتي الفتور والتراجع، وهذا أمر طبيعي، فالعاطفة تأثيرها وقتي ربما لا يتجاوز الساعات أحيانا، ثم سرعان ما تخبو شعلتها بعد ذلك، فلابد من تغذيتها من جديد، وهذه مشكلة في الطرح التربوي لدى المحاضن التربوية، إذ أن منطلقه في كثير من الأحيان وعظيا أو عاطفيا، بل ولفظيا على وجه التحديد في أغلب البرامج، فلِمَ لا نبحث عن وسائل تربوية ذات تأثير أطول، يستمر أثرها بعد مغادرة الفتى للمحضن التربوي أو الحلقة في المسجد؟.
الحل في رأيي هو تكوين (اتجاه) في نفس الطالب، أو تشكيل (عادات) طيبة في نفسه، وهذا لا يتأتى فقط بالكلام، بل علينا أن نغير في الوسائل المستخدمة والأساليب المتبعة، فلا نكتفي فقط بالمواعظ أو الدروس التي يغلب عليها الجانب التلقيني.
والحل كذلك هو الخروج عن المألوف - ولو قليلا - في الوسائل، وربما يكون ذلك مرهقا في البداية إلا أنه - عن تجربة - سيجعل العمل التربوي أكثر متعة، ويجعل نتائجه مبهرة.
وإليك بعض الاقتراحات لتتم النقلة في ذلك:
1- استبدال طريقة الإلقاء من طرفك أحيانا بندوة حول موضوع محدد، بحيث يقسم الموضوع على فرق صغيرة منهم، وكل فرقة تأخذ محورا من الندوة، وبعد نهاية كل محور يتم نقاشه في وقت محدد مسبقا، وفي هذه الطريقة يكون دورك التصويب حينا، والتعزيز حينا آخر.
2- استخدام أكثر من حاسة في التعليم والتربية، فبدلا من الإلقاء السلبي لِمَ لا يكون هناك عرض مصاحب له، أو يكتبوا خواطرهم بعد نهاية الدرس، أو يذكروا وسائل لتنفيذه في ورشة عمل مصغرة، أو جلسة عصف ذهني لأسباب وحلول ظاهرة يعانون منها.(9/164)
3- المنافسة الشريفة تسرع التعليم ولها تأثير، فمن المفضل تقسيمهم لمجموعات صغيرة بأسماء يختارونها بأنفسهم، وتكون المنافسة أثناء الرحلات فيما بينهم، أو في المدرسة مثل: أي مجموعة أكثر محافظة على الصف الأول في الصلاة؟ أي مجموعة كان تلخيصهم لكتاب ما حددته مسبقا أفضل؟ أي أسرة كان عرضها للندوة أفضل وأكثر إبداعا ... إلخ.
4- تذكر في عملك معهم (التاءات الثلاث)، وهي: التلقين، التكرار، التنويع، فلا مانع من طرح المواضيع أحيانا بالطريقة التقليدية، وهي التلقين، ولا تملن أبدا من التكرار معهم، لكن بنفس الوقت غيّر في الأساليب ونوّع فيها.
5- الخلاصة هنا هو أن تقلل من الأهداف التربوية، وتكثف من الوسائل والأساليب.
وبالنسبة لما ذكرت من ضعفهم (الروحي والإيماني)، فهذا طبيعي أن يصيب الإنسان، لكن الغير طبيعي أن يمتد الفتور إلى تضييع الواجبات والفروض.
والحل يبدأ منك ليصل لهم في النهاية، فما ذكر سابقا في طريقة التعاطي التربوي في المحضن ينبغي محاولة تطبيقه، بل والزيادة والإبداع فيه أكثر وأكثر، لازلت أتذكر مشهدا صامتا عن التقوى نفذه تلاميذ في عمر طلابك، حيث أتى أحدهم مشمرا ليمشي في طريق كله أشواك، وكان مشهدا مؤثرا علق في أذهاننا جميعا، فلا مانع في رأيي من استخدام الفن كالتمثيل والرسم والإنشاد في التربية، فلها تأثير عميق في النفس.
وهذه بعض المقترحات لعلاج الضعف في الجانب الإيماني لدى الطلاب:
1- صيام الاثنين - لمن شاء - والإفطار في المحضن التربوي، أو التواصي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر والإفطار سويا كذلك.
2- التواصي بقيام الليل ولو بثلاث ركعات، والمداومة عليها، وبيان فضلها.
3- سماع شرائط كاسيت تغطي هذا الجانب، كالشرائط الوعظية والإيمانية، وليكن مثلا لكل أسبوع شريط.
4- لا تمل مطلقا من ذكر السير والتراجم معهم، فهذا العمر يتأثر بذلك كثيرا، ويمكنك الاستعانة في ذلك بكتاب "تهذيب سير أعلام النبلاء" للشريف محمد عقيل موسى.
5- قيام الليل الجماعي في الرحلات والسفر.
6- التواصي بالمحافظة على الأوراد الصباحية والمسائية، والتذكير الدائم بفضلها، وحبذا لو عقدت مسابقة في حفظها.
7- طرح موضوعات، أو تلخيص كتب وشرائط كاسيت، أو تنظيم ندوات ومناقشات وورش عمل في مواضيع ذات صلة، ومن الموضوعات المقترحة لهذه الندوات: حلاوة الإيمان، لذة المناجاة، قيام الليل، السنن المهجورة، الأنس بالله، فضل صيام التطوع، ترجمة عبد الله بن عمر أو سعيد بن المسيب أو الربيع بن خثيم، عرض بعض الكتب مثل: "واحات الإيمان" للبلالي، "الرقائق" للراشد، "تهذيب مدارج السالكين" للعزي، "فن الذكر والدعاء عند سيد الأنبياء" للغزالي ... إلخ.
8- محاولة إيجاد الدافع الذاتي لدى من نربيهم، فيُقدموا على الأعمال برغبة داخلية، بدلا من دفعهم بوسيط (مربي، صديق، معلم،والدين)، وهذا لا يتأتى إلا بإيجاد القناعات لديهم بذلك، وتحبيب العمل إليهم وترغيبهم فيه، بل ومشاركتهم أيضا في القيام به.
9- وأخيرا عزيزي المربي لتكن توقعاتنا ممن نربيهم متناسبة مع سماتهم وقدراتهم العمرية حتى لا نصاب بالإحباط، واذكر – أخي الكريم - أن قطف الثمرة في العملية التربوية ليس بالسهل، بل ربما لا تتاح لك فرصة القطف، لكن هناك رب في السماء يجازيك على عنايتك وسقياك لتلك البذرة التي سهرت وأرقك حالها.
تقبل الله منك حرصك على من تدعوهم، وجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة.
============د
الملل الدعوي .. كيف نتجاوزه؟
في العمل الدعوي تضطر إلى أن يجلس معك مجموعة ممن يشاركونك همّ الدعوة والعمل لها، سنواتٌ وأنتم نفس المجموعة، وهذا يؤدي إلى مللهم منك إن كنت تشرف على إدارتهم، وهذا ينعكس سلبًا على العمل الدعوي.
سؤالي: كيف يمكن أن نتجاوز حالة الملل هذه، والخوف أن يتحول العمل الدعوي إلى عادةٍ أو روتينٍ مملٍّ؟.
كيف نخرج من هذا؟.
وجزاكم الله خيرًا.
…السؤال
فنون ومهارات …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
أخي الكريم عبد السلام، حفظك الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
الملل والسأم والضجر، من الظواهر المرضيَّة التي يمكن أن تصيب العمل الإسلامي والعاملين للإسلام، وقد تدفع بهم في النتيجة الى قعر الإحباط واليأس!
وأنت قد أشرت في رسالتك إلى مثل هذه الظاهرة، وإنْ باختصارٍ شديدٍ، قد لا يُعين على تناولها ومعالجتها بشكلٍ جيِّدٍ وجذريٍّ.. إنَّما من خلال ما مرَّ من أسئلةٍ وتجارب سابقةٍ يمكن وضع الأصبع على العلَّة، وبالتالي يمكن الإسهام في معالجتها بعون الله تعالى.
أقول ابتداءً: إنَّ أيَّ حالة ركودٍ وعدم تحرُّكٍ، وجمودٍ وعدم تطوُّرٍ، وقعودٍ وعدم تجدُّدٍ، ستنتهي حتمًا بالتوقُّف، وهي ستموت، ولن يُكتَب لها الحياة بحالٍ من الأحوال!
سبب ذلك أنَّ التجديد والتجدُّد، والتطوير والتطوُّر، سنَّةٌ إلهيَّةٌ لاستمرار الحياة.. وبدونها لا تكون حياةٌ ولا استمرار لهذه الحياة.. حتى الإسلام - وهو منهج الله تعالى ورسالته الخاتمة - تجري عليه هذه السنَّة، التي هي سبب استمراره وحفظه، والتي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلِّ مائة سنةٍ مَن يُجدِّد لها دينها" رواه أبو داود، ورجاله ثقات.
الفصول الأربعة، هي حالة من حالات التجدُّد المناخيِّ اللازم لاستمرار الإنسان والحياة.
تعاقب الليل والنهار هو حالة تجدُّدٍ عضويٍّ ومعنويٍّ للإنسان والحياة.
الحياة الأسريَّة، والعلاقة الزوجيَّة، لابدَّ لها من تجدُّدٍ حتى تستمرَّ متألِّقةً متجانسةً وسعيدة، وعدم حصول ذلك يمكن أن يفسخها ويدمِّرها.(9/165)
إنَّ كلَّ ما في الكون من مخلوقاتٍ لا يمكن إلا وأن يخضع لهذا القانون الإلهيِّ ليتمكَّن من المحافظة على ديمومته واستمراره.
الإيمان نفسه - الذي يمثِّل حالة العافية العقديَّة لدى الإنسان - هو يخضع أيضًا لنفس المعادلة، والحديث النبويُّ يؤكِّد ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" رواه الطبراني بسندٍ حسن، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنادون لتجديد الإيمان.
والصلاة ما لم تتجدَّد من خلال تنوُّع القراءة، وتحسُّن التلاوة، وتنامي الحضور، يمكن أن تفقد طعمها وأثرها وبالتالي يُعطَّل دورها كأداة للتربيةٍ ووسيلة للتزكية، مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر).
وإذا عدنا الى المشكلة المطروحة، والمتعلِّقة بالملل الذي يشعر به أحدنا إن كان مسئولاً عن إدارة مجموعةٍ وتعهُّدها بالتوعية والتوجيه، لطالعتنا نفس العلَّة، ومَثُلت أمامنا الأسباب.
فالشخص الذي لا يتغيَّر، ويبقى هو نفسه الذي يعطي ويتابع ويدير، بالرغم من تغيُّر المراحل والظروف، سيكون مدعاةً لملل الآخرين منه وملله منهم.
والموجِّه والخطيب والداعية والمرشد الذي لا يقدِّم جديدًا سيكون مملاً في توجيهه وخطبته وإرشاده، ومثل هؤلاء كمثل الطبيب الذي إن لم يسعَ دائمًا وباستمرارٍ إلى زيادة ثقافته الطبيَّة، ومتابعة مستجدَّات المهنة سيصبح تقليديًّا بالتالى، ويعيش على هامش الحياة الطبيَّة، وشأنه كذلك كشأن المهندس والمحامي والصناعي والتاجر والمعلِّم وغيرهم إذا هم رضوا بواقعهم ولم يعملوا على التجديد والتطوير في إمكاناتهم.
إنَّه لابدَّ من إعادة النظر في المربِّي، ومنهج التربية، وآلية ووسائل التربية، وفي تغيُّر المكان والزمان، فليست كلُّها سواء.
وفوق هذا وذاك فمطلوبٌ من المربِّي، أن تكون تربيته بلسان حاله قبل لسان مقاله، ذلك أنَّ لسان الحال أوقع من لسان المقال، وصدق عليُّ بن أبي طالبٍ حيث يقول: "من نصَّب نفسه للناس إمامًا فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلم نفسه ومهذبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذبهم".
أخي الكريم، أذكر أنَّ أحد الإخوة طرح مشكلةً شبيهةً بالمشكلة التي طرحتها في رسالتك، فكان الجواب التالي تحت عنوان "ملل الدعاة وفتورهم.. دلالات وأسباب "، ومن زاويةٍ أخرى غير الزاوية التي تناولتُ بها مشكلتك، أضيفه إلى ما سبق من كلامٍ حول الموضوع.
وهذه المشكلة تعكس حالة الجمود وعدم التجدُّد في واقع العمل الإسلامي المعاصر، فضلاً عن التخلُّف عن واقع العصر وعدم الأخذ بالأسباب والإمكانات المتوافرة فيه.
إنَّ السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربويَّة والدعويَّة، وبذلك تبقى "التربية" استفادةً بدون إفادة، كما تبقى "الدعوة" أخذًا بدون عطاء.
أمَّا المنهج الإسلامي - قرآنًا وسنَّةً وسيرةً وتاريخًا - فيَعتبر العطاء ثمرة الأخذ والتلقِّي، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "بلِّغوا عنِّي ولو آية" رواه البخاري والترمذي.
وهل أدلّ على هذا المعنى من قوله تعالى: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)؟.
وفي ضوء هذا التصوُّر تصبح "التربية" كما "الدعوة" مفرداتٍ في إطار "المشروع الإسلاميِّ" الذي يهدف إلى إصلاح وتغيير الواقع الاجتماعيِّ، كما يصبح لكلِّ فردٍ دوره في هذا المشروع.
النظريَّة التربويَّة:
إنَّ هذه الاعتبارات الموضوعيَّة وغيرها تفرض على الحركة الإسلاميَّة أن تعمل على إعادة النظر في نظريَّتها التربويَّة، وتعمد إلى تطويرها بما يتكافأ والدور الموكول إليها.
إنَّ النظريَّة التربويَّة للمشروع الإسلاميِّ يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة تربية الأمَّة، وإلى نظريَّةٍ تصلح لأن تُبنى عليها السياسات التربويَّة في المؤسَّسات الأهليَّة والرسميَّة على حدٍّ سواء.
النظريَّة الدعويَّة:
وما يُقال عن ضرورة إعادة النظر في النظريَّة التربويَّة يجب أن يُقال كذلك في النظريَّة الدعويَّة، تربيةً وخطابًا وأداءً ونهجًا ووسائل وآليات.
لم يعد جائزًا بقاء الدور الدعوي محصورًا في خطبة الجمعة والمناسبات التاريخيَّة - على كبير أهمِّيتها وقيمتها - فالمجتمع من حيث المساحة يتعدَّى مساحة المسجد والقاعة أو المنتدى، والدعوة يجب أن تصل إلى كلِّ موقعٍ وتبلغ كلَّ قطاع، ليتحقَّق الشهود العام على الناس، أفرادًا ومؤسَّسات، (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
والنظريَّة الدعويَّة - منهجيَّة ومادَّة - غير محصورةٍ بطبقةٍ معيَّنةٍ من الناس، فهي ليست وظيفة علماء الشريعة وحدهم - على سبيل المثال - وإنَّما هي وظيفة الجميع في كلِّ مواقعهم واختصاصاتهم ومنابرهم.
من خلال هذا التصوُّر يبقى المسجد منبرًا دعويًّا رئيسيًّا، مضافًا إليه المنبر التعليميُّ "المدرسيُّ والجامعيُّ"، والمنبر الإعلاميُّ، والمنبر الاجتماعيُّ الخيريُّ، والمنبر النيابيُّ والسياسيُّ، وسائر المنابر الأخرى.(9/166)
إنَّ النظريَّة التربويَّة والدور الدعويَّ يجب أن يتجاوزا حدود الشريحة الإسلاميَّة الواحدة ليبلغا آفاق الأمَّة الإسلاميَّة، فضلاً عن آفاق العالم أجمع، تحقيقًا لعالميَّة الخطاب القرآني الدعوي: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
أخانا الفاضل، هذه الكلمات لا حياة لها إلا بالأفعال، فكن أنت بفعلك حياتها، وكن يوسف هذه الأحلام، ونحن ننتظر تواصلك ومتابعتنا بأخبارك.
=============
الحب .. سلاح الدعاة
أقوم بدعوة مجموعة من الناس تتفاوت أعمارهم ومستوى تقبلهم دعوة فردية، فما هو الأسلوب الأمثل للتعامل معهم مع هذا الاختلاف والتفاوت الحاصل بينهم؟.
…السؤال
فنون ومهارات, فقه الدعوة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
أخي الكريم باسم، الدعوة الفردية، أي التركيز على دعوة فرد، أو اثنين، أو أكثر.. مختلفي السن، والظروف، والقدرة على التلقي والاستيعاب، هي فن من الفنون التي يمكن لكل مسلم ومسلمة أن يمارسها ليقوم بفرض الدعوة إلى الله، كما يقول صلى الله عليه وسلم بصيغة الأمر: (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري، ولينال الثواب العظيم، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
وفي ذلك يمكن اتباع النصائح الآتية:
1- أن يجمع ما أمكن من معلومات عن الفرد الذي سيدعوه، من خلال زملائه أو أقاربه أو جيرانه مثلا، ويبذل في ذلك ما استطاع من جهد ومال ووقت، حتى لو استغرق الأمر عدة أسابيع أو شهور قبل دعوته، فهذه المعلومات هي التي ستجعله يُحقق أفضل النتائج في أسرع الأوقات، وبأقل الجهود وأقل الأخطاء، إذ بها سيتعرف على فكر المدعو، وثقافته، وظروفه الاجتماعية والمالية، وطبيعة عمله، وما يُفرحه أو يُحزنه، وما يحبه أو يكرهه، وأوقات فراغه، واهتماماته، سواء أكانت فنية أم رياضية أم علمية أم تجارية أم سياسية أم غيرها، وتركيبة شخصيته، فهو مثلا عصبي أم هادئ؟ كريم أم بخيل؟ نشيط أم كسول؟
ونحو ذلك من المعلومات التي ستعين الداعي على حُسن اختيار أنسب المداخِل لقلب المدعو وعقله، وأنسب المواضيع التي سيبدأ بها الكلام معه، وأنسب الأوقات والأماكن.
فليس من الضروري مثلا أن يبدأ الكلام معه عن الصلاة أو غيرها من العبادات، فقد يبدأ مع الشاب مثلا بالحديث عن الحب، والزواج العُرفي، والعادة السرية، والسجائر، والمخدرات، والموسيقى الهابطة، والأفلام السيئة، وعلاج الإسلام لمثل هذه الأمور.
وقد يبدأ مع الأطفال بقصص أطفال الصحابة وشجاعتهم، وذكائهم، وأخلاقهم ... إلخ.
وقد يبدأ مع العمال بعلاج الإسلام للبطالة، وكيفية زيادة الدخل، واحترام العمل وتطويره.
وقد يبدأ مع التجار بتذكرتهم بأهمية إخراج الزكاة واستخدامها في مشاريع اقتصادية نافعة.. وهكذا.
2- بعد جمع المعلومات يبدأ الداعي بالتعارف التفصيلي ما أمكن على من سيدعوه، على اسمه، وسنه، وبلده، وأهله، وأقاربه، وسكنه، وعلمه، وعمله، وماله، وغير ذلك، فهذا التعارف سيؤكد ويُصحح واقعيّا المعلومات التي جمعها نظريّا عنه من قبل، وسيكون مدخلا جيدا لتعريفه وتعليمه الإسلام، وتربيته عليه بعد ذلك، ويتمّ التعارف من خلال الزيارات المتبادلة، والاجتماع على الطعام، والمحادثات في الطريق، أو النادي، أو وسيلة المواصلات، أو نحو ذلك.
3- بعد التعارف التفصيلي يُحدد الداعي الهدف المرحلي الذي يريد أن يصل إليه مع كل مدعو، فقد يُقدر الموقف، ويُغلب ظنه أن هذا المدعو قد يحتاج الآن إلى أن يعرف ربه أولا، والآخر يحتاج إلى الالتزام ببعض العبادات كالصلاة أو الصيام، والثالث يحتاج إلى التذكرة ببر الوالدين، والرابع قد يحتاج إلى التنبيه على أهمية العلم، والخامس أهمية الكسب الحلال.. وهكذا.
فتحديد الهدف مع كل مدعوّ يُركز الجهود دون فقدان لها في غير موضعها، ويوفر الأوقات؛ فتتحقق النجاحات.
4- بعد تحديد الهدف يبدأ الداعي في زرع الحب، وتكوين علاقات جيدة بينه وبين من يدعوه، من خلال التهادي بهدايا بسيطة في ثمنها، لكنها مناسبةٌ قيمةٌ في معناها، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) رواه أبو يعلى بسند حسن.
ومن خلال السؤال والمشاركة في الأفراح والأحزان، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى سائره بالحمى والسهر) رواه البخاري ومسلم.
ومن خلال الإعلام بالحب، فقد كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل، فقال: يا رسول الله إني أحب هذا، قال صلى الله عليه وسلم: (أعلمته؟) قال: لا قال: (فأعلمه)، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. رواه أبو داود. بسند حسن.
ومن خلال إفشاء السلام، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
5- مع زرع الحبّ يقوم الداعي بزرع الثقة بينه وبين مدعويه، والثقة تُبنى مع الوقت، وذلك من خلال القدوة الحسنة في كل التصرفات، فأفعاله توافق أقواله، فإذا ما وثق فيه المدعو تلقى عنه الإسلام الذي هو السبب في إحسانه هذا.(9/167)
6- إذا ما تعرف الداعي على المدعو تفصيليا، وإذا ما حدد الهدف الذي يريد توصيله إليه، وإذا ما زرع الحب والثقة بينه وبين من يدعوه، حتى ولو استغرق في هذا التمهيد شهورا، أصبح الطريق سهلا مُمهدا للكلام عن الإسلام ذاته، بما يناسبه وبما يناسب أولويات حياته، وأصبح من السهل تنويع أساليب الدعوة معه.. بين الكلمة، والشريط، والكتاب، والرحلة، والمعسكر الصيفي، والجلوس معه مرة أو مرتين أسبوعيّا أو كلّ أسبوعين لمدة ساعة أو ساعتين لدراسة تفاصيل عبادات ومعاملات الإسلام، والاتفاق معه على واجب عمليّ أسبوعيّ تتعاونان فيه على طاعة الله والتناصح فيها، كغض البصر مثلا، أو حفظ اللسان، أو دعوة غيره لما يعرفه عن الإسلام، أو الإنفاق في سبيل الله ... إلخ.
وهكذا يتربى على الإسلام تدريجيّا، ويتحول مع الوقت من مدعوّ إلى داع يوما ما بإذن الله، ولمن دعاه ثوابه العظيم.
ونؤكد - أخي - على أنه مهما كثر العدد، وتنوعت الظروف، فإنك تعامل كل واحد منهم حسب حاله وظروفه، وتجتهد في أن توزع جهدك معهم، وتستعين بمن حولك من إخوانك ممن يمكنهم تقديم المساعدة في التواصل معهم.
وفقك الله وأعانك، ونصر بك الإسلام والمسلمين، ولا تنسنا من صالح دعائك.
==============
نحن وطلابنا والسلفي.. الحق أولي
السلام عليكم،
سؤالي سريع جدا، ويحتاج إلى إجابة سريعة جدا من فضلكم.
وفقني الله بمنّه وكرمه مع مجموعة من الإخوة الأحبة في العمل في مسجد في منطقتنا، وبحمد الله جذبنا الكثير من الطلاب والشباب إلى المسجد من خلال النشاطات الغير منهجية والدروس، نسأل الله القبول.
بحمد الله أمضينا أكثر من سنة ونصف في المسجد والحمد لله، المهم أن أحد المصلين بدأ يُعطي طلابنا دروسا في بيوتهم، وبدأ يؤثّر على حلقات المسجد بحيث تشتت الطالب، علما أن هذا الشخص سلفي.
المشكلة أنه بدأ معهم بالبدع ومحدثات الأمور، وأظنكم تعلمون هذا المنهج وأسلوبه، وذلك رغم أن أعمار هؤلاء الطلاب لا يزيد عن 10- 14 سنة.
تحدثت معه لمدة أكثر من ساعة ونصف، وفي النهاية استنتجت أنه يعتقد أن كل الناس على ضلال وهم فقط على حق، لم أتخيل أني سأخوض نقاشا مثل النقاش الذي خضته معه، للأسف كان جامدا ورفض أي تعاون، فقط يريد أن يقتحم الحلقات ويثير فتنة!
أرجوكم الموضوع خطير ونريد اقتراحا عمليا.
…السؤال
الدعوة العامة, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
أخي الحبيب أبو عرين، مرحبا بك ضيفا عزيزا على موقعنا، وندعو الله أن يجعل لك من كنيتك نصيبا، فتكون أسدا في الحق، تحفظ عرين الأمة وتحمي حماها.
رائع منك أن تدرك أن ما أنت فيه - من نعمة العمل في طريق الدعوة إلى الله عز وجل - هو من توفيق الله عز وجل لك ومنّه وكرمه عليك، وجدير بك أن تشكر هذه النعم، وتحافظ عليها بشكرها، فالله عز وجل يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ).
وقبل أن نتحدث في أمر هذا الأخ الذي تضايقك أفعاله ولا تعرف كيف تتعامل معه، أحب أن أناقشك في عبارة لفتت نظري في كلامك، ولعلك لا تقصدها أو لم أفهمها أنا على مرادك، ولكني سأناقشك فيها على حسب فهمي لها، فقد قلتَ أخي: "وبحمد الله جذبنا الكثير من الطلاب والشباب إلى المسجد من خلال النشاطات الغير منهجية والدروس"!! فهل تقصد بكونها غير منهجية أنها غير منظمة وعشوائية، أم تقصد أنها لا تتبع منهجا معينا من مناهج التجمعات الموجودة على ساحة العمل الإسلامي؟
عموما إن كنت تقصد الأولى فإني أقول لك: ولماذا لا تكون منهجية ومنظمة ومخططة؟ ألا ترى معي أن ذلك سيكون أفضل ويعطي نتائج أفضل؟
إن التخطيط والمنهجية من لوازم نجاح أي عمل، أما العشوائية، فحتى لو حققت بعض النتائج في بادئ الأمر، فإن هذه النتائج لا تدوم ولا تستمر، ولا تعطي مؤشرات عميقة ودلائل صحيحة، ويكون العمل غير ثابت الأركان، سطحيا لا يقوم على أسس تحميه وتضمن استمراره.
ويمكنكم أن تستعينوا في هذا التخطيط بآراء العلماء والدعاة الواعين في بلدكم أو في غيره، وبذوي الخبرة في العمل الدعوي مع هذه الفئة العمرية.
أما إن كنت تقصد أنها لا تتبع منهجا معينا من مناهج التجمعات الموجودة على ساحة العمل الإسلامي، فلست أرى في ذلك مشكلة تعيق عملكم أو تعيبه، لو كانت لكم مرجعياتكم العلمية والفقهية والدعوية الموثوق بها، التي تقيم عملكم وترشدكم فيه.
نعود إلى قصتكم مع هذا الأخ الذي أسميتَه سلفيا، وسأصطلح معك على هذا الاسم لمجرد التعريف، وإن كنت لا أفضل استخدام هذه التسمية؛ لأنها تجرنا إلى فخ التصنيف والتقسيم الذي لا أحب أن نعامل الناس أو نراهم من خلاله، كما أن الانتماء للسلف شرف ومفخرة، أرى أنه لا ينبغي أن يحتكره أحد، أو نجعله نحن عيبا نلمز به المخالفين.
تقول إنه بدأ يعطي طلابكم دروسا في بيوتهم! ولم توضح نوعية تلك الدروس التي يعطيها في البيوت! هل هي دروس دينية أم دروس في مواد علمية مدرسية أو جامعية؟! فالوضع يختلف في كيفية التعامل مع كل حالة منهما.
فإن كانت تلك الدروس دينية، فينبغي أن تخبروا هؤلاء الطلاب، وكذلك هذا الأخ أن هذه الدروس إنما مكانها الصحيح هو المسجد، لأسباب كثيرة، منها أن يستفيد منها من يريد من عموم المسلمين إن كان فيها إفادة، وكذلك لدفع الشبهات عنها، فجعلها في البيوت مدعاة للظن والوساوس حولها وحول سلامة الأفكار التي تبث من خلالها.(9/168)
أما إن كانت تلك الدروس في مواد علمية مدرسية أو جامعية، فهو أمر يُحمَد له، ومدخل دعوي جيد اختاره هذا الأخ بذكاء، فإن كنتم تودون أن تتنافسوا في الخير معه، فقدموا مثلما يقدم في شكل تعاوني تكاملي، لا بشكل صراعي، وذلك بأن ترشحوا منكم المتميزين في المواد المختلفة والمغايرة للمواد التي يدرسها هذا الأخ، ليقوموا بتدريسها للطلاب، فلا ينفرد بهم دونكم.
أما عن الخلافات الفكرية بينكم وبينه، فحاولوا إدارتها بعيدا عن سمع وبصر الطلاب والناشئة؛ حفاظا عليهم من الفتنة في دينهم، فليس لهم ذنب كي نجرهم إلى كهف الخلافات المظلم والجدل العقيم.
وهذا لا يعني ألا نوضح لهم الحقائق الشرعية والأمور الملتبسة، بحيث يفهمون دينهم فهما صحيحا على مراد الله عز وجل مطابقا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن المفاهيم غير الصحيحة التي قد يقدمها من خلال الحديث عن البدع ومحدثات الأمور وغيرها من مفردات هذا المنهج، فحاولوا أنتم تحصين طلابكم بالمفاهيم الصحيحة والتعريفات السليمة للبدع، كل ذلك مقرونا بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء الموثقة؛ ليكونوا على دراية ووعي ويكوّنون بداخلهم خط دفاع يرفض الأفكار والمفاهيم الخاطئة ويردها.
وأنا لا أرى طائلا ولا جدوى من بذل الأوقات وإنفاق الجهود في الجدل معه، ولا تجعلوا همكم أن يقتنع بأفكاركم ومنهجكم، بل اجعلوا همكم في الوصول إلى نقاط التقاء معه، ومجالات للتعاون والعمل المشترك، واعملوا على إقناعه بتقسيم الأدوار بينكم وبينه للوصول بهؤلاء الطلاب إلى الشخصية المتكاملة.
حاولوا أن تقنعوا هذا الأخ - بعد أن تقتنعوا أنتم - بأن ما يحتاجه هؤلاء الطلاب منكم ومنه الآن ويُعد فرضا وواجبا في حقهم وحقكم هو أن تعلموهم أصول دينهم، ليعرفوا ربهم معرفة حقيقية سليمة، وبالتالي يعبدونه عبادة صحيحة، تنضح ثمارها على أخلاقهم ومعاملاتهم مع الناس، باختصار: يحتاجون إلى بناء ذواتهم وتأسيسها تأسيسا سليما.
أما التربية على الجدل والانتصار للرأي والخوض في المسائل الخلافية فإنه يهدم ولا يبني، ويفرق ولا يجمع، ولا يقدم إلا شخصيات هلامية مهزوزة، لا تقوم بواجبها نحو نفسها، فضلا عن القيام بواجبها تجاه دينها وأمتها.
أما إذا لم يستجب هذا الأخ لجهودكم في التعاون والالتقاء معه، وأخذ يثير الفتن فيجب في هذه الحالة أن يتم إيقافه بحزم بالاستعانة برواد المسجد والقائمين عليه وعلماء المنطقة، مع الحرص على عدم اختلاق المشكلات والاستفزاز، بل تسلحوا بالثقافة الشرعية التي تستطيعون بها الرد على ما يثيره من فتن وشبهات لوأدها في مهدها، وعندها ستنفد بضاعته ويكف عن إثارة الفتن (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ).
وأخيرا أهمس في أذنك - أخي - بهمسة أرجو أن تعيها وتتأملها جيدا، وهي:
ليس شرطا أن تكونوا أنتم دائما على صواب وهذا الأخ على خطأ، بل ربما يكون معه الحق في مواقف كثيرة، فلا تجعلوا غير الحق مردّا ومرجعا لكم وحكما بينكم، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.
وإن كان هذا الأخ يظن أنه يحتكر الحق وحده، فعلموه أنتم بأخلاقكم أن الحق ليس حكرا على أحد، كما أن احترامكم للحق ووقوفكم عنده والاعتراف بالخطأ إن وُجد، يجعل هذا الأخ يحترمكم ويقدر أفكاركم ويثمنها، ويدفعه للتعامل معكم بنفس الطريقة، مما يضيق هوة الخلاف بينكما.
وتذكروا أن (الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وما بينكم وبينه هو تنافس في الخير وليس معركة، وكلكم على خير إن أحسنتم النوايا واجتهدتم في تصحيح المنهج والسبيل.
وفقكم الله وأعانكم.
===============
المرفهون لا يصلحون للدعوة !!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وفقكم الله وأعانكم في دعوتكم هذه، ولكم مني أسمى معاني التقدير والاحترام.
أنا شاب ممن يعملون حديثا بإحدى المؤسسات الدعوية التي تهتم بالشباب، خاصة من سن 14 إلى 17 عاما، وتعرفت علي شاب عمره 14 عاما، لكنه يمر بظروف خاصة، حيث إنه أكبر إخوانه، ووالده متوفَََََّي، وتزوجت والدته منذ فترة قريبة، وهي تدلِّله جدا وتلبي له كل احتياجاته وتثق فيه، وهو مؤدب جدا ويحبها ويجلها ويوقرها؛ هو عاطفي جدا ورقيق.
بدأت أدعوه، وتطور معي، وبدأ يحافظ على الصلاة بعد أن كان تاركها، فهو يستجيب سريعا ويتأثر بفضل الله عز وجل بما أقوله له لحد كبير، وهذا رفع من معنوياتي، إلى أن ذهبت لمن هو أكبر وأقدم منى، وقصصت له، فأحسست من كلامه بالرضا، ولكن ليس كما كنت أتوقع، وقال لي: جميل أن تجعله محافظا على الصلاة، ولكنه لا يصلح لحمل الدعوة بسبب ترفيهه والله أعلم، وقال لي سيأتي لك بآخرين، فاستغل الموقف.. وهكذا.
وهذا الكلام أصابني بالإحباط، خاصة أنني بدأت أحب هذا الشاب، وهو كذلك.
فما رأيكم فيما حدث؟ وهل يصلح أم لا؟ وهل هناك خطوات منتظمة لإصلاحه وتعديل ذلك الدلال و"الدلع"؟.
أفيدونا، ومن نهر علمكم اروونا ولا تبخلوا علينا.
وجزاكم الله خيرا كثيرا ونورا وفيرا وزادكم بصيرة.
…السؤال
الدعوة الفردية …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم الحسين،
جزاك الله خيرا على ثقتك بنا، وجزاك الله خيرا على ما تبذله من جهد في دعوة الآخرين إلى الخير وإلى الالتزام بمنهج الله تعالى، وأود أن أزف إليك بشرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكل من يتصدى لإرشاد الناس إلى الخير ويحثهم عليه، وذلك حين قال صلى الله عليه وسلم: "من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم.(9/169)
في البداية - أخي الفاضل - أود أن أطرح عليك بعض الأسئلة التي أظن إن تم التعامل معها بصورة موضوعية ستكون لك عونا على التعامل مع الموقف الذي طرحته، وهذه الأسئلة هي:
* من أين جاء الحكم على هذا الشاب بأنه لا يصلح لحمل الدعوة؟.
* ما المعايير والمقاييس الموضوعية التي حُكم بها عليه أنه لا يصلح؟.
* هل جاء هذا الحكم من خلال معاشرته ومخالطته بصورة كافية يمكن من خلالها إطلاق الحكم عليه بأنه لا يصلح؟.
* أليس من الممكن أن يكون هذا الحكم مجرد وجهة نظر لأحد الأفراد؟.
* أليس من الممكن أن يكون هذا الحكم قد بني على انطباع قديم، ومنذ فترة طويلة، وربما تكون شخصية هذا الشاب قد حدث فيها تغيُّر؟.
* هل هذه السمة التي ذكرتها "الدلع" من سمات الشخصية غير القابلة للتعديل، أم أنه من الممكن تعديلها وتطويرها وتغيرها؟.
* هل هذه السمة التي ذكرتها من الصفات التي تمنع أو تحول دون دعوته حتى يصبح هو نفسه حاملاً للدعوة إلى غيره؟.
وفي هذا الموضع يحضرني الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقد نشأ في حياة من الرغد والترف، وكان من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا قبل الإسلام، ولكن ذلك لم يمنعه من حمل لواء الدعوة، بل وحمل لواء المسلمين في غزوتي بدر وأحد، حتى استشهد وهو يحمل اللواء بعضديه بعد أن قطعت يداه رضي الله عنه.
وقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير يوما، وهو مقبل وعليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون" ذكره العراقي في تخريج أحاديث الأحياء، وحسَّنه الألباني.
إذن - أخي الكريم - ليس لمجرد أن هذا الشاب يحيا في رغد من العيش، ولأنه يلقى عناية زائدة من والدته نعتبره لا يصلح للعمل الدعوي، ونتوقف عن دعوته وعن الارتقاء بمستواه التربوي والدعوي، وما فائدة الدعوة والتربية إذن؟
إن من أهم وظائف التربية أنها تعمل على معالجة جوانب القصور، وتنمية نقاط الضعف في الشخصية، والمربي في ذلك مثل الطبيب يبحث عن مواطن الوهن ويتعامل معها ويعمل على معالجتها وتقويتها.
أمر آخر - أخي الكريم - أود أن أنبّه إليه، وهو أن معظم علماء الشخصية يتفقون على أن اكتمال الشخصية ونضجها لا يتم إلا في نهاية مرحلة المراهقة، ومعنى هذا أن الشخصية قبل ذلك تكون أكثر قابلية للتغير والتعديل والتطوير، فهي مازالت في طور التكوين.
وهذا الشاب مازال صغير السن، ولم تكتمل السمات العامة لشخصيته بعد، فلماذا نتوقف عن المساهمة في بناء شخصيته وتنمية بعض جوانب القصور التي لديه، بعد أن نتعرف عليها بصورة موضوعية ومحايدة وبعيدة عن الانطباعات الأولية التي غالبا ما تدوم عند بعض الدعاة.
أضف إلى ذلك - أخي الكريم - أنك ذكرت أن هذا الشاب سريع الاستجابة، وقد بدأ الحفاظ على الصلاة، وهذا مؤشر جيد على استعداده لتطوير ذاته، وهذا الاستعداد وتلك الرغبة في التغير أمر مهم وضروري في عملية التغيير والارتقاء بجوانب الشخصية.
والخلاصة - أخي الكريم - أرى أن تستمر مع هذا الشاب ولا تتوقف عن دعوته، لعل الله تعالى ينفع به الدعوة فيكون حاملا للوائها في يوم من الأيام.
وإليك هذه الأفكار التي أرجو أن تساعد على تنمية المسئولية لديه:
* تناول موضوع الشعور بالمسئولية، وأن يحرص المرء على القيام بكل المسئوليات التي تلقى على عاتقه بأفضل صورة ممكنة، وأهمية ذلك في الإسلام، مع تدعيم كلامك حوله ببعض الأحاديث والآثار والقصص والمواقف التي تحث على ذلك.
* فتح حوار ونقاش حول أهمية الشعور بالمسئولية وأثر ذلك في حياة الفرد بصفة عامة، وما يترتب عليه من نجاح في الدنيا والآخرة.
* تعطي هذا الطالب "شريط كاسيت" حول نفس الموضوع، وتطلب منه الاستماع إليه وتلخيصه مع استخراج أهم الدروس العملية المستفادة منه، ثم تطلب منه عرض هذا التلخيص وتلك الدروس المستفادة على مجموعة من زملائه.
* تعطيه كتيبًا يتناول هذا الموضوع، ثم تتناقش معه حول ما استفاده من هذا الكتيب.
* تطلب منه إعداد بحث مصغر يدور حول موضوع الإحساس بالمسئولية والقيام بالواجبات بأفضل صورة ممكنة، وتطلب منه في هذا البحث أن يجمع الآيات والأحاديث والآثار التي تدعو إلى ذلك.
* تصميم أحد المواقف التمثيلية أو المسرحيات القصيرة التي تعالج هذا الموضوع، وليكن له دور رئيسي في هذه المسرحيات.
* الحرص على إشراكه في القيام ببعض المهام الدعوية التي تناسب قدراته وإمكاناته الشخصية، فمن الممكن مثلاً أن تطلب منه أن يعد مسابقة، أو يشترك في إعداد مجلة حائط، أو أن يحكم مباراة لإحدى الألعاب، أو أن يدير فريقا من زملائه أثناء القيام ببعض المهام أو أثناء لعب بعض الألعاب الترفيهية، إلى غير ذلك من المهام التي تناسبه وتساعد على تنمية المسئولية لديه.
* من الممكن أيضًا أن تحثه على الاشتراك في الأنشطة الطلابية بمدرسته، مثل جماعة الإذاعة، والجماعة الدينية، وجماعة الصحافة، واتحاد الطلاب، وغير ذلك من الأنشطة المدرسية التي تناسب قدراته وإمكاناته.
* توجيهه إلى الالتحاق بعمل أثناء فترة الإجازة الصيفية، ومساعدته على إيجاد عمل مناسب له.
والله تعالى نسأل أن يكون لك عونا على حسن الدعوة إليه.
=============
كيف أقدم الصحابيات إعلاميا؟ .. الجمهور أولا
الإخوة الأفاضل في موقع إسلام أون لاين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا على خدمتكم للإسلام والمسلمين.(9/170)
أسألكم أن تفيدوني بأفكار لتقديم نماذج الصالحات - من الصحابيات والتابعيات رضي الله عنهن - إعلاميا، وذلك بطرح عملي بعيد عن التنظير، بحيث يُبقي شاباتنا على اتصال بالقدوة الحسنة، ولإحياء سيرتهن العطرة، إذ أسعى حاليا لتكوين مشروع (برامج) في هذا الجانب، وأريد طرحا مناسبا يوفيهن حقهن رضي الله عنهن.
وكذلك ومن باب إطلاعكم وخبرتكم أن تفيدوني بجوانب أخرى لم يوفيها الإعلام حقها، وخاصة في مجال المرأة والشباب.
وجزاكم الله عنا كل خير، ونفع بكم دائما وأبدا.
…السؤال
وسائل دعوية, المجتمع, الدعوة النسائية …الموضوع
الأستاذة عائشة عدنان جمعة…المستشار
……الحل …
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أختنا الفاضلة عبير،
نشكرك على ما قدمت من كلمات عن الموقع والعاملين فيه، سائلين المولى عز وجل أن يجعلنا عند حسن ظنكم، كما أحيي فيك - أختي الكريمة - الهمة العالية لمساعدة الشباب والشابات على اجتياز هذه المرحلة بيسر وأمان ونجاح؛ لتنعم الأمة بأجيال معطائين، وعن الشر مبعدين، وللخير فاعلين.
ولقد أصبت في نقطة البداية التي انطلقت منها وهي: النموذج الأفضل للاقتفاء والاقتداء، وهن ثلة من الصحابيات رضي الله عنهن، وتريدين طريقة لعرض هذه السير لتكون بمثابة محرك للسلوك نحو الأفضل لفتيات هذا العصر، وهذا يستدعي أن نأتي ببرامج إعلامية إذاعية وتلفازية تجعل الفتاة منجذبة لمتابعتها، مستفيدة من مادتها، متمثلة ما ترى في سلوكها ومعتقدها، مبتعدة عن التقليد والانصياع إلى صرخات التغريب.
ولتحقيق الفائدة من هذا البرنامج، فلا بد أن تحددي مجموعة من الأهداف الواضحة، حتى يصبح لكل برنامج هدف بعيد مرماه، ولكل حلقة هدف قريب، كما أنّ لكل لقطة ومشهد هدف واضح لدى معدّ البرنامج، على أن تكون الأهداف واضحة، ومحددة بدقة، وواقعية، وقابلة للقياس.
ومن الضروري كذلك أن يكون هناك تواصل مع الفئة المستهدفة من البرنامج، وذلك من خلال الهاتف أو الإنترنت أو البريد أو غير ذلك من الطرق التي يمكن التواصل من خلالها مع الجمهور؛ وذلك لقياس مردود البرنامج، ومدى تحقيقه لأهدافه المرجوة منه.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها:
* ينبغي معرفة خصائص المرحلة العمرية التي يخاطبها البرنامج، ومشكلاتها، وطموحاتها وأمنياتها، وذلك من خلال القراءة عن خصائص هذه المرحلة، وكذلك من خلال التواصل مع هذا الجمهور بشكل مباشر، وإعداد استبيانات تشمل ما يحبون وما يكرهون، وماذا يريدون؟.
* ينبغي أن يكون البرنامج متنوعا تنوع مطالب المرحلة العمرية، وتنوع الأشكال الفنية مثل: مسابقات، مشاهد تمثيلية، هوايات ... إلخ.
* أن يحمل البرنامج على عاتقه عملية بناء الشخصية بكافة جوانبها: العقلية والاجتماعية والإيمانية والبدنية والنفسية، وهدم ما لا ينفع، مما علق بها من البيئة المحيطة، وتقوية الإرادة، وتمكين الجيل من التخلص الذاتي مما يضر، والاكتساب الذاتي لما ينفع.
* من خلال تنفيذ ما سبق نختار في كل حلقة موقفا من مواقف الصحابيات يتناسب مع الفكرة التي نعرضها، وحتى يكون القالب جذابا لم لا نجعل مجموعة من الفتيات يعشن حياتهن كما الواقع، ويكون لهن مثلا نشاط مدرسي أو حوار يتخلله موقف هذه الصحابية الجليلة.
* أؤيد أن يكون لمعد البرامج جمهور إلكتروني واجتماعي يشارك في انتقاء الموضوعات وفي حل المشكلات، وليكن لهذا الجمهور رأيه المحترم، ولنشجعه على إبداء الرأي، ولنستفيد منه في مدنا بالأفكار المتجددة، ويقوّمون لنا المسار ليعم الخير والاستقامة كل دار.
أتمنى لكِ التوفيق والسداد، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.
================
"الرسول قدوتنا".. كيف نحققه عمليا؟
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يتخذ بعض الدعاة شعار "الرسول قدوتنا"، فكيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا عمليًّا؟
أريد شرحًا وافيًا، وفي أقرب فرصة.
جزاكم الله خيرًا.
…السؤال
الدعوة العامة, زاد المسير …الموضوع
الأستاذ هاني محمود…المستشار
……الحل …
أخي الحبيب، حيَّاك الله وبارك فيك، ونفع الله بنا وبك الإسلام والمسلمين.
ربَّما يكون من محاسن القدر أن يكون الردُّ على سؤالك قريبًا من ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّني لأقدِّر أهمية مثل هذا السؤال في مثل هذه الفترة التي تعاني فيها الأمَّة من فقدان التوازن، وغيبة القدوات التي يمكن أن توفر للأجيال النماذج الجديرة بالمحاكاة.
حيث إنَّ من أبرز أسباب ومظاهر أزمتنا الحالية هو عدم توفر من يجعلون حياتهم تطبيقًا عمليًّا للمبادئ التي يتكلَّمون بها، والقيم التي يدعون إليها، فبتنا في أمسِّ الحاجة إلى الرجوع لذلك النبع الصافي، والجيل الأعظم، والقدوة التي ما مرَّ على وجه الأرض لها مثيل، إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أخي الكريم، إنَّ أهمِّيَّة السؤال الذي طرحته تنبع من أمرين:
الأمرالأول: أنَّنا مأمورون شرعًا أن نتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله إذا أردنا الوصول إلى الله تعالى وصولاً سليمًا، فربُّ العباد قد بيَّن للعباد ذلك فقال: (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم وضَّح ذلك وبيَّنه حينما قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلُّوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنَّتي".(9/171)
الأمر الثاني: هو أنَّ في تاريخ البشر لا يوجد لدينا النموذج الكامل والواقعي، الذي جمع خصال الخير كلَّها، وكان في تطبيقه مناسبًا لطبيعة البشر بحيث يسهل على كلِّ إنسانٍ أن يتَّبع نهجه مثل النبي صلى الله عليه وسلم.
فهو خير من طبَّق منهج الله، ومنهج الله هو المنهج الوحيد الذي لا يوجد فيه إلا كلُّ ما ينفع الإنسان في حياتيه الدنيا والأخرى؛ فالذي أنزله هو خالق الإنسان والعليم به وبما يصلحه وما يفسده، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صورةً حيَّةً لهذا المنهج، صورة جعلت من مبادئه حركةً وحياة، فكان وصف زوجه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها له يوم سئلت عن خلقه فقالت: "كان خلقه القرآن" رواه مسلم، كان هذا هو أقرب وصف لحاله صلى الله عليه وسلم.
وإنَّنا إذا أردنا أن نتَّخذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً عمليَّةً لنا فإنَّ أقرب طريق لذلك في ظنِّي هو:
- لا بدَّ لنا أن نكثر القراءة في سنَّته وسيرته صلى الله عليه وسلم، حتى نتعلَّم كيف كانت حياته، وكيف كانت معاملاته، وكيف كان يسير في جوانب حياته كلِّها، وإنَّ من أجمل ما يمكن رؤيته في ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الوحيد على وجه البسيطة الذي كانت حياته كلّها كتابًا مفتوحًا للجميع، فلم يكن في حياته الجانب الخاصّ الذي لا يعرفه الناس، بل إنَّ حياته من أصغر صغيرةٍ وأخصِّ خصيصةٍ فيها كانت معروفةً لأصحابه، بل إنَّها دُوِّنت حتى تقرأها أمَّته من بعده إلى قيام الساعة.. من إدراته شئون دولته حتى دخوله الخلاء لقضاء حاجته، ومن قيادته لجيوشه حتى معاشرته لنسائه، توفر لدينا في كلِّ ذلك رصيدًا ليس بالقليل يعرِّفنا كيف كان تصرُّف النبي في كافة هذه الأمور.
لذلك فإنَّ أوَّل شيءٍ يمكننا فعله هو أن نعرف بمن نقتدي وفيما نقتدي به، وذلك بالقراءة عن النبي وسنَّته.
- الارتباط بروح المنهج والقيم الثابتة فيه ومحاولة تكييف حياتنا بما فيها من تنويعاتٍ مختلفةٍ كي تتواءم وتتماشى مع هذه القيم الثابتة حتى نجعلها حاكمةً لحياتنا.
إنَّ علينا أن نستخرج من خلال قراءتنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم روحه في التعامل مع الأمور، فلا تنحصر استفادتنا على الصورة التي نقرؤها عن حياته، فلسنا نقول إنَّ الاقتداء هو أن نركب الجمال ونلبس المرقع، وننام على الحصير، ولكنَّنا مطالبين أن نتعلَّم الدروس من هذه المواقف وما هو مبثوثٌ فيها من قيمٍ عظيمة، نتعلَّم من زهده وتواضعه، نتعلَّم من رحمته بالناس وشفقته عليهم وحبِّه الخير لهم، نتعلَّم من مساعدته لأهله ومشاركته لهم - على قدر انشغالاته - كافة أشكال حياتهم، والتي ربَّما ننظر لها نحن بعين التصغير، نتعلَّم عفوه مع قدرته، نتعلَّم صدقه ووفاءه حتى مع من ظلمه.
يجب أن تكون قراءتنا في حياة نبينا قراءة الباحث عن المنهج الذي يضبط له أموره.
- إذا ما توفر لنا العلم به صلى الله عليه وسلم وبمنهجه، كان علينا أن نبدأ في تربية أنفسنا على اتباع منهجه وتمثُّل حياته، فيمكن حينئذ أن نجعل لنا "ورد الاقتداء"، وهو أن نبدأ في تطبيق ما نتعلَّمه عنه صلى الله عليه وسلم بشكلٍ تدريجيٍّ ومحاسبة أنفسنا على ذلك، وأن نجعل لنا تقييمًا ذاتيًّا بشكلٍ مستمرّ، وفي كلِّ أفعالنا نسأل أنفسنا.. لو كان رسول الله في مثل هذا الموقف، ما الذي كان سيفعله؟
ولا يكون اقتداؤنا بالنبي صلى الله عليه وسلم في جانبٍ دون آخر، فلا نقتدي به في صلاته ثمَّ إذا جئنا لأخلاقه تراجعنا القهقرى، أو تكون تعاملاتنا خلاف منهجه، فالله سبحانه أمرنا باتباعه على كلِّ الأحوال فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا)، وذلك في كلِّ شيء.
- إنَّ من فضل الله علينا أنَّ اتباع النبي صلى الله عليه وسلم - على ما فيه من فائدةٍ لنا في حياتنا - فإنَّ له فوق ذلك فضلا وأجرا من الله عزَّ وجل، فمن المفيد لنا في إطار تربية أنفسنا على الاقتداء أن نذكِّر أنفسنا دائمًا بفضل ما نقوم به، فتقبل عليه نفوسنا.
- إنَّ من تمام الاقتداء - وذلك ممَّا ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه - ألا نغرق في همومنا الفرديَّة أو مشاكلنا المجتمعيَّة، وننسى العالم من حولنا، فإنَّ الله أنزل هذا الدين نورًا للبشرية جمعاء، وجعل أبناء هذه الأمَّة هم الأمناء على تبليغ هذه الرسالة، إذ لا نبيَّ بعد النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.
وانظر إلى من كانوا في الخندق يعانون الخوف من العدوِّ الذي أحاطهم من فوقهم ومن أسفل منهم، ولا يأمن أحدهم على بولته، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يخرج بهم عن حدود المحنة التي يعانونها، والخوف الذي يعايشونه، ويلفت أنظارهم إلى ما هو أوسع وأرحب من حدودهم، ويبشِّرهم بفتح البلدان والممالك من حولهم، بل إن الأكبر من ذلك هؤلاء الذين كانوا بمكة يخفون دينهم، ويتوارون بشعائرهم خوفا من اطلاع المشركين عليهم، وينزل القرآن يحدثهم عن أخبار الممالك العظمى ويقول: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ).(9/172)
- كذلك فإنَّنا نحتاج إلى من يربطون لنا الاتباع والاقتداء بالمبادئ النبويَّة، بما نعايشه في واقعنا ومستجدَّات حياتنا، حتى لا نعيش زماننا بعقول القرون السابقة ونُرمى بالتخلُّف والتأخُّر، ومن فضل الله على الأمَّة ما ذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها" رواه أبو داودبسند صحيح؛ لذلك علينا أن نسعى دائمًا إلى متابعة هؤلاء المخلصين من الدعاة والمصلحين الذين يعيدون لنا الصورة النقيَّة لأهل هذا الدين، وهم وإن كانوا قليلا فإنَّ فيهم الخير الذي يمكننا معه أن نستفيد منهم، وهم على قلَّتهم موجودون بفضل الله في كثيرٍ من أقطار الأمَّة بحيث لا يعدمهم من بحث عنهم.
- يفيدنا في أن نصل إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أن تكون لنا الصحبة المعينة التي تذكِّرنا وتنصحنا وترابط معنا على محاولة الحياة وفق المنهج، والتي تقوِّمنا إذا زلَّت منَّا القدم، وترشدنا إذا تاه عنَّا الطريق، أو احتوشتنا الشياطين لتبعدنا عن الجادة.
أخي الحبيب، إنَّ الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم يتطلَّب منَّا:
- حبًّا لصاحب المنهج.
- ومعرفةً بمنهجه الذي نريد الاقتداء به فيه.
- ووعيًا بالقيم العظيمة التي نستلهمها من حياته.
- والتدرُّج بالنفس شيئًا فشيئًا على أن تكون صبغتها الدائمة هي الحياة على المنهج النبوي.
- وأن نسترشد بمن اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم من المصلحين والدعاة.
- ومحاولة التزام الصحبة الصالحة التي تعين على الثبات على هذا النهج.
- وأن نكثر دومًا من الصلاة والسلام على النبي الخاتم صلى الله وسلم وبارك عليه.
ولا أزعم أنِّي قد وفيت، فالأمر أكبر من أن أحيطه في هذه الكلمات، ولكن يكفينا أنَّها نقاطٌ على الطريق أسأل الله أن ينفع الكاتب والقارئ بها.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتَّبعين لأمره، المتابعين لنبيِّه، الثابتين على نهجه حتى لقائه.
============
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم قائدا ومفكرا؟
تم اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم كأفضل قائد ومفكر في التاريخ، أريد تفاصيل عن هذا الموضوع، والحيثيات التي أدت إلى هذا الاختيار العالمي، الذي قام به غير مسلمين.
أرجو إرشادي في محاولة الكتابة عنه صلى الله عليه وسلم، مستغلا مقومات شخصيته في دعوة غير المسلمين.
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة العامة, دعوة غير المسلمين …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي الحبيب، الرسول صلى الله عليه وسلم - وأيّ رسول - هو رسول الله أولا، ثم هو قائد، أو مفكر، أو غيره ثانيا.
والسبب في هذا التأكيد - مع التحذير - هو الخوف من خلط الأوراق مستقبلا مِن البعض، بغير قصد من بعض المسلمين وغيرهم، أو بقصد من بعض أعدائهم، إذ بما أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم – أو أيّ رسول – هو أفضل مفكر، أو قائد في التاريخ حتي الآن، فقد يظهر في القريب العاجل أو الآجل من هو أعظم! فلماذا إذن لا نتبعه وأفكاره؟! ما دمنا نحن البشر قد علمنا ربنا أن نبحث دائما عن الأفضل والأحق، فإذا ببعض من المسلمين ومن عموم الناس تدريجيا ينزلقون، فينسلخون عن رسولهم قدوتهم، ثم بالتالي رويدا عن إسلامهم ودينهم.
إنَّ الفرق الجوهري بين الرسول وبين القائد أو المفكر أو .. أو .. هو أنَّ الرسول رغم أنه بشر إلا أنه قد أتى برسالة للخلق من خالقهم، أي يُوَحَيَ إليه من الله سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)، وبالتالي فهو لا يتحدث عن نفسه، أو عن أفكاره الإصلاحية، وإنما يتحدث عن نظام الله تعالى للناس، والذي يصلحهم ويسعدهم جميعا، كما يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)، وبالتالي فهو لا يخطئ، ولا يظلم، ولا يُحابي أحدا، ولا يُغفل شيئا، كما يقول تعالى مؤكدا هذا: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) .. قال الإمام ابن تيمية: "نفى عنه صلى الله عليه وسلم الهوى، وأثبت العلم الكامل، وهو الوحي، فهذا كمال العلم، وذاك كمال القصد".
ولو فرض وحدث وأخطأ الرسول كبشر في تصّرف ما من تفاصيل الحياة، والتي سمح له الله بالتصرف فيها، نزل التوجيه والتصحيح والتصويب الإلهي سريعا وفوريا قبل انتشار أي خطأ.
ثم الذي لا يُتصَوَّر هو حدوث أي انحراف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أي رسول، وذلك لعدة أمور:
أولا: لأنه على خلق عظيم، كما يؤكد تعالى عن رسله في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وهو الذي اصطفاهم من كل خلقه؛ لعلمه بأنهم الأفضل والأكمل خلقا وأمانة.
ثانيا: للتدخل الشديد والحازم والسريع من ربه حرصا على جميع الخلق كما يقول تعالى:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)، قال الإمام الطبري: "يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة ولا يؤخره بها".(9/173)
أما القائد أو المفكر، فإنه يدرس بعقله الواقع الذي يعيشه، وحده أو حتي مع مجموعة من المستشارين، فهو مُعَرَّض بالتأكيد للخطأ أوللنقصان - مع افتراض صدق نواياه وتمام عدله -؛ وذلك لأن المعلومات والخبرات التي بَنى عليها أفكاره وخططه وتعاليمه بكل بساطة ناقصة، ولأنه من المستحيل على بشر أن يكون مُلمَّا بتفاصيل كل البيئات، وكل الظروف، وكل الأحوال، وكل الاحتياجات، وكل الخواطر النفسية والعقلية التي يمر بها البشر.
ثم باستعراض أفكار المفكرين، وأفعال القادة على مرِّ التاريخ، يتبين لنا أنها كانت مناسبة لعصورهم ولبيئاتهم فقط، ثم بعد مماتهم تموت بعدهم أفكارهم وأفعالهم بشكل تدريجي حتى تتلاشى، بل أحيانا قد يظهر نقصانها أو خطؤها في حياته، أما أصول تعاليم الرسل وإرشاداتهم، فهي يُتمِّم بعضها بعضا، واكتملت برسولنا الأمين وبرسالته الكاملة، التي تُسعد الحياة بتنظيم كل شئونها إلى قيام الساعة، حيث لا رسول بعده ولا رسالة بعدها.
فإن أضفنا للقائد أو المفكر- خاصة إذا كان غير مرتبط بقيم ربه وأخلاق دينه – تأثير الأهواء الشيطانية، والمتمثلة في المصالح الشخصية على حساب العامة، وبطانات السوء، وحب التسلط والظهور، ونحو ذلك مما قد يتعرض له بعض القادة والمفكرين، تبين لنا أهمية الحرص الشديد على أن نُبقِي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رسولا لله، قبل أن يكون قائدا، أو مفكرا، أو حكيما، أو فيلسوفا، أو عالما.
إذن - أخي الحبيب - إذا أردت مخاطبة غير المسلمين عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فأولا تحدَّث وأكّد على أنه رسول من الله تعالى، فهذا بإذن الله سيكون أقوى ما سيُحرك مَن تدعوه؛ لأنه ينتظره، وينتظر ما يأتي به من نظام وتعاليم بشغف، وذلك لأنه مؤمن بربه وشرعه ورسله بفطرته، وقبل ولادته، ألم يقل الحق تبارك وتعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)، وجاء في "شرح العقيدة الطحاوية": "لا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري، والشرك حادث طارىء".
فالله في فطرة كل إنسان، ثم فطرته قد علَّمها ربها، ووضع فيها من صفاتها الحسنة أن تنتظر شرعا يوجهها، ورسولا يكون تطبيقا عمليا تراه أمامها، لتعلم كيف تطبق هذا الشرع، لتسعد به في الداريْن، كما يؤكد ذلك في قوله : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، ولكنَّ الإنسان ينسى: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا)، فعليك تذكرته برفق، وبما يناسب، وحينما تكون الذكرى نافعة ومثمرة: (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى).
فإذا ما أوضحت له أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينقل عن الله، واقتنع، وسيقتنع - بإذن الله - إذا كان مُنصِفا، وخلَّص عقله من أي مؤثرات؛ لأن العقل أيضا على طبيعته مخلوق يعرف ربه وقدْره، فيمكنك بعد ذلك الحديث معه عن صفاته صلى الله عليه وسلم: كرئيس للدولة، وكيف وضع أسُسا إدارية مبنية على الشورى، والعدل، والمساواة، وحق المواطنة للجميع، والتعاون، والعلاقات الاجتماعية الجيدة، والعلاقات الدولية، ونحو ذلك، وكقائد للجيش، وكيف أدار معاركه الحربية ببراعة أمهر العسكريين، وكخبير اقتصادي، وكيف ارتقى وازدهر باقتصاد دولته، وكمحاور سياسي، عفيف، نظيف، وكيف حقق أعظم المعاهدات والانتصارات السياسية، وكإعلامي بارع، وكيف نشر دعوته، وكزوج، وكأب، وكجد، وكجار، وكصديق، وكتاجر ... إلخ.
ويمكنك - أخي الكريم - مراجعة كتب السيرة في ذلك واستخراج ما تريده منها، ومن هذه الكتب:
- السيرة النبوية، الإمام بن هشام.
- الرحيق المختوم، الشيخ صفي الرحمن المباركفوري.
- فقه السيرة، الشيخ محمد الغزالي.
- فقه السيرة، الدكتور محمد سعيد البوطي.
- السيرة النبوية .. عرض وقائع وتحليل أحداث، الدكتور علي محمد الصلابي.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
=================
الإداريات والإيمانيات .. تكامل لا تعارض
الإخوة في "إسلام أون لاين"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرغب في استشارتكم حول أهم النصائح التي تقدمونها لي - وأنا مرب - في خواطر تلزم بعض الإخوة العاملين في العمل الإسلامي.
فأنا أقوم بمهمة التوجيه، وألاحظ على بعضهم تغليب الإداريات على الإيمانيات أحيانا، وألاحظ كذلك على البعض العُجب بقوة العمل الذي وصلنا إليه؛ حتى إنه يغلبه على أصل الدعوة والذي يعتبر كل إمكاناتنا المادية وسيلة وليست غاية.
لدينا تجربة في التوجيه، ولكن أحببنا أن نستفيد أكثر من تجربتكم، ولكم كل الشكر.
…السؤال
زاد المسير, الدعوة والحركة, جمهور الدعوة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور علاء السيوفي:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
الأخ الفاضل عبد الله،
لا شك أن تغليب الإداريات على الإيمانيات أحيانا، والإعجاب بقوة العمل هو من الآفات التي كثيرا ما تصيب العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، وهذا الأمر ينبغي الالتفات إليه وعلاجه عن طريق المربين أمثالك، ولا بد من حين لآخر من تناول الموضوعات الإيمانية التي تعين على العمل في حقل الدعوة.
وإذا كانت هناك من نصائح فنقول وبالله التوفيق:(9/174)
1. يجب ألا نفرق بين العمل الإداري (اللقاءات الإدارية، المعارض ... إلخ) والعمل الإيماني (قيام الليل، المحافظة على الأذكار، تلاوة الورد القرآني... إلخ)؛ فأعمال الطاعات تزيد الإيمان؛ فإننا نعلم أنه في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فإذا لم تُزد هذه الطاعات الإيمان؛ فلا شك أنها مشوبة غير خالصة، أو مدخولة غير صحيحة.
2. يقول الله عز وجل (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)، فالطاعات هي ذلك النور الذي يشع على الناس الهداية والحياة والإيمان.
3. لا بد من التذكير الدائم بأن سنة الله عز وجل في المؤمنين أنه ينصرهم بالإيمان وليس بالعدة والعتاد. يقول بعض الصالحين: "عليكم بالطاعات؛ فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف"، وكان عمر بن الخطاب يودع الجيوش قائلا: "إنما تُنصرون بقلة ذنوبكم وكثرة ذنوب أعدائكم، فإن تساويتم في الذنوب فهم في العتاد أكثر".
4. لا بد من تفعيل أوراد المحاسبة اليومية، وذلك في كل الوسائل التربوية، ولا بد من توضيح آثار التقصير في الطاعات والذنوب والعلاقة الفاترة مع الله على تحقيق النصر.
5. المؤاخاة الإيمانية بين الناس، وأن يعين كل واحد منهم أخاه على طاعة الله سبحانه وتعالى؛ فيوقظه لصلاة الفجر، ويذكِّره بقيام الليل، ويحضه على المواظبة على الورد القرآني والأذكار، وغير ذلك من الأعمال الإيمانية.
6. التذكير الدائم بثواب كل عمل من الأعمال؛ فذلك يعين على المحافظة عليه.
7. عمل المسابقات والدورات التي من شأنها رفع المستوى الإيماني والثقافي.
8. العودة إلى الإفطارات الجماعية، والقيام الجماعي، والمقارئ التي تعين على المواظبة على هذه الأعمال.
9. تعظيم باب النية، وتصحيح النية قبل كل عمل، حتى ولو كان عادة من العادات، فنيَّةُ المرء خير من عمله.
10. حل المشكلات الاجتماعية والمادية للأفراد؛ فكثيرا ما تلهي هذه المشاكل الإنسان عن طاعة الله.
11. المتابعة الدائمة لكل فرد من الأفراد، والاهتمام بإكمال النواقص، وتعظيم وتفعيل المواهب؛ فالمتابعة سر النجاح.
أرجو الله عز وجل أن يكون هذا الكلام حجة لنا لا علينا، والله من وراء القصد.
===============
عقيدة زوجي .. تساؤلات وشبهات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
زوجي رجل مسلم بحكم أنه نشأ في وسط مسلم، ولكنه لا يصلي، ولا يمكن إقناعه بسهولة في مسألة دينية، لا يعترف بما يقوله علماء الدين، يطرح العديد من الأسئلة ولا يترك العنان لفطرته وروحه ويستعمل المنطق والعقل في كل شيء.
يقول لي: أننا مسلمون فقط لأننا في مجتمع مسلم، وهل يوجد الله فعلا؟ ولماد يعاقب الله الناس ويخلق العاصي والكافر، وهو يعلم أنه من أهل النار؟.
المشكلة أنه في بعض المرات يطلب مني الإجابة عن هده الأسئلة، فلا أستطيع الإجابة، وأشعر أنه حقا يريد الاقتناع، وفي مرات أخرى أشك قي إسلامه فأسأله هل أنت مسلم، فيجيبني أنه لا يعرف، وفي بعض الأحيان يجيب بأنه ليس مسلما.
يمنعني من أداء صلاة الفجر؛ لأن نومه خفيف وقيامي يزعجه، وأنا لا أعرف هل هو مسلم أم لا؟.
من الشبهات التي تدور في رأسه:
1- أننا مسلمون بالعادة، وأنه لا يجب أن نلوم الآخرين الذين يعتقدون الديانات الأخرى "اليهودية أو المسيحية أو البوذية..."، فكل واحد منهم يظن أن اعتقاده هو الصحيح.
2- يؤمن الناس بالله؛ لأن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى قوة عظمى، ونحن نمثلها في الله.
3- عندما أحاول استعمال كلام الله "القرآن الكريم" يجيبني: وكيف أعرف حقا أنه كلام الله؟
4- لماذا الله يخلق الإنسان الكافر بالرغم من أنه يعرف أن مصيره هو النار، وأنه هو من يخلق المؤمن والكافر، فإن كنت مخلوقا كافرا فإنني سأبقى كذلك؛ لأن الله خلقني كافر.
أرجو أن تساعدوني في إرشاد زوجي ودعوته إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه.
…السؤال
إيمانيات, العائلة, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ مسعود صبري…المستشار
……الحل …
الأخت الفاضلة، الحق أنني تأخرت في الرد على استشارتك؛ لأنني لم أجد نفسي تطاوعني على الجواب عن تلك الأسئلة، خاصة في حالة مثل حالة زوجك، ولكني أستعين بالله تعالى الآن إذ أجد في نفسي رغبة عارمة في الإجابة عنه.
وأحب قبل الإجابة على شبهات زوجك أن أضع بعض النقاط العامة الهامة، وهي:
1- أن الله تعالى يحاسب الناس فرادى لا جماعات، وأن كل إنسان مسئول عن نفسه، مهما كان بيننا من علاقات، حتى لو كانت علاقة البنوة والأبوة، أو كانت تلك العلاقة التي من المفروض أن تكون حميمة جدا، كالعلاقة بين الزوجين، وأرمي من هذا أنه من الواجب علينا أن نسعى لنصح الأقربين منا، ولكنه موقوف عند النصح والإرشاد، وحسابهم على الله، المهم ألا ننسى أنفسنا، وألا نربطها بأحد إلا الله تعالى، وأن من لم يُعنِّ على طاعة الله، تركته وسرت في طريق الله، مبتغيا رضاه.
والمردود العملي في هذا الكلام أنه ما يجب علينا أن نرسب لو رسب غيرنا، فعلاقتنا مع الله تعالى لا يؤثر فيها شيء ولا أحد، فمن الواجب عليك – أختي الكريمة - أن تحافظي على صلاتك مهما كان الأمر، وأن تحافظي على صلاة الفجر، ولو كان ذلك يزعجه، وليكن قلبك لله وحده، وأن تمارسي شعائر الإسلام، وأن تعضي عليها بالنواجذ، ولو وقفت الدنيا كلها أمامك، ولو أدى ذلك إلى الانفصال عنه، فإنه ما ينفعك عند ربك، ويمكن الجمع بين الاستيقاظ الذي لا يضره وبين أداء العبادة، فإن تعارضا، ففريضة الله تعالى أولى.(9/175)
2- العلاقة بين الزوجين ليست قائمة على الرق والاستعباد، بل هي قائمة على الشراكة والتعاون، وأن الزوجية لا تنافي الحرية في الإطار العام، فاجعلي لنفسك حياة ترتضيها دون النظر إلى زوجك، واختاري ما تحبينه ما لم يكن إثما أو حراما، أو كان ضارا بطبيعة العلاقة الزوجية.
3- يجب علينا أن نفرق بين الأمور التي يستفسر عنها الناس ويشتبهون فيها، وبين ما وصل إلى درجة الإيمان واليقين، فإن كانت أسئلة زوجك لم ترتق إلى درجة الإيمان بها، فنحسبه مازال في حظيرة الإسلام، أما إن كان مؤمنا بها حقا، فبعض ما يقول عصية وإثم، وبعضها كفر وخروج عن الملة، وهذا يتطلب حوارا هادئا معه، حتى يتبين موقفه بشكل سليم، فإن الله تعالى ما يحاسب الناس على شبهاتهم ولا شكهم، ما لم يستقر في القلب إيمان بها.
وواجب ساعتها على العلماء أن يجيبوه بكل حكمة وموعظة حسنة، وألا يعبسوا في وجهه، أو يعتبروه مارقا عن الإسلام، فإني أحب أن يخرج كل إنسان ما عنده، وأن يطرح ما يجول في خاطره، فليس عندنا في الإسلام عورة نداريها.
أما إن كان الزوج لا يؤمن بوجود الله تعالى، أو لا يصدق بأن القرآن الموجود بين أيدينا كلام الله، وما شابهها من الثوابت، فهذا رجل خرج عن دين الله، وبقدر أننا لا نكفر مؤمنا أقر بالشهادتين، وأننا نضيق التكفير، وأننا نأول كل ما يحتمل التأويل، بقدر أنه لا يجوز لنا أن ندخل في حظيرة الإسلام من يرفضه، ولا علاقة لهذا بالجوانب الاجتماعية أو الزوجية أو غيرها، فأمر العقائد بين العبد وربه سبحانه وتعالى، ولا علاقة للمخلوقين بها.
أما عن الشبهات التي يطرحها زوجك، فأقول فيها كالآتي:
ميلاد الناس مسلمين وكافرين:
ليس بصحيح ألا ذنب للناس بكفر وإيمان، فالكفر والإيمان كسب الناس، وليس جبر الله تعالى، والأدلة على هذا:
1- أن الله تعالى يخلق الناس على الفطرة، فالولد الصغير لا يكون كافرا، بل يكون مؤمنا، ولكن الأبوين هما اللذان يغيران ملته من الإيمان إلى الكفر، ويشهد لذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أويمجسانه، أوينصرانه" رواه البخاري. فالتغيير من كسب الإنسان، والأصل هو الإسلام، ولنسأل النصارى: لماذا يعمدون أبناءهم في الصغر، ويحرصون على ذلك أشد الحرص مثلا.
2- أن أولاد الكافرين حين يموتون قبل البلوغ أو التمييز، فهم من أهل الجنة، لأنهم مؤمنون.
3- أن الله تعالى ما منع من نشأ في بيئة كافرة أن يؤمن بالله تعالى في أي وقت، بل وعد أن يبدل الله تعالى سيئاته حسنات، وأن يكون له بدلا من الأجر أجران.
4- أما أننا لا نؤاخذ غير المسلمين لأنهم يعتقدون أنهم على صواب، فلم يقل أحد أننا نؤاخذهم على هذا، فلسنا قضاة نحاسب الناس، وإنما يحاسبهم الله تعالى، فهذا حق خالص لهم، فإن كان كل فريق يرى الحق عنده، ويرى الآخر كافرا، فليعتقد كل من شاء ما شاء، وعند الله تجتمع الخصوم، وهو يفصل بينهم، وقد أقر الإسلام حرية المعتقد لكل الناس، وحرية الاعتقاد شيء، والحساب لله تعالى شيء آخر، لكن كما أن غير المسلمين يروننا كافرين، فإنا نراهم كذلك، ولكل أن يتخير ما يشاء، ولا يحكر أحدا على أحد حتى نلتقي عند الله؛ ليميز الخبيث من الطيب.
حاجة الناس إلى الله لأنهم بحاجة لقوة خفية:
وهذه الشبهة يرد عليها بشكل عملي كل من كان ملحدا فأسلم وآمن بحاجته إلى الله تعالى، وخاصة من خلال الإعجاز العلمي والحقائق العلمية في كل أطياف العلم المتنوعة، وليس الأمر موقوفا على قوة خفية عظمى، بل هي حاجة فطرية إنسانية، فتلك الفطرة الكامنة في نفس الإنسان الذي خلقه، تجعله دائما يميل إلى التوحيد والتدين، حتى لو لم يهتد الإنسان إلى الله تعالى، ولكنه يبحث عن شيء يعبده؛ لأن الإنسان عبد يحتاج إلى رب، ودلائل التوحيد أكثر من أن تحصى، ولا يضر الشمس إذا لم يرها العميان.
الشك في القرآن:
أما الشك في القرآن فهو نسف لقضية الإيمان بأي شيء في الوجود، فإن كان القرآن بما توافر له من التواتر ما لم يتواتر لأي شيء مطلقا، فإننا ننسف صحة كل العلوم، وننسف صحة كل الكلام المقال في أي مجال من أي أحد، وتبقى الدنيا قائمة على الفوضى والشك، لأن نظرية التشكيك تقوم على الهدم، وإن كان غير المسلمين يرون صحة كتبهم التي زيفوها، فمن حق المؤمنين أن يؤمنوا بصحة كتابهم.
ومن الناحية العملية، فإن دراسات أجريت لتطابق بين القرآن الآن والقرآن منذ آلاف ومئات السنين من قبل باحثين غربيين، فطافوا بين النسخ القديمة والمصحف الآن، فوجدوا القرآن ما غُير منه حرف واحد، وهذا مصداق قول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).(9/176)
وإن كان القرآن مأخوذا بالسند حتى تاريخه، فقد علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، وعلمه الصحابة التابعين، وعلم التابعين السلف إلى يومنا هذا، فكل من يأخذ إجازة بالسند يأخذها عن أشياخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت أنا أخذت عن شيخي مباشرة وجلست معه وحفظت على يديه، وهو أخذ عن شيخه، وشيخه أخذ عن شيخه، وهكذا حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أين يأتي الشك إلا من رجل يريد هدم الثوابت، متأثرا بشبهات عقيمة لا قيمة لها، وإن علما من العلوم لم يلق من الاهتمام والعناية والرعاية والحفظ مثلما تلقى القرآن الكريم، وإن أبناءنا الصغار ليحفظون القرآن عن ظهر قلب، فإن أخطأ فيه شيخ كبير ربما صوب له صبي حدث، وكم من محاولات صنعت لتحريف القرآن ولكن الله تعالى حفظ القرآن بتلك الأمة الحافظة، ونرجو أن تأتي أمة من الأمم بتوارث كتاب أو علم كما حدث مع القرآن الكريم، وأنى لهم أن يفعلوا، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).
خلق الناس كافرين ومؤمنين:
أما عن السؤال حول خلق الله تعالى الناس فريقين: مؤمنين وكافرين، وأن الله تعالى يعلم كفر هذا، وأنه سيدخله النار، وأن هذا طائع فيدخل الجنة، فإن هناك فرقا بين العلم والعمل، فالناس لا يدخلون الجنة أو النار بسبب علم الله تعالى، وإنما يدخلون الجنة أو النار بأعمالهم، والقرآن ينص على هذا في طوله وعرضه، ولا تنافي بين العلم واختيار الإنسان، فليس كل من علم شيئا، فهو بالضرورة الذي أجبر الإنسان عليها، ولو لم يكن الإنسان نفسه لا يعلمها.
والشبهة تصح لو أجبر الله تعالى الناس على الكفر أو الإيمان، ولكن هذا ما حدث، واختيار الإنسان لعقيدته محض إرادته وليس جبرا، فلو أراد إنسان أن يتحول من الكفر للإيمان، أو من الإيمان للكفر، لم نجد أن الله تعالى يمنعه، لكن الله تعالى سيحاسبه على اختياره خيرا وشرا، ومن يقرأ القرآن يجد عشرات الآيات التي تربط بين الجزاء والعمل، أما علم الله، فإن العلم صفة من صفاته سبحانه وتعالى، ومع علمه الذي أحاط بكل شيء، فإنه ما يجبر الناس على فعل شيء، وإن دعاهم للإيمان، ونهاهم عن الكفر.
وخلاصة القول: يجب النظر إلى ما يثيره الزوج من تساؤلات، فإن كان بها معتقدا، فقد خرج عن الإسلام، وإن كانت مجرد تساؤلات، فهي تساؤلات مشروعة، وأننا علينا أن نتأول الكلام على محمله الحسن إن وجدنا لذلك مخرجا.
ولكن هذا لا يمنعك عن إيمانك، وإلا في الحياة معه لا قيمة لها
===============
أبي يبيع الخمر .. كيف أوقفه؟
بسم الله الرحمن الرحيم،
صديقتي لديها مشكلة، وهي أن والدها أمِّي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وهو يبيع الشراب المحرم، لكنه لا يشربه.
وقد حاولت مرارا وتكرارا بأن تجعله يقلع عن بيعه إلا أنه يتعذر لها قائلا: من سيصرف عليكم يا ابنتي؟ ومن أين سأحضر لكم الطعام والشراب؟.
ورغم أن والدها طيب القلب، إلا أنها تكره فيه قيامه ببيع الشراب المحرم، كما أنها لا تجد منه عناية واهتماما بها.
وهي الآن تبحث عن كيفية منع أبيها عن هذا العمل، وللعلم فإنهم يملكون منزلا خاصا بهم.
أرجوكم ساعدوها، بارك الله فيكم.
…السؤال
آداب وأخلاق, العائلة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.
لقد علمنا الإسلام - أختي الكريمة - أن نصيحة الولد ودعوته لوالده لها آداب عليه أن يراعيها معه لينجح في تحقيق استجابته؛ لأنه يتميز عن أي مدعو بأنه والد، وهذا يمكننا استنباطه من أشهر قصة دعوة ولد لوالده، وهي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه، كما وجهنا ربنا لها بقوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)، وقد كان أبوه كافرا، فما بالنا بدعوة أب مسلم، يفعل بعض المعاصي؟
وأهم هذه الآداب والمواصفات هي كالآتي:
• الأسلوب المهذب: كما يقول تعالى على لسانه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ)، فلم يقل مثلا أنا أعلم منك، رغم أنه كذلك؛ لكونه رسول يُوحَى إليه.
• تحريك عاطفة الأبوة: فهي تعين على العودة للصواب، من خلال تكراره لكلمة (يَا أَبَتِ)، أو ما يشبهها والبدء بها عند أي حوار.
• دوام الوعد بالخير والسعادة: كما قال: (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا)، فهو أقوي حافز للاستجابة، وقد قدّمه تعالى على الترهيب الذي أورده في الآية التي بعدها.
• التحذير أحيانا من الشر والتعاسة: وذلك إن لم ينجح تكرار الترغيب واحتاج الأمر إلى التحذير، وهذا نادر مع معظم البشر، كما قال: (يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا).
• إظهار الحب والحرص: فالحب المُتبادَل يساعد على التقارب في المفاهيم والأقوال والأفعال، كما قال: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ)، فهو يخشى عليه مجرد المسّ من النار ولو للحظة.(9/177)
• الصبر ومقابلة الإساءة بالحسنة: فقد قال: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي)، قال الإمام ابن كثير: "أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة، ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك"، وذلك رغم أن أباه قد توعده بإساءة القول والفعل، وهدده بأنه لكي يتجنب هذه الإساءة فمن الأفضل أن يهجره: (لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، ولذا امتدحه ربه بهذا الحلم، وهذه الرحمة، وهذا الرجوع له في كل الأمور بقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).
• الحوار الصبور الودود المْقِنع: لتحريك العقل المُنْصِف، كما يقول تعالي: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ)،( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).
• الصدق والإخلاص: كما يقول تعالى في إبراهيم عليه السلام: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، فهو لا يريد إلا هدايته ونفعه، حبا خالصا فيه، وفي خالقه ليحبه ويسعده في دنياه وآخرته.
• القدوة الحسنة: فهو قبل دعوته لأبيه مشحون بالإيمان والصلة بربه وعونه، ومملوء بالفهم الصحيح للإسلام، وحياته كلها تطبيق له في كل شئونها، كما قال تعالي: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا)، فهو أمة: أي جامع لكل صفات الخير، معلمٌ إياها لكل الناس، وهو حنيف: أي مُتبع لكل حق، مائلٌ عن كل باطل، فهو إذن قدوة مؤثر في غيره بحسن قوله وفعله.
• البر والدعاء: كما قال الإمام بن كثير في تفسيره لقوله تعالي: (وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا): "كان إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك، وتبين إبراهيم ذلك رجع عن الاستغفار له، وتبرأ منه"، أي ظل حريصا على هدايته حتى آخر حياته.
• الأمل وعدم اليأس: فهو دائما يستعين بالله تعالى، ويرجو منه سبحانه أن يهدي أبيه، ما مادام قد استنفد ما أمكنه من وسائل مناسبة لدعوته، كما يُفهم من قوله تعالي: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا).
إذن - أختي الكريمة - انصحي زميلتك بأن تحسن استخدام ما سبق مع والدها الكريم، بتقديم وتأخير على حسب تقديرها لأفضل الأوقات والأماكن والمناسبات؛ لتحصلّ أفضل النتائج.
وسيتأثر ويتغير بإذن الله، كما تغير كثيرون قبله كانوا أسوأ منه، ولتجتهد في ملئه بالخير، فكلما امتلأ به كلما خرج الشر منه تلقائيا وتدريجيا، ولم يعد له مكان كما يقول تعالي: (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)، وذلك مثل القارورة حين نملأها بالماء فإن الهواء يخرج منها تلقائيا وتدريجيا؛ لأنه لا يمكن لمادتين أن يجتمعا في حيز.
فلتدفعه بين الحين والآخر - وعلي قدر استطاعته واستجابته - لما يمكنه فعله من خير، متمثل في التواصل مع الأقارب والجيران، وفي الصدقات والصلوات، وفي تدبر آيات القرآن وتطبيقها ونحو ذلك، ثم إن أمكنها إيجاد صحبة صالحة حوله من أقاربهم أو أصدقائهم، فإنهم سيعينونه بكل تأكيد على كل خير، وسيمنعونه من كل شر.
ومن المقترحات العملية الممكنة استشارة أصحاب الخبرة التجارية والاقتصادية من العائلة أو الجيران أو المعارف لعونه بخبراتهم على الاستبدال التدريجي لهذه التجارة الحرام بأخري حلال، فقد تدرَّج الله تعالى في تحريم الخمر، ولعل بيع بيتهم التمليك واستئجار شقة معتدلة يفيد في توفير المال اللازم.
فهذه المحاولات لتغييره التدريجي، وهذه الحلول العملية، ستساعد كثيرا على الشعور بالسعادة لأداء الواجب ما أمكن، والخروج من حالة الاكتئاب التي هي وهو فيها، وحينما يبدأ في الخروج منها ستلمس منه عاطفة الأبوة، خاصة وأنه طيب كما ذكرت، ويحرص عليها، وقد وجد نفسه في هذه المهنة الخبيثة.
وذكريها بثوابها العظيم، ثواب البر والنصح والدعوة للخير.
وفقك الله وأعانك على كل خير.
==============
أخي متعلق بطلابه .. وصايا ضابطة
الحمد لله وبعد،
اعلموا بدايةً أيُّها الإخوة أنِّي أحبُّكم في الله.
أمَّا ما أريد استشارة الأساتذة الدعاة حوله، فهو أنَّ أخًا لي وإيَّاي نعمل بعد توفيق الله في منطقتنا على تربية عددٍ من الطلاب على الذي تربينا عليه من عبادةٍ وغيره ممَّا تعلمون، ولكنِّي أرى أنَّ مشكلةً تحدث لأخي، وهي أنَّه شديد التعلُّق بالطلاب من حيث الوقوف الزائد معهم والاهتمام المنقطع النظير بهم، ممَّا يؤثِّر على عمله الدعويّ في مجالاتٍ أخرى.
فأرجو منكم النصيحة لي وله وبارك الله فيكم.
…السؤال
آداب وأخلاق, وسائل اجتماعية, شباب وطلاب …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
الأخ الفاضل إبراهيم،
جزاك الله خيرًا على هذا الشعور الطيِّب نحونا، وأحبَّك الله الذي أحببتنا من أجله.
في البداية - أخي الفاضل - أحبّ أن أوضِّح أنَّ تعلُّق الداعية الذي يعمل في حقل الدعوة بمن يدعوهم، وتعلُّقهم به هذا أمرٌ طبيعيّ ومطلوب، بل إنَّه ضروريٌّ للأمور التالية :
1- الحبُّ أساس الدعوة:
فالعمل الدعويّ يقوم أساسًا على الحبِّ المتبادل بين الداعية والمدعو، والعلاقة الوثيقة بينهما هي القناة التي تصل قلبهما، ولا يمكن للداعية أن يُكسِب المدعو قيمةً أو خُلقًا أو مفهومًا إلا من خلال العلاقة القلبيَّة التي تربطه بالمدعو.
2- التعرُّف الجيِّد على المدعو:(9/178)
فلكي يكون الداعية ناجحًا في دعوة الآخرين لابدَّ أن يكون على درايةٍ جيِّدةٍ بشخصيَّة مَنْ يدعوه، فيتعرّف على الأبعاد العقليَّة، والنفسيَّة، والاجتماعيَّة لشخصيَّته، كذلك معرفة ما يفضِّله وما لا يفضِّله، وهذه المعرفة بطبيعة شخصيَّة المدعو لا يمكن أن تأتي إلا من خلال معايشته في مواقف الحياة اليوميَّة المختلفة، إذن فالداعية في حاجةٍ إلى قضاء بعض الأوقات مع من يدعوه.
3- طبيعة المرحلة العمريّة:
فالعمل الدعويّ مع الطلاب بصفةٍ خاصَّةٍ يحتاج إلى أن يكون الداعية قريبًا من هؤلاء الطلاب، كثير اللقاء بهم؛ وذلك لأنَّهم في حاجةٍ دائمةٍ للتوجيه، ولديهم العديد من التساؤلات والمشكلات.
وصايا ضابطة:
ولكي تكون هذه العلاقة مثمرة دعويّا فهناك عدَّة وصايا يُراعى الالتزام بها:
1- أساسها الحبّ في الله:
ينبغي أن يكون الأساس الذي تقوم عليه هذه العلاقة هو الحبّ في الله، وليس مجرَّد الإعجاب الشخصيّ فقط، وذلك حتى نفوز بالمكانة التي قرَّرها النبيّ صلى الله عليه وسلم للمتحابِّين في الله، حين أخبر بذلك عن ربّه فقال: "قال اللّه عزَّ وجلَّ: المتحابُّون في جلالي لهم منابر من نورٍ يغبطهم النبيُّون والشهداء" رواه الترمذي بسندٍ صحيح.
2- يصاحبها غرسٌ لقيم الإسلام:
فمن الضروري أيضًا أن تكون هذه الأوقات التي يقضيها الداعية مع من يدعوهم أوقاتًا يغرس فيها القيم والمفاهيم والأخلاق، ويفجِّر فيها طاقات الخير في نفوسهم، ويعمل على تنميتها واستثمارها وتوجيهها بما يخدم صالح من يدعوهم وصالح المجتمع المسلم.
3- ليكن الارتباط بالمنهج:
فعلى كلِّ داعيةٍ ألا يوقف الرابطة بينه وبين من يدعوه على حدود الارتباط الشخصيّ بينهم، بل ينبغي أن يعمل تدريجيّا على ربطه بمنهج الإسلام وقيمه وعقائده وأخلاقه.. إلخ، وهذا هو الهدف الأساسي الذي من أجله نشأت العلاقة بينهما من البداية.
4- التنظيم والتوازن:
بحيث لا يقضي الداعية كلَّ أوقاته مع المدعوّ بحجَّة معايشته والتعرّف عليه عن قرب، بل المطلوب هو تنظيم الأوقات بصورةٍ جيِّدةٍ، بحيث يمكنه إنجاز الأعمال والمهام المختلفة بصورةٍ متوازنةٍ دون أن تجور بعض المهام على الأخرى.
والخلاصة - أخي الفاضل - أنَّ علاقة أخيك بطلابه إذا كانت قائمة على الحبّ في الله، كما أنَّها تساعده على فهم شخصيَّة وحاجات وميول ومشكلات من يدعوهم من الطلاب، ويتمكّن من خلال هذا العلاقة الوثيقة أن يكسبهم القيم والأخلاق والمفاهيم والسلوكيَّات الإسلاميَّة فهذا أمرٌ طيِّب، ولا يبقى إلا أن تناقشه حول وجوب تنظيم وضبط الوقت الذي يقضيه مع طلابه حتى يمكنه القيام بمهامه الأخرى.
وفي النهاية ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منك ومن أخيك جهدكما، وأن ينفع بكما الإسلام والمسلمين
============
يسألوننا في الغرب: لماذا الحجاب؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسألوننا في الغرب: لماذا الحجاب؟ لماذا تضعونه؟.
نقول: هذا أمر من الله عز وجل لحفظنا وحمايتنا، فيردون علينا بأن النساء يخرجن دون الحجاب ولا يستطيع أحد أن يقترب منهن إلا بإرادتهن، وأخرى تقول لم أفهم لماذا الحجاب؟ وماذا يعني؟.
كيف نشرح ونوضح لهم الصورة بما يتناسب وتفكيرهم؟.
وجزاكم الله كل خير.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
حياكم الله أختي الفاضلة أم نور، وبارك الله في غيرتك على دين الله، وتقبل منك حرصك على تعريف الآخرين به، والعمل على إزالة الشبهات التي علقت حوله من بعض معاديه أو الجاهلين به، وما أجملها من صورة للدعاة والداعيات وهم يتمسكون بدينهم في ظل المجتمعات الغربية التي يسود فيها التحلل والإباحية والسفور من جهة، ومن جهة أخرى يسود فيها تيار الإلحاد والعلمانية، الذي يجرد الإنسان من قيمه ومثله التي تنزّل بها الأنبياء والرسل الكرام.
ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا - أختي الكريمة - إلى أن الإسلام دين الله الخالد، وأنه جاء خاتمة للشرائع السماوية التي سبقته كاليهودية والمسيحية، وهو الأصلح للإنسان وواقعه ومستجدات حياته؛ لأن الله شاء له الخلود ما وجدت الحياة على هذه الأرض، ويتميز الإسلام بأنه الأقدر على الموازنة بين العقل والجسد والروح في ظل عقائد وثقافات تحصر اهتمامها بواحد من هذه الثلاث، أو لا توازي بينها بالشكل الذي يحقق السعادة والطمأنينة للإنسان.
وبما أنك طرحت قضية الحجاب التي تأخذ اهتماما كبيرا من أصحاب العقائد المختلفة، خاصة في الغرب الذي ينتشر فيه التبرج والسفور، كان لزاما علينا أن نسعى لتثقيف أنفسنا حول مسألة الحجاب، بل وأن نجعل من إثارة مثل هذه الشبهات فرصة لعرض الإسلام بصورة صحيحة تظهر أنه الحق والنور والهداية، وأنه الأصلح للإنسان والإنسانية على حدّ سواء.
ويمكنك عند تناول قضية الحجاب أن تأخذي بالأمور التالية، والتي آمل أن تجد لدى من تحدثين طريقا لتهيئة قلوبهم وعقولهم للتخلي عن بعض ما علق في أذهانهم - خطئا - عن الإسلام، وأبرز ما أراه هنا:
بداية لا بد أن نصنف من يثير مثل هذه الشبهات، ويطلق هذه التعليقات حسب مقصده وثقافته، وذلك حتى نحدد الوسيلة المناسبة لنؤثر فيه، وهذا يعني أن ممن يثير هذا الحديث جاهل بالإسلام، يعتقد بأمور حياته حسب تجربته وما يستحسنه أو يستقبحه، وبناء على ذلك يكوّن قناعاته - ومنها الحجاب -، ثم يناقش فيها ويعرضها، وهناك من هو عالم بالإسلام ومطلع عليه، غير أنه أحد شخصين:(9/179)
- إما أنه يعلم أن الإسلام حق، وأن الحجاب طهر وعفاف، غير أن له مصلحة مادية في انتشار السفور والتبرج والإباحية ليكتسب منها الأموال أو الشهرة، أو مصلحة معنوية إذا كان يعتقد بغير الإسلام، ويكابر على أن ما يعتقده هو الحق، وبالتالي يحاول النيل من الإسلام بأي طريقة، خاصة عندما يرى كثرة معتنقيه وندرة المرتدين عنه، وواجبنا نحو هؤلاء أن نعريهم أمام الناس ونكشف عن خبث نواياهم وخطأ ما يعتقدونه.
- وإما أنه تعلم الإسلام عن طريق المستشرقين، والذين شوهوا الإسلام، وبالتالي يحمل معلومات خاطئة عن الإسلام، وواجبنا نحو هذا أن نصبر عليه، وأن نقدم له المعلومة الصحيحة، مدعمة بالحجج والبراهين والنصوص الشرعية، وأن نعرض له الإسلام بصورته الزاهية عبر الكتب والمقالات والصحف والبرامج التلفازية والندوات الخاصة.
ومن هنا ننطلق - أختي الكريمة - لشرح معنى الحجاب والحكمة منه، وأجمل لك أهم ما يعينك في ذلك بالنقاط التالية:
1- لا بد من توضيح تكريم الإسلام للإنسان ذكرا كان أو أنثى، ومن صور تكريمه أن جعل له لباسا يحفظ جسده ويحمي عرضه، ولذلك منه ما هو واجب كالذي يقي الإنسان من برد الشتاء وحر الصيف، وكالذي يستر العورة، والتي حددها الإسلام بأنها للمرأة كل جسدها عدا الوجه والكفين، وذلك على الراجح من أقوال العلماء استنادا لحديث النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح لها أن يُرى منها إلا هذا، وهذا".. وأشار إلى وجهه وكفيه. حسنه الألباني في إرواء الغليل.
2- كما لا بد من التأكيد على أن الله هو خالقنا ولا معبود بحق سواه، وأنه أعلم بما يصلح للإنسان وما ينفعه، وبالتالي نكون ملزمين بإتباع أوامره، سواء تبين لنا حكمة القيام بها أو لم يتبين، ونحن المسلمون نتميز عن غيرنا من أصحاب المعتقدات أننا إذا ثبت الحكم الشرعي لدينا، وأنه من عند الله ورسوله نسلم لذلك وننقاد، ولا نحاول التحايل على أمر الله كما يفعل البعض عادة.
3- ومن رحمة الله بنا أن بين لنا أن المرأة عادة تجذب الرجل أكثر من جذب الرجل للمرأة، ولذلك الإعلانات التجارية والأفلام تركز على وجود المرأة في برامجها، بل وتستخف بها بعرضها كجسد يمتهن، ويتعرض له الرجل متى شاء ما دام يملك المال الكافي لذلك.
ونركز هنا على الصورة الأليمة والبائسة التي تعيشها المرأة في الغرب، والتي ألخصها بالقول أن الاهتمام بها محصور على كونها جميلة فاتنة، أو غنية تمتلك المال، وإذا فقدت هذين الأمرين لن تجد من ينظر لها نظرة رحمة وشفقة، بل ويسارع أبنائها وأفراد أسرتها لإيوائها في بيت العجزة دون مراعاة لمكانتها.
4- كما نشير مع من نتحدث - خاصة إذا كانوا أصحاب معتقدات دينية - أن الحجاب ليس محصورا في الإسلام، ولكن عرف قبله، فعند اليهود جاء في الإصحاح الثالث من سِفر أشعيا: "إن الله سيعاقب بناتِ صِهْيَوْنَ على تبرجهن، والباهاتِ برنين خلاخيلهن، بأن ينزعَ عنهن زينةَ الخلاخيل، والضفائر، والأهلة، والحِلَقِ، والأساور، والبراقع، والعصائب"، كما جاء في التوراة الرائجة في إصحاح (74:3)، في مقام تهديد المرأة بارتكابها العصيان: "اكشفي نقابك، شمري الذيل، اكشفي الساق، اعبري الأنهار".
وكذلك ذكر في المسيحية، ويظهر ذلك في رسالة (بولص) إلى (طيطس) إذ يقول عن النساء: "بأن يكن متعقلات، ملازمات بيوتهن، صالحات، خاضعات لرجالهن".
5- أخيرا نعرض لهؤلاء النتائج المهولة الأخلاقية والاجتماعية لما تتعرض له المرأة في الغرب من اعتداءات جسدية وجنسية واغتصاب، يصل في بعض الدول لحالة في كل دقيقة، ومن أبرز أسباب ذلك - حسب التحقيقات الجنائية والدراسات الاجتماعية والنفسية - التبرج الفاضح والاختلاط الماجن، وسمعنا أن بعض الولايات الأمريكية بدأت تنادي بمنع الاختلاط في مدارسها بعد أن عانت من جرائم ومشكلات تعرضت لها الفتيات من قبل زملائهن، بل ومن بعض مدرسيهن.
ونؤكد هنا أن المرأة في الغرب نفسها غير راضية عن التمييز الذي تتعرض له، ولا راضية عن امتهانها واستغلالها جسديا.
هذا بعض ما أراه في عرض مسألة الحجاب، وأؤكد لك - أختي الكريمة - على ضرورة أن تتحصن المسلمة بقدر من الوعي وقوة الإيمان والعزيمة، وتتحلى بالصبر لمواجهة التحديات التي تراها نتيجة التزامها بالحجاب من غير المسلمين، والذين لم يصل إلى قلوبهم نور الهداية، بل ومن بعض المسلمين ممن تأثروا بالغرب وذابوا فيه وتطبعوا بأخلاقه وثقافته.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العفة والحياء، وأن يهدينا ويهدي بنا، إنه سميع مجيب الدعاء.
==============
دعوة الأم .. خير هدية في عيدها
الإخوة الكرام،
أمي إنسانة رائعة، وحنونة وتبذل جهدها حتى تسعدني أنا وإخوتي وتوفر لنا الراحة، لكنها - مثل كثير من الأمهات - علاقتها بالدين بسيطة وأغلبها مبنية على "التعود".
وأنا أحاول كثيرا أن أرد لها شيئا من جميلها علينا بأن آخذ بيدها إلى الالتزام والتدين.
وسؤالي هو: ما نصائحكم حتى أستطيع دعوتها بشكل سليم، وما الأمور التي ينبغي أن أحدثها عنها؟.
كيف يمكن أن أوظف مناسبة عيد الأم في ذلك؟.
…السؤال
العائلة, الدعوة الفردية …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
تقول الدكتورة حنان فاروق:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأخ العزيز كاتب الرسالة، شكر الله لك سؤالك الرائع، وجعله الله في ميزان حسناتك، وهداك وإيانا لما يحب ويرضى.. آمين.(9/180)
في وسط الأخبار السيئة عن العقوق والجحود ونكران الجميل والحوادث التي تقرع أبصارنا وأسماعنا كل يوم وليلة عن ابن ألقى بأمه وأبيه في ملجأ عجزة، أو في دار للمسنين ليرفع عن ظهره حملهما، أو آخر قتل أحدهما ليغنم مالا أو ضيقا وكمدا.. تُفتح لنا طاقة نور، وتُبسط مائدة رحمة وتراحم حين نرى من المسلمين والمسلمات من يبحث ويجهد نفسه ليأخذ بيد أبويه إلى نور الهدى ورحاب الإيمان، وكأنه يضن بهما على المعصية أو البعد عن سبيل الله لما رأى من إحسانهما إليه وخوفهما وشفقتهما عليه، فأسأل الله تعالى أن يرزقك رضا أمك، ويرزقها برك، ويجمعكما على خير في الفردوس الأعلى وإيانا.. آمين.
ودعوة الأبوين - والأم خاصة - تحتاج إلى عقل وترو وذكاء وفطنة إلى درجة بعيدة، ذلك أن النصيحة في أغلب الأحيان تكون ثقيلة وصعبة على النفس إن جاءت ممن هو أكبر منا مقاما وعلما، فما بالك إن كان من ينصح هو طفل الأمس في عين المنصوحين المدعوين؟
لهذا أقترح عليك:
* أن تبدأ بنفسك، فتكون - قدر استطاعتك وبتوفيق الله - على خير ما يحب الله ويرضى، وأن تتعمد أن تفعل كل ما تحب أن ترشد إليه أمك أو أبويك معا أمامهما دون استفزاز أو تعليق على فعلهما أو عدمه، وربما أضفت من حين لآخر فائدة لما تفعله، مثل فوائد الصلاة على وقتها، وأذكار الصباح والمساء، وتقدم ذلك في شكل معلومة قرأتها أو سمعتها من أحد العلماء، وما لها من فضل ونعمة بإذن الله في الدنيا والآخرة.
وربما أيضا ذكرت قصة عن غيبة أو نميمة وقعت هنا أو هناك كان عاقبتها خسرا وفضيحة لمن فعلها، دون أن تبين أن أحدا منهما هو المقصود بهذا الكلام، بل عليك أن تذكر نعمة الله عليك إذ كنت من الخطائين ولما سمعت تلك القصة زاد خوفك من الله واتقاؤك لغضبه.
وربما لهذا تحتاج إلى شيء من القراءة في كتب التزكية، خاصة كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي "النسخة المحققة"، و"الداء والدواء" لابن القيم، فهذه الكتب ترقق قلبك، وتعلمك كيف تصل إلى قلوب الآخرين، وكما تعلم فالقلب الصادق الرفيق الناصح تصل كلماته إلى القلوب دون قيد أو شرط بإذن الله.
* لا تنس الدعوة غير المباشرة عن طريق شريط الكاسيت الديني، أو الكتيبات المركزة، سهلة الحمل، سريعة القراءة، قوية التأثير، على أن تقدمها بذكاء، أو تتركها بين يدي أبويك بإشارة بسيطة إلى اطلاعك عليها وفائدتها الجمة.
* اعلم أن الابتسامة والبشر هما مفتاح التواصل مع الناس، وبخاصة مع أبيك وأمك، وإلا لما كان التبسم في وجه أخيك صدقة.
* والهدية مفتاح ثالث للقلوب - بعد الصدق والتبسم -، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" رواه أبو يعلى بسند حسن، فالهدية تعني الكثير، ليس لقيمتها المادية، لكن لأنها تُشعر من تُهديه بأنك تفكر فيه، وتبحث عما يحب، وتدفع من وقتك ومالك لترسم ابتسامة على وجهه، لذا فهي تكسر الكثير من الحواجز بيننا وبين الآخرين، فهي في حق الأبوين أولى، خاصة الأم التي ميزها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك". رواه البخاري ومسلم.
وحبذا لو صاحبَت الهدية قبلة على اليد، فلست متفضلا عليها بهديتك، بل تبقى هي ذات الفضل - بعد الله - مهما فعلت ومهما كان ثمن هديتك، وصدق ابن عمر رضي الله عنهما حين رأى رجلا قد حمل أمه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: يا ابن عمر! أتراني جازيتها؟ قال: "ولا بطلقة واحدة من طلقاتها، ولكن قد أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيرا".
* برّ الأهل وأحباء الوالدين وأصدقائهما يدخل السعادة عليهما، وإن استثقلنا أحدا من هؤلاء، فعلينا ألا نظهر ذلك أبدا لهما فذلك يؤذيهما، ولنحتسب عند الله أجر البر والإحسان، وأجر حسن الخلق والمعاملة، فعن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لما أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده"، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وودّ، فأحببت أن أصل ذاك، رواه المنذري بسند حسن.
* الرفق بهما في حال المرض والضعف، ولنتذكر أننا كنا نمرض فيبكي أبوانا، ويبذلان قصارى جهدهما لنحيا ونصِح، فأقل ما نرد به الجميل لهما أن نصبر على مرضهما، أو على بعض العصبية التي قد تنتاب كبار السن، لأنها في كثير من الأحيان خارجة عن إرادتهما، ولنتق الله الذي أعطى البار بوالديه الذي يحسن صحبتهما حق المجاهد في سبيل الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: "أحيّ والداك؟"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" رواه مسلم.
أسأل الله تعالى أن يرزقك رضاهما، ويرزقهما برك، وإيانا.. آمين.
وتضيف الأستاذة ليلى أمزير، عضو فريق الاستشارات من المغرب:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أحييك - أخي - على حرصك الشديد على دعوة الوالدة الكريمة، ولا ريب أن ذلك واجب عليك.(9/181)
وقبل الجواب لا بأس أن نشير هنا إلى واجبنا تجاه الآباء، فالطاعة ثم الطاعة إن لم تكن طبعا في معصية، يقول لله عز وجل: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: قدِمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم صِلِي أمَّك" رواه البخاري.
فالمصاحبة - أخي - بالمعروف، وهذا المعروف مطلوب معهما وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى، والأمر يصبح أجلَّ وأعظم ونحن أمام هذه الأم الفاضلة، كما عبرت عن ذلك بنفسك "إنسانة رائعة وحنونة".
ثم الإحسان إليهما خاصة عند تقدم سنهما، وقد قُدم ذلك على الجهاد في سبيل الله في أكثر من حديث.
فاللطف واللين والكلمة الطيبة والصحبة في الدنيا بالمعروف أوجب ما تكون مع الوالدين؛ فلا يعني أننا بدعوتهم لأمر شرعي مسموح لنا بالغلظة معهم، فقد قال عز من قائل: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
وتذكر قول الله عز وجل حين أرسل نبيه موسى وهارون لدعوة فرعون الطاغية: (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). لاحظ حال الدعوة والداعية مع من ادعى الألوهية!! فما بالنا مع المسلم، بل ومع الوالدين خاصة الأم؛ فهي بدون شك أولى باللطف والرفق والنصح بأدب ولين.
ولكي تكون دعوتنا للوالدين دعوة متزنة، لا هي بالنصيحة الفاضحة، ولا هي بالسكوت المطبق، أنصحك بما يلي:
* الاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل والإلحاح في الطلب؛ لأن الله تعالى يحب العبد الملحاح، وتحين مواطن وأوقات الاستجابة، كالثلث الأخير من الليل ويوم الجمعة وأثناء السجود إلى غير ذلك من المواطن والأوقات.
* أن تكون أنت مثالا حسنا وقدوة في البيت، ومثلا للأخ الملتزم، المتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب؛ فإن ذلك يؤثر فيهم؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بَسْطَ الوجه، وحُسْنَ الخُلُق" رواه أبو يعلى والبزار بسند ضعيف، فاحرص أخي - جزاك الله خيرا - أن يريا منك كل فعل جميل.
* حاول أن تحافظ على الصلاة في أوقاتها، وأن تلتزم بها بالمسجد، فإن أعظم هدية يفرح بها الآباء أن يروا ثمرة تربيتهم، واعلم - أخي - أنه لا يوجد أب أو أم لا يتمنى أن يكون ابنه أو بنته أفضل منه.
* لا تجعل نصيحتك لها على شكل أوامر، ولا تبدِ تذمرك، ولكن اجعلها في قالب الرجاء الممزوج بالحب والشفقة عليها، وأنك تحب الخير لها.
* حاول تذكيرها دائما بالنصوص المرغبة في الصلاة أو الحجاب مثلا، وبيان فضل ذلك؛ فهذا مما يعطي النفس دفعة قوية، وفي المقابل أيضا حاول تذكيرها بالنصوص المرهبة من ترك الفرائض.
* إن كان الأمر ليس بالسهل عليك فلا بأس أن توسط امرأة صالحة داعية فاهمة لتنصحها عنك، وتصحبها معها للخير؛ فقد يكون هذا أحسن، كما يمكنك الاستعانة ببعض الأشرطة المسموعة والمرئية.
أما فيما يخص الشطر الأخير من السؤال، وهو: كيف يمكننا أن نوظف مناسبة عيد الأم في ذلك؟ فأنصحك بداية أن تقرأ الحكم الشرعي لهذا اليوم في الفتوى التالية:
الاحتفال بعيد الأم بين الجواز والمنع
وبصورة عامة أظن - والله أعلم - أنه بإمكاننا استثمار مثل هذه المناسبة في أن نعترف لأمهاتنا بفضلهن علينا، وجهدهن في تربيتنا ورعايتنا، وما ينتظرهن من عظيم الثواب والأجر.
كما يمكن لمن تيسر حاله أن يعظم الهدية في هذه المناسبة، مما يفرح القلب ويثلج الصدر ويجلب الرضى.
والأهم من ذلك أن نعلم أن كل أيامنا ينبغي أن تكون احتفالا بأمهاتنا، فلا ننتظر هذا اليوم فقط، وإلا فإننا سنكون ممن يتبعون العادة الجارفة؛ لذلك أعتقد أنه يجب ألا تصبح معاني الاحترام والطيبة واللين مرتبطة بأيام فقط، وإنما مرتبطة بسلوكنا اليومي الذي يجب أن نستحضر فيه أن ذلك هو طاعة لله تعالى وقربة إليه: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
ودعني أختم لك بكلمة أعتبرها قلادة من ذهب؛ لأن كثيرا من شباب اليوم ممن التزموا الهداية يسيئون تقديرها للأسف، وهذه الكلمة هي: لا تنصح أمك أو أباك نصحا مباشرا مهما عظم فعلهما؛ فإن ذلك إساءة من حيث تنوي الإصلاح، فكم سهرتْ بجانبك الليالي لترقد ملء أجفانك، وكم ظمئتْ لترويك بحنانها، وكم مرضتَّ فسالت منها أنهار من الدموع، ولما كبرتَ أيها الطفل، صرتَ تعظها وتخطب فيها وتتكبر عليها؟!.
وأخيرا - أخي الكريم - أنصحك ونفسي بأن لا تستعجل النتائج؛ فقد يطول بك الأمر، لكن العاقبة ستكون خيرا بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق المبين، وأن يجنبنا وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
============
الشعور بالانتماء .. كيف أغرسه؟
السلام عليكم،
أريد حلولا لكيفية غرس الانتماء للجماعة وحبها والولاء لها عند أعضائها؟.
بمعنى أن يصبح الفرد لا يخالف السياسات العامة للجماعة، ويدافع عنها ويعتز بانتمائه.
وشكرا.
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, فنون ومهارات …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ أسامة حمودة، الكاتب والداعية المصري:
الانتماء الصحيح مَعين لا ينضب للقوة الدافعة والحماس الدافق، فهو سائق ذاتي للنشاط الموصول، واحتمال الصعاب في سبيل المجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان.(9/182)
إن الالتزام بمعايير المجتمع، والدافعية للعمل الإيجابي، هما نتاج الانتماء، لذا فإن الانتماء - قديما وحديثا - ضرورة تربوية، وحتمية حضارية، ففي غيبة الانتماء تتحول القيم الدينية إلى مغالاة، والقيم الاجتماعية إلى علاقات نفعية، والقيم الاقتصادية إلى استغلال.
والانتماء يعني "ارتباط الفرد بجماعة ما، واستشعار المسئولية تجاه هذه الجماعة"، والجماعة في علم النفس الاجتماعي تعني وجود حقيقة موضوعية مشتركة بين جَمع من الناس، فمثلا الذين يعيشون في منطقة جغرافية ينظر إليهم على أنهم جماعة واحدة، أي المجتمع الذي يعيش فيه الفرد هو جماعته، فالأمريكان جماعة، والمصريون جماعة.
وقد يكون العامل الموضوعي المشترك هو لون البشرة، فالسود جماعة، والبيض جماعة، وقد يكون العامل الموضوعي هو الدين والعقيدة، فالمسلمون جماعة، والنصارى جماعة.
ولابد من إزالة الشبهات حول الفصل بين صور الانتماء، فالانتماء الوطني، العربي، الإسلامي، لا يمكن الفصل بينهم، فانتماء الفرد للوطن عطاء، وللعروبة تضامن، وللإسلام معيار ومنهج.
وأي فصل بين تلك الصور هو اتجاه لإثارة جدلية ظالمة تبدد الفكر والطاقة.
عوامل دعم الانتماء:
لا شك أن مجتمعاتنا تعاني الآن لامبالاة غير مسبوقة، فضعف الانتماء أمسى سمة سائدة في عصرنا الأنكد، ولقد تحول ضعف الانتماء - مع كرّ الليالي الكالحة - إلى انعدام في الانتماء، وهذا بدوره تحول إلى ما يشبه العصيان المدني، فالموظف لا يريد عمل شيء، والطالب لا يُحسن صُنع شيء، لقد تحول الذكاء إلى قدرة على التهرب من المسئولية، ذلك لعدم القناعة بالجماعة، أو بالدور الذي يقوم به الفرد داخلها.
والعلاج يبدأ بتفعيل الانتماء، بيد أن تفعيل الانتماء لا يأتي من فراغ، فلا يمكن تشكيل الأفراد وتعبئة قواهم لخدمة مجتمعهم بالخطب والمواعظ والأشعار، إنما يتحدد انتماؤهم لجماعتهم بما يسمى "أدوات تأثير الجماعة على الفرد"، ولعل أهمها "جاذبية الجماعة عند الأفراد"، ولا تأتي تلك الجاذبية إلا بتوفير منظومة من العناصر المتكاملة، ومنها:
1- القدرة على إشباع ما يحتاجه الأفراد عقليا ووجدانيا وماديا، وبقدر إشباع الجماعة للفرد، بقدر تعاظم جاذبيتها في نفسه.
فعدم إشباع العقل معناه الحرمان أو "الجوع الفكري"، وهذا يؤدي إلى غياب الوعي والعيش على الهامش، وقد ثبت أن الأطفال الذين يتمتعون بشعور عال بالانتماء، ينحدرون من عائلات تُعلى قيمة القراءة، وعملية المشاركة في القراءة مع الطفل هي أحد أهم أساليب غرس الانتماء لديه.
وهناك ما يسمى "الجوع العاطفي"، أي الحرمان الوجداني الذي تربى عليه الطفل داخل أسرة لا تعرف العاطفة، وكذا المدرسة التي ترعرع فيها وهي لا تجيد إلا أساليب السحق، وعلاج ذلك لا يكون إلا بالحياة الدافئة داخل الأسرة والمدرسة وكل المؤسسات التربوية؛ لإشباع وجدان الناشئة وصيانة ذواتهم.
قُل مثل ذلك عن الإشباع المادي، فكل فرد له حاجات ولابد من إعانته على إشباعها، فإذا أمسى المال دُولة بين الأغنياء - في مجتمع الطبقات والصفقات - فأنّى للفقير من مال يعينه على حفظ كرامته، وتأمين ضروراته وحاجاته من مسكن وعلاج وزواج ... إلخ.
2- توفير فرص الوصول إلى مراكز عليا في الجماعة، فكلما ارتفع مركز الفرد كلما زاد انتماؤه.
3- توافر عنصر التقبّل للفرد وحفظ كرامته، فكلما زاد إدراك الفرد بأنه موضع تقبل واحترام من المجتمع، كلما ربَى انتماؤه.
4- وضوح الأهداف التي تسعى إليها الجماعة، وكذا الأساليب المستخدمة للوصول لتلك الأهداف، فكلما اتضحت تلك الأهداف، كلما اتضح دور الفرد وموقعه في الجماعة.
5- توفير نماذج للاقتداء، فتستطيع الجماعة أن تؤثر على أفرادها إيجابيا من خلال النماذج المعجَبة، فالبارزون أصحاب الشخصيات الأخلاقية يقتدي بهم الأعضاء، حيث أن أحد مصادر التعلم هو الاقتداء ومحاكاة الغير.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
إضافة إلى ما ذكره الأستاذ أسامة حمودة، اسمح لي - أخي الكريم - أن أذكر بعض الأمور التي إن توفرت في الجماعة كان ذلك سببا لعمق الانتماء لدى أفرادها.
فالمرء يشعر بالانتماء والحب للجماعة التي يتواجد فيها حين:
* يكون تواجده فيها يضيف إليه زادا روحيا وأخلاقيا وسلوكيا وعلميا ... إلخ.
* يجد من جماعته عونا وسندا في أوقات الأفراح والأزمات.
* لا يجد تفرقة وتميزا في التعامل بين أفراد الجماعة، إلا لأسباب موضوعية، بعيدة عن التحيزات الشخصية.
* تسود روح الألفة والمودة والمحبة والتعاون والتكافل بين أفرادها.
* تحفظ الجماعة أسرار أفرادها، وتعمل على إقالة عثراتهم.
* تحسن الجماعة توظيف أفرادها، وتفجر الطاقات الكامنة داخلهم على اختلاف أشكالها وألوانها.
* تقدر الجماعة الجهود التي يبذلها أفرادها.
* تحرص قيادة الجماعة على الالتزام بمنهج الإسلام في أخلاقها وسلوكياتها وعباداتها ... إلخ.
* تلتزم الجماعة منهج الشورى وتطبيقاته في كل مستوياتها، وحين يتسع صدر قيادات الجماعة للرأي المخالف وللنصيحة مهما كانت قاسية.
نسأل الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.
==============
من يربي الذي يربيني؟!
أبي وشيخي وأستاذي الفاضل الدكتور فتحي يكن،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو أن يتسع صدر فضيلتكم لهذا الأنين الذي يضج به صدري، وأن يتسع وقتكم لقراءة هذه السطور النازفة والردّ عليها، لقد منَّ الله علي إذ عرفني الطريق إلى تلك الجماعة التي أحسبها إن شاء الله على الحق، فعملت لله من خلالها، لكني أرى بها أشخاصا يدّعون حملها وهم أبعد ما يكونون عنها.(9/183)
أتصدِّق يا سيدي أن القائم على تربيتي أسمع منه من نابي الألفاظ ما أنزه سمعك عن ذكره، وما لم أكن أصدقه لو حكي لي عنه، لكنه واقع نحياه، لمست يا سيدي من خلال المواقف التي رأيتها مع مسئولي وغيره من الإخوة من حولي أنَها ظاهرة ما أرسلت سؤالي إلا للإشارة إليها، إنه ضعف إيماني وتربوي وضياع للثقة وفقدان للأخوة، فالأخوة يا سيدي اجتماع على مبادئ وقيم، فكل الذي يجمعهم حب وأخوة، وكل من تجمعهم الدنيا يلتقون دائما في طريق واحد، هذا يا سيدي واقعنا الذي نحياه بكل مرارة وأسى، لقد أصبح كل الهم أن نصبح عددا فصرنا غثاء كغثاء السيل.
قد تلومني على فقدان الثقة، وكيف لا أفقدها وقد تأكدت أن مسئولي لم يبلغ شكواي، ويقسم أنه أبلغها؟! قد يكون لكل مجتمع عيوبه، ولكن يا سيدي مجتمع كل أفراده دعاة إلى الله، ألا يتنزه عن مثل هذه المآسي؟! ألا تكون أخطاؤه مجرد اللمم؟!
سيدي، إنني لم أقف مكتوف الأيدي، لقد حاولت في لقاءاتنا المجمعة أن يكون لي خاطرة في التذكير بالموت وباليوم الآخر، فإذا أصحاب الحول الواحد يبكون وأصحاب العشرين عاما في الدعوة يضحكون.
أناشدك الله أن تدلّني على العلاج الناجع لتلك الظاهرة، لقد راجعت كتاب "قطوف شائكة" ووالله يا سيدي إن كل من يحسُّون هذه المعاني ويتكلَّمون فيها يهمِّشون ويبعدون ويتَّهمون بعدم الفهم.
معذرة على الإطالة، غير أني أحسست أني ألقيت حملا ثقيلا من على كاهلي.
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, آداب وأخلاق, إيمانيات …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
الأخ الكريم محمد حفظه الله تعالى،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فقد اطلعت على رسالتك، وعجبت كل العجب لما جاء فيها، وسبب عجبي كون الأشخاص المعنيين في الرسالة هم أعضاء في جماعة مشهود لها باهتمامها التربوي، بل إن الجانب التربوي هو ما يميِزها عن غيرها!
ودعني أتوقف وإياك عند عدد من النقاط، مستوضحا وموضحا:
- أن تقع بعض تصرفات نابية من فرد في جماعة، فأمر مُنتظر وبديهي، أما إذا تكرر الخطأ واتسعت رقعته، وغدا ظاهرة، فهذا أمر يقتضي المعالجة السريعة.
- هل قمت بطرح القضية على المسئولين وكاشفتهم بما حدث كواجب من واجبات النصح والحسبة في الدين، وكيف كان تصرفهم حيال الأمر؟
- أن تقوم من جانبك بتذكير إخوانك، فهو خير ومحمدة، إنما المطلوب إجراء تصحيح عام مركزي، في حال تفاقم هذه الأمراض والظواهر.
- لا أكتمك أن ظاهرة تراجع المستوى التربوي إلى ازدياد على امتداد الساحة الإسلامية، وهذا يعود إلى أسباب كثيرة، أبرزها عدم وضع ضوابط شرعية للعمل السياسي وضعف مستوى القدوة، وغلبة الهم التمثيلي "النيابي أو النقابي أو غيره" وتعطل المحاسبة والمراقبة، وعدم تكافوء المناهج التربوية مع طبيعة المرحلة وتحديات العصر، وتقليدية المحاضن التربوية ... إلخ.
لقد شغلت بالي كثيرا وطويلا ظاهرة تراجع الإيمانيات والأخلاقيَّات في الحركة خصوصا، وعلى الساحة الإسلامية عموما، وقد جرى التركيز عليه في مؤلفاتي الأخيرة ومنها:
- نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر.
- التربية الوقائية في الإسلام.
- قوارب النجاة في حياة الدعاة.
- مشكلات الدعوة والداعية.
- قطوف شائكة من قلب التجارب الإسلامية... وغيرها.
ثم إن الكتابة والتأليف لا يكفيان لمعالجة أمثال هذه القضايا، حيث إن هنالك وجهات نظر مختلفة ومتعددة، مما يحتاج إلى مؤتمرات وخلوات ودراسات ووقفات طويلة تتناول هذه الظواهر، وتستكشف أسبابها وجذورها، بتجرد وموضوعية وصدق مع الله وإخلاص له، حيث إن تحديات هذا الزمن والمستهلكات الإيمانية كثيرة وخطيرة، مما يحتاج إلى تفعيل المنتجات الإيمانية والأخلاقية، والله أعلم.
وأود بهذه المناسبة أن أضع بين يديك رسالة كنت قد كتبتها في إطار معالجة مشكلات شبيهة بالمشكلة التي طرحتها، قلت فيها:
عصر الاستهلاك الإيماني:
يشهد هذا العصر استهلاكا إيمانيا مريعا من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين - خاصتهم وعامتهم - إلى هاوية الإفلاس الإيماني مصداقا لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خير أمَّتي القرن الذين يلوني، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" رواه مسلم.
إن كل ما حولنا يصرفنا عن الله ويغرينا بالدنيا وشهواتها، (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "حُفَّت الجنَّة بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات" رواه مسلم.
وأكتفي بعرض نموذج بسيط حول عملية الاستهلاك الإيماني في زحمة من المواقع الاستهلاكية التي لا تبقي ولا تذر.(9/184)
* أمامي نشرة أسبوعية مجانية تقع في نحو من أربعين صفحة، كل صفحة فيها تمتلئ بعشرات الدعوات والدعايات التي تستهلك الإيمان والأخلاق والوقت والمال، ولا تترك للإنسان فرصة للتنفس الإيماني السليم، فهذه دعوة إلى تنحيف الأجساد، وتأمين الأصدقاء، واستيراد الخادمات والحاضنات التي تتناسب مع جميع الأذواق والميزانيات! وعرض لمقعد بكبسة زر يساعدك على النهوض! وعرض لمعالجة الصلع! أو إزالة الشعر نهائيا عن الأجساد وإلى الأبد! وعروض لا تُعدّ في عالم التجميل! وعروض لعلاجات متنوّعة للقضاء على الضعف والفشل الجنسي! وعروض لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم وتغيير خلق الله! ناهيك عن عروض بيع السيارات، والمفروشات، والأدوات الكهربائية، والكومبيوترات، والفيلات، والشقق، والشاليهات، يرافق كل ذلك عروض سخية بالبيع المقسط يمكن أن يستهلك عمر الإنسان كله، يضاف إلى ذلك تنافس في عروض المطاعم وحفلات الطرب والرقص وما يمنع الحياء عن ذكره!
هذه مفردة صغيرة ومحدودة من وسائل الاستهلاك الإيماني، يضاف إليها عالم الإنترنت، وعالم الفضائيات، وما يذخر به من مثيرات ومغريات وفتن، وكل ما تمخض عنه العقل البشري من إغواء ووضع في خدمة الشيطان، فماذا يتبقى بعد ذلك؟
هل يتبقى وقت؟ هل يتبقى جه هل يتبقى عقل؟ هل يتبقى مال؟ هل يتبقى دين؟ هل تتبقى أخلاق؟ والنتيجة: ضياع العمر وسوء المصير، والنتيجة كذلك ظهور تنظيمات وجماعات "عُبَّاد الشيطان".
كيف نواجه هذا الكمّ من قوارض الإيمان؟
لا بد من مشاريع إنتاجية للإيمان تغالب الاستهلاك وتغلبه، وذلك يحتاج إلى قوة إرادة، وعزيمة، وصبر، ومجاهدة نفس، ومغالبة هوى لا تفتر ولا تتوقَف.
إنه يحتاج إلى إنماء إيماني "فردي وجماعي، شخصي ومؤسَّسي" يماثل حجم الاستهلاك الإيماني أو عولمة الاستهلاك، وفق منهج تربوي متكامل نوعي يكون في مستوى العصر وتحدياته.
والله وليُّ الأمر والتوفيق.
===============
العزلة أم الدعوة .. أيهما أحفظ للمرأة؟
كنت أتحدث مع إحدى الصديقات، وأدهشني ما قالته، فهي تقول: إنها وبعد تفكير طويل توصلت إلى أن الانعزال عن المجتمع والعمل الدعوي أفضل حالا للمرأة، فهو يحميها من فتن كثيرة، قد تضعف أمامها حال خروجها للدعوة.
وقد تناقشت هي مع بعض الفتيات اللاتي يعتنقن هذه الفكرة، وهي معجبة بمنهجهن، وتقول: إنهن أفضل حالا من الأخوات اللاتي يعملن في الحقل الدعوي، فهن بمنأى عن الفتن الموجودة ويحافظن على دينهن، وفي نفس الوقت فإنهن يؤثرن في الناس بسلوكهن، دون الانخراط في عمل دعوى.
وقد اقتنعت صديقتي بهذا الفكر على ما يبدو - فكر جماعة التوقف أو القطبيين كما يسمون أنفسهم - و لست أدري بماذا أجيب، ولا كيف أقنعها بخطأ هذا الانعزال.
…السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
الأستاذة أسماء جبر أبو سيف…المستشار
……الحل …
أختي الحبيبة داليا، سلام الله عليك، وأحيي فيك غيرتك على مجتمعك وعلى أخواتك الداعيات، وأتمنى لك السداد في الرأي، وبعد..
فإن فكرة الانعزال ينادي بها البعض من الشباب لأكثر من سبب في نظري، منها:
• اليأس من التغيير في المجتمع، مع ازدياد الفساد على كل الصعُد.
• العجز عن واجبات الدعوة الملقاة على كاهل الداعية، فيشعر أنها أكثر من طاقته فيقعد ويستسلم لإمكاناته المتواضعة، سواء في الحديث إلى الناس أو هدايتهم، أو ضعف الثقافة الدينية، أو محدودية الثقافة في الشئون الدعوية فقط، وعدم الاطلاع على شئون الحياة ... إلخ.
• الخوف من التعرض للأذى، سواء من الأسرة أو الحكومات أو غيرها، وسواء كان الأذى نفسيا أو جسديا.
• وسبب آخر لاحظته لدى بعض الشباب الذين لم يكتمل اعتزازهم بإيمانهم ودينهم، حيث يشعرون بالنقص أمام مجتمعات تحب المظاهر وشباب يتباهى بالقشور.
ومهما كانت الدوافع - أختي الكريمة - فلا شك أن فكرة الانعزال هروبية، وفيها من الضعف والانهزام وتفضيل الراحة ما فيها، فهم المستريحون الذين يبررون راحتهم بالبعد عن الفتن والتفرغ للخلوة والتعبد، حتى يصبح الانعزال نمطا للتفكير، ينفصل عن الأسباب، ويقتنع به هؤلاء.
وهل انعزال المسلمة الداعية هو الذي يحقق سلامتها من الفتن؟ وأين فتنة الغرور بالنفس، والأمراض الأخرى التي قد تصيبك وأنت في عزلتك، والشيطان يسري في ابن آدم مجرى الدم؟.
إننا في هذا الوقت أحوج ما نكون للمرأة التي تعمل بدينها وتنشر تعاليمه، وهل اهتدت النساء إلى الله إلا بسبب الداعيات اللواتي يتنقلن بين الجموع والمساجد والبيوت، يلقين المواعظ، وينصحن العاصيات، ويهدين التائهات؟ فمن يقوم بهذا الدور بين النساء إن قعدت عنه الداعيات ؟!.
وفتيات المدارس والجامعات ونساء البيوت والعاملات في مختلف القطاعات، من يعلمهن أمور دينهن؟.
إنكِ إن درستِ أحوال هؤلاء اللاتي يفضّلن العزلة، ستجدين أن معظمهن من ذوات القدرات المتواضعة، ومنها القدرات الاجتماعية التي تؤثر في الناس كالحديث إليهم والتأثير فيهم، وإنشاء علاقات أخوية مؤثرة معهم، وهن قد يكن متواضعات العلم والثقة بالنفس والشخصية.
إن الداعية المؤثرة هي ذات العلم المتطور، المتوازنة في شخصيتها، القادرة على التأثير في الآخرين وتحسين حياتهم وقدرتهم على التعايش، وليس فقط تعلمهم الدين، فكل ما هو مفيد للمرأة في حياتها هو دين، وكل خير هو دين، وكل علم نافع يخدم البشر هو دين.(9/185)
ولا زلت أعتقد أن مشكلة بعضهن - الداعيات إلى العزلة - هي مسألة قوة ثقة بالنفس أو ضعفها، فهل هن لا يثقن بإيمانهن حتى يقعن في الفتن؟ وهل من السهل أن تقع المرأة المؤمنة في الفتن؟ وهل هي ممن يعبد الله على حرف حتى تقع عند أول فتنة تتعرض لها؟.
مهما أحسنت الظن بالدعاة إلى العزلة، فإن هذا النوع من التدين المنعزل يحبه أعداء الإسلام وتدعمه الحكومات المناهضة للإسلام؛ لأنه لا يزعجها، ولا يزعج وسائل الإعلام ولا مؤسسات الفساد، فتفعل كلها ما تشاء في غياب المرأة المسلمة بحُجة حماية نفسها من الفتن.
حدثيهن - يا داليا - عن جماعات النساء المسيحيات المبشرات بدينهن، وكيف يعملن في مجتمعات المسلمين تنصيرا وإخراجا من دين الله عز وجل، وهن في كل مكان، يعملن ليل نهار لدعم خروج المرأة سافرة، لا دين لها ولا أخلاق.
الكل يعمل ضد الإسلام، والأعداء يضعون نساءهن في المقدمة ويجيشوهن، فأين المرأة المسلمة؟! وهل تنتظر حتى تقف المرأة اليهودية أو المبشرة على باب دارها تأمرها بالكفر أو الموت؟!.
الواقع أنني متفائلة يا داليا، فهذه الفئة من الداعيات إلى الانعزال فئة محدودة، والداعيات يملأن المدارس والجامعات والمؤسسات المختلفة، ويقفن بكامل حشمتهن وإيمانهن لا يفتنهن شيء، يُثبِتْن وجودهن في العمل والعلم والمنزل، ويزددن ثقة بأنفسهن، ويزداد المجتمع بهن اعتزازا وثقة.
إنني أتخيل المرأة الفلسطينية في محنتها، كم تعتب علينا، وكم هي متألمة وبائسة وحزينة وبحاجة لكل جهد منا لدعم وحدتها في ميدان المعركة، مكلومة وأرملة وثكلى وفقيرة وبلا مأوى، ونحن لا زلنا نفكر هل نعتزل أم لا؟ هل نعمل بالدعوة العامة أم لا؟ من سيحمل قضيتها؟ هل ستحملها المرأة السافرة التي لا فكر لها، ولا همّ إلا نفسها ومظهرها ومتعتها، أم مَن يا أختاه؟!.
وأين حديث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه أحمد بسند صحيح.
وأين نحن من المسلمات اللواتي كن يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوات والحروب ضد أعداء الله، فلم نسمع ولم نقرأ أنه صلى الله عليه وسلم أعاد المرأة إلى بيتها لأنها "عورة"، ويخشى عليها وعلى الجيش من الفتنة؟ وأين نحن من عائشة رضي الله عنها مرجع الرجال والنساء في الفقه والحديث بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟.
أختي داليا، لا تدعي هؤلاء "المستريحات" في حالهن، قوِّي من عزائمهن، وشدي من أزرهن، ناقشيهن واستفزيهن لدين الله عز وجل ونصرته، اعملي ليل نهار لإقناعهن بالخروج إلى المساجد والمدارس وتجمعات النساء، ليُعلِّمْنَ الناس الخير والحق والعلم والدين، "إنَّ الله عز وجل، وملائكته، وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلُّون على معلم الناس الخير" رواه الترمذي بسند صحيح. و"المؤمن يَأْلف ويُؤلَف، ولا خير فيمَن لا يألف ولا يُؤلَف، وخير الناس أنفعهم للناس" رواه الدارقطني بسند حسن.
إن سَيْرك إلى عملك أو إلى المسجد أو حتى إلى السوق، تعينين امرأة على طفلها، أو تتصدقين على فقيرة، أو تنصحين عاصية، أو تساعدين عجوزا في قطع شارع، أو تعقدين حفلا تجمعين به التبرعات لدعم أختك في فلسطين، أو موعظة تعلمين بها الناس الخير، فذلك كله خير لك، ومن شاء أن يتعبد فله الليل كله، يخلو به مع ربه وحبيبه، ويتزود من قوته ويدعوه، ويناجيه ما شاء الله له أن يفعل لساعات الليل الطويلة الرائعة، فهل يحتاج أكثر من ذلك خلوة وجنة ونقاء وصلة مع الله عز وجل، تضيء نهاره وتقوي عزيمته على الحق؟!.
كان الفضيل بن عياض من الناسكين العابدين الذين لا يفارقون الحرمين الشريفين، حتى عُرف بلقب "عابد الحرمين"، فبعث إليه عبد الله بن المبارك وهو في ركاب المجاهدين على تخوم المسلمين هذه الأبيات في سنة سبعين ومائة للهجرة مع أحد أصدقائه:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب جيده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل اللّه في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب اللّه ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
أختي الحبيبة داليا، أنصحك بعقد حلقات علمية لهؤلاء المنعزلات، تتناول خطورة هذا الانعزال على المجتمع، وتقوي العزائم، وترفع التقدير الذاتي والثقة بالنفس، وتعمِّق الإيمان، فكلما ازدادت المعرفة بالله عز وجل ودينه، كلما ازداد الداعيات حبا في تعليم الناس الخير، ودعيهن يرون منك ومن أخواتك قوة الإيمان والإرادة العالية ومقاومة الفتن، بل وتجنيد النفس والعلم والإمكانات المادية والمعنوية لمحاربة الفتن، وإن محاربتها لا يزيدك إلا صلابة في الدين وقوة في اليقين، وفهما للقرآن الكريم، والرغبة القوية لتطبيقه في واقع العالم وإنقاذ المجتمع.
إن لديك الكثير لتقومي به، فبادري، وإن بقين على حالهن فسوف ينساهن التاريخ والأيام، وتبقى بركة الصدقة الجارية، ونورها بين الناس، ولا أجمل أن تهتدي بك فتاة، فتبقى طوال العمر تدعو لك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من الدنيا وما فيها"، أو قال: "خير لك من حمر النعم" رواه الشيخان وأحمد.
فإلى الأمام أختي داليا، أسمعينا أخبارك المشتعلة بالغيرة على المسلمات، وزوّدينا بالنشاطات التي تقومين بها لعلنا نستفيد كذلك.
=================(9/186)
في تغير الشباب .. من أين أبدأ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب مثل أترابي من الشباب، لكني أريد أن أحدث تغييرا عالميا فيهم، وهذا التغير يجعلني أستظل معهم يوم العرض في ظل الرحمن.
ما هي الخطوات التي تنصحونني باتخاذها من التخطيط الإستراتيجي، وخاصة الدعم المادي لإتمام هذا المشروع، والذي أهدف منه إلى إرضاء الله تعالى.
جزاكم الله خيرا
…السؤال
الشباب, وسائل اجتماعية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة لما تكروري، عضو فريق الاستشارات:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا شك أن ما تسعى إليه - أخي الكريم - ينم عن طموح كبير وتطلعات راقية، فشاب يريد أن يغير وجه العالم هو ما نريد أن يتحول إليه جميع شبابنا.
وهذا الأمر ليس بالمستحيل وإلا لما وجد العديد من الذين أحدثوا تغيرات كبرى في عالمنا.
وحتى لا نؤخرك عن تحقيق هدفك، نقترح عليك مجموعة من الخطوات العملية:
• الإيمان بأن هذا ممكن، فرغم أنه ليس سهلا إلا أنه ليس مستحيلا، وأحسبك تجاوزت هذه النقطة وإلا لما كانت رسالتك بين أيدينا الآن، ولكنني ذكرتها من قبيل التأكيد والتشجيع.
• عليك بالتفوق والإبداع، لم تذكر لنا مجال دراستك أو عملك، لكن مهما كان فعليك أن تتفوق فيه وأن تبدع، وأن تعطيه من وقتك وجهدك الكثير، فمعظم من أثروا فينا تفوقوا في مجالاتهم.
وهنا أحذرك - أخي الكريم - من الخطأ القاتل الذي يقع فيه البعض حينما يظن أن واجبه الدعوي أو الاجتماعي يعفيه من مسئوليات النجاح والبروز في مجال عمله، وهو لا يدري أن هذا النجاح هو أولى الخطوات نحو خدمة المجتمع، ونفع الناس، وإحداث التغير فيهم.
• اقرأ كثيرا، وانفتح على العالم، وتعرف على أعمال من سبقونا، اقرأ سير حياة من غيروا فينا، ابحث عن الروابط المشتركة والمحفزات والأساليب، انظر إلى تجارب الأمم وخبراتها نظرات موضوعية، تأمل ما نجحوا فيه وما عجزوا عنه.
• اسأل نفسك: ما الذي نريد تغييره في شباب العالم؟ أو فلنبدأ بطريقة أخرى، وهي ما الذي أريد تغييره في نفسي كشاب؟ في أخي؟ في جاري؟ في شباب أمتي؟.
ستجد أمامك سيلا من الأمور التي عليك تحسينها وتغييرها، ولا أعني بذلك أن أكون تشاؤمية، لكن قضايانا كثيرة، وفي المقابل ستجد كثيرا من الأمور الطيبة في نفوس الشباب، والتي يمكنك استثمارها كمحفز للمضي قدما في طريقك.
• عليك بالتركيز، لا يمكنك أن تغير كل شيء في نفس الوقت، ولهذا انتقي معاركك، واختر أمرا واحدا تريد أن تنطلق من خلاله مثل: إنشاء مركز لتحفيز القراءة لدى الشباب، أو للقضاء على عمالة الأطفال، أو لمساعدة ضحايا العنف، أو دعم تعليم الفقراء، أو تقديم الخدمات الأسرية والزوجية، أو تشجيع أصحاب المواهب والاختراعات العلمية ... إلخ.
• ابحث عن المختصين الذين يمكنهم مساعدتك، واستثمر طاقات من حولك، وليس من الضروري أن تبدأ بتمويل كبير، تعامل بذكاء مع مواردك الاقتصادية، ولا ضير من أن تبدأ صغيرا لتنمو، فهذا هو التدرج الطبيعي، وقد يكفيك في البداية غرفة في "بير السلم"، أو حتى زاوية من زوايا المسجد أو المنتزه.
• كن متفردا لا فردا، ابحث عن رفقة طيبة تشترك معك في هذا الهدف، حتى يكون هناك من يؤنسك خلال الطريق.
• تذكر أن كل تصرف من تصرفاتك هو خطوة نحو التغيير، قد تكون ابتسامتك في وجه أحدهم أكبر تأثيرا من عمل أكبر المراكز الخيرية أو أطول المحاضرات، لذا طور تعاملك مع الآخرين، واحرص على صورتك الطيبة أمامهم، واجعلهم يحسون التغيير فيك قبل أن يروه في أنفسهم.
• لا تيأس مهما طال الطريق، لأنك تسعى نحو أمر قد لا ترى آثاره النهائية في حياتك، لكن الأجيال القادمة ستذكره بكثير من الامتنان بإذن الله.
• تزود دائما بالوقود، وحتى لا تتعثر جهودك في منتصف الطريق فاحرص دائما على أن تتزود بالوقود الروحي والعلمي، وتوكل على الله، واجعل اتصالك به قويا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
============
اللقاء الدعوي الناجح .. "وصفة نبوية"
أريد عقد لقاء دعوي، وأحتاج إلى مساعدة في وضع خطة شاملة لهذا اللقاء، وهو يدور حول الدعوة الفردية.
…السؤال
الدعوة الفردية, وسائل اجتماعية …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
إن من أوائل وأهم اللقاءات الدعوية التي روتها لنا السيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي من تفاصيلها يمكننا استنباط أفضل عناصر نجاح اللقاء، كانت في موسم الحج عند العقبة، إذ لقي صلى الله عليه وسلم رهطا من قبيلة الخزرج بيثرب، فسألهم أولا: "من أنتم؟"، قالوا: نفر من الخزرج، قال: "أمن موالي اليهود؟"، قالوا: نعم، قال: "أفلا تجلسون أكلمكم؟"، قالوا: بلي، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلى عليهم القرآن، فقالوا: تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه للإسلام وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسي أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا ووعدوه المقابلة في الموسم المقبل، (سيرة ابن هشام).
إن عناصر نجاح اللقاء الدعوي من الممكن أن ُتؤَخذ مما سبق ذكره، وأهمها:(9/187)
• التوقيت المناسب: فلا يكون وقت انشغال، أو وقت مشكلات وهموم؛ وذلك حتى يتفرغ الحاضرون للاستيعاب، فقد كان اللقاء في فترة التفرغ للحج، واستأذنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، واستشفّ استعدادهم للتقبل بقوله: "أفلا تجلسون أكلمكم؟".
• المكان الجذاب: فقد كان في رحاب مكة والبيت المعمور، أما المكان الضيق، الموحش الكئيب، فيشتت الذهن ويضعف التركيز.
• العدد المعتدل: ليناسب طاقة المكان والمحاضر والهدف ونحو ذلك؛ بما يحقق أكبر تجاوب واستفادة، فقد كانوا رهطا، يُقال ستة أفراد، لأنه لو ازدادوا فقد تقلّ الفائدة وتتعذر.
• الروح العالية: فقد كانت فترة قرْب وتواصل للفطرة مع خالقها، حيث تنشيطها يعين على مزيد من قبول الخير، فلا بد إذن أن يُحاط أي لقاء بروح الحب والأخوة وصفاء القلوب وإلا كان مصيره الفشل.
• معرفة الحضور: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أنتم؟" ... "أمن موالي اليهود؟"؛ وذلك حتى يمكن مخاطبتهم على قدر عقولهم وأحوالهم وظروفهم وبيئاتهم وثقافاتهم، فيتحقق التفاعل الجيد.
• الهدف الواضح: "فدعاهم إلى الله"، فلا خروج عنه حتى لا ينفضَّ اللقاء دون نتيجة، أو ينفض بنتيجة معاكسة للمطلوب.
• الاختصار والتبسيط: فهو صلى الله عليه وسلم قد عرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، هكذا دون تفلسف أو تعقيد! وذلك حتى تصِلَ الفكرة بسهولة وتستقرّ، ولا مانع بالطبع بل من الواجب الاستعانة بكل وسيلة مُسْتحدَثة تعين على تيسير فهم المعلومة وتثبيتها، كاستخدام الكمبيوتر وشاشات العرض والمشاهد الفنية ... إلخ.
• الحوار المتبادل: فهو صلى الله عليه وسلم يحدثهم ويستمع منهم أيضا، بل يترك لهم وقتا لحوار أنفسهم ومراجعتها، كما قالوا فيما بينهم: "تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود"، من أجل تحقيق تمام الاقتناع.
• التنوّع: بمعني أنه كلما كان هناك عدد من المحاضرين، كلما كان اللقاء جذابا بثراء ما سيعطونه من خبرات وفوائد، فإن كان المحاضر واحدا فيُفضل أن يترك فترات للتعليقات والتفاعلات والتساؤلات لأثرها المفيد.
• الفريق الإداري: ويقصد به أن يتفرغ فرد أو أكثر لمهام إدارة اللقاء، كتجهيز المكان، الوسائل الإرشادية، الأطعمة، وما شابه هذا؛ حتى لا يحدث إعاقة للأداء الفني.
• التبشير بالسعادة: فهذا هو ملخص هدف دعوة الإسلام، إسعاد من يتبعه في حياته الدنيوية بتنظيم كل شئونها ثم الأخروية، كما أحسوا هم بذلك وقالوا: "فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك"، فهذا التشجيع والوعد بالخير في الداريْن هو من أكبر الأسباب لدفع المدعوين للحضور، ونجاح اللقاء، وحسن الاستفادة منه بعد انتهائه، وقولهم: "فلا يسبقنكم إليه" دليل على ذلك.
• المواظبة والأمل: فلم يكن هذا أول لقاء حيث عرض النبي صلى الله عليه وسلم دينه على وفود كثيرة قبلهم فلم يستجيبوا، فعلي الداعية ألا ينتابه اليأس، وإذا لم يستجب له هؤلاء فسيستجيب له آخرون، وإذا لم يستجيب أولئك الآن فسيستجيبون غدا بإذن الله، فليس من الضروري إذن أن يكون الأثر لجميع الحضور في ذات اللقاء بنفس الدرجة، وإنما لا بد أن يكون بعده لقاءات أخري نظرية واحتكاكات كثيرة عملية ليحدث التأثير والتغيير التدريجي، فقد وعدوه صلى الله عليه وسلم بالمقابلة في العام المقبل لبعدهم عن يثرب، وقد وفوّا وجاءوا بعدد أكثر، فالالتزام الدوري شهريا مثلا أو أسبوعيا يحدث تراكما تدريجيا تلقائيا للأخلاق، وهذه الدورية هي أحد أسباب نجاح اللقاء الأول باستكماله والتذكرة به والانتفاع بمنافعه.
• التوظيف: فإشراك الحضور في الاتفاق على واجبات عملية تنفذ بعد انتهاء اللقاء هو دلالة على اقتناعهم وتفاعلهم ونجاح الداعي ولقائه، فقد قالوا من ذوات أنفسهم بعد دفع ٍوتوجيهٍ منه صلى الله عليه وسلم: "فندعوهم إلى أمرك".
• الطعام والشراب والفكاهة: فهي فواصل هامة لتنشيط العقول، وتأليف القلوب، وإعدادها لمزيد من التلقي والعطاء، فقد كان صلى الله عليه وسلم في ضيافة وفدهم، وكانوا هم في ضيافة بلدته، ومعلومٌ الكرم العربي المتبادَل.
أخي الحبيب، هناك خطة للقاء طويل، وأخرى للقاء قصير.
فإن كان طويلا سيستغرق يوما مثلا، فيفضل أن يكون على ثلاث فقرات: واحدة صباحية، وأخرى في الظهيرة، وثالثة مسائية، ولا تزيد عن ساعتين وإلا ضعف التركيز، مع وجود فواصل للراحة والترويح والتعارف.
وتبدأ الفقرة الأولي بحسن الاستقبال، واستحضار النوايا، وبفكرة عامة عن اليوم ككل، ويا حبذا لو تم توزيع مطوية عن ذلك مسبقا، ثم ملء استبيان كاشف فيه بعض أسئلة لرفع واقع الحضور ودرجات إلمامهم بموضوع اللقاء، ثم يبدأ المحاضر الأول بوسائله الإرشادية المناسبة لنصف الوقت تقريبا، ثم يُترك النصف الآخر للحوارات والتساؤلات والاقتراحات.
ثم تبدأ فقرة الظهيرة بالمحاضر الثاني، الذي يتناول بعض العناصر، ويمكن عرض بعض اللقطات الفيلمية والتعليق عليها.
ثم الفقرة الثالثة تكون لتجميع ما سبق من تلخيصات وخبرات، والتدريب عليه، والاتفاق على ما يمكن تطبيقه عمليا بعد انتهاء اللقاء، مع الحرص على تقييم اللقاء وأخذ اقتراحات من الحضور في طريقة إدارته؛ للاستفادة بها في اللقاءات القادمة.
وإن كان اللقاء قصيرا، فيمكن حينئذ دمج كل ما سبق في فقرات قصيرة، بحيث لا يزيد الوقت عن ساعات ثلاث.
أخي الحبيب، وعند تناولك لموضوع الدعوة الفردية، فبغض النظر عن صور ووسائل العرض، فمن المهم عرض العناصر التالية:
• تعريفها: حيث هي تنمية الجهد الفردي للداعي، وهي الاهتمام بدعوة فرد تلو الآخر أو بمجموعة أفراد.(9/188)
• فوائدها: حيث التركيز يساعد على مزيد من الفهم والمتابعة والرقي التربوي.
• مكانها: فهي في كل مكان ممكن، كالبيت، ومع الجيران، ومع الأقارب، وفي العمل، وفي المدرسة، وفي الجامعات، وفي النوادي، وفي الحدائق، وفي المساجد، وفي وسائل المواصلات، وفي الشوارع، ... إلخ.
• أهدافها: وهي تعريف الناس بشمولية الإسلام، وأنه نظام جاء لإسعاد الناس، مع عونهم على التمسك به، وشرح معني العبادة، وشرح معني النفس، وشرح علاقتها بالشيطان، إلى غير ذلك من المفاهيم.
• صورها والتمهيد لها: كالتعارف، وإثبات الحب، والزيارات، وتقديم الخدمات، والمشاركات في الأفراح والأحزان، والإصلاح بين المتخاصمين، ... إلخ.
• كيفية تكوين القدوة الحسنة من الداعي في كل أقواله وأفعاله، كدلالة على الثقة والصدق والإخلاص.
• كيفية تغيير الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحميدة، وذلك من خلال العلم بفوائدها الدنيوية والأخروية، وبالحرص على التطبيق التدريجي، وبالتواجد وسط صحبة صالحة، تعين على كل خير، وتمنع من كل شر.
• كيفية تحريك القلوب والعقول للمدعوين، وتقوية إرادتهما بالآيات والأحاديث والقصص والحوارات الصادقة.
• مراعاة التبسيط والوضوح لا التعقيد، والتدرج لا التعجل.
• لا تنس التوجيه للدعوة من خلال الإنترنت والفضائيات والمحمول، ونحوها لعظيم فائدتها وسرعة تأثيرها.
• لا تنس عرض أدلة من القرآن والسيرة، وكذلك نماذج من مواقف الدعاة القدامى والمعاصرين.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
=============
الدعاة والجمهور .. من يقود من؟!
أجد بعض الخطباء والدعاة في خطابهم يبحثون عما يُعجب الناس ويرضيهم، دون أن يكون لهم منهجية محددة في إصلاح الناس، ولكن منهجيتهم تختصر فيما يحب الناس أن يسمعوه فقط، ولا أدري إن كان ذلك صحيحا، على اعتبار أن الداعية ينبغي أن يهتم بما يشغل الناس، أم أنه خطأ، على اعتبار أن الداعية ينبغي أن يكون له منهج لإصلاح الناس بغض النظر عما يحبون سماعه؟
…السؤال
الدعوة العامة, آداب وأخلاق …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ أسامة حمّودة، الداعية المصري:
الدعوة إلى الله تعالى مهمة الأنبياء المرسلين، وطريقة الهداة المصلحين، إنها أشرف رسالة وأزكى غاية، فرسالتها إعزاز جانب الروح في الإنسان، وغايتها تعريف الناس بخالقهم بالحجة والبرهان، ومدّ رواق الإيمان.
فالناس غرقى تائهون إن لم يتعرفوا إلى ربهم، وهلكى ضائعون إذا لم يلتزموا حدود دينهم، لذا كانت الدعوة إلى الله ضرورة فتوى وجدوى.
وهل تعني الدعوة إلا الإشراق الإلهي على كثافة المادة والماديين، وظلمات السادة المتألهين؟
إنها الضمانة الأولى لرد الشارد، وتثبيت الصادق، وانطلاق الجور، فبدونها تبقى الإنسانية عارية من كل خير، بل إنها تلقي بنفسها نحو خطوب جِسام، ومصائب عِظام.
بيْدَ أن لكل قول حقيقة، ولكل وظيفة مؤهلات، ووظيفة الدعوة والتبليغ عن الله لابد لها من المطالب العالية، فمع الفضيلة العلمية لابد من الإقدام ونقاء الفطرة، مع رؤية استراتيجيه وأهداف واضحة.
ألا وإن من نجاح الدعوة، أن يحسن الدعاة فهم رسالتهم ليرتفعوا بأنفسهم، ثم يشدوا الناس لمستوى القرآن الراقي، أما أن يهبطوا لمستوى العوام ورغائبهم المتواضعة، وأن يلينوا لابتزاز السوق الرائج أو إغواء السلطة، ومن ثم يهبطوا بالدعوة إلى زوايا ضيقة متواضعة، فهذا هو الحرمان الإلهي، بل قد يؤدي هذا العجز إلى خطوب ومزالق يشيب لها فَوْدُ (جانباه) الزمان، وهذا بلا ريب من أشنع الداء، وأعظم البلاء.
إن الاهتمام بما يشغل الناس، وتكثير جمهور الداعية وأتباعه، هو شيء مشروع، فالنبي عليه السلام يقول في الحديث الصحيح: "مَا مِنْ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيّ،َ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" متفق عليه.
لكن المشكلة تكون حين يُمسي الإكثار من المحبين والأتباع هدفا في حد ذاته، أو عامل ضغط على الداعية، ومن ثم فالبعض لا يسعى لتقديم الحق كما نزل، إنما يسعى لاسترضاء الناس ولو على حساب الحق الذي كُلف بتبليغه.
فكلمة ابْتِزاز في اللغة تعني حصول المرء على شيء من المجني عليه، عن طريق تهديده بأمر ماس بشرفه واعتباره.
وجماهير الناس لها سطوة وتأثير على أهل الخبرة والاختصاص – سلبا وإيجابا -، فمن الذي صنع ديوان المتنبي أو شوقي والرّصافي؟ ومن الذي صنع العنب والحنطور؟ إنها ذوقيات الجماهير ورجْع طنينها وصدى هُتافها.
فقد يعلم كثير من الدعاة أن صور وسلوكيات العوام غير صحيحة، بل وتدعو إلى الأسى والأسف، لكن دون نكير يُذكر، فسلوك الاحتفاء بالجزئيات والاهتمام بالطقوس والمبالغة فيها، أمسى سلوكا مستساغا عند الدعاة عندنا، إرضاء لجماهير مَردت على الفوضى، وعشقت الطقوس الفارغة.
وأذكر أن الناس تكلموا مع أحد العلماء النابهين كي يقلل من بلاغته ومن مستواه لينزل إلى مستوى الناس، فقال: يجب على الناس أن يرتفعوا هم، ولا ينبغي لنا أن ننزل عما نراه مهما وضروريا.
وخُذ مثلا "اللطميات" عند إخواننا الشيعة، ينكرها كثير من العلماء، لكن على استحياء مراعاة لمشاعر العوام المتأججة.(9/189)
لقد تكلم القرآن عن فقه النفس، وفقه الأخلاق، وفقه التمكين للأمم، وفقه التداول الحضاري، وفقه التربية والدعوة، لكن الفكر الإسلامي الآن مُسَرّح من مهماته الكبرى، متشرنق في قضايا جزئية لا تقدم بل تؤخر، وهذا الخلل يشارك في صناعته وترسيخه الدعاة والجماهير جميعا.
إن رؤية الدعاة التربوية المتكاملة، تُنتج الشخصية الإسلامية المتكاملة، واقتصار الخطاب الديني على الجانب العاطفي أو على السطوح دون الأعماق، وعلى الفرعيات دون الأصول - تلبية لرغبة الجماهير - قد أفسد ثمرته، وأحاله إلى أدوات شقاء عند قطاعات كبيرة من الشعوب، لأن هذا الاقتصار قد فصل الوسائل عن الغايات التي توفرها الرؤية المتكاملة، وما يتفرع عنها في حياة الأفراد والجماعات.
يجب على الداعية أن يكون مثلا يُحتذى في الفهم الشامل وفق منظومة أولويات واضحة، فإن المثل الأعلى - في الفهم والتطبيق - يعطي نتائج إيجابية في حياة الناس، ويكتسح ثقافة العالم بسرعة، ومن هنا يفرز حضارة واقعية الغايات والوسائل، وهذا هو حال المثل الأعلى الذي حمله المد الإسلامي الأول.
أما مثل السوء - في الفهم والتطبيق - فإنه يعطي نسبة عالية من النتائج أيضا، لكنها نتائج سيئة، ومن أمثلته المثل الذي طرحته بعض الفرق المتطرفة في التاريخ الإسلامي كالخوارج والباطنية والحشاشين.
ومن العلاجات المناسبة في هذا الأمر:
إيثار وجه الله، ووضوح الأهداف في منظومة ورؤية فلسفية تربوية، هما أساس كل نجاح وقَبول وتقدم، فالإخلاص فريضة لازمة على كل مسلم، فالكل مطالب بمراقبة الله وطلب رضاه فحسب، فإذا اتصل الأمر بالدعاة فالإخلاص فريضة آكد وأشد.
واتساع نطاق عمل الداعية واختلاطه بالناس وذوي السلطة، يتطلب منه أن يكون يقظ القلب والعقل، والعلاج يكون في الحرص على استدامة ذكر الله وخشيته، فهذا يجعل رضا الله ملء القلب والأَرَب، ومن ثم يجعل رضا المخلوقين وراء ظهره.
فليعلم الدعاة أن تملق عواطف الناس دليل ضعف، وليس دليل ذكاء، والداعية السطحي المتلون يرتكب جناية مركبة، إنه يُفقد ثقة الناس في الدين نفسه، ثم إنه مثل ونموذج سيء لعوام الناس، فبدل أن يعلمهم العزة والصلابة والكفاح، يعلمهم التهاون والتملق والانبطاح.
ومن هنا يجب أن يعلم الدعاة أنهم مؤتمنون على تبليغ الوحي مصفى كما نزل، مؤتمنون على خبرات رفيعة، مهمتها الإسهام في رقي الإنسان، وتصويب مسيرته عبر الحياة نحو المصير.
إن الدعاة هم أعيان المجتمعات ومبلّغو الرسالات، وهم وحدهم القادرون - بتوفيق الله تعالى - على إعادة العافية للعقول، والنضارة للقلوب، لكن بشرط التأهيل النفسي والعلمي والمهاري المتميز، مع اليأس بما في يد الناس، والاستغناء بالله عما سواه.
ويقول الدكتور السيد نوح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
جزاكم الله خيرا - أخي الكريم - على سؤالكم وغيرتكم هذه على دين الله عز وجل، وأقول:
أولا: الأصل في الداعية أنه مبلغ عن الله ورسوله؛ ولذلك يمكن أن يسمى بالموقّع، وقد سمى الحافظ ابن القيم كتابه الذي يتكلم فيه عن العلماء وطريقتهم في الاجتهاد والفتوى "أعلام الموقعين"، إشعارا بقيمة هؤلاء العلماء، ويكفي أنهم ورثة الأنبياء.
ثانيا: أنهم يهدفون إلى رضا الله ثم إصلاح أحوال المخاطَبين، سواء رضي المخاطَبون أم لم يرضوا.
ثالثا: واجبه أن يتخذ من الطرق والأساليب ما يرغّب الناس لا ما ينفرهم.
إذا صار على هذه الثلاثة يبلغ أمر الله امتثالا، ويطمع في الأجر والثواب والإصلاح، ويتخذ من الأساليب ما يناسب أحوال المخاطبين، محضرا موضوعه جيدا، متوخيا الصدق والإخلاص، فإن الله سيحمل المخاطبين حملا على أن تعجبهم هذه الطريقة ولا يتأففوا منها.
أما إذا كان هدفه مجرد إعجاب الناس به، فإن عمله لن يتجاوز الكلمات التي يقولها، بل إن هذه الكلمات ستكون وبالا ونكالا عليه يوم القيامة، ونذكره بهذا الحديث: "إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة له: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جواد وقد قيل ذلك . ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: فيماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جرئ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة : "أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة" رواه الترمذي بسند حسن.
وأخيرا: نقول لهذا الداعية رضا الناس غاية لا تدرك، وبعد فترة سيلفظونك، ولن تجد لك من دون الله وليا ولا نصيرا.
ويقول الأستاذ ياسر محمود:
ونريد - أخي الكريم - في هذا الإطار أن نميز بين أمرين، وهما:
أولا: ابتزاز الجمهور للدعاة، بحيث يصبح الداعية تابعا لرغبات الجمهور، ويحرص كل الحرص على إرضائهم، وهذا الأمر مرفوض تماما كما أشير إلى ذلك في السطور السابقة.(9/190)
ثانيا: اهتمام الداعية بما يشغل الناس، وهذا مختلف عن انقياد الداعية لرغبات الناس، إذ من الضروري أن يكون الداعية على دراية تامة بما يشغل الناس من هموم وأزمات ومشكلات واحتياجات، وهذه الدراية من المتطلبات التي لا ينبغي للداعية أن يغفل عنها، وإلا فإنه سيحلّق في عالم خاص به، لا علاقة له بواقع الناس، وهذا مرفوض أيضا.
إذن فالداعية مطلوب منه ألا يكون خاضعا لرغبات الناس، وفي ذات الوقت مطلوب منه أن يكون ملما باحتياجات الناس، وبما يشغلهم من قضايا مختلفة، فلكل مجتمع، ولكل بيئة، ولكل مرحلة عمرية، ولكل مستوى اقتصادي واجتماعي، ولكل جمهور حاجاته التي تختلف عن حاجات الآخرين.
والداعية في ذلك مثل الطبيب، يبحث عن مواطن الداء، ويشخصها بطريقة صحيحة، ثم يبحث عن العلاج المناسب لكل داء.
وحينما يضع الداعية منهجا لإصلاح الناس من حوله، فلا بد له أن يبني هذا المنهج في ضوء احتياجات الناس ومشكلاتهم السلوكية والأخلاقية والمجتمعية ... إلخ.
نسأل الله تعالى أن ينفع بسؤالك هذا كل داعية يطلع عليه.
==============
السمع والطاعة .. للدولة أم للجماعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم،
أود أن أسأل فضيلتكم عن أمر هام طالما شغل تفكيري، وأرجو أن تكون الإجابة واضحة وصريحة.
إن المؤمن فينا يجب أن يخاف النفاق؛ لأنه المرض الذي خاف منه الصحابة رضي الله عنهم، وإذا تتبع المؤمن صفات المنافقين من أجل أن يجتنبها وجد فيها أن من أبرز صفاتهم هي في تعاملهم مع القيادة المسلمة وفي هروبهم من الأعمال الجماعية.
والسؤل هو: من هي القيادة المسلمة في واقعنا الآن؟ هل هي قيادة العمل الإسلامي الذين في أعناقنا التزام بطاعتهم، والذين يأمروننا بما أمر الله عز وجل؟ أم هم حكامنا الذين هم ولاة أمورنا، وهم أبعد ما يكونون عن الدين الإسلامي؟
وهل طاعة القيادة المسلمة في الأنشطة الدعوية دليل الإيمان، وهل التخلف وفعل ما كان المنافقون يعملونه مع النبي صلى الله عليه وسلم هو دليل على النفاق؟
وإذا كان ذلك ليس نفاقا، فمتى - في واقعنا - ستكون هذه الآيات التي نزلت في المنافقين حية تتحدث عن واقع؟.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الأستاذ رمضان فوزي بديني…المستشار
……الحل …
شكر الله لك - أخي - حرصك على الفرار من النفاق، والهروب منه.
وأقول إن سؤالك - أخي - من الأسئلة الهامة؛ فهو هام في مجاله في ضبط العلاقة بين الفرد وجماعته، وبينه وبين رؤسائه وحكامه، ونسأل الله العون على تبيانه.
أراك في سؤالك تتحدث عن نوعين من القيادة:
القيادة الرسمية ممثلة في الحكومة "قيادة الدولة".
وقيادة العمل الإسلامي "قيادة الجماعة".
ويمكن أن نفرد لكل منهما حديثا، ثم ننظر إلى طبيعة العلاقة بينهما.
أولا- طاعة قيادة الدولة:
وهم أولو الأمر من الحكام الرسميين الذين يسوسون أمور البلاد والعباد، وأنت قد وصفتهم بأنهم "أبعد ما يكونون عن دين الله عز وجل"، وإذا افترضنا معك أنهم فعلا كذلك؛ فليسعنا في التعامل معهم ما أمرنا الله به ورسوله، وما تعامل به الصحابة والتابعون من بعدهم، وإذا ذُكرت طاعة أولي الأمر هؤلاء تبادر إلى الذهن قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ)، وهذه الآية الكريمة اختلف فيها المفسرون والعلماء كل حسب عصره وزمانه في تحديد من هم أولو الأمر هؤلاء.
فالإمام الطبري في القرن الرابع الهجري يرى أنهم "الرجل العسكري، والصحابة الذين شاركوا في الفتوحات والقادة السياسيون والعلماء"، والإمام الفخر الرازي في القرن الخامس يحددهم في "العلماء المؤثِّرين القادرين على إمضاء قرارهم، أو أهل الحل والعقد"، ثم يأتي رشيد رضا في العصر الحديث ويقول: "إن أولي الأمر هم الحكام السياسيون"، ويميزهم إلى القادة العسكريين والقضاة والعلماء، ويرى أن طاعتهم ليست مطلقة، لكنها مرتبطة بتوافق أوامرهم مع الأوامر الإلهية؛ فهي طاعة مقيدة بطاعة تعاليم الإسلام، ثم يأتي الأستاذ سيد قطب ليؤكد على ربط طاعة القيادة السياسية باعتمادها التعاليم الإسلامية وطاعتهم لله ورسوله، ثم طوّر ذلك إلى مفهوم "الحاكمية الإلهية".
يقول أ. سيد قطب معقبا على الآية السابقة: "والنص يجعل طاعة الله أصلا، وطاعة رسوله أصلا كذلك - بما أنه مرسل منه - ويجعل طاعة أولي الأمر "منكم"، تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله، فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم, كما كررها عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله، بعد أن قرر أنهم "منكم" بقيد الإيمان وشرطه.
وطاعة أولي الأمر "منكم" بعد هذه التقريرات كلها في حدود المعروف المشروع من الله، والذي لم يرد نص بحرمته، ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادئ شريعته عند الاختلاف فيه".
إذن، فطاعة أولي الأمر هؤلاء مقيدة بطاعتهم لله ورسوله، ولكن ماذا لو أن هؤلاء الحكام ابتعدوا عن طاعة الله ورسوله؟ أو حتى كانوا أبعد ما يكونون عن دين الله، على حد تعبيرك؟ هل نخرج عليهم ونجابههم بالقوة حتى نردهم إلى دين الله؟ أم كيف نتعامل معهم؟
وأحيلك هنا إلى هذه الفتوى:
العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام
ثانيا؛ طاعة قيادة الجماعة:
وهم قيادة العمل الإسلامي الذين قلت عنهم: "في أعناقنا التزام بطاعتهم، والذين يأمروننا بما أمر الله عز وجل".(9/191)
وبادئ ذي بدء نوضح أن الدين الإسلامي يحرص على النظام في كل شيء، حتى في أصغر الأمور، وأي عمل منظم لا بد له من قيادة وجنود؛ فالجماعة الصغيرة التي تتكون من ثلاثة أفراد فقط يوصيها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا كُنتم ثلاثة فأمِّروا أحدَكم" رواه البيهقي بسند صحيح، إذن فقضية الإمارة والقيادة منهج إسلامي راسخ.
وإذا كان الأمر يتعلق بأمر جلل وعظيم مثل العمل لدين الله والدعوة إليه؛ فإن الأمر سيكون أوجب والحاجة إلى الجماعة والأمير ستكون أكثر إلحاحا، وحتى تؤتي هذا الجماعة الثمرة المرجوة منها لا بد أن يحدث تكامل بين القيادة والجنود، يتمثل في السمع والطاعة من قبل الجنود، والحرص والنصيحة من قبل القيادة، وأن تكون هناك ثقة متبادلة بين الطرفين.
وهذه الطاعة يكون متفقا عليها بين القيادة والجنود فيما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "البيعة".
وتعريف البيعة في اللغة هو العهد والعقد، وفي الاصطلاح عرفها ابن خلدون في مقدمته: "اعلم أنَّ البيعة هي العهد على الطاعة؛ كأن يعاهد المبايِع أميره على أن يسلِّم له النظر في أمر نفسه، وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلِّفه به من الأمر على المنشط والمكره".
فهذه البيعة تكون للإعانة على عمل صالح؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخير، والتعاون على البر والتقوى، والغرض منها الالتزام بالعمل الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين.. كما في الطرق الصوفية، أو الجماعات الإسلامية، أو مؤسسات العمل الأهلي على سبيل المثال.
ويضبط ذلك وينظمه اللوائح والقواعد والنظم المتبعة في هذا التجمع، بما يحفظ للتجمع تماسكه وتحقيقه لأهدافه، ويحفظ لأفراده حقوقهم، وينظم العلاقات والأدوار فيه.
ويمكنك الاطلاع على هذا الموضوع الذي تناول بالتفصيل أمر البيعة:
التباسات البيعة بين السلطة والتنظيمات!
ثالثا؛ هل هناك تعارض؟
إن كلامك - أخي - يوحي بأن هناك تعارضا بين طاعة قادة الجماعة وقادة الدولة، ولكن هذا غير صحيح؛ فالجماعة ما هي إلا مجموعة من الأفراد المنضبطين بضوابط الشرع تجاه الحكام؛ فهؤلاء الأفراد عليهم طاعة قادة الجماعة، وهذه الجماعة بأفرادها عليها تحكيم شرع الله وحكمه في طاعة الحكام الرسميين، والقيام بدورهم كأعضاء داخل المجتمع الذي ينتمون إليه.
والأصل أن أية جماعة إسلامية يجب أن يكون هدفها الإصلاح والتوجيه؛ فتتعامل مع حكوماتها تعامل الناصح الأمين؛ فتكون علاقتها بالدولة تعاونية وتكاملية وليست صدامية؛ وإن ظلمت الدولةُ الجماعة وجارت عليها فيكون رد الظلم بالطرق المشروعة وبما لا يحدث فرقة وتناحرا؛ حتى وإن اضطرها الأمر إلى التنازل عن بعض حقوقها بما لا يتعارض مع واجب شرعي، فلا بد أن تتحلى هذه الجماعات بمرونة تمكنها من التعامل مع مجريات الأحداث ومستجداتها بما يحقق المصلحة العامة للأمة.
وكلامي هنا عن الجماعة، لأن الجماعة كما قلت ما هي إلا مجموعة من الأفراد، وكل فرد له ظروفه الخاصة التي يستطيع تكييفها بما يؤدي مصلحته ومصلحة أمته؛ فليسمع وليطع في الأمور التي لا تتعارض مع الشرع، وليجتنب ما فيه أمر بمحرم، والدولة لن تستطيع إجباره على فعل ذلك؛ فمثلا الدولة لن تأتي للكل فرد وتجبره على التعامل مع البنوك الربوية، وإن اضطرتهم قوانين الدولة لذلك مثل أن تكون رواتبهم في هذه البنوك، فهم في هذه الحالة يدخلون تحت حكم الضرورة، وللضرورة قواعدها وأحكامها الخاصة.
رابعا؛ الإيمان والنفاق:
أحسب أن من التزم جماعة يريد من وراء التزامه معها طاعة الله ورسوله وتبليغ دعوته ودينه، فإنه يكون مأجورا على طاعته لقيادته حينئذ، وذلك أنه حين يطيع إنما يطيع في المعروف والخير، وهذا يزيد الإيمان.
أما حديث القرآن عن المنافقين وصفاتهم فيه مراعاة للنية في الفعل، فربما يصدر فعل واحد عن شخصين، ولكن يحكم على أحدهما بالنفاق وعلى الآخر بعدم النفاق!
والضابط في هذا الأمر هو الدافع لهذا الفعل والنية من ورائه؛ فنجد القرآن بعد غزوة تبوك مثلا يتحدث عن فريقين ممن تخلفوا عن الجهاد:
الفريق الأول قال فيه: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ).
والفريق الآخر قال فيهم: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ).
فالفريقان تخلفا عن الغزو، ولكن الفريق الأول تخلف تكاسلا وركونا إلى الدنيا، والآخر تخلف مضطرا ونفسه تتوق إلى الجهاد.. فهل يستويان؟
إذن يا أخي فالنية هي الضابط الأقوى لتحديد المنافق من غير المنافق.
وأقول لك هنا: إن أي فرد ألزم نفسه بجماعة معينة لتعينه على فعل الطاعات لا يمكننا الحكم عليه بالنفاق؛ إذ لو كان منافقا لما ألزم نفسه مختارا بهذا، ولعاش حياته كما يعيشها باقي الناس، يأكل ويشرب ويلهو وليس لأحد عليه سلطان.
خامسا؛ احترازات لا بد منها:
وفي النهاية أخي هناك بعض الوقفات والاحترازات التي لا بد منها داخل العمل الجماعي:(9/192)
- على الأفراد داخل الصف أن يحذروا من نزغ الشيطان بينهم، فلا ينصّب كل واحد منهم نفسه حاكما على إخوانه وتصرفاتهم، فيحكم على هذا بالنفاق، وعلى هذا بالإخلاص، ولكن عليه أن يهتم بنفسه أولا وإصلاحها، ويبذل النصيحة لإخوانه بأفضل صورة يجب أن تكون عليها النصيحة.
- إذا رأى أحد الأفراد من أخيه ما ينكره، فعليه إما أن ينصحه في السر إن عرف أنه سيقبل نصيحته، وهذا هو الأولى والأوجب في حق الأخوة؛ وإما أن يبلغ قيادته بذلك لتقوم بواجبها تجاه هذا الأخ.
- الأصل في المجتمع المسلم أن يسود حسن الظن بين جميع أفراده، لكن إذا حدث لشخص ما عذر يمنعه من حضور عمل دعوي جامع أن يبادر بتقديم عذره وتوضيحه للقيادة دفعا لشبهة التكاسل أو عدم الاهتمام، ويترك لها الحكم على عذره من حيث القبول والرفض.
- على الأفراد العاملين في حقل الدعوة ألا ينشغلوا بالبحث وراء الآخرين وأعذارهم، فليس من حق كل الناس معرفة أعذار إخوانهم ممن تخلفوا عن حضور أي عمل، فربما كان هناك أمر ما تعرفه القيادة ولا يصح أن يعرفه كل أفراد الصف.
- على القيادة تفقد أحوال الأفراد وعلاج ما يطرأ عليهم من مشاكل، ولا تترك للشيطان فرصة لنفث سمومه في الصف، وليكن لهم العبرة في نبي الله سليمان عليه السلام وتفقده لجنوده.
- يجب أن تكون هناك شفافية ووضوح بين القيادة والجنود حتى تتحقق الثقة المتبادلة بينهما.
وفي النهاية، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
================
حائر بين والدي والعلم الشرعي
أنا طالب علم، لا أعمل، لي ثلاث أخوات متزوجات، وأنا أصغر إخوتي، وأريد السفر إلى الجامعة الإسلامية لأتعلم هناك، حيث أنهم يكفون طلاب العلم مؤنة الدنيا من مطعم ومسكن وغيره؛ ليتفرغوا للعلم فقط.
وأمي - والحمد لله - تشجعني على ذلك السفر، إلا أن أبي الذي كان يحثني على السفر من أجل المعاش - خشية الفقر - يرفض ذلك السفر الديني الأخروي.
ويقول لي: هل لو تخرجت من هذه الجامعة ستجعل لك راتبا بعد التخرج تعيش منه، أم ستتركك "يا مولاي كما خلقتني"؟
وهذا السؤال في الحقيقة لا أعرف إجابته، ولكن هذا هو حالي، ولا أدري ماذا أفعل؟
…السؤال
قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي الحبيب أحمد، كل العلوم في الإسلام دينية، دنيوية، أخروية، وهذا ردّ على قولك: "والدي يرفض ذلك السفر الديني الأخروي".
فهي دينية، لأن الدين يعني النظام العام الذي ينظم كل شئون الحياة ليسعدها، كما يقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، قال الإمام ابن كثير: "قال ابن مسعود: قد بيّن لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء".
وهي دنيوية، لأنها كلها - سواء كانت علوم شرعية أم حياتية - تصلح الدنيا، وتجعلها هانئة، قال الإمام القرطبي في تفسيره لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً): "أي فهما، وقيل: علما بالدين والحكم وغيرهما"، أي أن العلم يعني كل العلوم النافعة، وليس الشرعي منها فقط.
وهي أخروية، لأنها كلها إذا صاحبتها نوايا حسنة من نفع النفس والغير فلها ثوابها العظيم، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم معبرا عن هذا في الحديث المعروف: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم، فلفظ "علما" يفيد أي علم.
لقد طلب منا سبحانه أن نسأله من أي علم ما دام نافعا، يقول تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
إن العلوم الشرعية هي مرجعية لتصرفات الناس التي عليهم أن يتعاملوا في إطارها، كالصدق والأمانة والشورى والوفاء والعدل وغيره من الأخلاق الحسنة، والتي بها تصحّ نفوسهم، والعلوم الطبية هي التي بها تصحّ أجسامهم، وبالعلوم الإدارية يديرون مؤسساتهم، وبالاقتصادية ينمّون أموالهم، وبالفنية يزينون حياتهم، وهكذا كل العلوم تشارك في إصلاح وإسعاد الحياة؛ ولذا فكلها علوم ينال صاحبها الثواب من دراستها، ويتفاوت هذا الثواب بتفاوت النيات والنفع الذي يعود من هذه العلوم.
لا أحد يحب الفقر:
وهذا ردّ - أخي الحبيب - على قولك: "والدي يحثني على السفر من أجل المعاش خشية الفقر".
إن الفقر ليس أمرا محببا للفطرة حتي تطلبه، بل هي تنفر منه، وتطلب من ربها غناها بفضله وكرمه، وإذا حدث بصورة خارجة عن إرادتها، فهي حينئذ تصبر عليه مع اجتهادها في اتخاذ أسباب علاجه دون استسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستعاذة من الفقر بدعائه المعروف: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" رواه الطبري بسند صحيح، ولعلك تلاحظ أنه ربط بينه وبين الكفر؛ لأن كلاهما سيء، منبوذ، مُضِر، دنيويا وأخرويا.
وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم، فهو قوي في كل شيء: إيمانه، نفسيته، صحته، علمه، عمله، ماله، علاقاته ... إلخ، بل بقية الحديث أمر بالحرص على كل نفع: "احرص على ما ينفعك".(9/193)
ويقول الإمام ابن القيم: "سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، إن حرصه على ما ينفعه عبادة لله"، وبالطبع هذا الحرص لا يعني أبدا أي ذلة، كما علمنا صلى الله عليه وسلم العزة في قوله: "ليس الغني عن كثرة العرض ولكنَّ الغني غني النفس" رواه مسلم، لأن النفس لا يمكن أن تسعد وتطمئن وتشعر بالاستغناء بمجرد تحصيل المال وحده، وإنما بتحصيل كل خير، هكذا خلقها خالقها سبحانه.
أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا" رواه مسلم، فقد قال فيه الإمام ابن حجر: "أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترف والتبسط في الدنيا، ومحصِّل كلام ابن دقيق العيد في حديث: "ذهب أهل الدثور بالأجور" يدل على تفضيل الغنى على الفقر؛ لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرَب المالية"، أي أن المقصود ألا ينشغل المسلم بالغنى لذاته، أو يسيء استخدامه، وإنما لينتفع به وينفع الآخرين في دنياهم وآخرتهم.
أخي الحبيب، إن الداعية المؤثر ليس فقط هو صاحب العلم الشرعي، فهذا جزء من تأثيره، وقد يكون يسيرا، وإنما الداعية المؤثر هو الذي يستطيع أن يثبت لمدعويه أنهم لو سلكوا طريق الالتزام بتعاليم الإسلام لأصبحوا أسعد وأنجح، وهنا يمكنه جذبهم؛ لأن الجميع يبحث بفطرته عن النجاح والسعادة، وهذا يتطلب من الداعية أن يكون هو أولا ناجحا في دنياه، ولكي يكون كذلك عليه أن يكون صاحب دنيا، فهذا سيكون الدليل العملي الصادق أمامهم! أي يكون صاحب عمل مميز، وعلم مؤثر، ومال جيد، ومظهر طيب، وكلام جميل، وخلق حسن؛ ليقول لهم ويعلن بكل ثقة: ها أنا أمامكم فكونوا مثلي وعلى طريقي، طريق الإسلام، لتسعدوا في الداريْن.
فكن كذلك - أخي الحبيب - ما استطعت في بلدك، التي تعرف أهلها ويعرفونك، فيسهل تأثيرك فيهم، إلا إذا كنت شغوفا بالعلوم الشرعية، أو بأي علم، وتريد التخصص فيه، وتضمن فرصة عمل به، فاستعن بالله واجتهد، واجمع بين الدراسة وأي عمل لفترة حتى تنتهي منها، ثم تجد بها عملا، وننتظرك أن تكون عالما دينيا دنيويا أخرويا، تنفع نفسك والإسلام والمسلمين.
وينبغي أن تتأكد - أخي الكريم - من أن أي والدين صالحين لن يريدا لولدهما إلا الخير؛ لأن أي خير له هو لهما، يعود عليهما نفسيا وماديا، ولن يطلبا بقاءه معهما تضييقا عليه، وإنما لكونهما في حاجة إليه لكبر سن، أو لسؤال، أو لخدمة، أو لمال، أو لغيره، فإن غلب على ظنك بعد التفاهم الودي معهما احتياجهما إليك، وكان العلم ليس فرضا عليك، أي يمكنك تحصيله في بلدك، أو من خلال الإنترنت، أو غير ذلك، وكذلك يمكن لغيرك أن يقوم به وليس أنت فقط، فابق معهم، فهذا هو البر المفروض حينئذ، وله ثوابه الكبير، والتقصير فيه قد يكون إثما.
ويفيدك - أخي الكريم - مطالعة الرابط التالي:
-السفر لطلب العلم من دون موافقة الوالده
وفقك الله وأعانك، ولا تنسانا من صالح دعائك.
================
من الأم إلى الابن .. الوصايا العشر
لديّ ابن سيُبعث من قِبل الدولة إلى الخارج لدراسة الطب، عرضت عليه الزواج خوفا عليه من الانحراف، لكنه رفض ذلك، فاعتزمت أن أرفق معه مطوية أذكِّره فيها بخشية الله وتقواه في تلك الديار.
ولم أجد خير معين لي في ذلك - بعد الله - سواكم، علما بأن موعد سفره بعد ثلاثة أيام.
…السؤال
الدعوة الفردية, الشباب …الموضوع
الأستاذ همام عبد المعبود…المستشار
……الحل …
الأخت الفاضلة،
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد..
شكرا لك ثقتك الغالية بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، والله نسأل أن يجعلنا أفضل مما تظنين، وأن يغفر لنا ما لا تعلمين.
قرأت رسالتك ووجدتها - على قصرها - تفيض حبا لولدك وإشفاقا عليه، وكيف لا، وأنت التي حملتِ وتعبتِ وسهرتِ وربيتِ وأطعمتِ وسقيتِ؟!
إنك تفعلين ذلك كله بكامل الرضا، أكرم بك أما صالحة تحب الخير لولدها.
وقد أحسنتِ صنعا - أختي الكريمة - إذ عرضتِ على ولدك الزواج خوفا عليه من الفتنة والانحراف، وقد ذكرني ذلك بأفعال نساء الصحابة والسلف، فقليل من الأمهات في زماننا هذا من تفطن إلى ما فطّنك الله إليه، فجزاك الله عن ولدك خيرا؛ أما وأنه قد رفض ذلك ليتفرغ لطلب العلم الذي ذهب من أجله، ولينجز مهمته على خير وجه، فلا ضير، ونسأل الله أن يحفظه من كل مكروه وسوء، وأن يقر به عينك، ويحقق لك مرادك فيه.
وإليك - أختي الكريمة - هذه الرسالة التي سطرتها لك على عجل لتصلك قبل سفره، وعلى الله قصد السبيل:
"رسالة.. إلى أعز الناس"
ابني الحبيب،
يا من أحببته أكثر من نفسي، يا من يعزُّ عليَّ فراقه ولو للحظة.
السلام عليك يا ولدي، وبعد..
اعلم يا بنيّ أنني ما كنت أرضى بسفرك عني لولا أني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك بطلب العلم، فقال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجه بسند صحيح، وبين لك فضل طالب العلم، فقال: "وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر" رواه السيوطي بسند صحيح.
واعلم أنك مفارق أهلك وأرحامك إلى بلاد ليس لك فيها صديق، فليكن لك من دينك رفيق، ومن قرآنك صديق، وأوصيك يا ولدي بهذه النصائح الغالية فاعمل بها:
1- تصحيح النية:
صحّح نيَّتك من سفرك، واجعل سفرك لطلب العلم ومعرفة ما يفيد المسلمين من العلوم، فإنك بهذا تؤجر، فعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" رواه البخاري.
2- تقوى الله:(9/194)
اتق الله حيثما كنت، واعلم أنه يراك في كل أحوالك، فاجتهد ألا يراك على معصية، وكن دائم الصلة به سبحانه، قال تعالى: (وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ).
3- المحافظة على الصلاة:
حافظ على الصلوات في أوقاتها، ولا تضيّع منها واحدة إلا لعذرٍ شديد، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، واعلم أن الصلاة نور.. فأنر بها ظلام غربتك، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور" رواه مسلم.
4- كن من أهل القرآن:
اتخذ لك من القرآن وردا وحافظ عليه، فهو شفاء ورحمة، وإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى أهلين من الناس"، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته" صحيح الجامع.
5- الذكر والاستغفار:
احرص على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنك كله، واجعل لسانك رطبا بذكر الله دائما، والزم الاستغفار، فإن الله يغفر به الذنوب ويفرج به الهموم، فقد روى أبو داود وابن ماجه والحاكم بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيق مخرجا، ومن كلِّ همّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
6- الصديق الصالح:
ابتعد عن قرناء السوء، واجتهد أن تتخير أصدقاءك وزملاءك، على أن يكونوا من أهل الإيمان، المحافظين على الطاعات، قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، وروى أحمد وأبو داود بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
ولا تستهن بهذا الأمر، فهذا هو رسولنا الحبيب يبين لنا أهمية اختيار الجليس، فيقول فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى موسى الأشعرىِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة".
7- غض البصر:
غُض بصرك عما يغضب الله، ولا تطلق لبصرك العنان، واعلم أن النظرة – كما روي - سهمٌ مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله عنها إيمانا يجد حلاوته في قلبه، فغض البصر أمر من الله واجب التنفيذ، قال تعالى في سورة النور: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
8- الدعاء:
أكثر من الدعاء والابتهال إلى الله أن يوفقك، ولا تنس أن الدعاء له أثر كبير في حفظ المرء، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال أيضا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
9- تحديد الهدف:
اعلم أن لك من رحلتك هدفا، من أجله سافرت وتركت الأهل والبلد والصاحب، فلا تنشغل عنه بغيره، واجعله نصب عينيك، واعلم أن من مئون الفقه – أي قوته وتمامه - أن تعرف أن "واجب الوقت" يحتم عليك أن تولي المذاكرة والدرس وطلب العلم "الطب" غالب وقتك، لتنجح وتتفوق، فتقر بذلك عيني، ويهدأ قلبي.
واحرص على وقتك، فإنما هو رأس مالك فلا تضيع جزءا منه في غير فائدة، واستثمره فيما من أجله سافرت واغتربت، فإن لم تقضه في طاعة فلا تقضه في المعصية.
10- كن خير صورة لدينك:
لا تنس يا ولدي أنه يجب عليك أن تكون قدوة صالحة لدينك ودعوتك، وإياك أن تكون قدوة سيئة، وتذكر أنك – بأقوالك وأفعالك – ترسم صورة، وتترك انطباعا لدى من تعايشهم عن دينك، فأحسن عرض سلعتك، فربما هدى الله على يديك رجلا واحدا، فيكون ذلك خيرا لك من الدنيا وما فيها.
وختاما..
ابني الحبيب،
هذه رسالتي إليك، ضمنتها نصائحي لك، فاعمل بها تسعد في الدنيا والآخرة، وتنل رضا الله ثم رضائي عنك، وإنني إذ أودعك، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، أبتهل إلى الله سبحانه أن يحفظك بعينه التي لا تنام، وركنه الذي لا يضام، إنه سبحانه بالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أمك المحبة.
=================
في دعوة الأطفال .. وصايا ومحاور ووسائل
بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة أحب الأطفال كثيرا، وقررت أن أصبح داعية للأطفال؛ لأن هذه هي قدرتي.
برأيكم، ما هي الطريقة التي يمكنني بها أن أجعل الأطفال أكثر حبا لما أقول؟.
وما نوعية الموضوعات التي يمكنني التحدث معهم بها؟.
هل أقص لهم قصص الأنبياء بأسلوب مبسط، أم أقص لهم في البداية بعض الحكايات التي تعجب الأطفال ثم أبدأ لهم بقصص الأنبياء، أم أقص لهم بعض القصص في مجال الدين والأخلاق؟
مع العلم أن الأطفال الذين أريد دعوتهم لا يتجاوز عمرهم السبع سنين وأقل، وقدرتي أيضا على جذب الأطفال تساعدني فيما سأقوم به.
وشكرا.
…السؤال(9/195)
شباب وطلاب, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
الأخت الفاضلة سمر،
جزاكِ الله خيرا على هذا الحماس لدعوة الأطفال الذين يمثلون مستقبل الأمة في الغد، وأحب في البداية أن أزف إليكِ بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يتصدى للعمل في حقل الدعوة إلى الله حين قال صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم.
وسأجيب على استشاراتك من خلال النقاط التالية:
أولا: وصايا تراعى:
1- تعرفي على خصائص المرحلة العمرية:
من الضروري في البداية - أختي الفاضلة - أن تتعرفي على خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها هؤلاء الأطفال، حتى يكون ذلك عونا لك على فهم طبيعة هؤلاء الأطفال، وسماتهم، واحتياجاتهم، وميولهم، فتتعاملين معهم بالصورة التي تناسب خصائصهم واحتياجاتهم وميولهم.
ويفيدك كثيرا في هذا المجال مطالعة أحد الكتب التي تتناول خصائص المراحل العمرية، ومن أمثلة هذه الكتب:
- علم نفس النمو، الدكتور حامد عبد السلام زهران، القاهرة، عالم الكتب.
- علم النفس الارتقائي، الدكتور علاء الدين كفافي، القاهرة، مؤسسة الأصالة.
- نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين، الدكتورة آمال صادق، والدكتور فؤاد أبو حطب، القاهرة، مكتبة الأنجلو.
2- عليك بقلوبهم:
فكلما ارتبط بك الأطفال - خاصة في هذه المرحلة - كلما كان ذلك أقرب لاستجابتهم لما تقدمينه لهم من موضوعات ومفاهيم وأخلاق وقيم ... إلخ، ومن الأمور التي تساعدك على كسب حبهم:
- البشاشة والابتسامة الصادقة.
- الكلام الطيب اللين.
- مناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
- استثمار أي عمل جيد يصدر منهم للثناء عليهم وتشجيعهم.
- مشاركتهم في اللعب.
- كثرة الالتقاء بهم ومعايشتهم بصورة يومية أو شبه يومية.
- زيارتهم بمنازلهم.
- توثيق العلاقة مع أسرهم.
- إهداؤهم الهدية المناسبة لهم.
- تفقد أحوالهم والتعرف على المشكلات التي تواجههم ومساعدتهم في تجاوزها.
- التعرف على حاجاتهم النفسية والاجتماعية والعقلية والبدنية، والعمل على إشباعها.
- الاهتمام بميولهم ومساعدتهم على تنميتها.
3- كوني قدوة لهم:
وذلك لأن الأطفال في هذه المرحلة على وجه الخصوص يمارسون الشعائر الدينية بحكم المسايرة والتقليد لمن حولهم، فعليك أن تكوني قدوة حسنة لهم، لأنهم سوف يتعلمون منكِ كل سلوك أو حركة تقومين بها، وكل كلمة تتلفظين بها ... إلخ.
4- التشجيع والمكافأة:
فمن الضروري - أختي الفاضلة - وأنت تتعاملين مع الأطفال أن تشجيعهم وتمنحيهم الجوائز على أي فعل مقبول يقومون به، ومن وسائل التشجيع التي يمكنك استخدامها:
- الكلمة الطيبة، مثل: جزاك الله خيرا، جميل، رائع، ممتاز، شاطر ... إلخ.
- الجوائز العينية، مثل: بعض الحلوى، قلم، لعبة، كارت ... إلخ.
- عمل لوحة شرف، ووضع أسماء الأطفال الذين يلتزمون بتنفيذ ما اتفق عليه فيها.
ثانيا: محاور وموضوعات:
أما عن الموضوعات التي يمكنك تناولها معهم، فيمكنك تناول الموضوعات التالية:
- غرس محبة الله عز وجل في قلوبهم.
- غرس محبة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوسهم.
- تعليمهم، وتدريبهم، وتشجيعهم على أداء العبادات والشعائر الإسلامية، مثل الوضوء والصلاة والصيام ... إلخ.
- بعض المفاهيم الكلية الإسلامية بشكل مبسط، مثل: علم الله بكل ما نفعله ومراقبته لنا، ودخول الجنة لمن يطيعون الله ... إلخ.
- الآداب الإسلامية، مثل: آداب الطعام، ودخول الخلاء، والنوم، ودخول المسجد والخروج منه، ودخول البيت والخروج منه، والحديث، والزيارة ... إلخ.
- الأخلاق؛ مثل: الصدق، والتعاون، والكرم، والأمانة ... إلخ.
ثالثا: وسائل معينة:
ويمكنك - أختي الكريمة - أن تتناولي معهم الموضوعات السابقة باستخدام الوسائل التالية:
- القصص:
سواء كانت لأنبياء الله، أو لبعض الصالحين، أو غير ذلك من القصص والحكايات التي تساعد على غرس القيم والمفاهيم والأخلاق في نفوسهم، والتي تناسب طبيعة مرحلتهم العمرية وقدراتهم العقلية.
- التشبيهات:
مثل تشبيه الفضائل والأخلاق وكل السلوكيات المرغوب فيها بالأشياء الجميلة، كتشبيه الصديق الصالح بالمسك، وتشبيه الأمور المرفوضة بأشياء قبيحة تنفرهم منها، كتشبيه الصديق السوء بنافخ الكير.
- المسابقات:
في حفظ القرآن، أو الأحاديث، أو المعلومات، أو السلوكيات، أو غير ذلك من الأمور التي يتم تناولها معهم.
- كتب التلوين:
التي تشجع السلوكيات المرغوب فيها، وتنفر من السلوكيات الغير مقبولة.
- الرحلات الترفيهية:
مثل زيارة إحدى الحدائق والمنتزهات، أو الأماكن العامة، أو أحد المتاحف ... إلخ.
- حفلات السمر:
وتتضمن هذه الحفلات مجموعة من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، وبعض الأناشيد، والمسرحيات القصيرة الهادفة، والتي تغرس بعض المعاني والقيم والمفاهيم للأطفال، ومسابقات ثقافية، وألعاب ترفيهية، وفقرات للتعرف على مواهب الأطفال ... إلخ.
- مجلات الحائط:
ويشارك في إنتاجها الأطفال أنفسهم بحسب قدراتهم وإمكاناتهم، ولتكن حول موضوع واحد فقط.
- شرائط الفيديو والاسطوانات:
وينتقى المناسب منها للأطفال، والتي تعالج بعض القيم والأخلاق والسلوكيات والمفاهيم الإسلامية.
ويفيدك - أختي الكريمة - في دعوة الأطفال مطالعة هذه الكتب:
- فن تربية الأولاد في الإسلام، الأستاذ محمد سعيد مرسي، القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- نزهة المتقين في تربية الناشئين، الأستاذ فؤاد الهجرسي.
كما يمكنك - أختي الفاضلة - الاستعانة بالكتب التالية في تناول المفاهيم والقيم والأخلاق والآداب ... إلخ.(9/196)
- منهاج المسلم الصغير، القاهرة، شركة سفير.
- الرشاد في تربية الأبناء، القاهرة، المصرية للنشر والتوزيع.
=========
المسلمون في الغرب .. صراع المناصب!!
كنت أود أن أعرف ما رأيكم، حيث إنني لما أتيت إلى الغرب كنت أحرص على التواجد والسكن بجوار المجتمعات العربية والمسلمة، ولكني في الحقيقة صدمت، فهناك لم أجد سوى التنافس الشديد على المناصب، وبأي ثمن، حتى الإمامة في الصلاة!
فما هو الحل من وجهة نظرك؟
…السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
أخي الحبيب عبد الله، مرحبا بك، وأسأل الله عز وجل أن يثبتك في غربتك، ويكتب لك الخير أينما كان، وينفع بك الإسلام والمسلمين.
فبالطبع كونك اخترت أن يكون محل سكنك بجانب إخوتك العرب والمسلمين، فذاك أمر طيب لا شك، وهو مفيد على الجانب الشخصي، لكنه قد يضر بالدعوة على الصعيد العام.
فهو يفيد الفرد في شعوره بالأمن النفسي، ووجود من يعينه على الطاعة ويثبته عند ورود الفتن، ولكنه قد يضر بالدعوة حيث يحصرها ويحدها لعدم انتشار المسلمين في تلك المجتمعات، وتقوقعهم على أنفسهم، مما يحد من انتشار الدعوة الإسلامية في تلك البلاد.
لكن عموما، كل جالية مسلمة في كل بلد أولى بظروفها، ومن المهم العمل على حدوث المصلحة على الجانبين بشكل توفيقي لا يخل بأحدهما.
أما عن صلب سؤالك أخي، فإني أشاركك الحزن والصدمة بالطبع، وإن كان هذا ليس جديدا على مسامعي بحكم عملي وتواصلي مع الإخوة الذين يقيمون في الغرب والذين تتعدد منهم أمثال تلك الشكاوى عن تصرفات المسلمين في تلك البلاد، وسلوكياتهم التي تتنافى مع الأخلاقيات الإسلامية، وأيضا ربما السلوك الإنساني الحضاري نفسه، مما يشوه صورة الإسلام في عيون مواطني تلك البلاد.
وقبل أن أقول لك رأيي أحب أن أقرر معك أن هؤلاء المسلمين الذين يقيمون هناك معظمهم قد سافر إلى هذه البلاد بحثا عن حياة أفضل وعن رزق أوسع، وربما لبشريتهم ينسون ما ينبغي أن يراعوه من مبادئ وسلوكيات يجب أن تحكمهم، خاصة وأنهم يُنظر إليهم على أنهم تجسيد لمبادئ وأحكام الدين الذي يحملونه.
لذا فالحل يجب أن ينبع من الواعين أمثالك، فيعملوا على تذكير هؤلاء بما نسوه، وإقناعهم أن الرزق بيد الله عز وجل، وهو مكتوب ومقرر، ولا ينبغي أبدا أن تنتهك المبادئ من أجل تحصيله.
أما من ناحية المناصب فيجب على الدعاة المسلمين هناك، وخاصة في المراكز الإسلامية أن يقروا قواعد عامة تطبق على كل الناس هناك، وعلى أساسها يتم اختيار الإنسان الذي يتولى منصبا معينا، سواء كان إماما في الصلاة كما قلت أو أي منصب آخر.
وهذا ينبغي أن يتقدمه تقرير للأحكام الشرعية التي تحكم هذا الأمر وبيانها للناس، والتأكيد على قيم الإخلاص لله عز وجل، والتوجه بالعمل له وحده، والبعد عن الرياء وحب الظهور، صيانة للعمل عن أن يحبط ويرفض من قبل الله عز وجل.
هيا أخي الكريم، اجمع حولك إخوانك الواعين المدركين لخطورة هذا الأمر، وابدءوا بالعمل في هذه الخطوات، وفقكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وتقبل منكم.
==============
أتخيل الفاحشة .. هل أصلح للدعوة؟
السلام عليكم.
أنا شاب ملتزم حديثا، ولكنني أحس أني لست ملتزما، أو أنني مراء أو منافق، فلازال قلبي معلق بشهوة الفرج بشكل كبير، مع أنني تبت من العادة السرية، ولكنني لازلت أتخيلها باستمرار، وحتى لدرجة أنني أتخيل أنني أمارس هذه الفاحشة .. ما الحل؟
أنا أميل للشباب الرياضيين ومفتولي العضلات لأنني لست مثلهم، أنا سمين جدا، ولست رياضيا.
لا أدري لم ليس لدي ميل نحو الجنس الآخر؟
هل أصلح أن أكون داعية وقلبي مليء بهذا الخبث؟
وكيف أتخلص من هذه المعصية؟
كيف أستعد للموت وكيف أتوب توبة نصوحا؟
…السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة تقوى سيف الحق، عضو فريق الاستشارات:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته أخي الكريم،
أسأل الله تعالى أن يجعلك من عباده الصالحين، الثابتين على طريق الحق، الهادين المهتدين، الحافظين فروجهم، إلا بما ارتضاه المولى عز وجل لهم.
أخي الكريم، لنتفكر معا في أمر ما، لنفرض جدلا أن حوارا كان بين ملكين في السماء السابعة، يود أحدهما الذهاب إلى الكرة الأرضية لينفذ أمرا أمره الله تعالى به، فقرر سؤال أحد الملائكة الذين يذهبون إلى الأرض مرارا وتكرارا، فقال: أين هي الأرض؟ فأجابه الملك ذو الخبرة، عليك النزول من السماء السابعة، وتخطى السادسة، والخامسة، والرابعة، والثالثة، والثانية، وتجد أمامك السماء الأولى، وهي السماء الدنيا، فقال الآخر متلهفا.. وهناك أجد الأرض؟ فقال له الملك ذو الخبرة: اذهب إلى مجرة تدعى درب التبانة، واترك باقي المجرات الباقية، ويود الآخر الذهاب مستعجلا معتقدا أن هذا الوصف كاف، فقال له ذو الخبرة: انتظر فهذه ليست الأرض، عليك أن تذهب إلى المجموعة الشمسية، وفي هذه المجموعة تجد الكوكب الثالث حول الشمس، هذه هي الأرض، وهي ليست أكبر الكواكب بل تعتبر من الكواكب المتوسطة، ويدور في مدارها قمر واحد فقط، ويغطي ثلثا مساحتها الماء، ويعيش الإنسان على جزء من الثلث الباقي.(9/197)
فتخيل معي - أخي الكريم - كيف سينظر إلينا الملك القادم من السماء السابعة، سنكون حينها في مقام الذر - صغير النمل - وربما أصغر، فذاك يُرى بالعين المجردة، ونحن في هذا الكون الفسيح نكاد لا نُرى أبدا، ومع ذلك نجد أن الكون كله يسير وفق نهج واحد، ولا يعصي الرحمن قيد أنملة، وفي المقابل نرى ذلك الإنسان يتجبر ويتكبر، عاصيا الله تعالى غير عابئ بالتفكير بخطواته التي يخطوها، هل إلى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين أم إلى نار مسعرة؟!.
كان لابد من هذه الخاطرة - أخي علي - لنرى معا ونتفكر بعظمة الله عز وجل، فقد قيل: "لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت"، ومن هذه المقدمة كان لابد لنا من الخروج بفكرة لا تلغي أن الإنسان غير معصوم عن الخطأ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه ابن ماجه بسند حسن، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينبغي أن نتوقف عنده طويلا لنرى عظمة الله تعالى وحبه لنا، وتودده إلينا، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال:"أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمَ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك" رواه مسلم.
وينبغي لهذا الحديث أن يكون محفزا لنا للإسراع بالتوبة إلى المولى عز وجل، فقد آن أوان العودة، وأزف موعد الرحيل، فقد روي عن عبد الله قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وِطاء - فراش -، فقال: "مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها" رواه الترمذي بسند حسن صحيح، فها هي دنيانا التي نتشبث بها، مسيرتنا فيها تكاد لا تُذكر، فهل سنترك هذه الشجرة إلى تعب ونصب وإرهاق وعناء؟ أم إلى حياة رغيدة لا يكدر صوفها شيء؟
فلنسر - أخي علي - لنجد أمامنا بصيصا من النور لننير ظلام حياتنا، فهيا بنا إلى التوبة والتي ذكر الله تعالى شروطها في كتابه العزيز في الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
ومن هذه الآية العظيمة نجد أمامنا بعض شروط التوبة، وهي:
- الإكثار من الاستغفار لله تعالى، وتحيّن الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، واليقين بأن الدعاء مستجاب بإذن الله تعالى، فهو القائل سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
- الندم على فعل المعصية، وهذا باد من نيتك - أخي الكريم - في العودة والرجوع إلى الله تعالى.
- الإقلاع عن فعل المعصية، فقد قيل: "إنما الصبر صبران: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية".
وأذكر فيما يأتي بعض النقاط لتعيننا في المسير، وفي البقاء ثابتين في درب الله، سائلة المولى عز وجل أن أكون قد أحطت بها جميعا، وقد ذكرت منها التوبة إلى الله عز وجل:
1- لنجعل أوقاتنا مملوءة بطاعة الله عز وجل، حتى وقت فراغنا، إذا أردنا شغله فلنشغله بالمفيد من الأعمال، وننوي فيها نية الخير، وسيكتب لنا فيها أجر الطاعة والعبادة بإذن الله، فالعبادة هي اسم جامع لكل فعل يراد به التقرب لوجه الله عز وجل.
2- ابتعد عمن كان سببا في تعلقك بالمعصية، واختر رفقاء طريق يعينونك على طاعة الله، والذين يصدق فيهم قول الشاعر:
خذوا بيدي وساعدوني ....... وإن عثرت فقوموني
3- لقد عشت - أخي الكريم - لذة المعصية، فحاول أن تعيش لذة الطاعة، وستجدها - بإذن الله - اللذة التي لا تعادلها لذة، ولكن لتحافظ على الاستمتاع بهذه اللذة، أنصحك بالتدرج في نواحي حياتك مستقبلا،بمعنى آخر، لا تطلب الشهد كله مرة واحدة، ولكن حاول أن تستخلصه قطرة تلو الأخرى.
4- حاول الانتساب إلى ناد رياضي من أجل تقوية جسمك، وأيضا كمحاولة منك للتخلص من الوزن الزائد، والذي يؤثر سلبا على نفسية الإنسان، ومن ناحية أخرى تستفيد من وقتك وتتخلص من الفراغ الذي يتسلل إلى حياتك.
5- أما بالنسبة إلى تعلقك - أخي الكريم - بشهوة الفرج، وعدم ميلك نحو الجنس الآخر، فإنني أنصحك بالتوجه للعلاج النفسي، فإن هذا الأمر الذي تشكو منه قد يكبر في بعض الأحيان ليصبح أمرا يحتاج إلى تدخل أناس مختصين في هذا المجال، وسيكون لديهم الحل الأمثل - إن شاء الله - لعلاج هذا الأمر.
وقد سألت - أخي الكريم - عن الدعوة.. قائلا: "كيف أدعو وقلبي مليء بالخبث"؟ تساؤل مرير والله يا أخي.. وكلنا سألنا أنفسنا عنه ذات مرة بطرق مختلفة، فمن منا - أخي الكريم - الإنسان صاحب الصفات الكاملة؟ ومن منا لا يخطئ ولا يتعثر في طريقه؟
أما عن نصيحتي فإنني أنصحك - أخي علي - بالعودة إلى الله، وبالدعوة إلى الله في آن معا، ولكن خذ لنفسك فترة بسيطة لتصحو فيها من المعصية.
وأخيرا، أعلم - أخي الكريم - أن الأمر صعب وليس بالسهل، ولكن استعن بالله ولا تعجز، واعلم أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع عبده، فكن مع الله ترى الله معك.(9/198)
وإنني أسأل الله عز وجل أن ييسر لك أمرك، وأن يرزقك وإيانا الإخلاص والصبر على طاعته وعن معصيته.. اللهم آمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
=============
في المجتمع المسلم .. هل أدعو غير المسلمين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تصفحت ما هو موجود في صفحة دعوة غير المسلمين، ولكني افتقدت ما يتعلق بدعوة غير المسلمين في البلاد الإسلامية، فهل علينا أن نكتفي بالدعوة عن طريق المعاملة والمخالطة والخلق الحسن والخدمات العامة التي يشترك فيها المسلم وغير المسلم أم من الممكن التوجه إلى أعمال دعوية منظمة موجهة لغير المسلمين، كالرسائل والكتيبات التعريفية بالإسلام، أو حتى محاولة النقاش في أمور العقيدة؟.
من مدة وأنا يشغلني هذا الأمر، ولكني أعزف عن التقدم فيه خشية الوقوع فيما ينفرهم ويخيفهم منا، أو حتى فتح باب العمل التبشيري في مجتمعاتنا الإسلامية، فنقع في محظور أكبر.
أفيدونا، وجزاكم الكريم خيرا.
…السؤال
دعوة غير المسلمين …الموضوع
الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد…المستشار
……الحل …
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فعليك السلام - أختنا الكريمة بنان - ورحمة الله وبركاته، وحيا الله أهلنا في فلسطين، وكتب الله لهم النصر والتمكين.
واعلمي أنه لا يؤثر في النفس البشرية أعظم من العمل، وأن يكون المسلم قدوة يقتدي به الناس في المجتمع، سواء كان المقتدون مسلمين أو غير مسلمين، ولعلك على علم بأن بلاد شرق آسيا دخلها الإسلام على أيدي التجار المسلمين، الذين ضربوا أروع الأمثال في الصدق والأمانة والسلوك الطيب والمعاملة الحسنة؛ مما كان له أبعد الأثر في تحول الناس إلى الإسلام.
وإذا كان السبيل العملي، وامتثال القدوة من الوسائل المهمة في الدعوة عموما سواء كانت دعوة المسلمين أو غير المسلمين، فإن الدعوة بالكتاب النافع، والشريط الهادف، والنشرة المختصرة المركزة لهي من الوسائل المؤثرة أيضا، على أن ندرك الفوارق بين مدعو وآخر: مسلما كان أم غير مسلم، وإن كان مسلما فلابد من مراعاة مستواه ومعرفة واقعه الشخصي حتى ينبني التعامل معه بناء صحيحا.
واعلمي أن هناك من المجتمعات ما لو تم فيها دعوة غير المسلمين إلى الإسلام لكان من ذا فتنة، وحدث تهييج للمجتمع لا نهاية له، وقد حذرنا الله تعالى من ذلك حينما قال: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)؛ ولهذا يرى بعض المفكرين حرمة هذه الدعوة من هذا اللون، حتى رأى بعضهم منع توزيع مناظرات الشيخ أحمد ديدات رحمه الله في مجتمعات إسلامية مسيحية.
ولكل مجتمع خصوصياته، فإن كانت دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في مجتمع ما ستؤدي إلى فتنة بين أفراده وانقسام في نسيجه الاجتماعي، فهنا لابد من تقديم مصلحة المجتمع بأكمله ومراعاة استقراره على دعوة غير المسلمين.
وإن لم يكن لذلك أثر سلبي على النسيج العام للمجتمع، فيحسن بك أن تقدمي لغير المسلمين "عموميات" عن دين الإسلام كما هو موجود مثلا في كتاب: "مدخل لمعرفة الإسلام" لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، أو كتاب: "تعريف عام بدين الإسلام" للشيخ الجليل علي الطنطاوي، أو كتاب: "هذا ديننا" للداعية الكبير محمد الغزالي، وهكذا.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن تتنبهي لها أن تتبحري في دينك أولا قبل الخوض في دعوة غير المسلمين حتى تكوني على أرض صلبة مخافة أن تكوني على شفا جرف هار فتتحولي عن دينك، فتخسرين من حيث أردت الأجر والثواب.
ولئن كانت الدعوة مع المسلمين تتطلب فهما واسعا، واطلاعا كبيرا، وفقها في دين الله، فإن دعوة غير المسلمين تحتاج منك أن تكوني على علم بديانة من تدعين وعقائدهم وعباداتهم والشبهات المثارة والرد عليها ... إلخ، فضلا عن التضلع من دين الإسلام.
وإنني أرى أن نهتم بمجتمعاتنا الإسلامية، وبالمسلمين - خاصة إن كان في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام فتنة - الذين صاروا اليوم يعيشون مرحلة "الغثائية" التي تنبأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف، فإن المسلمين الذين تجاوزوا المليار وثلث المليار ليسوا في حاجة إلى زيادة في الكم بقدر ما هم في حاجة إلى تحسين وتجويد في الكيف؛ لنخرج من وصف "الغثائية" إلى وصف (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
ويفيدك - أختي الكريمة - في هذا الأمر مطالعة الاستشارات التالية:
- دعوة غير المسلمين.. دع الخطوات تتبع الكلمات
- بالحكمة والبينة.. دعوة المثقفين غير المسلمين
- دار الإسلام ودار الكفر.. وكيف نتعامل مع غير المسلمين؟؟
- في دعوة غير المسلمين .. نصائح وكتب
وفقكم الله للخير وتقبل منا ومنكم.
==============
قواعد في الارتقاء بالمربين
بارك الله فيكم، أريد استشارتكم في كيفية النهوض بالإخوة المربين المعنيين بتربية النشء في حقل الدعوة الإسلامية؟
وكيف يمكن تطوير وتنمية قدراتهم على التربية والتأثير؟
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
بسم الله الرحمن الرحيم، ثقة به وتوكلا عليه.
الأخ الفاضل، عندما أتأمل المشروع التربوي أجد أنه يماثل عملية الزرع، والتي عناصرها هي: الأرض الخصبة وتمثل المنهاج التربوي، الفلاح هو المربي، الزرع هو الناشئة، والماء هو التوفيق الرباني من الله عز وجل.
والفِلاحة ليست مجرد غرس عشوائي يقوم بها أي فرد ثم تغدو الأرض مُخضرة بما يشاء من زرع، إنها عملية معقدة تحتاج وعي وفهم، وكذلك التربية.(9/199)
في البداية عندما تتوفر لدينا مجموعة نريد أن نُوكل أحد المربين ليشرف عليها، يجب أن نضع بعض المعايير لشخصية المربي؛ ليقوم بتربية هذه المجموعة تربية قويمة وحسنة، ولا نختاره بصورة عشوائية؛ لأن ذلك سيثمر أفراد عشوائيين في تصرفاتهم وأعمالهم وعباداتهم وأفكارهم، وأظن أن أمتنا لا حاجة لها بهم.
وما نعانيه في حركاتنا ومؤسساتنا الدعوية هو توزيع المربين وفق حالة الطوارئ الدائمة التي تمر بها منذ عشرات السنوات، فالدائرة محتكرة على قليل من المربين؛ نتيجة عدم إفساح المجال وتوسيع القاعدة، وهذا سيضعنا في حرج يوما ما، فلا نعود نُخَّرج قيادات، وبحالة الطوارئ هذه نقدم من هو ليس أهلا، أو هو أفضل الموجود، أو نثقل على آخر يحمل أعباء كثيرة، فلا يقوم بواجباته كما يجب.
إذن النقطة الأولى لنجاح التربية هي اختيار المربي المناسب بحسب المعايير التالية:
• أسياسيات شخصية المربي التي تحتاجها الدعوة بشكل عام، كالخلق الطيب، الالتزام الحسن، الشخصية القويمة.
• الاحتياجات الخاصة بالبرنامج التربوي، فمثلا لا يمكن أن نوكل لمربي يعاني من فقر في الثقافة أن يدرس كتب بمستوى ثقافي أعلى من إمكانياته.
• الاحتياجات الخاصة بالمجموعة التي سيشرف عليها، بمعنى أنه يجب أن تتوفر فيه الصفات التي تؤهله لتربية مجموعته، فمتطلبات مربي مجموعة طلاب الثانوي تختلف عن متطلبات مربي مجموعة أطفال صغار.
• عدم إهدار الطاقات والإبداعات الفكرية في الأمور الإدارية، فكثيرا من أبناء الجماعات والحركات ممن لديهم دراية بالتربية يُوكل إليهم متابعة بعض الأمور الإدارية والتنظيمية، بينما يشرف على التربية ممن لديهم استعدادات وقدرات تربوبية أقل.
أما النقطة الثانية فتتعلق بالمسئول عن المربي:
ينقص مسئولينا أنهم بعد تكليف المربي بمجموعة معينة، يصبح تعاملهم رسمي، بعيد كل البعد عن التقارب في المشاعر، فإذا واجه المربي مشكلة لا يشعر به أحد، يختنق مما يحمل، ولا يجد معين.
فالمسئول عن المربي ينبغي أن يكون أليفا، رحيما، ودودا، وقدوة ماثلة أمام إخوانه من المربين، يربت على كتف هذا، ويشحذ همة ذاك، ويهدي وينصح، يناقش ويحاور ويشارك.
ثم عليه أن يعمل على الارتقاء بمن يشرف عليهم من المربين من خلال الأمور التالية:
* المتابعة عن بعد:
أن يحدد جلسة بينه وبين المربي تكون ثابتة حسب متطلبات المسئولية التي وُكلت للمربي، يتابع فيها عمله، ويفتح المجال للمربي أن يطرح ما يواجهه من عقبات واحتياجات.
* التواجد مع المربي:
على المسئول أن لا يكتفي بالسماع من المربي، فربما لا يكون موضوعيا في نقل الأمور كما هي في الواقع؛ لذا عليه أن يكون متواجدا مع المربي في الأنشطة التربوية بين حين وآخر؛ ليرى عن قرب طريقة إداراته للمجموعة.
* التقويم المستمر:
فإذا ما وجد المسئول بعض الأخطاء التربوية لدى المربي، فعليه أن يقوّم ذلك بلطف ورفق، مع مراعاة أن تكون طريقة التقويم مناسبة لكل مشرف.
أفكار ومقترحات للارتقاء بالمربي:
• تنظيم أيام دراسية في مواضيع تربوية يتخللها: محاضرة وورش عمل، أي تقسيم الحضور إلى مجموعات، بحيث تأخذ كل مجموعة قضية معينة وتتحاور في مشكلاتها وعقباتها وتحاول أن تطرح حلول مقترحة.
• توزيع كتب، مجلات ونشرات توسع مدارك فكر المربين وتنمي ثقافتهم وتطور شخصيتهم مثل:
- كتب د. طارق السويدان الصادرة عن مركز الإبداع الفكري مثل: صناعة النجاح، التدريب والتدريس الإبداعي، صناعة القائد وتنظيم الوقت ... إلخ.
- كتب في فقه الدعوة مثل: رسائل العين، كتب المفكر الإسلامي محمد أحمد الراشد مثل: المنطلق، صناعة الحياة، المسار ... إلخ.
- كتب في الثقافة الإسلامية بشكل عام، كجميع إصدارات الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي.
- كتب متنوعة في الأدب والفنون الإسلامية.
• تنظيم مسابقات بين المربين لتنمية التنافس بينهم وشحذ همتهم في عدة أطر منها:
- مسابقة حفظ سور قرآنية.
- مسابقة في الكتابة والشعر.
- مسابقة في الإلقاء والخطابة.
- مسابقة في التصوير والتصميم.
- مسابقة في الفنون الإسلامية كالخط والرسم.
وهذا لدفع المربي للبحث عن المجال الذي يتميّز فيه ويطور ذاته ويتلقى الدعم من قبل البيئة المحيطة به، ويتم تكريم الفائزين في المسابقات حسب المناطق.
• تكريم المربين الذين كان لهم أثر واضح ومميز، فالمربي الذي نجح في مشروع معين وأبدع فيه، يحتاج إلى التحفيز والتكريم، وهي وسيلة رائعة لتعزيز الثقة وكسر الروتين وفتح المجال للتنافس، كذلك المربي الذي نجح في استقطاب وجذب مجموعته، وكون معهم علاقات قوية ومتينة أنتجت ثمارا طيبة، وغيرهم نجحوا في أطر مختلفة أخرى.
• إقامة معسكر للمربين مرتين سنويا فيه تكون جلسات إيمانيّة، وعرض للمشكلات والعقبات التربوية، والحوار فيها مع المسئولين، عرض مواضيع يقوم المربين بعد تقسيمهم لمجموعات بإعدادها وعرضها، وتقديم عروض لإنجازات قام بها المربين أو مجموعاتهم.
• تنظيم الرحلات والزيارات للمربين، واستغلال هذه الفرصة لزيادة الصلة والروابط الأخوية، وتهيئة جو نفسي متجدد بين حين وآخر؛ مما ينعكس إيجابيا على تربية المربي لمجموعته.
وأختم الإجابة بالتركيز على مسألة – أراها – مهمة، وهي منح مساحة من الحرية ليتحرك فيها المربي، وعدم تقيده بالبرنامج الدعوي بطريقة روتينية، وحصره في الأمور التي يتفق بعض المسئولين على تمريرها. فلن ينمو الإبداع بأرض صلبة لا تسقى بماء الحرية.
وفقك الله وسدد خطاك، وتحيتي لهمتك التي ارتقت بك لتلفت إلى البناء الإبداعي والمنهجي.
==============
تعلق الطالب بالمشرف .. مناخ جيد للاستثمار(9/200)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا على هذا الجهد المبذول، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
مشكلتي باختصار: أني أعمل في نشاط دعوي للمرحلة المتوسطة، وأنا طالب جامعي (جامعة علمية)، وهناك طالب بالصف الثاني المتوسط (أصغر مني بخمس سنوات) متعلق بي بشكل ملحوظ، لدرجة أن زملائي في المنشط الدعوي لاحظوا هذه المشكلة، وأنا بالحقيقة أشعر بالإحراج من هذه المشكلة.
وتظهر هذه المشكلة في عده مواقف، أذكر منها:
1- الاتصال الدائم بي من دون المشرفين، وإرسال رسائل جوال لا تليق بشخص في عمره (لا أقصد أنها مخلة بالشرع).
2- يفضل الركوب معي بالسيارة بشكل دائم، وإذا لم يحصل له ذلك لوحظ عليه الانزعاج الشديد.
3- يطلب مني دائما أن أوصله إلى بيته، مع العلم أنه يوجد لديهم سائق خاص، يمكنه القيام بهذه المهمة.
4- الجلوس بجانبي أغلب أوقات النشاط.
وأنا شخصيا أُعزي هذه المشكلة لسبب، وهو أن أغلب العاملين معي بالنشاط من مناطق مختلفة من المملكة؛ لأننا نسكن في مدينه صناعية، وأنا من نفس منطقة هذا الطالب، وهذه المنطقة لها لكنة خاصة بها في الكلام، تختلف عن بقية المناطق.
آمل ألا أكون قد ضخمت المشكلة إلى حد كبير، ولكن أرجو منكم سرعة الرد.
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
شباب وطلاب, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
تقول الدكتورة حنان فاروق:
الأخ العزيز،
أسعدتنا كلماتك، ونسأل الله أن يجزيك خيرا عنا، وعما تبذله من جهد في الدعوة، وعلى حرصك على طلابك وتلاميذك، أعانك الله عليهم، وهدانا وإياهم إلى سواء السبيل.
أولا: أحب أن أحيي فيك ذلك الاهتمام والحرص على من أنت مسئول عنهم، ويقظتك لكل ما يطرأ عليهم من تغييرات عقلية كانت أو عاطفية.
وأجيبك بأنك أبدا لم تضخم الأمور، بل على العكس من ذلك، فالأمر فعلا يحتاج إلى نقاش وحكمة وتفاعل، لكي تصل بسفينتك إلى بر الأمان، ومع ذلك أنصحك ألا تنزعج كثيرا، فأنت مسئول عن أشخاص في مرحلة عمرية جد خطيرة، ألا وهى مرحلة المراهقة، هذه المرحلة التي تعد المعبر الحيوي الرئيسي من الطفولة إلى الرجولة، وفيها يكون الإنسان مضطربا لا يعرف بالضبط ما يريد، وتكون العواطف مرتبكة ذات شحنة زائدة غير موجهة، تنطلق إلى أول مرفأ يقابلها وتصب ما في جعبتها عليه.
ولقد رأى فيك هذا الطالب - موضوع سؤالك - مثلا أعلى، وقلبا مفتوحا يستمع إليه، ويحاول تفهمه، دون أن يعيق تفاعله معك عائق سني كبير، أو خوف عسير، فوجد فيك الأب والأخ والأستاذ والصديق، وما يفعله ما هو إلا محاولات للاحتفاظ بحبك واحترامك وموضعه منك وموضعك منه، وربما أيضا رأيت أو سترى منه شيئا من الغيرة إن أنت اهتممت بغيره أو انشغلت عنه، مما يتسبب في صدور تصرفات غير مسئولة في بعض الأحيان بحكم ما هو فيه من اضطراب وتغيير.
والسؤال هنا.. كيف نتعامل مع هذه العاطفة بحكمة؟ وكيف نطوعها ونوجهها إلى الطريق الصحيح وإلى خدمة سبيل الله، دون أن نصدمها أو نلطمها، فتذهب للطريق المعاكس؟ ونكون بذلك قد فقدنا شابا من الممكن أن يكون من أخلص خادمي الدعوة في المستقبل.
والجواب يتلخص في سد ذرائع النقص لديه، حتى تصل بشخصيته إلى بر الأمان، وهذا إنما يتم أولا بالتحليل النفسي لهذا الطالب، وعلى ضوء كلماتك نفهم أن هذا الطالب عاطفي بالدرجة الأولى، لذا فعليك أن تخاطب فيه عاطفته الدينية، بأن تعطيه جرعات متوالية حسب ما يحتمل من دواء القلوب، ألا وهي دروس التزكية، لكن حاول ألا تكون هذه الجرعات مباشرة طوال الوقت في صورة نصائح وإرشادات، بل على العكس من ذلك، اجعلها في ثوب حكاية سمعتها، أو بتصيد موقف مر بك أو به، توجه نظره فيه إلى كيفية الإخلاص لله تعالى في كل عمل، وكيفية تقديم حبه لله ورسوله على حب النفس والمال والولد، وإلى أعمال القلوب المختلفة من الإيمان والصدق والتوكل والرجاء والخوف وغيرها، وإلى تطهيرها من الشرك، خاصة الخفي منه، والرياء، والعُجب، والكِبر، والنفاق.
وأقترح عليك أيضا أن تدمجه في مجموعة تثق فيها ممن هم في مثل سنه أو أكبر قليلا، وأن تكلفهم بأعمال جماعية تستثمر فراغهم من جهة، وتحملهم المسئولية من جهة أخرى، وتجعلهم جميعا يهتمون به، ويوجهونه بإرشاداتك من بعيد، دون شدة أو قسوة أو سخرية، بل باللين والحب والهدوء، على أن يبدأ عملهم هذا بكسب ثقته أولا، باقترابهم من همومه تارة، وبالهدايا تارة، فالهدايا لها تأثير قوي على النفس البشرية.
واحرص على أن تسند إليه مسئوليات خاصة، دينية ودنيوية، تعلمه بها إخلاص النية لله، حتى في أمور الحياة العادية، فبهذا تصقل شخصيته، وتنمي رجولته، وتجعله أكثر ثقة في نفسه، بتشجيعك إياه على الملأ كلما نجح في مهمة، أو أصاب فيها سهم خير.
ربما أنصحك أيضا بأن تكون على صلة جيدة بوالده وإخوته، إذا كانوا ممن يتفهمون ويعون خطورة هذه المرحلة السنية، هذا بالطبع دون أن تذكر لهم شيئا عن حالة الطالب موضوع السؤال، فالتعاون بين البيت والمسجد لا يولد إلا الخير، ولا ينبت إلا أشخاصا أسوياء، أما إن وجدتهم ممن لا يتفهمون أو لا يعون هذه الأشياء فاحتفظ بعلاقة طيبة بهم، لكن عن بُعد؛ لأنهم قد لا يخدمون الهدف الذي تسعى إليه بالطريقة الصحيحة، وقد يسخرون منه، مما يكون له أسوأ الأثر على تكوين شخصيته من ناحية، وثقته بك من ناحية أخرى.(9/201)
في النهاية أحب أن أقول لك - أخي -: إن الدعوة ليست كلمات تقال في أذن الناس، لكنها أفعال وهمم وجهد، وقبل كل ذلك صدق، فاصدق الله يصدقك، واستعن به يُعنْك، وابدأ عملك بالتضرع والدعاء يُنهِهِ الله لك بالنجاح والفلاح والسداد والإجابة.
وفقك الله وإيانا لما يحب ويرضى.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
بداية - أخي الكريم - أود أن أشير إلى أن العلاقة القلبية الوثيقة بين الداعية ومن يدعوه أمر هام وضروري، فهي القناة التي تصل قلبَيْهما، ولا يمكن للداعية أن يُكسِب من يدعوه قيمة أو خُلقا أو مفهوما، إلا من خلال هذه العلاقة القلبية التي تربطه بالمدعو.
ونمو وتطور العلاقة بين الداعية ومَن يدعوه حتى يصبح الداعية من أقرب المقربين إلي المدعو، فيستريح للحديث معه، ويفضل الجلوس معه، ويطلب رأيه فيما يواجهه من صعاب أو عقبات ... إلخ، كل ذلك يُعَد من الإشارات التي ترمز إلى نجاح الداعية في بناء ذلك الجسر القلبي مع مَن يدعوه، وهذا النجاح في بناء العلاقة القلبية الوثيقة بين الداعية والمدعو يعطي مؤشرا – في أغلب الأحيان – على قدرة الداعية على مواصلة الارتقاء بمن يدعوه.
وفي بعض الأحيان قد تتطور العلاقة بين الداعية والمدعو، فيتعلق المدعو بالداعية تعلقا شديدا، خاصة في بداية الأمر، كما حدث فيما ذكرت من تعلق طالبك بك.
ومن الأمور التي تساعدك على ترشيد هذه العلاقة وتوجيهها وجهتها السليمة:
1- التأكيد على معنى الحب في الله:
فمن الضروري - أخي الفاضل - أن تعتني بتأصيل معنى الحب في الله في نفسه، وأن المسلم لا يكمل إيمانه ولا يشعر بحلاوته، إلا بعد أن يكون حبه لله، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار) رواه البخاري.
واحرص - أخي الكريم - على لفت انتباهه بطرقٍ مختلفة وغير مباشرة، إلى أنه ينبغي أن يكون الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين المسلمين هو الحب في الله، وليس مجرد الإعجاب الشخصي فقط، وذلك حتى نفوز بالمكانة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم للمتحابين في الله، حين أخبر بذلك عن ربه فقال: (قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء) رواه الترمذي بسند صحيح.
2- استثمرها في غرس القيم والمفاهيم:
فمن الضروري - أخي الكريم - أن تستثمر هذه العلاقة الوثيقة في غرس القيم والمفاهيم والأخلاق الإسلامية في نفس هذا الطالب، ولتستثمرها أيضا في تفجيِر طاقات الخير لديه، بما يعود عليه بالنفع والخير والصلاح.
3- ليكن الارتباط بالمنهج:
فلتعمل - أخي الكريم - على ألا تقف حدود العلاقة بينك وبينه عند حد الارتباط والتعلق الشخصي، بل من الضروري أن تعمل تدريجيا على ربطه بمنهج الإسلام وقيمه وعقائده وأخلاقه ... إلخ، وهذا هو الهدف الأساسي الذي من أجله نشأت العلاقة بينك وبينه من البداية.
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منك جُهدَك وسعيك.
==================
التعزيرات العبادية للمخالفات التنظيمية
السلام عليكم،
أنا أنتمي لإحدى الحركات الإسلامية، وأريد أن أسئل عن التأصيل الشرعي لقضية معاقبة المخالفات التنظيمية، عن طريق إلزام المقصر بأداء نافلة ما؟.
على سبيل المثال: من لم يصُم يوم الاثنين من كل شهر يعاقب بأن يقوم عشر ركعات ليلا!.
أولا: هل يجوز إلزام الغير بأداء مندوب؟.
ثانيا: هل يجوز أن يكون قيام الليل عقوبة؟.
ثالثا: ما البديل في رأيكم في قضية عقوبة المخالفات التنظيمية؟.
…السؤال
قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول، وبعد..
نشكركم على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم عدنان، ما جعل الله تعالى العبادات – كالصلاة والصوم والذكر وقراءة القرآن وغيرها – إلا لتكون شحنات تشحن القلب، فتدفعه لحسن التعامل مع الناس، فيحسن الجميع إعمار الكون، فيسعدون فيه ثم في الآخرة.
والله تعالى جعل قدرا قليلا من هذه العبادات فرضا، أي يثاب فاعله ويأثم تاركه، حتى يتمكن كل الناس على اختلاف طاقاتهم وأحوالهم من فعلها، كما يقول سبحانه: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، وجعل القدر الأكبر منها نافلة - أي يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها - يأتي منها كل فرد على حسب طاقاته وإمكاناته وظروفه وأحواله، فمن أتى منها بالكثير استفاد من الشحنات لقلبه أكثر في الدنيا، وارتفعت درجته أكثر يوم القيامة، ولكن من لم يستزد منها فلا شيء عليه، لكنه افتقد نفعا دنيويا وثوابا أخرويا.
وعلى هذا، فلا يحق لبشر أن يرفع ما هو نافلة أو سنة أو مندوبا أو مستحبا - وكلها مترادفات - إلى مرتبة الفرض، وإلا قد يأثم لتعديه على نظام الله الذي وضعه لعباده، والذي يقربهم إليه ولا يبعدهم، ويسعدهم ولا يتعسهم.
لكن أخي الكريم؛ يجوز للمرء – على سبيل الاختيار لا الفرض – أن يعاقب نفسه بطاعة ما حتى لا يتعود التقصير فيها، وكأنه بذلك يستفيد عمليْن وثوابيْن في عمل واحد: ثواب تربية نفسه، وثواب فعل الطاعة، وهذا ما تعلمناه من الصحابة والتابعين الكرام قدوتنا، حيث ثبت عنهم أنه كان أحدهم ليعاقب نفسه بصدقة أو صلاة أو صيام إذا قصرت في طاعة ما أو وجد منها تهاونا في إسلامها أو بعدا عن ربها.(9/202)
كذلك يجوز – أخي الكريم – أن تقبل هذه العقوبة من غيرك أو ممن هو مسئول عنك في عمل ما إذا كانت على سبيل النصح والإرشاد، أي على سبيل اختيار فعلها أو عدم فعلها، وإذا كانت على سبيل الأخذ بيدك إلى رضى ربك وسعادتك في الدنيا والآخرة، وإذا كانت مصحوبة بالأخوة والحرص على مجاهدة النفس، لترقى وتقوى على دعوة الناس وقيادتهم للخير، وعونهم على مقاومة الشر في كل شئون حياتهم.
أما إن كانت العقوبة من الغير بعمل طاعة ما، على سبيل الإلزام والفرض، أي ستعاقب إذا لم تفعلها، فمن حقك أن تفعلها أو لا تفعلها؛ لأن الله تعالى ذاته لم يفرضها.
وننصح كل مسئول في كل موقع إذا اتخذ من الطاعات عقوبة، ألا يجعلها على سبيل الفرض، وإنما يجعلها على سبيل الاختيار والعون على العودة إلى الصواب، الأمر الذي سيعين كل مرءوس على حسن الطاعة لرئيسه في المعروف، وعلى حسن العمل والإنتاج، فيسعد الجميع، وحبذا لو شاركه في أداء ما أمره به.
أخي الكريم عدنان؛ لكل رئيس في أي عمل حقوق على مرءوسيه، كما أن للمرءوسين حقوقا على رئيسهم، فهو الذي يوجههم ويأخذ بأيديهم للخير، ويصوب أخطاءهم، ويأخذ آراءهم، ويعينهم على جودة التنفيذ، وبالجملة، فهو يأخذ بأيديهم لخيري الدنيا والآخرة، ولذا فهم يحبونه ويحترمونه ويطيعونه ويعينونه ويعرضون آراءهم، وينصحونه ويصححون له – بأدب – إذا أخطأ، وبالجملة هم أيضا يأخذون بيده لخيري الدنيا والآخرة.
وفي ظل هذه العلاقة المبنية على الحب والتفاهم والتعاون والتناصح، يحق للمرءوسين تغيير رئيسهم وانتخاب غيره إذا فقد أهليته لقيادتهم، كما يحق للرئيس عقاب المخطئ من أجل الوصول للصواب والحق وتحقيق الخطط والأهداف.
وليس معنى أن العقوبات موجودة في الإسلام أنها لابد أن تُستخدم، فالضرب مثلا موجود في التعامل بين الزوجين، كما يقول تعالى: (واضْرِبُوهُن)، لكن ليس معناه أن استخدامه فريضة يجب أن تؤدى؛ لأن الزوجين المسلمين الصالحين متحابان متفاهمان متعاونان متسامحان، فهما لا يحتاجان إلى الضرب أصلا، وإن استُخدِم فسيكون لظروف خاصة نادرة، ولنوعيات خاصة نادرة لا تستجيب إلا لهذا النوع من العقوبة، والتي لا تكون إلا بعد استنفاد كل الوسائل الممكنة، من الحب والتفاهم والتعاون والتسامح وغيره، والتي ليس هدفها الانتقام، وإنما هدفها الإعادة لطريق الصلاح والسعادة.
فإن أردت - أخي الكريم - أن تضع نظاما للعقوبات لأي تجمع ما، فابدأ بما علمنا إياه الإسلام، ابدأ أولا بوسائل تزرع في هذا التجمع المحبة والإخاء والتقوى والأمانة والصدق والشورى والتكاتف، وما شابه ذلك من أخلاق الإسلام، التي لو طبقت لقلت جدا العقوبات أو ندرت.
فإذا ما احتجت للعقوبة مع بعض النوعيات من الأفراد التي لا تستجيب لما سبق، فابدأ أيضا بما بدأ به الإسلام، ابدأ بالأدنى، ولا تصعد إلى الأعلى إذا كان الأدنى سيأتي بالنتيجة التي تريدها، وإلا قد تأثم إذا تجاوزت بالعقوبة مقدار الخطأ، وابدأ بما يناسب كل فرد وكل فعل وكل ظرف، فابدأ دائما بالعتاب واللوم، أو لفت النظر لمرة أو أكثر على حسب الحال، ثم بالغرامات المالية المتدرجة ولفترات، ثم بالفصل والإبعاد إن باءت كل المحاولات بالفشل، ولعل الله يجعل لكل طرف الخير في مكان آخر.
وفقك الله - أخي الكريم - وأعانكم في تجمعكم المبارك على التآلف وتصحيح الأخطاء، في جو من الصدق والصفاء، لتزدادوا بذلك قوة تعينكم على نصرة الإسلام والمسلمين.
ولا تنسونا من صالح دعائكم.
ويضيف الدكتور أحمد الريسوني، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بالمغرب:
"أخي الكريم، إن المخالفات التنظيمية يمكن معالجتها بالتوعية والتنبيه والإقناع، فإذا لم يكن ذلك كافيا يمكن اللجوء إلى إجراءات تأديبية تنظيمية أيضا، وكما يقال: "العقوبة من جنس العمل".
فيمكن توجيه التوبيخ للمتهاون، ويمكن توقيفه مدة من الزمن، وقد يمكن أيضا اعتماد غرامات مالية أو أعمال إضافية يعوض بها المخالف ما تركه وما تهاون فيه.
أما العبادات فهي توقيفية، لا يمكن إحداث عبادة ولا تكليف أحد بشيء منها إلا بدليل.
ولا نعلم أبدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاقب أحدا بالصوم أو الصلاة، نعم هناك الكفارات التي وضعها الله تعالى، وهي محددة لا يمكن لأحد أن يزيد فيها، كما أن هناك النذر الذي هو التزامٌ إرادي واختياري من صاحبه، فلذلك يلزمه الوفاء به.
ثم إن نوافل العبادات بصفة خاصة ينبغي أن تصدر عن رغبة ومحبة وطواعية، ولا يجوز فيها الإكراه والإلزام، وهي تدل أكثر من الفرائض على حب الإنسان لربه وتعلقه به، ورغبته في رضاه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" رواه البخاري.
فأداء النوافل والاستمرار فيها يجلب محبة الله للعبد؛ لأنها تدل على محبة العبد لربه، فلا يليق فيها القيام بها كرها وإجبارا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" رواه البخاري، فالإنسان إذا أدى نافلة وهو متضايق منها، ومستثقل لها، فإنها لا تُقبل عند الله كما يدل على ذلك الحديث.
وفقك الله أخي الكريم، ومرحبا بك وبرسائلك دائما.
=================
في فلسطين .. بالطب نقاوم(9/203)
أنا طبيبة، تخرجت حديثا والتحقت ببرنامج الاختصاص التابع "للبورد" الأمريكي، وقد تم تعيني مؤخرا رئيسة للجنة الطبية المتفرعة عن لجنة فلسطين النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي بمدينة جدة، وقد كنت أنا صاحبة فكرة إنشاء اللجنة الطبية ومؤسستها؛ نظرا لإيماني العميق بالدور الهام الذي يلعبه الطبيب المسلم، كداعم أساسي وفاعل لقضية المسلمين الأولى. وكما ترون فإن اللجنة حديثة العهد بالظهور، وبحاجة إلى الكثير من الجهد كي تنطلق بقوة، وتؤدي دورها بجدارة وتبرز مسوغ وجودها حتى لا تتحول إلى مجرد رقم أضيف إلى قائمة المنظمات الخيرية الموجودة على الساحة.
لذا أرجو منكم أن تزودوني بأهم الأسس التي ينبغي أن ابني عليها مثل هذا المشروع الملقى على عاتقي، وكيف يمكن للطبيب المسلم أن يخدم القضية الفلسطينية من خلال موقعه المهني؟
…السؤال
الدعوة العامة, وسائل اجتماعية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الدكتور جمال حشمت، الطبيب والداعية المصري، وعضو مجلس الشعب السابق:
الأخت الفاضلة جمانة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بارك الله في حماستك وحركتك المباركة في خدمة الإسلام والمسلمين، وفي خدمة كل من يحتاج رعاية طبية بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لغته أو قدرته المادية، ولعل في إنشاء اللجنة الطبية المتفرعة من لجنة فلسطين النسائية خير تحمله لأبناء شعبنا في فلسطين، الذين قدموا - وما زالوا - الغالي والرخيص دفاعا عن المقدسات الإسلامية، وعن شرف الأمة، التي لا قيمة لها إلا بالجهاد والصبر والصمود.
أما عن تساؤلك - أختي الكريمة - عن الأسس التي يجب أن تقوم عليها اللجنة الطبية بما يمكّن الأطباء من أداء دورهم تجاه أهلنا في فلسطين، أقول وبالله التوفيق:
من المبادئ الأساسية لإنشاء عمل أو مشروع يقدم خدمة أن تتم دراسات سابقة، يتم فيها الإجابة عن بعض الأسئلة مثل:
* ما الهدف الأساسي من المشروع؟
* ما هي مجالات الخدمة التي ستقدم؟
* ما هي الإمكانيات المالية والبشرية المطلوبة لضمان نجاح المشروع؟
* ما هي خطة العمل التي يجب الالتزام بها لتنفيذ المطلوب وتحقيق الهدف؟ وينبغي أن تشتمل على وسائل محددة، وجدول زمني، ومعايير إنجاز واضحة يمكن قياسها لتقويم الأداء.
وكل ذلك لا ينبغي أن يكون بمعزل عن بعض المؤسسات والأجهزة الرسمية في داخل فلسطين، لتسهيل المهمات، وتحقيق التواصل المطلوب لإنجاح أهداف المشروع.
ولا أدري هل تم التفكير هكذا أم لا؟ وهل هناك فرصة لإعادة صياغة اللجنة بناءا على هذا التصور أم لا؟
وعلى كل الأحوال ما لدينا من معلومات أن فلسطين لديها الكثير من الأطباء في الداخل، ولم يطلبوا منا في مصر مثلا أطباء، اللهم إلا الأساتذة أصحاب التخصصات النادرة خاصة الجراحية (عامة، وعظام، وأوعية دموية، ومخ وأعصاب، ووجه، وفكين، وصدر، وقلب، وعناية مركزة وغيرها)؛ وذلك لتدريب الأخوة الأطباء في مستشفيات فلسطين، وقد تم هذا أكثر من مرة عبر لجان الإغاثة في اتحاد الأطباء العرب، ونقابة أطباء مصر، ويبقى الدعم المادي المتمثل في أجهزة ومستلزمات طبية، وأجهزة تعويضية، وأدوية طبية، هو أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني.
أما عن دور الأطباء في خدمة القضية الفلسطينية مهنيا، فهو عمل يتجاوز الدور الفردي، الذي لا يملك إلا التطوع للعمل في قوافل طبية متخصصة، أو التواصل مع الأطباء في فلسطين لدعمهم مهنيا بصورة فردية، خاصة غير القادرين منهم على الدعم والتمويل، أو الاستضافة والتدريب، وغير ذلك فإن العمل المؤسسي هو القادر على كل ما سبق في ضوء توافر إمكانيات مالية، ورؤية شاملة.
ولعل من المفيد أن أطرح في هذا الشأن فكرة الدورات التدريبية - فنية وإدارية - للأطباء الفلسطينين، ومن يعاونهم من ممرضات وفنيين في أحد الدول العربية، مما يمنحهم خبرات أكثر، ويطور أدائهم، ويرتقي بكفاءتهم، ويمكن للجنة النسائية من خلال اللجنة الطبية عمل هذه الدورات في أي مكان للنساء العاملات في المجال الطبي في فلسطين، خاصة في المجال النفسي، وإعادة التأهيل للأطفال، وذوى الاحتياجات الخاصة من ضحايا الإجرام الصهيوني.
وهذا المجال يحتاج لدعم قوي، أرى أن لجنتكم الوليدة يمكن لها أن تبرز فيه، وتقدم نشاطا متميزا وواسعا، يمكن أن يكون بمثابة تجربة رائدة في المنطقة، بشرط التواصل مع أصحاب الخبرة في هذا المجال كي نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا من حيث بدءوا.
أدعو لك - أختي الكريمة - بالتوفيق، وأدعو الله أن يتقبل منك ومن كل من يشاركك في هذا العمل الخيري.
===============
افتعال المواقف التربوية في الميزان
أنا شاب أعمل في حقل التوجيه والتربية منذ ما يقارب الخمس سنوات، وفي إحدى السنوات قمت بالتفكير بنمط جديد في عملية التوجيه، وهو اصطناع المواقف مع المدعو، لأرى ردة فعله، خاصة في القضايا التي يعاني فيها من مشكلات تربوية.
سؤالي: هل هذه الطريقة صحيحة في عملية التوجيه والإرشاد؟ وهل لها أصل شرعي يدل عليها؟.
أفيدونا، وجُزيتم خيرا على كل ما تقدمون.
…السؤال
قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف, فنون ومهارات …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
أخي الكريم أبو خالد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
ابتداء، أود أن أتوقف وإياك عند تعبير "اصطناع المواقف"؛ لأنه يحتمل عدة وجوه:
فإن كنت تعني باصطناع المواقف تقديم بعض الأمثلة والقصص الرمزية من نسج خيالك، كوسائل إيضاح لخدمة الفكرة التي تريد عرضها والإقناع بها، فيمكن أن يكون مقبولا، ما لم ترد فيه أسماء ومُسميات وأماكن وتواريخ وأزمنة محددة.(9/204)
وأسوق على هذه الحالة نموذجا من القصص الرمزية المفيدة، ولكن بدون أدنى شبهة: "يُذكَر أن عالما كان يلح على الله بالدعاء، سائلا إياه أن يهبه علم ما لا يعلم، وأن يجري ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، فبينما هو يمشي في فلاة من الأرض، إذ رأى حجرا لافتا، فأمسك به وقلبه، فإذا مكتوب عليه: أنت بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب علم ما لا تعلم؟".
أما إذا كان اصطناع المواقف يعني مبادرة المدعو بتلفيق أخبار وأنباء وتعليقات غير صحيحة، تتعلق به وبمشكلاته وخصوصياته من قريب أو بعيد، لمجرد استفزازه واستدراجه، فإنني لا أنصح به بحال من الأحوال، وهو أشبه – قياسا – بمعالجة مريض بما حرمه الله عليه، فقد ذكر البخاري أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
وإذا كان علماؤنا قد قيدوا اللجوء إلى الخديعة مع العدو أن تكون خلال المعركة ونشوب القتال الفعلي، تبيانا لمقاصد الحديث الشريف الذي ينص على أن "الحرب خُدعَة" رواه الترمذي بسند صحيح. فكيف يُستساغ فعل ذلك مع أخ أسلم قياده لك ببراءة واطمئنان؟.
إن اللجوء إلى مثل هذه الأساليب واستساغتها يعتبر عامل ضعف وليس عامل قوة، إذ إن أحدنا لا يعدم وسيلة من الوسائل التربوية الشريفة النظيفة العفيفة، وبخاصة في دائرة العمل التربوي، وكيف ستكون التربية انتهاء إن بدأت بالتواء وانحراف ؟!.
ورحم الله سلفنا الصالح، الذي وضع ضوابط وقواعد للتربية، منها قول أحدهم: "ما كان أوله مُحرقا كان آخره مُشرقا".
أضف إلى ذلك أن ما أسميته "اصطناع المواقف" يقع ضمن الفلسفة "الميكيافيلية" التي تبرر الوسيلة من أجل الغاية، وهي فلسفة مرفوضة من الإسلام جملة وتفصيلا.
ثم إنني أسألك عن ردة الفعل التي يمكن أن يصاب بها المدعو، حين يكتشف ويعرف أنك كنت تخادعه وتصانعه وتصطنع المواقف معه، ألا تخشى أن تكون ردة فعله قوية عاتية، بحيث تقذف به بعيدا عن الإسلام والمسلمين.
أخي الكريم؛ نحن مكلفون بالتزام القيم الإسلامية في دعوتنا للآخرين (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ، ولسنا مكلفين بإعنات أنفسنا والآخرين، واتباع غير سبيل الصادقين، فالهدى هدى الله (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ).
هذا بعض ما أردت تقديمه إليك من موقع الأخ المحب والناصح الأمين، "فالمستشار مؤتمن"، و"الرائد لا يكذب أهله"، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)
ومع خالص تحياتي وصادق دعواتي.
==============
عندما يتعارض الحركي مع المهني
الإخوة القائمون على هذا الموقع الرائد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
أعمل منذ زمن بعيد في حركة إسلامية، آمنت بمنهجها السليم، وأنا عضو مكتبها التنفيذي منذ مدة طويلة.
ولكن وظيفتي التنظيمية ضمن المكتب تتعارض مع مهنتي كطبيب، فأنا لي مرضى يأتون إليّ من أماكن بعيدة قد تصل إلى 80 كم، وفي بعض الأحيان يأتي أحدهم في مرحلة حرجة، مع العلم أنه يوجد في المدينة مستشفى، ولكنهم لا يذهبون إليها إلا اضطرارا، وقد يأتون وأنا خارج أوقات عملي الرسمية، فأكون في حرج.
هل أترك مهمتي في الحركة مثل: اجتماع مكتب أو تنفيذ خطة تنظيمية للحركة؛ لأجيب هذا المريض، مع ما قد يترتب عليه من تذمر إخواني في الحركة، وتعطيل للعمل، أم لا أستجيب لهذا المريض؟
وكيف لي أن أتحمل نتائج عدم علاجه والعناية به؟ وقد حدث في كثير من الأحيان أن ينتظرني المريض يوما أو يومين، فيتفاقم مرضه وتحدث له مضاعفات.
هذا مع العلم أن أبناء الحركة كثيرون، ولكن لا فعالية لهم، وقد طلبت تفريغي، ولكنه رفض.
أفتوني في أمري، وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
قضايا وشبهات, المجتمع, فقه الدعوة …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ..
مرحبا بك أخي حسين، وبجميع إخواننا في الجزائر، وأسأل الله عز وجل أن يبارك لك في وقتك، ويتقبل منك جهدك.
حقيقة - أخي الكريم - لا يجب أبدا أن يكون هناك مفاصلة بين العمل الدعوي والعمل الحياتي، باعتبار أن كلا منهما له وقته وله ترتيباته وظروفه، فالمسلم - أي مسلم - يؤمن بأن حياته كلها هي لله عز وجل، وفي سبيله، يقول جل وعلا: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
والمسلم داعية في كل مكان يكون فيه، وفي أي مجال يعمل فيه، فهو داعية في بيته، وفي شارعه، وفي متجره، وفي مصنعه، وفي مستشفاه، وفي مدرسته، وفي عيادته، حتى وإن سُجِن فهو داعية في سجنه، ولنا في يوسف عليه السلام أسوة حسنة، إذ مارس الدعوة وهو في السجن مع صاحبيه.
إذا استقر هذا المفهوم - أخي الكريم - في عقل الداعية وعقل من يعملون معه من إخوانه في حقل الدعوة، قادة ومربين، فإن الأمور ستكون أيسر وأسهل، ونتائجها أفضل.
فحينما يتخلف الداعية الواعي عن لقاء تنظيمي في حركته الإسلامية التي يعمل من خلالها للقيام بعمله التخصصي المهني في مكان ما، فإنه بذلك - في رأيي - لا يكون قد ضيع واجبا من واجبات الدعوة، حيث إنه سيقوم بواجب دعوي آخر من خلال القيام بهذه المهمة المهنية، وقد يكون عائده أفضل وأجره أكبر.(9/205)
فما بالنا بالطبيب الذي يحتاج إليه كثير من الناس، ولا يستطيع غيره أن يقوم بما يقوم هو به، من علاج للمرضى وتخفيف للآلام، وما قد يقدمه للدعوة من خلال عمله مع مرضاه وزملائه، كيف لنا ألا نعتبر ذلك كله من المهام الدعوية العظيمة، وننكر قيمتها أمام لقاء تنظيمي قد لا يؤثر غيابه عنه كثيرا على إنجاز العمل.
لست هنا بالطبع في مجال المقارنة والتفضيل، فكل موقف يقدر بقدره، وكل حالة تقدر بحالتها، والمطلوب من الداعية بالطبع أن يحاول التوفيق بين واجباته المختلفة في الحياة، وأن يوازن بينها، وأن يجتهد في تنظيم وقته ومحاولة الجمع بين تلك الأعمال والواجبات، أما إذا حدث تعارض في نفس الوقت بين عملين، فحينئذ ينبغي أن يقدم الأولى، ويتحدد الأولى بناء على معطيات كثيرة، ينبغي أن يزنها الداعية ويقدرها هو وإخوانه.
ولا أظن أن هناك من يرضى مثلا بترك مريض يتألم أو إنسان مشرف على الموت دون إنقاذه، في سبيل حضور اجتماع تناقش فيه بعض الأمور الحركية، التي قد يناقشها بعض من لديه الوقت لمناقشتها، ويرجعون بنتائجها في النهاية إلى المتغيب عنهم، يأخذون رأيه فيها لاحقا أو يعلموه بما توصلوا إليه، هذا إن لم يتيسر التأجيل.
إذن فالأصل هو الجمع بين الواجبات والتنسيق، وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وفي حالة الضرورة نقدم الأولى، وفي هذا أذكر قاعدة ابن تيمية الذهبية التي يقول فيها: (إذا تعارض واجبان قدم أوكدهما، ولا يعتبر المتروك في هذه الحالة واجبا).
وإني أوصي قادة العمل الإسلامي بأن يراعوا في تقسيم الأعمال على الدعاة ألا يثقلوا إخوانهم الذين يعملون مع المجتمع بشكل مباشر كالأطباء وغيرهم بالأعمال الإدارية، التي يمكن أن يقوم بها غيرهم ممن لديه الوقت والقدرة للقيام بتلك الأعمال، وأن يكون لديهم المرونة الكافية في التعامل مع أصحاب تلك المهن التي تتطلب ظروف عملهم استدعاءهم في أي وقت؛ لإنقاذ حياة إنسان أو القيام بمهمة عاجلة فيها نفع للمسلمين.
تقبل الله منا ومنكم صالح العمل.
===============
"ملتزمون جدد" .. خطة للتفعيل الدعوي
أرغب في أفكار لبث روح الحماسة للدعوة عند بعض الملتزمين الجدد، حيث أن بعضهم لا يبادر بأي عمل فيه نصيحة أو دعوة للغير، بحجة أنهم ما زالوا جدد في الالتزام، فكيف يدعون غيرهم؟!
…السؤال
الدعوة العامة, وسائل اجتماعية, الشباب …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة إيمان المصري:
حياك الله أخي الفاضل، وأهلا ومرحبا بك بموقع إسلام أون لاين، لك مني التحية لحرصك على إخوانك الملتزمين حديثا، وقد شرفك الله تعالى لتأخذ بأيدهم للسير في درب الدعاة، وحسبك أن تخلص النيّة وتحسن العمل؛ لتكسب الأجر الوفير بهداية إخوانك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لئن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من أن يكون حمر النعم" رواه البخاري
تزكية الهمّة ... الركيزة الأولى:
فلتكن بداية الطريق مع الناشئين الجدد في طريق الدعوة هي تزكية الهمة وإثارة الحماسة حتى تكون زادا لهم عند مواجهة المصاعب والعقبات في طريق الدعوة الشائك، وذلك لأن تردد الملتزمين حديثا ينبع من شعورهم بالضعف؛ نتيجة عدم ثباتهم، وتغيير حياتهم، ونظرة الناس إليهم، وعدم تمكنهم من مبادئ العلم الشرعي، وكل ذلك نتيجة عدم ثقتهم بأنفسهم، الثقة القويّة التي تدفعهم إلى درب الدعوة.
بينما نتعلم من قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حين أسلم لم يكن يعرف عن الإسلام إلا النطق بالشهادتين، ولكن ما أن نطق بها حتى بادر بمبادرة لم يستطع أيّ من المسلمين من قبله أن يخطوها، فكان عمر من أعز الله به الإسلام! وشجاعته انطلقت من اقتناعه وإيمانه العميق، وثقته الكبيرة بنفسه، وقناعته أنه على الطريق المستقيم، فممن يخاف؟! ولم التردد؟ والعز كل العز بإيماننا وإسلامنا! لذا علينا أن ننطلق لدعوتنا هاتفين:
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود ... ورسمناها خطىً للعزَّ والنصر تقود
فتقدم يا أخا الإسلام قد سار الجنود ... ومضوا للمجد إن المجد بالعزم يعود
وتكون تزكيّة الهمّة لرفع الروح المعنوية والنفسية بثلاثة خطوات:
• تدبر الآيات القرآنية وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام.
• قراءة سيرة الصحابة والتابعين.
• قراءة بعض كتب التنمية البشرية.
وأنصحك بكتاب يضم هذه الجوانب الثلاثة، وهو (علوُ الهِمَّة) للشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم عفا الله عنه، وهو كتاب قيّم وشيق لا يكاد قارئ يقرأه إلا وقد ارتقى بهمته، وصح فهمه لقيمة الحياة، وعظم في قلبه واجب نصر الأمة في شتى المجالات.
وبعد أخي الفاضل، أستعرض وإياك عددا من النقاط لإكمال الإجابة على تساؤلك:
إن الأسباب الرئيسية بعد ضعف الثقة بالنفس للمسلم الملتزم الذي لا تلهبه الحماسة لسلك طريق الدعوة، ويغلب عليه التردد لضعف التزامه هي:
• عدم معرفته بفرضية الدعوة:(9/206)
ولذا عليك أن توضح لهم أن الدعوة فرض على كل مسلم، في كل وقت وزمان، وذلك لقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)، ومعنى ذلك أن الدعوة واجبة على الأنبياء المرسلين ومن تبعهم، لكن هذه الخصوصية للأمة الإسلامية وحدها، شرفها الله تعالى بها دون الأمم كونها هي خير الأمم التي كلفها الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى في موضع آخر: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). فإن لم يقوموا بهذا الفرض فمن سيقوم به؟ ومن سيحمل رسالة الإسلام ويبلغها للعالمين؟ وماذا سيجيبون الله تعالى عندما يُسألون عنها؟
• عدم التمكن من منهج الدعوة إلى سبيل الله تعالى ومنبعهما القرآن والسنة:
فإن للدعوة إلى سبيل الله منهج وفقه، لمعرفة استخدام الوسائل، واستدراك العقبات في طريق الدعوة، والتبصر في الشبهات لتجاوزها بسلام، ودون ذلك يكون التخبط والفتور والأخطاء التي غالبا ما تورث الآثام بدلا من حصد الخيرات، والتساقط السريع يكون محصلة الجهل والتسرع في كثير الأحيان؛ لذا وجب عليك أن لا تستعجل عليهم في التقدم لحمل أمور دعوية قد تراها أنت بسيطة، لكنها تحتاج مزيدا من الفهم والعلم والوعي. بل ليكن إرشادك مخططا، وعن معرفة بإمكانيات كل منهم وقدراته، ويا حبذا لو تدارست معهم بعض الكتب التي تتناول فقه الدعوة، ووسائله، وعقباته مثل: رسائل العين، المنطلق، المسار، العوائق.
• عدم وجود رصيد إيماني وروحاني:
إن الفرائض والنوافل طريق لتزكية النفوس، فالصلاة تنهى عن المنكر، والصدقة تطهر النفوس من الذنوب والشوائب، والصيام يورث التقوى، وبالحج يعيش المسلم دون رفث ولا فسوق، ويعود كما ولدته أمه طاهرا طيبا؛ لذا عليك حثهم على القيام بالفروض بوقتها والاستزادة بالنوافل قدر المستطاع، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن تقصيرهم سينعكس على دعوتهم مباشرة، فالعلاقة بين الدعوة والزاد الإيماني والروحاني علاقة طردية، كلما زادت العبادات وارتقت الإيمانيات أثمرت الدعوة وحَسُن القيام بمسئولياتها وواجباتها.
• عدم المطالعة والتفقه في الدين:
فلا يصح أن يقف المسلم عند أول لحظة هداية، ويكتفي بصلاته ومعرفته ببعض القصص والأحاديث وحفظه للسور القصار، إنما يجب أن يرتقي بنفسه من خلال المطالعة الدائمة لأمهات الكتب بشكل فردي وجماعي، ودون ذلك ستضمحل ثقافته، ولن يملك في جعبته شيئا ليدعو الناس إليه.
ونقطة أخرى أريد التركيز عليها، هي حب الدعوة، أجل حبها، بل عشقها، ومتى اشتعل هذا الحب بالقلب، كان من الصعب أن ينطفىء نوره الرباني، وقد تركت هذه الكلمات للنهاية رغم أني أجد أنها هي مفتاح الدخول إلى قلوب هؤلاء الناشئة الملتزمين حديثا، فما يميزهم أن قلوبهم نقيّة، فما أجمل البدايات؟ وما أحلاها تلك اللحظات التي يقبل فيها المسلم على ربه رجاءا وطمعا في مغفرته ورضوانه؟.
لذا قم بفتح باب العمل لخدمة دين الله بتحريك مشاعرهم تجاه الدعوة، واغرس فيهم حبها، وأحي في نفوسهم فضائلها.
يجب أن نتعامل مع الناس بحب كما مع علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، يا هل ترى لو نظر كل منا إلى الناس بنظرة حب فكيف سيلتفت ويدير ظهره عندما يرى منهم منكرا؟ إذا رأى أيٌ منا أخاه أو قريبه يسقط بحفرة هل سيبقى ينظر إليه من بعيد؟ ألن يدفعه حبه وخوفه عليه للتحرك سريعا حتى وإن كان ضعيفا في قدراته ولا يقدر على إنقاذه؟! لما لا نتعلم من خُلق الرسول عليه الصلاة والسلام تجاه الناس خلال دعوته لهم بقلبه الرحيم،س ورقته في تعامله مع الناس حتى مع أعدائه؟!
نريد أن نجعل الحب الصادق والطاهر أساس تعاملاتنا كلها: مع علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، مع الناس، مع الأهل، مع الأصدقاء، مع العلم، مع العمل، ومع الدعوة.
وهذه بعض الأفكار لما يمكن عمله لجذب هؤلاء الشباب إلى العمل الدعوي:
• مشاريع تطوعية تخدم المجتمع، مع ربطها بمعناها الديني وما جاءت به الشريعة الإسلامية مثل: زيارة الأيتام، زيارة المرضى، تقديم المساعدة للمحتاجين ... إلخ.
• إنشاء حلقة ذكر وقرآن لهم، يقوم عليها داعية متمكن يعلم القرآن ويحفظه، ويركز في كل لقاء على صيغة ذكر ويتطرق إلى أجرها وفضلها ومعانيها.
• متابعتك الشخصية لهم بالزيارة والسؤال عن أحوالهم، ومشاركتهم بالحياة اليومية، وقضاء وقت ممتع سويا، كذلك أقترح عليك أن تعرفهم على أصدقاء ملتزمين من معارفك الثقات ليندمجوا في بيئة تدفعهم للتحرك والعمل.
• الخروج برحلات تخطط لها برنامجا دعويا، ولا تحضرهم لذلك إنما تتركها مفاجأة وكأنها غير مرتبة مسبقا. كأن ترتب مع مجموعة أطفال صغار، وتطلب من كل منهم أن يحفظهم سور قرآنية قصيرة، بهذا سيشعرون أنهم أنجزوا شيء، وأنهم أهل للقيام بالدعوة، وذلك سيعزز ثقتهم بأنفسهم، ويدفعهم للعمل والانتساب لرهط الدعاة من فرحتهم بإنجازهم.
• إذا كنت تعمل في إطار دعوي منظم، يمكنك أن تكلفهم كلٌ حسب إمكانياته وقدراته بمهمة معينة، فمن يتقن الكتابة تطلب منه أن يكتب موضوعا، ثم تطبعه وتوزعه في محيطك، وتخبره تباعا كم نال ذلك إعجاب الناس وأثر فيهم، أو تطلب ممن يملك مهارة الرسم أن يزين المسجد بكتابات ورسومات فيها الفائدة، وأي مهمة صغيرة ستجعلهم في سلك الدعوة بطريقة غير مباشرة، ثم تكون البداية والارتقاء التدريجي.(9/207)
• الأشرطة والهدايا طريق للوصول إليهم، اكتب لهم بطاقات وأعطهم إياها، وقل لهم أنك تجد فيهم شباب الأمة ومستقبلها المشرق، فذلك كان أسلوب الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته مع الصحابة رضوان الله عليهم. كان ينادي الشاعر بلقبه أمام الناس، ليعزز ثقته بنفسه، ومتى وجد الإنسان منا محيطا يحترمه ويقدره ويحبه ويدفعه للإمام، لا يستطيع إلا أن يحافظ على صحبتهم ويطور نفسه في محيطهم.
إذن الحل يكمن في هذه المحاور:
• وطد علاقتك بهم، وعاملهم بكل حب وتقدير، وعزز ثقتهم بأنفسهم وزكي همتهم.
• اعمل على أن تشركهم في أعمال تربوية؛ لترتقي بإيمانهم وثقافتهم.
• أشركهم في الأعمال الخيرية بمشاريع يمكنك أن تخطط لها مثل: جمع الملابس، توزيع أشرطة فيها الفائدة، توزيع كتب، تحفيظ القرآن للأطفال، المشاركة بمعسكرات للشبيبة بتطوع، مشروع تنظيف في المحيط السكني القريب منكم، زيارة الأيتام، زيارة المسنين، وغير ذلك من الأنشطة.
وفي النهاية لا أجد غير الدعاء بأن يوفقك الله سبحانه وتعالى لتأخذ بأيدي إخوانك للدعوة إلى سبيل الله، وأحثك على أن تجعلهم كأبنائك أو إخوانك، وستجد من بينهم قدوات صالحة إن شاء الله تعالى؛ ليكونوا في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأسعد بسماع أخبارك الطيبّة دائما.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
ومن المفيد - أخي الكريم - في هذا المقام أن تعتني بالتركيز معهم على ذكر فضائل الدعوة إلى الله تعالى، وما يفوز به المرء من جزيل الثواب نتيجة قيامه بدعوة الآخرين، فذكر فضائل الأعمال بطريقة مشوقة ومثيرة من الأمور التي تنشط الإنسان، وتدفعه إلى السعي والجدِّ والحرص على أداء هذه الأعمال كي يفوز بثوابها، وقد قيل قديما: "من لمح نور الأجر هان عليه ظلام التكليف".
ومن فضائل الدعوة إلى الله:
دخول القائم بها تحت مظلة قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ْمُسْلِمِينَ).
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أبدع بي فاحملني، فقال: "ما عندي"، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم، فالداعي إلى الخير يحسب له من الأجر عند الله تعالى مثل أجر من يدله على فعل الخير.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ".. فوالله لأن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه مسلم.
إلى غير ذلك من فضائل الدعوة إلى الله التي يصعب حصرها في هذا المقام، والتي نرجو أن تكون حافزا لهم – إن شاء الله تعالى – على دعوة الآخرين إلى كل خير.
تقبل الله حرصك على أن يشارك الجميع في نشر دعوة الخير.
==============
صناعة الإرادة .. خطوات عملية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شابٌ أشرف على مجموعةٍ من الطلبة في المرحلة الثانوية، وهم طلابٌ متميِّزون وأصحاب خلقٍ وأدبٍ، ولكن للأسف بعضهم من النوع المزاجي، ومنهم كذلك الكسول ضعيف الإرادة، فكيف أتعامل مع كلا النَّموذجين بفاعليةٍ أكثر تأثيرًا، لكي نصل معًا إلى طريق الجنَّة بإذن الله؟
أرجو أن تجيبوني بتعمقٍ، وشكرًا لكم على جهودكم.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية, المجتمع …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أخي الكريم عبد الله، جزاك الله خيرًا على هذا الحماس للدعوة إلى الله، وعلى حرصك على من تدعوهم، وأسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منك.
في البداية - أخي الكريم - من الضروري أن تعتني بالبحث عن الأسباب الحقيقيَّة وراء هذا التكاسل أو هذه المزاجيَّة لدى بعض هؤلاء الطلاب الذين تشرف على تربيتهم، وتحدد بدقةٍ ما هي الدوافع الكامنة وراء ذلك.
وهذا يتطلب منك أن تبذل جهدًا كبيرًا في التعرُّف على الجوانب الشخصيَّة لهؤلاء الطلاب، وكذلك الأبعاد والظروف الاجتماعيَّة التي يعيشون فيها، ويتطلب منك أيضًا أن تعيد النظر في طبيعة علاقاتك بهم، وأين موقعك من قلوبهم، ومدى رعايتك لمشاعرهم، واهتمامك بمشكلاتهم وظروفهم وأحوالهم، كذلك من الضروري أن تراجع البرامج التربويَّة التي تقدَّم لهم، ومدى تلبيتها لرغباتهم وميولهم وحاجاتهم.
وبعد أن تحدد موطن العلَّة، سواءً كانت في شخصيَّاتهم أو في ظروفهم الاجتماعيَّة، أو في طبيعة علاقاتك بهم، أو في البرامج المقدَّمة لهم، أو غير ذلك من أسباب، فمن الضروري أن تضع تصورًا تعمل من خلاله على التعامل مع موطن العلَّة الذي توصلت إليه.
أفكار للتعامل معهم:
بجانب تعاملك مع الأسباب الحقيقيَّة الكامنة وراء هذه السلوكيات السلبيَّة من بعض الطلاب، يمكنك أن تستعين بالأمور التالية على تنشيطهم وتفعيلهم:
1- استعن بالله تعالى:
وذلك بالإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى أن يُعينك على حسن التعامل مع هؤلاء الطلاب، وأن يرزقك الوصول إلى مفاتيح قلوبهم، وأن يفتح قلوبهم لدعوته سبحانه.
2- ابدأ بالأقرب لنفوسهم:(9/208)
فلكلِّ إنسانٍ منَّا بعض الأمور المحبَّبة إلى نفسه، ولا يجد مشقَّةً في أدائها، بل ويشعر بسعادةٍ أثناء أدائها، فابحث - أخي الكريم - عن هذه الأمور في هؤلاء الطلاب، وابدأ بها كأساسٍ للتعامل معهم والانطلاق بهم إلى الخيرات.
3- ضاعف جهدك معهم في أوقات الفتور:
وذلك بالإكثار من زيارتهم والسؤال عنهم، والترفق معهم، والتودُّد إليهم، ومعاونتهم على الخروج من حالة الضعف والتكاسل، والأخذ بأيديهم للمشاركة في الأنشطة والبرامج الدعويَّة ومساعدتهم على ذلك.
4- استخدم فضائل الأعمال كمنشط:
فالتذكير بفضائل الأعمال من الأمور التي تنشط الإنسان، وتدفعه إلى السعي والجدِّ والحرص على تحصيل هذه الأعمال والفوز بثوابها، خاصَّة إذا كانت هذه الأعمال يترتب عليها ثوابٌ كبير، فمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ، يدركُ التكبيرة الأولى، كتِب له براءتان: براءةٌ من النارِ وبراءةٌ من النفاقِ) رواه الترمذي بسند حسن.
فهذا الحديث يُوجِد لدى المرء دافع الحرص على المحافظة على تكبيرة الإحرام، طمعًا في نيل البراءة من النفاق، ومن النار، وهكذا التذكير بفضائل الأعمال بصفةٍ عامةٍ، يشجع المرء ويحثُّه على السعي لتحصيل هذه الفضائل والفوز بها.
5- انطلق بهم في أوقات الإقبال:
من الضروري - أخي الكريم - أن تستثمر أوقات الرغبة والنشاط والإقبال لدى هؤلاء الطلاب، فتنطلق معهم بكلِّ ما لديك من أنشطة وبرامج لتنمي ما لديهم من جوانب الضعف والفتور.
6- نوِّع الأنشطة والبرامج:
من الأمور الهامة - أخي الكريم - عند التعامل مع الشباب بصفةٍ عامةٍ تنويع الأنشطة والبرامج التي تقدَّم لهم، وعدم الجمود أو الاقتصار على لونٍ واحدٍ من الأنشطة؛ فيشعرون بالملل فلا يُقبلون عليها، بل من الضروري أن تنتقل معهم من نشاطٍ لآخر، فمن الحلقة المسجديَّة إلى الدورة الرياضيَّة، ومن المسابقة القرآنيَّة إلى حفلات السَّمر، ومن الدَّرس متعدّد الفقرات إلى الرحلة الشاطئيَّة، ومن المُخيَّم الصيفي إلى الدورات الثقافيَّة، ومن مدرسة التحفيظ إلى مشاركتهم في خدمة المجتمع ومحو أميَّة الآخرين.. إلخ.
ولتحرص على أن تكون هذه الأنشطة جذَّابةً ومثيرةً لهم، وفي نفس الوقت تحقق أهدافًا تربويَّة ترتقي بإيمانهم وأخلاقهم وسلوكهم.
وسيفيدك في ذلك - إن شاء الله - مطالعة الروابط التالية:
- للشباب.. الحركة بركة
- المسجد.. أنوار وأدوار
- أفكار جديدة لدعوة الشباب.. إجابة من قُطْرَين
7- ساعدهم على بناء الإرادة الصلبة:
ويمكنك مساعدتهم على ذلك من خلال الأمور التالية:
أ- التَّدرج معهم في الالتزام بالأعمال:
فتدريب الإرادة يبدأ بإلزام النفس بأعمالٍ بسيطةٍ هيَّنةٍ، مع الحرص على النجاح في القيام بهذه الأعمال والمحافظة عليها، وبعد النجاح في المحافظة على أداء هذه الأعمال البسيطة، نضيف إليها عملاً آخر بسيطًا أيضًا، وهكذا تنمو القدرة لدى الإنسان على تحويل ما يرجوه من آمالٍ إلى واقعٍ يلمسه في حياته اليوميَّة؛ فيدفعه ذلك إلى تحقيق المزيد من النجاح.
ب- معاونتهم في التَّدرب على المثابرة:
والتدريب على المثابرة يمكن أن يتمَّ من خلال إلزام النفس بأداء بعض الأعمال التي يشعر المرء - عادةً - بثقل نتيجة الاستمرار في أدائها، ومن الأفكار المفيدة في ذلك: صلاة ركعتين طويلتين، مع الحرص على الخشوع فيهما، أو قراءة جزء من القرآن دون انقطاع أو التفات، بل ومن الممكن القيام ببعض الأعمال التي لا تفيد بشيءٍ سوى المساعدة على تنمية الإرادة، مثل: الوقوف على كرسي والذراعان متشابكان فوق الصدر لمدة عشر دقائق، أو عد مائة عود من الثقاب، أو قصاصات الورق، أو غير ذلك من الأفكار التي يمكنها المساعدة على تنمية المثابرة لديهم.
ج- حرمان النفس من بعض الأشياء المعتادة:
مثل الامتناع عن نوع من الطعام، أو الشراب، أو الحلوى المحبَّبة إلى النفس، لا لسببٍ سوى التدريب على تنمية الإرادة، أو مثل السرعة عند الاستيقاظ فور سماع صوت المنبه أو صوت المؤذن، فمثل هذه الأمور تكسب المرء ثقةً في قدرته على السيطرة على إرادته والتحكم فيها.
د- عرض نماذج من أصحاب الإرادات الصلبة:
مثل الصحابة والتابعين أو غيرهم من أصحاب الإنجازات الكبيرة، وحبذا لو كانت هذه النماذج معاصرةً، أو على صلةٍ بهؤلاء الشباب.
ويفيدك في هذا الأمر - إن شاء الله - قراءة الاستشارة التالية:
- مفهوم الإرادة وطرق تقويتها
8- الصحبة المعينة:
ومن الأمور الهامة في التعامل مع هؤلاء الشباب، أن تربطهم بصحبةٍ صالحةٍ نشطةٍ، تساعدهم على الطاعة، وتمدُّ إليهم يد العون عند ضعفهم.
وفي النهاية نشكر لك - أخي عبد الله - حرصك وجهدك، وفي انتظار أخبارك.
===============
طالبي وأصدقاء السوء .. مراجعات لإنقاذه
الأخوة الكرام، تقبل الله منكم جهودكم.
عندي أخ في الصف الأول الثانوي، وتعلمون ما في هذه المرحلة الصعبة (المراهقة) من تغيرات، وهو انطوائي، ويذهب مع أصدقاء السوء ليفعلوا بعض الأمور الخاطئة، وذلك دون علم مني أو من أهله.
وأريد وسائل وخطوات للتأثير عليه بأقصى سرعة؛ لأنه في منزلق خطير.
ولكم جزيل الثواب والخير.
…السؤال
شباب وطلاب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ عبد الهادي أحمد، الداعية السعودي:
الأخ الكريم محمد حياك الله، ونشكر لك تواصلك وطلب النصح، فهذا يدل على نفسية متعطشة للمعرفة، حريصة على الآخرين، وبدورنا نؤمن على دعائك في أن يتقبل الله منا ومنك جهودنا، وينبتها نباتا حسنا عنده؛ لتكون لنا ذخرا يوم نلقاه.(9/209)
لازلت أفخر - ويفخر غيري من الدعاة - بهذه الروح الإيجابية لشباب الدعوة، روح التلهف لإنقاذ الناس، روح التعطش للمعرفة، روح الدعوة التي إذا ما سرت في أجساد شبابنا جعلت منهم رجالا ذوي نخوة و فروسية، تذكرنا بأمجاد من سبقونا على هذا الطريق المزهر، يحدونا جميعا طموح بلوغ مرتبة الفوز برضا الله وبوعد النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من أن يكون حمر النعم" رواه البخاري، جعلنا الله جميعا من أولئك.
لديك صديقي المشكلة المتكررة في المحاضن التربوية، وهي "تسرب الفتيان من البرامج التربوية"؛ مما يشكل قلقا وإزعاجا للمربين، وحق لهم ذلك، فمن يحمل بين جوانبه قلبا رحيما، محبا لمن حوله يتضايق في فقدان مدعو وتسربه و انحرافه، لكن لابد أيها الداعية أن يكون ذلك الأمر بمثابة جرس الإنذار للقيام بمراجعة عاجلة لما تقوم به من أنشطة، ويجعل الدماغ مستفزا لتقديم إجابة صريحة على أسئلة قد تكون فيها الإجابة على ذلك، فالتسرب "عرض" لمشكلة، وليس هو "المشكلة "، فلنسأل أنفسنا صديقي ما يلي:
- هل نحن نعرف أولئك الفتيان جيدا ؟ لا أقصد أسماءهم وبيوتهم، وإنما أعني معرفة المرحلة التي يمرون بها "المراهقة"، والتعرف على ميزاتها، انفعالاتها، المشكلات التي يمر بها الفتى خلالها، وهنا التفصيل في الإجابة يطول، ويطول جدا، لكنني أحيلك لملف في الموقع قدم تفصيلا رائعا حول ذلك.
ثورة المراهقة.. خصائص ومشكلات
وكذلك أنصحك بمطالعة كتاب "فن التعامل مع مرحلة المراهقة " للدكتور محمد الثويني.
ومن تلك المعرفة تنبثق عدة أسئلة:
- هل نتقن اللغة التي يتكلم بها المراهقون؟ هل نقدم برامج تلبي حاجاتهم أم أن برامجنا تقليدية مملة؟
- هل هناك حاجات لم نستطع تلبيتها لدى ذلكم المراهق من خلال برامجنا التربوية والدعوية، فيبحث عنها لدى الآخرين؟
- هل "مناخ" المحضن التربوي مناخ صحي مشوق، يتلهف المراهق للإقبال عليه والاستفادة منه أم يشعر أنه في "صف دراسي ممل" كعادة صفوف مدارسنا في التعليم؟ وهنا لابد من مراجعة لكيفية تقديم الدروس والبرامج؟
- هل "الجو" الاجتماعي في المحضن التربوي الذي يتربى فيه المراهق جوا يدفع المراهق لعدم التسرب؟ أقصد أن يكون جوا أخويا مفعما بالحب والرفق، يوفر للمتربي إجابات لأي سؤال قد يتبار لذهنه بكل انفتاح ورفق، أم أنه جو مشحون بالمهام والتسلط وكثرة الأوامر، مما يجعله جوا مكهربا منفرا لهم.
- هل نحن - أقصد المربين - شخصيات ذات جاذبية، قريبة ممن نربيهم، أم أننا نظهر بوجه الأستاذ أو الشيخ الذي يعتبره أولئك المراهقون "وجها" يحوي قدرا كبيرا من الفوقية، وأنا لا أقصد بأن تكون العلاقة بين الطرفين غير قائمة على الاحترام، ولكن أقصد أن نكون أصدقاء لهم، فالصديق يبوح لصديقه بكل ما يعتلج بنفسه دون خوف، دون حياء، دون خجل، دون خوف الفقد، دون خوف العقاب.
وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام قريبا من أصحابه حتى ليخيل لكل واحد منهم أنه أحب شخص إليه، وهذه مهارة أتمنى على الدعاة إتقانها، وهي مهارة التودد والقرب النفسي لمن نربيهم، حتى لنغدو أصدقاء مقربين لهم، فحين نكون كذلك نستطيع أن نمد يد المساعدة لهم، وتضميد جراحهم ... إلخ.
تسأل - أخي - بدافع الرغبة في الإصلاح والتقويم لذلك الفتى: "أريد وسائل وخطوات للتأثير عليه بأقصى سرعة"، وهنا دعني أهمس لك بأمور، ولنفكر بصوت مسموع.
- الأنبياء - وهم الأنبياء - لم يملكوا لقومهم إلا النصح، فليس لديك عصا سحرية تحيل الشخص مباشرة لشخص "ملائكي"، أنت مثاب على شعورك وتلهفك لإنقاذه، لكنما عليك البلاغ، وليس أي بلاغ بل "المبين"، وهو البلاغ الذي يستنزف طاقة وقدرة وإبداع المربي، والاستجابة يقدرها المولى عز وجل، أقول ذلك حتى لا تضعف عزيمتك فيما لو لم تجد استجابة، فنحن مثابون – إن شاء الله - على بذل الجهد، وليس على استجابة من ندعوهم (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) .
- التأثير - عزيزي - تراكمي، تبنى لبناته بالمواقف والكلمات والتجارب، وليس لحظيا، فربما موقف قد يُحدث تأثيرا بالغا؛ لأنه صادف ظرفا وكان تصرف الداعية وكلماته و استجابته لذلك موفقة، لكن غالبا التأثير المجدي هو ما كان تراكميا، مبنيا على الثقة والمصداقية.
- ليحصل التأثير لابد من معرفة المقابل معرفة جيدة، وأن يكون هناك قربا نفسيا بينهما، ويشكل ذلك القرب جاذبية الداعية، ومعرفته بنفسية المقابل، وامتلاكه لمهارة التأثير، والتي لها معادلة صغيرة وهي: التأثير = الانتباه + المرونة.
- لابد من أن يظهر التقبل لذلك الفتى - وإن استمر بمصاحبة الآخرين -، وتقديم المساعدة له، ونصحه، واستمرار السؤال عنه، وتقوية الصلة الأخوية بينه وبين أفراد المجموعة بالمحضن التربوي، وعدم نفيه بسبب مصاحبته أولئك، وعدم وضعه أمام خيار لا ثالث لهما: "إما نحن أو هم"، فربما هو يجرب لا غير أولئك، وقد يعود مرة أخرى لكم خاصة أنه منطويا على نفسه، ومثل أولئك غالبا لا يشعروا بالأمان مع الأصحاب السيئين.
- محاولة تقوية الوازع الديني لديه، بمصاحبته لمحاضرات، أو لمخيم له هدف إيماني، أو إهداء شريط له أو قصة تحمل هذا الهدف، فتعزز بذلك الإيمان لديه، مما يشكل في نفسه خط دفاع يحميه من الانحراف، وليكن في ذهنك شعارا هتف به ذات يوم الرافعي في وحي قلمه إذ قال: "انتصاري عليك هو أن تنتصر أنت على نفسك"، وقال يوما مخاطبا الدعاة: "نحن لسنا على غارة نغيرها، بل على نفوس نغيّرها"(9/210)
مشكلتنا نحن الدعاة في أحيان كثيرة أننا لا نقدم برامجنا بأسلوب مؤثر، بل جل ما نقدم يصب في خانة التلقين، وقد تغيّر الوضع الآن كليا، وعلينا أن نعي ذلك، فمن غير المجدي تقديم طعاما شهيا بطبق مكسور، فسينكب لا محالة، ولن يستفاد منه، لابد من مراجعة أساليبنا وطرائقنا وسائلنا الدعوية والتربوية، وأن نعي المرحلة التي نحن فيها.
عزيزي محمد فكر وأبدع وأبقي خيط التواصل بينكما ولا تقطعه، وتوجه إلى الله واسأله العون والتوفيق وتابعنا بأخبارك.
==============
كيف ننصر إخواننا في فلسطين؟
يعيش الشباب المسلم اليوم في حيرة كبيرة، فهو يريد أن ينصر إخوانه في كل مكان، خاصة في فلسطين، فيجد من العراقيل والسدود ما يجد، ولا يدري ماذا يفعل أمام هذه الفتن التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "فتن كقطع الليل المظلم".
ونود من سيادتكم أن توضحوا دور الشباب المسلم - خاصة - في هذه الفترة التي نعيشها، ودور الأفراد والأسر المسلمة. وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك حرصك على نصرة إخواننا في فلسطين، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.
وقد عرضنا استشارتك - أخي الكريم - على عدد من المستشارين، فجاءت إجاباتهم كالتالي:
يقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، أستاذ علوم القرآن بالأزهر:
إن المسلم مطالب بأن يفعل ما في وسعه، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا مَا آتَاها)، وفي وسع كل مسلم أن يفعل أشياء كثيرة لمساعدة الشعب الفلسطيني منها:
* الدعاء لهم، فهذا سلاح من أسلحة المؤمنين، وهذا الدعاء ليس موقفا سلبيا وإنما هو مشاركة قلبية وفكرية لها ما بعدها.
* التبرع، فالفرد والأسرة مطالبون بالتبرع ببعض الأموال، قَلَّت أو كَثُرت؛ فإنها رمز للتضامن مع الشعب المظلوم المسلَّط عليه الطغيان الصهيوني.
* لا بد من نشر الوعي بهذه القضية بين الأمة؛ بحيث يعلم القاصي والداني حقيقة هذه القضية، وأنها ليست خاصة بالشعب الفلسطيني، وإنما هي قضية دينية إسلامية تتعلق بديننا وكتاب ربنا؛ ولذلك إذا كان اليهود يُعَلِّمون أطفالهم بعض الأناشيد التي منها: "شُلَّت يميني إن نسيتُكِ يا أورشليم"، فنحن أَولَى منهم أن نعلِّم أولادنا ونساءنا وسائر أفراد أمتنا أن القدس هي أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلَّى بالأنبياء عليهم السلام جميعا إماما، وكان هذا إيذانا ببيعته صلى الله عليه وسلم هو وأمته لكي يحملوا لواء الوحي الإلهي للبشرية إلى يوم القيامة.
بذلك الفهم الواعي تستعصي الأمة مستقبلا على أكاذيب الإعلام، ودعاوى التطبيع مع العدو المغتصب، وتصبح الأمة محصَّنة دينيّا من الخديعة حتى يأتي وعد الله بالنصر على اليهود، وهو آت لا ريب فيه إن شاء الله، إذا عُدْنا إلى الله سبحانه وتعالى، وطبَّقنا ديننا تطبيقا صحيحا.
ومن هنا نعلم أن الواجب الأول علينا أفرادا وجماعات في هذه المرحلة هو عودتنا إلى الإسلام بشموله وعمومه، فإذا نجحنا في ذلك داخل مجتمعاتنا وفي أسرنا وفي أفرادنا، فقد اقتربنا من طريق النصر، ووضعنا أنفسنا وأمتنا على الطريق الصحيح للنصر على اليهود مهما كانت قوتهم؛ لأن الله تعالى أقوى منهم، وممن يساعدهم، (وَمَا النَّصر إِلا مِنْ عندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم).
ويقول الدكتور سالم أحمد سلامة، عميد كلية الشريعة بغزة:
الواجب على المسلمين في فلسطين وخارجها وفي مشارق الأرض ومغاربها تجاه إخوانهم في فلسطين أن يتعاضدوا ويتراحموا فيما بينهم؛ "فالراحمون يرحمهم الرحمن" رواه الترمذي بسند صحيح، فإذا أراد المسلمون في جميع أنحاء الأرض أن يرحمهم الله؛ فعليهم أن يرحموا إخوانهم الذين يقفون في خط الدفاع الأول، والذين تُهدم بيوتهم، وتقتلع أشجارهم، ويقصفون ليلا ونهارا على مرأى ومسمع من العالم كله؛ فالواجب أن يتعاطفوا معهم وأن يمدوا لهم يد العون والتعاطف، وهذا يكون بالأمور التالية:
* شرح قضيتهم في كل مكان.
* طرد السفراء ومكاتب التمثيل، ومقاطعة التجارة معهم، وكذلك إيقاف كل أشكال التطبيع معهم.
* مساعدتهم بالمال والعتاد والدواء والمستشفيات، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له" رواه أبو داود بسند صحيح.
* الدعاء لهم في كل صلاة.
* إلقاء كلمات - لمن يقدر على ذلك - بعد الصلوات؛ لتذكير الناس بأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وتعريفهم بأنه أمانة في أعناقهم، ويجب أن تتضافر جهودهم حتى يعود إلى المسلمين.
ويقول الدكتور محمد السيد دسوقي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة قطر:
الانتفاضة جهاد مشروع؛ لأن العدو الغاصب لن يجدي معه سوى الجهاد، وعلى الأمة الإسلامية كلها أن تقف من وراء الانتفاضة، فقد أصبح الجهاد الآن فرض عين على الجميع، وكل منا يستطيع أن يجاهد بنفسه أو ماله، أو رأيه.
وإخواننا في فلسطين يلقون العنت والقتل والاضطهاد كل يوم، وكل مسلم ينبغي أن يشعر بمأساة إخواننا، ويعيش معهم بمشاعره، ويبذل ما يستطيع أن يقدمه، حتى تظل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ويقول الدكتور نزار عبد القادر ريان، أستاذ مشارك في علم الحديث بجامعة غزة:(9/211)
الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وكل مسلم يستطيع أن يقوم بدوره تجاه فلسطين؛ فالكلمة الصالحة في حق الجهاد والمجاهدين في فلسطين جهاد في سبيل الله، يقوم بها الأستاذ في الجامعة، والطالب لزميله، والإمام للمصلين.
وإن توزيع الحلوى عند نجاح المجاهدين في فلسطين في العمليات الاستشهادية، مما يشد من أزر المجاهدين، ويغيظ أعداء الله اليهود هو نوع من الجهاد أيضا.
وتعريف الوالد لأولاده بفلسطين وبيت المقدس وحيفا ويافا وبقية بلادنا، فهذا من الجهاد في سبيل الله، لا سيما أن الإعلام العربي يستحيى من ذكر فلسطين إلا في بعض المناسبات.
ويستطيع المسلم أن يدعو للمجاهدين في فلسطين أن يسدد الله رميتهم، وأن يعمي عنهم عيون اليهود، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، وليكن ذلك في صلوات الفروض في المساجد، أو حين تتجافى الجنوب عن المضاجع في جوف الليل البهيم.
ويستطيع المسلم في غير فلسطين أن يجهز الغزاة والمجاهدين، ويكون بذلك مشارك لهم في الأجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا " رواه البخاري.
وعلى المسلم خارج فلسطين أن ينوي نية الجهاد، وأن يحدّث بها نفسه والناس رفعا لهمته وهمتهم، حتى لا يقع عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق" رواه أبو داود بسند صحيح.
================
احتكار الحق .. أين الخلل؟ وكيف العلاج؟
السادة الكرام؛
نرى أن الاختلاف في الدين الإسلامي رحب واسع، وبالرغم من هذا الأمر إلا أننا نجد أشخاصا وأفكارا تدّعي وتحصر الصواب فيها فقط.
فأين الخلل، وكيف العلاج؟.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الأستاذ عبد الحميد الكبتي…المستشار
……الحل …
أخي الكريم؛
من الأمور المهمة التي تحتاج إلى نوع من التوضيح ولو بشكل قليل، هو ما أشرت إليه في سؤالك الكريم "الاختلاف"، والذي يوحي في معناه القرآني بشيء من التكامل والتناغم، كما في قوله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، فهو ظاهرة كونية جمالية، وهو لا ينفك عن إرادة الإنسان وتركيبه؛ لذا قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه"، والاختلاف أيضا من رحمة الشريعة الغراء، كي تستمر في العطاء بحسب الظروف والأحوال والبيئات.
ومع أن الاختلاف أمر ضروري ابتداء لما ذكرت، ومظهر جمالي في الكون والإنسان، وسعة للشريعة المباركة؛ إلا أن ما ذكره ابن القيم في كلامه "ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه" هو بيت الداء كما يقال، والبغي في الاختلاف يتخذ صورا كثيرة متعددة، أبرزها ما يدور عليه سؤالك الطيب، وهو موضوع "احتكار الحق".
إن أصول الدين وما هو معلوم منه بالضرورة، أمور متفق عليها بحمد الله تعالى، وفيها آيات بينات هن أمّ الكتاب، وأحاديث صحيحة، وإجماع من الأمة عليها، وليس فقط الإجماع من أهل العلم.. ولكن الاختلاف يكون فيما هو دونها من الفرعيات، وما يدخل في دائرة الاجتهاد الشرعي بضوابطه وأصوله.
واحتكار الحق في هذه الأخيرة "مرض خطير"، إن وجد في أمة من الأمم حكمت على نفسها بالتقوقع والهلاك، فكيف لو وجد في خير أمة أخرجت للناس، والتي حمّلها الله أمانة هذا الدين وتبليغه للناس كافة، لا شك أخي أن المرض ستكون آثاره وتوابعه أكثر وأعمق.
ولابد أن نجعل لهذا المفهوم "احتكار الحق" معنى واضحا جليا كي نقدر على فهمه ومعالجته ووصفه، ويمكن أن نقول إن احتكار الحق هو: "زعم المرء - أو الجماعة أو المجتمع - أنه يمتلك الحقيقة والصواب في رأيه، وهدرها لدى الآخرين، وممارسة السلوكيات العملية التابعة لهذا الزعم، بما يعمق فكره أنه على الحق، وأن غيره مجانب له".
ووجود هذا المرض ابتداء في أي فرد أو مؤسسة أو مجتمع، مانع من بناء أية أرضية للحوار أو الرقي بهذا الفرد أو المجتمع أو الجماعة، والقرآن الكريم يعلمنا كيف نبني هذه الأرضية في أول الطريق حتى مع الذين يخالفوننا في أصل الدين، وليس في الفروع، قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ).. وبوجود هذا المرض الفكري والنفسي فلن نأمل في أي تطوير أو نهضة أو تماسك في البنيان الداخلي للأمة أو المجتمع، بل لن نقدر على مواجهة حملة العولمة القادمة بشراسة.
إن محتكر الحق لسان حاله ومقاله يقول: رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب، وهذا من البغي الذي ذكره الله تعالى في كتابه: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، والذي يقود لمزيد من التفرق النفسي والفكري في الأمة، وفي كل مؤسسة يظهر فيها هذا الداء.
ويزيد خطر هذا الداء إذا تفشى في أوساط الدعاة إلى الله، الذين هم حملة مشاعل الهدى للناس على اختلاف مشاربهم وطبائعهم، فكيف يريد حملهم على ما لديه دون ما سواه، زاعما بأن ما يحمله هو الحق وحده، وكل ما دونه فهو باطل، وأنه الناجي وغيره إلى هلاك.
أخي الكريم؛ علينا أن نفرق بين مسألتين:(9/212)
الأولى، أن يعتقد الداعية إلى الله تعالى أنه على الخير وأنه من الفرقة الناجية بحول الله، وأن هذه الفرقة الناجية ليست محصورة فيمن يشاركه الرأي فقط في الفروع والاجتهاد، وإنما مساحتها واسعة رحبة تجمع كل المتفقين على "الأصول"، غير محتكر للحق والصواب في مسائل الاجتهاد، رحب الصدر مبتسم الثغر.
الثانية، ألا يبطن في نفسه ويضمر خلاف ما سبق، بحيث يكون تعامله مع الناس ومع العاملين للإسلام عمليا، مناقضا لما في النقطة الأولى من جانب نظري.
إن مجالات الاجتهاد في الفروع وفي وسائل الدعوة وفي مناهج العمل للإسلام لا تعطي الأحقية لأحد أن يدعي احتكارا للحق، بل في هذا رحمة بالناس، ورحمة في توصيل هذا الدين لهم، ولك أن تتأمل كيف رفض الإمام مالك رضوان الله عليه أن يلزم أمير المؤمنين الأمة بالموطأ، وقال الإمام مالك: "في هذا تضييق على الناس"، وبعض الدعاة اليوم لم يصل لعشر معشار علم الإمام مالك، ويصر على تعميم الاجتهاد والفتوى، ويراها الحق الذي لا يمكن أن يكون خطأ!
إن التعامل في ساحة العمل الإسلامي بهذه الروح - روح الاحتكار - يفوّت بداية على الداعية صاحب هذه الروح الكثير من الخير:
- فلن يقبل النصح والنقد.
- ولن تكون في نفسه فكرة المحاسبة الذاتية.
- ولن يتطور ويغير من وسائله وطرقه.
- بل سيخسر المدعوين ولو بعد حين، لأن روح الاحتكار مرض، ولا يمكن أن يستمر تغطية الأمراض.
- سيكون سببا في نفرة الناس، لكونه مغلق العقل مقولب التفكير.
ولظهور هذا المرض أسباب، منها ما يتعلق بالجانب العلمي، ومنها ما يتعلق بالأفراد، ومنها ما يتعلق بالبيئة - الجماعة أو المجتمع -:
** أسباب تتعلق بالجانب العلمي:
- قلة الوعي بفقه الاختلاف في الشريعة الغراء، وحمل الاختلاف الوارد في كتب أهل العلم على أنه كان قبل توفر الدليل على المسائل!
- الأخذ من النصوص مباشرة من قِبل حديثي طلب العلم، وترويج بعض المشايخ لهذا الأمر، وعدم الرجوع إلى اجتهادات أهل العلم في المسائل.
- تهيمش ضوابط الاجتهاد التي تكلم عنها أهل العلم فيمن يتصدر للاجتهاد، والجرأة على الاجتهاد من أيٍ كان.
- حصر الإفتاء في المسائل الفرعية في مذهب معين والزعم أن الدليل معه، وعدم مراعاة اختلاف الأقطار والبيئات وعادات الناس وأحوالهم.
- الترويج لمسألة الأخذ بالدليل -وهذا حق- دون الترويج للتراث الفقهي والفكري الكبير لعلماء الأمة، الأمر الذي حصر المستفيدين من هذا التراث في فئة معينة، وتصدر الآخذين بالدليل - بزعمهم - للدعوة والإفتاء.
** أسباب تتعلق بالفرد:
- نشأة بعض الأفراد على الاعتداد برأيه، وهي مسألة نفسية صرفة وإن غطاها صاحبها بالدليل ونحوه؛ فهي ترجع لأصل النشأة والتربية، ولا علاقة للنصوص بها.
- الحدية في الأمور، فيكون المرء لا يعرف إلا الأبيض والأسود من ألوان الحياة، بينما الألوان متعددة، تتركب من 7 ألوان جميلة، يحوطها موجات لا ترى بالعين المجردة!!
- الحماسة دون الوعي، ومن يتحمس دون علم يفسد أكثر مما يصلح، وتأتي نتائج حماسته في أحيان كثيرة مدمرة.
- الإمعية والتقليد، بحيث ينشأ المرء على نمط معين لا يريد الفكاك منه، ويصبغ به شخصيته.
- البساطة في الفهم، وقلة العلم، والتعلق بظواهر الأمور دون التعمق فيها.
ومن مثل هذه الشخصيات يأتي العجب العجاب، فقد عمد أحد هؤلاء إلى جمع كتب ابن حجر ومنها فتح الباري، وكتب النووي ومنها شرح صحيح مسلم، وجمعها في مكان وصب عليها الوقود وأحرقها، بحجة أن الإمامين قد أخذا بمذهب الأشاعرة في بعض المواطن وأوّلا صفات الله عز وجل.
ومن مثل هذا التركيبة سمعت بأذني من يقول عن سلطان العلماء العز بن عبد السلام بأنه "العنز بن عبد السلام"!! لكونه ليس على رأيه، وهو الغر الجديد في العلم والدعوة، وأمام من؟ أمام سلطان العلماء رحمه الله.
ومن مثل هذه الخلطة النفسية العجيبة سالت اليوم دماء طاهرة، وروعت أنفس زكية، وأهدرت طاقات كثيرة، بدعوى الجهاد في سبيل الله! وإن هو إلا تطرف نفسي بني عليه جهل بأحكام الشريعة وفقه الدعوة والجهاد.
** أسباب تتعلق بالجماعة أو المجتمع، ونرمز لهما بلفظ "الجماعة":
- زراعة العنصرية في الجماعة فكرا وعملا، والزعم أنها هي الأولى بالاتباع لما تملكه من خصائص، وهذا أمر بعيد المنال إلا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام في الجملة.
- تكوين عقلية أبناء الجماعة على الولاء التام لها دون التزحزح عن ذلك قيد أنملة، ومهما كانت الظروف، دون أن يكون الولاء للشرع أولا وأخرا.
- تكبير خصائص الجماعة وما تتمتع به، كمثل كون المجتمع الفلاني منه أهل العلم، أو به مهبط الوحي، أو فيه منارة للعلم لألف عام تنبض.. وغير ذلك من التبريرات، وجعل هذه الخصائص هي المحور الأولي في عقلية الأفراد ومن ثمّ كل الجماعة.
- إشاعة روح التحقير المقصود وغير المقصود للآخرين، وعرض العضلات الذاتية مقارنة بالغير، ونسيان (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
- التعصب لأفراد الجماعة مهما يكن الأمر، ولو بدون أي سند قوي، بل ربما مجرد أوهام زرعها الإعلام أو الفكر الموجه.
** من معالجات هذه الآفة:
- تربية الأفراد والجماعات وزرع قيمة "أننا كي نصل لأعلى المراقي، يجب أن نعتقد أننا لا زلنا في أول الطريق"، وأن نتواضع ولا ندعي أكبر من حجمنا، وهذا دأب سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.(9/213)
- التعمق في الدارسات التاريخية والاجتماعية والنفسية؛ للكشف عن سنن الله في الكون وفي الآفاق والأنفس، فنميز بين المقدمات والنتائج في حركة الكون والنفس، ونعي مؤثرات كل منها، ويكون عقلنا أنضج وقتها.. إفتاء، ودعوة، وفكرا، وعلما.
- الانفتاح على الرأي الآخر، وعلى مجتمعات أخرى وبيئات متنوعة وشخصيات مختلفة، الأمر الذي يثري فينا ظاهرة الاختلاف الكونية بألوانها الجميلة، ويبعدنا عن عقلية البعد الواحد العقيمة.
- التحلّي بالعلم المنهجي لدفع الأهواء عن الأنفس، والجهل من العقول، وشيوع هذه المنهجية بدلا من الترويج المستمر لما جلب لنا الخيبات الكبار.
- الحوار المستمر وعدم الظن أننا على الصواب فيه ابتداء، فإن ذلك يمثل إغلاقا للعقل في أول أبوابه، وهذا يعني أننا قد نتخلى ونفقد بعضا مما عندنا في سبيل شيء أهم وأعظم مصلحة.
- العدل في الميزان، والقسط في الأحكام، وتربيتنا على التقوى في هذا الباب، تقوى العقول أولا بعلمها ووعيها ومعرفة مآلات كل فكرة، ثم تقوى القلوب المراقبة لله تعالى.
وأخيرا أقول:
رحم الله علماء وربانيي هذه الأمة الذين كانوا في غاية التواضع وهضم النفس، ونبذ الكبر بكل أنواعه، ولو تأملنا - أخي الكريم - حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الكبر، وأنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، نراه يقول فيه: "بطر الحق، وغمط الناس" رواه مسلم.
غمط الناس: تحقيرهم، تسفيههم، عدم إنزالهم منازلهم، التعالي عليهم.. ومن كان يحمل الاحتكار في رأسه، فهو يحمل هذه الأمور في قلبه.
نسأل الله العفو والعافية، وأن نكون جميعا مطهرين من هذا المرض الخطير، وأن يكتب لنا العمل لدين الله خدما بكل إخلاص
==============
أتراجع إيمانيا .. الحل في سورة الكهف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إخواني الأعزاء، أنا شاب نشأت في بيت متدين، يرى العنف في أغلب الأحيان - إن لم يكن في كلها - هو الطريق الأوحد للتفاهم.
فأبي متدين، ولكن بتعصب شديد، فكرهت الأسلوب، وإن كنت في فترة كرهت التدين إلى أن أكرمني الله بأغلى هدية، هي حركة إسلامية أصيلة حببتني في التدين وفي الالتزام، وعشت معها أسعد أيام حياتي على الإطلاق من الإعدادية إلى أن أكرمني الله وتخرجت من إحدى كليات القمة.
وبدأت أعيش في الحياة الصعبة بعد أن كانت الحياة وردية، ومما زاد الأمر صعوبة أني سافرت للخارج، حيث لا أنيس ولا ونيس، فغبت عن أعز الأصدقاء، وافتقدت همتي، وللأسف بدأت أفقد تديني، فبعد أن كنت أحد أعلام الحركة بالجامعة وبالحي، افتقدت نفسي وحيويتي ونشاطي وإقدامي، وأحسست أني تركتهم في بلدي قبل أن أرحل عنها.
أشعر بازدواجية كبيرة بين ما كنت عليه في الماضي المشرق وبين الحاضر الأليم، أما المستقبل فأنا في رعب منه، أخاف من النوم أحيانا، لا أحب قدوم الليل، أحس بالموت يطاردني، وأحس بالعجز التام، صلواتي غير منتظمة، ارتكبت بعض المحرمات.
ورغم زواجي من أخت ملتزمة، كانت هي ثاني هدية لي في حياتي، ورغم أنها خففت عني كثيرا، إلا أن كل أموري أصبحت غير مستقرة، إذا صليت فبلا خشوع، لا أذهب إلى المسجد إلا يوم الجمعة فقط، أشعر أن الأمور تغلق أمامي في عملي، ضاقت بي الدنيا، أحسست بالوحدة، أخاف من الموت، أخاف من المستقبل، أحسست أن عقلي توقف عن التفكير.
فكرت في العودة إلى وطني، وعندما كنت في زيارة واقتربت ملامح وطني بكيت حنينا إليه، ولكن عند التعامل مع أمور الحياة فيه أحسست أنه صعب عليّ العودة إليه إلا زائرا فقط.
وقد تعرفت على بعض الذين ينتمون للحركة، ولكني لم أجد ما كنت أبحث عنه، ووجدت اختلافا، مشاكل، عدم اهتمام، فزادت الأمور تعقيدا.
بالله عليكم أريد الطريق إلى طاعة ربي، وراحة نفسي، أريد العودة إلى حياتي الجميلة.
…السؤال
إيمانيات, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
أخي الحبيب، إنَّ الأحياء المائية إذا خرجت من الماء تموت، وإذا أردت إدراكها قبل موتها، فعليك أن تتداركها به، لأنه بيئتها الأصلية، وإلا ماتت.
إن حالك - أخي الكريم - هو نتيجة طبيعية ومتوقعة لسبب قد اتخذته من قبل، وهو الابتعاد والتراجع والتخلف عن بيئة الخير والصلاح والنشاط والإنتاج والعمل، فالأمر إذن عبارة عن أسباب ونتائج، كما عبَّر عنه القرآن الكريم عند حديثه عن الصحابة الثلاثة الكرام الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين قال: (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ).
لقد أصابهم ضيق في كل شيء، في نفوسهم، وفي بيوتهم، وفي أرزاقهم، وفي أعمالهم، وفي علاقاتهم، وحتى في الأرض كلها، وهذا الضيق وتلك المرارة من الوقوع في المعصية، أو عند التقصير في حق الله تعالى من صفات المؤمن، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سرَّته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن" رواه أحمد بسند صحيح.(9/214)
يقول أحد هؤلاء الصحابة الكرام، وهو كعب ابن مالك رضي الله عنه، مُعبِّرا عن هذه الحالة: "فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله تعالى من الضعفاء ... ونهى صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فاجتنبنا الناس حتي تنكرَّت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف" رواه البخاري ومسلم.
إنها لمشاعر مؤلمة يحسّ بها كل من فارق تجمّع خير أيَّا كان شكله أو دوره، وأحسست أنت بها وذكرتها في رسالتك حينما قلت : "أكرمني الله بأغلى هدية هي حركة إسلامية أصيلة، حببتني في التدين، وفي الالتزام، وعشت معهم أجمل وأسعد حياتي على الإطلاق".
إنَّ المسلم إذا فارق تجمّع الخير أصبح مُهدَّدا بأن يكون فريسة لوساوس الشيطان، كما يُفهم من التحذير الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم من الأضرار والتعاسات التي قد يتعرض لها المُنفرد في قوله المعروف : "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " رواه المنذري بسند حسن.
يقول الإمام ابن تيمية في معرض شرحه لهذا الحديث، مؤكدا أهمية التحرك وعدم السكون، والتجمع وعدم التفرّد: "الواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة، ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم، وإن رأى بعضهم ضالا أو غاويا أمكن أن يهديه ويرشده، فعل ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإذا كان قادرا على أن يولي في إمامة المسلمين أفضلهم ولاه، وإن قدر على أن يمنع مَن يُظهر البدع والفجور منعه".
فإن انفرد المسلم واستجاب لوساوس شيطانه وعصى، ظهرت آثار معصيته على نفسه بحسب درجتها وتكرارها، فتصبح كئيبة، مُظلمة، كما يُفهم من قوله تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، والذي قال في تفسيره الإمام القرطبي: "هو الذنب على الذنب حتى يَسْودَّ القلب"، أو تصبح خائفة، قلِقة، متوترة، مغمومة.
أخي الحبيب، لو تتبعتَ بعض فقرات كلام الصحابي الجليل كعب ابن مالك رضي الله عنه مثل: "والله ما أنعم الله علىّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وصدقه صلى الله عليه وسلم الآن يكون بالتمسّك بما جاء به كما تمَسَّك وبالدعوة له كما دَعَى.
ولو راجعتَ شرح ابن تيمية السابق ذكره، ولو تأملتَ قوله تعالى: (مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ)، والذي قال في تفسيره الإمام القرطبي: "ظاهره خبر ومعناه أمر، وهذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة لها، ويحتمل أن يكون الاستنفار في كل مسلم، وخص هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحق بذلك من غيرهم".
تدبرتَ قوله تعالي في سورة الكهف: (واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) تبين لك أنَّ التزام الفئة المؤمنة الصالحة هو الحل، أي أنَّ العودة لصحبة إخوانك الصالحين ستكون الخير بإذن الله، فالراحة النفسية أهم كثيرا من الراحة الجسدية، بل إن حياة النفس هي حياة للجسد، وموتها موت له، إذ ما قيمة أن نُحيي أجسادنا ونُمِت نفوسنا!
إننا سنكون أمواتا حتى ولو ظهرنا أحياء، وهذا هو ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم، وركز عليه لننتبه له بشدة في قوله المعروف: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" رواه البخاري، والذي قال فيه الإمام ابن تيمية: "معلوم أن مصلحة البدن مقدمة على مصلحة المال، ومصلحة القلب مقدمة على مصلحة البدن".
ثم حتى لو افترضنا أنَّ هناك بعض أضرار دنيوية - مؤكدة أو محتملة - من العودة لصحبة هؤلاء الصالحين، فإنها في مقابل عظيم منافعها، كالتواجد وسط مجتمع صالح يسعدك بأخلاقه الإسلامية، وحسن علاقاته الاجتماعية، وحفظ أخلاقك، ودفعك للترقي في تخصصات حياتك، وعونك على أداء فرض دعوة الآخرين؛ مما يجعل نفسك هادئة، ساكنة، مطمئنة، كل هذا سيجعل أضرارها لا ُتذكر، بل ستكون َحبَّبة؛ لأنها سبب العزة والسعادة في الدنيا، وسبب الثواب العظيم في الآخرة كما وعد بذلك سبحانه بعد قوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ َادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فعُدْ إليهم سريعا - أخي الحبيب - في موطنك الجديد، أنت وزوجتك، والتي وصفتها بالهدية الإلهية؛ ليزداد حبكما وتجانسكما، وكفاك ما ضاع منك، ولا تتعلل بما ذكرته في رسالتك أنك وجدت خلافا ومشكلات، فهذا مردود عليه بأنه تعدّد للآراء وليس اختلافا، وهو أمر صحي، مادام في إطار الأخوة والحب وسلامة الصدور، والحرص الصادق على الوصول للأفضل، ولا شك أن عدة عقول تفكر، وعدة آراء وبدائل تطرَح لكل موقف ستكون أفضل كثيرا من عقل واحد وفكر واحد.(9/215)
ثم مع الاعتراف بوجود بعض العيوب، والتي لا يخلو منها إنسان، ولا تخلوا منها جماعة بشرية، فمن الأفضل أن تعود إلى حركتك؛ لتنعم في ظلها بمن يكون لك عونا على القرب من الله تعالى، ولتحتمل في سبيل ذلك بعض ما تراه من عيوب ونقائص، فكما قيل: "كدر الجماعة خير من صفو الفرد"، وبلا شك فإن مميزات الجماعة – في حالتك هذه – لا تقارن بما ذكرته من عيوب، ثم بإذن الله تعالى بعد عودتك لحركتك يكون عليك دور في إصلاح ما تراه من عيوب وسلبيات
وفقك الله وأعانك على كل خير.
==============
دور الدعاة في نصرة الأقصى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ما هو الدور المطلوب من الدعاة في ظل الحملة الإسرائيلية التي تستهدف هدم المسجد الأقصى المبارك؟.
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
أخي الكريم، مرحبا بك، وأشكرك على سؤالك.
بالطبع - أخي الكريم - إن الدعاة - أفرادا وجماعات - عليهم واجب كبير وأساسي لمواجهة الحملة الصهيونية على المسجد الأقصى، وعلى غيره من المقدسات الإسلامية.
وما يحدث الآن ما هو إلا حلقة من مسلسل الاعتداءات الذي بدأ، وسيستمر من قبل الصهاينة حتى يتحقق لهم ما أرادوا، ولكن الله من ورائهم محيط، وجهود العاملين المخلصين من هذه الأمة تقف لهم بالمرصاد، كعقبة أمام تنفيذ مخططاتهم.
أما عن طبيعة الدور الذي يقع على عاتق الدعاة تجاه هذه القضية، فتتحدد في تعبئة عقول الأمة وأرواحها وأبدانها، ووضع الأدوار المختلفة لكل شرائحها، ومتابعة أداء هذه الأدوار، حيث تنصب مسئولية الدعاة في الأصل على جانب إيقاظ الوعي وتصحيح المفاهيم، والقيادة الروحية لشرائح المجتمع المختلفة، لوضع عقولهم وأيديهم على جوانب الفعل الإيجابي، من خلال الخطاب الدعوي المتاح عبر مختلف النوافذ، سواء كانت جماعية أو شخصية.
وتتحدد الأدوار النابعة من تلك المسئولية في ثلاثة محاور: معرفي، ومعنوي، وعملي.
أما عن المحور المعرفي فيتلخص في:
- التعريف بالجذور التاريخية للقضية، قديمًا وحديثًا، والأهمية الدينية والثقافية للأراضي الفلسطينية، والمسجد الأقصى، وفضح الفظائع والمذابح التي ارتكبها الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني.
- بيان حقيقة الصراع مع اليهود المعتدين بشقيه العقَدي والسياسي، وأن كرهنا لليهود وحربنا لهم لا تنطلق من منطلق الكراهية والحقد، والرغبة في القتل، وإنما من منطلق رد العدوان واسترداد الحقوق.
- التأكيد على أن القضية تخص المسلمين والعرب جميعهم، والرد على الشبهات والأقاويل والمزاعم المنتشرة بين عوام الجماهير العربية والمسلمة، والتي تفت في عضدهم وتخذلهم عن نصرة إخوانهم.
- التعريف بجهاد الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله، وكفاحه على طريق المقاومة، وإبراز نماذج المجاهدين والمقاومين منهم، ودور التيار الإسلامي في هذا الكفاح.
- كشف خداع المصطلحات والأسماء، وتكريس المعاني الصحيحة لها في أذهان الناس وعلى ألسنتهم، فالجهاد ومقاومة المحتل ليس إرهابًا، والعمليات الاستشهادية ليست انتحارًا.. إلخ.
- التأكيد على أن ما يحدث له جذور لا ترجع إلى التفوق العسكري للعدو الصهيوني، بقدر ما ترجع إلى تخلي المسلمين والعرب عن الأخلاق والقيم والشرائع فيما بينهم. "ما دخل اليهود من حدودنا، ولكن تسربوا كالنمل من عيوبنا". وكذلك إبراز دور العلم والتقدم العلمي في المواجهة.
- التأكيد على أهمية بناء النفس إيمانيا وجسديا، وتربيتها على الالتزام بالطاعات والعبادات والآداب، فدون الحدود والسدود الأرضية المانعة من الجهاد، حدود وسدود وقيود أخرى بداخل كل منا تحتاج إلى اقتحام، ولن تقتحم الحدود الأرضية إلا إذا استطعنا اقتحام الحدود التي بداخلنا، وهذا لن يكون إلا بالتربية والالتزام.
- محاربة المفاهيم السلبية والمنطق التواكلي، الذي يقنع الفرد بالاسترجاع والحوقلة والدعاء، دون تأدية ما عليه من واجبات يستطيع القيام بها.
- بيان أن الجهاد له سبل شتى لا تقل في أجرها ولا في تأثيرها عن الجهاد المسلح، كالجهاد بالمال وبالكلمة والمقاطعة الاقتصادية، والتضامن المعنوي، وأن لكل فرد من الأمة دوره في هذا المضمار، وليس لأحد حُجَّة في التخلف والتخاذل والتراخي. ويأتي في هذا النطاق تحديد الأدوار للقطاعات المختلفة التي توجه إليها الرسالة الدعوية.
أما عن المحور المعنوي، فيتلخص في:
- محاصرة مشاعر الإحباط واليأس التي قد تتسرب إلى قلوب الجماهير، وبث الأمل في النفوس، والتأكيد على الثقة بالله سبحانه وتعالى، وأن هناك حسابات ومعايير أخرى للنصر إضافة إلى الحسابات والمعايير المادية الظاهرية.
- إعادة الثقة بالنفس فرديًّا وجماعيًّا، وبقدرتها على المواجهة الإيجابية.
- إيقاظ المشاعر والعواطف تجاه ما يحدث من انتهاكات لمقدسات الأمة، واعتداءات على أرواح وأعراض أبنائها، مع أهمية ضبط هذه المشاعر وتوجيه ردود الأفعال المتولدة عنها توجيها إيجابيًّا صحيحًا نحو خطوات فاعلة ومؤثرة، بعيدًا عن التخريب والتدمير والمواجهات المعطِّلة وغير المثمرة.
- إحياء روح الجهاد في الأمة، ومحاربة الوهن المتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت، والتأكيد على أهمية التربية إعداداً للجهاد، حيث إن الجهاد المثمر لا بد أن تسبقه تربية للفرد وللمجتمع.
- أهمية "النَّفَس الطويل" وعدم التعجل، فما حدث ويحدث كان نتيجة لتراكمات على مدار سنوات طويلة، لذا فطريق الإصلاح يمتد طوله بقدر هذه السنوات، فما فسد في سنوات لا يصلح في أيام.
أما المحور العملي، فيتلخص في:(9/216)
- العمل على تدعيم سلاح المقاطعة الاقتصادية لبضائع العدو الصهيوني ومن يسانده، وإثبات وجوب ومشروعية هذه المقاطعة وفاعليتها من خلال وقائع وأمثلة تاريخية ملموسة. وهذا يحتاج إلى تحديد أهداف المقاطعة، وكونها تحررًا من أسر العادات الاستهلاكية، إلى جانب كونها وسيلة للضغط على العدو ومسانديه. ويحتاج هذا إلى إعداد نشرات بأسماء البضائع والشركات والهيئات المطلوب مقاطعتها، والقيام بتوزيعها على قطاعات المجتمع المختلفة.
- استلهام قدوات ومُثُل عليا من المجتمع الفلسطيني، وترويجها في مجتمعاتنا، مثل نموذج المرأة الفلسطينية التي تدفع أبناءها للاستشهاد وتودعهم بقلب ثابت، وتقيم الأفراح عندما يأتيها خبر استشهاد أحدهم، وكنموذج الطفل الأعزل الذي يتصدى للدبابة بثبات، وإحلال تلك النماذج محل النماذج العكسية في مجتمعاتنا، كنموذج الأم التي تمنع ابنها حتى من مجرد المشاركة في تظاهرة أو مؤتمر لنصرة الأقصى خوفًا عليه، وكنموذج الرجال الذين يبررون جبنهم وعجزهم بالتفوق العسكري للعدو.
- قيادة حملات للتبرع بالمال والغذاء والدم، ولمقاطعة بضائع العدو ومن يسانده عبر المنافذ الرسمية والأهلية المتاحة. وشحذ الهمم لإنشاء - أو التعاون مع - مؤسسات إعلامية وإغاثية.
- إقامة معارض في المساجد ودور المناسبات والجمعيات والمنتديات، تُعرَض فيها صور وأفلام لما يحدث للأقصى وما يحدث على كافة الأراضي الفلسطينية من مجازر وانتهاكات، بالإضافة إلى ندوات جماهيرية للمناقشة حول ما ينبغي عمله والأدوار المتاحة.
- عدم إهمال أو إقصاء غير المسلمين في الخطاب الدعوي، ومحاولة إشراكهم على أساس من التفهمات المشتركة، وإبراز البعد الإنساني للقضية من خلال مفاهيم الحق والعدل والإنسانية.
والله الموفق، وعليه التكلان
================
السرية التنظيمية .. أصل أم ضرورة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تتعلق حول مفهوم السرِّية التنظيمية في العمل الحركي، وهي:
1- ما المقصود بالسرِّية التنظيمية لدى الحركات الإسلامية؟
2- ما التأصيل الشرعي لها؟
3- لماذا هذه السرَّية؟ وألم تنتهِ بنهاية العصر المكي؟
أرجو إفادتي حول هذا الموضوع.
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
ثقافة ومعارف, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
أخي الكريم محمد،
أشكرك أولا على سؤالك القيم هذا، وهو في الحقيقة يضع نقاط إضاءة وتنوير على هذه المسألة التي شغلت، وما زالت أذهان العاملين في الحقل الإسلامي.
وسأعرض الآن للقضية من الجوانب التالية:
1- جانب العهد المكيّ.
2- الجانب التاريخيِّ لنشوء التنظيمات السرِّيَّة الحديثة.
3- الربط.
4- اليوم.
1- جانب العهد المكي:
لن أطيل الحديث في هذا الأمر، حيث إنَّه – كما سنرى في النقاط التالية - ليس هو أساس نشوء التنظيمات السرِّية الحديثة، ولا هو مرجعها الشرعي إلا من جانب ضيق جدّا.
ما يعنيني هنا هو أن أقرِّر أن المرحلة المكية كانت لها ظروفها التشريعية الخاصة، وظروفها "التنظيميَّة" الخاصَّة، فالمسلمون كانوا حديثي عهد بالدين الجديد، وهذا الدين الجديد مبدؤه يقوم على التدرُّج، فكان لابد أن يتدَّرج تشريعيا بما يمكِّنهم من تحقيقه وتطبيقه، فتدرَّجت التشريعات بناء على ذلك.
أمَّا الظروف "التنظيميَّة" لهذه المرحلة فكانت تقديراتٌ من القائد لما يخدم الكيان الذي يقوده ويحافظ عليه، سواء بقرار المواجهة أو بقرار عدم المواجهة حسب ما تقتضيه الحالة والظروف، وما يحقِّق المصلحة، وقارئ السيرة الجيد يستطيع أن يصل بسهولة إلى هذه المواقف باختلافاتها وتعدُّداتها وظروفها.
2- الجانب التاريخي لنشوء التنظيمات السرِّية الحديثة:
نستطيع القول بأنَّ المفهوم التنظيمي السرِّي الحديث بدأ مع جمال الدين الأفغاني بمصر، حين فكَّر في إنشاء كيان يواجه به الاستعمار، الذي كان يحيط بالعالم الإسلامي من كل مكان وجانب، فأسَّس تنظيما عُرِف أو سمَّاه المؤرخون بـ"حكومة الظل"، قصد من خلاله تكوين كوادر وقيادات تعيد للأمَّة مجدها.
ثمَّ لمَّا طُرِد جمال الدين الأفغانيُّ من مصر لأسباب تتعلَّق بتنظيمه، سافر إلى فرنسا، وبباريس أسَّس مع الشيخ محمد عبده تنظيما آخر سُمِّي "العروة الوثقى"، وهدفا من خلاله مواجهة الاستعمار الإنجليزيِّ للعالم الإسلاميّ، والعمل على نهضة الأمَّة، وخلال هذه الأثناء أصدرا مجلَّة "العروة الوثقى".
ثمَّ ما لبث أن انفصل محمد عبده عن الأفغاني، وسافر – أي محمَّد عبده - إلى مصر، وأسَّس هناك مع رشيد رضا ومحب الدين الخطيب تشكيلا جديدا عُرِف بـ "الوعظ والإرشاد"، وبنَوا فكرة هذا التشكيل على رؤيتهم أن العدو الأجنبي دخل بلاد المسلمين عبر جانبين هامَّين: التعليم والإعلام، فبدءوا بإنشاء المدارس الإسلاميَّة، وأصدروا مجلَّتي "الفتح" و"المنار" كبداية لدخولهم المجال الإعلاميّ.
جديرٌ بالذكر أن جمال الدين الأفغاني قد يكون تأثَّر في فكره "التنظيمي"هذا بالتنظيمات الصوفيَّة التي ظهرت في تلك الأثناء كشكل تنظيميّ يحارب الاستعمار في منطقة وسط آسيا، ولمعرفة التفصيل حول هذه التنظيمات الصوفيَّة، اقرأ من فضلك الموضوع التالي:
الصوفية المقاتلة
من هذا الجوِّ ظهر "التنظيم الخاص" للإخوان المسلمين كعمل سرِّي هدفوا من ورائه مقاتلة المستعمر الأجنبيِّ في مصر، وامتدَّ نشاطهم للمشاركة في الجهاد على أرض فلسطين، وقد بُني تفكيرهم في بناء التنظيم وتأسيسه على الأسس التي قام بها تنظيم العبَّاسيِّين في دعوتهم ومحاولاتهم للقضاء على الدولة الأموية وإقامة الدولة العباسيَّة.(9/217)
ثمَّ توالت بعد ذلك التنظيمات السرِّية الإسلامية، وكان قيام معظمها لمحاربة المستعمر والمحتل إلى أن جاء عصرنا الحاضر بتنظيماته السرِّية التي قامت في زمن تخلَّصت فيه معظم الدول الإسلامية من المحتلِّين.
3- الربط:
من النقطتين السابقتين نجد أن:
- استدلال البعض على قيام التنظيمات السرِّية بالمرحلة المكية هو استدلال بعيد.
- قيام التنظيمات السرِّية حديثا كان أساسا لمقاومة المحتل والمستعمر الأجنبي، من هذا كانت تستمدُّ شرعية وجودها، وعلى مقاومته كانت تتغذَّى، ودورها في هذا كان دورا رائدا فعَّالا، شهدت الوقائع والأيام به، وبفضله، وبنجاحه في المساعدة على إخراج المستعمرين.
4- اليوم:
يبقى هذا هو السؤال، ما الحاجة للتنظيمات السرِّية اليوم؟
كنَّا في الاستشارات قد تعرَّضنا لهذا الأمر من قبل في ثلاث استشارات: اثنتين منها لأستاذنا الدكتور فتحي يكن، وسأذكر لك عناوينها في آخر هذه الاستشارة، ولكنَّ ملخَّصها يقول:
- الأصل في العمل الإسلامي أن يكون جهريّا علنيا، لأن الهدف من العمل هو تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافَّة، مصداقا لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)
- قد تكون هناك حالاتٌ تستلزم العمل غير الظاهر، كورود طارئ شديد يحوله إلى السرية، وهذه ضرورةٌ تقدَّر بقدرها.
- إن وُجِد هذا الطارئ وتلك الضرورة، فما حدوده وضوابطه؟ ومن الذي يحدِّده ويقرِّر درجته؟
- كانت في وقت من الأوقات ظروفٌ اضطرَّت للعمل السري وفق فتاوى حركية قيلت آنذاك، وكما علَّمنا فقهاؤنا أن الفتاوى الفقهية تتغيَّر باختلاف الزمان والمكان والظروف، أليس من الطبيعي أن تخضع الفتاوى الحركية لذلك التغيُّر أيضا؟ قضيةٌ تحتاج أن نعيد النظر فيها مرَّات ومرَّات.
- الواقع يقول أنَّ في معظم الدول الإسلاميَّة هناك إمكانية للعمل والتحرُّك الظاهر العامّ.
- من أكبر العوائق التي تمنع الحركات الإسلاميَّة من العمل الظاهر الطبيعي هو نظرتها "السياسيَّة" وتطلُّعاتها للحكم.
- ينبغي أن يقود العملَ الإسلامي التفكير في خدمة الناس وتحقيق مصلحتهم، وليس التفكير في كرسي الحكم.
- الواقع اليوم يفرض على الحركات والجماعات الإسلاميَّة أن تُخرِج من عقولها فكرة التنظيمات السرية تحت الأرض.
شكرا - أخي محمد - على سؤالك القيِّم، وأصلح الله الحال.
================
المعصية والدعوة .. هل يجتمعان؟
إلى الدكتور فتحي يكن:
إني والحمد لله أتمتع بمستوى ثقافي وعلمي واجتماعي جيِد، وعلى قدر طيِب من الالتزام، وقد لاقيت والحمد لله توفيقاً في مجال الدعوة، وتعلَّق الناس في بلدتي بي كثيرا.
ولكني في الفترة الأخيرة وجدتني أقع في الكثير من المعاصي التي لم يكن من السهل الإقلاع عنها، ففكرت جِدِّياً في الكفِّ عن الدعوة؛ وذلك خوفاً من عقاب الآخرة، لأني قرأت عن ذلك كثيراً.
فبم تنصحني؟
…السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
أخي الكريم طارق حفظك الله، وثبَّتنا وإيَّاك على طريقه القويم وصراطه المستقيم.
هالني حالك، وأفزعني مقالك وسؤالك، أيُعقل أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
القضيَّة الأساسيَّة لا تكمن في اقتراف أحدنا لمعصية، فكما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون" رواه أحمد والترمذيُّ والنسائيُّ وابن ماجه بسندٍ صحيح، وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تخطئوا لجاء الله عزَّ وجلَّ بقومٍ يخطئون ثمَّ يستغفرون، فيغفر لهم" رواه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
إنَّني هنا لا أهوِّن من أمر المعصية، وإنَّما أعجب لخيار المعالجة، الذي من شأنه أن يزيد المشكلة تعقيداً والأمر سوءا -لا قدَّر الله-.
ألا تعلم - أخي الكريم - أنَّ قيامك بأمر الدعوة هو في حدِّ ذاته علاج، وأنَّ هذا العلاج إن لم ينفع اليوم فسينفع غداً بإذن الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ فلاناً يصلِّي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال: "سينهاه ما تقول" رواه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
إن "الكفَّ عن الدعوة" يعني الخروج من دائرة الرعاية والحماية الربانيَّة، ويعني الانغماس أكثر فأكثر فيما أنت تشكو منه، ويعني اختيار طريق الغواية لا الهداية، أعاذني الله وإيَّاك أن نكون من سالكيها.
ثم إنَّ ما تقع فيه من المعاصي – على حدِّ قولك – لَيحتاج إلى توقُّف وتأمُّل وتفكير، وإلى استكشاف أسباب ذلك ومعالجته، وليس إلى الهروب منه، فأعمال الإنسان هي ثمرات غرسه ونِتاج تكوينه، وقد يحتاج أحدنا إلى إعادة النظر في الغرس والتكوين، إن جاء الثمر سقيماً وغير سليم.
فمن أسباب الخلل أحيانا: عدم ترتيب الأعمال والاهتمامات وفق الأولويَّات الشرعية والمراتب التكليفية، كأن يكون اهتمامنا بالآخرين أكثر من اهتمامنا بأنفسنا، وهو مخالفٌ لقوله تعالى في تبيان الأولويَّات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).(9/218)
ومن أسباب الخلل كذلك: عدم معرفتنا لعوامل نجاحنا وتوفيقنا كدعاة في مجال دعوة الآخرين، والثبات على ما ندعو إليه، كتنقيتنا وتصفيتنا الدائمة لشوائب أعمالنا وتصرُّفاتنا، ممَّا يداخلها ويدخل عليها ويعتريها من نوازع الرياء والشهرة والمصلحة وغيرها، والذي أشار إليه سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: "من نصَّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومهذِّبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذِّبهم".
ثم إننا في زمن يستهلك الإيمان والقِيَم والأخلاق استهلاكاً كبيرا، ممَّا يحتاج إلى مضاعفة الإنتاج الإيمانيِّ والقِيَميِّ والأخلاقيّ، خوفاً من التعرُّض للإفلاس.
وأخيرا، فإنَّ علينا كمسلمين وإسلاميِّين ودعاة، أن نجعل التوبة والإنابة إلى الله مخرجنا من كلِّ ضيق، وملجأنا من كلِّ مكروه، والكير الذي ينفي خبثنا، ويشحذ همَّتنا، ويوقظنا من غفلتنا.
فكيف نقنط ونحبَط ونحن نقرأ قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ).
إن لمعالجة ما يعترض طريقنا من عقبات، وما نقع فيه من معاص ومخالفات، طرائق أخرى شرعية، وليس في تخلِّينا عن دعوتنا، وخسارتنا الكلِّيَّة لأنفسنا.
ولقد عبَّر الإمام البوصيري عن هذه المعاني مجتمعة فيما نظم شعراً جاء فيه قوله:
يا نفسُ لا تقنطي من ذِلِّةٍ عَظُمَت إنَّ الكبائر في الغفران كاللَّممِ
لعلَّ رحمة ربِّي حين يقسمها تأتي على حسب الغفران في القسمِ
فاصرف هواها وحاذر أن تولَّيَه إنَّ الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِم
وخالف النفس والشيطان واعصِهما وإن هما محَّضاك النصح فاتَّهمِ
ولا تطع منهما خصماً ولا حَكَماً فأنت تعرف كَيد الخصم والحكَمِ
واستفرغ الدمع من عينٍ قد امتلأت من المحارم والزم حمية الندم
ولا ترُم بالمعاصي كسر شهوتها إنَّ الطعام يقوِّي شهوة النهِم
أعانك الله تعالى، وأيدك بتوفيقه وطاعته
===============
الرحلات الدعوية .. ترفيه وتهذيب
السلام عليكم ورحمة الله،
أنا أشرف على حلقة دعوية في المرحلة الابتدائية، وأقوم معهم ببعض الرحلات، فماذا يمكني أن أفعل من النشاطات التربوية والترفيهية في هذه الرحلات.
وشكرا.
…السؤال
وسائل اجتماعية, فنون ومهارات …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منك جهدك مع هؤلاء الشباب الصغار.
تعد الرحلة - أخي الكريم - من الوسائل الدعوية والتربوية التي يستطيع الداعية من خلالها أن يتعرف ويتعايش ويتآلف ويترابط مع مَن يدعوه، كما يمكنه من خلالها أن يُكسب المدعو عددا من القيم والسلوكيات، مثل: الاعتماد على النفس، وتحمل المشاق، والتعاون، والتكافل، والتفكر في بديع صنع الله… إلخ، كما أنها مصدر هام للترفيه عن النفس ولتجديد نشاطها.
ولكي تتحقق - أخي الكريم - الاستفادة التربوية من الرحلة، فمن الضروري القيام بالأمور التالية:
* وضع هدف محدد للرحلة، بحيث تدور كل فقرات الرحلة حوله، وكذلك وضع شعار عام يخدم هذا الهدف، مثل: لا تغضب، وتعاونوا على البر، كن مستعداً…إلخ.
* التخطيط الجيد لتنفيذها في ضوء الهدف الذي تخدمه، ويشمل هذا التخطيط: اختيار المكان المناسب، وتجهيز المستلزمات الضرورية، وتحديد وسيلة الانتقال، وإعداد التصاريح اللازمة، ووضع برنامج مناسب لهدفها، وتحديد موعد الانطلاق والعودة … إلخ.
* الحرص على ترديد الأدعية المأثورة مع هؤلاء الشباب الصغار أثناء الرحلة، مثل: دعاء الركوب، ودعاء السفر، ودعاء دخول البلدة … إلخ.
* إشاعة روح البهجة والمرح، والبعد عن العبوس والحدة في التعامل مع المشاركين.
* الاهتمام باكتشاف قدرات ومواهب هؤلاء الشباب، والاستفادة منها في برنامج الرحلة.
* إشراك أصحاب القدرات منهم في إدارة بعض فقرات الرحلة المناسبة لقدراتهم.
* لتكن الرحلة حافلة بالمسابقات الثقافية والألعاب الترفيهية الجذابة.
ومن البرامج التي يمكن أن تتضمنها هذه الرحلات:
أولا- برنامج أثناء الانتقال:
يمكن وضع برنامج للرحلة من بداية التحرك، وحتى الوصول إلى مكان الرحلة، ومن الفقرات التي يمكن أن يتضمنها هذا البرنامج:
* كلمة ترحيب، وتذكير بإخلاص النية، وتذكير المشاركين بهدف الرحلة، وشعارها.
* أدعية الركوب والسفر.
* مسابقات ثقافية خفيفة تدور حول موضوع الرحلة.
* فقرات فنية مثل: الأناشيد، الطرائف .. إلخ.
* تعارف بين المشاركين في الرحلة.
* مشاهدة شريط فيديو، أو سماع شريط كاسيت يخدم موضوع الرحلة.
ويراعى في هذا البرنامج:
* أن تدور فقراته حول الهدف التربوي الذي تهدف الرحلة إلى تحقيقه.
* أن تكون فقراته سريعة وخفيفة ومتنوعة.
* أن يحرص مشرف الرحلة على إشراك الجميع في فقرات هذا البرنامج.
* إثارة روح المرح والتنافس بين المشاركين حتى يكون البرنامج ممتع وشيق.
ثانيا- برنامج الرحلة:
ويبدأ هذا البرنامج بمجرد الوصول إلى مكان الرحلة، ومن الفقرات التي يمكن أن يتضمنها هذا البرنامح:
* كلمة إيمانية موجزة ومركزة، تدور حول هدف الرحلة.(9/219)
* دورة في عدد من الألعاب الرياضية، مثل: كرة القدم، الطائرة، اليد، السلة، تنس الطاولة ... إلخ، ومن الممكن تنظيم الدورة في رياضة واحدة، أو أكثر من رياضة، وذلك بحسب ما تتيحه إمكانات المكان، وعدد هؤلاء الشباب الصغار وميولهم، ووقت الرحلة.
* ممارسة بعض الألعاب الترفيهية الجماعية، وستجد كثيرا من هذه الألعاب في كتاب "لاعب ابنك"، شركة قطر الندى للنشر والتوزيع، مصر.
* مسابقة ورقية خفيفة، بها بعض الأسئلة الثقافية البسيطة، وبعض الألغاز اللطيفة، يقوم كل فريق بحلها بصورة جماعية.
* حفلة للسمر، وتتضمن هذه الحفلة مجموعة من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، بعض الأناشيد، مسرحيات قصيرة هادفة، ألعاب ترفيهية، فقرة للتعرّف على مواهب هؤلاء الشباب الصغار ... إلخ.
* فقرة حرة، يمارس فيها كل مشارك ما يشاء من نشاط، على أن يكون وقت هذه الفقرة مناسب، بحيث لا يكون قصيرا لا يستطيع المشارك أن يمارس فيه أي نشاط، ولا كبيرا حتى لا يشعر بالملل وفقدان الروح الجماعية.
* جلسة ختامية، لمناقشة سلبيات وإيجابيات الرحلة، وما استفاده كل مشارك منها.
أمور تراعى في هذا البرنامج:
* التجديد في البرنامج أو تغيير طريقة تقديم الفقرات.
* الحرص على تنفيذ فقرات البرنامج في أوقاتها المحددة.
* السرعة في الانتقال من فقرة لأخرى.
* توزيع المشاركين في الرحلة إلى مجموعات أو فرق، مع مراعاة توزيع أصحاب المواهب والقدرات المتميزة بين الفرق بشكل يحقق التوازن بين كل فريق، حتى لا تفتقد الفقرات إلى روح المنافسة المتكافئة.
* إنهاء الرحلة بفقرة شيقة وممتعة.
* ترك مكان الرحلة نظيفا بعد انقضاء الرحلة.
وفي النهاية - أخي الكريم - أسأل الله تعالى أن يكون لك عونا في تربية هؤلاء الشباب الصغار، وأن يجعل عملك معهم في ميزان حسناتك.
================
كيف أستعيد ثقتي بنفسي؟
أنا أحب الدعوة جدا، ولكن نظرا لعدة ابتلاءات تركت الدعوة العامة.
والآن أحاول القيام بالدعوة الفردية في محيط الأسرة والأصدقاء، ولكن نتيجة هذه الابتلاءات حدث تغير في شخصيتي، وأصبحت متحفظا، وغير اجتماعي، وخائف، ومهزوز، وغير قادر على إقناع الغير، على الرغم أني كنت عكس ذلك تماما.
أريد دعوة أصدقائي، ولكن أرى الحل في تغير نفسي أولا، كيف ذلك.
أرجو الرد على ذلك.
…السؤال
قضايا وشبهات, مشكلات في الدعوة والحركة, ثقافة ومعارف …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران:
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، ونسأل الله تعالى أن يكون لك عونا على الدعوة إليه سبحانه.
كما قلتَ يا أخي؛ فإنك تحتاج بالفعل إلى تدعيم الثقة بنفسك، وإعادة بنائها من جديد بناء إيمانيا وثقافيا غير قابل للاختراق ولا للكسر.
ولعلي لست بحاجة إلى تذكيرك بأن مثل هذه الابتلاءات التي تحدثت عنها هي من لوازم طريق الدعوات، وأن الذي يوهم نفسه بأنه يستطيع تجنبها على الجملة فهو مخطئ حتما، وسيأتي وقت يفاجأ فيه بما لم يحسب له حسابا.
على أية حال، أنت تقول: بأنك تحب الدعوة جدا، وهذه الكلمة مطلع جيد لسؤالك، وهي أيضا مفتاح الحل له.
ولعلك قد وضعت يديك على مواضع الضعف من نفسك، كما وصفتها في سؤالك، وهذا نصف العلاج، أما النصف الآخر فمقومه الأكبر إرادة التغيير والإصرار عليه والأخذ بكل ما تطول يدك من أسباب التغيير والبناء.
أخي الحبيب، إن للدعوة مجالات رحبة وفسيحة لا يمكن أن تطوقها يد الآثمين، ولعل هذا من أسرار حفظ الله تعالى لدعوته. فالدعوة العامة والظاهرة هي الغلاف المحيط بالجوهر الثمين، وهي كذلك من الروافد التي تجلب عموم الناس إلى دين الحق سبحانه وتعالى، ولكن هل يجب أن نكون كلنا دعاة منابر وفضائيات؟ بالطبع لا.
أنت تقول: "ولكن نتيجة هذه الابتلاءات حدث تغير في شخصيتي، وأصبحت متحفظا، غير اجتماعي، خائف، مهزوز، غير قادر على إقناع الغير..."، وأنا أقول لك: هون على نفسك، فإنه يبدو لي أن صورتك ليست بهذه القتامة التي رسمتها لها. ولعلك تبالغ قليلا أو كثيرا، مع أنني أتفق معك على وجود هذه الصفات، ليس عندك وحدك، ولكنها عند سواد من الناس، وكذلك عند عدد من شباب الدعوة.
ولولا وجود هذه الصفات لما كان للتربية الإيمانية موضع اهتمام، ولما قرأنا في آيات القرآن العظيم، وحكمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عددا كبيرا من التوجيهات والنصائح التي تخص ضبط سلوك النفس البشرية، وبناءها الإيماني والاجتماعي والثقافي الفعال والمتماسك.
وحيث إنك ما زلت – فيما يبدو لي – في العشرينيات من عمرك، وكذلك ما زلت عزبا، فإن الفرصة تبدو أمامك مواتية لأخذ نفسك مأخذ الجد، وأن تختار لها دربا يلزمها بالتنمية الذاتية بكافة جوانبها، وبصفة مستمرة، مهما تبدلت من حولك الظروف والأحوال.
ولعلي أقترح عليك هنا بعضا من الأفكار العملية في هذا الشأن، رغم أن سؤالك لم يكشف لي عن طبيعة أحوالك الثقافية، ولا المعيشية بدرجة كافية:
- ابحث عن أقرب جامعة أو معهد لك، رسميا كان أو أهليا، وتنظر في إمكانية تسجيل نفسك للدراسة في هذه الجامعة أو المعهد، وخاصة في المجال الذي تجد نفسك فيه محتاجا لمزيد من البناء والتنمية. وبالطبع لا أعني هنا مجال العلوم الشرعية فقط، مع أنها تُعد في مقدمة الأولويات، ولكني أيضا أعني مجالات: الآداب، والفنون، والثقافة، وطرق ومناهج الإدارة الحديثة، والتسويق، والتعامل مع الجمهور، ومهارات الحاسب الآلي، والبرمجة ... إلى آخر هذه المجالات التعليمية الحاضرة والمعاصرة.(9/220)
- إذا كان بإمكانك تطوير مكانتك العلمية، وذلك بالاستمرار في دراسة الماجستير والدكتوراه في مجال تخصصك، فسوف يكون ذلك أفضل بطبيعة الحال.
- أن تجدَّ في البحث عن طرق ووسائل التعلُّم الذاتي، والتطوُّر المعرفي، الذي أصبح متاحا الآن بوسائل لم يسبق لها مثيل في الأزمنة المنصرمة، وأعني بذلك: مواقع الإنترنت التعليمية، وكذلك برامج الكمبيوتر على أقراص الليزر، وبعض القنوات الفضائية التعليمية، وذلك في شتى المهارات التي يحتاجها سواد الناس.
- يمكنك العزم على إتقان لغة ثانية، بجوار لغتك الأصلية، وذلك من خلال مواقع عديدة على الشبكة الإلكترونية، أو من خلال برامج الكمبيوتر على أقراص الليزر، أو من خلال أشرطة الكاسيت والكتب التعليمية، أو المعاهد المخصصة لذلك، وأعتقد أنه لا أحد في هذا الزمان يستغني عن إتقان لغة، أو اثنتين بجوار لغته الأصلية، أيا كان موقعه وتخصصه وعمله.
- يمكنك كذلك أن تشارك مشاركة فعالة ومفيدة على صفحات المواقع الإسلامية والثقافية، والتي تفتح أبواب المشاركة للجادين بطريقة مقننة، ككتابة المقالات والتقارير، وإرسال الصور، والمشاركة في الإجابة على استشارات بعض الزائرين في مجال تخصصك.
- اتخذ لنفسك صديقا - أو أصدقاء - من ذوي الهمم العالية والبناء النفسي الراسخ والمتين، والخبرة العميقة في التعامل مع الآخرين، وتبذل من جهدك ما استطعت من أجل التعلم منه وملازمته. واعلم أنه سيكون عليك العبء الأكبر في التقرب منه والاستفادة من أحواله؛ لأنك ستكون بمثابة طالب علم، وهو بموضع الأستاذ المعلم.
- تدرج في تعاملك مع الآخرين بطريقة تعرفها من نفسك، بحيث لا تثقل على نفسك في المجاملات والذهاب للمناسبات التي لا تحب الذهاب إليها، ولكن رويدا رويدا، مع بعض من تأنس بهم، وكذلك مع أقاربك في كل أو بعض مناسباتهم، حتى وإن كان حضورك معهم لا يأخذ صورة المشاركة الكلية.
- اختر لنفسك خطا واضحا وممتدا عبر الزمان، تعتبره سُلَّما يجب عليك أن تصعده، ولتبدأ بأولى درجاته الآن، ألا وهو خط التنمية الذاتية من كافة جوانبها: الإيمانية، والمعرفية، والمهارية. ولا تترك فرصة مواتية ولا سببا متاحا إلا أخذت به، واعلم أنك بذلك تضع نفسك في دائرة من الدوائر التي أشار إليها الحديث المشهور: "اغدُ عالما أو متعلما أو مستمعا، أو محبا، ولا تكن الخامسة فتهلك ". رواه البيهقي، وضعفه الألباني.
وقبل أن أنهي حديثي إليك يا أخي، أود منك محاولة جمع واستكشاف المواقف والأحاديث النبوية، وكذلك التي نُقلت عن الصحابة الكرام، وبعض الصالحين على مر الزمان، حتى عصرنا الحديث، وذلك في مجال: فنون التعامل المرِح والفكِه، والليِّن مع الآخرين أيا كانت صفاتهم. وسوف تجد في ذلك كمًّا كبيرا من المرح والفكاهة والطرفة الشرعية التي تفوق كل الطرف والفكاهات، وفي جو من الصدق والحميمية والألفة.
جزاك الله خيرا، وأرجو أن تتابعنا بأخبارك الطيبة.
==============
في المجر .. كيف أبدأ عملا نسائيا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد..
ما زال العمل النسائي في المجر في البداية، ولا توجد لدينا أية خبرة فيه، أرجو منكم أن تساعدونا من خلال خبرتكم الكبيرة في ذلك.
وفقكم الله لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
الدعوة النسائية, فنون ومهارات, وسائل اجتماعية …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي:
الأخت الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الشكر لك على هذه الثقة في موقعنا، ثم الثناء منا على حرصك وتتبعك لما يفيد أخواتك في بلاد الغرب.
فلعلنا لا نبتعد عن الصواب إن قلنا: إن العمل النسائي في إطاره العام يشكو من ضعف بنسب مختلفة، حسب كل بلد وبيئة، ولعل ذلك يعود إلى طبيعة المرأة في ذاتها، و نظرة الغير لها، ومن ثم يكون التفاعل منها ومعها بناء على اختلاف الرؤى وواقع المرأة نفسها.
إننا نجد من يحصر المرأة في دورها المنزلي، ونجد أيضًا من يطمح لها في قيادة المجتمع في مجالات عدة، وما بين هذا وهذا منازل ونظرات.
ونجد من يضع اللوم على المرأة ذاتها، وأنها هي مَن جَنَت على نفسها بطبيعة اهتماماتها، وما جنى عليها أحد، في حين نرى من يقول: إن نظرة الغير للمرأة هي السبب الأول.
ولعل الوسطية تقتضي القول بأن: الأمر مشترك، فهناك قلة وعي من المرأة ذاتها بطبيعة دورها وإمكانياتها وما وهبها الله تعالى، وثمة نظرة قاصرة من الآخر لهذا الدور وهذه الطبيعة في المرأة.
ولعلي من أنصار ما يقوله الأستاذ الدكتور القرضاوي: (إن المرأة - في الجملة - أكثر اهتمامًا بدينها من الرجل، ويبدو أن ما حباها الله وخصها به من مشاعر الحنان والرحمة والرقة، جعلها أقرب إلى الفطرة الدينية من الرجل، ولا عجب إن كانت رسائل السيدات والفتيات أكثر وأغزر من رسائل الرجال والفتيان، وحرصهن على التدين أكبر، وخوفهن من سوء الحساب أقوى) .
وأذهب أكثر مما ذهب له شيخنا القرضاوي، فأقول: إن هذه الخصائص التي أودعها الله في المرأة - مما ذكره الشيخ القرضاوي - وغيرها، لتؤهل المرأة المسلمة إلى العديد من الأدوار الريادية في كافة أروقة الحياة، بداية من بيت وولد، ومرورًا بمؤسسة وعطاء، وانتهاء ببناء مجتمع وكيان عام.(9/221)
وفي مجال العمل الإسلامي للمرأة، علينا أن نعي أولاً قولنا: (العمل الإسلامي للمرأة) الذي يدل في منطوقه على أن ثمة امرأة مسلمة، نريد لها برنامجًا وعملاً جماعيّا، فالأصل هو وجود ثلة من المسلمات على مستوى من الوعي والنضج، يتم جمع جهودهن في مؤسسة لها أهداف وأسس، ويعمل الجميع على تحقيق هذه الأهداف، بناء على تلك الأسس.
ومن بعد هذا التوضيح أورد لك بعض النقاط والاقتراحات، إجابة على تساؤلك أختنا الفاضلة:
- تكوين مؤسسة رسمية مسجلة وفقًا لقانون البلد، والسعي للحصول على مقر لها وإن كان صغيرًا.
- وضع الأسس الفكرية الضابطة للعمل، ووضع اللوائح المناسبة للمحافظة على العمل والرقي به.
- العمل على استشارة متخصص في تسيير الأمور المؤسسية، والحرص على النضج والاستيعاب للعمل من قبل قادة المؤسسة من قبل النساء.
- وضع المناهج التربوية الناضجة التي تناسب البيئة ومجموع الأخوات في هذه المؤسسة، بحيث تكون شاملة ويبرز فيها عنصران: الإيماني بشكل منهجي، وزراعة المعاني الذاتية والهمم الشخصية وفقًا لأهداف المؤسسة.
ذلك لأن الحياة في الغرب تلبس المادة رداءً، والخواء الروحي إزارًا، ولو تركنا المناهج التربوية والفكرية دون تركيز على الجانب الإيماني، فإننا نخشى من تأثر غير محمود.
كما أن زراعة المعاني الذاتية جزء مهم في استمرار العمل وتطوره والسعي لإتمام أمره.
- الاهتمام بالتقاط كل مفيد ونافع من البيئة الغربية من حولنا، فليس الأمر شرّا كله، بل الكثير من الخير منتشر، سواء في عالم التفكير، أو ميدان العمل والنشاط، ففي قصة أسماء بنت عميس رضوان الله عليها التي كانت مهاجرة في الحبشة، استفادت من هذه الهجرة، والتقطت منها ما هو مفيد وحضاري في ذلك الوقت، قال الشَّعْبي: (أول من أشار بنعش المرأة أسماء بنت عميس، رأت النصارى يصنعونه في الحبشة).
فالعمل الإسلامي بشكل عام، والنسوي بشكل خاص، عليه أن يكون نسبه عاليًا لأسماء المباركة هذه، ويكون منه تفتح عقلي وذهني وحضاري، لالتقاط كل خير ونفع، في إطار المنهجية الإسلامية.
- الاهتمام بجانب الطفولة والشباب، وإعطاء هذا المجال جزءًا من الاهتمام الواعي، بإعداد الكوادر المتخصصة في ذلك، والانفتاح على التجارب الأخرى، حتى في البيئة الغربية، والخروج من الوسائل التقليدية إلى ضروب من الإبداع، كمثل الرحلات المبرمجة ذوات العدد من الأيام، والمخيمات الهادفة، وتقديم البديل العملي لكل ما هو مخالف لديننا في حركة الحياة الغربية.
- التركيز على الفقه الأسري وعوامل نجاح الأسرة المسلمة في الغرب، لكون الأسرة في الغرب عاملاً شبه متحلل من قيمه وأسسه، والتيار العام جارف، ولعل المسلمين بشكل عام ينقصهم بعض الوعي في أسس بناء البيت المسلم الملائم للواقع، ولظروف الحياة والبيئة المحيطة.
- العمل على جانب التطوير، وإعداد الكوادر المتخصصة في عدة جوانب، منها: التربوي، والفكري، والشرعي، والاجتماعي، وجانب المهارات الفنية والتقنية، كمثل الكمبيوتر والكتابة، والخطابة، والتنفيذ الإداري الجيد، كذا التخطيط، وكل أولئك نحرص على أن يُكنَّ في الإطار التخصصي الأكاديمي قدر الإمكان، وإلا فبالتسديد والمقاربة، بحيث يكون في خطة المؤسسة الاكتفاء الذاتي بعد فترة، في كافة هذه المجالات.
هذه ملامح عامة مستفادة من تجارب بعض الأقطار الأوروبية وغيرها، وتظل الإمكانيات الواقعية في بلدكم الذي تسألون منه، هي الأساس، سواء من حيث طبيعة الأخوات فيه، وطبيعة إقامتهن، هل هن زائرات لفترة أم هن مقيمات؟ هل هن عربيات أم من جنسيات مختلفة؟ ومستواهن العلمي والمعرفي، والجوانب النفسية ومدى استقرارها، وغير ذلك من الأمور.
وفقكم الله وسدد خطاكم، وجعل الجنة مثواكم، ونشكر لك ثقتكم مجددًا، ونتمنى منكم دوام التواصل معنا.
ويضيف الدكتور رامي محمد ديابي، الطبيب والصحفي السوري:
الأخت السائلة الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله..
شكر الله لك همتك العالية في نشر الخير بين الناس، وهذا يؤكد حقيقة الخيرية لهذه الأمة، المشار إليها بقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
وإتمامًا للفائدة، أشير إلى بعض النقاط أحسبها هامة:
- الدعوة مهمة جماعية في الجانب الأول، والعمل ضمن فريق سر من أسرار النجاح، ولكن لا يعني عدم العمل في حال غياب الفريق.
- الدعوة إلى اله لها أساليب كثيرة ووسائل متنوعة في الغرب، وتختلف من حال لحال، وأهم النقاط في المنهج الدعوي ربما كانت تعلم العربية وأساسيات الدين من قرآن وسنة وفقه وغيرها، على أن يبدأ المسلم أو المسلمة بدعوة أطفاله وعائلته، وبعد ذلك الأقرب فالأقرب، مع العلم على أهمية تقديم القدوة الحسنة وإظهار الأخلاق الإسلامية.
- التواصل مع الدعاة، والمراكز الإسلامية، والمواقع الدعوية، واكتساب الخبرات، من أهم الأمور.
وفقك الله، وفي انتظار رسائلك دائمًا.
===============
بين الدعوة وطلب الرزق .. النية والتوازن
تركت موطني منذ سنواتٍ إلى إحدى دول الخليج، سعيًا على الرزق، حيث أعول أسرتي الصغيرة، بالإضافة لوالدي ووالدتي.
وكنت قبل السفر قد أنعم الله عليَّ بالعمل الدعوي مع أبناء الحركة الإسلاميَّة في موطني، والآن أنا أشعر بحرجٍ نفسيٍّ، وضيقٍ شديدٍ في صدري للأسباب الآتية:
- أشعر بأنِّي أصبحت من طلاب الدنيا، بضياع كلِّ هذه السنوات من عمري فقط في تأمين المال.(9/222)
- عند مطالعة سير الصحابة والتابعين واللاحقين من أبناء الحركة الإسلاميَّة ممَّن وقفوا حياتهم للعمل لنصرة دين الله ومقارنة حالي بهم، أشعر بأنَّ إخواني الذين بقوا في وطني عاملين للدعوة، رغم قلَّة دخولهم الماديَّة، هم أعظم أجرًا عند الله.
- هل ما أنا فيه من الغربة من أجل المال وإعفاف أهلي، يتساوى في الأجر مع البقاء في موطني والعمل لدين الله مع إخواني؟.
- هل تنصحني بالعودة سريعًا والرضا بما يقسمه الله من رزقٍ هناك، أم أنتظر لبعض الوقت؟
- هل ضياع العمر القصير هكذا فيه خسارةٌ دعويَّة وأخرويَّة؟
أرجو تأصيل هده المسالة وجزاكم الله عنِّي خير الجزاء.
…السؤال
قضايا وشبهات, فنون ومهارات, الدعوة والحركة …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ حسن قبيبش، الداعية المغربي البارز:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا عليك توكَّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
في البداية أحيِّي أخي الكريم عبد الله، راجيًا من الله عزَّ وجلَّ أن يجعل لنا وإيَّاه مخرجًا وفرجًا، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ولا شكَّ أنَّ السائل الكريم ينطوي على روحٍ طيِّبةٍ مهمومةٍ بأمر الدعوة إلى الله عزَّ وجل، ونفسٍ لوَّامةٍ ألفت العمل والبذل والسعي في سبيل الله، وهذا دليلٌ والحمد لله على حياة القلب.
ولا شكَّ أنَّ معاشرة الصالحين وصُحبَتهم عَبْر مُدَّةٍ معيَّنةٍ، قد تركت آثارها الطيِّبة، وطبعت شخصيَّة الأخ الكريم.
ولا بد أنك - أخي الكريم - تعلم كما يعلم الجميع، أنَّ مفهوم عبادة الله - عزَّ وجل - عامٌّ شامل، يشمل كلَّ محتويات الحياة، شريطة توفر النيَّة وسلامتها: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
وأقصد بالنيَّة ابتغاء رضى الله فيما نأتي ونَذَر، ورُبّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمه النيَّة، فيؤجر صاحبه بما لم يكن في الحسبان.
فما النية التي هاجرت بها؟ أهاجرتَ وفي نيِّتك أن تصبح من الأغنياء؟ أم هاجرتَ لتجمع الأموال كي تباهي بها الناس؟ أم إرضاءً لنزواتٍ عابرة؟ أم هاجرتَ كي تسعى على عيالك وتكفيهم السؤال، وتستغني أنت عن سؤال الناس؟.
لقد وردت أحاديثٌ كثيرة – لا يمكن إدراجها جميعًا – تحثُّ على طلب الرزق، والاستغناء عن الناس، منها ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خيرٌ له من أن يأتي رجلاً فيسأله، أعطاه أو منعه" رواه البخاري.
وعن عمارة بن عُمير عن عمَّته عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيبَ ما أكل الرجل مِنْ كَسْبه" رواه النسائي بسند صحيح.
خاصةً إذا علمت - أخي - أنَّ كثيرًا من البلدان الإسلاميَّة اليوم، ومنها البلد الذي قدمتَ منه يعيش أفرادها شدَّةً وضيقًا في الرزق، نتيجة الأمراض الاجتماعية التي تنخر جسد الأمَّة، نسأل الله أن يحقِّق لأمتنا النصر والخير، وأن يرفع مقته وغضبه عنا، إنَّه سميعٌ مجيب.
ثمَّ إنَّ الدعوةَ والعمل الإسلاميّ - أخي عبد الله - ليست محصورة بوطنٍ معيَّنٍ، ولا في جنسٍ معيَّن، ولا ينبغي أن تُحصَر الدعوةَ في الحركة المستمرَّة الدائبة، والتي قد تكون على حساب التربية وتقوية الارتباط بالله عزَّ وجلَّ، في معانٍ كادت تغيب في هذا الزمان.
بل لابدَّ أن تسأل نفسكَ أخي الكريم: ما هو حظِّي من كتاب الله عزَّ وجلَّ يوم يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق؟ ما هو حظِّي من محبَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولا أقصد تلك المحبَّة العقليَّة الفكريَّة الباردة، بل المحبَّة التي تستوطن شغاف القلوب، وتجعلك لا تنساه وتصلِّي عليه في اليوم والليلة بما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي به عليه، ثمَّ ما هو حظِّي من الشوق إلى الله عزَّ وجلَّ؟ لأنَّ من اشتاق للقاء الله عزَّ وجلَّ اشتاق الله للقائه.
ومعانٍ كثيرةٌ - أخي الكريم - إن غابت عنَّا يصبح تحرُّكنا أجوف لا روح فيه، فمن يدلُّنا على ذلك؟ ومن يعلِّمنا هذه المعاني العظام السامية؟.
إذن - أخي الكريم - اعلم أنَّه لابدَّ لك من توازن، ولا تَحِنّ إلى موطنك لمجرَّد الأُلفَة، فالإسلام انتشر في كثيرٍ من بقاع العالم بواسطة جنودٍ لا يعرفهم أحد، خاصَّةً التجار منهم، فكن نموذجًا للسلوك السويّ المتسامح المحبّ القوي، وإن كنت في بلدٍ مسلمٍ، فأنت تُعلِّم شعوبنا وتُفهمها الإسلام، وإن كانت والحمد لله - أي الشعوب - نقيَّةَ الفطرة، ذات استعداد لخدمة الإسلام والدفاع عنه، فهي تحتاج إلى دُعاةٍ يعلِّمونها المعاني التي تحدَّثنا عنها آنفًا.
فالحركة - أخي الكريم - والدعوة لا تنقطع، والنصيحة للمسلمين ولعامَّتهم وأئمَّتهم مستمرَّة إلى قيام السَّاعة، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" رواه البخاري. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تحقّرنَّ من المعروف شيئًا" رواه مسلم. وأنا أقول لك: لا تحقرنَّ من العمل شيئًا، فاصنع لنفسك بيئةً هناك تعلِّم فيها وتتعلَّم، وإن لم تكن على صورةٍ تامَّة ممَّا تركته في البلد الأوَّل.(9/223)
ثمَّ إنَّ بابًا لازال مفتوحًا في وجهك قلَّما ينجحُ فيه الناس، وإن كثرت حركتهم بل وعبادتهم، ذلك هو الإنفاق في سبيل الله على دعوة الله عزَّ وجل، فإنفاقك على الدعوة وأنشطتها، ومساعدتك إخوانك، أمرٌ هامٌّ يزيد من قربك إلى الله عزَّ وجلَّ، إنها التجارة التي لا يتعاطاها كثيرٌ من الناس، لثقلها على النفوس وشدَّتها عليها، قال عزَّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ َلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). وفي الأثر عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشتدَّ عجبه بشيءٍ من ماله قرَّبه لربِّه عزَّ وجل.
وردّا على تخوفاتك التي ذكرتَها في رسالتك، فلي كلماتٍ قليلةً عسى الله أن يجعلها في ميزان حسناتنا جميعًا:
اجعل يا أخي همَّك الأوَّل والأساس رضى الله عزَّ وجلَّ، ومحبَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وكلَّ ما سواهما من عملٍ وحركةٍ ودعوةٍ وإنفاقٍ، إنما هي روافد تصبّ في هذا النهر العظيم، لكي لا ينضب، فنلقى الله عزَّ وجلَّ بقلوبٍ فارغةٍ، ونيَّاتٍ ناقصةٍ والعياذ بالله.
وكن دائم الرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ، بالدعاء الدائم المستمرِّ والاستخارة اليوميَّة، وداوم على ذلك حتى نتعلَّم جميعًا أن نفوِّض الأمر لله عزَّ وجلَّ، حتى يختار لنا ما يصلح لنا في أمر ديننا ودنيانا، ولنتعلَّم ألا نختار مع أمر الله شيئًا.
وفقنا الله وإيَّاك لما يحبُّه ويرضاه.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وتضيف الدكتورة حنان فاروق:
أخي العزيز، عندما نسافر ونترك أوطاننا طلبًا للرزق، تأخذنا عجلة الحياة التي لا تكف عن الدوران، فندور معها في دوائرها المفرغة التي لا تنتهي، لكننا قد ننتبه من غفلتنا ودوراننا فجأة على صوت الضمير، وهو يصرخ بأعلى صوته في جنباتنا قائلاً: إلى أين يا عباد الله؟.
هذا أخي هو ما حدث لك بالضبط، وما يحدث لنا جميعًا ونحن في رحلتنا، وقد يجد الشيطان لنا مدخلاً ويقول: "إننا ضيَّعنا العمر في ما لا يفيد ولا ينفع ولا يغني"، ليرمينا في أحضان اليأس والقنوط من رحمة الله، أعاذنا الله وإياك من هذه المشاعر الشيطانية.
لذا فإننا إذا وصلنا إلى هذه المرحلة يجب أن نبحث عن شعاع النور الهارب في قلوبنا.
وتعالَ معي - أخي - نتفكر سويًّا في مشروعية السفر لطلب الرزق، فقد لفت نظري في طيات كلماتك أنك قلت: إن الصحابة والتابعين لم يكونوا يفعلون ذلك، فمن قال هذا؟ ألم يكن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف تاجرًا يسافر في قوافل التجارة، ولم ينكر رسول الله عليه ذلك أبدًا، بل إنه كان واحدًا من العشرة المبشَّرين بالجنة، وغيره كثير.
إن السفر للتجارة - أخي الكريم - كان ومازال وسيلة من وسائل طلب الرزق والمال، وكونك قد أوتيت مالاً من عمل حلال، سواء في وطنك أو في غربة، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وكيف يشاء، ومتى يشاء، فمن ذا الذي يُحَرِّم زينة الله التي أحل لعباده ؟!.
إذن فالمشكلة ليست هي السعي وراء الرزق، خصوصًا إن سافرت إلى بلد مسلم، حيث ينشأ أبناؤك في كنف دين الله، لا في بلد يضيِّعهم قبل أن يبلغوا أشدهم.
لكن المشكلة أخي هي النية، فالنية من أعظم وأرقى أعمال القلوب، وهي التي تحدد مشروعية العمل من عدمه، بداية من: "لماذا أسافر ؟"، وحتى: "إلى أين أنتهي؟".
يجب أن يكون لك في غربتك هدف محدد، فأنت تريد أن تعفّ أهلك، وتكفيهم عناء فتن الحاجة إلى المال، والنظر إلى غيرهم بعين التمني والحسرة، وهذا في حد ذاته هدف نبيل وعظيم، لكن مشكلته أنه لا ينتهي، فنحن في بلاد الغربة نظل نفكر في الغد وضمان المستقبل، ومن يضمن المستقبل إلا الله؟ لذا يجب أن نحدد أولوياتنا، وماذا نريد بالضبط ؟ حتى إذا أنجزنا هدفنا رجعنا واكتفينا، ولم نترك لأسر المادة أن يتحكم فينا ما بقي من أعمارنا، هذا جزء.
أما الجزء الآخر، وهو الدعوة إلى سبيل الله، فمن قال لك: إن الدعوة في وطنك فقط، إن هم الدعوة - أخي الكريم - يحمله المسلم في كل زمان ومكان، وفي كل الأوقات، ففي البيت اعملْ على أن ينشأ أطفالك في طاعة الله، ووجِّههم نحو سبيل الله برفق ولين وحب، حبِّبْ إليهم طاعة الله، وبغِّض إليهم الكفر والفسوق والعصيان، بقصة عن السلف الصالح، تحكيها لهم في مسلسل مشوق كل يوم، في ميعاد تتفق الأسرة عليه، تجلس فيه جلسة إيمانية، وشيئًا فشيئًا تصبح عادة وتقليدًا.
وصدقني، متى نجحت في تنشئة أولادك تنشئة إسلامية صحيحة، فقد أخذتَ نصيبًا عظيمًا من الدنيا - بإذن الله - ينفعك في الآخرة، ويثبت أقدامك، يوم لا ينفعنا إلا العمل الصالح، والأبناء هم بعض عمل الإنسان.
وفى عملك: اتق الله وانصح لزملائك بحب وصدق، وزيِّن كلماتك بسلوك راقٍ كريم، ولا تنسَ أن وسائل الاتصال الحديثة قد أتاحت لنا فرصًا ذهبية للتفقه في الدين والدعوة إلى سبيل الله، وهذه الشبكة العنكبوتية أكبر دليل على صحة ما أقول، ومادمت تقول: إنك كنت قد قطعت شوطًا لا بأس به في الدعوة قبل أن تسافر في رحلة الرزق، فبالقطع سيكون لديك خبرة لا بأس بها في نشر الإسلام والعمل الدعوى، فلماذا لا تفعل؟.
اعلم - أخي - أن العمر لا يضيع ولا يفر من بين أيدينا، إلا إذا أصررنا نحن على ذلك، واتخذنا من الغفلة موئلاً وملاذًا من واجباتنا الدينية!.(9/224)
إنك إن صدقت الله صدقك، وإن نويت وعزمت وتوكلت على الله رزقك ما تريد، فقط ابدأ، ولا تنتظر أن تعود لبلدك، فالبشر من حولك يحتاجون لكلمة حق تنتشلهم من فتن الباطل المحيطة بهم في كل لحظة، كن أنت كلمة الحق، وكن نورًا أينما حللت، فقط أخلص النية لله، وخُذْ خطوة.
وإن شاء الله، سيرزقك عز وجل بآلاف الخطوات في سبيله، وتذكر قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) صدق الله العظيم.
وفقنا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.
===============
صناعة الإبداع .. نصائح وخطوات
أسأل حضراتكم عن كيفية تنمية الإبداع والابتكار عند مجموعة في محضن تربوي، وهم في مراحل عمرية بين الثانوي والجامعة؟ لأني أشعر أنهم يعتمدون على التلقين وفقط، وأنا لا أحب لهم ذلك.
وجزاكم الله خيراً
…السؤال
الشباب, فنون ومهارات, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
تقول الأستاذة إيمان المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم،
الأخ الفاضل، إن تساؤلك الذي طرحته هو شمعة تضيء الطريق، بل وتشعل الفكر بلهيب جميل؛ ذلك لأنك تسعى لغرس الشباب الذين تقوم على تربيتهم بأرض صلبة، فتسقيهم بالإبداع والابتكار ليثمروا – إن شاء الله – شخصيات قيادية، تقود المجتمع بطريقة حكيمة، وهذا هو محور صناعة النجاح والحياة، فلك جزيل الشكر، وأدعو لك بمزيد فهم، ومزيد وعي ليثمر عملك، وليرعاك الله وجميع دعاة المسلمين.
بداية، لتعلم هؤلاء الشباب كيف يكونوا مبدعين، عليك أن تتعلم الإبداع بنفسك، ويتبادر إلى ذهني فورا عظمة الفائدة من كونك تسير في طريق التربية، فتتعلم وتُعلم من حولك، تغرس في نفسك، ثم تغرس بأرض من حولك، وهذه هي أنجح الطرق كونك مثالا لهم.
فتعال وإيايّ نتعلم الإبداع في تربيتنا سويا، ونتناول من خلال هذه الاستشارة - ولو سريعا - بعض الوسائل التي تكسر الروتين، وتلهب الفكر والعقل، وتُشعل العاطفة التي نحن بأمس الحاجة لتوقدها في قلوبنا تجاه ديننا ودعوتنا وأمتنا ومجتمعنا.
الإبداع لغة هو: اختراع شيء على غير مثال سابق، والمبدع هو المُنشيء الذي لم يسبقه أحد، ولذا ورد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، أي أن الله خلق السموات والأرض على غير مثال سابق.
والعملية الإبداعية ليست محصورة على مجموعة من البشر، ولكن كل إنسان قادر على أن يكون مبدعا، وذلك لو عرف الطريق إلى الإبداع، واستطاع تنمية الدوافع التي تكمن وراء العمل الإبداعي.
وقبل أن أطرح عليك بعض الأفكار العملية، أود أن ألفت انتباهك إلى أن تطبيق هذه الوسائل لتنمية الإبداع لا يعني التوقف عن العمل ضمن البرنامج التربوي، ولكنك ستبقى تسير ضمن البرنامج، ولكن بطرق مبتكرة جديدة.
وتعال الآن نتناول وإياك بعض الوسائل التدريبية لتنمية الإبداع عند هؤلاء الشباب:
- تعرف على مجموعتك بطريقة مبتكرة، وذلك بكتابة بطاقات عليها جمل تبرز الاهتمامات المختلفة لهؤلاء الشباب، ومن أمثلة هذه الجمل: "أحب كل الناس الذين ألتقي بهم، أحب الأشخاص المتدينين، أحب الأشخاص المثقفين الذين يكثرون القراءة والتعلم، أحب الأشخاص الذين يحبون الفن... إلخ"، ويقوم كل مشترك باختيار البطاقات التي تناسب شخصيته، وهذه يعطيك رؤية لاهتماماتهم.
- اطلب من المجموعة أن تساعدك في ترتيب المكان قبل بدء الحلقة، وضع على المقاعد هدية رمزية تناسب اهتمامات كل مشترك بالحلقة، فمن عرفت أنه يحب منشد معين، قم بشراء أسطوانة لهذا المنشد، واكتب له إهداء تبوح له بتميزه وتقديرك لهذا التميز.
- اختر موضوع معين تعلم أنه يخص المجموعة سواء بحسب فكرهم واهتماماتهم، أو مستوى أعمارهم، وصغه في صورة مشكلة، ثم اطرحها للنقاش بينهم، فالسؤال يثير الانتباه والحوار، ويعكس فكر كل مشارك بالمجموعة؛ مما يساعدك في التعرف على شخصياتهم، وتنمية قدراتهم الفكرية والعقلية والاجتماعية والتربوية.
- اكتب أربعة بطاقات فيها اهتمامات مختلفة مثل: الكومبيوتر، القراءة، الرياضة، الخطابة، الكتابة ... إلخ، واطلب من كل واحد أن يختار واحدة من هذه البطاقات، ثم اجمع كل الأفراد الذين اختاروا مجالا واحدا، واطلب منهم أن يجلسوا بحلقة صغيرة يناقشوا لماذا اختاروا هذا المجال، بعد ذلك قم بجمعهم من جديد، واطلب من كل واحد في المجموعة أن يتحدث عن نفسه لماذا اختار هذا الاهتمام، ثم حاول طرح مجموعة من الوسائل التي تساعده على تنمية هذا الاهتمام، ولكن احرص على أن تسجل عندك اهتمامات كل فرد، وسبب اختياره حتى تعمل على تنميته مستقبلا.
- حاول ابتكار أساليب جديدة في غرسك للمفاهيم التربوية مثل: إحضار لوح خشب صغير ودق عليه مسمار، ثم اطلب من أحد الأفراد أن يأتي ليدخل المسمار بنفس المكان، ولكن باستخدام يد واحدة فقط، وعلى المجموعة أن تعطيه إرشادات لكيفية ذلك، وبالمحاولة والخطأ سينجح في النهاية، وهذا الدرس لن ينساه الأفراد، وسيتعلمونه ويستذكرونه عندما يواجهون تجربة فشلوا بها، وحينها ستحفزهم للاستمرار، وتعلمهم الإرادة القوية والصبر والمتابعة.
- اطلب من بعض الأفراد أن يقدموا بأنفسهم الدروس في الحلقة التربوية، وذلك باستخدام الوسيلة التي يختارونها، مثل: عرض شرائح، تقسيم الأدوار، خطابة... إلخ
- وجه أسئلة ضمن موضوع الدرس التربوي، وانتظر منهم الإجابات أثناء تناولك للدروس.
- استخدم معهم الجمل التحفيزية مثل: أتحدى أن يحفظ أحد منك سورة قرآنية معينة في فترة 10 أيام مثلا.
- استخدم معهم الوسائل التكنولوجية، مثل: الشرائح، والأشرطة، والكمبيوتر، ... إلخ.(9/225)
- احضر لهم محاضرين بين حين وآخر، واجعل حضورهم في صورة مفاجأة، كأن يستتر الضيف وراء ستار أو بغرفة أخرى؛ لتحفزهم وتجعلهم متشوقين للشخصية.
- وزع عليهم شهادات تقدير في مدة محددة، أو بعد إتمام مشروع معين، مثل: حفظ قرآن، أو تطوع في تنظيف المسجد، أو القيام بنشاط معين ... إلخ.
- وزع عليهم بين حين وآخر أظرف مغلقة، وضع فيها مادة مرتبطة باهتماماتهم، فالذي يحب القراءة ضع له خطة نموذجية تنمي قدراته، وذلك من خلال كتب إرشادية، أو اكتب له بشكل شخصي بعض الأسماء لكتب مهمة تنصحه بقراءتها، وراعي أن تصف مطالعتك أنت لها، وما تعلمته منها بشكل شخصي، كأن تكتب: "قرأت كتاب الرحيق المختوم، وبكيت لتأثري وشوقي لرؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، وزاد حبي وشغفي له عليه الصلاة والسلام، فما كان مني إلا أن انتهزت كل لحظة حتى أُتم قراءته، وقرأته بأقل من شهر، ثم اختلفت حياتي بعد ذلك"
- عرّف كل واحد منهم - بشكل فردي أو جماعي - بشخصيات مبدعة بالمجالات التي تهم أفراد المجموعة، فالمهتم بالرياضة تطلب منه أن يقدم 10 دقائق عن شخصية رياضية متميزة في رياضة معينة، أو تعرض قصص نجاح بعض هذه الشخصيات.
- اطلب من الأفراد استخراج الدروس العملية من البرنامج التربوي، ولا تلخص أنت مباشرة ما الواجب تطبيقه وتعلمه، فهذه وسيلة للتعلم الفردي وتجديد الفكر.
- قم بإعطاء الأفراد فرصة للتعبير عن آرائهم، وطرح اقتراحاتهم الجديدة لتطوير الحلقة، أو أي نشاط تقومون به، وبعد كل نشاط اطلب منهم تقيم هذا النشاط.
- احترمهم، وقدرهم، وعاملهم بكل ود وحب، وكن شريكا لهم أكثر من كونك أستاذ لهم، فإن ذلك منبع كل إبداع مميز.
- تحمّل بعض الأخطاء التي قد تصدر منهم، ولا تصححها بطريقة مباشرة، ولكن اتركهم يصلون أولا إلى أخطائهم، ثم اتركهم يحاولون الوصول إلى معالجة لهذه الأخطاء بأنفسهم.
والأساليب كثيرة، لا تحصى ولا تعد، وأنا واثقة أنك بمجرد الانتهاء من قراءة الرد ستجد في بالك كثيرا من الوسائل الأخرى التي لم نذكرها، والتي تناسب اهتماماتهم وشخصياتهم، وما كان ما سبق إلا لفتح الباب فقط أمامك.
فيا أيها الحارث الهمّام استعن بالله عز وجل، وأخلص النيّة، وطهر السريرة، وجد في السعي وستصل بإذن الله تعالى.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك اهتمامك وحرصك على من تقوم بتربيتهم، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.
وإضافة إلى ما ذكرته الأستاذة الفاضلة إيمان المصري، يمكنك - أخي الكريم - تنمية الإبداع لدى طلابك في بعض الجوانب التي يملكون فيها استعدادات، وميول، وقدرات تساعدهم على أن يكونوا مبدعين فيها.
وجوانب التميّز - أخي الكريم - تختلف من فرد لآخر تبعا لما بين البشر من فروق فردية، فقد نرى هذا متميزا، أو لديه الاستعداد، أو القدرة على التميز في الجوانب الاجتماعية، ونرى هذا متميِزا في الجوانب الرياضية، وآخر في الجوانب الثقافية، أو الأدبية، أو الفنية، أو العلمية، أو التحصيل الدراسي، أو الحفظ، أو سرعة البديهة، أو الإلقاء، أو الأشغال اليدوية … إلخ.
وتبدأ تنمية هذه الجوانب باكتشافها أولا، ثم العمل على تنميتها، ومن الوسائل التي تعينك على اكتشاف جوانب التميز لدى هؤلاء الشباب:
- إقامة أنشطة متنوعة:
لكي تستطيع التعرف على جوانب التميز لدى هؤلاء الشباب، فمن الضروري أن تقيم عددا من الأنشطة المختلفة والمتنوعة من رياضية وثقافية وفنية وعلمية واجتماعية … إلخ، والتي تُتيح لهم إبراز ما لديهم من جوانب التميُّز، وبالتالي تساعدنا على اكتشاف هذه الجوانب.
- الملاحظة الموضوعية:
فمن الضروري للتعرف على جوانب التميُّز لديهم أن يكون هناك ملاحظة موضوعية لأدائهم أثناء ممارستهم للأنشطة المتنوعة التي تقوم بتنظيمها.
- تصميم مواقف تتحدّى قدراتهم:
ويمكنك الكشف عن جوانب التميز لديهم من خلال تصميم مواقف وأنشطة تتحدى قدراتهم المختلفة، وتُتيح لهم الفرصة ليُخرجوا ما لديهم من جوانب التميز لمواجهة هذه المواقف التي تتحدى قدراتهم.
- الأسئلة المثيرة:
يمكنك أيضًا الكشف عن جوانب التميز لديهم بأن تطرح عليهم عددا من الأسئلة المثيرة، ثم تدفعهم للبحث عن إجاباتها بأنفسهم.
- الاستبيانات والاستفتاءات:
كذلك يمكنك استعمال الاستبيانات والاستفتاءات بعد إعدادها بصورة جيدة ومناسبة للتعرف على ميول واستعدادات وقدرات هؤلاء الشباب.
- السؤال المباشر:
وذلك بسؤالهم بصورة مباشرة عن ميولهم وقدراتهم واستعداداتهم، مع مراعاة أنَّ إجاباتهم قد لا تعبِّر بصورة حقيقية، أو كاملة عن قدراتهم المتميزة.
أما عن كيفية تنمية هذه الجوانب والوصول بها إلى درجة الإبداع، فيمكنك - أخي الكريم - الاسترشاد بالخطوات التالية مع كل طالب من طلابك:
- إتاحة الفرصة له لممارسة الأنشطة التي تنمِّي استعداداته وقدراته، وتشجيعه على ذلك.
- منحه الثقة في نفسه وفي قدراته وإمكاناته.
- مشاركته اهتماماته وتشجيع السلوك المتميز لديه.
- مدُّه ببعض الخبرات المثيرة المرتبطة بمجال تميزه مثل: مدّ المتميز في الجوانب العلمية بخطوات تصنيع السيارة، أو خطوات انطلاق الصاروخ ... وهكذا.
- تشجيعه على الملاحظة الهادفة لكل ما يحيط به، وتسجيلها، وتحليلها.
- تدريبه على الاستفادة من خبرات الآخرين، خاصة في مجال تميزه.
- البحث عن متخصِّص في مجال تميزه وتعريفه به بشكل مباشر، حتى يستفيد من خبراته في هذا المجال.
- تهيئة الفرص المناسبة لتنمية قدراته، فمثلا صاحب التميز في المجال الرياضي يمكن تهيئة الفرص له لتنمية قدراته من خلال الأمور الآتية:(9/226)
* الحرص على إشراكه في بعض الأندية لممارسة رياضته المتميز فيها.
* مساعدته على تخطيط وقته ليوازن بين ممارسته للرياضة وبين قيامه بواجباته ومسئولياته الأخرى.
* حضور بعض التدريبات معه؛ لإشعاره بالمشاركة الوجدانية، ولتشجيعه على ذلك.
* مشاركته بحضور المباريات الهامة.
* متابعة تقدّمه في هذا الجانب بمتابعة رأي خبراء اللعبة في أداءه.
وهكذا في كل مجال من مجالات الإبداع.
وفي النهاية - أخي الكريم - نسأل المولي عزَّ وجلَّ أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وتابعنا بأخبارك.
==============
قواعد في أدب الخلاف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سؤالي عن الجماعات الإسلامية، وهو أن هناك الكثير من أبناء بلادنا قد انتمى بعضهم للجماعة السلفية، أو هكذا يسمّون أنفسهم، ولا يقتنعون إلا بكلام بعض العلماء مثل: الشيخ الألباني، وغيره من علماء السلفية.
وفي نفس الوقت ينتقدون الكثير من العلماء والدعاة مثل: الشيخ القرضاوي والعوده والقرني وغيرهم، ويحذرون منهم، ويقولون: إن العلماء حذروا منهم، فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل السلفية نوعان أم ماذا؟.
علما بأن بداية التزامي كانت في التسعينيات، وكانت بفضل الله، ثم بفضل سماعي لأشرطة علماء ودعاة من بلاد الحجاز، مثل: الشيخ ابن باز وعائض القرني وسلمان العودة وغيرهم، ولم أكن أعرف في بداية التزامي شيئا عن هذه الجماعات، وكنت أعتقد أن المسلمين على قلب واحد، وشعرت بلذة الإخوة في الله.
وعندما علمت بأمر هذه الجماعات وما يدور بينها أصابني الإحباط الشديد، لدرجة أنني شعرت بضعف إيماني.
وفي المقابل هناك جماعة الإخوان، الذين هم بدورهم ينتقدون السلفية، ويعلقون على تصرفاتهم، وينتقدون تمسكهم باللحية والإزار، وبعض السنن الأخرى، علما بأن المنتمين إلى هذه الجماعات هم من أقاربي وجيراني، وهم ينظرون إلي نظرات فيها انتقاص، أو اتهام، أو لا أدري كيف أفسرها، وكأن لسان حالهم يقول لي: إن لم تكن في جماعتنا، فأنت على غير الصواب.
فأنا في حيرة من أمري، وأود النصيحة منكم.
…السؤال
قضايا وشبهات, فقه الدعوة …الموضوع
الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أهلا بك - أخي الكريم - على صفحات موقعكم إسلام أون لاين، ونشكر لكم هذه الثقة الغالية، وحيا الله أهل ليبيا الشقيقة.
اعلم - رعاك الله - أن الاختلاف سنة كونية أودعها الله تعالى في كونه وفي خلقه، فعالم الإنس غير عالم الجن، وهذان غير عالم العجماوات، والإنسان يختلف من لغة إلى لغة، ومن لهجة إلى لهجة، ومن بلد إلى بلد، ومن أسرة إلى أسرة، ومن فرد إلى آخر، بل إن الإنسان أحيانا تختلف مواقفه وتتعارض صفاته من حين إلى حين، وقد قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).
وإذا كان الاختلاف سنة في الخلق، فهو أيضا سنة في الفهم، فعقول الناس مختلفة، ومن هنا نشأ الخلاف في فهم النصوص الشرعية.
ونتيجة لهذا نشأت المذاهب الفقهية، ولا نكير على نشأتها؛ لأن اختلاف الآراء المبنية على الدليل مصدرُ ثراءٍ، ومنبعُ فخرٍ للفقه الإسلامي، وليست نقيصة فيه بحال من الأحوال، فلا غرابة أن تنشأ جماعات ودعوات وحركات تدعو إلى الإسلام، نابعة من الإسلام، منطلقة من أصوله، غير أنها تختلف في بعض الفروع، لكن بعضها – للأسف - يضخم هذه الفروع فيجعلها أصولا، ويضخم السنن فيجعلها فروضا، ويضع الفروع والجزئيات مكان الأصول والكليات، والبعض الآخر يستهين بالسنن الظاهرية، مثل اللحية وغيرها، فنحن واقعون بين طرفي نقيض، بين التهويل والتهوين، والوسط دائما هو الخير: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، نضع الأمور في نصابها الصحيح في ضوء فقه النِّسَبِ بين مراتب الأعمال، ولا نهون من شيء حتى لو كان من الفروع والجزئيات.
أقول - علمني الله وإياك - إنه لا مانع أبدا من نشأة هذه الحركات والدعوات، بحيث يدعو الكل إلى الإسلام بالطريقة التي يراها، وبالفهم الذي يفهمه شريطة أن يكون اختلاف تنوع وتكامل وتضافر، لا اختلاف تطاحن وتراشق وتنافر، فاختلاف العقول ثراء، واختلاف القلوب وباء.
وإذا كان اختلاف التنوع والتكامل والتضافر مباحا، أو مستحبا، بل أحيانا يبلغ درجة الواجب، فلابد من أصول تضبطه، وقواعد ترشد مسيرته، ومبادئ تسدد خطاه، ومن أهم هذه القواعد:
أولا: أن لا يُنكَر على المجتهد في اجتهاده وعمله بهذا الاجتهاد، ولا يَمنع هذا من إقامة الحجة عليه، أو المحاورة معه؛ للخروج من الخلاف، والوصول إلى الحق، بل هو الأولى، إذ مازال السلف يرد بعضهم على بعض في مسائل الفقه والفروع من المعتقد، وهذا من النصيحة للمسلمين.
وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ، وهذا مقرر في قواعد الفقه، حيث لا إنكار في المختلف فيه، يقول سفيان: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه". [الفقيه والمتفقه 2/69].
ويقول الإمام أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب، ولا يشدد عليهم". ويقول كذلك: "لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع". [الآداب الشرعية 1/186].
ويقول ابن تيمية: "مسائل الاجتهاد، من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه". [مجموع الفتاوى20/207].(9/227)
وقال النووي: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً". [شرح النووي على صحيح مسلم 2/24].
ثانيا: الاحترام والمحبة على رغم الخلاف، فالخلاف أمرٌ واقع لا محالة، ولكن لا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين الصادقين في طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر، أو تشاحن وتدابر وتناحر، فأخوة الدين، وصفاء القلوب، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية، والمسائل الفرعية، واختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن تكون سببا في قطع حبال المودة، ومهما طالت المناظرة، أو تكرر الحوار، فلا ينبغي أن تؤثر في القلوب، أو تكدر الخواطر، أو تثير الضغائن.
ولقد اختلف السلف فيما بينهم، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية، فهذان الخليفتان الراشدان - أبو بكر وعمر - يختلفان في أمور كثيرة، وقضايا متعددة، مع بقاء الألفة والمحبة، ودوام الأخوة والمودة، ومع هذا الخلاف بينهما فإن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام للآخر، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه.
وفي ذلك يقول الإمام بن تيمية: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة". [مجموع الفتاوى: 24/172]. ويقول: "فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ" [الاستقامة 1/31].
ويقول يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة"، قال الذهبي: "هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون". [سير أعلام النبلاء 10/16-17].
ويقول الإمام حسن البنا في كلمة معبرة عن هذا المعنى: "إن الخلاف في الفرعيات الفقهية لا يكون سببا في التفرق والتحزب والتنافر، فقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم والأئمة الأعلام ولم تختلف قلوبهم ... ونري أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته، وألسنا مسلمين وهم كذلك؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ولماذا لا يكون رأينا مجالا للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو للتفاهم؟ هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء، فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في قلوبهم؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا، وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد". [رسالة دعوتنا].
ثالثا: ضرورة حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم، ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى، فقد تأول ابن تيمية للمتصوفة قولهم: "إن المريد إذا أحبه الله لم يضره ذنب"، وحمله على أن من أحبه الله ووقعت منه معصية، فإن الله تعالى يوفقه للتوبة والاستغفار، ويعينه على الخلاص من ذنبه حتى لا يبقى مصرا عليها. وتأول ابن القيم معنى قول الجنيد: "إذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه على الصوفية، ومنعه صحبة القراء"، وحمله على معنى أنهم يهذبون أخلاقه، ويدلونه على تزكية نفسه، وأما القراء - وهم أهل التنسك الذين قصرت همتهم عن ظاهر العبادة - فلا يذيقونه من حلاوة أعمال القلوب، وتهذيب النفوس. [مدارج السالكين: 2/396-370].
رابعا: عدم تتبع سقطات وعثرات الأئمة والدعاة الهداة، وبخاصة الذين تنغمر سيئاتهم في حسناتهم، ولا سيما أثناء الحوار؛ لأن هذا من شأنه أن يوغر الصدور، ويخرج الحوار عن أهدافه ومقاصده، يقول ابن رجب: "وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ" [القواعد: خطبة الكتاب].
وقال الذهبي وهو يتحدث عن ابن تيمية: "وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك". [تذكرة الحفاظ: 4/1497].
وقال ابن القيم: "من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحتمل منه ما لا يُحتمل من غيره، ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.. وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات، فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين" [مفتاح دار السعادة: 1/177].
هذه كلها قواعد يجب أن تراعى عند الاختلاف كي يكون الاختلاف مسددا وهادفا وصحيًّا ورشيدا، وبغير ذلك تنقلب الساحة إلى حرب وتطاحن وتنافر، ويتغير حكم تعدد هذه الجماعات والدعوات من الوجوب إلى الحرمة، فاتحاد المسلمين فريضة محكمة إلى يوم القيامة.
==============
في عيادة الأسنان .. أفكار دعوية
السلام عليكم ورحمة الله،
أنا طبيب أسنان، أتمنَّى إرشادي إلى طريقةٍ مناسبةٍ للدعوة إلى الله في عيادتي الخاصة، وقد فكَّرت بوضع أشرطةٍ لبعض الدعاة.
فما رأيكم بهذا؟.
وشكرًا.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية, المجتمع …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
تقول الدكتورة سحر طلعت عضو فريق الاستشارات:(9/228)
الأخ الكريم هاني، جزاك الله خير الجزاء أن جعلت أمرَ الدعوة إلى الله نُصْب عينيك، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
ولكنَّنا نريد أن نخرج بالدعوة من الأُطر التقليديَّة التي تعوَّدناها، وأن نجتهد في إيجاد طرقٍ جديدةٍ ومُبتَكرةٍ للدعوة.
ومن المعلوم أنَّ الدعوة بالقدوة أهمُّ وأكثر تأثيرًا من الدعوة بالكلمات، فالأفضل أن تكون أنت قدوةً مع مرضاك، في الخُلُق وحسن التعامل، وليكن قدوتك في ذلك حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن، وقديمًا كانوا يصفون الطبيب "بالحكيم"، الذي لا يقتصر دوره على التطبيب، ولكن يتعدَّاه ليكون عونًا وسندًا اجتماعيًّا لمرضاه.
وفي السطور التالية بعض الأمثلة التي توضح كيف يمكن أن يكون الطبيب قدوةً في عيادته:
- بداية الأمر أن يعمل على إعداد نفسه الإعداد الجيِّد "علميّا ومهاريّا" حتى يستطيع أن يُقدِّم أفضل خدمة طبيَّة لمرضاه، وأن يتعامل مع كلِّ حالة على أنَّها أخٌ أو قريبٌ له، ويبذل ما في وسعه للوصول إلى التشخيص السليم، ووصف العلاج الناجع بأمر الله.
- أن يراعي الالتزام بالمواعيد، حتى لا يُهْدِر للناس أوقاتهم، فالوقت هو الحياة.
- البشاشة وحسن الاستقبال والتبسُّم في وجه المريض: "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة" رواه الترمذي وحسَّنه. والتفاعل معه، بالسؤال عن اسمه وأحواله، فإذا تكرَّر حضوره يتمُّ مناداته باسمه، والسؤال عن أولاده وعمله، ليشعر أنَّك مهتمّ به شخصيّا، ويمكن طبعًا كتابة هذه البيانات على كارت المريض أو على الملف الخاصِّ به على الكمبيوتر لسهولة التذكُّر.
- الحرص على بدء العمل بالتسمية والتوجُّه إلى الله بالدعاء أن يوفقك في عملك، ويمكن أن يكون هذا بصوتٍ مسموع دون تكلّف.
- الاهتمام بظروف المريض ومراعاتها، وعدم المبالغة في أسعار الخدمة الطبيَّة، وعلاج غير القادرين مجّانًا أو بأسعار التكلفة.
- المريض إنسانٌ مُبتَلى بمرضه، وقد يكون ضعيفًا فلا يتحمَّل الألم ومعاناة المرض، ودور الطبيب أن يُذكِّر المريض بفوائد الصبر على هذا البلاء.
هذه بعض الأمثلة التي تُعِينك على أن تكون قدوةً في عيادتك.
أما إذا أردنا بعض الوسائل المعينة التي يمكن استخدامها في عيادتك، فهذه بعض الأمور التي يسهل تنفيذها:
- يمكنك تشغيل بعض الأشرطة في العيادة ليسمعها مَن ينتظرون دورهم في الكشف، على أن تُراعِى أن يكون المتحدث ذا أسلوب حَسَن سلِس، مع التنويع في مادة الشرائط، فلا تكون كلها مثلاً ترهيبًا من النار، وحديثًا عن أهوال القيامة، ولكن ينبغي أيضًا أن تكون هناك شرائط أيضًا تتحدث عن الأخلاقيات والمعاملات الإسلامية، وفقه العبادات ... إلخ.
مع مراعاة الحالة الصحيَّة لمرضاك؛ فلا ترفع الصوت عاليًا، وتوقِف التشغيل إن كان هناك من يتألَّم بشدَّةٍ ويضايقه الصوت.
- ويمكنك أيضًا أن تضع بعض الكتيِّبات، وحاول أن تكون هذه الكتيِّبات صغيرة الحجم، وتكون مركَّزة ومنوَّعة، عن الصلاة، التوبة، حبِّ الله، فضل الذكر، فلسطين ... إلخ.
- يمكن وضع سبُّورة في حجرة الاستقبال، ويوضع عليها مجلَّة حائط مطبوعة، أو يُكتَب عليها كلَّ يومٍ حديثٌ، أو آية تحض على سلوك معين.
- يمكن استثمار المناسبات الإسلاميَّة، مثل ذكرى الهجرة، أو ذكرى مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو حلول شهر رمضان، أو ذكرى الإسراء والمعراج، أو ذكرى احتلال فلسطين، في توزيع كتيِّبات، أو أشرطة، أو مسابقات، تتعلَّق بهذه المناسبات".
ويضيف الدكتور كمال المصري:
الطبيب - بحكم عمله – يتعرَّض لأصناف شتَّى من البشر، تمثل شرائح المجتمع المختلفة، غنيُّهم وفقيرهم، مثقفهم وجاهلهم، صالحهم وطالحهم، وبحكم عمله أيضًا له مكانة خاصة في عقول وقلوب مرضاه، مكانةً تجعل ما ينصح به شيئًا مقدسًا، غير قابلٍ للنقاش والجدال، فالمريض يتصور أن الطبيب يعرف كل شيء، وبيده أن يزيل كل آلامه ويحل كل مشكلاته.
لذا فمن واجب الطبيب المسلم أن يستثمر هذه الخاصية التي حباه الله عز وجل بها في الدعوة إليه سبحانه وتعالى، خاصة وأنه يتعامل مع الجسد البشري الذي يستطيع من خلاله أن يوجِّه نظر مريضه إلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى وعظمته، من منطلق: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)، و(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
فمثلاً عندما يقوم الطبيب بفحص أسنان المريض، يتحدث معه حول حكمة الخالق سبحانه في خلق الأسنان، وكيف جعل لكل سِنٍّ شكلاً خاصّا يناسب وظيفته.
وينبهه إلى ضعف الإنسان واحتياجه إلى الله عز وجل، وأن الشفاء ليس من الطبيب ولا من الدواء، وإنما هو من عند الله عز وجل وبإرادته، مما يشكل غرسًا لقيم العقيدة بشكل عملي.
وأحب أن أذكِّرك - أخي الكريم - بأهمية استحضار النية في كل وقت وتذكُّرها، حفاظًا على عملك، ليُقبَل عند الله عز وجل، فلا يكون هدفك من تلك الأفعال الحصول على شهرة، أو شعبية ليزيد الإقبال عليك، بل يكون هدفك الأول إرضاء الله عز وجل والعمل لدينه، فإن تسبَّب هذا في خيرٍ دنيوي فهو فضل من عنده سبحانه.
ومن الوسائل التي يمكن استخدامها، إضافة إلى ما تفضلت به الدكتورة:
- التزام الآداب الشرعية أثناء عملية الكشف، خاصة إذا كان المريض من الجنس الآخر، فيحرص الطبيب على غض البصر، وعدم الاطلاع على العورات، وإن اضطُّر لضرورة العلاج فليكن في حدود المطلوب ولا يتوسع.(9/229)
- الالتزام بآداب المهنة العامة، وبنود ميثاق الشرف الخاص بها، كالحفاظ على أسرار المريض، وبذل النصح المخلص له.
- إحياء سُنَّة الأذكار والرُّقى الشرعية، عن طريق توصية المريض بوِرْد يومي من القرآن والأذكار يقوم به، وإقناعه إيمانيّا بأن المحافظة على هذا الورد مع الدواء الموصوف له دور كبير في الشفاء.
- الحرص على انتقاء مُمَرض أو مساعد جيد، يجمع بين الالتزام الديني والخُلُقي، وبين المهارة في العمل وبشاشة الوجه وحسن الاستقبال.
- الالتزام بأداء الصلاة على وقتها، ويا حبذا لو صلَّى بمرضاه جماعة في عيادته إن كان الظَّرف يسمح، وليحرص ألا ينفق وقتًا طويلاً في الصلاة حتى لا يضجر المنتظرون.
- الحرص على بث مشاعر الصَّبر والأمل في رحمة الله عز وجل، والرِّضى بقضائه سبحانه وتعالى، وبيان فضيلة ذلك، وبيان سوء عاقبة الجَزَع والسُّخْط والقنوط من رحمة الله.
- الحرص على المظهر الشخصي، ونظافة العيادة، والأدوات المستخدمة، وعدم إهمال صيانتها.
ولا ينبغي أن ننسى أيضًا في حديثنا إلى الطبيب المسلم أن نلفت نظره إلى عدم إهمال قيامه بواجب الدعوة تجاه مرضاه من غير المسلمين، فهم أهل دعوة أيضًا، ومن واجبه أن يريهم من خلال شخصه وعمله الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين، لا أن يكون سببًا في زيادة تشويهها.
مع مراعاة عدم الحرص على الخوض في عقائدهم وانتقاصها، بما يُشْعِر المريض أن الطبيب يستغل مكانته في فرض عقيدته ووجهة نظره.
وأظن أن هذا الأسلوب ينبغي تعميمه حتى مع المسلمين، فلا يحاول الطبيب أبدًا أن يُدخِل نفسه في صراع فكري، أو جدل أيديولوجي مع مريضه، حفاظًا على مكانته في قلب هذا المريض من أن تهتز.
أخي هاني، أدعو الله سبحانه أن يوفقك، وأن يُجزِل لك العطاء، وأن يُعِينك على الإخلاء
===========
"العمل التنظيمي" .. شرط لاكتمال الإيمان!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يعيش الشعب الفلسطيني في هذه الفترة صراعا داخليا بين أطيافه السياسية المختلفة، ولدي سؤال حيرني كثيرا، خاصة في ظل هذا الصراع، وهو: هل يجب على المسلم حتى يكون مسلما حقا أن ينضم إلى التنظيمات الإسلامية؟ أو هل لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا انضم لهذه التنظيمات الإسلامية؟.
أرجوا الإجابة ولكم جزيل الشكر.
…السؤال
قضايا وشبهات, فقه الدعوة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه.
من مرونة الإسلام - أخي الحبيب - وحرصه على أن يسع الناس جميعا والعصور كلها والبيئات بمتغيراتها، سمح للبشر بوضع النظم والقوانين التي تنظم حياتهم وتسعدها، وذلك بما يناسب تغيرات الأفراد والمكان والزمان، وجعل هذه النظم مُلِزمَة، ما دام قد تمَّ الاتفاق والتراضي عليها من أغلبية كل تجمع، وما دامت نافعة ولا تضر أحدا، وما دامت لا تحلّ حراما ولا تحرِّم حلالا، وهذا يُسمَّي في أصول الفقه "المصالح المُرْسَلة أو المُطلقة"، ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا هو سبب وسر صلاحية الإسلام للجميع، ولكل زمان ومكان إلى يوم القيامة.
ولقد فرض الفاروق عمر رضي الله عنه - نتيجة لاتساع دولة الإسلام – عددا من اللوائح والقوانين، والتي لم تكن مفروضة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الكرام، بل عاونوه بكل فكر وجهد.
والذي يضع هذه اللوائح المُلزمة، أي الذي يفرض هذه الفروض، هو كل مسئول ومستشاريه مِن ذوي الخبرة والخلق والدين في كل مؤسسة، كما يُفهم من قوله تعالي بصيغة الفرض: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وذلك على اختلاف أحجام هذه المؤسسات وأنواعها وأشكالها سواء أكانت بيتا، أو ناديا، أو شركة، أو دولة، ... إلخ.
فقد يفرض مثلا حاكما - بعد التشاور مع حكومته - على بعض المتخصصين بدولته العمل بالطاقة النووية، أو زراعة محاصيل معينة؛ لنقصانها واحتياج الناس ببلده لها، أو يفرض مجلس إدارة شركة على العاملين فيها نظاما إداريا محددا للرقي بها، أو ما شابه ذلك من فرض النظم والقرارات التي تحقق الصالح العام، والتي قد تنتهي بانتهاء الأهداف منها وتحققها، أو قد تستمر لنفعها.
والله تعالي من رحمته وعدله وحبه لخلقه وحرصه عليهم أن يعملوا بشرعه ليسعدوا به في دنياهم وآخرتهم وضع فيه شرطا أساسيا لأداء أي فرض، وهو الاستطاعة، أي القدرة على فعله، كما يقول تعالي : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، قال الإمام ابن كثير: "أي جهدكم وطاقتكم"، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرط في قوله: " فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري.
فعنصر الاستطاعة واضح في كل الإسلام، فمثلا الحج (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، والصيام (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، وهكذا في باقي العبادات والتكليفات، لأنه سبحانه (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).(9/230)
فمن كان صادقا في عدم استطاعته، ولم يؤدّ فرضا ما نهائيا، أو أداه بصورة غير مكتملة، لكن قدر طاقته وإمكاناته المتاحة، والتي هو وحده – بعد الله – يعلمها، فهو أيضا مكتمل الإسلام، لأنه لم يُقصِّر، بل كانت استطاعاته هكذا فقط، وقد أتي بمئة في المئة مما أتيح له على مدى عمره، ويقول الإمام ابن تيمية في هذا المعني: "كل من استفرغ وسعه استحق الثواب".
أخي الحبيب، والسؤال الآن: هل التجمّع هو فرض مُستحدث تتطلبه وتفرضه المرحلة الحالية؟
في رأيي أن الأمر أبسط وأوضح من أن يحتاج إلي دليل شرعي، وأعطيك مثالا بسيطا: لو جاءك فرد يريد أخذ مالك، أو أرضك، أو نحو ذلك مما تملكه، فإنك سترده بفطرتك وحبك لملكك بما استطعت، فإن جاءك بمجموعة، فالعقل والمنطق والفطرة تقول أنك ستجتهد ما أمكنك في تجميع عدد من الأفراد يساوي أو يزيد على عدده، حتى يمكنك دفعه والحفاظ على ممتلكاتك، فإن قابلته بعدد وعتاد أقل منه دون أن يكون لك عذر مقبول، فأنت حينئذ مُقصِّر ولا شك، منهزم، مستسلم، مخالف للفِطر النقية، وللعقول المُنْصِفة، أما إن اجتهدت، وأعددت له ما استطعت من أعداد وعدّة، فأنت منتصر بكل تأكيد ولو بعد حين.
ثم إن أردتَ أدلة شرعية بعد ذلك، فإليك بعضها:
- يقول تعالي: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، فإن لم تتجمع مع أهل الخير انتصر في المقابل أهل الشر ونشروه.
- ويقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)، فإن لم تتعاون وتتجمع مع أهل البر للحفاظ عليه ونشره فماذا بقي بعد ذلك لتتعاونوا عليه؟!
- ويقول الفقهاء: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فإذا كنت لا تستطيع أن تقوم بفرض حماية ما تملك إلا بالتجمّع، أصبح التجمع فرضا.
وهكذا الحال الآن - أخي الحبيب - بالنسبة لأحوال المسلمين وأوضاعهم، فلقد انفرط عقدهم، وأصبحوا أذلة، بسبب ضعف تمسكهم بربهم وإسلامهم، وزاد ضعفهم سقوط دولتهم التي تدافع عنهم بسقوط الخلافة الإسلامية عام 1924 م، واحتُلت أراضيهم، وحتى مقدساتهم لم يستطيعوا حمايتها.
لكنَّ هذه المهانة بدأت توقِظ عقول وقلوب بعضهم، فبدأوا في الإصلاح، فرأوا أنَّ طريقه طويل ومتعدد، لأن العدو يسيطر على كل الجبهات: الاقتصادية والعلمية والإعلامية والسياسية والعسكرية وغيرها، فوجدوا وأيقنوا أنه لا يمكن لفرد وحده أن يكون له كل هذه الإمكانات، ويقوم بكل هذه المهام، فوَجَبََ التجمّع إذن لتجميع مختلف الطاقات، ثم ما دام هناك مجموعة أفراد فلابد بداهة من أن يكون لتجمعهم لوائح وأنظمة حتي يتم التنسيق بين أفرادها، فينجزوا ولا يتخبطوا. وعلى هذا التجمع أن يهتدي بطريق الرسول صلى الله عليه وسلم فيسير عليه، وهو طريق الإصلاح من أسفل لا من أعلى، أي تغيير القواعد من الناس قبل تغيير الرؤوس من الحكومات.
أخي الحبيب، من فَهِم سبب فرضية التجمّع التي شرحناها سابقا واقتنع بها، أصبح فرضا عليه أن ينضمّ لتجمع ما، وعليه أيضا أن يبحث عن أي التجمعات التي تهتم بكل جوانب الإسلام، والتي ستعينه على أن يسقط عن نفسه فرض الدعوة للإسلام، والتمكين له، والدفاع عنه ليلقى ربه مطمئنا، مثابا أعظم الثواب.
ومن لم يفهم، أو لم يقتنع، أو اقتنع ولم يستطع لأعذار يُقدِّرها هو، ويراها مقبولة يوم القيامة، فليعمل بفرده، وليَدْعُ غيره، وليدعو لكل تجمع بالتوفيق، وليساعدهم ما أمكن فيما يقتنع به ويقدر عليه، وليتعاون الجميع في المساحات المشتركة بينهم، والتي يتفقون عليها، وما يتعذر الاتفاق عليه، فليعتبروا ذلك تعددا للآراء وليس اختلافا، وليستفد كلٌّ من خبرات ووجهات نظر الآخر، وذلك في إطار الأخوة والحب وسلامة الصدور والرغبة الصادقة في الوصول لكل خير.
إنَّ واقع المسلمين الآن أخي الحبيب، والذي لا تخفى آلامه على أحد، يفرض تمسك كل فرد في ذاته أولا بالإسلام حق التمسك ما استطاع، مع تخصصه في مجال ما من مجالات الحياة، مع دعوته لمن حوله لذلك قدر طاقته، مع تجمع الأفراد وتآلفهم، مع تجمع التجمعات الإسلامية وتآلفها والتنسيق بينها، مع تجمعها حتي مع التجمعات المسيحية أو اليهودية المعتدلة، سواء داخل الوطن كمواطنين فيه، أو خارجه كمتعاملين معه، فالاتحاد قوة والانفراد ضعف.
بهذا يكتمل إسلام كل مسلم ومسلمة، مَنْ بداخل التجمعات الإسلامية أو مَنْ بخارجها، ما دام لم يُقصِّر، ولكل ثوابه على قدر فهمه وبذله وإحسانه وإتقانه.
وفقكم الله وأعانكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
==============
تربية الشباب = اتصال فعال + إبداع في البرامج
هناك مجموعة من الشباب في مراحل عمرية مختلفة، من الصف الأول الثانوي وحتى الجامعة في محضن تربوي مع أخ من الإخوة، ولكنه غير مهتم بهم على الوجه الأكمل، وذلك من وجهة نظري، فهو مشغول بعمله وخطوبته، وقد استشرت بعض الإخوة ليكونوا معي تربويا، مع العلم أن منهم الانطوائي، ومنهم الإيجابي، ومنهم المرتفع إيمانيا، ومنهم عكس ذلك.
كيف أعمل مع هذه المجموعة؟.
وكيف أجدد في وسائل الاتصال والتربية معهم؟.
وجزاكم الله خيرا كثيرا.
…السؤال
شباب وطلاب, وسائل دعوية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ عبد الهادي أحمد، عضو فريق الاستشارات:
الأخ الكريم محمد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حقيقة لفت انتباهي في رسالتك تلك الروح الايجابية الحريصة على الآخرين، الحاملة أمانة الدعوة بكل إخلاص - نحسبك كذلك ولا نزكي على الله أحدا -، فبارك الله فيك وفي جهدك ووقتك.(9/231)
في البداية - أخي الكريم - أحب أن أشير إلى عدة أمور:
- ذكرت في سؤالك - عزيزي محمد - أن الأخ المسئول مشغول بخطبته وعمله، و أنه غير مهتم بهم على الوجه الأكمل، وهذا يعني أن هناك متابعة للعمل، لكنها ليست مثالية برأيك، وجميل أن نطمح للمثالية والكمال، لكنني أفضل عليها الانجاز والنجاح، والطموح شيء رائع، لكن الواقعية مطلوبة.
- أربعوا على ذلكم الأخ وارفقوا به، فهو في مرحلة انتقالية، ومن الجيد مطالبة الآخرين بما يستطيعوا، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، بل وكونوا له عونا وسند في هذه المرحلة.
- ما أقدمت عليه من طلب العمل مع هؤلاء الشباب شيء طيب، ولكن راعي أنه من الأفضل أن يكون هناك توزيع للمهام، حتى لا تكثر الأعباء على شخص واحد فتختل لديه الأولويات، ويشعر أنه مشغول في كل لحظة، فهذا الجو أبعد ما يكون عن الإبداع والتجديد الذي تنشده.
أما عن كيفية العمل مع هؤلاء الشباب، فأنصحك - أخي الكريم - بالأمور التالية:
- لابد من تقسيم الأفراد حسب مراحلهم العمرية، والمرحلة الثانوية تختلف عن الجامعة، فحبذا لو تم تقسيم الشباب إلى مجموعتين: مجموعة لطلاب الثانوية وأخرى لطلاب الجامعة.
- هناك تنوع في طبائع من تدعوهم كم ذكرت، وهذا يتطلب منك مهارة دعوية أراها مهمة في التأثير الدعوي، وهي مهارة القرب النفسي بين المربي والمتربي، والقرب النفسي الموجد للتفاعل التربوي يحكمه عاملان هما:
أ- شخصية المربي وجاذبيته: فلابد من أن تكون شخصية المربي شخصية واعية متشربة لمعاني الدعوة ومفاهيمها، ولديها من المهارات النفسية، ومهارات الاتصال والحوار والخطاب ما يكون بمثابة قنطرة بينها وبين نفسية المتربي، فتنساب المعاني بإبداع وروعة، لا أن تكون الطرق المستخدمة تقليدية عفى عليها الزمن.
وأيضا لابد من أن يكون المربي جذابا في شخصيته، وذلك من خلال العناية بمظهره الخارجي، وامتلاكه لمقومات الشخصية الجذابة، من لطف في المعاملة، ورفق، وثقافة واسعة، ووعي، وصبر على النفوس، وصدق وإخلاص لله عز وجل في حمل الرسالة، حينها يصح أن نطلق على ذلكم الداعية لقب "الداعية الملك"، وهذا ما يؤكده الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله حيث قال: "إذا صَلُح قلب العبد للحق عز وجل، وتمكن من قربه، أُعطي المملكة والسلطنة في أقطار الأرض، و سُلم إليه نشر الدعوة في الخلق، والصبر على أذاهم...فيُسلَّم إليه تغيير الباطل و إظهار الحق".
ب- شخصية الطالب والفروق الفردية: وهذا ما ذكرته في سؤالك ألا وهو اختلاف شخصيات أولئك الطلاب، فهنا لابد من أن تكون مرنا في التعامل فلا تعامل الجميع بقالب وأسلوب واحد، ولكن عليك أن تغير من أسلوبك حسب نفسية المقابل، وهذا أمر مع التدريب والوقت سيغدو لديك شيئا طبيعيا، واسأل من سبقك من إخوانك في مجال التربية، وهنا أرى أنه لابد من طرح معادلة مهمة في التواصل والتأثير الدعوي ألا وهي:
التأثير = الانتباه + المرونة
الانتباه = القدرة على قراءة الشخص الآخر، أو الموقف، أو المفاتيح الخفية في الموقف التربوي، فالانتباه أشبه ما يكون بنظام سونار بشري ذو حساسية لالتقاط الإشارات اللفظية وغير اللفظية للمقابل، بمعنى آخر أن تكون بارعا في فن الاستماع والملاحظة.
والمرونة = القدرة على الانتقال إلى سلوك ملائم بناء على مدى انتباهك لمفاتيح الشخصية التي يقدمها لك الشخص الآخر. < /P >
أما عن كيفية التفكير لهم والتجديد معهم في وسائل الاتصال والتربية، لابد من أن يكون لديكم خطة تربوية يسعى من خلالها المحضن لتحقيق أهداف معينة (سلوكية، دعوية، ثقافية، علمية...إلخ)، فوجود الأهداف يفتّح الآفاق، ويرشدك لضالتك، ويساعد على التركيز، ويوفر الأوقات والطاقات.
ولابد من مراعاة التدرج في تلك الخطة، وأن تكون مراعية لظروف الطلبة (اختبارات، إجازات)، ولعلنا نحيلك لكتاب الشيخ محمد الدويش "تربية الشباب"، وهو متوافر على موقعه الشخصي المربي، فقد ذكر هناك كيفية صياغة الأهداف التربوية المختلفة، مع نماذج لكيفية عرض تلك الأهداف وتحقيقها في المحاضن التربوية.
وبالنسبة للتجديد في وسائل الاتصال والتربية، فهذا في الوقت الحالي متاح ومتوفر فمثلا:
- عوضا على أن تعرض الدروس بالطريقة التقليدية لم لا تعرضها عبر عروض الكمبيوتر "البوربوينت" مثلا.
- من الممكن أن يكون عرض الدروس على شكل دورات مصغرة، وتتنوع تلك الدورات بين ما هو مهاري ونفسي واجتماعي، ومن أمثلة هذه الدورات:دورة في القراءة السريعة، كيفية المذاكرة، كيفية مواجهة الشهوات، الحوار الناجح، الشخصية الجذابة، فتلك العناوين غالبا ما تجذب الشباب بل ولا أخفيك - عن تجربة - هي ما يحتاج وغيرها لتكميل شخصيته بدلا من المواضيع الإنشائية.
- هناك استشارة في الموقع بعنوان: مهارات الاتصال بالناشئين .. دورة للمربِّين أتمنى عليك مطالعتها، ففيها تفصيل لجوانب عديدة لم أذكرها هنا للاختصار.
=============
أدعو اليابانية أم أتزوجها؟ .. راجع الضمان
تعرفت على فتاة يابانية عمرها 28 سنة، وذلك في أحد المؤتمرات الطبية، ولا أُخفي إعجابي بها، مع العلم أني متزوج، ولي ثلاثة أبناء.
فهل أبدأ بدعوتها للإسلام أم أعرض عليها الزواج أم أطرق البابين معا؟.
أفيدونا أفادكم الله.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ مسعود صبري…المستشار
……الحل …(9/232)
أخي الفاضل، الإعجاب شيء فطري في حياة الناس، ولا نريد لبعض المسلمين أن يجعلوا الإعجاب رجسا من عمل الشيطان، غير أنه في ذات الوقت يجب أن يوضع الإعجاب في موضعه، فقد يُعجب المرء بدين آخر، وقد يعجب الإنسان بعقل الآخر، وقد يعجب باجتهاده، حتى إنه قد يعجب بجماله، لكن هذا الإعجاب مصون بقواعد الشرع الحكيم، فهو لا يتعدى إلا أن يكون شيئا داخليا يسكن عقل الإنسان وخاطره، ولا يدفع الإنسان إلى معصية، وحين تسير الأمور في مجراها الطبيعي لا يكون هناك اعوجاج أو خلل، لا في الأفكار ولا في السلوك، فينسجم المرء مع قواعد الحياة الفطرية، ومع الكون بمفرداته، فيحصل التعايش والانسجام، التعايش بشكل سوي مع الآخرين، والانسجام مع النفس، فلا تكون هناك عوائق داخلية تجعل الإنسان في صراع مع ذاته، وكلما اقترب الإنسان من الفطرة كلما كان أقرب للاعتدال والاستواء.
وإذا اعتبرنا الإعجاب شيئا فطريا، فإن من تبعات الفطرة أن يدرك الإنسان نفسه، وأن يعرف أفعاله، وأن يضع أحاسيسه ومشاعره الموضع الحسن، فهل كل امرأة يعجب بها الإنسان يتقدم إليها للزواج؟ إذن لتزوج الرجل مئات بل ألوفا من النساء، إن الإعجاب غير الحب، فالإعجاب معنى عام يقصد به احترام الشخص المعجب به، وتقديره لشيء وقع في نفس الإنسان موقعا حسنا، أما الحب فهو علاقة خاصة، فالرجل لا يحب عددا من النساء، وإنما يحب امرأة واحدة، يعطي لها أحاسيسه ومشاعره وعاطفته، وهذا يعني أن تعيد قراءة علاقتك بهذه الفتاة.
وإن كان الإسلام دين الإنسانية، فهو يجعل المرء يستفيد من خبرات الناس جميعا، ومن جميل ما قرأت لمعرفة علاقتك بالآخرين وتحديد طبيعتها ما كتبه "ستيف تشاندلز" في كتابه "مائة طريقة لتحفيز نفسك"، وكانت أول طريقة هي "ارقد على فراش الموت"، وخلاصتها أن تتخيل نفسك على فراش الموت، وأنها آخر لحظات حياتك، وأنك تريد أن توصي، ففكر فيمن تريد أن يكونوا معك وأنت على فراش الموت، وأن تنظر المشاعر المرتبطة بالاحتضار، فساعتها ستعرف كل شخص يهمك في الحياة، وما تريد أن تقول له، فستعرف أولئك الذين تفتقدهم، وتعرف من تحب من الناس، ومن أهم أقرب إلى قلبك، ومن تشاطره المشاعر العامة، أو يخالط قلبك مشاعر خاصة له".
وأنا أدعوك أن ترقد على "فراش الموت" – أطال الله عمرك وأحسن عملك-، وأحسب أنك ستكتشف طبيعة أحاسيسك ومشاعرك تجاه هذه الفتاة اليابانية، وبعدها يمكن أن تحدد ماذا تريد أن تفعل.
وعن دعوتك إياها للإسلام فهذا أمر يحتاج منك إلى إعادة نظر، فما المقصود من هذه الدعوة؟ هل أنت تعيش شخصية الداعية الذي يريد للإنسان الخير دون أن ينتظر منه شيئا، أم أنك تريد إسلامها لأجلك؟ فتعيد حساباتك مع نفسك وتحدد المطلوب دون غطاء أو ستار.
وماذا لو رفضت هي الزواج منك لأنك متزوج؟.
وماذا لو لم تكن تحمل لك المشاعر التي تحملها أنت لها؟.
وماذا لو كانت تسمح هي بإنشاء علاقة معك، ماذا ستصنع، هل ستسمح لنفسك أن تسير وراء هواك؟.
وأين نصيب زوجتك وأولادك من حياتك؟.
وما الذي دعاك لأن تفكر بالزواج بها، هل هناك مشكلات بينك وبين زوجتك، أم أنه مجرد الإعجاب بعالم آخر غير العالم الذي تعيش فيه؟.
هذه أسئلة أرى أنه من الواجب عليك الإجابة عنها، وعن أمثالها لتعيد اكتشاف نفسك في هذه المنطقة.
غير أنه ما ينبغي أن نجعل الدين أو الدعوة مطية لمطامعنا، ولا أن نخدعها فندعي أننا دعاة إلى الله، وحقيقة الأمر أننا نريد لأنفسنا طريقا لشيء آخر نبتغيه، ولكننا نريدها أن تجيء بطريقة مقبولة عند الناس، وربما عند الله.
إن نيتك لدعوة هذه الفتاة للإسلام أمر حسن، ولكني أنصحك أن تخبر زوجتك بأمرها وأن تترك لها هي الدعوة معها، فهي أقرب إليها، وذلك ربما كان أخلص عند الله، وأرجى لإسلامها، إذ النية لها تأثير على سير العمل وخاصة في أمر الدعوة إلى الله.
وأحب أن أنبهك لأمر هام، وهو أن الزواج لا ينبني على علاقة عاطفية فحسب، فهذا نوع من القصور في الفهم، فالزواج علاقة خاصة أكبر من الابتسامة العارضة، والتزين العارض، والكلام الجميل، والتجمل العام، فهو التحام وتشابك، وتعايش في أخص خصوصيات الحياة، وأنت لم تخبر الفتاة اليابانية في حياتها الخاصة، وربما لم تعرف طبائعها الشخصية، ولا يمكن ادعاء هذا في لقاء بمؤتمر أو نحوه، فلقاء الرجل بالمرأة في المحافل العامة غير اللقاء تحت سقف واحد.
وأنا لست ضد تعدد الزواج بداية حتى لا يفهم من كلامي أني أمنعك منه، فهو شرع الله رغما عن الجميع، مع كونه ليس واجبا أو فرضا، بل هو اختيار شخصي منضبط بضوابط الشرع، غير أنني أتحدث إليك في حالتك الخاصة، محاولا أن أفكر معك، لتجلس مع نفسك وتعيد ترتيب أمورك مرة أخرى مستعينا بالله، عسى الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وأعانك على الخير دائما، وسدد على الحق خطاك.
==============
الحلقة العائلية .. وصايا ومقترحات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم كثيرًا على الموقع الذي استفدت منه كثيرًا.
أطلب منكم إعطائي بعض التوجيهات والنصائح، فأنا متخرِّجة من كلية الآداب شعبة الدراسات الإسلامية، والآن أنا متزوجة وعندي بنتان توأم "ثلاث سنوات" وموظفة.
أرى في نفسي تقصيرًا كبيرًا من ناحية الدعوة إلى الله، نظرًا لكوني أحمل بعضًا من العلم الشرعي الذي درسته مدة أربع سنوات بالإضافة إلى سنةٍ أخرى من التخصُّص في مادة المناظرات الدينية وتاريخ الأديان، أرى أنِّي لا أقدِّم شيئًا لإسلامي، فما أفعله من الدعوة هو ما يفعله أيُّ إنسانٍ مسلمٍ لم يدرس العلم الشرعي كما درسته.(9/233)
أرجو أن ترشدوني إلى طريقةٍ ما، وأود أن أخبركم أنِّي خجولةٌ جدًّا، وبالتالي لا أستطيع مواجهة الناس بالخطب وإلقاء الدروس كما تفعل الكثير من صديقاتي.
في هذه الأيام جاءتني فكرة إنشاء حلقةٍ لطلب العلم وذكر الله تعالى، وذلك بإعداد درسٍ صغيرٍ وإلقائه أمام بعض أفراد عائلة زوجي.. مع المواظبة عليه كلّ أسبوع.
أرجو منكم أن تفيدوني ببرنامج عملي لهذه الحلقة.
أخبركم أن عائلتي تعول عليّ باعتباري خريجة الدراسات الإسلامية، وأنا لا أرى في نفسي الكفاءة والقدرة على ذلك.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
الدعوة الفردية, العائلة, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذة سميرة المصري…المستشار
……الحل …
أهلا ومرحبا بك أختي الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذا الحرص على دعوة من حولك من الأقارب، وأن يجعل ذلك في ميزان حسنات.
إن الله تعالى يصطفي من عباده الأنبياء والشهداء، كما يصطفي لدينه جندًا يحبِّب إليهم هذا الطريق ليكونوا من الفائزين، لأنَّ الله تعالى قد وصف بالخسارة كل مسلمٍ لا يتابع عبوديته بالدعوة لدينه بقوله: ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر).
والدعوة إلى الله فريضةٌ شرعيَّةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، كلٌّ يبلِّغ ما علمه ولو آية، فالله تعالى يقول: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر)، وبالمقابل.. (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)، فجعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين كما قال القرطبي في تفسيره.
والواقع يحتم علينا - أختي الكريمة - في غياب المنابر العامَّة الجماعيَّة أو قلّتها أن نكون جهازًا لنشر الدعوة بين أهلنا وأقاربنا ومعارفنا، حتى نضيف إلى ديننا أنصارًا ومحبين يدافعون عنه، خاصةً في هذه الأيام، حيث الهجمة على تعاليم الإسلام مدروسة ضمن تخطيطٍ تقوده دولٌ كبرى.
لذلك، فإنِّي أبارك خطوتك، خاصة أن دراستك الشرعية تساعدك على هذا الاتجاه، لكنِّي أود أن ألفت نظرك إلى القول المشهور: "فاقد الشيء لا يعطيه"، فعليك أن تكوني - أختي الكريمة - قدوة لهم في كل شئونك، فلسان الحال أبلغ من لسان المقال، وليست المعلومات وحدها كافية للتأثير على النفوس وإلا تبقى خالية من الروح.
ويمكن أن ألخص نصيحتي إليك في النقاط التالية:
* البداية تكون كما تعلمنا من الهدي النبوي في مسيرته التبليغية، فقد فرض الله عليه قيام الليل - إلا قليلاً - حتى تشفّ روحه وتشحن بالعبودية لله.. (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً).
إنَّ التقرُّب إلى الله بالنوافل، ومجاهدة النفس للابتعاد عن المعاصي هو الذي يفتح باب الدعوة لدينه، لأن آنية الله في الأرض قلوب عباده، وأحبها إليه أصفاها وأصلبها وأرقّها، أي أصفاها روحًا وأصلبها في الطاعة، وأرقّها على الخلق.
* كذلك التحضير الجيِّد والاستعانة بورقة لتدوين الآيات والأحاديث بعد الاستعانة بالله يدعم الثقة بالنفس، ويطرد الخجل الذي لابدَّ أن يواجه كل داعية في بداية الطريق، والجيِّد أنَّك اخترت التحرُّك ضمن عائلتك التي تبعد الحرج عنك.
* اهتمي ببداية الموضوع كوعاء محفوظ أو القراءة من الورقة، فمتى كسرت الحاجز الوهمي من الخوف تتالت الكلمات على لسانك وازدادت الثقة مرةً تلو الأخرى.
* يجب أن يكون للقرآن نصيبٌ من كلِّ جلسةٍ تلتقين فيها مع العائلة، مع شرح الآيات والاستعانة بمختصر تفسير ابن كثير أو في ظلال القرآن أو غيرها من التفاسير الميسرة، على أن تكون هناك مادة أخرى تتغير أسبوعيًّا، من فقه إلى سيرة إلى حديثٍ نبوي إلى قصة نبي إلى عقيدة.
* يمكنك إشراك بعض الأفراد بالتحضير لبعض المواد، فهذا يفعّل الحلقة ويجعلها أكثر حيوية.
* وكذلك فإن تنظيم مسابقة شهرية أو فصلية بالمعلومات التي سبق دراستها أمرٌ جيِّد، ويحفّز على الانتباه وإتقان المعلومات، ولا بأس بجوائز رمزيَّة تشجيعيَّة.
* إن إضافة كتاب أو شريط كاسيت على البرنامج للنقاش حول مضمونه كل شهر أو أكثر، نوع من كسر الروتين والملل الذي قد يصاحب رتابة المنهاج.
* تنظيم نشاط خاص بالمناسبات الإسلاميَّة، كشهر رمضان، أو غزوة بدر، أو في موسم الحج، أو رأس السنة الهجرية، يجدد الانتماء للإسلام.
أما الكتب التي يمكنك الاستعانة بها فهي:
* في تفسير القرآن، تفسير القرآن العظيم لابن كثير، أو صفوة التفاسير للصابوني.
* نشرة في أحكام التجويد.
* في الفقه، كتاب "تيسير فقه العبادات"، للشيخ فيصل مولوي، وهو كتابٌ سهلٌ جامع.
* بعد فترة يمكنك الاستعانة بـ "فقه السيرة" للشيخ محمد الغزالي، وكتاب "السيرة النبوية.. دروس وعبر" لمصطفى السباعي.
* من المفيد أيضًا دراسة كتاب "ماذا يعني انتمائي للإسلام" للداعية فتحي يكن.
* كذلك كتاب "خلق المسلم" للغزالي.
* وتحضير دروس مختصرة من "عقيدة المسلم" للغزالي.
* وفي الأحاديث فيمكن البدء مع متن الأربعين النووية، والانتقال بعدها إلى فصول مختارة من كتاب "رياض الصالحين" للنووي.
* أمَّا قصص الأنبياء وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهي مواضيع جذابة ومتحركة، والكتب كثيرة في هذا المجال.(9/234)
* وفي قصص الصحابة الكرام فيمكنك الاستعانة بكتاب "رجال حول الرسول"، وتكليف بعض أفراد الحلقة دوريًّا بتحضير بعض الأسماء من الصحابة.
وعليك تشجيعهم على الحفظ والتحضير، والقيام بجلسات تعبّدية جماعية، أو التواصي بقيام الليل أو صلاة الفجر في وقتٍ واحد، مع تنويع الأمكنة، أي كلٌّ في منزله مع الدعاء لهم.
في مرحلةٍ متقدمةٍ يمكنك توسيع نشاط الحلقة بالتحاق جديدات فيها أو تشجيع بعض أفرادها بالإشراف على حلقةٍ جديدة ومتابعتها من قبلك.
ولا تنسي - أختي الكريمة - تنمية ثقافتك الإسلامية عبر المطالعة، ومتابعة الندوات والمحاضرات، سواء بالتلفزيون، أو في المساجد والمراكز والنوادي.
إضافةً إلى تدريب أفراد الحلقة على تطبيق ما أمكن من الدروس، كبذل المال خلال أسبوع الدرس عن الإنفاق، وزيارة الأقرباء لدى الحديث عن صلة الأرحام، أو تفقد الجيران أو المحتاجين لدى مناقشتكم لحقوق الجار ومساعدة الفقراء، وهكذا...
واعلمي أنَّك بهذا العمل في قربة إلى الله تعالى، كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري، وتابعينا بأخبارك.
==============
الخطابة في أوربا .. أفكار للنجاح والتأثير
السلام عليكم، أنا مقيم في إحدى الدول الأوروبية منذ 10 سنوات، وأخطب الجمعة في بعض المساجد، وأخيرا دعيت إلى تولي الخطبة والصلاة في إحدى المدارس التابعة لدولة عربية، ويحضر الصلاة أعضاء سفارة تلك الدولة بشكل خاص مع بعض الأشخاص الآخرين.
أنا قبلت الدعوة طمعا في أن تستمر الصلاة، هل كان من الخطأ قبول العرض، مع العلم أن مجال الخطبة سيكون الوعظ والترهيب والترغيب فقط؟.
أرجو أن تفصّلوا لي في اختيار منهج يمكن أن تسير عليه الخطب لتؤتي ثمارها، مع العلم أنهم استقبلوني بالكثير من الاحترام.
أرجو أن يتولى الإجابة على السؤال شيخ من المشايخ الذين يترددون على أوروبا.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية, المجتمع …الموضوع
الأستاذ عبد الحميد الكبتي…المستشار
……الحل …
…أيها الأخ الخطيب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من خطباء الحق والخير، الذين يدركون حق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعد رسول الله يصعد الدرجة التي قبل الثالثة، ومن بعده الفاروق رضي الله عنه يقف على التي تحتها، إكراما لموقف النبي عليه الصلاة والسلام.
وتذكر - أخي الكريم - أن صدق الحديث للناس، وما تحمله كلماتك وحروفك من عاطفة صادقة، وعقل واعٍ، هما مدار التوفيق في عملك، من بعد توفيق الله تعالى.
ولا يغيب عنك سؤال سأله ابن سفيان الثوري لأبيه قائلا: يا أبت، لِمَ لا يبكي الناس ويتأثرون عندما يعِظُهم غيرك، ويبكون عندما تعظهم ؟ قال: يا بني، ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
إنها المعاني والمعاناة التي تُنطِق الداعية الخطيب الواعي، المفعم بالعاطفة والفهم معا.
وكونك - أخي الفاضل - تعيش في الغرب، فهذا يقتضي فهمك وفقهك لكثير من المسائل والأحوال التي تختص بها بيئة الغرب، وفهمك واطلاعك على هذه الأمور يعطيك تواصلاً حقيقيّا مع معاناة الناس وهمومهم، ويقربك منهم أكثر، سواء قضاياهم الاجتماعية، أو الفقهية، أو حتى الجوانب النفسية والسلوكية.
وهذا يحتاج منك نظرة عميقة للواقع الذي تعيشه، وفق ضوابط الشرع الحكيم، وتغليب لمصالح المسلمين، والبحث عن مراد الشارع الحكيم في كل وعظ وتذكير، ودعوة للخير، ومن جملة هذه المصلحة المراعاة شرعا، هو مكان عملك، وما تقوم به من عمل مبارك.
فكونك - أخي - تخطب منذ سنوات، وما قبلت الدعوة إلا من أجل استمرار الصلاة، فهذا أمر جميل طيب مبارك فيه، وعليك كي تجد إجابة على تساؤلك أن تبحث عن الفائدة والخير أين مكمنهما.
فإن كان في قبولك للخطابة في هذه المدرسة خيرا، من حيث الحرص على استمرار الصلاة - كما ذكرت - وتعليم الناس في المدرسة، أو أصحاب السلك الدبلوماسي، وأن هذا العمل معهم لا يعرضك للتنازل أو المجاملة في أمور هم يريدونها، كما أن قبولك لهذا العرض لا يفوّت مصلحة أخرى أعم وأشمل، وهي الدعوة لفئة أكبر عددا، وفقدانهم لمن يذكّرهم.
إن قبولك لهذا العرض بهذه الضوابط، هو أمر مبارك إن شاء الله.
واحرص - أخي الحبيب - على أن تبتعد في خطبك ودروسك عن المهاترات السياسة، واستصحاب مشكلات الدول العربية والمشرقية، والخوض في مسائل لا يترتب عليها عمل حقيقي، فتلك الأمور تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا تجمّع.
وقد ذكرت - أخي - أن أعضاء تلك السفارة قد رحبوا بك، وأبدوا لك احتراما، فاحرص على اغتنام هذه العلاقة الطيبة، وعمِّق صلتك بالناس، كي تكون بابا ممهدا لقبول دعوتك التي تحملها، وما تذكّرهم به من معاني الفلاح والرشاد، وابتعد عن الرعونات الفكرية والنفسية، التي تدعو إلى وزن الناس بميزان واحد، وعدم إنزال الناس منازلهم.
فلتحرص على أن تبرز لهم مكارم الإسلام وسجاياه الطيبة، من خلال حُسن خلقك وسمتك وهديك، فتضرب لهم بذلك المثل الفصيح، من بعد لفظ راق صادق صريح.
إن الذي يستحق البحث – أخي الحبيب – مصلحة ديننا، أين تكون، فنكون، وما دام توفر ما ذكرته لك، فإن اختيارك هو الخير بحول الله تعالى.
وقد أصبت - أخي - حين قلت: إن مجال الخطبة في هذه المؤسسة هو الوعظ والتذكير، وإتماما لبلوغ الهدف أنصحك ببعض النصائح:(9/235)
* طالع واقرأ واستمع في الموضوع الذي تريد الحديث فيه، وابتعد عن التقليد والتكرار، واعرض للناس الموضوعات بروح جديدة، يرونَ فيها تميزك، وجهدا مبذولا في توصيل الأفكار.
* افهم مستمعيك، واعرف حالهم، وما يشغلهم من قضايا، ودقّق في تأثيرات الغرب الإيمانية، وكن مبدعا في معالجاتك التربوية.
* ساهم في التوعية بأسس التربية الصحيحة التي تناسب البيئة المحيطة، فأنت في مؤسسة تربوية.
أما عن المنهج الذي يمكن أن تسير عليه، فمن غير المناسب ذكر منهج تفصيلي، إذ أنت أدرى بقدراتك، وأدرى بالمتلقين عنك، غير أني أنصحك بما يلي:
* التركيز على أعمال القلوب، بصورة عملية، تعطي للناس فيها المفاهيم الصحيحة، مع جوانب عملية تمكنهم من تحقيق المفهوم بشكل عملي ميسر.
* الحرص على تسلسل الخطب، حيث إنها لفئة تعرفها وتلقاها دائمًا، فتكون ذات طابع منهجي مترابط.
* لمس الجوانب التربوية ذات الصلة بهم، ومعالجتها بطريقة إيمانية حضارية راقية.
* أنصحك بمطالعة بعض الكتب، التي نحسبها تفيد في مقامنا هذا:
- مدارج السالكين لابن القيم، أو تهذيبه لعبد المنعم العلي العزي.
- العبودية لابن تيمية.
- ماذا يعني انتمائي للإسلام، لفتحي يكن.
- لا تحزن، لعائض القرني.
- العقيدة الإسلامية لحسن حبنكة الميداني.
وأوصيك بدراسة كتاب: من فقه الأقليات، للأستاذ: خالد محمد عبد القادر، ضمن سلسلة كتاب الأمة.
وفقكم الله وسدد خطاكم لكل ما يحب ويرضى، وفي انتظار أخبارك.
=============
كيف نستثمر الهجرة دعويا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أودُّ أن أسأل عن حكم الاحتفال برأس السنة الهجريَّة، وماذا إذا كان احتفالاً راقياً فيه من التذكير بهجرة الرسول عليه صلوات الله وسلامه؟.
وهل كان الصحابة يتذاكرون هذا اليوم؟.
وما حكم إحياء هذه الليلة خاصَّة؟.
ثمَّ أودُّ أن أسأل، هل كان خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم من مكَّة في هذا اليوم، أم أنَّ وصوله إلى المدينة المنورة هو في ذلك اليوم؟.
وماذا تنصحوننا أن نفعل في هذا اليوم بالذات، مع العلم أنَّنا طالباتٌ في الجامعة، ونحرص على أن نستغلَّ كلَّ مناسبةٍ لدعوة الطالبات - على قدر استطاعتنا -، وهذه الجامعة هي فقط للطالبات، ممَّا يتيح لنا فرصةً واسعةً في التنقُّل، وراحةً في الحديث مع الجميع.
وجزاكم الله كلَّ خير. …السؤال
وسائل اجتماعية, ثقافة ومعارف …الموضوع
الدكتور كمال المصري, الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور كمال المصري:
أهلاً ومرحبا بك أختي الكريمة،
واسمحي لنا - أختي الكريمة - أن نجيب على أسئلتك كالتالي:
- حكم الاحتفال بالهجرة يكون حسب طبيعة الاحتفال، فإذا كان الاحتفال يحمل معه منكراً كتعاطي حرام، أو حتى العبادة على غير ما أنزل الله تعالى كما يفعل بعض جهَّال الصوفيَّة فهذا حرام، وإن كان فرصةً للدعوة والتذكُّر والعبرة فلا شيء فيه إن شاء الله تعالى، ويمكنك مطالعة فتوى الدكتور يوسف القرضاوي في هذا الأمر:
حكم الاحتفال بالهجرة والمناسبات الإسلامية
- لم يرد شيءٌ عن مذاكرة الصحابة لذلك اليوم، وعموماً فمنطق "الاحتفال" لم يتبلور إلا مع الدولة العبيديَّة الشيعيَّة التي نسبت نفسها إلى السيِّدة فاطمة رضي الله عنها، واشتهرت باسم: "الدولة الفاطميَّة"، والسيِّدة فاطمة منهم براء.
- لم يرد شيءٌ - كذلك - في حكم إحيائها قياما، ولكن يحرم قيامها إذا اعتقد المسلم أنَّها واجبٌ أو فرضٌ أو حتى سنة، لأنَّه لم يرد في ذلك شيء، وهذه الأمور توقيفيَّةٌ لا يصحُّ الاجتهاد فيها، ولذلك لو قامها أحدٌ دون الاعتقاد بشيءٍ من فضلها فلا شيء عليه - إن شاء الله تعالى- باعتبار أنَّ ذلك اليوم يوماً عاديًّا كأيٍّ من الأيَّام الأخرى، ولكن لا يُلزِمْها ولا يعتقد أنَّها حتى سنة، وحبَّذا لو لم يداوم عليها باستمرارٍ حتى لا تتأصَّل شرعيتها في نفسه على أنَّها من اللوازم أو السنن.
- خروج الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة لم يكن في هذه الأيَّام أصلا، وإنَّما كان وصول النبيِّ صلى الله عليه وسلم المدينة في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول، كما ثبت في كتب السيرة والحديث، ولكن تمَّ اعتبار شهر المحرم هو بداية السنة الهجريَّة نتيجةً لم تعارف عليه العرب منذ القديم على أنَّ شهر المحرَّم هو أوَّل الشهور.
- أنصحكنَّ في هذا اليوم أن توزعن بطاقةٍ لطيفةٍ كُتِب عليها عبارةٌ صغيرةٌ تحمل معنى أنَّ احتفالنا هو احتفالٌ بنصر الله تعالى لدينه لمَّا تحقَّق صدق العاملين له، احتفالٌ يدعو إلى البذل والعطاء لخدمة العالَمين، احتفالٌ نطيع الله تعالى فيه ونتعبَّده باقتفاء أثر نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
- ولو استطعتنَّ أن تُقِمنَ لقاءً تتحدَّثن فيه أو تستضفن ضيفةً من الخارج للتحدُّث فهذا أمرٌ طيِّب، ولكن احذرن من الحديث التقليديِّ الذي يحدث من معظم المتحدِّثين عن الهجرة، فيذكرون فيها قصَّة الهجرة، وكيف خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكَّة، وكيف سار، وما حدث هنا، وما حدث هناك، في طريقةٍ مملَّةٍ مكرَّرة، احذرنَ من هذا كلَّ الحذر.(9/236)
- كما هناك كتيِّبٌ رائعٌ للدكتور عماد الدين خليل أكرمه الله تعالى أعتبره شخصيًّا - رغم صغر حجمه - أبدع ما أُلِّف في هذا المجال، واسمه: "خطوات في الهجرة والحركة"، تحدَّث فيه الدكتور عماد الدين عن الهجرة بطريقةٍ مختلفةٍ تجمع بين الفكرة والإيمانيَّات والحركة في جمعٍ بديعٍ رائع، لو استطعتنَّ الوصول إلى هذا الكتيِّب الصغير العبقريّ، ووزعتنَّه على الناس فهذا شيءٌ رائع، أو حتى كتبتم ما فيه على شكل لوحاتٍ فهذا أمرٌ بديع.. فهو كتيِّبٌ بالفعل رائعٌ ومميَّز.
-ولاتنسين أن تذكرن القصص "النسائيَّة" في الهجرة، وما أكثرها، وكيف كان للمرأة دورٌ عظيمٌ في هذا الحدث العظيم، فلم تكن الهجرة عملاً صعباً وذكيًّا ومهمًّا قام به الرجال وحدهم، بل هو تقريباً مقسوماً بالتساوي بين الجنسين، فأمام بذل الصدِّيق رضي الله تعالى عنه هناك بذل السيِّدة خديجة رضي الله تعالى عنها، وأمام فداء عليٍّ رضي الله تعالى عنه هناك فداء السيِّدة أسماء رضي الله تعالى عنها، وهذا هو الدور الطبيعيُّ للمرأة في الإسلام.
هذه بعض الاقتراحات وأنتنَّ أقدر على الإبداع والتجديد.
وألف سلامٍ على المهاجر العظيم.. صلى الله عليه وسلم.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أختي الكريمة، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذا الحرص على دعوة زميلاتك، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.
وإضافة إلى ما ذكره الدكتور كمال المصري، يمكنك - أختي الكريمة - تنفيذ عدد من الأنشطة في الاحتفال بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأنشطة:
- توزيع بعض المطويات، أو الكتيبات صغيرة الحجم، أو شرائط الكاسيت، أو الأسطوانات التي تدور حول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وما فيها من دروس وعبر، وإهدائها لمن حولك من الزميلات.
- تعليق مجلات حائط تدور حول الهجرة النبوية، والدروس المستفادة منها، مع مراعاة الاهتمام بالمعاني التي يحتاجها مَن حولك من الزميلات من هذه الدروس، وذلك عند شراء هذه المجلات أو عند تصميمها.
- عمل مسابقة مطبوعة، بحيث يوضع فيها عدد من الأسئلة التي تدور حول الهجرة، وحول الدروس المستفادة منها، مع تضمنها لبعض المعلومات العامة، ويراعى مناسبة درجة صعوبة هذه المسابقة لمن حولك من الزميلات.
- تنظيم مسابقة لإعداد بحث حول الهجرة، ولو من وريقات قليلة، ومن الممكن أن يكون البحث في موضوعات: دور المرأة في الهجرة، الدروس المستفادة من الهجرة ... إلخ.
- تنظيم لقاء متعدد الفقرات، بحيث تدور فقراته حول الهجرة، ومن الممكن أن يحتوي هذا اللقاء على عدد من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم، تناول بعض الدروس المستفادة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلقاء بعض قصائد الشعر حول النبي صلى الله عليه وسلم، أو حول الهجرة، غناء بعض الأناشيد الإسلامية المتعلقة بالهجرة، عمل مسرحيات قصيرة هادفة تخدم هذه المناسبة، عمل مسابقات ثقافية مطبوعة أو شفوية، وغير ذلك من الفقرات ... إلخ.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذا الحرص، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين
================
الإسلاميون والسياسة .. أين الخلل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنَّ التجربة الفتيَّة التي خاضتها الأحزاب الإسلاميَّة على الساحة السياسيَّة أفرزت تناقضات، وقسَّمت الأمَّة إلى مؤيِّدٍ ومعارض، وبالتالي انهارت قوى الأمَّة والقوى الفاعلة، وكانت لها تأثيراتٌ سلبيَّةٌ على القاعدة كرَّست ظاهرة الإحباط، وأصبحت تتحاشى مجرَّد الحديث عن المشروع الإسلاميّ.
فهل يمكن اعتبار دخول المعترك السياسيِّ مكسباً لتحقيق المشروع، على الرغم من الإفرازات السلبيَّة التي نتجت عن التجربة أم أنَّه خطأٌ منهجيٌّ كانت له عواقب وخيمة على الأمَّة؟ …السؤال
قضايا وشبهات, مشكلات في الدعوة والحركة, ثقافة ومعارف …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
…أخي الكريم كمال حفظه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فإنَّ الظاهرة المرضيَّة التي تعيشها الساحة الإسلاميَّة اليوم التي تتمثَّل بغلبة الهمِّ السياسيِّ على غيره من الهموم ذات الأولويَّة، تحتاج إلى معالجةٍ في منتهى التأنِّي والموضوعيَّة.
فكَّرت مليًّا في هذه القضيَّة، في ضوء مفاهيمنا الشرعيَّة للسياسة، كما في ضوء تصوُّراتنا الحركيَّة لها، وخرجت بالنتيجة إلى ثابتةٍ شرعيَّةٍ وحركيَّةٍ تؤكِّد أن لا تناقض في الأساس بين السياسة وبين الدعوة.
ولقد تأكَّد لي أنَّ الأسباب التي أحدثت هذه الإشكاليَّة تعود إلى الخطأ في ممارسة السياسة وليس السياسة بذاتها.
وقد تكون بسبب اقتحام الحياة السياسيَّة قبل الأوان.. وقد تكون بسبب سوء اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وقد تكون بسبب عدم متابعة الجماعة لمن اختارتهم، وعدم قيامها بواجب دعمهم وإسنادهم، وتأمين المتطلَّبات اللازمة لهم، وقد تكون بسبب عدم وجود مشروعٍ سياسيٍّ واضحٍ للعمل النيابيّ، وعدم تبيان الضوابط الشرعيَّة الواجب التزامها من قِبَلهم، إلى غير ذلك من أسباب.
فالسياسة رعاية شؤون الأمَّة من كلِّ جوانبها وعلى كلِّ صعيد، وهي مركبٌ من مراكب الدعوة إن سُخِّرت لذلك، وهي منبرٌ متقدِّمٌ فاعلٌ من منبرها إن وُظِّفت توظيفاً صحيحا.
إنَّ الإعلام والسياسة الإعلاميَّة، هما من صلب عمل السياسيِّين والبرلمانيِّين والوزراء، وهي مدخلٌ من مداخل الدعوة لا يُضاهَى، والقيام بمهمَّة تسديد السياسات الإعلاميَّة، وتنظيف وترشيد البرامج من كبرى المهمَّات التي تدفع المفاسد وتجلب المنافع.(9/237)
ثمَّ إنَّ السياسات التربويَّة والتعليميَّة التي تُعتَمد في بناء الأجيال، هي من صلب مسؤوليَّة السياسيِّين والنوَّاب، وهي من أوسع الأبواب والمسالك التي يمكن أن يُستفاد منها في إصلاح المناهج وبناء الأبناء على القِيَم والفضائل والأخلاق؟ وهل هذا يتناقض مع أهداف الحركة الإسلاميَّة؟
إنَّ مجرَّد التصوُّر في وجود تناقضٍ بين السياسة والدعوة هو لوثةٌ علمانيَّةٌ غير منظورة، وليست ببعيدةٍ من حيث الأساس والنتيجة عن مقولة "فصل الدين عن الدولة".
إنَّ السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم كانوا دعاةً في مواقفهم المختلفة، فهم في القضاء، وأجهزة الدولة، وبيت مال المسلمين، والتجارة، والجهاد، والمساجد، والمدارس وغيرها... يمارسون دورهم الدعويَّ الذي لا ينفصل عن أيِّ دورٍ آخر أو يتعطَّل بسببه.
إنَّه ليس في الإسلام طبقةٌ خاصَّةٌ لذلك، كما هو الحال في "الإكليروس" لدى النصارى.
المشكلة إذاً ليست في السياسة بل في الذين يمارسونها بعيداً عن الضوابط الشرعيَّة المقرَّرة، والمصالح الإسلامية المعتبرة، فيُجهضون بذلك الدور الدعويَّ في العمل السياسيّ، ويُقدِّمون للناس نماذج مشوَّهةً عن الإسلام.
فالمواقع السياسيَّة ليست مطلوبةً لذاتها ومكاسبها وأضوائها، وما يمكن أن تسخِّره من مصالح ماديَّةٍ ومعنويَّةٍ لأصحابها.
ولا يجوز أن تمارس بدون ضوابط شرعيَّةٍ ولا تميُّزٍ ولا خصوصيَّة.
ولا يجوز أن تصبح مصدر خلافٍ ونزاعٍ بين اللاهثين وراءها من أبناء الصفِّ الواحد.
ولا يجوز أن تتحوَّل إلى غايةٍ لا وسيلة، وتنقلب نقمةً لا نعمة.
ونتيجةً لذلك بات العمل السياسيُّ نفسه سُبَّةً لدى فريقٍ كبيرٍ من العاملين، من غير تفريقٍ بين مبدأٍ وممارسة.
وبات يُحكَم عليه من هذا الجانب وهذه الزاوية، وهذا خطأٌ كبيرٌ وشرٌّ مستطير، لأنَّه مدخلٌ شيطانيٌّ يشطر الصفَّ الواحد إلى شطرين، ويجعل الجبهة جبهتين، مع كلِّ ما ينشأ عن ذلك ويترتَّب عليه من عللٍ ومفاسد وأخطار.
فالمشكلة إذاً في السياسيِّين لا في السياسة، وفي إصلاحهم لا في إلغائها، ومثيل ذلك يمكن أن يقع في التربية والدعوة حين يسيء المربُّون والدعاة ولا يحسنون، وحين يهدمون ولا يبنون، بل إنَّ الخطأ التربويَّ والدعويَّ قد يكون أخطر بكثيرٍ من الخطأ السياسيّ، ومن خطورته أنَّه بعيدٌ عن الأضواء والأنظار، وقد لا يُكشَف إلا بعد أن يكون قد أتى على البناء كلِّه!
والعلاج الصحيح والدواء الناجع إنَّما يكون بالعودة إلى الأصول والثوابت والمبادئ، والنزول عند أحكام الشريعة وقواعد هذا الدين، في نطاق التربية والدعوة، كما في نطاق السياسة.
ويفيدك - إن شاء الله - في هذا الموضوع الرجوع إلى كتابنا (أضواء على التجربة النيابيَّة – الجزء الأوَّل).
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد والهدى والرشاد، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
=============
الدليل العقلي أم القرآن والسنة؟
كيف نقدّم لغير المسلمين دليلا على صحة دين الإسلام من القرآن أو السنة؟!
إن المنطق يقول: علينا أن نقدّم الأدلة من العقل والمنطق والفطرة، فهي أمور مشتركة بين جميع البشر، وإلا فنحن نتحدث مع أنفسنا، وليس لإقناع الآخرين بوجهة نظرنا ودليلنا.
أشكركم على جهودكم. …السؤال
قضايا وشبهات, دعوة غير المسلمين …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
أخي الحبيب، القرآن الكريم هو لعموم الناس، لا للمسلمين فقط، يقول تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ)، قال الإمام القرطبي في تفسيره: "أي هذا الذي أنزلت عليك براهين ودلائل ومعالم للناس".
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ)، قال الإمام القرطبي: "هذا خطاب للكل ... أي جاءكم ومعه الحق ... فآمنوا يكن خيرا لكم".
ويقول الإمام ابن تيمية مُعِّددا أسماء القرآن وصفاته التي وردت فيه، والتي هي كلها لعموم الناس، والتي هي كلها أسباب السعادة لهم: "القرآن: الفرقان، الهدى، النور، الشفاء، البيان، الموعظة، الرحمة، بصائر، البلاغ، الكريم، المجيد، العزيز، المبارك ... الصراط المستقيم، حبل الله ... تفصيل كل شيء، تبيانا لكل شيء، البرهان، نورا مبينا، الحق، أحسن القصص، العلم، صحفا مطهرة، كتب قيمة، حكمة بالغة".
والسُّنة المطهرة كذلك لعموم الناس، وليس للمسلمين فقط، يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، قال الإمام الطبري في تفسيره: "لتعرِّفهم ما أنزل إليهم ... ولعلهم يتفكرون، وليتذكروا فيه ويعتبروا به".
وهما معا، أي القرآن والسنة، وبكل ثقة وتأكيد ودون منافس، أقوى مَن يخاطب العقل ويقنعه، وأنقى من يخاطب الفطرة ويقنعها، وأنسب من يساير المنطق ويحققه، والسبب في هذه الثقة فيهما، وبكل بساطة، أنَّ مُنزل القرآن والسنة، وخالق العقل والفطرة واحد، هو الله تعالى، الذي يعلم ما يناسب هذا من ذاك؛ ولذا فهو يقنع العقل والفطرة بأسلوب بسيط واضح وبأقصر الطرق، ولو حاول أعظم فيلسوف على وجه الأرض، أو أرقى داع أن يقنعهما بأسلوبه، لما استطاع أن يصل إلى تمام وجودة إقناع الله تعالى، وهل يقارَن أسلوب الخالق بالمخلوق ؟!.
والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولنأخذ سريعا ثلاثة أدلة من القرآن ودليلا من السنة على قوة أسلوب الإقناع وبساطته ووضوحه ومباشرته:(9/238)
- فالله تعالى يستدل على وجوده بآثاره في الكون، وهذا ما يقبله العقل المُنصِف، فالمنطق العادل يقول: أن الأثر يدل على المسير، فإذا رأيت أثر أقدام في صحراء فلا بد أنَّ شخصا يسير، حتى ولو لم تكن تراه، ولذا فهو سبحانه يقول: (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)، ولم يدَّع ِ أحد حتى الآن أنه قد خلق شيئا !! إذن فهو تعالى الصادق.
- ثم هو أيضا يقول: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، فلو فرض أنَّ هناك إلهين لم يحدث كل هذا التجانس في الكون لكل هذه السنوات الطوال، فلا بد أنه قد يحدث خلاف ولو حتى لمرة واحدة، ثم لو استجاب أحدهما للآخر إذن فالذي ساد رأيه سيكون هو الأعظم والأقوي والأوحد، فهو أيضا إله واحد.
- ثم تحدَّث بكل سلاسة عن البعث فقال: (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- وأما دليل السنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم في ذكر واحد من أذكار الصباح يخاطب العقل والفطرة والمنطق بكل سهولة ويُسْر، ليبدأ الإنسان يومه بصورة إيجابية صحيحة سعيدة، فيقول مثلا في الذكر المعروف: "أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين" أخرجه الألباني بسند حسن، وكأنه يريد أن يقول للناس: الإسلام والأخلاق في فطرتك أيها الإنسان مخلوقة معك، وكلمة لا إله إلا الله تنطقها وتربطك بربك لتسعد بها، حتى ولو أجبرت لسانك على عدم نطقها، ثم أنا لم آتك بجديد، فأنا أذكرك فقط بما أنت مؤمن به منذ خُلِقَ أبوك آدم وإبراهيم الذي كان حنيفا، أي مائلا عن كل باطل وانحراف، فكن أنت مثل هؤلاء الأباء في صلاحهم لتحيا مثلهم هانئا سعيدا.
أخي الحبيب، إنه لا ينكر القرآن إلا كل معاند، متكبر، يعلم الصواب ولا يتبعه، أو يجهله ويجهل عظمته ونفعه وإسعاده له ولمن حوله، مُتّبع لأكاذيب الشيطان، مصدق لها، منخدع بها، يقول تعالى مؤكدا هذا: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، ويقول: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)، ويقول: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).
ويقول الإمام ابن تيمية في قول موسى عليه السلام لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ): "دل ذلك على أن فرعون كان عالما بأن الله أنزل الآيات، وهو من أكبر خلق الله عنادا وبغيا، لفساد إرادته وقصده لا لعدم علمه".
إنَّ سبب عدم الاقتناع بالقرآن العظيم ليس لعيب فيه مؤكدا، وإنما لعيوب في الناس أنفسهم، فقد يكون العيب مثلا غفلتهم عنه، كما يقول تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)، أو تغييب عقولهم بخمر أو مخدر أو غيره، كما يقول تعالى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)، أو التكبر والتعالي على الرسل وحب الزعامة لأنفسهم، كما يقول تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً)، أو الكراهية من فوات خداع الآخرين وظلمهم وسلب ثرواتهم، كما يقول تعالى: (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، أو ما شابه هذا مما يمنع من اتباع الحق رغم وضوحه واليقين به، بينما الذين ينتفعون بالقرآن ويسعدون به هم الذين يتقون أن يفقدوا حب الله وعونه وصلته، كما يقول تعالى: (وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) الموقنون به بعقولهم وفِطرهِم النقية، كما يقول تعالى: (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، المتبعون لنظام ربهم، لإسلامهم، كما يقول: (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ).
وعلى هذا، فمن يقول لك مثلا لا أريد القرآن دليلا ومرشدا ومرجعا، ولا أعترف ولا أومن به، فأوصه – فقط - بقراءة القرآن كما يقرأ أي كتاب ثقافي آخر، وليستفد بما فيه من باب الثقافة العامة، كما يستفيد من أي معلومة، وسيجد شمولا (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)، وسيجد في كل آية إن لم يكن في كل كلمة، أو حرف توجيها وتربية ونفعا وإسعادا وحَّلا عاما، وقد يحتاج إلى تفصيل من أهل الذكر والتخصص والخبرة لبعض ما سيمر به.
ثم اطلب منه بعد هذا أن يكون منصفا، منطقيا، عادلا، بعيدا عن أي مؤثرات، فلو فعل ذلك لاقتنع بما فيه بكل تأكيد، فتلك وصية ربنا تعالى العالِم به وبأمثاله في قوله: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)، وسينتصر القرآن ولا ريب؛ لأنه يتمشى مع العقل والفطرة.
إنَّ مهمة كل مسلم ومسلمة أخي الحبيب، فقط أن يحسن دعوة الناس جميعا للارتباط بالقرآن، وأن يتمهل معهم، ويرفق بهم إلى أن يحيوا به سعداء، كما يفهم من قوله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) .. قال الإمام السيوطي في هذه الآية: "على مهل وتؤدة ليفهموه".(9/239)
أما الذين لا يعرفون لغته، فعلى المسلمين أن يجتهدوا في ترجمة معانيه إلى لغتهم التي يفهمونها، كما قال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرح قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ): " كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة؛ لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم ... ويحتمل أن يُقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم"، وقال في موضع آخر: " قال ابن بطال: اللسان الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم به الوحي عربي، وهو يبلغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم".
فإذا أردنا - أخي الحبيب - أن نتقن التحدث بالعقل والمنطق والفطرة، وإذا أردنا ألا نتحدث مع أنفسنا فقط بل أيضا مع غيرنا، فلنتقن الحديث بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة، ببساطتهما وسهولتهما دون تعقيد، وسيفهمنا الجميع بإذن الله، خاصة ونحن في زمن سهولة وسرعة الاتصال والتفاهم والترجمة ..... وسننال جميعا أعظم الثواب.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
=============
طالبي ضعيف العزيمة .. راجع تربيتك له
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أدعو الله في البداية أن يجزيكم خير الجزاء لما تبذلونه من جهدٍ في سبيل الدعوة – نحسب أنَّه لله - وأدعوه أن يوفِّقكم إلى ما فيه الخير دائما.
أنا أتعامل مع أحد شباب الثانوي منذ ما يقرب من عام، وفيه – والحمد لله - الكثير من خصال الخير، ولكنَّني أواجه مشكلةً صعبةً معه، فهذا الشاب ضعيف العزيمة وكسولٌ جدّا، فمثلاً هو يقول أنَّه لا يستطيع أن يصلِّي الفجر لأنَّه لا يستطيع الذهاب للمدرسة، وهو لم يأخذ قسطاً كافياً من النوم، ولا يستطيع النوم مبكِّراً لأنَّه تعوَّد على ذلك، ولا يستطيع أن يصلِّي الظهر جماعةً لأنَّه يعود من المدرسة مرهقا، وهكذا في باقي الصلوات.
ولديه مشكلةٌ أخرى وهي عدم وجود هدفٍ واضحٍ له في أشياء كثيرةٍ، فهو يريد دخول الكلِّيَّة لأنَّ هذا هو نظام التعليم!! ويصلِّي بعض الوقت لأنَّه حتماً سيدخل الجنَّة، وحتى الآن لم أتمكَّن من زحزحة هذه الأفكار، فأرجو منكم إرشادي إلى سبيل معالجة مثل هذه الأفكار في هذا الشابّ؟
وجزاكم الله خيرا. …السؤال
الدعوة الفردية, شباب وطلاب, إيمانيات …الموضوع
الدكتور أحمد ربيع, الأستاذ هاني محمود…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور أحمد ربيع:
الأخ الفاضل محمَّد، جزاك الله خيراً يا أخي على صحبتك لهذا الشابِّ في الله، في وقتٍ أضحى فيه الحبُّ في الله عملةً نادرةً قلَّ أن توجد بين الناس.
وأبشر يا أخي بشيئين:
أوَّلهما: أنَّ هذه الصحبة سوف تمتدّ، لأنَّه ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
وثانيهما: بمعيَّة الله وحفظه لكما، ودخولكما في ظلِّ عرش الرحمن في اليوم الذي لا يكون فيه ظلٌّ إلا ظلُّ الله، حيث ورد في حديث السبعة الذين يظلِّهم الله في ظلِّ عرشه في اليوم الذي لا يكون فيه ظلٌّ إلا ظلُّ الله: "ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه" رواه البخاري.
أمَّا بخصوص سؤالك - أخي - عن عيوب صديقك وكيفيَّة معالجتها، فالكمال لله وحده، خصوصاً وأنَّك تشهد أنَّ فيه الكثير من خصال الخير، وأهمُّ شيءٍ هو ابتعاده عن المعاصي، وخصوصاً الكبائر، يقول الله سبحانه وتعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا).
أمَّا عيوبه التي ذكرتها، وتريد علاجاً لها، فلا تحدِّثه بضعف عزيمته وكسله، لأنَّ إشعار الإنسان بعيوبه قد يدفعه إلى البعد عن من يذكِّره بها.
وبالنسبة لصلاة الفجر في جماعة، فابدأ معه بالتدرُّج، اجعله يحرص على أدائها قبل شروق الشمس، ورويداً رويداً يبكِّر يوماً بعد يوم، حتى يصلَِّيها في جماعة، وحبَّذا لو جعلت بينكما موعداً تتقابلان فيه في المسجد بعد صلاة الفجر.
وبالنسبة لصلاة الظهر، فغالباً ما يأتي وقت الصلاة وهو في المدرسة، فيصلِّيها مع زملائه، ولا تجعل نصائحك مجرَّد نصائح كلاميَّة، بل كن قدوةً له في أفعالك وتصرُّفاتك.
وأمَّا عدم وجود هدفٍ له، ففترة الشباب الأولى غالباً ما قد تكون عند كثيرٍ من الشباب بلا هدف، وعليك أن توضِّح له بعضاً من الأهداف السامية التي ينبغي أن يسعى لها الإنسان، ولا تقل له حدِّد هدفك في كذا وكذا، ولكن أشرك نفسك في الحديث عن الأهداف السامية، فقل مثلا: ينبغي أن يكون هدفنا نحن الاثنين كذا، وهذا أسلوبٌ قرآنيّ، يقول الله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ).
واحذر - أخي - أن تلتفت إلى عيوب صاحبك وتهمل عيوب نفسك، فكلُّ إنسانٍ له عيوبه وله خطاياه، والعاقل من اشتعل بعيوب نفسه قبل عيوب غيره، فإنَّه إذا اشتغل بعيب غيره نسي عيب نفسه.
ويضيف الأستاذ هاني محمود:
أخي الكريم محمَّد حيَّاك الله وفتح عليك.(9/240)
مشكلتك مشكلةٌ تتكرَّر أحداثها وإن اختلفت مظاهرها ودرجاتها، أمرٌ بات يقلق كثيراً من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، خاصَّةً من يتعامل مع قطاع الشباب فيها، وكذلك كلَّ من يهتمُّ بمستقبل هذه الأمة، أمرٌ – من كثرة ما رأيناه - نخشى أنَّه أصبح ظاهرةً تستدعى النَّفرة للعلاج، ألا وهو غياب القيمة والهدف من حياة كثيرٍ من الشباب، خاصَّةً الناشئة منهم، أمرٌ يصعب الحسم فيه هاهنا، ولكن دعنا نضع علامةً على الطريق عسى أن نفتح باباً يُكمِل فيه المهتمُّون، فيصل بنا في النهاية إلى وضع تصوُّرٍ شاملٍ لهذه المشكلة، أسبابها ومظاهرها ووسائل علاجها.
وتعال الآن -أخي الحبيب- إلى صديقك شابِّ الثانوية:
أنت يا أخي قد لمست المشكلة، وتلك أول خطوةٍ في طريق العلاج، وإليك نظرتي للأمر:
- "عامٌ كاملٌ" مدَّةٌ ليست بالقليلة في مجال التربية وتطبيع النفوس، فهي كافيةٌ لتغييري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إنْ أنت اتبعت معي الخطوات السليمة لإجراء هذا التغيير، فأظنُّ أنَّ أوَّل ما يجب أن تراجعه -أخي الكريم- هو خطوات دعوتك معه، ثمَّ قيِّم أداءك مع أخيك الشابِّ على ضوءها، وقد يفيدك فيها استشارةٌ تناولت هذا الأمر بالتفصيل وهي:
قواعد في الدعوة الفرديَّة.. استشارتان
- راجع شكل علاقتك به، فأنا أخشى أن تكون علاقة معلِّمٍ مع تلميذه فقط، وليس هذا هو المطلوب كي يحدث التأثير المرجوُّ بإذن الله، بل ينبغي أن تكون علاقة حبٍّ وصداقةٍ مضافةً إلى علاقة المعلِّم والتلميذ، واعلم أنَّه إنْ أحبَّك أطاعك وأحسن الاستماع إليك.
- أشعره باهتمامك بمستقبله، وأنَّك تريد له الخير في الدنيا والآخرة.
- تعرف على خصائص المرحلة السنِّيَّة التي تتعامل معها، ويعينك في ذلك هذه الاستشارة:
الشباب في الغربة ..فهم الخصوصية أولا
- راجع معه أصول الإيمان، لماذا يكون أمر الله هو المهضوم دائماً؟ لماذا نريح أنفسنا دائماً على حساب أوامر الله؟ حدِّثه كثيراً عن الله وعظمته وقدرته على خلقه، حدِّثه عن جنَّة الله وناره، وستعرف لذلك أثره فيه إن شاء الله، ولتسترشد في ذلك بهذه الاستشارة:
هارب من صلاة المسجد .. للعودة طرق
- مارس معه شعائر الإيمان، كأنْ تمرَّ عليه في أوقات الصلاة لاصطحابه إلى المسجد، وذكِّره دائماً بفضل ما يقوم به من أعمال، واجعل أمام عينيك أنّ: "من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف".
- وفِّر له صحبةً تعينه وتابع ذلك بنفسك.
- قدِّم له حلولاً منطقيَّةً لما يطرحه من أعذار، فحاول أن تساعده في ترتيب جدول يومه، ابتداءً من عدد ساعات النوم التي تكفيه في يومه كي يرتاح، ثمَّ نسِّق معه يومه حسب ترتيب أولويَّاته، وعلِّمه كيف يرتِّب أولويَّاته، والأساس الذي يرتِّبها عليه، والأولى بالطبع أمر الله.
أمَّا مسألة متى ينام؟! ومتى يستيقظ؟! فاعلم أنَّ النوم تعوُّد، وأيُّ عادةٍ يتعوَّدها الإنسان بإمكانه أن يغيِّرها إن هو أراد ذلك، فاجتهد أن توفِّر فيه الإرادة.
- حاول أن تخرج به عن قيود الواقع المحبِط، وعلِّق نظره بالنماذج من أجداده الأفذاذ، فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم .... إنَّ التشبُّه بالرجال فلاحُ
- ادع له في ليلك.
أعانك الله وأصلحه على يديك.. وتابعنا بأخبارك معه".
===============
داعية .. يقول ولا يفعل!!
السلام عليكم،
ما رأيكم في داعية بعيد كل البعد عن تطبيق ما يقوم به من دعوة لفظية؟ …السؤال
قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
أخي الحائر، حديثي إليك ذو شقين، شق أوجهه إليك، وشق أوجهه إلى كل من لا يفعل بما يقول.
الشق الأول:
يقول ربنا تعالى في أربعة مواطن في القرآن الكريم: (لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ويقول تعالى: (أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، كما يقول جل شأنه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها" رواه الترمذيُّ وابن ماجة بسندٍ حسن.
ومن هذه النصوص نستنتج:
أولا: أنه ليس علينا إلا ما فعلته أيدينا، وأن ربنا سبحانه لن يسائلنا إلا على أعمالنا، ولن يحاسبنا أبدا على فعل غيرنا، فليقل من يشاء ما يشاء، وليفعل ما يفعل، فكل إنسان طائره في عنقه.
ثانيا: علمنا ديننا كذلك أن نأخذ الفائدة من أي أحد، مسلم أم غير مسلمٍ، مؤمنٍ أم عاصٍ، بل نسمع ما يقول، فنزنه بميزان ديننا وعقيدتنا وأصولنا، نأخذ ما وجدناه ونطرح الباقي أرضاً، ولا يعنينا بعد ذلك من فعل ماذا؟.
وهذا الداعية الذي يقول ولا يفعل، لا يعنينا هو بشخصه أو اسمه في شيء، ما يعنينا هو قوله، أن نستفيد مما يقوله من خير، وأن نترك فعله لنفسه أو عليها.
باختصار: خذ ما يقوله ولا تنظر إلى ما يفعله.
الشق الثاني: إلى كل من يقول ولا يفعل:
يقول ربنا تعالى في تحذير شديد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) إنه من أكبر المقت، كما أنه سؤال شديد واضح لا لبس فيه: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) ؟.
وما بلغ الحسن البصري - كما يقول عبد الواحد بن زياد - إلى ما بلغ، إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه.(9/241)
واحذر أيها القائل بلا فعل، فإن مالك بن دينار يقول لك: "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا"، أي قطرة الندى عن الصخرة الملساء، بل وأكثر من ذلك، فللأستاذ مصطفى صادق الرافعي كلام جميل في ذلك فيقول: "إن الموعظة إن لم تتأد في أسلوبها الحي كانت بالباطل أشبه، وإنه لا يغير النفس إلا النفس التي فيها قوة التحويل والتغيير، كنفوس الأنبياء ومن كان في طريقة روحهم، وإن هذه الصناعة إنما هي نور البصيرة في الكلام، لا وضع القياس والحجة، وإن الرجل الزاهد الصحيح الزهد إنما هو حياة تلبسها الحقيقة لتكون به شيئاً في الحياة والعمل، لا شيئاً في القول والتوهم، فيكون إلهامها فيه كحرارة النار في النار، من واتاها أحسها.
ولعمري كم من فقيه يقول للناس: هذا حرام، فلا يزيد الحرام إلا ظهورا وانكشافا ما دام لا ينطق إلا نطق الكتاب، ولا يحسن أن يصل بين النفس والشرع، وقد خلا من القوة التي تجعله روحا تتعلق الأرواح بها، وتضعه بين الناس في موضعٍ يكون به في اعتبارهم كأنه آتٍ من الجنة منذ قريب، وراجع إليها بعد قريب.
والفقيه الذي يتعلق بالمال وشهوات النفس ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق بالمال وشهوات النفس ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق وحظ الدنيا، هو الفقيه الفاسد الصورة في خيال الناس يفهمهم أول شيء: ألا يفهموا منه". ويقول رحمه الله: "الأسوة وحدها هي علم الحياة".
أخي القائل من غير فعل: إنك لن تقف أمام عدم استفادة الناس منك فحسب، بل تصل إلى أن تفتنهم عن دينهم، "إذا كان هذا فلان الداعية الكبير يفعل كذا وكذا، فلماذا لا أفعله أنا؟"، هكذا يقول لسان حال المدعوين، ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: "من وعظ أخاه بفعله كان هاديا"، وكذلك يقول التابعي شهر بن حوشب رحمه الله: "إذا حدث الرجلُ القوم، فإن حديثه يقع في قلوبهم موقعه من قلبه".
فالقدوة مركز حساسٌ دقيقٌ جدًا، ويجب أن لا يوضع فيه إلا من كان مستعداً للأخذ بالعزيمة والبعد عن الرخص، ولابد أن يكون فعله أبلغ في التعبير عن عقيدته وعن معاني دعوته من قوله، لأن المنظر أعظم تأثيرا من القول، ولذلك لمّا همَّ إمام مصر الليث بن سعد بفعل مفضول ينافي العزيمة، قال له إمام المدينة يحيى بن سعيد: "لا تفعل، فإنك منظور إليك".
فيا أخي المدعو: الحكمة ضالة المؤمن، خذ الحكمة من القول، ودع السوء من العمل، ولا يكن فعل أحدٍ أبداً سبباً في تقصير أو تفريطٍ أو وقوعٍ في ذنب، تذكر دائماً: (لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ولا تنس: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا).
ويا أخي الداعية بالقول دون الفعل: لا تفتن الناس ولا تحمل نفسك ذنوب الآخرين، ودع الدعوة حتى تصل أنت أولا إلى أن تكون أهلاً لها فتعود إليها، وإياك ثم إياك أن تلقى الله وأنت تحمل على ظهرك أوزارك وأوزار من فتنت معك، حتى لا تكون من الذين وصفهم الله تعالى: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً).
أخي السائل الحائر: هل زالت حيرتك الآن؟ أتمنى ذلك.
===============
كيف تكون المرأة داعية؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كيف تكون المرأة داعيةً إن كانت معلوماتها الدينيَّة محدودةً على إقامة الشعائر التعبديَّة فقط؟.
وهل الدعوة فرض عليها؟.
هل الدعوة واجبة في ظلِّ إعلامٍ مفتوحٍ ومتاحٍ للكلّ؟.
وماذا على الذين لا تتوفر لهم مجالس النساء في المساجد في باقي المحافظات كما في القاهرة؟.
وماذا على صغار السنِّ من 15 سنةً في مجال الدعوة؟.
وشكراً على كلِّ ما تقدِّمونه. …السؤال
الدعوة النسائية, فنون ومهارات …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة وفاء سعداوي من فريق الاستشارات:
الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، خاصَّةً مع قلَّة العاملين بالدعوة؛ فيتحتَّم على كلِّ إنسانٍ عَلِم بوجوب تغيير المنكر أن يعمل على دعوة غيره.
وقد كان هذا هو طريق السلف الصالح؛ فلم يمنع بعضهم عن القيام بواجب الدعوة إلى الله قلَّة علمهم؛ لأنَّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بلِّغوا عنِّي ولو آية" رواه البخاري، كما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه مسلم.
فيجب على من أراد أن يدعو إلى الله تعالى أن يكون حرصه على الدعوة موازياً لحرصه على إصلاح النفس مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
فليس الداعي هو الذي يُحسن الخطابة، ويُحصِّل العلوم الشرعيَّة؛ بل الدعوة أبسط من ذلك، ويمكن أن يؤدِّيها أيُّ إنسان، ليس في المسجد فقط، وإنَّما في العمل والمدرسة والمواصلات والبيت.(9/242)
والدعوة تكون بالتحلِّي بأخلاق الإسلام: بأن يحافظ الدعاة على مواعيدهم، ويتحلَّوا بالصدق والأمانة والتعاون والبشاشة، والتآلف والتحاب مع الآخرين، وزيارتهم والتودُّد إليهم، بمشاركتهم مناسباتهم السعيدة ومواساتهم في الأحزان، وخدمتهم وإفادتهم بأيَّة موهبةٍ استفادوا منها كتبادل الكتب، أو تعليم الأشغال اليدويَّة، أو الأكلات الجديدة، وتقديم الهدايا لهم في المناسبات المختلفة، وتعريفهم بقضايا أمَّتهم ودورهم تجاهها؛ بحثِّهم على المشاركة في خدمة الحيِّ الذي يعيشون فيه، وجمع الصدقات للمنكوبين، ومساعدة الفقراء والمساكين والأيتام… إلخ.
المهمُّ أن يكونوا قدوةً ملتزمين بأخلاق الإسلام في كلِّ معاملاتهم مع الناس، فقد نشر المسلمون الأوائل الإسلام في العالم بحسن خلقهم، وحتى الآن يدخل الكثير في الغرب والعالم كلِّه الإسلام نتيجةً لاحتكاكهم بأفرادٍ تحلَّوا بأخلاق الإسلام؛ فأحسَنوا الدعوة إليه.
ولا يُشترط أن تكون الدعوة مباشرة، بل الأولى أن تكون بطريقةٍ غير مباشرة؛ كتبادل أشرطة الفيديو والكاسيت والكتيِّبات البسيطة التي تحمل موضوعاتٍ واقعيَّةً تهمُّ الناس وترتبط بحياتهم.
ويفيدك - أختي الكريمة - مطالعة الاستشارة التالية:
- داعية في كل مكان
أمَّا عن وجوب الدعوة في ظل إعلامٍ مفتوح، فهي واجبةٌ طبعا؛ لأنَّ الإعلام المفتوح وإن كان من وسائل الدعوة، إلا أنَّ تعدُّد الوسائل مطلوب؛ فالبعض يتأثَّر بالإعلام، والبعض يتأثَّر بالدعوة الشخصيَّة، أو بحضور الدروس وسماع الخطب في المساجد، والبعض يحتاج الصحبة الطيِّبة، والإعلام المفتوح مرحلةٌ من مراحل الدعوة إذا أدَّت بالمسلم إلى الالتزام بتعاليم دينه، فإنَّه يحتاج بعد ذلك إلى المتابعة والأخذ بيده على طريق الالتزام حتى يسير على طريق الحقِّ بخطىً ثابتة، وهذا يحتاج إلى وسائل أخرى غير الإعلام المفتوح، كما أنَّ هناك من الناس من لا يحاولون الاطِّلاع على ما يُقدَّم من خلال الإعلام المفتوح من مادَّةٍ دعويَّة نظراً لعدم جاذبيَّتها.
ويفيدك - أختي الكريمة - مطالعة الاستشارة التالية:
- دور الإعلام في الدعوة.. المهمَّة السامية
أمَّا الذين لا تتوافر لهم مجالس العلم في المساجد، فيمكنهم الالتقاء مع جيرانهم أو أقاربهم أو أصدقائهم على قراءة القرآن، أو قراءة كتبٍ لعلماءٍ موثوقٍ بهم تعالج قضايا عصريَّة، أو الحصول على ما يشاءون من معلوماتٍ في الفقه أو السيرة… إلخ، أو مشاهدة البرامج الإسلاميَّة على شاشات التليفزيون، أو سماع أشرطة الكاسيت، أو مشاهدة أشرطة الفيديو، أو حضور محاضراتٍ وندواتٍ عامَّةٍ وخطبة الجمعة، وعموماً فالإسلام كما أنَّه دين الجماعة فهو دين الفرد، ولا يتوقَّف عند شكلٍ أو هيئةٍ محدَّدة، فحيثما يستطيع المسلم أن ينهل من العلم فلينهل، وأينما كان المسلم أو أيًّا كانت حصيلته من العلم، فيمكنه الدعوة إلى الله تعالى برفقٍ ولينٍ وبساطة.
وأمَّا صغار السنِّ من 15 سنة، فلا داعي لتحميلهم هذا الهمَّ وهذه المسؤوليَّة، وإنَّما يكفي أن نحسن تربيتهم، فيحسنوا التصرُّف، ويتخلَّقوا بأخلاق الإسلام، ويكونوا قدوةً حسنةً في تفوُّقهم في دراستهم، أو في مساعدتهم زملاءهم على فهم دروسهم، أو التزامهم بطهر اللسان والقلب، وهكذا يمكن لصغار السنِّ تسخير كلِّ طاقاتهم في الدعوة إلى الله، فإذا التزم هؤلاء الصغار بأخلاق الإسلام وبالتفوُّق، فلن تقتصر دعوتهم على أصدقائهم، بل ستتعدَّى إلى كلِّ معارفهم وأقاربهم وأصحابهم وجيرانهم في كلِّ مكان.
بارك الله فيك يا أختي عفاف على روح الدعوة الذي تحملين، ووفَّقك الله تعالى كي تكوني من الدعاة الهادين المهديِّين، وداومي الحديث إلينا".
=============
المربي والمتربي .. أفكار للتفاعل
الأخوة الأحباب بموقع إسلام أون لاين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لي سؤال أيها الأخوة الكرام، وهو: كيف يحقق المربِّي التفاعل والتجاوب التربوي مع المتربِّي الذي يدعوه لله؟.
…السؤال
فنون ومهارات, وسائل دعوية …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، ونسأل الله عز وجل أن يتقبل حرصك على من تقوم بتربيتهم.
أخي الكريم، من أول ما يحقق التفاعل والتجاوب بين المربِّي والمتربِّي أن يكون هنالك تواصل قلبي بينهما، بل إنه لا يمكن أن تكون هناك استجابة تربوية من قبل المتربِّي إذا لم يكن قلبه مفتوح للمربِّي؛ ولذا فعلى المربِّي أن يعمل على الوصول لقلوب من يقوم على تربيتهم أولاً، ومما يعين المربِّي على مد جسور الحب والمودة مع من يعمل على تربيتهم ما يلي:
- أن يكون المربِّي على صلة وثيقة بالله تعالى، فهذه الصلة أول الطريق إلى قلوب الناس، كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "إنَّ الله، إذا أحبَّ عبدًا، دعا جبريل فقال: إنِّي أحبُّ فلانًا فأحبَّه، قال: فيحبُّه جبريل، ثمَّ يُنادي في السماء فيقول: إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبُّه أهل السماء، قال ثمَّ يُوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إنِّي أبغض فلانًا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثمَّ ينادي في أهل السماء: إنَّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثمَّ توضع له البغضاء في الأرض" رواه مسلم.
- أن يكون المربِّي صاحب ابتسامة صادقة ووجه بشوش.
- أن يحسن الإنصات للمتربين.
- أن يلتزم الكلام الطيِّب الليِّن معهم، خاصة عند تقصيرهم.
- أن يخالطهم ويتباسط ويتواضع لهم.
- أن يناديهم بأحبِّ الأسماء إليهم.
- أن يهاديهم بالهدايا المناسبة لهم.(9/243)
- أن يستثمر أي عملٍ جيِّدٍ يصدر منهم للثناء عليهم.
- أن يشاركهم اللعب واللهو المباح.
- أن يجتمع معهم على طعام.
- أن يزورهم في بيوتهم، ويدعوهم لزيارته، ويحسن استقبالهم وضيافتهم.
- أن يتفقّد أحوالهم ويتعرّف على المشكلات التي تواجههم، ويعمل على مساعدتهم في تجاوزها.
- أن يتعرُّف على حاجاتهم النفسيَّة والاجتماعيَّة والعقليَّة والبدنيَّة، ويساعدهم على إشباعها.
- أن يهتم بميولهم ومواهبهم وقدراتهم المختلفة، ويساعدهم على تنميتها والارتقاء بها.
ويمكنك - أخي الكريم - مطالعة المزيد من التفاصيل حول تلك النقاط من خلال الروابط التالية:
- هل تريد أن تكسب القلوب؟
- كيف أصل إلى قلوبهم؟ سل نفسك أولا
- أريد التأثير بأصحابي؟ .. القلوب أولا
كذلك - أخي الكريم – مما يحقق التفاعل والتجاوب بين المربِّي والمتربِّي، ويحدث تقدمًا تربويا ملحوظا لدى المتربِّي، أن ينوِّع المربِّي من أساليبه التربوية التي يستخدمها مع من يربيهم، فلا يقتصر على أسلوب الوعظ المباشر، ولكن يمكنه استخدام أساليب أخرى مثل:
- طريقة الحوار والمناقشة:
وفيها يطرح المربِّي الموضوع المراد تناوله مع المتربين للنقاش والحوار، وذلك بعد أن يحدد بدقةٍ هذا الموضوع، ويتأكد تمامًا من فهم المتربين له بصورةٍ واضحةٍ لا غموض فيها، ومن الضروري في هذه الطريقة أن يحسن الاستماع والإنصات إلى جميع الآراء دون مقاطعةٍ لأحد، ثمَّ يقوم بعد ذلك بمناقشة هذه الآراء وتفنيدها، ومن الضروري أيضًا أن يحسن توجيه الحوار في وجهته الصحيحة، وفي مساره المحدد حتى يمكنه تحقيق الأهداف المرجوة مع المتربين.
- طريقة حل المشكلات:
وفيها يقوم المربِّي بصياغة ما يريد تناوله مع المتربين من موضوعاتٍ في صورة مشكلات، ثمَّ يطرح عليهم هذه المشكلات، طالبًا منهم الاجتهاد في البحث عن حلول لها، ثمَّ يتناقش معهم حول هذه الحلول، والحلول الأخرى البديلة والممكنة.
- طريقة التعليم الذاتي:
وفيه يطلب منهم تجميع معلومات عن الموضوع الذي يريد تناوله معهم، ثمَّ يتركهم يبحثون عن هذا الأمر، ويجتهدون وحدهم - مع توجيهه لهم وإرشادهم - في الوصول إلى نتائج وتحليلات، وغير ذلك من وجوه دراسة الموضوع، ثمَّ يتناقش معهم حولها ويساعدهم على تقويمها، ومن الممكن أن يمدَّهم بطرق الوصول إلى هذه الحقائق، سواءً كانت مراجع أو أدوات أو غير ذلك.
- استخدم تكنولوجيا التعليم:
ومن الأمور التي تساعد كذلك على تحقيق التفاعل بصورةٍ جيدةٍ: استخدام تكنولوجيا التعليم، مثل: الكمبيوتر، والسبورة الطباشيريَّة، والسبورة الضوئية "البرجيكتور"، والفيديو، والكاسيت، والمشاهد التمثيلية، ... إلخ.
وأيضا - أخي الكريم – مما يساعد على تحقيق التفاعل التربوي بين المربي والمتربي، ألا يقتصر المربي على استخدام وسيلة تربوية واحدة، كالحلقة التربوية مثلا، ولكن عليه أن ينوِّع في استخدام الوسائل التربوية، والتي يمكنه من خلالها إيصال المفاهيم والقيم إلى المتربين، ومن هذه الوسائل التربوية التي يمكنه استخدامها:
- لقاءات متعدِّدة الفقرات.
- مسابقات متنوعة، في القرآن والأحاديث، ومسابقات بحثيَّة، ومسابقة في تلخيص كتاب، ومسابقات شفوية ... إلخ.
- رحلات بأشكالها المختلفة.
- دورات في مجالات مختلفة ومتنوعة.
- دورات رياضية.
- حفلات السمر.
- مخيمات أو معسكرات.
- حلقة لتجويد القرآن.
- مدرسة لتحفيظ القرآن.
وغير ذلك من الوسائل التربوية التي يحتاجها من تقوم على تربيتهم، ويفيدك في هذا الشأن - أخي الكريم – مطالعة الاستشارة التالية:
- وسائل دعوية.. متنوعة ومفيدة
وفَّقك الله لكلِّ خير، وفتح على بصيرتك، وأثابك خير الثواب.
===============
الحركة الإسلامية أم "صناع الحياة" ؟
السلام عليكم ورحمة الله،
أنا من فلسطين، من داخل الخط الأخضر، أنتمي للحركة الإسلامية هناك، وقد دب خلاف بيني وبين قيادة الحركة؛ وذلك بسبب طلبي تنفيذ برنامج (صناع الحياة)، ووضع اسم (صناع الحياة) على ما ننفذه من مشروعات دون تعديل فيه، وأن نستبعد اسم الحركة نظرا للظروف المحيطة بها، ولكن تدير الحركة هذا المشروع من وراء الكواليس، وقد جمدتُ عضويتي في الحركة بسبب هذا الأمر، وتحاول الحركة تغييب كل عمل يندرج تحت اسم (صناع الحياة) ومحاربته.
أرجو الإفادة بالرد.
…السؤال
الشباب, فقه الدعوة …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
أخي الفاضل، أهلاً ومرحبًا بك وبكل أهل فلسطين، المرابطين في بيت المقدس وأفياء بيت المقدس، وجعلك الله من جند الدعوة المصلحين، والساعين لإحداث النهضة داخل المجتمع الفلسطيني خاصة، وبالأمة الإسلامية عامة.
انطلق مشروع صناع الحياة بمبادرة من الداعية الأستاذ عمرو خالد حفظه الله، وقد أثمر وما زال بفضل الله تعالى يُثمر نتائج طيبة على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، وقد استطاع الأستاذ عمرو خالد أن يجذب كثيرا من الشباب ويقنعهم بالفكرة.
فما كان من هؤلاء الشباب - ذكورًا وإناثًا - في الداخل الفلسطيني، كما في كل الدول العربية والغربية إلا أن يتجاوبوا معه، وبدؤوا بتطبيق المشاريع التي كان يقترحها الأستاذ عمرو خالد، وتعمل عليها كل الفرق في شتى الأقطار.(9/244)
وما حدث أن الخطوة الأولى للتطبيق كان بها بعض الخلل مما أدى إلى تداعيات سلبية، وهي تجمع مجموعات من الشباب في كل منطقة أو مؤسسة: مجموعة في الجامعة، الكلية، القرية، المدرسة، المسجد، وكلها قد تكون في نفس البلدة، وأشرف على كل مجموعة من هذه المجموعات شخصيات مختلفة؛ وهذا بدوره أدى إلى صعوبة التواصل والمتابعة والإدارة بسياسة واحدة، وأحيانًا حدوث تضارب في المصالح الخيرية. ونتيجة لذلك حدثت عدة مشاكل منها:
- عدم وجود هيئة أو مؤسسة تدير المشروع بجميع جوانبه.
- وجود اختلاف في الفئات العُمرية، وفي الثقافة والفكر؛ أدى إلى اختلافات واسعة في وجهات النظر بين أفراد المجموعة الواحدة عند تطبيق أي مشروع من مشروعات صناع الحياة.
- عدم ضبط السلوكيات الأخلاقية، خاصة الاختلاط بين الشباب والفتيات، وذلك نتيجة للنقطة السابقة، فكل يرى التعامل من وجهة نظره الخاصة بناء على التزامه وفهمه للأمور.
- عدم تسجيل هذه الجمعيات في المؤسسات الرسمية؛ مما أدى إلى عدة مشكلات في الجوانب الإدارية والمالية.
هذه الأمور لا تعني التشكيك أو التقليل من هذا المشروع الرائع، وإنما هي طرح لبعض الإشكاليات التي ظهرت على أرض الواقع.
وأعتقد أن هذا ما دفع بعض المسئولين في الحركات الإسلامية إلى التأني في المشاركة بشكل قويّ في هذا المشروع، وهذا ما حدث بالضبط في الداخل الفلسطيني، فبعد متابعة ودراسة العمل في هذا المشروع تبين أن هناك خلل في التطبيق، مما أدى إلى إعلان موقف الحركة بأنها تدعم المشروع من حيث الأفكار، لكنها لن تتقيد بوسائل الأستاذ عمرو خالد.
كان هذا - أخي الكريم - توضيح لبعض الإشكاليات التي ظهرت بعد تطبيق مشروع صناع الحياة، لكني أومن أن العمل على إحياء هذا المشروع ضروري جدًا، وأن بذرة الخير فيه غنيّة وستثمر - بإذن الله تعالى - نتائج طيبة أكثر من التي ظهرت حتى الآن؛ وذلك إذا ما تمت دراسته مرة أخرى، وتم إعادة تنظيم هيكلته ووسائله بشكل أفضل.
أما عن ما ذكرته - أخي الكريم - بشأن معارضة الحركة الإسلامية لهذا المشروع (سواء كانت الشمالية أو الجنوبية)، فإن بعض النقاط التي فصلتها لك قد توضح وجهة نظرهم، هذا بالإضافة إلى أن هناك الناحية الأمنية، والتي تقف عائقًا أمام الحركات الإسلامية داخل فلسطين المحتلة، وهذه المسألة لا يمكن التغاضي عنها بسهولة، ذلك لأنه تمت محاكمة شخصيات قيادية من البلاد بتهمة التعاون مع جهات هي بنظر الدولة المحتلة "إرهابية أو عدائية"، خاصة إذا كان هناك تعامل مادي، ونحن بالطبع نرفض هذه القوانين التي تهضم حقوقنا الإنسانية قولاً وفكرًا، لكننا كأفراد ومؤسسات وحركات نعمل ضمن إطار هذه القوانين، مع حقنا في الاعتراض والاحتجاج والدفاع المستمر عن حقوقنا المسلوبة.
النقطة الأخيرة التي وردت في استشارتك، هي أنك قد أخذت ردة فعل شديدة تجاه رد الحركة التي قد انتميت لها، وذلك بعد رفضها تنفيذ المشروع على الصورة التي اقترحتها عليهم، وما كان منك إلا أن علقت عضويتك، وهنا أعتب عليك بذلك فهل قناعتك بانتمائك الديني، والفكري، والثقافي، والسياسي لحركة معينة تنتفي وتنتقض لمجرد عدم توافق الآراء حول مشروع معين؟! لا أظن ذلك، فالجميع تجمعه الرغبة في إصلاح الأمة، فلم التفرق والتراجع؟!.
أليس الأحرى أن تستمر في دفاعك عما تؤمن به من أفكار، وتدفع نفسك لطرح البدائل والاقتراحات لإدارة مثل هذا المشروع، وليكن تحت مسمى آخر، أي مسمى تتفقون عليه، ما المشكلة؟! ليست العبرة بالأسماء ولكن العبرة بالمسميات، وبما يعود بالنفع من هذا المشروع.
ومن ناحية أخرى فعلى المسئولين عن العمل الإسلامي والحركات الإسلامية أن يكونوا آباءً ومربين، تتسع صدورهم لأبنائهم من الشباب، ويأخذونهم بالود، ويجلسون معهم، ويحاولون توضيح ما يشكل عليهم من مسائل، ويبادرون لحل الخلافات، وإيجاد الوسائل التي يتوحد عليها الجميع. فكم خسرت الحركات الإسلامية والمؤسسات الدعوية من أفرادها وكوادرها؛ نتيجة مثل هذه الخلافات في وجهات النظر!!.
لماذا لا تطرح الحركات الإسلامية برامج تنمي قدرات الشباب، وتستثمر قدراتهم بشكل إيجابي وفعال في خدمة المجتمع ولا تقتصر فقط على البرامج الإيمانية والتربوية؟ ألم يرَ المسئولون في هذه الحركات التفاعل السريع من قبل الشباب لأية فكرة لمست بذرة الخير التي في قلوبهم ليخدموا بها أمتهم؟ ألا يرون أنهم إذا ما أعطوهم مساحة من الإبداع سيبدعون وسيعملون؟.
في النهاية أخي الفاضل، أدعوك إلى أن تمسك الورقة والقلم، وتفتح الشاشة، وتبحث وتقرأ، وتفكر، وتشعل لهيب فكرك؛ لتبني خطة لشباب هذه الأمة، يكون بها مشاريع تطوعية تهدف منها إلى إدخال روح التغيير، وغرس النهضة، وتطوير المجتمع، ثم اجمع أوراقك هذه واتصل بالمسئولين في الحركة، ثم بادر بطرح خطتك عليهم، وناقشهم متزينًا بالأخلاق الحميدة التي تربيت عليها، مخلصًا في أن تصل وإياهم لصورة تدمج ما بين رأيهم ورأيك.
ويقيني أنك ستصل لنتيجة تسرك، لكن إن لم يحصل ذلك، فيمكنك أن تعمل مع مجموعة ما، كأصدقائك، أو شباب مسجدك، أو زملاء العمل، أو أقاربك، أو أطفال حارتك، ولن تُعدم الوسيلة بإذن الله، فاستعن بالله ولا تعجز.(9/245)
وآخر قولي: عد لدعوتك، وعد لحركتك، ما دمت مؤمنًا أنها وسيلة للنهوض بالأمة، ومفتاح خير لك في الدنيا والآخرة، ولا يغرينَّك الشيطان بوساوسه، فإنه يعمل ويبذل وسعه لتسود الفرقة بين قلوبنا، فاعتكف على دعوتك وجماعتك، واعلم أن هذه المحن إنما هي عقبات وامتحانات ينظر الله فيها إلى مدى صبرك، فلا تدِر ظهرك لإخوانك، وتذهب عنهم، وسيفتح الله عليك - بإذنه سبحانه - والله الموفق إلى كل ما يحبه ويرضاه.
==============
الذوبان في التنظيم .. بين الرفض والتسليم
بسم الله الرحمن الرحيم،
أنتمي إلى إحدى الجماعات العاملة للإسلام، وقائدي يقول لي: إن الجماعة يجب أن تتحكم في كل شيء في حياتي، فلا أتزوج إلا بإذنها، ولا أسافر إلا بإذنها، ولا أتحدث حديثًا إلا بإذنها، ولا حتى أغير شيئًا في أثاث بيتي إلا بإذنها، ولا أعمل عملاً إلا بإذنها، ولا أقوم بأية علاقة مع أي فرد أو جماعة أو مؤسسة إلا بإذنها، ولا ولا ولا..
ويريد أن يقنعني أن هذا من مقتضيات بيعتي للجماعة، وبمثابة الفرض الذي أثاب إن فعلته، وأكتسب الإثم إن لم أفعله!! وصراحة في قلبي أشياء نحو هذا الكلام.
أرجو منكم أن تشيروا عليَّ، وتبينوا لي صحة هذا الكلام أو خطأه.
وجزاكم الله عني خيرًا. …السؤال
ثقافة ومعارف, فقه الدعوة …الموضوع
الأستاذ عبد الحميد الكبتي, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي:
أخي العزيز إبراهيم، إن من بدهيات العمل الجماعي في أية مؤسسة دعوية: قيام هذا العمل على أصول وأهداف ومنطلقات، يستوعبها كل عضو في هذه المؤسسة، كي يكون تناغم الفريق العامل كله، قيادةً وقاعدةً، في حُدَاء واحد متجانس.
فيكون الوضوح في هذه الأسس والمنطلقات من مسئوليات القيادة، ومن ثم تُعطي لكل عضو هذا الوضوح، ليكون الانطلاق لتحقيق الأهداف المتفق على أصولها.
كذا، فإن من أسس العمل الجماعي أن المؤسسة الدعوية قامت من أجل تحقيق فرض شرعي واجب، هي على قناعة بوجوبه، وما ثمة عضو يلتحق بها، إلا كان مؤمنًا بهذا الوجوب الشرعي، ومن ثم فهو ينظر - كما نظر لمسألة الوجوب الشرعي - للمؤسسة الدعوية على أنها وسيلة لتحقيق هذا الواجب، سواء بسواء.
ومن الطبيعي أن يعيش المرء في أجواء هذه المؤسسة الدعوية، وفي بيئتها الخاصة، إذ هو يريد أن يستوعب المنهج، وطرق العمل، بل والكثير من الذوقيات والأعراف السائدة في أروقتها، إذ هو يريد فهم تلك الخارطة الدعوية التي تدله في مسيرته في العمل الإسلامي، فيعرف الجبال والهضاب، وما له وما عليه، ويدرك عقبات الطريق، وآماله وآلامه، كي يعرف لرجله قبل الخطو موضعها.
غير أن هذا الأمر يكون في البدء النابض، وفي شعلة الابتداء، فيزُود من هذا كله، لينطلق في الآفاق الرحبة للعمل الدعوي، ليحقق الواجب الشرعي الذي هو أصل التلاقي في عمل منظم، وعليه قامت المؤسسة.
ففي الجانب النفسي، يكون له ولاؤه للمؤسسة، كونه عضوًا فيها مستوعبًا لها، يُحِبّ الأعضاء والقيادة، يحرسهم نظام هو يستوعبه كما غيره، من غير دخول في غلو، وتكبير لحجم هذا الولاء، فلا يظننَّ العصمة في المؤسسة فضلاً عن أفرادها، لكنه يحترم الاجتهاد القائم على دليل، ولا يحصر جدران نفسيته المؤمنة على تلك الثلة من العاملين، بل محرابه الدعوي هو ساحات المجتمع، والعمل لله، وتحقيق الواجب الشرعي.
غير أن حصر العلاقات الخاصة الذاتية في إطار المؤسسة، وعدم الاحتكاك بفئات أخرى من المجتمع، يجعل المرء محدود النظر، مقتصر على مؤسسته فقط، غير آبه بما يجري في ساحات الحياة، وغير منتبه إلى المحكات العملية مع الناس، ومع المؤسسات الأخرى الدعوية منها وغير الدعوية.
وقد يكون للتربية دور في هذا الحصر النفسي، فيكون للمربي في المؤسسة الدعوية هذا البُعد في الممارسة التربوية مع الأفراد، وأنا في نظري ذاك ضعف نفسي كبير، يجب التخلص منه على كافة المستويات، ويكون ذلك بالعودة إلى الأصول العامة للمؤسسة، ومراجعة سيرة الرواد فيها، وكيف كانوا يجوبون الأصقاع من أجل بلاغ الناس، وكيف أنهم يحرصون على توفير الخدمة للناس، من غير تقيد بمؤسسة هم شديدو الولاء لها.
انظر مثلاً لقول سلمان الفارسي عندما أقام في بيت المقدس، فأرسل خطابًا إلى أبي الدرداء رضوان الله عليهما، يقول له فيه: (ائتنا إلى هنا، حيث بيت المقدس)، فرد عليه قائلاً: (الأرض لا تقدس الرجال، إنما يقدس الرجالَ أعمالُهم).
فليس لمكان شريف مقدس في شرعنا أن يضفي على أحد شيئًا من هذه القداسة، إلا بعمله وسعيه، وهذا الكلام من الصحابي الجليل أصل في منهجية التربية النفسية داخل المؤسسات الدعوية، فلا تقديس - احترام وحب - إلا بعمل، ولن يكون ثمة عمل إلا بالانفتاح الكامل على الناس، حيث الميدان البدهي لكل الدعاة.
أخي إبراهيم، صحيح قد تحتاج المؤسسة الدعوية إلى متفرغين لأعمالها، لكن هذا ضيق النطاق جدّا، وعموم الدعاة يجب أن يخرجوا أولاً من هذه البوتقة النفسية، كما خرج الصحابة من أطيب البلاد - المدينة المنورة - وتشهد على ذلك قبورهم الطاهرة في أودية الشام وجبال الأكراد وهضبات الشمال الأفريقي، كونهم استوعبوا الخارطة الدعوية بعمق، وانطلقوا، ولم تأسرهم.
وهذا البعد النفسي عندما يسيطر، تتأثر به جوانب أخرى مهمة، منها الجانب التنظيمي، الذي وُضع من حيث الأصل لتسيير العمل بصورة أفضل، وفتح مجالات العمل والإبداع لكل الدعاة، لكنه عندما يسيطر هذا الجانب النفسي، يكون الجانب التنظيمي كأنه عائق كبير في العمل، وتضفي عليه قداسة بعيدة عن روح الإسلام، وهي من البعد عن منهجية التربية الدعوية بمكان.(9/246)
فالأصل هو الانطلاق بأقصى سرعة، دون إثارة للغبار، وهذا دور النظام، لا أن يكون النظام مفضيًا إلى السير البطيء المُغرِب، وتتأثر نفوس الدعاة بأتربة الغبار التنظيمي الخانقة أحيانًا.
كذا الأمر في الجانب الاجتماعي، وحصر علاقات الأخ الاجتماعية في إطار المؤسسة، بل وقد يصل الأمر إلى إلزام آل بيته بما تلزمه به المؤسسة من علاقات مع بقية الأعضاء، في تكلف بعيد عن روح العمل الاجتماعي الصادق، غير المتكلف.
هذا جزء من حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع جابر بن عبد الله رضوان الله عليه، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل نكحت؟"، قلت: نعم، . قال: "أبكرًا أم ثيبًا؟" قلت: ثيبًا. قال: "فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟"، قلت: يا رسول الله، قُتل أبي يوم أُحد، وترك سبع بنات، وكرهت أن أجمع إليهم خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقيم عليهن، قال: "أصبت". رواه أحمد.
وخبر وفاة والد سيدنا جابر - رضوان الله عليهما - يوم أُحد خبر مشهور، لكون والده رضوان الله عليه أنزلت فيه: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وعندما قُتِل يوم أحد بكاه ولده جابر كثيرًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تبكه - أو ما تبكيه - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رُفِع". متفق عليه.
إذن، فسيدنا جابر رضوان الله عليه ليس صحابيّا مغمورًا، بل هو معروف للنبي عليه الصلاة والسلام، وبالرغم من ذلك لم يعلم بعُرسه، ولا مَن تزوج، بل فقط نصحه أن تكون زوجته بكرًا، فبيَّن له وجه اجتهاده في الزواج من ثيّب، فصوَّب فعله، بل وكافأه وداعبه.
فانظر للقائد، كيف يكون مرنًا مع إخوانه، ويبسط لهم مجال الاجتهاد، ولم يلزمه بالزواج من فئة محددة، ولا من نوع خاص، ولا من المقربين من الصحابة، مع أن الزواج أهم مفصل اجتماعي في حياة المرء، فكيف بغيرها من العلاقات؟!.
أعود لأقول أخي الحبيب، هو البعد النفسي، والهالة النفسية التي يضفيها البعض على المؤسسة الدعوية، هي التي تتحكم في (المزاج) التنظيمي والاجتماعي، وغيرهما من جوانب حياة الدعاة.
إن في العمل الجماعي الواضح البيّن المؤصَّل كل الخير، وهو واجب اكتسب أحد أوجه وجوبه، من قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، لكن المبالغة أمر مستهجن، لا تأتي بخير، بل النسبية أصل، والوسطية ضمان، وتوفيق الله معين للمرء، في تذكرٍ لأصل التلاقي، وأن العمل لنيل رضوان الله وجناته العلا، في إيمان عميق متجدد، وحب وثيق متمدد، يحرسه نظام يتطور. ولك أن ترفع معي شعارًا جميلاً، فنقول:
(الجنة هدف، طريقها الإيمان، والوسيلة الحب، والحارس النظام).
فلا تشويش بين ما هو هدف، وبين الطريقة، وبين الوسيلة، والحارس.
حرسك الله بعينه التي لا تنام، وجعل حبه وحب ما يحبه وسيلة لنيل الجنان، وسدد الله الرمي بحارس مبدع ونظام.
ولك تحية عالية.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أخي الحبيب إبراهيم، لقد طرحت في استشارتك هذه موضوعًا ذا شجون.. طالما كثر الحديث حوله، واختلفت الأحكام حياله. وكلما ارتفع الصخب حوله، عاد الهدوء والغموض يكتنفه من جديد، دون أن نصل لقول فصل فيه.
أخي الحبيب، إن ما أؤمن به وأعتقده، وأعتبره مادة من دستور الدعاة: أنه ما كان لبشر مهما كان أن يفرض على الناس ما لم يفرضه الله تعالى عليهم، ولم يكن من سُنّة سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم.
مفهوم – أخي - أن يكون للجماعة لوائحها وقوانينها، ولكن طالما انتسبت هذه الجماعة للإسلام، وأعلنت أنها تعمل له وفي سبيله، فلا بد أن تكون هذه اللوائح والقوانين مستقاة من شريعة الإسلام، لا تخالفها.
ولا شك أن التمادي في التنظيم بهذه الصورة التي أشرتَ إليها في سؤالك، يحد من ملكات الفرد، ويجعل منه تابعًا مقلدًا، محدود التفكير، مهزوز الثقة، لا طاقة له على الإبداع والابتكار، ولا على التعامل كعنصر بنَّاء له كيانه في المجتمع.
وقد يناسب هذا مرحلة معينة من مراحل التربية، كالوليد المبتسر عندما نضعه في الحضّانة ليكتمل نموه، وتنضج أعضاؤه، ويصبح قادرًا على الحياة في الهواء الطلق، وفي ظروف الحياة المختلفة.
ولكن أحدًا لم يقل أبدًا: إننا يجب أن نُبقي هذا الطفل في الحضَّانة طول حياته، ولو قيل: فمعناه أن هذا الطفل محكوم عليه بالعجز، أو بالموت بعد حين، طال هذا الحين أو قصر، فهو لا يصلح للحياة الطبيعية، حيث إنه غير مؤهل ليخوض غمارها، وبالتالي نسقطه من حساباتنا، ولا نعوّل عليه، بل يظل حبيس هذه الحضَّانة حتى يُقضَى أجله.
فالجماعة لها أن تتعامل مع الفرد حين يدخل إليها، كما يتعامل الطبيب مع الوليد، حيث ينظر إليه وإلى حالته، هل هو مكتمل النمو، أم يحتاج إلى فترة مُكث في الحضَّانة، يتعاطى فيها عقاقير محددة، ويُعنَى به عناية خاصة، ثم يدفع به إلى الحياة، معتمدًا على ما حباه الله من قدرة على التكيف مع الحياة.
وكذلك الجماعة تراجع مفاهيم المنتسب إليها، وتطمئن على حُسْن فهمه وتقديره للأمور والأحداث والمواقف، وتكسبه بعض المهارات والمعلومات، وهي أثناء هذه الفترة تحوطه وترعاه وتعتني به، وتحميه من التعرض لما يؤثر عليه تأثيرًا سلبيّا، مع إعطائه قدرًا من الحرية، يزداد تدريجيّا، ليتفاعل مع المجتمع من حوله، ليزيد من خبراته من خلال احتكاكاته مع أفراده وفعالياته.(9/247)
لكن لا ينبغي أبدًا للجماعة أن تفرض – طول الوقت – هذا السياج المحكم الذي وصفته في رسالتك على أفرادها.
وقد يناسب هذا المفهوم – أيضًا – حالات معينة، تتصل فيها ممارسات الفرد بمصلحة الدعوة أو الجماعة اتصالاً مباشرًا، قد يضرها، أو يسبب لها مشكلات هي في غنى عنها، فمن حقها إذن أن تتدخل في هذه الممارسات، وأن تتخذ فيها قرارات ملزمة للفرد، بعد البحث المجرد والتمحيص غير المتحيز، وعليه أن يلتزم بتلك القرارات، طالما هو ارتضى الدخول تحت مظلة الجماعة، وإلا أعلن المفاصلة الواضحة، وحتى لا يُحسَب ما قد يحدث جراء ممارساته من مشكلات على عاتق الجماعة، فمن حق الجماعة أن تحمي نفسها وكيانها وسمعتها.
إن بعض القادة أو المسئولين يظن عندما توليه الجماعة قيادة مجموعة من الأفراد، أنه صار له الحق في التدخل في كل شئونهم، العامة منها والخاصة، ويزرع في نفوسهم أنهم لا ينبغي لهم أن يفعلوا أمرًا أو يتخذوا قرارًا في حياتهم إلا بعد الرجوع إليه وأخذ موافقته، وهذا مما يخالف بوضوح هدي النبي صل الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه.
فقد كان هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في أمورهم الخاصة هو إعطاء النصيحة والمشورة غير الملزمة، فهو حينها لا يُشرِّع حرامًا ولا حلالاً، وإنما ينصح لما يراه أفضل، وللصحابي أن يختار ما يناسبه. ولم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم عاتب أحدًا من صحابته على أمر من أموره الحياتية لا يتصل بالدعوة اتصالاً مباشرًا، أو أنه – مثلاً – طالب الصحابة أن يرجعوا إليه في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم.
إذن فلا مانع أن يستشير الفرد جماعته فيما يعن له في حياته الخاصة من أمور لا تؤثر جوهريّا على الجماعة، استرشادًا برأيها، لا على وجه الإلزام، بل على وجه الاسترشاد، وله بعد ذلك أن يأخذ برأيها أو لا يأخذ، وليس للجماعة أن تعترض عليه إن ترك رأيها وأخذ بغيره، وعليه هو أن يتحمل تبعات اختياره.
وكما تطلب الجماعة من أفرادها ألا يعيبوا عليها اتخاذها لقرار معين ثبت خطؤه بعد حين، ويذكروها برأيهم المضاد، يجب عليها أيضًا ألا تعيب على فرد من أفرادها اتخاذه لقرار في حياته ثبت خطؤه بعد حين، وتظل تكيل له الاتهامات والتعيير بعدم أخذه برأيها.
يكفي الجماعة أن تحدد خطوطًا عريضة لسياساتها، وتبين لوائحها ونظمها، ثم تترك المجال بعد ذلك لأفرادها ليعملوا في ظل تلك السياسات واللوائح والنظم، مطلقة أيديهم فيما يحسنون، معطية لهم الثقة التي تطالبهم بها.
وللأسف فالبعض من الأفراد الذين يمارس معهم قائدهم ذلك الحَجْر، قد يستمرئ هذا ويرضى به، بل ويشيد به، فهذا يعطيه فرصة للتواكل والسلبية، والتبرؤ من أي خطأ يحدث، والهروب من المسئولية!!!
وإني أتساءل: أنَّى لجماعة تحوي بين أفرادها أمثال هؤلاء، أن تقيم مجتمعًا سويّا، ونموذجًا صالحًا للتطبيق يقنع الناس برؤيتهم ومنهجهم ودعوتهم؟!!.
أخيرًا أخي إبراهيم، أقولها لك بصراحة: قائدك على خطأ فيما ذهب إليه، ولعل هذا فهمه وحده، أو فهم القادة في منطقتك، فيجب أن تناقشه في ذلك، وتنصحه، وأن تصعِّد هذا الأمر للقيادات الأعلى، لينصحوا من تحتهم بإعطاء الحرية للأفراد فيما لا يضر مصلحة الدعوة، وإبداء المرونة معهم، فالدعوة لا تجمع حولها أناسًا منزوعي الإرادة، تفرض وصايتها عليهم بهذا الشكل الغريب، إنما من له الوصاية هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شيء غيرهما.
نقطة أخيرة – أحسبها هامة – يجب أن نتعرض لها، وهي مفهوما (الجماعة)، و(البيعة) الملتبسان عند كثير من الجماعات والأفراد، فالجماعات الموجودة لا تستند في تأسيسها إلى نصوص السنَّة المطهَّرة الواردة في لزوم الجماعة ووجوب البيعة إلا على سبيل الاستئناس، وإنَّما استنادها إلى النصوص العامَّة التي تحضُّ على التعاون على البرِّ والتقوى، وتنهى عن الفشل والتنازع، وفي هذا السياق عليها أن تسعى بكلِّ طاقتها للتعاون والتكامل والتعاضد، والابتعاد كلَّ الابتعاد عن التقاتل والتنازع والتخاصم.
كما أن البيعة المعقودة لهذه التجمُّعات بمثابة العقد، والطاعة لها تكون في حدود ما اتُّفِق عليه في هذا العقد، ويكون التحلُّل منها عند الاقتضاء بإنهاء هذا التعاقد.
===============
أحب زميلتي المسيحية .. هل أتزوجها؟
بسم الله الرحمن الرحيم،
اللهم إني أسألك التوفيق والتقدم لهذا الموقع الرائع والمميز، والذي أحسست بوجود الحل فيه بمساعدة علماء الدين الذين يعملون ديننا، وتبليغ رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أنا أدرس في الجامعة، وأنا على مشارف التخرج إن شاء الله، ومنذ دخولي الجامعة تعرفت بفتاة مسيحية، وبقينا أصدقاء وزملاء في السراء والضراء، وبصراحة بيني وبين نفسي بدأت أتقرب منها أكثر وأكثر؛ لأنني أحسست بأن الله خلقها غير نصرانية، والله تعالى أعلم.
لا أدري إن كانت عواطفي تتكلم أم عقلي؟ ولكنني أحبها، وأريد لها من قلب صادق أن تعتنق دين الإسلام، وأن أتزوج بها.
لقد سكنت قلبها، وسكنت قلبي، ولكن لا أحد يستطيع أن يُبيح للآخر ما يختلج في صدره؛ خوفا من موضوع أنا مسلم وأنت مسيحية.
وصلت الفتاة الآن إلى مرحلة أردتها أن تصل لها وبعدها أستشيركم، الآن أصبحت لا تشكي همها إلا إلي، ولا تخبر أحدا بمشاكلها إلا أنا، وأنا أشعر أن الوقت المناسب للكلام عن الدين هو الآن، علما بأنني - والحمد لله - ملتزم دينيا، وهذا الشيء الذي أعجبها بي، كما قالت: "أنك ملتزم وهذا يعجبني بك".
أنا الآن في دوامة، ولا أعرف كيف أبدأ، وأرجو أن تساعدوني؛ لأن الموضوع الآن فيه دخول شخص في دين الإسلام إن شاء الله.(9/248)
أريد الرد سريعا على الموضوع بعد إذنكم ودعاؤكم لي بالتوفيق، وأن يثبت الله قلبي ويقويني على طاعته، وعلى إقناعها بديننا العظيم اللهم آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ووفقكم الله عز وجل.
…السؤال
دعوة غير المسلمين …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم به وله.
هل الحب فطري أم ديني؟ أي هل تبدأه الفطرة بين الخلق، ثم ينميِّه الدين، أم هو لا يبدأ أصلا إلا بالدين؟
يقول الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالي: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ): "قال ابن العربي: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإنَّ الله خلقه حيا، عالما، قادرا، مريدا، متكلما سميعا، بصيرا، مُدبِّرا، حكيما،.. وهذه صفات الرب سبحانه "، ومن صفات الرب أيضا والتي ذكرها عن ذاته الحب والود كما يقول: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)، ويقول: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، ولو استمر الإمام ابن العربي في التفصيل لقال: محبا، ودودا، متسامحا، متعاونا، كريما، عادلا .. إلي غير ذلك من صفات الإنسان، والتي هي مستقاة من صفات خالقه.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه البخاري، وفي رواية لمسلم مثل: "لجاره"، يقول صاحب كتاب "سُبل السلام" عند شرحه لهذا الحديث: " .. المراد نفي كمال الإيمان ... وأطلق المحبوب ولم يُعيِّن ... هذا علي رواية الأخ، ورواية الجار عامة، للمسلم والكافر، والفاسق والصديق، والعدو والقريب، فإن كان الجار أخا أحب له ما يحب لنفسه، وإن كان كافرا أحب له الدخول في الإيمان، مع ما يحب لنفسه من المنافع ... والذي يشمل الجميع: إرادة الخير وموعظته بالحسني والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له"
ويقول الإمام ابن تيمية في: "أهل الملة مستحقون للثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحب والبغض، بحسب ما فيهم من البر والفجور، فإن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
بل بعض معاني لفظ "إنسان"، الذي سمى الله به آدم وبنيه مأخوذ من باب "أنِسَ"، أي لاطفَ مَن حوله، وأزال وحشته، وسكن إليه، وأحبه، ومنه "الإنسانية"، أي الذين يأنسون ويحبون بعضهم البعض.
مما سبق يتضح لنا أن الحب فطري، وهو صفة جميلة من صفات النفس مخلوقة به، وهو عام لجميع بني آدم، ولكنَّ صوره ودرجاته تختلف على حسب نوع التعامل، من حيث حُسنه وسوئه، وعلي حسب درجة التفاهم على الإيمان بالله وتشريعاته المتدرجة، التي وضعها لتنظيم حياة خلقه ليحيوا بها سعداء، فيزداد الحب ويزداد التلاحم والتعامل، ويزداد الأمن والهناء كلما تقاربت العقول والقلوب نحو الله ودينه المكتمل، وهو الإسلام، كما يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وكما يقول صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد"
أخي الحبيب، إنَّ حبك هذا عند إتمامه بزواج في الحلال لا يتعارض أبدا مع قوله تعالي: (وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، لأنه ليس المقصود به الكتابيات اللائي يتبعن كتاب إلهي ودين، وإنما اللائي يعبدن الأصنام، كما يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لها: "هذا تحريم من الله عز وجل علي المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان، ... وعن ابن عباس: استثني الله من ذلك نساء أهل الكتاب - يقصد الاستثناء في قوله تعالي: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)، ... وإنما كره عمر رضي الله عنه ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات".
وفي هذا السماح نشر للإسلام بشكل عملي، من الزوج لزوجته غير المسلمة وعائلتها كلها بإذن الله؛ لأن الغالب تأثير الزوج على زوجته، خاصة إذا كان قدوة حسنة في أخلاقه ومعاملاته.
ولا يتعارض أيضا حبك وزواجك مع قوله تعالي: (لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)؛ لأن مقصود الموالاة هنا، والتي تحرم هي نصرتهم وطاعتهم ومحبتهم التي تؤدي إلي إفشاء أسرار المسلمين أو إضرارهم وإضعافهم وإذلالهم وإتعاسهم، والسبب في عدم التعارض هو أنَّ الأصل في الإسلام هو السلام والمسالمة مع المسالمين، كما يقول تعالي: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) والذي قال فيه الإمام الطبري: "بإحسانكم إليهم وبركم بهم ... من جميع الملل والأديان".(9/249)