وكانت من أنفذ الناس رأيا في أصول الدين ودقائق الكتاب المبين، وكانت من العارفات بالطب والسياسة والرواية والتاريخ والأنساب، كما كانت رضي الله عنها تجيد القراءة.
ومن العالمات المجتهدات والمفتيات: أم سلمة، وحفصة، وأم حبيبة، وجويرية، وميمونة، أمهات المؤمنين، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو رافع: إنها أفقه امرأة في المدينة، وليلى بنت قائف، وأسماء بنت أبي بكر، وأم شريك بنت ثويب، وأم الدرداء الكبرى، وعاتكة بنت يزيد، وسهلة بنت سهيل، وفاطمة بنت قيس، وأم سليم، وأم أيمن.
وقد عقد محمد بن سعد جزءًا من كتاب الطبقات الكبرى لروايات الحديث عن النساء أتى فيه على نيف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الثقات من أصحابه وروى عنهن أعلام الدين، وأئمة المسلمين.
أما واقع المرأة في القرون الأخيرة، فقد كان مزريًا، ودورها هامشيًا، حاصروها وجهّلوها، وزعموا أنه لا يجوز للمرأة أن تدخل دور العلم، وواجب تثقيفها يقع على أبيها أو زوجها. وإذا كان الأب أو الزوج جاهلا، فقد حرمت المرأة من نور العلم ومن فقه الحياة.
(واغتنمت المدارس الأجنبية الفرصة، فقد رأوا الميدان مفتوحًا لا مقاومة فيه، ولا شاغل يملؤه، فعبأوا كل جهودهم كي ينفذوا إلى صميم بنيان الأمة عن طريق التأثير في المرأة صانعة الأجيال، حتى قال المستشرق جب: إن مدارس البنات هي بؤبؤ عيني). ماذا عن المرأة : د. نور الدين العتر/34.
دور المرأة في الدعوة :
وإذا كان الخطاب في الأمم السالفة موجهًا للرجال فقط ، فهو في المجتمع الإسلامي موجه للرجال والنساء معًا.
فيوم أُمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بدعوة عشيرته الأقربين ، دعا عمه العباس، ودعا عمته صفية ، ودعا ابنته فاطمة ، وضعهم أمام مسؤولياتهم، وأخبرهم بأن يختاروا لأنفسهم، ويسارعوا بالانضمام إلى ركب الدعوة، فهو لا يغني عنهم من الله شيئا.
هذا النداء هو أعظم وسام علقه الإسلام على صدر المرأة، فلم يعد مجتمع الدعوة قاصرًا على الرجال، بل وانضمت المرأة إلى الموكب؛ لترفع البناء يدًا بيد ضمن توجيهات الوحي والنبوة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال) أبو داود، ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهنّ الله، رأينا لهن بذلك علينا حقا) البخاري.
ولم تستجب المرأة للدعوة تبعية للرجل، بل فهمت أن الدعوة تعنيها كما تعنيه، فسبقته أحيانًا وكان يسبقها في أحيان أخرى، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان وأمي من النساء) البخاري، فلم تكن أم الفضل ولا ابنها على دين زوجها يوم كان العباس على دين قومه.
وفي السيرة روايات كثيرة عن تسابق الرجل والمرأة، الكل يريد اللحاق بركب الدعوة ليكون الأقرب إلى رسول الله قائد الركب.
(والمرأة أكثر اهتمامًا بدينها من الرجل، ويبدو أن ما حباها الله وخصها به من مشاعر الحنان والرحمة والرقة جعلها أقرب إلى الفطرة الدينية من الرجل، ولازلنا نرى كثيرًا من المتبرجات يعدن باختيارهن إلى حظيرة الاحتشام والالتزام بآداب الإسلام، برغم الجهود الجبارة المبذولة من كل القوى المعادية للإسلام في الداخل والخارج.) من مقدمة كتاب فتاوي معاصرة: يوسف القرضاوي.
فهل يحاول الدعاة والداعيات، فيأخذوا بأيدي أخواتهن اللواتي مازلن يغردن خارج السرب الإسلامي ، فيقربوهن من ميدان الدعوة ، بدلا من الكلام القاسي الجاهل الذي يؤذي المشاعر وينفّر الجميع.عن عائشة أم المؤمنين ( أن أبا بكر ابتنى مسجدًا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وأفزع ذلك قريشا وقالوا: إنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا) . رواه البخاري.
هكذا تنقذف المرأة نحو الخير، إذا وجدت الفرصة المناسبة والداعية الموفق.
( والمرأة لا يؤثر عليها وهي صالحة فساد الرجل وطغيانه، ولا ينفعها وهي طالحة صلاح الرجل وتقواه، فإنها ذات مسؤولية مستقلة فيما يتعلق بشؤونها أمام الله.) القرآن والمرأة : شلتوت/ 7.
حقوق المرأة الاقتصادية وحقها في العمل :
لم يكن للمرأة قبل الإسلام شخصية اقتصادية مستقلة، بل كانت مجرد متاع يرثه الرجال، ولقد وصف القرآن حالتها تلك واستنكرها، قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ ( . النساء - 19.
وأول مال يخص المرأة مهرها، فهو خالص لها، فريضة من الله على الرجل الذي يقترن بها، لا يأخذ أحد منه شيئا إلا برضائها وطيب نفسها، قال تعالى: ) وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ( . النساء-4.
وحتى لا تبقى المرأة عالة على الآخرين، فقد قرر لها الإسلام حق التملك بالميراث، فالمال يؤكد الشخصية ويقويها، قال تعالى: )لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا( النساء - 7.
وجعل لها كالرجل حق مباشرة عقود التصرفات بجميع أنواعها، وجعلها صاحبة الحق المطلق على ملكها.(8/61)
لها أن تمارس التجارة، ولها أن تضمن غيرها وأن يضمنها غيرها، يقول الإمام محمد عبده: (هذه الدرجة التي رفع اللهُ النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأمم الأوروبية التي كان من آثار تقدمها في الحضارة والمدنية أن بالغت في احترام المرأة وتكريمها، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الإسلام النساء إليها.) الإسلام والمرأة: محمد عبده/57.
(عملت المرأة في التجارة وفي الزراعة) مسلم، ( وفي الرعي) رواه البخاري، وفي التمريض وفي جميع المجالات التي تناسب فطرتها وتطيق القيام بها.
روى الحاكم عن عائشة قالت: ( وكانت زينب امرأة صناعة باليد وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله) على شرط مسلم.
وكما احترم الإسلام دور المرأة الاقتصادي، فقد حثها النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون لمالها دور في إنماء المجتمع فقال: (تصدقوا، تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق من النساء) مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب زوج عبد الله: (زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) رواه البخاري.
ومع الأسف فمازال بعض الرجال - ومنهم من يزعم الالتزام الإسلامي- يخافون هذه الاستقلالية الاقتصادية للمرأة، فيدفعهم جشعهم أو تسلطهم للسيطرة على كل ما تملك، والبعض الآخر رجعوا إلى عهد الجاهلية، فلا يجعلون لبناتهم نصيبًا في الميراث، فيبيعون تركاتهم صوريًا لأبنائهم الذكور، ليحرموا الإناث من حقهم الذي قررته لهم الشريعة الغراء.
حق المرأة في العمل :
(وإذا كانت علوم النفس والتربية تؤكد أن تفرغ الأم لوليدها ضرورة حيوية لكل من الولد والوالدة، فالأم في حاجة نفسية إلى وليدها، كذلك الولد يحتاج أمه لحياته ولنفسه، وبالتالي فإن خروج المرأة من البيت يعني إهمال النشء، وهذا يهدد الأجيال بفساد التربية، وحرمان الأمة من المواطن الصالح، ومع ذلك فهناك أعمال تحتاج المرأة أن تتخصص فيها مثل: التوليد والطبابة النسائية والتعليم في مدارس البنات وأمثالها من الأعمال...
بعد ذلك وفي إطار حاجة المرأة أو المجتمع فبإمكان المرأة أن تقوم بكل الأعمال التي تناسب فطرتها وتطيق القيام بها، وتحمي شرفها وكرامتها) ماذا عن المرأة : د. نور الدين عتر/ 167، وقال مثل ذلك الإمام حسن البنا في رسالته: المرأة المسلمة وواجباتها/ 25.
حقوق المرأة الاجتماعية :
أعطى الإسلام المرأة حقوقا اجتماعية غير مسبوقة، فقد قرر لها الإسلام أنها إذا بلغت، وظهرت عليها علامات الرشد، وحسن التصرف، زالت عنها ولاية وليها أو الوصي عليها سواءً أكان أبًا أم غيره، فيكون لها التصرف الكامل في شؤونها المالية والشخصية، واختيار المكان الذي تقيم فيه وليس لأحد من أوليائها أو أقربائها أن يجبرها على الإقامة عنده مادامت ذات عقل وعفة، قال الشيخ أحمد إبراهيم في كتاب الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية ( ص 158) :
(والأنثى إذا بلغت مبلغ النساء، فإن كانت بكرًا أو ثيبًا غير مأمون عليها فلأبيها أو من يقوم مقامه من الأولياء والمحارم والمأمونين عليها أن يحفظها عنده جبرًا عنها، وإن كانت بكرًا ودخلت في السن واجتمع لها رأي وعفة، أو ثيبًا مأمونة على نفسها، فليس لأحد من أوليائها أن يجبرها على الإقامة عنده) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة :البهي الخولي/ 34.
كما قرر لها الإسلام حقها في قبول أو رفض من جاء يطلب يدها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للولي مع البنت أمر) رواه أبو داود والنسائي.
وهذه الخنساء بنت جذام زوّجها أبوها كارهة وكانت ثيبا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد زواجها. رواه الشيخان.
بل لها أن تباشر عقد الزواج بنفسها، جاء في الأحكام الشرعية: ( يشترط لنفاذ النكاح أن يكون كل من الزوجين حرًا بالغًا عاقلا إذا باشرا العقد بأنفسهما أو بوكيليهما، أو باشره أحدهما مع وكيل الآخر) الأحكام الشرعية: الشيخ أحمد إبراهيم من كتاب الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة/35.
لقد حرر الإسلام المرأة فأصبح من حقها أن تبني مع الرجل الذي تختاره أسرة هانئة تحفها المودة وتحفظ ديمومتها الرحمة ويجد كل منهما السكن في ظلها. قال تعالى: )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( الروم - 21.
وهذا يعني أنه ينبغي أداء جميع الحقوق بين الزوجين في إطار من المودة والحب، فإذا ضعفت المودة بقيت الحقوق محفوظة، مثل: الرعاية.. اللطف.. الرحمة.. الإنجاب.. الثقة وحسن الظن.. المشاركة في المشاغل والهموم.. التجمل.. الاستمتاع الجنسي.. الترويح.. الغيرة.. المفارقة بالمعروف.
أما حق الرعاية فيوجب على كل من الزوجين مسؤوليتين خطيرتين:
فعلى الرجل: مسؤولية القوامة ومسؤولية الإنفاق.
وعلى المرأة: مسؤولية حضانة الأطفال وتربيتهم، ومسؤولية تدبير شؤون المنزل.
وأما حق اللطف فهو لكل من الزوجين.
قال تعالى: ) وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ( النساء - 19.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ابن ماجة.
وحق الرحمة: وهو لكل من الزوجين.
قال تعالى: ) وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ( النساء - 19. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) مسلم.
وحق الإنجاب: وهو لكل من الزوجين.(8/62)
قال تعالى: ) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً( النحل - 72.
وحق الثقة وحسن الظن: وهو لكل من الزوجين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة) أبو داوود.
وحق المشاركة في الهموم والأمور العامة والخاصة: وهو لكل من الزوجين.
ولقد أشرك النبي أزواجه في كثير من همومه وهموم الدعوة، ابتداء من نزول الحق على قلبه في غار حراء وقوله لخديجة: ( لقد خشيت على نفسي) وحتى آخر يوم في حياته المباركة.. عندما قال لعائشة: ( ادعي لي أبا بكر، أباك وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمنّ، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر..) رواه الشيخان.
حق التجمل: وهو لكل من الزوجين.
أما المرأة فتحب الزينة فطرة، قال تعالى: )أومن يُنَشّؤُا في الحلية وهو في الخصام غير مبين( الزخرف - 18. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت). الطبراني.
وعن جابر بن عبد الله: قدم علي - رضي الله عنه- من اليمن فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلّ - أي من الإحرام- ولبس ثيابا صبيغا (ملونة) واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا..) مسلم.
وأما الرجل، فقد لخص موقفه ابن عباس فقال: إنّي أحب أن أتزين لها كما أحب أن تتزين لي..
وحق المباشرة والاستمتاع الجنسي: وهو لكل من الزوجين.
قال تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } البقرة - 223.
وقال رسول الله: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر) مسلم.
وحق الترويح: وهو لكل من الزوجين.
عن عائشة قالت : ( وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب. قال النبي: تشتهين تنظرين ؟ قلت: نعم. فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول: دونكم يا بني أرفده) . رواه الشيخان.
وحقّ الغيرة: وهو لكل من الزوجين.
مثل الغيرة المحمودة في موطن الريبة، والغيرة المذمومة في غير ريبة، والغيرة الزائدة، وغيرة المرأة من الزوجة السابقة، أو غيرتها من ضرتها.
وحق المفارقة:
فإذا أصاب الأسرة مكروه، فهما (الرجل والمرأة) مسؤولان عن معالجته عن تراض منهما وتشاور، قال تعالى: ) فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ( البقرة - 233.
وللمرأة الحق في مفارقة الزوج إذا كرهته،عن ابن عباس قال: ( جاءت امرأة ثابت ابن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا إني أخاف الكفر، فقال رسول الله: فتردين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. فردت عليه وأمره ففارقها ) رواه البخاري.
مشاركتها في العبادات الجماعية :
وشاركت المرأة في العبادات الجماعية، ( شهدت مع رسول الله صلاة الفجر) رواه البخاري وشاركته في ( صلاة الكسوف ) رواه البخاري، و( صلاة الجنازة) مسلم، و( في الاعتكاف ) رواه البخاري، والحج،ورسول الله يحذر المسلمين من أن يمنعوا ( إماء الله من مساجد الله ) رواه البخاري.
مشاركتها في الاحتفالات :
شاركت المرأة في احتفالات الأعراس، عن سهل رضي الله عنه قال: (لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبيَ وأصحابه فما صنع لهم طعامًا ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد) رواه الشيخان ، و( احتفالات العيد ) رواه الشيخان، وشاركت في ( مشاهدة الألعاب) رواه الشيخان.
وجميع أنواع النشاط الاجتماعي الذي كان يقوم به الرجال، وزادت عليهم بالتمريض، ( فقد مرّضت إحدى الصحابيات وتدعى أم العلاء عثمان بن مظعون حتى توفي ) رواه البخاري
في مجال الجنس:
والجنس من متع الحياة في الدنيا والآخرة ) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ(آل عمران - 14.
وهو طيب حلال يثاب المرء على مباشرته مادام في حدود ما رسمته الشريعة، قال تعالى: )نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ( البقرة - 322. وقال أيضا: ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ( الروم - 21.
( فالسكون النفسي والجنسي هو الركن الأول في الحياة الزوجية، وهو تعبير بليغ عن شعور الشوق واللذة والحب الذي يجده كل منهما باتصالهما وإفضاء أحدهما إلى الآخرالذي به تتم إنسانيتهما فتكون منتجة أناسي مثلهما، وبه يزول أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل لا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه ) حقوق النساء في الإسلام: محمد رشيد رضا/ 28.
( إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهّرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية، فأما الزنا - وبخاصة البغاء- فيجرد هذا الميل الفطري من كل الرفرفات الروحية والأشواق العلوية، ومن كل الآداب التي تجمعت حول الجنس في تاريخ البشرية الطويل، ويبديه عاريًا غليظًا قذرًا كما هو في الحيوان، بل أشد غلظا من الحيوان). الإسلام والمشكلة الجنسية: مصطفى عبد الواحد/ 49.
والنفوس السليمة ترفض الزنا وتستقذره وتستبعده.
والرجل هو الرجل وميله للمرأة فطري، فكيف تستقيم غريزته وتهدأ؟(8/63)
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يردّ ما في نفسه) رواه الخمسة إلا البخاري.
لقد سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج يحقق التربية الجنسية السليمة، والثقافة الجنسية الرصينة، وقد ترتب على ذلك صحة نفسية ينعم بها الجميع رجالاً ونساء.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثال الإنسان الكامل، سواء في حالة الزوجة الواحدة أو في حال تعدد الزوجات، سواء في زهده وتقشفه، أو في كمال مباشرته لأزواجه واستمتاعه، وينبغي تصحيح فهمنا لموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الجنس بعد تصحيح تصورنا العام له.
لقد حضت الشريعة المرأة على أداء حق زوجها، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح) البخاري
وحضت الرجل على أداء حق زوجته، عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفا مذ أتيناه (أي لم يجامعها). فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: ( فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقّا، وإن لزوجك عليك حقا ) البخاري.
وفي الجو المتزمت الموروث الذي كان يفرض نفسه على البيئة المؤمنة، كانت التعاليم الإسلامية على لسان النبي المعلم، تحث المسلمين على التبسط مع نسائهم، وعلى الاستمتاع الحلال، كما كانت تحثهم على إزالة الهالة الضخمة من الإخفاء والتعتيم التي تحاط بكل ما يتصل بالجنس من قريب أو بعيد.
ولم يعتبر الإسلام الأمرَ حلالا طيبا فحسب.. بل اعتبره عملا طيبا يستتبعه الأجر والثواب الجزيل، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله إن أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون عليها أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليها وزر؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وضعها في حلال فله عليها أجر. رواه مسلم وأحمد.
المرأة العصرية :
وهكذا حرّر الإسلام المرأة من الأغلال التي كانت تقيدها، وأطلقها تعمل وتبني في كل المجالات المتاحة لنساء ذلك الزمان، وستجد المرأة المسلمة المعاصرة مزيدًا من ساحات العمل، ومزيدًا من المسؤوليات التي تستطيع الوفاء بها لبناء الحياة.
فمن مسؤولياتها أن تتعاون مع الرجل لبناء أسرة فاضلة.
ومن مسؤولياتها أن تتخصص في واحد من العلوم العصرية،وخاصة العلوم التي تحتاجها المرأة كالطب والتعليم.
ومن مسؤولياتها أن تعمل لتسدّ حاجة فردية أو أسرية أو اجتماعية.
وإذا كانت المرأة أحد عنصري المجتمع، فعليها كما على الرجل أن تشارك في كل الأنشطة الاجتماعية والسياسية، وأن تعلم جيدًا معنى التوجيه النبوي: (لا تزول قدما عبد حتى يُسأل: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) الترمذي.
حقوق المرأة السياسية :
مازال الكثيرون يتحفظون عند الحديث عن حقوق المرأة السياسية، والأمر في تصورنا نوع من القصور، سببه العادات المتوارثة والعرف الخاطئ.
فالعمل السياسي واجب شرعي لا ينفك عنه أحد من الناس، إمّا على وجه العينية أو على وجه الكفائية.
( والعمل السياسي ليس نافلة ولا تطوعًا بل فريضة تتأسس على مفهوم الاستخلاف الذي هو مصدر الالتزامات الإيجابية والسلبية التي تقع على عاتق كل مسلم).المرأة والعمل السياسي:هبة رؤوف عزت/ 92.
إن الكفاح الدامي الذي خاضه المسلمون الأولون ضد طغاة قريش كانت فيه المرأة المسلمة إلى جانب الرجل، فقد حفظ لنا التاريخ أسماء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وصهيب ومصعب وياسر وغيرهم، وحمل لنا كذلك أسماء: خديجة وعائشة وأسماء وأم أيمن وزنيرة وسمية وغيرهن.
ناضلت المرأة في سبيل الدعوة حتى كانت أول شهيدة في الإسلام، ولم ينس التاريخ المهاجرة العظيمة التي تركت ابنها وزوجها ومالها وبلدها وهاجرت إلى المدينة في سبيل دينها وإعلاء رايته.
أهلية المرأة للعمل السياسي:
وإذا كان الفقهاء قد أقرّوا بأهلية المرأة أهلية كاملة في الولاية الذاتية والمتعدية على الأموال، والولاية المتعدية على الغير كالحضانة والوصاية، إلا أن بعضهم قد تحفظ على أهليتها لممارسة العمل السياسي، وكأنهم يرونها ناقصة الأهلية في هذا المجال. وقد استند هؤلاء إلى حديث رسول الله: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار)، فقلن: وبمَ يا رسولَ الله؟ قال: ( تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن) ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟ قلن بلى، قال: فذلك من نقصان دينها) البخاري ومسلم.
وأكثر أهل العلم والخبرة يرون أن نقص المرأة هو نقص عرضي طارئ، وليس نقصا فطريا لازما، ولا يتعارض ذلك مع وجود نساء وهبهن الله قدرات عالية قد تفوق قدرات الرجال- تحدث عن هذا الموضوع بشكل جيد الشيخ فيصل مولوي في رسالته(دور المرأة في العمل الإسلامي)-. الوعي السياسي والتنظيم الاجتماعي:(8/64)
( وإذا كانت المرأة تتمتع في الرؤية الإسلامية بالأهلية السياسية في مستوياتها المختلفة، فإن هذا يقتضيها أن تكون في ثقافتها واهتمامها بالشؤون العامة على المستوى الذي تحسن فيه أداء تلك الشؤون ومتابعتها وتعرف ما فيها من خطأ وصواب. كما أن الحركة السياسية لا تنفصل عن الحركة الاجتماعية، وقد يعدّ فهم هذه الأخيرة أهم مداخل فهم العمل السياسي للمرأة في المجتمع الإسلامي ). المرأة والعمل السياسي: هبة رؤوف عزت/ 102.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } التوبة - 71.
لقد أثبت الله - في هذه الآية - للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين، فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة الحربية والسياسية. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الداعية من ذكر أو أنثى في السابق واللاحق وفي كل حين:
- في الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل.
- في بيعة العقبة الأولى والثانية شاركت المرأة، قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( الممتحنة - 12.
وإذا كانت البيعة الأولى، بيعة على الإيمان بالله وأن لا يشركن به شيئا ولا يزنين ولا يأتين ببهتان، فقد كانت بيعة العقبة الثانية بيعة سياسية واضحة: أن يأمرن بالمعروف، وينهين عن المنكر، وأن يحمين الدعوة كما يحمين أبناءهن وديارهن، وأن لا ينازعن الأمر أهله، وعليهن الطاعة في المنشط والمكره بالمعروف. تلقى رسول الله هذه البيعة من الرجال والنساء على السواء وهاجر بعدها إلى المدينة.
والبيعة من أبرز جوانب العمل السياسي الذي تمارسه الأمة، فهي التي تضفي الشرعية على نظام الحكم، بل وتسبق في الخبرة الإسلامية في عهد رسول الله إنشاء الدولة. فهي أساس المجتمع السياسي وأداة إعلانه والتزامه بالمنهج والشرعية.
وبعد الهجرة ومع استكمال الوسائل التي تقوم عليها أركان الدولة، كانت المرأة
تهتم بشؤون المسلمين، وتناقش رسول الله، ويشاورها في الأمور الخاصة والعامة.
حاربن مع المحاربين في الغزوات، وشاركن في صياغة الحرب والسلم، واستطعن في هذه الفترة الخاصة من حياة الأمة المسلمة أن يربين الجيل الثاني العظيم من أبناء المسلمين من أمثال ابن عمر وابن الزبير وابن عمرو وابن عباس والحسن والحسين جيل العمالقة علما وفهما وجهادا وثباتا.
فهذه الخنساء التي لبثت دهرا تبكي أخاها صخرا، حمدت الله عندما علمت أن أولادها الأربعة استشهدوا في سبيل الله ولم تزد أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بمقتلهم. وتلك المرأة التي أقبلت متلهفة تسأل الجيش فقالوا لها قتل زوجك قالت ليس عن هذا أسأل. قالوا قتل أبناؤك. قالت ليس عن هذا أسأل. قالوا: النبي بخير فحمدت الله وقالت: كل مصيبة بعد رسول الله جلل.
أما أسماء بنت أبى بكر فقد سألها الحجاج: كيف رأيتني صنعت بعدو الله - يقصد ابنها عبد الله بن الزبير- ؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. أما إن رسول الله حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير (المهلك) فلا أخالك إلا إياه. رواه مسلم. لم تتهيب أسماء حاكما طاغيا من أن تعلن كلمة الحق أمامه.
قمة عظمى صعدت لها المرأة المسلمة، ولم يكن ذلك تصادفا أو فلتة عابرة، بل من منطلق واضح: مساواة الرجل بالمرأة بالإنسانية والإسلام والتكاليف والأداء.
وللرجال عليهن درجة:
قال تعالى: ) وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ( البقرة - 228.
وهذه قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق إلا أمرا واحدا عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: ) وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(.
وهذه الدرجة فسرها قول الله تعالى: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ( النساء - 34، وقد أحال في معرفة مالهن وما عليهن على المعروف بين الناس في معاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهن، وما يجري عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم، فهذه الجملة تعطي الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لهذه الآية).
( وليس المراد بالمثل المثل لأعيان الأشياء وإنما أراد أن الحقوق بينهما متبادلة وأنهما أكفاء، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها إن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل). حقوق النساء في الإسلام: محمد رشيد رضا/ 31.(8/65)
أما قوله تعالى: ) وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(( فهي درجة الرياسة، فالحياة الزوجية حياة اجتماعية ولابد لكل اجتماع من رئيس لأن المجتمعين لابد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يُرجع إلى رأيه في الخلاف، لئلا يعمل كل منهم ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعا بحماية المرأة والنفقة عليها وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف). حقوق النساء في الإسلام / 36-37.
رئاسة مودة ورحمة :
ورئاسة الرجل للمرأة هي رئاسة حب ومودة وتفاهم، قال تعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ( الروم - 21.وقدوة الرجال في ذلك نبيهم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). ابن ماجه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فضجت علي امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: (ولِمَ تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ) البخاري ومسلم.
المرأة والشورى:
ورئاسة الرجل لزوجه تقوم على الشورى لا الاستبداد. وقال تعالى: ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( الشورى - 38. وإذا كانت الشورى أساس الحكم، فهي أيضا سلوك سياسي واجتماعي ينظم الدولة ورئيسها، وينظم الحياة الاجتماعية والأسرة في كل شؤونها.
كانت المرأة المسلمة يستشيرها النبي صلى الله عليه وسلم وتشير عليه، فعندما حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم تنفيذ المسلمين أمره بالحلق أو التقصير في أعقاب صلح الحديبية دخل على زوجه أم سلمة يستشيرها فأشارت عليه أن يخرج إليهم فيحلق وينحر فإذا رأوه فعل فعلوا مثله وهكذا كان. البخاري.
ويوم رأي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تغالي الناس في مهور النساء، نهاهم أن يزيدوا فيها على أربعمائة درهم، فاعترضت له امرأة في المسجد فقالت: أما سمعت قوله تعالى: ) وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا (. فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر. وفي رواية أنه قال: امرأة أصابت وأخطأ عمر. وصعد المنبر وأعلن رجوعه عن قوله.
كان للمسلمات رأي في اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد ورد أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف استشار النساء في البيوت، وكان لهن رأي كذلك في تسديد الحاكم، كما كان لهن رأي كبير في الفتنة التي أعقبت استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي تراثنا صور رائعة لأدوار سياسية هامة قامت بها المرأة المسلمة عبر العصور.
المرأة تجير على الأمة:
ومن حقوق المرأة السياسية في الإسلام أنها إذا أجارت أو أمّنت أحدا من الأعداء المحاربين نفذ ذلك، فقد قالت أم هانئ للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: إنني أجرت رجلين من أحمائي، فقال صلى الله عليه وسلم: ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ). وهذا الحديث صحيح متفق عليه. وفي بعض الروايات أنها أجارت رجلا فأراد أخوها علي كرم الله وجهه قتله فشكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأشكاها وأجاز جوارها. وفي الحديث (أن المرأة لتأخذ للقوم) رواه الترمذي.
ومعناه: أن المرأة تجير على المسلمين، وهذا الأمر هو من أعظم الأمور وأخطرها في حياة الأمم والشعوب وعندما يعطاه للمرأة مثل الرجل معنى ذلك أن الإسلام رفعها إلى نفس الذروة السامقة التي رفع إليها الرجل (وهو توكيد لثقة الإسلام المطلقة في كفاية الخصائص العالية التي أُهلت بها، وإعلان لكرامة مكانها في الحياة) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة: البهي الخولي/ 37.
(ويعدّ قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم لإجارة (أمان) المرأة أحد الأدلة على أهليتها السياسية، ولو كانت المرأة ناقصة الأهلية لما وثق في تقديرها ولما أجيزت تصرفات لها متعلقة بمصلحة الأمة) المرأة والعمل السياسي: هبة رؤوف عزت/ 106.
حق الانتخاب وحق الترشيح:
والانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب الشخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقه، والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع.
وإذا كان الإسلام لا يمنع أن تكون المرأة ناخبة فهل يمنعها أن تكون نائبة؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف أن طبيعة النيابة عن الأمة لا تخلو من عملين رئيسين:
1- التشريع: تشريع القوانين والأنظمة.
2- المراقبة: مراقبة السلطة التنفيذية في تصرفاتها وأعمالها.
أما التشريع فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة، فالتشريع يحتاج إلى العلم في معرفة حاجات المجتمع وضروراته، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء،
وأما مراقبة السلطة التنفيذية فإنه لا يخلو أن يكون أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الإسلام.
الولايات العامة:(8/66)
اختلفوا في أهلية المرأة للولايات العامة، فقد أجاز فريق توليها الولايات العامة ماعدا الخلافة فقد عيّن عمر أمير المؤمنين لمنصب الحسبة وولاية السوق امرأة من قومه يقال لها الشفاء. ذكر ذلك ابن حزم وابن عبد البر وابن الأثير والحافظ وطائفة من الفقهاء والمؤرخين. والشفاء هذه اسمها ليلى بنت عبد الله القرشية العدوية، أسلمت قبل الهجرة وكانت من المهاجرات الأول، وكانت من عقلاء النساء وفضلياتهن.
وجمهور الفقهاء على أن المرأة لا يجوز لها أن تلي القضاء مطلقا، وذهب الإمام الطبري إلى جواز ذلك مطلقا.( أما أبو حنيفة فوقف موقفا وسطا بين الجمهور وبين الطبري فلم يسلبها ولاية القضاء إطلاقا، ولم يجزها لها إطلاقا، بل قال: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال، قياسا على جواز شهادتها في الأموال، فهي تقضي فيما يجوز أن تشهد فيه. وعلى هذا فليس في نصوص الإسلام الصريحة ما يسلب المرأة أهليتها للعمل النيابي ناخبة أو نائبة). المرأة بين البيت والمجتمع - البهي الخولي/ 130.
حقوق وواجبات:
وإذا كانت الحياة تقوم على التوازن، كذلك الحقوق تقابلها الواجبات، فإذا أعطى الإسلام المرأة كامل حقوقها، طالبها بأن تؤدي جميع الواجبات، قال تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ( الأحزاب - 36.
الفصل الثاني
مسلمات في موكب الدعوة - نماذج تطبيقية
كيف حدث التغيير؟
كيف حصل هذا التغيير الذي أحدثه الإسلام في واقع الدنيا، والذي حارت في فهمه عقول الساسة والقادة.
كيف استطاع النبي العظيم صلى الله عليه وسلم مع مجموعة متواضعة من الرجال والنساء أن يقيم في بضع سنين دولة إسلامية في المدينة، لم تلبث أن سيطرت على جزيرة العرب، ولم تمض خمسون سنة حتى استطاعت أن تسيطر على معظم العالم القديم المعروف يوم ذاك؟
ولم يكن تغيير سيطرة واكتساح، بل تغيير عدل وانفتاح، ارتضت على أساسه الشعوب التي فتحت بلادها، الإسلام وراحت تدافع عنه وتنتسب إليه.
إن أحفاد الأقوام الذين فتح المسلمون بلادهم يعتزون بانتسابهم للفاتحين، فالمسلم الهندي يعتز بالإسلام وبالقائد محمد بن القاسم الذي فتح بلاده، يتسمى باسمه ويسمي أبناءه وأحفاده بهذا الاسم، بينما يستحيل أن ينسب مصري أو سوداني نفسه لكتشنر على سبيل المثال أو مغربي وسوري لديغول.
ذاك هو التغيير الإسلامي الذي بدأ بالإنسان ذكرا و أنثى فكرّمه، فاستجاب الإنسان ذكرا و أنثى لهذا التكريم والاستخلاف في الأرض، فتغيرت الدنيا بعد تغيره. { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(.سورة الرعد- 11.
ولنتتبع معًا بعض حلقات هذا التغيير وكيف استجابت المرأة له.
حق المرأة في اختيار زوجها:
جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الأمر إليها، أي أخبرها أن الأمر بيدها، إن شاءت أقرت ما صنع أبوها، وإن شاءت أبطلته، فقالت : قد أجزت ما فعل أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء. رواه الخمسة إلا أبو داود.
فلم يعد الأمر أنثى تستحي من عارها، بل معلمة تعلم الأجيال من النساء والرجال، أن للمرأة الحق في اختيار زوجها، وأن كلمتها في هذا الأمر هي فصل الخطاب.
البيعة للرجال والنساء
روى كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال:
خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من نسائنا، نسيبة بنت كعب (أم عمارة) وأسماء بنت عمرو (أم منيع)، فاجتمعنا في الشعب حتى جاءنا رسول الله ومعه عمّه العباس، فبايعناه.
وقد روى الإمام أحمد عن جابر قال: قلنا يا رسول الله علامَ نبايعك؟ قال:( على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة)
قال جابر: فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا البيعة، يعطينا بذلك الجنة، وأما بيعة المرأتين فكانت قولا بدون مصافحة. أحمد وصححه الحاكم وابن حبان
والبيعة موثق وعهد يعطيه المسلم طائعا مختارا لربه، مستسلما لمشيئته، مدافعا عن دينه، فإذا كانت البيعة على الإسلام، فعهدهم أن لا يشركوا بالله شيئا، وإذا كانت البيعة على الجهاد، فعهدهم أن يبذلوا أنفسهم حمية لدينهم حتى تكون كلمة الله هي العليا، وإذا كانت البيعة على النصرة، فعهدهم أن يسمعوا ويطيعوا للقيادة المسلمة المخلصة في كل الظروف، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وأن لا ينازعوا الأمر أهله.
ولقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة من أصحابه رجالا ونساء، كبارا وصغارا، فلكل موقع في المجتمع المسلم، ولكل حقوق وعليه واجبات.
ومن عجب أن بعض المفكرين المسلمين انحصر همهم في تحقيق كيفية بيعة النساء، وكان الأولى أن يُبذلَ الجهد في إبراز دور المرأة السياسي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها عهدا وموثقا في كل الأمكنة والأزمنة، مؤكدا مسؤوليتها في حماية الدين والدفاع عنه بما تملك في المنشط والمكره، و في العسر واليسر، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فاطمة بنت الخطاب(8/67)
(أخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال: خرج عمر رضي الله عنه متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا. قال: أفلا أدلك على ما هو أعجب من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أختك وختنك قد صَبَوا وتركا دينك الذي أنت عليه. قال: فمشى عمر ذامرا متهددا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خبّاب. قال: فلما سمع خبّاب حسّ عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطأه وطأ شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمّى وجهها. فقالت: -وهي غضبى- يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. قال عمر: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه. فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ.) حياة الصحابة 1: 437.
أسماء ذات النطاقين
أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة: ) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ( الأنفال- 30، وخرج المهاجران نبي الله وصاحبه أبو بكر إلى غار ثور ليمكثا فيه ثلاث ليال، حتى إذا خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى، استأنف المهاجران طريقهما إلى المدينة.
( كانت أسماء بنت أبي بكر عنصرا رئيسا في ترتيب الرحلة المباركة، حتى إذا مضت الثلاث، أتتهما بسفرة من الطعام يتبلغان بها في سفرهما، ولكن الوقت أعجلها أن تجعل للسفرة عصاما (علاقة) تعلقها به في الرحل، فلم تجد غير نطاقها، فشقته نصفين، فعلقت السفرة بشق منه، وتنطقت هي بالشق الآخر، فسمّيت من يومها (أسماء ذات النطاقين) ) صور من حياة الرسول : أمين دويدار/ 246.
وذهب الاسم خالدا على الدهر، فإذا كانت صاحبته شابة صغيرة إلا أنها تحفظ السر، وترتب السفرة، وتمشي وحيدة إلى غار ثور، تكلأ الرفيقين بالرعاية والعناية، وتتصرف عندما نسيت العصام تصرّف الداعيات الحريصات الذكيات.
(وحدثت أسماء فقالت: لما خرج المهاجران أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدّي لطمة طرح منها قرطي . ) سيرة ابن هشام/ 2: 131.
وأبو جهل عظيم قريش وجبّارها، والمتآمر الأول على الدعوة وقائدها، نال منه المسلمون المستضعفون كما لم ينالوا من غيره، ولم ينسوا بعد كيف سقطت بيده سميّة، وبعدها ياسر زوجها شهيدين يشهدان ظلم الطاغية، ومع ذلك تقف أسماء الصغيرة أمامه، وتحفظ سرّ المهاجرين، وتتحمل الإيذاء والضرب، فلا يضرها ذلك مادام في سبيل الله، ومادامت تعلّم أخواتها الداعيات على مرّ الأيام كيف يتصرفن ويتحملن ويصبرن في مواجهة الطاغوت.
وتحدث أسماء فتقول إن أبا بكر احتمل معه ماله كله، فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليه ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس.
وتضيف أسماء: ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
والإنسان ليعجب، كيف استطاعت هذه الشابة أن تتصرف هذا التصرف العاقل، من أين أتتها كل هذه الحكمة؟ فكرت كيف تهدئ الشيخ، ولم تفكر من أين تأكل أو تشرب. ولكنها تربية أبي بكر، القريب من بيت النبوة، ولا غرابة بعد ذلك فيما يصدر عن أسماء من عقل راجح، وحكمة بالغة، وتصوّر للأهداف البعيدة، واستعلاء على تفاهات الدنيا، والتعلق بالآخرة.
أم عمارة نسيبة بنت كعب تدافع عن النبي يوم أحد:
ذكر ابن هشام عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري رضي الله عنه: (أن أم سعد بنت سعد ابن الربيع رضي الله عنهما كانت تقول: دخلت على أم عمارة رضي الله عنها فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك. فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء. فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خَلَصَت الجراح إلي. قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غَوْر، فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قَمِئة، أقمأه الله. لمّا ولّى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلّوني على محمد، لا نجوتُ إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير رضي الله عنه وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدوَّ الله كانت عليه درعان).
وهذه لوحة جديدة بطلتها الأخت المجاهدة أم عمارة، وهي نسيبة بنت كعب الأنصارية التي اشتركت في غزوة أحد، تمرض الجرحى في بداية المعركة، ثم تذبّ بالسيف وترمي بالقوس، وهي إحدى العشرة الذين تولوا حماية الرسول صلى الله عليه وسلم وقد انفض المسلمون من حوله فكانت من أظهر القوم في الدفاع عنه حتى قال صلى الله عليه وسلم: (ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني).(8/68)
وأم عمارة هي واحدة من رهط كريم أوقفن حياتهن على خدمة الدعوة. ففي العقبة كانت أم عمارة ممن بايعن الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ومن يومها ذاك ما نكثت عهدها ولا نقضت بيعتها، بل وجددت هذه البيعة يوم الحديبية فقد كانت ممن اشتركن في بيعة الرضوان.
في أُحد جاءت تسعف الجيش وتضمّد الجراح وتسقى العطاش، وإذا بالأمر يقتضي التدخل بالسلاح، فكانت أسرع القوم تصول وتجول بين يدي الرسول، حتى إن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه فيقول: (اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة).
اشتركت في معظم المعارك إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.وحاربت المرتدين واشتركت في حرب مسيلمة الكذاب حيث جاهدت أعظم جهاد وجرحت أحد عشر جرحا وقطعت يدها وقتل ولدها رضي الله عنهم أجمعين.
ولم تكن أم عمارة إلا نموذجا لأخواتها الداعيات اللواتي خضن معارك الإسلام، واحدة بعد الأخرى، بكل صدق اليقين، وكمال الغيرة على الدين، وحرصها أن لا تحرم من شرف الجهاد مع المسلمين، لتنال فخر المجاهدين وأجر الصابرين.
أسماء بنت عميس تدافع عن هجرتها
كانت أسماء ممن هاجر إلى الحبشة، وعادت مع المهاجرين بقيادة جعفر بن أبي طالب، فوافقوا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر.
ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم. وكنّا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة. وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيمُ الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا. قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم. وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان . رواه البخاري ومسلم.
وهل يمكن أن تقبل أسماء التي هاجرت إلى أرض البعداء، في الله وفي رسول الله أن يكون أحد أولى منها برسول الله؟
إنها تدافع عن هجرتها وهجرة إخوانها إلى أرض الحبشة، فهي الوسام الذي تعتز به، ولا تقبل من أحد أن ينال منه.
خطيبة النساء أسماء بنت يزيد بن السكن
( قال ابن عبد البر: روي عن أسماء بنت يزيد أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي: إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربّينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أنّ حسن تبعّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال) الاستيعاب/ 4: 233.
هذه لوحة مهمة، في حياة المرأة والمجتمع، وهي لا تعني أن تتوقف المرأة عن كل واجباتها وتكتفي بحسن التبعل لزوجها، بل تعني : أنه بدون طاعة الزوج تنهار الأسرة وتخرب المجتمعات، وأنه لاحق بدون واجب، وأن لهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف، وأن قيامها بحق زوجها وبيتها وأبنائها نوع آخر من الجهاد خصّ الله به المرأة دون الآخرين.
زينب بطلة كربلاء:
هي حفيدة النبي، بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة، وجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهدت مأساة كربلاء، ورأت بأم عينيها استشهاد أبيها وأهلها، واجهت ابن زياد الأمير الطاغية بشجاعة نادرة وهي أسيرة لا تملك لنفسها ولمن معها شيئا.
قال زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم وطهرنا من الرجس تطهيرا، لا كما تقول أنت، إنما يفضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله.قال الطاغية: كيف رأيت صنع الله بأهلك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه، فتختصمون عنده.
وفي موقف آخر لبطلتنا زينب يوم سيقت مع الأسرى إلى يزيد بن معاوية فقالت له: أظننت يا يزيد أنه أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا هواناً على الله وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرك، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك جذلان فرحا. إن الله أمهلك فهو قوله: )وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( آل عمران - 178. وستعلم أنت ومن بوأك ومكّنك من رقاب المؤمنين إن كان الحكم ربّنا والخصم جدّنا وجوارحك شاهدة عليك أينا شر مكانا وأضعف جندا.
هذه هي زينب بنت علي بطلة كربلاء، بنت أمير المؤمنين علي وسيدة نساء العالمين فاطمة، وحفيدة أعظم المرسلين، فهل يستكثر عليها أحد مثل هذه المواقف؟
الخنساء بنت عمر:
قدمت الخنساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها بني سليم فأسلمت معهم وحسن إسلامها.(8/69)
حضرت حرب القادسية ومعها بنوها الأربعة فصارت تعظهم وتحرضهم على القتال في سبيل الله وعدم الفرار من الزحف ومما قالت: (يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وإنكم لأبناء أب واحد وأم واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم).
فلما أصبحوا باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا جميعا فلما بلغها استشهادهم قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، وكان عمر بن الخطاب يعرف لها حسن صنيعها ومنزلتها في الإسلام ويعطيها عطاء أربعة رجال حتى قبض رضي الله عنه.
هذه هي الخنساء الشاعرة، التي ملأت الدنيا بكاء على أخيها صخر الذي مات في الجاهلية:
ألا يا صخر لا أنساك حتى أفارق مهجتي ويشق رمسي
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأبكيه لكل غروب شمس
فلما أسلمت، ارتفعت اهتماماتها، وتغيرت نظرتها فلم تعد تجزع لموت ابنها أو أخيها، بل وهي التي تحرض أبناءها الأربعة ليموتوا في سبيل الله، هكذا صنع الإسلام من الشاعرة الكبيرة في الجاهلية مسلمة خالدة عظيمة في الإسلام.
بنت بائعة اللبن:
( كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد أحوال الرعية ذات ليلة، فسمع امرأة تقول لابنة لها: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فأجابت الفتاة: يا أمتاه، أو ما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين. قالت المرأة: وما كان عزمته يا بنية؟ قالت: أنه أمر مناديه فنادى: لا يشاب اللبن بالماء، فردت المرأة قائلة: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر! فردت الفتاة: يا أمتاه، إن كان عمر لا يعلم، فإله عمر يعلم، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء.. فلما أصبح عمر، قال لابنه عاصم: اذهب إلى مكان كذا وكذا، فإن هناك صبية، فإن لم تكن مشغولة فتزوج بها، لعلّ الله أن يرزقك منها نسمة مباركة). اختيار الزوجين في الإسلام : حسن محمد يوسف/ 59. وصدقت فراسة الفاروق، فقد تزوج عاصم من تلك الصبية، فولدت له (أم عاصم) فتزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
جيل قرآني فريد:
أخرج الطبراني عن أم سليم رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (اصبري، فوالله ما في آل محمد شيء منذ سبع، ولا أوقد تحت بُرمة لهم منذ ثلاث).
وأم سليم واحدة من هذا الجيل القرآني الفريد، لم ينفرد الرجال دونهم بأي فضل!
آمنوا وتحملوا في سبيل إيمانهم كل ما تفتقت عنه عبقرية الكفر من تعذيب واضطهاد، وبايعوا رسول الله على الإسلام وعلى النصرة وعلى الجهاد، صبروا على قلة الزاد، وكان طعامهم ومعهم نبي الله، التمرَ والماء.
وإذا كانت المرأة المسلمة اليوم وقد نسيت رسالتها، وقلدت في معركة الحياة غيرها، وصارت تشترط الشروط، وتعدد المآكل والمشارب، ولا ترضى بالقليل أو البسيط أو الرخيص.
إذا كانت فعلت ذلك فلأنها قطعت وشيجة صلتها بأختها الأولى أم سليم، وعائشة حب رسول الله، وفاطمة الزهراء التي تزوجت عليا وليس لها وله غير جلد كبش ينامون عليه بالليل ويعلفون عليه ناضحهم بالنهار.وعندما طلبت من أبيها خادما،علمها دعاء بدل الخادم.
هذه هي المرأة المسلمة التي ربت أجيال الصحابة فكانوا أعظم جيل يحمل أسمى رسالة، وبإمكان أختها المسلمة اليوم أن تواصل الطريق ولا تحتاج إلا لعدة أختها من قبلها: إيمان وعزم، وصبر على الدعوة ومصابرة.
المرأة والرجل معا في بناء الحياة:
مازالت قضية المرأة تشغل بال الإسلاميين اليوم الذين يرغبون في إعادة بناء الأمة على أساس الإسلام وهدي شريعته، وهم منقسمون في نظرتهم لهذه القضية، ففريق يرى أن المرأة المسلمة يكفيها اهتمامها ببيتها، وتربية أطفالها،وحسن تبعلها لزوجها، مديرة لمطبخه ومربية لأطفاله ومدبرة لبيته، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله، إذا مرض هو أو أحد أبنائها كانت لهم الممرضة الساهرة، إذا أحسن إليها شكرت، وإن قصّر معها صبرت، هذا الفريق من الرجال تكفيه هذه المواصفات في المرأة المسلمة.
وفريق آخر من الإسلاميين لا يكتفي بذلك، بل يصرّ على أن يعطيها ما أعطته لها الشريعة الغراء، بأن تكون شريكة الرجل في بناء الحياة.
وإذا زعم الفريق الأول أن الزمان فاسد، وأن الفتنة كبيرة، وأن ما أعطته الشريعة للمرأة إنما كان لزمان غير هذا الزمان، زمان كانت الأخلاق فيه حميدة والآداب قرآنية والمرأة شديدة الالتزام والرجال شديدو الحرص إذا زعموا ذلك ردّ عليهم الفريق الآخر، إن الشريعة واحدة، وصاحبها هو الذي يعلم خلقه وما يصلح لهم، وإن فساد الزمان تصلحه الشريعة، ولا تزيده ردود الفعل إلا مزيداً من الإرهاق. ولا يزعمن أحد أنه أغير على أعراض المسلمين أو أغير على دين الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن رسول الله مع غيرته على أعراض المسلمين أن تنتهك يغار أيضا على عقول النساء وقلوبهن أن تضمر وتذبل.
كانت المعركة بين الإسلاميين، وبين العلمانيين أو المتغربين، فأصبحت بين الإسلاميين أنفسهم، والأمر في مجمله ظاهرة صحية، فإذا ارتضى الفرقاء وضع هذه القضية على بساط البحث مع توفر حسن النية عند الجميع، فسيصلون لا محالة إلى ما يرضي الله ويصلح المجتمع، وفي الأثر (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
هذا الكتاب (المرأة في موكب الدعوة) يجد نفسه مع الفريق الثاني، ليس تعصبا وإنما التزاما بالهدي، وفهما للواقع.(8/70)
ولا بأس أن ننظر في المجتمع الإسلامي النموذج الذي أقامه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ننظر في البيوت والطرقات، في الدعوة والهجرة، في الفداء والجهاد، في البيعة والسياسة، في اختيار الحاكم وتسديده، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الزواج والطلاق، في الخطأ والصواب، نحب أن نرى الهدي النبوي الكريم في كل زاوية (مهما صغرت) من زوايا المجتمع الإسلامي، وكيف تصرفت المرأة فيها.
1- الرجل يسلم على المرأة والمرأة تسلم على الرجل:
في الطريق أو البيت أو المسجد، يتقابل الرجل مع المرأة، فيتبادلان التحية والسلام. فقد ورد في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمرّ بنساء فيسلم عليهن. رواه أحمد. وفي حديث آخر أن أم هانئ (بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم) أتت النبي فسلمت عليه فقال: مرحبا بأم هانئ.البخاري ومسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ بجنبات أم سليم دخل عليها فسلّم عليها.البخاري
2- اللقاء في المسجد:
وفي المسجد يلتقون، والمسجد يومها مركز للصلاة والعبادة، ومركز للعلم والثقافة، ومركز للنشاط الاجتماعي والسياسي، ومركز للقاءات والاحتفالات، فكيف يمكن أن تكون المرأة بمنأى عن ذلك كله؟
ولقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال من أن يمنعوا نساءهم أو بناتهم من بيوت الله ففي الحديث عن عبد الله بن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟
قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟
قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله من بيوت الله). البخاري.
وإذا كان هذا الحديث قد ذكر صلاتي الفجر والعشاء، فإنه صح أن النساء كن يشاركن في بقية الصلوات في المسجد، ويشتركن في صلاة الجمعة وصلاة الكسوف والجنازة والاعتكاف وغيرها من الصلوات.
فإذا قيل الصلاة جامعة: أقبل المسلمون والمسلمات من كل الأرجاء ليستمعوا للتوجيه النبوي. عن فاطمة بنت قيس قالت: (نودي في الناس أن الصلاة جامعة، فانطلقت فيمن انطلق فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال).مسلم
3- المشاركة في طلب العلم:
وإذا كانت المجتمعات المتحضرة تُبنى على العلم، فقد تسابقت المرأة والرجل في المجتمع المسلم للتزود من مناهل العلم، فطلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة.
جاء في الحديث أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. فقال: ( اجتمعن في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله) البخاري ومسلم.
ولقد استدركت السيدة عائشة رضي الله عنها على ثلاثة وعشرين من أعلام الصحابة مثل عمر وعلي وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وقد نقل عنها وحدها ربع الشريعة.
ومن يقرأ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجد عددا وفيرا منها، تسأل فيه المرأة رسول الله لتتعلم.. وفي الحديث ( عن سبيعة بنت الحارث وقد توفي عنها زوجها وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فدخل عليها أبو السنابل وقال: والله ما أنت بناكح حتى تمرّ عليك أربعة أشهر وعشرا. قالت سبيعة: فلمّا قال ذلك جمعت عليّ ثيابي وأتيت رسول الله فسألته: فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي) البخاري ومسلم، لقد ترددت سبيعة فيما أفتاها به أبو السنابل، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتتأكد وتتعلم.
4- اللقاء في الحج:
والحج برلمان المسلمين، على صعيده يلتقون من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم. ومنذ وقف الرسول القائد صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفات يلقي بيانه الإسلامي الشامل، والمسلمون يتسابقون للمشاركة في هذا المؤتمر العظيم.
وفي الحج يلتقي الرجال والنساء بالطواف والسعي وكل المناسك، ففي الحديث عن أبي جريج قال: أخبرنا عطاء (إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال) قال: ( كيف تمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: بعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب ) البخاري.
5- المشاركة في الجهاد:
والجهاد ذروة سنام الإسلام، حمى بيضته، ونافح مناوئيه، ولقد شاركت المرأة الرجل الجهاد وحماية الدعوة، كل حسب قدرته.
ففي الحديث عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما (أي الخلاخيل) تنقلان القرب على متونهما.. ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها) البخاري ومسلم.
6- المشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة. قال تعالى: ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ( التوبة - 71
وعن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) مسلم.
7- والرجل ينظر للمرأة بما يدعوهما للزواج:(8/71)
والزواج وسيلة المسلم لإقامة الأسرة، التي هي اللبنة الأولى في إقامة المجتمع، فإذا كانت الأسرة نتيجة إقبال من الشاب والفتاة، وحسن اختيار كل منهما للآخر، كانت بالتالي لبنة صالحة في بناء المجتمع الفاضل.
ففي الحديث عن أبي هريرة قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا). مسلم.
وعن المغيرة بن شعبة قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها فقال: اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما. فأتيت أبويها وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك. قال: فنظرت إليها فتزوجتها) ابن ماجة.
8- المشاركة في حفلات الاستقبال والزواج:
والمناسبات كثيرة، وإظهار المشاعر مطلوب، والفرح مثل الحزن، كلها تعبر عن ضمير الناس وعشقهم لدعوتهم، فعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة استقبلته النسوة وهن يهتفن:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وأورد الترمذي حديثا لبريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا) الترمذي.
9- المشاركة في صلاة العيد وأفراحه:
وإذا كان لكل أمة عيد، فأعياد المسلمين هي عيد الفطر وعيد الأضحى، فيهما يلتقي المسلمون، يتواصلون ويفرحون، وفي الحديث عن أم عطية قالت: (كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، ونخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس، فيكبّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ) البخاري ومسلم.
10- اللقاء في الزيارة:
والحب في الله هو الآصرة التي تجمع القلوب وترص الصفوف، وليس الإيمان إلا الحب والبغض في الله، والحب هو سلامة الصدر، والدعاء في ظهر الغيب، والإيثار، ووسيلة كل ذلك التزاور.
عن سهل قال: (جاءت امرأة ببردة، وقالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره )البخاري.
11- اللقاء على الطعام والشراب:
واللقاء على الطعام والشراب محبب ومندوب،ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يستجيبوا لإخوانهم إذا دعوهم.
فعن أبي هريرة: ( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله ). البخاري ومسلم.
12- اللقاء عند مراجعة أولي الأمر:
في الحديث عن عائشة قالت: ( إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه هي تشتكي زوجها إلى رسول الله) ابن ماجة.
13- اللقاء عند التقاضي:
في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين أو خلق إلا أني أخاف الكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فردت عليه وأمره ففارقها). البخاري.
معا في بناء الحياة:
وكما رأينا فإن المجتمع المسلم تبنيه الفئة المؤمنة، يشترك الرجل والمرأة في البناء..
ولا أساس لما يقال بأن صوت المرأة عورة..
وأنها بالتالي لا تسلم ولاترد السلام..
وأثيرت شكوك حول صلاتها في المسجد..
أو مشاركتها في حلقات العلم..
أو في بقية مجالات الحياة..
- نبينا يوصي بأن تذهب النساء إلى المساجد (تَفِلاتٍ) أي غير متعطرات ولا متبرجات، ولكن البعض يرى أن تذهب النساء إلى المساجد بثياب المطبخ، والبعض يرى ألاّ تذهب أبدا.
- ونبينا القائد محمد صلى الله عليه وسلم يفرض التعلم على كل مسلم ومسلمة، فيأتي من يزعم أن عمر بن الخطاب منع النساء من تعلم الخط، كأنه يرى الأمية أولى بهن!
فتنة المرأة
وفتنة المرأة كبيرة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). رواه الشيخان.
وكذلك المال فتنة...
عن كعب بن عياض: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) رواه الترمذي.
وقال تعالى: ) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ( الأنفال - 28.
فإذا كانت الفتن كثيرة، فلِمَ انفردت فتنة المرأة بكل هذا الغلو والتضييق؟ وفصلت أحاديث موضوعة على قياس المرأة من مثل:
- طاعة المرأة ندامة.
- شاوروهن وخالفوهن.
- لولا النساء لعبد الله حقا حقا..
- لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف.
هل لأن الرجل استضعف المرأة، وضعف أمام فتنة المال والأولاد؟
إن مواجهة الفتنة ومعالجة آثارها هو الطريق الذي رسمه الإسلام لأبنائه الذين يريدون بناء أنفسهم ومجتمعاتهم البناء الأمثل والأفضل.
دور المرأة في إقامة البيت المسلم:(8/72)
(الأسرة هي المجتمع الصغير للإنسان، وقد نظم الإسلام علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض بمجموعة من الحقوق والواجبات والآداب تجعل منهم مجتمعا مثاليا، مترابط الأواصر، قائمًا على الحب، والتراحم والإيثار، ورعاية الكرامة الشخصية لكل فرد، مع الاستمساك بأهداب العفة والحياء والوقار، وسائر المثل التي تنزع بالمرء دائما إلى معالي الأمور). المرأة بين البيت والمجتمع : البهي الخولي/ 14.
ولما كانت المرأة هي الدعامة القوية في الأسرة، ولها الدور الرئيس في إقامة البيت المسلم، فقد رفع الإسلام من شأنها، وجعلها محط عناية الزوج والأبناء على السواء.
جاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بصحبتي؟ قال النبي: أمك! فيقول: ثم من؟ فيقول أمّك! فيعود الرجل للسؤال فيقول: ثمّ من؟ فيقول أمك! فيعود الرجل رابعة إلى السؤال، ثم من؟ فيقول: ثم أبوك، ثم أدناك فأدناك.
الزواج من حقائق الفطرة:
الزواج من سنن المرسلين، ومن حقائق الفطرة، قال تعالى: ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الروم - 21
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من سنن المرسلين: الحنّاء، والتعطر، والسواك، والنكاح) الترمذي.
ومن حكمة الله عز وجل أن خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وجعل الزواج الوسيلة الوحيدة والأكيدة لاتصال الرجل بالمرأة، بما يضبط الغريزة، ويحفظ النوع، ويصون المرأة من الضياع، ويحمي الرجل من تبديد طاقته فيما لا طائل وراءه، قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (النساء – 1.
(وجعل الله هذا الزواج سبيلا إلى الغنى، قال تعالى: ) وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( النور - 32
وجعل الله هذا الزواج عاملا رئيسا في تهذيب النفس وغض البصر وحفظ العرض، وسبيلا لإنشاء جيل مؤمن يقوم ببناء الحياة على أساس الإيمان ).المرأة المسلمة : وهبي سليمان الغاوجي/ 107.
ومع ذلك يحض الإسلام كلاً من الرجل والمرأة على السواء أن يحسنا الاختيار، وأن يدققا فيه، فليست القضية أياماً تنقضي ويعود كل فريق إلى رحاله، بل بقية العمر يقضياه معاً في سعادة غامرة تملأ قلوبهم وترفرف بأجنحتها على بيتهم، أو شقاء مستعر يدمر قلوبهم ويعصف بسلامهم وأمنهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من أصابهن فقد أُعطي خيرَ الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجةً لا تبغيه حُوباً في نفسها وماله) رواه الطبري بسند جيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد) الترمذي.
الزوجة الصالحة:
فالرجل، والمرأة التي يختارها شريكة له، يكوّنان الأسرة المسلمة التي هي أساس المجتمع الإسلامي، وعليها يقوم بناء العمران كما يقوم عليها بناء الأخلاق الإنسانية في مجالات واسعة متشابكة.
ومن هنا، فقد شدّد الإسلام على ضرورة اختيار المرأة الصالحة ليكون البيت منسجما صالحا، ويعيش الأبناء سعداء في كنفه، فلا تقع أعينهم على معصية، أَوَ ليست المرأة الصالحة التي تبني بيتاً صالحاً، ومجتمعا صالحا، من أكبر النعم التي يحق للرجل أن يحمد الله عليها. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم.
مواصفات الزوجة الصالحة:
وللزوجة الصالحة مواصفات:
- تطيع زوجها:
والبيت المسلم، مجتمع مصغر يقوم على: المودة والرحمة، والسكن النفسي والحسي، والمساواة من الناحية الإنسانية، قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } البقرة- 228. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت الجنة) رواه أحمد
- وتسرّه إذا نظر إليها:
سرته بجمالها، وحسن منظرها، وتأنق ملبسها، وطيب رائحتها. وسرته بترتيب منزلها، وتحويل بيتها إلى سكن حقيقي يأوي إليه الرجل المكدود، فيجد فيه: الحب والحنان، والراحة والأمان. وسرته بالعناية بأطفالها: مظهرهم ومخبرهم، مطعمهم ومشربهم، وبكل شيء من شأنهم. وسرته بجمال أدبها، وكريم خلقها، وحسن تبعلها، وبرّها زوجها، ورعايتها له في قلبه وشعوره وماله وعرضه. وسرته بالتزامها بأوامر دينها، في صلاتها وصيامها، في تصدقها وإحسانها )فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ( النساء - 34
- وإن أقسم عليها أبرته:
•وهو تأكيد لمعنى (إذا أمرها أطاعته)، أو هو درجة أعلى في الطاعة، فطاعة الزوجة لزوجها مجلبة للهناءة والرضا، والمخالفة تولد الشحناء والبغضاء، وتوجب النفور، وتفسد عواطف المودة، وتنشىء القسوة في القلوب.(8/73)
( وما من امرأة نبذت طاعة زوجها إلا حل بها الشقاء ولحقها البلاء. وكلما زادت طاعة الزوجة لزوجها ازداد الحب والولاء بينهما، وتوارثه أبناؤهما، لأن الأخلاق المألوفة إذا تمكنت صارت ملكات موروثة: يأخذها البنون عن آبائهم، والبنات عن أمهاتهن). المرأة في التصور الإسلامي: عبد المتعال محمد الجبري/ 93.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تمسهم النار: المرأة المطيعة لزوجها، والولد البار بوالديه، والعبد القاضي حق الله وحق مولاه).
- وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله:
روى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، وقرأ قوله تعالى: )فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ( ). رواه البيهقي . المرأة المسلمة: وهبي سليمان الغاوجي/ 151
(فالغيب هنا هو ما يستحيا من إظهاره، أي: حافظات لكل ما هو خاص بأمر الزوجية الخاصة بالزوجين، فلا يُطلِعُ أحدٌ منهما على شيء مما هو خاص بالزوج. ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ولا سيما حديث الرفث، فما بالك بحفظ العرض. هذا معنى أن تنصحه في نفسها، أما أن تنصحه بماله فمعناه أن تحفظ وتصون مال زوجها، فلا تعطي أحداً من أهلها أو من غيرهم شيئا من مال زوجها أو متاعه، إلا إذا أذن لها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه، فان فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر). صفوة الصفوة/ 2: 55.
وللشابة حقوق.. وللثيب كذلك:
وإذا حثّ النبي صلى الله عليه وسلم الشاب والشابة على التبكير بالزواج، فهو لم يهمل المرأة الثيب. فما تكاد امرأة مسلمة تتأيم حتى يسارع المؤمنون إلى ضمّها إلى بيوتهم زوجة مكرمة، لا تنتهي حياتها بموت زوجها، بل تبدأ من جديد في زواج جديد. وهذا سلوك متميز، سبق إليه وتميز به الإسلام.
عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة قال: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت زوجتك حفصة. فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله فأنكحتها إياه) البخاري .
وهذه عاتكة بنت زيد، وكانت صحابية أديبة ذات جمال وكمال ورأي، قتل زوجها عبد الله بن أبي بكر، فتزوجها من بعده عمر بن الخطاب، فلما قتل تزوجها الزبير بن العوام، فلما قتل تزوجها الحسين بن علي. كان عبد الله بن عمر يقول: من أراد الاستشهاد فليتزوج عاتكة.
الأسرة حقوق وواجبات:
الحقوق الزوجية:
والحقوق الزوجية هي ما يُلزم به كل من الزوجين تجاه الآخر من حقوق يحميها القانون الإسلامي، وتتدخل السلطة لإجبار من أخلّ بشيء منها على أدائه كاملا لشريكه في الحياة الزوجية.
ولقد قرر القرآن الكريم هذه الحقوق في قاعدة تشريعيّة دقيقة هي قوله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } . سورة البقرة- 228.
وهذا التوازن يتضح فيما قرره الفقهاء، أن تستحق الزوجة على زوجها: المهر، والإنفاق بالمعروف، والسكنى، وحسن العشرة { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .سورة النساء- 19 ، ورعاية دينها وحسن توجيهها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } سورة التحريم- 6.
( وأن يستحق الزوج على زوجه: طاعته بالمعروف، واحترام رغبته (لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها) أبو داود والحاكم، وأن تستجيب لزوجها كلما دعاها لفراشه (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة) الشيخان، وحسن تبعلها فلا تقع عينا الزوج على ما يكره، و القيام بأعمال المنزل، ورعاية الأبناء، ومتابعته في السكنى.. هذا بالإضافة إلى الحقوق المتبادلة التي تقيم السعادة الزوجية). ماذا عن المرأة : د. نور الدين عتر/ 122 .
حقوق الأولاد:
(وإذا كان الإنجاب والذرية من أهم أهداف الأسرة، فقد اهتم الإسلام برعاية الجنين قبل مولده، والعناية بالمولود بعد ولادته، وتهيئة البيئة الصالحة لتنشئته). الأسرة المسلمة في ضوء القرآن: حسن محمد باجودة/68.
أما حقوق الأولاد، فتبدأ بحسن اختيار أمهم، وإحسان تسميتهم، والإنفاق عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت) أبو داود والحاكم وأحمد، وبعد الرعاية المادية تأتي الرعاية المعنوية، فللأولاد حق الحب والرحمة.
يريدون تحطيم الأسرة:
هناك محاولات خطيرة تهدف إلى هدم الأسرة وإشاعة الفوضى.
( بدأها دوركايم وليفي بريل ومدرسة العلوم الاجتماعية (الفكر النفسي التحليلي الفرويدي)، وتابع مسيرتها الأب الفاحش الخليع الذي لا يفتأ يزداد في وقاحته ورواجه، والأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروسا عملية في الفاحشة، وانحطاط المستوى الأخلاقي في عامة النساء الذي يظهر في ملابسهن بل عريهن، وفي إكثارهن من الشراب، واختلاطهن بالرجال بلا قيد أو التزام ). الإسلام ومشكلات الحضارة: سيد قطب/ 155.
وتفلسف سيمون بوفوار ( الجنس الثاني - سيمون بوفوار) دعوتها للإباحية في كتابها الجنس الثاني، فتدعو المرأة أن تناضل ضدّ الرجل الذي يتحكم فيها ويصوغ القوانين لمصلحته ضدها،
هذه الدعوات الفاسدة التي ينفخ فيه الشيطان وأعوانه، هي التي تثمر هذا الانهيار الأخلاقي والاجتماعي الذي يعيشه العالم اليوم.(8/74)
إن قضية الأسرة صارت في كثير من البلدان من مخلفات الماضي، ومن رموز الرجعية، ومن علامات التحكم بالمرأة، يريدون تحطيم الأسرة، اللبنة الأولى في بناء المجتمعات، ولم يدر هؤلاء أنهم بفعلهم هذا إنما يحطمون أنفسهم.
كلمات في لباس المرأة المسلمة وزينتها:
وهذه قضية أخرى أضيفت إلى سلسلة قضايا أحاطت بالمرأة، فأشغلتها وأربكت حسّها، وأدخلتها في دوامة لا تكاد تخرج منها، وهي كالعادة بين إفراط وتفريط.
بين إفراط وتفريط:
تفريط من أقوام جردوا المرأة من ملابسها، وعرضوا مفاتن جسدها في الصحف والمجلات ودور الأزياء ودور العرض والتلفزيون، يلهون ويعبثون بالحرمات لإشباع انحرافاتهم ونزواتهم.
وفي محاولة للدفاع عن أنفسهم زعموا أن تحرر المرأة لا يكون إلا بتجريدها من ثيابها، ولقد أساء هذا التحرر (المزعوم) لمكانة المرأة إساءة كبرى، فلم تتعرض المرأة - عبر تاريخها - لمهانة أعظم وأكبر من المهانة التي فرضتها عليها جاهلية القرن العشرين..
فما معنى أن يُعرض جسد المرأة مع الإعلان عن ترويج سلعة، وإذا بها عارية مع أنواع الصابون، وأنواع الملبوسات، وأنواع الأحذية، لقد تفننت قنوات الإعلام -المرئية خاصة- في ابتكار الوسائل الدنيئة التي عرّت المرأة من ألبستها، وبالتالي من كرامتها.
كان الرجل يتلهف إلى لقاء المرأة، ويوم الزفاف كان عيدًا عند الرجل وعند المرأة كليهما، كان الرجل يسعى للقاء المرأة يفضي إليها وتفضي إليه في طهارة كاملة وشوق كبير، يرفع من درجة حرارته صيانة جسد المرأة من قبل، فهو يرى شيئا جديدا، ويلمس معان جديدة ويشعر بأنس وقرب ورحمة ومودة لم يشعر بهما من قبل { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الروم - 21
أما اليوم فيهرب الرجل من الزواج ومن المرأة من أن يرتبط بها ارتباطا أبديا، ولِمَ يفعل وجسدها معروض عليه ليل نهار، وممارساته الشاذة منطلقة بين نساء كثير؟! هل يتزوج ليتحمل المسؤولية وتزيد نفقاته بدون معنى، إنه يمكث مع امرأة جميلة تعجبه، في بيت واحد، يتقاسمان أجرته، ويصرف كل منهما على نفسه، حتى إذا ملّ منها بحث عن واحدة أكثر جمالا وحيوية وشبابا.
ويأتي اليوم الذي يذهب فيه الشباب،ويغيض الجمال، فأين تقضي هذه المرأة بقية حياتها؟ في مأوى العجزة مستسلمة للأمراض النفسية والجسدية التي لا ينقذها منها غير الانتحار.
كان المتوقع أن ترفض جمعيات حقوق الإنسان، وجمعيات حقوق المرأة، هذا الانحدار المرعب الذي وصلت إليه المرأة، ولكننا - وللأسف الشديد- لم نسمع غير أصوات قليلة لا تتناسب مع حجم الجريمة، ترتفع لتقول: لقد عادت المرأة إلى عهد الحريم، حاولت الحضارة الغربية إعطاء المرأة مكانتها، فارتكست ورضيت بعرض مفاتن جسدها لمن يريد العبث أو التجارة! وهي لم ترض في الحقيقة ولكن شياطين الإنس وعلماء الجريمة زينوا لها ذلك فاستدرجوها واستغلوها.
الحضارة الحديثة تظلم المرأة:
كنت أحاضر مرة في جامعة بودابست في المجر عن دور الشباب (الفتيان والفتيات) في إعادة بناء الأمة المسلمة، وكانت القاعة تغص بالنساء المجريات المسلمات، وطلبن بعد المحاضرة لقاء خاصا يسألن عن دور المرأة في الإسلام، ومساواتها مع الرجل، ودورها في البناء، وتساءلتُ: لم معظم المسلمين في هذه البلاد من النساء؟ فأجبن بصوت واحد: لأنهن الطبقة التي ظلمت، فهي محظية في شبابها، وخادمة في مقهى أو ملهى، حتى إذا انتهت الرغبة فيها، وجدت نفسها وحيدة لا زوج ولا ولد ولا أسرة، شقاء ما بعده شقاء، ورأينا في الإسلام شيئا آخر فهرعنا إليه، ولو علمت بنات جنسنا ما علمنا لأقبلن غير مترددات.
هذا من جانب.. أما في الجانب الآخر فقد دخلت قضية لباس المرأة دائرة الإفراط، وظن الكثير من المسلمين أن صيانة المرأة لا تكون إلاّ في ردة فعل مقدارها مائة وثمانون درجة لما فعلته الحضارة المادية بالمرأة .
إن الإسلام يوم حرر المرأة التحرير الحقيقي أحاطها بالاعتدال، وأعطاها كافة الحقوق التي تتناسب مع طبيعتها، وأطلقها حرة كريمة للعمل في موكب الدعوة.
ألبسها لباس التقوى، واللباس الساتر السابغ الذي لا يصف المفاتن ولا يجسّدها، بدون إفراط ولا تفريط.
لباس المرأة المسلمة:
والسؤال الآن: هل فرض الإسلام على المرأة لباسا معينا؟
الواضح أن الإسلام لم يفرض طرازا معينا أو لونا محددا للباس المرأة، وبعض الألوان والطرز التي تصر المرأة على ارتدائها في بعض البلدان، إنما هو من قبيل العادات التي تعارف عليها الناس هنا أوهناك.
ومع ذلك فقد حدد الإسلام مواصفات ينبغي أن تتوفر في لباس المرأة المسلمة، تلتزم بها عند خروجها من بيتها. وهذه المواصفات هي:
أولا- أن يكون اللباس ساترا لجميع بدن المرأة.
ثانيا- أن يكون مخالفا للباس الرجال،ففي الحديث عن ابن عباس قال: ( لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) البخاري
الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث ابن عباس قال: فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم عن رجالهم في اللبس ولكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار.
ثالثا- أن يكون اللباس مما تعارف عليه مجتمع المسلمين، فلا يكون اللباس شاذا، يطارد التقاليع التي تظهر هنا أو هناك، تبرز المفاتن وتطلب الشهرة.. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) أبو داود(8/75)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===========
نصائح وتوجيهات في الحج
اسم الكاتب : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
نصائح وتوجيهات في الحج
وصايا للحجاج والزوار:
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإلى حجاج بيت الله الحرام أقدم هذه الوصايا عملاً بقول الله سبحانه: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)[المائدة/22]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة قيل:لمن يا رسول الله، قال:لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
الوصية الأولى: الوصية بتقوى الله تعالى في جميع الأحوال ، والتقوى هي جماع الخير وهي وصية الله سبحانه ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (النساء / 1) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي في خطبه كثيراً بتقوى الله.
وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم الله عليه عن إخلاص لله ومحبة له ورغبة في ثوابه وحذر من عقابه على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهو أحد علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: (تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى،ويذكر فلا ينسى،ويشكر فلا يكفر).
وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (ليست تقوى الله بصيام النهار ولا قيام الليل والتخليط فيما بين ذلك،ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله،فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير على خير).
وقال طلق بن حبيب التابعي الجليل -رحمه الله- : (تقوى الله سبحانه هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله،وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله).
وهذا كلام جيد،ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين الله،وأن يتعلم ما لا يسعه جهله،حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة،ويدع محارم الله على بصيرة،وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،فإن الشهادة الأولى تقتضي الإيمان بالله وحده،وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه،وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم،رجاء رحمته وخشية عقابه،والشهادة الثانية تقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم،وأنه رسول الله إلى جميع الجن والإنس،وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفها.
الوصية الثانية : أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها؛ لأنها الركن الأعظم بعد الشهادتين، ولأنها عمود الإسلام،ولأنها أول شيء يحاسب عنه المسلم من عمله يوم القيامة، ولأن من تركها فقد كفر؛قال الله سبحانه وتعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )[النور/56]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه.
ولا شك أن الطمأنينة من أهم أركان الصلاة،فمن لم يطمئن في صلاته فهي باطلة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى في ركوعه وأمكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره وجعل رأسه حياله، ولم يرفع رأسه حتى يعود كل فقار إلى مكانه،وإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار في مكانه، وإذا سجد اطمأن في سجوده حتى يرجع كل فقار إلى مكانه،وإذا جلس بين السجدتين اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه،ولما رأى صلى الله عليه وسلم بعض الناس لا يطمئن في صلاته أمره بالإعادة،وقال له: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء،ثم استقبل القبلة فكبر،ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن،ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً،ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً،ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً،ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) أخرجه الشيخان في الصحيحين.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الواجب على المسلم أن يعظم هذه الصلاة ويعتني بها ويطمئن فيها حتى يؤديها على الوجه الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن تكون الصلاة للمؤمن راحة قلب،ونعيم روح،وقرة عين،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).
ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام،وقد أمر الله بذلك ورسوله، كما قال عز وجل: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة/43].
أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن، كما جاء بذلك الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وما ذاك إلا لأنهن عورة وفتنة،ولكن لا يمنعن من المساجد إذا طلبن ذلك؛لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
الوصية الثالثة: أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم بإخراج زكاة ماله إذا كان لديه مال تجب الزكاة فيه؛لأن الزكاة من أعظم فرائض الدين،وهي الركن الثالث من أركان الإسلام.
فالله سبحانه وتعالى شرعها طهرة للمسلم وزكاة له ولماله وإحساناً للفقراء وغيرهم من أصناف أهل الزكاة ،كما قال عز وجل:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}[التوبة/103].(8/76)
وهي من شكر الله على نعمة المال،والشاكر موعود بالأجر والزيادة،وقد توعد الله من لم يؤد الزكاة بالعذاب الأليم،كما توعده سبحانه بأنه يعذبه بماله يوم القيامة، فالواجب على كل مسلم له مال تجب فيه الزكاة أن يتقي الله ويبادر بإخراج زكاته في وقتها في أهلها المستحقين لها،طاعة لله ولرسوله، وحذراً من غضب الله وعقابه.
الوصية الرابعة: صيام رمضان،وهو من أعظم الفرائض على جميع المكلفين من الرجال والنساء،وهو الركن الرابع من أركان الإسلام،قال الله سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) [البقرة/ 183- 184]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس:شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،و إقام الصلاة،وإيتاء الزكاة،وصوم رمضان،وحج البيت).
فهذا الحديث الصحيح يدل على جميع الوصايا المتقدمة وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم،وأنها كلها من أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا عليها؛فالواجب على كل مسلم ومسلمة تعظيم هذه الأركان والمحافظة عليها والحذر من كل ما يبطلها أو ينقص أجرها.
الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام،وهو الركن الخامس من أركان الإسلام،كما تقدم في الحديث الصحيح،وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل إليه في العمر مرة واحدة،كما قال الله سبحانه: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران/97].
الحكمة في تشريع الحج وأحكامه وفوائده:
شعيرة الحج أمرها عظيم وفوائدها كثيرة وحكمها متنوعة، ولقد شرع الله سبحانه هذه الشعيرة لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة، والتعارف،والتعاون على الخير،والتواصي بالحق،والتفقه في الدين،وإعلاء كلمة الله، وتوحيده،والإخلاص له،إلى غير ذلك من المصالح العظيمة والفوائد التي لا تحصى.
ومن رحمته سبحانه أن جعل الحج فرضاً على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،فالحج فريضة عامة على جميع المسلمين:رجالاً ونساءً ،عرباً وعجماً، حكاماً ومحكومين،مع الاستطاعة.
و من تيسير الله أيضاً ومن نعمته العظيمة أن جعلها مرة في العمر؛لأنه لو كان أكثر من ذلك لكانت المشقة عظيمة بسبب الكلفة الكبيرة بالنسبة للبعيدين عن هذه البقعة المباركة،ولكن الله بلطفه ورحمته جعل الحج مرة في العمر،ومن زاد فهو تطوع.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما،والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق على صحته.
فالحج له شأن عظيم وفوائد كثيرة،ومن فوائده العظيمة أنه إذا كان مبروراً فجزاؤه الجنة والسعادة وغفران الذنوب،وهذه فائدة كبيرة وكسب لا يقاس بغيره.
من الواجب على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده،وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه،في طوافه وسعيه،وفي جميع عباداته.
وفي البيت العتيق آيات بينات: مقام إبراهيم،وأرض الحرم كلها مقامات لإبراهيم، فالصفا والمروة والبيت العتيق ومنى ومزدلفة وعرفات،كلها مقامات تذكر بهذا النبي العظيم، والرسول الكريم،وما بذله من الجهود والأعمال الجليلة في سبيل توحيد الله والإخلاص له،ودعوة قومه إلى توحيد الله واتباع شريعته.
إن الوافد لهذا البيت العتيق وفد لإخلاص العبادة لله وحده دون الشرك به سبحانه وتعالى، مع التطهر والحذر من كل ما يخالف شرع الله سبحانه، حتى تكون العبادة كاملة لله عز وجل،ليس فيها نقص بوجه من الوجوه،وبذلك يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا حج فلم يرفث ولم يفسق.
والرفث هو: الجماع وما يدعو إليه من ملامسات ونظرات وكلمات وغيرها، كما وضح ذلك العلماء رحمهم الله.
والفسوق : المعاصي كلها، المحرمة في الحج ، والمحرمة مطلقاً، ومن المحرم في الحج: قص الأظافر بعد الإحرام، وقص الشعر ، والتطيب ، ولبس المخيط ، وتغطية الرأس للرجل ، ولبس القفازين للرجل والمرأة ، والنقاب للمرأة ، إلى غير هذا مما حرم الله على المحرم.
ومن حكمه العظيمة ترك ما يسبب البغضاء والشحناء من رفث أو فسوق أو جدال، فهو وسيلة عظيمة إلى صفاء القلوب واجتماع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، والتعارف بين عباد الله في سائر أرض الله.
وعلى الحاج أن يحرص على فعل الخير بكل وسيلة، والله سبحانه يعلمه ويجازيك عليه، والخير يشمل القول والعمل؛ فالكلمة الطيبة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله خير، والصدقة والمواساة وإرشاد الضال وتعليم الجاهل كله خير، فجميع ما ينفع الحاج أو ينفع المسلم من قول أو عمل مما شرعه الله وما أباحه جل وعلا كله خير.
يقول سبحانه:{وأذن في الناس بالحج}، أي : أذن يا إبراهيم وأعلن للناس بالحج، وقد فعل و نادى الناس , والدعاة إلى الله ينادون بالحج اقتداء بإبراهيم والأنبياء من بعده، وبنبينا عليه الصلاة والسلام.
{يأتوك رجالاً}، أي: مشاة، وقد استنبط بعض الناس من الآية الكريمة أن الماشي أفضل ولكن ليس بظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج راكباً وهو القدوة والأسوة، عليه الصلاة والسلام، ولكن الراجل يدل فعله على شدة الرغبة وقوتها في الحج، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل ، فمن جاء ماشياً فله أجره والراكب الذي رغب في رحمة الله وإحسانه له أجره وهو أفضل.
{وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}، من كل فج ، أي: طريق واسع بعيد من المشرق والمغرب ومن كل مكان ، يريدون وجه الله والدار الآخرة.(8/77)
لماذا أتوا؟ {ليشهدوا منافع لهم}، هذه المنافع أبهمها الله تعالى، ولكنه شرحها في مواضع كثيرة، منها ما يفعله الحاج من طاعة لله ونفع لعباده مما ذكر ومما لم يذكر كله داخل في المنافع، وهذه من حكم الله في إبهامها، حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة من طاعة لله ونفع لعباده، فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة ، وفي الدعوة إلى الله منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة، والقراءة منفعة، وتعليم العلم منفعة، وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قول أو عمل أو صدقة أو غيرها مما شرعه الله أيضاً داخل في المنافع.
والمشروع للحاج عند وصوله إلى الميقات أن يغتسل إذا تيسر له ذلك، وأن يتوضأ ويصلي ركعتين سنة الوضوء ، وإذا كان منزله قريبا من الميقات كأهل الطائف والمدينة واغتسل في بيته كفاه ذلك، لكن لا يحرم إلا إذا وصل الميقات، والمراد بالإحرام نية الحج أو العمرة أو كليهما والتلبية بذلك،. أما التجرد من المخيط فلا بأس أن يفعله قبل ذلك في بيته أو في الطريق، وهكذا الغسل كما تقدم، ويتجرد من المخيط ويلبس ملابس الإحرام، ثم يركب سيارته، والأفضل أن يكون إحرامه بالحج أو العمرة بعد الركوب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بعد أن ركب دابته، والمراد بذلك نية الدخول في الحج أو العمرة.
ثم يكثر من التلبية ويستمر فيها مع ذكر الله وتسبيحه والاستغفار والتوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل، إلى أن يشرع في طواف العمرة إن كان إحرامه بعمرة، فإذا شرع في الطواف قطع التلبية، أما إن كان إحرامه بالحج فإنه يستمر في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، فبعد الرمي صباح العيد يقطع التلبية ويشتغل بالتكبير.
ولابد في رمي الجمار من أن يتحقق أو يغلب على ظنه أن الحجر وصل إلى الحوض، فإن لم يتحقق ذلك أو يغلب على ظنه أعاد الرمي في الوقت، فإن خرج من منى ولم يعد فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، أما إذا تيسر له أن يعيد الرمي في أيام منى أعاده مرتباً بالنية ولا شيء عليه.
ومن المعلوم أنه يمكن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد رمي الجمار، بعد الزوال، وإذا أحب أن يسافر طاف للوداع وسافر، هذا إذا كان قد طاف طواف الحج ، أما إذا لم يكن قد طاف طواف الحج فلا مانع أن يكون طواف الحج هو طواف الوداع، فطواف الإفاضة يكفيه عن طواف الوداع إذا سافر بعده، وإن تأخر ورمى الجمار يوم الثالث عشر بعد الزوال فهذا هو الأفضل وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غابت عليه شمس يوم الثاني عشر وهو في منى لزمه المبيت وأن يرمي يوم الثالث عشر بعد الزوال، ومن فاته الرمي حتى غابت الشمس يوم الثالث عشر لزمه دم عن ترك هذا الواجب العظيم.
أما فيما يتعلق بعرفة فهي الركن الأعظم للحج؛ فلابد في الحج من الوقوف بعرفة يوم التاسع بعد الزوال ، هذا هو المشهور عند جمهور أهل العلم ، ويقول بعضهم : إذا وقف قبل الزوال أجزأه؛ لأنه يعد من عرفة، لكن المشروع أن يقف بعد الزوال إلى غروب الشمس، وإن وقف ليلة النحر أجزأه ذلك قبل طلوع الفجر، ومن فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر فاته الحج، ومن وقف نهاراً وانصرف قبل الغروب فقد ترك واجباً فعليه دم عند جمهور أهل العلم.
ويشرع للحاج أن يكثر في عرفات من الدعاء والذكر والتلبية ، مع رفع الأيدي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، والسنة أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم مع القصر ، بأذان وإقامتين في مسجد نمرة إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر ذلك، فعلى كل جماعة أن يصلوا في مكانهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبقى الحاج في محله من عرفة، وعرفة كلها موقف ، ويدعو الله في جميع الأحوال: جالساً أو مضطجعاً أو قائماً، ويكثر من الذكر والتلبية إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس انصرف بسكينة ووقار وهدوء إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء قبل أن يحط الرحال، بأذان واحد و إقامتين ، يصلي المغرب ثلاثاً والعشاء اثنتين، ولا يصلي بينهما شيئاً ، ولا بين الظهر والعصر في عرفات ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما شيئا.
ويمكن للحاج بعد صلاة المغرب والعشاء أن يفعل ما يشاء ، فإن شاء نام، وإن شاء أكل، وإن شاء قرأ القرآن، وإن شاء ذكر الله، ويمكن للضعفاء أن ينفروا إلى منى في النصف الأخير من الليل، والأفضل بعد غروب القمر قبل الزحمة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم، رحمة بهم وتخفيفاً عنهم، ويمكنهم الرمي قبل الفجر، ومن أخر الرمي إلى الضحى فلا بأس ، والرمي في الضحى للأقوياء هو الأفضل وهو السنة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طاف بعد الرمي أو قبل الرمي أجزأه، ولكن تأخير الطواف بعد الرمي والذبح والحلق يكون أفضل، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو قدم فلا بأس، وما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (لا حرج) ؛ في الرمي والذبح والحلق والتقصير والطواف والسعي.
والخلاصة أن السنة في يوم العيد : الرمي أولاً، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير ، والحلق أفضل، ثم يتحلل، ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي.
أهداف الحج ومقاصده:(8/78)
الحج عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد؛ لما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتب عليها من خير في الدنيا والآخرة، وهي عبادة فريضة على جميع المكلفين في أقطار الدنيا، رجالاً ونساءً ، إذا استطاعوا السبيل إليها وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
هذا من مقاصد الحج ومقاصد العمرة، فمن أداها على الوجه المرضي كان جزاؤه الجنة والكرامة وغفران الذنوب وحط الخطايا.
ومن أعظم مقاصد الحج وأعظم أهدافه إخلاص العبادة لله وحده، وتوجيه القلوب إليه جل وعلا، إيماناً بأنه يستحق العبادة، وإيماناً بأنه المعبود بالحق، وإيماناً بأنه رب العالمين وحده، وأنه صاحب الأسماء والصفات الكريمة وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا ند له سبحانه وتعالى.
قال جل وعلا:{ليشهدوا منافع لهم}، أطلقها وأبهمها لعظمها وكثرتها، منافع عاجلة وآجلة ، منافع دنيوية وأخروية، فمنها وأعظمها ليشهدوا توحيده والإخلاص له، في الطواف ببيته، والصلاة في رحاب بيته، والدعوة له سبحانه، والإنابة إليه، والضراعة إليه بأن يقبل حجهم، ويغفر لهم ذنوبهم، ويردهم سالمين إلى بلادهم، ويمن عليهم بالعودة إليه مرة بعد مرة، ليضرعوا إليه جل وعلا.
ومن مقاصد الحج أن يتعارف المسلمون ويتواصوا بالحق ويتناصحوا.
يأتون من كل فج عميق يعلم بعضهم بعضاً،ويرشد بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا، مصالح عاجلة وآجلة، مصالح التعليم والتوجيه والإرشاد والدعوة إلى سبيل الله، يسمعون من العلماء ما فيه من الهداية والإرشاد إلى طريق الرشاد، وسبيل السعادة إلى توحيد الله والإخلاص له، إلى ما أوجبه على عباده من الطاعات ، وإلى ما حرم عليهم من المعاصي ليحذروها ، وليعرفوا حدود الله ويتعاونوا على البر والتقوى.
ومن منافع الحج العظيمة إيفاء ما عليك من نذور ، من عبادات نذرتها تؤدى في المسجد الحرام، ومن هدايا تذبحها في منى وفي مكة، ومن صدقات تؤديها.
ومن المقاصد العظيمة والأهداف العظيمة للحج أن تواسي الفقير وتحسن إليه، من الحجاج وغير الحجاج، في هذا البلد الأمين وفي الطريق وفي المدينة المنورة، تواسي مما أعطاك الله ، تواسي الحجيج الفقراء ، تواسي من قصرت به النفقة، من عدموا القدرة على الهدي.
من أهداف الحج / توحيد كلمة المسلمين على الحق:
إن الله جل وعلا شرع الحج لعباده ، لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع لا تحصى، وقد أشار الله جل وعلا إلى ذلك في كتابه العظيم ، حيث يقول جل وعلا: (قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(95)إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران/95-97] فبين سبحانه أن هذا البيت أول بيت وضع للناس ؛ أي في الأرض للعبادة والتقرب إلى الله بما يرضيه.
وشرع الله جل وعلا الحج لعباده، لما في ذلك من المصالح العظيمة، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه، كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (97) سورة آل عمران
وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع ، وشرع للناس المناسك بقوله وفعله ،وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله وأقواله وأفعاله، وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر، محرماً بالحج والعمرة قارناً بينهما، من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعثه الله به من الحق والهدى في الحج وغيره، فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر، يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك).
يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له؛ وهكذا في طوافه يذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل ما سواه، وهكذا بالتحليق والتقصير، وهكذا بذبح الهدايا والضحايا، كل ذلك لله وحده، وهكذا بأذكاره التي يقولها في عرفات ومزدلفة وفي منى، كلها ذكر لله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك.
نصيحة لحجاج بيت الله الحرام:
أولاً : يجب على الحاج وغيره أن يخلص نيته وقصده لله تعالى فيجعل عمله خالصاً لوجهه الكريم حتى يقع أجره على الله، وينال ثوابه.
ثانياً: يجب على الحاج وغيره أن يكون العمل الذي يتقرب به إلى ربه مما شرعه الله تعالى لعباده، وأن يقتدي في أدائه بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، القائل: (خذوا عني مناسككم).
ثالثاً: يجب على الحاج وغيره أن يكون على علم وبصيرة بأمور دينه حتى يقوم بها قياماً صحيحاً ، ويؤديها أداءً سليماً على الوجه المشروع.(8/79)
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
رابعاً : يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن ما شرعه الله لعباده من طاعات وقربات ، وما أحل لهم وحرم عليهم من أقوال وأفعال، إنما هي لتزكية أنفسهم وصلاح مجتمعاتهم ، وعلى حسب إخلاصهم له ، وصدقهم في العمل معه يكون انتفاعهم بذلك في الدنيا والآخرة، وثواب الله خير وأبقى.
خامساً : يجب على الحاج وغيره أن يحفظ لهذه الأماكن المقدسة حرمتها ، فلا يهم فيها بعمل سوء ، فقد توعد الله من فعل ذلك بعذاب أليم، قال تعالى: ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج/25].
سادساً: يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصح لكل مسلم بالحكمة والموعظة الحسنة، من أعظم واجبات الدين، وبها قوامه وحفظه بين المسلمين.
سابعاً: ينبغي على كل مسلم من الحجاج وغيرهم أن يهتم بأمور المسلمين في كل مكان، وإيصال الخير إليهم ، والدفاع عنهم ، وتعليم جاهلهم حسب طاقته وعلمه ، وأن يعاون المجاهدين منهم الذين يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورد الكافرين والملحدين من اليهود وغيرهم من أصناف الكفرة عن ديار المسلمين والمقدسات الإسلامية، نصرة للحق ، ودفاعاً عن أهله ، وذوداً عن بلاد المسلمين، وحماية لها من الأعداء.
من منافع الحج وفوائده:
أعظم هذه المنافع وأكبرها شأناً ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه، والإقبال عليه، والإكثار من ذكره بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب لرضاه ويباعد من غضبه ، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد ، هي تحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً وعقيدة.
فالشهادة الأولى: توجب تجريد العبادة لله وحده وتخصيصه بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة ؛ لأن هذا كله حق لله وحده ليس له شريك في ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
كما قال عز وجل : ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )[غافر/14].
والدين هنا معناه العبادة وهي طاعته ، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، بفعل الأوامر وترك النواهي، عن إيمان بالله ورسله، وإخلاص له في العبادة، وتصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم رغبة في الثواب وحذراً من العقاب ، وهذا هو معنى "لا إله إلا الله" ، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله فهي تنفي العبادة وهي الألوهية بجميع معانيها عن غير الله سبحانه، وتثبتها بجميع معانيها لله وحده على وجه الاستحقاق ، وجميع ما عبده الناس من دونه من أنبياء أو ملائكة أو جن أو غير ذلك فكله معبود بالباطل.
أما الشهادة الثانية: وهي شهادة أن محمداً رسول الله فهي الأصل الثاني في قبول الأعمال وصحتها وهي تقتضي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومحبته وتصديق أخباره، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله إلا بشريعته عليه الصلاة والسلام ، كما قال الله عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر/7]، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري في صحيحه.
ومن منافع الحج وفوائده العظيمة أنه يذكر بالآخرة ووقوف العباد بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المشاعر تجمع الناس في زي واحد ، مكشوفي الرؤوس من سائر الأجناس ، يذكرون الله سبحانه ويلبون دعوته ، وهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يدي الله يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة غرلاً خائفين وجلين مشفقين، وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل، كما يدعوه إلى التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليه، حتى يعبد ربه على بصيرة وينتج عن ذلك توجيهه لمن تحت يده إلى طاعة الله ورسوله وإلزامهم بالحق، فيرجع إلى بلاده وقد تزود خيراً كثيراً واستفاد علماً جماً ، ولا ريب أن هذا من أعظم المنافع وأكملها.
الإخلاص لله جل وعلا في العمل:
نصيحتي لنفسي ولإخواني الحجاج والمسلمين في كل مكان:
أولاً: أن يخلصوا أعمالهم وحجهم لله ربهم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، كما قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة/5]،وما تلبية الحجاج إلا براءة من الشرك وإعلان لتوحيد الله وتخصيصه بالإجابة والطاعة دون من سواه.(8/80)
ثانياً: أن يكون عملهم وحجهم موافقاً لما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وسلم عن ربه فإن أي عمل لم يأت به صلى الله عليه وسلم مهما كان لونه ومهما كان القصد منه فهو مردود على صاحبه؛ لأنه مما لم يشرعه الله لعباده، والله تعالى ما تعبد الناس إلا بما شرعه لهم وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه، قال الله تعالى لنبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(18) . إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية/18- 19],وفي الحديث الصحيح : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فاتبعوا ما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولا تبتدعوا في دينكم فقد كفيتم، والله سبحانه وتعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أكمل الدين وأتم النعمة وأنزل قوله الحكيم : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) [المائدة/3].
ثالثاً: أن يحافظوا على أوقاتهم فلا يضيعوها في لهو أو لعب وإنما ينبغي أن يغتنموا أوقاتهم فيما ينفع ويفيد، من أمور دينهم ودنياهم، فإن الوقت هو الحياة، ومن أضاع وقته أضاع حياته، ومن أضاع حياته ندم ولا تنفعه الندامة، وتمنى الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحاً فلا تتحقق له أمنية، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(9)وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ(10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المنافقون/9- 11].
رابعاً: أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به المسلمين كل بحسب استطاعته، كما قال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[التوبة/71].
وجاء في الحديث الصحيح : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
وجوب تحقيق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله على كل حال ، فإنها جماع كل خير ووصية الله تعالى للأولين والآخرين ، قال تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ )[النساء/131]، وتتحقق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه عن إخلاص ومحبة له سبحانه ورغبة في ثوابه ، وحذراً من عقابه ، على الوجه الذي شرعه الله لعباده وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ، كما قال الله تعالى له: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل/44].
واعلموا أن الإخلاص لله في العبادة وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ، أصلان أساسيان في صحتها وقبولها ، واستحقاق الثواب عليها -لاسيما في الحج فلنحرص على ذلك أشد الحرص ، فقد قال الله تعالى : (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )[الكهف/110].
ومن الإخلاص لله في العبادة ، أن لا نشرك معه غيره ، أو نصرف شيئاً منها لسواه، وأن نطهرها من الرياء وحب السمعة ، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك ، وهو الذي يقول عن المنافقين : (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء/142] . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سَمَّعَ سمع الله به ، ومن يُرائي يرائي الله به ) متفق عليه ، يعني من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله سريرته للناس يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق.
ومن العبادة الدعاء – بل هو أظهر مظاهر العبودية والتضرع لله- فينبغي أن يكون لله وحده ، فلا يُدعى غيره ولا يستعان بأحد سواه ، ولا يلجأ إلا إليه ، ولا يستغاث إلا به ، وفي الذكر الحكيم : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )[غافر/60].
وينبغي أن نتحرى في كل أعمالنا سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم المتبوع والمقتدى به ، ونتجنب البدع في ديننا ، فالخير في الإتباع والشر في الابتداع . فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم : (وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.(8/81)
وأوصيكم ونفسي بتحري الحلال في المطعم والملبس والمشرب والنفقة والصدقة ، فإن ذلك يعين على الطاعة ويكون سبباً في قبولها ، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟) رواه الإمام أحمد.
فاختاروا لحجكم وعمرتكم نفقة طيبة تعينكم على إجابة الدعاء وقبول الأعمال.
وأوصيكم ونفسي بالمحافظة على الصلاة وأدائها جماعة ما استطعتم ، فإنها عماد الدين وفرق ما بين المسلم والكافر وآخر ما يرفع من الدين وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فمن ضيعها فهو لما سواها من الفرائض والواجبات أضيع.
والمحافظة كذلك على سائر الفرائض والواجبات من إيتاء الزكاة وصوم رمضان والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الأيتام وحسن الجوار وغير ذلك من الواجبات التي يقوم عليها أمر الإسلام ، فمن ضيعها أو تهاون بها أو قصر في أدائها فهو على خطر عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وأوصيكم ونفسي بأن نغتنم فرصة وجودنا في حرم الله تعالى بالإكثار من ذكره وشكره وحسن عبادته والتقرب إليه سبحانه بشتى الطاعات والقربات ، فإننا في بلد تضاعف فيه الحسنات وقد فرغنا أنفسنا لذلك ، فلا نضيع أوقاتنا في اللغو واللهو والقيل والقال فإنها تكون حسرات علينا يوم القيامة ، ولنتجنب الجدال والخصام مع الرفقة والأصحاب ، ولا نؤذ إخواننا الحجاج بالمزاحمة عند المناسك وخاصة عند الطواف واستلام الحجر الأسود ورمي الجمرات ، فالله تعالى نهانا عن مجرد الجدال وهو دون هذا الأذى بكثير.
الحج فرصة لنشر دعوة الحق:
لاشك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم ، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل ؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمماً كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين ، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله ،فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها قبول الحق وترك الباطل ، قال الله جل وعلا : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل/125]، فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم ، فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة ، فإن الحكمة هي العلم ، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة ، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن ؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق ، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب ، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة ، منها عدم قبول الحق ، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى ، قال الله جل وعلا: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران/159] ، فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة ومفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير ، ولاشك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات ، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره ، قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) [فصلت/33].
وفي مكة الكرمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان ، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة ، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة ، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق ، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب ، وإذا قوي من له سلطان قام على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده ، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.
الواجب على من استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة:
الحج واجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) [آل عمران/97]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت )، فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مؤونة الحج إذا كان مكلفاً أن يبادر بذلك وألا يؤخره ؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور ، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك ، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).(8/82)
فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه ، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة ، من صدقة على الفقراء والمساكين ، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى ، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر ذلك اغتناماً للزمان والمكان ؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه ، والصدقات فيه مضاعفة ، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ، وتعليم الحاج ما قد يجهل ، كل هذا مما يشرع للمسلم ، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج – إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن ، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب.
نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد:
فقد أوجب الله عز وجل التعاون على البر والتقوى والنصيحة لكل مسلم وقد أبلغني بعض الإخوان أنه يوجد من بعض الحجاج الموجودين في منى من يؤذي جيرانه بالتدخين والأغاني.
ولا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب/58] ,وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم، لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.
وقد قال الله عز وجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) [لقمان/6].
قال أكثر العلماء المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.
وقال عز وجل : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[المائدة/4],وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) [الأعراف/157] فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات وهي الأشياء النافعة بلا مضرة ، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة ، وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة خبيث العاقبة خبيث الرائحة.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه وأعاذ الجميع من نزغات الشيطان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاورات والجدال في الحج تثير النزاع والعداوة:
قال تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة/197].
وقوله تعالى : ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ )[البقرة/197] بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يتجنبه حال الإحرام ، أي يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من "الرفث" وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية ، "والفسوق" وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام . "والجدال" وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة ؛ لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله ، والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة ، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبروراً.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات ، فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات ، فقال تعالى: ( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ )[البقرة/197] وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير ، خصوصاً في أيام الحج وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام ، فإن الحسنات تضاعف فيه أكثر من غيره ، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم ، فيدخل في ذلك منى ومزدلفة وجميع المساجد التي في داخل الحرم ، وهكذا بقية الحرم.(8/83)
لاسيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان ، ومن الجدال الذي نهي عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازع والتفاخر ومدح آباءهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام ، ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام ، حيث يقول سبحانه : (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ) [البقرة/197]، وقال تعالى عن الحرم : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج/25] ، أما الجدال بالتي هي أحسن فلا حرج فيه في مكة وغيرها ، يقول الله سبحانه : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [النحل/125] .
على الحجاج تجنب افتراش الطرقات:
أوصي جميع الحجاج بالحرص على البعد عن جميع ما يؤذي المسلمين ، كالنوم في الطرقات والجلوس في الطرقات ؛ لأن الله سبحانه يقول : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) [الأحزاب/58] فأوصي إخواني الحجاج بالبعد عن كل ما يؤذي المسلمين من الحجاج وغيرهم ، وأن يحرصوا على أن يكونوا في بعد عما يؤذي إخوانهم في الله في مكة وفي المدينة وفي غيرهما.
على الحجاج التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة:
س: تضع الأجهزة المشرفة على إسكان الحجاج في المشاعر بعض الضوابط التي تمنع تجاوزها لضمان سلامة الحجاج بإذن الله ، مثل منع استخدام عبوات الغاز داخل المخيم حيث يؤدي استخدامه السيئ إلى كثير من الأضرار المتعدية إلى الغير ، فهل تجاوز الحاج لتلك الضوابط وغيرها من الأنظمة التي وضعت لسلامته تنقص من أجره؟ وما توجيه سماحتكم لحجاج بيت الله للحفاظ على سلامة بعضهم بعضاً؟
ج: الواجب على الحجاج وفقهم الله هو التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة –وفقها الله- لمصلحة الحجاج ؛ لأن الله سبحانه أوجب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف ، والتعليمات التي تقوم بها الدولة لمصلحة الحجاج من جملة المعروف ، ومخالفته معصية ونقص في الأجر ، وفق الله الجميع لما يرضيه.
القيام بالمسيرات في موسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها:
إن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه : (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة/1] .
وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين ، ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه ليبلغ الناس ذلك ، وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله ينادون في الناس بكلمات أربع : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض ، كما قال عز وجل: (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) [التوبة/2]، وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يسلموا ، كما قال الله عز وجل : (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ ) [التوبة/5] يعني الأربعة التي أجلها لهم عليه الصلاة والسلام في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية( فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة/5].
هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينه علماء التفسير في أول سورة براءة –التوبة- ، أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان البراءة من المشركين، فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم ، فالواجب على كل من كان يفعله تركه ، والواجب على الدولة وفقها الله منعه ؛ لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر ، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج ، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)[آل عمران/31].
ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام ، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقال سبحانه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ )[الشورى/21] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )متفق على صحته .
ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع ، وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم ، فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
منافع الحج:
س: ذكر الله في كتابه الكريم أن هناك منافع في الحج فما هي هذه المنافع؟(8/84)
ج: لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنافع في قوله جل وعلا في سورة الحج بعد ما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج/27-28].
ومن هذا ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى المنافع التي تحصل للحجاج : دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته . فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء ، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة ، وفائدة الفقراء مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم ، وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله سبحانه يسهل النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم ، أما المنافع الدينية التي تعود على الحجيج بالخير الجزيل من أعمال الآخرة فمنها : التفقه في الدين ، والاهتمام بشئون المسلمين عموماً ، والتعاون على البر والتقوى ، والدعوة إلى الله سبحانه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ، والاستكثار من الصلاة والطواف وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار ، من تكفير السيئات ، والفوز بالجنة ، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة .
بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار:
لا يخفى على كل من له أدنى علم ، وأدنى بصيرة حرمة مكة ، ومكانة البيت العتيق ، لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة ، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة ، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم ، وفي كتب التفسير.
يقول الله عز وجل في كتابه المبين : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران/96-97].
أوضح الله سبحانه في هذه الآيات ، أن البيت العتيق ، وهو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك ، وأنه هدى للعالمين ، وهذه تشريفات عظيمة ، ورفع لمقام هذا البيت ، وتنويه بذلك.
وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس ، فقال عليه الصلاة والسلام : (المسجد الحرام قلت: ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون عاماً .قلت: ثم أي ؟ قال : حيثما أدركتك الصلاة فصل ، فإن ذلك مسجد).
هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة ، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه ، ويطاف به ، هو هذا البيت ،وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام ، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.
وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة ، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه ، والطواف به ، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب ، وغفران الخطايا ، قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة/125].
فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه ، ولا يشبعون من المجيء إليه ، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه ، والمثابة إليه ، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه ، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم ، ورفيع الدرجات ، ومضاعفة الحسنات ، وتكفير السيئات ، ثم جعله آمناً يأمن فيه العباد ، وجعله آمناً للصيد الذي فيه ، فهو حرم آمن ، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم ، يأمن فيه حال وجوده به ، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.
ويقول سبحانه :{ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } يعني وجب أن يؤمن ، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد ، ولا قتل ، بل ذلك قد يقع ، وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله ، وعدم التعرض له بسوء ، وكانت الجاهلية تعرف ذلك ، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج ، فهذا البيت العتيق ، وهذا الحرم العظيم ، جعله الله مثابة للناس وأمناً ، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين ، وقال في الآية الأخرى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )[الحج/26].(8/85)
فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت ، وهكذا جميع ولاة الأمور ، يجب عليهم ذلك ، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة ، وأخبر أنه حرم آمن ، وأن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض ، ولم يحرمه الناس ، وقال : لا ينفر صيده ، ولا يعضد شجره ، ولا يختلى خلاه ، ولا يسفك فيه دم ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف ، ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت ، فيجب على المسلمين ، وعلى ولاة الأمور ، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه ، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين ، والظلم لهم ، والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم.
فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه ، وأن يحذروا معصية الله فيه ، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً ، ولا يؤذي بعضهم بعضاً ؛ لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.
فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه ، بل هي أعظم وأكبر ، حتى قال الله في ذلك : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج/25] ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد.
فإذا كان من همَّ بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم ، فكيف بمن فعله؟
إذا كان من يهمُّ ومن يريد متوعداً بالعذاب الأليم ، فالذي يفعل الجريمة ، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب ، والعذاب الأليم.
فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات ، وترك المحرمات ، وكف الأذى عن الناس ، وإيصال الخير إليهم.
ومن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا ، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم الله ، وينصحوا ، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائناً من كان من الحجاج أو من غير الحجاج ، من السكان أو من غير السكان ، من جميع أجناس الناس.
هذا هو الواجب على الجميع ، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد ، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، أو من كان يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد ، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه، وأما من آمن بالله واليوم الآخر ، إيماناً صحيحاً ، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره ، فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله ، وارتكاب محارمه سبحانه ، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.
ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، أن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه ، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم ، وأن يرزقهم أداء حقه ، والبعد عن محارمه أينما كانوا ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد ، وأن يعينهم على أداء الواجب ، وعلى حماية بيته العتيق، من كل أذى ، ومن كل سوء ، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا ، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده ، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا ، وأن يكفي المسلمين شرهم، إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
رسائل إلى المرأة في الحج.
اسم الكاتب : مازن عبد الكريم الفريح.
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فالحج ركن من أركان الإسلام , تهفو إليه القلوب المسلمة ، وتلبي له الأفئدة المؤمنة الموحدة على اختلاف أجناسها وتعدد ألوانها واختلاف قبائلها وأنسابها قائلة: لبيك اللهم لبيك,لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك؛ مستجيبة لذلك النداء الذي أذن به أبونا إبراهيم عليه السلام فجاءت قوافل المؤمنين من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت العتيق.
وأنت أيتها الأخت المسلمة هنيئاً لك هذه الاستجابة ، وإقدامك على هذه الطاعة وقد تركت خلفك الأهل والأصحاب والأولاد والأحباب طمعاً بما عند خالقك الوهاب التواب ورغبة في نيل عظيم الأجر والثواب ، وأملاً في التخلص من الذنوب والأوزار كما أخبر بذلك النبي المختار صلى الله عليه وسلم فقال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ).
وعوناً لك - أيتها الأخت - في حج مبرور موافق للسنة أحببنا أن نلخص لك بعض أحكام الحج التي تتعلق بالمرأة؛ وقد قمنا بجمعها وترتيبها من مصادر عدة ، قد يصعب على الكثيرات من النساء الرجوع إليها أو فهم عباراتها ولهذا خصصناك بهذه الرسالة بأسلوب بسيط وعبارة سهلة الفهم ، مكتفين بما تمس الحاجة إليه ، وما يتكرر السؤال عنه ، منبهين على بعض الأمور التي يحسن بالمرأة المسلمة أن تتنبه إليها .
أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا ، ويغفر ذنوبنا وأن يجعل حجنا حجاً مقبولا وسعياً مشكوراً إنه شكور غفور , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرسالة الأولى : قبل الشروع بالحج:
أولاً : هناك أمور لا بد من مراعاتها قبل الشروع بالحج:
استئذان الزوج :
أ- يستحب للزوجة أن تستأذن زوجها في حجة الفريضة ، فإن أذن لها وإلا خرجت بغير إذنه.
ولا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من حج الفريضة إذا تمت شروطه وتيسر لها فعله؛ لأن الحج يجب على الفور ولا يجوز تأخيره مع القدرة.(8/86)
أما في الحج النفل (أوالتطوع ) فللزوج أن يمنع زوجته من ذلك ولا يجوز لها الحج تطوعاً إلا بإذنه.
ب- ليس للوالد أو الأم منع ابنتهما من حج الفرض ، وليس للبنت طاعة والديها في ترك فرض الحج إذا تيسر لها وكان لها محرم.
وجود محرم:
من شروط وجوب الحج على المرأة وجود محرم لها ؛ إذ يحرم على المرأة أن تسافر بدون محرم، يستوي في ذلك المرأة الشابة والعجوز ، والجميلة والشوهاء ، وسواء كانت ستسافر في طائرة أم في سيارة ؛ لحديث ابن عباس إنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق عليه.
التوبة النصوح:
أيتها الأخت ,اعلمي أن الله لا يقبل الأعمال إلا من المتقين ولا تقوى لمن أصر على الذنوب والمعاصي فابدئي رحلتك مع الله بالتوبة النصوح وأقبلي عليه فإنه يفرح بتوبة عبده وأمته فرحا كبيراَ .
وأن من تمام توبتك أن تحرصي على اجتناب المحرمات القولية ,والفعلية كالغيبة والنميمة والتبرج وسماع ما حرم الله عليك سماعه من الأغاني وغيرها.
الإخلاص:
فكما أنه سبحانه لا يقبل الأعمال إلا من المتقين ، فهو سبحانه لا يقبلها إلا إذا كانت خالصة لوجهه الكريم.
فمن جاءت إلى الحج سمعة ورياءً فقد أحبطت أجرها وباءت بإثمها.
الوصية:
اكتبي وصيتك قبل أن تسافري إذا كان لك ما توصين به .
قال بعض أهل العلم:(إذا كان على المرأة ديون أو ودائع أو حقوق واجبة وليس هناك ما يثبتها إلا الوصية فيجب كتابتها ) أما الوصية من مالها فيستحب أن توصي بما لا يتجاوز الثلث.
تعلم أحكام الحج:
وهذا أمر مهم يغفل عنه الكثير من الناس عند أداء المناسك وهم يجهلون أحكامها مما يؤدي إلى ارتكاب المحظورات والوقوع في البدع والمخالفات ,وهذا التعلم لأحكام الحج واجب على من وجب عليه الحج والعلم يمكن أن يتم بالسؤال لأهل العلم أو القراءة في كتب مناسك الحج أو الاستماع لبعض الدروس والمحاضرات التي توضح الطريقة الصحيحة لأداء فريضة الحج.
التطعيم:
يجب على المسلمة أن تتوكل على الله في جميع أمورها صغيرها وكبيرها والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ، ومع هذا التوكل ينبغي أن تتخذي الأسباب التي جعلها الله سبباً في الوقاية من الأمراض والأوبئة ومن ذلك التطعيم ضد الحمى الشوكية وغيرها من الأوبئة التي ينصح الأطباء بأخذ التطعيمات ضدها.
ثانيا : حاجات يفضل اصطحابها معك:
أ- مصحف ليمكنك من قراءة وردك في المخيم أو في السيارة وخير ما يستغل فيه الوقت أثناء هذه الرحلة الإيمانية هو القراءة من كتاب الله عز وجل.
ب- مسجل صغير مع بطاريات ليمكنك من الاستماع إلى المحاضرات من خلاله في أوقات فراغك أو عند تنقلك بين المشاعر.
ج- أشرطة للقرآن الكريم والمحاضرات الإسلامية المفيدة.
د- لا بد أن يكون معك كتاب عن مناسك الحج حتى تتمكني من الرجوع إليه عند الحاجة.
الرسالة الثانية : محظورات المرأة في الإحرام:
محظورات قبل الإحرام وبعده:
هناك أمور محرمة على المحرم وغير المحرم ولكن حرمتها على المحرم أغلظ وآكد فيجب عليه أن يبتعد عنها ويتحرز عنها وأن يتحرز الوقوع فيها مثل الغيبة والنميمة والكذب وقول الزور وسماع المحرمات والنظر إلى المحرم والمشاتمة والمخاصمة والجدال والفسوق ، لذلك يستحب للمرأة قلة الكلام إلا فيما ينفع صيانة لنفسها عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحل فإن من كثر كلامها كثر سقطها؛ ولذا فإن المرأة المسلمة تشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
محظورات الإحرام:
أ- إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره.
ب- تقليم الأظافر.
ج- التطيب في البدن والثوب.
د- لبس النقاب والقفازين.
هـ -عقد النكاح.
و- الجماع ومقدماته من لمس بشهوة أو تقبيل أو غيره.
ز- التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح أو الإعانة عليه.
إذا فعلت المرأة شيئا من محظورات الإحرام:
إذا ارتكبت المرأة المحرمة شيئاً من المحظورات فلها ثلاث حالات :
1- أن تكون ناسية أو جاهلة أو مكرهة أو نائمة فلا شيء عليها لا إثم ولا فدية ول افساد نسك لقوله تعالى:{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [286:البقرة].
2- أن ترتكب المحظور متعمدة ولكن لعذر فعليها ما يترتب على فعل ولا إثم عليها لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }[196:البقرة].
أقسام المحظورات باعتبار الفدية:
أولا: ما لا فدية فيه وهو عقد النكاح.
ثانيا : ما فديته بدنة أو بقرة وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.
ثالثا : ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامه وهو قتل الصيد.
رابعا : ما فديته صيام أو صدقة أو نسك.
الرسالة الثالثة : لباس المرأة المحرمة:
المرأة تحرم بما شاءت من الثياب إذ ليس للإحرام بالنسبة للمرأة ملابس مخصوصة كما تظن بعض النساء ولكن يجب أن تتصف ثيابها بالصفات الشرعية :
كأن تكون فضفاضة غير ضيقة ، ومتينة غير شفافة ، والأفضل أن تكون غير لافته للنظر أي ليست بثياب زينة منعاً للفتنة عندما تختلط بالرجال في بعض المناسك.
* يحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين والنقاب ولكن إن مر بها الرجال الأجانب وجب عليها تغطية وجهها بغطاء الرأس.
* يحرم على المرأة المحرمة لبس الثياب المطيبة.
* يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس ما شاءت من ألوان الثياب كالأسود والأحمر والأصفر وليس للون الأخضر مزية على غيره من الألوان.
* للمرأة المحرمة أن تغير ثيابها التي أحرمت بها أو استبدالها بأخرى نظيفة.(8/87)
* يجوز للمرأة أن تلبس الجوارب وهي محرمة بل هي أفضل للمرأة وأستر لقدميها.
الرسالة الرابعة : كيف تعتمر المرأة وتحج ؟
أولا : مجمل الخطوات التي تتبعها المرأة التي تريد الحج متمتعة:
يستحب للمرأة قبل إحرامها بالعمرة أو الحج :
1- الاغتسال ولو كانت المرأة حائضاً أو نفساء.
2- التطيب في البدن قبل الإحرام.
3- التنظف بقص الأظافر ، ونتف الإبط ، وحلق العانة.
4- خضاب يديها بحناء.
وتحرم المرأة -بعد ذلك- بلباسها المعتاد فلها أن تحرم بما شاءت من الثياب المباحة ويحرم عليها تغطية وجهها بنقاب أو خمار أو ثوب وكذلك لا تلبس القفازين ولكن يجب عليها ستر وجهها عند وجود رجال أجانب بخمارها أو بثوب تسدله من على رأسها على وجهها درءً للفتنة كما كانت تفعل عائشة رضي الله عنها ونساء السلف.
وتحرم المرأة - كالرجل- من أماكن متعددة في الشرع لا يجوز تجاوزها لمن أرادت الحج أو العمرة إلا وهي محرمة و هذه الأماكن تسمى بالمواقيت ( المكانية) وهي : ذو الحليفة - رابغ ( وكانت قديما الجحفة ) - يلملم - قرن المنازل - ذات عرق.
والمرأة التي منزلها دون هذه المواقيت تحرم لحجها من منزلها مثل أهل مكة وجدة وأهل مكة يحرمون للعمرة من أدنى الحل خارج مكة.
يستحب أن يكون الإحرام عقب صلاة فرض أو تطوع والنية بالإحرام بالقلب.
ثم تنطق بما نوت من الأنساك فتقول التي أرادت التمتع: ( لبيك عمرة ) ثم تبدأ بالتلبية: (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) .
ويستحب الإكثار من التلبية ولكن لا ترفع صوتها بها إلا بقدر ما تسمع نفسها ورفيقتها التي بجانبها لأن أمور المرأة مبنية على أساس الستر لها وخفض الصوت هو الذي يتفق وهذا الأساس.
وبمجرد الدخول في الإحرام يحرم عليها عدة أمور تسمى محظورات الإحرام.
فإذا وصلت المحرمة إلى المسجد الحرام قدمت رجلها اليمنى في الدخول ودعت بدعاء دخول المسجد:
(بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) فإذا وصلت إلى الكعبة قطعت التلبية قبل أن تشرع بالطواف.
ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه إن تيسر لها استلامه فإن لم تستطع بدأت بالطواف بمحاذاته وتشير إليه قائلة: (بسم الله والله أكبر) ثم تجعل البيت عن يسارها وتطوف سبعة أشواط.
وإذا وصلت الركن اليماني استلمته إن تيسر لها استلامه وإلا مضت دون أن تشير إليه بيدها وتقول بين الركنين( اليماني والحجر الأسود ):
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [201 :البقرة].
وتدعو في سائر الأشواط بما أحبت ولو قرأت القرآن أو رددت بعض الأذكار فلا بأس.
إذا أكملت المحرمة طوافها جاءت إلى مقام إبراهيم وصلت ركعتين تقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}(1) سورة الكافرون وفي الثانية بعد الفاتحة{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(1) سورة الإخلاص فإن لم يتيسر لها صلاة الركعتين خلف المقام ففي أي مكان في المسجد.
تنبيهات حول الطواف:
يشترط لصحة الطواف الطهارة ( الكبرى والصغرى ) فلا يجوز للمرأة أن تطوف بالبيت وهي حائض أو نفساء أو بغير وضوء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد حاضت وهي في الحج: (افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) متفق عليه.
لا ترمل المرأة في الطواف ولا تضطبع ويستحب لها أن لا تدنو من البيت حال طواف الرجال وازدحامهم.
ثم تذهب إلى المسعى فإذا وصلت الصفا قرأت:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[158:البقرة],ولا تقرؤها إلا في هذا الموضع ثم تستقبل الكعبة وترفع يديها فتحمد الله وتدعو بما شاءت .
وكان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم:(الله أكبر(ثلاثا ) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ) ثم تتجه ماشية إلى المروة فإذا وصلت إلى المروة تكون قد أكملت شوطا وتستمر في سعيها بين الصفا والمروة سبعة أشواط وفي أثناء سعيها تقول ما أحبت من ذكر وقراءة قرآن ودعاء.
تنبيه:
لا يشترط الطهارة لصحة السعي ولكن تستحب.
لا تركض المرأة بين العلمين أو الميلين الأخضرين لأنها مأمورة بالاستتار .
وبعد الانتهاء من السعي تقصر المرأة شعرها قدر أنملة ( أي سنتمتر واحد تقريباً ) من جميع ضفائرها وبهذا تتحلل من عمرتها وتحل لها جميع محظورات الإحرام.
أعمال الحج:
في ضحى يوم التروية - وهو اليوم الثامن من ذي الحجة - تحرم المرأة بالحج من المكان الذي هي فيه وتفعل قبل الإحرام بالحج ما فعلته قبل إحرامها بالعمرة من الاغتسال والتطيب والتنظيف ثم تلبي بالحج وتقول :(لبيك حجا) ثم تبدأ بالتلبية:(لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك).
ثم تذهب إلى منى إن كانت خارجها فتصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قاصرة الصلاة الرباعية من غير جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا فإذا طلعت الشمس من يوم التاسع - يوم عرفة - سارت من منى إلى عرفة ويسن لها أن تنزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر ذلك ثم تتحول منها إلى عرفة وإلا مضت إلى عرفة ابتداءً فتقف فيها حتى الغروب وتصلي هناك الظهر والعصر جمعاً وقصراً.(8/88)
ولا يشترط للوقوف بعرفة الطهارة وقد وقفت عائشة بعرفة وهي حائض.
ثم تتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن والدعاء في يوم عرفة خير دعاء لقوله صلى الله عليه وسلم:
( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ويجب الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس لفعله صلى الله عليه وسلم هذا ولمخالفة أهل الجاهلية الذين كانو يدفعون (أي يغادرون) إلى مزدلفة قبل الغروب.
تنبيه :
من غادر عرفة قبل الغروب فعليه دم أي ذبح شاة كفارة تركه واجب البقاء بعرفة إلى غروب الشمس.
فإذا غربت الشمس غادرت عرفة متجهة نحو مزدلفة ملبية ذاكرة لله عز وجل فإذا وصلتها صلت المغرب والعشاء فيها قصراً وجمعاً.
الوقوف بمزدلفة مشروع في حق النساء كما هو مشروع في حق الرجال ولكن رخص للمرأة أن تخرج من مزدلفة بعد منتصف الليل إلى منى لترمي جمرة العقبة قبل الزحمة لحديث عائشة قالت:
(استأذنت سودة ( أم المؤمنين ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله - أي تخرج من مزدلفة قبل طلوع الفجر - وقبل حطمة الناس - أي زحمتهم - وكانت امرأة ثبطة فأذن لها ) ( ومعنى ثبطة : أي بطيئة الحركة لعظم جسمها).
لا بأس بخروج محارم المرأة ومن معه ضعفه - كالصبية أو المرضى وكبار السن - من مزدلفة قبل طلوع الفجر لحديث ابن عباس قال :
(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضعفة من جمع -أي مزدلفة - بليل ) رواه مسلم .
ما يفعله بعض العامة من لقط حصى الجمار من حين وصوله إلى مزدلفة قبل الصلاة واعتقاد كثير منهم أن ذلك مشروع فهو غلط ولا أصل له والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أن يلتقط الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر إلى منى ومن أي موضع لقط الحصى أجزأه ذلك ولا يتعين لقطه من مزدلفة بل يجوز لقطه من منى والسنة التقاط سبع في هذا اليوم يرمي بها جمرة العقبة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمى بها الجمرات الثلاث ولا يستحب غسل الحصى بل يرمى بها من غير غسل لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يرمى بحصى قد رمي به.
فإذا وصلت المرأة منى في يوم العاشر من ذي الحجة ويسمى يوم النحر وهو يوم العيد أتت جمرة العقبة -الجمرة الكبرى- فرمتها بسبع حصيات الواحدة تلو الأخرى سبع مرات ويستحب أن تكبر مع كل حصاة فتقول: ( الله أكبر) وتقطع التلبية مع ابتداء الرمي.
بعد رمي جمرة العقبة تنحر هديها -إن تيسر- وإلا وكلت محرمها أو غيره ولها أن تؤخر الذبح لأن مدة الذبح يمتد إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق في أصح أقوال أهل العلم فتكون مدة الذبح يوم النحر وثلاثة أيام بعده.
ثم تقصر من شعرها مقدار أنملة (سنتمتر واحد تقريبا ).
وبأدائها لهذا النسك تكون حل لها كل شيء من محظورات الإحرام إلا الجماع وهذا يسمى بالتحلل الأول.
ثم تذهب إلى مكة فتطوف بالبيت طواف الإفاضة وتصلي ركعتين خلف المقام وإلا في أي مكان في المسجد وتسعى بعد ذلك سعي الحج.
ثم ترجع إلى منى مرة أخرى إذ يجب المبيت بمنى في الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق أما ليلة الثالث عشر من ذي الحجة فالمسلم مخير بين التعجل وبين التأخر فيبيت ليلة الثالث عشر وهذا أفضل أجرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر.
وفي أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر (والثالث عشر لمن تأخرت ) ترمى المرأة الجمرات الثلاث بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات تكبر مع كل حصاة ويستحب لها أن تدعو بما شاءت بعد رميها للجمرة الصغرى والوسطى .أما إذا انتهت من رمي جمرة العقبة فإنها تمضي ولا تدعو عندها.
بعد انتهاء أيام الرمي سواء للمتعجلة أم المتأخرة يجب أن تأتي مكة فتطوف طواف الوداع إلا أنها إذا كانت حائضا أو نفساء سقط عنها طواف الوداع ولا شيء عليها ثم تنصرف راجعة إلى بلدها.
وبهذا تنتهي أعمال الحج للمتمتعة.
ثانيا : أعمال المتمتعة :
أعمال العمرة :
الإحرام من الميقات في أشهر الحج وتقول عند إحرامها (لبيك اللهم عمرة) .
عندما تصل مكة تطوف بالبيت سبعة أشواط مبتدئة بالحجر الأسود ثم تصلي بعد الطواف ركعتين خلف المقام.
السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط مبتدئة بالصفا.
التقصير : تقصر من شعرها قدر أنملة (1 سنتيمتر تقريباً )وبهذا تتحلل وتنتهي أعمال العمرة.
أعمال الحج:
يوم الثامن من ذي الحجة ( يوم التروية ) الإحرام بالحج من المكان الذي هي فيه وتقول: (لبيك اللهم حجاً).
يوم التاسع ( بعد الزوال ) الوقوف بعرفة حتى غروب الشمس.
يوم التاسع (ليلة العاشر من ذي الحجة ) البقاء في مزدلفة حتى منتصف الليل للنساء والضعفة.
يوم العيد (يوم النحر) رمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
ذبح الهدي.
التقصير من الشعر قدر أنملة.
طواف الإفاضة مع سعي الحج.
المبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ( لمن أرادت التعجل ) وليلة الثالث عشر (لمن أرادت التأخر) مع رمي الجمار الثلاث في تلك الأيام بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات.
طواف الوداع (المرأة الحائض يسقط عنها طواف الوداع).
انتهت مناسك حج التمتع.
ثالثا: أعمال الحج لمن أرادت نسك "الإفراد" أو القران:
لا تختلف أعمال " المفردة " عن أعمال "القارنة " إلا في أمرين:
النية : فتقول من أرادت الحج ( مفردة ) عند إحرامها : (لبيك حجا) أما ( القارنة) فتقول عند إحرامها : (لبيك عمرة وحجا) أو أنها تحرم بالعمرة ثم تدخل عليها الحج قبل طواف العمرة.(8/89)
الهدي : يجب على القارنة أن تذبح هديا فإن لم تستطع فتصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى أهلها إن لم تكن من أهل مكة.
أما المفردة فليس عليها هدي.
وإليك أيتها الأخت مجمل أعمال الحج لهذين النسكين:
الإحرام عند الميقات:
تقول القارنة : (لبيك اللهم حجاً وعمرة).
تقول المفردة : (لبيك اللهم حجاً).
طواف القدوم والسعي لمن أرادت أن تقدم سعي الحج (والبقاء على الإحرام وعدم التحلل منه حتى يوم العيد).
يوم التاسع (بعد الزوال) الوقوف بعرفة حتى الغروب.
يوم التاسع (ليله العاشر ) من ذي الحجة البقاء في مزدلفة حتى منتصف الليل للنساء والضعفة.
يوم العيد ( يوم النحر ) العاشر من ذي الحجة:
رمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
ذبح الهدي للقارنة.
التقصير من الشعر قدر أنملة.
طواف الإفاضة مع سعي الحج للتي لم تسع مع طواف القدوم.
المبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ( لمن أرادت التعجل ) وليلة الثالث عشر ( لمن أرادت التأخير ) مع رمي الجمار الثلاث في تلك الأيام بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات.
طواف الوداع.
انتهت مناسك الحج للقارنة والمفردة .
الرسالة الخامسة : المرأة الحائض في الحج:
لا تقلقي أيتها الأخت عند نزول دم الحيض وأنت في الحج فهذا شيء قد كتبه الله على بنات آدم .
وديننا - ولله الحمد - دين يسر ورفع للحرج ، وقد شرع للحائض أحكاماً تتناسب مع حالتها ووضع مناسك مراعاة لظروفها فلله الحمد والمنة .
وإليك جملة من الأحكام والفتوى قد تحتاجين إليها في حال حيضتك :
القاعدة التي ينبغي أن تعرفها كل امرأة هي : أن الحائض تفعل ما يفعله الحاج في جميع مناسك الحج إلا الطواف بالبيت فلا تطوف حتى تطهر.
لا حرج على المرأة أن تحرم بالحج والعمرة وهي حائض إذ أن الحيض لا يمنع انعقاد النية بالنسك.
يستحب أن تغتسل الحائض عند الإحرام.
لا حرج على المرأة الحائض أن تلبي وتقرأ الأدعية المكتوبة في كتب مناسك الحج ولا بأس أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب ( أي دون أن تمس المصحف ).
إن أحرمت امرأة بالعمرة وحاضت قبل أن تطوف فإنها تبقى على إحرامها بالعمرة فإن طهرت قبل اليوم التاسع (يوم الوقوف بعرفة وأمكنها إتمام عمرتها أتمتها ثم أحرمت بعد ذلك بالحج وذهبت إلى عرفة لإكمال بقية المناسك فإن لم تطهر قبل يوم عرفة فإنها تدخل الحج على العمرة فتقول: ( اللهم إني أحرمت بحج مع عمرتي ) فتصير قارنة وتقف مع الناس و تكمل بقية المناسك - كما يفعل الحاج - غير أنها تؤخر الطواف والسعي يوم العيد حتى تطهر فإن طهرت طافت طواف الإفاضة وسعت سعي الحج ويكفيها ذلك عن طواف وسعي المعتمرة وعليها هدي قران كما على المتمتع.
إذا حاضت المرأة قبل طواف الوداع سقط عنها طواف الوداع أما إذا حاضت قبل طواف الإفاضة فعليها أن تنتظر حتى تطهر فتطوف بالبيت وهي طاهر ولا يسقط عنها طواف الإفاضة بأي حال من الأحوال.
تنبيه :
إذا حاضت قبل طوافها الإفاضة فيجب عليها البقاء بمكة حتى تطهر وتكمل حجها ، فإن لم تستطع البقاء في مكة فلا مانع من سفرها مع محرمها إلى بلدها أو غيره ثم ترجع مع محرمها بعد الطهر لكي تكمل مناسك حجها ولكن لا يجوز لزوجها أن يقربها حتى تطوف طواف الإفاضة ( التحلل الثاني ).
إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة ولا تستطيع الانتظار ولا العودة مرة أخرى إلى مكة فماذا تفعل ؟
قال الشيخ ابن عثيمين: (إذا كان الأمر كما ذكر:امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف ففي الحالة يجوز لها أن تستعمل واحداً من أمرين : فإما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف وإما أن تتلجم بلجام يمنع سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة).
لا حرج في استعمال المرأة حبوب منع العادة الشهرية في أيام الحج لأن فيها فائدة ومصلحة حتى تطوف مع الناس وحتى لا تتعطل رفقتها بشرط السلامة من الضرر.
يجوز للمرأة الحائض أن تجلس في المسعى انتظاراً لرفقتها لأن المسعى لا يعتبر المسجد الحرام.
النفساء كالحائض فيما ذكرناه من الأحكام.
الرسالة السادسة : زينة المرأة في الحج:
لوحظ في هذه الأيام ما تفعله بعض النساء من الاهتمام بزينتهن أثناء فترة الحج ونظراً لما قد يقع من مخالفات ومحظورات في هذا الأمر نسوق هذا المبحث ولكن قبل ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالزينة لا بد أن تعلم المرأة المسلمة أنها جاءت إلى هذه البقاع الطاهرة المقدسة لكي تنشغل بعبادة الله والتقرب إليه بأداء مناسك الحج وغيرها من الطاعات والقربات , وقد قال تعالى:{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }[203:البقرة].
مما يعني أن المرء ينبغي أن يكون متصلا بالله عز وجل مشغولا بما يقربه من مولاه.
فإليك أيتها الأخت بعض الأحكام المتعلقة بزينة المرأة في الحج التي يجب على المرأة الالتزام بها:
يحرم على المحرمة أن تقص شيئا من شعرها سواء كان شعر الرأس أو غيره من شعر البدن فهي سواء في الحرمة.
يحرم على المحرمة أن تتطيب أو تلبس الملابس المطيبة أو تدهن بدنها بدهن مطيب.
يجوز للمرأة أن تحرم وبيدها أسورة ذهب أو خواتم ونحو ذلك ويشرع لها ستر ذلك عن الرجال غير المحارم خشية الفتنة بها.
يكره للمحرمة أن تكتحل بالإثمد أو الاسوداد لورود بعض الآثار في كراهية اكتحال المحرمة بهما إلا لحاجة أما من أجل الزينة فينبغي للمحرمة أن تتجنبه فإن اكتحلت المحرمة بهما فلا فدية عليها.
الرسالة السابعة : المرأة وأطفالها في الحج:
قد تصطحب بعض النساء أطفالهن معهن إلى الحج ولذلك أحببت أن نلخص جملة الأحكام المتعلقة بحج الصغار واعتمارهم:
من هم الصغار؟(8/90)
نقصد بالصغار الأطفال من الذكور والإناث الذين لم يبلغوا الحلم أي لم يبلغوا سن البلوغ.
يصح حج الصبي والصبية ولكن لا يجزئهما عن حجة الإسلام .
يفعل بالصغير في الإحرام ما يفعله الكبير في إحرامه فيجرد الصغير مما لا يجوز لبسه بالنسبة للرجال إن كان ذكرا وتجرد مما لا يجوز لبسه بالنسبة للنساء إن كانت أنثى.
يصح الإحرام عن الطفل ( ذكراً كان أم أنثى ) من قبل وليه ولو كان الولي محرما وسواء حج عن نفسه أو لم يحج بعد حجة الإسلام الواجبة عليه.
كل ما يمكن للطفل فعله من أعمال الحج بنفسه لزمه فعله ولا ينوب غيره عنه فيه كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ونحوهما وما عجزعنه قام الولي نيابة عنه مثل التلبية والرمي .
ولكن من أراد أن يرمي عن الصبيان فلا بد أن يرمي عن نفسه أولا ثم يرمي عنهم ثانيا.
بالنسبة للطواف إن أمكن للصغير المشي مشى وطاف بنفسه وإلا طيف به محمولاً أو راكباً ولا فرق بين أن يكون الحامل له محرما أو غير محرم أسقط الفرض عن نفسه أم لم يسقطه.
الرسالة الثامنة : محظورات شرعية:
احذري من التبرج ولتكن ثيابك سابغة ساترة بدنك ,ومتى ما مر بك رجال أجانب وجب عليك ستر الوجه ولو كنت محرمة.
احذري الاختلاط بالرجال الأجانب في جميع مناسك الحج - قدر الإمكان- واجتهدي في أداء المناسك في الأوقات التي يقل فيها الزحام نسبياً مثل الرمي في المساء.
احذري الابتداع في الدين وتقليد الجهلة في أخطائهم وعليك أن تتعلمي أحكام النسك الذي تريدين أداءه قبل القيام به ؛ولذا ننصحك باقتناء أحد كتب المناسك.
احذري الغيبة والنميمة والجدل وكثرة الكلام في أمور الدنيا ، خاصة وأنت في هذه البقاع الطاهرة والأيام الفاضلة فأكثري فيها من الذكر والدعاء.
احذري الطواف بالبيت وأنت على غير طهارة كما يحرم عليك دخول المسجد وأنت حائض أو نفساء أو جنب ولا يمنعك حياؤك أن تخبري محرمك بذلك.
احذري إضاعة الوقت فيما لا ينفع ولا تكثري من التجول في الأسواق فإن كان و لا بد للحاجة فاحرصي على قضائها بأسرع وقت وليكن محرمك معك.
احذري التكبر على أخواتك المسلمات والسخرية منهن وتعرفي على النساء الصالحات معك في المخيم وطدي صلتك بهن لكي يكن عوناً لك على طاعة الله.
احذري التسخط والتبرم والتشكي من متاعب المناسك ومصاعب الحج واعلمي أنك في جهاد تؤجرين عليه بتكفير السيئات ورفع الدرجات.
احذري الاغترار بما أديت من الطاعات والتفاخر بما عملت من القربات واعلمي أن الرياء محبط للعمل.
الرسالة التاسعة :دروس تربوية ونصائح إيمانية:
أيام الحج فرصة كبيرة لطرح هذه النصائح الإيمانية والتذكير ببعض اللفتات التربوية في مجالس النساء ومخيماتهن:
الدرس الأول: كيف تقضي المرأة وقتها في بيتها ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيتها الأخت المسلمة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛وبعد :
فاعلمي أن الوقت نعمة لمن شغله بالصالحات ونقمة لمن جعله سياحة في دنيا المنكرات والمحرمات ، وحجة على من هدره بالسفاسف والترهات ، حيث قضى الليالي والأيام في اجتماعات اللهو الآثمة وسماع الأغاني الماجنة ورؤية الأفلام المحرمة.
والمسلمة تدرك بلا شك أنها مسؤوله بين يدي ربها عز وجل عن وقتها وعن شبابها ؛ ولذا فإن الأخت المسلمة حريصة أشد الحرص على استغلال وقتها وحسن استثماره.
لذا أحببت أن أذكر ببعض الوسائل التي تستثمرين بها وقتك في بيتك ومنها:
أولاً:
المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والإكثار من السنن والنوافل.
ثانياً:
القيام بالواجبات الزوجية وتأدية المسئوليات الأسرية.
ثالثاً:
القراءة في الكتب الإسلامية للتفقه في الدين وعبادة الله تعالى والدعوة إليه على بصيرة.
رابعاً:
المتابعة لأحوال المسلمين في العالم من خلال الاطلاع على بعض المجلات ذات الصبغة الإسلامية.
خامساً:
الاستماع إلى تلاوة كتاب الله ودروس المشايخ والدعاة من خلال الشريط الإسلامي وإذاعة القرآن الكريم.
سادساً:
العكوف على كتاب الله حفظاً وتفسيراً مع الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن بالاتفاق مع أخواتك الطيبات ليكون ذلك عونا لك على الاستمرار في الحفظ.
سابعا:
صلة الأرحام بواسطة الهاتف والسؤال عن أحوالهم وإدخال السرور إلى قلوبهم بالكلمة الطيبة لتقوى الألفة وتتوثق عرى المحبة.
ثامنا:
إتقان بعض فنون التدبير المنزلي ,وأهمها الطبخ والخياطة ، فالمرأة الصالحة تحسن القيام بشؤون بيتها وتتقنها.
تاسعا:
إعداد المسابقات الثقافية والتربوية المفيدة ومن ثم طرحها على الأخوات أو الأبناء لتستجم النفوس وتنبسط القلوب.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكن من الذين وفقهم الله للعمل بطاعته وجنبهم معصيته والحمد لله رب العالمين.
الدرس الثاني : كيف تكون زيارتك هادفة ؟
إن الكثير من اللقاءات بين النساء تحولت إلى مباريات في أفضل طعام يقدم وأحسن بدلة ترتدي وأجمل حلي يلبس , إضافة إلى ما يدور في تلك اللقاءات من غيبة ونميمة ولغو وثرثرة ناشئة من الفراغ وضعف الإيمان , وهذا وغيره يجر إلى مفاسد عظيمة من إضاعة للأوقات وهدر للجهود والطاقات وتبديد للأموال وتضييع للأمانات ؛ ولذا أضع بين يديك بعض الوسائل والأساليب التي تجعل من زيارتك هادفة:
أولا:
المناصحة في مجال تربية الأبناء والاستفادة من الخبرات والتجارب العملية في ذلك.
ثانياً:
الإصلاح بين المؤمنات فإذا حصلت جفوة بين القلوب جاءت الزيارة الهادفة كي تصلح بين القلوب المتنافرة وتغسل ما أصابها من نزغات الشيطان بالتذكير بأجر من كظم غيظه وعفا عن الناس.
ثالثا:(8/91)
القراءة في بعض كتب أهل العلم فيخصص جزء من وقت اللقاء للقراءة على الزائرات بعض الفوائد الإيمانية والنكات العلمية.
رابعاً:
المناصحة والمشاورة في أمور الدعوة , فالمرأة المسلمة ينبغي أن يكون لها دور بارز في الدعوة في صفوف النساء ؛ولذا فإن عليها أن تتعاون مع بعض أخواتها على عقد لقاء دوري يتشاورن في كيفية الدعوة وسبل نشرها وتطوير وسائلها وتقويم أساليبها.
خامساً:
المسابقات الثقافية والتربوية من أفضل الوسائل لاستغلال أوقات اللقاءات وخصوصا المسابقات الإيمانية وطرح الأسئلة التربوية على الزائرات.
سادسا :
الاستماع إلى محاضرة مسجلة ثم النقاش في عناصر هذه المحاضرة مع إهداء شريط مناسب ليكون محل نقاش اللقاء القادم.
سابعا:
الاطلاع على المجلات ذات الصبغة الإسلامية ؛ لأن العديد من المجلات خصصت بعض صفحاتها لعرض موضوعات تخص النساء ؛ لذا يمكن للأخوات أن يخصصن جزءاً من وقت زيارتهن لإلقاء الضوء على موضوعات مثل هذه المجلات.
ثامنا :
المناصحة في شؤون البيت وطرق تنظيمه وترتيبه واكتساب الخبرة في حسن تدبيره مع التحذير من الإسراف والترف والتفاخر والغرور بمتاع الدنيا.
تاسعا:
المناصحة في طرق العلاقات الزوجية وما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة في تعاملها مع زوجها مع التحذير من كشف أسرار الزوج ونشر عيوبه.
أيتها الأخت المسلمة هذه بعض الوسائل والأساليب التي تجعل من زيارتك هادفة ، والحرة تكفيها الإشارة ومما تجدر الإشارة إليه ويتأكد التنبيه عليه أن هذه الوسائل والأساليب لن تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها إلا إذا أعددت لها عدتها قبل موعد الزيارة.
فعليك أن تهتمي بما ستنفعين به أخواتك المؤمنات في اللقاء اهتماما يفوق اهتمامك بجمال فستانك وأناقة مظهرك.
أسأل الله أن يحفظك ويرعاك ويثبتنا وإياك على الحق والحمد لله رب العالمين.
الدرس الثالث: توجيهات في تربية الأبناء:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ؛ وبعد :
أيتها الأخت المسلمة : إن تربية الأبناء مهمة جليلة وأمانة عظيمة ستسألين عنها بين يدي ربك عز وجل ؛ ولهذا فإنا نهديك هذه التوجيهات لعلها تكون عوناً لك في أداء هذه الأمانة:
كوني قدوة صالحة لأبنائك فإذا وعدت فأنجزي وإذا قلت فاصدقي.
تفرغي لتربية أبنائك وقومي بجميع مسؤولياتك وواجباتك نحوهم و لا تنشغلي عنهم بالحفلات المسائية والمكالمات الهاتفية والتجول في الأسواق التجارية وإياك وتركهم للخادمات.
بادري في تقويم سلوك أبنائك وتأديبهم منذ نعومة أظفارهم حتى لا يشبوا على مساوئ الأخلاق فيصعب علاجها بعد ذلك وقد درجوا عليها.
طهري لسانك من السباب والشتم واللعن واعلمي أن أبناءك سيحفظون تلك العبارات وسيرددون تلك الكلمات.
احذري الدعاء على الأبناء عندما يقعون في الخطأ وليكن دعاؤك لأبنائك بالهداية هو ديدنك واعلمي أن الدعاء على الأولاد منهي عنه شرعا.
الضرب إنما جاز لضرورة فاستخدميه بقدر الضرورة ولا تجعليه وسيلة لشفاء غيظك وتنفيس غضبك.
وجهي أبناءك حال فراغهم وساعديهم في الإفادة من أوقات الفراغ بالنافع المفيد والعمل الصالح الرشيد كحفظ كتاب الله والتدرب على المهارات العلمية والأدبية.
أرشدي أبناءك لصحبة الأخيار وحذريهم من صحبة الأشرار واعلمي أن الصحبة لها أثر كبير في صياغة شخصية الأبناء و سلوكياتهم فالمرء على دين خليله والصاحب ساحب .
أبعدي عن أبنائك المجلات الساقطة والأفلام الهابطة والأغاني الماجنة مع متابعتك الدائمة لما يقرؤونه أو يسمعونه أو يشاهدونه عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوجيههم ونصحهم.
الدرس الرابع :احذري الشرك !!
المرأة المسلمة تشهد أن لا إله إلا الله وتعمل بمقتضاها وتتجنب نواقضها.
ومن النواقض :
الاستهزاء بشيء من دين الله:
إذ أن الاستهزاء بالله ورسوله أو سنة رسوله كالحجاب أو اللحية كفر وردة يخرج الإنسان به من الإسلام ولو كان على سبيل المزاح لقوله تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[66:التوبة] .
المرأة المسلمة توالي من والى الله وتعادي من عادى الله ورسوله والمؤمنين ,وتحب أهل الطاعة لطاعتهم وتبغض أهل المعصية بقدر معصيتهم.
والناس عند الأخت المسلمة ثلاثة:
القسم الأول : من يحب محبة خالصة لا معاداة معها وهم المؤمنون الخلص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
القسم الثاني : من يبغض ويعادي بغضا ومعاداة خالصين لا محبة معهما وهم الكفار الخلص على مختلف أجناسهم.
القسم الثالث : من يحب من وجه ويبغض من وجه وهم عصاة المؤمنين.
المرأة المسلمة تعتقد وتؤمن بأن الأمة لو اجتمعت على أن تضرها بشيء لم تضرها إلا بشيء قد كتبه الله عليها ولو اجتمعت على أن تنفعها بشيء لم تنفعها إلا بشيء قد كتبه الله لها.
لذا فإذا حلت بدارها مصيبة أو نزلت بساحتها شدة لجأت إلى الحي القيوم لأنها تعلم بأنه لا يكشف ضرها أحد إلا الله.
المرأة المسلمة تتجنب ما ينافي التوحيد من التمائم الشركية والرقى غير الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من علق تميمة فلا أتم الله له ).
وتعتقد أن الذي يحبب المرأة إلى زوجها هو الله وحده وهو وحده بيده قلوب بني آدم يقلبها كيف يشاء , وأما ما يصنعه المشعوذون والسحرة من أشياء يزعمون أنها تحبب المرأة إلى زوجها فهذا شرك والعياذ بالله.
الرسالة العاشرة:
إنه الخوف من عدم القبول:
أيتها الأخت الفاضلة :(8/92)
إنها والله نعمة عظيمة أن وفقك الله لأداء فريضة الحج والإقبال عليه بالذكر والدعاء في هذه البقاع المقدسة والأيام الفاضلة , ولكن هناك ثمة هم يعتلج في قلوب المؤمنين ألا تعرفين ما هو ؟ إنه الخوف من عدم القبول !!
فكم من الناس ليس له من حجه إلا المشقة والتعب ؟! وكم منهم من قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لا لبيك ولا سعديك وحجك مأزور لا مأجور.
ولهذا كان السلف يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل أم لا ؟ ولهذا قال علي رضي الله عنه : (كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل).
أختي في الله : أن من أهم علامات قبول العمل:
التوبة النصوح من جميع الذنوب الماضية والعزيمة الصادقة على الاستقامة على الطاعة في الأيام القادمة فما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها , وما أقبح السيئة بعد السيئة تمحقها إثرها .
أيتها الأخت الكريمة : إنك اليوم تتقلبين في عز الطاعة , فاحذري أن تتردي غدا في ذل المعصية وتسقطي في هوان الغفلة.
يا حفيدة عائشة :
أنت أرفع قدراً من موضة وافدة وأسمى منزلة من تمثيلية هابطة وأجل شرفاً من مجلة ساقطة , كما إن سمعك والله أطهر من أن تلوثه نغمات موسيقية أو نزغات شيطانية.
يا حفيدة عائشة :
أبناؤك أمانة في عنقك فربيهم على الإيمان واغرسي فيهم حب الله ورسوله , وجنبيهم المنكرات وحذريهم من رفقة السوء.
يا حفيدة عائشة :
إن زوجك يحب أن يراك زوجة صالحة , إذا نظر إليك سررته وإذا أمرك أطعته كما أن من حقه عليك أن تأمريه بالمعروف وتدليه عليه وتنهيه عن المنكر وتحذريه منه.
يا حفيدة عائشة :
إن الصاحب ساحب ؛ فأحسني اختيار من تصحبين ولتكن من الصالحات العابدات واحذري صحبة العابثات الغافلات ولو كن أقرب الناس إليك.
وأخيراً :
أتركك في رعاية الله وحفظه , فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ، سائلا الله عز وجل أن يتقبل منك حجك ويثيبك على سعيك وأن يغفر ذنبك والحمد لله رب العالمين.
============
أعذار المتقاعسين
اسم الكاتب : د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لست هنا أريد أن أكتب بحثاً فأضعُ فصولاً وأبواباً، وأطراً وحدوداً للبحث، وإنما أريد أن أتناول موضوعاً عملياً كثيراً ما نلاحظه في حياة جمع من المسلمين على مختلف مستوياتهم، وقد يشكو منه البعض، ولا يحس به البعض الآخر؛ ولهذا لن أتحدث عن تعريف التقاعس أو تعريف الفتور وتقسيماته، وإنما حديثي هو سبر ومتابعة وملاحظة للذين يتساقطون في ثنايا الطريق عن متابعة أمر الدعوة والمشاركةِ فيها،ويبررون لأنفسهم، ويرون أن أعذارهم وجيهةٌ ومقبولة ويعذرون بها بين يدي الله عز وجل.
فهذه الأعذار التي جمعتها مبنيةٌ على المتابعة والحدس، ولا أشك أنه قد فاتني الشيء الكثير من الأسباب والعلل التي عاقت أولئك النفرَ عن متابعة الطريق.
أعذار المتقاعسين أو القاعدين:
1- التعللُ بكبر السن كأن يقول أحدهم: كبر سني ورق عظمي ويكفي ما قدمت، ويتصور هذا الأخ أن الدعوة يعتريها التقاعدُ والإحالةُ على المعاش, أما علم أن القافلةَ ساريةٌ ونهايتها الجنة، فإن تقاعد عنها فلا يلتفت إليه، وأنه ليس سنٌّ محددةٌ للعمل الصالح.
قال تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(99) سورة الحجر
قال الحسن البصري : لم يجعل الله للعبد أجلا في العمل الصالح دون الموت.
قال الإمام الشافعي : طلبُ الراحة في الدنيا لا يصلحُ لأهل المروءة، فإن أحدَهم لم يزلْ تعبانا في كل زمان.
قيل للإمام أحمد : متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة.
ونظرة في سير الأنبياء نجد أنهم لم يبعثوا إلا بعد الأربعين، وما زالوا في دعوتهم حتى الموت، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه طعن ورأى الموت، ومع ذلك لم ينقطع عن العمل بل إنه ليواصلُ عملَهُ في صالح المسلمين وجرحُهُ يثعبُ دماً، فقد اختار مجلس الشورى ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وجاءه ذلك الشاب لزيارته فأنكر عليه ما رأى من الإسبال.
2- البعضُ ينشغلُ في طلب الرزق ويُذهِبُ جلَّ وقته فِيه ويتعللُ بقلة ذات اليد وحاجةِ الأولاد, ونسي أن رزقه مكفولٌ له، وأن طلبَ الرزق لم يمنع الصحابةَ والتابعين وسلفَ الأمة من الدعوة والمساهمة في طرق الخير والإصلاح.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن روحَ القدسِ نفثَ في رُوعي أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاءُ الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينالُ إلا بطاعته).
قال ابن القيم : لابد في قبول المحل لما يوضع فيه أن يفرغ من ضده، فقبولُ المحل لما يوضعُ فيه مشروطٌ بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقادِ الحق ومحبتِهِ موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شَغلُها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغلُهُ بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره.(8/93)
قال عبد الله : حدثني أبي حدثنا سيار حدثنا جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج هم الدنيا من قلبك.
3- الانشغال بالوظيفة فيذهبُ زَهرةُ وقته فيها، ويعتذر بأنه لا يستطيع أن يشاركَ في خير ما دام عملُهُ هكذا، أو يجير وظيفتَهُ ويحسبُها في إطار الدعوة ويخادع نفسه بذلك، وهو لا يقدم شيئا من الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولاشك أن الوظيفة من وسائل الدعوة إن استغلها ووظفها في ذلك.
قال سفيان بن عيينة : من أصلح ما بينه وبين الله: أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه.
4- يقول البعض بأنه فاته القطارُ، وتجددت الوسائلُ وتغير الزمانُ، وأصبح لا يحسن العملَ في هذه الظروف!
وهذا لضعفِ الشعورِ بالمسؤوليةِ، وتبلدِ الإحساس، وتجمدِ الحماس.
عن مالك بن دينار قال : إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله.
ولو كان قلب هذا يغلي أو فيه هم للآخرة لعرف كيف يخدم دينه.
5- إفساح المجال للآخرين: هذه يتعلل بها كثير من المتقاعسين وكأن المجال فيه ازدحامٌ، حتى أصبح هو عقبةً في طرقِ الخير، وليت هذا الأخَ أفسحَ المجالَ للآخرين في طلب الرزق والوظيفة والتي عليها قطاراتٌ من الناس ينتظرون وظيفتَهُ تشغر!.
قال تعالى :{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (26) سورة المطففين
وكان عمر رضي الله عنه يحاول جاهداً مسابقة أبي بكر رضي الله عنه في الخير.
6- التعذر بعدم البرامج والخُطط، وإلقاءُ اللوم على العلماء والمشايخ في ذلك وينتظر منهم كل شيء.
ولا يفكرُ أن يضعَ برنامجاً أو خطة في محيطِهِ الصغيرِ الذي يعايشه في حيه أو موقع وظيفته، فيجلس ينتظر البرنامج بزعمه، بينما لو أراد أن يبني بيتاً لعمل لذلك خططاً تجريبية لا تحصى، وقد قيل: الجالسون الخاملون لا تنتظر منهم أفكاراً جديدة في تطوير الأساليب والوسائل الدعوية، ومن ظن ذلك فقد اعتمد على الأوهام والأحلام، إن الذي لا يعيشُ همَّ الدعوة وينامُ ويستيقظُ عليها محال أن ترد عليه أفكارٌ في تطويرها والرفع من شأنها : ليست الثكلى كالمستأجرة.
7- الانشغال بنقد الآخرين بأن هذا لا يحسن أن يلقي درساً، وذاك لا يعرف أن يكتب مقالاً، وفلان لا يصلح أن يشرف على عمل... الخ.
قال الحسن البصري في وصف أناسٍ مثل هؤلاء لما وجدهم قدِ اجتمعوا في المسجد يتحدثون : إن هؤلاء ملوا العبادة ووجدوا الكلامَ أسهلَ عليهم وقلَّ ورعُهم فتحدثوا.
وقال الوليد بن مزيد: سمعت الأوزاعي يقول: إن المؤمنَ يقولُ قليلاً، ويعملُ كثيراً، وإن المنافقَ يتكلمُ كثيراً، ويعملُ قليلاً.
8- إبرازُ الشخصياتِ المتقاعسةِ وتعليلُ النفس بهم، وأنه ليس الوحيدَ في هذا المجال.
ونسي هذا الأخ بأنه يدفن وحدَه ويبعثُ يوم القيامة وحده وسيقفُ بين يدي الله وحده، فيومئذ: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} نسي هذا أنه في مضمار مسابقة.
وقد لام الله تعالى القاعدين فقال سبحانه: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم}.
قال إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد: ولقد صحبته عشرين سنةً صيفاً وشتاءً وحراً وبرداً وليلاً ونهاراً، فما لقيته في يوم إلا وهو زائدٌ عليه بالأمس.
قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاعُ اللهُ فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعةُ صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجَنَازة، أو قاعداً في المسجد، وكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله.
9- الحساسيةُ المرهفةُ من النقدِ أو اللومِ، فالبعض لا يريدُ أن يلامَ أو يحاسبَ، أو ينتقدَ، فإذا واجه ذلك تأثرَ وانقطعَ عن العمل، إما بالشعور بالإحباطِ بأنه لا يحسنُ، أو أنه وصل إلى مقامٍ لا ينبغي أن ينتقدَ، أو أن مثلَ فلان كيف يوجهُهُ وينتقدُهُ.
وهذا عمر بن عبد العزيز ـ الخليفة الراشد، التابعي العالم، الزاهد التقي، الإمام القرشي ـ يقول لمولاه مزاحم: إن الولاةَ جعلوا العيونَ على العوام، وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تَربأُ بي عنها، أو فعلاً لا تحبُّه، فعظني عنده، وانهني عنه.
قال بلال بن سعد لصاحبه: بلغني أن المؤمن مرآةُ أخيه، فهل تستريبُ من أمري شيئاً؟
قال ميمون بن مهران: قولوا لي ما أكرهُ في وجهي، لأن الرجلَ لا ينصحُ أخاه حتى يقولَ له في وجهه ما يكره .
10- قد يتساقط أناسٌ بسبب أنه لا يذكرُ عملُهم أو ينوهُ به أو يحمدون عليه، وكأن عملَهم للناس، كأن يقول: ليس هنا أحدٌ يقدرُ الجهودَ أو ينظر في النتاج، أو يحترمُ العاملين، وما عندنا أحد ينزلُ الناسَ منازلَهم!!
وصدق الربيع بن خيثم رحمه الله حيث قال: كل ما لا يراد به وجهُ الله: يضمحل.
وقال ابن الجوزي : والصدقُ في الطلب منارٌ أين وجد يدلُّ على الجادة وإنما يتعثرُ من لم يخلص.
11- تفريغُ الطاقة في التناجي بأن يناجي شخصاً بأن شيخَه ليس مؤهلاً، أو ليس عندَه برامجُ تواكبُ التطور، أو لا جديدَ عنده، فإذا وافقه صاحبُهُ على ذلك انتقل إلى آخر فيحدثه بمثل ذلك الحديث.
وليس عنده بدائل يطرحُها ولا برامجُ يقترحها، وإنما حمله الحسدُ أو السآمةُ من العمل، أو حبُّ الرياسة والظهور، أو لا يريد أن ينقطعَ عن القافلة وحده.(8/94)
قال السري السقطي البغدادي: ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب والرياسة من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس.
وتنافر القلوب لا يتعدى الأسباب التالية: فلتةُ لسان، أو هفوةٌ لم تغتفر، أو ظنٌّ متوهم.
قال ابن القيم رحمه الله: من قواعد الشرع، والحكمة أيضاً، أن من كثرت حسناتُه وعظمت، وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهرٌ، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، وعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماءِ القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث.
12- التنقلُ في الأعمال الخيرية على هيئة المذواق، كلُّ يوم في عمل، وله كل يوم منهجٌ وطريقةٌ، يمدح ذاك العملَ حيناً، ثم ينتقل إلى غيره مقدماً الجديدَ عليه حيناً آخر، وفي الأخيرِ يسقط لأنه لا يرضيه شيءٌ وقد جرب كلَّ ميدان,ولو أخذ ما يناسبه والأفضلَ في حقه لنال خيراً كثيراً.
قال ابن القيم: وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطنُ له: وهو أنه قد يكون العملَ المعيَّنُ أفضلَ منه في حق غيره، فالغني الذي بلغ له مالٌ كثيرٌ ونفسُه لا تسمحُ ببذل شيء منه فصدقتُه وإيثارُه أفضلُ له من قيام الليل وصيام النهار نافلة، والشجاع الشديد الذي يهاب العدوُّ سطوتَهُ: وقوفُهُ في الصف ساعة، وجهادُهُ أعداءَ الله أفضلُ من الحج والصوم والصدقة والتطوع.
والعالمُ الذي قد عرف السنة، والحلال والحرام، وطرقَ الخير والشر: مخالطتُهُ للناس وتعليمُهم ونصحهم في دينهم أفضلُ من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.
ووليُّ الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُهُ ساعةً للنظر في المظالم وإنصافِ المظلومِ من الظالم وإقامةِ الحدود ونصرِ المحقِّ وقمعِ المبطل أفضلُ من عبادة سنين من غيره، ومن غلبت عليه شهوةُ النساء فصومه له أنفعُ وأفضلُ من ذكر غيره وصدقته.
13- التنقل بين الشيوخ أو الجماعات أو الأفكار.
قال عمر بن عبد العزيز: ومن جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل فيملُّ فيتركُ الخيرَ كله، أو يصابُ بشكوك واضطراب في آرائه وأفكاره وتوجهاته، فيصبح يشك في كل من حوله.
فالثباتُ على منهج سليم فيما يعود على الإنسان من خيري الدنيا والآخرة يقي الإنسانَ من التردد والتغيرِ والتنقلِ والحيرة.
فإذا علمت أنك على الحقِّ ومتمسكٌ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومتبعٌ لمنهج السلف الصالح فلا يضيرك مخالفةُ غيرك, ولا يضعفك عن مسيرك فتنةٌ، ولا يوقفُك عنه ابتلاء.
14- الخوف والهلع من المخلوقين؛ فتتحول مراقبتُهُ وخوفُهُ ورجاؤه إلى الخلق، ويوسوس له الشيطان في كلِّ عمل أو حركةٍ بأنه مؤاخذٌ به ومؤدبٌ عليه، فيترك كثيرا من الأعمال الصالحة، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر؛ فتتطبعُ نفسُه على ذلك.
قال ابن القيم : ومتى شهد العبدُ أن ناصيتَه ونواصي العباد كلِّها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرفُ فيهم سواهم، والمدبر لهم غيرُهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقرُهُ وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له، متى شهد الناسَ كذلك لم يفتقر إليهم، ولم يعلق أملَهُ ورجاءَهُ بهم، فاستقام توحيدُهُ وتوكلُهُ وعبوديتُهُ.
إن من غفلتِكَ عن نفسك، وإعراضِك عن الله، أن ترى ما يسخطُ اللهَ فتتجاوزه، ولا تأمرَ فيه ولا تنهى عنه، خوفاً ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
15- ضعفُ الصلة بالله تعالى: فيقلُّ نصيبُهُ من نوافل الصيام والصلاة والصدقة، فإذا قل زادُهُ وانتهى وقوده تعطل من العمل، ولهذا كان السلف الصالح من أحرص الناس على تربية أنفسهم على التزود من الطاعات.
قال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله حتى تطلع الشمس.
وقال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعاً في المحمل في ليل ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم استند إلى القتب.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا بشر بن المنذر قال: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع.
16- الزواجُ وكثيراً ما يقع لمن تأخر عن الزواج أو من يعدد بعد زوجة تؤذيه، فينشغلُ بلذة الشهوةِ عن الدعوة.
عن جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: ينطلق أحدهم فيتزوج ديباجةَ الحرم، قال: وكان يقال في زمان مالك ديباجةُ الحرم أجملُ الناس، وخاتونَ امرأةَ ملك الروم، أو ينطلق إلى جارية فقد سمتها أبواها وترفوها حتى كأنها زبدةُ فيتزوجها، فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خماراً حسني، وأي شيء تريدين؟ فتقول: كذا وكذا، قال مالك: فتمرط والله دينَ ذلك القارئ ويدع أن يتزوج يتيمةً ضعيفةً فيكسوها فيؤجر.
17- عدم التوازنِ في جوانب العبادةِ وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه فينشغل بجوانب الخير وطرقه، وينسى بعضَ الواجبات عليه، أو يغفلُ عنها، أو يهملها، أولا يلقي لها بالا,وفجأة يرى نفسه مثلا مفرطاً في بر الوالدين وصلة الأرحام، أو يرى نفسه مفرطاً في جانب ولده وأهله، وأنه لم يقم بتربيتهم على الوجه المطلوب، أو غير ذلك من الأمور فيحمٍلُ ذلك على انشغالِهِ بالدعوة فيفتر ويتركها, ولو أن هذا الأخَ وازنَ بين الواجبات والمستحبات، وأعطى كل ذي حق حقه ونصيبَهُ، ما ترك شيئا من طرقِ الخير وأهملَهُ.
18- دخولُهُ في عمل لا يتلاءمُ مع شخصيته وتكوينه وطاقاته وقدراته، فيفشلُ فيصاب بإحباط فيدع العمل، ولا يحاول التغيير.(8/95)
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قيمةُ كل امرئ ما يحسنه.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ـ متباينين في الطاقات والقدرات، وكل أخذ بالعمل الذي يحسنه، وما رؤي أحد منهم عاطلاً عن العمل، فخالد سيف الله المسلول، وأقرؤكم أُبَي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل.
وهذا أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ من أكبر المؤثرين في الدعوة، حتى أسلمت جلُّ غفار على يديه، ومع ذلك لا يصلح للإمارة كما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
19- يريد عملاً يتوافق مع خواطره وتخيلاته، وهذا العمل غيرُ متمثل في واقعه، أو غيرُ ممكن تطبيقه, فتتحول نظراتُهُ وخواطرُهُ إلى خيالات مثالية، ويعتذر بها عند كل من يطلب منه أن يشارك في خير، أو إصلاح.
وقال ابن مسعود: إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعينه وعلّمه فيما ينفعه.
قال زيد بن علي لابنه: يا بني اطلب ما يعنيك بترك ما لا يعنيك فإنه في تركك ما لا يعنيك دركاً لما يعنيك، واعلم أنك تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما أخرت فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبداً.
20- استعجالُ الثمرة واستبطاءُ الطريق:
ونسي أنه وقف لله تعالى، يذهب مع مرادات محبوبه أينما توجهت ركائبها لا يبتغي لها أجراً، ولا ينتظر منها ذكراً.
قالت فاطمة بنت عبد الملك تصف زوجَها عمرَ بن عبد العزيز: كان قد فرغ للمسلمين نفسَهُ، ولأمورهم ذهنه، فكان إذا أمسى مساءً لم يفرغ فيه من حوائج يومه وصل يومَهُ بليلته.
قال بعض أصحاب عمر بن عبد العزيز القدامى لعمر: لو تفرغت لنا فقال: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله.
21- الانفصالُ عن الأخيار العاملين: فيبقى يصارع الشيطان وحده، فيجتمع عليه الهوى والنفسُ الأمارةُ بالسوء والشيطانُ حتى يغلبوه، وهذا السر في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما يأكل الذئبُ القاصية) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد كان السلف الصالح لا يراهنون على إخوانهم أبداً حتى وصل بهم الأمرُ أن يقرنوهم بالصلاة في أهميتها وعظمها.
وقال الحسن البصري: لم يبق من العيش إلا ثلاثٌ: أخٌ لك تصيب من عشرته خيراً، فإن زغت عن الطريق قومك، وكفافٌ من عيش ليس لأحد عليك فيه تبعة، وصلاةٌ في جمع تُكفى سهوَها، وتستوجب أجرَها.
22- التفكير العقيم بأن مجالات الدعوة محدودةٌ برقم محدد وقد أغلقت كلُّها، أو أنه لا يحسنها، فيفترُ ولا يحاول التفكيرَ بأساليبَ جديدةٍ، أو يستصعبها فيتركها.
ومن ظن أن أحداً من المخلوقين كائناً من كان يستطيع أن يغلق جميع منافذ وسبل الدعوة فقد ظن بالله ظن السوء وما قدر الله حق قدره.
قال ابن القيم: ومن ظن إدالةَ أهلِ الكفر على أهل الإسلام إدالةً تامة فقد ظن بالله ظن السوء.
قال ابن الجوزي: ومن الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا، فهمهم صعودٌ وترقٍّ، كلما عبروا مقاماً رأوا نقصَ ما كانوا فيه فاستغفروا.
وقد تسيطر على تفكيره بعض مجالات وطرق الدعوة، ويتصور أن نشر هذا الدين والدعوة إليه لا تكون إلا بها, كمن يرى أن الدعوة هي في المحاضرات، والدروس، أو نشر شريط وكتاب، ونسي الطرق الأخرى مثل الدعوة بالقدوة الحسنة، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم وتوجيههم ونصحهم، والتلطف للناس وحسن معاملتهم الخ.
23- التنقل بين البلدان والاصطدام بواقع لا يعرفه: فلا يخطط للعمل في الموطن الجديد، ولا يعمل ذهنَهُ في الوسائل المناسبة، فيصطدمُ من أول يوم بوضع غير الذي يعرفُه بسبب تقصيرِه في فهم البلد وأنظمتِه، أو عاداتِ وتقاليدِ أهله، فيصاب بإحباط ويدعُ العمل,أو يتعلقُ ببلد معين ويستميت في الوصول إليه والسكن فيه بحجة أنه أفضل، أو أن البلد الذي فيه لا يستحقُّ جلوسَ أمثاله فيه.
ونسي أنه عاملٌ وداعية، أرضُه وبلده التي يتمكن فيها من نشر دعوته بين الناس، وإخراجهم فيها من الظلمات إلى النور، فقد يكون بلدُ بنفسه فاضلاً على غيره، لكن المفضول أحياناً يكون أفضلَ منه للمسلم لهذه الحيثية.
قال أبو هريرة : لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلى من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود.
24- يقع في معصية فيستثمرها الشيطان و يرابي بها، ويقول: كيف تدْعُو إلى الله تعالى وأنت وقعت في كذا وعملت كذا، فلا يزال به حتى يقعده عن العمل والطاعة فيضيف إلى معصيته معصية أخرى وهي القعود عن أعمال الخير, ونسي أن الحسنات يذهبن السيئات.
25- المنافسة بين الأقران : فإذا رأى أن قرينه قد فاقه في علم أو عمل تعاظم ذلك في نفسه، وكره أن يمشي معه في سبيل واحد، واختار القعود على أن يقال: إنه أقل من فلان وفلان، ونسي: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
26- حب الرياسة والعلو : فحين يرى أنه لم يتبوأ مركزاً في الدعوة، يتعاظمُ أن يكون تابعاً لغيره أنفةً وترفعاً وكبراً.
وفي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والدارمي عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ).
قال الفضيل بن عياض : ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكرَ الناسُ أحداً عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تُودِّع من صلاحه.(8/96)
27- التفرغ لعمل علمي، أو بناء بيت أو غير ذلك لبضع سنوات، فيخمدُ حماسُه، ويضعف تجاوبُه مع الدعوة، وينسى كثيراً من الأساليب والأفكار، ويستجد أعمالٌ وأحوالٌ، فتعظم عليه الأمور ويفضل أن يعيش في الظل بعيداً عن الأضواء، ويألف الوحدة والانزواء.
28- ترك العمل بسبب ظروف طارئة، وأحوال عصيبة، ينتظر تجليتها، ويرقب الفرج، ويأمل كشف الغربة، وينسى أن تجلية الغربة لا تتأتى بالكسل والخمول والنوم، ولم يتفكر كيف كُشفت الغربة الأولى هل جلس أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة ينتظرون كشفها أم قاموا على قدم وساق حتى كشفوها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الإسلام، جزع وكلّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى، وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر، إن وعد الله حق، وليستغفر لذنبه، وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار.
29- خشيَ على وظيفتِه أو جاهِه ومركزِه، ففضلَ البعدَ عن العمل، وسوَّل له الشيطان أن الفترة قصيرةٌ، وأن هذا من التخطيط السليم، فتحول تفكيرُه وعمله إلى المحافظة على مركزه ومكانته.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلا لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ).
30- تمكن الشيطان من إلقاء الشبهات في قلبه وبخاصة في وقت الفتن، فيبدأ في مراجعة حساباته لا لتقويمها وسد الثغرات، ويقظة الحراسة، وإنما لتبدل القناعات لديه من غير دليل صحيح صريح.
وهذا هو الذي خشيه خبير الفتن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما قال له أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أوصني، قال: إن الضلالةَ حقَّ الضلالةِ أن تعرفَ ما كنت تنكر وتنكرَ ما كنت تعرف، وإياك والتلونَ في الدين فإن دينَ الله واحد.
31- كابد وجاهد نفسه فتعب ومل وترك العمل: ولا ندري كم من العقود جاهد وكابد فيها ألم يقرأ سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}(14) سورة العنكبوت
قال ابن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
وهذا الإمام القدوة شيخ الإسلام ثابت البناني يقول: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة.
قال ابن القيم: يا مخنث العزم أين أنت والطريق، طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسفُ بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيدُ الحصورُ يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، تزهى أنت باللهو واللعب.
32- قد يقول: الحمد لله أنا من الأخيار، وليس عندي معاص، وليس كل الناس دعاة, ولا أدري مم أعجب هل من تزكية !! الأخِ الكريمِ لنفسه، أم من جهله بأن التقصير في الدعوة ليس من المعاصي.
قال ابن القيم: ليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله، وأكثرُ الديّانينَ لا يعبئون منها إلا بما شاركهم فيه عمومُ الناس، وأما الجهادُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله وعباده، ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلاً عن أن يريدوا فعلها، وفضلاً عن أن يفعلوها، وأقل الناس ديناً، وأمقتهم إلى الله: من ترك هذه الواجباتِ، وإن زهد في الدنيا جميعِها، وقلَّ أن ترى منهم من يُحمرُ وجهُه ويمعره لله ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه، وأصحابُ الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء.
33- قد يركز على شريحة من المجتمع وأنها مجال العمل فيفشل في التعاون معها ويصاب بإحباط ويأس، وينسى أن ديننا ليس لمجموعة دون غيرها ولا لطبقة بعينها, أي دعوة تهمل شريحة من المجتمع تعتبر ناقصة ومآلها إلى الانحسار، وقد تميزت الدعوة الإسلامية باحتوائها جميع طبقات المجتمع، وتوظيفِ جميع طاقاته ، فليس في المجتمع المسلم عنصرٌ مهملٌ أو مبعد أو مركون مهما كان.
وإن من كمال الدين وعالميته مخاطبته للجميع وتوظيف جميع أفراد الأمة فلا اعتبار للصور والهيئات والأشكال.
عن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مُتَضَعّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُل جوّاظ مستكبر) متفق عليه.
34- رأى كثرة الفساد وانتشاره واستحكام كثير من الشر فرأى أن الأفضلَ اعتزالُ الناس وتركُهم.
ما أسهل العزلة عن الخلق وترك التبعة: يروي لنا التابعي الكوفي، الفقيه النبيل عامر الشعبي: أن رجالاً خرجوا من الكوفة، ونزلوا قريباً يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم، فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد, فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا.
الخاتمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(8/97)
فلعل الجميع يدرك أهمية الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على عامة المجتمع على مختلف أصنافه وطبقاته، وعلى جميع أجهزته وإداراته.
وأن العمل للدين مسئولية الجميع كل بحسبه، وأن على المسلم بوجه عام والداعية وطالب العلم على وجه الخصوص المساهمة الفعلية في خدمة الإسلام والدعوة إليه والذب عن حياضه.
وليعلم كل مسلم أنه في هذه الحياة إما يتقدم إلى الخير والإيمان أو يتأخر نحو المعصية والنقصان، فليس هناك وقوف واستراحة، فليراقب كل إنسان نفسه ويحاسبها، وليكن يقظا من أن ينحدر إلى دركات النقص وهو لا يشعر.
فانظر أخي الكريم ما رصيدك من الخير وما نصيبك من الاحتساب، وما سهمك في تلك القافلة التي يقودها الأنبياء والمرسلون عليهم السلام وقد حطوا رحالهم في الجنة، كيف ترضى أن تؤخر عنهم، وتبعد عن طريقهم بسبب تفريطك وإهمالك؟
لقد تعددت وسائل الدعوة وطرقها فأين وقع سهمك؟ لماذا تبكي كثير من المساجد من قلة الرواد ؟ لماذا خلا كثير منها من الوعظ والإرشاد؟ القرى والهجر تشكو الجهل وتحن إلى معلم الناس الخير! الصحف والمجلات تخلو كثير منها من قائم لله بحجة!
إن الدعوة إلى الله تعالى أعظم من أن يحتكرها أناس، وأكبر من أن تحد بمواسم خاصة ومناسبات محدودة، الدعوة آية تتلى وحديث يروى، ودرس يلقى، وكتاب يصنف، وخطبة تحرر، وموعظة تؤثر، ومجلة تنشر، وشريط يوزع، ونصيحة تهدى، وأذكار تحفظ، ومال من حلال ينفق، وعلم نافع ينشر، وأمر ونهي، وصلة وبر، وإحسان للجيران، وتفقد للفقراء والمعوزين.
فالبدار البدار والمسابقة المسابقة والتنافس التنافس في طرق الخير وسبل الحق.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينصر دينه وأن يجعلنا من أنصاره، وأن يعلي كلمته وأن يبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر, وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.
==============
مقومات الداعية الناجح .
اسم الكاتب : الدكتور علي بن عمر بن أحمد بادحدح .
مقدمة المؤلف :
الحمد لله جعل الداعي إليه أحسن الناس قولا ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله سبب الهداية المأمول،وهي مهمة الأنبياء والمرسلين وسبيل أتباع النبي الأمين، وشرفها وفضلها معلوم، وخيرها وأثرها ملموس.
فالدعوة في عالمنا المعاصر تمر بمرحلة صعبة ، وتعاني مشكلات عديدة منها العداء الخارجي والتكالب العالمي الذي يسعى إلى وأد صوتها ومحاصرة نشاطها، ويهدف إلى تشويه صورتها وتجريم حملتها، ومن جهة أخرى فإن للدعوة معاناة من بعض حملتها أو المنتسبين إليها، فواحد يسيء من جهة جهله، وآخر من جهة سوء فهمه وهكذا؛ إضافة إلى وجود بعض الخلل ونقص في العمل في الصورة الشاملة الواعية للدعوة.
ونظرا للظروف كنت كثير التفكير في مثل الموضوع فكتبت حول نجاح الداعية وقبول دعوته وتأثير شخصيته وما زلت أدندن حول هذه المفاهيم والأفكار وألقي عنها كلمات وأدوِّن فيها ملحوظات.
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو صدى وترجمة لتلك الأفكار ,فاللهم هذا جهد المقل، وبضاعة المقصِّر تقبّلها بفضلك، وتجاوز عن نقصها بعفوك, وما كان في ذلك من إتقان وإحسان ففضل منك وإنعام، وما كان من خلل أو زلل فغفلة أو استزلال شيطان , فأقل عثرتي، واغفر زلتي يا أرحم الراحمين.
...
الفصل الأول : دلالة الموضوع وأهميته:
المبحث الأول : دلالة عنوان الموضوع :
أولا : المقوّم :
أصل الكلمة الثلاثي هو قَوَمَ وأحد معانية الانتصاب والعزم.
ومن أبرز الاستعمالات اللفظية بهذا الأصل(قيام) والقيام يجئ بمعنى المحافظة والإصلاح وقام الأمر: اعتدل وأقام الشيء أدامه، وأمر قيم : أي مستقيم ، وقوام الأمر (بالكسر) نظامه وعماده ، وقيم الأمر: مقيمه، والقيم: السيد وسائس الأمر، ومقوم الشيء وقوامه بمعنى واحد.
فالمراد بمقومات الداعية الناجح الأمور التي هي العماد لنجاح الداعية ليقوم بالدعوة، منتصبا لها عازما ومحافظا عليها، مستقيما معتدلا في أدائها، قائما بشؤونها سائسا لأمورها حتى يكون قيامه بها خير قيام يتحقق به المقصود.
ثانيا: الداعية :
أصل الكلمة الثلاثي (دعَوَ) والدعوة المرة الواحدة من الدعاء، والدعاء إلى شيء ما هُو الترغيب فيه والحث عليه ,ويقال دعا يدعو فهو داع والمرة منه دعوة , فالداعي هو الذي يدعو إلى أمر ما، والجمع دعاة وداعون والداعي والداعية واحد، والهاء فيه للمبالغة.
فالداعية إذن هو المؤهل القائم بترغيب الناس في الإسلام وحثهم على التزامه بالوسائل المشروعة.
ثالثا : النجاح :
أصل الكلمة الثلاثي (نجح) وهو أصل يدل على ظفر وصدق وخير, والنُّجح والنجاح الظفر بالشيء ونجح المرء إذا أصاب طلبته ونجح الأمر إذا تيسر وسهل ورجل نجح : منجح الحاجات ورأي نجيح أي صواب.
فالنجاح إذن هو: القيام بالواجب على الوجه الأكمل وكثيرا ما تتحقق به النتائج وقد تتخلف لحكمة عند الله .
وبهذا يتضح مدلول عنوان الموضوع (مقومات الداعية الناجح) وأن المراد تسليط الضوء على الأسس اللازم توافرها للداعية في شخصيته وممارساته ومفاهيمه التي تؤدي إلى حصول الهداية وتحقق أثر الدعوة.
المبحث الثاني : أهمية الموضوع :
1- الأجر الجزيل :(8/98)
يقول الحق تبارك وتعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(33) سورة فصلت ، فهذا ثناء لمن دعا دون ارتباط بالنتيجة فكيف إذا حصلت الاستجابة، إن الأجر حينئذ أعظم وأجزل كما أخبر عليه الصلاة والسلام في قوله:{لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم}.
2- انتشار الخير :
إن نجاح الداعية وانتشار الدعوة يزيد من انتشار الخير بكثرة ملتزميه والدعاة إليه، والثابتين عليه،وعندما تتزايد هذه الدوائر ويتكاثر أفرادها تكون سببا من أسباب رضوان الله عز وجل وتنَزل نصره ، كما أن انتشار الخير يبرز صورة مشرقة للمسلمين الملتزمين من خلال سلوكياتهم في سائر شئون الحياة وهذا له أثر مضاعف في مزيد من الإقبال على الالتزام.
3- مغالبة الباطل :
إن كل نجاح للدعوة في فكر وسلوك إنسان هو هزيمة للباطل الداعي إلى طرق ومناهج الشيطان ، وإن كل وجود فاعل للدعوة في ميدان من ميادين الحياة هو غيظ ونكاية في أعداء الله، فالحرص على نجاح الداعية في غاية الأهمية لحماية الأمة من شرور الباطل، والعمل على تحجيم آثاره ، وتقليل أضراره ، وتوهين أنصاره.
4- الحماية من المفاهيم والأعمال الخاطئة :
إن التقصير في الأخذ بمقومات النجاح وأسباب الفلاح قد يؤدي إلى الفشل والإخفاق ويتولد من أثر ذلك بعض المفاهيم والأعمال الخاطئة.
الفصل الثاني : عناصر التأثير :
المبحث الأول: الميل العاطفي والمحبة القلبية :
إن المحبة تقود إلى المتابعة للمحبوب، وتقديمه على من سواه ،وتلمس موافقة هواه؛ ولذا فإن صاحب الرسالة يتحبب إلى المدعوين ، ويسعى إلى كسب محبتهم له وميل قلوبهم إليه ؛ لأن ذلك أعظم عون على قبولهم منه وإتباعهم له ، وبدونه لا يحصل التأثير الإيجابي بالمتابعة ولو أقيمت الحجج ونصبت الأدلة لأن البغض للداعي يصد عن قبول دعوته وإن كانت حقا :{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكََ}(159) سورة آل عمران فالاستجابة والمتابعة أعظم مقتضيات المحبة ،وهما في الوقت نفسه أعظم آثارها.
المبحث الثاني : الإقناع العقلي والحجة العلمية :
الهوى يهوي بصاحبه والعقل - بإذن الله - يعصمه ، والعقلاء يحكمون عقولهم في أهوائهم ، وهذا تصرف الرجال فقد يُحب القلب فعلا معينا وتهوى النفس سلوكا محددا ، فيعترض العقل بالنظر في البواعث ، والتأمل في العواقب ، فيكبح جماح الهوى , وربما لا تكون هناك محبة ولا ميل في النفس ابتداء ولكن الحجة والبرهان يحصل بها قناعة العقل التي تزين الفعل أو الرأي للنفس وتحببه إلى القلب ، فالقناعة لها تأثيرها الذي لا ينكر في دفع الإنسان لاتخاذ الموافق والآراء ، وممارسة الأفعال ، أو الامتناع من ذلك ، وتلك مزية العقل الراشد الذي هو من أهم البواعث.
المبحث الثالث : القدوة الحية والنموذج المتحرك :
لا يخفى أبدا أثر القدوة فهي الصورة الحية للفكرة ، والتطبيق العلمي للدعوة ، والتوضيح الجلي للحجة ، ولا شك أنها من أعظم أسباب بذر المحبة في القلوب ، ووجود القناعة في العقول وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة ولا سيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها.
الفصل الثالث : مقومات النجاح في تكوين الداعية :
المبحث الأول : التميز الإيماني والتفوق الروحاني :
أولا : عظمة الإيمان بالله :
أساس كل أمر هو تجريد التوحيد ، والبعد عن الشرك ولا بد أن يكون الداعية صحيح الإيمان ، خالص التوحيد ، عنده من العلم ما يعرِّفه بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، وأن تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه ، وأن ينعكس ذلك على سائر أحواله فتنضبط به أفكاره وآراؤه ، وتُحكم به كلماته وألفاظه ، وتُقوَّم به أفعاله وأعماله ، ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق ، أو تميز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيما وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب التي تخفى على الناس ولا يعلمها إلا علام الغيوب ، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال , فتنعكس على الداعية وتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:
1- التحرر من عبودية غير الله :
الإيمان قوة عظمى يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض ، وكل شهوات الدنيا ، ويصبح حرا لا سلطان لأحد عليه إلا لله ، فلا يخاف إلا الله ، ولا يذل إلا لله ، ولا يطلب إلا من الله ، ولا يأمل إلا من الله ، ولا يتوكل إلا على الله ، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما:الخوف على الرزق ، والخوف على الحياة.
2- الخشية من الله :
وهي من أعظم آثار الإيمان وأبرز أوصاف المؤمنين, وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن يتميز عن الغافلين والعابثين لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله ، والخشية أساس مراقبة الله ترقي بالمؤمن إلى درجة الإحسان وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
ثانيا : الإخلاص لله :
الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إلى الله مع الله ,وهو في حقيقته قوة إيمانية ، وصراع نفسي ، يدفع صاحبه إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية ، وأن يترفع عن الغايات الذاتية ، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكورا.
ثالثا : حسن الصلة بالله :(8/99)
والمقصود بها إقامة الفرائض ، والاستكثار من النوافل ، والاشتغال بالأذكار ، والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية ، والحرص على المناجاة الربانية ، وغير ذلك من القربات والطاعات ، لأن العبادة زاد يتقوى به الداعية.
المبحث الثاني : الرصيد العلمي والزاد الثقافي :
فضل العلم وثمرته :
إذا سلك الداعية طريق العلم حظي بالخيرية الربانية , وإذا نال الداعية حظا وافيا من العلم واندرج في سلك طلبة العلم فإنه يكون في مجتمعه نبراسا يُهتدى به ، وعندما يتحرك الداعية ناشرا علمه ساعيا بين الناس بالإصلاح ناعيا عليهم الغفلة والفساد فإنه يحظى بالشرف.
العلم المطلوب :
إن الداعية وقد تصدر للوعظ والإرشاد والتربية والتعليم مطالب بقدر من العلم والثقافة يعينه على مهمته ويؤهله لها وتلخيص المهم من ذلك يتركز في جانبين:
الأول : الجانب الشرعي :
لا بد للداعية أن يعرف أن أولى العلوم وأفضلها علم الدين ، لأن الناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون ، وهنا لا بد أن تفرق بين ما يجب تعلُّمه ولا يسع أحدا أن يجهله ، وبين ما يكون تعلمه فرضا كفائيا , وأرى للداعية أن يكون عنده الحد الأدنى من العلوم الشرعية الأساسية وأقترح له ما يلي:
- علم العقيدة الإسلامية .
- علم التفسير.
- علم الحديث.
- علم الفقه .
- علوم اللغة .
الثاني : الثقافة الإسلامية:
إضافة لتحصيل العلوم الشرعية وآلاتها فإن الداعية يحتاج بشكل ملح إلى الثقافة الإسلامية العامة ، وكذلك الثقافة المعاصرة ، ولا شك أن حركة الداعية حركة واسعة ، وانتشاره كبير واتصالاته كثيرة وهو ولا شك يلتقي أنواعا كثيرة من البشر كل له مزاجه وثقافته واطلاعه, فلا بد للداعية أن يشبع هذه الثقافات ويلم بشيء منها حتى يشارك من يخاطبه كل حسب ثقافته كمدخل من مداخل الدعوة.
المبحث الثالث : رجاحة العقل وقوة الحجة :
للإيمان إشراقاته وآثاره ، وللعلم فاعليته ودوره ، ويبقى للذكاء والفطنة أهميتها التي لا تنكر ، وإيجابيتهما التي لا تخفي ، وتوفر الذهن الوقّاد والعقل السديد ميزة عظمى يتحلى بها الداعية فلا سذاجة تضيع بها معاني الريادة، ولا طيش ولا خفة تطمس معالم الهيبة ، بل عقل فطن يرجع إذا اختلفت الآراء ، ويحلل ويدلل إذا فقد الإدراك وغاب التصور ، ويتقن ترتيب الأولويات ، واختيار الأوقات ، وانتهاز الفرص والمناسبات ، ويحسن التخلص من المشكلات ، ويقوى على الرد على الشبهات ، والتكيف مع الأزمات.
وهناك أصناف من المدعوين يحتاج الداعية معهم إلى إقامة الحجة العقلية لإثبات القضية ولعدم اكتفائهم بالأدلة الشرعية من هؤلاء:
- الكافرون الذين لا يؤمنون بالكتاب والسنة.
- المعتدُّون بعقولهم المقدمين لها على النص النقلي.
- المخدوعون بالشبهات.
- المعاندون الذين يتّبعون الباطل تبعا لمصالحهم ويسعون إلى إضلال غيرهم.
- الواقعون تحت تأثير الأوضاع والأعراف الخاطئة حتى ألفوها ورأوها صوابا.
وهذه جوانب من هذه الأساليب مع بعض الأمثلة عليها:
أ- أسلوب المقارنة :
وذلك بعرض أمرين أحدهما هو الخير المطلوب الترغيب فيه ، والآخر هو الشر المطلوب الترهيب منه ، وذلك باستشارة العقل للتفكر في كلا الأمرين وعاقبتهما للوصول - بعد المقارنة - إلى تفضيل الخير وإتباعه ومن أمثلة ذلك:
- قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(122) سورة الأنعام .
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة}.
ب- أسلوب التقرير :
وهو أسلوب يؤول بالمرء بعد المحاكمة العقلية إلى الإقرار بالمطلوب الذي هو مضمون الدعوة ومن أمثلة ذلك:
- قال تعالى :(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35)أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ(36)أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ(37)أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ(38)أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ(39)أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(40)أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ(42)أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(43) سورة الطور.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال مستنكرا ومسترشدا :{ يا رسول الله ولد غلام أسود ، فقال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال ما ألوانها ؟ قال : حُمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : نعم ، قال :فأنى ذلك ؟ قال : لعله نزعه عرق ، قال : فلعل ابنك هذا نزعة عرق}.
ج- أسلوب الإمرار والإبطال :
وهو أسلوب قوي في إفحام المعاندين أصحاب الغرور والصلف بإمرار أقوالهم وعدم الاعتراض على بعض حججهم الباطلة منعا للجدل والنزاع خلوصا إلى حجة قاطعة تدمغهم وتبطل بها حجتهم تلك فتبطل الأولى بالتبع, ومن أمثلة ذلك:(8/100)
- قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(258) سورة البقرة .
المبحث الرابع : رجاحة الصدر وسماحة النفس :
أولا : الرحمة والشفقة :
إن الداعي لا بد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة على الناس ، وإرادة الخير لهم والنصح لهم ، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام ، لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار وفوزهم برضوان الله تعالى ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأعظم ما يحبه لنفسه الإيمان والهدى فهو كذلك إليهم أيضا,وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس الحزن والأسى على حال المعرضين والعاصين ، ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة لاستنقاذهم من الخطر المحدق بهم ، والهلاك القادمين إليه , فهو ينظر إلى المدعوين نظرة الطبيب إلى مرضاه ، يرحمهم ويشفق عليهم لعلمه بدائهم وخطورته ، ويتلطف في علاجهم ، وإن رأى منهم عزوفا عن الدواء لصعوبته أو مرارته هاله الأمر واحتال بكل الطرق لتوصيل الدواء ، وإقناعهم بضرورة تناوله ، ولا يمكن أن يتركهم وشأنهم بحجة أنهم المفرطون ، وهكذا فإن الداعي الرحيم لا يكف عن دعوته ولا يسأم من الرد والإعراض لأنه يعلم خطورة عاقبة المعرضين العصاة ، وأن إعراضهم بسبب جهلهم ، فهو لا ينفك عن إقناعهم وإرشادهم.
ثانيا : الحلم والأناة :
في مسيرة الدعوة تمر بالداعية أحداث مثيرة ، وأفعال مستفزة ، والناس تختلف مواقفهم إزاء المثيرات التي تعمل على دفعهم نحو الرعونة والطيش ، فمنهم من تستخفه التوافه فيستحمق على عجل ، ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقي على وقعها الأليم محتفظاً برجاحة فكره وسجاحة خلقه,والحلم فضيلة خلقية نافعة تقع في قمة عالية دونها منحدرات ، فهو أناة حكيمة بين التسرع والإهمال أو التواني ، وضبط للنفس بين الغضب وبلادة الطبع ، ورزانة بين الطيش وجمود الإحساس.
أما الأناة عند الداعية تسمح له بأن يُحكم أموره ، ويضع الأشياء في مواضعها ، بخلاف العجلة فإنها تعرضه للكثير من الأخطاء والإخفاق ، وتعرضه للتعثر والارتباك ، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق ، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، وبخلاف التباطؤ والكسل فهو أيضا يعرض للتخلف والحرمان من تحقيق النتائج التي يرجوها.
ثالثا : العفو والصفح :
ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب ، ثم الأناة التي فيها تبصر بالأمور وتأن في التصرف ، مع الاستناد للرحمة بالجاهلين كل ذلك يثمر العفو والصفح , ومادام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوهم نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم في حق نفسه , وإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع.
والداعية الذي يهدف إلى استمالة القلوب و هدايتها لا يقسو لأن القسوة التي استنكرها الإسلام جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق ولا عدالة ,إنها نزوة فاجرة تتشبع من الإساءة والإيذاء ، وتمتد مع الأثرة المجردة والهوى الأعمى.
الفصل الرابع : مقومات النجاح في ممارسة الدعوة :
المبحث الأول : المراعاة والتدرج :
إن تغيير النفوس ونقلها من ميولها و مألوفاتها أمر ليس سهلا ، وإن الأعراف التي استقرت في العقول وتواطأ الناس عليها لا تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجه ، والعادات في السلوكيات التي تجذرت و ترسخت لا يتصور اقتلاعها في يوم وليلة ولذا فلا بد من إدراك حقيقة مهمة للدعاة وهي أن المراعاة والتدرج لازمان للتغيير وحصول الاستجابة ، وهناك أمور كثيرة يلزم مراعاتها والأخذ بالتدرج فيها وهذه خلاصة نافعة في هذا الباب:
أولا : مراعاة الطبائع :
- فمنهم الراغب في الخير ولكنه غافل قليل البصيرة فيحتاج على دعوته بالحكمة.
- ومنهم المعرض عن الحق المشتغل بغيره فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة ، وعلى ما في خلافه من الشقاء والفساد.
- و منهم من له شبهة قد حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن حتى يفهم الحق وتنزاح عنه الشبهة.
ثانيا : مراعاة الأفهام :
تفاوت الأفهام أمر معروف، وله أسبابه من قلة العلم أو اختلاف البيئة، أو استحكام العوائد ونحو ذلك ؛ لذا ينبغي للداعية مراعاة ذلك وعدم مخالفته سيما بالنسبة للعوام ، ومن تقصر بهم الأفهام ، ومن ذلك التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل معناه ، فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها ، وسامعها إما أن يفهمها على غير وجهها- وهو الغالب- وهي فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق ، والعمل بالباطل ، وإما لا يفهم منها شيئا وهو أسلم.
ثالثا : مراعاة المقاصد والنيات :
قد يتفق اثنان في عمل ما ومع ذلك يختلف الحكم عليهما باختلاف النوايا ، فهناك من يفعل الفعل ناسيا ، أو جاهلا بحرمته ، أو متأولا فيه ، أو مكرها عليه ولكلٍ حكمه ومنهم من يفعل الإثم قاصدا عالما بالحرمة لكنه مغلوب بضعف عزمه ، ووسوسة شيطانه فلا يلبث أن يندم ويتوب ويستغفر ، ومنهم قاصد مصر ، وآخر محاد الله ورسوله وهكذا ، ونحن نعلم أن النوايا مخفية في طوايا القلوب ، ولكن بعض القرائن والأحوال تدل عليها ، وقد تصرح بها الألسنه فتعرف بوضوح.(8/101)
رابعا : مراعاة الأحوال الخاصة :
سئل النبي صلى الله عليه وسلم الوصية والنصيحة من بعض أصحابه فقال لأحدهم: (لا تغضب) ، وقال لآخر:(قل آمنت بالله ثم استقم)،وقال للثالث: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله) , وما ذلك الاختلاف في الجواب إلا مراعاة منه صلى الله عليه وسلم للأحوال الخاصة بالسائلين إذ كان يعلم حاجة كل واحد منهم والجانب القاصر عنده ، والأمر اللائق به ، فأوصى كل واحد بما يناسبه.
خامسا : مراعاة الأعراف والعوائد العامة :
إن كل بلد لها أعرافها وكل بيئة لها عوائدها ، ومراعاة ذلك بالضوابط الشرعية ، من ضروب الحكمة وموافقة جوهر الشريعة ، وقد امتن الله على البشر بإرسال الرسل وخص بالمنة كون الرسل من البشر وامتن على الأقوام بأن جعل الرسل منهم وينطقون بألسنتهم ؛ ولذا ينبغي للداعية التنبه لذلك، والحرص على معرفة الأعراف والعوائد في البيئة التي يدعو إليها؛ لتكون دعوته مؤثرة في النفوس ، مقنعة للعقول ، محببة للقلوب ، مناسبة للظروف ، قابلة للتطبيق فإذا جاء في بيئة يغلب عليها الفقر ويشيع فيها الكسل فإن المطالبة بالزهد في الدنيا والترفع عن شهواتها غير مناسب للبيئة وأحوال الناس ، وإذا دعا قوما فاضت الأموال في أيديهم وشغلت الدنيا أوقاتهم فالحديث عن ضرورة التمتع بالمباح من الدنيا والحث على ذلك غير ملائم كذلك ، كما لا ينبغي أن يطول الحديث في الإنكار على أمور لا وجود لها في بيئة الدعوة إذ لا نفع في ذلك ، بل ربما ترتب عليه ضرر من حصول تشويش واضطراب أو حصول تطلع وافتتان بتلك الأمور.
سادسا : مراعاة الأولويات :
المراد بمراعاة الأولويات معرفة مراتب الأعمال ووضعها في مواضعها ، فإن المنهج الإسلامي قد جعل لكل عمل قدرا ، ولا بد للداعي أن يعلم أن الأصول لا بد أن تقدم على الفروع ، والفروض تقدم على النوافل ، وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفايات ،وفروض الكفايات التي فيها عجز ظاهر أولى من التي انتدب لها غيره من المسلمين.
سابعا : مراعاة المصالح والمفاسد :
وهذا الأمر في غاية الأهمية وذلك لأن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ،وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل ، وهذا مبحث دقيق ينبغي في البداية التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ما كان ملائما أو منافرا للطبع ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية ثم النظر في تقرير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى تقوى لله صادقة ،وبصيرة علمية نافذة ، ومعرفة بالواقع واسعة ؛ ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
ثامنا: مراعاة الأوقات :
والمقصود بمراعاة الوقت تخير الوقت الملائم للدعوة من حيث فراغ المدعوين واستعدادهم للتلقي ، وكذا المراعاة لأوقات المواعظ والدروس ، ومناسبة طول وقتها لأحوال الناس ، ويندرج تحت ذلك مراعاة استعداد المدعو وبلوغه المرحلة التي يكون فيها الوقت مناسبا لتفاعله واستجابته.
المبحث الثاني : الجرأة والحكمة :
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده ، ومن الحق الذي يعتنقه ، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ، ومن القدر الذي يستسلم إليه ، ومن المسئولية التي يستشعر بها ، ومن التربية الإسلامية التي نشئ عليها,وعلى قدر نصيب المؤمن من الإيمان بالله يكون نصيبه من الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم.
والجرأة للداعية أمر مهم في زيادته وقيادته ، وفي تأثيره ومنفعته ، لأن الناس يتأثرون بالجريء المقدام ، لأنهم في الملمات يحجمون وتتقدم بالداعية جرأته في الحق مصحوبة بحكمته في التصرف فإذا هو المقدم الذي تشخص إليه الأبصار، وتتعلق به القلوب.
وليست الجرأة تهوراً كما أن الحكمة ليست جبناً ، والمزج بينهما هو المطلوب الذي ينبغي اتصاف الداعية به في معاملته للآخرين وفي المواقف العصيبة ، وعدم وجود الجرأة والشجاعة يستلزم وجود ضدهما وهو الجبن والذلة اللذان لا يليقان بالداعية بحال لأنه إذا لم يكن الداعية المسلم شجاعا مطيقا لأعباء الرسالة ، سريعا إلى تلبية ندائها ، جريئا على المبطلين ، مغوارا في ساحاتهم فخير له أن ينسحب من هذا المجال وألا يفضح الإسلام بتكلف ما لا يحسن من شئونه.
المبحث الثالث : الاستغناء والعطاء :(8/102)
شعار عظيم رفعه على طريق الدعوة الرسل والأنبياء عندما تكرر في خطابهم لأقوامهم :{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(109) سورة الشعراء ، والدعاة سائرون على منهج الأنبياء فلا ينتظرون من أحد عطاء ، ولا يرقبون من إنسان مكرمة ، إن صورة الداعية لا تجمل ولا تكمل إلا باستغنائه عما في أيدي الناس وما من شيء يذهب أثر الدعوة ويمحو عزة الداعية مثل سؤال الناس أو انتظار عطائهم ، إنه حينئذ لا يكون داعية بل يصبح تاجرا فاجرا يتاجر بالدين ، وذلك من أعظم البلاء ؛ ولذا ينبغي أن يتعفف الداعية عما في أيدي الناس ليظل عزيزا مرفوع الرأس ، قادرا على أن يقول ما يريد وأن يبلغ ما يلزم إبلاغه دون أن يحمل منة في عنقه لأحد تجعله مغلول اليد أو مغلول اللسان ، وبقدر ما يستطيع الداعية أن يحقق لنفسه من العفة والورع بقدر ما يكتسب من تقدير وقدرة وإمكانية.
وتكتمل شخصية الداعية ويعظم تأثيره إذا ضم إلى الاستغناء العطاء ، وما الدعوة إلا عطاء دائم يبذل فيه الداعية من مشاعره ومن وقته ومن ماله ومن جاهه ومن قوته ومن حيلته حتى يبلغ الغاية ببذل نفسه وإعطاء روحه جهادا في سبيل الله وتضحية من أجل الدعوة ,و التاريخ يشهد أن الدعاة إذا اغتنت قلوبهم بالمعاني الإيمانية واستغنت عن المتع الدنيوية استسهلوا الصعب غير مستثقلين ، وركبوا الأخطار غير عابئين وواجهوا الأخطار غير خائفين ، لا تثنيهم رهبة ، ولا تستميلهم رغبة.
المبحث الرابع : الاستمرار والابتكار :
إن العمل المنقطع يتبدد أثره ، والعمل المتكرر يورث الملل ، ويفقد الحماس ، ثم إن توقف الداعية وعدم استمراريته في دعوته دليل خلل في فهمه ، أو ضعف في عزمه ، وتكراره وعدم ابتكاره يشير إلى قلة حيلته وضعف بصيرته ، وما هكذا يكون الداعية ، بل الداعية نشاط متدفق ، وتجديد متألق ، عمل لا يكل ، وتفكير لا يمل.
ولنا مثل في قصة يوسف عليه السلام لما دخل السجن مظلوما، حيث انتهز الفرصة ومارس الدعوة,والاستمرارية خير كما قال عليه الصلاة والسلام :{ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ},وفي واقعنا المعاصر تزداد الحاجة إلى الاستمرار والابتكار سيما مع كثرة العصاة والجناة من المسلمين إضافة إلى تطور أساليب التبليغ ووسائل الإعلام ، بما فيها من ترغيب وتشويق وتجديد وتنويع استغله أعداء الإسلام لبث الأفكار الشاذة ، وغرس السلوكيات المنحرفة، ولا ينبغي أن تبقى هذه الوسائل حكرا على المحاربين للإسلام ، يعرضون فيها بضاعتهم ، في قوالب براقة ، ويبقى الدعاة جامدين لا ينشطون ولا يجددون ، بل على الدعاة أن يبلغوا الناس ما يجب عليهم في أمور دينهم ودنياهم من كل الطرق كطريق الإذاعة والتلفاز والصحافة وطريق الخطابة في المجتمعات ، وفي الحفلات المناسبة ، ومن طريق التأليف ومن كل طريق يمكن منه تبليغ شرع الله.
الفصل الخامس : مقومات مفاهيم الداعية :
المبحث الأول : مفاهيم حول الإسلام :
1- ربانية الإسلام :
الإسلام دين الله جل وعلا وبالتالي مادام الإنسان عبدا لله فلا خيار له ، بل لا بد أن يدين بدين الله ، ومن ثم تتضح له غايته في الحياة، ويعرف أن المقصد هو الله ، وأن الطموح والاجتهاد والبذل والتضحية إنما هو لنيل رضوان الله.
2- شمولية الإسلام :
الإسلام دين شامل ، يشتمل على مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ويشتمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، وينهى عن سفاسف الأخلاق وعن سيء الأعمال.
إنه دين يربط المخلوق بخالقه برباط متين ، كما يقيم أفضل علاقة بين الإنسان وأهله وأقاربه ، وبين الإنسان وأخيه سواء كان على دينه أو على غير دينه ، قائمة على العدالة والترابط والتسامح والتعاون على البر والتقوى، كما أوضح كيف يعامل الحيوان الأعجم بالرفق والرحمة والإحسان قبل أن تتظاهر أوروبا بالرفق بالحيوان من خلال جمعيات أنشأتها لهذا الغرض وهي لم ترفق بعد بالإنسان ، ولم ترع حقوقه.
3- وسطية الإسلام :
ضاع هذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه هذه عبارة مشهورة تبين خطر البعد عن الوسطية التي هي أبرز سمات الأمة الإسلامية كما قال رب البرية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا }(143) سورة البقرة .
الإسلام وسط فلا إفراط ولا تفريط.
وسط فلا طغيان ولا نقصان.
وسط فلا تشدد ولا ترخص.
وسط بين رعاية حقوق الفرد على حساب الجماعة ، أو العناية بمصالح الجماعة على حساب الفرد.
وسط بين العقلانية الملحدة التي لا تؤمن بغيب ، وبين الغيبية المفرطة التي تؤمن بالخرافة وهكذا.
الوسطية تعني العدل فلا يظلم جانب على حساب جانب آخر ، والوسطية تعني التوازن فلا يختل أمر على حساب آخر.
والإسلام وسط بين اليهود الذين عرفوا الحق وجحدوه ، والنصارى الذين ضلوا عن الحق ولم يعرفوه ؛ لأن المسلمين عرفوا الحق فاتبعوه.
والإسلام وسط بين اليهود الذين قتلوا الأنبياء ، والنصارى الذين ألَّهوهم ؛ لأن المسلمين وقروا الرسل ولم يعبدوهم.
والإسلام وسط بين اليهود الذين أسرفوا في التحريم ، والنصارى الذين أسرفوا في الإباحة ، والمسلمون اتبعوا الشرع الإلهي الحكيم الذي بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذن وسطية الإسلام تعني بعمارة الدنيا لخدمة الآخرة.
4- صلاحية الإسلام :
لابد للداعية أن يفهم هذه الحقيقة فهما واعيا ، يستطيع معه أن يشيع هذه الحقيقة بين الناس فيجتهد في إبراز محاسن الإسلام وإثبات صلاحيته بالأدلة الشرعية ، والشهادات الواقعية.
المبحث الثاني : مفهوم الدعوة :
1- مفهوم الحكم والحاجة :(8/103)
أ - إن الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم ، لكنها فرض على الكفاية ، وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره ، فما قام به غيره سقط عنه ، وما عجز لم يطلب به.
ب - الحاجة إلى الدعوة ملحة وشديدة بسبب تردي الأحوال في بلاد المسلمين أفرادا وجماعات وشعوبا وحكومات ، إذ أن أعداءهم حرصوا على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظهرها الفاسد وجراثيمها القتالة جميع البلاد الإسلامية ، ونظرا لانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان ، وغير ذلك من الدعوات المضللة ، فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضا عاماً وواجبا على جميع العلماء ، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام ، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان.
2- لوازم الدعوة : مستلزمات حمل الدعوة كثيرة ومنها :
أ - فهم حقيقة الواقع المعاصر :
في الواقع المعاصر هجوم سافر، وعداء ظاهر، وتخطيط ماكر، ضد الإسلام والمسلمين ، وهناك وسائل عديدة تستخدم لإضعاف المسلمين واستمرار بعدهم عن أسباب القوة المادية.
هناك وسائل الإعلام ,وهناك البث المباشر ,وهناك الغزو الفكري وغير ذلك ,كل ذلك يصب على المسلمين ليخرجوا عن دينهم ، ويخرجوا من طاعة ربهم ، ومع ذلك نرى من يخدرهم ليألفوا ، ويخدعهم ليقبلوا ، ويدلس عليهم ليقتنعوا وينطلقوا غير شاعرين بإثم ، ولا مدركين لخطورة ، إن فهم ذلك كله وتصوره يجعل الداعية مدركا لعظمة مهمته، وأهمية دعوته.
ب - التفاعل مع الدعوة :
إن إدراك حكم الدعوة والحاجة إليها ، ومعرفة الواقع ينتج عنه أمران مهمان:
الأول : الحماسة والقوة في حمل الدعوة :
إن الداعية يجب أن يشعر بأن دعوته حية في أعصابه ، متوهجة في ضميره ، تصيح في دمائه فتُعجله عن الراحة إلى الحركة والعمل ، وتشغله بها في نفسه وولده وماله ، وهذا هو الداعية الصادق الذي تحس إيمانه بدعوته في النظرة والحركة والإشارة ، وفي السمة التي تختلط بماء وجهه.
الثاني : التصدي والمواجهة :
ما دام قد أدرك الداعية واقعه ، وحمل دعوته بقوة ، واندفع إليها بحماسة فإنه لا بد أن يتصدى لأعداء دعوته ، وأن يواجه المتربصين بها الدوائر ، وأن لا يترك لهم ميدانا إلا نازلهم فيه ، ولا وسيلة إلا نافسهم عليها ، ولا بلدا إلا وجابههم فيها ، لقد تفنن الأعداء في حرب الإسلام والدعوة واعتمدوا سياسة محاربة المساجد بالمراقص ، ومحاربة الزوجات بالمومسات ، ومحاربة العقائد بأستذة حرية الفكر؛ لذا يلزم الدعاة أن يدركوا أنه لا بد لهم في مواجهة تلك التيارات من محاربة علمية دقيقة شاملة.
ج- التعاون على الدعوة :
من مستلزمات الإسلام التعاون مع أهل الإيمان ، ومن فهم ما أسلفناه من كيد الأعداء أدرك أن التعاون أمر لا بد منه في مجال الدعوة.
ولمزيد من الإيضاح أشير إلى عدد من المفاهيم التي تزيد القناعة بالتعاون وتبين الخسارة في تركه:
أولا : تعدد المجالات :
إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين أو وسيلة واحدة بل هي ميدان رحب ، ووسائل شتى ، وذلك يعني أنه لا بد من بذل جهود عظيمة ولا بد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه فإنها تقصر عن الإبداع والإتقان في كل مجال ، ولا يتصور أن تغطى هذه المجالات إلا باستفراغ كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل.
ثانيا : قلة الإمكانيات :
لا يشك أحد أن الأمة الإسلامية تعاني اليوم من قلة الدعاة وكثرة المنكرات ، وغلبة الجهل مما تحتاج معه إلى جهود ضخمة لإصلاح الأحوال وليس هناك الإمكانيات اللازمة الكافية لهذه الحاجات ، فلا بد من التعاون لاستثمار هذه الإمكانيات بأقصى ما يمكن ، والإفادة من التجارب ، وتبادل الخبرات وما لم تكن نفسية التعاون موجودة فإن كثيرا من الخير يفوت.
ثالثا : خذلان الأعداء :
أعداء الإسلام من قديم الزمان كان من أعظم مقاصدهم بث أسباب الشقاق ، وزرع بذور النزاع بين المسلمين عموما ، وأعيانهم من العلماء والدعاة خصوصا ، وهذا يحقق لهم من الأهداف والغايات ما لا يستطيعون بلوغه بجهدهم وكيدهم ، ذلك أن الهدم من الداخل أشد فتكا وأعظم ضررا ؛ ولذا كان خطر المنافقين أكبر وأظهر ، وإن عدم إدراك هذه الحقيقة يجعل الداعية يخالف إخوانه من الدعاة لأي أمر عارض ، أو خلاف في أمر مما يسوغ فيه الخلاف ، أو تحمسا لفعل لم ير غيره أنه يناسب في هذا الوقت ونحو ذلك ، فيسعى حينئذ إلى مواجهة إخوانه الدعاة بدلا من أعداء الله ، ويتفرغ لتسقط أخطائهم ، وتتبع عثراتهم ، فيفرح بذلك أعداء الله بل إنهم يسعون لذلك ويثيرونه ، فعلى الداعية الحصيف أن يفوت عليهم الفرصة وأن يخذلهم باتباع الحق ، وفهم حقيقة الاختلاف المبني على الاجتهاد وإحسان الظن بإخوانه ، والتماس العذر لهم ، والحرص على حماية أعراضهم ، وسمعتهم ، والحرص على التعاون ، وإشاعة الخير ، إن في أعدائنا كفاية لاستنفاذ جهودنا في حربهم ، ومواجهتهم فكيف نغفل عن هذا ونوجه سهامنا لبعضنا.
د- الابتلاء وطول الطريق :(8/104)
ليست طريق الدعوة مفروشة بالورود ، وليست سهلة الورود ، ولا قريبة المنتهى ، بل كما قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}(214) سورة البقرة, وسئل الشافعي : أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ، فقال :لا يمكن حتى يبتلى ، فإن الله ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم ، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة .
وطريق الدعوة طويل ومن استطال الطريق ضعف مشيه، فلا بد من الصبر على البلاء وطول النفس ، وإدراك أن الزمن جزء من العلاج.
=============
92 وسيلة دعوية
اسم الكاتب : الشيخ إبراهيم بن عثمان الفارس
مقدمة وإهداء :
إن الحمد لله نحمده تعالى ونشكره،ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بعبادته والدعوة إلى سبيله ومنهجه فقال جلّ من قائل عليما: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(108) سورة يوسف
وبين للناس أسلوب الدعوة ومنهجها وأساسها وقواعدها، فقال في محكم التنزيل:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ) 125) سورة النحل ,
ونشهد أن سيدنا ونبينا وقدوتنا محمدا، قام بمهمة الدعوة خير قيام، ومن ثم سلم الراية لأصحابه الكرام، فواصلوا المسيرة وحملوا اللواء، ثم توالت الأجيال جيلاً إثر آخر ، والراية ترتفع حيناً وتسقط أحياناً ، فاستغل الأعداء هذا التراخي ، فواصلوا الهجمات، للإجهاز على أمة الإسلام ، والقضاء على عزتها، ويشاء الله جلّت قدرته أن يرحم هذه الأمة ببعث جديد، على أيدي فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، فكانت هذه الصحوة المباركة تدعو إلى رفع راية الحق عالية خفاقة، واتجهوا إلى الناس يبينون لهم سبل الهدى ويحذرونهم من طرق الردى، فسخروا الإمكانات العديدة لإخراجهم من ظلمات الجهل والمعصية إلى نور العلم والطاعة، يحدوهم في ذلك أمل مشرق ووعد كريم، بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن حزب الله هم الغالبون.
فإليكم إليكم أيها الدعاة .
أهدي هذه الرسالة المتواضعة، لعلها تكون لبنة في بناء، ونخلة في حديقة غَنّاء، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.
وقفات لا بد منها :
1- اعلم أن الهداية تعد من أعظم الأعمال وأشرف المهمات، والتي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وأنت أخي الداعية عليك أن تعتز بطريقك الذي سرت فيه، وتفرح بالمنهج الذي تدعو إليه، لعل الله أن يجمعنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
2- اجعل نصب عينيك دوماً (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النَّعَم ) .
3- لا يذهبن عن ذهنك أن خير الوسائل الدعوية تتمثل في المعاملة الحسنة، والخلق الجميل، والابتسامة المشرقة.
4- كما أن المظهر الحسن ، والرائحة الطيبة، والتجمل، والسواك، وغيرها عوامل مساعدة لابد أن تكون موجودة فيك.
5- إن وسائل الدعوة هي أدواتها، والأدوات تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، كآلات الحرب والزراعة والكتابة والنقل ونحوها.
6- بناء على ما قرره علماؤنا الأجلاء فإني أبين لك أن وسائل الدعوة توقيفية اجتهادية نابعة من أصل ثابت هو: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن )) 125) سورة النحل.
7- إن الوسائل معابر وطرق للوصول إلى الأهداف المنشودة ، فكما أن الهدف المنشود في الدعوة نبيل، فلا بد أن تكون الوسائل كذلك، ولا يصح القيام بوسائل محرمة لتحقيق أهداف نبيلة.
8- اعلم أن أهم ما يميز الداعية المخلص هو التزامه بما يدعو إليه.
9- قد تتعرض بعض الوسائل الدعوية لبعض العوارض أو المعوقات؛ لذا على الداعية الحكيم الانتقال إلى وسائل أخرى ، بل إن من الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة مراعاة الظروف الزمانية والمكانية للوسيلة المراد تطبيقها.
10- اعلم أن الاستقرار على طريقة دعوية واحدة قد يصيب الإنسان بالملل والتكاسل والفتور؛ ولذا فالتجديد مطلوب لحفز الهمم وإذكاء روح التنافس والإحساس بالحيوية المتجددة.
11- إن العمل الدعوي المنظم والمخطط له مسبقاً أجدى في تحقيق النجاح وأسرع في قطف الثمار.
12- لا بد للداعية أن يعمل مع غيره في تكاتف وتعاون وتآلف، ليثمر العمل وتقطف النتيجة .
13- إن الصبر دعامة أساسية من دعامات الدعوة إلى الله تعالى فمع الصبر ينال الظفر، والصبر مفتاح الفرج.
14- اعلم أن الوسائل الدعوية كثيرة جداً وهذا الكتيب يحوي نماذج منها فقط .
15- إن ما كان قديماً من هذه الوسائل في مكان فهو جديد في مكان آخر، وما كان جديداً عند فلان فقد يكون قديماً عند غيره .
16- إن نظرات الناس وخاصة الدعاة إلى الله تعالى تختلف تجاه الجدوى المتعينة من هذه الوسائل أو من بعضها؛ لذا أرجو منك أن تعذرني إن رأيت ما لا يعجبك من هذه الوسائل .
17- إن ترتيب الوسائل لا يدل على أهمية المقدم منها على المؤخر .(8/105)
18- اعلم أن كل إنسان لديه قدرات وإمكانات تحتاج إلى صقل واستغلال لتؤتي ثمارها يانعة، فعلى الداعية أن ينميها إذا اكتشفها له غيره، ويوظفها في مجالات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .
19- لا بد من غرس الحس الدعوي في أذهان الجميع صغاراً أو كباراً، نساءً ورجالاً، للعمل يداً واحدة في سبيل النهوض بالمجتمع المسلم .
20- على الداعية الذهاب إلى الأماكن التي تحتاج إلى دعوة في المدن والقرى والهجر والبوادي وغيرها ولا ينتظر الداعية تجمع الآخرين وإتيانهم إليه للاستفادة منه في درس أو محاضرة أو خطبة أو لقاء عام أو خاص، فإن هناك أناساً إن لم تذهب إليهم فلن يأتوا إليك أبداً.
21- اعلم أن بعض الدعاة يطغى عليه جانب السلبية، فتجده يداوم على حضور المحاضرات والدروس العلمية ويسمع إلى أشرطة العلماء بشكل مكثف، ولكن يا ترى هل ينقل ما تلقى وتعلم وقامت عليه به الحجة إلى الآخرين، ليكون إيجابياً في مجتمعه يأخذ ويعطي، يتعلم ويعلم، يدعى ويدعو أم لا؟ومن أي صنف أنت؟ أترك الإجابة لك .
22- قد يحصل لك من جراء تطبيقك لأحد وسائل الدعوة بعض الابتلاء وقليل من الامتحان، فوطن نفسك على الصبر والتحمل، فإن طريق الدعوة طويل وشاقّ محفوف بالمكاره و المشاق .
23- إن الوسائل المذكورة في هذا الكتيب هي للأفراد فقط في أغلب فقراتها، لذلك جاءت مبسطة سهلة ميسورة، وإلا فالجماعات والمؤسسات الدعوية الكبيرة في إمكانها أن تقوم بأضعاف ما ذكر في فترات وجيزة جداً .
24- على الداعية مهما بلغ من العلم الشرعي أو المركز الوظيفي ألا يستهين بأحد من الناس ، فيدعو الصغير والكبير.
25- إن الذي يسلك طريق الدعوة إلى الله حاملاً لواء الأنبياء وراية المرسلين ، مقتدياً بهم متبعاً لآثارهم لا بد له من الالتزام بمنهجهم، والسير في ركابهم، والاتصاف بصفاتهم، والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله تعالى كثيرة وعديدة وليس هذا مقام بسطها مفصلة وإنما أذكرها لك أيها المبارك موجزة مختصرة فمنها :
أ- الإخلاص والتجرد والإيمان بما يدعو إليه .
ب- اقتضاء العلم العمل.
ج- التخطيط والتنظيم والمتابعة.
د- الانضباط والتعقل وبعد النظر .
هـ- الصبر والتحمل .
و- محاسبة النفس .
ز- فقه الواقع والوعي التام بأحوال الناس .
ح- الارتباط بدروس علمية عامة وخاصة .
ط- التدرب على الإلقاء ومواجهة الآخرين .
26- بما أن الداعية لا بد له من الاتصاف بجملة من الأوصاف المعنوية الملزمة فلا بد له من تأمين مجموعة من الأدوات المادية المساعدة في مجال الدعوة ، ولعل ذلك يتمثل في أشياء عدة منها:
أ - عمل فهارس للنشرات والفتاوى وعناوين الأشرطة والكتيبات بحسب المواضيع، وترتب وتنظم وتحفظ في ملفات بلاستيكية ليسهل الرجوع إليها والاستفادة منها.
ب- اشتراك في مجلة أسبوعية وأخرى شهرية وثالثة دورية، لمتابعة كل جديد في المجلات المقصودة ذات توجه إسلامي سليم .
ج- تأمين جملة من الأجهزة الالكترونية للمساعدة في تحقيق وسائل الدعوة مثل جهاز كمبيوتر، وآلة تصوير، وجهاز فاكس، وجهاز نسخ أشرطة صوتية، وغيرها من الأجهزة.
د- حبذا لو كان للداعية مكتبة مستقلة في منزله مقروءة ومسموعة ، ولا تخلو هذه المكتبة من مكتب و قرطاسية متكاملة.
هـ- حبذا لو يخصص الداعية مبلغاً مقطوعاً كقسط شهري، يدفعه من محصوله ليساهم في دعم المسيرة الدعوية .
27- للدعوة ميادين كثيرة، وساحات من العمل كبيرة تنتشر على رقعة واسعة ذات أبعاد فسيحة تناسب جميع القدرات، وتستوعب كل الإمكانات، وهذا عرض موجز مختصر لبعض هذه الميادين التي يمكن للفرد أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها:
أ- محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام.
ب- المسجد المجاور وغيره من المساجد والمدرسة والكلية ومكان العمل.
ج- السفر إلى الخارج والنزهات البرية وطرق السفر ومناطق النزهات والشواطئ والمصايف.
د- التجمعات الأسرية العامة والخاصة.
هـ- الأندية الرياضية والحدائق وأماكن الترفيه وألعاب الأطفال.
و- القرى والهجر والبوادي والمناطق النائية ومخيمات الحجاج والمخيمات الربيعية وغيرها.
ز- مراكز البث من إذاعة وتلفاز وصحافة ودور نشر ومكتبات وغيرها.
ح- المحلات التجارية بشتى تخصصاتها.
ط- وسائل النقل العامة والخاصة من سيارات وقطارات وسفن وطائرات.
ي- الحي الذي يسكنه الداعية والأحياء المجاورة.
28- إن المحاضرة والكلمة والدرس والندوة والخطبة والنشرة والكتب المؤلفة والكتيبات المصنفة وما شابه ذلك، يعد أهم البرامج الدعوية على الإطلاق؛ لذا فعليكم أيها الدعاة أن تعدوا أنفسكم لهذه المهمة الجليلة والمرتبة العظيمة .
وسائل الدعوة :
1- الاستفادة من هواة المراسلة عبر المجلات العربية والأجنبية ، أو من تذكر أسماؤهم في الإذاعات المختلفة، وكثيرٌ منهم بحاجة ماسة إلى التوجيه و المناصحة، وذلك بأن يقوم الداعية بوضع ملف لكل عنوان، ثم يرسل لصاحبه رسالة أولى رقيقة المشاعر عذبة الأسلوب، ويضمنها جملة من النشرات الدعوية والكتيبات التربوية، وبعد أن يأتيه الردّ يتبع ذلك برسالة ثانية وثالثة وهكذا، مع أخذ الحذر من ناحية أن المرسل إليه قد يكون أقوى من المرسل، فيعرض للمرسل جملة من الشبهات أو الشهوات التي قد تؤثر فيه.
2- تصميم كروت دعوية صغيرة الحجم ، جميلة الإخراج، مشابهة تماماً لكروت الأفراح، ويكتب فيها عبارات دعوية شيقة بمعاني وتعبيرات سلسة، وتكون على شكل مجموعات تطرق جملة من المخالفات الشرعية ومن ثم يقدمها كرسالة أنيقة لمن يراه واقعاً في واحدة من هذه المخالفات.(8/106)
3- تقصي أخبار الجيران الملاصقين والمجاورين للداعية، وجمع جملة من المعلومات عنهم؛ ومن ثم عمل ملف دعوي لكل جار يحوي تسلسل أسلوب دعوتهم من نواحٍ متعددة، كتفصيل الهدايا التي أرسلت لهم، والزيارات التي تمت منك لهم بقصد الدعوة، والدور المطلوب من بقية أفراد العائلة تجاههم وغير ذلك من الوسائل.
4- تصميم ألعاب تعرض بواسطة أجهزة الكمبيوتر يقوم بها هواة برمجة هذه الأجهزة أو المتخصصين فيها، وتأخذ هذه الألعاب الاتجاه الإسلامي ، مع تحقيق جملة من الاعتبارات، كالتسلية والمرح والفائدة والتربية.
5- الاستفادة من تجمع الحجاج الذين قدموا من كل حدب وصوب، وذلك بتصميم حقيبة صغيرة تحوي جملة من الوسائل الدعوية، وتكون بلغات مختلفة، ويراعى أثناء ذلك دراسة أحوال البلد الذي ستوزع على أهله، من ناحية معالجة المخالفات الشرعية المنتشرة في ذلك البلد، نحو كثرة الشركيات، وقوة المتصوفة، أو انتشار جملة من الملل والمذاهب المخالفة لعقيدة السلف، أو كثرة الممارسات اللا أخلاقية وهكذا.
6- تصميم حقيبة الطالب المسلم لتقدم هدية أنيقة لطلاب مسلمين محتاجين يعيشون في مجتمعات منحرفة.
7- حبذا لو قام الدعاة وأئمة المساجد وأعيان الحي بالاحتفاء الدوري بأصحاب البقالات والتموينات التي لا تبيع الدخان والمجلات الساقطة ، وذلك بإقامة حفل منظم في أحد مساجد الحي، مع التأكيد على دعوة أصحاب البقالات المخالفة لحضور هذا الحفل ، ومن ثم توزع جملة من الجوائز الرمزية على الجميع.
8- الارتباط بأحد المسلمين غير العرب ليكون وسيطاً دعويا مع بني جلدته، والتنسيق الكامل معه، ومتابعة أعماله ونتاجه بشكل منظم، لأن حاجز اللغة من عوامل إعاقة العمل الدعوي، ولعل هذا الأسلوب يلغي أثر هذا الحاجز، ويريح الداعية، ومن الممكن تطبيقه في الحي الذي تسكنه مع الخياطين أو السائقين أو غيرهم.
9- تصميم صناديق جميلة الشكل لعرض الكتيبات والمجلات والنشرات، وتوزع هذه الصناديق على أماكن تجمع الناس , ويتعاهد الداعية هذه الصناديق بالنشرات والكتيبات المفسوحة والمأذون بها.
10- عمل ملصقات دعوية جميلة ومؤثرة توضع على السيارات ، وتقدم كهدايا في المدارس وغيرها، وتحوي حكماً أو أبياتاً شعرية أو نحو ذلك.
11- تصميم لوحات الوقاية من أشعة الشمس التي توضع على زجاجات السيارات الأمامية من الداخل، لتحوي جملاً دعوية مفيدة أو أبياتاً شعرية مؤثرة أو غير ذلك.
12- محاولة الاستفادة من اللوحات الإعلانية المضيئة الموجودة في الشوارع المهمة، أو عند التقاطعات بجوار الإشارات المرورية وذلك بعمل جمل دعوية مؤثرة مأخوذة من الكتاب أو من السنة وتمول من قبل المقتدرين مادياً.
13- التركيز على المظاريف المتخصصة، وطبع المظروف وتصميمه ليكون موجهاً إلى صاحبه مباشرة مع ذكر اسمه عليه، وتكون الرسومات دالة على تخصّص المدعو: فهذا مظروف لطبيب، وثان لصيدلي، وآخر لتاجر مواد غذائية، ورابع لحلاق ولعامل ولمدرس ولموظف وهكذا، ويكون المحتوى مناسباً تماماً لذات الشخص المقصود بالهدية.
14- الاستفادة من صناديق البريد وذلك بدعوة إنسان بعينه عن طريق صندوقه بدلاً من استخدام الأسلوب الدعوي المباشر.
15- تصميم حقائب الأرصفة لتكون أسلوباً دعوياً جديداً للشباب الذين يتواجدون على الأرصفة بشكل مستمر، حيث توضع الحقيبة الدعوية في أماكن تجمع الشباب قبل قدومهم ثم يتابع الداعية المكان بعد ذهابهم.
16- عمل ملف للمخالفات الشرعية التي يراها الإنسان في وسائل التأثير المتنوعة، ثم يرفعها بعد ذلك إلى من بيده الأمر، ليساهم بذلك في إصلاح الخلل وتعديل المسار.
17- إنشاء مجلة أسرية تحوي جملة من الفوائد والوقفات التربوية والطرائف المنوعة، ويركز فيها على عرض أخبار الأسرة ويقوم بإعدادها مجموعة من شباب الأسرة وتوزع في لقاءات الأسرة الدورية.
18- أتمنى من الدعاة أن يكثفوا من الزيارات الدعوية للسجون، فإن نزلاء هذه الأماكن بحاجة ماسَّة للتوجيه و المناصحة ليكونوا أعضاء صالحين منتجين بعد خروجهم من هذه الإصلاحيات.
19- تبني منكر معين موجود بين الناس بشكل بيّن والتركيز عليه من جميع الجوانب، ودراسته دراسة واعية مع إيجاد الحلول الناجعة له ورفع مذكرة في ذلك إلى من بيده الحل والعقد.
20- أخذ قطاع من الحارة أو الحي محدود بشوارع معلومة ودراسته دعوياً، وذلك بحصر جميع الأماكن التي تصدر منها بعض المخالفات الشرعية، ثم عمل السبل اللازمة للعلاج بالتعاون مع بعض الإدارات الشرعية في الحي.
21- المشاركة في المجلات الإسلامية، وذلك بدعمها معنوياً بالمراسلة والتشجيع والمشاركة، أو مادياً بالاشتراك فيها وحث الآخرين على ذلك.
22- القيام بزيارات متتابعة لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحي الذي تقطن فيه، وكذا مكتب الدعوة التعاوني، وتوثيق الصلة بهم ودعمهم بالوسائل الممكنة، إضافة إلى تنسيق الجهود الدعوية معهم.
23- عمل اشتراك في مجلة إسلامية أسبوعية أو شهرية لترسل إلى أحد عناوين من ترغب في دعوتهم وإيصال الخير لهم بدون أن يشعروا بهذا العمل منك.
24- ربط الصلة وتقوية العلاقة بالمؤسسات الدعوية و الإغاثية والتعرف على جهودهم ومؤازرتهم وتلقي أخبار المسلمين منهم، فهم أقدر من غيرهم في توفير الأخبار الصحيحة الموثوقة.
25- استخدام إمكانات الحاسب الآلي في إخراج نشرات دعوية، تمتاز بالدقة العلمية واللمسات الفنية، تطرق مواضيع شتى، ومن ثم تصور على أوراق ملونة جميلة، ويستفاد منها في ميادين الدعوة المختلفة.(8/107)
26- تجهيز لوحة جميلة توضع في صالة المنزل ، وتقوم الأسرة من جميع الفئات بإعداد ملصقات تربوية دعوية مفيدة ومنوعة، توضع على اللوحة ليستفيد منها أهل المنزل أولاً، والزوار ثانياً.
27- تصميم دولاب عرض جميل الشكل ومناسب لديكور المنزل ، ويوضع في مجلس الرجال ، ويضمن جملة من الكتيبات والمجلات والنشرات الدعوية المفيدة، ولا تنس أن تضع دولاباً آخر في مجلس النساء وثالثاً في صالة المنزل، ليستفيد منه أهل المنزل.
28- نداء موجه من كاتب هذه الأسطر إلى أصحاب التسجيلات الإسلامية، إن هناك العديد من المحاضرات القيمة في أماكن كثيرة، يلقيها علماء أجلاء وطلبة علم فضلاء، ومع ذلك لا تحظى بالتسجيل والتدوين الصوتي، لأن المشاركين فيها غير بارزين أو مشهورين؛ لذا على أصحاب التسجيلات توسيع دائرة الخيار بالنسبة للمشتركين والمستفيدين، والمساهمة في إبراز مجموعة من المحاضرين الأكفاء؛ ليكونوا بدائل معدة لمواصلة حمل الراية ونشر الخير.
29- هناك مجموعة من الشباب لا هم لهم إلا إيذاء خلق الله بالمعاكسات الهاتفية؛ لذا أرى لزاماً على أن أطرح تجربة نجحت مع هؤلاء، وهي منهج دعوي رائع وأسلوب تربوي ناجع فقد حدثني أحدهم أنه أُزعج من قبل أحد المعاكسين ، فجهز له مقاطع مؤثرة من قراءة الشيخ عبد المحسن العبيكان وعندما اتصل المعاكس أسمعه القراءة مباشرة ، وبعدها بفترة وجيزة اتصل المعاكس وهو متأثر جدّاً بما سمع واعتذر ، وتعهد ألا يكرر الخطأ معه أو مع غيره.
30- ومرة أخرى مع أصحاب التسجيلات حبذا لو قمتم بطبع جملة من المناظر الطبيعية المأخوذة من بلادنا، وكتابة مصدر المنظر وموقعه، وخاصة أيام الربيع والأمطار ، ثم تصدير النظر بنصّ شرعي من قرآن أو سنة ، يدعو إلى التدبر في ملكوت الله، ويكون التناسق ظاهراً بين النصّ الشرعي والنظر المصور.
31- طبع أقوال مأثورة ومؤثرة في نفس الوقت على الأقلام والميداليات ونحوها، ومن ثم إهداؤها إلى الآخرين، بعد طباعة أسمائهم عليها إن أمكن، ووضعها ضمن مظروف فيه كتيبات وأشرطة وغيرها، ولعل هذا الأسلوب مؤثر فعلاً.
32- عندما تقوم بنزهة في البر في وقت الربيع أو في غيره من الأوقات، فضع في اعتبارك أثناء إعداد أدوات الرحلة وتجهيزاتها، أنك ستمر بمجموعة من الرعاة من بلاد شتى، فخذ ما يلزمك من أشرطة وكتيبات بلغات مختلفة وأسلوب مناسب، وقدمها لهم مع قليل من المال لتسد بذلك قليلاً من عوزهم وفاقتهم، مع إرشادهم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم.
33- عندما تسافر من بلد إلى آخر ستمر أثناء طريقك بتجمعات لأصحاب الشاحنات المتخصصة في النقل الثقيل ، وهؤلاء بحاجة ماسة جدّاً إلى الملاحظة والمتابعة؛ لذا فإن إهداء أحدهم شريطًا أو مجموعة من الأشرطة سيكون له أثر ليس باليسير عليهم ، بل إنهم يفرحون جدًّا بما تقدم إليهم ويطلبون منك المزيد.
34- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي ، نحو ما ينتشر بين النساء خاصة من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثًا، أو القادمة من سفر بعيد و غير ذلك، وتقديم هدية المرأة، فحبذا لو ضَمَّنْتَ الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية وغيره.
35- وضع بعض التفاسير الموجزة المعروفة و الموثوقة في دواليب المصاحف في المساجد ، وكذا وضع نسخ متعددة من كتيبات كلمات القرآن تفسير وبيان، وإخبار المصلين بذلك مشافهة، ووضع نشرة في لوحة المسجد تدعو للاستفادة من هذه الإمكانية.
36- توزيع أشرطة القرآن الكريم بأصوات قراء معروفين يمتازون بحسن الصوت وقوة التأثير ، على أصحاب سيارات الأجرة و الليموزين والنقل الجماعي وغيرهم.
37- تصميم دليل هاتف جيب ، وتعبئة الصفحات الأول منه بمجموعة من الحكم والنصائح، أما بقية الصفحات المرتبة هجائيًا فيوضع في رأس كل صفحة بيتًا شعريًّا مؤثرًا ومفيدًا من أشعار الزهد والحكمة والحكم وغيرها، ويكون هناك تناسق في ترتيب الأحرف بين أوائل الأبيات والصفحات.
38- محاولة التغيير والتجديد وإعادة الصياغة والابتكار في لوحات المساجد بشكل متتابع، مع وضع ملف خاص لهذه المتابعة.
39- تكثيف نشر صناديق سحب الأشرطة والكتب الزائدة أو التي استهلكت ومن ثم إعادة الاستفادة منها مرة أخرى، إما بتوزيعها في أماكن نائية، أو بنسخ مواد جديدة عليها، أو غير ذلك من أوجه الاستفادة.
40- تصميم حقيبة صغيرة جميلة تحتوي على:
*حجاب متكامل( عباءة,غطاء وجه,قفازين,جوارب ).
*مجموعة أشرطة وكتيبات خاصة بالمرأة ودورها في المجتمع.
ومن ثم توزيعها على رواد الحدائق العامة ممن لا يهتمون بالحجاب.
41- أن يركز الداعية على عدم خلو سيارته من مجموعة مناسبة من الأشرطة والكتيبات والنشرات، لاستخدامها عند الحاجة المفاجئة لمن يحتاج إليها، إما عند إشارات المرور، أو في الأسواق أو غير ذلك.
42- أن يتبنى مسجد الحي مسابقة دورية أو فصلية، تخصص لها جوائز قيمة، وتقسم إلى فئات متفاوتة بحسب الجنس والسن، وتعلن نتائجها في احتفال مصغر، يدرج ضمن احتفالات ختام أنشطة حلقات تحفيظ القرآن أو تعلن بأي طريقة مناسبة.
43- القيام بزيارات للمخيمات والاستراحات في وقت خلوها وتقديم هدية لأهل المخيم أو الاستراحة إما بوضعها مباشرة أو عن طريق الحارس المسئول.(8/108)
44- زيارة مكاتب دعوة الجاليات، وشراء مجموعة من النشرات، ثم القيام بجولات على الورش والمصانع والشركات، وتوزيع هذه النشرات على العمالة الموجودة هناك ومن ثم الالتقاء بالمسئول عن المنشأة ومحاولة ترتيب لقاءات بين عمالة المنشأة وبين موظفي مكاتب دعوة الجاليات.
45- توزيع كتيبات دعوية أو إرشادية على العمالة القادمة من الخارج من خلال وضعها في أرفف جميلة في مكاتب الجوازات في المطارات الرئيسية.
46- زرع الحس الدعوي لدى بعض باعة الذهب أو الملابس النسائية أو غيرها مما يتعلق بالنساء، ومن ثم وضع جملة من الوسائل الدعوية على الطاولات الزجاجية، لتأخذ منها المرأة ما تريد، أو وضع شيء منها مع البضاعة المباعة.
47- أثناء السفر إلى الخارج لظروف معينة ؛ حبذا لو يقوم الداعية بنقل الفكر السلفي إلى تلكم الديار، عبر الكلمة والعبارة والكتيب والنشرة والشريط، وينشر ذلك الفكر قدر ما يستطيع.
48- تصميم ملصقات جميلة ذات ألوان زاهية تحوي عبارات الاهتمام بالنعم وتقديرها وحث الناس على شكرها واحترامها وتوزيعها على المطاعم و البوفيات وغيرها.
49- تصميم ملصق جميل الشكل فيه حث على عدم إسبال الثياب والتحذير من ذلك من خلال عرض موجز لبعض النصوص الشرعية ومن ثم توزيع هذا الملصق على محلات الملابس الرجالية.
50- الاستفادة من مواسم الخيرات كرمضان أو الحج أو الأعياد، وتوزيع مجموعات من الهدايا القيمة على الجيران، وتضمين ذلك جملة من الكتيبات والأشرطة.
51- عندما تشتري من أحد الباعة شيئاً ما ، اجعل الشراء وسيلة دعوية بأن تبش في وجه البائع وتلاينه وتلاطفه ، لا بقصد تخفيض السعر ، ولكن بقصد الثقة بك والاطمئنان إليك، وبعد ذلك قدم له هدية مناسبة.
52- عمل درس أسري أسبوعي أو نصف شهري ، يشارك فيه جميع أفراد الأسرة صغاراً وكباراً ، ويحتوي على جملة من الفقرات.
53- الاستفادة من التجمعات العائلية الكبيرة في إحدى المناسبات ، أو من اللقاءات العلمية المفتوحة أو غيرها، وعرض مسألة التبرع في كل لقاء بمبلغ بسيط ، وليكن خمسة أو عشرة ريالات، تصرف في شأن من شؤون الأسرة أو المجموعة ، أو التبرع بها لدعم مشروع خيري داخلي أو خارجي.
54- إنشاء مكتبات علمية صغيرة ، تحوي جملة من الكتب العلمية والدعوية والتربوية، وتوزع على بعض الأماكن الكبيرة ، كالمؤسسات والشركات والإدارات الحكومية ، وإمدادها بالمزيد من الكتب ، عن طريق العاملين فيها ؛ لتكون مكتبة كبيرة تناسب حجم المنشأة.
55- الاتفاق مع تجار القرطاسية والمواد المكتبية الذين يستوردون ويصنعون، على طباعة برامج تربوية، وشعارات دعوية على الدفاتر لما في ذلك العمل من فائدة مرجوة على الطلاب والطالبات.
56- الاستفادة من إمكانات الحاسبات الآلية في تصميم برامج دعوية متخصصة ونشرها بين الدعاة؛ فهذا برنامج خاص بالطلاب ، وآخر بالنساء، وثالث بالأطباء، ورابع بالعمال وهكذا، ويشمل البرنامج جملة من التوجيهات الدعوية، وعرضاً لأسماء الكتيبات المناسبة ، وكذا الأشرطة وغير ذلك.
57- طباعة خطب الجمعة على أوراق صغيرة قوية لامعة وتصنف على مجموعات ، كل مجموعة مستقلة تطرق موضوعاً واحداً، ولعل هذه الصورة المبسطة من الخطب ستفيد كثيراً في تعميم النفع من خطب الجمعة ، خاصة في المناطق النائية والهجر والقرى.
58- الاستفادة من صناديق الجرائد والمجلات الموجودة أمام بعض المنازل دعويًا، وذلك بتموينها بشكل متتابع بما يجد في السوق من كتيبات وأشرطة وغيرها.
59- وضع صناديق صغيرة وجميلة للأشرطة والكتيبات والنشرات في مداخل العمائر السكنية الكبيرة، والاتفاق مع أحد سكان العمارة على ملاحظتها، مع إمدادها بين الفينة والأخرى بما يستجد في الساحة من كتب وأشرطة، وتكون للإِعارة فقط.
60- محاولة تزويد غرف الفنادق أو بعضها بجملة من الوسائل الدعوية المثمرة.
61- تكثيف نشر أرفف المساجد التي تحمل عنوان ((أخي المسلم خذ نسختك)) وتعهدها دوماً بالإهداءات المتنوعة.
62- تصميم دولاب كبير الحجم متعدد الأغراض يوضع في المسجد ، يمتاز بالتناسق والأناقة ، بحيث يحتوي على مكتبة عامة للإعارة ، وركن للأشرطة.
63- إن من مهمات الداعية الحكيم شكر كل من ساهم في دعم الدعوة والثناء عليه ؛ لذا عليك أخي الداعي أن تهاتف أو تراسل أو تبرق لمن لمست منه ذلك، ففي هذا العمل تشجيع له، ودفع له على مواصلة العطاء وبذل المزيد.
64- تطوير برامج حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، لتشمل جملة من البرامج الدعوية المتعددة.
65- وضع صندوق في المسجد للفتاوى ، وحث الجماعة على الاستفادة منه، مع وضع لوحة صغيرة بجواره تكتب فيها إجابات الفتاوى بعد بحثها، أو سؤال أهل العلم عنها.
66- أن يقوم أحد أئمة المساجد بعقد لقاء دوري بين أئمة مساجد الحي ، ويدعى لهذا اللقاء مندوب الدعوة في الحي، وبعض طلبة العلم القاطنين في نفس الحي، ويتم فيه تدريس جملة من البرامج الدعوية داخل المساجد.
67- التركيز على بعض المستشفيات المتخصصة كمستشفى الأمل الخاص ، بعلاج مدمني المخدرات ، وكذا مستشفى الصحة النفسية وغيرها، والتعاون معهم في سبل الإصلاح، سواء عن طريق إقامة الدروس والمحاضرات الدعوية المبسطة ، أو برامج التوعية والوعظ أو عن طريق الهدايا وغير ذلك.
68- الاستفادة من حملات الحج التي تقام كل سنة، بتنظيم جملة من البرامج الدعوية والعلمية والثقافية للمشاركين في هذه الحملات، سواء في الطريق ذهاباً وإياباً، أو أثناء الإقامة في المشاعر، أو التنقل بينها، وكذا تنظيم مثل هذه البرامج في رحلات العمرة.(8/109)
69- محاولة كسب بعض أعيان البلد لدعم البرامج الدعوية ماديًا، بالصدقات والتبرعات والمشاركات، أو معنوياً بالوقوف مع الدعاة مؤازرة وتشجيعاً.
70- محاولة استغلال التجمعات في أوقات الإجازة في المصايف ، أو على الشواطئ، لعقد جملة من البرامج الدعوية.
71- على كل إمام مسجد أن يضع برنامجًا تعليميا مرتبًا لجماعة مسجده ، ويعلن ذلك في لوحة المسجد.
72- ترتيب كلمات تلقى خلال شهر رمضان أثناء صلاة التراويح أو القيام ، وتعلن في لوحة المسجد على شكل جدول بين واضح.
73- أن يتعاهد إمام المسجد بين الفينة والأخرى المصلين بهدايا توزع عليهم بعد انتهاء إحدى الصلوات، تشمل جملة من الكتيبات والنشرات أو الأشرطة.
74- على إمام المسجد أن يجعل مسجده مدرسة تربوية ، يحقق فيها الرسالة العظيمة للمسجد التي يغفل عنها الكثير ، ولكي ينجح في ذلك عليه أن يشكل لقاء دوريا أسبوعيا من جماعة المسجد ، وينتقل هذا اللقاء بين جماعة المسجد بشكل متتابع، وتطرح فيه جملة من القضايا التي تهم الجميع.
75- على أئمة المساجد الكبيرة والمشهورة التركيز على إقامة محاضرات علمية أو طبية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، وربط ذلك بالقضايا الإيمانية.
76- إن من وسائل الدعوة أن تعرف أسباب انحراف من تدعوه إلى الحق حتى يسهل عليك العلاج ، فعليك أن تلم بأسباب الوقوع في الشهوات أو الشبهات، وأن يكون لديك بعض العلم عن بعض المناهج الدعوية المضادة لمنهج السلف الصالح، وأن تعرف بعضًا من عقائد وأفكار الآخرين بشكل موجز مركز، لتأخذ الحذر وتحذر غيرك.
77- على صاحب الأسرة أن يسعى لتصميم منزله دعويا وذلك بعمل جملة من الأمور منها:
أ- أن يكون قريبًا من المسجد ، فإن ذلك أدعى للمحافظة على الصلاة.
ب- أن يجعله مستوراً لا ينظر إلى داخلة أحد الجيران ، ولا ينظر أحد أفراد الأسرة إلى منازل الجيران.
ج- أن يجعل واحدة من غرف البيت أن أمكن مصلى لا تستخدم إلا لذلك.
د- أن يجعل واحدة من غرف المنزل مكتبة عامة تحوى أنواعًا من الكتب ويدرج من ضمنها مكتبة صوتية شاملة.
هـ- تأمين جملة من وسائل التثقيف والمرح واللعب البريء والفائدة المبسطة، لتكون متنفسًا للأطفال.
و- الانتباه لجهاز الهاتف وجعله في متناول الجميع، يسمعه الجميع.
78- حبذا لو يقوم إمام المسجد مع مجموعة من المصلين بإصدار نشرة دورية باسم جماعة المسجد وتطبع وتخرج بشكل أنيق وجميل، لتحوي جملة من الموضوعات وتوزع هذه النشرة بعد صلاة الجمعة، أو في مناسبة عامة.
79- عمل لوحة مضيئة بجوار المسجد الجامع على غرار لوحات الإِعلانات الموجودة عند التقاطعات المرورية ؛ لتكون مجالاً دعويا خاصا بالمسجد ، يتم من خلالها الإعلان عن الدروس والمحاضرات ، ويتم من خلالها عرض جملة من الآيات والمواعظ والأحكام وخلافه.
80- القيام بزيارات مباشرة لشباب الأرصفة ويحبذ أن يرافق الزائر شخص مشهور عند هؤلاء الشباب ، ممن من الله عليه بالهداية ، كأحد مشاهير اللاعبين ، أو المغنين أو الممثلين أو غيرهم، ومن ثم مجالستهم والتبسط معهم ، وبعد ذلك دعوتهم بالموعظة الحسنة مع تقديم مجموعة من الهدايا المفيدة لهم.
81- وهذه وسيلة خاصة موجهة لفئة خاصة قادرة ملمة ، وذلك بأن تقوم باستخدام أسلوب الاستنزاف مع بعض الإِذاعات التنصيرية ، بالمراسلة الدائمة لها، وإكثار الطلب منها، مع الحذر من التأثر بها استماعًا أو مراسلة.
82- أن يؤمن إمام المسجد سبورة بلاستيكية بيضاء ويجعلها في وسط المسجد من الناحية الخلفية، ثم يتفق مع أحد الذين يجيدون الخط من أهل الحي، ليكتب بخط عريض وجميل وكبير حكمة أو آية أو بيت شعري ، أو غير ذلك ويتغير المعروض كل أسبوع.
83- يقوم مجموعة من الموظفين الذين يتمثل فيهم الحس الدعوي بإنشاء لقاء دوري بين زملاء الوظيفة خارج نطاق العمل ، يتم من خلاله زيادة الألفة والصلة بين الزملاء، ويستثمر اللقاء في ما يعود بالفائدة على الجميع.
84- حبذا لو يستفيد الدعاة من الإخوة الوافدين من جميع الجنسيات ، الذين يريدون العودة إلى ديارهم في إجازة أو خروج نهائي أو غير ذلك بإهدائهم جملة من الوسائل الدعوية ليتم نشر الخير في كل مكان.
85- القيام بزيارة المرضى في المستشفيات وتشجيعهم وحثهم على الصبر والاحتساب والاستفادة من حالة الضعف التي يعيشونها، بتذكيرهم باللجوء إلى الله تعالى.
86- أن يقوم إمام المسجد بالتعاون مع بعض المصلين، بوضع صندوق لتلقي التبرعات، وأن يخصص له برنامجاً منظماً لتلقي التبرعات.
87- أن يتعلم الداعية جملة من العلوم المساندة التي يستطيع أن يكسب بها ثقة الجميع وخاصة كبار السن، فَيُلِم مثلاً بمعلومات عن الفلك ومنازل القمر، وأخرى عن مواسم الأمطار، وثالثة عن تاريخ الأسرة ، مع إلمامه بتاريخ منطقته القريب ورابعة عن الأنساب وغيرها من العلوم، ويجعل هذه العلوم مدخلاً دعويا تربويا مناسبًا.
88- نشر أشرطة الفيديو الإسلامية المتوفرة في كثير من محلات التسجيلات بين الأسر التي ابتليت بهذا الجهاز ، وإمدادهم بهذه الأشرطة بشكل متتابع، والتركيز على مآسي المسلمين وجراحهم في أرجاء المعمورة.
89- أن يقوم إمام المسجد وبعض المصلين بإخراج مطوية ، أو إعادة صياغة مطوية مطروحة في السوق، وتوزع في المساجد المجاورة، وعلى جماعة الحي، وتذيل باسم جماعة مسجد كذا، لما في ذلك من إذكاء روح التنافس، وإعلاء الهمم بين أئمة المساجد ، ويراعي إمام المسجد المواسم المتتابعة لإفادة الناس عن طريق هذه المطويات.(8/110)
90- من المعلوم أن هناك كثيراً من العوائل والأسر تجتمع دوريًا مرة في الشهر أو أقل من ذلك أو أكثر ، وبعض هذه اللقاءات مضى عليها عشرات السنين ولازالت مستمرة ، وهذا شيء حسن لما في ذلك من الألفة والمحبة، إلا أن الاستفادة من هذه التجمعات عند الأكثرين محدود، فحبذا لو وضع برنامج منوع لاستثمار هذا اللقاء فيما يعود بالفائدة والنفع والمتعة على الجميع.
91- الاهتمام بمسائل الوقف الخيري ، وغرس محبة ذلك لدى التجار وأصحاب رؤوس الأموال وحثهم عليه، وبيان فضله، وتذكيرهم بالنصوص الشرعية الدالة على عظيم أجره ، وذلك بوقف أصل ثابت ، واستثمار نتاجه وفوائده وأرباحه في دعم البرامج الدعوية المتنوعة، كحلقات تحفيظ القرآن الكريم، والمساجد، والدعم الخارجي وغير ذلك.
92- إن سلوك الطفل في المدرسة يعكس في كثير من الأحيان وضع البيت؛ لذا على الأستاذ أن يلاحظ ذلك ملاحظة دقيقة ، ويحاول أن يجعل من الطفل سفيراً دعويا بالطريقة المناسبة بينه وبين الأسرة.
وصية أخيرة :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والشكر له على جزيل النعم والعطيات ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الداعي إلى المكرمات، وعلى آله وصحبه الأصفياء السادات، ومن سار على نهجه واقتفى أثره من الصالحين والدعاة .
أما بعد:
أخي الداعية:
إن حماسك المتواصل ، وبذلك المتتابع ، في سبيل إعلاء راية الحق لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى ، قد يجابه بقوة فتغلق في وجهك المنافذ والأبواب ، وتوصد دونك بابًا إثر باب ، فاصبر ولا تيأس ، فإن الصبر عنوان الظفر ، وكلما أغلق باب يسر الله من الخير أبواب:
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(3)سورة الطلاق.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
==========
وثيقة حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام
اعتنى بها : د. إبراهيم الناصر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد .....
فقد اعدت هذة الوثيقة , بيانا للموقف الشرعي تجاه قضية من قضايا العصر ألا وهي قضية المرأة وحقوقها في المجتمع المسلم , لا سيما في زمن هذه الجولة التغريبية المعاصرة , ونصحاً للأمة من أن تفتن في دينها , وبيانًا لرحمة الله بالناس أجمعين , حيث شرع لهم هذه الشريعة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان ,وقد فرض توقيتها الاستهداف العدواني الصريح والمتسارع لقيم هذه الأمة , من قبل منظومة عالمية , تقودها وتحركها المنظومة الغربية , من خلال رؤيتها العلمانية , المادية , الشهوانية , ربما ينجح العدوان في مرحلة ما , على بلد ما , في إسقاط سلطته السياسية ويهزم قوته العسكريه , لكنه لا يمكن أن ينجح في السيطرة على الشعوب المسلمة, إلا إذا أفقدها ثقتها بدينها, قال تعالى : ( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ) (89) سورة النساء, إن الاجتماع على مثل هذه الأصول , هو ثمرة من ثمرات وعي الأمة , وتجمعهم على الخير , نصرة للحق , ورداً للظلم وإشاعة للفضيلة, لقد حرصت الوثيقة على الاختصار بالاقتصار على الحد الأدنى من التعليل والتدليل. ضمن المحاور التالية منطلقات أساسية, أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها, رؤى تفسيرية وتعليلية لبعض هذه الأصول , توصيات ومطالب .
أولا: منطلقات أساسية
هناك مبادئ ومنطلقات شرعية وواقعية توجه صياغة أي أصول شرعية حول قضية المرأة وحقوقها , وتحدد دواعيها , ومسلماتها , وطريقة معالجة موضوعها , وأهمها مايلي:
1- الاعتقاد الجازم بأن مصدر الخير والحق – فيما يتعلق بأمر الدنيا والآخرة – هوالوحي الإلهي بمصدريه الكتاب والسنة المطهرين,ومن ذلك الإجماع الثابت المعتبر, واعتبار الرجوع إليها وعدم مخالفتها, من أصل الإيمان وشرطه, قال عز و جل :( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)(65) سورة النساء .
2- اليقين بصلاحية هذه الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان , وبشمولها لكل مناحي الحياة , والثقة التامة بهذا الدين , وأحكامه الكلية والجزئية ؛ لذا فإن التصحيح والإصلاح لأي خلل في أي وضع أو ممارسة , يجب أن يكون وفق معيار الشريعة في الصواب والخطأ ,وليس وفق موازين الآخرين من غير المسلمين , أو من تأثر بهم من أبناء المسلمين , قال تعالى :( وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ )(49) سورة المائدة.
3- الوعي بقصور المناهج الوضعية البشرية – المخالفة لنصوص الوحي الإلهي – في التصورات , والقيم , والموازين , والأحكام , مهما بدت مزينة وبراقة , قال تعالى : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)(82) سورة النساء , مع الاعتراف بأنها قد تصيب الحق أو بعض جوانبه أحيانا , نتيجة لبقايا فطرة سليمة .(8/111)
4- الإيمان بأن دين الإسلام هو دين العدل , ومقتضى العدل :التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين , ويخطئ على الإسلام من يطلق أنه دين المساواة دون قيد ؛ لأن المساواة المطلقة تقتضي أحيانا التسوية بين المختلفين , وهذه حقيقة الظلم , ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق , إنما جاء الأمر بالعدل ؛ لذا فإن الإسلام يقيم الحياة البشرية والعلائق الإنسانية على العدل كحد أدنى , قال تعالى : ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )(8) سورة المائدة .
5- في مجال العلائق بين البشر, يعتمد الجاهلية الغربية المعاصرة (الفردية ) قيمة أساسية , والنتيجة الطبيعية والمنطقية لذلك هو التسليم بأن الأصل في العلاقات بين البشر, تقوم على الصراع والتغالب , لا على التعاون والتعاضد , فالحقوق عند المسلمين لم يقررها الرجل ولا المرأة إنما قررها الله اللطيف الخبير , الذي قال :(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ )(189) سورة الأعراف, فإن وجد في واقع المسلمين حيف في الحقوق من طرف تجاه آخر, فهو نتيجة لانحراف المسلمين عن دينهم .
6- إن معركة الكفار ضد المسلمين مستمرة منذ قيام هذا الدين , قال تعالى :(وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)(217) سورة البقرة , وفي الفترات التي يتسلط فيها الكفار على المسلمين , يظهر النفاق في أوساط المسلمين , ويجاهر من في قلبه مرض بمواقفه , ويكثر السماعون لهم ؛ لذا وجب مجاهدة المنافقين والاحتساب عليهم بقوة .
كما يجب مناصحة السمّاعين لهم , ممن تأثر بواقع الهزيمة المادية والمعنوية للمسلمين , فضعف اعتزازهم بهذا الدين وأحكامه وشرائعه وتأثر بشبهاتهم و ضلالاتهم .
ثانيا : أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها
لم يعرف في تاريخ المسلمين , على مدى عمر أمة الإسلام , مشكلة اسمها (قضية المرأة ) سواء أكان ذلك في أوج عزتهم وتمكنهم , أو في أزمنة ضعفهم وهزيمتهم , وعندما نقل الغرب وأدعياؤه المستغربين أمراضهم ومعاناتهم على البشر جميعا - بما فيهم المسلمين - ظهر ما يسمى بـ (قضية المرأة ) , حيث لا قضية , ونودي بتحريرها في معظم مجتمعات المسلمين بالمفهوم العلماني الغربي للتحرير .
لذا نبين هنا بعض الأصول الشرعية الحاكمة في هذا السياق :
1- المرأة أحد شطري النوع الإنساني ,قال تعالى :(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)(45) سورة النجم , وهي أحد شقي النفس الواحدة , قال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا )(1) سورة النساء , فهي شقيقة الرجل من حيث الأصل , والمنشأ والمصير , تشترك معه في عمارة الكون - كل فيما يخصه - بلا فرق بينهما في عموم الدين , قال عز وجل : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (97) سورة النحل , وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما النساء شقائق الرجال) أخرجه أبو داود والترمذي , ولا يوجد تعبير عن هذا أدق وأبلغ من لفظ ( َبعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) ,في قوله تعالى : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )(195 )سورة آل عمران , وقد اقتضت حكمة الخالق أن الذكر ليس كالأنثى في صفة الخلقة والهيئة , والتكوين , وكان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة :الاختلاف بينهما في القوى , والقدرات الجسدية , والعاطفية , والإدارية , قال سبحانه وتعالى عن الذكر : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى )(36) سورة آل عمران , وقال تعالى عن الأنثى : (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)(18)سورة الزخرف , فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين وهذه إرادته الدينية الشرعية , في الأمر والحكم والتشريع .
2- ويترتب على هذه الحقيقة الثابتة أحكام شرعية كلية , ثابتة ثبات هذه الحقيقية , منها : أحكام الأسرة , فالأسرة في الإسلام هي وحدة بناء المجتمع , يترتب على قوتها وتماسكها سلامة المجتمع وصلاحه , والأسرة في الإسلام تهدف إلى تحقيق غايتها بتبادل السكن , والرحمة , والمودة بين أفرادها , قال تعالى : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )(21) سورة الروم .
وللمرأة دور أساس في قوة الأسرة وتماسكها , وأي اختلال في أداء المرأة لمسؤوليتها في الأسرة , ينعكس أثرة على أفرادها .
وفي المقابل فعلى الرجل تحمل أعباء القوامة , التي هي تكليف فرضته عليه الشريعة الغراء , قال عز من قائل :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )(34) سورة النساء ,والقوامة هي القيادة ,أي قيادة المجتمع الصغير ( الأسرة ) , التي يتشرف بها الرجل دون تسلط أو تعسف , حيث تكون مسؤولية النفقة فيها وطلب الرزق والحماية والرعاية واجبة على الرجل , وله بذلك حق الطاعة بالمعروف , وليست الطاعة المطلقة , كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري ومسلم .(8/112)
3- الرجل مكلف بالنفقة على المرأة , وهذه النفقة حق للمرأة ونصيب مفروض في ماله , لا يسعه تركها مع القدرة , قال تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)(7) سورة الطلاق , وهذا الحق لها لا علاقة له بحقها في امتلاك المال والتصرف به , من خلال إرادتها وذمتها المالية المستقلة كالرجل وهذا حق ثابت في الشرع المطهر .
4- العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما, وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي , ومن مقاصد هذا التكامل : حصول السكن للرجل , والمودة والرحمة بينهما , قال سبحانه :( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )(21) سورة الروم , فإن كان الجنسان يتمايزان في الصفات العضوية , والحيوية و, والنفسية , فإن من الطبيعي أن يتمايزا في الوظائف الاجتماعية , والتكامل بين الجنسين في المسئوليات والحقوق , هو ثمرة العدل ؛ لذا من الظلم والجور تحميل المرأة أعباء الرجل , دون حاجة شخصية أو اجتماعية , حيث يمثل ذلك اعتداء على حق العدل, وعلى كرامة المرأة وأنوثتها .
5- إن الوضوح في تحديد وظيفة المرأة في الحياة , يوجه حتما تعليمها ؛لذا نؤكد هنا أن التعليم واجب شرعي فيما لا يتم تعبد الإنسان لربه إلا به , كمعرفة فروض الإيمان , وفروض العبادات ونحوها , وهذا يشترك فيه الذكر والأنثى , قال صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) رواه ابن ماجه , ثم تصبح فرضية بقية المعارف والعلوم عليهما بحسب وظيفة كل منهما ومسئوليته.
6- حفظت الشريعة - المراعية للفطرة والقائمة على العدل - للمرأة حقوقًا على المجتمع , تفوق في الأهمية كثيرًا من الحقوق التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان , الصادرة عن الأمم المتحدة , القائمة على أساس المساواة التماثلية, وتغفل الجاهلية المعاصرة هذه الحقوق , ولا تبالي بانتهاكها, ومن حق المرأة في الزواج حسب الشريعة الإسلامية اختيار زوجها في حدود قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ) رواه ابن ماجه .
7- العفة وحفظ العرض , أصل شرعي كلي , جاء ضمن المقاصد الشرعية في حفظ ورعاية الضرورات الخمس المجمع على اعتبارها , التي ترجع إليها جميع الأحكام الشرعية , وهي : حفظ الدين , والنفس , والعرض والعقل , والمال , وأي انتقاص لمبدأ العفة هو عدوان على الشريعة ومقاصدها, وانتهاك لحقوق المرأة والرجل والأسرة والمجتمع , وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين , قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)?19? سورة النور ؛ لذا شرع الحكيم أحكاماً , لرعاية هذا المبدأ , فشرع الزواج وعظم شأنه , وذلك في قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )(21) سورة النساء .
8- يعتبر الحجاب حصنا أساسيا من الحصون التي تحافظ على العفة والستر والاحتشام , ويمنع إشاعة الفاحشة , كما أنه مظهر من مظاهر الاعتزاز بالشعائر الشرعية , المحققة لعفاف الرجل والمرأة والمجتمع .
إننا عندما ندرك أهمية الحجاب والقيمة المرتبطة به , يزول عجبنا من شراسة الحرب ضده , فالغرب - مثلا - أصبح يضيق بالحجاب ذرعًا , كما لم يضق بأي لباس آخر لأي طائفة دينية , أو نحلة بشرية , والشواهد على مضايقة المحجبات قانونياً و عملياً واضحة لكل متابع .
9- وإذا كان الحجاب شريعة محكمة وفريضة ثابتة , لصيانة كرامة المرأة والمجتمع عامة , ولتدعيم مبدأ العفة ؛ فإن تشريعًا آخر يرتبط بهذه الغاية ويقويها , وهو إباحة تعدد الزوجات , الذي تم تشويه حقيقته من خلال الطرح الإعلامي المشوة , ومن خلال الممارسة الخاطئة له .
فالتعدد تشريع ثابت محكم , مشروط بالعدل , محقق لكرامة المرأة وميسر لها الزواج بكرامة وعفة , كما أن التعدد في كثير من الأحيان سبب لحفظ كرامة الأطفال , وذلك بإيجاد الأب البديل للطفل اليتيم أو الفاقد للأب عوضاً عن التشرد أو دور الأيتام , قال عز و جل :(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا )?3? سورة النساء .
ثالثا : رؤى الوثيقة
1- إن الإسلام بعد تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في معنى الإنسانية والكرامة البشرية , والحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك والمساواة في عموم الدين والتشريع , يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق وبعض الواجبات , تبعا للاختلاف الطبيعي الحاسم بينهما في المهام والأهداف , والاختلاف في الطبائع التي جبل عليها كل منهما , ليؤدي بها وظيفته الأساسية , وهنا تحدث الضجة الكبرى التي تثيرها المؤتمرات الخاصة بالمرأة وروادها , ويثيرها المنتسبون للحركة النسوية العالمية ومقلدوها في العالم الإسلامي , المروجُون لفكرة المساواة التماثلية بين الجنسين(8/113)
إن أي فكرة أو حركة تقوم على مصادمة السنن الاجتماعية والفطر البشرية مصيرها الفشل الذريع , والخسران المبين , وهذا سبب فشل حركات تحرير المرأة .
2- تحرم الشريعة الإسلامية التمييز الظالم ضد المرأة , الذي يخل بحقوقها أو يخدش كرامتها , ولا يوجد تمييز مجافٍ للعدل ومحابٍ للرجل في منهج الإسلام أو أحكامه ضد المرأة , إلا ما كان في أذهان المرضى بالهزيمة النفسية , أو عند الجاهلين بالشرع المطهر , الذين لم يدركوا الحِكَم من وجود بعض الفروق الخَلقية والجِبَّلية , وما لزم على ذلك من وجود بعض الاختلاف في الأحكام الشرعية , والوظائف , والحقوق الحياتية , وكل دعوى تنافي ذلك - سواء صدرت عن عدو مغرض , أو صديق جاهل- فهي مبنية على وهم وغفلة , أو حجة داحضة .
وقيل - مثلا - إن اعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل , مظهر للتمييز ضد المرأة , وهذه غفلة عن طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها - لحكة بالغة -فهذه الطبيعة التي قد تضلها عن الحقيقة , تقتضي وجود امرأة أخرى معها في الشهادة , حفظاً للحقوق , قال تعالى :(أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى )(282) سورة البقرة , هذا مع العلم أنه تقبل شهادة امرأة واحدة فيما هو من اختصاصها , كالرضاعة , وثبوت البكارة , والعيوب الداخلية للمرأة , ونحوها .
3- إن المرأة بتكوينها الجسدي والفكري والوجداني , مهيأة لوظيفة أساسية معينة , هي الأمومة ولوازمها , فإذا لم تقم بها فذلك إهدار لطاقة حيوية مرصودة لغرض معين , وتحويل لها عن سبيلها الأصيل , وحينما تكون هناك ضرورة , أو حاجة شخصية أو اجتماعية للعمل فلا اعتراض , أما اللجوء إليه بغير حاجة , لمجرد استجابة لنزوة حمقاء , أصيب بها جيل من البشرية , بسبب ظروفه التاريخية والثقافية , فهذا أمر لا يُنْتَظر من الإسلام قبوله.
لقد كان الإسلام يلحظ الفطرة البشرية وحاجات المجتمع معاً , حين دعى المرأة للقيام بوظيفتها الأولى باعتبارها من العبادة التي خلقت من أجلها ووهبت العبقرية فيها , وجعل كفالتها واجبًا على الرجل , لا يملك النكول عنه ليفرغ بالها من القلق على العيش , وتتجه بكل جهدها و طاقتها لرعاية الإنتاج البشري الثمين , ولتحقيق السكن المطلوب لرعاية الأسرة زوجاً و أولاداً , ثم أحاطها بكامل الرعاية والاحترام , حين حض الزوج عليها فقال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(19) سورة النساء, وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) رواه الترمذي , وقال : ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه مسلم .
4- إن الإسلام يحث المسلم , ذكرًا كان أو أنثى , على العمل , بالمفهوم الشرعي للعمل لا بالمفهوم المغلوط أو المستورد , فالرجل عامل في طلب الرزق وبناء المجتمع , كما أن المرأة عاملة في بيتها وفي بناء أساس المجتمع , وهو الأسرة .
ولأهمية الأمر , نشير هنا إلى مغالطة شائعة في مفهوم العمل , عند الحديث أو المطالبة بعمل المرأة , حيث يخصص في عمل من سمى في اصطلاح الفقهاء (بالأجير الخاص ) , وهو:( العمل مدفوع الأجر) , فلا يحتسب من العمل - مثلا - تلك الأعمال التي تمارسها المرأة في بيتها , من تربية للأبناء , أو حسن تبعل للزوج , أو رعاية لوالدين ونحو ذلك , وبأن عدم دخول المرأة (سوق العمل) أجيرة يعتبر تعطيلا لنصف المجتمع , وهذه مغالطة , انطلت على كثير من الناس - مثقفهم وعاميهم - إلا من رحم الله , حتى أصبح الخيار , في حس المرأة , هو أن تكون (عاملة ) خارج بيتها أو تكون ( عاطلة ) في بيتها , والصحيح أن الخيار هو : إما أن تكون عاملة أجيرة للغير , أو تكون عاملة حرة في وظيفتها الأساسية .
إن الخلل في هذا المفهوم يدفع المرأة لتضغط على نفسها,وعلى أسرتها , وعلى مجتمعها ؛ لتتحول من كونها عاملة حرة في بيتها , لتكون أجيرة خارج بيتها , مما يؤدي إلى ظلمها , وإلى تقصيرها في حق زوجها وأبنائها.
إن احتساب المرأة عملها أجيرة – في الأعمال الملائمة لها- مما تدعو إليه الحاجة الاجتماعية الحقيقية لا الموهومة , أو تدفع إليه الحاجة الشخصية ,يعتبر حالة جائزة شرعًا , ما دامت منضبطة بضوابط الشرع , دون التوسع فيها.
5- إن استراتيجيات التعليم , ومناهجه في مجتمعات المسلمين , بحاجة إلى إعادة نظر , لتعيد إلى المرأة كرامتها الشرعية , ولتؤهلها للعمل الطبيعي الملائم لها , الذي لا يمكن لأحد أن يحل محلها فيه , وأن يعاد بناء استراتيجية تعليم المرأة في بلاد المسلمين على تحقيق الأهداف الأساسية التالية :
1- تخريج امرأة حسنة التعبد لربها .
2- تخريج امرأة حسنة التبعل لزوجها.
3- تخريج امرأة حسنة التربية لأبنائها.
4- تخريج امرأة حسنة الإدارة لبيتها.
5- تخريج امرأة حسنة الإعمار لمجتمعها - فيما يخصها - .
إن الخلل في تعليم المرأة المتمثل في تماثل منهجها التعليمي مع الرجل , بحيث يؤهلها للوظائف التي يؤهل لها الرجل ؛لأنهما أعدا بطريقة واحدة , ونالا دراسة واحدة , هو اعتداء على حقها , وانتقاص لكرامتها , فلقد أثبتت الوقائع المعاصرة , علاقة هذا الخلل بالعنوسة , والطلاق , والإحباطات النفسية , والمشكلات الأسرية .
ولذا فعلى المجتمع , وقادة الرأي فيه بشكل خاص , أن يقفوا أمام أي محاولات , أو قرارات , لدمج تعليم الذكور مع الإناث ؛ وذلك حفاظًا لمقاصد التشريع , وتحقيقًا لما أثبتته التجارب والوقائع من إيجابيات فصل تعليم الجنسين ومفاسد دمجهما .(8/114)
6- إن المجتمع المسلم مسئول عن رفع الظلم عن جميع أفراده عملاً بتحريم الله للظلم بين العباد , كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : (يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ) رواه مسلم , ومن أقبح الظلم بين العباد ظلم المرأة , كما قال عليه الصلاة والسلام : ( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) رواه النسائي ,وقد تنوع الظلم الواقع على المرأة , من حرمانها لحقوقها , وإهانة كرامتها,واستغلال ضعفها وأنوثتها , سواء أكانت أمًا أو زوجًة أو بنتًا ؛ نتيجة لضعف الوازع الديني والخلقي .
إن رفع هذا الظلم أو تخفيفه قدر الإمكان , مسؤولية شرعية توجب العمل الجاد لتصحيح هذا الوضع , وتسهيل الإجراءات الإدارية والقضائية لمنعه قبل وقوعه ,وتكثيف البرامج الشرعية التوعوية والتثقيفية ؛ لتصحيح التدين للأفراد والمجتمع ؛ وللتعريف بالحقوق الشرعية .
7- عن عولمة المنظور الليبرالي الغربي للحياة الاجتماعية وللمرأة ,يمثل تعديًا سافرًا عليها في أي مكان , وخاصة في بلاد المسلمين , هذه الحقيقة مؤسسة على أمور ثلاثة :
الأول : يتعلق بالجانب التشريعي القانوني الذي يراد عولمته , حيث إنه أسس على موروث ثقافي متحيز , وصراع حقوقي تاريخي , مرتبط ببقعة محدودة من الأرض ,لا تتماثل ثقافيًا ولا تشريعيًا مع أغلب بقاع العالم.
الثاني : أنه أسس على توجه مادي رأسمالي نفعي , تقدم فيه المنافع المادية على غيرها من الأخلاق والقيم المقيدة , أو الضابطة لهذه المنافع .
الثالث : يتعلق بالواقع المعاش من قبل المرأة في الغرب , الذي تكشفه المعايشة القريبة , أو الاطلاع على الإحصاءات , والدراسات , والتقارير الجادة.
8- إن ازدواجية التشريع , وازدواجية مصادر التوجيه الاجتماعي والأخلاقي في مجتمعات المسلمين يفتنهم عن دينهم , ويحيل الهوية الاجتماعية والثقافية إلى حالة تلبيس معتمة , تحرم الناس الضياء والنور , فيضلون السبيل .
إن المجتمع عبارة عن حلقات مترابطة من البنى الثقافية , والاجتماعية , وغيرها , وأي إخلال بأي منها يؤثر حتمًا فيها , وهذا يوجب النظرة الشمولية في الإصلاح , وتوحيد المرجعية التشريعية , وتأسيسها على التنزيل الإلهي الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )(42) سورة فصلت .
رابعًا : توصيات ومطالب
1- الأمة والمجتمعات الإسلامية :
أ- الحذر من التحلل الكلي أو الجزئي من شرع الله , والعبث بأخلاق المجتمع المسلم , فهذا فضلا عن أنه هزيمة ثقافية ومعنوية , مؤداه الخضوع لأعدائنا وتقوية لسلطانهم علينا , فإنه مؤذن بعقوبات من الله في الدنيا والآخرة , قال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) سورة النور.
ب - حفظ الأخلاق والعفاف , هو مايجب أن يحكم توجه التعليم والعمل في مجتمعات المسلمين , كما يجب أن يحكم توجه الإعلام , والثقافة , والترفيه ونحوها , فمنع الاختلاط في التعليم - وكذلك في العمل - من أهم الوسائل للمحافظة على عفة المجتمع وأخلاقه.
وينبغي أن يدرك المجتمع أن إقرار المؤسسات والمنابر الإعلامية , في انطلاقها من الدافع الاقتصادي أو الترويحي فحسب , دون اعتبار لمقاصد التشريع وأحكامه – ومنها ما يتعلق بالأخلاق والعفاف – هو خلل خطير يحتاج إلى وقوف جميع المخلصين , من علماء , ومفكرين , ومختصين ,ووجهاء , وتجار , وعامة ؛ لدفعه ؛ ولردّ أصحابه إلى الحق , الذي تسلم به المرأة , والرجل , والمجتمع .
ج- يجب على ولاة الأمور الأخذ على أيدي السفهاء , وأهل الأهواء , ومتبعي الشهوات , ممن هم في مجالات التعليم , والثقافة, والإعلام , وغيرها , وعدم تمكينهم من انتهاك الحقوق الشرعية للنساء المؤمنات , أو تبني المناهج والبرامج , التي تقود إلى انتهاك عفتهن , أو إشاعة الفاحشة بين المؤمنين إرضاءً للعدو.
د- يجب على أهل العلم عدم التخلي عن مسئوليتهم الشرعية في حماية المجتمع من تبعات القرارات المتعلقة بالقيم الاجتماعية - كتلك المتعلقة بأدوار كل من الرجل والمرأة في الحياة , أو المتعلقة بالأسرة , أو العفة , ونحوها - , وذلك بالاحتساب عليها مهما صغرت ؛ حماية للدين وشعائره من أن يعبث بها عابث , قال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ?104? سورة آل عمران.
هـ - التأكيد على خطورة كتمان العلم , وتأخير بيانه عن وقت الحاجة , قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) ?187? سورة آل عمران , خاصة عندما تمس المبادئ والأخلاق زالحقوق , وأشد من ذلك خطرًا , تبرير قرارات وتوجهات تغيير القيم الاجتماعية الشرعية , رغبة أورهبة.(8/115)
و- الوعي بأن القيم الثقافية , والاجتماعية , والأخلاقية , والحقوقية الغربية السائدة , مهيمنة عالميًا , بفعل قوة دولها , لا بملاءمتها للفطر السليمة والشرائع الصحيحة , ونؤكد أهمية مراجعة الحقوق الإنسانية على ضوء الفطر السليمة والعقول الصحيحة , والمُحكمات التي اتفقت عليها الشرائع , ولا تنطبق هذه الأوصاف إلا على مبادئ الحقوق في الإسلام , التي تشكل البديل الأمثل ؛ لتكون قيمًا عالمية , ومعيارًا لتقرير الحقوق الإنسانية .
2- المرأة المسلمة :
أ- يجب على المرأة المسلمة عدم التفريط في الالتزام بتعاليم الشرع المطهر وأحكامه , تحت ضغوط الواقع , وأظهر ما يخصها في ذلك : الالتزام بالحجاب الشرعي , فعليها تلقي هذه الفريضة بالقبول , والاعتزاز بها , والاحتساب في ذلك.
إن التزام المؤمنات العفيفات بالحجاب , وفق الأحكام الشرعية , والتواصي به , من أهم الوسائل لحفظ المجتمع , ومقاومة العدو الغازي , ونحسب أن التمسك به من الجهاد , الذي هو في وسع المرأة المسلمة , في ظل الحرب المسعورة على هذه الشريعة .
ب- ضرورة إسهام المرأة المسلمة بشكل فاعل في تحمل مسئوليتها الاجتماعية , وفي ممارسة دورها الحقيقي , من خلال التعبد الحق لله , ومن مظاهر هذا التعبد - اجتماعيًا - حسن تربيتها لأولادها , وحسن رعايتها لأسرتها , وقرارها في بيتها -إلا لحاجة - , وإشاعتها العفة في المجتمع بحفاظها على حشمتها وعرضها , ودعوة بنات جنسها للخير , وتحذيرهن من الشر, ومعرفة حق الله فيما كسبت من مال , وتوجيه هذا المال إلى ما يحبه الله من أعمال البر والإحسان
وختامًا:فإن أهم ما يجب أن يذكر هنا , هو الاهتمام بالناحية العملية – بعد التقرير العلمي – التي تطلق بإذن الله النهوض الحقيقي للمرأة في مجتمعاتنا المسلمة , وتكفل لها حقوقها التي منحها إياها ربها العليم الخبير , والعزيز , الحكيم , ويتم لها المشاركة الإيجابية في التنمية الحقيقية – لا المزعومة – دون أن تمر بمأساة المرأة الغربية , أو يؤول المجتمع إلى المصير الوخيم لأولئك القوم , وبالتالي تكون المسلمة أنموذجًا عدلا ً لمن أراد الخير من نساء العالمين .
==============
صفات الداعية
اسم المحاضر : الشيخ سلمان بن فهد العودة - حفظه الله -
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله استهل الشيخ محاضرته فقال:
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي مهمة الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ?108? سورة يوسف.
الدعوة إلى الله من أعظم الميزات التي يتميز بها الإنسان المسلم، وقد قيض الله سبحانه وتعالى لها من يحملها في العصور الماضية من العلماء العادلين، وحتى يومنا هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، و تغويل الجاهلين، وانتحال المبطلين )، وقد جاء الحديث من طرق عديدة وحسنه أهل العلم، والآن نرى ونسمع من الكثير من الشباب والعلماء، الذين يصنفون أنفسهم في قائمة الدعاة إلى الله تعالى، ولا شك أن هذا الانتساب هو انتساب شريف، ولا بد من تزكيته لتصحيح هذه النسبة، لتكون اسمًا على مسمى، وليكون المنتسب إليها جديرًا بالتحلي بها وتمثيلها أمام الناس، وحري بكل داعية أن يكون كريمًا جوادًا سمحًا، وتلك بعض من شمائل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، أي أن كل خصلة طيبة مطلوبة في المسلم، فالداعية من باب أولى أن تكون فيه تلك الخصلة أو الصفة، فلا بد من أن تكون لدى الداعية الصفات والخصال الآتية :
1- الإخلاص لله جل وعلا :
لا بد لكل عبادة من الإخلاص لله، قال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ?5? سورة البينة.
والإخلاص هو أن يقصد الإنسان وجه ربه والدار الآخرة، لا يريد جاهًا أو منصبًا أو سمعة ولا مديحًا ولا مكانةً، لا شك أن الداعية يفرح عندما يستجيب الناس لدعوته، ويحزن عندما يعرضوا عنه، انظر أيها الداعية هل تفرح عندما ترى الناس يتكاثرون عند داعية آخر ؟ فهذا يدل على الإخلاص، وإن كان غير ذلك فعليك اتهام نيتك وتصحيح ما أنت عليه.
2- العلم الشرعي :
وهو أن يقوم الداعية بطلب العلم، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ?122? سورة التوبة، فينبغي على الدعاة أن ينفروا للتفقه في الدين، فلا بد من العلم بجميع أنواعه باللسان والقلب، وعلم القلب الذي يورث الخشية من الله عز وجل، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله : (عالمٌ عاملٌ معلمٌ يدعى كبيرًا في ملكوت السماوات).
وطلب العلم الشرعي الصحيح يحفظ الدعوة من الانحراف، ويحفظ صاحبه من الانحراف، فإذا انحرف الداعية عن الطريق الصحيح، فإن جميع من يسمعونه سينحرفون معه عن المسار الصحيح، ويلبس عليهم دون أن يعلم، وخاصة عندما يكون الداعية له مكانة بين الناس، كذلك طلب العلم الشرعي يعصم الداعية بإذن الله من الانحراف السلوكي، ويجعله بعيدًا عن الانحراف عن منهج الدعوة.
3- الصدق الذي يكون محله القلب :(8/116)
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ?119? سورة التوبة، والصدق حقيقة هو الإخلاص لله، فينطقه اللسان وتصدقه الجوارح، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وتحدث الناس بمجيئه وسمعت بمجيئه، ذهبت إليه قال: فاستثبت في وجهه، عرفت من وجهه أنه ليس بوجه كذاب قال: فسمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( أيها الناس أطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ).
كم من الدعاة اليوم إذا نظرت في وجهه عرفت أنه ليس بكذاب ؟ وحتى يصبح الداعية صادقا كم يحتاج من الوقت حتى تنطق أساريره وتخبر عن صدقه، فيجب على الداعية أن يمتثل صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -.
4- العدل وهو معنى عام :
مع النفس ومع الغير، مع العدو ومع الصديق، والقريب والبعيد، في العبادة وفي السلوك، وبالعدل قامت السماوات والأرض، كما نطق اليهود بها شهادة عندما رأوا عدل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن العدل الحكم على الأشياء والأشخاص، والكتب والمجلات والمؤسسات والأعمال، وكل شيء تتكلم فيه يجب أن تراعي فيه العدل.
وكثيرًا ما يخل الداعية بخلق العدل، فمثلاً عندما يريد الداعية أن يتكلم عن شخص محبوب لديه، معلم أو طبيب أو مهندس أو صديق أو قريب، فتجد الداعية يصفه وكأنما يصف أحد الخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين بالجنة، لماذا ؟ لأنه يتكلم بلسان المحب فلا يرى إلا المحاسن وبعين الرضى، ولكن عندما يتكلم عن شخص لا يحبه فإنه لا يرى إلا السخط ، فهو ينسى كل حسنات هذا الشخص وأفعاله الطيبة، وعمله الخيِّر، وكما يقول الناظم :
وعين الرضى عن كل عيب كليلةٍ ... ... ولكن عين السخط تبدي المساوئَ
إذ لا بد من العدل حتى تعطي كل ذي حق حقه.
5- الحكمة :
وهي بتعريف العلماء وضع الشيء في موضعه، وما أحسن من قوله تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ?269? سورة البقرة، وقد أمر الداعية بالحكمة، ومن الطيب أن يخاطب كل شخص بما يناسبه من الخطاب.
من صور الحكمة عدم التعجل والطيش، ويجب التدرج في الأمور، ومن الحكمة أن لا يعمل الداعية عملاً ضرره مساويًا لنفعه، فعلى سبيل المثال لو وجدت إنسانًا على معصية، ولو أنك نهيته عنها فوقع في معصية أخرى مساوية لتلك المعصية.
ومن صور الحكمة أيضًا تقديم الأهم على المهم، وتقديم المهم على ما دونه حين تتعارض وتتزاحم الواجبات، لو وجدت إنسانًا عليه مجموعة من المعاصي، كأن يكون تاركًا للصلاة ويشرب الخمر ويسمع الغناء، ليس من المصلحة أن تقول له أنت تارك للصلاة شارب للخمر وتسمع الأغاني، فمن المصلحة أن تبدأ معه بالصلاة أولاً، وعندما يبدأ بالصلاة تدعوه لترك المعاصي بالتدريج.
ومراعاة الرفق بالدعوة وهذا من الحكمة أيضًا، كما حصل مع موسى وهارون عليهما السلام، في قوله سبحانه وتعالى : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) ?44? سورة طه، ولذلك يقال : ( أن أحد الدعاة المتعجلين دخل على أحد الخلفاء، وتكلم عليه كلامًا قاسيًا، فكان الخليفة أفقه من هذا الداعية فقال له الخليفة: قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فأمره بالرفق واللين، (بعث موسى إلى فرعون) وموسى خير منك وفرعون شر مني )، فمراعاة الرفق والأناة واللين أمر واجب على الداعية.
6- الصبر :
وهو حبس النفس على ما تكره، كما عرفه أصحاب العلم، قال تعالى: ( وَالْعَصْرِ ?1? إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ?2? إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ?3? ) سورة العصر.
فلا بد من الصبر على ما يلاقيه الداعية، وما أعطي أحد عطاءً أوسع من الصبر، وكم من داعية يترك الدعوة لعدم صبره على الناس، سيجد الداعية من يشكك في نيته، والأنبياء حصل لهم ذلك، وسيجد من يرفض دعوته، ومن أقرانه وزملائه من يؤذيه، ولا تستغرب أن يأتيك الضرر من أقرب الناس إليك، وربما يلقى الداعية أذاً كبيرًا.. من بيته ومن أولاده وزوجته، ويقول القائل :
وظلم ذوو القربى أشدُ مضاضةً
... ... على المرء من وقع الحسام المهندِ
فليصبر الداعية وليحتسب عمله لوجه الله سبحانه وتعالى، ولا يقنط ولا ييئس فربما يأتي الفرج سريعًا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
معالم الدعوة إلى الله
الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخير المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين وبعد .....
أيها الأحبة في الله ...
هذه المحاضرة ضمن سلسلة دروس تأملات في السيرة النبوية وعنوان هذه المحاضرة: ( معالم الدعوة إلى الله )(8/117)
والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل , ووظيفة من أكرمه الله عز و جل للسير على منهجهم و إتباع طريقهم من هذه الأمة إلى يوم القيامة , وليس أجل ولا أعلى ولا أرفع منزلة ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين , وهذا بنص كلام الله عز و جل يقول ربنا عز و جل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (33) سورة فصلت, أي لا أحسن ولا أفضل , لأن عمل الداعية يقوم بدور الوساطة لتقريب العلاقات بين العباد والمعبود, والرسل و الأنبياء هم قادة الدعاة إلى الله ,وأفضلهم بلا شك هو سيدنا محمد بن عبدالله وخاتمهم صلوات الله وسلامه عليه سماه الله داعية , قال الله عز و جل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (45) سورة الأحزاب , هذه صفات الرسول صلى الله عليه وسلم (شاهدًا و مبشرًا و نذيرًا ) .
شاهدًا: شاهد على الأمم كلها وعلى أمته .
مبشرًا: مبشر بالرضوان والفلاح والسعادة لمن أطاعه.
نذيرًا : نذير بالعذاب والدمار لمن عصاه.
وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا اللهم صلي وسلم عليه , سماه الله سراجًا, أي نور لا يوجد فيه نار كالقمر يعطيك نور من غير حرارة , قال الله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) (61) سورة الفرقان, فالرسول صلى الله عليه وسلم سماه الله سراج من الشمس وسماه منيرًا من القمر, فجمع صلى الله عليه وسلم بين صفتي الشمس والقمر أخذ من الشمس السراج من غير الوهج أو الاحتراق ومن القمر الإنارة صلوات الله عليه, وأمره الله بأن يكون داعية قال الله عز و جل : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ ) (125) سورة النحل, وأمره أن يخبر الناس ويقول هذا سبيلي ومنهجي وديني قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (108) سورة يوسف, وهل عندما يتوفى الرسول عليه الصلاة والسلام تنتهي الدعوة ؟
كلا المسئولية على أمته من بعده , طالمًا أنت من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فأنت داعية شئت أم أبيت وإلا فلا تبعية .
هذه الدعوة أيها الأخوة ليست أمرًا هينًا ولا سهلاً حتى يمكن ممارستها من غير ضوابط , من غير معالم من غير علم , من غير هدي , إنها تعامل مع القلوب
وتقريب العباد إلى الله وإصلاح للنفس البشرية ؛ ولذا كانت الدعوة وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم من العلماء والدعاة إلى الله .
كان لابد أن يفهم الناس ما هي الدعوة ؟ حتى لا تمارس من غير علم أو خبرة والتعامل من غير علم مع الدعوة يكون خطرًا على عبادة الناس وعلى عقائدهم,و من هذا المنطلق لابد من معرفة المعالم الرئيسة التي تُعرف وتُعلم عن هذه الدعوة وبالتأكيد هذه المعالم نأخذها و نقتبسها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه النموذج الإنساني الكامل للتطبيق الإسلامي للدعوة إلى الله , وهو خير خلق الله الداعية العظيم الذي اكتملت فيه جميع الخصال البشرية , والإنسانية الموزعة على عموم الأمم , وعلى جميع الأنبياء , كل نبي فيه خصال ولكن الله خصها, وجمعها كلها وحفظها في محمد صلى الله عليه وسلم وشهد الله له بالشهادة الربانية بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) سورة القلم .
هذه المعالم أبرزها وأساسها وأعظم شيء فيها:-
1- الإخلاص :
وهو التجرد من جميع الأهواء ومن جميع الأجور المادية أو المعنوية, ومن ثناء الناس أو محبة الناس, وحصر الغرض الوحيد وهو نيل محبة الله عز وجل والنجاة من عذاب الله وإنقاذ عباد الله من النار.
2- عرض الدعوة :
وتكون في الذهاب إلى الناس وعدم الانتظار حتى يأتيك الناس ؛ فإن الأنبياء والدعاة إلى الله , أرسلهم الله إلى الناس , ولم يرسل الناس إليهم , وخاتم الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله - تعالى - عنه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (107) سورة الأنبياء .
3 - التحدث باللسان والقلب :
إن الداعية إلى الله عز و جل لا يتكلم بلسانه فقط بل يتكلم بلسانه و قلبه ؛ لأن الكلام إذا خرج من القلوب يخترق الآذان ويصل إلى القلوب , فلا بد أن تتكلم من قلبك بمعنى أن تكون معتقدا بالشيء الذي تقوله لا تدعو الناس إلى ذكر الله وأنت غافل عنه , قال تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) (44) سورة البقرة .
4- سهولة العبارة :
أن تكون العبارة سهلة هينة لينه محببة إلى النفس , وأن تبتعد عن العبارة السيئة والقول الجاف , والكلمة الغليظة ؛ لأن الداعية يتعامل مع قلوب الناس , والقلوب حساسة تأتي بها كلمة , وتطردها كلمة ,وأنت لا تملك الهداية , و الهداية يملكها الله ولكن أنت تملك السبب , والوسيلة التي تنقل الناس إلى الدعوة و الهداية , فيجب أن تكون الوسيلة طيبة لكي تتيح للإنسان النقل من الضلال إلى الهداية , ومن الشرك إلى التوحيد.
5 – علم الداعية :
أن يكون الداعية عالما بما يدعو الناس إليه , قال الله تعالى: ( أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) (108) سورة يوسف , بصيرة : علم , و لا يدعو على عمى , وعلى جهالة , لابد أن يدعو على علم , وليس معنى هذا أن لا يدعو الإنسان إلا إذا أصبح عالما ولكن يدعو بما يعلم , ويرجع الذي لا يعلمه إلى العلماء .
6 – الصبر :(8/118)
الصبر على الأذى في سبيل الدعوة وعدم استعجال النتائج, والصبر صعبا على النفس البشرية , فإن الصبر مأخوذ من الصِبر . فالصِبر نبات شديد المرارة .
الصبر كالصِبر مر في مذاقه، ولكن عواقبه أحلى من العسل, الصبر مر ولكن نهايته عسل ، كالمزارع يصبر على حرث أرضه حتى يجني الثمر .
أقسام الصبر :
أ- صبر على طاعة الله.
ب- صبر عن معصية الله.
ج – صبر على أقدار الله المؤلمة.
7- الاصطفاء :
الشعور بتوفيق الله وبنعمة الله عز و جل عليك عندما اختارك أنت أيها الإنسان ، أن تمارس هذا العمل الشريف الذي هو عمل الأنبياء , فتشكر الله أن جعلك داعية وليس مدعو , وأيضا يجعلك هذا تزيد من العمل, قال الله تعالى : (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) (75) سورة الحج .
8– التجديد :
التجديد و الفكر في عمل الدعوة, وزمنه, ومكانه, وأسلوبه, وكيف تمارسه وعدم الارتجال فيه, ويبدأ الإنسان دائمًا في الترغيب.
مثال:
لو رأيت أحد لا يصلي فتبدأ ترغبه في الصلاة , وإنها نور , وهداية , وتذكر له بعض الأحاديث الشريفة التي تبين فضل الصلاة,( بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة ), واجعل لكل مقام مقال , فيجب أن تضع كل شيء في موضعه , وهذه هي الحكمة .
9 – ذكر الله :
أن يكون الداعية ذاكرا لله ؛ لأنه يتعامل مع الناس ويتعامل مع قلوب فيحتاج تأييد من الله ؛ لذلك قال الله لموسى و هارون عندما دعوا فرعون: ( وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (42) سورة طه.
أنواع الذكر:-
1) ... ذكر الله عند ورود نهيه.
2) ... ذكر الله العددي.
3) ... ذكر الله المطلق .
10- الحذر:
الحذر من أن تقول للناس كلام غير صحيح , فتأكد من صحة الحديث وصدق القصص , قال تعالى : ( وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (99) سورة الشعراء , سمى الله دعاة الضلال مجرمون , فاحذر أن تدعو الناس إلا إلى الصدق .
11 – التذكير:
أن تبدأ بتذكير المدعو بنعم الله عليه , تذكرة أنه معافى في بدنه عنده قوت يومه آمن في سربه , وقد كان بالإمكان أن يكون مريضًا , فقيرًا , خائفًا , فتسأله: من الذي رزقك ؟ من الذي عافاك ؟ من الذي خلقك ؟ فيتذكر , فتقول له أيليق أن تعصيه وهو المنعم عليك ؟ بحيث يعلو وجهك البشاشة, وتستخدم العبارات الطيبة, ولديك الحرص على مصلحته, والرغبة في إنقاذه.
الختام :-
أسأل الله أن يجعلنا من الدعاة الصالحين المصلحين الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
===============
صدق الانتماء إلى الدعوة
اسم المحاضِر : الشيخ أبو إسحاق الحويني .
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 102 / سورة آل عمران.
أما بعد :
فإنّ من أعظم أسباب تخلف الأمم عن أخذ دورها الريادي في الحياة هو عدم صدق الانتماء إلى دعوتها، فرغيف الخبز عندهم أعظم من هذه الدعوة، وهذا هو الواقع المُر الذي ابتليت به ديار المسلمين، فإنه متى استطعنا أن نجعل الإسلام في بيوتنا بأهمية رغيف الخبز، فسوف تكون قفزة كبيرة إلى الأمام، إنّ القضايا التي تدور في البيوت هي: تأمين المعيشة، تأمين سكن للأولاد، وتأمين دراستهم ومستقبلهم، إنّ الوقت الذي يكون بين الأب والأم والأولاد حول الدين لا يكاد يذكر، وهذا من أعظم أسباب الفشل.
يوسف عليه السلام لما دخل السجن، مارس دعوته وهو مُحب لها، فهي تجري في دمه ولا يستطيع أن يعيش لحظة بدونها، وهو المظلوم الذي ابتلي في عرضه، وهذا من أعظم ما يبتلى به الإنسان، ونسي هذه الإساءة وهذا الابتلاء وبدأ يدعو إلى الله عز وجل، وهذا من صدق الانتماء في دعوته، نحن نتولى الصحابة ونحبهم ونعتقد أنه لن يأتي أحد بعدهم مثلهم على الإطلاق، كما قال بن مسعود - رضي الله عنه -: ( نظر الله إلى قلوب العالمين فاصطفى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لرسالته، ثم نظر إلى قلوب العالمين فاصطفى قلوب أصحابه له )، هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، في عشر سنوات فقط كونوا دولة، وهي مدة مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وانتقلت دعوتهم عبر المدينة إلى جميع أنحاء العالم.
إذاً أيها المُحب لدينك، هل فعلت شيئاً مع جارك الذي يقارف المعاصي منذ أن سكنت بجواره ؟ وأنت تدعي صدق الانتماء ؟ كم من الوقت أنفقته لإرشاد هذا الجار العاصي؟ العمارة التي تسكن فيها هل استطعت أن تجعلها دولة لك ؟ وهل قلت لنفسك هذه دولتي وهذه حدودي وسوف أعمل ؟ إن كان الجواب لا، فهذا هو عدم الصدق في الانتماء في الدعوة، عندما خرج ابن تيمية من دمشق وذهب إلى مصر وقد خرج من السجن، فأرسل البريد المستعجل إلى مصر: أن أدخلوا ابن تيمية إلى السجن، فعندما دخل السجن كانت نفسه راضية لأنه طالما حقق العبودية لله عز وجل فلا يهمه شيء آخر، وجد المساجين منشغلين باللعب واللهو فأنكر عليهم ذلك أشد الإنكار، وفي فترة وجيزة استقام له السجن وبدأت دروس العلم، حتى يقال أن بعض المساجين يأتيه الإفراج فيأبى أن يخرج من السجن.(8/119)
وعندما أقرأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يضرب الرجال وكان الرجال لا يغضبون أتعجب! عندما يعلو عمر - رضي الله عنه - أحد الصحابة ويضربه بدرته أمام الناس ولا يغضب فلماذا لا يغضب ؟ لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقصد بهذه الضربة وجه الله، ولذلك ذلل الله سبحانه وتعالى له القلوب وأعفاه من المواجهات.
صدق الانتماء أن تتحرك بكل إمكاناتك، وتوظف كل ما تستطيع من أجل الدعوة، أن تحشرها في كل حديث، هذا ما حدث ليوسف عليه السلام، ابتلي عدة مرات وآخرها امرأة العزيز حيث دخل السجن بسببها، وظهرت براءته، وأعظم شيء مرارة على النفس أن يعرف الإنسان أنه بريء ولا يوجد ما يؤكد له ذلك، وهو يملك دليل البراءة ولكن لا يستطيع إمضاءه، فأول ما دخل السجن بدأ الدعوة، ودخل معه السجن فتيان، وعندما استفتياه في رؤياهما شاهدا الإخلاص والصدق على وجهه الشريف، فالوجه مرآة للقلب، كما في حديث الرسول - رضي الله عنه - حيث قال: (نظر الله وجه امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها).
ونجد ذلك في قصة موسى عليه السلام عندما ذهب إلى فرعون وبدأت المناظرة بينه وبين فرعون، مناظرة بين الحق والباطل، وكان فرعون رجلاً ديمقراطياً في بداية المناظرة، وعندما ألزمه موسى عليه السلام بالحجة استبد، وجرى بينهما الحوار الآتي في قوله تعالى في سورة الشعراء:
- (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ?23? )
- فأجابه موسى كما في قوله تعالى: (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ?24? قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ?25? قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ?26? )
- رد فرعون بمحاولة إخراج موسى عن الموضوع الأساسي للمناظرة: ( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ?27? )
- لم يتصدى موسى للدفاع عن نفسه عندما سمع ذلك من فرعون، وهذا هو صدق الانتماء للدعوة: ( قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ?28? )
- وهنا انتهت ديمقراطية فرعون وانهارت تزييفاته : ( قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ?29? ).
انظر إلى موسى عليه السلام كيف أجاب فرعون، فلو أنه انشغل بالرد على فرعون في الدفاع عن نفسه لأضاع وقت الدعوة بدون فائدة، وفرعون حاول أن يجره خارج الموضوع فما أفلح، أثار قضايا أخرى على موسى ليخرجه من موضوع الدعوة ويشغله بأمور تخصه.
أيها الداعية المخلص: كل وقت تنفقه في الدفاع عن نفسك هو من وقت الدعوة، والله سبحانه وتعالى تولى الدفاع عنك، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) ?38? سورة الحج، الناس النبهاء والناس النبلاء هم أكثر الناس عرضة للأذى، يبتلون بالإشاعات، فلو أنهم نظروا إلى كل مفترٍ وكذاب ومزيف، وأرادوا أن يردوا عليهم لأضاعوا أعمارهم في الدفاع عن أنفسهم ولن يتمكنوا من الاستمرار بدعوتهم:
إنَّ الرياحَ إذا اشتدت عواصفها... فليسَ ترمي سوى العالي من الشجرِ
فأكثر الناس الذين يبتلون في سمعتهم وفي ضمائرهم وفي أعراضهم هم الدعاة حيث تكاد لهم المكائد، ويوقف لهم على الهفوات والزلات، فلو انشغلوا في الدفاع عن أنفسهم لن يستطيعوا تأدية واجبهم في الدعوة، وقد كان السلف الصالح يُرسلون أولادهم إلى العلماء يتعلمون من هديهم ومن سمتهم ومن صبرهم.
الرجل الداعية يجب أن تكون لديه البدائل في دعوته، و يقوم بعمل جدول وحسابات دقيقة، ويرتب خطط، فإذا لم تنجح هذه الخطة سوف أستخدم تلك، إن هذه لا تناسب هؤلاء وتلك تناسبهم أكثر، لا يتحرك إلا بانتظام ويكون هدفه واضحاً جلياً، ربما يكون في مكان لا يستطيع أن يتكلم بكلمة واحدة، هل يسكت عن دعوته ؟ أم لا بد أن يتكلم ولو بالإيماءة، إن سرعة البديهة مطلوبة في المهاجم، والداعية رجل مهاجم دائماً، لا ينتظر أن يأتي الناس إليه، فليبادرهم وليقتحم عليهم حصونهم، ليبلغ دعوته، والذي يحسن الهجوم يحسن الدفاع، وربما تكون في موقف ما، في مكان ما، في بيئة ما، لم تحسب حساباً للرجال الذين فيها أبدًا، ولا خطر ببالك أن تلقى هذا النوع من البشر، فهل تقف وتفكر كيف تحاور هؤلاء ؟ هل تنتظر حتى يخرجون ؟ يجب أن تكون لديك سرعة البديهة لتباغتهم في حجتك ودعوتك.
الحجاج بن يوسف الثقفي كان داهية في اللغة والاستفهام وإقامة الحجج، أرسل في طلب رجل ليقبضوا عليه، فذهب الحرس إلى بيته فلم يجدوه، فوجدوا أخيه فقبضوا عليه، وكتبوا اسمه في القائمة السوداء، ومنعوه من العطاء من بيت المال، فقال الرجل: أريد أن ألقى الحجاج، فأعطوه الفرصة فلقي الحجاج وقال له: إن عاملك جاء ليقبض على أخي فلم يجده فأخذني مكانه، وهدم داري ومنع عطائي، فَصَفَقَ الحجاج بيديه، وقال له : هيهات أما سمعت قول الشاعر:
جانيكَ منْ يجني عليكَ وربما ... ... بعدُ الصحاحَ مباركُ الجردِ
ولربَ مأخوذ بذنب عشيرةٍ ... ... ونجا المقارفُ صاحبُ الذنبِ(8/120)
فقال له الرجل: أصلح الله الأمير، لكني سمعت الله جل ذكره يقول: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ?78? قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ) ?79? سور يوسف، فَصَفَقَ الحجاج بيديه وقال: علي َّ بيزيد ابن مسلم قائد الحرس، فجاءه يزيد، فأمره و قال له: ابني لهذا داره ومُر له بعطاء، ومُر منادياً ينادي أن صدق الله وكذب الشاعر، فانظر كيف تخلص الرجل من هذا المشكلة.
الداعية المخلص الذي يشعر بصدق الانتماء، لديه بدائل كثيرة يستطيع استخدامها على الوجه الذي يرضي ربه، لا يدافع عن نفسه إلا لضرورة، ويكون الدفاع عن نفسه لصالح دعوته، واستغلال حاجات الناس من أجل إصلاحهم مهم جدًا، والرفق بالناس واللين معهم واللطف في دعوتهم، من الأسباب الناجحة في هدايتهم.
استغلال حاجة الناس من فقه الدعوة، ومع ذلك يعيروننا نحن المسلمون بذلك، ويقولون أن الصحوة التي نراها اليوم في الدين الإسلامي، نتجت من الظروف الاقتصادية، وذلك يعني: أنا فقير فأحسن شيء أن أرجع إلى الله، وهذا يعني أنه يعيره بأنه رجع إلى الله عندما افتقر! هل هناك إنسان ليس بحاجة إلى الله ؟ هذه هي الدعوة وهذه هي الحاجة إلى الله.
ويقولون إن الالتزام غير حقيقي، والله تبارك وتعالى يبتلي بعض الناس للعودة إليه، ويبتليهم ليطهرهم من ذنوبهم، وليرفع درجاتهم، ومع الأسف الشديد، أن بعض الناس لا يعرفون أن استغلال الحاجة من أصول فقه الدعوة، ولذلك عندما تحصل الزلازل والمحن يسارع ويبادر بعض المهتمين بالدعوة والصحوة لمساعدة المحتاجين، فتجد أن بعض أعداء الصحوة المسيئين يأتون من طريق آخر لقطع الطريق على هؤلاء المُحسنين، ويمنعون من إيصال المساعدات لهؤلاء المحتاجين، حتى لا يُتبعون ولا يكون لهم تأثير في هؤلاء المحتاجين، وإذا أرادوا أن يكسبوا أحدًا فإنهم يعطونه المال والشقة والسيارة ويجعلون له هبات بسخاء ليكسبوه بجانبهم، والإحسان لا يسترق الحر أبدًا بل يقويه ويثبته على الحق.
فقه أصول الدعوة وصدق الانتماء نحن بحاجة إليه في هذا العصر، والداعية مهما واجه من أعدائه من شر فلا يجوز له أن يرد بمثله، وهذا من الشرع، وحسب رأي العلماء لا يجوز دفع الظلم بظلمٍ مثله، لأن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً على خلقه، ولم يبيحه لأحدٍ من الناس.
وعلى الداعية أن يتجه إلى العوام الذين لا مذهب لهم ليدعوهم لأنهم هم سواد الناس، ومن السهل أن تكسبهم بالإحسان، وتستطيع أن تجعل منهم أمة تخوض بها البحار، وتحقق بها الانتصار، وتفوز بمرضاة الله سبحانه وتعالى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===========
شرفٌ كيف تناله ؟
اسم المحاضر: الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر - حفظه الله -
قال تعالى: ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ٍ) ?25? سورة يونس.
بسم الله والحمد والثناء على القوي العزيز الجبار، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - المبعوث رحمة للعالمين.
أما هذا الشرف فهو : الدعوة إلى الله، والقائم به يمارس أفضل العبادات، لأنه يقوم مقام السفير أو الوسيط بين الله وبين عباده، وهي وظيفة الأنبياء عليهم السلام، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن يبعث الرسل، لذلك قال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) ?24? سورة فاطر، ثم شاء الله أن يختم الرسالات وأن يختم الأنبياء بنبي الإسلام وبرسالة الإسلام، محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاتم النبيين، فمن يقوم بالدعوة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
لو كانت رسالة الإسلام مرهونة ببقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبقاه الله، لكن بقاء هذا الدين مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، ويكون بقاء هذا الدين مرتبطاً بالدعوة إلى الله وبالدعاة الذين ينشرون هذا الدين، قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ?108? سورة الرعد، أي كل من اتبع محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا الدين الذي هو دين الإسلام، فهو مكلف بالدعوة إلى الله.(8/121)
إن هناك رابطة قوية بين الإسلام والدعوة، أ أنت مسلم ؟ إذا يجب عليك أن تكون داعية، فمعظم الصحابة الذين دخلوا في هذا الدين عادوا دعاة إلى الإسلام، وحتى الجنّ عندما سمعوا القرآن، عندما ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثقيف من أهل الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، ورجموه بالحجارة وكذبوه، ثم رجع إلى مكة، وفي طريقه وفي قرن الثعالب كان يصلي في الليل، فسمعه نفرُ من الجن وهو يقرأ القرآن في وادي نخلة بين مكة والطائف، وقد ذكر الله قصة الجن في القرآن الكريم، قال تعالى : ( وَإِذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) ?29? سورة الأحقاف، فذهبوا دعاة إلى قومهم من أول ليلة سمعوا فيها هذا القرآن، قال تعالى في نفس السورة : ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ?31? سورة الأحقاف.
ويوم كانت هذه العقيدة مستقرةًً في قلوب المؤمنين، انتشر الإسلام في فترة زمنية محدودة، وعمّ هذا الدين أرجاء هذه المعمورة؛ لأن همّ المسلمين هو نشر هذا الدين الحنيف، ولكن عندما انحسر هذا الدين من قلوب المسلمين، ضاع حتى لدى الكثير من بيوت المسلمين، حتى أصبح همّ المسلم نفسه فقط.
إنّ شرف الدعوة شرف عظيم، إذا نلته بُعِثتَ مبعث الأنبياء، فإذا صرت داعية ودعوت واحدًا فقط فأسلم على يديك وآمن واهتدى، فإنك ستبعث مع الأنبياء، وفي القرآن ثلاثة من الأنبياء أرسلوا إلى قرية واحدة ولم يسلم إلا رجلٌ واحد، قال تعالى في سورة يس : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ) ?14?، فأسلم على أيدي الثلاثة رجلٌ واحدٌ فقط كما جاء في نفس السورة، قال تعالى : ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ?20?، وبعدها قتلوه، وقد قيل: أنّ هذا الرجل الوحيد الذي نصح قومه حيًا وميتًا، قال تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) ?26?.
فإذا حملت همّ هذه الدعوة وهمّ هذا الشرف والفضل العظيم، فإليك هذا الفضل الذي ينتظرك بإذن الله :
الدعوة تولاها الله عز وجل، فهي وظيفة إلهية، وهي وظيفة الأنبياء والرسل؛ حيث أنزل الكتب وأرسل الأنبياء والرسل، قال تعالى : ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ?25? سورة يونس.
وظيفة الدعوة هي من أشرف الأعمال لأنها تبليغ لدين الله، وسير على خطى دعوات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي أفضل الأعمال بنص القرآن، قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ?33? سورة فصلت.
وأن الجزاء للدعاة كبير جداً، فإذا اهتدى على يديك إنسان فإن لك من الأجر والثواب بقدر ما يعمل هذا الإنسان، دون نقصان من أجره، والدليل هو حديث في صحيح البخاري، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من عمل دون أن ينقص من أجورهم شيء)، لذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق على الإطلاق لأن جميع الأعمال التي تقوم بها الأمة يعود أجرها وفضلها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أما أغراض الدعوة فهي سامية وعظيمة و من أهدافها :
1- إرشاد الناس إلى عبادة الله عز وجل، وهو أعظم حق على العباد لله تعالى، وبهذه الدعوة يعرفون الله على بصيرة، ويبتعدون عن الضلال.
2- إنقاذ البشر من أسباب الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة، فإن الذي يجنبنا هذا الهلاك وهذا الدمار هو نور الإيمان وعدل هذا الدين
3- تحقيق الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان، قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ?56? سورة الذاريات، ولا يمكن تحقيق هذه الغاية، إلا بعبادة الله عز وجل وطاعة أوامره واجتناب نواهيه.
4- إقامة الحجة على الناس بأن أرسل الله الرسل، قال تعالى : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) ?165? سورة النساء، حتى لا يكون هناك حجة للناس بعد الرسل ويقول إنسان يا رب أنا لا أعلم أنا لا أدري.
5- تحقيق الرحمة المقصودة من خلال الرسل والكتب، التي أنزلها الله عز وجل، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ?107? سورة الأنبياء، فكيف تتحقق هذه الرحمة إلا من خلال الدعوة إلى الله التي قام بها الرسل عليهم السلام.
6- تكثير عدد الناس المؤمنين الطيبين على هذه الأرض، وتقليل عدد الكفرة، وتحقيق عزة الإسلام؛ وذلك بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
ومجالات الدعوة إلى الله ليست محصورة في أسلوب معين، وذلك حتى لا يتوهم البعض أن الداعية لابد أن يكون إماماً أو خطيباً، فأساليب الدعوة كثيرة جدًا، وأهمها وأفضلها دعوة النفس إلى الله، من الذي يقول بأنه لا يستطيع دعوة نفسه إلى الله في أي حال وفي أي وقت، فلا يوجد أي مبرر لأن يقول الإنسان أنا لا أستطيع دعوة نفسي، فدعوة النفس لا يمكن لأحد أن يهملها أو يتقاعس عنها أحد، ولا يمكن لأحد أن يعرف ما في داخلها إلا صاحبها وخالقها، وكما يقول الناظم :(8/122)
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي .... بالسوط ضع عنقي على السكين
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ... ... ربي وربي ناصري ومعيني
ودعوة النفس إلى الله تكون: بتصحيح المعتقد، والقيام بالفرائض، وترك المعاصي والمنكرات، وطلب العلم، وإصلاح الوضع الداخلي للإنسان، وإصلاح الجوارح كاللسان والقلب واليد والعين والسمع والبطن، هل هناك من عاقل يقول أنه لا يستطيع إصلاح هذه ؟ وفي حال صَلُحت نفسك سينصلح شأن ولدك وابنك وزوجك ووالديك وقرابتك، ثم تنتقل إلى جيرانك وإلى أصدقائك وزملائك في العمل، و عندما ترى أنك تستطيع أكثر من ذلك فاعلم أن هذا فضل من الله ومطلوب منك أن تقوم به.
ومن الشروط المطلوبة في الداعية:
1- الإخلاص: قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ?108? سورة الرعد، فلا أدعو إلى منفعة ولا إلى مصلحة دنيوية، ولكن أدعو لله وفي الله.
2- العلم: لا بد أن تكون عالماً فيما تدعو الناس إليه، وليس بالضرورة أن تنتظر أن تتعلم كل شيء في الدين، ثم بعدها تبدأ بالدعوة، أي كلما تعلمت شيئاً بلغه للناس، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (بلغوا عني ولو آية)، فبلغ الشيء الذي تعرفه وتجيده فقط.
ويجب أن يكون التعلم بالنسبة للداعية بالترتيب والتدرج، فابدأ بحفظ القرآن من جزء عمَّ، ثم تبارك، وقراءة التفسير، والأحاديث النووية، واقرأ في العقيدة الأصول الثلاثة، أي أن يكون لديك منهجية في تعلم العلم.
3- العمل: وهذا هو التطبيق لما سبق من إخلاص وعلم، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ?33? سورة فصلت، فكيف تدعو الناس إلى الله وأنت لا تعمل بذلك، هل سيستفيد منك الناس عندما تأمر بشيء وتفعل عكسه، كما قال الناظم :
يا واعظ الناس قد أصبحت متهمًا ... إذ عبت منهم أمورًا أنت تأتيها
يا أيها الرجل المعلم غيره... ... هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام وذي..... الضنا كيما يصح به و أنت سقيمُ
لا تنهى عن خلق و تأتي مثله... ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ.
فيكون الداعية هو من يطبق ويعمل ويمتثل بكل ما يأمر به من دين الله عز وجل، و أن يكون قدوة بالعمل، لأن كثيرًا من الناس عندما يرون الداعية يفعل أمر من أمور العبادة فإنهم يفعلون مثله، أي بعد أن يكونوا قد وثقوا من علمه وعمله.
4- الصبر: والله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) ?35? سورة الأحقاف، فسوف ينالك الأذى وتسمع من الناس ما لا يعجبك، و إذا كنت ترغب من البداية أن يأتي الناس إليك ويقبلون رأسك، فلن تستطيع أن تكون داعية.
5- الحكمة والحلم والعفو واللين: فالكلمة الطيبة تستهوي الناس وتحرك عواطفهم، قال تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ?159? سورة آل عمران، وكما قال تعالى عندما بعث الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، قال لهما : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) ?44? سورة طه، وفي هذا بيان بأن منهج الدعوة يعتمد على اللين والرفق.
6- تجنب أسباب الخلاف: والحذر من الفرقة بين الدعاة، وأن لا يكون هناك اختلاف، وأن لا يدخل الدعاة في مصادمات ومنازعات ليس فيها سوى الفرقة والبعد عن الدين، والداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يكسب الناس إليه، لا أن ينفرهم منه، كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بداية دعوته، عندما علم بالمنافقين صبر عليهم وغض الطرف عنهم، واليهود المتربصين، أجرى معهم عقودًا ومواثيق حتى يأمن شرهم، ويمم إلى جبهة واحدة هي جبهة الكفار، مبشراً ونذيراً يدعوهم ويعظهم إلى عبادة الله عز وجل.
الأساليب والطرق التي ينبغي أن يسلكها الداعية لينال شرف الدعوة هي:
1) التمسك بالحق، وعدم تقديم تنازلات في دين الله، والثبات على المبدأ الحق، وهنا يكمن النصر للإسلام، فعندما خرج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، وقد أخرجه الكفار، وكان مطلوباً حيًا أو ميتاً، وقد وضعوا جائزة مقدارها مائة ناقة لمن يأتي به، سمى الله ذلك نصرًا، فأنزل الله تعالى قوله : ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ?40? سورة التوبة.(8/123)
2) التدرج في الدعوة حسب الأولويات وحسب الأهمية، كما فعل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى اليمن، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ).
3) التريث وعدم الاستعجال في حصد النتائج، فيجب على الداعية أن يستمر في الدعوة، وأن ينتظر النتائج التي ستأتي بإذن الله ولو بعد حين.
4) التصدي للشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، مثل الشبهات التي يثيرها الأعداء عن مواضيع إقامة الحدود، مثل حد السرقة، حد القتل، حد الحرابة، هذه الشبهات باطلة؛ لأن دين الإسلام دين رحمة و دين عدل ودين أمان، وذلك لحماية الأمة وحياتها.
5) تقديم النفع وبذل المعروف لكل من يحتاج حسب الإمكانيات، مثل: بذل الطعام، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وإغاثة الملهوف، وإعانة المرضى والمعاقين، ورعاية الأيتام.
6) الاهتمام بالجوانب التعليمية والتربوية، وتعزيز قوة الثقة بالله سبحانه وتعالى.
7) الترغيب والترهيب، وإشعار الداعية أنه مراقب من عند الله عز وجل.
8) التنويع في الدعوة، كما ذكر الله تعالى في دعوة نوح عليه السلام مع قومه، أي تنويع الأساليب الدعوية.
9) القدوة الحسنة، فكلما كنت قدوة في أفعالك وتصرفاتك، أطاعك الناس وأحبوك، وأثرت فيهم أكثر من تأثرهم بالأقوال.
10) الخلق الحسن، والاقتداء بهدي الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله وأوامره ونواهيه، وفي دعوته للناس.
11) تربية الأبناء على الخلق الحسن، ليكونوا على خلق، وأن تحرص على أن يكونوا أول من يمتثل لدعوتك؛ ليساهموا في تحبيبها إلى الناس.
12) الشريط الإسلامي الدعوي الذي تقدمه على شكل هدية للناس ليتعلموا منه.
13) الكتاب الإسلامي الذي يقدم للناس على شكل هدية ليكون مرجعًا لمن يأخذه.
14) حضور المخيمات، وحضور الدروس العلمية والدورات التي تقام في المساجد.
أهم المعوقات التي تحول دون أداء الداعية لمهمته ما يلي:
1- الحيل النفسية التي يختلقها الداعية، فيقول: إن الناس يحتقروني، أخي: هل أنت تدعو لله أم لنفسك.
2- الخجل عند بعض الدعاة، فيقول: أن لا أستطيع أن أقدم شيء، فلماذا لا يخجل أهل الباطل في أكاذيبهم ودعواهم المضللة.
3- اليأس والقنوط عند كثير من الدعاة، فيقول: لقد يئست وتعبت لكثرة ما نصحت ولا مجيب، ويقول: الناس ما عاد فيهم خير.
4- ربط العمل الدعوي بزمان أو مكان أو شخص، وعندما ينتهي هذا الشخص أو هذا الموسم: مثل: رمضان أو الحج، يتوقف الداعية عن الدعوة، وهذا غير صحيح، فالعمل الدعوي ليس مرتبطاً بشخص أو بزمان أو مكان.
5- الخوف الذي يتوهمه الداعية بسبب الشيطان ووسوسته له لإبعاده عن طريق الهداية، وأخذه إلى طريق الغواية.
6- العجز والكسل والتسويف: السنة القادمة، الأسبوع القادم، الشهر القادم، يقول: سأبدأ بعد نهاية دراستي، أو بعد الزواج، أو بعد أن أصبح غنيًا، فمن الذي يضمن أن يعيش لغد.
7- الانشغال المتواصل، فتجد الإنسان في دوامة من الشغل الفارغ الذي ليست لها نهاية.
أيها الأخ المسلم.. بهذا العمل الدؤوب وبهذا الإصرار ستنال هذا الشرف العظيم بمشيئة الله عز وجل، وكل ما ينطبق على الرجال في الدعوة ينطبق على النساء، اللاتي يستطعن أن يجعلنَّ معظم وقتهنَّ في خدمة هذا الدين العظيم، فالمرأة الداعية أقدر على مباشرة الدعوة مع النساء من الرجال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=============
الوجيز في مقومات الداعية
إعداد السيد مختار
مقدمة
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمًدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).(1)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).(2)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).(3)
أما بعد:
ما أحوج الأمة الآن إلى جهد كل مسلم ٍغيورٍ على أمته ودينه,كى تفيق من غفوتها وتعود إلى مكانتها اللائقة بها, لتقود العالم من جديد إلى طريق الله رب العالمين, وتستنقذه من هذا الفراغ الروحي الذى يعانيه, حتى طغت عليه المادة من كل جانب , فما أحوج العالم إلى النور الذى معنا,ولكننا لا نحسن أن نوصل هذا النور إليهم ليستضيؤا به,بل قد تأثرنا نحن بهم وسرت الأمراض التى فيهم إلينا, فترى كثيرًا من الشباب مطموس الهوية ,أخذ عيوبهم وانحلالهم الخلقي بدلاً من أن يأخذ تقدمهم العلمي, فما أمس الحاجة الآن إلى دعاة ٍمخلصين تتجمع عليهم القلوب وتتآلف النفوس, ينطلقون من فهم ٍصحيح ٍ للكتاب والسنة, وتكون دعوتهم مجردة ً عن أي عصبية أو حزبية ٍٍأو هوىً أو رغبةٍ عاجلة ٍ, بل دعوة خالصة ًلله يستنقذون بها شباب الأمة من الهوة السحيقة التى وقع فيها كثير منهم,كى تنهض الأمة مرة أخرى بشبابها, فالشباب عماد كل أمة.(8/124)
وهذا مختصر جمعته ليكون عونًا لكل مسلم ٍيستشعر المسئولية الملقاة على عاتقه فينهض للدعوة إلى الله تعالى,كل فى مجاله وحسب استطاعته وعلمه يفي هذا المختصر بالغرض منه, وللعلم فلم أذكر فيه حديثًا ضعيفًا بفضل الله تعالى, وأسأل الله تعالى الإخلاص فى القول والعمل, وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بقلم / السيد مختار
* فضل الدعوة إلى الله:
الدعوة إلى الله هى أشرف عمل ٍ للعبد لذلك فهي وظيفة الرسل والأنبياء وورثتهم من العلماء, وسنذكر طرفًا من فضلها:
1- قال تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ )(4)
2- وقال:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).(5)
3- ومن حديث سهل بن سعد وفيه: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلى بن أبى طالب ٍ- رضى الله عنه- :( فو الله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمرالنعم) متفق عليه.
* أمة دعوية:
قال تعالى- فى بيان منزلة هذه الأمة- :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )(6).
وهذه الآية الكريمة أفادت معنيين:
الأول: خيرية هذه الأمة .
الثانى: أنها نالت الخيرية لقيامها بوظيفة الرسل , وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, لذلك جعل الله تعالى ذلك من صفات المؤمنين فقال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).(7)
بخلاف المنافقين الذين قال الله فيهم:(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ ).(8)
قال ابن القيم - رحمه الله - :(فلا يكون الرجل من أتباعه حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه ويكون على بصيرة)(9) قال رسول ـ صلى الله عليه وسلم-(بلغوا عنى ولو آية) رواه البخارى, وكم من المسلمين من لا يبلغ منها شيئًا, مخالفًا بذلك أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ظنًا منه بأن ذلك مسئولية العلماء وحدهم .
قال تعالى:(فَلَوْلاَ نَفَرَمِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(10) قال ابن كثير- رحمه الله- :والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةً من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن (11).
* وإليك بعض الأمثلة من الصحابة-رضي الله عنهم- و كيف تحملوا مسئولية الدعوة بمجرد إسلامهم, وذلك لنتعلم منهم ونقتدي بهم:
أولاً: أبو بكر الصديق- رضى الله عنه-
بعد أن شرح الله صدره للإسلام تحرك مباشرة بهذا ا لنور الذى معه يدعو إلى الله أصحابه والمقربين له, فهدى الله به خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم من سادات الصحابة, سيأتون يوم القيامة- إن شاء الله- فى ميزان حسنات أبى بكر- رضى الله عنه- .
ثانياً : الطفيل بن عمرو الدوسى- رضى الله عنه-:
بعد أن أسلم وصدق النبى-صلى الله عليه وسلم- بمكة رجع إلى قومه بأرض دوس يدعوهم إلى الإسلام ولم يزل مقيمًا بها يدعوهم, ثم أتى بمن تبعه من قومه إلى النبى-صلى الله عليه وسلم- بخيبر.
* شبهة وردها:
قد يفهم بعض الناس قول الله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ )(12) فهمًا غير صحيح, فيتركوا الدعوة إلى الله,ويبرروا قعودهم وتقاعسهم بهذا الفهم الخطأ لهذه الآية الكريمة ظنًا منهم بأن من كان فى نفسه صالحًا مهتديًا لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, ولا يضره ضلال من ضل, وهذا الفهم قد رد عليه أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- قال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّه),وإنكم تضعونها فى غيرموضعها وإني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:(إنَّ الناسَ إذا رأوْا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عزوجل أن يعمَّهم بعقابه) صحيح :رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد.
* أخلاقُ الداعيةِ وصفاته:
لابد لكل عبادة ٍأو طاعة من شرطين لقبولها:
أولاً : الإخلاص لله عز وجل,وذلك لقوله تعالى :(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ).(13)
ثانياً:المتابعة, بمعنى أن يكون موافقاً لسنة النبى- صلى الله عليه وسلم- لقول الله تعالى:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ).(14)
وهذان الشرطان هما مقتضى الشهادتين ,فالأول تحقيق شهادة ألا إله إلا الله ,والثاني تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله .
ولذلك فعلى الداعية التحلي بالصفات الآتية:
1- الصدق:
فالصدق من أهم صفات الداعية إذ كيف يمكن أن يكون الداعية كذاباً؟
2-الأمانة:
لأنها تعطى الناس الثقة فى الداعية المتحلي بها,وهى قرينة الصدق,وقال تعالى:(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ َأَََن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلىَ أَهْلِهَا)(15).
3- الصبر:
وهو من الصفات اللازمة لكل إنسان ولا غنى للداعية عنه لما سيلاقيه من المتاعب والصعاب فى تبليغ دعوته ,ولهذا قال تعالى:(وَأْمُرْبِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْعَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )(16).(8/125)
والصبر نصف الإيمان؛لذا قد ذكره الله تعالى فى كتابه أكثرمن ثمانين مرة,قال تعالى :(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ )(17)
وقال- صلى الله عليه وسلم-:(ما أعطى أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)متفق عليه.
* والصبر ثلاثة أنواع:
الأول: الصبرعلى الطاعة: وذلك بالمحافظة والمداومة عليها.
الثانى: الصبرعن المعصية: ويكون بهجر السيئات والبعد عن المعاصى والآثام, وعن أماكنها.
الثالث:الصبر على المصيبة: وذلك بالتسليم والرضا بقضاء الله تعالى, وترك التسخط والشكوى إلى المخلوق, قال تعالى :(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ )(18).
4- الرحمة:
لابد للداعي إلى الله أن ينبض قلبه بالرحمة والشفقة على الناس وإرادة الخير لهم, بل عليه أن يحرص كل الحرص على استنقاذهم من الضلال إلى الهدى,وأن يبعدهم عن مواطن الفتن وسبل الهلاك, وله فى رسول الله الأسوة الحسنة فهو أرحم الناس, قال تعالى:( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )(19).
أما الداعى الغليظ القلب ينفض الناس عنه, ولا ينجح فى عمله, وإن كان ما يدعو إليه حقاً وصدقًا ,قال النبي- صلى الله عليه وسلم- :(إنَّ الرفقَ لا يكون فى شىءٍ إلا زانه, ولا ينزع من شىءٍ إلا شانه) رواه مسلم.
5- التواضع:
الداعى إلى الله يخالط الناس ويدعوهم إلى أخلاق الإسلام فلا ينبغى أن يدعو الناس إلى التواضع وهو لا يتصف به,وأن الله تعالى يقول :(وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (20).
6- الالتزام, والتطبيق لما يدعو إليه:
إذ كيف يدعو إلى شىءٍ وهو لا يفعله ولا يطبقه على نفسه, فسلوك الداعى وأفعاله أكبر أثراً فى المدعوين من أقواله,وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقٌولُوا مَالاَ تَفْعَلُونَ)( 21).
وكم عانت الأمة من دعاة ٍخالفت أفعالُهُُم أقوالهم, ولقد أبدع الإمام ابن القيم فى وصفهم فقال:علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم, فلو كان ما دعوا إليه حقًا كانوا أول المستجيبين له, فهم فى الصورة أدلاء, وفى الحقيقة قطاع طرق. (22)
7- تقوى الله-عز وجل- ومراقبته:
تقوى الله عز وجل هى وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(23), وبها ينال العبد محبة الله تعالى وولايته ونصره فى الدنيا وجنته فى الآخرة, وتقوى الله وخشيته رأسُ العلم قال تعالى :(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)(24).
ولكي يصل الداعى إلى درجة التقوى ينبغي عليه ما يلي:
التحلي بحسن الخلق.
يعاهد نفسه على فعل الخير وترك الشر.
يراقب نفسه فى كل خطواته مراقبة صادقة ودقيقة.
يجاهد نفسه حتى يصل بها إلى تر ك المعصية تمامًا.
8-العلم بما يدعو إليه:
لابد للداعي إلى الله أن يكون على علم ٍوبصيرة ٍبما يدعو إليه, ولا يدعو إلى شىءٍ يجهله أو يشك فيه,قال تعالى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)(25).
وينبغى أن يتحلى الداعية بقدر ٍمناسب من العلوم الآتية:
- القرآن وعلومه - السنة وعلومها. - السيرة والتاريخ الإسلامي. - الفقه وأصوله.
- اللغة والأدب.
- الثقافة العامة بما يدور حوله فى العالم من مستجدات وقضايا معاصرة.
* ترتيب الأولويات:
الداعية الفقيه:هو الذى يرتب الأولويات فى دعوته, فلا يلقى بدعوته جزافًا بلا مراعاة للأولى ولااعتبار للأصلح, بل عليه أن يرتب أمور تبليغ دعوته فيأتي بالأهم ثم المهم,فلا يعقل أن تدعو غير المسلم إلى الصلاة قبل أن تدعوه إلى الدخول فى الإسلام وتوحيد الله عز وجل.
فأحرى بأهل الدعوة اعتبار ذلك:
1- فالشريعة تقدم الفرض على النافلة.
2- وتقدم النص على الاجتهاد.
3- ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
4- والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
5- ويدرأ الضرر العام قبل الضرر الخاص.
6- ويرتكب أخف الضررين وأهون الشرين مخافة ضرر ٍأكبر وشر أخطر.
7- وطلب العلم أولى من التنفل عند التعارض.
8- ومحاربة الشرك الجماعي مقدم على محاربة الشرك الفردي.
* أساليب الدعوة(*):
ينبغى على الداعى أن يعرف طرق الدعوة وأساليبها كى يكتب له النجاح- و المتتبع لآيات القرآن الكريم وسيرة النبى –صلى الله عليه وسلم وهديه مع أصحابه يجد من ذلك الشىء الكثير, نذكر منها ما يلى:
أولاً:الحكمة:
وهى وضع الشىء فى موضعه, قال تعالى:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(26).
وذلك يؤدى إلى مراعاة ما يلى:
موافقة الموضوع أو الخطاب مع المناسبة التى يتحدث فيها.
عدم تسفيه المخاطبين .
احترام معتقدات المخاطبين فى الأمور الفرعية, أي احترام الخلافات المذهبية فى الفروع مالم تكن باطلة.
مراعاة المقال لمقتضى الحال.
وذلك يشمل الآتي:
أ- احترام عقلية المستمع ومخاطبته بما يفهمه.(8/126)
ب- اختيار اللهجة التى يتحدث بها وتوافق المستمعين ليصل المطلوب إلى قلوبهم وعقولهم:فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بلهجاتهم .
ج- اختيار الوقت المناسب لإلقاء الموعظة .
د- اختيار زمن الموعظة.
هـ- الحرص على تبليغ المقصود فى الزمن المحدد
ثانياً:الموعظة الحسنة:
وهى تذكير للعبد بما يلين قلبه من الثواب والعقاب بالحسنى واللين والرفق,كما قال الله تعالى لموسى وأخيه هارون-عليهما السلام- ليبلغا فرعون:(فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(27),وعلى الداعي- أثناء الموعظة- ملاحظة ما يلى:
1- الإيجاز غير المخل.
2- الجمع بين الترغيب والترهيب.
3- التذكير بنعم الله على العبد.
4- التورية والتعريض والكناية حتى لا يفضح أحدًا بالموعظة.
5- رسم الطريق وتوضيح المطلوب بكل دقة.
ثالثاً:المجادلة بالتي هي أحسن: ومعنى الجدال:المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة, ومنه ما هو محمود يقصد به التوصل إلى الحق, وما عداه فقد ذمه الله فقال تعالى :(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بَغَيْرِ عِلْم ٍوَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَاب مُّنِيرٍ)(28) ؛ لأن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة .
وأسلوب الحوار والجدال بالحسنى من أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى إذا امتلك الداعية أدواته وهو يحاور الآخرين, والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا فى محاورة الأنبياء مع أقوامهم,وفى قصة صاحب الجنتين(29) وقصة ابني آدم(30).
رابعًا: القصة:ذكر القصص له تأثير عظيم فى نفوس المخاطبين؛ لذا تجد فى القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرًا من القصص, وقصص القرآن أحسن القصص قال تعالى :(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ)(31), والهدف منه أخذ العبرة والعظة , قال تعالى :(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(32).
خامسًا: السؤال والجواب: واستخدام هذا الأسلوب يعمل على إثارة الانتباه وإعمال الذهن , وتشويق المستمع إلى معرفة الإجابة , وفى القرآن الكريم كثير من ذلك كما فى قول الله تعالى :(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ)(33).
سادسًا: ضرب الأمثال: وهذا الأسلوب يعمل على تقريب المعنى لفهم المستمعين واستحضار الصورة أمامهم , والتأثير في نفوسهم , فيسرعوا إلى العمل بالمثل الطيب ويتجنبوا المثل السىء, والأمثال فى القرآن كثيرة, يستفيد منها الداعية, وكذا في السنة, ونكتفى بقول النبى- صلى الله عليه وسلم- :(مثلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيِّ والميت) متفق عليه.
سابعًا:التعلم العملي: كما كان النبى- صلى الله عليه وسلم - يُعلِّم أصحابه - عمليًا- كيفية الوضوء والصلاة وأداء مناسك الحج , وغير ذلك,فكان –صلى الله عليه وسلم- يعلمهم ثم يقول:(صلوا كما رأيتموني أصلى ) رواه البخاري ,وعلى الداعية أن يتعلم- من القرآن والسنة- كل أساليب الدعوة .
* ما يلزم الداعى تجاه من استجاب له:
على الداعى متابعة من استجاب له باستمراروعدم الغفلة عنهم أو تركهم لمجرد أن استجابوا للمنهج القويم ,لأنهم قد يتعرضون للانتكاس,فالداعي لا يكتفي بتعليم المستجيبين له بل لابد من التربية مع التعليم , وهذا كان منهج المسلمين الأوائل قال عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- :(كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن).
* وختامًا:
أسأل الله تعالى أن يكون عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم, وما كان من توفيق ٍفمن الله , وما كان من زلل ٍفمني ومن الشيطان, وأسأل الله أن يغفره لي,والحمد لله أولاً وآخرًا, وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
*أهم المراجع:-
القرآن الكريم وكتب السنة
تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ط:دار مصر للطباعة
تفسير(فتح القدير) للإمام الشوكانى , عالم الكتب
تفسير(الجامع لأحكام القرآن) للإمام القرطبي , المكتبة التوفيقية.
السيرة النبوية لابن هشام , دار التقوى , الطبعة الأولى.
البداية والنهاية لابن كثير ,دار المنار, الطبعة الأولى.
أصول الدعوة د:عبد الكريم زيدان , مكتبة القدس ,الطبعة السادسة.
تجديد الخطاب الديني. د:سالم محمود عبد الجليل ط:المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (سنة2003 م).
خواطر على طريق الدعوة.للشيخ محمد حسان , دار الخلفاء,الطبعة الأولى.
دعوة الجماهير.د:عبد الله الزبير عبد الرحمن , وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بقطر(كتاب الأمة ,العدد:76 السنة العشرون).
في أصول الحوار:إعداد وإصدار:الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
__________________
(1) سورة آل عمران : 102 (2) سورة النساء : 1 (3) سورة الأحزاب :70-71
(4) سورة فصلت : 33 (5) آل عمران : 104 (6) آل عمران : 110
(7) التوبة : 122 (8)التوبة : 67
(9) مفتاح دار السعادة لابن القيم(1/154),وخواطر على طريق الدعوة لمحمد حسان ص:18
(10) التوبة : 122 (11) تفسير ابن كثير (1/390) (12) المائدة:105
(13) البينة :5 (14) الحشر:7 (15) النساء : 58
(16) لقمان : 17 (17) البقرة : 45 (18) البقرة :155-157
(19)التوبة : 128 (20) لقمان : 18 (21) الصف : 2-3
(22) الفوائد لابن القيم ص:112 (23) النساء : 1 (24) البقرة : 282(8/127)
(25) يوسف : 108 (26) النحل : 125 (27) طه: 44
(28)الحج : 8 (29) الكهف :32-43 (30) المائدة:27-31
(31) يوسف : 3 (32) يوسف :11 (33) الماعون :1-3
=============
أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورة إبراهيم
اسم المؤلف : د. وسيم فتح الله
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا بحث تناولت فيه سورة إبراهيم ، ولقد تعرضت إلى المناحي التربوية والدعوية في هذه السورة من خلال الاستقراء التام لآياتها الكريمة مستعيناً – بعد الله سبحانه وتعالى – بما تيسرت لي مطالعته من كتب التفسير ، ولقد جاء البحث منبهاً على حقائق عظيمة شملتها هذه السورة المباركة وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيما عرضت وأسأله العفو عما به زللت، فهو وحده المستعان وعليه التكلان.
التمهيد :
لقد جاءت الشرائع السماوية المختلفة بحقيقة واحدة هي أعظم حقيقة في الكون أعني حقيقة التوحيد ولكن تنوعت أساليب وطرق عرض هذه الدعوة والتأكيد عليها من نبي إلى نبي ومن رسول إلى رسول ومن قوم إلى قوم، وليست شريعة الإسلام الخاتمة بعيدةً عن هذا التعدد الأسلوبي في عرض هذه الحقيقة الخالدة مراعاةً لتنوع مشارب الناس وأفكارهم وشبههم،ولا شك أن هيمنة القرآن الكريم ونسخه لما سواه من كتب يستلزم شموليةً في الخطاب تناسب كافة المشارب والمنازع الفكرية حين دعوتها إلى الحق،حيث أثبت القرآن الكريم قدرته على جذب الباحثين عن الحق إليه من كل عرق وحضارة ولغة ولون ليهتدوا إلى فحوى رسالته ولتكون السمة العالمية في خطابه وأسلوبه الدعوي بارزةً منذ بزوغ شمس الدعوة, فإذا بالعربي يسلم مع الحبشي والروماني مع الفارسي, وإذا كان الأمر كذلك ولما كنا مخاطبين بلزوم حمل الدعوة وأداء الرسالة إلى الناس كافة, كان جديراً بنا أن نقف على بعض المعالم الأسلوبية في الخطاب الدعوي القرآني, لتكون زاداً للمسلم في رحلة الدعوة والجهاد البياني ، ليتمكن من خلال هذه الأساليب من خرق حجب الشبهات التي تحول دون وصول نور الحق لتبديد ظلمات القلوب.
فإذا عُلم ما سبق؛ فإن هذا البحث ليس إلا محاولة استقراء هذه الرسالة القرآنية في سورةٍ من سوره الكريمة هي سورة إبراهيم ,وسنرى كيف اجتمعت العديد من سمات المنهج القرآني الدعوي في هذه السورة المباركة على قصرها وإيجازها وبساطتها، وهل الإعجاز القرآني إلا هذا .
____________
المبحث الأول : مدخل إلى سورة إبراهيم :
تعريف عام بسورة إبراهيم :
هذه السورة هي السورة الرابعة عشرة بترتيب المصحف الشريف وهي الثانية والسبعون بترتيب النزول ، ومجموع آياتها اثنان وخمسون آية كلها مكية.
____________
الوحدة الموضوعية لسورة إبراهيم :
1- إن تأمل هذه الوحدة الموضوعية في سورة متكاملة من سور القرآن المكي يشير إلى الأهمية القصوى التي أولاها القرآن الكريم لموضوع التوحيد، لا سيما وأن هذه السورة ليست الوحيدة التي تتفرغ لموضوع التوحيد فها أنت أمام سور كالإخلاص والكافرون وغيرها، والشاهد أن إفراد السور القرآنية على تنوعها في الطول والقصر بموضوع التوحيد تأكيد على أهمية وأولوية هذه الموضوع في الخطاب القرآني.
2- إن تأمل التنوع الأسلوبي الذي سلكته السورة في أدائها للخطاب الدعوي تؤكد على ضرورة مراعاة هذا التنويع عند خطاب المكلفين بحيث يراعى أحوال المدعوين والشبهات السائدة والعوائق المانعة من قبول الدعوة.
3- إن الوحدة الموضوعية في سورة إبراهيم ظلت بارزةً في السورة كلها من أولها إلى آخرها وكأنها تشير للدعاة إلى مبدأ منهجي مهم وهو عدم تجاوز مسألة تقرير العقيدة والتوحيد إلى أي شيء البتة حتى يتم الفراغ من تقرير الأساس العقدي.
4- إن الوحدة الموضوعية في هذه السورة ظهرت أيضاً في السياق التاريخي الذي سردته السورة من وقائع الأمم السابقة والرسل السابقين لتؤكد مرةً أخرى على وحدة رسالة الرسل وأن دينهم التوحيد من أولهم إلى آخرهم.
5- إن الوحدة الموضوعية لسورة إبراهيم تعين المتدبر على فهم الجزئيات المذكورة في السورة ضمن هذا السياق الذي يقرر الفاصل والفارق بين الإيمان والكفر؛ بحيث إن كل انقياد لأمر وارد في هذه السورة يمثل طريقاً لتحقيق الإيمان، تماماً كما أن كل مخالفة لأمر وارد أو تلبُّس بمنهيٍ عنه في السورة يشكل مورداً من موارد الكفر إن لم يكن كفراً بعينه، وتدبُّر هذا دقيق جداً كما سيظهر معنا في مثال لاحق عند الحديث عن كفران النعم إن شاء الله.
____________
المبحث الثاني: ملامح منهج الدعوة في سورة إبراهيم :
رسالة الدعوة :(8/128)
لقد جاء تقرير هذه الرسالة وبيان الهدف الدعوي في هذه السورة بأسلوب سهل بسيط مباشرلا لبس فيه ولا غموض، وتتمثل عناصرهذه الرسالة في آيتين معجزتين استهلت السورة بإحداهما واختتمت بالأخرى؛ فالأولى قوله تعالى : (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)،والثانية قوله تعالى:(هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) فهاتان الآيتان تقرران بكل وضوح أن هدف هذه الرسالة استنقاذ الناس أجمعين من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة، وهذا لا يتحقق إلا بتحقيق التوحيد الخالص المجرد لله تعالى كما ذكر في الآية الثانية :(وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ),وهنا نكتة دقيقة وهي أن ذكر التوحيد لم يكن صريحاً في فاتحة السورة وإنما جاء بهذه الصراحة في خاتمتها، ولعل الحكمة من ذلك لفت انتباه المخاطبين إلى ما في دعوة التوحيد هذه من تحقيق مصلحتهم لأن الناس مجبولة على اتباع ما فيه مصلحة لهم، فضربت الآية الأولى المثال للكفر وللإسلام بما جُبل الناس على أنه مصلحة، ثم مضت السورة في الدعوة إلى التوحيد الذي هو حقيقة الإسلام وختمت السورة بذكر التوحيد صراحة إشارةً إلى أن هذه هي النتيجة التي يصل إليها أولو الألباب والعقول النيرة حين تلتفت إلى ما جاء في السورة من توجيهات كما سيأتي.
ولا بد لنا من أن نقرر جملة من المبادئ التي رسختها هاتان الآيتان فيما يتعلق بطبيعة الرسالة ومنها:
أولاً: التأكيد على عالمية الدعوة وقد جاء ذلك في فاتحة السورة في قوله تعالى:( لِتُخْرِجَ النَّاسَ ) كما جاء في خاتمتها في قوله تعالى: (هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ ).
ولا شك أن في هذا تأكيداً على شمولية الدعوة من جهة وعلى أنها ناسخة ما قبلها وخاتمة الشرائع من جهة أخرى.
____________
ثانياً: بيان تحقق هداية الإرشاد بتنزيل كتاب الله عز وجل وأن هذا الكتاب هو مَعين هذه الدعوة ونبعها الصافي وهذا جليٌ في قوله تعالى :( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ) حيث أكد على مصدرية الوحي ومحورية دور الكتاب فلا يمكن أن يستقيم حال الناس وهم له هاجرون ولا يمكن لهم الانتفاع بنذارته وهم عنه لاهون، وهذا النوع من الهداية عام لكل الناس وبه يتحقق الإعذار.
____________
ثالثاً: بيان أن تحقق هداية التوفيق موقوفة على إذن الله عز وجل حتى لا يغتر الناس بالركون إلى عقولهم وأهوائهم ويعترفوا بالفضل لله تعالى أولاً و آخراً ويحترزوا عن أسباب خذلان الله تعالى لهم أشد ما يكونوا محتاجين إليه، وهذا الأمر واضح وجلي في قوله تعالى : ( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).
____________
رابعاً: التأكيد على أن الله تعالى لا تنفعه طاعة المؤمنين ولا يضره عصيان الكافرين، وأنه سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب غير محتاجٍ لطاعة أحد من عبيده ولا آبهٍ لمن أبق منهم، ولهذا أكدت الآية على أن الله تعالى هو: (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) فهو تعالى العزيز بذاته (الذي لا يغلبه غالب) والحميد بذاته (المحمود بكل لسان والممجَّد في كل مكان على كل حال) ، ولكن الذي ينتفع من سلوك هذا الصراط هو العبد المطيع الذي يعتز بسلوكه الطريق الموصل إلى مرضاة ربه مهما استوحش الطريق وقل الصاحب والرفيق، فيكفيه عزاً أنه متذلل للعزيز ويكفيه فخراً أنه متعبدٌ للحميد.
____________
صفات الرسل:
أولاً: الإرسال بلسان القوم:
إن توافق لسان الرسول البشري مع لسان قومه أمر لازم لتحقق البيان عن الله عز وجل، ولهذا نجد الآية الكريمة تؤكد على تقرير ذلك حيث قال تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وهذا أصلٌ ضروري في إقامة الحجة بهداية الإرشاد التي هي أثر من آثار رحمة الله تعالى بالناس .
____________
ثانياً: التوكل على الله :
إن الرسول والداعية الناجح هو الذي يستعين بالله على تنفيذ أوامر الله، ويتوكل على الله حين يأخذ بأسبابه مهما كانت هذه الأسباب قوية، وأي شيء أقوى من معجزاتٍ أيَّد الله تعالى بها رسله، تأمل قوله تعالى:(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ), (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) والحقيقة أنه لا يمكن أن تقوم للداعية قائمة في مواجهة مهمة البلاغ إلا بتوكل صحيح على الله تعالى، ولهذا كان توكل الرسل عليهم الصلاة السلام أكمل ما يكون من التوكل لأنه في أعلى ما يكون من المطالب وأشرف ما يكون من المراتب .
____________
ثالثاً: الصبر على الأذى:(8/129)
قال تعالى : (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا)،ولا شك أن في هذا إشارة جلية من الله تعالى إلى أن الرسل سيلاقون من المشاق والمتاعب ما يستلزم استحضارهذا الابتلاء والاستعداد لمواجهته، ولقد جاء التزام الرسل بهذا الصبر مؤكداً بلام القسم وبنون التوكيد مبالغةً في الثبات وإمعاناً في إظهار الثقة بالله تعالى أنه ينصرهم.
____________
معوقات الدعوة :
أولاً: حب الدنيا على الآخرة:
وقد جاء هذا وصفاً للكافرين في قوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ),(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) وهذا المعوِّق يمكن اعتباره في الحقيقة الداء الأصيل لكل من وضع أمام الدعوة عائقاً أو اعترض طريقها بعقبة أو نحوها، لأنهم يقدمونها - أي الدنيا- ويؤثرونها عليها- أي الآخرة - ويعملون للدنيا ونسوا الآخرة وتركوها وراء ظهورهم ، فالذي يعمل للدنيا يتخبط في كل أوديتها ويسير وراء كل هوى، فكلما عارض الشرع ودعوة الحق هواه أخذ يضع من العوائق والعقبات ما يحجب دعوة الحق عنه لتخليَّ بينه وبين هواه.
____________
ثانياً: الصد عن سبيل الله :
وسبيل الله هنا بمعنى ( اتباع الرسل) ، فهؤلاء الكفار لا يكتفون برفض دعوة الرسل لهم ولكنهم يصرفون الناس عن إتباع ما جاءت به الرسل، وهذا الصد يكون بالرفض تارة وبالإكراه تارة وبالتهديد تارة وبالتشويه والتحريف تارة كما بينت الآية نفسها في قوله تعالى: (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) أي يحرصون على تهجينها - أي سبيل الله - وتقبيحها للتنفير منها، ولما كان دأب هؤلاء هو التشهير بالدعوة والدعاة فقد رد عليهم القرآن بمثل ما فعلوا فشهَّر الله تعالى بهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد وبيَّن أنهم معادون لمولاهم ومعادون للحق ومعادون لأنفسهم في اعتراض دعوة الرسل وتنفير الناس منها، ولقد ذكر الله تعالى أمثال هؤلاء في غير موضع من القرآن، فهذه الآية نظير قوله تعالى:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فكان جزاء هؤلاء من جنس عملهم و لبئس ما عملوا.
ثالثاً: الاستهزاء بالرسل :
وهذا مسلك آخر لهؤلاء الكفار وهو دليل على إفلاس حججهم بل عدمها، إذ لو كانت لهم حجة من المعقول أو أثر صحيح منقول لخاصموا به الرسل، ولكن لما أعيتهم الحيلة جحدوا .
____________
رابعاً: إثارة الشكوك والشبهات :
وقد فضحت السورة هذا المسلك أيضاً في قوله تعالى :(وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) وردت عليهم رداً حاسماً في قوله تعالى :(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ذلك أن هذه الشبهة شبهة واهية لا تس تحق النقاش والجدال فكان كافياً في الرد عليها تقرير ما هو مستقر في الفطر السليمة والعقول الصحيحة، ولكن الغرض هنا التنبيه على مدى انحطاط هؤلاء الكفرة الصادين عن سبيل الله فهم لا يتورعون عن إثارة الفتنة والشبهة مهما كانت الحقيقة بديهية في العقول.
____________
خامساً : الإيذاء الحسي والإخراج من الأرض:
وهذا التهديد الذي واجهت به أقوام الرسل الدعوة إلى الله تعالى كما حكت الآية تهديدهم (لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) ولا شك أن هذا التهديد يعتبرمن المعوقات المهمة لانتشار الدعوة وتقبل الناس لها، فالمرء مجبول على حب موطنه والأنس به وكراهة الإخراج منه، و لكن هذا يجب ألا يثنيهم عن المضي قُدماً في أداء الرسالة، والله تعالى متكفل بأولئك ولئن مكروا مكراً فالله تعالى محيطٌ بمكرهم لا محالة .
____________
وسائل الدعوة :
أولاً: التنبيه بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية:
لقد جاءت عدة آيات في هذه السورة منبهةً على ذلك، ففي قوله تعالى : (اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) حيث جاء بصيغة العموم (ما) ليدل على إفراده تعالى بكل ما في السماوات والأرض (أي ملكاً وعبيداً واختراعاً وخلقاً)،وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)،وقوله تعالى :(اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ), (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) حيث فصلت هذه الآية في مظاهر ربوبية الله تعالى من حيث الخلق والتدبير، وحذار أن تتوهم التكرار المحض في هذه الآيات، بل كل آية منها تأتي في موضعها لتنبه على أمر أو مسألة مستقلة ولا يمنع استعمال نفس الشاهد من تعدد المشهود عليه، فالآية الأولى استدل بها على انفراده تعالى بالملك،والآية الثانية دلت على انفراده تعالى بالخلق، والآية الثالثة دلت على انفراده تعالى بالأمر والتدبير؛ فإذا جمعت ما تقدم وصلت إلى تقرير توحيد الربوبية الذي هو :( إفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة: في الخلق والملك والتدبير).
____________
ثانياً: التذكير بنعم الله تعالى :(8/130)
وهذا الأسلوب قريب من الأسلوب السابق لأن نعم الله تعالى وعطاياه ومنحه من آثار ربوبيته سبحانه وتعالى، بل هو أسلوب أقرب إلى الحس والمشاهدة بحيث يصعب إنكاره إلا من جاحد للنعمة كافرٍ بها، ونحن نجد فيضاً من الآيات المذكرة بنعم لله تعالى على اختلاف في هذه النعم في هذه السورة الكريمة، من ذلك قوله تعالى): َلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(، وأيام الله (أياديه ونعمه عليهم), وأياً ما كان فلا شك أن وضع نعمة الله في غير موضعها وجحود هذه النعمة طريق موصلٌ إلى الكفر والهلاك ويتفاوت الناس في التردي في دركات هذا الطريق فوجب الحذر.
وحاصل هذا الأسلوب أنه يهدف إلى استثمار ما جُبلت عليه الأنفس من العرفان والشكر إلى من أسدى إليها جميلاً فما بال المرء مع ربه ومولاه الذي أورد عليه من النعم ما تتقاصر الأعمار عن تعداده ناهيك عن الوفاء به، فحري بهذا الأسلوب أن يستنقذ من في قلبه بذرة صلاح من مورد الهلاك وطريق الكفر والجحيم.
____________
ثالثاً: أسلوب الترغيب والترهيب:
وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية يُراعي فيه طبيعة النفس البشرية المجبولة على محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه، فتجد القرآن يرغب الناس في اتباع الهدى من خلال الوعد بالخير المترتب على ذلك، ويُرهبهم من إتباع الباطل من خلال الوعيد المترتب على ذلك أيضاً، ولا شك أن الجمع بين الترغيب والترهيب مراعاة للتوازن النفسي عند الإنسان فهو في بعض الحالات أشد استجابة لدواعي المصلحة فينفعه الترغيب وفي حالات أخرى يكون أشد انسياقاً وراء الهوى والشهوات فلا يرعوي إلا بالترهيب، وكان من كرم الله تعالى أن كان الوعد لازماً والوعيد بخلافه.
ولقد أوفت سورة إبراهيم هذا الأسلوب القرآني حقه، ولقد استفتحت السورة بالترهيب في قوله تعالى:(وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) وهو استفتاح مناسب حيث جاءت السورة لتعالج واقع الكفر والشرك فكان مناسباً أن يتجه الخطاب إلى التخلية وذلك بالترهيب والتنفير من مآل ما هم عليه، ثم تكرر مثل هذا الترهيب والتهديد في قوله تعالى :(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
أما جانب الترغيب فنجد الآيات قد حشدت جملةً من الوعود الجميلة التي يمكن تقسيمها إلى وعود معجلة في الدنيا وأخرى مؤجلة في الآخرة؛ أما الأولى فمنها الوعد بالزيادة لمن شكر نعمه حيث قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) ومن هذه النعم العاجلة مغفرة الذنوب وعدم إهلاكهم بها في الدنيا حيث قال تعالى:(يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) ، أما الوعود الحسنة الآجلة فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، تأمل معي قوله تعالى:(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) وقد جاء هذا الوعد الحسن ترغيباً بعد بيان مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال.
____________
رابعاً: أسلوب ضرب المثل :
المثل الأول : كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف:
ضرب الله تعالى مثلاً لمن عبد مع الله غيرَه سبحانه وتعالى كيف يكون مآل أعمالهم، فيقول تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ) فهؤلاء يأتون بأعمال ظاهرها حَسن في دنيا أو هكذا يتوهمون فيرجون ويطلبون ثوابها يوم القيامة، وما شعر هؤلاء أن أعمالهم هذه ليست بشيء وأن ما يجدونه منها يوم القيامة مشابه لما يجده من طلب ذرات الرماد التي بعثرتها ريح عاصفة شديدة، فلا يجد هؤلاء شيئاً لأنهم بنوا أعمالهم على غير أساس صحيح، وهذا مثل قوله تعالى:
(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ,ولكن الآية في سورة إبراهيم عامة في كل الأعمال والآية في آل عمران خاصة في الإنفاق وهو من باب التنويع البياني في القرآن الكريم, حيث يذكر العام في موضع ويذكر بعض أفراده في موضع آخر ليتحقق التكامل البياني على مدى سور القرآن الكريم.
____________
المثل الثاني: كشجرة طيبة أو خبيثة:(8/131)
تنوعت أساليب القرآن الكريم في توصيل رسالة التوحيد للناس، وما ذلك إلا لأنها أعظم حقيقة في الكون وحري بها أن تكون محط عناية القرآن الكريم، والمتدبر في هذه الصورة القرآنية يدرك مدى ثقل هذه الكلمة واهتمام القرآن بها, حتى جاء ترسيخها في عقول وقلوب الناس بهذه الصورة الرائعة والمثل البديع، قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ),(وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)، فهذا مثل قد ضربه الله تعالى للكلمة الطيبة (شهادة أن لا إله إلا الله)؛ فشبهها بالشجرة الطيبة ذات الجذور الراسخة الضاربة في الأرض ثباتاً والفروع المتشعبة عن أصلها الطيب , فإذا بها يانعة الثمار صالحة النتاج، فكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية والآداب الحسنة ، وهذا في غاية الحسن من حيث ضرب المثل للمعاني المعقولة بالأشياء المحسوسة المستقرة في بداهة العقول والتي تتراءى للناس في معايشهم كل يوم، وإن منتهى الحسن في نتاج هذه الشجرة ذلك التثبيت عند سؤال الملكين في القبر ثم نوال رضا الله تعالى وثوابه يوم القيامة، كما قال تعالى بعد ضرب هذا المثل:
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة ).
____________
خامساً: أسلوب القصص:
لقد أخذ القصص القرآني بُعده وتبوأ مكانه كأسلوب خطابي دعوي في سور متعددة من القرآن الكريم بعضها قصير وبعضها طويل، وبعضها تعرضت له سور في آيات قلائل وبعضها الآخر استغرقت سوراً بأسرها، ولا شك أن لهذا العرض المتنوع أهدافه التي منها استدعاء السياق معنى من معاني القصة أو جانباً من جوانبها فيقتصر على موضع الشاهد منه مع إبراز ما يستدعيه السياق، وهكذا كان الحال في سورة إبراهيم حيث وردت جوانب من قصة موسى عليه السلام مع قومه في سياق استعراض أسلوب الدعوة بالتذكير بالنعم، حيث قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)، ثم جاءت إشارة خاطفة سريعة تذكر بمصائر المكذبين في قوله تعالى :(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) وقد جاءت الإشارة بأسلوب قصصي مقتضب جداً بعيد عن الاستطراد الذي قد يبعد بالمخاطب عن التركيز المطلوب في هذا الخطاب الدعوي أعني خطاب الدعوة إلى التوحيد، ثم جاءت الإشارة القصصية الأخيرة من صفحة الواقع حين ذكَّرت بما أورده مشركي قريش قومهم من موارد الهلاك في قوله تعالى :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ),(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) وقد تقدم أنها في مشركي قريش ومن هلك منهم يوم بدر.
وحاصل ما تقدم أن يتسلح الداعية برصيد كافٍ من القصص الصحيح ذي المغزى المعين على تقرير مسائل الدعوة، لا سيما وأن أسلوب القصة أسلوب قريب من الناس يشد انتباههم ويؤثر فيهم أكثر مما تؤثر أساليب دعوية أخرى.
____________
المبحث الثالث: ملامح منهج التوجيه والتربية في سورة إبراهيم :
منهج التوجيه في الخطاب الدعوي في سورة إبراهيم :
أولاً: توجيه التأمل في الآيات الكونية:
لقد جاء هذا التوجيه لدفع شبه القوم في إنكار وحدانية الله والترويج لباطل الشرك، فجاء مثلاً قوله تعالى :(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)، حيث دعت إلى النظر والتفكر في هذا الخلق العظيم، وفعل (ألم تر) أي رأى القلبية ثم تطرد الآية القياس بالتنبيه على أن من أوجد هذا الخلق العظيم من العدم قادرعلى أن يذهب بهذا الخلق الضعيف المتمرد على عبادة الله سبحانه والانقياد له، فليحذر الذين يخالفون عن أمرالله إذاً أن يحل عليهم عقاب الاستبدال (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ).
ثم تأمل في هذا المشهد الكوني الآخر حيث قال تعالى: )اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ(،(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) فهو توجيه رائع إلى مشهد الخلق الكوني الناطق بكل جزئية فيه وبالتكامل والتناسق المعجز بين هذه الجزئيات تكاملاً يحكي بنفسه أن له رباً خالقاً مدبراً يستحق الحمد والتمجيد والانقياد له شرعاً تماماً كما أن هذا الكون البديع منقادٌ له كوناً وقدراً.
____________(8/132)
ثانياً : توجيه التأمل في الآيات الشرعية :
وهي السنن التي رتب الله تعالى على مقدماتها آثاراً شرعية من عقوبة أو ثواب، تمكين أو استخلاف، نجاة أو هلاك ونحو ذلك , ولما كان الخطاب الدعوي خطاباً شرعياً قوامه تبليغ أمر الله تعالى ونهيه ناسب أن توجه السورة الكريمة إلى ما يترتب على الأخذ بمقدمات الانقياد لشرع الله والتزام أمره ونهيه، كما ناسب أن يبين ما يترتب على هجر هذه المقدمات والأخذ بمقدمات التمرد على أمره ونهيه سبحانه وتعالى ولقد وجهت السورة الكريمة إلى جملة من هذه المشاهد منها:
1- مشاهد الأمم الهالكة: وهذا الهلاك سنة شرعية توجه الآية النظر إليها ترهيباً للمخاطبين بالدعوة من الأخذ بمثل ما أخذت به تلك الأمم من مقدمات الهلاك كتكذيب الرسل وبث الشكوك والشبهات كما في قوله تعالى:) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(بل جاءت الآية الأخرى بأشد من ذلك حينما وجهت القوم إلى النظر في الديار التي ورثوها من تلك الأمم الهالكة فهو أدعى للعظة والاعتبار قال تعالى : (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ) ,(وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) فلم يغن مكر القوم عنهم شيئاً؛لأن سنة الله الشرعية قد قضت بأن يهلك هؤلاء ويكونوا أول ضحية مكرهم فيكون تدبيرهم تدميرهم بإذن الله.
2- مشاهد خصومة أهل النار: فسنة الله الشرعية تقضي بأن ينال العبد الآبق عقابه في نار جهنم، وأن يتجرع كأس الحسرة والندامة جراء اتباع دعاة جهنم، وإنما ذكرهذا المشهد ضمن الآيات الشرعية لأنه مترتب على مخالفة الأمرالشرعي من جهة ولأنه لا طريق لمعرفته إلا طريق الشرع من جهة أخرى، تأمل هذا المشهد : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ)،ولا شك أن العاقل من اتعظ بهذا المشهد لا من عاينه وكان من أهله.
3- خطبة إبليس: ولعل مشهد الحسرة والندامة والمخاصمة يزداد ألماً عندما يتقدم رئيس دعاة جهنم ليخطب أتباعه تأمل قوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فيها هو رأس الكفر ورئيس دعاة جهنم يقول:(إني جحدت أن أكون شريكاً لله عز وجل) ، واعترف بكذبه فيما وعد به وأنه لا يملك لأتباعه ضراً ولا نفعاً.
4- مشاهد نعيم أهل الجنة: ففي مقابلة المشهدين السابقين لا بد من تمام المشهد بالتوجيه إلى النظر في مآل السعداء حيث قال تعالى :(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) فكما قضت سنة الله الشرعية أن يعاقب المتمرد على أمر ربه فقد قضت السنة الشرعية أن يكافأ المحسن على إحسانه بفضل وكرمٍ من الله تعالى، وكان من تمام التوجيه أن يستكمل عرض مشهد الجزاء ببيان عاقبة المحسن والمسيء لئلا يبقى لأحد على الله تعالى حجة.(8/133)
5- مشهد يومٍ لا بيع فيه ولا خلال : فمن جمع مالاً في الدنيا فليس ماله ذاك بالذي يغنيه يوم الحساب، ومن جاء معوِّلاً على نسبه وحسبه فليعد غير هذه العدة فإنها لا تغني عنه شيئاً، كما نبهت الآية الكريمة :( قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ(، فالآية تشير إلى أنه لا ينفع أحداً بيع ولا فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً لو وجده، ولا ينفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافراً، ومن جميل توجيه هذه الآية أنها قدمت بالإشارة إلى ما ينفع من صلاة وصدقة يُبتغى بها وجه الله اشتغالاً بتحصيله عما لا ينفع من مال وخِلَّة، فتأمل هذا فإنه لطيف جداً, وفي موضعٍ آخر من السورة جاء مشهد الظلمة في حالة مهينة ذليلة كان الله تعالى قد أعده لهم وحذرهم منه، قال تعالى:(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار),(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) فيا له من مشهد ذلك الذي يسرع فيه هؤلاء إسراع الذليل المدفوع يرفع رأسه مذهولاً لا تطرف له عين لهول ما يرى قد طار فؤاده منه، وتأمل مزيد هوان في قوله تعالى :(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ),( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّار) وما هذا العرض والتوجيه إلا للنذارة كما في الآية التالية:( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(، فالسنة الشرعية تقضي أن من أقسم على هذا الباطل يجازيه الله تعالى بأن يجعله من أصحاب المشهد السابق، فكما زعموا أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذاك ، وهذا مقتضى عدله سبحانه تعالى، والعدل سنة شرعية ماضية،قال تعالى :( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).
____________
ملامح المنهج التربوي في سورة إبراهيم :
أولاً: هدف التربية :
إن أي تربية لا تتوجه نحو هدف معين هي تربية فاشلة لأنها هيام على غيرهدى ومآلها تخبطٌ في أودية الدنيا، ولهذا كان هدف التربية واضحاً جلياً عند إبراهيم عليه السلام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) نعم هدف التربية هو الوصول بالمربي والنشء إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبودية، ولقد تعززهذا الهدف ببيان ضلال نقيضه (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ)، بل وبإعلان صريح لتمحور الولاء و البراء على سلوك طريق التوحيد هذا ( فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ), ولما كان الشرك الذي يعكر على المسلم صفاء عقيدته متردداً بين شرك ظاهرٍ معلوم وشركٍ خفي قد يتسلل إلى النفوس من حيث لا يدري المرء كان الالتجاء إلى الله تعالى وحده ليعين المربي على تنقية صفحة التوحيد من لوثات الشرك هذه حيث قال : (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) .
____________
ثانياً : بيئة التربية :
فالمربي الناجح هو الذي يتخير لناشئته البيئة الصالحة التي تعزز فيهم التزام أمر الله وتعين عليه، وتنفرهم من مخالفة أمره ولا تروج لباطل أهل الزيغ، تأمل معي الإشارة إلى هذا في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)،وأي أمنٍ أعظم من أن يعلو صوت التوحيد فلا يسمع صوت سواه، ولا يضر بعد ذلك أن يكون المكان (غير ذي زرعٍ) طالما أن كلمة التوحيد ظاهرة وبيئة التربية صافية نقية لا صولة للشيطان فيها ولا جولة ,وإن الذي يقيم مع ناشئته في مجتمعٍ تفشو فيه معالم الزيغ والضلالة والفسق والكفر ليس بذاك المربي وليس بذاك الحريص حقاً على تقريرعقيدة الوحيد في قلوب الناشئة اللهم ما لم يكن مغلوباً على أمره قد استفرغ الوسع في تأمين البيئة البديلة.
____________
ثالثاً: تحقيق معنى الإيمان عند الناشئة :
فليس الإيمان معرفة قلبية محضة، ولا هو تمتمات محرابية فارغة، بل الإيمان قول وعمل يستقر في القلب و يلهج به اللسان وتتحرك به الجوارح، وأنت ترى هذا المعنى واضحاً حين تكرر بيان الهدف من التنشئة فإذا بالآية الكريمة تصرح بهدف آخر,( رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)، (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) فالهدف إذاً قول القلب أي طرح عقيدة الشرك وعبادة الأصنام جانباً وعمل الجوارح وهو هنا الصلاة ، وذكر اللسان وهو هنا الدعاء، وهكذا تكاملت عناصر مفهوم الإيمان على الصحيح عند الفرقة الناجية أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه.
____________
رابعاً: تحقيق صفات المربي :(8/134)
لا تربية دون قدوة وأسوة، ولا يمكن أن نتأمل خيراً من مربٍ يخالف حالُه مقالَه، ولهذا كان إبراهيم عليه السلام يشمل نفسه في كل دعاء: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)،( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) فهذا هو المربي الناجح أو قل المربي الداعية وهذا هو المربي الذي لا يركن إلى شهود الأسباب ولا يجزع من غيابها، بل دأبه الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه والالتجاء إليه والافتقار بين يديه إلى الاتصال بحبله المتين لا يثنيه :( إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) عن (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ) لأن تكلانه واستعانته بالله تعالى فهو يدعوه :( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وينشغل بتسبيحه وحمده على الدوام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ).
نِعمَ المربي هذا الذي يقول ويعمل، يأخذ بالأسباب ويتوكل على خالقها، يفتقر إلى الله ليصل إلى الله ويستعين بما طلبه من سبب على عبادة رب كل سبب.
وهذا المربي هو المربي الشفوق بالناشئة الحريص على هدايتهم ومصلحتهم فهو يلتمس من الله تعالى توفيقهم للتوبة والإنابة إليه تعالى (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويدعو الله تعالى أن يهيء لهم أسباب الرفق حتى لا ينشغلوا بتحصيل أسباب العيش عن تحقيق الهدف من وراء العيش ذاته (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .
____________
الخاتمة :
هذه باختصار أهم معالم الفوائد المستنبطة من دراسة السورة ولقد جاء تفصيلها في طيات هذا البحث، وحري بكل مسلم أن يعكف على دراسة هذه السورة وأخواتها فهي نعم الزاد لمن أراد أن يسير في طريق الدعوة ونشر رسالة الخير في أرجاء المعمورة، وإني أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل ما كان في هذا العمل من صواب وأن يعفو عما زل به القلم، وأن يعينني على العمل بما عملت حتى أرث علم ما لم أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
=============
فرسان الدعوة ( الجزء الأول )
اسم المحاضر : إبراهيم بن صالح الدحيم - حفظه الله -
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمداً يوازي نعمك، ويدفع نقمك، اللهم اجعلنا ممن همه الدعوة لإخراج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ?33? سورة فصلت، اللهم علمنا يا معلم سليمان وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، و الصلاة و السلام على خير المعلمين الهادي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد..
قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ?108? سورة يوسف.
من هو الفارس الذي لا يترجل ؟ والذي عشق القمم فما عاد يعرف للأودية سبيلاً ؟ ولا إليها طريقًا، سارت همم الناس في أفلاك شهواتهم، وسار نجم همه في أفلاك دعوته، فهو الفارس الآخذ بزمام فرسه طائر على جناح السرعة، قد نصب خيمته في صحراء التائهين، وأوقد ناره عندها كي يراه المنقطعون فيقصدونه فيستنقذ فيهم غافلاً، ويعلم فيهم جاهلاً :
يا لُبينا أوقدي طال المدى .. ...أوقدي علَّ على النار هدى
أوقدي يا لُبنُ قد حار الدليل... ... أوقدي النارَ لأبناءِ السبيلْ
أوقدي النارَ وأذكي جمرها1 ... ... علَّ هذا الركب يعشو شطرها
شردي هذا الظلام الجاثما1 ... ... أرشدي هذا الفَراش الهائما
إنه فارس الدعوة لا يثنيه أي شيء عن السعي الدؤوب، والجهد المشبوب في سبيل الدعوة، ينبئك عن حاله، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه) أخرجه البخاري، وهذا الفارس قد سمع قول ربه جل ذكره : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ?104? سورة آل عمران، فأجاب وكان أُمةً، طلب المرتبة الحسنى في الدنيا فوجدها في قوله تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ?33? سورة فصلت، قائم في ليله، صائل في نهاره، عامل في سره، داعٍ في جهره، إنه الداعية الذي لا يعرف الراحة، فََهِِمَ قول عمر- رضي الله عنه -: (الراحة للرجال غفلة)، فأعرض عن الراحة ونزل إلى الساحة، يصول ويجول، كيف يركن إلى الراحة ؟! وفيها من اللذة ما الله به أعلم، قيل لعلقمة :- رضي الله عنه - (كم تعذب هذا الجسد الضعيف؟ فقال : لا تنال الراحة إلا بالتعب)، وقيل لمسروق بن الأجدع: (لقد أضررت ببدنك فقال: كرامته أريد):
والحر لا يكتفي من نيلِ مكرمةٍ... ... حتى يروم التي من دونها العطبُ
يسعى به أملٌ من دونه أجلٌ... ... إن كفه رهبٌ يستدعِهِ رغبُ(8/135)
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الداعي والدليل فعندما قبضه الله إليه، قام من بعده من يخلفه في أمته، يدعون إلى الله و يبذلون في ذلك قصارى جهدهم، وعندما نعرض هذه الصور المشرقة وهذه الصفحات المضيئة، فلسنا نعرضها لنطرب النفوس لتبارك دون أن تشارك،
ولكن عرضها علهُ أن يوقظ غفلة نائم، أو يصعق به غافل، ويتحرك لها فاتر العزيمة، ضعيف الهمة، الذي ربما وافته فرصٌ عظيمة لم يستغلها، حتى أنه لم يفعل لدينه وملته أقل القليل.
هذه نماذج من فرسان الدعوة المعاصرة، وهم أقل شهرة من سابقيهم، الدعاة المعروفين التي دونت الكتب آثارهم، ونشرت أخبارهم، وإليك هذا النموذج الأول:
المهندس (محمد توفيق بن أحمد) رحمه الله، أسس دار تبليغ الإسلام في سويسرا، كان يعمل بصمت طوال خمسة وستين عامًا، أسلم على يديه (4.000) أربعة آلاف مسلم، أرسل رسائل في الدعوة بلغت ما يقارب مئة ألف رسالة، هذا الرجل الذي وهب نفسه لله لم تفتر عزيمته أبداً، والسؤال كم من الناس الذين يقدمون إلى بلادنا من غير المسلمين؟ هل فكرنا في يوم من الأيام أن نعرض عليهم الإسلام، أو نهديهم كتاباً أو شريطاً، أو ندلهم على مكتب دعوة الجاليات، وهذا لنموذج ثانٍ:
(أحمد بليلو) رئيس وزراء الإقليم الشمالي في نيجيريا الذي اغتيل في أواخر رمضان عام ألف و ثلاثمائة وخمس وثمانين للهجرة، كان قد بدأ دعوته لنشر الإسلام بين الوثنيين عام (1963) للميلاد، وكان خلال عامين من بدء دعوته للإسلام قد أسلم على يديه ما يقرب من (300.000) ثلاثمائة ألف مسلم:
أين فؤادي أذابه الوجدُ... ... وأين قلبي أما صحى بعدُ
يا سعدُ زدني جوىً بذكرهمُ... ... بالله زدني فُديتَ يا سعدُ
الدعوة تجري في دمائهم، الدمُ يتحرك والدعوة تتحرك معه، النموذج الثالث:
شاب يعيش في ألمانيا لم يوفر جهداً في الدعوة إلى الله، اتفق أصحابه أن يمنحوه إجازة إجباريةً، فاصطحبوه مع أولاده إلى منتزهٍ ناءٍ لا يعرفه فيه أحد، حتى يرتاح و يُجمَّ نفسه مع أولاده، ووعدوه بأن يأخذوه بعد أيام، فلما رجعوا إليه وجدوه قد أسس جمعية إسلاميةً ! دعا فيها العمال وألفَ بينهم وأقام مسجداً كان فيما بعد منطلقاً للدعوة إلى الله في تلك البلاد، أترون لو أنه جعل تلك النزهة للراحة فقط هل نال ما نال ؟! وهذا نموذج رابع:
على السرير الأبيض يرقد في جناح القلب، إنه شاعر الدعوة الإسلامية ( عمر بهاء الدين الأميري ) يعمل صدره بأجهزة المراقبة الإلكترونية، دخل الطبيب عليه وهذه حاله، فسأل الممرض عن استراحة شاعرنا، فبادره قائلاً:
كلا رويدك يا طبيب... ... وقد سألت أما استراح
هل يستريح الحرُّ... ... يوقدُ صدره العبءُ الرزاح
كيف يستريح من يوقد صدره عبءُ الدعوة ؟! قيل للإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - : متى الراحة فقال: (عند أول قدم في الجنة)، هَمُّ الدعوة لا يفارقهم أبدأً، وهذا نموذج خامس:
الشيخ (حسن علي) رحمه الله، سمعه بعض الناس في لحظات موته وهو يقول أترك دينك وصِر مسلمًا، وهذا الكلام الذي عوَّد نفسه عليه في حياته كلها، وهذا نموذج سادس:
لدور المرأة المسلمة في الدعوة، ذكر صاحب كتاب (كيف أخدم الإسلام)، أن هناك امرأة مشغوفة في الدعوة، لا تترك فرصة تذهب سدىً، دون نصح أو تذكير، إذا ذهبت إلى (مكة
المكرمة)، أو المسجد النبوي، بذلت نفسها للدعوة في سبيل الله، والتذكير بالحجاب، وفي أحد الأيام رأت مجموعة من الفتيات من إحدى الدول العربية، قد كشفن رؤوسهنَّ، وعندما سألتهنَّ عن هذا الفعل قُلنَ لها نحن عضوات فريق كرة الطائرة، أتينا للعمرة، فهنا جاء دور هذه المرأة الموفقة بالدعوة إلى الله، فما ذهبت من عندهنَّ حتى تحجب بعضهنَّ، ويقول صاحب الكتاب أنه رأى رسالة من إحدى هذه الفتيات إلى تلك المرأة تبشرها بأنها بدأت تدعو زميلاتها للحجاب، وهذه امرأة أخرى كانت إذا أقبل موسم الحج، قامت بشراء الآلاف من الكتب باللغة الإندونيسية وغلفتها وبعثت بها إلى الحجاج، فكم من الناس استفاد منها، هل فعلتَ أو فعلتِ ذلك ؟
كل هذه النماذج هي أثر من آثار محبة الله ومعرفته، يقول الشيخ (عبد القادر الجيلاني ) رحمه الله: (من كملت معرفته لله عز وجل صار دالاً عليه)، أيها الغافل وكلنا ذلك الغافل، هذه قوافل الخير قد سارت وأنت نائم، فإذا أردت اللحاق بها فتوسد ذراع الهمم، وقم على أقدام القلق، واحلف على النوم أن يجافي أجفانك.
إلى كم حبسها تشكو المضيقَ... ... أثرها ربما وجدت طريقا
أجلها تطلب القصوى ودعها... ... سدى يرمي الغروب بها الشروقا
أتعقلها وتقنع بالهوينى... ... تكون إذاً بِذِلتها خليقا
الحمد لله ولي من تولاه، معز من أطاعه ومذل من عصاه، وهنا حديث عن فارس من فرسان الدعوة، خاض غمارها وعاش ليلها ونهارها، إنه الداعية المبارك (أحمد ديدات)، عله يحرك الدم المتجمد في عروقك، بسياط نصحه، ويدفع قدمك للحاق بعظيم وعظه، إذ يقول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)، وفي هذا الحديث دلالة على أن الذي يعطي خير من الذي يأخذ، مهمتنا الخروج لتبليغ رسالة الله، ويقول: إن ملايين الخطب وملايين(8/136)
المتفرغين المنصِّرين هدفهم تحويل العالم إلى النصرانية، وخاصة العالم المسلم، ونحن في سبات عميق، إنهم يقرعون أبوابنا في بلادنا، لقد نصَّروا (15,000.000) خمسة عشر مليوناً في إندونيسيًا، وهناك مئات الآلاف منهم في أفريقيا، النصارى أصبحوا يجرفون المسلمون في كافة أنحاء العالم، وليس هناك من يبكي على هذه النتيجة، بينما النصارى يندفعون على نطاق واحد لنشر دينهم، ويتركون حياة البذخ والترف، والعيش في الأدغال والصحاري هناك، والمسلمُ يملك هذه الدعوة المباركة التي حباهُ الله بها، يمتلك جرافة منحهُ الله إياها تحطم كل الصخور صخور الأصنام والجاهلية، وقال لقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (100.000) مائة ألف صحابي، لم يدفن منهم في المدينة إلا (10.000) عشرة آلاف، أين ذهب الباقون ؟ لقد انطلقوا في الآفاق للدعوة ولم يجلسوا في بيوتهم، عُد إلى نفسك أيها المسلم ماذا فعلت ؟ وماذا ستفعل ؟ ومتى سيكون ذلك ؟
إن الدعوة هي أمانة في أعناقنا، أيتها الأخت الفاضلة، أيها الأخ الفاضل، فلا تركنوا إلى الكسل وانفضوا غبار خوار العزيمة، واصدعوا بما أمر الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذا دينكم يدعوكم لنصرته، فابذلوا في سبيله كل غالٍ ونفيس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
===============
المعلم و المعلمة الداعية.
اسم الكاتب : عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي.
المقدمة :
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران.
أما بعد :
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد ــ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإسهاما مني في هذه السلسلة المباركة والتي يراد منها إعداد مجتمع الدعوة إلى الله جل وعلا اخترت العنوان الأول وهو كيف يكون المعلم والمعلمة من الدعاة إلى الله تعالى وقبل أن أبدأ البحث آثرت عرض الموضوع على عدد من المعلمين للإفادة من خبراتهم خلال عملهم في مجال التدريس والدعوة إلى الله تعالى خلال تلك الفترة فخرجت بجملة من التجارب العملية والتي قد أعرض لبعضها أثناء هذا البحث المختصر والذي سأتحدث فيه عن الآتي :
الفصل الأول : مقدمة في وجوب الدعوة :
المطلب الأول : وجوب الدعوة على كل مسلم .
المطلب الثاني : المعلم راعي فيجب أن يحفظ رعيته .
الفصل الثاني : الدعوة الذاتية :
المطلب الأول : الدعوة بالقدوة الحسنة .
المطلب الثاني : الدعوة من خلال عرض المادة العلمية الجيدة الشيقة .
الفصل الثالث : الدعوة العملية :
المطلب الأول : احترام الطالب .
المطلب الثاني : تقديم المساعدة للطالب عند حاجته لها .
المطلب الثالث : زيارة الطالب عند المصائب .
المطلب الرابع : زيارة الطالب في الأفراح .
المطلب الخامس : محاولة الوصول لجوهر قلبه .
المطلب السادس : محاولة الثناء عليهم بما فيهم من الخير .
المطلب السابع : يجب أن لا ينسى المعلم الداعية هدفه .
المطلب الثامن : الرفق خير كله .
الفصل الرابع معوقات الدعوة :
المطلب الأول : معوقات نفسية .
المطلب الثاني : معوقات خارجية .
هذا ما تيسر جمعه في هذا البحث والله الموفق لكل خير وبر .
___________
الفصل الأول : مقدمة في وجوب الدعوة :
المطلب الأول : وجوب الدعوة على كل مسلم :
الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من الدعوة :
"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "[ 104آل عمران ]
"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " [سورة آل عمران 110]
"لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللَّهِ ءَانَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " [ 113ـ 114 آل عمران ]
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ 157 الأعراف ](8/137)
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [ 71 التوبة ]
"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " [ 112 التوبة ]
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " [ 90 النحل ]
"الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " [ 41 الحج ]
"يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ " [ 17 لقمان ]
الآيات الدالة على أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ منذر ، والإنذار هو الدعوة :
" أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ " [ 2 يونس ]
"وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ " [44 إبراهيم ]
"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ " [ 214 الشعراء ]
"وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلااللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [ 21 الأحقاف ]
"إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [ 1 نوح ]
"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِرْ " [ 1 ـ 2 المدثر ]
التصريح بوجوب الدعوة :
"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " [94 الحجر ]
"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [ 108 يوسف ]
" وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ "[ 36 الرعد ]
الأحاديث الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
1- أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " .
2- أخرج مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ " .
3- أخرج مسلم عن أَبي سَعِيدٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ " .
4- أخرج البخاري عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا " .(8/138)
5- أخرج البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" .
___________
المطلب الثاني : المعلم راع :
المعلم راع فهو مسؤول عن رعيته ، رعيته ابني وابنك وأخي وأخوك ، رعيته أولاد المسلمين , فهؤلاء من أعظم الرعايا فيجب عليه حفظهم بتعليمهم أمور الدين وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة وتعليمهم ما أوكل إليه من المواد النافعة لهم في أمور أخراهم ودنياهم .
___________
الفصل الثاني : الدعوة الذاتية :
المطلب الأول : الدعوة بالقدوة الحسنة :
في هذا المطلب لا يحتاج المعلم أن يقول أو يأمر بل يفعل وهنا يكمن المحك الحقيقي لأن القول سهل ميسر ولكن العمل شاق على النفس .
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) سورة الصف.
وهنا المعلم محاسب على كل أفعاله التي يأمر بها ثم لا يأتيها.
قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : " يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" فهذا حال من أمر الناس بالخير ولم يفعل ما أمرهم به .
___________
المطلب الثاني : الدعوة من خلال عرض المادة العلمية الجيدة :
وهنا يكمن فن من فنون الدعوة فهذا معلم الفنية يرسم زهرة جميلة ثم يشرح للتلاميذ كيف صورها ربها ونفخ فيها هذه الرائحة الجميلة ، حتى يقولوا سبحان الله ما أعظم الله .
وهذا معلم العلوم يشرح لهم إعجاز القرآن أو السنة في درس من دروسهم مر عليهم حتي يقولوا سبحان الله ما أعظم الله .
وهذا معلم النحو يعرب آية من كتاب الله ثم يسأل لم جاءت هذه الكلمة هنا وبين شيئا من إعجاز كلام الله ، حتى يقولوا سبحان الله ما أعظم الله .
وهو متقن لمادته لا يضيع شيئا منها بل مبدع في شرحها وقد تحصل على احترام طلابه له .
___________
الفصل الثالث : الدعوة العملية :
المطلب الأول : احترام الطالب :
لا يمكن لأي إنسان أن يقبل منك وأنت تهينه أو تتنقص من قدره هل سمعت أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أهان أحد من مشركي مكة ابتداءً ؟؟؟
بل كان مثالاً للداعية الحريص على نجاة الناس .
وهذا الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إبراهيم يسأله كافرين عن رؤى رأوها فقال لهما :
" لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ " سورة يوسف.
انظر له وهو يقول لهما يا صاحبي السجن ولم يقل يا مساجين أو نحو تلك العبرات مع أنه سبب سجنه غير سبب سجنهما فهو نبي مظلوم رغبت به زوج الوزير وكبار نساء الملأ وهما ليسا كذلك مع هذا جعلهما مثله .
___________
المطلب الثاني : تقديم المساعدة للطالب عند حاجته لها :
قد تمر بالطالب ظروف معينة يحتاج معها للمساعدة وهي الشفاعة قال تعالى :
{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} (85) سورة النساء.(8/139)
أو ما نسميه بتعبيرنا ( الفزعة ) وعندها يحسن بالمعلم أن يتدخل وقد ذكر لي أحد المعلمين أن طالب كاد أن يطرد بسبب الشك فيه أن أفسد أحد أجهزة المدرسة وكان خارج حجرة المدير فلما رآه المعلم قال رأيت وجه ليس بوجه كذاب سألته فصدقني فشفعت له عند المدير فقبل شفاعتي فهداه الله بهذه الشفاعة ولله الحمد .
وقد يحسن كذلك السكوت عن خطأ قام به بعض الطلاب إذا علم أن السكوت سيؤثر عليه ومن ذلك أن أحد المدرسين شاهد طالب يغش في أحد الاختبارات بأسلوب بدائي ( هكذا قال ) ويظهر منه أن غير متقن لهذه الحرفة فدخل عليه في القاعة وقال : هات الورق الذي عندك , فأخرجها الطالب وقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه ، فأخذها المعلم ولم يتكلم ولما رآه بعد الاختبار قال له: أنت من عائلة محترمة فعليك بالصراط المستقيم ولا تنحرف .
فكم أثرت فيه هذه الكلمات وبقي سنين يذكرها لهذا المعلم .
وقال الآخر : أنه دخل على جملة من الصفوف لتفتيشيهم والبحث عمن يحمل الدخان أو سكاكين ونحوها فرأيت أحدهم في جيبه سكين وهو من الطلبة الهادئين فنظرت له وكأني أكلمه حتى لا يراني المدير وقلت له : ترى شفتها ، وهي آخر مرة ؟؟ فقال : وعد آخر مرة .
فبقي هذا الطالب يحفظ للمعلم بل لكل المتدينين هذا الفضل .
___________
المطلب الثالث : زيارة الطالب عند المصائب :
الطالب كغيره من الناس تمر به المصيبة وهو بحاجة للموساة .
وقد تكون مصائب بعض الطلاب دائمة بسبب أبٍ قاسٍ أو أمٍ زاهدة فيه أو أب ضال فاجر ، فهو بحاجة للحنان من أي أحد من الناس وبدلا من يلتف عليه الفسقة المفسدين ليتلقفه هذا المعلم الداعية ، وينجيه من براثن أهل الفساد، ويكمن الخطر كل الخطر لو كانت هذه المبتلاة بنت لأنها ستبحث عمن تسرى عن همها ؛وهنا يكمن الخطر لأن الذي يستمع لها بإنصات في الغالب سيكون ذئبا جبانا فاسقا يريد جسدها لينهشه .
___________
المطلب الرابع : زيارة الطالب في الأفراح :
لا يمنع أن يزور المعلم الطالب في الأفراح ويقدم التبريكات ولكن بقدر ، ولو لم يتمكن من الزيارة اكتفى بالتبريك ولو في قاعة الدرس أمام الطلاب فإن هذا سيدخل السعادة والسرور على نفس الطالب .
___________
المطلب الخامس : محاولة الوصول لجوهر قلبه :
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ : عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة.
لقد جربت ذلك مع الكثيرين حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور , شيء من العطف على أخطائهم ، وحماقتهم ، شيء من الود الحقيقي لهم ، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم , ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص .
إن الشر ليس عميقا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا , إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء , فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية , هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر من الناس بالأمن من جانبه ، بالثقة في مودته ، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم ، و على أخطائهم وعلى حماقتهم كذلك, وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله ، أقرب مما يتوقع الكثيرون لقد جربت ذلك ، جربته بنفسي فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام .
___________
المطلب السادس : محاولة الثناء عليهم بما فيهم من الخير :
ومنطلقنا هنا قول النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ :
"نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ "
فما ترك ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قيام الليل حتى مات .
فهذه بضع كلمات فيها ثناء صادق حثت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ على قيام الليل.
فكذا الطالب يحتاج منك إلى تشجيع وهو شيء من الثناء وفيه نصيحة طيبة .
قال سيد قطب - رحمه الله - : عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة , إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء ,إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون ؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة , ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب.
كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب , وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين؛ لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموا كافيا ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا .
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا ، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير .
___________
المطلب السابع : يجب أن لا ينسى المعلم الداعية هدفه :
قال لي كثير من المعلمين دخلنا التعليم من أجل هدف واضح وهو الدعوة إلى الله تعالى ؛ ولكن بعد مضي عام يتلوه عام تركنا هذا الهدف واشتغلنا بأمور دنيوية تنافسنا عليها .
فيجب على المعلم الداعية ألا ينسى هدفه الأكبر وهو الدعوة، وأن يطرح قضيته الكبرى في كل درس بحسبه .
___________
المطلب الثامن : الرفق خير كله :(8/140)
أخرج البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا "
وأخرج مسلم عن عَائِشَةَ قالت سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا :
" اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ "
والمعلم له ولاية على هؤلاء الطلاب .
وأخرج مسلم عَنْ جَرِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ "
وأخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ " .
فهلا سمع المعلمون هذا الحديث .
وأخرج مسلم عن أَنَسٌ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ ؛ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ : يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا .
___________
الفصل الرابع : معوقات الدعوة :
المطلب الأول : معوقات نفسية :
1- الفهم الخاطئ لقوة الشخصية :
حين يفهم المعلم قوة الشخصية فهما خاطئا فيسيطر عليه هذا الهاجس فسيؤثر هذا الفهم على أدائه الدور المنتظر منه ويبدأ هذا المعلم بتطبيق النظريات التي أخذها ممن سبقه في هذا المجال فالابتسامة ممنوعة والكلام حرام والضرب بالعصا حتم واجب , وكل هذا يبعد بين الطالب والمعلم .
2- الحواجز المصطنعة :
يضع المعلم حاجز نفسي بينه وبين الطلاب فهو لا يتحدث ولا يدعو إلا الطلاب المتدينين فقط وقد يزيد الأمر سوء إن كان لا يحدث ولا يدعو إلا فئة معينة من المتدينين ، وأما باقى الطلاب أي المئات الآخرين فهو صاد عنهم وعابس في وجوههم .
3- النظرة المتشائمة أو هلاك الطلاب :
قال الشيخ محمد الدويش : لا جدل أن واقع الشباب اليوم لا يسر مسلما، وأن شقة الإنحراف قد اتسعت لتشمل رقعة واسعة من خارطة حياة الشباب المعاصرة، ولا جدال أن المسافة بين واقع الشباب اليوم وبين ما يجي أن يكون عليه ليست قريبة بحال .
ولكن أيعني ذلك أن الخير قد أفل نجمه ؟ وأن الشر قد استبد بالناس أليست هناك صفحات أخرى من حياة أولئك المعرضين غير هذه الصفحات الكالحات ؟
ألم يقرأ هذا وأمثاله ما أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ " ؟؟ .
قال النووي ـ رحمه الله ـ : اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزدراء على الناس ، واحتقارهم ، وتفضيل نفسه عليهم ، وتقبيح أحوالهم ، لأنه لا يعلم سر الله في خلقه، قالوا : فأما من قال ذلك تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه .
وقال الخطابي ـ رحمه الله ـ : معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ، ويذكر مساويهم ، ويقول : فسد الناس ، وهلكوا ، ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم ، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ، ورؤيته أنه خير منهم .
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ : حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا ، أو أطيب منهم قلبا ، أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقلا لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة.
إن العظمة الحقيقية : أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع .
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقا , إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد هو العظمة الحقيقية .
___________
المطلب الثاني : معوقات خارجية :
1- تربية الأسرة الخاطئة.
2- وسائل الإعلام.
3- الصحبة السيئة.
4- الإدارة غير المتفهمة.
5- كثرة التكاليف ( الأعمال المطلوبة من المعلم ).
6- كثرة الطلاب في الصف الواحد.
=============
الدعوة إلى الله
وسائل وتوجيهات
عنوان المحاضرة: الدعوة إلى الله وسائل وتوجيهات.
اسم المحاضر: الأستاذ مساعد العبد الله الفاضل / و الأستاذ فهد بن عبد العزيز السنيدي.
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي لانبي بعده ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:(8/141)
لا يخفى على أي مسلم الأهمية الكبرى للدعوة إلى الله تعالى فهي الطريق إلى صلاح أمور العباد ، والدعوة هي وظيفة الأنبياء و المرسلين صفوة الخلق عليهم الصلاة و السلام ، و قد دل على أهميتها ذلك آيات الذكر الحكيم و السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، ومن قام بها له جزيل الثواب ، كما في قوله تعالى : (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ) ?67? سورة الحج.
وقوله تقدست أسماؤه : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ?125? سورة النحل.
نضع بين أيديكم ملخصاً لشريط (الدعوة إلى الله) عسى أن يمُنَّ الله علينا وعليكم ويجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يجزل لنا ولكم الأجر والثواب.
قال تعالى :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ?110? سورة آل عمران.
قال تعالى :(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ?33? سورة فصلت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن دعوة الناس إلى الإسلام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر واجب إسلامي يجدر بالمسلمين أن يهتموا به ويعملوا له ويعطوه حقه من جهدهم ووقتهم ، وذلك واجب على كل داعية إلى الله ، والقرآن الكريم حض على ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى :(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ?104? سورة آل عمران.
وللرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تخص الدعوة إلى الله، قال - صلى الله عليه وسلم - :(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم - :(يا أيها الناس: إن الله يقول لكم مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم ) حديث حسن، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) رواه البخاري ومسلم.
وهنا نقدم لك عدة وسائل للدعوة تعينك وترشدك للقيام بهذا الواجب، سائلين الله لنا ولك التوفيق.
توجيهات قبل القيام بالدعوة إلى الله يجب عليك معرفة ما يلي:
1. ... استشعار مسؤولية الدعوة إلى الله ، وحمل هم تبليغها إلى الناس ، وأن تكون شغلك الشاغل وعملك الدائم .
إذاً الأمر يحتاج إلى عودة إلى ما كان يشتغل به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو إصلاح الإنسان، وكان همه الوحيد أن يتحول الناس إلى مسلمين بغض النظر عما كانوا عليه.
2. ... العمل في الدعوة على أكمل مناهجها وأشرف طرقها ، وذلك بالاهتداء بالعلماء العاملين والدعاة المخلصين والاتصال بالعلماء الربانيين ، وأن تكون هناك صلة قوية بين الداعية وبين أولئك العلماء الصالحين الأتقياء ، يستنير برأيهم ويهتدي بعد الله بهديهم ، وأن الأخطاء التي تقع اليوم سببها عدم الاتصال والمشاورة مع العلماء ، وأن التوجه والرجوع إلى العلماء فريضة ، وسؤالهم عن أمور الدين سنة متبعة لا ينبغي التفريط بها.
3. ... العمل بما يقوله العلماء العاملون.
4. ... السير في الدعوة بمناهج صحيحة والاستنارة بالكتاب والسنة الصحيحة.
5. ... أن يكون الداعية قريباً من الناس يأتلفهم ويتودد إليهم ويقترب منهم.
إن الدعوة كما هي كلمة فهي فعل ، وكما أن الكلمة تنفذ إلى القلوب فإن الفعل ينفذ إلى البصيرة ، إن الداعية الذي أحيا السنة في مظهره والتزامه وجوهره أبلغ أثراً في العباد ، والداعية المتواضع الذي يسير على نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الأقرب إلى قلوب الناس ، وما أعظمها من نعمة يوم أن حباك الله بالأخلاق الطيبة التي من رآك فيها ذكر هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولك وفعلك.
6. ... الصبر على تبليغ الدعوة والعمل بلا يأس ولا ملل.
يجب أن يتعامل الداعية مع الناس بصبر وحكمة لأنه سيأتيه الجاهل والسفيه ، فيحتاج إلى سعة الصدر واحتساب الأجر.
7. ... إحسان الظن بالله وأن يعظم أملك في الله ، فقد تكون وحدك ولكن الله يبارك بعملك وجهدك.
8. ... احتساب الأجر عند الله و أن يكون هم الداعية الآخرة قبل الدنيا.
من وسائل الدعوة
إن للدعوة ميادين كثيرة وساحات عمل كبيرة وإليك بعضها:
1. ... محيط الأسرة من زوجة و أولاد وأرحام.
2. ... المسجد والمدرسة والكلية ومكان العمل.
3. ... السفر والنزهات البرية والشواطئ والمصايف.
4. ... التجمعات الأسرية العامة والخاصة.
5. ... الأندية الرياضية والحدائق وأماكن الترفيه وألعاب الأطفال.
6. ... القرى والهجر والبوادي والمناطق النائية ومخيمات الحجاج والمخيمات الربيعية.
7. ... مراكز البث ( إذاعة وتلفاز وصحافة ودور النشر والمكتبات وشبكة المعلومات - الإنترنت- ).
8. ... المحلات التجارية بشتى تخصصاتها.
9. ... وسائل النقل الخاصة والعامة.
10. ... الحي الذي يسكنه الداعية والأحياء المجاورة له.
بعض وسائل الدعوة(8/142)
1. ... الاستفادة من هواة المراسلة عبر الإذاعة والمجلات والجرائد العربية والأجنبية، وتوجيه رسائل دعوية متتابعة رقيقة المشاعر عذبة الأسلوب لأولئك الذين هواياتهم المراسلة.
2. ... تقصي أخبار الجيران ومعرفة ما لديهم من مخالفات وتقصير ومتابعتهم وعمل ملفات دعوية خاصة بكل جار واستخدام الأسلوب الأمثل لدعوة كل منهم .
3. ... تصميم ألعاب إسلامية هادفة تعرض بواسطة الحاسب الآلي ويراعى فيها التسلية والمرح والفائدة التربوية.
4. ... الاستفادة من تجمع الحجاج وتقديم النصح لهم وإهداؤهم الأشرطة والكتيبات الإسلامية ؛ ليعودوا بالفائدة إلى ذويهم وينتشر الخير والدعوة في بلدانهم.
5. ... الارتباط بأحد المسلمين غير العرب ليكون وسيطاً دعوياً لبني جلدته.
6. ... تصميم صناديق جميلة الشكل لعرض الكتيبات والأشرطة ووضعها في الأماكن العامة وأماكن تجمع الناس.
7. ... التركيز على تصميم المظاريف الدعوية المتخصصة وطبعها بشكل يتناسب مع تخصص كل شخص ويكتب فيها اسم المدعو ومهنته.
8. ... الاستفادة من صناديق البريد في الدعوة بدلاً من الدعوة المباشرة.
9. ... الإصلاحيات والسجون وتقديم النصح والعون فيها كون نزلائها يحتاجون إلى المناصحة ليكونوا أعضاء صالحين بعد خروجهم من هذه الأماكن.
10. ... المشاركة في المجلات الإسلامية وذلك بدعمها مادياً ومعنوياً.
11. ... عمل نشرات دعوية عن طريق الحاسب الآلي ، وأن تتضمن مواضيع شتى من مواضيع الدعوة.
12. ... أن تحمل معك الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية بعدة لغات عند الذهاب في أي نزهة برية لتوزيعها على أهل البادية والرعاة والمتنزهين في ذلك المكان.
13. ... الاستفادة من بعض العادات والتقاليد لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي ، مثل تقديم الهدايا في الأعراس أو الولادات أو العودة من السفر وغيرها، وأن تُضمن بعض الكتيبات والأشرطة الدعوية.
14. ... توزيع أشرطة القرآن الكريم بأصوات مقرئين - يمتازون بالصوت المؤثر- على أصحاب السيارات الخاصة والعامة.
15. ... محاولة التغيير والتجديد وإعادة الصياغة والابتكار في لوحات المساجد بشكل متتابع مع وضع ملف خاص للمتابعة.
16. ... وضع مجموعة مناسبة من الكتيبات والأشرطة في سيارتك الخاصة واستخدامها عند الحاجة.
17. ... أن يتبنى مسجد الحي مسابقة دعوية دورية أو فصلية تخصص لها جوائز قيمة متفاوتة بحسب الجنس والسن وتوزيعها ضمن حفل مناسب.
18. ... زيارة مكاتب دعوة الجاليات وشراء مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية والقيام بجولات على الورش والمصانع والشركات وتوزيعها على العمالة الموجودة.
19. ... الاستفادة من مواسم الخيرات مثل رمضان والحج والأعياد وتوزيع الهدايا على الجيران ومعها الكتيبات والأشرطة الدعوية.
20. ... عمل درس دعوي أسري أسبوعي أو نصف شهري يشارك فيه جميع أفراد الأسرة ومعالجة بعض القضايا الأسرية .
21. ... الاتفاق مع تجار القرطاسية والأدوات المكتبية على طباعة شعارات دعوية على الدفاتر وحافظات الأقلام ؛ ليستفيد منها الطلاب والطالبات.
22. ... يقوم مجموعة من الموظفين الذين منَّ الله عليهم بالهداية بإنشاء لقاء دوري مع زملائهم بالعمل خارج مكان العمل، واستثماره بما يعود بالفائدة على الجميع، واستضافة أحد طلبة العلم.
23. ... دور المرأة بدعوة صديقاتها وجاراتها كأن تجمعهم وتستضيف داعية من النساء تعرفهن بأمورهن الدينية.
24. ... القيام بزيارات مباشرة لشباب الأرصفة ومجالستهم ودعوتهم بالموعظة الحسنة مع تقديم الهدايا لهم.
وبعد أخي و أختي الداعية...
هذه نماذج لبعض الوسائل الدعوية ، فالتفكير المتواصل والعمل الدؤوب ينبثق منهما أساليب كثيرة ووسائل عديدة ، فعليك أخي المسلم أن تبذل الجهد في سبيل ابتكار وسائل جديدة لمواجهة ما يصنعه الأعداء.
نسألك اللهم أن تنفعنا بما علمتنا وتعلمنا ما ينفعنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=============
دليل الفرص و الوسائل الدعوية
المؤلف : خالد بن محمد الدبيخي
مقدمة :
إن الحمد لله، نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أمَّا بعد:
فإن الناظر بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية يعلم فضل الدعوة إلى الله وضرورة القيام بها ، إلا أن الدعوة إلى الله ليست عبئاً على الداعي فيلقى ما عنده ليتخلص من تبعاتها ؛ بل إن الداعي الناجح هو من يكون هدفه إنقاذ الناس من النار ، لذا فإن دعوته تتغير باختلاف أحوال الناس وما يحيط بهم حتى يتحقق مراده وهو استجابة الناس لأمر ربهم .
لذا رأينا إصدار هذا الدليل عوناً للدعاة إلى الله ؛ نهدف من ذلك الدلالة على الفرص الدعوية التي يمكن أن يستخدمها الداعية بالأماكن المختلفة حتى تفتح له أفاقاً أوسع وبدائل أكثر ويتحقق هدفه - بإذن الله - .
ولا شك أن الداعية إلى الله تعالى لا يكون ناجحاً موفقاً مسدداً بدعوته إلا عند تحقيقه إخلاص لله ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم بجميع الأمور ، كما عليه أن يراعي عند دعوته الأمور التالية :
1- الدعاء والابتهال إلى الله بالتوفيق.
2- النصح والشفقة للمدعوين.
3- الداعية إلى الله يتكلم بلسان الشرع لا بلسان العرف.
كما أنبه الداعية إلى الله بأنه عند قراءته للكتاب لا بد أن ينتبه للنقاط التالية:
بعض هذه الوسائل والأفكار متداخلة ويمكن تصنيفها بأكثر من موضع وتحت أكثر من عنوان.(8/143)
إن بعض هذه الوسائل قد تتناسب بمكان ولا تتناسب بمكان آخر ، فلا يعني أن تلزم الآخرين بها أو تطبقها دائماً.
إن نجاح بعض هذه الوسائل ليس دليلاًعلى أنه لا يصلح تطبيق غيرها, بل قد تكون الوسائل الأخرى أكثر نجاحاً فلينتبه لذلك.
القسم الأول :
الفرص الدعوية :
المساجد :
1- إقامة برامج تعليمية.
2- ربط الناس بالقرآن وتفسير أو شرح لما قرأه الإمام بالصلوات الجهرية.
3- وضع تفسير للقرآن مع كل مجموعة مصاحف.
4- توفير وتهيئة مكان للاعتكاف وتقديم ما يحتاجه المعتكف.
5- تقديم خدمة الاستفتاءات .
6- استغلال المناسبات للقيام بالبرامج الدعوية.
7- توفير منصة للكتب لعرض الأشرطة والكتب و المطويات .
8- توفير لوحة "مجلة المسجد" لوضع المقالات والفتاوى وإعلانات المحاضرات.
9- وضع لوحات حائطية أو لوحات كبيرة توجيهية.
10- وضع صندوق لاستقبال الكتب والأشرطة الزائدة لتوزيعها على من يستفيد منها.
11- وضع صندوق خيري للاستفادة منه بإصلاح المسجد أو لدفع تكاليف البرامج المقامة بالمسجد.
12- توزيع هدايا على الطلبة المتفوقين .
13- إقامة المسابقات الدورية .
14- إقامة المناسبات كإفطار جماعي في رمضان أو احتفال معايدة.
15- عمل رحلات حج وعمرة أو حتى رحلات نزهة لسكان الحي.
16- الاستفادة من الجهات الخدمية القريبة من الحي كالمكتبات العامة والقيام بزيارة جماعية لها.
17- توزيع بعض الإرشادات والتوجيهات الدينية على صناديق البريد الموجودة على أسوار المنازل.
18- حث جماعة المسجد على التعاون مع الجهات الخيرية لتبني أحد المشاريع الخيرية .
المقابر و مغاسل الموتى :
1- وضع اللوحات الإرشادية بالمقبرة.
2- وضع اللوحات الإرشادية بالمساجد .
3- إقامة الدورات التدريبية بكيفية تغسيل ودفن الموتى.
4- تعليم الناس بكيفية الصلاة على الميت والأذكار الواردة في ذلك.
5- تذكير الناس في المساجد وضرورة الاستعداد للموت بالعمل الحسن وأداء الحقوق لأهلها وكتابة الوصية.
6- إلقاء المواعظ بعد الدفن.
7- توفير الكتب و المطويات عن كيفية الصلاة على الميت والدعاء بالصلاة للميت وطريقة الدفن وذلك بالمساجد التي يصلى بها على الموتى.
الحدائق و المنتزهات :
1- إيجاد مكان للصلاة جماعة إذا كانت المساجد بعيدة .
2- وضع اللوحات الإرشادية التوجيهية الكبيرة.
3- توزيع الكتيبات والأشرطة.
4- الجلوس مع زوار الحديقة وتوجيههم بالملاحظات الموجودة لديهم.
المستشفيات :
1- وضع لوحات دعاء زيارة المريض.
2- كتابة عبارات دعوية على كروت المستشفى.
3- وضع نشرة عن كيفية صلاة المريض ويفضل تعليقها بغرف المرضى.
4- وضع منصات كتب بكل غرفة من غرف المرضى وأماكن انتظار الزوار.
5- وضع أرقام هواتف العلماء وطلبة العلم بجوار التليفونات لتسهيل اتصال المرضى بالعلماء وسهولة استفتاءهم.
6- تقديم هدايا دعوية للمنومين بالمستشفى .
7- عمل زيارات للمرضى ومؤانستهم وتذكيرهم بأقدار الله وابتلاءه وفضل الصبر والاحتساب.
8- التنسيق مع إدارة المستشفى لإقامة بعض المحاضرات الدينية داخل المستشفى.
9- وضع مصحف وسجادة صلاة عند كل مريض.
الفنادق :
1- وضع سجادة صلاة وتحديد اتجاه القبلة بكل غرفة.
2- وضع مصحف وبعض الكتب المناسبة للمسافرين بكل غرفة .
3- وضع إذاعة دينية داخلية.
4- وضع منصات كتب بصالات الفندق وأماكن الانتظار واستقبال الضيوف وبكل دور من أدوار الفندق.
5- توزيع عناوين العلماء وطلبة العلم المقيمين بالمدينة لكي يستفاد منهم أو يسألونهم عما أشكل عليهم.
6- توزيع عناوين المؤسسات الموجودة بالمدينة وكيفية الاستفادة منها.
7- توزيع جدول للمحاضرات والندوات التي ستقام بالمنطقة وأماكن إقامتها وتحديثها باستمرار.
8- التنسيق مع إدارة الفندق لإقامة ندوات ومحاضرات بالقاعات الموجودة بالفندق.
التسجيلات و دور النشر :
1- وضع قائمة بالجيد والمفيد.
2- وضع أسعار خاصة لأشرطة الدروس العلمية أو أمهات الكتب لتشجيع الناس على طلب العلم.
3- القيام بتلمس احتياجات المجتمع والسعي على توفيرها.
4- توفير صندوق بهدف حث الناس على التبرع بالأشرطة أو الكتب ويمكن التنسيق مع الجهات الدينية أو الخيرية لاستلامها.
5- المبادرة باقتراح موضوعات على العلماء والدعاة لتوفير مواد دعوية جيدة.
6- استغلال المناسبات لطرح مواد تناسب المناسبة ويفضل أن تكون أسعارها مخفضة.
7- تبني العلماء وطلبة العلم المغمورين بهدف إظهارهم إعلامياً وإفادة الناس من علمهم.
المدارس :
1- إقامة حلقات تحفيظ القرآن الكريم .
2- إقامة الدورات العلمية .
3- إقامة محاضرات للطلاب حول القصور الموجود لديهم .
4- الالتقاء بالموجهين والمسئولين التربويين لتوجيه النشء .
5- الارتباط مع المساجد والجهات الدينية والجهات المفيدة كالمكتبات العامة القريبة من المدرسة وعمل زيارات لهم.
6- إلقاء بعض الكلمات بعد الصلوات المفروضة .
7- إقامة المسابقات الدورية .
8- توجيه الإذاعة المدرسية وتفعيل دور الطلاب فيها .
9- إقامة التجمعات الطلابية وتنويعها بحيث تشمل جميع المواهب والقدرات الذهنية .
10- توفير مكتبات دعوية صغيرة ووضعها بأماكن تجمع الطلاب.
وضع لوحات فتاوى وإرشادات تناسب المرحلة العمرية لطلاب المدرسة.
11- وضع بعض الشاشات الإلكترونية لعرض الكلمات التذكيرية.
تهيئة الأجواء لأداء السنن الراتبة بالمدرسة .
12- إقامة مراكز أثناء العطل لاستغلال الأوقات .
13- استغلال التقارير والشهادات لكتابة عبارات توجيهية .
14- إصدار مجلة مدرسية.
15- توزيع بعض الكتيبات أو الأشرطة المناسبة للمرحلة العمرية للطلاب.(8/144)
16- وضع ركن الاستبدال وذلك لاستبدال الأشرطة الغنائية بأشرطة دينية.
الدعوة بين المدرسين:
1- البعد عن الشحناء وإيجاد خلق التسامح عن الزلات والتنازل عن بعض الرغبات في سبيل الأخوة في الله.
2- وضع صندوق بريد للمدرسين ومن خلاله يتم تقديم النصائح غير المباشرة.
3- الاهتمام بغرفة المعلمين وذلك بوضع مكتبة تحتوي على مراجع دينية و أشرطة ومجلات نافعة.
4- وضع لوحة فتاوى بغرفة المعلمين لنشر الفتاوى التي تتعلق بالتعليم.
5- عرض المشاريع الخيرية على المعلمين .
6- إقامة دورات تهم المدرسين .
7- إقامة مسابقة بينهم.
8- إقامة لقاء شهري واستضافة بعض طلبة العلم المعروفين لمناقشة بعض القضايا التي تهم المدرسين.
أماكن العمل :
1- إلقاء كلمات بعد الصلوات المفروضة .
2- وضع لوحة المسجد.
3- توزيع أشرطة وكتب و مطويات دورياً.
4- تقديم هدية لبعض الموظفين لكسب قلوبهم ومن ثم دعوتهم.
5- دعوة الموظفين للمنزل وتوجيههم وتقديم بعض المواد الدعوية لهم.
6- الاهتمام بالجاليات الموجودة بأماكن العمل .
وسائل المواصلات :
أولاً : صالات الانتظار:
1- وضع منصة للكتب لعرض الكتيبات والمطويات المناسبة للمسافرين.
2- وضع اللوحات الإرشادية التوجيهية الكبيرة.
3- الاهتمام بالمصلى ووضع لوحة بالمسجد تعنى بالأحكام التي تهم المسافرين.
ثانياً : وسائل النقل :
1- توفير إذاعة داخلية لعرض البرامج الجيدة وتشغيلها أثناء الرحلة.
2- توفير مكتبة دعوية صغيرة ويتم إعارتها للركاب أثناء الرحلة.
3- توزيع معلومات مهمة عن البلد المراد السفر له .
4- وضع عبارات إرشادية على مظلات السيارة.
5- توزيع هدايا على السيارات العامة.
ثالثاً : الطرقات بين المدن :
1- الاهتمام بالمساجد الموجودة على الطرقات وتوفير مصاحف وكتيبات بها.
2- الاهتمام بلوحة المسجد وعرض الفوائد القصيرة المناسبة للمسافرين.
3- الاهتمام بعمال المحطات والتجمعات العمالية الموجودة بالطريق.
4- توزيع أشرطة وكتيبات عند المحطات.
5- الاهتمام بنقاط التفتيش أو مراكز الحدود بين الدول لتوزيع المواد الدعوية.
6- وضع لوحات دينية تذكيرية أو إرشادية على الطرقات السريعة.
السجون ودور الملاحظة :
1- إقامة حلقات تحفيظ القرآن.
2- إقامة دورات تدريبية دينية.
3- إقامة مراكز خدمات أسرية تهتم برعاية شئون أسرة المساجين ومتابعتهم مادياً وسلوكياً.
4- تفعيل دور المسجد داخل السجون.
رمضان :
1- الإحسان للوالدين وبرهما وكل من له حق علينا.
2- الإكثار من الصدقة وصلة الأرحام وأعمال البر.
3- اغتنام فرصة حضور الغائبين عن المسجد في غير رمضان والتعرف عليهم وربط الصلة بهم.
4- ربط الناس بالقرآن الكريم وشرح أو تفسير الآيات التي تم قراءتها بالصلاة.
5- الاهتمام بالقرآن ووضع حلقات لجميع المستويات والأعمار وتحفيزهم لختم القرآن أكثر من مرة وحفظ ما أمكن منه.
6- توجيه الشباب الحفاظ للقرآن الكريم بإمامة الناس بصلاة التراويح.
7- الإكثار من الدروس والمحاضرات والكلمات التوجيهية لإقبال الناس على الخير.
8- إلقاء درس يومي خفيف بعد صلاة العصر وبعد أذان العشاء.
9- إلقاء كلمات أثناء صلاة التراويح.
10- تهيئة المسجد للاعتكاف ودعوة أهل الحي للاعتكاف.
11- إقامة المسابقات بجميع أنواعها.
12- إقامة رحلات عمرة لأهل الحي.
13- توزيع الأشرطة والكتب و المطويات والنشرات ويمكن توزيعها كهدية توزع على المنازل.
14- دعوة الأقارب والزملاء والجيران للإفطار والاستفادة من هذا الاجتماع.
15- إقامة مخيمات لتفطير الجاليات المسلمة واستغلالها لإلقاء التوجيهات عليهم.
16- تلمس أحوال الفقراء والمحتاجين وتقديم العون لهم.
17- استغلال إقبال الناس على الخير وجمع التبرعات.
18- تشجيع الناس على هجر المعاصي .
الإجازات الموسمية :
1- إقامة الدورات والدروس العلمية واختيار كبار العلماء لإلقائها.
2- إقامة المراكز الصيفية.
3- المشاركة مع الجهات الدعوية أو الإغاثية.
4- استغلال الوسائل الحديثة للدعوة إلى الله.
5- المشاركة مع إمام المسجد بتقديم البرامج الدعوية للحي.
6- السفر إلى القرى والهجر وتعليم الناس.
7- إعداد النفس للجهاد وذلك بالتدريب وتعلم الرمي والنبل.
الدعوة داخل أوساط الأسرة :
1- الحرص على تربية الأبناء منذ الصغر.
2- وضع مكتبة صغيرة لما تحتاجه الأسرة.
3- عمل مسابقة بين أفراد العائلة.
4- وضع إذاعة داخلية وانتقاء الأشرطة المناسبة .
5- مشاركة الأبناء أثناء لعبهم والحديث معهم بأوقات الفراغ.
6- الزيارات العائلية واستغلال المناسبات بهدف الدعوة.
7- توفير حصالة الخير للأبناء لتحفيزهم على التبرعات.
8- الاهتمام بالخدم والعمالة المنزلية.
9- استغلال الجوال لمراسلة العائلة ويمكن تخزين أرقام العائلة بعبارات دعوية.
10- الاستفادة من جهاز الحاسب الآلي بتوفير برامج تعليمية وثقافية.
11- وضع رف بمجلس الرجال والنساء لوضع الأشرطة والكتب لتوزيعها على الضيوف.
12- تحسس أحوال الفقراء والعجزة من الأسرة وقضاء حاجتهم.
الدعوة مع البرامج الإغاثية :
1- استغلال تجمع الناس للحصول على المواد الغذائية وترتيب كلمات وندوات دينية.
2- إقامة مخيمات طبية وتعليمية بالأماكن المحتاجة لذلك.
3- توفير المنح الدراسية وكفالة الطلاب بالأماكن الفقيرة.
4- استغلال تجمعات تفطير الصائمين لإلقاء بعض الدروس.
الدعوة عبر الوسائل الحديثة :
1- إقامة موقع بالإنترنت يحتوي على برامج دعوية .
2- إعداد رسائل دعوية عبر بعض البرامج كالفلاش و البوربوينت .
3- وضع موقع لتعليم اللغة العربية بأسلوب دعوي أو لتعليم القصص النبوي.(8/145)
4- المراسلة عبر البريد الإلكتروني أو العادي.
5- وضع عبارات وتوجيهات على البريد.
6- كتابة أحد المواقع الإسلامية الجيدة على الإنترنت بالكرت الشخصي.
7- تصميم موقع استشارات عبر الهاتف أو البريد أو الإنترنت والإجابة عليها.
القسم الثاني :
الوسائل الدعوية :
1- هدية سيارات الأجرة :
الهدف من الفكرة :
* تطهير وسائل النقل من الفساد.
* استغلال الوقت بما يعود بالنفع.
* استبدال سماع المحرم بما هو مفيد.
الفئة المستهدفة :
* سائقي سيارات الأجرة.
* المستفيدين من خدمات سيارات الأجرة.
المستلزمات :
* الاتفاق المسبق مع إدارة سيارات الأجرة على هذه الفكرة.
* تحديد سيارات الأجرة وأسماء السائقين ولغاتهم.
* توفير هدية دورية باسم السائق تحتوي على :
- كتيب وشريط بلغة السائق.
- مطوية عن الأنظمة المتبعة بالبلد بلغة السائق.
- شريط قرآن ، شريط باللغة العربية.
أمور يجب مراعاتها :
* معرفة ديانة العاملين مسبقاً.
* استشارة المتخصصين بدعوة الجاليات بالكتب والأشرطة المناسبة.
* أن تكون الأشرطة العربية تأخذ الطابع الوعظي وذلك لقصر الفترة التي يقضيها الشخص بالسيارة.
2- هدية سيارات التأجير :
الهدف من الفكرة :
* استغلال الوقت بما يعود بالنفع.
* استبدال سماع المحرم بما هو مفيد.
الفئة المستهدفة :
مستأجري سيارات التأجير.
المستلزمات :
* الاتفاق المسبق مع إدارة سيارات التأجير على هذه الفكرة.
* توفير أشرطة بشكل كافي ( باللغة العربية واللغات الأخرى الحية ).
* مطوية عن الأنظمة المتبعة بالبلد .
أمور يجب مراعاتها :
* أن تكون الأشرطة قرآن كريم أو خطب وعظية.
* يستحسن توفير شخص من إدارة مكتب التأجير بوضع الأشرطة بالسيارات باستمرار.
* المتابعة الدورية.
3- هدية المرضى :
الهدف من الفكرة :
* مؤانسة المرضى وتخفيف الآلام عنهم.
* تقوية إيمان المرضى وربطهم بالله.
الفئة المستهدفة :
المنومون بالمستشفيات.
المستلزمات :
هدية تحتوي على كتيبات وأشرطة و مطويات.
أمور يجب مراعاتها :
* مناسبة الكتب للمريض.
* مراعاة حال المريض.
* يمكن التنسيق المسبق مع إدارة الشئون الدينية بوزارة الصحة.
* يمكن الاستفادة من علاقات المرضى أو لجنة أصدقاء المرضى.
4- هدية الحلاقين والمشاغل النسائية :
الهدف من الفكرة :
* تطهير الأماكن العامة من وسائل الفساد.
* استغلال وقت الفراغ بما ينفع.
الفئة المستهدفة :
* مرتادي المكان.
* العمالة الموجودة بهذه الأماكن.
المستلزمات :
* الاشتراك بالمجلات الهادفة وتوزيعها باستمرار على هذه الأماكن.
* توفير كتيبات و مطويات تناسب حال زائري المكان.
* توفير كتيبات و مطويات للعمالة المتواجدة بهذا المكان.
أمور يجب مراعاتها :
* تقديم المجلات والكتيبات مقابل سحب المجلات الهابطة .
* تقديم هدية للعاملين .
5- المكتبة الدعوية :
الهدف من الفكرة :
* نشر الكتاب وتسهيل قراءته.
* إفادة الناس من تواجدهم بالأماكن التي توجد بها هذه المكتبة.
المستلزمات :
* منصة كتب.
* كتيبات و مطويات تناسب المكان.
* المتابعة الدورية لها حسب كثرة مرتادي المكان وتزويدها بالنواقص.
أماكن تنفيذها :
* المساجد.
* المدارس.
* أماكن الانتظار بالمؤسسات والدوائر الحكومية.
* أماكن الانتظار بالمستشفيات والصيدليات الداخلية.
أمور يجب مراعاتها :
* تغيير محتويات المكتبة دورياً.
* مناسبة محتوياتها للمكان.
6- حامل خذ نسختك :
الهدف من الفكرة :
إيصال الشريط أو الكتاب أو المطوية لجميع زوار المكان.
المستلزمات :
* حامل بحجم مناسب يوضع عند أبواب المخارج أو على الطاولات.
* وضع عبارة ملفتة للانتباه مثل ( فضلاً ... خذ نسختك ).
* المتابعة الدورية لها.
أماكن تنفيذها :
* المساجد.
* المحلات التجارية والمعارض.
أمور يجب مراعاتها :
* أن تناسب المحتويات للمكان الموجود به الحامل.
* أن تكون بارتفاع مناسب حتى لا يعبث بها الأطفال.
* يفضل توفير شخص متواجد باستمرار بنفس المكان وإعطاءه كميات مناسبة لتغذية الحامل باستمرار.
7- العبارات الدعوية على الأكياس :
الهدف من الفكرة :
توجيه الناس للخير دائماً.
الفئة المستهدفة :
* تجار البلاستيك.
* أصحاب المحلات التجارية.
أماكن تنفيذ العبارات الدعوية :
* أكياس المحلات التجارية.
* سفرة الطعام .
* أكياس المغاسل.
المستلزمات :
* التنسيق مع مصانع البلاستيك بطباعة عبارات دعوية على الأكياس وسفر الطعام.
* التنسيق مع المحلات التجارية والمخابز وخلافه على كتابة عبارات دعوية.
* توفير عبارات دعوية قصيرة مناسبة.
أمور يجب مراعاتها :
أن لا تحتوي الأكياس على أسماء الله بل تكتب عبارات عامة لأن هذه الأكياس غالباً ما تمتهن.
8- المجلة الحائطية :
الهدف من الفكرة :
* تثقيف الناس وتعليمهم أينما كانوا.
* نشر الفوائد والحكم القصيرة.
المستلزمات :
مقالات متنوعة تتناسب مع المكان الموجودة به اللوحة.
أماكن تنفيذها :
* المساجد.
* المدارس.
* المستشفيات.
* أماكن العمل.
* أماكن الانتظار.
أمور يجب مراعاتها :
تغيير المقالات دورياً .
9- اللوحات الإرشادية ( البنرات ) :
الهدف من الفكرة :
* توجيه الخطاب للجمهور من مكان بعيد.
* تثقيف الناس وتعليمهم وإرسال الرسائل القصيرة لهم.
المستلزمات :
* لوحة إرشادية بمقاس مناسب.
* حامل للوحة.
أماكن تنفيذها :
* المساجد.
* المدارس.
* المستشفيات.
* الحدائق العامة والمنتزهات.
* الفنادق.
* التسجيلات ودور النشر.
* المطارات ومحطات القطار والنقل الجماعي.
* الأسواق.
أمور يجب مراعاتها :
* أن تكون بمكان مفتوح حتى تشاهد من كل اتجاه.(8/146)
* اختيار عبارات قصيرة وتصمم بشكل جذاب.
* تغيير العبارات دورياً.
10- دروع الأذكار :
الهدف من الفكرة :
* تذكير الناس بالأدعية والأذكار بشكل جذاب.
المستلزمات :
* درع تذكاري.
* توفير عبارات تذكيرية قصيرة.
* طباعة العبارات على الدروع.
الحالات التي يقدم بها الدرع :
عند المناسبات.
11- الكفيل الداعية :
الهدف من الفكرة :
* تنمية روح الدعوة لدى أفراد المجتمع.
* استخدام السبل الميسرة لنشر الدعوة.
الفئة المستهدفة :
كل من لديه عمالة أو له احتكاك معهم.
المستلزمات :
* كتيب أو مطوية أو شريط بلغة العامل.
* رسالة بريدية ترسل لأهل العامل.
أمور يجب مراعاتها :
* معرفة حال المرسل له الكتيب .
* إرفاق عناوين الجهات الدعوية الموثوقة لكي يتواصل معهم.
12- الحقيبة الدعوية :
الهدف من الفكرة :
تنمية روح الدعوة لدى أفراد المجتمع.
الفئة المستهدفة :
الجاليات الوافدة.
المستلزمات :
* حقيبة تحتوي على تقسيمات عديدة.
* كتب متنوعة للجاليات المتواجدة بالبلد.
أمور يجب مراعاتها :
* استشارة المتخصصين بدعوة الجاليات لاختيار الكتب المناسبة.
* عرض الكتب عند مقابلة العمالة الوافدة.
* تزويد الحقيبة دورياً من مكاتب دعوة الجاليات.
* إرفاق عناوين الجهات المختصة بدعوة الجاليات حتى يتمكن من الاتصال بهم.
13- حقيبة الانتظار :
الهدف من الفكرة :
استغلال وقت الفراغ بما هو نافع ومفيد.
الفئة المستهدفة :
الأطفال والشباب من سن 6-18 سنة.
المستلزمات :
* حقيبة تحتوي على تقسيمات عديدة.
* جهاز تسجيل.
* أشرطة صوتية وكتيبات متنوعة.
* مسابقات علمية أو ثقافية أو دينية.
* ألعاب.
أماكن تنفيذها :
* المدارس.
* أماكن تجمع الأولاد أو البنات.
أمور يجب مراعاتها :
* مناسبة المواد الدعوية للمراحل العمرية المختلفة.
* تغيير العرض باستمرار ، وعدم تكرار العرض خلال فترة قصيرة.
14- حقيبة المسافر :
الهدف من الفكرة :
* تنمية روح الدعوة لدى أفراد المجتمع.
* دعوة الناس وتوجيههم أينما كانوا.
الفئة المستهدفة :
* رجال الأعمال.
* المسافرين.
المستلزمات :
* حقيبة تحتوي على تقسيمات عديدة.
* كتب متنوعة بلغة الدولة التي ستسافر لها.
أمور يجب مراعاتها :
* استشارة المتخصصين بدعوة الجاليات لاختيار الكتب المناسبة للبلاد التي ستسافر لها.
* توزيع هذه الكتب بالأماكن الهادئة نسبياً مثل الفنادق.
* إرفاق عناوين الجهات المختصة بدعوة الجاليات حتى يتمكن من الاتصال بهم.
* يستحسن كتابة بعض المواقع الإسلامية عبر الشبكة العنكبوتية لكي تسهل لهم الوصول لمعلومات أكثر.
15- المصليات المتنقلة :
الهدف من الفكرة :
* دعوة الناس لأداء الصلاة جماعة بالأماكن التي لا يوجد بها مسجد.
* توجيه الناس وإرشادهم أينما كانوا.
المستلزمات :
* تجهيز فرش للصلاة وماء للوضوء بأماكن تجمع الناس.
* توفير بعض المواد الدعوية كالشريط والكتاب والمطوية.
* إلقاء كلمة بعد أداء الصلاة تناسب حال المكان.
أماكن تنفيذ الفكرة :
* الشواطئ.
* المنتزهات.
* البر والأماكن الخلوية.
أمور يجب مراعاتها :
* أن يكون المصلى يتوسط جموع الناس.
* توفير صوتيات كافية خاصة إن كان هناك نساء.
* معرفة المنكرات الموجودة بهذا المكان.
16- الرحلات السياحية الدعوية للجاليات :
الهدف من الفكرة :
دعوة الجاليات الوافدة للإسلام.
الفئة المستهدفة :
الشخصيات البارزة وأصحاب التخصصات النادرة من غير المسلمين.
المستلزمات :
* وجود داعية يجيد لغة الجالية المخصصة لها الرحلة.
* ترتيب برامج تناسب الجالية المقصودة.
* اختيار المكان مسبقاً وتوفير وسيلة نقل.
أمور يجب مراعاتها :
* وجود طلبة علم متمكنين لمواجهة الاستفسارات المتوقعة من قبل الجاليات.
* ترتيب بعض المواضيع للنقاش بهدف توجيه التجمع لقضية معينة ثم إبداء الرأي العلمي الصحيح ومقارنته برأي الإسلام.
* يمكن القيام ببرامج مشابهة للجاليات ذات التخصصات البسيطة كالعمال والخدم وخلافه.
===============
وسائل الدعوة
اسم المحاضر: الشيخ أحمد القطان - حفظه الله -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة.
أما بعد..
أيها الأحباب الكرام إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ضل عرشه في مستقر رحمته :
زر منْ تحبُّ ودع مقالةَ حاسدِ... ... ليسَ الحسودُ على الرضا بمساعدِ
لم يخلقِ الرحمنُ أحسنَ منظرٍ... ... منْ مسلمينِ على طريقٍ واحدِ
متعاونينِ عليهما حللُ الرضا... ... متساندينِ بدرهمٍ وبساعدِ
وإذا تآلفت القلوبُ على الرضا... ... فالناسُ تضربُ في حديدٍ باردِ
وإذا صفا لك من زمانكَ واحدٌ... ... فهوَ المرادُ وعشْ لذاكَ الواحدِ
فإذا رآكَ المسلمونَ توقنوا... ... أهلَ الجنانِ وذا النعيمِ الخالدِ
اللهم إننا نسألك أن نكون من أهل الجنان الخالد..
إليكم أيها الأحباب الجنود الأخفياء والدعاة الذين لكم عليَّ فضلٌ من بعد الله، وإلا كيف لي أن أصلَ بأشرطتي إلى أنحاء العالم، لو أمضيت عمري كله لن أستطيع أن أقدم واحد في المليون مما قدمه الدعاة إلى الله، الذي يوصلون وسائل الدعوة إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ ليخرجون الناس من الظلمات إلى النور.(8/147)
إليكم أيها الدعاة الذين تعيدون ولادة الناس من جديد بعد أن ولدتهم أمهاتهم، ولادة التوحيد لله رب العالمين، لتدلونهم على طريق الخير والصلاح؛ ليستيقضوا على لا إله إلا الله ويناموا على شهادة أن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذه هي الولادة الجديدة، كم من الناس يولدون في كل يوم ومصير الكثير منهم إلى النار، وعندما توصل هذه الوسيلة الدعوية إلى الناس تقوم بأعظم عمل تقدمه للإنسانية، تخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الغفلة والنسيان إلى التنبيه والتذكر بأن الله لا إله إلا هو، دورك عظيم وكبير وهذا من توفيق الله عز وجل لك، فاحمد الله على هذه النعمة.
وسائل الدعوة أيها الأحباب كثيرة ومتنوعة..
ولكن لنعلم أنه لا بد أن تكون الوسيلة شرعية لأن الغاية شرعية، نريد بهذه الدعوة وجه الله، وليس عندنا في دعوتنا الغاية تبرر الوسيلة، وعندما تكون شرعية لنا فيها دليل من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أي إذا أردت أن أدعوا إلى الله لا يجوز أن أستخدم وسيلة غير شرعية أو محرمة، فلو أردت أن استخدم الهدية، وهي من وسائل الدعوة (تهادوا تحابوا)، أي أريد أن أهدي إنسان هدية لا يجوز أن أهدي إليه شريط غناء وأقول سوف أمشي معه خطوة خطوة، وأقول أمشي معه في الغناء ثم بعد ذلك أعود وأمشي معه بالقرآن، أو أذهب إلى الملاهي أو الخمارات وذلك للدعوة، فلا يجوز تعريض الدعوة والدعاة للشبهات.
ومن وسائل الدعوة بعد تقرير القاعدة الشرعية:
الشريط الدعوي:
فهو من أسهل وأنجح الوسائل الدعوية ، فكم من شريط أصلح الله به أناساً كانوا بعيدين عن الله فعادوا إلى رشدهم، من الممكن أن تقوم بحفظ الشريط وإلقاؤه على الناس في المسجد في الزيارات وفي المناسبات، وإذا كنت لا تستطيع أن تحفظ من الممكن أن تشتري الأشرطة وتهديها للأهل والأصدقاء، وإن كنت لا تستطيع أن تشتري الأشرطة من الممكن أن تساعد في إيصال هذه الأشرطة من المتبرعين بها إلى الناس ، وفي كل ذلك تحصل على الأجر من عند الله عز وجل.
وإليكم هذه القصة التي حدثت معي شخصياً عندما كنت في مؤتمر رابطة الشباب المسلم العربي، وهذا المؤتمر يحضره الآلاف من المسلمين، وكنت أتبنى في قضايا الإسلام والمسلمين، وبعد المحاضرة جاء شابٌ من دولة عُمان وقال: يا أخي تمنيتُ لو أن أخي في عُمان استمعَ لهذه المحاضرة، فقلت: أمرها يسير، نسأل الله أن يهدي أخاك إلى هذا الدين، وأحضرتُ شريطاً وكتبت عليه إهداء من عندي وسلمته له، وقلتُ له: عندما تعود إلى بلادك، سلم هذه الهدية لأخيك، وعندما سلم هذا الشريط لأخيه واستمع إليه شرح الله صدره للإسلام، فبكى وقال: أين كنت أنا من الإسلام، بأي وجهٍ ألقى ربي لو قبضني على هذه الحالة التي كنت عليها، وانهمرت دموعه وقال: كم أنا في غفلةٍ، أين كنت من هذا العلم؟ وكان من أثرياء الناس، يملكُ الملايين، ثم ذهب إلى مكتبات التسجيلات واشترى مجاميع من الأشرطة في كل الموضوعات، وأصبح قليل الطعام قليل النوم، يواصل استماعها ليل نهار، حتى شُفيَ صدره، وبدأ ينتقي منها أهمها للدعوة وبدأ يحفظها غيباً.
وأنا أقول هذا وأنا على يقين بأن كل إنسان يمكن أن يكون خطيباً في مسجد، بعد كل وقت من أوقات الصلاة، ويستطيع عمل ذلك وأن يكون داعية يحفظ ما بين يديه من أشرطة ثم يلقيها على الناس وهكذا، وأقل شيء أن يكون داعية في أسرته وأهله وأصحابه، من يمنعك من ذلك؟ لا أحد يستطيع أن يمنعك من ذلك أبداً.
المؤهل العلمي لا يهم في مجال الدعوة، كثير من الدعاة الفضلاء لا يملكون مؤهلات كبيرة، لذلك لا تمنع نفسك من فضل الدعوة وتقول بعد أن أنتهي من دراستي، وبعد أن أحصل على عمل، وتسوف ولا تعلم هل تعيش لغدٍ، أي لا تجعل الحصول على المؤهل عائق أمامك يمنعك من الدعوة، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (بلغوا عني ولو آية، نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع)، أين الشهادات والمؤهلات في هذا الحديث ؟ وهذا لا يمنعك من أن تحصل على الشهادات والدرجات العليا في العلم، اطلب العلم وتسابق إلى بلوغ الدرجات العليا والامتيازات.
يقول الشيخ: هذا أنا أمامك استمعت إلى محاضرة للشيخ ( حسن طنوس )، كل ما في الأمر أنني أخذت الشريط للمحاضرة وأنا صفر من الثقافة الإسلامية، وأخذت أسمع الشريط وأحفظه، وبعد صلاة العصر أذهب كل يوم إلى مسجد مختلف، من أجل أن لا يتكرر الكلام نفسه في مسجد واحد ويقوم الموجودون في المسجد ويطردوني، ولأجل أن ينتشر هذا الشريط، وعندما أبدأ بعد السلام أقول للموجودين يا ناس أنا لست شيخاً ولست فقيهاً إنما أحفظ الشريط وأسمعكم إياه، فاسمعوه مني، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذا الشريط، فيطلب مني الموجودين بأن أسمعهم إياه، فأتلوه كاملاً.
من خلال تلاوة هذا الشريط عالجت في نفسي الخوف والخجل، وتكونت في نفسي الشجاعة؛ لأن الوقوف أمام الناس ليس سهلاً في البداية، الناس تطالعك ومنهم من ينظر إليك بطرف عينه، ومنهم من لا يهتم بك، ومنهم من يسخر منك، ومنهم من يسألك سؤال محرج، فتبدأ في نفسك وساوس المبتدئين، وفي أول وقفة انحلت الأزمة بنسبة (50%) وفي الوقفة الثانية (25%) وفي الوقفة الثالثة وهكذا، ويبقى الإنسان يجد في نفسه الخجل والقلق والتردد، وهل ينتهي تماماً ؟ لا، فنحن بشر، ولكن بداية الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.(8/148)
ثم استمعت إلى شريط آخر، وأنا أنصح من يريد استخدام هذه الوسائل أن لا يبدأ بالسياسيات، حتى لا يجعل نفسه في عنق الزجاجة وفي موقف حرج، لأن هذه السياسيات وجهات نظر يختلف فيها الناس ما بين مؤيد ومعارض، لكن ابدأ بالإيمانيات والروحانيات، صِف الجنة، صِف النار، ذكر بالموت، مشاهد يوم القيامة، أشرطة السلوك والأخلاق والتربية، الصدق الأمانة، العفة، غض البصر، سيرة وغزوات، قصص وحكايات ذات عبر، تجد الناس كلهم آذان صاغية، أما أنك تريد أن تجعل من نفسك مفكر سياسي من أول وصفة، لكن عندما تبدأ بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترى فيها توجيه وتوحيد وإيمانيات وعبادة وتربية.
نعود إل قصة الشاب العُماني الذي هداه الله عز وجل، قدم على الأوقاف للحصول على ترخيص، وفتح مكتبة تسجيلات صوتية ومرئية مجاناً ولوجه الله، ثم سخر ملايينه لبناء المستشفيات والمدارس و المآوي في أفغانستان وباكستان وغيرها من الدول، هذه البركة التي حلت من أين جاءت؟ من شريط كاسيت صغير لا يتجاوز حجمه راحة اليد، فإذا بارك الله بشيءٍ وصلَ خيره إلى مشرق الأرضِ ومغربها.
ثم قام هذا الشاب لكي يؤدي هذا الدين الذي عليه، فقال: إن أخي أحضر لي هذا الشريط وأهدانيه، ما أقضي هذا الدين الرباني إلا أن أكون سبباً في هداية من هو أكثر مني مالاً، فقام هذا الشاب بالبحث عن رجلٍ أغنى منه، فوجد رجلا أمواله تملأ عمان وفرنسا وأوروبا، وهو من أثرياء العالم، وقدم له الشريط بنية حسنة، فلما قدم له الشريط زهد في كل شيء وذهب معي إلى العمرة، ثم اتصل بي وقال: هذه أموالي تصرف بها حيث تشاء، تذكروا أن الوسيلة كانت شريط لمحاضرة في أمريكا.
وهناك قصة أخرى لأحد الأبناء أتاني يقول: استنقذ أبي من النار، إن صمت رمضان يضربني حتى أفطر، وإن صليت يهجرني، ويتعمد أن يأخذني للشاليه على البحر لأصب له الخمر، من خمارته التي على البحر، فماذا أعمل يا شيخ، فقلت له: خذ شريط من الأشرطة، ولا تكتب عليه أي شيء وبدون غلاف وضعه على المقعد بجانبه في سيارته، قال: لماذا لا أكتب عليه شيء ؟ قلت له: لو أن أباك قرأ ما هو مكتوب على الشريط، لن يسمعه وسوف يرميه بمجرد معرفة أنه شريط ديني، واذهب إلى المسجد واركع واسجد وادع الله أن يبارك في هذا الشريط لهداية أبيك، وفعلاً نفذ الابن ما قلته له، ورأى الأب الشريط وبدأ ينشغل بالسؤال عنه وفي النهاية وضعه في المسجل وبدأ يسمعه، وكان الشريط اختيار موفق وبحث في قضية اقتصادية تناسب هذا الصنف من الناس، تسببت في انهيار مالي للدولة ثم إدخال الإسلام لعلاج ذلك الانهيار، وكيف أن النظام المالي الاقتصادي الإسلامي هو من أنجح الأنظمة، وكان لشخص متخصص بالاقتصاد المالي، وهو للدكتور (عيسى عبدو) رحمة الله عليه، وبدأ الأب يسمع الشريط، دقيقة ثم دقيقة وكانت القضية تلامس أحاسيسه ومشاعره، والشيطان الذي كان مزيناً له الأمور انتهى دوره وبدأ دور الملك الذي يرافق الإنسان، وبدأ الرجل يدور بسيارته ويستمع للشريط، وبدأ يستحي من ابنه أن يقول له أعطني شريطًا آخر، وبعدها ذهب إلى التسجيلات وبحث عن أشرطة، فأخذها وبدأ يستمع إليها، وما مر عليه سوى أيام إلا وهو يأتي قبل الإمام والمؤذن إلى المسجد يصلي، وبدأ يدعو الناس ويعلمهم ويذكرهم بالسنن لأنه يريد أن يكفر عما فرط به من قبل.
فلا تحقرنَّ هذه الوسيلة البسيطة، فإن لي معها من التجارب ما لا يعلمه إلا الله، ولي مع هذه الطريقة اثنين وعشرين عاماً، يومها كانت المسجلات ليست بهذه التقنية العالية مثل يومنا، وكنا نحسب المسجل أنها بدعة لأنه مكتوب عليها بالإنجليزية، والذي أدخل علينا هذه الوسيلة رجل فاضل من السودان اسمه (حسن طنوس)، شفاه الله، كان إذا تكلم يُبكي الحجر، يومها لم يكن هناك صحوة ولا دعوة ولم يكن في أجهزة الإعلام إلا مسرحيات وتمثيليات وغناء، وبدأنا بالعمل، وبدأ الناس يبدلون أشرطة الأغاني ويحولونها إلى أشرطة دينية، ولأن العمل كان في البدايات كان له لذة.
إن الداعية الناجح هو الذي يعرف كيف يخرج خيوط الشيطان من نفوس الناس، وتشجيعهم على اقتناء هذه الأشرطة وخاصة في السيارة؛ لأن الوقت في السيارة هو وقت ضائع، فيجب استغلاله في ما هو مفيد للإنسان في دينه ودنياه وآخرته.
ومن الوسائل الأخرى للدعوة:
الكتاب والكتيب، والملصق، والبطاقات الصغيرة، والمعلقات التي تعلق داخل السيارة كدعاء ركوب الدابة، دعاء فك الكرب، الاستغفار.
وكذلك المجلة الإسلامية والجريدة الإسلامية، وهي التي يجب أن نساندها وندعمها مالياً لتستمر.
كذلك من وسائل الدعوة أن تأخذ بيد أخيك وتذهب به إلى حلقات العلم والدروس والمحاضرات.
أيها الأخوة..
وسائل الدعوة إلى الله كثيرة جداً، فاحرصوا على حيازة أكبر عدد منها، وهذه الوسائل تحتاج إلى تطوير ومواكبة للعصر.
أسأل الله أن يبارك لنا في وسائل الدعوة، وينفعنا بها ويشرح صدورنا إليها، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
============
الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال
بقلم: عقيل بن محمد بن زيد المقطري
الدعوة إلى الله عز وجل من أفضل القربات إليه، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ )(33) سورة الصف, ويقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) والدعوة إلى الله(8/149)
عز وجل تنقسم بالنسبة للمدعو إلى قسمين:
الأول : دعوة جماعية وتتمثل بالخطب والمواعظ والدروس.
الثاني : دعوة فردية وهي التي تهتم بتربية الفرد المسلم التربية السليمة مع المتابعة .
والناظر إلى واقع الدعاة إلى الله يجد أنهم في الغالب يقومون بنوع واحد من الدعوة
- وهي الدعوة الجماعية - والقليل من يهتم بالدعوة الفردية والتي هي في الواقع لا تقل أهمية عن الدعوة الجماعية بل قد تكون أهم. إن الدعوة الفردية يمكن أن يقوم بها طلبة العلم المبتدئين لأنها لا تحتاج إلى كثير علم.
* ما المراد بالدعوة الفردية؟
المراد بالدعوة الفردية: (دعوة الأفراد) أي دعوة الناس منفردين ، ويقابل هذا : دعوة الناس مجتمعين من خلال الدروس والمحاضرات ؛ و لا نريد به ( العمل الفردي) الذي يقابله ( العمل الجماعي ) فالفردية في هذا النوع من حيث الداعي منفرداً بعمله مستقلاً بآرائه .
*أهمية الدعوة الفردية :
إن أهمية هذا النوع من أنواع الدعوة تنبثق من أهمية الدعوة إلى الله من حيث هي فالدعوة إلى الله تعالى واجبة على المسلمين قال تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )(125)سورة النحل.
وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ).
*فضل الدعوة إلى الله :
قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
2) وقال - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ).
* الدعوة الفردية تحقق ما لا تحققه الدعوة الجماعية :
إن كثيراً من الناس يجهل أهمية الدعوة الفردية وذلك ظناً منهم أن الدعوة ينبغي أن تكون للناس عامة كإلقاء المحاضرات والدروس والحقيقة أن هذا لا يكفي ، فالدعوة الفردية تكون نافعة في أغلب الأحيان.
*فوائد الدعوة الفردية :
1- ... متكاملة فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقي.
2- ... التطبيق العملي للتوجيهات الملقاة على الأفراد.
3- ... الرد على كثير من الشبهات التي لا يمكن التحدث بها في الدعوة الجماعية.
4- ... غرس المبادئ الإسلامية الصحيحة.
5- ... إيصال الحق إلى الذين نفروا – أو نُفِّرُوا – عن سماعه وعن مجالسة أهله.
6- ... سريع لكسب أكبر عدد من المدعوين.
7- ... المتابعة الدقيقة بخلاف الدعوة الجماعية.
8- ... لا يحتاج إلى غزارة علم بقدر ما يحتاج إلى حكمة في الدعوة.
9- ... لا تحتاج إلى كثير معاناة يمكن أن يقوم بها كل داعية من خلال عمله.
* حالات الدعوة الفردية :
هناك بعض الحالات يستلزم الداعية أن يستخدم فيها الدعوة الفردية لأن الدعوة الجماعية لا تجدي في مثل تلك الحالات وسنذكر بعض هذه الحالات:
1- ... المكانة الاجتماعية للمدعو.
2- ... جليس السوء.
3- ... الحالة النفسية للمدعو.
4- ... معالجة جوانب النقص في الأفراد.
*أطوار الدعوة الفردية:
الطور الأول : أن يوجد الداعية صلة تعارف مع المدعو.
الطور الثاني : أن يعمل الداعية على تقوية الإيمان عند المدعو.
الطور الثالث : إعطاء التوجيهات للمدعو التي من شأنها أن تصلح من عبادته وسلوكه.
الطور الرابع : توضيح شمولية الإسلام.
الطور الخامس : توضيح أن الإسلام دين جماعي، عقيدة وأخلاقاً ودولة وجهاداً ، وأمة واحدة.
الطور السادس : توضيح ما يستوجبه الواقع الذي تمر به الدعوة واحتياجها للتكاتف ولَمِّ الشمل.
الطور السابع : تحميس المدعو لطلب العلم.
*الأسباب المساعدة لنجاح الدعوة الفردية :
1- الإخلاص لله تعالى : ولقبولها لابد من شرطين أساسيين :
أ – الإخلاص لله تعالى.
ب – المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
2- صلة الداعية بالله تعالى :
إن صلة الداعية بالله تعالى من أهم الأسباب لنجاح الداعية في عمله وهذه الصلة تكون بالتقرب إلى الله تعالى بجميع أصناف العبادة وخاصة الدعاء ؛ ففي الحديث الصحيح (الدعاء هو العبادة), فالداعية إلى الله يخوض في معارك كلما انتهت معركة نشبت أخرى, قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(7) سورة محمد.
3- العلم : إن العلم ضرورة شرعية خاصة للدعاة إلى الله , ويجب على من تعلم أن يعمل بعلمه وأن يدعو إليه ولهذا قيل ( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل).
4- التخطيط والتنظيم: بعض الدعاة إلى الله ممن عندهم نشاط في المواعظ والخطب يبذلون جهوداً كبيرة ولكن هذه الجهود في الغالب لا تثمر وذلك لفقدان التخطيط والتنظيم فالواجب على الداعية أن يركز على الأفراد الأكثر قابلية للدعوة.
5- لا بد من التعرف على الصفات الشخصية للأفراد: يجب على الداعية أن يتعرف على صفات المدعوين ؛ فالداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يحوِّل هذه الصفات إلى صفات خير تخدم الدعوة إلى الله.
6- البدء بالأقربين: إن لنا في نبينا عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة حيث أمره ربه تبارك وتعالى أن ينذر عشيرته الأقربين فقال سبحانه (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(214) سورة الشعراء.(8/150)
7- إظهار الاهتمام بكل شخص : إن من الدعاة إلى الله من إذا زار أخاً له أو وجده في مكان ما بش في وجهه وعانقه بحرارة ثم لا يظهر اهتمامه بمن كانوا بجانب ذلك الأخ مما يحدث في نفوسهم عليه أنه غير مهتم بهم وأنه إنما جاء لزيارة ذلك الأخ فحسب.
8- التدرج في الدعوة : يجب على الداعية أن لا يحاول تغيير المدعو دفعة واحدة لأن ذلك مخالف لسنة الله ومخالف لمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
9- المتابعة : إن الدعوة الفردية تتطلب من الداعية جهداً ليس بالقليل خاصة في المدن الكبيرة ؛ لهذا كان لزاماً على الداعية أن يتعاهد ثمرة دعوته وأن يجعل لهذا الفرد أصدقاء صالحين يحيطون به حتى لا تتخطفه الأيدي الآثمة المجرمة.
10 – إيجاد البيئة الصالحة للمدعو: لا بد من إيجاد البيئة الصالحة له فيبعد عن جلساء السوء وينقل إلى الجلساء الصالحين.
11- الاقتصاد في الموعظة: مما ينبغي على الداعية في حالة زيارته للمدعو أن لا تنتهي زيارته بدون موعظة , وينبغي أن تكون مختصره ومركزة.
12- الالتزام بآداب الزيارة : يجب على الداعية أن يتقيد بآداب الزيارة فيختار الوقت المناسب وذلك على حسب ظروف المدعو, ومن الآداب أن لا يتدخل في الشؤون الخاصة بالمدعو وهكذا.
13 – القدوة الحسنة : يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )(2-3) سورة الصف ؛ فهذا ذم لمن يأمربالمعروف ولا يأتيه؛ فلهذا يجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة.
(وللفائدة ) قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )(44) سورة البقرة .
14- الهدية : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( تهادوا تحابوا ) فالهدية تورث المحبة، فيجب على الداعية أن لا يبخل بشيء من الهدايا ولو كانت متواضعة .
15 – التلطف والرفق بالمدعو: يقول الله عز وجل : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (125)سورة النحل , وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ).
16 – لا بأس من استعمال شيء من الدعابة والمزاح المباح : وذلك لإبعاد استثقال المدعو للداعية فإن الداعية إذا كان مرحاً كان أدعى إلى حبه من المدعوين ولكن من دون إفراط .
17 – الأخلاق الفاضلة : يقول الله عز وجل مادحاً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(4) سورة القلم؛ فالأخلاق الفاضلة من أجمل ما يتحلى به الداعية فبها يستطيع الداعية أن يكسب الكثير من المدعوين , ومن أهم هذه الأخلاق :
أ) التواضع.
ب) الحلم
18 – إنزال الناس منازلهم : إن من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية كل إنسان منزلته ؛ فمن كان من أهل المكانة والوجاهة أنزله المنزلة التي تليق به, ومن كان شيخاً للقبيلة أنزله منزلته وهكذا.
19 – الاستمرار في تقويم المدعو : إن التقويم من الداعية للمدعوين أمر ضروري إذ من خلاله يمكن أن يتعامل مع المدعوين بناء على ذلك التقويم.
20- لا اعتبار للسوابق : من الناس من إذا أراد أن يقوم فرداً نظر ما قد سلف منه من زلات وأخطاء ولو أنه قد تاب عنها ؛ فيظل يذكر تلك السوابق للمدعو ويقرعه بها وهذا خطأ محض , فعليه معالجة حاضر المدعو لا ماضيه.
21- تنويع وسائل وأساليب الدعوة والتقويم: مما ينبغي للداعية أن ينوع أساليبه في الدعوة والتقويم حتى لا يسبب ردة فعل عند المدعو وكل بحسبه.
==============
سوق الدعوة
اسم المحاضر: الشيخ محمد بن صالح المنجد – حفظه الله –
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك حمداً يكافئ نعمك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، و الصلاة و السلام على المصطفى الهادي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد..
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله والصلاة والسلام على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم
إن الدعوة إلى الله كسوق فيها البائع هو الداعية، والمشتري هو المدعو إلى الله الذي يلبي الدعوة، والسلعة هي كتاب الله وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والأرباح هي تلك الحسنات التي يجنيها الطرفان وهي تؤدي إلى جنة عرضها كعرض السموات والأرض ، والدعوة بحاجة إلى وسائل كثيرة (فنية، دعوية، كتب، مجلات، برامج، رسومات، تعب، سهر، مثابرة، مجاهدة، جوع، عطش، عناء، شقاء، عذاب) ، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ?33? سورة فصلت، هذا الداعية هو حبيب الله وصفوته من خلقه (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ، (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) رواه مسلم ، وهذا فضل عظيم للدعوة التي شرفنا الله بحملها ومن مسؤوليتنا حمل هذه الأمانة لهذا الدين العظيم وعدم
التفريط بها (نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه) إنه يروي للناس الحق والخير ويدل الناس إليه ، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ?104? سورة آل عمران.(8/151)
إن الداعية يريد أن ينقذ نفسه من النار وكلنا حريصون على ذلك ويجب أن نكون حريصين على هداية الناس، لقد أرسل الله الأنبياء لدعوة الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد ، لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يطوف على الناس في مواسم الحج يعرض عليهم الدعوة يذهب إلى الطائف ويلقى ما يلقى من أشد أنواع الإيذاء، يرسل الناس إلى الحبشة، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ?108? سورة يوسف، لا يريد بهذه الدعوة من أجر ولا هم له إلا دعوة الناس إلى الإسلام قال تعالى: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) ?109? سورة الشعراء.
يتعجب بعض المدعوين لماذا يضحي فلانٌ بوقته وماله وصحته من أجلنا؟ ويقدم الداعية لنا الخدمة والسهر على راحتنا ويرافقنا و يقدم العون لنا؟ يتعجبون؛ لأنهم لم يعتادوا على ذلك
ولم ينشؤا عليه، إن الداعية لا يريد أجراً إلا من الله جل وعلا، ويقوم الداعية بتقديم كل ذلك بالوعظ والنصح والتوجيه دونما زجرٍ أو تقريع، والمشوار الذي بدأه داعية من الممكن أن يكمله آخر وآخر وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتساءل بعض الناس! لا توجد نتيجة للدعوة ولا يمكن أن يتغير فلان ولم يتدين فلان ولن يغير سلوكه، ولكن لا يمكن أن يضيع جهد الداعية هباءً، سيأتي اليوم الذي يعود فيه فلان إلى رشده ويهتدي فلان ولو بعد حين، وحتى لو لم ير الداعية ذلك بعينيه، بل ربما لا تظهر نتيجة أبداً و لكن ذلك ليس تقصيراً من الداعية ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : (عرضت عليَّ الأمم والنبي معه الرهيط والنبي معه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد) متفق عليه، هل قصر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام في دعواتهم ؟ لقد أدوا الواجب وبرأت ذمتهم وحصل لهم الأجر إن شاء الله، قال تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) ?272? سورة البقرة.
وقد يسمع الداعية الكثير من الكلام الذي يصده عن طريق الدعوة، كأن يسمع من الذين لا هم لهم إلا إفساد الناس وصدهم عن طريق الخير: ( نحن في عصر وزمن مختلف!! هذا عصر الفضائيات!! هذا عصر العولمة!! هذا عصر العالم المتحضر!! الناس مشغولون بالقنوات والأغاني وجمع الأموال)، إلى ما هناك من جمل وعبارات يرددها أعداء الله، من قال بأن الناس لا يستمعون، إن هذا تثبيط مذموم ، لا بد أن يأتي اليوم الذي سيهتدي هؤلاء الناس ويعودون إلى رشدهم ما دام هناك من يدعوهم برفق وبالحسنى ولو بعد حين، قال تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ?34? سورة الأنعام، كم أوذيَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة من قومه، لقد كذبوه وضربوه واتهموه بالسحر والجنون ما تركوا وصفاً مؤذياً إلا وصفوه به، ولكن الله تعالى طالبه بالصبر، قال تعالى: ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) ?35? سورة محمد.
إن الأخلاق مهمة للغاية لدى الداعية قال تعالى: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ?4? سورة القلم، وقفة حول (صحيح البخاري) الذي ألَّفه محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه وهو أعظم كتاب بعد القرآن الكريم من أجل كلمة واحدة وقرت في نفسه سمعها من شيخه بن راهويه وهي: ( لو أن أحدكم يجمع ما صح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب واحد).
إن القدوة الحسنة أشد في التأثير على الناس ووعظهم، إن العمل أشد تأثيراً من القول في نفوس الناس واللين والرفق يحصل منه الشيء العجيب في كسب الناس وكسب مودتهم واستمالتهم إليه، والفرق كبير بين دعاة الحق الذين همهم الدعوة إلى الله والأجر من الله ودعاة الباطل الذين يطلبون الأجر المادي، والفرق بينهم كالفرق بين سحرة فرعون وموسى عليه الصلاة والسلام، وكلما كان الداعية زاهداً بما في أيدي الناس أحبه الناس ومالوا إليه واستمعوا له ونقلوا عنه.
واليوم نحن في عصر الإعلام والإعلان والدعوة تحتاج إلى ذلك الإعلان والإعلام ووسائل فنية (صوتاً، صورة،ً إخراجاً، ابتكاراً، جذباً، شكلاً، مضموناً، لغةً، بياناً، فصاحةً)، وعلينا الدخول إلى الناس من الأبواب التي يحتاجونها لترويج هذه السلعة العظيمة كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويجب أن تتعدد الوسائل في الدعوة (كتب، أشرطة، ملصقات، نشرات، مجلات، إذاعة، تلفزيون، كمبيوتر، مواقع إلكترونية، برامج، رحلات، مخيمات، تجمعات، ترفيه، ألعاب، تسلية)، يجب أن تتنوع الأماكن والأساليب، تحتاج إلى وسائل دعوية متنوعة للوصول إلى الناس في البادية والحاضرة في السفر والإقامة في الحل والترحال في الجامعات والمدارس والمساجد والمستشفيات والأماكن العامة والمتنزهات.(8/152)
إن التحفيز في الدعوة إلى الله مهم جداً وذلك بتقديم الهدية ولو كانت بسيطة فإنها تترك أثراً عظيماً في نفس المدعو، وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - يعطي، وقد أعطى صفوان و كان مشركاً بالله، يقول صفوان: ( مازال الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطيني حتى أنه أصبح أحب الخلق إليَّ )، وعندما فتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - حنيناً أعطى المؤلفة قلوبهم، فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا شيئاً مما أصاب الناس، فكلمهم كلاماً أحب إليهم مما أعطى الآخرين فما التفتوا إلى شيءٍ بعده ، إن هذا العطاء الذي يقدمه الدعاة اليوم يؤثر كثيراً في الصبيان وطلبة العلم وحلقات المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم، إذا كانت القيادة فن وذوق وأخلاق فإن الدعوة إلى الله وطريق الحق هي كذلك فن وذوق وأخلاق.
إن الثناء ولين الجانب والرفق ومشاركة الناس في أفراحهم وأحزانهم ومناسباتهم المتعددة يؤثر عليهم، وكثير من الناس يؤثر فيه الثناء أكثر من المال، وبعضهم يحتاج إلى الأمرين معاً، وكم دخل في الإسلام من أقوام أخذوا جزءاً بسيطاً من المال، وكثير من الناس الذين يتوجه إليهم المبشرون بالتنصير ليس لديهم ما يكفيهم فيعطونهم القليل القليل فيعتنقوا النصرانية، فَمَنِ الأولى بالبحث عن هؤلاء الناس أليس نحن المسلمون؟ الذين تعاهدنا حمل هذه الرسالة الإسلامية وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة الناس إلى عبادة رب الناس.
إن إنزال الناس منازلهم أمر مهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى حيث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك مع الناس وينزلهم منازلهم، وإذا أتى إليه أحد من أولئك يكرمهم ويراعي أحوالهم، وحتى في خطاباته إلى هرقل والمقوقس كان يخاطبهم بمنازلهم ومكانتهم بين قومهم، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه) رواه بن ماجة وحسنه الألباني.
إن الاهتمام بهذا وتقريب هذا والبدء بالحديث مع هذا لمكانته أمر عظيم، وصاحب المرتبة والشريف في قومه يجب التعامل معه بالمودة والاحترام والتقدير، وليس معنى ذلك أن نطرد الفقراء وطلاب العلم والأبرار الأخيار أصحاب السبق.
لابد من المتابعة والرعاية لأن النبتة إذا لم تسقَ ولم تراعَ ولم يهتم بها فلن تصبح شجرة ولن تؤتيَّ أكلها ولن تنتج بذرة جديدة لأنها ستموت وتندثر، وهكذا بالنسبة للدعوة يجب متابعتها والحرص عليها ولا بد للمدعو أن يقبل على الداعية ويكشف له ما هو فيه حتى يستطيع الداعية أن ينتشله في الوقت المناسب، كما يفعل الطبيب مع المريض في بداية المرض فإذا استفحل المرض أعيا الطبيب والمريض معاً.
وليس لدى الداعية من أسرار يخاف عليها في دينه أو يخشى أن يعرفها أحد، مثل النصارى وغيرهم الذين يخافون أن يفتضح ما هم عليه وتنكشف أسرارهم مِن قبل أتباعهم فيبتعدوا عنهم بل بالعكس تماماً، فإن الداعية يريد انتشار الدعوة وانطلاقها بين كل الفئات في المجتمع: بين الطلاب و المعلمين و المهندسين والأطباء؛ لأن هذا يزيد من انتشار الدعوة والاهتمام بها أكثر.
ويجب التحدث مع المدعوين على قدر عقولهم والبدء بالأولويات مهم جداً، ويجب أن يكو ن الداعية عالماً بالمصالح والمفاسد، وأن يكون الأمر بالتدريج كما فعل معاذ - رضي الله عنه -عندما ذهب إلى اليمن.
يجب على الداعية أن لا يعطي المدعوين فتاوى رخيصة بزعمه حتى يجلب الناس إليه لأن الناس لا يتحملون الدين القوي الأصلي دين السلف الصالح، لقد أفتى العلماء بعدم جواز المرجوح، وأفتى العلماء بأنه على الداعية أن يفكر في إنقاذ نفسه قبل أن ينقذ غيره، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).
إن الوضوح في الدين أمر مهم للغاية، فالدين أحوج ما يكون للشفافية والوضوح، إن البدء بتأسيس عظمة الله في القلوب من أعظم ما تبنى عليه العقيدة، والأسس والقواعد والكليات قبل الجزئيات، وتعريف الناس بالإيمان والجنة والنار قبل البدء بقضايا الحلال والحرام، وهذا لا يعني أن يقول الداعية عن الحلال حراماً أو العكس.
التمسك بالإسلام اليوم صعب جداً، فيه شيء من القبض على الجمر، هناك هجمة من الأعداء شرسة على من يتمسك بالدين، يحاولون إخافة هؤلاء المدعوين والتضييق عليهم، فالواجب على الداعية والمدعو أن لا يخشون في الله لومة لائم، وإن الذي يؤمنك اليوم لتخاف يوم القيامة لا خير فيه، والذي يخوفك اليوم لتأمن غداً ارجه وأقبل عليه.
بعض الناس إذا دعي إلى محاضرة قيمة لأحد من العلماء الثقات تجده يعتذر بأن لديه موعداً أو لديه شيئاً مهماً، وإذا دعي إلى مشاهدة مباراة فإنه يترك حتى الصلاة ويسهو عنها ولا يذهب إلى المسجد وربما فاته وقت الصلاة ولم يصلِّ، وتجده مهتماً بالأناشيد التي في الكثير منها غناءٌ وموسيقى وهذه محرمة قطعاً.
إننا نحتاج إلى دعاة مخلصين مهتمين صادقين كما في دعوة نوح عليه السلام لقومه وهم يصدون عنه ويضعون ثيابهم على وجوههم وأصابعهم في آذانهم، وكما في دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى وبالإشفاق أحياناً، ودعوة يعقوب عليه السلام لبنيه، ويوسف عليه السلام لم يترك الدعوة حتى في سجنه، وفي قصة مالك بن دينار - رضي الله عنه - واللص الذي دخل إلى بيته فلم يجد شيئاً فأحس به مالك بن دينار، فقال له: لم تجد شيئاً من متاع الدنيا فهل تريد شيئاً من متاع الآخرة فقال له: نعم فقال له توضأ وصلِّ ركعتين، ففعل اللص ثم جلس وخرج معه إلى المسجد فسأله أصحابه من الذي معك فقال: (جاء ليسرق فسرقناه).(8/153)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
===============
عوامل النصر و التمكين في دعوات المرسلين
اسم المؤلف : أحمد بن حمدان بن محمد الشهري
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، ولي التمكين للدين، الملك الحق المبين، خير الناصرين ، وأحكم الحاكمين ، لا إله إلا هو يقص الحق وهو خير الفاصلين ، مجّدَ نفسه في كتابه بامتلاكه وحده لأسباب النصر والتمكين .
قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (197) سورة الأعراف .
وصلى الله وسلم على نبيه محمد إمام المرسلين , ورضي عن الصحابة أنصارهم والمهاجرين، الذين تجردوا من العلائق جادين، فخرجوا من أهلهم وديارهم ينصرون الله ورسوله حتى سماهم الله بالصادقين ، أما بعد :
فإن المؤمن إذا عظم إيمانه، وقوي يقينه، وصدقت محبته لخالقه صارت همته المؤكدة، ورغبته الشديدة نصرة هذا الدين ، ومن تأمل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجد على ذلك شواهد كثيرة من النصوص الظاهرة، وموضوع تلمس أسباب النصر والتمكين في كتاب الله موضوع نفيس، ولكن أود أن أنبه في هذه المقدمة على نقاط مهمة قبل الشروع فيه:
1ـ الموضوع موضوع قرآني بالدرجة الأولى فهو من المواضيع التي تولاها القرآن أكثر من السنة، فإن الله ما ذكر دعوة نبي إلا وبين عامل نصرها ، وذكر من عادى الدعوة وبين أسباب سخطه عليهم حتى إذا استقصى المستقصي ذلك خرج بمنهج متكامل في أسباب النصر وموجبات الخذلان والعقاب.
2ـ عوامل التمكين في دعوات المرسلين:
هذا العنوان فيه سجعة جميلة ؛ ولكن ليس السبب في اختياره حلاوة السجع ؛ ولكن لأن التمكين كلمة أعم وأشمل من النصر ؛ لأنها كلمة تدل على التهيئة والتثبيت والقوة والغلبة والنصر العزيز الثابت الراسخ وهذا سر استعمال القرآن لها، أما "دعوات المرسلين" فلأن كل دعوة لرسول قد يظهر فيها عامل من عوامل النصر أكثر من غيره.
وأما كلمة المرسلين فلأمرين :
الأمر الأول : أن الرسل مقطوع بنصرهم من الله سبحانه وعصمتهم من القتل بخلاف الأنبياء ومن تتبع تعبير القرآن رأى عجباً فإن القرآن إذا قطع بالنصر عبر بلفظ الرسل كقوله: ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) (21) سورة المجادلة .
وإذا جاء ذكر القتل عبر بلفظ النبيين ( وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء )(112) سورة آل عمران.
والسبب أن رسول الأمة الأول لا يقتل أبداً ولا بد من تمكينه ونصره في الدنيا فعلاً ،أما الأنبياء الذين أرسلوا برسالة تجديدية لرسالة رسول الأمة الأول فإنهم قد يقتلون , وإذا كان الأمر كذلك فإن من قدر الله أن تكتمل عوامل النصر والتمكين في دعوة رسول الأمة أكثر من النبي المجدد ومن هنا كان الاختيار للعنوان "عوامل التمكين في دعوات المرسلين" .
الأمر الثاني : أن الله سبحانه وتعالى يوجه رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يترسم مسالك المرسلين قبله في نصرة الدين ، ويحذره من المسالك التي عاتب عليها المرسلين قبله ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتحرى ذلك المنهج في دقائق الأمور من نصرته للدين .
_________
الدلالة اللغوية لكلمة التمكين :
"التمكين" مصدر للفعل مكّن وهو من مزيد الثلاثي والأصل "مكَن" وقد وردت مادة "مكن" في كتب اللغة ولم تخرج عن أصل وضعها ,وقد استعملت بمعانٍ عديدة متقاربة لا تخرج عن أصل الاستعمال فقد استعملت بمعنى القدرة على الشيء والظفر به،وكذلك بمعنى السلطان والقدر والمنزلة.
التمكين في اصطلاح القرآن الكريم :
وردت كلمة "التمكين" في القرآن الكريم باشتقاقاتها ثماني عشرة مرة، ولم يحدد لها القرآن اصطلاحاً خاصاً بل استعملها في المعاني التي ذكرت في معاجم اللغة،وباستقراء الآيات التي وردت فيها اشتقاقات الكلمة يتبين لنا أن القرآن استعمل الكلمة على سبعة معانٍ هي الآتي:
أولاً: التمكين بمعنى الملك والسلطان
ثانياً: التمكين بمعنى المنزلة عند الملك
ثالثاً: التمكين بمعنى التهيئة
رابعاً: التمكين في نعم الدنيا ومعايشها
خامساً: التمكين للدين
سادساً: التمكين بمعنى الظفر
سابعاً: التمكين بمعنى الثبوت والاستقرار
_________
المدخل :
الوعد بالتمكين لدعوات المرسلين :
أولاً : وعد القرآن بالتمكين لدعوة الحق :
الوعد بالتمكين لدعوات المرسلين وأتباعهم من المؤمنين استفاضت به آيات التنزيل وكادت لا تذكر تحدياً بين الحق والباطل إلا وتعقبت ذلك الحال بالطمأنة بأن العاقبة للمتقين والنصر للمرسلين والغلبة للجند المؤمنين.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ,إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)(106) سورة الأنبياء .
والوعد بالتمكين يأتي أحياناً في الذكر الحكيم مجزوماً به ولكن ُيذكر فيه الرسل فقط وأحياناً يُذكر الرسل والمؤمنون ، وتارة ثالثة يفرد ذكر المؤمنين فقط ، ولا إشكال في ذلك أو عظيم تباين فالوعد للرسل ينسحب كذلك على المؤمنين باعتبار أن الرسل لا يمكن أن يجاهدوا أو يمكنوا إلا في أتباع من المؤمنين وكذلك الوعد للمؤمنين ينسحب على الرسل باعتبارهم من أهل الإيمان :
1- ... وعد الرسل بالتمكين ومزاياه :(8/154)
نلحظ في القرآن مجيء الوعد بالنصر والغلبة والعاقبة والتمكين المذكور فيه الرسل أكثر و آكد بمؤكدات لفظية ظاهرة ومعنوية من الوعد بالتمكين والنصر المذكور فيه المؤمنون فقط، وما ذاك إلا أن دعوات الرسل خصوصاً من أمر منهم بقتال فلا يمكن أن يغلبه أعداؤه أبداً ألبتة بل النصر مجزوم به له ولأتباعه وهم الغالبون القاهرون .
قال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (21) سورة المجادلة.
وهنا أكد الله سبحانه وتعالى غلبة الرسل بمؤكد ما بعده مؤكد فقد عطف الرسل على ذاته العلية (أنا) فتأكدت الغلبة كل تأكيد فالله معهم وهو غالب لا يغلب.
2- ... وعد المؤمنين بالتمكين ومزاياه :
أما أهل الإيمان فإنهم لا يلبثون بين فينة وأخرى حتى يقصروا عن أسباب النصر وعوامل التمكين، أو يبحثون عنها أحياناً، ويخطئوا الطريق إليها أحياناً، أو تفقد منهم صفات وأحوال هي حتمية لنيل النصر وإحقاق وعد الله لهم بالعاقبة، ولذلك جاء الوعد بالتمكين لهم معلقاً بصفات وأعمال يجب أن يحققها أهل الإيمان ليتحقق لهم وعد النصر والتمكين.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (7) سورة محمد .
3- ... نتيجة تمايز الوعدين :
ومن خلال امتياز وعد الرسل بالتمكين عن وعد المؤمنين في القرآن بالميزتين السابقتين وهما :
* كثرة المؤكدات اللفظية والمعنوية.
* عدم تعليق الوعد بتمكينهم بشرط أو عمل كما في وعد المؤمنين.
من خلال ذلك نخرج بنتيجة هامة جداً وهي أن التزام منهج الرسل في نصرة الدين هو أعظم عوامل تمكين الجماعة المؤمنة من بعدهم، وذلك أن هذا الالتزام التزام لمنهج قد ضمن الله سبحانه له التمكين وكتبه على نفسه وأكده أعظم تأكيد، ولم يعلقه بشرط أو أمر، مما يدل على أنه منهج شامل متكامل يضم كل عوامل النصر والتمكين ويضمنها،فالثبات عليه هو جماع الأمر في تمكين المؤمنين ودعوتهم وهو السبب الأول والأخير في سعادتهم في الدنيا والآخرة.
_________
ثانيا : قتل الأنبياء والوعد بالتمكين لهم :
قد سبق في مبحث "الوعد بالتمكين" ذكر وعد الله سبحانه في أم الكتاب عنده وفي الكتب المنزلة على الرسل بأن التمكين لهم والغلبة حظهم، وأنه سبحانه أكد ذلك الوعد بتوكيدات هي الغاية في التأكيد حقاً، ولكن تتفاجأ بديهة القارئ لكتاب الله بقتل ذلك الموعود وعلى يدي أراذل الخلق ومجرمي الوقت، ومن المقتول ؟ النبي المرسل الداعي الموعود بالنصر والغلبة والحق الذي لا غبار عليه. أن الوعد لم يتخلف فإن الله لا يخلف الميعاد، وأما النبي فقد قتل فعلاً .
قال تعالى: ( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (87) سورة البقرة , ولإزالة الغموض وبيان الحق في هذه المسألة، وبيان أن وعد الله على تمامه سبحانه وتعالى رغم قتل النبي الموعود بالتمكين فلا بد من بيان ثلاث نقاط، وهي :
* أنه لم يقتل نبي من الأنبياء الذين أمروا بالقتال أبداً .
* الانتصار من قتلة الأنبياء .
* قتل النبي ليس قتلاً لدعوته وإنما لشخصه فقط .
_________
ثالثا : مراتب التمكين في القرآن الكريم :
من البدهي أن التمكين لا يمكن أن يتم في لحظة عابرة أو برهة من الزمن بل له مراحل يتدرج فيها مرحلة مرحلة ,ومراتب التمكين في القرآن الكريم على سبع مراتب:
المرتبة الأولى : السلامة من الخسران :
لا يمكن أن تبدأ للتمكين بداية دون البداية بها، ولقد بينها الله جل وعلا في كتابه وجزم بها، وأقسم عليها.
قال تعالى:( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(3) .
و في السورة جزم بقسم عظيم بالخسران لجنس بني الإنسان ما لم تتوافر فيه ست خصال ,هي:
1- ... الإيمان .
2- ... العمل الصالح .
3- ... أن يكون في جماعة .
4- ... وجود مبدأ التواصي ومثوله .
5- ... التواصي بالحق وهو شرائع الدين .
6- ... التواصي بالصبر .
إن هذه الخصال الست حين تتوافر في جماعة من الجماعات أياً كانت فهي كفيلة بأن تجعلها في ضمان وأمان من كل خسارة أخروية أو دنيوية، والباحث المتحري لعوامل النصر، والناظر الفاحص لأحداث الأمم في التاريخ؛ يجد أن السورة لخصت الصفات المطلوبة في من مؤهل لبلوغ النصر ويمكن له في الأرض، خصوصاً من الأمة الإسلامية .
المرتبة الثانية: التأييد :
التأييد وهو التقوية, و هو مرحلة من مراحل التمكين وهي تدخل كل مجال من مجالات الدعوة من توفيق أو سداد رأي أو حجة، أو التأييد بالنصر أو الجماعة، كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(62) سورة الأنفال .
المرتبة الثالثة: الظهور :
هو القوة مع البروز.
وهذه المرتبة هي نتاج مرتبة التأييد وحصيلتها، وهي مرتبة من التمكين بيَّن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنها لن تنعدم من أمته إلى قيام الساعة فمهما أصاب الأمة من نكبات ومهما ضعفت وتمزقت ونقص حظها من التمكين فلن تنعدم منها هذه المرتبة من التمكين وهي الظهور في علو وقوة من فئة أو جماعة في شرق الأمة أو غربها، ولا يمكن بحال أن تنحط كل طوائف الأمة الإسلامية جميعاً عن هذه المرتبة.
المرتبة الرابعة : النصر :
النصر يرد بمعانٍ أشهرها نيل الظفر على العدو، وقد ورد بهذا المعنى في القرآن في مواضع عدة .(8/155)
قال تعالى: ( إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ) (160) سورة آل عمران , وكذلك النصر يأتي في لغة العرب بمعنى الانتقام وإعانة المظلوم .
ولقد نص الله سبحانه وتعالى في كتابه على أنه ناصر رسله إما بإعانتهم في الدنيا أو الانتقام لهم والاقتصاص ممن عاداهم وآذاهم في الآخرة .
قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (51) سورة غافر.
فقد وردت معاني النصر السابقة كلها في القرآن وضمنها الله سبحانه وتعالى لعباده المرسلين وأتباعهم المؤمنين .
المرتبة الخامسة : الغلبة :
والغلبة أعلى من النصر فهي تزيد عليه بالقوة مع القهر والشدة، فهي رتبة أعلى ومرحلة يصل بها التمكين إلى مشارف الكمال ولقد تكفل بها الله سبحانه وتعالى لرسله وجنده المؤمنين .
قال تعالى: ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (21) سورة المجادلة.
المرتبة السادسة : الملك أو الولاية :
ولاية الأمر ووحدة القيادة متحتمة لازمة في كل مراحل ومراتب التمكين، ولكن حين يبلغ الحال بأتباع دعوة الحق باتحادهم واجتماعهم على رجل واحد يكون ملكاً عليهم فهذه الحال هي حالة التمكين العليا والأكثر في الأمة الإسلامية وفي أمم الأرض جميعاً وليس فوقها إلا الخلافة التي على منهاج النبوة فهي أعلى حالات التمكين لدعوة الحق،ولقد امتن الله بإعطائه الملك لأقوام مؤمنين من أنبياء وغيرهم ولأقوام كافرين وبيَّن سبحانه أنه لا يعطى لأحد إلا بإذنه وتصرفه وهو بيده فهو مالك الملك.
قال تعالى : )قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(26) سورة آل عمران .
المرتبة السابعة : الخلافة :
وهي خلافة النبوة، وهي المرتبة الأعلى في مراتب التمكين لدعوة المرسلين وهي أفضل من الملك وهي الأصل.
قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ((30) سورة البقرة.
وكل نبي ملِكٍ فهو خليفة ، وكذلك الحاكم أو الملك وإن لم يكن نبياً إذا كان على نهج النبوة وقد اتخذ ولايته ديناً وقربة إلى الله، كان خليفة من خلفاء الله في الأرض سواء كان خلفاً لنبي مباشرة، أو كان بينه وبين النبي فترة من الزمن وعندما يسمى الحاكم خليفة وهو على غير نهج خلافة النبوة فإنما ذلك من باب التجوز في التسمية والتوسع،وإلا فالحقيقة أنه ليس بخليفة يصدق عليه مصطلح خلافة النبوة المتعارف عليه عند المسلمين وعلمائهم.
_________
عوامل التمكين لدعوات المرسلين :
العامل الأول : الإيمان الخالص لله :
ليس مجرد الإيمان من الجماعة المسلمة كافياً لحصول التمكين والنصر من الله، فقد تهزم جماعة المؤمنين من الكافرين الظالمين رغم توفر الإيمان لديهم، وقد ذكر الله هزيمة المؤمنين في أحد رغم وجود سيد الخلق في صفهم وبين سبب ذلك في سورة آل عمران وأرجعه إلى حصول المعصية من طائفة منهم والتنازع بسبب عدم خلوص الإيمان لله والدار الآخرة فقد شابه شائبة من إرادة الدنيا.
وبهذا نصل إلى أن الإيمان المترتب عليه نصر الله وتأييده ليس مجرد الإيمان فقط وإنما الإيمان الخالص لله المتجرد عما سواه .
و نستعرض هنا آيات الكتاب العزيز وهي تصف الحالة الإيمانية وتحدد درجة الإيمان لعباد الله حين ينزل عليهم نصره ويحيطهم بحفظه ويؤيدهم بجنده :
1- الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام :
هؤلاء الجماعة المؤمنة من الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى مع طالوت، يبين تعالى إيمانهم الخالص وثقتهم به تعالى مما أدى إلى نصرهم بإذن من الله لا بقوتهم ولا كثرتهم.
قال تعالى: ( فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ, وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ, فهزموهم بإذن الله )(250 ) سورة البقرة .
إن قوله تعالى هنا ( بِإِذْنِ اللَّهِ) ليدل على أن الهزيمة ما كانت لتكون أبداً لولا إذنه سبحانه فهو الذي نصر المؤمنين، ولولا نصره لهم، لذهبوا شربة ماء لجالوت وجنوده،وما كان ذلك النصر ليكون ويأذن به الله لولا تلك الطائفة الموقنة التي أرجعت طالوت والمؤمنين إلى اليقين وطلب النصر من الله، والثقة بنصر الله والصبر حتى نصرهم الله وهزم عدوهم.
2- بيعة الرضوان :
ما رتب الله سبحانه وتعالى على بيعة الرضوان من إثابة المؤمنين بالفتح القريب ومغانم كثيرة يأخذونها في خيبر، وكف أيدي الناس عنهم، وفتح مكة لهم بعد ذلك دون عناء قتال؛ إنما كان بسبب ما علم في قلوبهم من الإيمان الخالص له الصادق الكامل، فأثابهم كل ذلك الثواب بناءً عليه.(8/156)
قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (19) سورة الفتح .
العامل الثاني : الجماعة المناصرة :
مما لا شك فيه أن كل دعوة من الدعوات أياً كانت لا بد لها من جماعة تنهض بها وتناصرها، وأن وجود الجماعة هو العامل الأساس في قيام الدعوة ورسوخها وبقائها،ووجود الجماعة المناصرة لدعوة الحق هو أول عامل في تمكينها وتحقق العاقبة لها.
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذا في كتابه وبين أن وجود الجماعة المؤمنة المناصرة هو التأييد منه سبحانه لدعوة الحق، والسبب الظاهر في تحقق النصر .
قال تعالى : ( وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (62) سورة الأنفال .
فالجماعة التي تكون عاملاً أساسياً في ظهور دعوة الحق وتمكينها، لا بد لها من أمرين:
1- ... أن تكون مؤمنة.
2- ... أن تكون مناصرة لدين الله حق المناصرة.
ومتى فقدت الجماعة هذين الأمرين أو أحدهما، أو نقصت في أحدهما، تخلف النصر والظهور، ولو كان ولاؤها لدين الله .
_________
العامل الثالث : الصبر :
عندما يتفحص القارئ لكتاب الله توجيهات الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ويتحرى ما جاء منها بصيغة الأمر في الخطاب، في مثل: "اعبد" و"اذكر" و"اصبر" ونحو ذلك،يجد أن أكثر توجيه تكرر في القرآن بصيغة الأمر موجهٍ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالصبر "اصبر"، فقد تكرر ثمانية عشر مرة، كل أمر منها جاء في سياق ذكر كيد الكافرين، والصبر على أقوالهم وأذاهم والصبر لحكم الله، حتى لكأن الأمر بالصبر لا يكاد يعدو مرحلة من مراحل الدعوة ومكيدة من مكائد الأعداء، بل لا بد من استصحابه في كل تلك الأطوار، وعلى مختلف الأحوال.
ونحن نعرض قضية الصبر في هذا المبحث في ثلاثة مطالب ، هي:
المطلب الأول: ضرورة استصحاب الصبر :
إن دعوات الحق ما قامت ولن تقوم إلا باستصحاب الصبر، ولقد ذكر القرآن الكريم في قصص المؤمنين كيف صبروا، وأمر المؤمنين كذلك بالصبر و المصابرة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(200) سورة آل عمران .
وبين سبحانه وتعالى أن دعوات الحق السابقة واجهت الأعباء والمكائد بالصبر وكانوا يسألون الله أن يفرغه عليهم إفراغاً عند مواجهة عقبات الدعوة واشتداد البلاء والكرب بهم .
ولقد أرشد سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى استقبال البلوى بالاستعانة بالصبر عليها.
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )(155) سورة البقرة .
المطلب الثاني : ترتب النصر والتمكين على تحقق الصبر :
وردت نصوص الكتاب والسنة بالأجر الجزيل والثواب العظيم على تحقق الصبر من الصابرين، وجاء في ذلك من عظم الثواب والدرجات في الجنة ما قد يجعل المرء يذهب إلى أن جزاء الصبر أُخروي كله، ولكن عند التمحيص والتحقق في نصوص القرآن والسنة نجد كذلك أن هناك أموراً عظاماً، وثواباً جسيماً ونصراً عزيزاً وتمكيناً فريداً يثاب به أهل الصبر في الدنيا فضلاً عما ينتظرهم في الآخرة.
المطلب الثالث : التواصي بالصبر:
لقد أوصى الله سبحانه وتعالى بالصبر وأمر به وأوجبه في مواطن عدة، وبين أن جزاءه أعظم الجزاء
قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) سورة الزمر .
وامتدح سبحانه وتعالى المؤمنين بالصبر وعدَّ ذلك الفعل منهم مانعهم من الخسران، قال تعالى:(إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(3) العصر .
إن التواصي بالصبر أمر ضروري لا يقل عن التواصي بالحق والتذكير به، بل هو شطيره في هذا الشأن.
وجماعة المؤمنين وهي ترجوا تمكين الله لها لا بد من تواصي أفرادها بالصبر ومتى قل التواصي بالصبر فيما بينهم أو تبرموا منه أو تذمروا ممن يذكر به ويحض عليه فهم أبعد الناس عن نيل النصر، والقرب من مواطنه.
_________
العامل الرابع : التواصي بالحق :
إن وجود مبدأ التواصي فقط في جماعة أو أمة أمر كفيل باتزان ما يصدر من تلك الجماعة وانضباطه والسير الآمن المتقدم إلى غاية تلك الجماعة سواءٌ كانت تسعى لتمكين نفسها أو تسعى لأمور اقتصادية أو اجتماعية.
فما بالك بالجماعة المؤمنة حين تنتهج مبدأ التواصي، والتواصي بماذا؟ بالحق وهو الدين الذي ارتضاه لهم ربهم.
إن الانضباط والاتزان وروعة الأداء وتحقق الفلاح والنجاح سيكون أكثر بكثير مما يخطر ببال من اشتغل بالتفكير في تلكم الأمور، كيف وهي تتجه إلى نور من ربها وتتهادى إليه وتتحاضُّ إلى زيادة الإقبال عليه.(8/157)
قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(71) سورة التوبة.
_________
العامل الخامس : تبليغ الدعوة ودوام المناصحة :
إن تبليغ الدعوة هو التكليف المنوط بالرسل وهو الغاية الأساسية من إرسال الله للرسل .
قال تعالى: ( مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ) (99) سورة المائدة .
فإبلاغ دعوة الحق وإبانتها للخلق يقوم بهما الرسل والدعاة تنفيذاً لأمر الله وابتغاء رضوانه دون الالتفات إلى مقصد آخر غير ذلك وإن كان مقصداً حميداً، ولكن ذلك العمل ومزاولته يسهم تلقائياً في تمكين الدعاة ودعوتهم إسهاماً أساسياً فاستجابة فرد واحد للدعوة هو نعمة من إنعام الله عليها وتمكينها وبقاءها فما بالك بمجموعة أو أمة أو دولة.
والآن نخلص إلى نقطة جديرة بالتبيين وهي:
دور إبلاغ الدعوة وتقصي سبل النصح في إقامة الحجة وما يترتب على ذلك، فإننا إذا أمعنَّا النظر في هذا الدور يتبين لنا أن النتائج تأتي على حالتين:
الحالة الأولى: مجرد إقامة الحجة :
فمجرد إقامة الحجة يتأتى بأدنى بلاغ مبين مثل: استماع قدر من القرآن فيه إبانة للدين ولو كان يسيراً فمجرد سماع المدعو لذلك كافٍ لإقامة الحجة عليه .
قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (6) سورة التوبة .
فسماع شيء من كلام الله حجة ملزمة وبلاغ الدعوة إلى المدعو أو سماعه بأمر الدين وشريعته سماعاً بيناً أمر كافٍ لإقامة الحجة عليه وانقطاع عذره وحجته على الله يوم القيامة وسبب في دخوله النار إن مات على الكفر بعد ذلك إلا أن مجرد البلاغ من هذا النوع يقيم الحجة على المدعو ويسلم الداعي من الإثم حيث بلغ ما علمه من الدين ولم يكتمه .
الحالة الثانية: إقامة الحجة إقامة تستوجب نزول العقاب في الدنيا :
وذلك يكون بالبلاغ المبين الدائم واستقصاء حالات النصح والإنذار الصادق فإن دوام ذلك يؤدي إلى حلول العقوبة الدنيوية لا سيما إذا قابل المدعوون تلك النصائح وذلك
الإنذار بزيادة النفور والاستكبار، فإقامة الحجة المستوجبة حلول العذاب العاجل جاءت في القرآن عن طريقين :
الطريق الأول: عن طريق ديمومة الإنذار ومعاودة الإبلاغ :
وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر إهلاكه لمن أهلكهم من المكذبين فبين أنه لم يهلكهم بتكذيبهم الأول ولا الثاني ولا الثالث وإنما كلما كذبوا لم يمنع ذلك التكذيب رسلهم ودعاتهم من دعوتهم وزيادة البيان لهم والتلطف في النصح وضرب الأمثال لهم، بل إن الله سبحانه وتعالى لم يذكر في القرآن إهلاكه لمكذبين من السابقين إلا ويذكر كيف دام إنذارهم وتواصل نصحهم .
الطريق الثاني: قيام الحجة الموجبة للعذاب عن طريق المعجزة :
وهذا سيذكر في مبحث "المعجزة" وكيف أنها عامل وطريق مباشر في قيام الحجة الموجب لحلول العقاب الدنيوي العاجل .
قال تعالى: ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ) (59) سورة الإسراء .
وسبب نزولها مبين لهذا الباب تمام البيان.
_________
العامل السادس : المعجزة :
المعجزة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد النبي لإثبات نبوته مقرون بالتحدي،والمعجزات تقع في الغالب بعد مطالبة أمة النبي آية وعلامة يثبت لهم بها صدق نبوته وأنه مرسل من الله.
والمعجزة حين تقع فهي لا تخلو من أن تُحْدِث ثلاث حالات في الناس، على النحو التالي:
الحالة الأولى:
قلب أقوام من الكفر إلى الإيمان والتسليم والانقياد لدعوة الحق .
الحالة الثانية:
زيادة إيمان المؤمن وتكميل إيمانه ونفي الارتياب ودخائل الشكوك عنه فيبلغ بمعاينة المعجزة ومعايشتها درجة اليقين.
الحالة الثالثة:
التي تنتج بعد حصول المعجزة فهي حالة زيادة الكفر والجحود والغطرسة من الكفار الذين لم يؤمنوا واتبعوا أهواءهم، رغم أنهم قد علموا أنها حق وازدادوا يقيناً في دواخل أنفسهم أنها صدق لا ريب فيه تشهد على صدق النبي وأنه مرسل من الله، ولكنهم كفروا برسولهم وبدعوته استكباراً وجحوداً وبغياً بغير الحق .
_________
العامل السابع : مسايرة الوضع الملائم في حدود مرضاة الله :(8/158)
تلك قضية بارزة نراها بجلاء في دعوات الأنبياء التي ذكر الله في كتابه أطوار تمكينها ومراحل انتقالها من الضعف إلى القوة، مثل دعوة نبي الله موسى ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ،ومسايرة الوضع الأنسب والملائم والموافق لرضا الله سبحانه وتعالى تبرز في تلك الدعوات من خلال أوامر وتوجيهات كانت تأتي لجماعة أهل الإيمان بما يجعلها في أمان من الصدام والذي ينسفها أو يخضد شوكتها وهي لا زالت في حالة من ضعف، مما يجعلنا نرى تلك العناية والرعاية الربانية جلية واضحة مسايرة وملائمة لبقاء الدعوة وأفرادها من الاجتياح الكاسر الغاشم , وأحياناً تأتي التوجيهات الربانية للدعوة بالإحجام في ساعة يرى الكل أنها ساعة الإقدام، وأحياناً يأتي الأمر بالإقدام في ساعة العسرة، وتطلع النفوس إلى الراحة أو إلى خيار آخر مثل ما وقع في غزوة بدر، وكان الخيار الذي اختاره الله لهم غير ما تطلعت إليه النفوس، وكذلك كان الأمر من الله في غزوة تبوك، في ساعة العسرة، وشدة القيظ، وبعد الشقة، وطيب المقام في المدينة، إذ طابت ثمارها، ومالت ظلالها، فكان الأمر من الله بالغزو، حتى كادت بعض القلوب تزيغ.
_________
العامل الثامن : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
و هو أوسع نطاقاً من التواصي بالحق والذي سبق الحديث عنه، فالتواصي بالحق وإن كان لفظه يحتمل العموم وقد يتفق ويتحد مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث المنطلق والغاية، إلا أن التواصي يكون في نطاق أهل الإيمان الطائعين.
بينما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يغطي هذا النطاق ويزيد ويتسع إلى نطاق أهل العصيان من أهل الإيمان، وأهل الفسق، وعامة شرائح المجتمع.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له دور فاعل في بقاء التمكين ودوامه وتحققه كذلك.
_________
العامل التاسع : الهجرة في سبيل الله :
الهجرة في سبيل الله من أولويات عوامل التمكين لدعوة الحق، والانتقال بها إلى أماكن الأمن والسعة لتنشأ حتى تستوي على سوقها، وتؤتي ثمارها بإذن ربها، وهي قبل ذلك فريضة واجبة على كل فرد مسلم تعذر عليه إقامة دينه في أي بقعة كان ووجد حيلة أو وسيلة للهجرة من ذلك المكان الذي لا يقوم فيه أمر الدين إلا على عوج أو مضض أو لعلة لا يقوم ألبتة، أو وُجِد ذلك الفرد بين ظهراني الكافرين والمشركين فإن الهجرة واجبة عليه، ومتى ارتفعت هذه الحالات المذكورة ارتفع وجوب الهجرة، ومتى وجدت تأكد وجوب الهجرة وأصبح تركها يعني براءة من الإسلام، ولعله قد يصل بذلك التارك إلى الخروج من الملة.
_________
العامل العاشر : الجهاد في سبيل الله :
كتب الله سبحانه وتعالى القتال على الأمة الإسلامية، أمة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -كما كتبه من قبل على دعوات عديدة من دعوات المرسلين كما ذُكر ذلك في القرآن الكريم.
قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(216) سورة البقرة.
وإليك الآثار المتنوعة المتعددة من الرفعة والسناء والتمكين على الجهاد :
* إظهار دين الله الحق، وجعل الدين كله لله، وعصمة الناس من فتنة الشرك، التي يقوم عليها شياطين الإنس والجن .
* انكفاف بأس الأعداء، وكسر شوكتهم من الكفرة وأعداء الدين قاطبة، وإذلال غطرستهم.
* استتباب الأمن في المجتمع .
* عند إحياء الجهاد من الأمة المسلمة، فإن أفرادها يكونون قد بلغوا غاية السعادة في الدنيا وكذلك في الآخرة.
*إنقاذ المستضعفين، ورعاية حقوقهم وصون أنفسهم ودينهم وأعراضهم من عبث الظالمين وكيد الكافرين.
_________
العامل الحادي عشر : الضراعة إلى الله :
الضراعة في الأصل "الذلة والخشوع والاستكانة"، وهي تعني في اصطلاح القرآن الدعاء الممزوج بالذلة و التمسكن لله والانكسار بين يديه، ولقد أكَّدَ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على أنها سبب من أسباب انكشاف السوء ونجاة المؤمنين، بل ونجاة أهل العذاب، الذين وصلوا إلى درجة استحقاقه وعاينوه بأم عيونهم، فلو تضرعوا إلى الله لكشف الله عنهم العذاب.
قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (43) سورة الأنعام .
ولئن كانت دلالة الآيات هذه أن البأساء والضراء أرسلت لتستحث المكذبين إلى التضرع والانكسار إليه، وبالتالي قبول دعوة الرسل، فإن الآيات يستفاد من ظاهرها كذلك أن انكشاف البأساء والضراء يستلزم الضراعة الصادقة، وأنها سبب رئيس إذا كانت صادقة خالصة لانكشاف كل بأساء وضراء .
إن الضراعة سنة، لا تكاد تختلف في النصر والتمكين اللذين يصنعان على عين الله،ومتى قلت ضراعة الطائفة المؤمنة أو أصبح أفرادها وقادتها يتوارون أو يستحيون من أن يبدوا تمسكنهم وذلتهم وتذللهم وهم يدعون الله ويسألونه إنجاح أمورهم ونصرهم على عدوهم، وأصبحوا يعولون كل التعويل على حسن التخطيط والتدبير، فإن تلك الطائفة جديرة أن تنحط عن رتبة النصر وجديرة كذلك بالخذلان من ربها، وأن يكلها إلى ما عولت عليه وركنت إليه.(8/159)
إن الضراعة إلى الله سبحانه عامل النصر والنجاة الذي لا يمكن أن يفقد ألبتة من يد من سعى إلى التمكين؛ فكل العوامل الأخرى من الجماعة والجهاد والهجرة ونحوها عرضه لأن تفوت المؤمن أو جماعة المؤمنين.
أما الضراعة فهي عامل النصر الذي مهما فات غيره فلا يفوت ولا يفقد، إلا أن يضيعه المؤمن أو جماعة المؤمنين .
قال تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) سورة غافر .
وها هي دعوة نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وقومه بني إسرائيل كان عامل تمكينها ونصرها من كيد فرعون هو الضراعة فقط مع الصبر.
قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (128) سورة الأعراف .
بل وأحياناً كثيرة ينصر الله جماعة المؤمنين بالضراعة فقط، دون غيرها من أسباب النصر الأخرى .
_________
العامل الثاني عشر : إقامة الدين :
لقد تعاقبت على حكم المسلمين دول إثر دول إلى هذا اليوم، ولطالما حدثنا التاريخ والحاضر عن أكثر تلك الدول، وعن روغانها عن إقامة حدود من الدين وإقامة حدود أخرى منه حسب ما يلائم مزاج الحاكم الظالم أحياناً وأحياناً تخوفاً على الدولة وصلاحيات الحكم، وأحياناً لسوء ظن وضعف يقين بما أمر الله به ونهى عنه، وأن الفلاح والحل في غيره أصوب وأرشد.
ولكن هذا هو القرآن والتاريخ يشهد كل منهما على أن إقامة دين الله رغد ما بعده رغد،وسعادة وهناءة للحاكم والمحكوم، وحتى للهوام والدواب وحشائش الأرض وأمطار السماء، وسبب لفتح بركات لا تنتهي، ونعيم كريم عظيم.
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)(96) سورة الأعراف .
إن الله سبحانه وتعالى يؤكد هنا أن أهل الكتاب لو أقاموا ما أنزل الله على أنبيائه من كتب، لسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، ولفتح الله له بسبب ذلك بركات الأرض وزروعها وثمارها، ولأصبحوا يجدون الرزق والأكل وأطيب الطعام تخرجه لهم زروع الأرض يتدلى فوق رؤوسهم، ويلتقطونه من تحت أرجلهم أينما كانوا في أرضهم أو طرقهم أو منازلهم، وهذا غاية عظيمة في النعيم وما ذلك إلا بسبب إقامة الدين، وهذه الحال المتعلقة بإقامة الدين ليست لأهل الكتاب خاصة، بل لكل أمة تقيم دين الله، إقامة جادة، فإن أهل القرى التي أهلكها الله من قبل أهل الكتاب لو أقاموا الدين وآمنوا واتقوا لفتح الله لهم بركات من السماء والأرض.
أما عند ترك إقامة الدين أو التخلف والتقهقر عنها فإن الله سبحانه وتعالى يعاقب تلك الأمة المسلمة التي تنكرت لدينها بإلباسها لباس الجوع والخوف، وتنكيد عيشها،وينزل سبحانه و تعالى عليها من أليم عقابه وشدة بأسه ما لا ينزله بالدول الكافرة ابتداءً، وذلك أن هذه الدولة المسلمة عرفت ثم أنكرت وآمنت ثم كفرت، ووصلت إلى الأمن والعز والرغد بدين الله وطاعتها لله ثم جحدت بعد ذلك؛ فيذيقها الله بذلك ما لا يذيق الكافرين وذلك أن الله سبحانه و تعالى "يعاقب على الكفران بالنعمة ما لا يعاقب على الكفر،وعلى الكنود ما لا يعاقب على الجحود".
قال تعالى : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (112) سورة النحل .
_________
خاتمة البحث :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبمعونته تدرك الغايات .
تلك هي أبرز اللمحات الساطعة في غمرة هذا البحث، وأهم النتائج الماتعة النافعة من خلال دراسته، وأسأل الله ألاَّ يجعل حظنا التنظير والتفكير، وأن يجعل حظنا ونصيبنا من العمل بما علمنا الحظ الجليل الكبير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين,سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
=============
واجب الأسرة المسلمة في الدعوة إلى الله.
اسم المحاضر: الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمداً يوازي نعمك،اللهم اجعلنا ممن همه الدعوة لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، و الصلاة و السلام على المصطفى الهادي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.... أما بعد
نضع بين أيديكم ملخصاً لشريط (واجب الأسرة المسلمة في الدعوة إلى الله) للدكتور عمر بن سعود العيد، نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالهداية والمغفرة ، وأن يجزل لنا ولكم الأجر والثواب.
استهل الشيخ محاضرته بالحمد والثناء على الله بما هو أهله والصلاة والسلام على رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم -، وذكر أن الأسرة في الإسلام هي نقطة الانطلاق الأولى للمجتمع الإسلامي، كل واحد منا نشأ في أسرة مسلمة نهل من معينها في التربية والتنشئة، كرست هذه الأسرة كل ما في وسعها من أجل صلاح هؤلاء الأفراد، وهذه الأسر تجمعت بصلاحها لتكون مجتمعاً إسلامياً كريماً له خصوصيته ومنهجه الذي يستمده من الكتاب والسنة.(8/160)
ما أحوجنا إلى قيادات شتى في جميع العلوم والمعارف الدينية والدنيوية، عندما تكون الأسرة صالحة في تكوينها فسوف تنتج لنا تلك القيادات التي نحن بأمس الحاجة إليها من العلماء والدعاة، فهي بحق مصنعهم جميعاً، لا يوجد أشرف ولا أنبل ولا أسمى من الدعوة إلى الله، وقد تصدر لها دعاة المسلمين منذ ظهور الإسلام، وبذلوا فيها كل ما في وسعهم، والأسرة هي النواة الثانية بعد الأفراد في تكوين الأمة التي أمر الله بوجودها وتكوينها، بقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ?104? سورة آل عمران، الدعوة إلى الله عز وجل هي ثمرة من ثمار هذه الأسرة المسلمة، كل أفراد المجتمع الإسلامي احتضنتهم و أنتجتهم أسر مسلمة، أفراداً مسلمين آباء وأمهات أبناء وبنات، ربما تكون هناك وشائج قربى بين هذه الأسر وصلات رحم، وكل يعمل في مجال من مجالات الحياة فمنهم الطبيب والمهندس والمعلم والعامل، وكل أولئك دعاة إلى الله، كلٌ يدعوا من مكانه ويوجه دعوته إلى كل الناس، ولكن ربما لا توجد بينهم علاقات مع أقربائهم أو أن تلك العلاقات ضعيفة جداً، ودعوة الأقارب من أهم الأمور التي يجب أن ينطلق منها الدعاة، قال تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ?214? سورة الشعراء، ودعوة الأهل والأقارب بحاجة إلى أنواع متعددة من الزاد نورد منها:
1. ... عليك التزود بالتقوى، قال تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) ?197? سورة البقرة، والتقوى تجعل الإنسان يعمل وقلبه متعلق بالله وعمله كله لله.
2. ... تعلم العلم الصحيح وأن تكون دعوتك على فهم وبصيرة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ?108? سورة يوسف.
3. ... عليك بالصبر وإن طريق الدعوة يحتاج إلى صبر شديد ربما تدعو أناساً من أقرب الناس إليك فيصدوك فلا تبتئس ولا تقنط، ولقد واسى رب العزة جل جلاله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وقال في محكم التنزيل: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ?8? سورة فاطر.
4. ... التحلي بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .........) ?125? سورة النحل، وما أحسن الحكمة حين تستخدم، وقبل أن تدعو أي شخص لإنكار منكر أو تصحيح مساراً أو انحرافاً، فابدأ بتأسيس قاعدة الإيمان.
5. ... التخلق بالأخلاق الفاضلة، قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ .........) (159) سورة آل عمران، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني منازل يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا).
6. ... إزالة الحواجز بينك وبين أقاربك الذين تدعوهم مع تقديم الهدية البسيطة المتواضعة والإنفاق عليهم ومساعدتهم في أمور حياتهم في سبيل الله.
الكثيرٌ من الأخوات الفاضلات تهتم بمظهرها ومظهر بناتها وبيتها وما حولها من أمور مادية، ونرى تلك المظاهر في الاهتمام ببدء الدراسة والإجازة والاستعداد لها، والزيارة والتسوق والمشاركة في الأفراح، ولكن الاهتمام بالدعوة لا يكاد يذكر لدى بعض الأسر المسلمة، فنرى العجب العجاب في أبناء بعض الأسر هداهم الله ملابس غير لائقة، قصات شعر غير مقبولة، صور على الملابس، أين القائمون على هذه الأسر؟!، حتى أنه أصبح لدينا كثير مما نشاهده من الصور المعلقة على صدور أبنائنا لبعض المسوخ من الفنانين والفنانات واللاعبين واللاعبات وغيرهم الكثير ممن لا يرضى المسلم الحق أن يذكرهم حتى بلسانه.
اهتمامات كثير منّا دنيوية وليست دينية، وللحيلولة دون ذلك أوجب علينا ديننا الحنيف أن نأمر أبناءنا بالصلاة قبل سبع وأن نضربهم عليها لعشر أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن نصطحبهم معنا إلى المسجد للصلاة فيه وحضور حلقات القرآن.
ما قام دين من الأديان إلا بالدعوة إلى الله، ولو أراد الله لجعل الناس كلهم على قلب رجل واحد، ولذلك أوجب الله الدعوة على جميع الناس وذلك لاختلاف الناس في طبائعهم وشرائحهم وألوانهم وأجناسهم، وهناك أسر مختلفة في سلوكها تجد بعض الآباء ليسوا صالحين وأولادهم هم الذين يدعونهم ويتابعونهم ويتلقون منهم شتى أساليب الإعراض، ومنهم على العكس الآباء هم الذين يقومون بالدعوة للأبناء، ولذلك لابد من وجود أساليب متنوعة تناسب هذه الأسر.
مَن منا جلس مع والده أو ولده يدعوه بدعوة لقمان لولده على لسان رب العزة قال تعالى في محكم التنزيل: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الآيات ?17? و ?18? و ?19? سورة لقمان، هل من سعادة أكبر من أن تجلس الأسرة تتذاكر في دين الله؟، تتدبر آيات الله!، تبحر في السيرة العطرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقرأ وتتناقش في هدي السلف الصالح.
و الدعوة في الأسرة يجب أن نقسمها إلى قسمين:(8/161)
1-الأول: داخل المنزل بالتناصح الصادق بالمودة فيما بين أفراد الأسرة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، لقد وصى الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام، بمخاطبة فرعون باللين والرفق، قال تعالى : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ?44? سورة طه، أليس حريٌّ بالأسرة أن تتخاطب فيما بينها باللين والرفق والعطف فهي أحوج إلى ذلك، لابد أيضاً من تعريف الأسرة بما فيه من أبناء وبنات بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ليكونوا دعاة منذ نعومة أظفارهم، ومن الواجب على رب الأسرة أو من يعولهم أن يضع بين أيديهم مكتبة مقروءة ومسموعة تراعي السن والجنس في وسط المنزل.
2- الثاني: خارج المنزل بالتعاون مع الأقارب في الدعوة وعمل لقاءات دورية أسبوعية نصف شهرية نصف سنوية لا عذر لإنسان مسلم في ذلك، وحتى في المناسبات العامة والخاصة، الزواج و العقيقة والنجاح والشفاء من مرض أو حادث، فهي كثيرة جداً نستغلها في الدعوة إلى الله، في اللقاءات التي تتم بين الأهل نأتي لهم بداعية أو طالب علم أو عالم لإلقاء درس أو محاضرة أو توجيه أسئلة للتذاكر والاستفادة من هذا الضيف، وعمل مسابقة في نهاية الدرس ووضع جوائز تقدم في نهاية المسابقة، والدعوة في الأقارب تحتاج إلى مبالغ مالية، ويجب أن يكون هناك صندوق للنفقة وسيكون لها أثر كبير في الدعوة بإذن الله، وذلك من خير وجوه الإنفاق وأن يقدم كل منا ما يستطيع.
لا بد من التوقف عند بعض هذه الملاحظات ....
1. ... أن تكون الأسرة قدوة في عبادة الله، في اللباس، في المساعدة، في المبادرة إلى الخير، في ترك ما نهى الله عنه، والتسابق إلى ما أمر الله به.
2. ... والدعوة إلى الله تشكل عمراً ثانياً بالنسبة للأسرة حيث أن عملها لا ينقطع إلى يوم القيامة.
3. ... الحرص بالدعاء للأهل والأقارب بأن يهديهم الله إلى طريقه المستقيم.
4. ... الأسرة المسلمة هي التي تعمل بأقصى طاقاتها من أجل الدين الإسلامي لدعوة الناس، لخدمة الناس، لإنقاذهم من الظلمات إلى النور.
5. ... دور الآباء والأمهات مهم جداً في استقامة الأولاد والبنات للوصول إلى مجتمع إسلامي يناصح بعضه بعضاً ويقوِّم بعضه بعضاً، وهذه هي الرسالة التي كلف الله بها عباده المؤمنين.
هذه خاتمة:
اعلموا أن وسائل الدعوة ليست بالكلام والكتابة فقط، بل هناك وسائل للدعوة كثيرة جداً، وأعظمُها أن نكون قدوة في حياتنا في اللباس، في المشية، في الكلام، في كل الأمور، فهذه هي الدعوة العظيمة، بارك الله في أسرنا المسلمة وجعل أفرادها هداة مهتدين يقدمون للإسلام أفضل ما لديهم، نسأل الله الأجر والثواب لشيخنا الفاضل على ما قدمه للإسلام والمسلمين ونسأل الله أن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء وأن يمد في عمره وأن يهدي على يديه شباب المسلمين ليكونوا عوناً على نشر هذا الدين الحنيف والمساهمة في الدعوة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==============
تفاني السلف في الدعوة إلى الله
اسم المحاضر: الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، فصلى الله وسلم على نبينا محمد كلما صلى عليه المصلون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد كلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون، وعلى الآل والصحب أجمعين.
أما بعد:
إنّ الأصل في نجاح أعمال الدعوة إلى الله أن يكون القول والعمل معاً، وأن يكون القائمون على الدعوة إلى الله ييسرون سبيل الدعوة، ويفتحون أبوابها، وأن يكونوا جميعاً يدًا واحدة في الخير متعاونين على البر والتقوى.
ولا شك أن الدعوة إلى الله جل وعلا هي مهمة الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، كما عبر العلامة شمس الدين ابن القيم، فإن الأنبياء والمرسلين بعثوا إلى شيء واحد وهو الدعوة إلى الله جل وعلا، الدعوة إلى الله بتقواه، الدعوة إلى الله بتوحيده، الدعوة إلى الله باتباع رسوله الذي أرسل، الدعوة إلى الله بأن تطلب مراضي الله جل وعلا، وأن يبتعد عن مساخطه سبحانه وتعالى.
فالدعوة إلى الله جل وعلا مقام عظيم وشرف كبير ومنزلة رفيعة عالية اختص الله جل وعلا بها الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم في هذا السبيل، لهذا قصّ الله جل وعلا في القرآن سير الأنبياء وسير المرسلين منبها إلى أنهم كانوا دعاة إلى الله جل وعلا.
فانظر مثلا إلى قول أول الرسل نوح عليه السلام في سورة سُميت باسمه، هي سورة نوح: ( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا) نوح:5-6، فدعاهم مع أنه المؤيد بالمعجزات والبراهين، دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ليلا ونهارا، فلم ييأس، ولم يتواكل؛ بل كان مقبلا على هذا السبيل ليلا ونهارا والنتيجة: ?فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا?.(8/162)
وأخبر الله جل وعلا عن نوع آخر من الدعوة في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام لما ناظر قومه، كما أخبرنا الله تعالى في سورة الأنعام بقوله: ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً?الأنعام:74، حيث قال فيها مناظرا: ?فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)?الأنعام:77-78.
قال أهل العلم: كان إبراهيم عليه السلام مناظراً للمشركين بما ذكر، لا ناظرا في الملكوت أو في الدلائل.
لهذا كان من منهج أهل السنة والجماعة أن إبراهيم عليه السلام كان في هذه الآيات وما قاله داعيا إلى الله بالمناظرة، بالمحاجّة، لهذا قال في آخرها: ?وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء?الأنعام:83.
فإبراهيم عليه السلام دعا إلى الله جل وعلا في وجه من أوجه الدعوة وهو المناظرة والمجادلة وبذل في ذلك، ودعا من؟ دعا أباه كما في قصته في سورة مريم، ودعا قومه كما في قصته في سورة الأنبياء وفي الصافات وفي غيرها، ودعا الناس إلى ذلك، فآمن به من آمن، وكان من أعظم من آمن به لوط عليه السلام: ?فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ? العنكبوت:26.
وخذ مثلا آخر يوسف عليه السلام، يوسف عليه السلام في جميع أحواله التي تقلب فيها منذ أن كان في بيت العزيز وما حصل في بيت العزيز، إلى أن مكّنه الله جل وعلا وقدم عليه أبوه وأمه وإخوانه وخروا له سُجّدا، كان في هذه المقامات جميعا داعيا إلى الله جل وعلا، ولهذا تستطيع أن تسمي سورة يوسف عليه السلام بسورة الدعوة -لأن أسماء السور ليست توقيفية على الصحيح- فيمكن أن تسميها سورة الدعوة أو أن تقول أن موضوعها الدعوة إلى الله جل وعلا، فيوسف عليه السلام في السجن كان داعيا إلى الله جل وعلا: ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ?يوسف:39، ولما وصل إلى الملك وقرّبه كان داعيا إلى الله جل وعلا، ولما أتاه إخوته كان كذلك، فهذه السورة اشتملت على صورة الداعية، وخلق الداعية، وفيها ما يكابد الداعية من القيل والكيد، وفيها أيضا صبر الداعية وتحمله وما يأتيه من البلاء في ذلك، فهي محل للاعتبار والتدبر والدرس.
لهذا جاء في آخرها ليُربط موضوع السورة بآخر السورة،قول الحق جل وعل: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي?يوسف:108، ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي? هذه الإشارة إلى أي شيء؟ الإشارة إلى ما ذُكر في السورة، يعني ما قُصّ في السورة من أحكام، ومن سيرة يوسف عليه السلام في الدعوة إلى التوحيد، والصبر على الأذى، وبذل النفع، والعفو على من ظلم، والحرص على النفع، والتعاون مع الناس على البر والتقوى.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان داعيا إلى الله في منصب الإمامة وولاية الأمر، وكان داعيا إلى الله في منصب القضاء، وكان داعيا إلى الله في منصب الإفتاء، وكان داعيا إلى الله في إمامة الناس في الصلاة.
قال أهل العلم من أهل الأصول:
تصرفات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسَب ما كان فيه من العمل، ففي التبليغ والتشريع كان نبيا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وفي تولّي أمر الأمّة كان وليا للأمر، وكان إمام المسلمين، وفي الحرب كان قائد الجهاد، وفي القضاء كان هو القاضي، لهذا قال لما كان يقضي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: ( لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فهو قطعة من النار، فليأخذ أو ليدع )، فموقع القضاء هذا كان موقع دعوة وبيان وإرشاد وتبليغ للناس لأقواله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ولأفعاله.
كان أيضا إماما للناس، فكان يسمع ما يسمع من الناس فيقول: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)، (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله)، وكان ينبه الناس ويعضهم ويدعوهم ويذهب إليهم ويكون القدوة، وكان مرشدا،وكان يشفع للناس، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أحواله كان داعيا إلى الله جل وعلا.
السلف الصالح رضوان الله عليهم نشروا الإسلام، من الذي نشر الإسلام في شرق الأرض وفي غربها؟ إنهم الصحابة والتابعون ومن تبعهم، وأئمة الإسلام في الفتوحات.
الصحابة رضوان الله عليهم كانوا -كما وصفهم ابن مسعود-: (كانوا أبر الأمة قلوبا وأعمقها علوما وأقلها تكلفا)، حين نشروا هداية الإسلام، بماذا نشروها؟ بالدعوة إلى الله جل وعلا، بذلوا ليلهم ونهارهم، وتركوا أولادهم، وتركوا ديارهم لينشروا الدعوة، أحب ما عليهم مكة والمدينة من بلاد الله؛ لكن تركوها وسكنوا غيرها لنشر الدعوة إلى الله جل وعلا، كيف انتشرت الدعوة في الشام؟ بهم، كيف انتشرت الدعوة في مصر؟ بهم، كيف انتشرت الدعوة في العراق؟ بهم، كيف انتشرت الدعوة في خراسان وفي السند وما وراء السند إلى فلسطين؟ إنما انتشرت بهم، فتحوا البلاد بالعلم والدعوة.(8/163)
إن الدعوة إلى الله في فهم السلف ليست فقط دعوة إلى الأخلاق، أو دعوة إلى الأمور العامة، لا، أهم شيء في الدعوة إلى الله أن يدعو إلى أعظم حق لله جل وعلا وهو توحيد الله تعالى، والحفاظ على جناب التوحيد وحمايته، ثم المحافظة على الفرائض، والمحافظة على الأخلاق.
إذا نظرت إلى سير التابعين وجدتّ أن التابعين عملوا على أربع محاور:
منهم من بذل نفسه في الجهاد في سبيل الله والفتوحات.
ومنهم من بذل نفسه في الوِلايات- يعني تولى ولاية إمارة أو على ديوان-.
ومنهم من بذل نفسه في التعليم؛ في تعليم الناس العلم النافع.
ومنهم من بذل نفسه في الوعظ والإرشاد.
فأما الجهاد فالذين بذلوا أنفسهم في سبيل الدعوة كثير، وقد استشهد الكثير منهم، فمنهم من دفن على أسوار القسطنطينية، ومنهم من مات في البحر، ومنهم مات في البر، وإنما انتشر الدين بالبذل والعطاء.
وأما من بذل نفسه في الولايات، ولا شك أن أمر الدين لا يستقيم إلا أن يكون أهل الحق الأقوياء في دين الله وأهل الأمانة في مستوى المسؤولية، من غير طلب للولاية ولكن يستعينون بها على أداء أمر الله جل وعلا، فهذا يوسف في طلبه عليه السلام ?قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ? يوسف:55، هل قال ذلك رغبة فيها؟ لا، ولكن لأجل أن يفتح الله على يديه ما يقي الناس من المصائب في عهده من الفقر والعنت.
و كذلك السلف لم يكونوا يطلبونها؛ لكن إذا جاءت استعانوا بالله عليها، واتقوا الله جل وعلا فيها، فنشروا أمر الله، وأعانوا على الخير في جميع المجالات.
الصنف الثالث: العلماء، العلماء نشروا العلم كلٌّ في مجاله، فمنهم من نشر علم التفسير، ومنهم من نشر علم السنة، ومنهم من نشر علم الفقه، ومنهم و منهم إلى آخره.
الصنف الرابع: الوعاظ؛ إن وعظ السلف في نشر الدعوة وترقيق القلوب كان بالعلم النافع، ولذلك ذمّ أئمة الإسلام القصاص الذين يقصون بجهل، ويضربون الأمثلة بجهل، ويحكون على غير هدى، وإنما بما اقتضته عقولهم بما يؤثر على الناس.
من أمثلة الوعاظ من السلف:
عبيد بن عمير في مكة، فعبيد بن عمير رضي الله عنه كان واعظا صالحا يؤثّر في الناس، يذكر عنه أن امرأة دخلت مرة على زوجها وكانت من أجمل نساء مكة، فقالت له مدلية بجمالها على زوجها - وكان من التجار الأغنياء في مكة – و قالت: يا فلان أتظن أن أحدا يرى هذا الوجه ولا يعتقه أو لا يفتتن به، - من غرورها بنفسها - قال: نعم واحد، قالت: من هو؟ قال: عبيد بن عمير. قالت: والله لأذهبن إليه ولأفتنه، .فأتت إليه وهو يعظ في صحن الكعبة، فلما انتهى قالت- طبعا لا يظهر منها شيء وكانت قد تزينت-: إنّ لي حاجة فاختر أي سارية من سواري الحرم لأعرض عليك حاجتي، فقال: اذهبي اختاري أنت، فذهبت وذهب إليها، فلما قابلها كشفت عن وجهها وعن بعض بدنها، فنظر إليها ثم أطرق، فقالت: يا عبيد بن عمير إني مفتونة بك وإني أريدك -في الحرم-، هي غير صادقة ولكن تريد تبين جمالها وفضلها عند زوجها.
فنظر إليها عبيد ثم قال لها: يا فلانة، يا أمة الله، في الحرم لا يصلح، ولكن أواعدك في مكان آخر، فقالت لك ذلك، فقال: أختار المكان؟ قالت: نعم.
قال: إذن موعدنا إذا تطايرت الصحف فآخذ كتابه باليمين وآخذ كتابه بالشمال، فهناك أعطيك ما تريدين، فقالت: يا عبيد ما هذا بالمكان.
فقال: إذا وضعت الموازين، فهناك من تثقل موازينه، وهناك من تخف موازينه، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذي خسروا أنفسهم في جهنم خالدين. قالت: يا عبيد بن عمير ما هذا بالمكان.
قال: إذن إذا وضع الصراط على متن جهنم، والناس يمرون عليه والظلمة دامسة، فمن ماض ومن مكردس في النار.
قالت: يا عبيد بن عمير ما هذا المكان. قال: فأين المكان إذن؟ قالت: يا عبيد بن عمير الموعد الجنة، ورجعت إلى بيتها، وتركت ما كانت عليه وتبتلت إلى الله، فنظر إليها زوجها بعد ما تغيّرت في هذه الحال، وقال: حسبي الله على عبيد بن عمير أفسد علي زوجتي.
الإمام أحمد إذا درست حياته وجدت أنه في سبيل الدعوة عمل بجميع المقامات، نشر العلم، إقراء الحديث، نشر السنة القولية والعملية، الرحلة ونشر الدعوة والخير في أي مكان، الدفاع عن العقيدة والتوحيد بالقول والعمل وبالتصنيف وبالوقوف في الشدائد وبالرد على المخالفين للحق من أهل الأهواء على اختلاف أصنافهم، وأيضا من أراد في الدعوة سبيلا غير مشروع رَدّ عليه وأنكر عليه.
شيخ الإسلام ابن تيمية أمضى زمانُه كله وهو ما بين علم وتعليم، وجهاد، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ونشر للخير، ونشر للدعوة في مصر وفي الشام وفي فلسطين وغيرها من البلاد، وهكذا هو في تنقل دائم.
إن همة أهل العلم عالية، وانظر وتأمل في حال أئمة الإسلام وعصر السلف الصالح والصحابة والتابعين وتابعيهم، واقرأ في السير ستجد من ذلك شيئا كثيرا.
إذا بعد هذه الجولة السريعة، سنختم بشيء مهم، وهو أن الدعوة إلى الله جل وعلا تحتاج منا إلى بذل ولو القليل، لا يقل أحد كيف أدعو؟ فإن العلماء أكدوا أن الدعوة تكون بحسب العلم، فمن علم شيئا دعا بحسب ما علم.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والثبات، وأن يقينا العثار في الخير والعمل، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه الخير، وأن يغفر لنا ولهم ولوالدينا ولجميع من له حق علينا إنه سبحانه جواد كريم.
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
أيها الداعية قف وانتبه.
اسم المحاضر: الشيخ / أبو إسحاق الحويني.
أيها الداعية قف وانتبه(8/164)
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله استهل الشيخ محاضرته فقال:
من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ]سورة آل عمران: 102[، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ]سورة النساء: 1[.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
المعصومون هم الأنبياء والرسل، وإن تأويل المعصوم حق، وهذا ما عبر عنه محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: (رأيت بقراً تنحر) وأول ذلك لأصحابه الذين يقتلون في أحد.، فكان كما أوَلْ لهم - صلى الله عليه وسلم -، ولما عرض عليه الملك صورة عائشة رضي الله عنها في المنام فقال له: هذه امرأتك. فيقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه. فربما يسأل بعض الناس هل النبي يرى أضغاث أحلام؟ فالجواب: لا.
وتأويل يوسف عليه السلام في سورة يوسف في القرآن الكريم، حيث سلك في التأويل مسلكاً عجيباً في تفسيره للرؤيا التي سمعها من الذَيْنِ استفتياه، إن الداعية إلى الله، يحتل أشرف منصب على وجه الأرض، لأن فيه هداية الناس إلى الله عز وجل، على الداعية أن يكون أعقل الناس يضع الحكمة في موضعها، وهذا من فقه الدعوة الذي استخدمه يوسف عليه السلام في تعبيره للرؤيا، وما يتبعه النصارى في التبشير والحوافز والمنح الدراسية التي يقدمونها كلها نوع من الإغراء، من أجل ماذا؟ من أجل دعوتهم إلى النصرانية.
استغلال حاجة الناس للمال ليس عيباً لا سيما إن كنت تهديهم إلى الله جل ذكره، وهذا ما فعله يوسف عليه السلام، عندما سألوه عن تأويل الرؤيا، أجَّلَ تأويل الرؤيا حتى آخر دعوته، وتلطف كثيراً في دعوته، ليس الداعية الكيس هو الذي يبشر الناس بجنات عدنٍ وهم قائمون على العصيان، وليس الداعية الكيس هو الذي يظهر الله للناس أنه الجبار فقط! وقاهر فوق عباده فقط! قال علي بن أبن طالب :- رضي الله عنه - (هو الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يجرئهم على حدوده)، وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في الإسراء والمعراج ، كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ، وفيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: حديث الصلاة وأنها كانت خمسين صلاة وعندما مر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بموسى عليه السلام، قال : ما صنعت يا محمد ؟ فقلت: فرض ربي علي وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . وهكذا حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة.
وهنا نجد في الحديث السابق، التجربة التي خاضها موسى مع قومه، عندما بعثه الله نبياً ورسولاً عليهم، ويجب أن تكون التجربة هي رصيد الداعية إلى الله في كل زمان ومكان، وعلماء المسلمين يقولون درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا عرض لك أمران كلاهما شرٌ، فاختر أخف الشرين، والرجل الداعية من المفترض أن لا يكون جاهلاً وأن يضم التجربة إلى العلم، وأن ينضر الداعية إلى مسألة المصالح والمفاسد، هب أنك في مجلس وجاء رجل وقال: (مدد يا حسين) فماذا تفعل به؟ قد يقول أحدهم: أقتله! إن هذا الرجل لم يمارس دعوة، مسألة المصالح والمفاسد غير متصورة لديه ما عالجها، معزول عن الواقع، الرجل المجرب لكلامه وقعٌ في النفوس، وهذا هو هدي الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -مع أصحابه من علم ليس مثل من جهل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم حال كل واحد منهم، منهم من يعطيه ليتألفه، ومنهم من يمنعه وهو بحاجة لكنه يعلم أن إيمانه لا يتزعزع ولا يتأثر بذلك.(8/165)
إياك أيها الداعية أن تفكر أن ما على الوجه بمعزل عن القلب، فالوجه هنا ينم عما في داخل القلب، فالرجل الذي في قلبه غلٌ يظهر ذلك على وجهه، والرجل الحسن السمح على وجهه السماحة، وهذا مصداق قوله تعالى : (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ]سورة يوسف: 36[، ومصداق هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها فأداها)، وهنا تكمن حكمة الداعية في معرفة الناس واختلافاتهم وإنزالهم منازلهم، وهذا ما فعله الرسول في موقعة حنين عند تقسيم الغنائم، أعطى رجالاً من قريش المئة من الإبل، الذين أسلموا حديثاً، فبعض الأنصار قالوا: وا عجباً لم يشاركوا في الموقعة ويأخذوا من الغنائم. فانظر كيف عالج الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - الأمر، ) قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ قالوا : بل الله ورسوله آمن وأفضل . قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل . قال : " أما والله لو شئتم لقلتم . فلصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك ، وعائلا فأغنيناك . أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في رحالكم فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.) هذه هي حكمة الداعية وكيف تعامل مع الأنصار.
والداعية له برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فقد لقي في دعوته ما لقي من كافة أنواع الصدود والتكذيب من قومه وأهله، وبيوسف عليه السلام في الرؤيا التي سمعها من الذَيْنِ استفتياه، فأنت أيها الداعية يجب أن تضع نصب عينيك الحكمة والموعظة الحسنة، عندما تدخل إلى محاضرة أو درس أو موعظة أن تجد أناساً غير مهتمين أو لا مبالين أو لديهم أسئلة كثيرة، فيجب أن تصبر عليهم وتتألفهم وتتودد إليهم، أيضاً يوسف بدأ فاتراً في دعوته ثم بدأ يشتد، أي أن نبرته بدأت تعلو، وهذا من الحكمة في الدعوة فلو أنك بدأت بشدة من البداية أغلقت القلوب، ويقول العلماء: في الدعوة تبدأ بالبديهي الموافق للفطرة السوية، ثم تترقي حتى تصل إلى مرحلة ضرب الأمثال، وأنت لا تدري كيف تفتح القلوب ربَّ كلمة غيرت مسار حياة شخص.
يقول الشيخ : وهذه قصة سمعتها من أحد الدعاة، راقصة شابة، تمر في الشارع ذاهبة للملهى، عطشت وعلى باب المسجد يوجد سبيل، فعرجت لشرب الماء، فسمعت كلمتين من الداعية، فكتبت ورقة وأرسلتها للداعية داخل المسجد تشرح قصتها وتريد أن تتحجب وتود لقاء الداعية، فخرج الداعية فوجد امرأة متبرجة. فقال لها الداعية: ما قصتك؟ فقالت: أريد التوبة ولي ستة عشر صديقة يردن التوبة. فقال لها الداعية: اتصلي بي الساعة العاشرة.
فلو عدنا إلى الجالسين لسماع المحاضرة هل استفادوا؟ هل تجنبوا المعاصي؟ هذه الراقصة استفادت من كلمتين سمعتهما، ورُب جالس لحضور المحاضرة لم يستفد كلمة واحدة، لا تقول: أن العاصي يعصي الله وهو يريد، هل كل العصاة على درجة واحدة من العصيان؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : يا حصين كم تعبد اليوم إلها ؟ قال : سبعة : ستا في الأرض وواحدا في السماء ، قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك ، قال : فلما أسلم حصين قال : يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني فقال : قل : اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي . فالدعوة تحتاج إلى الرفق واللين والخوف على الذين تدعوهم والحرص عليهم، من أن يدخلوا النار، والتدرج في دعوة الناس.
أريد أن أتوقف قليلاً على حاجة الداعية إلى مسألة معرفة المصالح والمفاسد، كلما اتسع علم الإنسان كلما زادت معرفته بكيفية التعامل مع الناس، وهناك قضية حدثت مع أمير التتار غازان، أبوه توران شاه كان كافر، وهو من سلالة جنكيزخان، فلما دخل إلى بغداد وملك أغلب الممالك الإسلامية أعلن إسلامه، وتزوج بامرأة مسلمة، لكنه تزوج امرأة أبيه خاتون، وكان لأبيه أكثر من امرأة لكنه كان يحب خاتون فتزوجها، فتصور أن تكون أنت المفتي ووجدت غازان متلبس بهذا الأمر ماذا تفعل ماذا تقول له؟، تقول له: حرام أم حلال، الزواج من امرأة الأب معروف أنه من المحرمات، فأحدهم قال له: هذا لا يجوز، فهمَّ غازان أن يخرج من الإسلام، قال له: أحد المفتين لا أمسِكْها لقد كان أباك كافراً والعقد فاسداً، فاعقد عليها عقداً وادخل بها.
الشوكاني رحمه الله يقول: رضي الله عن هذا المفتي. فقال: لو أن تحت هذا الرجل ألف امرأة من سفاح لا يهم لأن كل الممالك الإسلامية تحت يده، ولو خرج هذا من الإسلام سيتضرر بخروجه المسلمين.(8/166)
وهذه قضية أخرى وقع بها شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله، وحكاها ابن القيم في مطلع الجزء الثالث من كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) قال: خرج شيخ الإسلام قدس الله روحه مع بعض تلاميذه بعد صلاة الفجر، فوجد بعض التتار سكارى يشربون الخمر. فقال: أحد تلاميذه للتتار لعنكم الله أتشربون الخمر وقد حرمها الله. فقال له: شيخ الإسلام ابن تيميه دعهم يشربوها، إنهم إن أفاقوا خربوا البلاد وقتلوا العباد. صحيح أن شربهم للخمر مفسدة ولكن الرجل الفطن إذا عرضت عليه مفسدتين فليختار أخفهما، كما لو عرضت عليه مصلحتين فليختار أفضلهما.
إذاً مسألة المصالح والمفاسد تقدر برصيد الداعية من التجربة مع العلم، مثلاً هل يجوز أن تقترض مالاً من رجلٍ أن تعلم أنه يتاجر بالحرام أو رجل مرابي؟ باديَ الرأي لا، ولكن الذي عليه جماهير العلماء يجوز.
الداعية يجب أن يحبب نفسه إلى من يدعوه، ويتعامل معهم كأنه يعرفهم من سنوات عديدة، ويبعث فيهم الإحساس بأنه قريب منهم يعيش معهم، فهل بعد ذلك إذا قدم لهم شيئاً يردوه؟ أبداً بل سيأخذون منه أي شيء يقدمه لهم، ولذلك يصفون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: من نظر إليه من بعد هابه، ومن خالطه أحبه، تحس أن عليه وقار وهيبة غير متبذل ولكن عندما تقترب منه تجد أنه ينبوع من الحنان. وهذا هو الداعية الناجح، وهذا ما كان يتحلى به شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله، وقد بكوا عليه كثيراً وأحبوه، لأنه كان نصير الفقراء وكان يحبهم ويرعاهم ويسهر على خدمتهم،
ومن يفعلِ الخيرَ لا يُعدم جوازيهُ... ... ولا يضيعُ العرفُ بينَ اللهِ والناسِ
إذاً يجب أن يفعل الداعية الخير حتى مع أعدائه ليصبح له رصيد عند المدعوين، ويعطيهم الشيء الذي يناسب عقولهم، ولا يدخلهم في الخلاف، ولكنه ينقلهم حسب وعيهم وتفكيرهم، مرتبة مرتبة، حتى يوصلهم إلى أعلى درجات العلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
============
المرأة بين الحلال والحرام
اسم المحاضر : الشيخ سلطان بن حمد العويد
المرأة بين الحلال والحرام
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله استهل الشيخ محاضرته فقال:
أيها الإخوة والأخوات هناك قضايا خطيرة تطرح اليوم من قبل المفسدين من أعداء الله جل وعلا ومن المنافقين ومن الجهلة ومن المغرر بهم وممن يظنون أنهم لا بد أن يتكلموا و يكتبوا في كل شيء ومن أصحاب الشهوات الذين يريدون أن يميلوا بالناس ميلا عظيما ومن بعض أصحاب النوايا الطيبة الذين يقتحمون أشياء لا يحسنونها ,هذه القضايا الخطيرة التي تطرح اليوم حول قضية المرأة بإنها كالرجل وهذه المسائل تزداد ويتوسع الناس في طرحها وفى الجرأة في التحليل والتحريم ، الحديث الآن عن الرياضة وأهميتها للمرأة، لباس المرأة حدوده و ضوابطه هل له حدود؟.. أو أن هذه الحدود أتى بها المتشددون ليضيقوا صدور النساء - كما يطرح بعض أصحاب الفكر المارق-؟
بطاقة المرأة ... كثير من الناس لا يعرف ما معنى بطاقة المرأة؟ أن يكون لها بطاقة مستقلة فيها صورتها ، يظنون أن القضية والخلاف في الصورة والتصوير فقط، ويغفلون عن الهدف الأبعد وهو أن تستقل المرأة تماما، ولها أن تفعل ما تشاء وتكون في انفصال تام عن الرجل الذي كلفه الله تبارك وتعالى للقيام عليها، حفظا لها وكرامة وصيانة لها ، والذي يتابع ما يكتب وما ينشر يتعجب من كثرة ما ينشر والجرأة التي يتمتع بها هؤلاء.
المرأة المسلمة ما موقفها من هذه الأشياء؟
هي امرأة مؤمنة مسلمة تخاف الله تبارك وتعالى، وحديثنا سيتركز عن المرأة المسلمة التي تعرف معنى إسلامها، أما النساء اللاتي يعبدن الغرب ويرين في الشريعة أنها تقيدهم، وأنها ترجع بهم إلى عصور الظلام، فهؤلاء النسوة ليس الحديث معهن هذا اليوم ، نحن نتحدث مع امرأة مؤمنة ولو خالفت ولو ارتكبت بعض المحظورات هي مؤمنه بالله جل وعلا، لا بد لها أمام هذه التحديات أن تتسلح بأشياء: العلم، والاطلاع، ومعرفة الحلال والحرام.
القواعد الشرعية في الحل والحرمة التي دل عليها الكتاب والسنة:
القاعدة الأولى:
الأصل في الأشياء الإباحة بمعنى التي ليست عبادات { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ{ ]سورة الأعراف:32[ }هُو الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً{ ] سورة البقرة:29[ الله - تبارك وتعالى - بَيَّن الحلال والحرام وقد نبه في ذلك شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - حين قال: الأصل في العبادات المنع إلا لنص ، والأصل في العادات الإباحة إلا لنص، وهذه قاعدة عظيمة جدا من حفظها وفقه ما تشتمل عليه يستطيع أن يميز الأشياء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (ما احل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو) .
القاعدة الثانية:
أن التحريم والتحليل حق لله وحده، ليس لأحد من البشر لا عالم ولا غير عالم التحليل والتحريم قال تعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } ] سورة التوبة: 31[ ومعلوم سؤال عدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -عن هذه الآية وأن الأحبار والرهبان لم يتخذوا من أنفسهم آلهة تعبد لكن يحرمون ويحللون فقال - صلى الله عليه وسلم -: (فتلك عبادتهم).
القاعدة الثالثة:(8/167)
أن تحريم الحلال وتحليل الحرام قرين الشرك والأمر خطير يقول الله تبارك وتعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ]سورة الأعراف: 33[ حتى بعض أهل العلم قالوا أن أصل الفساد في الدين هو القول على الله بغير علم.
القاعدة الرابعة:
أن الحلال فيه ما يغنى عن الحرام ,وينبغي على النساء أن ينتبهن إلي هذه القضية، الآن أكثر الأسئلة من النساء في التحليل والتحريم عن أحكام الزينة، و أحكام الموضة، وأحكام كبيرة جدا. ينبغي على المرأة المسلمة أن تعلم أن الله جل وعلا لم يحرم عليها شيئا تتعلق به حاجتها ، فالله جل وعلا هو العليم الحكيم.
القاعدة الخامسة:
التحريم سببه أن هذه المحرمات تضر أو إنها خبيثة ، وهذه قاعدة عامة، أي شيء يضر الأصل أنه محرم، وأي شيء خبيث الأصل أنه محرم والله تبارك وتعالى قال:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } ] سورة الأعراف: 157[.
القاعدة السادسة:
أن التحايل على الحرام حرام. الإنسان بدل أن يرتكب الحرام صراحة يلتوي ويذهب إلى طريق أخر يوصل به إلى الحرام، هذه طريقة اليهود. بل إن بعض أهل العلم قالوا: أن الذي يتحايل على الحرام يأثم من جهتين، من جهة وقوعه في الحرام ،ومن جهة أيضا احتياله على الله جل وعلا وهذا لاشك أنه استخفاف برب العالمين.
والأمثلة كثيرة جدا على سبيل المثال: بالنسبة للمرأة الآن العباءة اسمها عباءة وهي للستر، فهي إذا وضعت هذه العباءة السوداء على جسمها ظنت أنها متسترة وتجهل أو يجهل بعض الأخوات أن بعض العباءات لو ما لبستها أصلا لكان الأمر أخف و أقول هذا بصراحة بعض العباءات في تركها تكون الفتنة أقل، هذه حيلة الشيطان يزين للمرأة أن هذه عباءة.
القاعدة السابعة:
كل ما أدى إلي الحرام فهو حرام ، ومنه جاءت قاعدة سد الذريعة التي لا يحبها كثير من العصرانيين، و نحن نقول: إن الذي يبالغ ويقول ويحرم على الناس ما أحل الله لهم حجة سد الذريعة كلام مرفوض، فلو قال أحد: أن المرأة لا يجوز لها أبدا أن تخرج من البيت؛ لأن الآن هذا الزمان زمن فتنة ولا يجوز لها مطلقا أن تخرج من البيت. نقول هذا كلام مرفوض، المرأة عليها أن تخرج، فلقد خرجت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد، ولها أن تخرج في زيارة أقاربها........ إلى آخره ، فسد الذرائع له حدود من الشريعة، لكن الذي ينكر أن سد الذرائع جاءت به الشريعة هذا يفتح بابًا خطيرا. هناك محرمات أصلا ما حرمت إلا بسد الذرائع كالنظر، لماذا حرم الله النظر إلى النساء؟ و قال للمؤمنين:{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } ] سورة النور: 30[هل النظر في حد ذاته مفسده؟.. لأنه يؤدى إلي مفاسد، ولذلك حرم من باب تحريم الوسيلة ولقد ذكره الإمام ابن القيم بشيء من التفصيل.
الخلوة : الخلوة في حد ذاتها قد لا تكون مفسدة، لكنها تفضي إلى حرام فحرمها الله. نصوص الاختلاط مثلا، وأشياء كثيرة إنما كان سبب تحريمها هو سد الذريعة ولذلك ما أدى إلى حرام فهو حرام .
القاعدة الثامنة:
أن النية الحسنة لا تحلل الحرام ، وينتج عن هذا أن الغاية لا تبرر الوسيلة. في وسائل الإعلام يأتي شخص ويقول: أن المرأة يجوز أن تخرج سافرة في وسائل الإعلام من أجل دعوة بني جنسها. لماذا يا أخي تفتي بهذا؟ ما الذي حملك على أن تفتي بهذه القضية؟ أينقصنا فتن حتى تأتي بهذه الفتوة؟ قال: نعم، الحاجة تبرر.
الحاجة إلى وجود الداعية في التلفاز، فتخرج امرأة سافرة ينظر إليها العالم، ولا ينظر إليها عدد معين في مسجد، بل الملايين ينظرون إليها لماذا؟ أهذه غاية تبرر وسيلة محرمة في الأصل، أين الفقه؟! .
القاعدة التاسعة:
قاعدة اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام، وهى قاعدة مهمة سأتطرق إليها - إن شاء الله- .
القاعدة العاشرة:
أن الحرام يحرم على الجميع ما يستثنى أحدا ،عندنا في دين الله الشريعة تطبق على الجميع، ومعروف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعت يدها إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه).
الشريعة هنا تطبق على الجميع، وليس عندنا تمييز في أحكام الشريعة .
القاعدة الحادية عشر:
الضرورات تبيح المحظورات وهذه قاعدة تحتاج إلى تفصيل، لكن أشير إليها إشارة؛ لأن بعض المحرمات يحتاج المسلم أحيانا إلى الوقوع فيها مضطرا، فالله تبارك وتعالى يرفع الحرج عنه لأن الشريعة جاءت لرفع الحرج، والله تبارك وتعالى يقول:{إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ]سورة الأنعام : 119[
ما موقف الناس من أحكام الله جل وعلا حلا وحرما؟
الحالة الأولى:
المُسلم المسَلّم لربه يقول سمعنا وأطعنا :{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } ]سورة النور:51-52[ .
الحالة الثانية:(8/168)
حال المنافق والمتصف بصفات المنافق، لكنه لم يكن منافقًا خالصًا لأن بعض المسلمين عندهم من صفات المنافقين، ولكنهم ليسوا منافقين، لكنهم يتبعون أهواءهم وشهواتهم رجالا ونساء. إذا جاء الشرع يوافق الهوى رحبوا به فأخذوه، ليس لأنه شرع الله. لا، لأنه موافق للهوى والمصلحة وإذا جاء مخالفا لأهواءهم وشهواتهم ورغباتهم أعرضوا وجاءوا بالأعذار.
ومنهم من إذا طرحت المسالة قال: إن المسألة أصلها فيها خلاف، مجرد أن يذكر أن المسالة فيها خلاف هذا يكفى للتنصل من كل الأحكام، ومنهم من يقول: إذا قيل هذه المسألة دلَّ دليل على أنها حرام هذا التحريم يحسنه هؤلاء المشايخ المتشددون.
وبعضهم يقول: الفتوى تتغير بتغير الزمان نحن لا ننكر هذا. أن بعض الفتوات تتغير بتغير الزمان لكن من الذي يغيرها؟ صحفي، أو مقدم برنامج في إذاعة، أو قناة فضائية، من الذي يقول أن الفتوى تحتاج أن تتغير؟ هم أهل العلم.
طبعا هؤلاء الذين لا يقبلون الأحكام وعلى رأسهم العلمانيون والمنافقون، الله تبارك وتعالى ذكرهم في القرآن في قوله:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} ]سورة النور: 48-49[.
أضرب مثالا معاصرا فيما يتعلق بقضية المرأة، يحسبون أن المرأة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تضمد الجراح، وتصلي في المسجد، وتطوف مع الرجال، وترعى الغنم، هذه الأمثلة التي يعرفوها ويعرضون عن الأحاديث الصريحة التي خرجت مخرج التوجيه للأمة صريحة جدا، وهناك آيات صريحة مثل آيه القرار في البيت، ماذا يقولون تجاهها؟ الله تبارك وتعالى يقول:{ َقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ] سورة الأحزاب: 33[.
المقصود أن المرأة المسلمة التي تريد النجاة بنفسها في الدنيا والآخرة ليس لها إلا الإذعان والتسليم والرضى بأحكام الله جل وعلا، ليس شرطا للانقياد إلى الحكم أمرا كان أو نهيا.
ماذا تعنى كلمة حرام ؟
كلمة حرام بالذات: التحريم الشرعي رحمة من الله عز وجل بعباده، لكن أكثر الناس لا يعلمون، الشريعة أصلا قائمة على رفع الحرج وعلى التخفيف. الله جل وعلا يقول:{ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}]سورة النساء: 28[.
بعض المحرمات يظهر للجميع سبب تحريمها، مثل: القتل والزنا والظلم وأكل أموال الناس بالباطل والسرقة.......... إلى أخره.
وبعض المحرمات لا يظهر لبعض الناس الحكمة منها، وقد يخفى على بعض الناس بالفعل لماذا هي محرمة؛ لأن الأمر يحتاج إلي بصيرة وإلى علم.
ما موقف الناس وما موقف كثير من النساء اليوم من مسالة التحريم ومن كلمة حرام؟
مع الأسف الشديد كثير من النساء المسلمات صرن يعرضن عن تعلم الأحكام الشرعية، لا تسأل ولا تريد أن تحضر حلقة فقهية لماذا؟ لأنها تشعر بصدام كبير بين الواقع والأحكام.
مثلا تسمع أن العباءة المطرزة اللافتة للنظر الضيقة المخصرة لا تجوز فتلتفت إلي بنات جنسها تجد أن كثيرات منهن يلبسن هذه العباءة، يحصل عندها صدمه تقول: لن أسأل؛ لأن الكلام في واد والتطبيق في واد آخر هذه الأعراض بحد ذاتها انتصار للشيطان، نعم انتصار للشيطان على هذه المرأة.
استقام في أذهان كثير من المسلمين والمسلمات أن كلمة حرام تعنى تشددا فساروا ينفرون من كلمة حرام.
كلمة حرام هذه منفرة، فيجب أن يعلم أن تحريم الحلال من أعظم الذنوب، مثلما أن تحليل الحرام أيضا من أعظم الذنوب، فالأمران كلاهما محرم فلا يجوز أن نحرم ما أحل الله ولا يجوز أن نحلل ما حرم الله فالأمر سواء .
هناك ممارسات أيضا قد تسبب الابتعاد عن شرع الله ومنها المحرمات، وأحيانا بعض الممارسات من بعض أهل الخير تسبب هذا الأمر، طبعا النية طيبة ولكن الأسلوب والوسيلة يحتاجان إلى مراجعة.
وقفة مع النوازل:
النوازل: هي المسائل التي تستجد وتقع ولم يكن لها سابق. يعنى لا تجد للسابقين من العلماء في كتب الفقه القديمة أقوال فيها، مثل: الرموش الاصطناعية. نعم، قد تجد وصل الشعر لكن الرموش الاصطناعية جديدة، العدسات الملونة، قصات الشعر الجديدة، الموضة، يعنى أمور كثيرة جدا مستجدة تحتاج إلى فتوى. وفي الحقيقة أحبذ ألا يفتى في النوازل إلا مجامع وهيئات، ولا يتفرد بالفتوى فيها شخص، ولو كان أهلا للفتوى، ولو كان عالما، لكن لا مانع من أن يفتي المتمكنون من أهل العلم. فالشيخ أو المفتي متصور للمسألة على وضعها كما هي، كما أنه يشتهر بالعلم والورع والتقوى، وعدم التسرع، معروف في الانضباط، ليس عنده تسيب، ولا تشدد، ولا تسرع ،أيضا ولا عجلة في الفتوى، ويكون عنده ورع وتقوى.
إذا اختلف العلماء في مسالة من المسائل ما موقف المسلم من هذه المسائل؟
الآن المسائل تختلف، مثلا: البنطال الواسع قد يجيزه بعض أهل العلم، ويحرمه بعضهم. صبغ الحواجب يكثر السؤال عنه، كذلك كثير من أحكام الزينة.
إن من مداعي هذه الشريعة التيسير والسماحة وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا وأبو موسى الأشعري عليهم رضوان الله حين بعثهما إلى اليمن قال: ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا).(8/169)
والله تبارك قال :{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } ] سورة المائدة: 6[ المشكلة أن مسالة التشدد أو التيسير مسألة نسبية، قد يرى فلان أن فلانا متشدد من وجهة نظره، لا يقيس بالمقاييس الشرعية، و أفهام العلماء تختلف ، ومن الناس من يصل به التيسير بزعمه إلى التساهل وربما التلاعب بدين الله عز وجل فيتسرع بالفتوى، فقد يذهب إلى تحليل ما حرم الله بغير دليل، ومنهم من يغلب عليه التشدد والمنع فيميل دائما إلى المنع والحذر ويضيق على الناس ما وسعه الله، وكل ذلك يرى أنه من الورع والاحتياط والزهد....... إلى أخره.
و الإنسان يضطرب بالفعل يحتار يطيع من ويعصى من؟ لاشك أن المطلوب هو التيسير و النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما لكن بشرط كثير من الناس يحفظون الحديث ولا يكملونه (ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما) ،المطلوب هو التيسير لكن الموافق للشرع المعتمد على الأدلة أي الاعتدال لا إفراط ولا تفريط.
وبناء على هذا فكلما زاد علم المفتي بالأدلة والآثار مع حسن الفهم ووجود الورع فهو أولى وهذه قاعدة عامة.
=============
دعاة لا أدعياء
اسم المحاضر: الشيخ / أبو إسحاق الحويني.
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله استهل الشيخ محاضرته فقال:
من يهدي الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ]سورة آل عمران: 102 [، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ]سورة النساء: 1 [، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
صنفان لا يخلو منهما زمان (دعاة وأدعياء)، وهذان الصنفان متخاصمان، أما الدعي فهو جاهل يلبس ثوب العالم، وليس أضر على أهل الأرض من هذا الصنف، قال بعض السلف: يهلك الأديان نصف عالم، ويهلك الأبدان نصف طبيب. وهذان الصنفان متنازعان، وهذا ظاهر في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، قال - صلى الله عليه وسلم -: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا . فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا . فهل له من توبة ؟ فقال : لا . فقتله . فكمل به مائة . ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم . فقال : إنه قتل مائة نفس . فهل له من توبة ؟ فقال : نعم . ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا . فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم . ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت . فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله . وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط . فأتاه ملك في صورة آدمي . فجعلوه بينهم . فقال : قيسوا ما بين الأرضين . فإلى أيتهما كان أدنى ، فهو له . فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد . فقبضته ملائكة الرحمة .)، رواه مسلم في صحيحه. من هذا الحديث نجد أن الراهب الأول جاهل وذلك ظاهر في متن الحديث والراهب الثاني عالم وذلك جليٌّ في متن الحديث قال له: نعم ومن يحجب عنك باب التوبة، وقد كان الراهب الأول ضحية للسانه لأنه لا يعلم، والراهب الثاني راهب عالم ناصح حيث قال للرجل: اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن فيها قومٌ يعملون الصالحات فالحق بهم واخرج من هذا البلد الذي لا يعينك على الصلاح والاستقامة.
للدعوة طريقان:
الحكمة والموعظة الحسنة:
الطريق الأول : الحكمة
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ]سورة النحل: 125 [، فحدد الدعوة بهذين الطريقين وبالجدال الحسن في حال الحاجة إليه، والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، ونقيض الحكمة هو الظلم، والحكمة تكون قولاً وفعلاً، وهذا السبيل الذي اتبعه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في دعوته مع أصحابه رضوان الله عليهم.
من الواجب عليك أن لا تُسمع المدعو ما تكره أذناه، من المفترض أن يكون الداعية طبيباً ناصحاً، يكاد يموت حسرة على المخالف وذلك شفقةً به وخوفاً عليه، لإخراجه من الظلمات إلى النور، والترفق به لتحمله على الطاعة لله سبحانه وتعالى، وهكذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) ]سورة الكهف: 6[، باخع يعني: قاتل نفسك حزناً وألماً عليهم.(8/170)
هكذا يجب أن يكون الدعاة لا الأدعياء، فالداعية الحق: هو الذي يعلم أن الجماهير محتاجة إلى الوعظ والإرشاد، بسبب الجهل المخيم على الناس في بلاد المسلمين، ولأن الناس لا يستطيعون التمييز بين الدعاة والأدعياء وهنا تكمن الخطورة، ففي نظر الناس كل من لبس عمامة وجبة وأرخى لحيته أصبح داعية عالماً، فما بالك في داعية يبني وعشرة أدعياء يهدمون.
وما دام أن المجتمع جاهلاً بأحكام الشريعة فالداعية يجب أن ينطلق بداية للتعليم لا للتعنيف، كما فعل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابي الذي بال في المسجد، وفي كثير من المواقف التي حدثت في عهد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع بعض أهل البادية الذين أسلموا نتيجة الرفق واللطف واللين الذي عاملهم به نبي الرحمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - :كنا قد نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القرآن، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل العاقل من البادية فيسأل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب. إذاً فالنهي عن السؤال كان مختصا بالملاصقين للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أما بالنسبة لأهل البادية فهم مسموح لهم السؤال وهذا مما أشار إليه أنس - رضي الله عنه - حيث يستمعون لما يقوله النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لمن يسأله من أهل البادية وذلك للفائدة.
ونضرب هنا مثلين:
المثال الأول : للحكمة، بعض المؤذنين بعد الفراغ من الأذان، يبدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويزيد في ذلك كثيراً، فإذا قلت له: لماذا تصلي على النبي بعد الأذان؟ قال لك: يمنعوننا من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويبدأ بالتشنيع بك والهمز واللمز، لكن إذا أردت الحكمة فيجب أن تفوت عليه ذلك، فلتبدأ من أهمية الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الذي يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبه، والذي يسمع باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يصلي عليه، ثم تذكر المحاذير التي في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتذكر هدي السلف الصالح في ذلك وأنه لم يرد عنهم ذلك أبداً، وتذكر لهم حديث بن عمر- رضي الله عنه - فقد صح عنه أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله . قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال.
المثال الآخر : أننا في البلاد الإسلامية مبتلون في كثرة القباب الإسلامية في المساجد التي فيها القبور، وأن الناس يطلبون من أصحاب هذه القبور ويتركون الله سبحانه وتعالى، ولو أن الطلب من أهل القبور جائزاً لما عدل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما انحبس المطر، قال: اللهم إننا كنا إذا حبس عنا المطر نتوسل إليك بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا، وإنا نتوسل إليك الآن بعم نبينا. فلو كان التوسل بقبر النبي بعد موته مشروعاً لما ذهب عمر - رضي الله عنه - إلى العباس وطلب منه أن يستسقي لهم، ولو كان الذهاب إلى القبر مشروعاً لما عدل عنه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وترك الفاضل وذهب إلى المفضول، وحديث أنس - رضي الله عنه - في الصحيحين أن رجلاً أعرابياً جاء، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب الجمعة ووقف على باب المسجد وقال: (يا رسول الله هلك الزرع والضرع ونفقت الماشية فادعو الله أن يسقينا. قال أنس: فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت السماء مثل الزجاجة صافية ما فيها قزعة واحدة. قال: فتكاثر الغمام فما نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا والمطر يتحدر من لحيته، فلما كانت الجمعة التي تلتها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذ جاء نفس هذا الأعرابي فقال: يا رسول الله، هلك الزرع والضرع ونفقت الماشية فادعو الله أن يحبس عنا الماء. فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أشهد أني عبدالله ورسوله، اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الضراب والآكام والشجر)، وهذا الأعرابي فهمها؛ فلو أنه يجوز التوسل بميت أو غائب لجلس في مكانه وسأل الله بحق رسوله وانتهى الأمر، لكن الأمر ليس كذلك، وهكذا فعل عمر بن الخطاب عندما طلب من العباس أن يدعو دعاء الاستسقاء، وكانت هناك مواضيع أختلف فيها بين المسلمين فلم يذهب أحد إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ليطلب منه أن يدعو لهم الله ليحل الخلاف.
فلا يجوز أن يوجد قبر من هذه القبور في أي مسجد من المساجد، ولكن إذا أردت أن تبلغ الناس بأن هذا غير جائز ، سيقول لك الناس: إنكم تكرهون أولياء الله ولا تحبونهم، فكيف السبيل إلى إخراج الناس من هذا الشرك وهذه الجاهلية العمياء؟ العمل في هذه الحالة عمل محاضرة في كرامات الأولياء وفضلهم، وفضل آل البيت ومحبتهم، وأن من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات كرامات الأولياء، ثم تذكر بعض المحاذير حول معنى الكرامة ومعنى الولاية، في هذه الحالة تكون قد أوضحت للناس ما هي الكرامة، وما هي محاذيرها الشرعية وتكون قد دخلت إلى قلوب هؤلاء الناس، فيستمعون منك ويصغون إليك.
الطريق الثاني :الموعظة الحسنة.(8/171)
وإنما وصفها الله بالموعظة الحسنة ؛ لأن الكثير من الناس يحتاجونها وهي استثارة القلب لعمل الخير، والوعظ من أجل المهن والصناعات، ولم يكن يعمل بها إلا العلماء، ثم خست هذه الصناعة وبدأ يعمل بها عالي الصوت الذين يصرخون، كان الذين يعظون قديماً من أمثال بن مسعود، والحسن البصري، وسفيان الثوري، هؤلاء هم الذين كانوا ينبرون للموعظة؛ لأن الذي يعظ يجب أن يستثير القلب بذكر نعم الله تعالى، فإذا كان العبد نبيلاً جليلاً أثر فيه الوعظ، والموعظة لا بد أن تكون حسنة بأن تتحبب إلى قلوب الناس.
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الزاهد يعظ الناس بترك الدنيا، وقد فطم الناس على حب الدنيا فيصعب عليهم تركها فلا يتبعونه، إنما العالم يحبب الناس في الله، فيسهل عليهم ترك الدنيا)، من تمام حسن الوعظ أن لا تلقي التهم جزافاً على قلوب الناس، ومن حسن الوعظ أيضاً عدم استخدام كاف الخطاب وتاء الخطاب، بل الأفضل استخدام ضمير الغائب.
أما بالنسبة للجدل فالأصل فيه الوصول إلى الحق وإظهاره، خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه البدع، قال ابن خزيمة في كتاب المناقب للشافعي، كلمات ما نعلم أحداً قالها قبله ولا بعده، قال الشافعي : (ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطىء، بل ورجوت أن يظهر الله الحق على لسانه، وما ناظرت أحداً على الغلبة، وما قبل أحداً الحجة إلا عظم في عيني وهبته، وما ردَّ أحد الحجة إلا سقط من عيني، ووددت أن هذا العلم لي ولا ينسب إليَّ منه حرف واحد)، والمجادلة: هي أن تلزم المخالف قبول الحق والإذعان له، ولو ظهرت من كلمة من الحق على لسان المجادل يجب أن تثني عليه، أما إذا كان المجادل عنيداً وعنيفاً وممارياً، وكل همه أن يطمس وجودك، فلا يذكر لك حسنة ويلصق بك كل تهمة، فيجب أن تسلك معه عدة مسالك:
1. ... أن لا تنشغل إلا بالحق الذي تعرضه، وتجعل همك الحق الذي تقصده، وتشغل نفسك بالموضوع الذي عقدت من أجله المناظرة، وتعرض عما سواه الذي لا يخدم الموضوع الأساسي كما في مناظرة موسى عليه السلام مع فرعون وكما ورد في قصة الغلام والراهب والساحر والملك.
2. ... فهم أصول المناظرة، ومعرفة تفاصيلها، وطبيعتها ومن يحضرها من الناس وعددهم، فمن يناظر في مسجد صغير لا يسمعه إلا القليل ليس كمن يناظر في جامع كبير وسط المدينة.
3. ... معرفة مذهب خصمك ودراسة مذهبه بشكل دقيق لتتمكن من الرد عليه من مذهبه.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==============
دور المرأة في بناء المجتمع.
اسم المحاضر : فضيلة الشيخ/ سفر الحوالي .
بعد الحمد والثناء على الله بما هو أهله استهل الشيخ محاضرته فقال:
قضية المرأة:
إن مما يجب علينا أن نعلمه: أن أعداء الله يخططون ليل نهار للقضاء على هذا الدين، ويسعون لإطفاء نور الله بأفواههم، ويجتهدون ويدأبون من أجل أن يبذروا في هذه الأمة بذور الشر والخلاف والفرقة؛ ليبعدوها عن الصراط المستقيم، وليمزقوها وليدمروا فيها القلوب والعقول؛ لكي تصبح الأمة الإسلامية أمةً ذليلةً منقادةً لشهواتها، فيقودونها كما تقاد الدابة من شهواتها إلى ما يريدون، وكما خطط لها الأعداء المتربصون بالإنسانية جميعاً. هذه قضية يجب أن نعلمها، وأن نعدَّ العدة لنقاوم هؤلاء الأعداء، ونعلم مداخلهم التي منها يدخلون إلى مجتمعنا ليخربوه. إن موضوع المرأة لمن أعظم ما ينبغي أن نعلمه وأن نعرفه.
قضية المرأة بين الماضي والحاضر:
كانت القضية المتعلقة بالمرأة فيما مضى من العصور، قضية آداب وأخلاق وحياء، وهي قضية من قضايا الإيمان الواجب؛ يتحدثون من أجل الآداب والأخلاق في المجتمع المسلم، لكي لا تنتهك ولتبقى متماسكة. ولكن الذي حصل في هذا الزمان، أن القضية لم تعد بهذه المثابة فحسب، وإنما هي قضية دين أو لا دين، بمعنى: هل نتبع القرآن كلام الله عز وجل ونتبع هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، أم نتبع ما عليه اليهود والنصارى، ونقول: إن ما جاء به القرآن قد عفا عليه الزمن ومضى وانتهى؟
فالقضية ليست قضية خلل في الأعمال، إنما هي خلل في أصل الإيمان، فقضيتنا قضية إيمان وعقيدة، وإن كانت في ظاهرها قضية اجتماعية؛ فالفتاة التي تتحجب في هذا الزمن، تتحجب عن إيمان ودين واعتقاد بأنها تطيع الله عز وجل وهذا هو الحق وأن ما عداه هو الباطل، لا ينظر إليه ولا يؤبه له.
وأما التي تتهتك، أو من يكتبون دعوات التهتك والتبرج والسفور، فإنهم يقولون بلسان المقال أو بلسان الحال: إن هذا الدين قد استنفد أغراضه وقد عفا عليه الزمن، وقد ذهب إلى غير رجعة، وإنما الأمر اليوم أمر متابعة الغرب، وتقليد تلك المجتمعات المتطورة المتقدمة.
إن مما يثيرونه ويبلبلون به أفكار الشباب قولهم: إن المرأة المسلمة ممتهنة أو مظلومة أو عاطلة عن العمل، وما أشبه ذلك من الدعاوى التي نراها على صفحات الجرائد والمجلات، وفي المحافل وفي كل مكان يستطيعون فيه أن يقولوا أمثال هذا الكلام. فماذا يريدون به؟ أيريدون إنصاف المرأة؟! أيريدون أن يرفعوا عنها الحيف والخوف؟! أيريدون أن ينزلوها المنزلة التي تليق بها؟! فلننظر إلى حال المرأة في ظل هذا الدين، وإلى حالها في ظل غيره.
مكانة المرأة عبر التاريخ:(8/172)
لسنا بحاجة إلى أن نستعرض قضية المرأة عبر التاريخ، ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا كان من حق الرجل أن يبيع زوجته، وإلى هذه اللحظة لا تزال دول أوروبية معروفة إلى اليوم بأنها لا تعطي المرأة حق الانتخابات، فهي ليست محسوبة من ضمن الشعب الذي يحق له أن ينتخب، وإلى هذه اللحظة لا تملك المرأة أن تستقل باسمها، وإنما بمجرد أن تتزوج أي زوج فإنها تصبح تابعة له بالاسم، وفي كثير من الدول لا يحق للمرأة أن تتملك شيئاً أبداً، فضلاً عن أنهم كانوا على حال أشد من ذلك فيما هو ثابت في نظرياتهم الفلسفية منذ عهد اليونان، فقد كان فلاسفة اليونان يكتبون -وكتاباتهم موجودة إلى اليوم- ويتساءلون هل المرأة إنسان أم لا؟! وهل للمرأة روح أم ليس لها روح؟! أما رهبان الكنيسة فحدث ولا حرج، فقد كانوا يرون أنها شيطان رجيم، وأنها منبع الخطيئة، ومصدر الشر، وأن من خطرت في قلبه صورة امرأة أو تعلق بها أو اشتهاها، فإنه قد يطرد من ملكوت الله؛ لأنه بذلك يفكر في الدنس والخطيئة.
إن الميل من الذكر إلى الأنثى أمر طبيعي في بني الإنسان، لكن هذا الميل عند الغربيين يأخذ شكلاً آخر، وهو الشكل المحرم والممنوع والمحظور والمدنس حتى وإن حصل عليه؛ ولذلك فإن الأمم الأخرى -جميعاً- وليس المسلمون فقط، إذا احتاج الواحد منهم إلى الزواج تزوج، فإذا تزوج شعر أنه قضى وطره وانتهى الأمر، إلا الغربيين من النصارى أو من اتبعهم من رهبان البوذيين؛ لأنهم ينظرون إليها نظرة الدنس والاحتقار والخطيئة، فحتى وإن تزوج، فإنه كان يُنْظَر إليه -في العصور الوسطى على الأقل- أنه اقترف الدون، وفعل غير الصواب الذي هو أقل درجة، وإن لم ينظر إليه على أنه أخطأ خطأً محضاً، لكنه لم يأت بالأولى والأفضل.
من المعلوم أن الغرب لم ينظم حياته وفق القوانين الحديثة إلا بعد أن وضع أول قانون في أوروبا في القرن التاسع عشر عام (1804م)، وهو قانون نابليون، ثم بعد ذلك أخذت بقية الدول تشرع القوانين وتضع الأنظمة.
وفي ذلك الوقت وضعت وشرعت القوانين التي تنظر إلى المرأة نظرة إجحاف وكأنها من سقط المتاع، إلا أن أولئك الهدامين أخذوا ينشرون هذه الأفكار بغرض إثارة المجتمع بعضه على بعض، لغرض التجارة المحرمة؛ لأن كثيراً منهم كانوا يتاجرون في هذه المتع المحرمة، ولا سيما اليهود، وهذا أمر معروف عنهم إلى اليوم، فهم ملوك البغاء في الأرض فيهمهم أن يتاجروا بجسد المرأة، فإن كانت المرأة يهودية، فإنهم يحتسبون ذلك لها، كما احتسبوه لإستير تلك التي جعلوا لها سفراً في التوراة، وذلك عندما أسر اليهود إلى بابل، في بلاد الفرس، فأقامت تلك الداعرة الفاجرة العلاقة مع ملك الفرس، واستطاعت أن تحرر شعبها بتلك العلاقة نتيجة إغرائها لملك الفرس بحمالها، وسطَّروا ذلك في التوراة، وجعلوا لها سفراً فيها، ويقولون: إن كانت المرأة يهودية وخدمت مصالح اليهود ولو بعرضها فهذا يحتسب لها، وإن كانت نصرانية أو أممية من الأمميين، فهؤلاء كالحيوان بل أحط من ذلك، فلا نظر ولا اعتبار لأعراضهم ولا لما هو مقدس عندهم.
قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة}[النحل:97] جعل الله تبارك وتعالى الحياة الطيبة -وهي الحياة في الدنيا- لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى، فالرجل والمرأة كل منهما مكلف بعبادة الله، ومأمور بطاعة الله، ومسئول بين يدي الله , فهذه المرأة التي كانت في الجاهلية توأد، وكانت تباع في بلاد الروم والإغريق ولا قيمة لها، فيأتي هذا الدين فيجعلها في تلك المنزلة، فجعل منهن النساء العالمات، كأمهات المؤمنين -رضي الله تعالى عنهن- وكأولئك الصحابيات، والنساء الطاهرات، الذي لم يشهد تأريخ الإنسانية أمثالهن في الطهارة والعفة.
دعاة تحرير المرأة:
لما نقل دعاة تحرير المرأة هذه القضية إلينا لم ينقلوها على أنها قضية مظلوم يُنتَصَرُ له، بل نقلت على أنها قضية امرأة مقابل رجل، وقضية ذكر مقابل أنثى؛ وهكذا استطاعوا أن يمزقوا المجتمع وأن يوجدوا هذه الفرقة بينه ليتمزق، فأي مكان للرجل فيه موضع قدم قيل: وأين مكان المرأة؟! وقيل للمرأة: وأين دورك؟! وأي مكان للمرأة، يقال للرجل: لماذا يترك المكان للنساء فقط؟ وهكذا حتى تتناحر المجتمعات، والمجتمعات الغربية من المعلوم أنها مجتمعات متفككة لا روابط فيها، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة تطرد من بيت أهلها، وتعيش كما تشاء وأينما تشاء مع من تشاء، وكذلك الحال مع الشاب من الذكور، ومن هنا فإن كل جماعة وفئة في المجتمع تحتاج إلى تكتل تنظم تحت لوائه لتنتصر إذا ظلمت من قبل الآخرين، ولذا نجد العمال لهم تكتلات مقابل أصحاب رءوس الأموال، والطلاب لهم تكتلات مقابل الجامعات، النساء أيضاً لابد أن يتكتلن وإلا ضِعْنَ، فتتكتل النساء ويجتمعن وينشئن الجمعيات.(8/173)
لأن المرأة إن لم تكن في جمعية فلن تجد من يطالب بحقها؛ لأنها ستكون ضائعة في حكم القانون!! فلا بد أن تتكتل، ومن هنا تكونت الحركات والجمعيات النسائية وما أشبه ذلك. وجاءوا إلينا في بلاد الإسلام وهي البلاد التي لا تعرف هذه الفرقة والتي يجب فيها على المجتمع ككل ألا تضيع فيه امرأة، ولا طفل، ولا إنسان، فإن لم يكن لها أب أو أخ يحميها، فلا بد أن يتولى القاضي الوصايةَ عليها، أو يقيمَ وصياً عليها أو يزوجها أو ينفق عليها أو يحفظها في دور للرعاية، فهي مصونة مكفولة، ويكفي أن تذهب إلى القاضي، وتقول: إنني لا عائل ولا محرم لي، وعندئذٍ تصبح في كفالة ولي الأمر، وحق عليه أن يفعل ذلك.
وهذا لا يوجد -أصلاً- في أي نظام من الأنظمة، فمثلاً: الشيوعية تحاول أن تدعي شيئاً من ذلك، ولكن لا وجود له. أما المجتمعات الإسلامية فإن الرجل قد لا يبالي لو ضاع منه عشرة أبناء، ولكن لو فقدت منه ابنته يوماً واحداً، لاسوَّدت الدنيا في عينيه ولكأنها قامت القيامة. ثم يؤتى إلى هذا المجتمع ويقال للمرأة فيه: تكتلي أيتها المرأة، طالبي بحقك، اخرجي، لماذا الرجال لديهم المناصب والجامعات؟! لماذا لديهم الوظائف الفلانية؟! فأصبحت القضية قضية رجل وامرأة.
الأسئلة :
س/ما هو دورنا نحن الشباب في إيجاد المرأة المسلمة التي تقوم بدورها في بناء المجتمع؟
جـ/ دور الشباب أن يتزوجوا الفتاة الصالحة، ويكوِّنوا الأسرة الصالحة، وأن يقوموا بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في بيوتهم، وفي حدود ما يستطيعون من إيصال الحق إلى المرأة.
وقد هيأ الله لنا من وسائل إيصال الحق إلى كل بيت ما لم يكن فيما مضى، فلنجعل للمرأة جزءاً من اهتماماتنا وندعوهن إلى الله بالوسائل الشرعية المعروفة، وفي حدود ما نستطيع من هذه الوسائل.
س/ هل كشف الوجه واليدين في المرأة من الحجاب الإسلامي؟
جـ/ إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما شرع هذا الدين -وبالذات الأحكام والآداب- من أجل الطهارة، والتزكية للنفوس والقلوب. فما هو الشيء الذي يتغزل فيه الشعراء ويتغنى به المجَّان من المرأة؟ أهو وجهها أم أقدامها؟!
في صحيح البخاري: (خرجت أم المؤمنين سودة في الليل لقضاء حاجتها، فرآها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد نزول الحجاب فقال: قد عرفناك يا سودة، فانكفأت وانصرفت رضي الله عنها ولم تقض حاجتها، وجاءت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده عرق من اللحم يتعشى، فسألته عن ذلك: فتغشى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرحضاء، فلما أفاق منه قال: إن الله قد أذن لكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن).
ومن تأمل كيفية فهم الصحابة للحجاب، يجد أن الصحابة كانوا يظنون أن الحجاب معناه ألا تُعرف المرأة أبداً ولو من بعيد، فأذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تخرج المرأة لحاجتها وإن عرفت، فليس الغرض أن تعرف أو لا تعرف، والتفسير الصحيح لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] هو أن المرأة إذا كانت نحيفة، فقد تكون جميلة في عيون بعض الناس، لكنها لا تستطيع أن تخفي ضعفها إذا خرجت لضرورة، وأما إذا كانت سمينة -وبعض الناس والعرب عموماً يعجبهم أن تكون المرأة سمينة- فإنه مهما تحجبت يظهر أنها سمينة فتفتن، فهذا مما ظهر منها، ولا تملك أن تخفي سمنها، فهذا الذي عفي عنه للمرأة.
والمقصود: أن الصحابة فهموا من الحجاب ألا تُعرف المرأة، فلو أن المرأة لا تغطي وجهها، هل يحتاج أن يقال عرفناك؟! لو قيل ذلك لاعتبر من العبث في القول، لأن الإنسان إنما يعرف بوجهه، وهذا أحد الأدلة، بالإضافة إلى أن معنى الخمار نفسه في لغة العرب: هو ما كان مرادفاً للنصيف وهو ما خمر وستر وغطى، والنصيف في لغة العرب، ما يغطي النصف الأعلى من الجسم، كما جاء في الحديث الصحيح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصف الحور العين: (نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما عليها). فمن ناحية الأدلة الشرعية، ومن حيث الوضع والعرف المشاهد والحس، ومن حيث اللغة نجد أنه لا بد أن تغطي المرأة وجهها وكفيها.
س/نريد منكم أن توضحوا مقولة: (النساء ناقصات عقل ودين)؟
جـ/ لقد وضحه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {أما نقصان عقلها فلأن شهادة المرأتين كشهادة الرجل} كما قال تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة:282] فهذا هو نقصان عقلها، وأما نقصان دينها بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: {فإنها إذا حاضت لم تصم ولم تصل} فهذا نقصان دينها وذاك نقصان عقلها، ولا حاجة لتفسير أحد من الناس بعد تفسيره- صلى الله عليه وسلم - .
س/ كيف ننصح الذين يبيعون المجلات التي تحتوي مقدمتها على صور نساء خليعة؟
جـ/ ننصحهم كما ننصح غيرهم، فهذا من أعظم المنكر؛ لأنه منكر ظاهر، و واجبنا أن نبين لصاحب البقالة أو المكتبة أو المحل الذي يبيع هذه المجلات أخطارها وأضرارها وأن بيعها حرام، ولا سيما المجلات المتخصصة في هذا الشأن، فلا شك في حرمتها لأن غرضها المتاجرة بالشهوات -فقط- وأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا , كذلك نبين للمشتري إذا رأيناه يشتري أو من رأيناه قد اشترى، أو من نتوقع أن يشتريها، نبين له خطرها وضررها، وكذلك الأفلام وكل ما أشبهها من وسائل الفساد.
س/ لماذا تأخذ المرأة نصف الرجل في الإرث؟(8/174)
ج/ إن كان يراد من جهة السؤال سؤال الله عز وجل عن ذلك، فإن هذا حكم أنزله الله، والله تعالى {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23] ولا أظن أحداً منكم يقصد ذلك، لكن لا بد أن نوضح ونعلم أن الله لا يسأل لماذا على سبيل معرفة السبب أو المحاجة أو المعاندة لله عز وجل، فلا اعتراض على أمر الله، ولكن هل في ذلك حكمة نتلمسها ؟ نقول: نعم، الحكمة ظاهرة وجلية. فالرجل يجب عليه أن ينفق على المرأة لأن الرجل قوَّام، كما قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[النساء:34] فهو القوَّام وهو المنفق، وإن لم ينفق على أخته، أخذ الثلثين وأخذت الثلث، لأنه سيتزوج وينفق على أسرته من الثلثين، وهي إن تزوجت فسيأتي من ينفق عليها وعندها الثلث، فهذا هذا هو غاية العدل.
س/ رأينا كثيراً من النساء في الأسواق متبرجات، فما دور المسلم تجاه ذلك؟
جـ/ يجب علينا أن نقوم بواجبنا، وكذلك على ولي الأمر -المسئول من الهيئة أو غيرها- أن يقوم بواجبه وهو الردع، وكذلك على أصحاب المحلات أن يقوموا بواجبهم، وأن يتقوا الله عز وجل فلا يفتحوا المجال لهؤلاء النساء، فلا بد أن يحاصر كل منكر ينتشر في المجتمع من جميع الجهات، فلا تكفي جهة واحدة، ولا يكفي أن تقف الهيئة في السوق فتمنع المتبرجات، والبيوت تقذف بهن إلى الخارج، بل يجب أن يمنعن من البيوت ويمنعن في الأسواق.
س/ ما هي الطريقة المثلى التي يستطيع بها الشاب المسلم منع المشاهد المعروضة في التلفزيون، والتي تسبب فساد المرأة؟
جـ/ إن التربية الإسلامية لا تقوم في الأصل على المنع، وإنما تكون التربية على الإيمان، وتزكية النفس بالإيمان، فالرجل إذا زكى أسرته بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورغبهم في الآخرة، وبين لهم حكم من يعصي الله؛ وكيف يكون شقاؤه في الدنيا وعذابه في الآخرة، وجَعلَهم دعاةً وهداةً، يعلمون قيمة الطاعة وثمرتها وفضلها، وشر وسوء عاقبة المعصية، فحينئذ لا نحتاج إلى المنع إلا في حالات معينة، فأول أساس نبدأ به هو التزكية والإصلاح.
=============
كيف تدعو فرداً.
اسم المحاضر: للشيخ / سعد البريك.
كيف تدعو فرداً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعدُ... فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى فهي سبيل النجاة لذوي القلوب السليمة، معاشر الأخوة لا يخفى عليكم أن دعوة عباد الله من أجل الأعمال وأفضل القربات، وهي وظيفة الرسل والأنبياء والعلماء، وميراث الدعاة إلى الله لدعوة عباد الله إلى طاعة الله، أيها الأحبة الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى النور، دعوة إلى العلم ودحر الجهل، دعوة إلى الاجتماع ونبذ الفرقة، دعوة إلى العمل، دعوة للتعاون وهجر للأثرة والأنانية.
قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ]سورة فصلت: 33[، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ]سورة النحل: 125 [، وفي هذا دعوة صريحة إلى طاعة الله والدعوة إليه، وتقدمت الحكمة لأن فيها العلم والطريقة المناسبة والوقت المناسب، والحكمة هي فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، وهي وضع الأمر في موضعه ونصابه، واختيار العلم لا يغني عن الوسيلة، واختيار الحكمة لا يغني عن العلم، وكل أمر من الأمور لا بد من صحة الوسيلة والنية، قال شيخ الإسلام بن تيمية: (كل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة المقاصد وصحة الوسائل، وإن صحة الوسائل لا تغني عن صلاح المقاصد وإن صلاح المقاصد لا يغني عن صحة الوسائل)، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -،: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة).
فالدعوة لها فضل عظيم ومنزلة عالية، وهي أمر مهم وجليل، وواجب الدعوة واجبان :واجب ولي الأمر، ومن عينه ولي الأمر مسئولاً متابعاً منظماً معداً لأمر الله، وواجب آخر يتعلق بكل فرد ذكرٍ أو أنثى ، يقول تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ]سورة التوبة: 71[ ، وهذا الوجوب يصل إلى سائر الأمة حكاماً ومحكومين، فكل مسلم ومسلمة مسئولون أمام الله عن الدعوة إلى الله تعالى، وسنتكلم عن وسيلة واحدة من وسائل الدعوة إلى الله نوصيكم بها وهي:
الدعوة الفردية:(8/175)
إن الدعوة الفردية مهمة جداً وأن الرجال العلماء الأفذاذ كانت دعوتهم فردية، تلقوها من عالم تربوا في حلقته أو درسه، فالدعوة الفردية لها منفعة عظيمة، وهذا ليس تقليلاً من الدعوة بالوسائل الأخرى، ولكن يجب أن يكون لكل واحد أسلوب في الدعوة الفردية، وهي دعوة لمخاطبة العاطفة والفكر، دعوة لمخاطبة العقل، ولذلك كان الاقتداء من أجل طرق التأثير في الدعوة، يقول تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) ]سورة الأحزاب: 21[.
هذه صورة من صور الدعوة الفردية، ترى شاباً منحرفاً وترى في نفسك القدرة بإذن الله على التأثير عليه، أو شاب آخر فيه علامات الخير، فتبدأ بالتعرف عليه أولاً وكسب محبته ثانياً، لأنك لا تستطيع التأثير على أحد يبغضك، ما دام بينك وبين الشخص حواجز فلن تستطيع أن تكسب قلبه، والطريق سهلة بهدية برسالة بمناسبة بدعوة بأي وسيلة مشروعة، اعقد العزم على مرافقة ذلك الشخص لفترة مناسبة، مرافقةَ ملازمةٍ ومحبةٍ في الله ولله، خذه معك لمحاضرة تبادل معه الزيارة، زوده بالكتب والوسائل التي تراها مناسبة له، وترسم معه منهجاً لك وله لحضور دروس في الفقه والعقيدة والحديث وحفظ القرآن، واجعل هذا الرجل قضيتك لهذا العام، فلو اجتهد عشرة في هذا العام سيصبح في العام القادم عشرون، وهكذا وهذا لا يغني عن دعوة الإمام أو المحاضر الذين يحضر لديه الآلاف، ولكن بعض الناس تتأثر لفترة، ثم تنسى تلك الخطبة أو المحاضرة.
إن الشريط والكتاب له أثر بالغ، والشريط يخاطب حاسة السمع والكتاب يخاطب العقل عن طريق البصر، والدعوة الفردية تخاطب السمع والبصر وتخاطب كل الجوارح؛ لذا كان لزاماً أن يتحمل كل واحد منا وكل من ينسب إلى هذه الأمة، دوراً مهماً في الدعوة، لا تكتفي برسالة تعطيها لصاحبك، أو شريط توزعه في مناسبة، أو كتاب تسلمه لشخص بيده، بل إنا نسألكم ونسأل كل من يعدون أنفسهم مستقيمين، أو ممن يعنيهم أمر الدعوة، أو من يهتمون بأمر الإسلام والمسلمين، لكل هؤلاء نقول أين الجهود في الدعوة الفردية، فالدعوة تلزم على كل قادر أن يجعل له تلاميذ، يتعاهدهم كما يتعاهد الزارع زراعته، لا تنقطع عنهم في الأسبوع تحج معهم تحضر معه المحاضرات ودروس العلم، وتصلي معهم التراويح وتقوم معهم الليل، تعتمر معهم توليهم جل اهتمامك ورعايتك.
إن التربية الحقيقية هي ثمرة من ثمار الدعوة الفردية، الكلمات العامة في المناسبات العامة تخاطب خطاباً عاماً وخطاباً خاصاً، ولكنها لا تحيط بحياة المدعو، فالذي يسمعك الآن عندما يعود إلى منزله سيرى ويسمع ويشاهد نقيض كل ما تكلمت به الآن، أما الدعوة الفردية بجانب الوسائل المباركة فهي تأثير على الوجدان، تأثير على الفكر، الذي يتحكم في الحواس والجوارح، تأثير على المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، نسأل الشباب والشابات والرجال والنساء، والشباب خاصة لأنهم أدرى وأحرى، على اختيار هذه الوسيلة وتطبيقها، وهل أعد كل واحد منهم فرداً أو فردين ليكونا هدفه في هذا الموسم، يهتم بهم يساعدهم على قضاء حوائجهم، وفي نهاية السنة سنجد أثراً مباركاً مركباً في المجتمع، وفي كل سنة نجد صوراً مركزة مشرقة في صلاح الأمة.
وكل هذا لا يغني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يقلل أو يغني من الدعوة بالأساليب الجماعية، ونعيد هنا التركيز على أهمية أن يتولى الشباب أمور هذه الدعوة الفردية، وأن يبحثوا عن أفراد يذهبون معهم إلى الدروس والخطب والمحاضرات والعمرة والحج والسفر، وهنيئاً لك يوم القيامة، عندما تقف بين يدي الله عز وجل، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ستجد صيامك وصيام هذا الفرد الذي أثرت عليه في موازين أعمالك الصالحة، ستجد كل عمل للأفراد الذين أثرت عليهم في موازين أعمالك الصالحة، وستجد في نهاية كل سنة لك ميزانية من الأعمال التي تقوم بها في هذا المجال من الدعوة الفردية.
فيا شباب أمتنا ويا رجال أمتنا عليكم بالدعوة الفردية إلى الله، وهذا الخطاب يخص المرأة كما يخص الرجل، فللمرأة أن تؤثر على صاحبتها في استضافتها لها في بيتها، وحضورها للمحاضرة والدرس، فبدلا من ذهاب المرأة إلى السوق خمسة أيام في الأسبوع وإلى حديقة الحيوان يومين أو ثلاثة والملاهي مثل ذلك، فلو أن هذه الأيام قضيت في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو حضور الدروس الدينية الخاصة بالنساء، وكل واحد يهتم بواحد أو اثنين في الدعوة والمدارسة والمذاكرة، فستكون بإذن الله دعوة مباركة نافعة.
إن وظيفة الأنبياء هي دعوة الناس لعبادة الله، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ]سورة الأنبياء: 25[، وليعلم كثير من الشباب أنه ما ضرهم أن يعرف الكثير أو القليل، عن أخطاء الحكام والحكومات، ولن يضره أن يجهل الكثير أو القليل عن المخالفات في أي مجال من المجالات المتعلقة بفلان أو علان، والذي سينفعه بإذن الله اشتغاله بالدعوة و أن يشتغل بطاعة الله بأن يُعبد الله على بصيرة، وتطبيق أوامر الله، ومن المؤسف أن ترى من الدعوة في المجالس اشتغال بأخطاء فلان وزلاته، والمؤسسة الفلانية والهيئة الفلانية إلى ما هناك من الأسماء والألقاب.(8/176)
لكن لو شغلت نفسك بدعوة الناس إلى طاعة الله، ستجد ذلك في موازين أعمالك يوم القيامة، كثير من الناس يظن أن الدعوة اشتغال بأخطاء الناس والحكومات والمؤسسات وليس هذا بصحيح، الدعوة تطويع الناس لله وتعبيدهم له، الدعوة تسخير النعم في طاعة الله جل وعلا، والدعوة الفردية هي دعوة إلى التربية ودعوة إلى التقوى والمراقبة والمحاسبة.
أسأل الله أن يسددنا وإياكم لكل ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..........
==============
حاجة الدعاة للعلم الشرعي.
اسم المحاضر: الشيخ / أبو إسحاق الحويني.
من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله....
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن أعظم شيء يورث باتفاق أهل الأرض هو العلم، قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -، : (إن الأنبياء لم يرثوا ديناراً ولا درهماً و إنما ورَّثوا العلم)، والمقصود بالعلم هو العلم الشرعي الذي يقرب العبد من ربه جل وعلا، وهذا ما ذكره البخاري رحمه الله في بداية كتابه العلم، في صحيح البخاري، حيث قال: (العلم قبل القول والعمل)، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ). سورة محمد: 19، إذ تقدم العلم قبل العمل، وقد حض النبي - صلى الله عليه وسلم -، على طلب العلم فقال: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، فتحصيل العلم هو أفضل ما يتنافس به المتنافسون، والذي يبحث عن العلم الذي يقربه من الله تعالى، رجل عالي الهمة لا يرضى بالدون، لكن طلب العلم يحتاج توفر الصفات التي جمعها بعض العلماء بقوله:
أخي لن تنالَ العلمَ إلا بستةٍ
... ... سأنبيكَ عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ وافتقارٌ وغربةٌ
... ... وتلقينُ أستاذٍ وطولُ زمانِ
وطالب العلم إذا وضع هذه الصفات نصبَ عينيه وصل، كل إنسان يريد أن يصل إلى العلم ولكن الكثير هم الذين لا يعرفون الطريق إلى هذا العلم، وحديث بن مسعود دليلاً على ذلك، عندما كانوا يسبحون بالحصى ونهاهم عن ذلك فقالوا والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير، فقال: وكم من مريد للخير لا يبلغه، وهنا نلقي بعض الضوء على هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم:
1. ... الذكاء:
وهذا أمر بديهي لأن العلم لا يسلم قياده لبليد، والعلم واسع جداً ليس له قرار، والشيء الذي يموت الإنسان وهو مدين به هو الجهل، من الممكن أن يصبح الإنسان من أغنى الناس، أو أعظم الناس سلطاناً وجاهاً، لكن كل إنسان يموت وهو مدينٌ بجهله، والإمام بن جرير الطبري وهو المفسر المشهور وصاحب التاريخ المشهور وله مذهب وقد اندثر كان يطلق عليه المذهب الجريري. قد بلغ به الحفظ أنه كان يحفظ الآلاف المؤلفة من الحديث والمتون، حتى قال لأصحابه يوماً تنشطون لكتابة التفسير، فقالوا: في كم ورقة يكون ذلك قال: في ثلاثين ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى دونه الأعمار، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماتت الهمم! وكل ذلك من حفظه! فأملاه في ثلاثة آلاف ورقة، وكذلك قال لهم عن تاريخ البشرية من آدم حتى يومهم، في مثل ما قاله في التفسير، هذا الإمام مع سعة علمه لما دخل عليه بعض أصحابه وهو يحتضر فتذاكر في مسألة من الفرائض، فدعا بقرطاس ودواةٍ وقلم ليدون ذلك، فقال له أصحابه: أفي هذا الحال؟ فقال: أموت وأنا عالمٌ بها خير من أن أموت وأنا جاهلٌ بها.
والإمام مالك رحمه الله تعالى على الرغم من سعة علمه، سمع من بعض المفتين حول السنة في تخليل البراجم، وسمع حديث بهذا المعنى، فقال ما سمعت به إلا اللحظة، إذاً فالعلم ليس له قعر، لا بد من إنسان ذكي يبدأ بصغار العلم وينتقل إلى كباره، ومعرفة التوحيد حتى يتجنب الشرك، ويبدأ بما يجب عليه عيناً، فمثلاً رجل لا يعرف كيف يجود كتاب الله عز وجل، يبدأ بمصطلح الحديث! أو أصول الفقه، فهذا رجلاً ليس ذكياً، وهو يهدرُ كثيراً من وقته بلا فائدة.
2. ... الحرص:
ويجب أن يحرص طالب العلم أكثر ما يحرص على وقته، ومن علامة حسن التحصيل الحرص على الوقت، وكان العلماء من أكثر الناس حرصاً على الوقت، وأذكر أن بن عقيل الحنبلي قال في كتاب الفنون، وهذا الكتاب في ثمان مئة مجلد، طبع منه مجلدان، كان هذا الرجل مثل كل الرجال له زوجة وله أولاد، وكان يعلم الطلاب ولديه مشاكله الخاصة، كيف تسنى له أن يكتب مثل هذه المجلدات، يقول: (إنني أقصر بجهدي أوقات أكلي حتى أنني أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ)، ويقول إذا كل سمعي عن مناظرة وبصري عن مطالعة، استطرحت وأعملت فكري فلا أقوم إلا وقد خطر لي ما أسطِّره.(8/177)
ابن الجوزي يقول ما معناه: أن كثير من الناس يأتي ويقول أنني مشتاق أي يأتي للزيارة، فأعددت لذلك الوقت عمل الدفاتر، وبري الأقلام، وقطع الورق، وكثير من العلماء لم يكونوا يضيعون من أوقاتهم أي شيء، وكان أولئك العلماء موسوعيون كالبحار لا تكدرهم الدلاء، كذلك ابن تيمية رحمه الله لو قرأت في كتبه لن تكلَّ ولن تملَّ، حتى قال ابن القيم: لقد رأيت منه شيئاً عجيباً، يكتب في ليلة ما ينسخه الناسخ في جمعة.
طالب العلم يجب أن لا يضيع وقته في الدعوة حتى يتمكن من العلم وبعدها المجال لديه مفتوح، يضل يدعو حتى نهاية عمره فما معناه أن لا يستعجل بالدعوة وهو طالب، فلينتظر حتى التمكن والإلمام.
3. ... الافتقار:
مهما حصلت من العلم لا تظن نفسك على شيء، تظن أنك محتاج بصفة دائمة إلى غيرك، أول ما تشعر بأنك استغنيت عن الآخرين فقد خسرت كثيراً، وترى كبر الناس على بعضهم البعض سببه عدم الافتقار، والمشايخ يذعنون لتلاميذهم، قال يونس بن عبدالأعلى رحمه الله: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة فاختلفنا، فجائني بيتي وطرق بابي ودخل، فأمسك بيدي وقال: يا أبا محمد ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة، وهذا يعني أنه إذا اختلفت معك يجب أن لاتنتهي بيننا كل مواطن الالتقاء والاتفاق. الإمام الترمذي روى في سننه، أن أبا هريرة - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (توضئوا مما مست النار)، فاعترض بن عباس - رضي الله عنهم - عليه وقال: أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالاً، يا أبا هريرة أفلا نتوضأ من الماء الساخن؟ فقبض أبا هريرة - رضي الله عنهم - فملأ كفه بحصى وقال: اشهد عدد هذا الحصى أنني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (توضئوا مما مست النار). يا بن أخي إذا حدثتك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً فلا تضرب له الأمثال، فما علمنا أن أبا هريرة قد خاصم بن عباس وهناك مسائل أخرى اختلفوا فيها، تجمعهم أخوة الإيمان، لذلك افتقار طالب العلم مسألة مهمة جداً، يجب أن يشعر أنه ما وصل إلى شيء.
والإمام البخاري حدث عن تلميذه الترمذي، وحتى أن الترمذي كان يقول أن البخاري أخذ عني، وما أجمل ما قاله سفيان الثوري رحمه الله: (لا ينبلُ الرجلُ حتى يكتب عمن فوقه وعمن مثله وعمن دونه)؛ لأن في ذلك نوع من النبل.
4. ... الغربة: ولها معنيان:
المعنى الأول المشهور (الرحلة في طلب العلم)، تترك أهلك ودارك وبلدك لطلب العلم، وقد اشتهر بذلك علماء الحديث، صحيح البخاري على سبيل المثال فيه (2500) ألفان وخمس مئة حديث ويزيد قليلاً بدون المكرر، كم عانى الإمام البخاري في جمع هذه الأحاديث؟! كم رحل وكم طاف في البلاد؟! كم تعب في تصنيف هذا الكتاب؟! كان يحفظ ما يقارب (300.000) ثلاث مئة ألف حديث، لقد صنف صحيحه في سبعة عشر سنة وجمعه من كل الأمصار، دخل مرة بغداد، فسمع رجلاً آخا رجلاً آخر من أهل بغداد يقول: إن البخاري لا يحسن أن يصلي، فذهب إلى البخاري وأخبره بما سمع، فقال لو شئت لسردت لك عشرة آلاف حديث في الصلاة قبل أن أقوم من مجلسي.
فهل لدينا هذه الهمة ونحن نملك كل الوسائل التي تيسر لنا الوصول إلى الذي نريده، لدينا المراجع والمخطوطات وكتب العلماء ولكن خسة الهمة هي التي تمنعنا من ذلك.
المعنى الثاني (أن لا تأنس بالناس)، ترى هؤلاء الذين يتكالبون على غير الذي تحب فإنهم ليسوا على شيء، ما يكون لك منهم صديق، بل أصدقاؤك هم طلاب العلم، فتشعر أنك غريب في بلد لا يطلب أهله العلم.
5. ... تلقين أستاذٍ:
وهذه مهمة جداً مسألة البحث عن الشيوخ وطلب العلم على أيديهم، الأخذ من الكتب ضرره وبيل، الأخذ على المشايخ يعطيك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: أنه يقصر لك العمر، كتاب تقرأه في شهر، يلخصه لك شيخ في درس واحد أو درسين.
الفائدة الثانية: أنه يسدد لك الفهم؛ لأن كتب العلم دخل فيها الكثير من التصحيف، ولذلك لا بد من وجود شيخ تفهم منه المراد من هذه المسألة أو تلك، ابن عباس كان له صاحبان واحد كنيته أبو جمرة، والثاني كنيته أبو حمزة، فلو أزيلت النقطة من الاسمين كيف يمكن التفريق بينهما، وعندما كانوا يكتبون أبو حمزة يضعون فوقها حور عين، كل ذلك من أجل الضبط لئلا يقع التصحيف، حمزة الزيات من القرآء السبعة يقال: أنه قرأ القرآن لوحده وكان يقرأ في أحد المرات بداية البقرة فقال: (الم ذلك الكتاب لا زيت فيه). فسمعه أبوه فقال له: اذهب واطلب العلم على الشيوخ، ولذلك سمي بالزيات.(8/178)
الفائدة الثالثة: أنه يعطيك الأدب، أفضل ما يستفيده طالب العلم من الشيوخ أنه يتأدب ولا يتجرأ على العلماء والشيوخ لأنه يعرف مقدار عملهم وتعبهم، ولذلك تجد أن الذين يطلبوا العلم من الكتب أجرأ الناس على العلماء في الشتم والسب والقذف؛ لأنهم لم يتلقوا العلم من العلماء، كان العلماء يهتمون في تأديب طلاب العلم يقسون عليهم قسوة شديدة، قد تصل إلى حد لا يستطيع أن يتحمله أحد، ومنهم الإمام سليمان بن مهران الأعمش، روى الخطيب البغدادي، أن أصحاب الحديث كانوا يهجمون على الأعمش لأنه ثقة والرواية عنه شرف، فكان الكل يتهافت عليه، فأراد أن يؤدبهم ويطردهم من البيت فاشترى كلباً شرساً ووضعه بالباب، بمجرد سماع أصوات أقدامهم قريباً من البيت يطلق عليهم الكلب، وفي كل يوم كانوا يأتون ويطردهم الكلب، وفي يوم من الأيام اقتربوا من البيت وهم على حذر فما خرج الكلب، فهجموا ودخلوا عليه البيت فلما أحس بهم الأعمش بكى، قالوا: ما يبكيك يا أبا محمد فقال: (قد مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر) أي مات الكلب.
هل كان هؤلاء يظنون بالأحاديث عن طلاب العلم أو يبخلون عليهم أو يشحون، أبداً ولكن كانوا يؤدبونهم ويربونهم، لم تكن القسوة على طلاب العلم من أجل القسوة ذاتها ولذلك خرج الطلاب من عندهم بأدب جم، ولله در مجاهد رحمه الله لما قال: (لا يتعلم اثنان مستحيٍ ومتكبر). ولله در الإمام أحمد كان يدعو للشافعي في كل سجدة أربعين عاماً فسأله ابنه من هذا وليس جهلاً منه ولكن ليتعرف من أبيه فقال له رحمه الله: (يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن فهل عنها عوض؟!). قال الشافعي رحمه الله: عندما قرأت الموطأ على مالك كنت أقلب الصفحات بهدوء كي لا أؤذي سمعه.
6. ... طول زمانٍ:
طول الزمان مهم جداً في العلم ليس أي واحد درس شهر أو سنة أصبح عالماً، لا يمكن أن يلم الإنسان بالعلم مهما كان زمان وجوده على هذه الأرض، فمثلاً علم الحديث لا يسلم قياده لأحد لأنه صعبٌ جداً لا بد من العمر الطويل وملكة الحفظ، انظر إلى العلماء في أيامهم الأخيرة، وانظر إليهم في أوائل أيامهم، سترى فرقاً كبيراً وواضحاً، فهذه بعض الإشارات والكلام في ذلك طويل لطالب العلم الذي يريد أن يصبح عالماً فذاً ينتفع بعلمه.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته........
==============
المرأة في ذي الحجة .
اسم المحاضر : الشيخ مازن الفريح .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. نحمده و نستعينه و نستهديه ونستغفره ونعود بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
تهب علينا بعد قليل أيام مباركات تكثر فيها الحسنات وتقال فيها العثرات وترفع فيها الدرجات ، ولله فيها عتقاء من النار ، وإن من حكمة الخالق عز وجل تخصيص أماكن معينة وأزمنة بالتفضيل والتشريف على غيرها مثل : الحرم ، ومكة المكرمة ، ومن الأزمنة : ليلة القدر ، وأيام العشر الأول من ذي الحجة .
ومما ينبغي للمسلمة والمسلم الاجتهاد في الأزمنة والأماكن المفضلة ؛ ليتقرب إلى خالقه بفعل الطاعات ، والتوبة من جميع الخطيئات .
وسيكون درسنا هذا حول العناصر التالية :
العنصر الأول : المرأة المسلمة واستقبال ذي الحجة .
العنصر الثاني : المرأة المسلمة وأحكام الحج .
العنصر الثالث : خلق المرأة لمسلمة في الحج .
العنصر الرابع : تنبيهات للمرأة المسلمة في الحج .
العنصر الخامس : المرأة الحائض في ذي الحجة.
العنصر السادس : المرأة المسلمة والوقت في مناسك الحج أو في منى .
العنصر السابع : المرأة وأحكام الأضحية .
العنصر الثامن : المرأة بعد هذه الدورة الإيمانية.
العنصر الأول : المرأة المسلمة واستقبال ذي الحجة .
ينبغي للمرأة المسلمة أن تستقبل أيام عشر ذي الحجة بأمور منها :
1- التوبة النصوح : فما حرم عبد خيرا قط إلا بسبب ذنوبه ، لذا حرص السلف على استقبال هذه المواسم الشريفة بالتوبة ، وما قصر امرؤ في هذه الأيام الفاضلة إلا بذنب .
2- العزم الصادق على اغتنام هذه الأيام وحسن عمارتها ، ومن أفضل ما يبعث في النفس العزيمة على استغلال هذه الأيام ، تذكر قيمة هذه الأيام وفضيلتها وشرفها عند الله ، ويكفي في شرفها أن الله أقسم بها فقال : {وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (سورة الفجر:1-2) قال أكثر من واحد من السلف : هي العشر الأول من ذي الحجة .
ووضحت السنة هذا الفضل، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه من هذه الأيام العشر ، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء " رواه البخاري .
3- الإكثار من العمل الصالح بجميع أنواعه لحديث رسول الله السابق ذكره ، ومن هذه الأعمال :
أ- أداء الحج والعمرة .(8/179)
ب- الإكثار من الذكر، قال تعالى : {لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ َ} (سورة الحج: 27) وهي أيام العشر الأول من ذي الحجة ، ومنه التهليل والتكبير والتحميد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " ما من أيام أعظم عند الله ، و لا أحب إليه من هذه الأيام ، فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد " رواه الطبراني بإسناد جيد . وحسبنا أن التحميد والتهليل أفضل مما طلعت عليه الشمس بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خفيفة وسهلة على اللسان ، وتستطيعين أيتها الأخت الكريمة أن تقوليها في كل وقت ومكان ، في مطبخك ومع أولادك .
ج- الصلاة والإكثار منها ، لقوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (سورة طه: 14).
د- الإكثار من التكبير في أيام العشر ، وفي الحج لقوله تعالى : {لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ َ} (سورة الحج: 27) فعلى المسلمة أن تكبر الله في الأيام المعلومات والمعدودات ، وأن تكبر الله في بيتها ، ومطبخها ، وغرفتها ، وإن كانت في مجمع للنساء ولا رجال فيه فلا بأس أن ترفع بالتكبير صوتها ، فيسمعها من في المجلس فتذكرهن به ، لما فيه من إحياء للسنة فلها من الأجر بمثل من عمل بها.
مسائل متعلقة بالتكبير :
* على المرأة أن تسر بالتكبير إلا إذا كانت في مجمع من النساء ، ولا يوجد حولها رجال أجانب ، فلا بأس ترفع صوتها به .
* التكبير على نوعين :
- التكبير العام : أي في أي وقت من هذه الأيام المعلومات ، والمعدودات .
- التكبير الخاص : وهو عقب الصلوات خاصة ، ويبدأ من صلاة الفجر من يوم عرفة وينتهي بانتهاء أيام التشريق بصلاة العصر في ذلك اليوم ، و يكون عقب الصلوات الخمس .
* صيغ التكبير :
- الله أكبر ، الله أكبر ، لاإله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ( مرتين ) .
- الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لاإله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ( ثلاث مرات ) .
- الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ، وبأي صيغة كبر فقد أصاب .
4- الصيام ، فيسن أن تصوم المرأة هذه الأيام التسعة الأول من ذي الحجة لثبوت ذلك عن النبي كما هو في حديث هنيدة بنت خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان النبي يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ... " حديث صحيح ، في صحيح أبي داوود .
5- الصدقة ، ولقد كان النبي يحث النساء في مثل هذه الأيام ولا سيما عندما وعظهن في خطبة العيد فقال : " يا معشر النساء تصدقن " أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فتتأكد الصدقة .
العنصر الثاني: المرأة المسلمة وأحكام الحج :
يجب على المرأة الحاجة تعلم أحكام الحج ، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما نراه من جهل في الشعائر فهو من تسويف الناس في تعلمه رجالا ونساء .
وألخص أحكام الحج لأني أعرف أن الكثير من النساء قد يصعب عليهن كثيرا من سنن الحج وأركانه ، فسأقتصر على التمتع وهو من أفضلها لمن لم يسق الهدي .
أولا : العمرة تبدأ بإحرام عند الميقات ثم طواف ثم سعي وأخيرًا تقصيرًا والمرأة تقصر سواء بالحج أو العمرة، ويحرم عليها الحلق في الحج وغيره ، وبهذا تتم العمرة ، وبهذا تحل .
ثانيا : في اليوم الثامن يوم التروية تحرم بالحج .
ثالثا : في اليوم التاسع الوقوف بعرفة حتى الغروب .
رابعا : ليلة العيد تنفر لمزدلفة ، وتبيت حتى منتصف الليل على أقل الأحوال بالنسبة للنساء و الضعفة .
خامسا : يوم العيد ، العاشر من ذي الحجة ، تقوم بأربعة أعمال : رمي جمرة العقبة الكبرى ، الذبح ، التقصير للمرأة ، طواف الإفاضة مع سعي الحج .
سادسا : الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن يريد أن يتأخر ، عملين : المبيت بمنى ، ورمي الجمرات بعد الزوال بسبع حصيات لكل جمرة ، وبهذا تكون قد انتهت من الحج بعد طواف الوداع ، فتنهي أعمال حجها بطواف الوداع .
العنصر الثالث : خلق المرأة المسلمة في الحج :
المرأة المسلمة ذات خلق عال في الحج وغيره ، لكن في الحج أكثر التزاما ؛ لتلبسها بأعظم وأجل العبادات ، ولحرصها على أداء حجها على أفضل صورة لأن الله قال : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } (سورة البقرة : 158) لتنال الأجر العظيم الذي وعد الله به من قبل حجه ، ولكونها في بقاع طاهرة .
ومن الأخلاق الحسنة التي نؤكد عليها :
* الإخلاص وهو أساس لكل عمل يتقرب به إلى الله ، فمن حج لقضاء وقت أو للترفيه أو ليقال أنها حجت فستناله في الدنيا ، وما شاءت من أمور دنيوية ، كضحك وكلام مع صويحباتها ، ولكن يوم القيامة لن تجد عند الحق من حجتها شيئا لأنها لم تكن لله عز وجل .
* اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو ديدن كل مسلمة ومسلم حريص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال : " خذوا عني مناسككم " .
فأنت أيتها المسلمة سترين في الحج خاصة من البدع والخرافات ما يشيب له الرأس ، ابتداء باعتقاد النساء لبس ملابس معينة كالخضراء والسوداء , وانتهاء بالشركيات ، كالسجود على المقام والتمسح به وغيرها ، فالمسلمة لا تقلد غيرها في كل شيء بل تعبد الله على بصيرة وتلتزم السنة وتحذر وتناصح من وقع في البدعة
* الصبر على الأذى وكظم الغيظ ، والعفو وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة في الزحام ، ولا تتشكى لما أصابها من أذى في المناسك ، بل تحتسب الأذى وتصبر على ما أصابها .(8/180)
* حفظ اللسان من الكذب، والغيبة ، والنميمة بالآخرين ، والجدال .
* الجود والإنفاق على الفقراء والمساكين والأرامل، والمحتاجين .
* التعاون على البر والتقوى مع أخواتها في المخيم ، فعلى المرأة الاستفادة من وقتها مع الأخوات الداعيات الموجودات في الحملة ، حتى تكون لها أخوات صالحات تقضي معهن أوقات المناسك وقد تستمر العلاقة بعد رجوعها .
العنصر الرابع : تنبيهات للمرأة المسلمة في الحج :
1- من محظورات الإحرام على المرأة لبس النقاب أو البرقع والقفازين ، لكن يحرم أيضا على المرأة أن تغطي وجهها ؛ ولكن إذا مر الرجال وجب تغطية وجهها لعموم الأدلة ، وقد كانت نساء السلف إذا مر بهن الرجال سدلن خمرهن على وجوههن ، إذا جاوزهن الرجال رفعن تلك الخمر كما ورد عن عائشة ، ويكون معها غطوة أو خمار تستر بها وجهها إذا مر بها الرجال ، أما أمام النساء فيجب أن تكشف وجهها .
2- يجوز أن تغتسل وتغير ثيابها ، وإن سقط منها شعر لم يضرها .
3- يجب على المرأة أن تكون محتجبة مستترة حال الطواف ، وجهها ويديها وقدميها و جميع مواضع الزينة من بدنها ، وتبتعد عن كل ما يثير الرجال من الحلي والطيب .
4- ما تفعله بعض النساء من مزاحمة الرجال في الطواف ، والقرب من الكعبة واستلام الركن اليماني، وان اختلطت بالرجال والتصقت بهم ؛ فهذا منكر عظيم وفتنة ، فعليها أن تطوف في مكان طواف النساء ولا تزاحم الرجال ، والأعظم أن تكشف وجهها وتزاحم الرجال ، وربما تدخل رأسها في الحجر ولو بجانب رجل أجنبي مع كثرة الزحام ، فترتكب المحظور من أجل أمر مسنون قال الإمام النووي قال أصحابنا : " لا يستحب للنساء تقبيل الحجر الأسود ولا استلامه إلا عند خلو المطاف في الليل ، أو غيره لما فيه من ضررهم ، وضرر الرجال بهن " .
5- لا تركض المرأة بين العلمين ، لأن الركض مظنة لانكشاف عورتها ، وربما بدا جسدها حال ركضها ، فينبغي ألا تركض ولا ترمل في الأشواط الثلاثة .
6- شعر المرأة عورة فيجب ستره أمام الرجال الأجانب ، وما يرى منهن من إخراجه في المروة لتقص ، بل قد يقص لها صاحب المقص فهذا منكر عظيم ، ينبغي إنكاره فضلا عن الوقوع به .
7- إن أحرمت بالعمرة وحاضت قبل أن تطوف ولم تطهر حتى جاء يوم عرفة ، فإنها تحرم بالحج وتصير قارنة فتبقى على إحرامها ، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل ، فتطوف طواف الإفاضة وتسعى سعي الحج ويكون بمثابة طواف العمرة .
8- لابأس أن تنفر المرأة من مزدلفة إلى منى بعد مغيب القمر ، وكذلك من كان برفقتها من الأقوياء ، وأن ترمي الجمرة قبل الشروق أما الأقوياء فلا يرمون إلا بعد شروق الشمس .
9- بالنسبة للرمي بقية الأيام فتخرج في الأوقات التي تقل فيها الزحمة ، ومنها - وقد جربتها - بعد صلاة العشاء أو المغرب يستطيع الرجل الذهاب بمحارمه للرمي ، وبذلك نقي المرأة من كثير من الأمور المنكرة .
10- إذا حاضت المرأة قبل طواف الوداع سقط عنها طواف الوداع ، أما طواف الإفاضة فعليها الانتظار حتى تطهر وتغتسل .
11- يجوز للمرأة أن تلبس الجوربين في القدمين ، بل هو الأفضل والأستر لها ، ولا يشترط أن يكونا بلون معين ، أي لون شاءت لكن تكون ساترة غير شفافة .
12- تحرم المرأة بما شاءت من الملابس ولا يشترط لها لون معين ، لا أخضر ولا أسود ولا أبيض ، فهذا تخصيص بلا مخصص من الشرع ، ويشترط في لباسها أن يكون شرعيًا غير لا فت للنظر خاليا من الزينة .
العنصر الخامس: أحكام تتعلق بالمرأة الحائض في ذي الحجة :
* لا حرج على الحائض قراءة الأدعية المكتوبة في كتب مناسك الحج ، فلا تنقطع عن ذكر الله ، بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بأس أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب على الصحيح من أقوال أهل العلم ؛ لأنه لم يرد نص صريح في نهي الحائض والجنب عن قراءة القرآن بخلاف الجنب ، كما يجوز لها أن تقرأ في كتب الأحكام والتفاسير من باب أولى .
* لا حرج أن تحرم المرأة وهي حائض ، فلو سافرت وهي حائض ثم وصلت الميقات فلا حرج أن تحرم وهي حائض ، إنما حرم عليها أن تطوف بالبيت فقط .
* لا حرج في استعمال المرأة لحبوب منع العادة أو رفع الدم في أيام الحج ؛ لأن فيه فائدة ؛ بأن تطوف مع الناس ولا تؤخر رفقتها بشرط أن يعلم الزوج ، وأن لا يكون هناك ضرر عليها .
* يستحب أن تغتسل الحائض و النفساء عند الإحرام ، شأنها شأن المرأة الطاهرة ( أي : التي ليست بحائض ولا نفساء ) لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس لما نفست بعبد الرحمن بن أبي بكر:( اغتسلي ..) .
العنصر السادس: نصائح للأخوات في منى وبقية المناسك :
لا شك أن المرأة تعاني من وقت طويل أثناء جلوسها في منى ، من اليوم الحادي عشر وحتى الثالث عشر ، وقبل ذلك اليوم الثامن إن كانت في منى ، فينبغي أن يستغل في طاعة الله ، ونذكر ببعض النصائح :
*قضاء الوقت بالتعرف على أحكام الحج ، من خلال الدروس ولمحاضرات أو الكتب والنشرات أو سؤال أهل العلم .
* التعرف على الأخوات الصالحات معها في الحملة وتوطيد صلاتها بهن ، حتى تواصل الاجتماع بهن على طاعة الله بعد الرجوع من الحج .
* الاشتغال بالذكر ، وكذلك الدعاء ، ولا سيما في يوم عرفة كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، وعند المشعر الحرام وبعد انتهائه من رجم الجمرة الأولى والثانية .
* الاستماع لبعض الدروس والمحاضرات سواء الحية في المخيم ، أو أن يكون معها مسجل صغير وبعض الأشرطة المفيدة ، سواء في أحكام الحج وغيرها .
* المحافظة على الحجاب والحرص على عدم ظهور الوجه والقدمين واليدين .(8/181)
* الابتعاد عن الغيبة والنميمة والمراء والجدل ، لاسيما وأنت في الحرم لأن السيئة هناك أعظم من غيرها .
* الحذر من الاختلاط بالرجال في أي مكان واستغلال الأزمنة التي يقل فيها الزحام .
* الحذر من الخوض والتوسع في أمور الدنيا ، لا سيما في أيام التشريق .
* التعاون مع الأخوات على إدارة المخيم وإشاعة روح المحبة ، والحرص على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمناصحة المقصرة ، وتعليم الجاهلة والإشادة والتذكير بمكارم الأخلاق .
العنصر السابع : المرأة وأحكام الأضحية:
من الأعمال الصالحة التي يستحب للمرأة المسلمة أن تتقرب لمولا ها به وهي : ( الأضحية ) وهي سنة مؤكدة ، أو واجبة لمن قدر عليها ، على خلاف بين أهل العلم ، وينبغي للمسلم أن لا يدع هذه الشرعة مع القدرة ، وعلى المرأة أن تحث زوجها لينالوا جميعا أجر الامتثال لله عز وجل فقد قال سبحانه : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (سورة الكوثر:2) ، وفي حديث ابن عباس بسند حسن عند الترمذي وأحمد ( أقام النبي بالمدينة عشر سنين يضحي ) .
* مسائل حول الأضحية :
1- من أرادت أن تضحي عن نفسها وأهلها من شاءت من الأحياء والأموات ، وجب عليها أن تمسك عن الأخذ من شعرها وأظفارها وبشرتها ، منذ دخول العشر إلى أن تضحي : لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي ".
2- لا حرج في غسل الرأس وسائر البدن في أيام العشر ، كما يجوز للمرأة أن تمتشط وتسرح شعرها ، و لا يضرها ما تساقط لأن هذا ليس أخذا ولا بمعنى القص .
3- من أخذت أثناء العشر من شعرها ، أو أظفارها ، لأنها لم تنو أن تضحي ، ثم نوت بعد ذلك تمسك حيث نوت ولا شيء عليها .
4- الأضحية عن الميت عمل طيب لأنها نوع من الصدقة ، والصدقة تحل عن الميت وتننفعه .
5- يصح أن يضحى عن أموات عدة بأضحية واحدة يشركهم بثوابها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه وأهل بيته و أمته ، ومنهم الأحياء والأموات فدل على جوازه .
6- لا ينبغي للإنسان أن يقصر ثواب الأضحية على الميت ويحرم نفسه ثواب الله عز وجل وفضله ؛ بل يبدأ بنفسه ثم بغيره من الأحياء والأموات كما قال رسوله : " اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد " فبدأ بنفسه ثم أشرك آله , ولا شك أن من آله الأموات كحمزة .
7- من البدع التي يفعلها بعض الناس في الأضحية : أضحية الحفرة ، وهي أضحية يقدمونها في أول سنة يموت فيها الميت يسمونها أضحية الحفرة ، أو ذبيحة الحفرة ولا يشركون فيها معه غيره ، فهذه من البدع ، فعلى المرء أن يلتزم سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقوم به من العبادات .
8- أحكام الأضحية يلتزم بها صاحب الأضحية ، فمن أراد أن يضحي عن أهل بيته ، هو من تلزمه أحكام الأضحية فلا يأخذ من شعره وأظفاره دون أهل بيته ، والمرأة كذلك عليها ذلك حتى لو وكلت أباها أو أخاها وغيرهم من المحارم ، ولأن بعض النساء تريد أن تأخذ من شعرها ليلة العيد فتوكل حتى تستطيع ذلك ، وهذا غير صحيح ، فالحكم متعلق بصاحب الأضحية ( الوكيل ) وليس بالموكَّل .
9- كيف يفعل المسلم بلحم الأضاحي ؟ الأمر وسع يتصدق بثلث ويهدي ثلثا ، ويأكل ثلثا .
العنصر الثامن : المرأة بعد هذه الدورة الإيمانية:
المرأة الحاجة تكون قد عادت بعد الحج ، ومن لم تحج تكون قد صامت يوم عرفة واجتهدت في العبادات ، فيجب أن تستقيم بعد هذه الدورة وتشكر رب الخليقة على ما من به عليها من العبادات ، ويكون الشكر بعمل الطاعات والبعد عن المعاصي والعزم على البعد عن المعاصي ، ولا تلوثي صفحتك بشيء منها لأنك تأملين أن الله قد بيض صفيحتك الماضية ، والباقية من السنة فاجتهدي في نقائها .
وكذلك الإكثار من الأعمال الصالحة ولا سيما الذكر ، وكذلك الحرص على الصحبة الصالحة ولا سيما إن كان لك صويحبات غير جيدات قبل الحج ، فالتزمي الصحبة الصالحة .
بلغنا الله وإياكم هذه الأيام وأعاننا فيها على الطاعات ، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال .
==============
زاد الحجيج.
اسم المحاضر: الشيخ محمد مختار الشنقيطي.
المقدمة :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إخواني في الله: إن حج بيت الله الحرام من أعظم الفرائض التي أوجبها الله سبحانه على عباده المؤمنين، ومن رحمته لهم أن أوجبه عليهم في العمر مرة مقيداً بتوفر شروط الاستطاعة، ولذلك على المرء الحاج أن يعرف زاده في حج بيت الله الحرام، وأن يحمد الله ويشكره على توفيقه وامتنانه عليه بهذه النعمة، وأن يحرص على الالتزام بالسنة في كل المواضع والمواقف والمناسك والعبادات.
الإخلاص لله أساس زاد حجاج بيت الله الحرام:
إن الله فرض الحج إلى بيته الحرام، وجعله شعيرة من شعائر الإسلام، وركناً من أركانه الجليلة العظام، غفر به الذنوب، وستر به العيوب، وفرج الكروب، ومحا الآثام.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
يخرج من ذنوبه جميعها، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، هؤلاء هم حجاج بيت الله الحرام، طلاب عفوه ومغفرته ورحمته، وبره وإحسانه.(8/182)
وإن زاد حجاج بيت الله الحرام أساسه وروحه وقاعدته ولبه: الإخلاص لله، الذي لا يقبل الله ديناً سواه، إذا خرجت من بيتك فاخرج وليس في قلبك إلا الله، ترجو رحمة الله وتخشى عذابه، (لبيك) خالصة من قلبك، (لبيك) نقية تقية لربك، لا للسمعة والرياء، لا للمدح ولا للثناء، تتمنى أن حجك بينك وبين الله لا تراه عين، ولا تسمع به أذن، ولا يخطر على قلب بشر.
الخشوع:
الحج من أول لحظة فيه يدعو للخشوع، ويدعو للاستكانة والخضوع، فالمسلم من أول لحظة يخرج فيها من بيته تنبعث في نفسه ذكريات الآخرة، ويتحرك في قلبه ذكر لقاء الله سبحانه وتعالى، فاليوم يخرج مفارقاً لأهله وأولاده، وغداً هو غريب عنهم في سفره، وعن قريب يفارقهم بلا رجعة، وإذا قدم على الميقات فأزال ثيابه، وتجرد من لباسه لإحرامه، تذكر ساعة تنزع منها ثيابه وينزع من الدنيا فلا يعود إليها أبدًا، فلا إله إلا الله من يوم لبست فيه ثيابك وكتب الله جل جلاله ألا تنزع هذا الثوب الذي لبسته وأنه ينزع منك، فإذا تجردت لإحرامك تذكرت هذه الساعة التي تنزع فيها من أهلك وأولادك وأحبابك وجيرانك، وإذا اغتسلت تذكرت خرير الماء عليك وأنت تغسل لكفنك ولحدك، وإذا صرت في جموع المؤمنين استشعرت في كل لحظة وأنت ضيف على الله رب العالمين.
استشعار عبادة الحج في كل موطن ونسك:
من علامة الحج المبرور: أن يكون الحاج في كل حركة وفي كل سكون يستشعر هذه العبادة، يقول: (لبيك) بقلب حاضر وبلسان صادق، يستشعر معناها وما فيها من دلائل، فكأنك تقول: أنا على الإخلاص لك يا رب، وكأنك تعاهد الله على أن تكون أفعالك وأقوالك لوجهه سبحانه وتعالى، ليس فيها لأحد سواه حظ ولا نصيب.
وإذا كتب الله جل جلاله للعبد فدخل البيت الحرام فإنه يحمد الله سبحانه وتعالى أن بلغه هذا المكان، انظر إلى هذا المكان الطيب المبارك الذي شرفه الله وكرمه، واستشعر عظمة الله سبحانه وتعالى، هذا المكان الذي وطئته قدماك كان يوماً من الأيام وادياً لا أنيس فيه ولا جليس.
أمر الله تعالى الخليل أن يأتي بأهله وذريته، فجاء بامرأة ضعيفة وصبي صغير، فأمره الله وابتلاه واختبره أن يضعهما في هذا المكان، فلما أراد أن ينصرف عنهما تعلقت المرأة الضعيفة وقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟ قال: لله. فقالت: إذن لا يضيعنا الله، فلما انتصبت قدماه في الوادي وولى، وقد جعل أهله وذريته وراء ظهره صدع، بالدعوات المباركات، استجاب لأمر الله ثم دعا ربه فقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37].
كانت أشجانهم وأحزانهم للدين ولطاعة رب العالمين، ما كانت للدنيا ولا للهوى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37].
سبحان الله! إذا دخلت في حجك أو في عمرتك فرأيت الألوف وهي تطوف ببيت الله جل جلاله فاذكر دعوة الخليل عليه الصلاة والسلام، استجاب الله دعوته فحنت القلوب إلى بيت الله الحرام، كل ذلك استجابة من الله لدعاء الخليل.
قال العلماء: استجاب لأمر الله وأقام أمر الله عز وجل بإحضار أهله وذويه، ثم دعا فاستجاب الله دعوته.
فمن أطاع الله وامتثل أوامره استجاب الله دعوته، وها هي الجموع تكتظ في هذا المكان، فانظر إلى عظيم رحمة الله عز وجل، ومن استجاب للخليل لما أخلص لوجهه وأناب إليه سبحانه سيجيب دعوتك، ويفرج كربتك، ويستر عورتك إن صدقت معه كما صدق.
وإذا سعيت بين الصفا والمروة فاذكر أن بين هذين الجبلين كربة من الكربات فرجها الله من فوق سبع سماوات، امرأة ضعيفة ليس معها أحد، وقد عطش صبيها، فأصبحت تقبل وتدبر في هذا المكان مفجوعة خائفة وجلة، ولكن كان قلبها متعلقاً بالله، منصرفاً إلى الله لا إلى شيء سواه؛ فجعل الله تفريج كربها من تحت قدم صبيها وابنها، وجعل الله الماء الذي جرى من تحت هذه القدم يبقى إلى الأبد طعام طعم وشفاء سقم؛ لما أخلصت لله في دعائها.
فتستشعر في هذه الأماكن والمنازل أن الله يجيب الدعوات، ويستمع للمؤمنين والمؤمنات، وانظر إلى عظمة جبار السموات والأرض يوم عجت ببابه الأصوات، واختلفت اللغات، والله لا يضيع منها حرف واحد، ولا تغيب منها كلمة واحدة، ولا تخفى عليه مسألة منها سبحانه وتعالى، في هذا المقام العظيم تستشعر همومك وغمومك أنك تنزلها بأكرم الأكرمين، وملاذ الهاربين، وأمان الخائفين، وجوار المستجيرين، تبارك الله رب العالمين.
وإذا مضيت إلى عرفات، وأشرقت عليك شمس ذلك اليوم المبارك، فاحمد الله جل جلاله أنها أشرقت عليك وأنت ضيف على الله، احمد الله جل جلاله أنها أشرقت عليك فما كنت من المحرومين، وما كنت من المثبطين.
إذا أشرقت عليك شمس يوم عرفات فاذكر رحمة الله فاطر الأرض والسموات، وانظر إلى ذلك الموقف العظيم بقلب يعظمه، بقلب أسلم إليه سبحانه وتعالى، من بيده مقاليد السماوات والأرض جل جلاله وتقدست أسماؤه.
وصل، وأخلص لله جل جلاله في صلاتك، ثم انصرف إلى الدعاء، وهذه الساعات لا تضيع في أي لحظة منها، ولا تضيع منها دقيقة، وأفضل ما يكون منك أن تذكره سبحانه وتعالى بتوحيده، قال صلى الله عليه وسلم:(خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة، وخير ما قلت أنا و النبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
فإذا غابت شمس ذلك اليوم خرجت وأنت تحسن الظن بالله سبحانه وتعالى؛ أن يجعل سعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً، وأجرك موفوراً، فتنطلق إلى تلك المشاهد الباقية بقلب مستحضر لعظمة الله سبحانه وتعالى.(8/183)
فتقف بمزدلفة وأنت تحس بجلال ذلك الموقف، الذي أثنى الله عز وجل عليه في كتابه، هذا الموقف الذي قل أن يدعو الإنسان فيه بإخلاص وترد دعوته، وكان بعض السلف يقول: (ما سألت الله حاجة وحال الحول إلا قضاها الله لي).
هذا الموقف -وهو موقف المشعر الذي غاب عن كثير من الناس- أدب الله المؤمنين فيه فذكرهم أن تكون دعوتهم للآخرة، وأن تكون جامعة بين خيري الدنيا والآخرة، فالناس فيه بين سائل للدنيا وبين سائل خيري الدنيا والآخرة، فاجمع بين ثلاث مسائل:
الأولى : أن تسأل الله أن يصلح دينك الذي هو عصمة أمرك.
الثانية : أن يصلح دنياك التي فيها معاشك.
الثالثة : أن يصلح لك آخرتك التي إليها معادك.
إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً:
إذا أراد الله أن يكون حجك مبروراً وسعيك مشكوراً رزقك المال الحلال والكسب الطيب، حتى إذا قلت: يا رب! أجاب دعوتك.
قال سعد بن أبي وقاص : (يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: أطب مطعمك تستجب دعوتك) .
كم من لقمة من حرام حجبت صاحبها عن الله؟ كم من لقمة من حرام حجبت إجابة الله؟ فإذا أراد الله أن يجعل حجك مبروراً وسعيك مشكوراً قيض لك الكسب الحلال والله طيب لا يقبل إلا طيباً.
إذا حججت بمال لست تملكه فما حججت ولكن حجت العير، لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل من حج بيت الله مبرور، يقول عليه الصلاة والسلام: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين، يطيل السفر، يرفع يديه إلى السماء يقول: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك؟).
الرفقة الصالحة في الحج:
إذا أراد الله أن يجعل حجك مبروراً وسعيك مشكوراً قيض لك رفقة صالحين، إذا نسيت الله ذكروك، وإذا ذكرته أعانوك.
الحج المبرور يستعان عليه بالرفقة الصالحة والإخوان الصالحين؛ فكم غير الله أقواماً برفقةٍ صالحين؟ كم أصلح الله من أحوالهم؟ وكم أصلح الله من شئونهم عندما كانوا مع الصالحين.
قال أحدهم: (يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يعمل بعملهم؟ قال: أنت مع من أحببت) فمن أحب الصالحين أحب الخير وهدي إليه، فإن لم يستطع فعله بلغه الله أجره بالأمنية والنية.
حفظ اللسان:
إذا أراد الله أن يجعل حجك مبروراً وسعيك مشكوراً؛ عصم لسانك عن الزلات وتتبع العورات؛ حتى لا تبلى بالدركات، قال معاذ : (يا رسول الله، أو إنا مؤاخذون بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟).
كان السلف يحفظون ألسنتهم حتى يبلغوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
اشترط النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المغفرة والرحمة سلامة لسانك، وهي وصية الله في كتابه، ووصيته لأوليائه وأحبابه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197].
اتفقت كلمة السلف وعبارة الأئمة رحمة الله عليهم في قوله سبحانه:
فلا رفث: هو الكلام الذي يكون عند النساء مما يثير الشهوة ويبعث عليها.
وأما الفسوق: فمذهب طائفة من السلف أنه المعاصي كلها، فإذا أراد الله أن يجعل حج العبد مبروراً عصم لسانه؛ وحفظه عما لا يليق؛ فأصبح لله ذاكراً، ولنعمته شاكراً، ومن ذكر الله ذكره، ومن شكر الله فإن الله يجزي الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين.
احفظ لسانك؛ فإن حفظ اللسان سبيل إلى الجنان، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يحفظ لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
من علامة الحج المبرور: سلامة جوارحك وأركانك من أذية المؤمنين؛ فإن الله عز وجل إذا أحب عبده وفقه لاستغلال جوارحه في طاعته، وبلوغ أعلى المنازل من محبته ومرضاته.
حفظ الجوارح عن المحرمات:
قال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197].
الفسوق: معصية الله جل جلاله؛ فتكون بالعين بالنظر، وتكون باللسان بالكلام، وتكون بالسمع بسماع الحرام والآثام، وتكون بالأقدام، وتكون بالأيدي؛ فيحفظ الحاج لبيت الله جوارحه، يحفظها حينما يستشعر أنه ضيف على الله جل جلاله، والضيف يرعى حرمة مضيفه، ويتقي الله جل جلاله.
قال العلماء: المعصية تتعاظم بالزمان وبالمكان وبالحال، فهي لا تضاعف؛ لأن الله لا يضاعف السيئات وإنما يضاعف الحسنات، قالوا: إنما يعظم إثمها ووزرها إذا كانت في زمان محرم، أو كانت في مكان محرم، أو كانت على حالة ينبغي للمسلم أن يرعى حرمتها، فالنظر إلى الحرام في بيت الله الحرام، وكذلك في الشهر الحرام، والإنسان متلبس بحرمات الإحرام؛ فإن ذنبها أعظم ووزرها أكبر، فينبغي للإنسان أن يخاف الله جل جلاله، فالذي يقع في الفتن والمحن غالباً لا يكون إلا وهو مستخف بعظمة الله سبحانه وتعالى.
فيحرص الحاج على حفظ نفسه من الفسوق والآثام، يحرص على سلامة لسانه من الغيبة والنميمة والسباب والشتائم، وغير ذلك من المحرمات، فإن رأى خيراً ذكره، وإن رأى سوءاً وشراً ستره، وهذا هو حال أهل الإسلام.
خروجك من بيتك للحج توفيق إلهي:
مِنْ زادك للحج: أن تعلم إذا خرجت من بيتك أن الله وحده هو الذي أخرجك، ولو شاء لثبطك ولحرمك، لو شاء الله لجعل الدنيا أكبر همك، ومبلغ علمك، وغاية رغبتك وشغلك، فحبستك الأموال والتجارات، وتعلقت بك الأبناء والبنات، فآثرتهم على ما عند الله.(8/184)
لو شاء الله ما خرجت، لو شاء الله ما لبيت؛ ولكنه سبحانه هو الذي أخرجك لرحمته, أخرجك برحمته وبره وإحسانه وهو أكرم الأكرمين، أخرجك إلى عفوه ورضوانه.
نظر الله إليك وقد أحاطت بك الذنوب فأحب أن يغفرها، نظر الله إليك وقد كثرت منك العيوب فأحب أن يسترها، نظر الله إليك وقد أحاطت بك الهموم والغموم فأحب أن ينفسها، نظر الله إليك وقد آلمتك الأسقام والآلام فأحب أن يذهبها.
سبحانه ما أرحمه! سبحانه ما أفضله! وما أكرمه وما أوفاه وما أبره! اختارك من بين الملايين برحمته وهو أرحم الراحمين، اختارك وأنت أفقر ما تكون إليه، وهو أغنى ما يكون عنك، اختارك لرحمته فتشكره وتذكره.
الأسئلة:
- نرجو منكم كلمة تحضون بها الأخوات على الخير وخاصة الحجاب.
الجواب: يا معاشر المؤمنات، يا معاشر الصالحات القانتات، إن الله وعظكن فأحسن وعظكن، وأدبكن فأحسن تأديبكن، وأثنى على الخيرات الدينات، فقال سبحانه وتعالى فيما أنزل من آيات:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:34].
يا أمة الله: اتقي الله جل جلاله في جنانك، فاعمريه بالإيمان والعبودية للرحمن، فإن الله رضي لك ذلك، والبسي لباس الحياء والحشمة والعفة، وكوني على الخير والصفاء يستقم لك أمر الدنيا والآخرة، أصلحي لله السريرة في كل ما تقولين وكل ما تفعلين ,وكل ما تذرين وتتركين, تستوجبي رحمة الله وهو أرحم الراحمين.
- رجل يرمي عن زوجته وهي تستطيع الرمي ولكن يخشى عليها من الزحام، فما الحكم؟
الجواب: الرمي عن المرأة بدون وجود عذر لا يجوز ولا يشرع، ولذلك إذا كانت المرأة قادرة على الرمي ورمى عنها زوجها أو محرمها أو أي شخص فإن هذا الرمي وجوده وعدمه على حد سواء، فلا يصح التوكيل على هذا الوجه الذي خلا فيه المكلف من العذر، وحينئذٍ يلزمها أن تعيد الرمي إذا كان الوقت يمكن فيه التدارك، وإذا كان لا يمكن فيه التدارك ففيه ما في واجبات الحج.
- ما هو واجب أهل الاستقامة من الحجاج الذين يرون كثيراً من الحجاج يجاهرون بشرب الدخان والتصوير والتخلف عن الصلاة؟
الجواب: الحج جمع الله فيه المؤمنين والمؤمنات؛ حتى نحس أننا مسلمون ومؤمنون؛ وأن الله قد ألف بين أرواحنا وجمع بين قلوبنا، فيكمل بعضنا بعضاً، كم أصلح الله من أحوال أقوام في هذا الحج، وكم استقامت قلوب لله جل جلاله بالنصائح الغالية والتوجيهات والمواعظ الهادفة في حج بيته الحرام.
فاحرص -أخي في الله- أن تؤدي لإخوانك حقهم عليك: النصيحة، وأعظم ما تكون النصيحة في أصول الدين، فإذا رأيت منه أخطاءً في عقيدته سددته ووفقته وقومته، ودللته على أصل الأصول، وعلى الأساس الذي لا يمكن أن يقبل الله به عمل عامل حتى يصححه، ويقيمه على المنهج السوي والطريق الرضي، وتأخذ بحجزه عن النار، وتذكره بحق الله جل جلاله عليه.
واعلم رحمك الله أنك لو رأيت منه هذا الذنب العظيم وسكت تعلق بك بين يدي الله جل جلاله، وقال: يا رب، رآني على هذا المنكر، ورآني على هذا الخلل والزلل ولم يأمرني بأمرك ولم ينهني عن نهيك.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قاعدة الخير وأساس البر؛ ولذلك عظم الله به الأجور، ورفع به الذكر، وما رفع قدر العلماء إلا لما قاموا بدينه، ما رفعهم بأحسابهم ولا أنسابهم ولا ألوانهم؛ ولكن رفعهم لما رفعوا دينه وأقاموا حجته على عباده سبحانه وتعالى، وجعلهم ورثة للأنبياء، وشرفهم وكرمهم بالأمر بأمره والنهي عن نهيه، فمن أراد أن ينال أو يبلغ مبلغ مرضاة الله فليتشبه بالعلماء العاملين الصديقين، الذين يأمرون بأمر الله وينهون عن حدود الله ومحارم الله، فتأمر بطاعة الله وتنهى عن معصية الله، ولا عليك، يقبل من يقبل ويرد من يرد.
- هل من نصيحة لشاب قيدته المعاصي، كلما أراد التوبة عاودته الذنوب، فهل من سبيل لأن يكون حج هذا العام تطهيراً له من هذه الذنوب، وتوبة صادقة خالصة بإذن الله؟
الجواب: إن التوبة بابها مفتوح، الله جل جلاله يفرح بتوبة التائبين، ويقيل بحلمه وإحسانه عثرات النادمين، ما صد أحداً عن بابه، ولا حرم أحداً رجاه في مغفرته وعفوه وإحسانه، الله جل جلاله لا يهلك عليه إلا هالك، يفرح بتوبتك أشد من فرحك بالتوبة، ولو علمت مقدار حبه سبحانه لتوبتك وإنابتك لكنت أعجل الناس بالتوبة وأسرعهم إليها، ولو تكررت منك الذنوب، وكثرت منك الإساءة والعيوب؛ فإن الله جل جلاله رحيم لطيف كريم، فأبشر بخير، ولا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من روح الله، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.
فلا تيأس من رحمته، ولا تقنط من روحه، ولو تكرر الذنب منك مرات وكرات ولو ملايين المرات، فلا تقنط من رحمة الله، وأغظ عدو الله إبليس، فإن الله إذا رآك كلما افتتنت تبت فرح بتوبتك؛ لأنه يحب التوابين، و(التوابون) هذه الصيغة في لغة العرب تدل على أنهم أكثروا التوبة، وأكثروا الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، فأبشر بخير ما دمت ترجو رحمة الله سبحانه وتعالى.
- ما الحكم فيمن أراد الحج وعليه أقساط شهرية لا تنتهي إلا بعد أربع سنوات؟
الجواب: الدين يمنع وجوب الحج، الأصل في ذلك: أن المديون إذا لم يجد سداد دينه فإنه عاجز عن بلوغ البيت؛ لأن حقوق العباد محيطة به، وهو مطالب بسدادها، ولا يؤمر بحجه إلا بعد أن يملك النفقة والزاد، لقوله سبحانه وتعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران:97].(8/185)
فالمديون الذي لا يجد سداد دينه لا يستطيع إلى البيت سبيلاً، لأن ذمته مشغولة بحقوق العباد، ولذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه ينبغي عليه أن يبدأ بسداد دينه، ولا يجب عليه الحج ما دام أنه غير قادر من ناحيته المادية.
أما إذا كان الدين أقساطاً، فقال بعض العلماء: الدين المقسط الذي يكون على أنجم شهرية أو سنوية، إذا أدى قسطه لشهر حجه فإنه لا حرج عليه أن يحج، وهكذا إذا كان عليه دين، واستأذن أصحاب الديون فأذنوا له؛ فإنه لا حرج عليه أن يحج.
- سائلة تريد الحج وتسأل عن حبوب منع الدورة ما حكمها؟
الجواب: هذه المسألة لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك يعتبرها العلماء من مسائل النوازل، وقد نزلت في العصور المتأخرة، فبعد المائة السابعة أو الثامنة وجد الدواء، وكان عند العطارين يوجد ما يقطع الدم عن المرأة ويؤخر الحيض عنها، فقال بعض العلماء: إنها إذا شربت الدواء الذي يقطع حيضها ويؤخر عادتها فعبادتها صحيحة، وهذا هو القول الصحيح؛ لأن الشرع علق الحكم على وجود الدم، فإن وجد الدم تعلق به المنع، وإن انتفى فإنها لا تعتبر ممنوعة من عبادتها؛ لأن الأصل فيها أنها مكلفة، وبناءً على ذلك قالوا: إنها إذا شربته وصامت صح صيامها، ولو شربته وحجت وطافت صح طوافها وحجها؛ لأن الله علق الحكم بوجود الدم.
- ما الكتب التي تنصحون بالاستعانة بها في الحج؟
الجواب: كتاب الله والسنة الصحيحة فيهما الغنى والكفاية، وما حرم كثير من الناس من حصول الخير على أتم وجوهه وأكملها إلا لما حرموا كتاب الله جل جلاله، فتجد الإنسان إذا أراد موعظة يبحث عن الأشرطة والكتيبات، وموعظته في كتاب الله سبحانه وتعالى، يترك خير الواعظين جل جلاله ورب العالمين، الذي إذا وعظ بلغته موعظته، فكم من كلمات في كتاب الله لو استحضرها الإنسان لجعلها نصب عينيه إلى لقاء الله سبحانه وتعالى.
الاستماع لكتاب الله وكثرة التلاوة والتدبر هي التي تعين على كل خير، وما نال السلف الصالح -رحمة الله عليهم- الاستقامة على أتم وجوهها وأكملها، فشرفهم الله أئمة لهذه الأمة الصالحة إلا بكتاب الله جل جلاله.
- ما هي الأوقات الفاضلة للدعاء في الحج؟ وهل من جدول مقترح لمن أراد حجاً مبروراً؟
الجواب: احرص بارك الله فيك على أمر هو قاعدة كل خير، وأساس كل بر في العبادات، وهو: التأسي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما من موقف وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرص فيه على الدعاء إلا كنت كذلك حريصاً على الدعاء، وتجتهد -رحمك الله- في التأسي به صلوات الله وسلامه عليه كتب الله الرحمة والهداية والخير والبر لمن سار على نهجه والتزم بسنته صلوات الله وسلامه عليه.
لا تستحدث من عندك أوقاتاً ولا مناسبات، ولا تستحسن شيئاً على شيء، إنما تكون خطواتك وآثارك وسيرتك وسريرتك على وفق السنة.
دعا عليه الصلاة والسلام وهو يطوف بالبيت، ودعا لما رقى على الصفا، وهذه السنة يضيعها كثير إلا من رحم الله، لما رقى على الصفا كبر الله وهلله ووحده سبحانه وتعالى.
كذلك في المشعر الحرام وقف صلى الله عليه وسلم ودعا وتضرع حتى أسفر, ثم لما كان اليوم الثاني -وهو اليوم الحادي عشر- رمى الجمرة الصغرى، ثم أخذ ذات اليسار ورفع يديه ودعا دعاءً طويلاً، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى ورماها، ثم أخذ ذات اليسار، ثم دعا دعاءً طويلاً، ثم مضى ورمى جمرة العقبة ولم يقف عندها، فما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند جمرة العقبة، لا في يوم العيد ولا في أيام التشريق.
فهذه المواطن هي أفضل المواطن، يقول العلماء: من تحرى السنة في أي طاعة وذكر كان له أجران: أجر الدعاء، وأجر التأسي.
- هل يحق للوالدين أن يمنعا ابنهما من الحج لخوفهما عليه، خاصة وأنه سوف يحج مع رفقة صالحة، وليس لديه عائق إلا موافقة والديه؟
الجواب: هذه المسألة فيها تفصيل: إما أن يكون الحج واجباً وفرضاً لازماً فلا طاعة للوالدين، تطيع الله جل جلاله، ونص العلماء -رحمهم الله- على أن الحج المفروض لا يشترط فيه إذن الوالدين.
أما إذا كان الحج نافلة فإنك لا تخرج إلا بإذن والديك، فإن منعك الوالدان -خاصة إذا كان لهما مبرر، أو يخافان عليك، وكان لخوفهما مبرر: كضعف جسد الإنسان، أو كون الإنسان لا يحسن التصرف في السفر- فهذا من حق الوالدين، وبرك وجلوسك عند والديك تصيب به الأجران.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة رجالاً ما سلكتم شعباً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، إلا شركوكم الأجر، قالوا: يا رسول الله! كيف وهم في المدينة؟ قال: حبسهم العذر).
- أحوال المسلمين في كل مكان لا يعلمها إلا الله، فيا حبذا لو حثثتم المسلمين عموماً والحجاج خصوصاً على الدعاء لهم، فعسى أن تخرج دعوة صادقة ينفس الله بها الكربات.
الجواب: إن الدعوة سهم من سهام المؤمنين، الدعوة إذا استجيبت لا ترد، والدعوة إذا استجابها الله فإنها ماضية نافذة؛ ولكن من الذي يوفق للدعوة المستجابة، ومن حق المسلم على المسلم أن يتألم بآلامه، وأن يحزن لأحزانه وأشجانه، فكلما سمع بأخيه المسلم كربة أو نكبة تألم لها وكأنها به، وأقل ما يقدمه -وليس بقليل-: أن يدعو لهم بظهر الغيب.
- بعض الإخوة لم يحج حجة الإسلام، وهم مترددون في ذلك مع استطاعتهم، فما توجيهكم لهم ؟
الجواب: من ملك الزاد وجب عليه الحج إلى بيت الله سبحانه وتعالى، ومن لم يقم بفريضة الله فقد عصى الله جل جلاله، فإن كانت الأموال هي التي تمنعه فإن الله قد يمحق بركة ماله، وإن كانت الأبناء والبنات والزوجات فإن الله يشقيه ببناته وأبنائه وزوجاته.(8/186)
فإذا كان الإنسان يتخلف عن الحج بدون عذر فليعلم أن الله فتن قلبه، وأن الله كره انبعاثه فثبطه، ولا يقصر في أوامر الله إلا من كان محروماً من كمال الإيمان، فالإيمان هو الذي يبعثك على طاعة أمر الله، والاستجابة لما يحييك إذا دعاك الله، والإيمان هو الذي يكفك ويحجزك ويخوفك من حدود الله جل جلاله، فإذا كان الله قد أمر عبده بالأمر فامتنع وقصر وهو يرفل في نعمة الله سبحانه وتعالى فليبك على نفسه، فإنه ذنب ومعصية وسيئة وخطيئة، وسيسيئه الله بهذا الذنب إما في الدنيا وإما في الآخرة، وإما أن يجمع له بين إساءة الدنيا والآخرة، و من تخلف عن الحج فقد عصى الله جل جلاله، وسيرى عاقبة هذه المعصية.
نسألك اللهم أن تنفعنا بما علمتنا وتعلمنا ما ينفعنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=============
(عدة الداعية)
اسم المحاضر: الشيخ محمد بن محمد بن مختار الشنقيطي
استهل الشيخ محاضرته بعد البسملة والحمد والثناء على القوي العزيز الجبار، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - المبعوث رحمة للعالمين.
أيها الأحبة في الله أي شيء أجل وأعظم من رضوان الله على عبده؟ هذا الرضوان الذي شهد الله أنه أكبر من كل شيء، قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ?72? سورة التوبة، إذا رضي الله على عبده أرضاه وسدده إلى كل خير، وكتب الله السعادة لأوليائه في الدنيا والآخرة، أسعد الناس في الله من أحب الله من كل قلبه وظهرت آثار محبته في جوارحه، ولقد اصطفى الله لهذه السعادة أحب الخلق إليه وأكرمهم وهم الأنبياء والرسل صلى الله وسلم عليهم أجمعين، فجعلهم أمناء على حمل رسالته إلى الخلق، فأدوا الرسالة وبلغوا الأمانة، وقرَّت عيونهم برضوان الله عليهم، ثم اصطفى الله لهذه الصفوة خير خلقه، وأفضل رسله وأكرمهم عنده، نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، حتى توفاه الله، ثم حمل الدعوة من بعده صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وكانوا خير قدوة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، في الدعوة إلى الله في العلم والحلم والعمل.
و مازالت هذه الأمة تحمل هذه الدعوة جيلاً بعد جيل، من ذاق حلاوة الإيمان، ولذة العبودية للرحمن، تمنى أن الأمة كلها تشاركه في هذا الخير الكبير، فما هو الطريق للدعوة إلى الله؟ للوصول إلى هذا الخير الكبير؟ على الداعية إلى الله أن يعلم علم اليقين أن يخلص لله رب العالمين، فما من داعية يخلص لله إلا سدده الله وفتح أبواب الخير له، لأن الله سبحانه وتعالى يحب من الأقوال والأعمال ما كان خالصاً لوجهه، من كان لله كان الله له، وملئَ قلبه بالحكمة والنور، والتوفيق والسداد، ويجب على الداعية أن يعتد بهذه الوقفات:
1. ... الوقفة الأولى: الإخلاص لله في كلامه وخطبته وموعظته وتذكيره، وهل هي لله أم لأحد سواه؟ ومن أراد الإخلاص لله، فليعلم أن التجارة الرابحة مع الله، وإذا سلك سبيل الإخلاص، فلن يتكلم بكلمة إلا خطها الملك الأمين الحافظ، فهو يدعو لله لا يريد مدحاً ولا ثناء، ما عند الناس ينفذ وما عند الله باقٍ، وما ضرنا إلا حظوظ في هذه الدنيا ساقتنا عن الله إلى من سواه، قال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ?96? سورة النحل.
2. ... الوقفة الثانية: العلم الشرعي، يجب أن يتعلم الداعية العلم الشرعي، من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإذا تعلم واستنار قلبه اهتدى في نفسه واستطاع أن يهدي غيره، حتى إذا تمكن من العلم الشرعي يبدأ الدعوة إلى الله على بصيرة وحكمة ونور، العلم الذي يستنير به قلب الداعية، قال تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) ?57? سورة الأنعام، فمن كان على بينة من الله، اتضح له الحق فالتزمه وأحبه ودعا إليه، ومن كان جاهلاً بالله وشرعه ضل وأضل، لا دعوة بالجهل، يجب على الداعية أن يجتهد في طلب العلم الشرعي، من العلماء الفضلاء الأكفاء الثقات الأثبات.
3. ... الوقفة الثالثة: توطين النفس على العمل، حري بالداعية أن يعمل ويقرن علمه بالعمل، إذا وطن نفسه على العمل بما تعلم، فإن الناس ينظرون إلى قول كل قائل وعمله، فإذا وافق القول العمل، أحبه الناس وسمعوا منه وأطاعوه ، فإذا حدث الناس بالإخلاص كان أخلصهم، وإذا حدث الناس بالصدق كان أصدقهم، فالذي يدعو الناس بأخلاقه وشمائله وأفعاله وآدابه، تتأثر الناس بدعوته دون أن يتكلم، فالضال والعاصي والمفرط والجاهل كلهم بحاجة إلى الداعية وعلمه وعمله، ليتأسوا به، حتى قال بعض العلماء : ( لن يكون العبد هادياً مهدياً إلا إذا قرن العلم بالعمل).(8/187)
4. ... الوقفة الرابعة: التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأخلاقه في عسره وفي يسره، في تعامله مع الناس ودعوته لهم، لقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس طليق الوجه، ما كان يلقى الناس مكفهر الوجه ولا عابساً، ولا محتقراً، بل كان يلقاهم بالوجه الطليق والقول الرفيق، قال جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - : (ما لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تبسم في وجهي)، فالداعية أحوج للتحلي بهذا الأدب النبوي الكريم، فإذا سَلِمَ صدر الداعية من آفات القلوب، وكان نقياً صافياً لإخوانه المسلمين أظهر الله تعالى ما في قلبه من فلتات لسانه وجوارحه، قال بعض العلماء: (ما سر عبد في قلبه سريرة إلا أظهرها الله في فلتات لسانه أو في جوارحه و أركانه)، فالذي يريد الدعوة إلى الله ينبغي أن يغيب السريرة النقية، يغيب السريرة التي تريد الخير للناس، فإذا قوي هذا الباعث في القلب دعاه إلى كل ما يستطيع لهدايتهم على الخير، وتحبيبهم في طاعة الله.
5. ... الوقفة الخامسة: التواضع للناس كما كان يفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقف لكبيرهم ويسلم على صغيرهم، كان يتواضع للناس جميعهم، فيجب على الداعية أن يتواضع للكبير والصغير والجليل والحقير، وأن يكون الناس عنده في كفةٍ واحدةٍ، وكان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، الداعية الصالح يتواضع للناس ويدنو منهم ويتعامل معهم بسعة الصدر، وأن يتعامل مع السفيه بسفهه و مع الغوي بغوايته و مع الطائش بطيشه ومع الجاهل بجهله، ولن يكون موفقاً إذا لم يحرص على خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما أجمل الدعوة إذا تجمل الداعية بالتواضع والأخلاق والرفق واللين وتوطئة الكنف، كما يقول القائل:
إن كريم الأصل كالغصنِ كلما... ... ازداد من خيرٍ تواضع وانحنى
لن يستطيع الداعية أن يكون موفقاً حتى يلتزم أخلاق الإسلام وآدابه.
6. ... الوقفة السادسة: التضحية و الصبر والتحمل، ولن يستطيع الداعية على ذلك إلا إذا صبره الله عز وجل، الصبر من أجل النعم التي يمتن الله بها على عبده، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أعطي عبدٌ عطاءً أفضل من الصبر)، وقال عمر- رضي الله عنه - : (وجدنا ألذ عيشنا بالصبر)، يصبر الداعية في الدعوة وقد يفاجأ بالسآمة والملل، فينتظر ويحتسب الأجر عند الله عز وجل، ولا يقف ذلك عند الداعية أو الإمام أو الخطيب ولكن يشمله أيضاً أمام الزوجة و الابن و الابنة و الأخ والأخت والأهل، فعليك بالصبر لأنه بلاء بحكمة من الله، ولا تضجر ولا تمل ولا تسأم، لعل الله بذلك أن يهدي هؤلاء على يديك ويكونوا حجة لك لا عليك، إن الله يحب منك صبرك وتحملك فسيأتي اليوم الذي سوف تنال فيه رضى ربك وتقر عينك، فأنت أحق بالصبر في حال الصدود عنك أو سبك، فسيجعل الله ذلك في موازين حسناتك، وأن الله معك ما دمت مع الله، فتذكر صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم إن ذهب للطائف، يدعو الناس إلى دين الله، فقال له أحدهم أما وجد الله نبياً غيرك، و واجهه قومه بالصدود والإعراض حتى من أقرب الناس إليه، وقالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون وأفاك، فما وهن ولا استكان وتابع دعوته لا يثنيه عنها شيء، وقد قرت عيون الصابرين حين سمعوا قول الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ?146? سورة آل عمران، وتكمل محبة الله لعبده على كمال صبره.
7. ... الوقفة السابعة: الكلمة الطيبة والقول الحسن، والله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ?100? سورة المائدة، والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، وهي التي تعمل عملها وتؤثر تأثيرها على الناس، والتعامل مع الناس بالرفق واللين وأن يمتثل قول الرسول- صلى الله عليه وسلم -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع الرفق من شيء إلا شانه)، فليتق الله الداعية في نفسه وفي أنفس الناس في دعوته، وأن يسأل العلماء ويغشى مجالسهم ويتودد إليهم، ليتعرف منهم على طرقهم في الدعوة والتعامل مع الناس.
والدعوة إلى الله لا تقتصر على منبر في توجيه أو تعليم، بل أنت داعية إلى الله في كل لحظة ما دمت تؤمن بالله جل شأنه، ومتبعاً لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا جئت إلى أناس لتدعوهم فاعلم أن الناس ينظرون إليك ويلحظونك، فكل كلمة تقولها وتقصد فيها وجه الله، فهي في ميزان أعمالك الصالحة، إذا نصحت ولدك ووجهت ابنتك إلى الله فأنت داعية إلى الله، وإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فأنت داعية إلى الله.
وختاماً :(8/188)
ما وفق الله له الداعية إلا كان له خير الدنيا والآخرة، هذا الأمر العظيم الذي لا ينال إلا بتوفيق الله ذو العزة والجلال، وإذا وقر هذا الأمر العظيم في القلب، أتبعه الإنسان العمل، ألا وهو كثرة ذكر الآخرة، ينبغي للداعية إلى الله أن يعلم أنه إلى الله صائر، وأنه منقلب إلى الجنادل والحفائر، فليعلم أن الله سائله وأنه سيقف بين يديه، وقائل له عبدي ماذا أردت بهذا؟، فإن قال: أردت وجهك وما عندك، وإن كان صادقاً قال الله : سبحانه صدقت، وقالت الملائكة: صدقت، وقال الله : اذهبوا بعبدي إلى الجنة؛ فإذا أحس الداعية أن له موقفاً بين يدي الله، هانت عليه الدنيا، وهان عليه من فيها، وأصبحت كلماته للآخرة ومواعظه للآخرة، فنفع الله به وانتفع، فالله نسأل أن يعمر قلوبنا بإرادة وجهه الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..........
============
الدعوة إلى الله أهميتها - وسائلها
المؤلف : د/ فهد العصيمي
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
إن من خير ما تصرف فيه الجهود، وتبذل فيه الطاقات هو نشر هذا الدين وبيانه للناس بأسلوب ميسر يفهمه العامة والخاصة.
وإن من وسائل نشر هذا الدين الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
فمعاً - أيها القارئ - نتجول ونتصفح وريقات هذا البحث الذي يسرني أن أضعه بين يديك نسأل الله أن ينفع فيه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على رسولنا محمد.
الفصل الأول :
تعريف الدعوة :
الدعوة في اللغة :
دعاه بمعنى ناداه، ودعا الدعوة للطعام بمعنى قدم له نداء أن يأتي للوليمة أو نحو ذلك.
الدعوة في الاصطلاح :
* نداء الحق أي الله سبحانه وتعالى للخلق ليوحدوا الله سبحانه وتعالى ويعبدوه.
* جلاء محاسن الإسلام وتحبيب الإيمان للنفوس.
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حكم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى :
فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين؛إذاً هي واجبه ولكن هذا الوجوب يثقل على إنسان ويخف على آخر، بقدر ما يكون عند الإنسان من العلم.
يقول الله سبحانه وتعالى:( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )(104) سورة آل عمران , فهذه من الأدلة التي تبين أنه لابد أن يوجد من أفراد الأمة الإسلامية من يتصدى للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى سواء كان في صفوف المسلمين بتذكيرهم ووعظهم وإرشادهم وإعادتهم إلى الطريق المستقيم أو في صفوف الكفار بدعوتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى حيّز التوحيد والإسلام، وقد تكون فرض عين على فئة من الناس لمبررات زمانية أو مكانية.
أيضا الأدلة من السنة كثيرة جداً نقتصر على بعضٍ منها :
منها قوله صلى الله عليه وسلم:( بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع ) هذا فيه دليل على ضرورة التبليغ - أي تبليغ - الدعوة لسائر الناس فمن علم آية وفهم معناها عليه أن يبلغ هذه الآية غيره ممن لا يعلمها، ومن فهم حديثاً وفهم معناه أو شيء من هذا القبيل فعليه أن يبلغ هذا الحديث لغيره ممن لم يعلم .
العهد والميثاق لتبليغ دعوة الله :
قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)(187) سورة آل عمران, وقال تعالى مهدداً الذين يكتمون العلم ولا يبلغونه ولا يدعون الناس إليه : (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)(159) سورة البقرة.
الفصل الثاني :
فوائد الدعوة :
1- ... القيام بالواجب وهو واجب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وكما مر من قبل أنها فرض كفاية.
2- ... إقامة الحجة أمام الله سبحانه وتعالى على المدعوين، فإذا دعوت الناس وبينت لهم الحق وشرحت لهم دين الله سبحانه وتعالى سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فإنك تقيم الحجة عليهم أمام الله تبارك وتعالى.
3- ... الخروج من العهدة وإبراء الذمة والمعذرة فذلك أمر طالبنا الله به .
4- ... أنها سبب لنجاة الدعاة ومن تعاون معهم عند حلول النقمة وغضب الله سبحانه وتعالى على الناس .
5- ... تبليغ رسالة الإسلام إلى الناس .
6- ... أنها سبب من أسباب إخراج الناس من الظلمات إلى النور .
7- ... أنها سبب من أسباب تكوين المجتمع المسلم المتعاون المتكاتف الآمن على عرضه وماله ونفسه وولده وعقله ونحو ذلك.
8- ... أنها سبب من أسباب إخماد الشرك ودحر الشيطان .
9- ... أنها سبب من أسباب تعليم الناس أمور دينهم وعقيدتهم وشريعتهم.
شروط قبول عمل الإنسان :
الشرط الأول :
النية الصادقة التي ينوي بها وجه الله سبحانه وتعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
الشرط الثاني :
أن يكون العمل الذي يقوم به هذا الإنسان موافقاً لمراد الله سبحانه وتعالى فلكي يقبل عملك لابد أن تتفقه في دينك وتعرف عقيدتك وأن تعرف الحلال من الحرام حتى تنجو من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
الفصل الثالث :
صفات الداعية :
1- الالتزام بمنهج الله سبحانه وتعالى أي الالتزام بدين الله تبارك وتعالى وبعبارة أدق القدوة الحسنة أمام الناس، أن يكون قدوة طيبة في كلامه وفي تعامله وفي حركاته ويكون قدوة لغيره.(8/189)
2- كذلك من صفات الداعية وما ينبغي أن يتحلى به صفات أو ردها القرآن الكريم هي قوله تعالى:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(112)سورة التوبة.
فالتوبة أمرها ضروري للناس جميعاً وللدعاة خصوصاً فليس الداعية مَلَك لا يخطئ ولا يحصل منه اجتهاد لا يوفق فيه إلى الصواب وإنما المبادرة إلى التوبة والإنابة والعودة إلى الطريق الصحيح هي من صفات المسلمين عموماً والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى خصوصاً.
3- ومن صفاتهم العابدون فنحن نعلم أن الله لم يخلقنا إلا لعبادته فالعبادة مطلوبة من الجميع على وجه العموم ومن الدعاة على وجه الخصوص.
4- كذلك الحامدون يحمدون الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء فيجب أن يكون إيمانهم بالقضاء والقدر أشد وأكثر من غيرهم.
5- الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر هذه من صفات الداعية إلى الله سبحانه وتعالى أنهم يحبون ويفعلون الأسباب في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعات المسلمين لأنهم يعلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمَّام أمان يحمي الأمة الإسلامية من الفتن .
6- من صفاتهم أيضاً أن يحرصوا على العلم الشرعي والتفقه في دين الله ما أمكنهم إلى ذلك سبيلا
7- الحلم فكلما كان الداعي حليماً كاظماً لغيظه صابراً محتسباً كلما ارتفع ميزانه عند الله سبحانه وتعالى وعند الناس .
8- التواضع ولين الجانب وعدم الكبر .
9- استعمال الحكمة والموعظة الحسنة في دعوته .
الفصل الرابع :
أولاً : مصادر الدعوة إلى الله :
1- ... القرآن الكريم.
2- ... السنة.
3- ... سيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم.
4- ... استنباطات الفقهاء والعلماء الذين خدموا دين الله سبحانه وتعالى.
5- ... التجارب وهي ما يسمى بالمصالح المرسلة والاستفادة منها على حسب الظروف الزمانية والمكانية.
ثانياً : طرق وأساليب الدعوة إلى الله التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم:
1- استخدم الإنذار و الصدع فقد تكلم بأعلى صوته منادياً للإيمان وللإسلام.
2- استخدم العلاقات العامة وحاول أن يستغلها في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
3- استخدم النسب وأكثر من الزوجات وذلك من أجل الدعوة إلى الله.
4- استخدم الدروس الخاصة والوعظ والإرشاد بالمسجد والخطب والندوات ونحو ذلك.
5- استخدم الاتصالات الفردية عندما اتصل في فلان وفلان يقنعهم بهذه الدعوة وهي دعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
6- الاتصالات الجماعية وعرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل من أجل أن يقبلوا هذه الدعوة.
7- بعث الرسائل والسرايا إلى الملوك وإلى الأمراء .
8- استخدام الشعر , فالرسول صلى الله عليه وسلم أقرَّ الشعراء الذين ناصحوا وكافحوا عن الإسلام .
9- كذلك المجادلة والمناقشة بالتي هي أحسن .
ثالثاً : وسائل تبليغ الدعوة المعاصرة:
من وسائل تبليغ الدعوة المعاصرة مثلاً :تبليغ بالقول والخطبة والدرس والندوة والمناقشة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلمة الوعظية والإرشاد والنصيحة الأخوية والدعوة الفردية والفتوى الشرعية والكتابة بأنواعها من رسالة ومقال وبحث وشريط والمجلة الإسلامية.
وهذه كلها تختلف حسب الظروف الزمانية والمكانية في وقتنا المعاصر فمن يريد أن يفعل خيراً فما عليه إلا أن يستغل مثل هذه الأشياء لتبليغ كلمة الله سبحانه وتعالى لتبليغ دين الله سبحانه وتعالى إلى سائر الناس.
رابعاً : الأعمال الإغاثية وأهميتها في الدعوة :
من الوسائل التي ينبغي أن تستغل للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى الأعمال الإغاثية بأنواعها المتعددة وذلك مثل بناء المساجد فمن المساجد يتخرج الدعاة إلى الله ومنها يخرج الجهاد في سبيل الله وفيها يتعلم الناس أمور دينهم وفيها يتعلم الأولاد كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفيها يؤدي الناس عبادة الله كالصلاة.
كذلك من الأعمال الإغاثية بناء المستشفيات وحفر أماكن الماء للناس وبناء دور الرعاية الاجتماعية , كذلك طباعة الكتب وسحب الأشرطة وطباعة المجلات الإسلامية ونحو ذلك .
خامساً : المال وأهميته في الدعوة :
قد يكون الإنسان ليس عنده علم ولكن عنده مالاً يستطيع أن يجعل هذا المال سبباً من أسباب نشر الإسلام في أي مكان , فيوصل للمسلمين الخير أينما وجدوا وذلك بطرق كثيرة كنفعهم مادياً فيزودهم بالطعام والماء والكتاب النافع أو يبني لهم مسجداً أو يحفر لهم بئراً وغيرها كثير .
ولا شك أن هذا يعتبر من وسائل الدعوة التي ينبغي ألا تغيب عنا لحظة من اللحظات .
سادساً : صنائع المعروف :
كذلك لا ننس صنائع المعروف وتقديم الهدايا وحل المشاكل الأسرية وتحسس المحتاجين والاهتمام بهم فهذه وسيلة من وسائل الدعوة إذا أحسن المسلم النية وجعل عمله لوجه الله سبحانه وتعالى.
سابعاً : الوسائل المعاصرة من الأجهزة العلمية وتحويلها إلى منافذ للدعوة:
ومن ذلك، جهاز الحاسب الآلي، فقد انتشر في كل مكان ومن نعم الله أن قيض لدينا من استغل هذا الجهاز لتسجيل المادة الشرعية العلمية الدعوية فهذه فرصة عظيمة ينبغي على الدعاة استغلالها والاستفادة منها والمسارعة إلى تعلمها وتعليمها للناس فالدال على الخير كفاعله لأن ذلك وسيلة إلى الدعوة إلى الله عن طريق ما يسمى (بالانترنت) الذي تستطيع بواسطته أن تخاطب جميع العالم لتبليغ دعوة الله تعالى وأنت جالس في مكتبك أو في منزلك.
ثامناً : اللجوء إلى الله بالتضرع والدعاء :(8/190)
قال تعالى : ( ادعوني استجب لكم.إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )(60) سورة غافر.
وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) .
ومن هنا يقال أن الدعاء سلاح المؤمن وهو للدعاة أمر ضروري يعينهم ويسدد خطاهم.
بعض الأسئلة المتعلقة بالدعوة والرد عليها :
س - هل تتعارض الدعوة مع طلب العلم؟
جـ - لا يوجد تعارض بين الدعوة وطلب العلم بأي حال من الأحوال لأن الداعية إلى الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يتعلم عن طريق حضور بعض حلقات العلم كما أنه يستطيع أن يحصل على الأشرطة الفقهية لكثير من علمائنا فيمكن أن يأخذ هذه الأشرطة العلمية الفقهية ويبدأ بسماعها سواءً في البيت أو في السيارة أو في أي مكان وأي زمان فلا شك أن هذه تعينه وتساعده على تفهم أصول الشريعة الإسلامية بحيث إذا دعا أو تكلم يكون معه بعض هذه الأشياء التي تفيده وتنفعه فليس هناك تعارض أبداً بأي حال من الأحوال.
س - ما هو دور المسلم في مجتمعه تجاه أقاربه وجيرانه؟ وماذا يجب عليه نحوهم ؟ نرجو التوضيح؟
جـ - المسلم مطلوب منه مع جيرانه وأقاربه ونحو ذلك أن يبلغهم الدعوة - خاصة - إذا لاحظ أن فلاناً منهم لا يصلى ولا حظ أن فلاناً يشرب الدخان وفلاناً يعرف أنه يشرب فكل قضية لها علاج فيحاول هذا الداعية أن يجمع الكتيبات والأشرطة وفتاوى العلماء التي لها صلة بهذه المشكلة التي عند زيد من الناس ويذهب يهديها له فلربما يسمع ويقرأ وتزول عنه الغشاوة وإذا كان عنده القدرة والعلم وأسلوب الدعوة وبعد النظر فيذهب بنفسه ويتكلم .
وإن كان الوقت لا يسعفه أو الظرف الزماني أو المكاني لا يساعده فما عليه إلا أن يستعين بغيره ليقوم بهذه المهمة.
س - هل هناك فرق بين دعوة المسلمين وغير المسلمين؟
جـ - نعم فيه فرق فغير المسلم لابد أنك تبدأ فيه بالعقيدة الإسلامية وتبدأ فيه بلا إله إلا الله وإقناعه بمعنى لا إله إلا الله ومعنى محمد رسول الله وتقنعه بأصول الإسلام وقواعد الإسلام بخلاف المسلم العاصي لو تأتي إليه وتقول له : أنت تشهد أن لا إله إلا الله قال : نعم اشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , وهل تؤدي الصلاة قال نعم أودي الصلاة , إذا لماذا هذا العمل؟
لماذا تزني؟ لماذا تشرب الخمر؟ لماذا تعمل كذا؟ لماذا تعمل كذا؟ فدعوة المسلم تختلف عن دعوة الكافر كما أن دعوة المسلم تختلف من فرد إلى آخر.
فأحياناً قد تدعو مسلماً ملتزماً إلى أن يزداد في الدعوة هو مسلم داعية لكن تدعوه وتطلب منه أن يزداد في الدعوة وأن ينوع أساليب الدعوة، بخلاف لمّا تذهب إلى الإنسان العاصي يشرب الخمرة فأنت تدعوه إلى الله لأن يترك الخمر أو شخص يتعامل بالربا تدعوه إلى أن يترك الربا، إذاً الدعوة تختلف من فرد إلى فرد ومن زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان .
الخاتمة :
نستطيع بأن نختم حديثنا بأن أمر الدعوة عظيم وينبغي علينا استغلال جميع الفرص والدقائق والثواني لسحب أكبر كمية من المسلمين إلى حظيرة الإسلام ومحاربة المبادئ والأفكار الهدامة التي غزت بعض بلاد المسلمين وغزت بعض أفكار المسلمين ولا يمكن أن تزال هذه الأفكار الهدامة إلا بالفكر المستنير المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يقوم بها إلا الدعاة المخلصون الصادقون الذين وهبوا أنفسهم لله سبحانه وتعالى ويريدون الأجر والثواب من رب العالمين.
فعلينا جميعاً أن نتكاتف وأن نتعاون وأن لا يصيبنا اليأس مهما رأينا من الفتن ورأينا من الانحراف ومن المصائب ومهما رأينا من قتل للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومن انتهاك الأعراض في صفوف المسلمين ومن أمور كثيرة جداً يجب ألا يصيبنا اليأس وإنما إذا رأينا هذه المصائب يجب أن يزداد إيماننا ورجوعنا إلى الله ويزداد تكاتفنا وتعاوننا وتآخينا وتحاببنا وتآلفنا لأن ذلك هو الطريق الصحيح وهو الطريق المستقيم فإن النجاة ستكون بإذن الله هي نهايتنا.
أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يذل الشرك والمشركين وأن يدمر أعداء الدين، وأن يوحد كلمة المسلمين وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه ونسأله أن يبين لنا الحق ويرزقنا أتباعه وأن يبين لنا الباطل وأن يرزقنا اجتنابه ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
توجيهات للأخوات الداعيات
اسم المحاضر: الشيخ محمد المنجد – حفظه الله –
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فربط الله الفلاح بالدعوة : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )، ورُبطت الدعوة بالهداية والأجر العظيم قال صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).
والدعوة النسائية أمر عظيم، والنساء شقائق الرجال، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) ، وقال تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) فربط الله الرحمة بالدعوة .
لماذا الحديث عن الدعوة النسائية :(8/191)
1- لأن الله أمر بها، والنساء شقائق الرجال، فكما أن الرجل مأمور بالدعوة فالمرأة كذلك مأمورة.
2- أن نصف المجتمع نساء؛ فمَن لهذا النصف ؟!
3- أن المرأة في الغالب أقدر على التبليغ لبنات جنسها.
4- أن مجال تأثر المرأة بأختها سواء في القول أو العمل أو السلوك أكثر مما يمكن أن يكون تأثر المرأة بالرجل.
5- بحكم معايشة المرأة للمجتمع النسائي باستطاعتها طرق كافة المجالات التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة.
6- ملاحظة المرأة للمنكرات في الوسط النسائي وإنكار ذلك أكثر من الرجل.
7- أن المرأة باستطاعتها القيام بالدعوة الفردية بينما الرجل لا يستطيع لأنها من الخلوة بالمرأة ( لا يخلون رجل بامرأة ).
8- لغزو أعداء الإسلام قطاع النساء، وعليه لا بد من رد وتصدي المرأة الداعية لهذا الغزو.
9- كثرة الدعوة لتحرر المرأة من قيود الكتاب والسنة في هذا العصر، ولابد من العمل في هذا المجال والخط للتصدي لهذه الدعوات الهدامة.
المرأة والدعوة :
لقد مارست المرأة في عهد النبوة الدعوة النسائية منذ بزغ فجر الإسلام ، لقد رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء ترجف أطرافه حتى دخل على خديجة رضي الله عنها وقال: ( زملوني زملوني )، فغطته حتى ذهب عنه الروع ، ثم قال : ( أيّ خديجة مالي لقد خشيت على نفسي )، وأخبرها الخبر، قالت : ( كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ).
فكان دور المرأة في الدعوة منذ البداية مساندة للداعية، مساندة للنبي صلى الله عليه وسلم مادياً ومعنوياً؛ لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ ذلك المعروف لخديجة فقال صلى الله عليه وسلم مبيناً دور وفضل رائدة الدعوة النسائية " خديجة بنت خويلد " قال : ( قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء ) .
كان دور المرأة في الدعوة أن تفتح المجالات لزوجها الداعية، أن تدله على أشخاص مهمين، وأن تعمل روابط تنفعه في دعوته، لذلك جاء في حديث البخاري أن خديجة رضي الله عنها انطلقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل - وهو ابن عم خديجة – فقالت : يا ابن عمي اسمع من ابن أخيك ، قال ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم .. الحديث، أوصلته إلى شخص مهم ليعطيه إشارة عظيمة ومشورة مهمة، وكان ذلك تثبيتاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك سار أمهات المؤمنين والصحابيات والصالحات، فأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على سبيل المثال قامت بدور عظيم في ابتداء الدعوة، وكذا في قصة تثبيتها ولدها عبد الله بن الزبير، وهذه أم سفيان الثوري رحمها الله التي قالت : يا بني اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي ، ولم تكن القضية مساندة مادية فقط بل توجيهات شرعية أيضاً فقد قالت تذكر ابنها بالإخلاص : يا بُني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك، وهكذا كانت أم الإمام مالك، وأم الشافعي رحمهما الله.
هناك مشكلات تواجهنا في الدعوة النسائية اليوم منها :
1- قلة عدد النساء الداعيات، فبعض الأوساط الريفية والقرى لا يوجد بها دعوة فضلاً عن أماكن وجود الأقليات الإسلامية في دول العالم المختلفة.
2- المرأة ليست كالرجل لا في قدرتها على الذهاب والحركة والنقل ولا في الحرية من المسؤوليات الداخلية التي تربطها.
3- إهمال الدعوة في الأماكن العامة وهذا من الجهود العامة المهملة.
4- عدم الجرأة على اقتحام الدعوة و الخجل المذموم من بعض النساء.
5- الفوضى وعدم التخطيط لجلسات النساء ودروسهن فتسير الدروس بالارتجالية والبركة !
6- استخدام وسائل دعوية لدى الدعاة لا تصلح للداعيات..
7- عدم إشراك الرجال في برامج الدعوة النسائية مطلقاً، أو الاعتماد على الرجال في كل شيء وفقدان المرأة الداعية ثقتها بنفسها.
8- صعوبة التوفيق بين الدعوة والشؤون المنزلية، فأمام المرأة عمل ودراسة وتدريس ودعوة وزوج وأولاد وطبخ وإشراف على الخادمة، وهذه معضلة بالنسبة لها.
9- الورع الزائد فتقول بعض الأخوات: أنا لا أتصدر، وأنا لا أفعل، وبعض الأخوات على العكس يُطلب منها عمل محدد فتتجاوز وتفتي فتأثم على الفتوى بغير العلم.
10- إهمال العبادة ومجاهدة النفس وأعمال القلوب والتعلم والتدريب المستمر.
11- الاهتمام بالدعوة خارج البيت على حساب الدعوة داخل البيت.
12- ضعف التعاون، وخلاف الرأي المولد للشقاق.
13- استخدام وسائل غير جائزة في الدعوة، فتُقام أحياناً بعض الأسواق النسائية وعليها ملاحظات شرعية فقد تكون البضائع غير جائزة، أو المكان غير مناسب، أو في دعوة بالبالتوك أو الماسنجر، أو بأسلوب مائع ومستهجن.
14- ضعف احترام كبيرات السن، وكذا النساء ذوات الحضور الاجتماعي، أو المبالغة في التقدير لحدّ المجاملة والنفاق.
15- سرعة إحباط بعض النساء العاملات في حقل الدعوة لمجرد توجيه النقد إليهن مما يتولد عنه التوقف عن العمل الدعوي.
16- انحصار الدعوة في عالم التحفيظ أو مراكز التحفيظ النسائية، أو انفتاحها بشكل غير مدروس في كل مكان مما يؤثر على المدعوات.
17- ضعف البرامج في إعداد الشخصيات النسائية مثل: إعداد برنامج عبادة إيماني وعلمي وأخلاقي مثل: ( التوبة، إصلاح القلوب، الزينة واللباس، واقع المرأة الغربية، أسباب السعادة الزوجية، أثر الأفلام والمسلسلات، الحقوق.. )(8/192)
18- ضعف إطلاق الطاقات الموزونة بالضوابط الشرعية، ووضع المرأة المناسبة في المكان المناسب، والتذكير باستمرار التسديد ورفع المعنويات.
19- إهمال أخطاء الداعية أمام المدعوات وأثرها السلبي في تراجعهن عن الاستقامة.
20- ضعف المصدر المالي للدعوة النسائية.
21- الفوضى في وضع الخطط والأهداف ( ماذا نريد من الدعوة النسائية، وما هو المطلوب، وما هي الوسائل ).
22- التوجيه المباشر للمخطئ دون حاجة، وعدم العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال أقوام ).
ومثل هذه الإشكالات في أوساط الدعوة النسائية يمكن تجاوزها :
1- بالانضباط والتخطيط والتنسيق.
2- وتوحيد الجهود ورص الصفوف.
3- ومنح المرأة الثقة.
4- وتأهيلها وتدريبها للقيام بشأن الدعوة.
5- وتعاون المجتمع والأسرة معها.
6- وتوزيع الطاقات الدعوية في الأوساط المختلفة.
7- واستشعار المسؤولية تجاه الدعوة.
8- والبعد عن الارتجالية والفوضى.
9- التوكل على الله، و التقوى.
10 وتقديم الأولويات الشرعية على ضوء الشريعة.
11- وإعطاء كل ذي حق حقه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يقولون بالحق و به يعدلون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
==============
الوصايا العشر للعاملين بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .
عبد الرحمن بن عبد الخالق .
المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
فإن هذه الرسالة قد كانت محاضرة ألقيتها في المخيم الربيعي الذي أقامته جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت الاثنين 28 جمادى الأولى 1408هـ ولأن هذه المحاضرة قد كانت ثمرة قلب، وخلاصة تجربة في الدعوة، استمرت بحمد الله نحو ثلاثين عاماً، أحببت أن أنقلها كتابياً لإخواني المسلمين في كل مكان لما أرى لها من أهمية بالغة، وفائدة كبيرة أرجوها لإخواني الدعاة إلى الله.
وإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصاً، وأن يرزقني حبه ورضوانه، وأن يوفِّق إخواني الدعاة في كل مكان إلى التزام صراطه المستقيم، واقتفاء أثر رسوله الكريم.
وأن يستعملنا في طاعته على النحو الذي يحبه ويرضاه، إنه هو السميع العليم.
مدخل :
نحن ننتمي بحمد الله تعالى إلى الأمة المختارة من الله سبحانه وتعالى لحمل رسالة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، وهذه الأمة قد مرت عليها أيام سعد وعز ونصر وتمكين لما قامت بهذه المهمة ؛ فلما قامت به أعزها الله سبحانه وتعالى، ثم مرت عليها أيام محن وألام ومصائب، وذلك لا شك قد كان بسبب تركها لهذه المهمة العظيمة: مهمة الإيمان بالله والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحالنا اليوم لا يخفى ، لذا سأركز إن شاء الله في عشر نقاط أرى بحكم تجربتي أنه لو أخذت بها الأمة فإن النتيجة الحتمية بحول الله تبارك وتعالى وقوته هي العز والنصر والتمكين، والفوز برضوان الله بالآخرة، وسترون إن شاء الله أن هذه النقاط العشرة من البديهيات، ولكنها للأسف تغيب عن كثير من المسلمين العاملين في حقل الدعوة، بل عموم المسلمين قد لا يهتمون بشؤون الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
الوصية الأولى :
البدء بدعوة الناس إلى تحقيق غاية وجودهم : عبادة الله وحده لا شريك له .
أول محطة في طريق الدعوة أن نستطيع القول : إنها نقطة المنطلق، لابد أن نعرف غاية الخلق وسر الوجود، وهذه النقطة قد فصَّلها الله تفصيلاً كاملاً في كتابه، وبينها النبي بياناً كاملاً، وهي النقطة التي يدور عليها عمل الرسالات جميعاً، وهي باختصار: عبادة الله تبارك وتعالى وتوحيد الله عز وجل، فالله ما خلق الخلق إلا ليعبدوه فلا خروج لأحد عن دين الله عز وجل، حتى الكافر فهو في دين الله، وفي حكم الله، وفي قهر الله، وفي جبروت الله، وفي قبضة الله سبحانه وتعالى، ولا انفكاك لأحد منا عن حكم الله وتصريفه، وأنه سبحانه شاء أن يصطفي من البشر من يعبده، ويكرمه الله بهذه العبادة، ويرشده إليها ويوفقه إليها، وأن الله شاء أن يكون هناك المتأبي على الله الذي لا يتبع هذا المنهج ويعارضه، ويكون مصيره الخذلان والنار .
فهذه النقطة ينبغي أن تكون هي المنطلق الأول في الدعوة إلى الله عز وجل: الانتماء إلى هذه الأمة التي أوجدت لمهمة وهي: أن تدعو إلى عبادة الله التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب , إذن الخطوة الأولى نحو عز الأمة ونصرها وتمكينها في الدنيا، ثم سعادتها في الآخرة وفوزها برضوان الله عز وجل ينبغي أن تكون من لا إله إلا الله.
الوصية الثانية :
توحيد الصراط: يجعل الكتاب والسنة مصدراً للتشريع وإتباع سلف الأمة , ورد كل خلاف إلى كلام الله وكلام رسوله .
إنه لابد من توحيد الصراط، فالأمة التي تريد أن تعتز وتنتصر لا بد أن يكون صراطها واحداً، بمعنى أن يكون منهجها وطريقها واحداً، فمعنى المنهج والطريق هو السنن العملية في الحياة، كما ينبغي أن يكون التشريع واحداً كذلك، وهذا الذي نقوله ونطلبه في صلاتنا إذ نقول: {اهدنا الصراط المستقيم}(6) سورة الفاتحة.
ما معنى الصراط؟ الصراط منهج عملي كامل، بمعنى أنك في الأربع والعشرين ساعة تعمل، تعمل أشياء كثيرة، قيامك من النوم وطهورك وصلاتك وخروجك من منزلك وسعيك لمعاشك، وتربيتك أولادك، ومعاشرتك لجيرانك، وزوجتك، والناس وتعاملك، وكلامك، وأخذك، وبيعك، وعطاؤك، وما تقابله من نعيم في هذا اليوم وما تقابله من محن ومشكلات، المنهج العملي الكامل هو مجموعة التصرفات كلها، لا يوجد تصرف من تصرفات الإنسان ليس لله فيه حكم .(8/193)
فما من تصرف للإنسان على هذه الأرض إلا ولله فيه حكم، فيقول لك : هذا مباح فاعمله، وهذا واجب لا بد أن تؤديه، أو هذا حرام إياك أن تفعله، أو هذا مندوب إن شئت فعلته فلك أجره، أو هذا مكروه الأولى لك أن تتركه، فأعمال المكلفين تقع ضمن أحكام تكليفية، لا ينفك المكلف من خلالها عن حكم الله .
فكيف تتصرف تجاه الله سبحانه وتعالى، تجاه النبي، تجاه المؤمنين، تجاه الكفار، تجاه الزوجة، تجاه الأولاد، تجاه الناس، لا يوجد تصرف من هذه التصرفات إلا وفيه حكم، وبالتالي لابد أن يكون لنا تصرف واحد، فإذا قال المؤذن: حي على الصلاة: فنتوجه جميعاً إلى الصلاة، وإذا رأينا المنكر تشمئز منه قلوبنا، كلنا نشمئز من هذا المنظر، ونحاول إنكاره بما
استطعنا، إذا حلت بنا مصيبة وقفنا منها موقفاً واحداً: الصبر والتسليم لأمر الله والتصرف بما أمر الله سبحانه وتعالى، هذا إذا كان تصرفنا واحداً.
ولكن إذا كنا مختلفين في العقيدة تصرفنا تصرفاً مختلفاً، فإذا قال المؤذن: حي على الصلاة: فواحد يكره هذا ويولي ظهره وآخر يلبي النداء، إذا رأينا منكراً، أحدنا يستحسن هذا، وآخر يستنكره، وإذا رأينا امرأة عارية في الطريق فواحد يستحسن هذا، ويشجع هذا ويأمر به، وآخر يلعنها ويسبها، وهكذا يكون تصرف أمام المنكر مختلفاً، فلا بد من توحيد الصراط في العمل، وكذلك في المنهج التشريعي: صلاتنا واحدة، وصيامنا واحد، فقهنا واحد و هكذا لابد من توحيد صراط الأمة وهذا بتعليمها مناهج الإسلام كلها حتى يظهر في الأمة النموذج الكامل للإسلام.
الوصية الثالثة :
التربية والتزكية هي السبيل لإنشاء الجيل الذي ينصر الله به الأمة، ويعز به الإسلام .
ليس الإيمان بالعلم فقط، وإنما بالعلم والتصديق والإحساس وتشرب القلب، أعني أن الإيمان ليس هو فقط مطلق المعرفة بالله، فلو كان هو مطلق المعرفة بالله لكان إبليس مؤمناً، وكان كل الذين يقرؤون القرآن ويقرؤون السنة مؤمنين، علماً بأن القرآن مبذول لكل أحد، يأخذ منه المؤمن والمنافق، بل بعض الكفار عندهم دراسات، وعندهم من علوم القرآن والسنة أكثر بكثير من المسلمين المؤمنين، والحال أنهم بهذه الدراسة ليسوا مؤمنين وإنما الإيمان يقول: يقول الله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً}(2) سورة الأنفال , فلم يقل سبحانه وتعالى إنما المؤمنون الذي عرفوا الله ورسوله وإنما قال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} هذا شعور وإدراك وتصديق {وإذا تليت عليهم آياته} ما قال حفظوها أو فهموها بل قال: {زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون}(2) سورة الأنفال.
التوكل معروف: وهو أن تبذل السبب وتدع النتائج إلى الله، لكن ممارسة هذا في الواقع العملي يختلف، فما كل من عرف هذا مارسه {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}(3) سورة الأنفال ، كثير من الناس يعرفون وجوب الصلاة، وقد يعرفون أركانها وحدودها وتشريعاتها ولكن يؤذن المؤذن ولا يصلون، وإذا صلى فليس عنده قلب لإقامة الصلاة، وأعود فأقول (تربية على الإيمان):{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}(14) سورة الحجرات.
ما معنى هذا؟ معناه أن الإيمان يحتاج إلى نوع من الممارسة والعمل، وهذا ما أعنيه هنا بالتربية، التربية على الإيمان، لأنه بالتربية يتشرب القلب الإيمان، وكذلك فأعمال الإيمان أعمال كثيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان].
و الأمة تقوم على جيل القرآن وازعه، والخوف من الله رادعه، أناس يخافون الله عز وجل بالسر والعلن، هذا الجيل لا يمكن أن يتأتى إلا بتربية، ولذلك كان من حكمة الله ورحمته بهذه الأمة أن جيل الصحابة تربى التربية الكافية ولو أن الرسول من أول يوم دعا فيه الناس للإيمان جاءته كل قريش فدخلت في الإسلام في يوم واحد، ما تربى ولا خرج رجال، ولكن تأخر النصر إلى ثلاث عشرة سنة والمسلمون في الشدة العظيمة، والتعذيب والقهر والطرد والبلاء .
لذا لابد من اعتماد التربية وسيلة لإخراج الجيل، وكثير من الشباب المتحمس يريد أن يبني دولة الإسلام عن طريق قرار وجرة قلم من الحاكم، ولو كان هذا الحاكم في شعب منسلخ عن الدين، بعيد كل البعد عن الإذعان لمنهج الله، ومآل ذلك إلى أن يتحول الحاكم المسلم قبل هذا الشعب إلى سفاح وجلاد إذا أراد أن يقيمهم على الجادة، أو يسكت على انحرافهم، وهذه مصيبة أخرى.
الوصية الرابعة :
تجييش الأمة كلها للدعوة إلى الله، وألا تكون الدعوة مهمة مجموعات أو أفراد أو هيئات فقط، بل مهمة الأمة كلها .
لابد من تجييش الأمة كلها، وأعني بالتجييش أن تكون أمة الإسلام جيشاً واحداً، وهذا لا يتأتى إلا بأن يعلم كل مسلم أنه جندي، وأنه مأمور من قبل الله بحمل هذه الأمانة، وبالتالي واجب الدعوة إلى الله ليس على طائفة معينة، بل على كل أحد بقدر جهده وبقدر عطائه ومن أعظم الأدلة على ذلك أن الله هدد بالنار القاعد عن الهجرة، قال تعالى:{الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}(28) سورة النحل أي: بالقعود في ديار الكفر وعدم تمكنهم من تطبيق الدين , فهذا الإنسان الذي لم تدفعه عقيدته لأن يترك بيته ووطنه ليعلن ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم شرائع الإسلام، لا عذر له أن يقول كنا مستضعفين في الأرض.
الناس تخرج وتهاجر وتترك أوطانها لتكسب الدينار والدرهم، فإنه يجب أن يكون الدين أعز من النفس والدنيا .
الوصية الخامسة :(8/194)
البناء من كل المواقع، والعمل في كل اتجاه .
بعد تجييش الأمة، بأن يكون كل مؤمن جندياً لله تبارك وتعالى لابد من التوجه إلى البناء في كل موقع، أعني أننا لا نريد أمة من صنف واحد، تتوجه إلى عمل واحد، لا نريد جميع الدعاة إلى الله خطباء، فالخطابة وتعليم الناس باب من أبواب الدعوة، وتربية الأبناء باب، وكل هذه ولا شك من عمل الدعوة ومن عمل البناء.
فالأمة احتياجاتها عظيمة جداً، وبالتالي لابد من التوجه إلى كل مجال يمكن للمسلم أن يثمر فيه وأن يعمل من خلاله، وهذا الذي كانت عليه أمة الإسلام في عهد النبي، فالذي يبني أمة يحتاج إلى كل فرد، وكل فرد ينبغي أن يكون في موقعه، ولا يوجد فرد مسلم، وإلا وفيه نفع ما، وأعلانا منزلة أكثرنا نفعاً، فيمكن أن يكون لكل إنسان عمل في الدعوة، وبالتالي إذا أردنا أن نقيم أمة لابد أن يكون كل إنسان مهماً مهما صغر شأنه وقل عطاؤه، فليكن له عطاء بحسب قدرته، ولو كان لكل إنسان مهمة في الدعوة لتغير حال الأمة.
الوصية السادسة :
العمل المتأني على توسيع دائرة الإيمان الذي يعني بالضرورة تضييق دائرة الفسق والكفران، الفساد موجود والخير موجود، والقضاء على الفساد يمكن أن يكون بمجرد جرة قلم من الحاكم هذا صحيح، كما ذكرت في القضية الثالثة لكنه قضاء ظاهري، وأما القضاء الحقيقي على الفساد إنما هو بتوسيع دائرة الإيمان، والخنق التدريجي للفساد، والتضييق عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً..] ومعنى لتأطرنه على الحق أطراً : أي تستمرون وراءه بالموعظة والتشديد والتضييق.. وهذا هو الخنق التدريجي، حتى يموت الفساد ويختفي وهذا هو الطريق الصحيح وبالتالي لو التزم كل منا برجل واحد كل عام نكون قد وسعنا دائرة المهتدين، وضيقنا دائرة المفسدين، وهذا العمل التدريجي المتأني عظيم جداً والدعوة مباركة مثلها مثل الزرع تبذر بذرة، ويتولى الله تبارك وتعالى إنباتها ونموها واستواءها.
الوصية السابعة :
الحرب على كل الجبهات، ومحاولة سد كل الثغرات :
لابد من سد جميع الثغرات والحرب على كل الجبهات وفي كل الميادين، فالأمة الإسلامية قد فتح عليها باب الشر من كل مكان، والقول الآن بأن الدعوة لا تكون إلا في مكان واحد من هذه الأمكنة خطأ كبير، مثلاً لابد من الدعوة إلى التوحيد، وهذه هي البداية، ولكن هذا القول يمثل نصف الحقيقة وليس كل الحقيقة فلو كانت الدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى التوحيد فقط، ورأيت عارياً وجائعاً، ألا ينبغي لك وأنت تدعو إلى التوحيد أن تكسو هذا العاري، وأن تطعم هذا الجائع، أم أنه إذا جاءك الجائع والعاري وأمسك بثيابك، وقال لك: يا فلان أنا جوعان أعطني ديناراً، تقول له: اذهب عني أنا الآن مشغول بدعوة التوحيد، فهناك من يتصرف مثل هذا التصرف، يرى حاجات الناس وآلامهم ومصائبهم، وركوب الظالمين عليهم وتهتيك حرماتهم، ولا يهتم بشيء من ذلك ويقول: الدعوة إلى التوحيد أولاً!!.
ولا شك أن هناك أوليات، وليس معنى الأولوية أن لا نشغل بغيرها، هذا خطأ في فهم الأولويات، إذ لا بد من الحرب على كل الجبهات , التوحيد أولاً نعم لكن لا يجوز أن نشغل عن إحسان الصلاة فإذا كانت صلاتي غير صحيحة فينبغي أن أصححها، وإذا كان بيننا رجل جائع فلا بد أن نطعمه ونتعاون في هذا، لابد أن تكون الدعوة عملاً في كل ميدان وسداً لكل الثغرات حسب الإمكان، فأعداء الله عز وجل شغلوا كل إنسان منا بمشكلته، وكل جماعة بهمومهم وجعلوا الناس مهمومين، كل يكفيه همه، أن يفكروا في غيرهم ويبحثوا عن سواهم.
الوصية الثامنة :
تصحيح مسيرة الدعوة أولاً بأول، وإنكار منكر الدعاة قبل غيرهم .
فليس كل من دعا إلى الله عز وجل معصوماً، بل كل منا معرض للخطأ والصواب، وأخطاء الدعاة كثيرة، وهناك الذين يحاربونهم، يتصيدون هذه الأخطاء، فلو كان إظهار خطأ المهتدين عيباً لما بين الله تبارك وتعالى كثيراً من عيوب المهتدين .
بعض الدعاة يريد أن يكون جباراً في الأرض يسفك الدماء المحرمة بغير حق، ويستحل حرمات الناس بغير حق والسكوت عن هذه الأخطاء إقرار لها وتشويه للمنهج الإسلامي، وصد عن سبيل الله، فلو سكت أنت عن هذا، وسكت أنا، أصبح هذا من جملة المنهج، فهذا ليس منسوباً إلى الله سبحانه وتعالى ورسوله، لأنه وغيره منسوبون إلى الدعوة، فإذا سكتنا عن أخطائه، تصبح هذه أخطاء المنهج الرباني، والمنهج السماوي منهج الله، وهذه جريمة، جريمة في حق الدين أننا نسكت عن الأخطاء، أي خطأ أظهر للناس ينبغي أن يبين فيكون المنهج سليماً والطريق سالكاً نظيفاً .
الوصية التاسعة :
تنسيق العمل بين الجماعات الإسلامية ومناصرة بعضها بعضاً والوقوف صفاً واحداً أمام القوى المعادية .
وتتمثل هذه السياسة الحكيمة فيما يأتي:
1- إشاعة إخوة الإسلام ورابطته بين جميع العاملين للإسلام، والدعوة إلى المسلم في كل زمان ومكان وهيئة وجماعة، وأن هذه الرابطة من أصول الدين وقواعد الإسلام.
2- التلاقي بين العاملين للإسلام ومناقشة أولوياتهم ومناهجهم والانفتاح على الآخرين، ومعرفة ما عندهم.(8/195)
وأنا لا أدعو بالضرورة إلى دمج الجماعات الإسلامية في جماعة واحدة فهذا لا شك فيه استحالة وبعد عن الواقع والمعقولية في الوقت الحاضر، وإنما أدعو إلى الوقوف صفاً واحداً في القضايا العامة وحرب أعداء الله وأعداء رسوله ودينه، وأما في أمور التربية الخاصة، والأولويات والاهتمامات، فلا شك أنه كلما كان هناك لقاء كان هناك تقارب، وكلما كان هناك أكثر من جماعة في القطر الواحد كان هناك مجال عظيم للتنافس في الخير والتسابق إلى الإحسان .
الوصية العاشرة :
الاعتصام بالله دائماً، واليقين أنه هو سبحانه الذي يقود ويوجه مسيرة الدعوة، ويسدد الدعاة، ويختار لهم وأن الدين دينه والأمر كله له .
إن جماع هذا كله هو الاعتصام بالله تعالى، والعلم بأن حركة الدعوة إلى الله الذي يخطط لها ويقدر لها هو الله سبحانه وتعالى وليس الأفراد، ألم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أكمل الناس عقلاً وفكراً وفهماً بدليل أن العرب بأحلامهم التي تزن الجبال كانوا إذا اختلفوا يتحاكمون إليه، ويرضون بحكمه ويقولون عنه: الأمين والصادق، وهذا من كماله البشري، ولما جاءته الرسالة وعنده هذا الكمال وعلمه الله سبحانه عز وجل، فكان يخطط كيف ينشر هذا الدين وكيف تعز الأمة، ولكن لا شك إذا نظرنا في القرآن فسنجد أن الذي كان يقود مسيرة الدعوة هو الله سبحانه وتعالى وليس الرسول عليه السلام، في الظاهر النبي.. لكن في الحقيقة والواقع الذي يخطط للأمر بمعنى يقدر الأمر هو الله سبحانه وتعالى .
فالله تبارك وتعالى هو الذي يقود مسيرة أهل الإيمان وهو الذي يربيهم ويعلمهم ويبتليهم بالخير والشر، الشر الظاهري لكنه في باطنه خير، فينبغي أن يعتصموا بالله كما قال الله في ختام آية الدعوة {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(78) سورة الحج.
الخاتمة :
هذه يا إخوة: عشر وصايا هي والله ثمرة قلبي، وزبدة عمري وبحثي واستقرائي لحال الدعوة إلى الله عز وجل ما كذبت فيها -يعلم الله- وأرجو أن أكون قد أخلصت القصد والنية في بيانها وتقديمها.
و اعلم يقيناً أن هذه الأمور والقواعد العشر معالم حقيقية للطريق لو اتبعها الدعاة إلى الله لنصر الدين بأسرع مما نتصور.
وأسأل الله أن يأخذنا إلى طريقه وأن يرفق بنا في الأمر كله والله غالب على أمره وصلى الله على رسوله محمد وآله وصحبه وسلم.
============
كيف تدعوا إلى الله (1-2)
اسم المحاضر: الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ – حفظه الله –
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، فصلواتُ الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، وعلى أزواج نبينا محمد وعلى صحابته، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فموضوع هذا الدرس: كيف تدعو إلى الله؟
وسبب اختيار هذا الموضوع ما هو معلوم من أن الدعوة إلى الله جل وعلا مهمّة عظيمة، وأن كلَّ من رغِب في الخير واستقام على الإسلام فإنه يتطلع لأن يهديَ غيره؛ لأنّ في ذلك الفضل الجزيل، وفي ذلك الفضل العظيم الذي يعود عليه وعلى غيره, وأعظم عائدةٍ على المستقيم على الصراط أن يكون له مثل أجور من هداهم إلى الله جل وعلا, فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا يَنْقص ذلك من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيء)، وقد قال عليه الصلاة والسلام لعلي حين بعثه إلى خيبر: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) يعني من الإبل الحمراء الغالية عند أهلها .
لكن كما نرى أن كثيرين يريدون أن يدعوا, ويريدون أن يهدوا الناس، لكن طريق ذلك لا يكون ماثلاً أمام أعينهم، ربما مروا بتجارب ليست بالمستقيمة، وربما حاولوا محاولات لم تكن مؤصلة ولم تكن عن تجربة، ولم تكن عن استرشاد بمن جرّب فنجح، فلهذا تكون خطاهم متعثّرة، وهؤلاء ربما فعلوا أشياء ودعوا، وكان في دعوتهم من الخطأ ما حجز آخرين عن قبول الحق والهدى؛ لأن خطأ الداعية ليس كخطأ غيره، ولهذا أمر الله جل وعلا الأنبياء جميعا بالصبر وأن لا يستخفَنَّهم الذين لا يؤمنون، كما قال جل وعلا: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)الروم:60، وقوله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)الأحقاف:35، فإن الدعوة أساسُها الحكمة، أساسها الأناة، أساسها أن يكون العبد سائرا على ما أمر الله جل وعلا به، وتاركاً لما نهى الله عنه، وإذا كان كذلك فإنّ دعوته يُرجى أن تُؤتي ثمارها ولو بعد حين.(8/196)
الدعوة إلى الله جل وعلا مطلبٌ للجميع؛ مطلب من حيث العمل، ومطلب من حيث الغاية؛ لأن الغاية؛ غاية المجتمع المسلم أن يكون مستسلما لله جل وعلا، منقادا له في الظاهر ومنقادا له في الباطن أيضا, وهذه الغاية ينبغي للأفراد أن يسعوا في تحقيقها، وللمجتمعات أن تسعى في تحقيقها، وكذلك لدولة الإسلام أن تسعى إلى تحقيقها، فإنّ تعبيد الناس لله جل وعلا هو الغاية من خلقِهم، فإذا أدرك الناس ذلك فاستقاموا عليه، فذلك فضل، و إلا فإن الناس يدعوا بعضهم بعضا، ويُرشد بعضهم بعضا، لهذا كانت هذه المحاضرة أو كان هذا الدرس؛ كيف تدعو إلى الله جل وعلا؟ ونحن سنتطرق إلى بعض النقاط في هذا الموضوع ونشير إليها، ولن نتناوله بشمول، لأنه موضوع طويل الذيول، لكن بما يفتح آفاقا لدى مَن يحب أن يكون هاديا للناس، سائرا على الحق، على صراط سوي.
المتأمل اليوم في أحوال الناس يجد أن الدعوة على أنواع:
دعوة فردية: ونعني بالدعوة الفردية أن يكون الفرد يدعو فردا آخر، أو أن يكونوا أفرادا يدعون أفرادا آخرين.
و دعوة جماعية: والدعوة الجماعية أيضا من حيث الواقع منقسمة إلى قسمين:
1) منهم من يدعو جماعيا على أساس التعاون على البر والتقوى؛ فيتعاونون ويجتمعون على أن يهدوا الناس.
2) وهناك قسم آخر من الدعوة الجماعية وهي الدعوة الجماعية المنظّمة، التي تكون عن تنظيم بتجسيد المهمات، ويكون هناك قيادة، وفروع لهذا التنظيم.
الذي يهمُّنا من هذا التقسيم في هذا الدرس هو القسم الأول، وهو الدعوة الفردية التي يمكن أن يعمل بها المرء بمفرده.
فكيف يمكن أن تكون أنت داعية إلى الله جل وعلا؟ كيف يمكن أن تهدي الناس؟ كيف تمشي في هذا الطريق دون عقبات، ودون أن تتردد فيه، وتؤثر على الناس، ويُقبَل منك ذلك؟
إذا تأمّلت الواقع الذي تعيشه هذه البلاد، بل وواقع الأمة الإسلامية بعامة وجدتَ أن الخير ينتشر يوما بعد يوم من جهة اهتداء الناس إلى الإسلام، ومحبتهم إلى الالتزام به، ورغبتهم في تعليمه، وإقبالهم على الخير.
فإلى أي شيء يُعزى هذا الانتشار العظيم؟
هل هو نتيجة للدعوة الجماعية التنظيمية؟ لا شك أن الذي يقول أنه نتيجة لذلك أنه مغالٍ، وليس له في الواقع نصيب.
هل هو نتيجة لدعوة جماعية فيها تعاون على البر والتقوى؟ أي دعوة جماعية مرتّبة ليس فيها تنظيم وقيادة إلى غير ذلك، يعني ليس لها صفة الحزبية؟ أيضا هذا فيه بعد.
ولكن الواقع أن أكثر الأسباب ظهورًا إلى انتشار الإسلام، وفي زيادة الصحوة، وإقبال الناس نساءً ورجالا على الخير وعلى الهدى، هو نشاط الأفراد؛ فهذا ينشط في عمله، وهذا ينشط في أسرته، وهذا ينشط في حيِّه، وهذا الإمام ينشط مع جماعته، إلى آخره، فأكثرها نشاطات فردية، بدون مؤثرات عظيمة؛ أو مؤثرات جماعية.
القسم الأول: صفات الداعية المفرد:
إن الداعية المفرد الذي هو محور حديثنا، لابد أن يتصف بعدة صفات، هي:
أولا: لابد أن يكون في دعوته متجردا مخلصا لله جل وعلا، يعني أن يكون له رغبة في قلبه أن يجعل الناس مطيعين لله جل وعلا، ليس له رغبة في الدنيا، ولا رغبة في الجاه، ولا في السمعة، ولا في السيطرة، ليس له رغبة في أن يكون متعاليا على الناس، وغيرها من الأخلاقيات التي قد تعرض على بعض قلوب من يدعو إلى الله.
وأن يكون مخلصا لله متذللا مطيعا، يرغب في أن يهدي الخلق إلى الله جل وعلا، لا أن يهديهم إلى غيره، وهذا الشرط جاء في قول الله جل وعلا: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)يوسف:108, قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل كتاب التوحيد في قوله: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ): ( التنبيه على الإخلاص)، وهذا أمر مهمّ مطلوب دائما، أن يكون في قلبك العمل لله جل وعلا.
إذن فالإخلاص نفهم معناه في أمرين:
الأول: أن لا تدعو إلى غير الله، ولا تحبب الناس في غير الله، وإنما تريد أن يطيع الناس رَّبهم جل وعلا وحده.
الثاني: أن تكون غير متعالي على الناس، يعني أن تكون أنت وهم بمنزلة
واحدة، ليس معناه أنه عاصي أنَّك خير منه، فلا تدري لمن تكون
الخاتمة السعيدة.
فهذا الخُلق الأول الإخلاص مهم بل شرط من الشروط، وواجب من الواجبات.
ثانيا: أن يكون ذكيا، حصيفا، نبيها، لأن حالة المدعو كثيرا ما تحتاج إلى تنبؤ، فيعرف كيف يدعو، كيف يرتِّب النتائج على المقدمات، كيف يعرف الطريق الأحسن للدخول لذلك، والذكاء هنا ليس أمرا فطريا فحسب، بل يكون أيضا بالتجرُبة، يكون بالتدرج، ولهذا من خالط الناس، و جرّب الدعوة اكتسب شيئا من الخبرة في معرفة كيف يكون الذكاء والحصافة والرأي في التعامل مع الناس.
الأمر الثالث من أخلاق الداعية: أن يكون الداعية محبًّا لبذل الخير راغبا في هداية الناس عن طريق بذل ما عنده، وأن لا يحقر شيئا من الخير، فيبذل جميع ما عنده، جميع قدراته التي يمكنه أن يبذلها, من مال أو جاه أو شيء من الحركة والعمل, أو الخدمة, أو طلاقة اللسان، وغيرها ، فهذه الأمور مطلوبة من الداعية، وهذه قد قال فيها عليه الصلاة والسلام (لا تحقرنَّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
رابعا من الأخلاق المهمّة للداعية: أن يكون واسع الأفق، يعني محلِّلا لما يجري حوله؛ فأحيانا يكون الأثر الذي يؤثر في المدعو سلبا, أو يؤثر في المدعو إيجابا، يكون هذا أثر غير مَرَئي، فيكون هناك أشياء في جوانب حياة هذا المدعو، خاصة من لا تعاشره دائما, فهذا كيف تؤثر عليه؟(8/197)
لا بد أن يكون عندك رؤية متّسعة للمؤثرات التي تؤثر على هذا المدعو، وهذه الرؤية المتسعة ستستنتج منها الأسباب التي تصدّ هذا المدعو عن قبول الخير، وستستنتج منها الأسباب التي تجعل هذا المدعو يُقبل على الخير، إن كل مسلم عنده من الخير ما عنده، لكن هذا الخير ربما غطّى عليه كثير من الرَّان المنتشر في الناس، أو من نفسه والشيطان، أو أنه متأثربمن حوله من الشياطين الذين يصدون الناس عن الحق، فهنا لابد أن يكون عند الداعية استيعاب لما حوله، ثم إذا استوعب كانت رؤيته غير محدودة، بل رؤيته متسعة، ثم بعد ذلك يدرس هذه الأسباب، ويحاول أن يأتي ويحصّل الإيجابيات وأن يبتعد عن السلبيات، ولهذا جاء مبدأ المشاورة في الدعوة، فأحيانا الإنسان لا يدرك الأشياء بنفسه، خاصة من تحليل نفسيات المدعوين، لهذا قال عليه الصلاة والسلام لمن أرسلهما إلى اليمن: (تطاوعا ولا تختلفا، وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا).
خامسا: أن يكون معتنيا بشيء من العلم المتصل بالدعوة، وأن يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا مراتبها كثيرة جدا، فهناك من الدعوة ما لا يصلح إلا للعلماء، وهناك من الموضوعات ما لا يصلح أن يدعو إليه من العلماء, هناك من الموضوعات ما يصلح أن يدعو إليه كل مسلم؛ لأن كل مسلم معه ولو الشيء القليل من العلم واليقين، الذي هو حق عليه أن يعرفه ويتعلمه، فإذا دعا فهو عنده في تلك الأشياء ما يجعله يدعو إليها.
ودليل العلم قوله جل وعلا:(عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)، فالبصيرة هي العلم.
سادسا: أن يكون الداعي إلى الله مرتباً للأولويات، وهذا ما يُسمى بتقديم الأهم على المهم، أو ما يسميه بعض المعاصرين بفقه الأولويات، وهذا أصل شرعي، كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ: (إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم...)، بعض الناس ممكن أن يبدأ بالدعوة بفرعيات يعني بمستحبات ويترك الأصول.
فإن من فقه الداعية ومن الأخلاق التي لابد أن تكون معه أن يكون عنده ترتيب للأولويات، وهذا يتطلب أن يكون معه الأشياء السابقة، وهي أن يكون ذكيا فطنا واسعا حتى يمكن أن يعرف ما هي الأولويات المتصلة بهذا الفرد، أو بهذه الأسرة، أو بهذا البيت، إلى آخره.
سابعا: أن يكون متخلِّصاً عن حظ نفسه دائماً، فيكون باذلاً لحق الآخرين، بعيداً عن أداء حق نفسه، فالناس خاصة إذا تعاملوا مع من يدعوهم و رأوا أنه يتسلط ولو بكلمة فيها شيء من القوة والغلظة فإنهم لن يقبلوه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران:159، فعلى الداعية أن يكون واسع الصدر، فلا بأس أن يقول أخطأتُ، ولا بأس أن يقول معك الصواب.
القسم الثاني هو الميدان:
كيف تبدأ العمل؟ كيف تدعو عمليّا في بيتك؟ كيف تدعو عمليّا في مكتبك؟ كيف تدعو عمليّا في المؤسسة، أو في الشركة؟ كيف تدعو عمليّا في المتجر؟ كيف تدعو عمليّا في قريتك إذا رجعت إليها، أو إذا سافرت إلى أي مكان في الطائرة ؟... إلى آخره.
هذا المجال الذي هو المجال الميداني الذي لا شك أنه من المصاعب، ويحتاج إلى تجربة، لكن هو سهل ميسر إذا أخذته بتسهيل.
أولا: البيت: البيت يحتاج منك إلى أن تنظر في هذا البيت، فتنظر إلى ما فيه من الخير الذي يَرْغَب فيه أهل البيت، وما فيه من الشر الذي يقع فيه بعض أهل البيت وأنت لا ترض عنه، فكل بيت من بيوت المسلمين فيه أشياء من الخير وفيه أشياء من الشر.
و النظر إلى الخير لابد أن يكون مع النظر إلى الشرور والمنكرات، لماذا ؟ لأن تلك قَبِلُوها وهذه قَبِلُوها، فأنتَ تريد أن يقبلوا منك زيادة في الخيرات التي يمارسونها، وأن يقبَلوا منك التخفيف من الشرور والمنكرات التي يمارسونها، فإذن في نظرك إلى البيت حلِّل أولا الإيجابيات والسلبيات، حلّل الخيرات, وحلّل المنكرات, فانظر إلى أسباب حدوث الخير وأسباب حدوث الشر، فترى في أوقات كثيرة أن أسباب حدوث الخيرات هو الإيمان الكامل في نفوسهم، والرغبة الصادقة في الدار الآخرة وفي الخير، هذه تحتاج منك إلى تنمية؛ تنميتها بأمور تغرس الإيمان في القلب، وأهمّ ذلك أن يُوَطَّن أهل البيت على محبة القرآن والذِّكر.
وإذا نظرت من جهة أخرى إلى وضع الرجل في بيته نجد أنه يعطي البيت القليل، ويَرغَب من أهل بيته أن يكونوا كما يريد، هذا لا يمكن، فلا بد أن يعطي البيت الكثير سواء أكان والدا, أو كان أخا، أو غيرهما، فلابد أن يعطي بيته كثيرا من وقته، حتى يقبل منه، فأولئك لهم طلبات؛ فهم في هذا الزمان يريدون أن يذهبوا هنا وهناك، سواء كانوا رجالا ونساء وأطفالا، أو مراهقين، شبابا وشابات, يريدون من الرجل أن يبذل لهم، أن يذهب بهم ويخرجهم، فمن وسائل الدعوة المهمة العملية في البيت أن تبذل من وقتك الكثير وتنقل أهلك إلى ما يحبون، وفي خلال هذه المدة يمكن أن تُمرِّر كثيرا من الأشياء التي أمر الله جل وعلا بها ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك في إعطاء البيت وقتا في الجلوس معهم.
أيضا من المهمات في البيت أن تنظر إلى نفسية أهل البيت، وكل واحد تعالج نفسيته بما هو عليه.
أيضا أن تأتي بكل وسيلة من وسائل الخير فتدخلها إلى البيت، من شريط مستقيم طيب، ومن كتب مثل كتب الأذكار، وكتب المواعظ، والكتب النافعة التي فيها علاج المشكلات، والمجلات المأمونة الطيبة التي تعالج بعض المشكلات وتجعلها في البيت، وهم لا شك سيقرؤون، وسيكون هناك نوع تأثر بوضعها، لمجرد الوضع لا بالفرض، نقصد فرض تلك الأشياء.(8/198)
بالنسبة للعمل: العمل ميدان آخر مختلف تماما عن البيت، فمعالجة البيوت أسهل من معالجة زملاء العمل؛ لأن هؤلاء قد بلغوا من العمر ما بلغوا؛ فلهم قناعاتهم, ولهم شخصياتهم, لكن هؤلاء لا شك أنهم على درجات مختلفة، فهؤلاء لا تنظر إليهم نظرة واحدة، بل كل واحد له وضعه، له تفكيره، له عواطفه التي في داخله.
زملاء العمل من أحسن ما يؤثر به عليهم، أن يكون هناك اثنين أو ثلاثة يبتدئون بوضع شيء من الزيارات الخاصة التي يكون فيها حضور لبعض أهل العلم، يعني يجعل مثلا بينهم لقاء أسبوعي أو ما يسميه بعض الناس دورية، يكون في ثلاث مرات في الشهر، على شكل جلسة عامة يتحدثون فيها بما يشاؤون، وفي أي أمر من الأمور، فهذا النوع من الربط المثمر بإذن الله .
أيضا من وسائل الدعوة في هذا المجال: نشر أشياء في العمل، كفتاوى لبعض أهل العلم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو نشر أشرطة نافعة يكون فيها الأثر بإذن الله تعالى عليهم.
أيضا عن طريق الصحبة الخاصة, فينفع بعضهم بعضا، ويتوسط بعضهم لبعض، والسعي في نفعهم بالأخلاقيات التي ذكرنا.
كذلك إذا كان مسؤول العمل رجلا جيدا وصالحا، يمكن أن تعقد لقاءات لكل العاملين، ويؤثر عليهم عن طريقها.
فأمامك أخي مجالات من ناحية الجهد الفردي في العمل، يمكن أن تبذله ويكون معه أشياء من الخير، ولا يمكن طرق جميع الجوانب، لكن إذا كان هناك من سعى في ذلك فيجود بخبرته على الآخرين، أو إذا رأى المرء أنه سيبدأ في ذلك فعليه أن يشاور إخوانه، ويستفيد من تجاربهم.
جهة أخرى وهي ميدان الدعوة في القرى: من الناس من يأتي مثلا إلى الرياض أو للمدن، وبعد انتهاء فترة الدراسة، يريد أن يرجع إلى بلده في إجازة وظيفية... إلى آخره.
والقرى وضعُها يختلف عن وضع المدن؛ فوضع الناس فيها يختلف عن نفسيات أهل المدن -كما هو معروف-، فكيف يخاطب أولئك؟ وكيف يسعى لنشر الخير بينهم ؟
أولئك أقرب في الغالب إلى الخير؛ أي أنهم أقرب إلى عدم مجادلة أهل الخير من أهل المدن, لأن أهل المدن ترتبت فيهم أشياء من القناعة في بعض المنكرات، أما أهل القرى فلا زالوا يحترمون أهل العلم احتراما طيبا، ويحترمون أهل الصلاح احتراما جيدا، هؤلاء تدخل معهم في نطاقات:
النطاق الأول: تنشيط مجال الدعوة في البلد؛ يعني أن يكون لك صلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلد، أن يكون لك صلة بمكتب الدعوة في القرية أو في المنطقة, تنشيط الكلمات في المساجد والمحاضرات، من خلال الدروس التي تقام في المساجد أو المواعظ التي تقام بعد الصلوات, هذه لها أثر في نفسية أهل القرى.
النطاق الثاني: الدعوات العامة أو ما يُسمى باللقاءات العامة:
والداعية إذا نظر إلى هذه اللقاءات لوجد أنها مجالاً خصباً لتوصيل ما يريده إلى المجتمع من أفكار ومعتقدات.
فهذه اللقاءات يكون الكلام فيها غالبا يدور حول ما يطرحه أول متكلم من موضوعات.
يعني لو بدأت أنت موضوعا ما، فإن الحديث في هذا المجلس سيستمر وقتا من الزمن في هذا الموضوع، وذلك إذا طرحته طرحا جيدا مقبولا.
فلو تكلمت مثلا عن شيء من أخبار الصحابة – رضي الله عنهم – أو أخبار بعض أهل العلم وما هم عليه، أو تحليل لموقف من المواقف أو نحو ذلك، فإن الحديث سيستمر في هذا الموضوع شيئا من الزمن، ربما ربع ساعة أو نصف ساعة، بقدر نباهة الداعية.
وهنا عليك أن تطيل وتتفرع في الموضوع لكي تعم الفائدة، ولكي تستطيع إيصال الفكرة التي تريدها، وكما تريدها بإذن الله تعالى.
نقصد أن يكون هذا المشارك مهتمًّا في أن تكون الجلسات العامة ليست جلسات قيل وقال، بل تكون الموضوعات المطروحة فيها مدروسة، وهذا لا بد أن يكون معه كما ذكرنا من قبل دراسة موضوعية لما يكون في تلك البلاد أو القرى من الأمور الإيجابية والسلبية.
مجال رابع من مجالات الدعوة الفردية أيضا هو: التأثير على من هم أقل منك؛ يعني المعلم مع طلابه, كبير الزملاء مع صغار زملائه وهكذا, هذا نوع من التأثير أو نوع من المخالطة موجود, والتأثر به كبير، والتأثير بهذا الطريق سهل؛ ذلك لأن الصغير في الغالب يرى المعلم، أو الزملاء الصغار يرون الكبير له محلا من الاحترام ومحلا من التقدير, وهذا يجعل الفرصة سانحة لكي يقول ما عنده، ويؤصل الدعوة الصحيحة بما يحصل لهم به الخير، وينتقلون معه إلى الأفضل.
================
رسالة عاجلة للدعاة
للشيخ / خالد بن ثامر السبيعي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمدٍ الأمين، وبعد:
في قرون مضت قدنا العالم كله، وكانت لنا السيادة والريادة، وفي صحراء الجزيرة المنقطعة عن الحضارات كلها صنع محمدٌ عليه الصلاة والسلام أمة عجبًا، قال العدو في وصف أهلها: (إنهم رهبانٌ بالليل فرسان بالنهار).
وما زالت الأمة في خير عظيم منذ بزوغ شمس الإسلام على يد الحبيب صلى الله عليه وسلم تنهل من المعين الصافي وتستمد قوتها من فيض رحمة الله حتى تنكبت الطريق وزلت بها القدم وأخذت بأخذ الأمم من قبل فانتشر الفسوق والعصيان ودب اليأس والقلق وصال الشيطان وجال حتى أصبحت الأمة في ذيل القافلة، فتداعت علينا أمم الكفر كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فحل البلاء وسالت الدماء وقطعت الأشلاء ودنَّس المسجد الأقصى بأيدي أحفاد القردة والخنازير وانتهكت أعراض العفيفات ظلمًا وعدوانًا.
والعالم كله قد أصيب بالشلل التام، لا حراك، ولا نصير إلا الله سبحانه وتعالى، عندها تذكرت قول ابن الأثير وهو يصف المجازر التي حلت بالمسلمين على يد التتار والتي ختم وصفها بقوله: (يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد)..(8/199)
ولكن هذا الكلام يحكي واقعًا ولا يقودنا إلى اليأس ، فيشاء الله سبحانه أن يُظهر ما تكن صدور الأعداء تجاه الإسلام والمسلمين، فإذا بهم يعلنون في تحدٍّ سافر مصداقًا لما أخبر الله تعالى به :{وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }(120)سورة البقرة,وأصبح الأعداء لا يرضون بأنصاف الحلول، وإنما هو الاجتثاث الكامل للإسلام وأهله!
وكشر العدو عن أنيابه، ورمانا من قوس واحدة، بل أحاط بنا إحاطة السوار بالمعصم، عندها يكون من أولى المهمات وأسمى الغايات توحيد الأمة الإسلامية ونبذ الفرقة والخلاف، ويتأكد ذلك بشكل كبير في حق الدعاة والقيادات في العالم أجمع؛ إذ لا مجال للتخاذل أو المماطلة في هذا الوقت تحديدًا.
لذا أعددت هذا العمل المتواضع والذي أسميته (رسالة عاجلة للدعاة) وأردفت (بمعالم في طريق الأمة الواحدة) إسهامًا مني في إعادة ترميم جسد هذه الأمة المتمزق علَّ وعسى أن تكون خطوة في طريق وحدة الأمة وعودتها إلى موقع الصدارة في هذا العالم والذي ينبغي ألا يكون إلا لها.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إن من أعظم المصائب التي حلت بالأمة في هذا الزمان تركها لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي صمام الأمان لهذه الأمة ومفتاح وحدتها وسعادتها ؛ ذلك أن ترك هذه الشعيرة سبب في التناحر وتعريض المجتمع للانهيار والانهزام أمام العدو الخارجي المتربص.
وبعد.. فإن الواجب على طلبة العلم والدعاة أن ينتبهوا إلى أهمية هذا الأمر، وأن يربوا الأجيال عليه وأن يوجدوا برامج عملية لإحياء هذه الشعيرة في القلوب وترجمتها على الواقع بالوسائل المتاحة.
فهل تعود الأمة إلى منهج السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك عن طريق نصح الناس في الطرقات والأسواق والمؤسسات، وإيجاد برامج لنشر الخير ودفع المنكرات، وما تزال المكاتبة والمناصحة الشفهية والهدايا والأشرطة وغيرها متاحة أمامنا فضلاً عن الثورات الحديثة في الاتصالات والمواصلات، لكننا هجرناها وانشغل بعضنا ببعض، فانحسر الخير في واقع الناس، وانتشر الفساد انتشار النار في الهشيم.
اختزال الأمة.. لمصلحة من :
إخراج الناس من الظلمات إلى النور هو الهدف الأول، ثم يأتي التمكين بعد ذلك، أما إذا اختلف الترتيب المنطقي للدعوة، كتجميع الناس حول فكرة ثم يأتي الإنقاذ من النار بعد ذلك؛ فهذا هو الاختزال المذموم.
إن ذلك الترتيب غير المنطقي أفرز بعض المظاهر التي مزقت الأمة الواحدة وانعكست سلبًا على مجتمعات المسلمين مولدة عدة عيوب منها:
1- الانتقائية: لقد أصبحت هناك معايير لدعوة الناس، مثل التركيز على فئة دون أخرى، وأفراد دون آخرين .
إنه مشروع إسلامي لجميع الفئات، فلماذا نجزئ مشروع الإسلام ثم نتنازع بعد ذلك؟!
ومع ذلك فإننا لا نذم هذه الطريقة إن نحن وضعنا الهدف الأساسي نصب أعيننا؛ ألا وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإنقاذهم من النار .
2- التزاحم على السيادة والريادة في الدعوة :
مما أنتج :
أ- ... انتشار الفساد في واقع الناس .
ب- ... خسارة عدد غير قليل من الشباب الطموح المضحي، بين متساقط، وآخر قد أصيب بالفتور، وثالث انتكس بعد أن كان شمعة تضيء للآخرين الطريق.
ج- ... لقد اهتزت ثقة الناس ببعض الشباب والدعاة حينما شاهدوا الضريبة المحزنة لهذا التزاحم كالفُرقة والحقد وسوء الظن، وأحيانًا تُطرق أبواب الكذب والخداع كالذي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيها، فماذا بقي لعامة الناس.
د- ... الاستعراض الدعوي ، إن إلقاء نظرة عامة على واقع العمل الدعوي تولد لدى المتأمل إحساسًا بتعاظم المظهر على حساب الجوهر.
فالصخب الإعلامي لبعض الأنشطة يتناسب تناسبًا عكسيًا مع أبجديات الدعوة من تربية إيمانية وعلمية وسلوكية، ومن مظاهر ذلك الاستعراض المبالغة في الثناء والمديح لبعض الأسماء بقصد جعلها رموزًا لمنهج معين لا تقبل المنافس.
لقد كان السلف يسترون أعمالهم الصالحة ويبالغون في ذلك خوفًا من الرياء، ويلاحظ اليوم أن الطلب اشتد على المديح والثناء، وهذا يعكر صفاء النيَّات، ويعرض الأعمال الصالحة لخطر الرفض، واستجابة لذلك الطلب نجد الكثير من الدعاة يبالغون في المديح والثناء لبعضهم بعضًا ولغيرهم، وهذه المبالغة في المديح تتخذ أحيانًا نوعًا من التألِّي على الله ، وفيها من صنوف الخضوع وإذلال النفس وإدخال الغرور على الممدوح !
إخوان العلانية أعداء السريرة :
نعم إخوة في العلانية يضحك بعضهم مع بعض ويتبادلون أطراف الحديث كما لو أنهم يعيشون حالة من الصفاء التي ليس لها نظير، وحينما يتوارى البعض عن الآخر تبدأ بعض الممارسات التي لا تليق بعامة الناس فضلاً عن أناس يحملون رسالة سامية، وسبب هذه العداوة أو هدفها تجيير الجهود أو طلب التفوق على الغير في ميدان الدعوة؟!
لقد كانت بداية النبي صلى الله عليه وسلم ‘ في المدينة تهدف إلى إرساء مقومات المجتمع الإسلامي ويمثل ذلك:
(1) بناء المسجد :
وفيه إشارة إلى العبادة والمنهج النبوي الكريم.
(2) المؤاخاة : وفيه إشارة إلى صفاء القلوب والسرائر .
ناصحوا ولاة الأمر وادعوا لهم بالصلاح :
إننا نمر بمرحلة حرجة في تاريخ الأمة الإسلامية تحتاج منا إلى وقفة صادقة ومنهجية واضحة في التعامل مع هذه الأحداث التي تخرج الأمة من عنق الزجاجة، ومن هذه المحنة وهي أصلب عودًا وأشد تماسكًا، وإن أهم أركان هذا التماسك هم الحكام والعلماء والشعوب، وإن المنهج الشرعي مع الحكام حتى وإن جاروا الصبر ، ما لم نرَ كفرًا بواحًا عندنا من الله فيه برهان .(8/200)
أيها الدعاة .. اتركوا الفنادق وانزلوا إلى الخنادق :
أين نحن أيها الدعاة من الميدان.. في الميدان وبين الناس ومع الفقراء والمساكين والمحتاجين والمظلومين تتبخر الأسماء الرنَّانة وتذوب الألقاب المصطنعة، ويظهر الإنسان على حقيقته، داعية مجرد من كل النعوت، حيث تتوارى الأقوال لتحل محلها الأفعال.
فرسولكم صلى الله عليه وسلم ‘ كان يمشي بين الناس في الأسواق، ويقف مع الصغير يداعبه، ويسير مع الأمة تمسك بيده تسير به حيث شاءت، ويزور أم هانئ في بيتها، ومع ذلك كله وغيره الكثير؛ يدير شؤون الدولة الإسلامية.
المرتزقة :
سمع الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ‘ بمقدم أبي علاء الحضرمي من البحرين بأموال معه، فتجمعوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم ‘ فقال : ( فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على الذين من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) .
هكذا كان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس والأخيار في عهده من انفتاح الدنيا عليهم والاغترار ببهرجها ومتاعها الزائل الحقير، ومن غلب عليه حب الدنيا فإن النتيجة الطبيعية الهلاك؛ هلاك المجتمع، وهلاك الأشخاص.
لقد فتحت المناصب على بعض الدعاة حتى ألجمتهم عن قول كلمة الحق ونصرة المظلوم، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك مستغلاً القواعد الشرعية أو لاوياً أعناق النصوص لتحقيق مصلحة شخصية أو رؤية فكرية منهجية.
النخبة.. خطر يهدد الأجيال:
النخبة المعنية هنا ليست النخبة المجرمة المنحرفة، ولكنها النخبة الخيرة التي تبتغي ما عند الله عز وجل.
لقد ظهر في واقع الدعاة اليوم داء النخبة الخطير الذي يتناسب عكسيًا مع الفتوحات الربانية.
يبدو أن هذه النخبة قد انحرفت عن أهدافها شيئًا يسيرًا فضلت السبيل، ربما غرتها بنيات الطريق فذهبت تتخبط وهي تريد أن تجمع بين الدنيا والآخرة بتوازن غير معقول حتى لو تخلت عن شيء من مبادئها وثوابتها، والضحية هم الأجيال.
وإن من أبرز العيوب التي أفرزتها تلك الطبقة في واقعنا :
1- ... أصبح لبعض النخب الدعوية امتيازات دنيوية وفرص دعوية ورحلات مجانية ودورات إدارية.
2- ... ادعاء الفرادة في توجيه المدعوين وتعليمهم كل ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم .
3- ... التعالي عن ممارسة أي واجب دعوي عملي أو ميداني بحجة الانشغال بما هو أهم.
4- ... زيادة تحقير عامة الناس .
إن النخبة في تاريخ سلفنا الصالح ومن سار على نهجهم هم إما:
أ- عالم نذر نفسه لله يعقد الدروس وينهل من العلم وينشر الخير بين الناس في يومه .
ب- ... أو عابد قد تفطرت قدماه من طول القيام وظهر على وجنتيه خطان أسودان من كثرة البكاء .
ج- ... أو مجاهد تكسرت في يده أسياف ودروع ليس في جسده موضع شبر إلا وفيه طعنة أو إصابة في سبيل الله .
د- ... أو متصدق قد بذل ماله في سبيل الله فهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
هـ - ... وإما داعية يجوب البلاد شرقًا وغربًا؛ فهو مبارك أينما حلَّ، يدعو الناس إلى الإسلام والإيمان، فكم هدى الله به من البشر.
لقد عانت الأمة الإسلامية منذ زمن طويل من ويلات النخبة؛ سواءً في السياسة أو في الاقتصاد أو غير ذلك، وفي كل مرة يتساقط الضحايا تحت أرجلهم، تسحق الشعوب لأجل مجموعة من البشر، وتدمر الديار لاسترضاء عصابة من الطغاة، والضحية هم الشعوب والأجيال.
الاستلاب الفكري :
ليس أضر على الأمة الإسلامية من تأجير العقول وتجيير الأفهام، ولقد ذم الله سبحانه وتعالى قوم فرعون بقوله : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}(54)سورة الزخرف ، وهذا الاستخفاف نوع من أنواع الاستلاب الذي قاده إلى القول: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىَ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ}(29)سورة غافر.
وإننا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وضلت فيه الأفهام، وزلت فيه الأقدام، بدأنا نشم رائحة الاستلاب تزكم الأنوف وترهق الأجيال في زمن قل فيه الرجال.
وإليكم بعض الممارسات الاستلابية:
- أصبح كثير من الشباب لا يفكر بعقله بل بعقل غيره، ويطبق ما يراه الغير لا ما يدين الله به.
- بعض المربين يمارس الاستلاب عن طريق توجيه الأوامر غير القابلة للنقاش.
- البعض ليس له حق الانتقاد ولا حتى المشاركة في تحقيق واقع أفضل فهذا محرم عليه.
- بعض طلبة العلم والمربين يلزم طلابه بالاطلاع على ما يغذي التوجه الخاص بهم دون الاطلاع على الرأي الآخر المختلف أو حتى المتنوع.
ثم إن هناك إفرازات سيئة في الواقع بسبب هذا الاستلاب، ومنها:
1- ظهور الولاء الخاص دون الولاء العام .
وإليك بعض صوره :
- أن يحب أحدهم فلان من الناس لأنه يوافقه في المنهج والفكرة حتى وإن كان مقصرًا في جانب من جوانب الطاعة، ولا يحب الشخص الآخر وإن كان تقيًا لأنه يخالفه المنهج.
- أن يجد الراحة في الصلاة خلف إمام يعرفه ويتفق معه في المنهج بينما لا يصلي خلف إمام آخر ولا يرتاح لذلك حتى ولو كان حافظًا لكتاب الله.
- أصبح حضور المحاضرات حسب الولاء الخاص وتكثير سواد من له الولاء .
- ظهور الخلاف والفرقة في بعض الأسر بين الأشقاء بسبب الولاءات الخاصة.
2- الأجيال بين مطرقة التدجين وسندان الاستنساخ:
إن من أخطر آثار الاستلاب هو تدجين شرائح من المدعوين الذين لا يملكون شيئًا من مقومات الشخصية، بينما في الطرف الآخر يتم استنساخ نماذج من الأشخاص المؤثرين حتى يستمر ذلك الخط الدعوي على نفس الوتيرة.
3- تقديس الأشخاص:(8/201)
إن مما يميز الأمة الإسلامية عن غيرها هو عدم وجود سلطة كهنوتية أو رجال دين، فالجميع سواسية ولا يكون تمايزهم إلا بالتقوى، فهذا الأعرابي يوقف عمر يسأله، وتلك خولة توقف عمر في الطريق تناصحه، وتقول: اتَّقِ اللهَ يا عمر.
وهناك منزلة أقل من التقديس ألا وهي مجاملة المربين على حساب الحق والدين، وإن أسباب المجاملة ترجع إلى أمرين :
1- ... أن يكون هذا الداعية المربي ممن يوزع المناصب الدعوية في حيزه الضيق، فيسكت البعض حتى ينال حظوة دعوية .
2- ... أن يكون عند هذا الداعية المربي شيء يسير من مفاتيح الدنيا الفانية، فيفضل البعض السكوت عن الأخطاء لكي يستفيد.
معالم في طريق الأمة الواحدة :
وأختم هذه الأطروحة بأمنية تخالج قلب كل مؤمن، وتداعب خيال كل ناصح لهذا الدين؛ وهي عودتنا للأمة الواحدة التي ستعيد أمجاد آبائنا وأجدادنا ، وإليك هذه المعالم :
- {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحِكُمْ }(46) سورة الأنفال‘{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَّلاَ تَفَرَّقُوا}(103) سورة آل عمران ، فالخلاف شر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، ولابد من سعة الأفق مع مراعاة الابتعاد عن قصر المواجهة وتحمل أعباء المعركة على فئة من المسلمين دون غيرهم، فكل مسلم له حق المساهمة والمدافعة عن حقوق المسلمين، بعيدًا عن أي تعصب أو حزبية .
- ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنتي ).
- ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ ) .
- أن تجتمع الأمة على التوحيد الذي خلص من الشوائب.
- الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التهاون بها، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ}(31) سورة آل عمران .
- يجب على الأمة إذا أرادت الخيرية أن تؤدي شرط الله تعالى فيها، قال قتادة: (بلغنا أن عمر بن الخطاب في حجة حجها رأى من الناس رعة (أي هيئة غير حسنة) فقرأ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(110) سورة آل عمران ، ثم قال: من سرَّه أن يكون من تلك الأمة فليؤدِّ شرط الله تعالى فيها).
وشرط الله الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه هو قوله تعالى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ}(110) سورة آل عمران .
- الأمة الواحدة لا تجتمع على الخصوصيات وإنما تجتمع على عواصم الدين ومحكمات الشريعة وقواعد الملة .
- يجب أن يكون الرد والتحاكم إلى الكتاب والسنة ولا قدسية لأقوال البشر {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}(65) سورة النساء، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَّلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(36) سورة الأحزاب.
فليتقِ الله قومٌ قدموا أقوال المفكرين وبعض الدعاة على قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
- ضيقوا على دعاة الانفتاح المهلك الذين يهرولون إلى ما يسمونه بالمعاصرة حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والثوابت.
- ليكن هدف المسلم الأول من الدعوة إنقاذ الناس من النار وابتغاء الأجر من الله (وفر من الحزبية فرارك من الأسد).
- ينبغي لطلبة العلم والدعاة أن يكونوا شيوخ عامة ينشرون العلم ويعلمون الناس ويوجهونهم إلى الخير والدعوة ويقتدوا بأسلافهم .
- لا تكن عبدًا لأحد ، كن عبدًا لله؛ فإنك ستسأل يوم القيامة وحدك {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(38) سورة المدثر.
الخاتمة :
إن ما طرح في هذا العمل يحتمل الخطأ والصواب، فما كان من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي المقصرة والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، أما النقد والملاحظات المذكورة في ثنايا البحث فما أردت بها إلا الوصول إلى الخيرية، ولقد قال رسول الله ‘ لأبي ذر ـ معاتبًا وناصحًا ـ (إنك امرؤ فيك جاهلية).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقطع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه التخشين).
ثم إني أذكِّر في الخاتمة بثلاث قضايا مهمة لعلها تبقى راسخة في الأذهان:
1- ... ينبغي أن ندرك أن الأمة الواحدة لن تقوم لها قائمة ما لم تنضوِ تحت الوصية المحمدية والراية المنجية : (ما أنا عليه وأصحابي ).
2- ... لن تعود الأمة إلى سابق مجدها وعزها إلا بالجهاد، واليهود سيختبئون خلف الحجر والشجر هربًا من المجاهدين، ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ).
3- ... على الدعوات المنتشرة في العالم أجمع أن تعيد ترتيب أهدافها من جديد، وليكن هدفها الأول تعبيد الناس لله وهدايتهم من الضلالة وإنقاذهم من النار.
وأظن أننا بحاجة في هذا الوقت بالذات إلى علماء ودعاة وشباب يحملون راية الأمة الواحدة ، يصبرون على هذا الطريق مهما استحكمت الأزمات وترادفت الضوائق، قد وطنوا أنفسهم على احتمال المكاره ومواجهة الأعباء مهما ثقلت .
إن على الأمة الإسلامية عامة ودعاة الخير خاصة أن يتحلوا بالصبر واليقين فبها تنال الإمامة والتمكين،(وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَّهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )(34) سورة السجدة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
=============
أفكار للداعيات
المؤلفة : راجية فضل الله(8/202)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
هكذا حياة المؤمنة جهاد في سبيل الله، فهي لا تكاد تفرغ من عمل صالح حتى تدخل في عمل آخر ومن أجلّ الأعمال الصالحة "الدعوة إلى الله ".
قال تعالى :{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ (15)} سورة الشورى .
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ( أي فللدين القويم والصراط المستقيم الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله فادع إليه أمتك وحضهم عليه وجاهد عليه من لم يقبله واستقم بنفسك , فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلكومن المعلوم أن أمر الرسول أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له) .
إذاً فيا أيتها المؤمنة أنت مأمورة بالدعوة إلى الله بقدر استطاعتك وحسب قدراتك.
ولعلي من خلال هذا الكتاب أقدم لك بعض الأفكار الدعوية التي تتناسب مع قدراتك ووضعك كامرأة، علنا بذلك نتعاون على الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يهلكنا الله بعذابه , قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) } سورة الأعراف .
يقول ابن كثير رحمه الله: فنص على نجاة الناهين، وهلاك الظالمين، وسكت عن الساكتين، لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم هل كانوا من الهالكين أو من الناجين على قولين.
والآن يا أخية:
ضعي يدك في يدي واضغطي عليها بقوة الأخوة في الله والعزم الصادق على الدعوة إلى الله وتعالي معي نبحر عبر صفحات الأفكار الدعوية وهيا إلى العمل , قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ (105)} سورة التوبة .
الداعية الصامتة.. لماذا ؟
قال تعالى: { وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (53)} سورة الأحزاب .
ألا ترين أهل الباطل يتسابقن إلى باطلهم ويتنافسن فيه ولا يستحين من الله ولا من خلقه هذا وهن على باطل..!
فلماذا نستحي نحن أهل الحق ؟
أختي إن كل واحدة منا على ثغرة في الإسلام عظيمة فاحذري أن تؤتى هذه الثغرة من قبلك.
عند حضورك أي درس أو محاضرة , فمن الأفضل أن تصطحبي معك ورقة وقلما وتقومين بتسجيل الأفكار الرئيسة كرؤوس أقلام وعند العودة إلى المنزل تكونين داعية بين أهلك، فتبلغين الوالدة والأخوات بما من الله عليك من علم خلال الدرس الذي حضرتيه.
هل أنت ممن من الله عليهن ببعض العلم الشرعي؟
إذا كان جوابك نعم , فاجعلي من بيتك مركز دعوة لله عز وجل، اختاري يوماً في الأسبوع أو يومين في الشهر حسب ظروفك , اجعلي هذا اليوم مجلساً للذكر وحبذا لو كان يجمع العلم أيضاً، اجمعي فيه جيرانك وأقاربك من ذوي الأعمار المتقاربة واقطفي في هذا المجلس من ثمرات العلوم الشرعية المختلفة، فمن حفظ قرآن وتفسير إلى عقيدة وهدي نبوي.
ابدئي فقط وسترين تيسير الله بعد ذلك و لا تنسي إعمال النية في كل صغيرة وكبيرة كما يجب أن تتذكري أنه يصعب إرضاء الناس كلهم في وقت واحد ؛ من أجل ذلك لا تضيعي وقتك وتفوتي فرص الخير عليك وعلى الآخرين من أجل إرضاء فلان أو فلانة من الناس، بل اعملي واستعيني بالله ,قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)}سورة العنكبوت
اطلبي العلم في منزلك، فقد قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (14)} سورة محمد .
فلا يعقل أن تكوني داعية بلا علم، فالذي يجهل الشيء كيف يدعو إليه.
ما الكتب المناسبة التي تحتاجينها ؟
في العقيدة:
1- ثلاثة الأصول .
2- القواعد الأربع .
3- كشف الشبهات .
4- التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب.
5- شرح العقيدة الطحاوية لأبي الحسن علي بن أبي العز .
في الحديث:
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني .
2- سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني.
3- الأربعين النووية لأبي زكريا النووي.
في الفقه:
1- زاد المستقنع للحجاوي.
في التفسير:
1- تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
2- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن السعدي.
السيرة:
1- كتاب زاد المعاد لابن القيم.
ألا ترغبين أن يرفعك الله؟
قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11)} سورة المجادلة .
كتاب الله هو ديدنك ترددين آياته مع أنفاسك وتتعطرين بجميل ذكره، فلك الحظ الوافر من حفظه، والنصيب الأكبر من تلاوته , فكل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث و الفقه في الدين ؛ فاحرصي يومياً على تلاوة جزء منه، وستجدين سعة الصدر والانشراح إضافة إلى البركة في الوقت والتوفيق للعمل الصالح.
ثم يا أخية هناك أمر مهم في دعوتك للآخرين فلا بد أن تؤيدي كلامك ببعض الآيات النورانية
فلها تأثير أكبر في النفوس من الكلام الخالي منهما.
أفكار دعوية مع الزوج :
1- أتركي بعض الأشرطة النافعة في سيارته وقومي باستبدالها من وقت لآخر .(8/203)
2- ضعي برواز صور على المنضدة التي بجوار سرير زوجك بعد أن تكوني قد وضعت بداخله بدل الصورة فائدة ، ولا تنسي أن تقومي بتغيير العبارات بين وقت وأخر .
3- اجعلي زوجك يشعر بأنك تتعلمين منه , اسأليه عن بعض أمور الدين وناقشيها معه فلا شك أن ذلك سيحفزه على الاطلاع أكثر حتى يستطيع أن يجيب على أسئلتك .
4- أعينيه على بر والديه وصلة إخوانه وأخواته .
5- لا تنسى أثر الدعاء في التوفيق بين الزوجين .
أفكار دعوية مع الأولاد :
1- عودي أولادك الاعتماد على النفس قدر الإمكان وتحمل المسئولية.
2- شجعيهم على التحدث أمام الآخرين وإشراكهم في النشاطات العامة وتنمية حب المشاركة في النشاطات المدرسية ونحوها.
3- اصطحبيهم إلى إحدى المكتبات الإسلامية و اتركيهم يختارون أجمل القصص والكتب المفيدة والمسلية .
4- احرصي على أن تحضري لهم كل شهر شريطين وكتابين، مع توجيهاتك الحانية ودعواتك الطاهرة من قلبك الصادق مع الله .
5- اجلسي معهم وقتاً ليس أقل من ساعة، ولو في الأسبوع دعيهم يتحدثون بحرية وراحة عن كل شيء فمن خلال مثل هذه الجلسات سوف تتعرفين على شخصيات أولادك .
6- لا بد أن تدركي تماماً الفروق الفردية بين الأطفال، بالتالي تنظري إلى طفلك من خلال قدراته هو لا من خلال قدرات غيره من الأطفال الآخرين.
7- عودي أولادك على ذكر اسم الله قبل البدء بالطعام حتى لا يشاركهم الشيطان فيه , ثم حمد الله بعد الانتهاء من الطعام، فهذا ينمي عندهم توحيد الربوبية.
8- إذا وقع طفلك على الأرض فلا تصرخي بل أسمعيه أول كلمة تقولينها عندئذ وهي "بسم الله " واطلبي منه أن يقولها دائماً عند وقوعه.
9- اغرسي الحياء في نفس أولادك عموماً وبنياتك خصوصاً عن طريق حثهم على ستر عوراتهم عن القريب قبل البعيد .
أفكار دعوية في المنزل :
1- اعملي صندوق صغير ذو شكل جميل ولون يتناسب مع أثاث منزلك وضعيه في صالة منزلك ليراه الجميع، وقد كتبت عليه بخط متناسق "صندوق التبرعات ".
2- ضعي لوحة إعلانات في قسم الضيوف وأخرى في صالة المنزل ثم زينيها ببعض الفتاوى الهامة، أو دعاية لبعض الأشرطة كأن تقصي غلاف الشريط ثم تثبتيه على اللوحة وأيضاً تعلقين عليها بعض الحكم والفوائد النافعة .
3- اعملي مكتبة صغيرة في غرفة الضيوف ضعي فيها مصحف وبعض الكتيبات المفيدة ذات الغلاف الأنيق والمحتوى الجيد .
4- ضعي حاجز خشبي أو من الألمنيوم أمام باب الشارع من الداخل حتى لا تنكشف عورة أهل البيت عندما يفتح باب الشارع فجأة.
5- ضعي داخل مجموعة من المظاريف الأنيقة أشرطة وكتيبات نافعة ثم تقومين بترتيبها على إحدى المناضد المتحركة مثلاً بحيث تأخذ المدعوة هديتها قبل الخروج من منزلك.
أفكار دعوية مع الأهل :
1- ضعي وقتا تلقين فيه كلمة موجزة لا تتجاوز نصف ساعة فيها موعظة أو ترهيب أو إحياء لسنة اندثرت أو تكاد.
2- قومي باختيار شريط جيد في مادته العلمية، ومناسب لمستوى أسرتك العلمي، يعالج نقاط الضعف عندهم على أن تراعي أثناء وضع أسئلة مسابقة الشريط الاختصار في الإجابة .
3- اعملي مسابقة لحفظ القرآن الكريم .
4- اعملي مسابقة عبارة عن بعض الأسئلة الخفيفة السريعة التي يترتب عليها فائدة .
5- اعملي مجلة يشارك في إعدادها الجميع سميها مجلة العائلة.
6- وزعي أحد الكتيبات القيمة والهامة في موضوعها ثم ضعي أسئلة مسابقة شفوية في الاجتماع القادم مقتبسة من الكتاب الذي وزع في الاجتماع السابق.
أفكار دعوية مع الصديقات :
1- هوني مصاب من تشتكي إليك وحدثيها عمن أصيب بأعظم منها حتى تهون عليها المصيبة.
2- ذكريها بأن تحمد الله على أن المصيبة ليست في نفسها أو دينها وكل شيء سواهما يهون، وأن الله يوفي الصابرين أجرهم بلا عد ولا حد ولا مقدار.
3- بإمكانك أن تمارسي مع صديقاتك النشاط الذي ذكرناه سابقاً في الأفكار الدعوية للاجتماعات العائلية .
4- اتفقي معها على عدم غيبة أحد حين جلوسكما معاً .
5- تعاهدي معها أن تفيدك و تفيديها بما يقربكما إلى الله .
6- أن تكون مرآة لك و تكوني مرآة لها فتصححان أخطاء بعضكما .
7- خذي بيديها شجعيها، أعينيها وارفعي معنوياتها وحثيها على طلب العلم الشرعي وبالتالي الدعوة إلى الله تعالى.
أفكار دعوية مع الجيران :
1- لا يخفى عليك أن عطاياك لجيرانك لا تقتصر فقط على الطعام ونحوه، بل إن هناك عطايا من نوع آخر هي أشد في الأهمية كإرسال شريط أو كتيب ..
فعودي نفسك أن تدفعي إلى جيرانك باستمرار كل شريط نافع سمعته أو كتاب مفيد اطلعت عليه مع مراعاة مناسبته لمستواهم الفكري والعلمي.
2- اللقاءات مع الجيران جميلة وممتعة، ولا شك بأنها ستكون أكثر متعة وجمالاً إذا تخللها ذكر الله.
أفكار دعوية مع الخدم :
1- بإمكانك تشجيع الخدم على حفظ القرآن الكريم فتحددين مقداراً معيناً يتم تسميعه كل نهاية أسبوع حسب قدرتهم.
2- لا تنسي أن توفري مصحفاً مترجماً بلغتهم كي يفهموا معاني كلام الله بشكل صحيح مع توفير بعض الكتيبات والأشرطة المترجمة التي يتعلموا منها أمور الدين .
3- تحدثي مع الخدم ولو مرة واحدة في الأسبوع واشرحي لهم أمور الدين الأساسية مثل كيفية الوضوء والصلاة الصحيحة والتحذير من الشرك بأنواعه والبدع المختلفة.
أفكار دعوية... متنوعة :
1- ألبوم الصور:
اجمعي فيه الفوائد المنوعة واللطائف المتفرقة مما تكتبينه بيدك على أوراق ملونة أو ما تقصينه من مجلة نافعة ثم اعرضيه بعد ذلك على الأهل والأقارب والصديقات كي يستفيدوا منه .
2- الهدية :
* إهداء اشتراك لمدة سنة في مجلة إسلامية لأحد أفراد العائلة أو الصديقات أو شخص نريد هدايته.(8/204)
* إهداء من هي مقبلة على الزواج شريطاً أو كتاباً عن حسن العشرة الزوجية .
* إهداء الإخوان أشرطة أو كتيبات عن [بر الوالدين] و[صلة الأرحام]، فهما من الأمور المهمة التي لا يوفق إليها إلا مؤمن.
الخاتمة :
وبعد أخية..
لا شك في أننا جميعاً نحمل هم الإسلام، وهذه هي السمة التي تميز الداعية عن غيرها، فهي تفكر باستمرار كيف تنفع دينها؟
وأسأل الله أن يجعل ما ذكرته في هذا الكتاب يسهم في ذلك كثيراً، وأن ينفع الله به المسلمين والمسلمات.
أسأل الله أن يرزقني وإياكن الإخلاص والقبول،وأن يتجاوز عن تقصيري وسهوي، وهذا الجهد وعلى الله التكلان , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
==============
القول البيّن الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( 1/2 )
لفضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه، وأستغفره و أستهديه، أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، موعظة منه سبحانه لعباده لعلهم يتذكرون، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد أفضل داع إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصبر على ما أصابه، احتسابًا لوجه الله، وأداء لرسالة ربه، وتبليغًا للأمانة، ونصحًا للخلق وإرشادًا لهم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه المقتدين به في النصح للخلق ودعوتهم إلى الله وأمرهم بالخير ونهيهم عن الشر.
أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام حتى ألحقه بعض العلماء بأركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا عليها، ولا غرو فإن صلاح العباد في معاشهم متوقف على طاعة الله ورسوله، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس.
فلما كان هذا الأصل بهذه المنزلة العظيمة من الدين، ولما تساهل أكثر الناس به في هذا الزمن، فأضاعه كثير منهم، وداهن فيه آخرون حتى انتشرت المنكرات وعمت ، وامتلأ منها البر والبحر والجو، رأيت أن أكتب في ذلك رسالة مختصرة، أبين فيها عظم هذا الواجب، وما يترتب على الإخلال به، وما يتبع ذلك من المباحث، مع قصر الباع في ذلك، قيامًا ببعض الواجب، وإن كنت لست من أهل تلك المسالك , ورتبت الرسالة على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة.
المقدمة تشتمل على ما يلي:
1- معنى المعروف والمنكر لغة .
2- معنى المعروف والمنكر شرعًا .
3- المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما وانفراد أحدهما .
4- عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله .
5- واجب العلماء وتحذيرهم من التقصير في العمل .
الباب الأول :
في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفصل الثاني : في حكم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من القادر .
الفصل الثالث : في شروط المتصدي للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الباب الثاني :
في إنكار المنكر، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : في كيفية الإنكار .
الفصل الثاني : في درجات الإنكار .
الفصل الثالث : في مرتبتي تغيير المنكر أو طريقي الدعوة إلى الله .
الباب الثالث:
في الأحوال التي يسقط فيها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : في الحال الأولى .
الفصل الثاني : في الحال الثانية .
الفصل الثالث : في الحال الثالثة .
الخاتمة :
تشتمل على ما يلي :
1- خطر المداهنة في دين الله .
2- الفرق بين المداراة والمداهنة .
3- الحكمة في مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- المفاسد المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
5- الحامل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والله أسأل أن ينفع بها، وأن يجعل العمل لوجهه خالصًا، وأسأله الاستقامة والثبات على الإسلام، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، ومن الله أستمد العون والتوفيق والسداد وأستلهمه الرشاد وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه .
المقدمة
1- بيان معنى - المعروف والمنكر- لغة:
المعروف في اللغة : هو ما تعارف عليه الناس وعلموه ولم ينكروه.
المنكر في اللغة : هو ما جهله الناس واستنكروه وجحدوه.
2- بيان معنى -المعروف والمنكر- شرعًا :
المعروف في الشرع : كل ما يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويثني على أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وفي مقدمتها توحيد الله والإيمان به.
المنكر في الشرع : كل ما ينكره الشرع وينهى عنه ويذمه ويذم أهله، ويدخل في ذلك جميع المعاصي والبدع، وفي مقدمتها الشرك بالله وإنكار وحدانيته أو ربوبيته أو أسمائه أو صفاته.
3- بيان المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما وانفراد أحدهما :
إذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر فإنه يدخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، ولأنه لا يتم فعل الخير إلا بترك الشرّ لذا فإن الأمر بالمعروف يتضمن النهي عن المنكر.(8/205)
وكذلك إذا أطلق النهي عن المنكر من غير أن يقرن بالأمر بالمعروف فإنه يدخل فيه الأمر بالمعروف، وذلك لأن ترك المعروف من المنكر، ولأنه لا يتم ترك الشر إلا بفعل الخير.
وأما عند اقتران أحدهما بالآخر فيفسر المعروف بفعل الأوامر، ويفسر المنكر بترك النواهي .
4- عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله أصل عظيم من آكد الأصول الإسلامية وأوجبها وألزمها، حتى ألحقه بعض العلماء بالأركان التي لا يقوم بناء الإسلام إلا عليها، وإنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب للأمر بالمعروف الذي رأسه وأصله التوحيد، وللنهي عن المنكر الذي رأسه وأصله الشرك والعمل لغير الله، وشرع الجهاد لأجل ذلك، وإن كان الجهاد قدرًا زائدًا على مجرد الأمر والنهي.
5- واجب العلماء وتحذيرهم من التقصير في العمل :
العلماء عليهم واجب عظيم ومسئولية خطيرة، فإن عليهم أمر الناس وإرشادهم إلى الخير، ونهيهم وتحذيرهم من الشرّ، وعليهم نصيحتهم وترغيبهم في الخير، وترهيبهم من الشر، وعليهم أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا وفي حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) .
الباب الأول :
في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول :
في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ويكون فرض عين على القادر إذا لم يقم به غيره، ومناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان
بحسب قدرته لا يجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية فإذا لم يقم به أحد أثم كل قادر بحسب ما أوتي من قدرة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
وظيفة المحتسب في الإسلام :
المحتسب في الإسلام وظيفته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم .
الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه فرض كفاية ولكنه يصير فرض عين في حالتين:
الأولى: أن لا يعلم به إلا هو .
الثانية: أن لا يتمكن من إزالته إلا هو .
أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أ - الأدلة التي تأمر بأداء هذا الواجب :
الأدلة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة ومتنوعة، فمنها الأمر بالقيام بهذا الواجب وأدائه، ومنها الثناء عل أهله، ومنها التوبيخ والوعيد لمن تركه، ومنها الذم والعيب على من تركه.
أ - فمن الأدلة التي تأمر بأداء هذا الواجب ما يلي:
قال الله تعالى:
{ و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون (104) } سورة آل عمرآن .
ب – من الأدلة التي فيها الثناء على أهله والمدح لمن فعله :
قال الله تعالى :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله (110) } سورة آل عمران .
ج- من الأدلة التي فيها التوبيخ والوعيد لمن تركه :
قال الله تعالى :{ لولا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم الإثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون (63) }سورة المائدة.
د – من الأدلة التي فيها الذم والعيب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
قوله تعالى:
{ و إذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) } سورة آل عمران .
شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشروط التالية:
1- الإسلام .
2- التكليف .
3- الاستطاعة .
ويشترط في الفعل الذي يجب إنكاره:
1- أن يكون منكرًا سواء كان صغيراً أو كبيراً .
2- أن يكون المنكر موجودًا، فمن فرغ من شرب الخمر مثلا لم يكن لآحاد الناس الإنكار عليه إلا بالوعظ إذا صَحَّ من سكره.
3- وأن يكون المنكر ظاهرًا بغير تجسس، فمن ستر معاصيه في داره وأغلق عليه بابه، فإنه لا يجوز لأحد أن يتجسس عليه ما لم يظهر شيء من ذلك.
4- أن يكون المنكر معلومًا بغير اجتهاد، فينكر على من خالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًا، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه .
واختلف في الشرطين الآتيين:
1- إذن الإمام : والصحيح عدم اشتراطه؛ لأن آحاد المسلمين منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرون وينهون من غير إذن ولعموم الأدلة الموجبة لذلك لكل من قدر عليه.
2- العدالة : ذهبت المعتزلة إلى اشتراط العدالة وأنه ليس لفاسق أن يأمر وينهى، والصحيح عدم اشتراطه كما ذهب إليه أهل السنة؛ لأن الفاسق مسلم مكلف فتشمله أدلة الوجوب، ولأن المكلف عليه واجبان: واجب العمل، وواجب الدعوة والأمر والنهي، فإذا قصّر في أداء أحد الواجبين فإن ذلك لا يسقط عنه الواجب الآخر.
الفصل الثاني :
حكم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة على ذلك(8/206)
مما سبق من الأدلة يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عظيم من واجبات الإسلام، وأن ترك القيام به مع القدرة على ذلك يوجب غضب الرب ومقته وعقوبته، وأن التارك له مع القدرة يوصف بضعف الإيمان وقلة الديانة، وأن من لم ينكر المنكر مع القدرة فهو شريك للفاعل في الإثم والوزر والعار، ويصف بأنه شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل يسمى شيطانًا ناطقًا.
فالتارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قدرته عليه يوجب له فعله هذا ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنه ضعيف الإيمان وقليل الدين ويوصف بأنه شيطان أخرس، ويخشى عليه من موت قلبه.
الأمر الثاني: أنه إذ رأى المنكر يفعل ولم ينكر على صاحبه وهو قادر شاركه في الإثم والوزر والعار.
الأمر الثالث: أن ترك إنكار المنكر مع القدرة علي الإنكار يوجب غضب الله ومقته وعقوبته ويلحق صاحبه اسم الذم.
الفصل الثالث :
في شروط المتصدي للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأعمال الواجبة الفاضلة، بل هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها، والله تعالى خلقنا لعبادته وطاعته ليبلونا أيُّنا أحسن عملا , وحدّ العمل الصالح ما اجتمع فيه هذين الأمرين العظيمين:
أحدهما: أن يراد به وجه الله.
والثاني: أن يكون موافقًا لشرع الله.
والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى الله، يجب أن يتوفر في عمله هذين الأمرين:
الإخلاص وصلاح العمل، ولا يكون عمله صالحًا حتى توجد فيه الشروط التالية:
1- العلم والفقه قبل الأمر والنهي .
2- الرفق مع الأمر والنهي .
3- الحلم والصبر على الأذى بعد الأمر والنهي .
المفاسد المترتبة على عدم التخلق بهذه الخصال الثلاث عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
1- العلم:
الداعي إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة فيما يأمر به وفيما ينهى عنه،
فإن كان جاهلا فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا عند كثير من الناس.
2- الرفق:
ينبغي للداعية أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة واللطافة مع إيضاح الحق ، فإن كانت دعوته بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، وكانت سببًا في نفرة المأمور والمنهي، وربما أخذته العزة بالإِثم فاستمر على ما هو عليه من المنكر وترك المعروف، أو زاد في ذلك بسبب طريقة الداعية الخرقاء.
3- الصبر:
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد له من الصبر؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يخالفهم في أهوائهم وشهواتهم وأغراضهم فيعادونه ويؤذونه فإذا لم يصبر على الأذى لزم من ذلك، إما تعطيل هذا الواجب العظيم -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وإما حصول فتنة وفساد بسبب عدم احتمال الأذى من تعدٍّ على المأمور أو المنهي بالقول أو بالفعل، وقد يؤدي عدم الصبر على الأذى إلى الانتصار للنفس، فيخرج بذلك عن كونه منتصرًا لله ولرسوله ولدينه، وعن الغيرة لله ولحرماته إلى الانتصار لنفسه والحمية لها، وذلك معصية وفساد .
أمثلة للمعروف الذي يأمر به المحتسب والداعي إلى الله تعالى :
1- توحيد الله - عز وجل -
2- الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -
3- الصلاة
4- الزكاة
5- الصيام
6- الحج
7- الصدق والأمانة
8- بر الوالدين وصلة الأرحام
9- ومن المعروف: حسن العشرة مع الأهل، والإحسان إلى الجيران والأيتام والأرامل والمساكين، والإحسان إلى الناس بماله وعلمه وجاهه، وحسن الخلق معهم وكف الأذى.
10- ومن المعروف: تلاوة كتاب الله بتدبر وتعقل، والإكثار من ذكر الله وشكره، واستعمال جوارحه في طاعة الله، واكتساب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في سبل الخيرات.
أمثلة للمنكرات المتفشية في المجتمعات الإسلامية التي ينهى المحتسب ويحذر منها :
1- الكفر بالله والشرك به .
2- ترك الصلوات وإضاعتها، أو تأخيرها عن وقتها، أو التهاون بها .
3- مسابقة الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع .
4- ترك الطمأنينة في الصلاة، وعدم إتمام الركوع والسجود، والإساءة فيها، ونقرها كنقر الغراب
5- أن يقصد بعمل الآخرة الدنيا وحطامها، أو الرياء والمفاخرة والسمعة.
6- التعامل بالربا .
7- بيوع الغرر .
8- الغش في المعاملات، وتطفيف المكيال والميزان، والكذب والخيانة في الأمانات .
9- تبرج النساء في الأسواق واختلاطهن بالرجال، وخروجهن بالثياب الضيقة أو القصيرة .
10- نظر الرجال إلى النساء والتلذذ بذلك، وكذلك نظر النساء إلى ما لا يحل لهن من الرجال والتلذذ بذلك .
11- التصوير لذوات الأرواح .
12- سماع الغناء الذي يلهب النفوس ويقعدها .
13- حلق اللحى أو نتفها أو تقصيرها، أو حلق العارضين منها .
14- الغيبة والنميمة .
15- استعمال المخدرات والمفترات أكلا أو شربًا أو مصًّا .
16- السفر إلى بلاد المشركين والإقامة فيها .
الباب الثاني -في إنكار المنكر، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول
1 - في كيفية الإنكار:
قبل الكلام على هذه المسألة هناك أمور ينبغي أن ينتبه لها المنكِر والآمر والناهي قبل أن يأمر وينهى وينكر المنكر.
الأمر الأول: ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يلاحظ بباطنه لطف الله تعالى به، حيث حفظه من مثل المعصية، ولو شاء الله لكان الأمر بالعكس.(8/207)
الأمر الثاني: أن يلاحظ بباطنه أنه لا يدري هل يدوم له هذا الحفظ، أو يفتن والعياذ بالله، وأنه كم من تائب عابد رجع إلى المعاصي فقبض عليها، وكم من عاصٍ مسرف تاب الله عليه فجنب توبته ما سلف قبلها، فقبض مغفورًا له، فيسأل الله الثبات والاستقامة، ويكثر من قول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من هذا الدعاء، فيكون متأسيًا بنبيه.
الأمر الثالث: أن يكون بعيدًا عن الكبر والرياء والاحتقار والازدراء، فلا يرى لنفسه عزة وعلوًّا على المأمور والمنهي، بالعلم والتنزّه عن مثل هذه المعصية، ولا يرى احتقار المنكر عليه بالجهل والوقوع في المعصية و ازدراء لذلك، حذرًا من أن يكون قصده الباطن بكلامه إظهار رتبته بشرف العلم والعفة، وإذلال صاحبه بنسبته إلى خسة الجهل ورذالة المعصية، فإن علم من نفسه أن هذا هو الباعث له على الإنكار، فقد وقع في منكر أقبح في نفسه من المنكر الذي أنكره، ومثله في هذا كمثل من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه، وهو كمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، وهذه مذلة عظيمة وغرور من الشيطان.
الأمر الرابع: ينبغي للمحتسب أن يمتحن نفسه ليتبين له سلامتها من الرياء والعجب وحب الظهور، حينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو أن يكون قصده في الباطن زوال المنكر وحصول المعروف، سواء حصل ذلك بسببه أو بسبب غيره، ويرى أن هذا الواجب ثقيل وشاق، ولو كفاه غيره وقام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه لا يغضب ولا يرى من نفسه كراهية، بل يفرح بزوال المنكر وحصول المعروف. ...
الأمر الخامس: ينبغي للمحتسب أن لا يلتفت إلى الوساوس والأوهام التي يلقيها الشيطان، بل يدفعها ويقابلها بصريح الإيمان، وذلك مثل ما يلقيه الشيطان في نفس الآمر والناهي من الخوف والجزع وتقدير وقوع المحذور، من الضرب أو القتل، أو أخذ المال، أو العزل عن المنصب، فإن هذه التقديرات كلها في الحقيقة من وساوس الشيطان، ليثبطه عن القيام بأداء هذا الواجب.
كيفية الإنكار :
كيفية الإنكار على من يفعل المنكر يختلف باختلاف حال الفاعل وما يناسب حاله، فينبغي للمحتسب أن يستعمل في إنكاره الكيفية التي تكون أنسب وأجدى في زوال المنكر، وذلك بأن يراعي مقامه ومنزلته، ثم يسلك معه أقرب الوسائل إلى حصول المقصود وهو الصلاح، فيكون قد أتى بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، الذي أمر به.
وسأستعرض أنواعًا من الناس، وأبين كيفية الإنكار عليهم على النحو التالي:
1- كيفية الإنكار على الجاهل لما يرتكبه بأنه منكر:
من أقدم على منكر جاهلا أنه منكر، بحيث لو علم أنه منكر لما أقدم عليه، فإنه يُعلَّم برفق ولطف وسياسة، وليحذر من الطيش والعجلة، بل يستعمل التأني والتثبت والملاطفة في الدعوة؛ فإن في ذلك خيرًا كثيرًا، وإن كان يعلم منه أنه لو سمع الكلام من غيره رجع عن فعله، فإنه ينبغي له أن يطلب من غيره ممن لا يشق عليه أن يبين له ما هو عليه من المخالفة ليكون ذلك أوعى إلى القبول والاستجابة.
2- كيفية الإنكار على العالم بأن ما يرتكبه منكر :
من أقدم على فعل منكر مع علمه أنه منكر، إما لأنه يعلم ذلك، أو لأنه عُرِّف أنه منكر، ومثال ذلك من يواظب على الغيبة أو أكل الربا أو الرشوة مع علمه أنه حرام، فالمنكِر يستعمل معه الوعظ والتخويف، وبيان رتبة تحريم تلك المعصية، وبيان ما جاء فيها من الوعيد والتهديد، ويسوق له الأخبار الواردة في تلك المعصية، فإن ذلك أجدى وأنجع في التأثير في العالم بالحكم.
3- كيفية الإنكار على الوالد من قِبَل ولده :
إذا فعل الوالد منكرًا، فللولد أن يأمر والده وينهاه بالوعظ والنصح، مع الرفق والتلطف في الكلام، وليس للولد مقابلة والده بالتخويف ولا بالتهديد ولا بالضرب ولا بالسب ولا بالتعنيف ولا بتخشين الكلام، وذلك لأن الوالد له على ولده حق , ومع ذلك يستعمل معه التلطف في الخطاب، والترحم عليه والدعاء له، وبيان ضرر المعصية حتى يهدأ والده ويسكن إليه، ويعلم أن قصد ابنه محض النصح له والشفقة عليه والغيرة لله ولمحارمه.
4- كيفية الإنكار على السيد من قبل عبده :
إذا فعل السيد منكرًا فللعبد أن ينكر عليه برفق ولطف ولين إذا لم يخش من سطوته، فإن كان يخشى من سطوته، طلب من غيره أن يناصحه ممن يؤثِّر نصحه فيه، وبذلك تبرأ ذمة العبد.
5- كيفية الإنكار على الشيخ من قبل تلميذه :
إذا فعل الشيخ منكرًا فللتلميذ أن ينكر عليه ويعامله بموجب علمه، ويبيِّن له مغبّة المعصية وعاقبتها الوخيمة، ويخوفه بالله وسطوته وعقوبته، ويبين له أن العالم قد قامت عليه الحجة بخلاف الجاهل، وإن لم يعمل بعلمه ولم يأتمر بالأوامر وينزجر عن النواهي , وأن من فسد من علماء هذه الأمة فهو داخل في المغضوب عليهم، فلعل ذلك أنجع في إقلاعه عن دينه، ورجوعه إلى جادة الحق والصواب.
6- كيفية الإنكار على الزوج من قبل زوجته :
إذا فعل الزوج منكرًا فإن الزوجة تنكر عليه بالرفق واللين والموعظة الحسنة، وتبين له أنها مطيعة له، ومعترفة بما له عليها من حق، ولكن عليه هو أن يطيع الله ويجتنب محارمه، وأنها لن تسكت على فعله المنكر، وأنها مشفقة عليه من العقوبة، وليست عاصية له ولا مؤذية له، وإنما هي مشفقة ناصحة له، فإن أفاد ذلك في إقلاعه عن الذنب ورجوعه عنه، وإلا فتطلب من أقاربه أو أقاربها ممن له تأثير فيه أن يناصحه، حتى يزول المنكر ويحل محله المعروف فيحصل الخير والصلاح .
7- كيفية الإنكار على السلطان من قِبَل رعيته :
لا شك أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر .(8/208)
وإذا ارتكب السلطان منكرًا فللرعية معه ثلاث حالات:
الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، ولا منكر أعظم من الأول، ففي هذه الحالة يجب نصحه، وكيفية النصح يجب أن يكون بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن هذا هو مظنة الفائدة، وناصحه وآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه.
الثانية: أن لا يقدر على نصحه، لأنه يبطش بمن يأمره، أو لأن نصحه يؤدي إلى حصول منكر أعظم وضرر أكبر، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهية منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.
الثالثة: أن يكون راضيا بالمنكر الذي يفعله السلطان ومتابعًا له عليه، وفي هذه الحالة يكون شريكه في الإثم والوزر.
8- كيفية الإنكار بالهجر :
نتكلم عن الهجر في حدود المباحث التالية:
1- معنى الهجر والمراد به:
الهجر في اللغة: الترك.
والمراد به هنا هجر العاصي ومقاطعته .
2- تقسيم الهجر وبيان الشرعي من غيره:
والهجر نوعان:
أحدهما: هجر لحقِّ النفس وحظها.
والثاني: هجر لحقِّ الله.
فالأول: غير مشروع ولا مأمور به، بل منهي عنه
وهذا الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث عند الحاجة إليه، بل يرخص فيه ثلاثة أيام فأقل .
والثاني: هجر لحق الله، وهذا هو الهجر الشرعي المأمور به، فهو طاعة، والطاعة لا بد أن تكون خالصة لله، وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صوابًا، فمن هجر لهوى نفسه، أو هجر هجرًا غير مأمور به، لم يكن مشروعًا.
والهجر الشرعي نوعان:
أحدهما: المنكرات وهو نوعان:
الأول: هجر الإنسان نفسه عن المنكرات .
الثاني: هجر المقام بين من يفعل المنكرات، فلا يشهد المنكرات .
النوع الثاني من أنواع الهجر الشرعي: هجر من يظهر المنكرات حتى يتوب منها .
3- الحكمة من الهجر الشرعي:
الهجر شرع لحكمة ومصلحة ورحمة كسائر ما شرعه الله، فإن الله حكيم يفعل لحكمة، ويخلق لحكمة، ويشرع لحكمة، والحكمة من الهجر هي زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، إذ المقصود به بيان الحق ورحمة الخلق.
4- بيان من يشرع معه الهجر من الناس ومن لا يشرع:
الهجر يشرع في حق العصاة والمذنبين، أما الكافر فلا يشرع في حقه الهجر، إذ أن عقوبته على كفره أعظم من الهجر، وليس الهجر مشروعًا في حق جميع العصاة والمذنبين من أهل الإسلام، بل يراعي المهاجر المصلحة الراحجة في الهجر أو الترك.
5- بيان نهاية وقت الهجر للمهجور:
القدر الذي ينبغي أن يهجر لأجله هو التوبة؛ لأن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، فإذا تاب فقد حصلت الحكمة من الهجر، وهو الانزجار والتأديب، لكن ينبغي أن يعلم أن المعاصي متفاوتة في الحد والمقدار، فمنها الكبائر ومنها الصغائر، فيهجر العاصي على قدر ما ارتكبه من الذنوب، ولا يسوّى بين الذنوب في الهجر ويجعل ذلك بابًا واحدًا.
6- بيان هل يفرق بين الأحوال والأشخاص والأزمان في الهجر:
يفرق بين الأحوال والأشخاص والأزمان في الهجر بحسب المصلحة، كما تبين من الحكمة في الهجر، فزمان يهجر فيه، وزمان لا يهجر فيه ، فإذا كان الناس حدثاء عهد بجاهلية، فينبغي أن يراعى في حقهم الأصلح، من التأليف وترغيبهم في الإسلام، ودخولهم فيه وعدم تنفيرهم، ليعلموا أن هذه الملة المحمدية حنيفية في الدين، سمحة في العمل .
7- بيان هل يجتمع في الشخص الواحد سبب الموالاة وسبب المعاداة:
فيكون منه خير وشر، وبرّ وفجور، وطاعة ومعصية، فيحب من وجه ويبغض من وجه، وبيان الشخص الذي يحب جملة والذي يبغض جملة، والذي يحب من وجه ويبغض من وجه.
المسلم له على المسلم حقوق في الإسلام يجب مراعاتها، وقد يكون له من الذنوب والمعاصي ما يوجب بغضه ومعاداته عليها، فيجتمع فيه موجبا الإكرام و الإهانة، فيستحق من الموالاة والمحبة والثواب بقدر ما فيه من الخير، ويستحق من المعاداة والبغض والعقاب بحسب ما فيه من الشر.
الفصل الثاني
في درجات الإنكار
درجات إنكار المنكر ثلاث وهي:
1- الإنكار باليد.
2- الإنكار باللسان.
3- الإنكار بالقلب.
فيجب على من رأى منكرًا أن ينكره، وأن يغيره بحسب الاستطاعة والقدرة من هذه الدرجات الثلاث .
فالإنكار فرض باليد واللسان والقلب مع القدرة، فأما فرضه باليد واللسان فهو من فروض الكفايات، إذا قام به طائفة سقط عن الباقين من الناس، وإن تركوه كلهم أثموا، وأما القلب فلا يسقط عن المنكر بحال، إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس بمؤمن.
الفصل الثالث
مرتبتا تغيير المنكر أو طريقا الدعوة إلى الله
للدعوة إلى الله طريقان طريق اللين، وطريق الغلظة والقسوة.
ولتغيير المنكر مرتبتان مرتبة اللين، ومرتبة الشدة.
الطريق الأول: طريق اللين
وهو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه .
الطريق الثاني: طريق الغلظة والشدة والقسوة
إذا لم ينفع اللين واللطف، ولم يُجدِ الوعظ والتذكير والرأي الراشد الحليم، فإنه يصار إلى الغلظة والشدة بالكلام الخشن أو الضرب، أو السيف في جهاد أعداء الله، فإن لم تنجح طرق اللين تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده وتقام حدوده، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه .
ولا بد لسلوك هذه الطريق في تغيير المنكر والدعوة إلى الله من الشروط التالية:
1- القدرة على ذلك، فإن كان لا يقدر على الشدة سقط عنه وسلك طريق اللين.
2- أن لا يترتب عليه مفسدة.
3- أن لا يفيد اللين ولا يجدي شيئا في حصول المعروف وزوال المنكر.
الباب الثالث
في الأحوال التي يسقط فيها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحال الأولى: عدم القبول والانتفاع به .(8/209)
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مظنة النفع به فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه، كما إذا وجدت هذه الصفات: الشحّ المطاع، والهوى المتبع، وإيثار الدنيا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه , وهذه الأمور تكون عند فساد الزمان ، وكثرة الفتن والحروب، وظهور التغيير والتبديل في الدين، وانتشار شرّ المنافقين، وفقد المعين والمناصر.
فإذا عدمت فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط وجوبه .
الحال الثانية: أن يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصول مفسدة أعظم من ذلك المنكر
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم من ذلك المنكر، فإنه يسقط وجوب الإنكار، بل لا يسوغ الإنكار والحال هذه؛ لما يأتي:
1- إجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين.
2- أن الشريعة الباهرة مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، وبناء على ذلك، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة.
فالذي يترتب على تغيير المنكر وإنكاره واحد من أمور أربعة:
1- أن يزول ويخلفه ضده من المعروف وهذا مشروع.
2- أن يقلّ المنكر ويخفّ وإن لم يزل بجملته، وهذا مشروع أيضًا.
3- أن يزول ويخلفه ما هو شر منه، وهذا محرم.
4- أن يزول ويخلفه ما هو مثله من المنكر، وهذا موضع اجتهاد من المنكِر والناهي.
الحال الثالثة: عدم القدرة أو خوف الضرر .
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون قادرًا وأن لا يخشى ضررًا على نفسه أو ماله أو أهله أو على المسلمين فإن عجز أو خاف الضرر، سقط عنه الوجوب وبقي الاستحباب.
الخاتمة
1- خطر المداهنة في دين الله:
يرى كثير من الناس أن العقل إرضاء الناس جميعهم، وعدم مخالفتهم في أغراضهم وشهواتهم، واستجلاب مودتهم، بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ويقول قائلهم: أصلح نفسك بالدخول مع الناس وموافقتهم، ولا تبغض نفسك عندهم، وهذا المسلك خط كثير من الناس، وهذا عقل نفاقي شيطاني، وهو عين الهلاك وثمرة والنفاق، وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: أن المداهن ترك واجبًا عظيمًا من واجبات الإسلام
وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأجل الناس .
الثاني : أن المداهن قد التمس رضا الناس بسخط الله , و قدم رضا الناس على رضا الله.
الثالث : أن المداهن قد تسبب في غضب الله عليه ولعنته .
الرابع : أن المداهن لا بد أن يفتح الله له بابًا من الذل والهوان
لأنه طلب العزّ بمداهنته، فكما هان عليه أمر الله أهانه الله وأذله .
الخامس: أن المداهن تعمه العقوبة إذا نزلت .
السادس: أن المداهن الطالب رضا الخلق أخبث حالا من الزاني والسارق وشارب الخمر .
2- الفرق بين المداراة والمداهنة :
المداهنة: هي ترك ما يجب لله من الغيرة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لغرض دنيوي وهو نفساني، والاستئناس بأهل المعاصي ومعاشرتهم، ومؤاكلتهم ومشاربتهم ومجالستهم، وعدم الإنكار عليهم مع القدرة على الإنكار؛ استجلابًا لمودتهم ومحبتهم، وإرضاءً لهم، ومسالمة لهم وعدم التمييز بين طبقاتهم، لأنهم رأوا أن السلوك مع الناس، وحسن الخلق ونيل المعيشة، لا يحصل إلا بذلك.
حكم المداهنة: المداهنة مخالفة للرسل وأتباعهم، وخروج عن سبيلهم ومنهاجهم، إذ هي إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس، وترك المعاداة في الله، وتحمل الأذى في ذاته، وهذا في الحقيقة هو الهلكة؛ لأنه ما ذاق طعم الإيمان من لم يوالِ في الله ويعادي فيه، بل الإيمان يحصل بمراغمة أعداء الله وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه، وأي خير يبقى في قلب فقد الحياة والغَيْرة والتعظيم، وعدم الغضب لله؟! وسوَّى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته؟!
المداراة: هي درء الشر المفسد بالقول اللين وترك الغلظة، والإعراض عن الشرير إذا خيف شره، أو حصل منه ضرر أكبر مما هو متلبس به.
حكم المداراة: المداراة مشروعة؛ لأنها دفع للشر وردّ له، أو تخفيف له، ولأن في استعمالها بعدًا عن الفحش والتفحش، ولأنها من باب ارتكاب أخف الضررين، وأدنى المفسدتين، وفعل أعلى المصلحتين .
3- الحكمة في مشروعية إنكار المنكر والأمر بالمعروف :
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حِكَم منها:
1- إقامة حجة الله على خلقه .
2- خروج الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من عهدة التكليف والمسئولية .
3- رجاء انتفاع المأمور والمنهي بتقوى الله تعالى باجتناب المنهيات وفعل المأمورات .
4- المفاسد المترتبة على ترك إنكار المنكر :
يترتب على ترك إنكار المنكر مفاسد عظيمة منها:
1- أن السكوت عن المنكر مع القدرة يعتبر معصية، وإن لم يباشر الساكت فعل المنكر الذي سكت عليه، فإنه كما يجب اجتناب المعصية، يجب الإنكار على من فعل المعصية، فهما واجبان من ترك أحدهما فقد عصى ربه.
2- أن السكوت عن المنكر يدل على التهاون بالمعاصي وقلة الاكتراث بها، والتهاون بأمر الله.
3- أن في السكوت عن المنكر فقد الغيرة والغضب لمحارم الله أو ضعفها وضعف تعظيم الرب تعالى.
4- أن السكوت عن المنكر يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي، حيث لم يردعوا عنها حتى تكون لهم الشوكة والظهور، ويضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشرّ، فيزداد بذلك الشرّ وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية.(8/210)
5- أن بترك إنكار المنكر يندرس العلم ويكثر الجهل، فإن المعصية إذا تكرر صدورها من كثير من الناس، ولم ينكرها أهل الدين والعلم والفضل، ظن الجاهل أنها ليست معصية، وربما ظن أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالا، ورؤية الباطل حقًا، وانقلاب الحقائق على الناس؟!
6- أن السكوت عن المنكر مع إعلان العاصي لمعصيته وإظهارها، إذن ودعوة إلى تقييد العاصي، وتزيين للمعصية في صدور الناس، والناس يقتدي بعضهم ببعض، والإنسان مولع بالاقتداء بأقرانه وبني جنسه.
5- الحامل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعية إلى الله تعالى لا بد له من باعث يبعثه، وحامل يحمله على القيام بأداء هذا الواجب العظيم، والأمور التي تحمل الآمر والناهي وتبعثه على الأمر والنهي والدعوة إلى الله تعالى كثيرة متعددة منها:
1- رجاء ثواب الله تعالى، والطمع فيما لديه سبحانه من المثوبة العظيمة، والأجر الجزيل على أداء هذه الوظيفة العظيمة.
2- خوف عقاب الله تعالى والتعرض لسخطه وغضبه ونقمته في ترك واجب عظيم من واجبات الإسلام، به يقوم الدين ويستقيم.
3- الاقتداء بالرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-، فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الرسل وأتباعهم.
4- النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم، ورجاء إنقاذهم مما وقعوا فيه من التعرض لعقوبة الله في الدنيا والآخرة.
5- الغيرة لله والغضب لمحارمه لئلا تنتهك، وحدوده لئلا تضاع، ودينه لئلا يترك، وأمره لئلا يضاع ويطّرح.
6- إجلال الله وتعظيمه ومحبته؛ لأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، واقتداء محارمه أن تنتهك بالنفوس والأموال.
والله أسأل أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء , اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على الدين كله ولو كره المشركون، كما أسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمورنا، ويهديهم الصراط المستقيم، ويعيذهم من بطانة السوء.
كما أسأله سبحانه أن يصلح فساد القلوب والأعمال، ويهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، ومقربًا لديه للفوز بجنات النعيم، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
دعاة في البيوت
اسم المحاضر: الشيخ الدكتور سلمان العودة - حفظه الله –
إن الحمد لله؛ نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد .
أعتقد أن هذا الموضوع- دعاة في البيوت- من أخطر الموضوعات التي يجب أن ُيتحدث عنه لأسباب منها:
أولاً : أن البيت الذي تأوي إليه الأسرة يحوي جميع شرائح المجتمع، ففيه الأبوان والأولاد والصغار من الأطفال، والذكور والإناث.
ثانياً : كثير من المجتمعات قد تفتقد بعض المؤسسات: كالمدارس، أو أماكن العمل، أو الأصدقاء والقرناء ، والمسجد ، لكن لا يوجد مجتمع ليس فيه بيوت تأوي إليها الأسر.
عناية الإسلام بالبيوت :
1- تحريم دخول المنزل إلا بإذن أهله، ففرض الله الاستئذان؛ لحماية البيوت، وبيان كرامتها.
2- تحريم النظر بلا إذن.
3- إذا نظر بلا إذن فعينه هدر.
4- أهمية حق الجار في التشريعات الإسلامية .
5- صلاة النافلة في البيت أفضل؛ لبعدها عن الرياء، وحتى يراك أهل البيت، فيقتدوا بك، وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل.
وجوب التوجه إلى البيوت بالدعوة إلى الله تعالى :
الإسلام جعل للبيوت هذه الكرامة، ولو نجحنا في إقناع الناس بالاهتمام ببيوتهم، وتوجيه الدعوة إليها؛ فإننا سنحصل على نتائج مهمة منها:
أ – كثرة عدد الشباب الدعاة.
ب- تكوين الشباب القادرين على اقتحام البيوت دعوة لله، فالداعية قد يخاطب الناس في المسجد، أو المركز، أو النادي لكن لا يستطيع أن يقتحم بيوت الناس، ولو فعل فإنه لا يملك من وسائل التأثير والقوة ما يملكه الشاب، أو تملكه الفتاة في بيتها.
الخطوة الأولى لهذا الهدف الكبير:
هذه لاشك آمال وطموحات وتطلعات عزيزة في نفس كل إنسان لكن السؤال المهم هو: ما هي الخطوة الأولى لهذا الهدف الكبير؟ هدف بناء الإسلام ... نشر الإسلام في الدنيا كلها ... هناك مثل يقول: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة... فما هي هذه الخطوة الواحدة ؟
أقول: الخطوة الواحدة هي إيجاد الداعية في البيت، ومن المؤسف أن تجد بعض الشباب، والفتيات الذين يطمعون في تغيير الدنيا عاجزين عن تغيير بيوتهم، فمن عجز عن حمل هذه الأمانة القليلة كيف يستطيع أن يحمل الأمانة العظمى؟
نماذج من الرعيل الأول:
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانت تنفعل نفوسهم بأحلام وتطلعات انتصار الإسلام: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وسلمان وعمار وصهيب يوم كانوا في مكة تحت التعذيب والإيذاء والتكذيب والسخرية كانوا يتوقعون ذلك اليوم الذي ترتفع فيه كلمة لا إله إلا الله؛ ولذلك صبروا و صابروا؛ حتى رزقهم الله تعالى النصر؛ ومكن لهم في الأرض، ولكن كانوا يعرفون أن انتصار الإسلام يمر من خلال بيوتهم.
ولنأخذ أمثلة على ذلك:(8/211)
1- أبو بكر رضي الله عنه: من أولاده ؟ أولاده كانوا في ضمن قافلة الإسلام، من المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم، و المجاهدين في سبيله ودورهم في قضية الهجرة.
2- عمر رضي الله عنه: من أولاده ؟ ومن أكبرهم وأكثرهم شهرة ؟ عبد الله بن عمر الذي رشح للخلافة رضي الله عنه بعد عهد الخلفاء الراشدين.
3- على بن أبى طالب رضي الله عنه: من أولاده ؟ الحسن والحسين... وأمثالهم من المؤمنين الصالحين الذين أراقوا دماءهم طاهرة زكية؛ لترتفع لا إله إلا الله.
4- الزبير رضي الله عنه: من أولاده ؟ أولاده عبد الله بن الزبير.
وأمثالهم من الرجال الصالحين الصادقين الذين تربوا على الإسلام، وضحوا في سبيل الإسلام، وهكذا بقية بيوت الصحابة كان كل بيت محضناً للتربية، كل واحد من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام خرَّج لنا مجموعة من الشباب المؤمنين المجاهدين، ومن خلال هذه الأعداد التي تخرجت من البيوت تكوَّن جيش الإسلام، وتحقق انتصار الإسلام، وجاء وعد الله تعالى بالنصر والتمكين.
واجباتنا في البيوت :
و اجبات أساسية أريد أن أقف عندها، وهي:
الواجب الأول:
القيام بحاجات البيت، يجب أن يحرص الشاب الداعية، والفتاة على أن يقوموا بالمصالح والاحتياجات الدنيوية لأهل البيت؛ لأن الشاب الصالح إذا تخلى عن دوره، جاء دور الشاب المنحرف، فأصبح هذا الشاب المنحرف هو الذي يقوم بكل الاحتياجات والمتطلبات، وبالتالي أصبح الشاب المنحرف هو القيِّم الحقيقي على البيت... هو الشخصية المؤثرة، أما الطيب، فليس له وزن، لماذا ؟ لأنه لم يؤد دوره، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض الطيبين، فعليك أن تبذل من وقتك وجهدك ما يحقق لأهل البيت متطلباتهم ... وهكذا بالنسبة لبعض الأخوات.
الواجب الثاني:
التوعية، والإرشاد، والتعليم، فالأقربون أولى بالمعروف، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له ربه: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " ، فجمعهم، وقال : [ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا]، فالأقربون أحق، وأولى بأن توجه الدعوة إليهم، وغير صحيح أن تدعو البعيد وبيتك نفسه فيه ألوان الفساد وصوره.
الواجب الثالث:
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وله أمثلة كثيرة : فقد مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: " اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، قَالَتْ:إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَال لها إنما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ".
الواجب الرابع:
مراقبة أهل البيت ومحاسبتهم على الأخطاء، حتى الكبير ممكن أن يسأل ويناقش، حتى الفتاة المتزوجة.
إذن أختم هذه المحاضرة بتلخيص لما ذكرته :
أولاً: البيت مهم، ولو نجحنا في تجنيد الشباب ليكونوا دعاة في البيوت؛ لنجحنا في تجنيد ألوفاً مؤلفة يستطيعون أن يدخلوا إلى أعماق البيوت، ويؤثروا فيها.
ثانيا: وسائل التغيير والإصلاح في المنزل :
أولاً: أن يكون للشاب والفتاة شخصية قوية في البيت من خلال الخدمات والإصلاحات والمشاركات.
ثانياً: من خلال قنوات التوجيه و التوعية والإرشاد و التعليم.
ثالثاً: من خلال الرقابة الصحيحة على المنزل، وعلى من فيه.
أسال الله عز وجل أن يوفقني وإياكم بأن نكون قائمين على بيوتنا فعلاً كما يجب، مصلحين فيها، محققين للأمانة التي حملنا الله تبارك وتعالى إياها، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
=============
هم الدعوة
اسم المحاضر: عبد الوهاب الطريري
هذا الشريط عبارة عن خطبة استهلها الشيخ بالحمد والثناء لله تبارك وتعالى ثم استأنف حديثه قائلاً :
أما بعد ..
أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: إننا لما نقف أمام سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنا لا نستعرضها ولكن نعرض أنفسنا عليها ونستنبط مواضع القدوة منها, فليست السيرة قصة ماضية ولكنها عبرة باقية .. لذا فإننا نقف أمام جانب من العظمة النبوية, نقف أمام مشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقود الطائفة المؤمنة إلى حصون خيبر بعد سبع سنين قضاها في المدينة متحملاً غدر اليهود .
فهاهو الآن يطيح بهذه الحصون فما ذا كان همه ؟؟ وماذا كان هم المسلمون وحصون اليهود أمام أعينهم ؟؟ هل كان همهم التشفي ؟؟ أم هل كان همهم الوصول إلى تلك الخيرات والثروات التي كانوا أحوج ما يكونون إليها ؟؟
إذاً فاستمع إلى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوجه البيان الأول إلى قائد المعركة علي بن أبي طالب رضي الله عنه للهجوم : (( أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )).
فكان همه هداية الناس وصلاحهم وإصلاحهم.(8/212)
ثم استمع إلى جوابه صلى الله عليه وسلم عن سؤال طرحته عليه عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟! فكان جوابه: إن أشد يوم لقيه يوم خرج يعرض دعوته على أهل الطائف بعد أن يئس من أهل مكة، فإذا به يواجه بأقبح ردٍ وبأوقح جواب ..
فرجع مهموماً محزوناً في حالة ذهول لم يفق منها إلا في العقبة على مشارف مكة المكرمة قائلاً: (( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟! أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي غير أن رحمتك أوسع لي )).
فيجئ الجواب سريعاً من السماء على لسان جبريل عليه السلام: (( يا محمد هذا ملك الجبال فإن الله قد سمع مقالتك لقومك وما أجابوك به .. هذا ملك الجبال فمره بما شئت))، فإذا بالهم الحار منه صلى الله عليه وسلم، فليس مراده التشفي والانتقام ولكن همه ومراده دعوته ورسالته أن يهتدي بها الناس (( لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً ))، فلا ينقطع أمل الرسول صلى الله عليه وسلم في هداية الناس ..
وكاد الأسى يقضي عليه حتى نزل من السماء نداء يسليه ويسري عنه: (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون )).
(( فلعلك باخعٌ نفسك على أثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )).
(( ولاتحزن عليهم ولا تكن في ضيقٍ مما يمكرون )).
فكانت كل عداوة تنتهي بمجرد أن تكتب الهداية, انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يستقبل عدوه وابن أشد الناس عداوة له، عكرمة بن أبي جهل لما دخل مكة فاتحاً فأهدر دمه، وفر عكرمة وضاقت عليه الأرض فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستيقنا أنه لج في كفر عميق تبين له بطلانه، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن عكرمة جاء مسلماً .. فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ينسى عداوة أبيه الطويلة ويفرح قلبه ويستقبله قائلاً: (( مرحباً بالراكب المهاجر ))، ثم يصدر بياناَ إلى الناس ألا يسبوا أباه قائلاًَ: (( لا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي )).
لقد كان الإنجاز الحقيقي الذي يسعى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حثيثاً يوم ينجي الله على يده كثيراً من الناس؛ لذا نراه يتبع المرضى في فرشهم والموتى في أخر لحظات حياتهم علَّ الله أن ينقذهم من النار .
فهاهو يقف على سرير عمه أبو طالب وهو يودع الدنيا : (( يا عم قل لا إله إلا الله , كلمة أحاج لك بها عند الله ))، ويظل يجادل عمه عله أن ينقذه من النار، ولكن الله غالب على أمره ..(( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )).
بل هاهو صلى الله عليه وسلم يسمع عن غلام يهودي مريض فيدخل بيته وإذا الغلام على فراش الموت، وأهله عنده، وأبوه عند رأسه، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إليه فيعرض عليه الإسلام، ويتردد بصر الغلام بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبيه فيشير إليه أبوه : أطع أبا القاسم، فيقول الغلام : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله)، ثم مات الغلام .
ولم ينفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ولا موقف ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيت اليهودي فرحاً مسروراً وهو يقول: (( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار )).
فهنا لا عجب أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يودع الحياة ويلفظ آخر أنفاسه يطلق تلك الدعوات والنداءات للأمة: (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )) فمازال يكررها حتى حشرج الصدر، وغرغر الحلق، واحتبست الأنفاس حتى ما يقوى صلى الله عليه وسلم أن يبين بها، إنه الهم الذي لم يلهه عنه الموت، ولا المرض، ولا السكرات، فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم .
هذا المعنى أيها الأحباب كان واضحاً لا يحتاج إلى توضيح؛ ولذا فقهته الأمة تمام الفقه، فإذا الجيل الأول يعيش حالة استنفار دعوي، فما انتشر الإسلام في مدة قصيرة إلا بسبب أن حياة السلف رضوان الله عليهم كانت كلها دعوة .
وقف رجل أمام أبي هريرة رضي الله عنه فصوب أبو هريرة فيه النظر ثم قال له بإيمان وتحنان: (( يا ابن أخي إني أرى قدميك صغيرتين، وإنك لن تعدم لهما موضعاً في الجنة )).
بل انظر إلى ذاك الأديم الممزق، أديم عمر رضي الله عنه، وجراحه نازفة .. وحياته توشك على الانتهاء، وأمر الأمة يُهمه وهو سيودعها، وإذا بشاب يدخل عليه يعزيه في نفسه ويقول: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله ومن قدم في الإسلام، ثم وليت فعدلت ثم شهادة .. فاستقبل الفاروق البشرى وودع الشاب ببصره وهو يخرج من عنده منصرفا، فبصرت عينه بالشاب مسبلاً إزاره يجره على الأرض فقال: إليَّ بالغلام .. إليَّ بالغلام .. !!
ورجع الغلام إلى الفاروق .. فقال له وهو النازف في دمائه: (( يا ابن أخي: ارفع إزارك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك .. )).
هكذا أيها الأخوة نمر على هذه الصفحات السريعة لنعود إلى أنفسنا فنعرض عليها بشكل سريع هذه المواقف...
ولنسأل أنفسنا: كم يبلغ هم الدعوة وهداية الناس من همومنا ؟ وكم يأخذ وقته من أوقاتنا ؟ كم يأخذ الجهد فيه من جهودنا ؟
وسأطرح أسئلة سريعة يجيب عليها كل منا بينه وبين نفسه:
س1/ في مؤسساتنا وشركاتنا عمالة كافرة أو مسلمة جاهلة، فكم دعونا وكم اهتدى على أيدينا ؟؟
س2/ في بيوتنا خدم وخادمات، من منا دعا هذه الجالية ؟؟
س3/ بيوتنا .. أبنائنا .. زوجاتنا .. كم ننفق من الوقت لدعوتهم ؟؟
س4/ كم يبلغ الهم والحرص على صلاحهم واستقامتهم ؟؟ وكذلك زملائنا وأقاربنا ؟؟(8/213)
س5 / من منا سمع شريطاً فانتفع به ثم اشترى كمية منه وقام بتوزيعها على جيرانه وأقاربه؟؟ أو كتاباً قرأه...
ما حجم الدعوة في ذلك كله ؟؟
أيها الأخوة في الله ليستشعر كل منا الإنجاز الضخم الذي يحققه يوم يُنقذ الله به هالكاً يهلك في النار ..
فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .
وقارن بين موقفك حين تنقذ بشراً من النار وبين خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التي أنقذت كلبا من العطش فغفر الله لها، فكيف بمن أنقذ نفوساً من النار كاد يهوي فيها ؟؟!!
و لنتذكر:
(( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين )).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على اله وصحبه وسلم.
===============
لابد أن تكوني داعية
المؤلف:سارة الراجحي
نقل:سلمان بن فهد العودة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
قرأت الكتاب المرفق, وقد أعجبتني فكرته, وجودة أسلوبه, ونبل هدفه, فهو يسد فراغًا مهمًا في حياة الفتاة المسلمة, خصوصًا حين يكتب بقلم إحدى بنات جنسها, ولم أجد ما أعلق على الكتاب سوى الثناء عليه شكلاً ومضمونًا, لغة وفكرة, والدعاء للأخت الكريمة التي قامت بكتابته فجزاها الله خيرًا وبارك في جهدها, وجعلها قدوة في جيلها والحمد لله رب العالمين.
أخوكم
سلمان بن فهد العودة
لا بد أن تكوني داعية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيبنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين,ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :
إلى كل حبيبة للرحمن ، حفيدة خديجة وعائشة ونسيبة والرميصاء ، من اصطفاها الله على الباقيات باتباع منهجه ، الغريبة القابضة على دينها تلسعها الجمرات في خضم الفتن ولا تبالي / اسألي الله الثبات ، واعملي بالأسباب المعينة على الثبات .. فأنت في نعمة لو أدركتها النساء الأخريات لعدن سريعاً إلى الإسلام منهاجاً وتطبيقاً .
لذلك عليك أن لا تكتفي بإصلاح نفسك والمضي بها ، بل ينبغي أن تأخذي في طريقك الذين ران ضباب الماديات على رؤيتهم فتُاهوا في الطريق .. في نفس الوقت الذي تدفعين فيه لصوص الفضيلة وتقاومينهم .
انظري إلى المتوارين خلف التيه والضلال بعين الشفقة أولاً .. فثمة أشياء كثيرة ستتغير من حولنا ، ثم اسلكي سبل الدعوة الصحيحة والمتنوعة .
فالعقيدة تتجرد من فاعليتها أحياناً لأنها فقدت الإشعاع الاجتماعي فأصبحت جاذبية فردية ، وصار الإيمان إيمان فرد متحلل من صلاته بوسطه الاجتماعي ، وعليه فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها ، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي ، وفي كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم وجود الله ، بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ، ونملأ به نفسه باعتباره مصدراً للطاقة . (1)
لنتذكر أن الأمة لا تنهض بمجتمعاتٍ متآكلة من الداخل ، وأن عليها أن تُصلح نفسها لكي تواجه من حولها ..
علينا أن ننصر الله لينصرنا ، لننصر دينه في أنفسنا ومجتمعنا كي ينصرنا على أعدائنا في الداخل والخارج .
إنّ النصر لا يأتي إلا بالعمل الدؤوب والصبر .. لا بالتواكل والدعاء فقط ، حتى وإن استغرق عمر ذلك العمل والصبر أجيالاً عديدة ، فما هو في عمر الأمم إلا ومضة سريعة..!
وأعظم من يقوم بهذه المهمة - مهمة صنع الانتصار- هو: ( المرأة ) نصف المجتمع الذي يلد ويربي النصف الباقي ، التي تهز المهد بيد وتهز العالم باليد الأخرى .
فلابد من توظيف الصحوة النسائية بشكل أعمق وأوسع ، حتى لا تصبح مجرد طاقة كامنة معرضة للاضمحلال والتلاشي أو الانحصار في زوايا معينة .
والنتيجة لا تسبق سببها .. فتأملي !
لذلك قدمنا لك ِ جهد المقلين هذا لعله يكون أحد الأسباب التي تصنع النتائج ..
إن أصبنا فمن الله عز وجل ، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان .
والله من وراء القصد .
لماذا علينا أن ندعو إلى الله ونضاعف الجهود حالياً ؟
إضافة إلى ما ذكر سابقاً علينا أن نتذكر أن الهدف الأساسي للإسلام هو إنقاذ البشرية ،وإخراجها من عبادة الآخرين إلى عبادة الله ، ومن الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام.
والناس اليوم أحوج إلى من يأخذ بأيديهم إلى جادة الدين القيم والاستشراف الروحي بعدما سلكوا خط الانحدار الذي أركس إنسانيتهم الحقيقية وحدا بهم إلى المادية والإفلاس الروحي ، ليس فقط من لم يعرف الإسلام بل حتى المسلمين الذين يحملون اسمه فقط و يجهلون كنهه الحقيقي !
هؤلاء الغرقى بحاجة إلى من ينتشلهم مما هم فيه ، ومن الظلم تركهم لأنفسهم التي تتخبط في التيه .
فمن ذا الذي يستطيع انتشالهم غير الدعاة ؟ وكيف سيكون الحال إذا تخلوا عن هذه المهمة العظيمة ؟ في نفس الوقت الذي تتسارع فيه خطا المفسدين تجر معها معاول الهدم ..!
امرأة نصرانية حضرت أحد المؤتمرات التي أقيمت للتعريف بالدين الإسلامي ، وبعد سماعها لتعريف مختصر لخصائص هذا الدين ومميزاته قالت : " لئن كان ما ذكرتموه عن دينكم صحيحا إنكم إذن الظالمون ! فقيل لها : ولماذا؟ قالت : " لأنكم لم تعملوا على نشره بين الناس والدعوة إليه " !!(8/214)
للأسف بعض المستقيمات يتلكأن في طريق الدعوة ، بسبب ضباب في الطريق، أو يترددن بسبب شبهات معترضة ، أو يتراجعن بسبب اعتراضات المثبطين وأهل الهوى والضلال ، وإنما الواجب عليهن أن يثقن بأنفسهن ودعوتهن، وأن يعزمن عزائمهن ، ولا يلتفتن إلى وسوسة شياطين الإنس والجن ، بل عليهن أن يسلكن طريق الدعوة إلى الله ، بما فضلهن الله به من التزام بالدين ، فهن أمثل من في الساحة ، وهن أهل للإصلاح .
أختي الكريمة :
تأملي ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) . فصلت 33
الاستفهام في الآية بمعنى النفي ، أي : لا أحسن قولاً .
والغرض منه انتفاء هذا الشيء ، وتحدي المخاطب أن يأتي به ، فإذا كان عنده شيء أحسن من هذا فليأتِ به ..!
أختاه :
انظري إلى جهود المبشرين والمنصرين وأهل الضلال كم يبذلوا ليضلوا الناس ، ونحن الذين اصطفانا الله لحمل رسالته نتخاذل ونتقاعس ..!
أحد الدعاة كان منتدبا مع مجموعة من الدعاة من قبل جامعة الإمام محمد بن سعود للدعوة في بعض دول أفريقيا..
قال : في رحلة شاقة إلى قرية من القرى وكانت السيارة تسير وسط غابة كثيفة وكان الطريق وعراً وعورة يستحيل معها أن تسرع السيارة اكثر من 20كم في الساعة وقد بلغ منا الإرهاق مبلغه وكأن البعض قد ضاق صدره من طول الرحلة وبدأ يتأفف من شدة الحر وكثرة الذباب والغبار الذي ملأ جو السيارة .
وفجأة شاهدنا على قارعة الطريق امرأة أوربية قد امتطت حماراً وعلقت صليباً كبيراً على صدرها وبيدها منظار ودربيل .. وعند سؤالها عن سبب وجودها في هذه الغابة تبين أنها تدعو للصليب في كنيسة داخل القرية ولها سنتان . فقالوا : (اللهم إنا نعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة ) . (3)
والآن قارني بينك يابنة التوحيد وبين هذه الضالة المضلة .. ثم اسألي نفسك : ماذا قدمتُ للدين ؟ و ألا يستحق منا هذا الدين شيئاً من الجهد في الدعوة إليه ؟
فضل الداعية والجزاء الذي ينتظرها:
- الداعية هي سبب للنصر والتمكين في الدنيا..( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..) آل عمران 110
- تبليغ الداعية يُكسِبها دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمبلغين. : " نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه... " رواه أحمد
- الداعية ممن يشملهم الله برحمته الغامرة .. ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ) .التوبة 71
- للداعية أجر عظيم يتضاعف بعدد الذين يستجيبون لها .. " من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً " . رواه مسلم
- يكفي الداعية شرفاً وكرامة أن قولها يعتبر أحسن الأقوال ، وأن كلامها في التبليغ أفضل الكلام ..( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) . فصلت 33
- الداعية من المفلحين والسعداء في الدنيا والآخرة : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران 104 .
- يكفي الداعية فخراً أن تسببها في الهداية خير مما طلعت عليه الشمس وغربت ..".. فو الله لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم " رواه البخاري وفي رواية : " خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت " .
- الداعية تُثبت معاني الخير والصلاح في الأمة.. ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران 110
- الداعية صمام أمان المجتمع وعامل إزالة الشر والفساد .. ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) . المائدة 78
- الداعية تبعث الإحساس بمعنى الأخوة والتكافل واهتمام المسلمين بعضهم ببعض.. ( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) . التوبة 71
كيف تؤهلين نفسك للدعوة ؟
إعداد المرأة الداعية نفسها جيداً لهذا الدور وتحمل مسؤولياتها المُناطة بها تجاه مبادئها و الآخرين يعد أمراً عظيماً وقد يكون غاية في حد ذاته , ولا يتأتى ذلك إلا بتوافر الشروط اللازمة لها للقيام بذلك الدور الذي يمكن وصفه نوعياً وكمياً إن كان مؤهلاً لذلك,وقد يخضع باستمرار للتقويم من داخلها و من الآخرين كذلك .
وضعي في ذهنك أنك إذا أعددت نفسك جيداً لمهمة الدعوة فهذا يعني أنك أنجزت نصف المهمة .
لهذا نطرح أمامك بعض الأمور التي ينبغي التحلي بها ومراعاتها :
1- الإخلاص والصدق :
تحتاجين إلى كمية غير محدودة من إكسير الأعمال ومفتاحها وهو ( الإخلاص) في القول والعمل ، كي يقبل عملك ، و يتولد لديك الصبر والاحتساب ، والعزيمة القوية ، وعدم استحقار المعروف مهما كان صغيراً ..
لا تتركي الإخلاص في العمل بملاحظة غير الله فيه.. فترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص هو الخلاص من هذين، فلا تطلبي لعملك شاهدا غير الله .(8/215)
ابتغي وجه الله في الدعوة إليه وابتغي نصرة دينه ، ولا تنتظري جزاءً أو شكوراً ، فلا يجتمع الإخلاص مع حب الثناء في قلبٍ واحد ، فاسعي إلى كتمان حسناتك وأفضالك ككتمانك سيئاتك ، وإلى استواء الذم والمدح من العامة.
وتذكري دوماً الإخلاص هو سبب القبول عند الله تعالى، وهو كذلك سبب الإتقان، فما أخلص إنسان في شيء إلا وأتقنه .
لتكن خطاك في طريق الدعوة كخطوات من يمشي على رمل ناعم لا يُسمع لها وقع ، لكن بالتأكيد سيكون لها أثر بين .
فصدقك في حمل دعوتك وتبليغها أمر مهم جداً ، فاصدقي الله في الدعوة لأجله ، واصدقي الدعوة في انسجام الظاهر والباطن لديك .
وآثري الصدق في أعمالك وتحريه حتى تكون خالصة لوجه الله ، فإن لم تكن كذلك فاعلمي مسبقاً أن ما تقومين به هباءً منثوراً ..!
2- عُلوّ الهمّة :
استصغري مادون النهاية من معالي أمر الدعوة إلى الله ، ضعي هدفاً لك لبلوغ الغاية التي يريد الله أن تبلغيها, كما كان الرسل الكرام على رأس قائمة عالي الهمة في هذا المجال .
" ثقي بالله عز وجل واصدقي في التوكل عليه, وحسن الظن به, فتقوية هذه العناصر تعتبر من الوسائل الجذرية لاكتساب فضيلة قوة الإرادة وعلو الهمة , فضعف الإرادة والهمة من عدم الثقة بالنفس , والثقة بالله مع حسن التوكل عليه وحسن الظن به تمنح الإنسان عامة والداعية خاصة ثقةً وأملاً بمعونة الله في تحقيق النتائج التي ترجوها , فتقوى بذلك إرادتها وتعلو همتها " . (4)
3-الصبر والاحتساب :
" الصبر ضياء " . رواه مسلم .
الصبر خصلة عظيمة يحتاجها الإنسان عموماً والداعية خصوصاً .. ذلك لأنها ستتعرض في طريق الدعوة للكثير من المحن التي تحتاج صبراً يذوبها ولا يفت عضدها فتكمل المسير ..
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران 200 .
من هنا يجب أن تعودي نفسك على الصبر ، وأن لا تجزعي ، ولتعلمي بأنه ستأتي عليكِ أيام ٌ صعبة تتعرضين فيها للأذى و السخرية والتثبيط والمشقة والتعب ..
إن ّرسولنا الكريم قد نالته ألوان مختلفة من البلاء ، ضرب و شتم وضيق عليه وعلى أصحابه ، فكان صبره في القمة في ميدان البلاء .
فتعرفي على أنواع الأذى التي تعرض لها حبيبنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، واستحضريها دائماً ، سيهون الأمر عندها ، و ستطيب نفسكِ بعد أن تتذكري الجزاء الذي أعده الله للصابرين :
(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) .. الفرقان 75 .
4 – الأخلاق الحسنة :
خالقي الناس بخلق حسن .
لقد بعُث الرسول ليتمم مكارم الأخلاق ، والأخلاق هي أساس الإسلام وسداه , وليست فقط الإطار الذي يصون حدوده ويُنتهى عنده ..!
وما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن ، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وحسن الخلق مع الناس يجمعه أمران بذل المعروف قولاً وفعلاً وكف الأذى قولاً وفعلاً.
إن عليك أن تعملي على تهيئة نفوس هؤلاء بأخلاقك الحسنة وروح العطف والسماحة لتتقمص أفكار الإسلام وتدرك معانيه فتنفذ إلى دواخلهم ومجريات تفكيرهم التي تحدد بالتالي تصرفاتهم وسلوكهم !
لذلك تخلقك بالخلق الكريم أوجب و ألزم ، فاحرصي على اكتساب مكارم الأخلاق ، وجاهدي نفسك وروضيها حتى تتحلى بها .. وداومي على تزكية النفس وتهذيبها لتكون دعوتك بحالك قبل مقالك .
5 ... - سلاح القرآن و العلوم الشرعية والثقافة :
لا بد في حق الداعية إلى الله والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر من العلم لقوله سبحانه : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) يوسف 108
والتي تنتصب لهذا الأمر يجب عليها أن تعنى بهذا الأمر حتى تضع الأمور في مواضعها؛ فتضع الدعوة إلى الخير في موضعها ، والأمر بالمعروف في موضعه ، على بصيرة وعلم حتى لا يقع منها إنكار المنكر ، بما هو أنكر منه ، وحتى لا يقع منها الأمر بالمعروف على وجه يوجب حدوث منكر أخطر من ترك ذلك المعروف الذي تدعو إليه . (5)
فضلاً على أن ّ قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول ، يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . يونس 57
كما أن عليك أن تكوني مطلعة لما يحدث حولك من أحداث وما يكون في المجتمع من أخبار.
6- انسفي هذا الحاجز :
حاجز "الخجل " من دعوة الآخرين ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، المذموم الذي لا يجلب الخير لصاحبته إذا كانت على حق، والحق أحق أن يتبع ..!
أختي الصامتة : كفى خجلاً ، انسفي هذا الحاجز الذي تسوغين به العجز والقعود نسفاً ، بتغيير النفس الذي لا بد وأن يسبقه شعور بالحاجة إلى هذا التغيير، ( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) الرعد 11 ، فاخلصي النيَّة والعزم في أن تتغيري لأجلك ولأجل الدعوة .
حاولي تدريجياً ، بدعوة القريبين جداً منك ، ثم كل من حولك ، ثم العامة ..
كما أن هناك الكثير من الوسائل الدعوية غير المباشرة التي ستنقلك إلى رحاب الممارسة الفعلية المستمرة تدريجياً ، والتي سيأتي بعضها لاحقاً ..
وأكثري من ترديد هذا الدعاء : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي) طه 25 ، 26 ، 27 ، 28
7- لا تتركيهم :(8/216)
أهلك ، أقربائك ، صديقاتك ، زميلاتك ، وكل من حولك .. كوني معهم ، ولا تتقوقعي على ذاتك .. فوجودك معهم بحد ذاته دعوة من حيث تصرفاتك فضلاً عن الممارسات الدعوية الأخرى ..
ـ ليس المطلوب أن تلقي كلماتك ثم تمضين لا تشاركينهم أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن تخالطيهم وتنفذي إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليك، فيمكن تغيير أحوالهم.
والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.. و من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو العظيم حقا.
الأمر الآخر هو أن عليك ألا تنقطعي أو تنعزلي عن أخواتك الصالحات ولا تختلطي بهن ، فالمرء ضعيف بنفسه,قوي بإخوانه وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية فما بالك إذا كثرت كما هو الحال في زماننا هذا ؟!
اتصلي بالأخوات الصالحات كي تتواصلي وتتواصي معهن بالحق وتتواصي بالصبر.
8 – وصايا سريعة ومهمة : (6)
- كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم.
- لابد على الداعية أن تكثر من قول: ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فلولا إعانة الله لها لما حركت حجرا من مكانه، ولا خطت خطوة ، ولا دعت إنسانا.
- يجب على الداعية تعليق القلوب بالله تعالى ، وهذه النقطة التي انطلق منها الأنبياء، فقد كانوا يعلقون القلوب بربها. . هذه أسهل وأنجع وسيلة للإقبال بقلوب الناس إلى طريق الهداية.
وكل دعوة لا تبدأ من هذه النقطة فهي فاشلة.
- اهتمي بالدعوة إلى الأهم فالمهم .
- استخدمي الكلمات التي تناسب من تدعينه إلى الله تعالى، خاصَّةً أنَّ لكلِّ إنسانٍ عقليَّته وأسلوبه وطريقة تفكيره،لقولة: "أُمِرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم".
- لا تبدئي بالحديث مع من تدعينه إلا بالقدر الذي تشعرين بأنَّه يسمح لك به.
- استثمري المواقف العفويَّة الغير معدِّ لها في دعوتك بذكاء ونقاء.
- اهتمِّي بمن تدعينه بشكلٍ معقول، وتجنَّبي الاهتمام الزائد عن الحدّ.
- ليس بالضرورة أن نرى القناعة على وجوه كل من ندعوهم.
- استخدام وسائل متعددة في الدعوة لتجنب الملل.
- لا تُشعري الطرف الآخر بأنَّك مسؤولةٌ عنه، وإيَّاك أن تحقِّري من تصرُّفات الآخرين.
- استفيدي من أيِّ ثمرةٍ تدنو لك في مواقفك الدعويَّة؛ لتكون دافعاً لنشاطٍ وهمَّةٍ أكبر.
- إيَّاك والتطفُّل على أحد، أو جرح خصوصيَّته.
- لا تسخري من أحد واسألي الله السلامة والعافية ، وليكن شعارك : " يا مقلب القلوب،ثبت قلبي على دينك " .
- لا تستصغري القليل من الأعمال الخيرة أياً كانت ، لربما كلمة صغيرة أو عمل يسير أحدثا الكثير من حيث لا تعلمين .
- اعقدي اجتماعاً دورياً مع نفسك .
- تذكَّري أنَّه ليس بالضرورة أن نحصل على نتيجةٍ فوريَّة؛ لأنَّ الموضوع ليس موضوع أنَّنا تعبنا من أجل الدعوة، أو أنَّنا أخلصنا لله بالفعل في هذا الموقف ونريد الثمرة، بل الموضوع أنَّنا نأخذ فقط بالأسباب، أمَّا النتائج فعلى الله وحده .
- ما من بذرة إلا ستنمو , قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن تدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن ترى ثمرة عملها، فقد لا تراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو.
- تذكري دوماً أن الحق هو الباقي، وأن ما يُنطق به من كلمات تحمل الهدى هي التي ستمكث ، أما الباطل فإنه سيذهب هباءً في يومٍ ما حتى وإن طال انتظار ذلك اليوم .
هيّا ابدئي !
وبعد أختي الداعية :
تلك خطوط الدعوة الأساسية والمهمة قد رسمناها بجهد المقلين إليك ، ولم يتبقى إلا أن تطبقي .. فالتنظير ليس صعبا ، ولكن التطبيق وآلياته التنفيذية هو المحك الحقيقي ..
فإليك بعض الأفكار والوسائل الدعوية التي تنتظر التطبيق ، في عدة مجالات وقضايا ، تستطيعين أن تقيسي عليها ما ينبغي عمله في مجالات أخرى :
في المنزل ومع الأسرة :
( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء 214 .
- كوني القدوة الصالحة أولاً ، وحاولي كسبهم بالحنان والتعاون وسعة الصدر .
- أعيدي للقرآن الكريم مكانته في بيوت المسلمين تلاوة وحفظاً وتطبيقاً .. عن طريق النصح ..أو طلب الالتحاق بحلقات حفظ القرآن، أو تنظيم مسابقة منزلية صغيرة ، أو مكافأة تشجيعية ...
- إيجاد الدروس الشرعية في المنزل ، أو دعوة أهلك إلى حضورها في المساجد .
- أكثري من ذكر المصطلحات الشرعية وشرحها بأسلوب بسيط .
- استثمار جلسة العائلة في التوجيه والإرشاد.
- التعليق على كلام أفراد الأسرة بما يقتضيه الوجه الشرعي ، كاستغلال كل وقت أو مناسبة وربطها بما يتعلق بموضوع المناسبة بحديث أو آية .
- إن رأيت أبنائك أو أخوانك أو أحد من عائلتك منسجماً في مشاهدة التلفاز ( أغنية أو فيلم ….الخ ) ، ولم تنفع الدعوة المباشرة معهم ، إلجئي إلى الدعوة غير المباشرة كأن تذهبي إلى غرفة أخرى و تجلسي للاستماع للقرآن أو محاضرة مؤثرة ، يصل صوتها إليهم .
- حينما يحين وقت عودة الآخرين إلى المنزل أو أثناء وجودك في المطبخ قومي بتشغيل إذاعة القرآن الكريم أو محاضرة - تكون ملائمة الشريط لاحتياجات الأشخاص المعنيين - حتى يستطيع سماعها كل من يدخل .
- اطلبي من أبنائك أو إخوانك الموهوبين - خاصة في الرسم - أن يرسموا أشكال هندسية أو زخارف إسلامية ملونة - بدلاً من رسم الأرواح و الأشخاص .
- و إلحاقاً بالنقطة السابقة .. شجعي أبنائك وإخوانك الصغار على كتابة الأذكار اليومية.
- يجب عليك أن تعرفي الصغار بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .(8/217)
- إحياء السنن جميعها في المنزل وإماتة البدع ومحاربتها .
- تربية الأطفال على الذهاب للمسجد وحضور صلاة الجمعة وحضور الندوات الدينية .
- توفير المجلات الإسلامية المفيدة بدلاً من المجلات الأخرى .
- محاولة استبدال الأشرطة الغنائية بالأشرطة الدينية المفيدة والممتعة .
- إنشاء مكتبة في المنزل متنوعة وشاملة بحيث تشمل جميع الأعمار والمستويات الفكرية .
- قبل أن تناقشي مع أفراد أسرتك إحدى القضايا لابد لك من الرجوع لأحد الكتب أو الفتاوى التي تتعلق بالموضوع حتى يصل حديثك لعقولهم وتتمكني من إقناعهم.
- حاولي تعريف من حولك بقضايا أمتك ومجتمعك من منظور إسلامي صحيح .
- اطرحي سؤالاً شرعياً على أفراد أسرتك ، لكي يفكروا في إجابته ويبحثوا عنها إن لم يعرفوها .. وبالتالي تشغلين تفكيرهم بما يعود عليهم بالنفع .
- قومي بتبني أحد الأعمال الخيرية - بحسب استطاعتك - .
- أحيي ذكر الله في المنزل على مدار الساعة .
- تفعيل صلة الرحم ، والتوبة من القطيعة ، وصلة من قطعنا، وترك الخصومات ، لأنها تعطل قبول الأعمال الصالحة .
- اصطحاب الأسرة في ليلة مقمرة ، أو في يوم جميل جوه ، ولتكن بنية التفكر في عظمة الله وتعويد الصغار على الإكثار من جملة "سبحان الله" فهي من أعظم العبادات.
- إن كانت هناك خادمة في المنزل فقومي بتعليمها أصول الدين والفرائض والعبادات على الوجه الصحيح ، وإعطائها الكتب المترجمة بلهجتها والتي تساعدها في فهم دينها بشكل صحيح .
الاجتماعات العائلية :
-استقبلي الآخرين بابتسامة صادقة ووجه طلق ، وأظهري سعادتكِ بهم ، كي يتقبلوا ما يأتي منك ِ .
- اعملي على توطيد الروابط و تعميق الوشائج الأسرية ، وحل الخلافات ونبذها .. وإشاعة جو من الألفة والمحبة.
- خذي معك مجموعة من المطويات والكتيبات والأشرطة المنتقاة .، أو جهزيها لهم كهدايا بسيطة في حال مجيئهم إليك ِ .
-اعرضي عليهم مجموعة من المقالات المنتقاة ، والمجلات الإسلامية ، أو شريط فيديو عن أحوال المسلمين ، أو عن مخلوقات الله .
- أشغلي المجالس بذكر الله بعيداً عن الخوض في أعراض الناس وغيبتهم .. وافتحي مجالات النقاش في الأمور المهمة .
- بإمكانك عمل مسابقات ثقافية متنوعة ، وتقديم الجوائز البسيطة الدعوية كشريط أو كتيب .
-اهتمي بدعوة الكبيرات في السن وتعليمهن أمور دينهن التي يجهلنها ، خصوصاً الأساسية منها .
- جهزي مجموعة من القصص والأناشيد الدعوية للأطفال ، واجمعيهم ثم نظمي مسابقات خفيفة لهم مع هذه القصص والأناشيد .
- تستطيعين أن تنظمي بعض النشاطات الجماعية أثناء اجتماع العائلة ، كحضور محاضرة ، أو زيارة مرضى ، أو صوم يوم تطوع ..
- علّقي على الأمور الخاطئة التي تحدث أمامك برفق وحكمة .
مجال التعليم :
إذا كانت المعلمة داعية فهذا يعني أنها من أعظم الدعاة أثراً ..!
- على المعلمة أن تدرك أن هذا المجال وجد للتربية أولاً وللتعليم ثانياً .. فعليها مراعاة الله في عملها ، وأن تهتم بجانب التربية .. فالتلميذات يتأثرن كثيراً بمعلماتهن .. في حركاتهن و تصرفاتهن و طريقة تعاملهن ، لذلك لا بد أن تكون قدوة صالحة أولاً .
- على المعلمة التركيز على الجانب الوجداني للتلميذة ، وأن تستغل أي نقطة في الدرس للتذكير بالله والنفاذ منها إلى التعلق بدينه الحق .
- " حقيبة الدعوة المدرسية " فكرة بسيطة ومفيدة هي عبارة عن حقيبة تجهزها المعلمة بمختلف أشرطة الكاسيت مع مسجل صغير ، والكتب و الصور ، والمجلات الدعوية ، والمسابقات الورقية ، والمطويات والأذكار وكروت جميلة مكتوب بها فوائد متنوعة .. تأخذها معها في حصص الانتظار والريادة .. على أن تراعي فيها عناصر التشويق والتنويع والتجديد .
- تجهيز غرفة دعوية في المدرسة بمساعدة التلميذات تحوي جهاز تسجيل وفيديو ومكتبة صغيرة وأشرطة متنوعة ، ولوح حائطية متعلقة بالقضايا الأساسية في حياة الفتاة المسلمة وأشياء أخرى مناسبة .. يتم نقل الطالبات إليها في أوقات الفراغ وحصص الانتظار .. أو الرجوع إليها .
- وضع لوح حائطية جميلة وجذابة قابلة لتغيير المحتويات ، مثلاً لوحة مخصصة للفتاوى يتم تبديل الفتاوى فيها بين الحين والآخر .
- " السبورة المتجددة " : هناك لوح قابلة للكتابة بالأقلام العريضة والمسح ، ضعي إحداها في مكان يراه الجميع..واستعيني بصاحبة خط جميل واكتبي عليها في كل يومين آية أو حديث أو حكمة بليغة لتحيي القلوب والعقول، أو بحسب المناسبات .
- تنظيم المسابقات الدورية المتنوعة ما بين حفظ القرآن وتفسيره وقصصه وأمثاله وإعجازه ، وحفظ الأحاديث وأسئلة حول قصصها ورواتها وأمثالها وإعجازها .
- تكريم التلميذات ذوات الحجاب الكامل تكريماً لائقاً .
- إقامة حلق التحفيظ وحلق الذكر .
- إلقاء الندوات والمحاضرات على أن يراعى فيها التنويع والأسلوب الجذاب ومناقشة المواضيع المهمة التي تساهم في بناء أفكار و شخصيات الناشئات بناءً سليماً .
- الاهتمام بالإذاعة .
- إصدار مجلة أسبوعية أو شهرية تشارك فيها الطالبات ، يراعى فيها التنوع والجودة والجذب والتجديد .
- استغلي مجلس الأمهات لتوعية الأمهات ونصحهن في نفس الوقت الذي ترشدينهن فيه على كيفية الاهتمام ببناتهن وتربيتهن تربية إسلامية صحيحة .
- اهتمي بمسألة النصح الفردي للطالبة بعيداً عن العلني.
- تهيئة الجو في وقت الفسحة لأداء سنة الضحى .
- استبدال الأشرطة الضارة بأشرطة أخرى نافعة .
- تبادل الأشرطة الدينية مع التلميذات .. و على المعلمة مثلاً أن تطلب منهن إعطاءها أجمل شريط سمعنه ثم يعلق عليه الجميع .(8/218)
- إن كانت المعلمة و التلميذات يستخدمن الإنترنت على المعلمة تبادل المواقع المفيدة معهن .
- لا تنسي العاملات في المدرسة من أنشطتك الدعوية ونصحك .
في غرفة المعلمات :
- ضعي صندوق صغير للتبرعات ، واكتبي عليه آية كريمة عن الصدقة .. ونظمي تبرعات بين الفينة والأخرى ( كفالة يتيم - تبرع لإخواننا المسلمين - بناء مسجد - إفطار صائم .. الخ )
- ضعي لوحة على الجدار مكتوب فيها كفارة المجلس ، وأية عن الغيبة ، ونحو ذلك ..
- اهتمي بزميلاتك ، وقدمي لهن الهدايا الدعوية البسيطة .
- كوني عنصر إيجابي فعال ، وأصلحي ذات البين وابتعدي عن المهاترات و تغاضي عن سفاسف الأمور .
- عرفيهن بقضايا العالم الإسلامي والغزو الفكري والثقافي الذي يشن عليه .
- عند المناقشات .. ناقشيهن مناقشة هادئة بالحكمة والموعظة الحسنة ، بعيداً عن الصراخ والسباب والجدل العقيم.
- حاولي أن تجعلي من جميع المعلمات قدوات صالحة للتلميذات وداعيات أيضاً .
- ضعي صندوق أنيق أو سلة جميلة تحتوي على كتيبات وأشرطة تستفيد منها زميلاتك في أوقات الفراغ .
الطالبات الداعيات : تستطيعين أن تفعلي الكثير مما تفعله المعلمة ، وتستطيعين التأثير على زميلاتك في الفصل وصديقاتك المقربات بالأخلاق الحسنة والصحبة الطيبة .. وارجعي للمعلمات القديرات إذا استصعب عليك شيء .
جيرانك :
- تعرفي على جيرانك أولاً وأحسني إليهم .. واحرصي على التواصل معهم وكسر الحواجز بينك وبينهم .
- احرصي على أن تكون مجالسك معهن مجالس ذكر بعيدا عن الغيبة والنميمة التي تشتهر بها مجالس النساء،وقدمي إليهن نصحك بالحكمة والموعظة الحسنة .
- اعقدي قدر استطاعتك دوريات لتسميع القرآن وتدارس الأحكام الدينية .
- اكسبي ودهم بتقديم الهدايا في المناسبات ، و إرسال أطباق من صنع يديك بين فترة وأخرى .. "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" رواه البخاري .
- اختاري الأشرطة و الكتب والمطويات الدعوية بعناية .. ثم قدميها لهم كهدايا، أو تبادليها معهم من باب الاستعارة .
- ... كوني في عونهم دائماً خصوصاً في أوقات الأزمات والحاجة .
الأماكن العامة :
بالنسبة للدعوة في الأماكن العامة من أسواق ومستشفيات ونحوها ، فهي محدودة .
ولكن أهم وسيلة للدعوة في هذه الأماكن هي ( النصح و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) و توزيع المطويات التي تتناول الظواهر السلبية في المجتمع و التحذير منها و التذكير بالله ..
في المستشفيات مثلاً يمكن وضع صندوق ، و بداخله منشورات وقصص واقعية عن المرضى ، حتى تلامس واقعهم ويكون تأثيرها أقوى عليهم .. وهذا الصندوق يمكن وضعه من قبل الأطباء و الطبيبات و الممرضات بواسطتك .. أما المنشورات فكل من يقصد المستشفى يأخذ منها ويضعها هناك .
وهنا نركز مجدداً على حسن انتقاء المطويات والكتيبات والأشرطة .
خاتمة:
أما وقد عرفتِ المسؤولية الملقاة على عاتقك ، وبُصِّرت ِ بكيفية حملها على وجه يليق بها ، فلا عذر لك ِ اليوم إن تقاعست ِ ، وستُسألين عما تعلمتيه هنا ، هل عملت ِ به أم لا ؟!
نعم تستطيعين ..
فهيّا انفضي الغبار عن الصحوة النسائية الخاملة ، وابدئي منذ اللحظة ، فقد تأخرنا كثيراً ..نسأل الله لنا ولك ِ الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.
=============
المصلحون يصنعون الفرص
اسم المحاضر: الشيخ محمد الدويش-حفظه الله-
إن لله سنناً في خلقه جدير بهم أن يتأملوها، وقد ميز الله الإنسان بالعقل الذي يفهم به مراد الله ومراد رسوله، ويستدل به على ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويدرك به مسؤوليته في هذه الحياة.
ومن مسؤولية الإنسان في هذه الحياة أن يأخذ بأسباب النجاح فتحصيل الرزق إنما يحصل للإنسان حينما يبذل أسبابه، واتقاء الأشرار في هذه الدار إنما هو منوط ببذل الأسباب ، والمصلحون من أولى الناس بمعرفة سنن الله تعالى؛ فهم أعلم الناس به، وهم الذين يدلون الناس على الطريق .
لقد شرَّف الله الدعاة بمهمة نشر الدين وتبليغه للناس، فهم المكلفون بالأخذ به في ذوات أنفسهم، والمكلفون ببيانه للناس وتعليمهم إياه.
إن المصلح الجاد ليس من اختار طريق الإصلاح ليزداد من الخير فحسب، ولا الذي يملك قدراً من الفراغ يريد قضائه فيما ينفع، إنه ذلك الرجل الذي ملأ الهدف جوانحه وسيطر على حياته في الصحة والمرض والرخاء والشدة والفتور والعزيمة.
ها هو نوح عليه السلام يشكو قومه لربه، ويذكر ما عاناه في سبيل دعوتهم: ( قال ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً. فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ًوإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً . ثم إني دعوتهم جهاراً . ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً ).
هذا الجهد والتنويع في وسائل الخطاب لم يقف لدى نوح عند تلك اللحظة التي يراها بعينه بل امتد ليجاوز الجيل الذي يعايشه ، فيأمل عليه السلام في استجابة ذرية الكافرين: ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراًً )، وهي الكلمة التي قالها صلى الله عليه وسلم: ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل )، هذه الروح هي توظيف للإمكانات في تحقيق الهدف، حتى لو أُغلق دونه باب يفتح آخر، وحين ينقطع به طريق يشق غيره ، وحين يفشل في تجربة يجرب أخ
إننا نعيش في عصرٍ تتسارع فيه خطى التطور، والريادة فيه لأهل الباطل والفجور؛ لذا سيكون العصر مرآة لثقافة أولئك وحضارتهم.(8/219)
لقد أسهم التطور الهائل في وسائل الاتصال في كسر الحواجز بين المجتمعات ، وتذويب الفوارق بين الأمم، فما يقال في الشرق يتردد صداه في الغرب، وما يعرض هناك يُشاهد هنا، فماذا سيفعل المصلحون ؟
هل سيعيشون العصر بعقلية ما قبل التاريخ ؟ أم سيعيشون اليأس والإحباط ؟
إن عصرنا اليوم عصر القوة؛ ولذا لا مكان فيه للضعفاء واليائسين والمحبطين والجاهلين.
إن ضخامة متطلبات التغيير لن تواجه ببذل المزيد من الجهد البدني فحسب ولا بزيادة رصيدنا فيمن يتحدثون ويخطبون، إنما تواجه بعقول تعيش تحديات عصرها فلم ينجح في زحمة هذا العصر ومتغيراته إلا من يملك الروح الإيجابية المنتجة، والقطار لن ينتظر الذين يسيرون ببطء ويتطلَّعون أن يُفتح لهم الطريق، وبقدر ما تتسارع المتغيرات وتتعقد عناصر الحياة تزداد الفرص، فالحياة أوسع من أن يتحكم بها ثلة من البشر، فلم يعد الميدان ملكاً لأحد من البشر يضع الخطوط والحدود للناس فيما يأتون ويذرون.
والمصلح الإيجابي هو من يسعى لانتهاز الفرص حين تتاح أمامه، وله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان هذا شأنه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم مرة في غزاة، فأقبلت امرأة قد امتلأ ثديها، كانت تتلقف الصبيان ترضعهم، فوجدت صبيها فألزمته صدرها وألقمته ثديها ترضعه.
وفي هذا الموقف الذي يثير المشاعر يعلّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: ( أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: لله أرحم بعبده من هذه بولدها )، وكان مع أحد أصحابه وحده، فاغتنمها فرصة معلّماً وواعظاً، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: يا معاذ، فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة وقال : يا معاذ، فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة وقال : يا معاذ، فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال : هل تدري ما حق الله على عباده ؟، قلت : الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار ساعة وقال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم ).
وحين كان مع أصحابه في جنازة اغتنمها فرصة ليحدثهم عمّا يجري للإنسان بعد موته ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولمّا يلحد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكث في الأرض فرفع رأسه وقال : ( استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إنّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ) إلخ الحديث.
إن الذين يثمّنون الفرص لا يقفون عند اغتنامها حين تتاح، بل يبادرون إدراكاّ منهم بأن الفرص لا تدوم، وهذا ما كان في وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك )، وهاهو يوسف عليه السلام حين عبَّر رؤيا السلطان بأنهم أمام سبع سنين رخاء وسبع سنين من الشدة، أمرهم أن يغتنموا فرصة الرخاء ليدخروا لسني الجفاف.
والمصلح الإيجابي يتجاوز الأمر من اغتنام الفرص المتاحة له إلى البحث عنها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتنم فرصة اجتماع قومه لدعوتهم ويبحث عن فرص أخرى ليدعو غيرهم، ففي مكة أقام ثلاث سنين من أول نبوته مستخفياً ثم أعلن في الرابعة، فدعاهم للإسلام عشر سنين يوافي المواسم كل عام، يتبع الحاج في منازلهم، وفي المواسم بعكاظ وذي جنّة وذي المجاز يدعوهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلا يجد الناصر ولا المجيب.
حتى أنه ليسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويرحل إليهم يدعوهم إلى الإسلام، وأبو لهب وراءه يسفّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكذّبه، فترد القبائل بأقبح الرد والأذى.
ويرحل صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يعرض نفسه عليهم لعل الله أن يفتح قلوبهم للهداية، فيعود مهموماً إلى مكة، فهو صلى الله عليه وسلم حين لم يجد فرصة سانحة أمامه، سعى ليوجد فرصة، ولن تعجز عقول المصلحين عن تهيئة الفرص وإيجادها، فهاهم صناع السلاح والمتاجرين به حين تكسد سوقه يفتعلون المعارك والخطوب، ويؤججون نارها ليروجوا بضاعتهم، وهاهم أصحاب رؤوس الأموال يغرقون الناس بالدعاية لبضائعهم حتى يُوجدوا الفرص لتسويقها، والمؤسسات الاقتصادية اليوم تنفق الملايين على من يفكر بخطط تنهض بها وتطورها.
والذين يسعون لبناء المجتمعات أولى من الذين يسعون للتجارة المادية، والمصلحون الإيجابيون لا يقف جهدهم عند ذلك فحسب بل يبحثون في المواقف السيئة وبين الصور المظلمة عن النور والضياء .
إنهم عند المحن والنكبات وحين يتشاءم الناس مما أمامهم يلتمسون الصور المشرقة ويبحثوا عن الثغرات لاستثمار الواقع الجديد، فحين يقع الولد في معصية يستثمرها الوالد العاقل منطلقاً لنصحه وإرشاده .
ومهما كانت الأحوال سيئة ومظلمة، فالأوضاع الجديدة تحمل في طياتها العديد من الفرص التي يمكن أن يستثمرها العقلاء، ولو لم يكن فيها إلا أن الفرج مع الكرب، والنصر مع الشدة واليسر مع العسر.(8/220)
إن الروح الإيجابية التي تسعى للإنتاج والانجاز وتبحث عن فرص النجاح وتصنعها لا يمكن أن تعطي تلقيناً ولا يمكن أن تصنع لدى الجيل روحاً طموحة بمجرد أن تملي عليه؛ ولذا فعلى المصلحين اليوم إيجاد جيل الإيجابية والفاعلية، ولن يتحقق ذلك إذا كانت لغة التشاؤم هي السائدة في سوق الوعظ والخطابة، ولا حين تكون مجالس الصالحين الغيورين تنضح بذكر أبواب الفساد والعوائق.
لقد ملّ الناس الحديث عن الواقع المظلم، وهم اليوم بحاجة لمن يفتح أمامهم أبواب الأمل، ويربيهم على الإيجابية والتفاؤل، وعلى العمل والإنتاج بدلاً من تكرار الحديث، هم بحاجة إلى أن تربى عقولهم على التفكير، وأفئدتهم على الفقه والوعي، هم بحاجة إلى أن يحملوا روح التجديد والابتكار.
إن الصوت الأبلغ والأكثر تأثيراً هو القادر على استثمار الفرص بفتح الأبواب التي تبدو للآخرين مغلقة .
إن من مسؤوليتنا أن نبلّغ الدين للناس، وأن نسعى جاهدين لإصلاح واقع الناس، وأن نبحث ونوجد الفرص ونغتنمها إن أتيحت، وأن نهيء لأنفسنا تلك الأبواب التي تبدو مغلقة.
هاهم الأعداء يراهنون على وسائل هامة من وسائل الاتصال والتقنية ، ولو كانت الأمة جادة لاستطاعت توظيف هذه التقنيات والوسائل ولانقلب السحر على الساحر ، فهذا جزء من واجبنا وجزء من تقوى الله تعالى: " فاتقوا الله ما استطعتم "، " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها "، ومن تأمل منهج الأنبياء وسيرهم رأى كيف كان جهدهم وهمتهم وسعيهم لدعوة قومهم .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده المؤمنين، ومن أوليائه المتقين، إنه سميع مجيب.
============
الخطاب الدعوى ومآسي المسلمين
د.مهدي قاضي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد...فإن هذا الكتاب يحوي مقالين كتبا في فترتين سابقتين, أذكر بها نفسي المقصرة وإخواني, سائلاً الله أن يكتب بهما النفع, فما أصبت فيه ووفقت فمن الله وبفضله, وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان.
المقال الأول يعرض -على شكل نقاط- عدداً من الإشكالات التي لوحظت في العديد من الخطابات الدعوية التي حدثت تفاعلاً مع مآسي أمتنا ( وتخبطاتها ) الكثيرة المتنوعة المتكررة في عصرنا الحالي الذي نعيشه, والمقال الثاني يُذَكِّر ببعض الواجبات والمستوى الذي يؤمل أن يكون عليه الدعاة إلى الله خاصة في وقتنا هذا الذي كثرت فيها آلامنا واستبيحت دماؤنا وأذللنا أيما إذلال.
وقد ذيل المقالان بهوامش بها نقاط تذكيرية هامة أتمنى الالتفات لها, خاصة هوامش المقال الثاني والتي منذ سنوات وأنا أتمنى نشرها في كتيب مستقل وأتت الآن فرصة لأضعها باختصار في هذه الهوامش, فأسال الله أن ينفع بها , وأتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في إخراج هذا الكتيب وتنقيحه.
اللهم عجل بفضلك وكرمك هداية أمتنا, وأعنا على أداء واجباتنا, وارزقنا الإخلاص وصدق محبتك, واكتب لنا يا عظيم النصر على الأعداء, وأفرحنا بكرمك بنيل رضاك, وبدخول فردوسك, وبلذة النظر إلى وجهك الكريم يوم لقاك.
هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة, وحاملي همها من الدعاة والمصلحين, وأصحاب الأقلام الطيبة, وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك, فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع.
أولا: إشكالات في الخطاب :
1- إن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا ( وأيضاً تخبطاتنا ) الأخيرة الرهيبة, لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم - عند الحديث عن هذه المآسي - بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله, وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي, والمؤثر الحار, الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين , مبيناً لهم بوضوح أن هذا هو الحل ,..... ومشعراً لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم , مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري .
قال تعالى: ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )..الآية (محمد:7).
ورأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي, والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية المتعلقة بهذه الأحداث.
ومن المعروف على مدى العصور أن أمتنا كانت ذات شأن في القوة بل وفي التقدم المادي عندما كانت مطبقة لدينها, وأن بداية تأخرها وضعفها وذهاب عزها تحصل عندما تنحرف عن دينها وشريعة ربها, لذا فالتخلف التقني والعسكري والتفرق في الأمة الإسلامية لاشك أنه من أسباب ضعفها( ويجب على الأمة أن تجتهد في تقويته ) ولكنه متعلق وناتج بالدرجة الأولى من ُبعدها عن الله و حقيقة منهج الإسلام.
و الأمة الإسلامية إذا صدقت في العودة إلى الله والاستقامة على شرعه ثم جاهدت أعداءها - في الوقت والظرف المناسبين- فهي منصورة بإذن الله ولو لم تصل في العدة والعتاد والاستعداد إلى مثل مستوى أعدائها, فقط هي مطالبة بأن تعد ما تستطيعه من القوة وقتئذٍ , وتاريخنا الإسلامي شاهد على انتصارات المسلمين الكثيرة على أعداء لهم فاقوهم كثيرا في استعداداتهم المادية .(8/221)
2- على الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح, إلا أننا من كثرة المآسي والجراح, وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح, أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر, فهل الهدف هو البكاء للبكاء ؟ أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين ؟ والذي لا شك في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي, خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي ,... فالأصل أن يكون الهدف والمؤمل الأكبر من البكاء والتألم هو جعل ذلك شعلة للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها , والعودة إلى الله, والدعوة إليه , التي - بإذن الله - بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة , ويعود مجدها, وينطلق بقوة جهادها , وتنتصر وتحل كل مشكلاتها( وتخبطاتها ) ..
3- أيضاً يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار,.... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهم , وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة .
فلا بد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار, لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر .
وإن من سلبيات التركيز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين, وعلى الدعم المالي لهم مع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخدير للمسلمين , فيشعرون أنهم - بعمل ذلك فقط - يكونون قد أدوا ما عليهم, بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية, فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة وبالضبط يوم الاثنين 19رجب 1421هـ , فقال رحمه الله معلقا على الأحداث:
(( كيف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا , إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنا العاطفة !.......المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومن هم أصحابه... اسمع قول الله عز وجل( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )..( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )...... لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله عز وجل, لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس......... أرجو ألا تأخذنا العاطفة.. ألا تأخذنا العاطفة ! وأن نغفل عن الأشياء الأساسية !........ نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر...لا نرضى بهذا أبدا ولن يرضى بذلك أي مسلم...ولكن علينا أولا أن نصلح أنفسنا...أنفسنا ما صلحت إلا ما شاء الله...فكروا بهذه الأمور..لا تأخذكم العاطفة(( .* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظراً لأهميتها.
4- يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها, ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جداً ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن...... كيف السبيل إليها ؟
وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه ؟
وكيف تحدث العزة والوحدة ؟
وإن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين .
ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث إتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح , بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه , فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه .
بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه , قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد .
5- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها, فليس الأساس كذلك , بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره .
6- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة , مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء , وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ) (آل عمران:120).
7- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر " صلاح الدين " وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا , ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة , ولكن.......(8/222)
أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود " أمثال صلاح الدين " يعتبر فهماً خاطئا ً, وله خطورته من حيث أنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها, كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني .
ثم كيف يخرج لنا مثل " صلاح الدين " ؟ ! , هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!
إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا " صلاحاً " -بإذن الله - وصلاح الدين نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.
8- يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة " عودي إلى الله " التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا " قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير, خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني , فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة .
9- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هو ما نلاحظه من البرود و الانتكاس العاطفي والعملي السريع , والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين.
10- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي - بالقدر الكافي - في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات , وإصدارات إعلامية متنوعة , وتوجهات شعوبية , كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد .
11- ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخدير بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم
- كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات - على طمأنة الأمة بأن النصر قادم , وبث روح التفاؤل فيها بدون أن ُتذَكَّر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها, وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها.
12- ومن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى
- وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث - أن تصرف الأمة عن التركيز على قضيتها الكبرى و مأساتها الأكبر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين, والالتزام بأوامره .
13- وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين في حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون( في أحيانٍ قليلة أو كثيرة ) الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه, والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها, أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها, أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة , ..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك ,.... إنها قضية إحياء أمتنا .
ثانياً: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي:
1- نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي امتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم ،وهو رجوع الأمة إلى دينها , وتطبيقه الكامل , وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتن والنكبات والشرور.
2- نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة إلى ديننا - أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقة , تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير, لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها .
3- حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي - نثرا كان أو شعرا أو خطابة -تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الامه وخاصةً التي استمرأها المسلمون , وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب , لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره .
4- نتمنى أن يُشْعِر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة , ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح ,... حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم .
5- نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي - عندما يخاطبنا في مآسينا , ومشكلاتنا , وفي كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا - يربطها بعبوديتنا لله, فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله , قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) (الأنعام: الآيات 162-163).
6- يحدونا أملٌ كبير - إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبرى الأهم - أن ينتج عن ذلك حصول توجه ضخم لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكير " مقاطعة الذنوب ".
حتى يتحقق النصر والفلاح
إخوتنا الدعاة إلى الله – والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله – يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي, فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا.
فهل نهنأ والحال كذلك!!....(8/223)
إن أملنا في حاملي مشاعل الأمل هو أن: يحققوا أولاً صدق إخلاصهم وتجردهم لله وارتفاعهم في درجات العبودية, وقوتهم في أعمال القلوب , وأن يكونوا قدوة حقة تتحدث أفعالهم قبل أقوالهم وأن يكونوا قمة في أخلاقهم , وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية وأن لا ينسوا أن يتسلحوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعاء في كل أمورهم , وأن يركزوا في دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا , وأن يركزوا على الأولويات , وألا تفوت عليهم الموازنة بين الواجبات , وألا يركّزوا على الأعراض أكثر من الأمراض , وأن يقدموا الإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين , وألا ينشغلوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهم عن الأساسيات والواجبات الأهم , وألا يدعوا أي فرصة فيها خدمة للدعوة إلا واستغلوها أحسن استغلال, ولو كانت فرصة صغيرة أو عارضة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
===========
وصايا من الله للدعاة
اسم المحاضر: الشيخ محمد المنجد - حفظه الله -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
عباد الله : لقد وصى الله تعالى الناس عموماً والدعاة خصوصاً بواجب الدعوة إليه، وحثهم على استشعار المسؤولية ببذل وسعهم في إيجاد الأساليب الناجحة للدعوة، ودلهم على اتباع أساليب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في ذلك، سواءً كان بالكلام أو بالقدوة والفعال.
توجيهات للدعاة:
عباد الله: لقد أُنزل علينا القرآن الكريم لنتدبر ما فيه ونعمل بمقتضاه، وقد جاءت فيه توجيهات كثيرة في شتى فروع الحياة وأوديتها، وجاءت فيه مواعظ من ربنا لجلاء صدأ قلوبنا، وحمل نفوسنا على السير في الصراط المستقيم، وعدم الاعوجاج، ومن هذه التوجيهات: التوجيهات للدعاة إلى الله تعالى، والتوجيه للناس للقيام بواجب الدعوة إلى الله، وكلنا يجب أن نكون دعاة إلى الله.
عباد الله: لقد فرطنا في هذا الواجب الشرعي.. واجب الدعوة إلى الله تعالى، وركنت نفوسنا إلى الدنيا، واشتغلنا بالملذات واتباع الشهوات، وكان الإعراض من الكثيرين عن العمل بالإسلام؛ فضلاً عن الدعوة إليه، والكل عليه واجبات سيسأل عنها يوم القيامة، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) الزخرف:44.
فتعالوا بنا نستعرض شيئاً مما ذكره ربنا عن الدعوة إلى الله، والأمر بها، وأساليبها، وكيفية القيام بها، وتحمل المسؤولية واستشعار الواجب في هذا الموضوع الجليل..
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف:164.
إن الاستقامة نصابها العلم والبصيرة، وزكاتها الدعوة والموعظة، والله أوجب علينا الدعوة بقوله:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) آل عمران:104، أي: لتكونوا أنتم أمة صفتها: أنهم يدعون إلى الخير، وعلى فرض أن هذا أمرٌ لبعض الأمة بالدعوة؛ فإنه واجب وفرض على الكفاية لا يسقط إلا في حال تحقق الكفاية، فهل تحققت الكفاية في عصرنا؟! وهل وجد من الدعاة من يغطي الحال؟! كلا.
أيها المسلمون: لقد صار واجباً علينا جميعاً أن نكون دعاة إلى الله تعالى، وينبغي أن يتحمل المسلم ما يلاقي في سبيل تبليغ دعوة ربه، وأن يكون الدعاة إلى الله عدتهم الصبر، وعتادهم اليقين بنصر الله وبلوغ أمره، قال صلى الله عليه وسلم: (وليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار).
إن الداعي إلى الله تعالى يحزن ويتحسر لمرأى جموع البشر تتخبط في دياجير الظلام؛ فيبادر ليجعل نفسه فتيلاً مشتعلاً في هذا الليل البهيم، والظلمة المدلهمة؛ راجياً الأجر من الله تعالى أولاً، وتنبيهاً للسائرين وإيقاظاً للنائمين ثانياً، ولذلك لما قال بعض بني إسرائيل للدعاة إلى الله منهم:( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً )، أي: لا فائدة من دعوتهم لأنهم مصرون على الباطل والإثم، فلم تشتغلون بدعوتهم؟ فكان جواب الدعاة إلى الله:( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُم )، أي: إقامة الحجة والقيام بالأمر وتنفيذ التكليف، ثم:(وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، أي: لعلهم يهتدون، وحتى لا يفقد الداعية بصيص الأمل، ولا يفقد احتمال الهداية، ولا يفقد أن يوجد من المدعوين من يقبل الدعوة ولو بعد حين، وكلمةٌ على كلمة وبعد كلمة يحصل الأثر بإذن الله.
والداعية في عمله لا يتفضل على الناس؛ بل يقوم بواجبه مشفقاً عليهم:( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون ).
أيها المسلمون: إن الدعوة إلى الله تحتاج إلى رجال يتسللون إلى قلوب الناس، ويأسرونهم بحسن سمتهم وخلقهم، ويعرفونهم بالله، ويذكرونهم بأيام الله، ويعينونهم على أنفسهم وعلى الشيطان.(8/224)
إن تسهيل طريق الخير أمام الناس، وإزالة العوائق الموهومة، وتأليف قلوبهم، وإشعارهم بمحبة الخير لهم، وأن الداعي بعيدٌ في دعوته لهم عن المصالح الشخصية أمرٌ مهم جداً، قال الله عز وجل: ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الشعراء:109، وعليه أن يفعل الأسباب المفضية والمؤدية إلى هداية الناس، ودلالتهم، ويقوم بالواجب بغير يأس ولا قنوط، فقد قام نوح بواجب الدعوة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، وما آمن معه إلا قليل، لكن ذلك لم يثنه عن الدعوة إلى الله تعالى.
أيها المسلمون: إننا شهداء الله في الأرض، يجب أن نقوم بالحق، وقد قال الله تعالى -أيضاً- مبيناً المسؤولية التي ينبغي على الدعاة إلى الله أن يقوموا بها، ولا يجعلوا لها فضول الأوقات، وإنما تكون لها الأوقات كلها، قال الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) مريم:12، أي: أن أخذ الكتاب يحتاج إلى مسؤولية وشدة عزيمة وقوة شكيمة, ولا يطيق ذلك إلا من اختاره الله تعالى لأداء هذه المهمة.
أيها المسلمون: إن كثيراً من الناس لا يأخذون الكتاب أصلاً، وأعداد يأخذون بعض ما في الكتاب ويكفرون ببعض، وبعضهم يأخذه على ضعفٍ وتراخٍ، والله يقول: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) الأعراف:171، فالمسألة تحتاج إلى تصميم وعزيمة، والمسألة تحتاج إلى حسن توجه وإلى نيةٍ خالصة حتى تحصل النتيجة.
أساليب الدعوة إلى الله عند الأنبياء:
عباد الله: إن ربنا تعالى ذكر لنا في كتابه الكريم بعضا من الأساليب المتنوعة في دعوة الأقرباء والبعداء، ودعوة الأقوام عموماً، ولنأخذ بعض الأمثلة على دعوة الأقرباء:
يقول الله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ) مريم: 41- 45
تأمل يا عبد الله! كيف ترّقى وتوخى إبراهيم عليه السلام مسالك الدعوة والحكمة فيها والرفق واللين، والبعد عن التفضل والمنة والازدراء والتحقير والشدة والغِلظة، وإنما عمد إلى التملق والتزلف؛ لكي يحاول التسلل إلى قلب خاوٍ، إنه قلب أبيه المشرك، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- معلقاً على هذه الآيات العظيمة: ابتدأ إبراهيم خطابه بذكر أبوته -أبوة أبيه- الدالة على توقيره - بدون كلمة توقير تستهل بها الخطاب أو كلمة احترام تنشئ بها الكلام وتستهله قد لا يفتح لك مطلقاً- ولم يسمه باسمه، ولم يقل: يا آزر، وإنما قال: (يا أبتِ)، ثم أخرج الكلام مخرج السؤال، فقال: ( لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) ، ولم يعمد إلى أسلوب الأمر المباشر والنهي المباشر، فيقول مثلاً: لا تعبد الشيطان، أو لا تعبد ما لا يسمع، وإنما قال: (لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئا)ً، ثم قال: ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) فلم يقل له: إنك جاهل لا علم عندك؛ بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة تدل على المعنى، فقال: (جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) ثم قال: فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّا مثلما قال موسى لفرعون: (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ) النازعات:19، ثم قال إبراهيم عليه السلام: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) فنسب الخوف إلى نفسه دون أبيه مثلما يفعل الشفيق الخائف على من يشفق عليه، وقال: "يمسك" والمَس ألطف من غيره، ولم يقل: ينزل بك، أو يخسف بك، وإنما قال: يمسك، ثم نكَّر العذاب، فقال: عَذَابٌ ولم يقل: العذاب، ثم ذكر الرَّحْمَنِ ولم يقل الجبار ولا القهار تأليفاً له، واستجلاباً للإيمان بهذا الرحمن، واستشعاراً لرحمته، فأي خطاب ألين وألطف من هذا.
ومع ذلك كله كان الرد قاسياً شديداً: ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً) مريم-46 ومع ذلك يجيء جواب إبراهيم جواباً تلين له الحجارة؛ لأنه لم يكن يدعو لحظ نفسه حتى يثور، ولم يكن يدعو لأجل أن يقابل بالإيجاب؛ ولذلك لم يثأر ولم ينتقم؛ بل قال: (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) مريم - 47.
مراتب الدعوة إلى الله:
ثم إن الله ذكر في كتابه مراتب الدعوة، فقال عز وجل: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ) النحل:125، وهذا أمر يقتضي الوجوب: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل:125، فمن الناس من هو جاهل يحتاج إلى تعليم.(8/225)
والحكمة: هي القرآن والسنة، فنعلمه ما يجهل، ونبين له حكم الله تعالى، ونبين له ما في القرآن والسنة، ومن الناس من ربما يكون عنده علم لكن فيه غفلة وقسوة قلب فيحتاج إلى تليين، والتليين يكون بالوعظ؛ ولذلك ينتقل الداعية إلى المرحلة الثانية وهي الموعظة الحسنة، فإن بعض الناس يحتاجون إلى موعظة للهداية، وبعضهم يحتاجون إلى تعليم للهداية، فهذه سبيل أخرى ذكرها الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم من يحتاج إلى تعليم، وأن يذكر من يحتاج إلى تذكير، وأن يجادل من عنده شبهة أو هوى بالتي هي أحسن.
هذه المراتب العظيمة من تأملها وطبقها على الناس، عرف أن الله ذكر الدواء الناجع لكل نوع من أنواع المدعوين، النوع الذي يجهل ويقبل التعليم ولو عُلِّم لتُبع، والنوع الذي عنده غفلة وتأخر فيدعى بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب وهما من أعظم أنواع الوعظ، ثم هناك معاند جاحد يجادل بالتي هي أحسن؛ بالبرهان والحجة واللسان القويم، وربما يكون عند بعض الناس خلفيات ثقافية، أو معلومات مسبقة خاطئة، فيحتاجون إلى محاورة، ومجادلة لكشف زيف ما يعتقدونه، والرد على الشبهات التي يأتون بها.
وقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران لما جاؤوه، ونزلت سورة آل عمران محاورة ومجادلة لأهل الكتاب، ولوفدهم الذين جاؤوا من نجران، وحاور النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم وقد كان من زعماء النصارى، فحاوره بما هو موجود عنده في الكتاب، وبما يعلمه من دينه، وحاوره بأشياء، وأوقفه على أمور عجيبة، وسأل صلى الله عليه وسلم عمران فقال: (كم إلهاً تعبد؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء)، فسأله عن الإله الذي يعده للرغبة والرهبة، وعند نزول الملمات، وفي الأحوال الخطيرة وأي واحد هو من هذه الآلهة السبعة؟ فكانت نتيجة المحاورة أنه اعترف وقال: (إنه الذي في السماء) إذاً هو أولى بالعبادة.
كما حاور عليه الصلاة والسلام أشخاصاً كثيرين، ولم يتوانَ صلى الله عليه وسلم في بذل أساليب الدعوة، سواء كان بالكلام، أو بالقدوة والفعال، كما ربط الأسير في المسجد ليسمع كلام الله وينظر أفعال المسلمين، وكيف يعيش المجتمع الإسلامي، وأرسل الرسائل إلى عظماء الأرض يدعوهم إلى الله.
أيها المسلمون حري بنا أن نتبع الأساليب الناجعة في الدعوة إلى الله، وألا نيأس من هداية الخلق، وأن نقوم بهذا الواجب الذي فرطنا فيه، فكم يوجد بيننا ممن لا يعلم شيئاً عن الإسلام؟! وربما يوجد بين المسلمين من أبناء المسلمين من يجهل الدين بالكلية، ويوجد من ذهب إلى الكفار، ورجع وهو مغسول الدماغ، فيوجد من هو مرتد يحتاج إلى دعوة، ويوجد من المسلمين جهلة بالإسلام، وخصوصاً العمالة الموجودة من بلادٍ إسلامية، ما علمناهم شيئاً أبداً، فانتهت عقودهم ومدة خدمتهم، ورجعوا إلى بلادهم ولم يستفيدوا شيئاً البتة، ويوجد كفار أصليون وغافلون من المسلمين يحتاجون إلى دعوة، وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى نوع خاص من الأساليب والوسائل.
فهلاَّ تحركت الغيرة في قلوبنا، والقيام بالمسؤولية، والخوف من السؤال يوم القيامة، والرغبة في الأجر، فإنك لا تدعو إلى خير إلاَّ وتؤجر عليه، وإذا عمل العامل بما نصحته فلك مثل أجره، ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من الدنيا وما عليها.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا بدينه مستمسكين، ولسبيله من السالكين، ولهذا الإسلام من الحاملين والدعاة المناصرين، ونسأله تعالى أن يحيينا على الإسلام، وأن يميتنا على الإيمان، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
الوسائل الدعوية
للشيخ : أحمد بن عبد العزيز الحمدان
مقدمة في الوسائل الدعوية
هذا بحث موجز أعددته لنفسي ولمن أراد الانتفاع به من إخواني وأخواتي الدّعاة، جمعته
من الكتاب والسنة وقد جعلته في العناصر التالية :
أولاً : مدخل إلى الوسائل :
من سنَّةِ الله تعالى أنَّ المقاصدَ لا تحصلُ إلاَّ بالوسائل، لذلك أمَرَ تعالى عباده بمباشرةِ الوسائلِ واتِّخاذِ الأسبابِ الموصلةِ إلى مقاصدها.
وقد استقرَّ هذا الأمرُ في الفطر، وَرَسَخَ في العقول ، فأصبح من لا يباشرُ الأسبابَ الموصلةَ إلى مراداتِه يُنسبُ إلى ضروبِ العبثِ وَقِلَّةِ الإدراك، كما قال الشاعر :
ترجو النَّجاةَ ولم تسلكْ مسالكها .. إنَّ السفينةَ لا تجري على اليبسِ
وعلينا أن نعلم أنَّ جميعَ ما في الكونِ من أشياء لا تنفكُّ عن ثلاثةِ أمور:
1- مقاصد؛ وهي الأمور التي يُهْدَفُ إليها من وراء الأفعال.
2- ووسائل؛ وهي الأمور التي يُتَوَصَّلُ بها إلى المقاصد.
3- وتوابع؛ وهي الوسائل التابعة للمقاصد المتممة لها.
مثالُ ذلك: الجهادُ في سبيلِ اللهِ تعالى مقصدٌ شرعيّ، تقرر ذلك في الكتاب والسنة والإجماع، والخروجُ إليه وسيلة إلى تحقيقه، والقفولُ منه فعلٌ متممٌ، أو زائدٌ، أو تابع له.
وهكذا نجدُ أنَّ الحاجةَ إلى الوسائلِ تستلزمُ معرفةَ أصولِها وأحكامِها الفقهيَّة، وأشدُّ النَّاسِ حاجةً إلى معرفةِ هذه الأصولِ والأحكامِ العلماءُ والدُّعاة، لأنَّهم بحاجةٍ إلى معرفةِ ما يُوْصِلُ إلى المقاصدِ الشرعيَّةِ التي يعملون من أجل بيانها للنَّاسِ وتسهيلِ الوصولِ إليها، مجتنبين ما يمكن أن يكون سبباً لارتكابِ محرم .
ثانياً : تعريف الوسائل :
في اللغة:(8/226)
الوسيلة والواسلة: ما يُتوصل به إلى الشيء برغبة ، والواسل: الراغب إلى الله تعالى، المتقرب إليه بالعمل الصالح ، والتوسل: التوصل إلى مقصد مرغوب.
تعريف الدّعوة في اللغة :
إمالة المتكلمِ النّاسَ إلى نفسِه، أو إلى فكره بكلامه، أو فعله.
تعريف الدعوة في الاصطلاح :
تبليغ الإسلام إلى النَّاس كافَّة، وحثّهم على الدخول فيه، أو التزامه، وتعليمهم إيّاه، وتربيتهم على معانيه، من خلال الأساليب والوسائل المأذون بها شرعاً، والتزام ذلك في حياة الداعي والمدعو .
والوسائلُ الدعويَّة : هي الأمورُ الحسيّةُ والمعنويّةُ التي يُتوصَّل بها إلى تبليغِ الإسلامِ إلى المدعوين.
ثالثاً ورابعاً : أركان التوسل ، وطرق معرفة الوسائل الدعوية :
- أركان التوسل :
1- مُتَوَسِّل: وهو الفاعل للتوسل ليصل إلى مقصده.
2- وتَوَسُّل: وهو الفعل الذي يباشره المتوسل ليصل إلى قصده.
3- مُتَوَسَّل به: وهو الوسيلة الموصلة للقصد.
4- ومُتَوَسَّل إليه: وهو المقصد.
فالداعية الذي يلقي خطبةً -مثلاً- متوسل، وإلقاؤه للخطبة توسل، والمتوسل به هو الخطبة، والمتوسل إليه هو التأثير في لمستمع الخطبة.
طرق معرفة الوسائل الدعوية :
1-النَّص : في الكتابِ، أو السنَّة، فَحَالَ ورودِ النَّصِ على كونِ أمرٍ معينٍ وسيلةً إلى مقصودٍ شرعيٍّ، فقد ثَبَتَتْ به أنَّها وسيلةٌ شرعيَّة.
2-النَّظر الصحيح : فقد يدرك الإنسانُ من خلاله أنَّ أمراً ما وسيلةٌ إلى بلوغِ غايةٍ معيّنة.
3-التجرِبة : وهي اختبارُ عملٍ لمعرفةِ نتائجه، وإدراكِ ثمراتِه، ومن خلال التجرِبَةِ تظهر صلاحيةُ الأمرِ المجرَّبِ لأن يكون وسيلةً تُوصِلُ إلى المقصودِ أم لا.
والوسائلُ التي تُعْرَفُ من خلالِ النَّظَرِ الصحيحِ والتجرِبَةِ يُشْتَرَطُ فيها أن تكون منضبطةً بالضوابطِ الشرعيَّةِ التي سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى .
خامساً : أقسام الوسائلِ الدَّعويَّة
* الوسائل الدَّعويَّةُ ثلاثةُ أقسام :
1- وسائلُ دعويَّةٌ معتبرةٌ شرعاً : وهي الوسائلُ الدَّعويَّةُ التي ورد نصٌّ شرعيٌّ خاصٌّ باعتبارها؛ كخطبةِ الجمعة، والتعليمِ في المساجد، والوعظ ، فهذه الوسائلُ الدَّعويَّةُ باشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمَّةُ من بعده .
2- ووسائل دعويَّةٌ ملغاةٌ شرعاً : وهي الوسائلُ الدَّعويَّةُ التي ورد نصٌّ شرعيٌّ خاصٌّ بإلغائها ؛ كالكذبِ في الدَّعوة .
3- ووسائلُ دعويَّةٌ مسكوت عنها: وهي الوسائلُ الدَّعويَّةُ التي لم يرد نصٌّ شرعيٌّ خاصٌّ باعتبارها، أو إلغائها،
وهي أكثر الوسائل الدَّعويَّة التي يستعملها الدُّعاة.
وقد تعددت الوسائل الدَّعويَّةُ في هذا الزمن، وكثرتْ وتنوعتْ حتَّى أصبح تصنيفُها باباً من أبواب التَّعَرُّفِ عليها لكثرتها .
الوسائل الدعوية اجتهادية :
ظهر جدل في هذا الزمن – لما كثرت وسائل الدعوة وتنوعت وتجددت– حول هذه الوسائل؛ هل هي توقيفيّةٌ أم اجتهادية ؟
ومن أظهر ما اعترض به من يرى الوسائل توقيفيّة أمور منها:
1- عموم الأدلة الدالة على كمال الشريعة، والتي تحذر من محدثات الأمور، والوسائل من أمور الشرع التي لا يجوز الزيادة فيها.
2- شدّة إنكار السلف لأيّ وسيلة محدثة ولو كانت نافعة .
3- أنّ إحداث الوسائل في الشرع فيه اقتداء بالصوفية الذين هم سلف المنادين بإحداث الوسائل.
4- لا تعارض بين القول بتوقيفية الوسائل وبين استخدام الوسائل الحديثة من آلات التقنية بشرط ألا تكون ممنوعة شرعاً.
والذي يظهر – والله أعلم- أنّ الخلف يسير في هذا الباب، وذلك لأمور منها:
1- أنّ الجميع يتفق على أنّه لا يجوز لمسلم، فضلاً عن الدَّاعية، أن يأخذ حكمَ الوسيلةِ من غير الشرع.
2- والجميع يتفق على أنّ المكلف لا يجوز له مباشرةُ وسيلةٍ حتى يعرف حكمها الشرعي المأخوذَ من النصوصِ الشرعيَّةِ الخاصةِ أو العامَّة، أو القواعدِ الشرعيَّة.
3- والجميع يتفق على أنّ الوسيلة لا بدّ أن تكون منضبطةً بحكم الشرع، فلا يجوز لمسلمٍ الخروجُ على حكمِ الشرعِ في أي أمر من الأمور.
4- والجميع يتفق أنّ الوسائل التي هي من جنس العبادات لا يجوز استخدامها إلاّ إذا ورد نصٌّ خاصٌّ باستخدامها.
والذي يظهر أنَّ جوانبَ الاتفاقِ في هذا البابِ تقع في الدائرةِ الأوسع، وأنّ الوسائلُ التي هي من جنسِ العاداتِ والمعاملاتِ فلا تحتاج إلى نصٍّ خاصٍّ بها، بل تكفي فيها الأدلةُ والقواعدُ الشرعيّةُ العامّة.
وبهذا يظهر أنّ الوسائلَ الدعويّةَ التي ليست من بابِ العباداتِ لا حظر فيها، ولا تحتاج إلى نصٍّ خاصٍّ بها؛ كالمخيماتِ، والمعارضِ، والدوراتِ العلميّةِ، والمحاضراتِ، والأشرطةِ، والإذاعة.
الوسائل الدعوية المختلف فيها :
لكن ماذا لو كانت الوسيلة من الأمور التي اختلف أهل العلم في حكمها بين مبيح وبين حاظر؟
هذه الوسائل التي اختلف أهل العلم فيها، ينظر في الداعيةِ المتوصلِ بها إلى دعوته، هل هو ممن بلغ رتبةً الاجتهاد، أم أنّه دون ذلك ؟
فإن كان قد بلغ رتبة الاجتهاد التي يستطيع بها أن يرجح قولاً على قول، مستنداً في ذلك إلى الأدلَّة الشرعيّة والأصول والقواعد الفقهيّة، إن كان كذلك وأدَّاه نظرُه إلى حكمٍ فيها، عَمِلَ به، إلاّ إن خشي أن تترتب على حكمه هذا مفسدة، فعليه أن يراعيها؛ لأنّ درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
وإن لم يكن الداعيةُ قد بلغ هذه الرتبة، فليسأل أهل العلم والتّقوى الذين يثق بعلمهم ودينهم، ثم يأخذ بما أفتوه به من حكم في مسألته.
لكن على الدَّاعية إلى الله تعالى أن يراعي أموراً إذا كانت الوسيلة مما اختلفت فيها أنظار أهل العلم؛ وهي:(8/227)
1- أن يعلم أنّ سبيلَ أهلِ الورعِ الترفعِ عن الشبهات .
2- إنْ كانت هذه الوسيلةُ -الْمُخْتَلَفُ فيها– يراها مباحةً، وهناك من الوسائل غيرُ الْمُخْتَلَفِ فيها يمكن أن تؤدي الغرض، فليبتعد عن الوسيلة المختلف فيها، وليأت المتفق عليها.
3- عليه أن يعلم أنّه إن رأى وسيلة من الوسائل محرمة رآها غيره مباحة، لا بالتشهي، ولكن بناء على اجتهاد معتبر من العالم، فإنّه لا يثرب على من رأى الإباحة؛ لأنّ كلا القولين بُني على اجتهاد معتبر، كما لو رآها مباحةً ورآها غيرُه محرمة، فإنّه لا يثرب عليه، أمّا إن كان من أهل العلم والذي يرى الإباحة كذلك فلا مانع من مناقشة رأي غيره للتوصل إلى اتفاق، وإلا ففي الأمر سعة.
نموذج تطبيقي على وسيلةٍ دعويَّةٍ مختلَفٍ فيها :
* التمثيلُ لغةً : المحاكاة، يقال: حكيتُ، وأحكيه حكايةً، إذا أتيتَ بمثلِهِ على الصفةِ التي أتى بها غيرُكَ فَأنتَ كالناقلِ عنه.
* التمثيل اصطلاحاً: أفعالٌ وأقوالٌ مصطنعة تصدرُ من شخصٍ بقصد التأثيرِ على المستمعين والمشاهدين.
* أصل التمثيل : ابتداعٌ تعبديٌّ عند الرومانِ واليونانِ والفرس، ثم النَّصارى، ثم توسعت فيه المدنيةُ الغربيَّةُ حتَّى أصبح بعضُه ديني وبعضُه دنيوي.
وفي القرن الماضي تسرَّب التمثيلُ إلى بلادِ المسلمين عن طريقِ رجلٍ نصرانيٍّ يُدعى مارون النَّقَّاش، واعترض على بدعتِه هذه علماءُ الشام، وشكوه إلى الأستانة، فجاء الأمرُ بمنعه، وبعد أربع سنين انتقل إلى مصر ومعه فرقتُه واشتُهر هناك وذاع صيته وتوسع في عمله.
ثم استُخدم التمثيل من قِبَلِ بعضِ الجماعاتِ الإسلاميَّةِ على أنَّه وسيلةٌ دعويَّةٌ تزاحم التمثيلَ الدنيويّ الذي أقبل النَّاسُ على مشاهدتِهِ، وظهر تأثرُهم به.
والتمثيلُ – الآنَ- فنٌّ من الفنون المعاصرة ؛ له أصولُه وقواعده، ومدارسُه ونواديه، ونجومُه والمشاهدون له، ووسائلُ بثّه المتنوعة.
فما حكم استخدام التمثيلُ كوسيلة من الوسائل الدَّعويَّةِ ؟
1- من قائلٍ إنَّ أصله الإباحة في العادات ، والحكم عليه بحسب موضوعه وما يحفّه من محرمات.
2- بأنَّ التمثيلَ حرامٌ أصلاً في العاداتِ وفي العبادات.
أدلة المجيزين للتمثيل :
1- البراءةُ الأصليَّة : وهو أنَّ الأصل في الأشياءِ الإباحة، ولا يوجد دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في تحريمِ التمثيل .
2- وسائل الدَّعوة غيرُ توقيفيَّة : والتمثيلُ منها، فلا وجه لمطالبتنا بدليل على جواز استعمالها في الدَّعوة إلى الله .
3- القياس: وذلك أنَّ هناك أحداثاً كثيرةً في الكتابِ والسنَّة تدلّ على تعاطي التمثيل وعدم الإنكار على متعاطيه.
ثمَّ حكموا على كلِّ قصةٍ فيها توريةٌ، أو تعريضٌ، أو تعليمٌ، أو روايةٌ لأمرٍ على أنَّها تمثيليَّة.
ومن ذلك :
أولاً: ظهور جبريل عليه السلام في صورةِ أعرابيٍّ، أو صورةِ دِحيةَ الكلبيِّ رضي الله عنه وهذا تمثيل لدور دحية، ودور الأعرابيّ.
ثانياً: مناظرةِ إبراهيم عليه السلام لقومه حيث أظهر لهم عدم معرفته لربِّه، فلعله يكون الكوكب، أو القمر، أو الشمس، وهذا تمثيل !
ثالثاً: تكسيرُه عليه السلام الأصنام، وإسناده التكسيرَ إلى كبيرِهم، فقال [ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا ] فهذا تمثيل !
رابعاً: ضربُ الأمثال: وهذا كثيرٌ في الكتابِ والسنَّة ، والتمثيلُ شبيه به.
أدلة المحرمين للتمثيل :
1- التمثيل كذب :
وذلك أنَّه لا يخلو من حالتين :
- الأولى: أن تكون قصةُ التمثيليَّةِ أسطورةً مختلقةً لا حقيقةَ لها .
- الثانية: أن تكون قصةُ التمثيليّةِ حقيقةً وقعت في سالف الدهر، والممثلون يتقمصون شخصياتِ هذه القصةَ ويخرجون على النَّاسِ على أنَّهم أصحابُ تلك القصة .
* وفي كلا الحالتين يكون التمثيلُ كذباً.
أمَّا في الحالةِ الأولى: وهي أن تكون قصةُ التمثيليَّةِ أسطورةً مختلقةً لا حقيقةَ لها، فهي كذب والكذب محرم، فالقصةُ مختلقة، والممثلون ينسبون أنفسهم وأفعالَهم وصفاتِهم لغيرِهم، إضافةً إلى ما يخلطون به تمثيلَهم من أيمانٍ ومواثيق ووعود، وغيرِ ذلك من أمورٍ غيرِ صحيحة.
2- التمثيل بدعة : حيث أنَّ منشأ هذه التمثيليات بدعٌ وطقوسٌ نصرانيَّةٌ يحاكون فيها عيسى عليه السلام وما وقع له مع يهود ، لذلك كان فاعلها وارثاً عنهم بدعتَهم، ومقتبساً من طقوسِهم وشعائِرِهم.
3- التمثيل تشبه بالكفّار: لأنّ هذه البدعةَ جاءت من عندهم ، والتمثيل لم يُعرف إلاّ عن طريق الكفَّار، وقد نهينا عن التشبّه بهم، والنَّهي عن التشبّه بهم أمرٌ بمخالفتِهم، وقد نهى الله تعالى عن الخوض فيما يخوض فيه الكفَّار .
وهذا يقتضي البراءة منهم في جميعِ أشيائهم، ومن كان متابعاً لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقيقةً كان لازماً عليه أن يتبرأ منهم كتبرئه منهم، ومن كان موافقاً لهم كان مخالفاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدر موافقته لهم.
وقد ثبت أنَّ التمثيلَ كان عبادةً من عباداتِهم والآن هو من عباداتِهم وعاداتِهم، فعلى المسلم مجانبةُ مشابهتِهم والحرصُ على مخالفتِهم ، وقد وقع الإجماع على تحريم مشابهةِ أعداءِ الملّةِ والدين.
4- التمثيل من اللهو الباطل المذموم شرعاً وعقلاً .
5- منافاةُ التمثيلِ للمروءة :
والمروءةُ : الحفاظُ على مكارم الأخلاقِ والأفعالِ التي يحبّها اللهُ ويرعاها المسلمون ذووا الاستقامة، والبعدُ عن سفاسفِ الأخلاقِ والأفعَالِ التي لا يرضاها اللهُ والمسلمون ذووا الاستقامة.(8/228)
ولأهميّة المروءةِ في حياةِ المسلم كان حفظها من مقاصد الشرع الحنيف، وارتكابُ ما يُسقطها من الأمور المرذولةِ التي تُسقط عدالةَ فاعلها، وتجعلُ شهادته مردودة من الخروج في هيئاتٍ وصورٍ يُزرون من خلالها بأنفسِهم، أو الحديث بطريقة لا تليق بمن يحترم نفسه.
6- التمثيل سهرٌ في غير طاعة .
7- في التمثيلِ إضاعةٌ للمال .
8- تقليدٌ أناسٍ معينين وتعريضهم للإهانة والغيبة .
9- تمثيلُ الأنبياء والصالحين .
10- تمثيلُ الكفرةِ والفسقة وقولُ الكفر والفسوق .
11- الاستهزاء بالآخرين ومعلوم أنَّ هذا محرَّم في الدين، وأشدُّ أنواعِه أن يقع الاستهزاء بالصالحين خاصة حين يسعى الممثل لإخراجهم في صورةٍ تزري بهم وبأهل الاستقامةِ بعامَّة.
12- اختلاط النِّساء بالرجال الأجانب .
13- من أصول التمثيل مشاركةُ النساء للرجال فيه، ومعلوم ما في ذلك من مفاسد .
14- تمثيل دور النساء عندما رأوا أنَّ اختلاطهم بالنِّساءِ لا يسمح به .
15- في التمثيل تقليد للحيوانات وهذا مما أجمع العلماءُ على منعه والتَّحذيرِ منه.
16- الأيمان الفاجرة .
نخرج بهذه الضوابط لكلٍ ممن منع التمثيل ومن أباحه :
1- الحذر من الطعن فيمن خالفه الرأي.
2- البعد عن تمثيل الملائكة، والأنبياء عليهم السلام، والصحابةِ الكرام رضي الله عنهم،
والشياطين، والكفَّار، والحيوانات، والمرأة يمثلُها الرجل، والرجلُ تمثله المرأة.
3- الحذر من تمثيل دور المستهزىء باللهِ، أو كتابِه، أو رسولِه، أوآياتِه، أودينِه، أو أهلِ الفضلِ والصلاح، والبعدِ عن الغيبة، وكلِّ كلامٍ فاحش.
4- الحذرُ من ارتكابِ المحرمِ لإظهارِ صورةِ من يتعاطونه؛ كمن يظهر في صورةِ السكرانِ الذي يهذي، أو الكافِرِ يلبس الذّهبَ، أو الحريرَ، أو الصليبَ، أو يُسْبِلُ ثوبَه ، أو يدخن.
5- البعد عن تمثيلِ أداءِ الصلاةِ، أو الوضوءِ وهو لا يصلي حقيقةً ولا يتوضأ ففيه مخالفةٌ يُخشى بسببها على دينِ من فعلها.
6- الابتعادُ عن إظهارِ النِّساء أمامَ الرجال، أو اختلاطِ النِّساءِ بالرجال.
7- الحذرُ من الإكثارِ منه حتَّى لا يكون مشغلةً عن معالي الأمور، وحتَّى لا يكون سبباً في التوسع في المباحات التي قد تفضي إلى ما لا يكون مباحاً .
8- أن لا يكونَ التمثيلُ سبباً لتبذيرِ الأموال .
سادساً : نظرية الغاية تبرر الوسيلة
نظريَّةٌ معناها: أنَّ الغايات إذا كانت حسنة فلا مانع من أن يكون الوصول إليها بأيَّة وسيلةٍ ممكنة وإن كانت وسيلةً لا يقرُّها شرعٌ ولا خُلُقٌ حميد.
وقد أظهر هذه النَّظريَّة ودعا إليها رجلٌ إيطاليٌّ اسمه نقولا ميكافيليّ ت 1527م في كتابٍ سماه الأمير وضع فيه وصايا للأمير تأمر بالكذب والمراوغة، وفعل كلِّ أمرٍ يراه في مصلحةِ الأمير غير مبالٍ بدين أو خلق.
وقد قُوبلَ كتابُه بالرفض، وتعالت الصيحاتُ في التشنيع على نظريتِه، حتَّى قيل فيها: إنَّها نظريةٌ تُعَبِّدُ الطريق إلى جهنَّم، وَوُضِعَ الكتاب في قائمةِ الكتبِ الممنوعة، وقُرِّر إحراقه، وأقرّت المجامع النَّصرانيَّة هذا القرار.
ولما جاءت المدنيَّةُ الغربيَّةُ الحاضرةُ أصبح هذا الكتابُ أَسَاساً من أُسُسِها، حتَّى أسموه كتاب السياسة لكلِّ العصور.
أمَّا الإسلامُ فيرفضُ هذه النَّظريةَ جملةً وتفصيلاً، والمسلمُ مأمورٌ بالتمسكِ بالحقّ، ومعاملةِ غيره به حتَّى في أصعب الظروفِ وأحلكِها.
وهذه النظريَّة لها أسباب منها :
1- ضعفُ الوازع الديني الذي يحمل عليه ضعف مراقبةِ الله تعالى والخوفِ منه.
2- ضعفُ العلمِ الشرعيّ وعدمُ اتِّخاذِ العلماءِ الرَّبَّانيّين قدوةً يَقتدي بهم.
3- غلبةُ حظوظ النَّفس وتقديمها على الشرع .
4- الانقيادُ وراءَ أئمةِ ضلال .
5- الاستسلامُ للواقعِ الذي يعيشونه.
6- اتِّباع الهوى والحرص على تحقيق الرغبات الشخصيَّة.
سابعاً : ضوابط الوسائل الدَّعويَّة :
الوسائل الدَّعويَّة حتّى تكون صالحة للاستعمال فإنّه لا بدّ من توافر الشروط التالية فيها :
* أن لا تكون وسيلةً مُلْغَاةً شرعاً بورود نصٍّ شرعيٍّ خاصٍ يمنع منها.
* أن لا تكون وسيلة تخالف نصاً عامّاً، أو قاعدةً شرعيّة.
* أن تكون الوسيلة داخلةً في حدودِ المباح .
* أن يكون المقصودُ من الوسيلةِ مشروعاً، فإن كان ممنوعاً فلا، لأنَّ النَّهي عن المقصد نهي عن جميعِ الوسائلِ الموصلةِ إليه.
* أن تكون الوسيلة مما يُوْصِلُ إلى المقصودِ المشروع، إمّا على سبيلِ القطع، وإمّا على سبيلِ الظنّ، وإمّا على سبيلِ الاحتمالِ المساوي .
* أن لا يترتب على الأخذ بتلك الوسيلةِ مفسدةٌ أكبرُ من المصلحةِ المقصودةِ منها، لأنَّ دَرءَ المفاسدِ مُقَدَّمٌ على جلبِ المصالح.
* ألا يَعْلَق بالوسيلة وصفٌ ممنوعٌ شرعاً: كأن يكون فيها مشابهةٌ للكفّارِ، أو أهلِ الخنا والفجور.
وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم .
===========
30 وقفة في فن الدعوة
الشيخ : عائض بن عبد الله القرني
إن للدعوة فنّاً يجيده الدعاة الصادقون ، كفن البناء للبُناة المهرة ، وفن الصناعة للصُّناع الحُذّاق ؛ ولأن من مسؤولية الدعاة حمل هم الدعوة ، وإجادة فن إيصالها للنّاس ،
- فهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم - لزم الإشارة لهذه الوقفات :
1- الإخلاص في الدعوة :
إن الإخلاص في العمل هو أساس النّجاح فيه: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) .
2 – تحديد الهدف :(8/229)
يجب أن يكون هدف الداعية إقامة الدين ، وهيمنة الصّلاح ، وإنهاء أو تقليص الفساد في العالم ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) .
3 – التحلي بصفات المجاهدين :
الداعية كالمجاهد في سبيل الله فهو على ثغر من الثغور , يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات,لذا يلزمه التحلي بصفات المجاهد من الصبر ونحوه .
4- طلب العلم النافع :
وذلك ليدعو على بصيرة ، فإن الله تعالى قال : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) .
فلابد للداعي أن يكون موحداً للواحد الأحد ، لا يخاف ، ولا يرجو إلا الله ، ولا يكن في قلبه أعظم من حب الله تعالى .
ولابد أن يكون ذا علم نافع ، وهو علم الكتاب والسنة ؛ ليدعو الناس على بصيرة .
وعليه أن يكون حريصاً على أوقاته في حلّه وترحاله ، وفي كل أحيانه .
5 – ألا يعيش المثاليات :
قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ),فهو الكامل سبحانه وتعالى وحده ، والنقص لنا .
6 – عدم اليأس من رحمة الله :
لا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي والأخطاء ، واعتبر أنهم أمل هذه الأمة ، وأنهم في مرحلة من المراحل سوف يهتدون وسوف يعودون إلى الله سبحانه وتعالى ، قال علي رضي الله عنه وأرضاه : ( الحكيم من لا يُقنّط الناس من رحمة الله ، ولا يورطهم في معصية الله ) .
7 – عدم الهجوم على الأشخاص بأسمائهم :
فلا ينبذهم على المنابر بأسمائهم أمام الناس ، بل يفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) ، فيعرف صاحب الخطأ خطاه ولكن لا يُشهر به .
أما إن كان مجاهرا بمعصيته أو بدعته ، فهذا لا بأس أن يُشهَّر به عند أهل العلم ؛ حتى يبين خطره .
8 – الداعية لا يزكي نفسه عند الناس :
عليه أن يحمد ربه سبحانه أن جعله متحدثاً إلى الناس ، مبلغاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيشكر الله على هذه النعمة ، فإن الله قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ) وقال له بعد أن أدى الرسالة كاملة :
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) .
9- عدم الإحباط من كثرة الفساد والمفسدين :
فهذه سنة الله في خلقه قال تعالى : ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) ، ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ ) ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )
10 – عدم المزايدة على كتاب الله :
فإن بعض الوعّاظ والدعاة يحملهم الإشفاق والغيرة على الدين على أن يزيدوا عليه ما ليس فيه ، فتجدهم إذا تكلموا عن معصية جعلوا عقابها أكثر مما جعله الله – تعالى - ، وهذا افتراء على الشريعة .
11 – عدم الاستدلال بالأحاديث الموضوعة :
على الداعية ألاّ يستدل بحديث موضوع إلا على سبيل البيان ، ويعلم أن السنة ممحصة ومنقاة .
وشروط الاستدلال بالحديث الضعيف :
1- ألا يكون ضعيفاً شديد الضعف .
2- أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده .
3- ألا يكون في الأحكام بل يكون في فضائل الأعمال .
12 – عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات بأسمائها ،
ولكن عليه أن يُبيّن المنهج الحق ، ويبين الباطل ، فيعرف صاحب الحق أنه محق ، ويعرف صاحب الباطل أنه مُخطئ .
ولا بد للداعي أن يكون لبقاً في اختيار عباراته حتى يكسب القلوب ، ولا يُثير الناس عليه .
وعليه أن ينأى بنفسه عن الاستعلاء على جمهوره ، وعلى أصحابه والمدعوين .
13 – أن يجعل الداعية لكل شيء قدراً :
فلا يعطى الداعية المسائل أكبر من حجمها كمسألة إعفاء اللحية ، وإسبال الثياب ، وكذلك لا يصغرها أو يهوّنها عند الناس كمسألة السِّحر .
14 – اللين في الخطاب والشفقة في النصح :
فيقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ، بل لقد طالب الله – عز وجل - موسى وهارون باللين حتى مع أعتى الطغاة : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) !
15 – حسن التعامل مع الناس وحفظ قدرهم :
فعلى الداعية أن يُثني على أهل الخير ، ويشكر من قدم له معروفاً ، فإن الداعية إذا أثنى على أهل الخير والمعروف حفظوا له الفضل .
16 – أن يعلن الدعوة للمصلحة ، ويسرَّ بها للمصلحة :
فعلى الداعية أن يعلن الدعوة للمصلحة، يعلن بها حيث يكون الإعلان طيباً كالمحاضرة العامة، ولكنه إذا أتى ينصح شخصاً بعينه فعليه أن يسر الدعوة .
17 – الإلمام بالقضايا المعاصرة والثقافة الواردة :
على الدعاة أن يطلعوا على الأطروحات المعاصرة و الصحف والمجلات ؛ لأخذ الحيطة والحذر لأنفسهم وللمدعوين .
18 – مخاطبة الناس على قدر عقولهم :
وعلى قدر مواهبهم ، وعلى قدر استعدادهم ؛ فما يناسب أهل القرية لا يناسب طلبة العلم في الجامعة وكلا بحسبه .
19 – ألا يسقط عيوبه على الآخرين :(8/230)
مما ينبغي على الداعية أن يَحذَرَ منه ألاّ ينتقد الآخرين ليرفع من قدر نفسه ، قال ابن المبارك : ( رُبَّ مستغفر أذنب في استغفاره ، قالوا : كيف ؟ قال : يُذكر له بعض الصالحين فيقول : أستغفر الله ، ومعناها أنه ينتقد عليه ، فلا يكتب له أجر هذا الاستغفار بل يسجل عليه خطيئة ) .
20 – أن يتمثل القدوة في نفسه :
على الداعية أن يتمثل القدوة في نفسه، وأن يسدد ويقارب، وأن يعلم أن خطأه يتضخَّم , فالخطأ منه كبير ؛ لأنه محلٌ للاقتداء .
قال بعض الفضلاء : زلة العالمِ زلَّة عالَم !
21 – التآلف مع الناس :
ينبغي للداعية أن يتألف قلوب الناس بنفعهم، وليست هناك صعوبة لتأليف كثير من الناس ، وردهم إلى الله - عز وجل – ومن أبواب ذلك معرفة البلد الذي يدعو أهله وطبيعتهم .
22 – أن يكون عند الداعية ولاء و براء نسبي :
ينبغي على الداعية أن يكون عنده ولاء وبراء نسبي ، حُبّ وبغض ، على حسب طاعة الناس ، وعلى حسب معصيتهم .
23 – أن يكون الداعية اجتماعياً :
على الداعية أن يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم ، ويحل مشكلاتهم ، ويزور مرضاهم ، ويجيب دعوتهم فإن هذا طريق إلى قلوبهم .
24 – مراعاة التدرج في الدعوة :
فيبدأ بكبار المسائل قبل صغارها ، فلا يتحدث عن اللحية عند من لا يقيم الصلاة ، وإذا تناول مسألة كمسألة التوحيد، أو المحافظة على الصلوات ، أو الحجاب ، فليعرضها دون خلطها بغيرها ؛ فإن كثرة الكلام وتشتته ينسي بعضه بعضا .
25 – أن يُنزل الناس منازلهم :
فإن للعالم منزلته وكذا للمعلم وللقاضي ، وهكذا .. : ( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ )
وهذا ليس نوعاً من التفريق ، بل هذا من أدب الإسلام وهو من الحكمة في الدعوة .
26 – أن يُحاسب نفسه وأن يبتهل إلى الله :
يحاسب نفسه في أقواله وأفعاله ومراده ، وأن يسأل الله التوفيق والسداد في كل حاله ، فإنه من وُكل إلى نفسه هلك .
27 – أن يكون متميزاً في عباداته :
فتكون له نوافل من العبادات ، ويحافظ على الأوراد .
28 – أن يتقلل من الدنيا ويستعد للموت :
فإن الله يقول : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) .
29 – أن يكون حسن المظهر :
يحسن بالداعية أن يكون متجملاً ، متطيباً ، ويكون مجلسه وسيعاً ، وأن يكون له مركب طيب ، فإن هذا لا يعارض سنة الله – عز وجل – ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل عليه كذلك أن يكون له في كل حالة بما يُناسبها ، إما نعيمها ، وإما بؤسها ، ومع هذا فلا يتشاغل بالدنيا تشاغلاً يعميه عن طريقه وهدفه .
30 – أن يهتم بأمور النساء :
فلا يغفل هذا الجانب ؛ لأنهن نصف المجتمع ، وبهن يقوم النصف الآخر .
============
من أخلاق الداعية
الشيخ : سلمان بن فهد العودة .
تتبوأ الأخلاق في الإسلام موقعاً من أعظم المواقع، حتى لقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " ، و في لفظ : " مكارم الأخلاق"، فكأنه صلى الله عليه و سلم حصر المهمة التي بعث لها في هذا الأمر .. و لا غرابة!
إن مفهوم " الأخلاق " بمعناها الخاص هو التعامل مع الناس فحسب، إذن فالحديث محمول على بيان عظم فضل الأخلاق، و علو مكانتها في الدين، فهو كحديث : " الحج عرفة " ، و حديث : " الدين النصيحة ".
إذ ليس المقصود حصر الحج في عرفة، ولا حصر الدين كله في النصيحة إنما المقصود أن الوقوف بعرفة أعظم أركان الحج، وأن للنصيحة مرتبة عالية في الدين.
من هذا المنطلق وجب على المسلم التحلي و التجمل بالخلق الحسن، سواء كان داعية أم غير داعية، إذ الأخلاق من مقاصد البعثة المحمدية التي أكرم الله بها الإنسان في الأرض كلها، وخص المؤمنين بخصيصة منها ليست لسواهم، حيث هداهم بها إلى الصراط المستقيم، و زكى نفوسهم، و علَّمهم ما لم يكونوا يعلمون : " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " . ( سورة الجمعة / الآية 2) .
و التزكية المذكورة في الآية الكريمة تشمل تزكية النفس و تربيتها على معالي الأخلاق، و تنقيتها من رديئها .. ففي الآية هذه كما في الحديث السابق تبدو الأخلاق مقصداً من مقاصد البعثة المحمدية، بل من أبرز مقاصدها .
و إذا كان التحلي بالخلق الفاضل واجباً على آحاد المسلمين ... فما بالك بالداعية الذي يحمل راية الدعوة و شعارها .. و ينادي بها بين الناس ؟
إن الأنظار إليه أسرع، و الخطأ منه أوقع، و النقد عليه أشد، و دعوته يجب أن تكون بحاله قبل مقاله.
و لذلك فتخلقه بالخلق الكريم أوجب و ألزم، قياما بحق ما جعل الله على كاهله من الأعباء الجسام .. و حماية للدعوة و أهلها من ألسنة المغرضين ، و أقلام الخصوم الشانئين ، و أوهام الغفل و المتعجلين .
و هذه الرسالة - أخي الكريم - ليست بحثاً في الأخلاق و فلسفتها، و إنما هي عرض لمجموعة من الفضائل الخلقية التي شعرت بأهميتها العظمى للداعية، نسأل الله أن ينفع بها، وهي :
أولا: الصدق :
يفهم كثيرون الصدق على أنه صدق اللسان في الأقوال فحسب، و الحقّ أن الصدق منهج عام، و سمة من سمات شخصية المسلم في ظاهره و باطنه، و قوله و فعله، و من ذلك :
أ - الصدق في حمل الدين :(8/231)
بأن يكون تدين المرء تديناً صحيحاً مبنيَّاً على الصدق مع الله عز و جل، لا على النفاق والكذب و المجاملة، و لذلك يطلق الصدق في القرآن الكريم في مقابل النفاق : " ليجزي الله الصادقين بصدقهم و يعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم " (سورة الأحزاب / الآية 24 ).
فلا بد من الإسلام الظاهر مع الإيمان الباطن، من حسن الاعتقاد بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين .
و هنا كمين من كمائن الشيطان يوحي للداعية بترك بعض الأعمال الصالحة الظاهرة بحجة أن باطنه ليس كذلك .. فلا تفعل لئلا ينخدع الناس بك !
و هذا خطأ كبير .
بل العمل الصالح الذي تزاوله بجوارحك هو من أسباب صلاح قلبك و صدقه، ما دمت لم تعمله رياء و لا سمعة و لا على سبيل خداع المؤمنين .
ب _ الصدق في الأقوال :
و الصدق في القول تعبير عن شخصية واضحة، و مروءة و شهامة و كرم، و لا يلجأ للكذب إلا لئيم الطبع، خبيث النفس، ضعيف الشخصية، و الفطرة السليمة تستعيب الكذب و تستقبحه، و لذلك أجمعت الديانات السماوية على تحريمه وتجريمه .
فما بالك بالداعية .. أتراه يتصور صدور الكذب منه ؟!
أعتقد - إن شاء الله - أن : لا .
و لكن :من الدعاة من يتوسع في " التورية " بأن يقول كلاما يفهمه الناس على خلاف ما يقصد، و قد يكتشفون بعد أن الواقع على خلاف ما فهموه منه فيتهمونه بالكذب .. ثم إن التوسع في التورية قد يؤدي إلى التسامح في بعض " الكذيبات " بحجة أنها للمصلحة !! فالحذر الحذر !
أيها الداعية : حين يُلجئك الموقف إلى الكذب فلا تقدم عليه، و تذكر كلمة " أبي سفيان " أمام هرقل حين سأله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : "والله لولا أن يؤثروا عني كذباً لكذبت " !
لقد تجنب هذا الرجل - و كان جاهليَّاً - أن يكذب خشية أن ينقلوها عنه، أو يعيروه بها يوما من الدهر، مع شدة حاجته إليها. و نحن نعلم أن أعراض الدعاة اليوم أصبحت هدفا لسهام كثيرة، و لذا يتعين على الداعية أن يغلق الباب الذي تأتيه منه الريح ، ليريح و يستريح !
جـ _ الصدق في الأعمال :
و هو يعني أن تكون أعمال الإنسان خالصة لوجه الله تعالى من الرياء و السمعة، "فمن كان يرجو لقاءَ ربّه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً " (سورة الكهف / الآية 110) ، و قال تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " (سورة الملك / الآية 2 ) .
قال الفضيل بن عياض : أيكم أحسن عملا، أي : أخلصه و أصوبه .
قيل : يا أبا علي ! ما أخلصه و أصوبه ؟
قال : إن العمل إذا كان خالصاً و لم يكن صواباً لم يقبل، و إذا كان صواباً و لم يكن خالصاً لم يقبل، لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً !
و من الصدق في الأعمال : الوضوح و تجنب الغموض و التلبيس .
روى أبو داود و النسائي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه جاء بعبد الله بن سعد بن أبي السرح و قد أهدر رسول الله صلى الله عليه و سلم دمه، حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبيّ الله ! بايع عبد الله .
فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه فنظر إليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يأبى أن يبايعه، ثم بايعه بعد الثلاث ، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال : " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟! " .
فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك ؟ قال عليه الصلاة والسلام: " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين !! " .
إلى هذا الحد كان مدى " الصدق " في أعمال النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرض أن يقتل عدوه اللدود الذي كان أهدر دمه بطريقة غامضة عن طريق الإيماء بطرف العين !! و كان هذا دأبه و ديدنه طيلة حياته صلى الله عليه وسلم، و لذلك لم يستطع المشركون في بداية الدعوة أن يتهموه بالكذب، بل قالوا : شاعر .. ساحر .. مجنون .. و لم يصدقهم الناس، و عندما فقدوا صوابهم و أعيتهم الحيل صرخوا : كذاب .. و لكن هيهات أن يصدقهم الناس !
فقد سرى صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم، من القلب إلى اللسان .. إلى الجوارح وتجلى على محيا وجهه الكريم .. فكل من نظر إلى طلعته وإشراقها وصفائها قرأ فيها الصدق وعرف أن وجهه ليس بوجه كذاب !
نحن نحتاج إلى نمط من الدعاة آثروا الصدق في أقوالهم و أفعالهم حتى أصبح الصدق سجية تجري في عروقهم، و تطل من طلعات وجوههم، فإذا رآهم الناس قالوا : هذه ليست بوجوه كذابين !
كما نحن بحاجة إلى دعاة يتجملون بالخلق الكريم، و يبتعدون عن الإثارة والاستفزاز فيحتفظون بهدوئهم و اعتدال منطقهم في سائر الأحوال حتى إذا أبصر الناس منهم هذا هتفوا : هذه أخلاق أنبياء .
ثانياً / الصبر :
إن الصبر قرين اليقين " و جعلنا منهم أمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون " ( سورة السجدة / الآية 24 ) .
و لذلك قال سفيان : بالصبر و اليقين تنال الإمامة في الدين .
و الذي لا يصبر فإنه من السهل أن ينخلع عن دينه لأي شيء يعترض طريقه، ومن السهل أن يتخلى عن منهجه و حكمته لأي استفزاز، و لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون " ( سورة الروم / الآية 60 ) .
كثيرا ما يقف الضالون في وجه الدعاة إلى الله عز و جل، يقولون لهم : إن ما تدعون إليه ضرب من الخيال لا يمكن أن يتحقق في الواقع، أنتم تدعون إلى أمور عفا عليها الزمن، و نسيها الناس أو كادوا، فينبغي أن ترضوا بما دون ذلك، و أن تراجعوا آراءكم و اجتهاداتكم !!(8/232)
و أمام ضغوط الواقع القائم، و أمام العقبات الحقيقية والوهمية في وجه تحقيق الإسلام، و أمام طول الطريق .. قد يستجيب بعض الدعاة و يتأثر، و يبدأ في إعادة النظر في فهمه للإسلام ، و فيما يقوله الخصوم !
و يا ليته إذ يفعل ذلك يفعله بروح الباحث المتجرد الشجاع المتطلع إلى الحق أين كان .. إذن لهان الخطب !
لكنه يفعله بروح " المنهزم " الذي يحس بأنه خرج من المعركة أسيرا أو كسيرا .. فهو يبحث في " عروض " القوم عن " حل " يجنبه المعركة مع الباطل .. مع الواقع المنحرف ..
أنت لست مطالباً بتحقيق نصر واقع للإسلام ، فهذا أمره إلى الله متى شاء أن يحدث حدث، لكنك مطالب ببذل جهدك في هذا السبيل فحسب! و الرسل و الأنبياء كانوا يخاطبون بذلك : " إن عليك إلا البلاغ " ( سورة الشورى / الآية 48 ) .
و كانوا يقولون : " و ما علينا إلا البلاغ المبين " ( سورة يس / الآية 17 ) .
و قد يأتي أحدهم إلى بعض الدعاة و يقول له : أنت تعمل أعمالا جبارة، و تواصل كلال الليل بكلال النهار، لكن النتيجة في النهاية قليلة، فالناس ينفضون من حولك، و أنت ترى وسائل الهدم و التخريب قد استحوذت على الكثير منهم .. و أصبحت تفسد في ساعة ما يبنيه الداعية في سنة.
و هذا المنطق قد يؤثر على كثير ممن لم يعتادوا على عقبات الطريق .
و هنا يأتي دور " الصبر " الصبر الجميل .
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، و هو متوسد بردة في ظل الكعبة، و قد لقينا من المشركين شدة، فقلت : يا رسول الله ألا تدعو لنا ؟ ألا تستنصر لنا ؟
فقعد صلى الله عليه و سلم، و هو محمرٌّ وجهه، و قال : " لقد كان من قبلكم يمشط بمشاط من حديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، و الذئب على غنمه .. و لكنكم تستعجلون " .
فالعجلة في قطف ثمار الدعوة و نتائجها لا تتناسب مع الصبر الذي يجب أن يتحلى به الداعية .
ثالثاً / التواضع :
و هو معرفة المرء قدر نفسه، و تجنب الكبر الذي هو بطر الحقّ وغمط الناس. كما قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم و غيره .
و التواضع في الأصل إنما هو للكبير الذي يخشى عليه أن يكبر في عين نفسه، فيقال له:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء و هو رفيع
أما الإنسان العادي فلا يقال له: تواضع، و إنما يقال له: اعرف قدر نفسك، و لا تضعها في غير موضعها .
فكم نجد من بعض الصالحين، و ربما الدعاة أحيانا، بل و من صغار الطلبة من يسيئون الأدب مع شيوخهم وعلمائهم وأساتذتهم ، و إنه لأمر يحز في النفس ويؤلمها !
لا حرج أن تختلف مع عالم أو داعية في رأي أو اجتهاد متى كنت أهلاً لذلك .. لكن الحرج كل الحرج أن يتحول هذا الاختلاف إلى معول هدم لمكانة هذا العالم، و الحط من قدره، ، و سوء الأدب معه .
إن من التواضع، بل من معرفة قدر النفس ألا ينظر الشاب المبتدئ إلى نفسه على أنه ند لهذا العالم أو ذاك، و يقول : هم رجال .. و نحن رجال !!
و الحال أن الرجولة تختلف .. فإن صفة الرجولة في القرآن الكريم سيقت مساق المدح في مواضع عدة :
" فيه رجال يحبون أن يتطهروا " ( سورة التوبة / الآية 108 ) .
و قد يعبر بالرجولة عن الفحولة و الذكورية فحسب، في مواضع أخرى :
" و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن " ( سورة الجن / الآية 6 ) .
فالرجال ليسوا سواء ، و أين الثرى من الثريا ؟!
و من التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، فكثيراً ما تثور بين الأقران والأنداد روح المنافسة و التحاسد، و ربما استعلى الإنسان على قرينه، و ربما فرح بالنيل منه، و الحط من قدره وشأنه، و عيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، و قد يظهر ذلك بمظهر النصيحة والتقويم وإبداء الملاحظات، و لو سمى الأمور بأسمائها الحقيقية لقال : الغيرة .
و العجب أن يغار الداعية من اجتماع ألف أو ألفين في مجلس علم أو دعوة لكنه لا ينفعل لو سمع أن حفلا غنائياً أو مباراة رياضية حضرها عشرون أو ثلاثون ألفاً، وهذا و الله من البؤس، حتى لو كنت لا ترضى من أخيك بعض الأمر، يكفيك أنه يدعو إلى الله، و يعلم الناس الدين، و هو على الجادة إجمالا، و قد يكون الحق معه في بعض ما انتقدته عليه .
و من التواضع: التواضع مع من هو دونك، فإذا وجدت أحداً أصغر منك سناً، أوأقل منك قدراً فلا تحقره، فقد يكون أسلم منك قلباً، أو أقل منك ذنباً، أو أعظم منك إلى الله قرباً .
حتى لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله على أن نجاك مما ابتلاه به، و تذكر أنه ربما يكون في عملك الصالح رياء أو عجب يحبطه، و قد يكون عند هذا المذنب من الندم و الانكسار والخوف من خطيئته ما يكون سبباً في غفران ذنبه .
و من التواضع ألا يعظم في عينك عملك، إن عملت خيرا، أو تقربت إلى الله تعالى بطاعة، فإن العمل قد لا يقبل: " إنما يتقبل الله من المتقين " ( سورة المائدة / الآية 27 )، و لهذا قال بعض السلف: لو أعلم أن الله قبل مني تسبيحة لتمنيت أن أموت الآن !
و من ذلك التواضع عندما تسمع نصيحة، فإن الشيطان يدعوك إلى ردها، و سوء الظن بالناصح، لأن معنى النصيحة أن أخاك يقول لك : إن فيك من العيوب كيت وكيت.
أما من عصمه الله تعالى فإنه إذا وجد من ينصحه و يدله على عيوبه قهر نفسه، وقبل منه، ودعا له و شكره.(8/233)
و لهذا قال صلى الله عليه و سلم، في تعريف الكبر : " الكبر بطر الحق و غمط الناس "، يعني رد الحق، و بخس الناس أشياءهم .
فالمستكبر صاحب نفسية متعاظمة لا يكاد يمدح أحداً أو يذكره بخير، و إن احتاج إلى ذلك شفعه بذكر بعض عيوبه .
أما إن سمع من يذكره ببعض عيوبه فهيهات هيهات أن ينصاع أو يلين، و ما ذاك إلا لمركب النقص في نفسه، و لهذا كان من كمال الإنسان أن يقبل النقد والملاحظة بدون حساسية أو انزعاج أو شعور بالخجل و الضعف، و ها هو أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه يحمل الراية، ويرفع الشعار : (رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا).
رابعاً / العدل:
والعدل لفظ عام يعني التوسط الذي هو سمة المسلمين، و سمة أهل السنة والجماعة في الأمور كلها دون استثناء، و هو إعطاء كل ذي حق حقه، و مجالات العدل وصوره كثيرة جدا ليس من الميسور حصرها، لكن هذه بعض النماذج المهمة منها :
أ – العدل مع العدو و الصديق :
فالكثير من الناس إذا ذكر له صديقه أثنى عليه و لو كان يعلم أنه لا يستحق ذلك الثناء، و إذا ذكر له خصمه ذمّه و لو كان يعلم أنه خلاف ما يقول .
فهل يستطيع الداعية أن يذكر العيوب الموجودة في أقرب الناس إليه ممن يكون مثله في المنهج والطريقة ؟! أو يكون شريكا له في عمل ما ؟!
و هل يستطيع أن يثني بصدق على إنسان يختلف معه في بعض الأمور ؟
إن كان يستطيع ذلك فقد حقق العدل في هذا الجانب، و لكن أكثر الناس يجورون على خصومهم فيذمونهم بما ليس فيهم، و يجورون أيضا على أصدقائهم فيمدحونهم بما ليس فيهم .. و هذا وإن كان مظهره مظهر المحبة و الثناء إلا أن حقيقته الجور و الذم، فمن أثنى عليك بما ليس فيك فقد ذمّك، لأن الناس يتطلبون هذه الخصلة فيك فلا يجدونها فيذمونك على فقدها، و الله تعالى قد أمرنا بالعدل حتى مع الأعداء فقال : " و لا يجرِمنَّكم شنآنُ قومٍ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " [ المائدة : 8 ] .
ب- العدل في تقويم الكتب :
فحينما تقوم كتاباً فليس من العدل أن تقول إنه يحوي أحاديث موضوعة أو ضعيفة – مثلاً – أو آراء شاذة، فتذكر هذا الجانب المظلم، و تنسى جانباً آخر موجوداً في الكتاب، و هوأنه يحوي توجيهات مفيدة، أو أبحاثا علمية .
إن ذكرك لنصف الحقيقة و إهمال النصف الآخر منها ليس من الأمانة .
و الكثير من الناس بمجرد أن يرى خطأً في كتاب ما يحذَره و يحذّر منه، لأنه ساق حديثاً ضعيفاً، أو أخطأ في مسألة، و لو عاملنا كتب أهل العلم بهذا المقياس ما بقي لنا كتاب .
صحيح البخاري مثلا – و هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى – هل حاز على الكمال المطلق؟ كلاّ، فقد بيض لبعض المواضع، ولم يضع تحت بعض الأبواب أحاديث، وفيه أحاديث معلقة غير موصولة، و في بعض روايات الصحيح اختلاف.
و لا يخلو كتاب بعد كتاب الله من النقص والخطأ ، فلا ينبغي أن نذكر عيوب كتاب ومثالبه، إلا و نذكر إلى جانبها محاسنه ما كانت له محاسن .
ج- العدل في الحكم على الدعوات و الحركات :
منذ سقوط الخلافة الإسلامية قامت في العالم الإسلامي دعوات و حركات كثيرة تهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية و الحكم الإسلامي، أو إلى استمرار الدعوة بين غير المسلمين، أو إلى إحياء السنة، أو ما شابه ذلك من الأهداف النبيلة .
و هذه الدعوات تختلف في منهاجها و أسسها و أهدافها، و تختلف في قربها أوبعدها عن منهج الكتاب و السنة .
و قد تحدث كثيرون عن هذه الدعوات و درسوها من جوانب مختلفة، و الأمر الذي تكاد أن تفقده في كثير من هذه الدراسات هو " العدل " ، فكثير من الكتاب ما بين منتم لهذه الدعوة، معجب بمناهجها و طرائقها فهو يكيل لها المدح كيلا، و آخر متحامل عليها لا يرى فيها إلا كل نقيصة، و بين هذا و ذاك تضيع الحقيقة .
إن الله تعالى يحب العدل، و يكره الجور، و من قصّر في جانب فلا يلزم أن يكون مقصراً في كل جانب، و لا يسوغ أن تنسيك سيئاتهم الكثيرة حسناتهم القليلة .
د – العدل في النظر إلى الجهود و الأعمال الدعوية :
هناك جهود في ميدان الدعوة إلى الله تعالى لا ترتبط بفئة معينة، فهي عمل جهادي أو دعوي تضافرت عليه همم المؤمنين، أو طوائف منهم، و هي جهد بشري يخطئ و يصيب، و ليس له من العصمة نصيب، و لذلك فإن من المصلحة الظاهرة أن "تقوّم" هذه الأعمال تقويماً صحيحاً معتدلاً، يحقق الانتفاع بالإيجابيات و توسيعها و تعميقها، و تلافي السلبيات و الخلاص منها، لئلا تتكرر الأخطاء نفسها و يعود المسلمون من حيث بدؤوا .
و لكن هذه المصلحة الظاهرة قد تضيع بين طرفين :
- ... طرف يرى هذا العمل كاملا لا عيب فيه، فيرمي بسهام الاتهام و الشك كل من يوجه نقداً أو ملاحظة .
- ... و طرف لا يبصر إلا العيوب، حتى لا يكاد يرى في هذا العمل شيئاً يمكن الانتفاع به!
أين ميزان القسطاس الذي وضعه الله لهذه الأمة ؟
هل هذا هو الإتباع الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه و سلم، الذي كان يعرف للناس أقدارهم، و لا يبخسهم أشياءهم، و كان يثني على الإنسان بما فيه من خلال الخير، إذا كان ثم مصلحة – و لو لم يسلم من الأخطاء !
أليس قد أثنى – صلى الله عليه و سلم – على النجاشي، و وصفه بأنه " ملك لا يظلم عنده أحد" مع أنه حينها كان كافراً لم يسلم بعد ؟!.
هـ – العدل في التعامل مع النصوص الشرعية :
وهذه النصوص المحكمة كلها " دين " يجب قبوله و طاعته و الإيمان به، و ليس شيء منها " مهجوراً " ما دام محكماً غير منسوخ .
و من العدل أن تتوازن في النظر إلى هذه النصوص، فلا تأخذ منها نوعا و تهمل نوعا آخر، خاصة النصوص الواردة في موضوع واحد، أو في موضوعين متقابلين.(8/234)
إن هناك من يأخذ نصوص الوعيد كحديث " لا يدخل الجنة قاطع " ، أو " لا يدخل الجنة قتات" و يبني على ذلك تكفير الخلق بهذه الأعمال و نحوها اعتماداً على ظواهر هذه النصوص، وينسى أو يتناسى النصوص الأخرى الواردة في الوعد و الرجاء ، كحديث عتبان: " فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " وغيرها.
و في الطرف الآخر هناك من يعكس المسألة فيأخذ نصوص الرجاء وحدها، ويؤمن الناس من مكر الله و يغفل نصوص الوعيد .
و العدل أن نأخذ بهذا و ذاك، و نضع هذه في كفة، و تلك في أخرى حتى يعتدل الميزان ويستقيم .
و من العدل بين النصوص الشرعية العدل بين الكليات والجزئيات، فالدين كله لله، و ليس فيه شيء يجوز أن يهون من شأنه، أو أن يتجاهل أو يهمل، و لهذا قال صلى الله عليه وسلم، لما أجاب جبريل عن الإيمان و الإسلام و الإحسان : " هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ".
و لذا لو أنكر الإنسان أمرا معلوما من الدين بالضرورة متواترا قطعي الثبوت لكان بذلك كافرا و لو كان هذا الأمر الذي أنكره سنة أو فرض كفاية كركعتي الفجر والآذان و نحوهما .
فليس في الدين "قشور" أو "توافه" كما يحلو لبعض المتعجلين و الهاجمين على القول بدون ثبت و لا روية أن يعبروا .
و – العدل في النظرة الشمولية للإسلام :
فالدين جاء ليحكم شؤون الحياة كلها، على مستوى الفرد و الجماعة، و في الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العلمية و سواها، و قد عاب الله تعالى على بني إسرائيل و وبخهم بقوله:
" فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة " ( المائدة : 14).
فالتحزب على جزء من الدين، و نسيان الأجزاء الأخرى هو من ميراث الأمم الهالكة، ومن أعظم أسباب الفرقة و الخلاف بين الدعاة .
ز_ العدل مع الواقع :
فالبعض من الدعاة يعيش في هذا العصر، و كأنه في القرن الخامس الهجري! لايعرف عصره، و لا يدري ما يقع حوله، و يفاجأ بالأحداث. كما يفاجأ بها رجل الشارع !
إن المسلم قيم على عصره، و شاهد عليه، فهو يعيش هموم المجتمع، و يدرك تيارات الفكر واتجاهات السياسة، و يحرص على إيجاد الحلول الصحيحة للوقائع الجديدة، و على مقاومة الانحرافات بعد معرفتها و إدراك جذورها، و لن يستطيع نقض مناهج الفكر الغربي من لا يعي جذورها و ظروفها و منطلقاتها .
و ليس من الضروري أن يصبح كل داعية كذلك، لكن لا بد أن يَنْفُرَ من المؤمنين طائفة ليقوموا بهذه الفريضة، و على المستوى العام لا بدّ أن يكون للداعية نافذة على الواقع يدرك من خلالها أهم الأحداث المحيطة به، و يستطيع أن يكون مرشداً للناس إلى السلوك الصحيح حيالها .
ح _ العدل في التعامل مع الخلاف :
الخلاف من طبيعة البشر " و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " ( هود : 118 – 119 ) .
و لا شك أنه يختلف و يتفاوت باختلاف النيات و المقاصد، و اختلاف العقول والمدارك، واختلاف العلوم، و التعامل مع الخلاف يتطلب موقفاً شرعيَّاً .
بعض الدعاة يدعو إلى وحدة الصف و جمع الكلمة و نسيان الخلاف دون تحديد ضابط دقيق لمن يمكن الوحدة معه، و من تجب مفاصلته لبدعته و ضلاله وانحرافه.
و في الطرف الآخر هناك من يبالغ في الشروط، حتى ليريد من الناس أن يوافقوه في كل شيء، حتى في اجتهاداته الشخصية الفردية، و آرائه الخاصة، فإذا خالفه أحد في بعض ذلك أعرض عنه، و اتخذ منه موقف المناوئ، و أصبح لا يأبه به ولايقيم له وزناً !
و العدل يقتضي تقبل الخلاف فيما يسوغ الخلاف فيه كالوسائل الدعوية، والفرعيات، والأحكام التي اختلف فيها السابقون .. و نحو ذلك مما بني على اجتهاد شرعي في فهم النصوص، لا على مجرد الميل و التشهي .. فمثل هذا يحتمل، ويكون الأمر فيه واسعاً .
أما التسامح مع أهل البدع الاعتقادية الغليظة، و الانحرافات الجوهرية بحجة توحيد الصف فمسلك تلفيقي لا يمتّ إلى العقل و لا إلى الشرع بصلة .
و أما مطالبة الناس بالاتفاق على كل شيء، و ألا يختلفوا في شيء البتة فضرب من المحال والخيال، لا يتصوّر إلا في عقول السذّج .
خامساً / العاطفة الحية:
نحن بحاجة إلى داعية يملك قلبا يحترق على واقع الإسلام و المسلمين و على أوضاع الأمة في مشارق الأرض و مغاربها، يعطف على إخوانه و يحقق قوله سبحانه " أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم " ( الفتح :29) و لا يكون شأنه شأن الخوارج في الدهر الأول الذين يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان .
إن المؤمن ينبغي أن يكون شديداً على الكفار رحيماً بالمؤمنين و يحقق في نفسه قوله صلى الله عليه و سلم : " مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى " .
فنحن بحاجة إلى من يحس بآلام إخوانه المسلمين، فإذا سمع بمصيبة حلت بإخوانه تألم لها و لو كان لديهم بعض التقصير و الابتداع .
و من هذه العاطفة أن يملك الإنسان قلبا يتأثر لأخطاء المسلمين و انحرافهم عن الدين، فيحزن لانتشار الفسق و المعاصي بينهم حزنا لا يدفعه لاعتزالهم إنما يدفعه لأن يشعر أنه كالطبيب معهم يحاول إنقاذهم فإن لم يدرك ذلك كله فليقلل من هذا الانحراف بقدر ما يستطيع .
و ينبغي أن تدعوه هذه العاطفة للغيرة على نفسه و زوجه و ولده فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر و يمنعهم من ارتكاب ما يسخط الله عز و جل .(8/235)
إن العاطفة في قلب الداعية إذا تحركت أثمرت دعوة و نصيحة و مشاركة لآلام المسلمين في كل مكان. أما حين يفقد الإنسان هذه العاطفة فيُصبح يعيش لنفسه وولده و زوجه، يعيش ليستمتع و يتلذذ بما حوله و ينسى هموم المسلمين، فإنه حينئذ يكون قد تخلى عن حقيقة الولاء للمؤمنين، و إن دندن في أحاديث حول الدعوة و الدعاة، و مصائب المسلمين، و .. و .. فإنه يكون كالنائحة المستأجرة , فآهٍ لهذه الأمة .. ما أحوجها إلى قلوب تحترق !
سادساً / الطموح:
و يعني هذا الخلق أن لا يعيش الإنسان لنفسه و دنياه إنما يعيش لأمته كما كان صلى الله عليه وسلم، إذ تقول عنه عائشة لما سألها عنه عبد الله بن شقيق رضي الله عنه هل كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي و هو قاعد ؟ قالت : " نعم بعدما حطمه الناس " . فقد كان صلى الله عليه و سلم، يتصدى للناس يستقبلهم ويودعهم، يأمرهم و ينهاهم، يختلط بهم و يتحمل أخطاءهم لذلك حطمه الناس وأثروا في بدنه صلى الله عليه و سلم، حتى أصبح يصلي جالساً وأسرع إليه الشيب بأبي هو و أمي صلى الله عليه و سلم .
إن الدين مراتب الإسلام ثم الإيمان والإحسان يقابل هذه القسمة قسمة ثلاثية أيضاً و هي الواردة في سورة فاطر " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير " (فاطر :32).
و يناظر هذه القسمة قسمة ثلاثية أيضا ذكرها النبي صلى الله عليه و سلم، في حديث الفرقة الناجية حيث ذكر الإسلام أولاً وهو الضمانة الوحيدة في الدخول إلى الجنة فلا يدخل الجنة إلا مسلم، و داخل في هذه الدائرة الكبرى وهي دائرة الإسلام دائرة أضيق وهي دائرة الفرقة الناجية و تشمل من التزموا بالسلوك المستقيم والعقيدة الصحيحة و لم يقوموا بما وراء ذلك , وهناك دائرة أضيق من هذه الدائرة و هي أفضل و أشرف و أعظم و هي دائرة الطائفة المنصورة الذين يذبُّون عن الدين و ينافحون عنه و يتحملون الأذى و الألواء في سبيله فينصرهم الله جل وعلا.
فينبغي أن يكون المسلم طموحاً يسعى للارتقاء في هذه الدرجات، وأن ينظر في الدين إلى من هو فوقه و في الدنيا إلى من هو دونه .
فحاول أن تتشبه بالفضلاء و المصلحين و المجددين حتى يتحقق لك بعض الخير في هذه الدنيا، كن صاحب نفس طموحه لا ترضى بالوقوف عند حد معلوم، و لا تشبع من خير قط حتى يكون منتهاك الجنة .
و ختاماً:
ينبغي للداعية أن يكون قدوة لغيره بأن يتجنب المكروهات و فضول المباحات، وما لا يحتاج إليه، و يترفع عن الدنيا والتنافس فيها حتى يكسب ثقة الناس، فيجعل الدنيا تحت قدميه يستخدمها ولا يخدمها حتى يعلم الناس أنه ليس صاحب دنيا ولا طالب مكانة .
وعليه أن يتجنب التناقض بين القول و العمل كما قال نبي الله شعيب " و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استعطت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب" ( هود : 88) .
وهنا أمر ينبغي التنبه له وهو أن الكثير من الناس يظن أن الداعية لا يأمر إلا بالمعروف الذي يفعله و لا ينهى إلا عن المنكر الذي يجتنبه وهذا غلط، بل الصحيح الذي تدل عليه نصوص الكتاب و السنة أن الإنسان يجب عليه أن يأمر بالمعروف و لو كان مقصراً فيه، و أن ينهى عن المنكر و لو كان واقعاً فيه، حتى قال بعض حذاق أهل العلم: حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً .
و تقتضي القدوة ألا يقابل الداعية السيئة بالسيئة بل يعفو ويصفح و يقابل الإساءة بالإحسان كما كان صلى الله عليه و سلم، فيعفو عمن ظلمه، و يعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وهذه أخلاق الأنبياء .
جعلنا الله و إياكم هداة مهتدين، غير ضالين و لا مضلين، و عاملنا بفضله و رحمته، فهو أهل التقوى و أهل المغفرة .
============
مميزات الدعوة المكية
اسم المحاضر : الشيخ نبيل العوضي – حفظه الله -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين..
لعل هذا الموضوع واضح من عنوانه أن أغلبه سيرة، ولكننا سنتناول هذه السيرة بشكل آخر، نريد أن نعرف كيف نستفيد من هذه السيرة في مجال الدعوة إلى الله ؟
ولعل الفاهم لهذا الدرس والفقيه من يعرف كيف يربط تلك السيرة بهذا الواقع المعاصر وبالدعوة في هذه الأيام، لأن علم المتكلم لن يسمح أن يربط كل أحداث السيرة بهذا الواقع، لكن تكفينا إشارات ...
قبل البداية يجب أن نعرف أن هناك فرق بين العهد المكي وهذا الوقت، فهناك أمر لابد أن نعرفه، وهو أنه ليس كل ما يقال في العهد المكي ممكن أن يطبق الآن، الأمر يختلف، ففي العهد المكي أولا الإسلام لم يكتمل، فربما يأتينا آت فيقول نفعل ما فعله الرسول- صلى الله عليه وسلم - ، فمثلا الخمر لا نحرمه على الناس بل نتدرج فيه، وهذا خطأ لأن الله تعالى قال: ( اليوم أكملت لكم دينكم)، وقال: ( ادخلوا في السلم كافة )، فلا يجوز أن نقيس العهد المكي بعصرنا هذا بأن نقول : نتدرج مع الناس في التشريع... أو أن نقول: ندعو كما دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرفياً في مكة... الأمر يختلف، ففي مكة لم يكن هناك منافقين كما في عصرنا، كان الناس إما مسلم أو كافر، أما في هذا العصر فيوجد المنافق، والمسلم، والمسلم ضعيف الإيمان، وقوي الإيمان، والعلماني الذي يدعي الإسلام وغيرهم كثير، حتى بعض الكفار الزنادقة قد يدعي الإسلام في هذه الأيام .
( هذه كانت مقدمة الشيخ حفظه الله، ثم بدأ بالحديث عن صلب الموضوع):
سنذكر من مميزات الدعوة المكية ست نقاط :
الميزة الأولى: الانتشار:(8/236)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته منتشر، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يجلس في بيته وينتظر الناس ليأتوا إليه، بل كان - صلى الله عليه وسلم - منتشراً في كل مكان، ففي كل قبيلة وفي كل بطن تجد له أحدا من الناس قد أسلم، ، فهذا أبو ذر من غفار، وهذا الطفيل بن عمرو من دَوس، وهذا عمر بن عبسة السُلمي، وهذا بلال الحبشي، وهذا سلمان الفارسي، وهذا صهيب الرومي، وهذا من بني عبد مناف، وهذا من بني عامر.
كان - صلى الله عليه وسلم - يستقبل الوفود، وعندما يحين موعد الحج كان يأتي وفود الحج فيأتيهم في خيامهم ويفتح الخيمة ويقول: ( من يؤويني يبلغ دعوتي، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يضرب على البيوت، ويأتي على الأسواق والمجالس والنوادي، فالذي يقرأ في السيرة يعجب، لقد كان - صلى الله عليه وسلم - دوامة بالناس، يجول ويصول على المجالس.
فيتبين لنا أنه - صلى الله عليه وسلم - ينتظر ساعة الصفر، فكان يعد العدة... يعد الرجال .
الميزة الثانية: الجرأة في عرض الحقيقة والمواجهة:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يواجه الناس، ما كان يستحي ولا كان يخجل، أو يخفي بعض المبادئ، الإسلام كله كان يعرضه على المشركين قبلوا أم لم يقبلوا: ( قل ياأيها الكافرون * لاأعبد ماتعبدون ) جرأة ومواجهة..
بل وقف - صلى الله عليه وسلم - على الصفا وقال: ( إني نذير لكم بين يدي عذاب أليم ) فقال أبو لهب: ( تباً لك، ألهذا جمعتنا سائر اليوم )، فأنزل الله تعالى: ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .
فالأمر فيه جرأة ومواجهة وإعلان وصدع، قال تعالى: ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ).
أخي العزيز اسمع لهذه القصة:
يقول ابن الزبير رضي الله عنه: كان أشراف قريش يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم كلاما، يقولون: والله ما رأينا مثل محمد سفَّه أحلامنا، وعاب ديننا، وسب آلهتنا.
يقول – رضي الله عنه – خرج عليهم عليه الصلاة والسلام يوما وكان أشراف قريش جالسين حول الكعبة، فذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستلم الركن اليماني وطاف حول البيت.
يقول: فلما طاف الطوفة الأولى ومر عليهم غمزوه ( أي تكلموا عليه ) فما بال بهم، ثم طاف الطواف الثاني فغمزوه، ثم طاف الطواف الثالث فغمزوه، فأقبل عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: ( أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح )، أي: إما الدين وإما الذبح والقتل .
يقول الصحابي: والله حتى ما كان أحد منهم إلا وكأن طائرا واقع على رأسه، حتى كان أشدهم فيهم وطأة يقول: ( انصرف يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا ) .
أرأيتم جرأة… فالمسلم إذا كان جريئا يعرض الحق عنده بجرأة، ويواجه الناس بنصحه: هذا منكر وهذا معروف، فلو كان كل رجل صاحب علم عندما يرى المنكر في أي مكان يقول: اتق الله هذا منكر، ويكون ذلك بالحكمة، لما انتشرت المنكرات.
الصحابة أيضا رضي الله عنهم ، فعمر رضي الله عنه كان جريئا، فعندما أسلم ذهب إلى المشركين وأعلن إسلامه، وعندما هاجر، كان الصحابة يهاجرون مستخفين أما عمر فأخبر كل المشركين أنه سيهاجر.
و أبو بكر – رضي الله عنه – من جرأته لم يكن يصلي في بيته، ولكنه خرج خارج البيت وجعل له مصلى فيه، والناس تمر به وتنظر إليه.
و اسمع لهذه القصة أخي :
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان جالسا بعد الفجر، فأتاه المشركون فأخذوا يتعرضون له، وهو يرد عليهم ويدفعهم، فاجتمع المشركون عليه، ولكنه لم يسكت، فهو يُضرب ويُشتم، وهو يضربهم، يقول الراوي: حتى ارتفعت الشمس وهو يدفعهم حتى جلس من شدة التعب، حتى أجاره رجل من المشركين فابتعدوا عنه، ثم أخذ يناديهم وقال: ( يا أعداء الله، والله لو بلغنا فيها ثلاث مائة لأخرجناكم منها )، أي لو بلغ عددنا في مكة ثلاث مائة لطردناكم منها… انظر للجرأة والمواجهة.
الميزة الثالثة: تعليم خطط المشركين وكيفية مواجهتها :
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة رضي الله عنهم خطط المشركين، وكان عليه الصلاة و السلام يدرسهم هذه الخطط ويعلمهم كيفية مواجهتها، فقد كان المشركون يستخدمون خطط كثيرة ضد المسلمين ليردوهم عن دينهم، كالاستهزاء والسخرية، الاتهام، الضرب، العنف، المداهنة، الإغراء، وغيرها كثير من الوسائل... هذه وسائلهم وهذه خططهم، وكان الله تعالى يعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - كيفية مواجهتها، ومن ثم النبي عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه كيف يواجهونها، فبعض المرات يأمرهم بالإظهار، وبعض المرات يأمرهم بالسكوت، وهو عليه الصلاة والسلام أحيانا كان يظهر ويصدع، وأحيانا كان يسكت - صلى الله عليه وسلم - .
فكان يتخذ لكل مشكلة حلا، ولكل خطة مسلكا .
منها على سبيل المثال: حصار الشعب وما لاقى فيه المسلمون من تعذيب وجوع وحرمان، إن أوراق الشجر كانت تؤكل في حصار الشعب، حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: ( مرت علي ثلاثون ليلة ما عندي أنا وبلال إلا طعاما يواريه إبط بلال ).
وغيرها كتعذيب بلال- رضي الله عنه-، وتعذيب آل ياسر، وإغرائه - صلى الله عليه وسلم - بالملك والمال، ولكن لم تنفعهم خططهم كلها.
الميزة الرابعة: عدم الاغترار بالكثرة :
فقليل تربى على الإسلام وصلب عوده خير من كثير غثاء كغثاء السيل، فالكثرة وقت المحن ووقت الشدائد والفتن تتبدل وتضعف ويثبط بعضهم البعض وقد يستسلم البعض، فلا يبقى إلا من تربى على الدين الصحيح.
فلا تغتر أخي بالكثرة، ولا تطلبها، ولكن اطلب الأصلح.
الميزة الخامسة: الرد من السماء:(8/237)
من مميزات الدعوة المكية أن الرد كان يأتي من السماء، فلما وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا وقال: ( إني نذير لكم بين يدي عذاب أليم )، قال أبو لهب: ( تبا لك ألهذا جمعتنا )، فأنزل الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب).
أمية بن خلف كان يغمز النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) .
أبو جهل منع النبي عليه الصلاة والسلام من الصلاة، فأنزل الله تعالى: (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى).
ومرة تحلف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال ادعوا الملائكة وأنا أدعوا الذين معي، فأنزل الله تعالى: ( فليدع ناديه سندع الزبانية) .
فالأمر ليس لعب ولا هزل، فأنت معك رب السماوات والأرض .
الميزة السادسة: تركيز النبي - صلى الله عليه وسلم - على أكثرهم خدمة للدين:
فكان عليه الصلاة والسلام يركز على عمر وحمزة، وهذه ميزة عظيمة، يقول ابن مسعود: ( ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ).
حمزة رضي الله عنه عندما أسلم لم يكن أحد من المشركين يستطيع أن يتكلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أتى إلى المشركين مرة في نواديهم، وضرب أبو جهل ضربة وقال: ( أتقول فيه ما تقول وأنا على دينه ).
فبعد أن أسلم حمزة وعمر رضي الله عنهما اعتز الإسلام بهما.
فانتشر بالدعوة وادعوا الناس جميعا لكن في التركيز حاول أن تنتقي الناس، وركز على من تظن أنه سيخدم الدين، وأن فيه النفع لهذا الدين، لهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
حكمة الدعاة إلى الله .
اسم المحاضر : الشيخ أبو إسحاق الحويني- حفظه الله
بدأ الشيخ محاضرته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما رواه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في باب خلق أفعال العباد، وفي القراءة خلف الإمام، وكذلك رواه الدارمي والنسائي وأحمد وأبو عوانة وغيرهم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: ( بين أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله . قال : فرماني القوم بأبصارهم . فقلت: وثكلى أمياه، مالكم تنظرون إليَ؟ فجعلوا يضربون أفخاذهم بأيديهم يسكتونني أو يصمتونني لكي أسكت، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فما كهرني ولا ضربني ولا سبني ولكن قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي الذكر والتسبيح وقراءة القرآن . فقلت : يارسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاءنا الله بالإسلام، وإن منا رجال يأتون الكهان، قال : فلا تأتهم ، قال : ومنا رجال يتطيرون، قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم . قال : ومنا أقوام يخطون. قال : كان نبي من الأنبياء يخط، فمن واقف خطُه خطَه فذاك . فقلت : يارسول الله كان لي جارية، وكانت ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت عليها ذات يوم ، فإذا الذئب قد عدا على غنمها فأخذ غنمة منها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يارسول الله : أفلا أعتقها ؟ فقال : ائتني بها، فجاء بها، فقال: يا جارية أين الله ؟ قالت: في السماء، قال: من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله . فقال: أعتقها فإنها مؤمنة.
هذا الحديث هو أحد الأحاديث الكاشفة للحياة العملية لأصحاب رسول الله – رضي الله عنهم – مع نبيهم صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث جملة من الفوائد:
قال معاوية بن الحكم : (بين) أي : بينما .
وقوله: ( يرحمك الله ) قال هذا وهو في الصلاة .
(رماني القوم بأبصارهم ) أي : نظروا إلي نظر الشزر.
( بأبي) هذه الباء تسمى باء التفدية، أي أفديه بأبي وأمي، وهذا يترجم ما في قلوبهم من الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر معاوية رضي الله عنه الدليل على هذا الحب: ( ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ).
فنصب عليه الصلاة والسلام الدليل على أنه أحسن معلم بشيئين :
الشيء الأول : ترك العتوبة والعقوبة .
والشيء الثاني: الانشغال بتعليمه.
وهكذا فليكن الدعاة إلى الله، فالدعاة إلى الله يقومون في الناس مقام الأطباء للأبدان.
فالأصل إن رأيت رجلا مخالفا فأنت تعتقد أنه جاهل بالحكم ابتداءً، فبدل أن تنشغل بعتابه انشغل برفع الجهل عنه.
هذا هو واجب الدعاة الأول: أن يزيلوا الجهل عن الناس، فما بعثوا معنتين ولا متعنتين ولا متكلفين، بل هم أيسر الناس وأسهلهم.
وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بنماذج تدل على الرفق بالجاهل، منها حديث الرجل الأعرابي الذي دخل المسجد والرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة جلوس، فقام لركن من المسجد وبال، فلما هم الصحابة به قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تذرموه )، أي لا تقطعوا عليه بوله، فلما انتهى قال عليه الصلاة والسلام : ( أريقوا على بوله ذنوبا من ماء ) ، ثم قال صلى الله عليه وسلم له : (ما حملك على أن بلت في مسجدنا ؟ أولست برجل مسلم ؟) قال : فو الذي بعثك بالحق ما ظننته وهذه الصعدات إلا شيئا واحدا. فهو جاهل لا يعرف أحكام المساجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين له خطأه بألطف بيان، فلم يعاتبه لعلمه بجهله فهو أعرابي جاء من بيئة جاهلة، فالأصل جهلهم بالأحكام الشرعية، فبدل أن ينشغل بالإنكار والإنكار الشديد فضلا عن التنفير، انشغل بالتعليم، فتحققت الحكمة في الدعوة.(8/238)
من المسلمات أن الجهل منتشر، وانتشار هذا الجهل له أسباب كثيرة من أهمها غياب العلماء الربانيين، وهذا قد قصرت فيه الأمة كلها، فقد قصرت في إيجاد طلبة علم جيدين .
وبغياب العلماء هذا سيلجأ الناس إلى سؤال الجهّال فيفتوا ويضلوا، وبعدها ستكون المخالفات بالجملة، وستتفشى المنكرات، إذا يجب أن نعتقد أن الأصل في الناس هو الجهل.
فعلينا أن ننشغل بتعليم الناس عن اللوم والعتاب، فالوقت الذي تشغله باللوم والعتاب اشغله بتعليم الناس، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
ويتأكد الأمر بترك العتاب والانشغال بالتعليم إذا كان للجاهل عذر، وفي حديث معاوية بن الحكم قد كان له عذر، وهو أن الصحابة في بداية الأمر بالصلاة كانوا يتكلمون فيها.
(ثم سرد الشيخ نماذج على تكلم الصحابة في الصلاة في بداية الأمر ) فمن الجائز أن معاوية لم يعلم بالنص الذي يحرم الكلام في الصلاة، فهو على المعهود الأصل.
إذا متى نعاتب ومتى نترك العتاب؟
نعاتب إذا كان الأمر معلوم بالدين بالضرورة، أي أمر يعلمه الكبير والصغير، الذكر والأنثى، الحر والعبد، فعندها نقول له: لماذا خالفت ؟ وهل سبقك أحد لمثل هذا ؟ لكن إذا كان الأصل الجهل أو أن الحكم كان على خلاف هذا قبل ذلك، فنلتمس العذر له إذ قد يكون غير عالم بالحكم، فهو جاهل لم يعلمه أحد، فحينئذ نقدم التعليم على العتاب.
فالدعاة إلى الله يحبون الخير للناس، ومن تمام الحب ترك العتاب. من هذا عتاب الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إذ أذن لبعض المنافقين أن يجاهدوا معه، فقدم العفو على العتاب، قال الله تعالى :
( عفا الله عنك لما أذنت لهم ) فهنا لم يترك العتاب ولكن أخره، وقدم العفو على العتاب وبهذا اطمأن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامات الحب، ومن أدلة حب الدعاة للناس، وحب إيصال الخير لهم، قول الله تعالى : ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) أي: لعلك من شدة الإشفاق عليهم أن يتعرضوا للنار تكاد تقتل نفسك من الحزن، فالداعي إلى الله يكاد يبلغ به الحب للناس أن يقتل نفسه إن رفضوا الهدى .
فعلى الدعاة بدل أن يفرقوا التهم على الناس أن يتلطفوا لهم، فنحن قدوتنا النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول عليه الصلاة والسلام علّم معاوية وترك عتابه لأن معاوية معذور فربما لم يصله الدليل الناسخ. فكان من تعليمه من البهاء ما صدع معاوية بن الحكم، فقال رضي الله عنه ( فما كهرني ) أي : لم يقهرني وهو من القهر والذل، ولا سبني ولا ضربني ولكن قال : ( إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس ) ثم عرفه ما يصلح، وهذا من تمام التعليم فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما هي الذكر والتسبيح وقراءة القرآن ) .
===============
الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت
الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أُستاذ التربية الإسلامية المساعد
ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية المعلمين في أبها
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين القائل في مُحكم التنزيل : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( سورة فصلت : الآية رقم 33 ) والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل :
" فوالله لأن يَهدي الله بك رجُلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعم "( رواه البخاري ، الحديث رقم 4210 ، ص 715 ) .
وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على دربهم ، واهتدى بهديهم ، ودعا بدعوة الإسلام إلى يوم الدين ؛ وبعد:
... فإن الدعوة إلى الله تعالى فريضةٌ عظيمةٌ من الفرائض التي خص بها الأنبياء والرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام ، وجعلها من بعدهم مُهمة ورسالة التابعين لهم والآخذين بمنهجهم الذين عليهم أن يُبلغوا دين الله تعالى لبني البشر في كل زمانٍ ومكان إلى قيام الساعة تحقيقاً لقوله عز وجل : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . ( سورة يوسف : الآية رقم 108 )
كما أن الدعوة إلى الله تعالى تُمثل عماد الخيرية التي وصف الله تعالى بها الأُمة المسلمة في قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ( سورة آل عمران : من الآية 110 ) .
وعن طريق الدعوة إلى الله تعالى تحمل الأمة رسالة الإسلام الخالدة إلى مشارق الأرض ومغاربها صافيةً نقيةً لتُخرج الناس من الظُلمات إلى النور ، ولتهديهم طريق الحق وسبيل النجاة.
ونظراً لأنه قد تحقق في العصر الحديث كثيرٌ من المنجزات الحضارية المتطورة في مختلف المجالات والميادين ولاسيما مجال الاتصالات والتقنية ونقل المعلومات ؛ فإن الدعاة إلى الله تعالى مطالبون بالتفاعل الإيجابي مع هذه المُستجدات والمُنجزات العصرية التي يمكن تسخيرها والإفادة منها في مهمة الدعوة إلى الله تعالى ، ويأتي من أبرز وأهم هذه الوسائل المُستجدة ما يُعرف بشبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت Internet ) التي تُمكن مُستخدميها من الإفادة " من عشرات الخدمات المُختلفة ، والتخاطب مع المُستخدمين الآخرين ؛ فهي نافذة العالم بشعوبه وثقافاته وعلومه المختلفة ، ووسيلة اتصالٍ بين الباحثين ، ورجال الأعمال ، والدوائر ، والقطاعات ذات العلاقات المُشتركة " ( عبد القادر الفنتوخ ، 1418هـ ، ص 8 ) .(8/239)
لهذا كله؛ جاءت فكرة الكتابة في موضوع الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت، ومحاولة تسليط الضوء على بعض الجوانب الهامة فيه، ومنها :
* أولاً / المقصود بالدعوة إلى الله تعالى ؟ و لمن تكون ؟
* ثانياً / أهمية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت .
* ثالثاً / ضوابط الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت .
* رابعاً / كيفية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت وأبرز وسائلها .
* خامساً / أهم وأبرز المُشكلات التي تعترض عملية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت .
* سادساً / مُقترحات لتفعيل مهمة الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت .
* أولاً / المقصود بالدعوة إلى الله تعالى ، ولمن تكون :
الدعوة إلى الله تعالى عبادةٌ عظيمةٌ ومنزلتها رفيعةٌ جداً بدليل أن الله تعالى اصطفى لها خير خلقه من الأنبياء والرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) وأتباعهم الذين يقومون بدعوة أقوامهم وأُممهم إلى الدين الحق ، ويحرصون على إنقاذهم من الضلال ودلالتهم على سبيل الهداية انطلاقاً من قوله تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( سورة يوسف : الآية رقم 108 ) .
ويُمكن تعريف الدعوة إلى الله تعالى ( كما أورد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ) بقوله :
" الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاءت به رسله ، بتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا .. " . ( ابن تيمية ، ج 15 ، ص 157 – 158)
وهناك من عرَّف الدعوة إلى الله تعالى بأنها :" إبلاغ الناس دعوة الإسلام في كل زمانٍ ومكان بالأساليب والوسائل التي تتناسب مع أحوال المدعوين " . ( علي بن صالح المرشد ، 1409هـ ، ص 21 )
وانطلاقاً من ذلك فقد كان لزاماً على المسلمين الذين شرفهم الله تعالى بحمل هذه الأمانة وتبليغها ؛ أن يؤدّوا هذه الفريضة العظيمة خير أداءٍ ، وأن يُحسنوا تبليغها للناس أجمعين مستخدمين في ذلك ما يُناسب ظروف العصر من الوسائل والطرائق والكيفيات المختلفة والمتجددة .
وأخيراً ؛ ومع ظهور شبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت Internet ) في عصرنا الحاضر كان لا بُد أن تصبح هذه الشبكة العنكبوتية المُذهلة واحدةً من أحدث وأهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى لما لها من الأهمية والتأثير .
* ثانياً / أهمية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت :
نظراً لما تمتاز به شبكة الإنترنت من انتشارٍ واسعٍ ، وقُدرةٍ على الوصول إلى الملايين في كل مكان على سطح الأرض فإن الحاجة ماسةٌ للإفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى على اعتبار أنها وسيلةٌ من الوسائل الحية في هذا العصر ، وأنها تحظى بقبولٍ جيدٍ ، وانتشارٍ كبيرٍ ، وتفاعلٍ إيجابيٍ من الملايين الذين يُقبلون عليها في أرجاء العالم .
وتتمثل أهمية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت في الكثير من النقاط التي نشير إلى أبرزها فيما يلي :
1) ... أن الدعوة إلى الله تعالى واجبٌ دينيٌ على كل مُسلم قادرٍ من أبناء الأُمة المسلمة.
2) ... أن الإنترنت وسيلةٌ دعويةٌ حرة ، يمكن للدعاة إلى الله تعالى من خلالها التواصل الدعوي المفتوح والمستمر مع أعدادٍ كبيرةٍ و أجناسٍ متنوعةٍ من البشر في شتى بقاع الأرض يبثون الخير في نفوسهم .
3 ) أن الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت غير مكلفة مادياً إذ إن " الإنترنت هو أرخص وسيلة للاتصال" .
4 ) أن في الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت تصحيحاً لكثيرٍ من المفاهيم الخاطئة والمعلومات غير الصحيحة التي تنتشر ( للأسف ) بين كثيرٍ من الناس الذين لا يعرفون من الإسلام إلا ما تتحدث به بعض الفرق الضالة والجماعات المُنحرفة.
5 ) أن معظم مستخدمي شبكة الإنترنت ( في الغالب ) من الطبقة المثقفة والفئة المتعلمة الواعية الذين يكون أفرادها ( في العادة ) أصحاب التأثير الفاعل في مجتمعاتهم.
6 ) أن شبكة الإنترنت وسيلةٌ دعويةٌ مُتاحة للجميع في أي وقتٍ من الأوقات ؛ فهي غير مُحددةٍ بوقتٍ مُعينٍ أو زمنٍ مُحدد لأنها تعمل على مدى اليوم والليلة وطول أيام السنة.
7 ) إقبال الناس المتزايد على استخدام هذه الشبكة ، فقد أصبح الإنترنت اليوم مرجعًا لكل باحثٍ عن معلومةٍ معينة ، وملاذًا لكل طالب علمٍ ديني أو دنيوي .
8 ) سهولة استخدام هذه الوسيلة في الأغراض الدعوية ؛ حيث إن ممارسة مهمة الدعوة إلى الله تعالى وتعلم أساليبها عبر شبكة الإنترنت سهلةٌ جداً.
* ثالثاً / ضوابط الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت :
لا شك أن من أهم وأبرز وأولويات التعامل مع شبكة الإنترنت في الدعوة إلى الله تعالى التأكيد على حُسن توظيفها في هذا الشأن العظيم ، لاسيما وأن شبكة الإنترنت تُعد كما يقال :
( سلاحاً ذا حدين ، ووسيلًة ذات وجهين متعارضين ) .
إن هناك بعض المفاهيم والآليات والمحددات والضوابط التي لا يمكن أن تنجح عملية تقديم هذه الدعوة إلى الله تعالى بدونها . ومنها ما يلي :
( 1 ) إخلاص النية أثناء القيام بعملية الدعوة إلى الله تعالى ، والحرص على أن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى ، بعيداً عن الأغراض الشخصية والخلافات المذهبية والعقائدية ،
تحقيقاً لما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنَّما الأعمالُ بالنّيَّات ، وإنما لكلِ امرئ ما نوى" ( رواه البُخاري ، الحديث رقم 1 ، ص 1) .
( 2 ) الحرص أثناء القيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى على نفع الناس ، وحُب الخير لهم.(8/240)
( 3 ) الانطلاق في مهمة الدعوة إلى الله تعالى من منطلق أن دين الإسلام دينٌ مُسالم وشاملٌ ومُنفتحٌ على الآخرين ، فهو غير رافضٍ للحضارة ، أو المدنية ، أو التطور.
( 4 ) التأكيد على توافر المعلومات الصحيحة والكافية عن دين الإسلام على هذه الشبكة ؛ شريطة أن تكون صادرةً عن دعاةٍ موثوقين .
( 5 ) الاهتمام بحُسن اختيار الدعاة إلى الله تعالى من المؤهلين علمياً ومعرفياً ، وهو ما لا يُمكن أن يتحقق إلا بحُسن إعدادهم وتأهيلهم وتدريبهم لهذا الشأن.
( 6 ) أن يكون الخطاب الدعوي للآخرين ( ولاسيما عبر شبكة الإنترنت ) مناسباً لهم ، ومتوافقاً مع حاجاتهم ، ومراعياً لظروفهم .
* رابعاً / كيفية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت وأبرز وسائلها :
... هناك العديد من الكيفيات التي يمكن من خلالها الإفادة من هذه الشبكة العالمية ذات الآفاق الواسعة في الدعوة إلى الله تعالى ؛ إذ إن كل يومٍ تطلع شمسه كفيلٌ بتقديم الجديد والمُفيد في هذا المجال .
أن هناك بعض المُحددات التي يمكن من خلالها وضع بعض التصورات العامة في هذا الشأن ، ومنها ما يلي :
( 1 ) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت مُلتزمةً بمنهج الإسلام الذي يحث دائماً على إتباع أُسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، تحقيقاً لقول الحق جل في عُلاه : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ُ } ( سورة النحل : من الآية 125 )
( 2 ) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت مُراعيةً لآداب الدين الإسلامي الحنيف التي جاءت داعيةً ومؤكدةً على أن تكون الدعوة باللطف ، واللين ، وعدم الشدة مع المدعوين ؛ تحقيقاً لقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } . ( سورة آل عمران : من الآية 159 )
( 3 ) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى مُسايرةً للعصر في خطابها الدعوي الذي يجب أن يكون خطاباً خاصاً بهذه الوسيلة الدعوية الحديثة ، وأن يكون مُراعياً لخصوصيتها ، ومُفيداً من إمكاناتها المختلفة في هذا المجال عن طريق تجديد الوسائل والأدوات المُستخدمة لهذا الشأن , وقد أشار إلى ذلك أحد الكُتّاب بقوله :
" إن الدعوة إلى الإسلام في هذا العصر – الذي نشطت فيه الدعوات إلى كل أنواع الضلال وبكافة الوسائل التي لم تُعرف من قبل – تحتاج إلى أن تُراجع وسائلها ، وتُجدد أدواتها لتكون في مستوى المنافسة في عرض رسالة الإسلام " . ( مانع بن حماد الجهني ، 1420هـ ، ص 293 )
( 4 ) أن تكون الجهود المبذولة في الدعوة إلى الله تعالى بعيدةً عن كل ما من شأنه حصول الفرقة والاختلاف بين المسلمين .
أما أبرز وسائل الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت فهي مُتعددة ومُتنوعة ؛ إلا أن هناك بعض الوسائل المُتميزة التي يمكن استثمارها في هذا الشأن ، ومنها :
1- إنشاء المواقع الدعوية الإسلامية ( Site ) .
2- استخدام البريد الإلكتروني ( E-mail ) .
3- المُشاركة الفاعلة والإيجابية في ساحات ومُنتديات الحوار ( Forums ) .
4- الحوار عبر غرف الدردشة ( Chat ) .
وفيما يلي مُحاولةٌ لتسليط الضوء على هذه الوسائل وكيفية استخدامها في الدعوة إلى الله تعالى :
( 1 ) إنشاء المواقع الدعوية الإسلامية ( Site ) :
وتُعد هذه المواقع من أبرز وأهم الوسائل التي يمكن من خلالها الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت ، وتكمن أهمية هذه المواقع الدعوية في كون " الموقع الإسلامي عبارة عن مكتبةٍ كبيرةٍ وغنيةٍ جداً بالمعلومات عن الإسلام معروضةٍ بالمجان للملايين من البشر وبلُغاتٍ مختلفةٍ يطلع عليها الناس في أي زمانٍ أو مكان " . ( صالح السدلان ،1423هـ ، ص 417 )
وقد أورد أحد المهتمين بالدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت بعضاً من المواصفات والشروط اللازمة للموقع الدعوي الناجح ذكر منها ما يلي :
" أن يكون اختيار اسم الموقع مناسباً وجذاباً ومُسجلاً رسمياً ، وأن يكون الموقع عملياً وذلك بعدم الإكثار من الصور والمقاطع الصوتية والمصورة والعمل على تسهيل عملية التنقل للزائر في الموقع ، وإنشاء سجل للزوار لغرض الإفادة من ملاحظاتهم وانتقاداتهم ، والبعد عن التقليد في تصميم الموقع ، والحرص على عمل دعاية مناسبة للموقع في الجهات المعنية ، والبعد عن المنكرات بجميع أنواعها ، والابتعاد في الموقع عن إثارة الخلافات والنزاعات الفرعية أو المذهبية ، والحرص على تطوير الخطاب الدعوي في الموقع بما يتلاءم مع أهمية الدعوة وكيفيتها " . ( عبد الحق حميش ، 1423هـ ، ص ص 445 – 447 ) [ بتصرف من الكاتب ]
( 2 ) استخدام البريد الإلكتروني ( E-mail ) :
وتُعد هذه الوسيلة باباً واسعاً للدعوة إلى الله تعالى ؛ فهي من أكثر الخدمات التي تُقدمها شبكة( الإنترنت )شهرةً واستخداماً وفائدة ، لاسيما وأنه " يمكن بواسطته إرسال واستقبال رسائل كتابية أو مسموعة أو مُشاهد مرئية،أو مزيج من أمور مقروءة ومسموعة ومرئية ".( محمد البوطي ، 1417هـ ، ص 280 )
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا بُد من مراعاة بعض الأمور التي يمكن من خلالها ضمان نجاح الدعوة إلى الله تعالى من خلال البريد الإلكتروني ، ومنها ما يلي :
= أن تكون الرسائل الدعوية متنوعةً في موضوعاتها وطرحها حتى لا تكون مُملةً ومكررة .(8/241)
= أن يكون إرسال الرسائل الدعوية باعتدال ، وفي فتراتٍ معقولة ، وبطريقةٍ غير مُزعجة أو مُكثفة
= أن تكون الرسائل الدعوية مُختصرةً وغير مطولة في محتواها حتى لا تُمل أو تُهمل .
= أن تكون موضوعات الرسائل الدعوية مختارةً بعنايةٍ واهتمام ، وأن تكون ذات معلوماتٍ موثقةٍ وواضحة .
= أن تكون الرسائل الدعوية مناسبةً في موضوعاتها للظروف والمناسبات الزمانية والمكانية المُختلفة قدر الإمكان حتى يوافق المقال المقام .
= أن تكون الشركة التي يتم الاتفاق معها لتقوم بمهمة الإرسال عبر شبكة الإنترنت من الشركات الموثوقة في هذا المجال من حيث صحة العناوين التي ترسل إليها الرسائل ، ومدى التزامها بتنفيذ المهمة ، ونحو ذلك .
( 3 ) المُشاركة الفاعلة والإيجابية في ساحات و مُنتديات الحوار ( Forums ) :
وهذه الساحات أو المنتديات عبارة عن منابر ومنتديات خاصة بالحوارات والنقاشات المفتوحة بين المُشاركين من كل مكان ، والتي يمكن من خلالها المشاركة في أي ساحة موجودة على المواقع المختلفة ببعض المُشاركات الدعوية المتنوعة ، سواءً كانت المُشاركة بإنشاء قضايا جديدة ،أو المشاركة في قضايا موجودة من قبل .
وهنا لابُد من مراعاة بعض الضوابط التي تكفل تحقيق المطلوب من هذه الوسيلة في خدمة الدعوة إلى الله تعالى ، ومنها :
= ضرورة التحلي بالحكمة والأناة والذكاء وعدم الاندفاع أو الحماس الزائد عند المشاركة في هذه الحوارات والنقاشات المفتوحة .
= أن تكون المشاركات مختصرةً ومركزةً في أنٍ واحد ، وبعيدةً عن الإطالة المملة التي ربما تجعل الكثيرون يعزفون عنها .
= أن يكون في المشاركة مجالٌ للنقاش والحوار الهادئ ، وسماع الرأي الآخر واحترامه.
= أن تكون المشاركات ، والأطروحات ، والردود مُتسمةً بالعلمية القائمة على الإقناع بالدليل والبرهان . وأن تكون مناسبةً لمستوى المدعوين الذين قد يحتاجون إلى مخاطبة المنطق وإزالة الشكوك والأوهام ونحو ذلك .
( 4 ) الحوار عبر غرف الدردشة ( Chat ) :
وهو بابٌ واسعٌ للخير والدعوة إلى الله تعالى ، ولكنه في الوقت نفسه كثير الأخطار والمحاذير إذا لم يُحسن استخدامه وتوظيفه ؛ لاسيما وأن له أنواعاً مختلفة فهناك ( الحوار الصوتي ، والحوار المرئي ، والحوار الصوتي المرئي ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة مراعاة أن تكون النصائح في غرف الدردشة مُختصرةً وغير طويلة ؛ كأن تكون عبارة عن بعض الآيات القرآنية المختارة ،أو الأحاديث النبوية المُنتقاة في موضوع معين مع إلحاقها بما يُناسب الحال من الوعظ الصادق ، والنصح اللين ، والإرشاد الجميل إلى فعل الخير والإقبال على الله تعالى .
* خامساً / أهم وأبرز المُشكلات التي تعترض عملية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت :
( 1 ) محدودية اللُغات المستخدمة في الدعوة إلى الله تعالى من خلال المواقع الدعوية الحالية على شبكة الإنترنت ؛ حيث إن هذه اللُغات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في العادة ، وهو ما أشار إليه أحد الباحثين بقوله :
" فلا يكفي الاقتصار على اللغات المستخدمة عند المسلمين كالعربية والفارسية والأُردية ، بل يجب أن يُضاف إليها اللغات العالمية الكبرى ولاسيما اللغة الإنجليزية التي هي أكبر اللغات استخداماً في شبكة الإنترنت وفي العالم " . ( عبد الحميد عبد المنعم مدكور ، 1423هـ ، ص 458 )
( 2 ) إن بعض المواقع التي يُطلق عليه ( إسلامية ) تُعتبر مواقع مشبوهة ومعادية للدين الإسلامي الحنيف ؛ لأنها تخضع لإشراف بعض أصحاب المذاهب الضالة ، أو العقائد المُنحرفة والباطلة ، فتستغل هذه الوسيلة لتشويه صورة الإسلام .
( 3 ) إن كثيراً من المواقع الدعوية الإسلامية الحالية تفتقر إلى توافر الإدارة العلمية الشرعية المُتمكنة ، كما أنها قد تفتقر إلى الإشراف الفني المُتخصص ؛ حيث جرت العادة أن يقوم بذلك أفرادٌ متطوعون ، أو متعاونون محتسبون ، وذلك مما يؤخذ على هذه المواقع ، ويُضعف من قوتها، وقد يحول دون نجاحها واستمراريتها في أداء رسالتها.
* سادساً / بعض المُقترحات لتفعيل مهمة الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت :
1 = العمل الجاد على الإفادة من الخبرات والطاقات البشرية الإسلامية في هذا الميدان الدعوي ، والحرص على دعوة العُلماء والدعاة والمُفكرين والمختصين في هذا المجال للمشاركة الفاعلة والإيجابية في هذا الشأن إشرافاً ، وطرحاً ، وحواراً ، ونقاشاً ، ودعوةً ، ورداً على الاستفسارات والشبهات ونحو ذلك .
2 = مراعاة أن المُستهدفين من الدعوة إلى الله تعالى يختلفون في مدى تقبلهم لها باختلاف العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والتعليمية والعُمرية ؛ الأمر الذي يوجب على المُشتغلين بالدعوة إلى الله تعالى تفهم وإدراك تلك الفروق ، والعمل قدر المستطاع على مراعاتها عند ممارسة الدعوة معهم بأي وسيلةٍ من الوسائل السابق ذكرها فلكل حادثٍ حديث ، ولكل مقامٍ مقال .
3 = الحرص على أن تتولى بعض الجهات الرسمية المختصة تزويد الشبكة الإنترنتية بتغطيةٍ إخباريةٍ حيةٍ ومُستمرة لمختلف الأحداث والمناسبات والفعاليات المختلفة في العالم الإسلامي على مدار الساعة مثل : ( نقل صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك ، وصلاة العيدين ، ونقل شعائر الحج من المشاعر المقدسة ، وغيرها من المناسبات الأُخرى ، إضافةً إلى تغطية أخبار المؤتمرات ، والندوات ، واللقاءات الإسلامية المختلفة ، ونشر بعض الأخبار والتقارير الصحفية المُعدة بعناية في القضايا الإسلامية المختلفة .(8/242)
4 = العمل على أن تكون الدعوة إلى الله تعالى بلغاتٍ مُختلفةٍ ولهجاتٍ متنوعة لضمان الوصول بهذه الرسالة العظيمة إلى أكبر عددٍ ممكن من مُستخدمي الإنترنت في كل مكان ، مع التأكيد على اللغات الحية الواسعة الانتشار في العالم ، والتي يستخدمها أعدادٌ كبيرةٌ من الناس , والحرص في الوقت نفسه على أن تكون اللغة العربية لُغةً مُعتمدةً و مُتداولةً في شبكة الإنترنت لما في ذلك من خدمةٍ لعملية الدعوة إلى الله تعالى .
5 = ضرورة العمل على تأهيل وتدريب الدعاة إلى الله تعالى على استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة ولاسيما الإنترنت ووسائله المختلفة ، وتدريبهم على اختيار الوسيلة المناسبة لمختلف الظروف والأحوال الزمانية والمكانية .
6 = ضرورة مُشاركة الدول والحكومات الإسلامية ، والمؤسسات الرسمية المؤهلة في العالمين العربي والإسلامي لخدمة مهمة الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت ، وتقديمها من خلال هذه الشبكة بصورةٍ علميةٍ ومدروسة ، حتى تكون هذه المشاركات قويةً و فاعلةً ومُحققةً للأهداف المرسومة والغايات المنشودة .
7 = الحرص على تبادل مختلف الأفكار والتجارب والطرائق الدعوية عبر شبكة الإنترنت بين المهتمين في هذا الشأن ، لما يترتب على ذلك من إمكانية التطوير ، وزيادة الفعالية ، وتفادي الأخطاء ، ومعالجة نقاط الضعف .
8 = التأكيد على تعدد اللُغات المستخدمة لتبليغ الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت ؛ إذ إن الساحة الدعوية في حاجةٍ ماسةٍ وضروريةٍ لمخاطبة الناس بلُغاتهم ولهجاتهم التي يفهمونها ليكون ذلك داعياً لضمان وصول الرسالة الدعوية إليهم وتبليغها على الوجه الأكمل بإذن الله تعالى .
=============
دعوة المرأة وقفات تقويمية
اسم المحاضر : الشيخ محمد الدويش – حفظه الله –
عنوان محاضرتنا هو: دعوة المرأة وقفات تقويمية...
هذه المحاضرة تمثل رؤية شخصيةً لواقع المرأة وهي دائرة تحت الاجتهاد الشخصي .
1- المرأة تمثل نصف المجتمع :
من جهة التعداد، ورقماً أساسياً لا يمكنُ الاستغناء عنه في التربية وبناءِ الأجيال.
2- خصوصية وحساسية هذه القضية:
وهذا الأمر يبدو جليّاً في جانبين:
الجانب الشرعي : بحكم طبيعتها ومهمتها في الحياة، فإنّ الإسلام ينظر إلي المرأة بإجلالٍ واحترامٍ .
الجانب الاجتماعي : فتناول قضية المرأة يتم بحساسية شديدة في كافّة المجتمعات ، حتى على نطاق المجتمعات الغربية .
* استغلال دعاة التغريب لهذه القضية:
وقد ظهر هذا على نطاقين:
1- من خلال التناول المعرفي لهذه القضية على مختلف الأصعدة خاصة العالمية.
2- من خلال المشروعات العملية التي نجحت في ترويج ونشر السفور والاختلاط حتى أصبحا شيئاً مألوفا.
* التناول الإعلامي العالمي لهذه القضية:
بات مشبوهاً خاصة منذ بروز دعواتُ العلمنةِ والتغريبِ , وأخذت قضايا المرأةِ تتصدرُ قائمةَ الاهتماماتِ العالمية عبر المؤتمرات والمنتديات الدولية.
* حاجتنا إلى مراجعة تجربتنا الدعويّة:
ومحور المحاضرة الرئيس : ما الذي ينبغي أن نقوم به في ميدان العمل لدعوة المرأة ؟
وانطلاقاً من تصوّري للإجابة على هذا السؤال، فقد تناولت بعض المجالات التي أرى أنه ينبغي التركيز عليها :
1/ مجال الأهداف الدعوية. 2/ مجال الخطاب الدعوي و البرامج العملية.
3/ مجال العمل وأدواته وميادينه. 4/ أولويات العمل التي ينبغي التركيز عليها.
3- أبرز مجالات النجاح الدعوي في مسيرة الصحوة :
* وجودُ صحوةٍ ظاهرةٍ في أوساطِ المرأة :
فلم يعد التدين موروثاً من خلال الأسرة، ومحصوراً في إطار المُسنّاتِ وغير المتعلِّمات، بل تجاوزهن إلى الفتيات اللائي يعشن في بيئة غير محافظة.
* ظهور رموز نسائية:
هناك كمٌ من الأسماء النسائية، أصبح ذا وجودٍ فاعلٍ ومؤثّرٍ في المجتمع في عدد من الحقول .
* الوقوف في وجه التغريب:
في السابق كان الهجوم على الشريعة والنيل من الثوابت سمة لبعض التيارات ، واليوم أخذت تتحدث بحذر وصبغت أحاديثها - خاصّةً ما يتعلّق بالمرأة - بكلماتٍ من أمثالِ: ( في ظل الشريعة الإسلامية )، ( فيما لا يتعارض مع الشريعة )، ( في ظل التقاليد الإسلامية ).
4- أهداف الخطاب الدعوي:
* التّوسع في الأهداف:
إن هدف الرسالة الدعوية المقدمة للمرأة في واقعنا المعاصر محدودُ المرامي، حيث يرمي إلى نقل فئاتِ وشرائحِ النساء والفتيات إلى واقعِ التديّن والصلاح من خلال التربية والتوجيه ، ولا شك أنه هدف أصيل ، ولكن تلافياً للقصور والتفريط الماثل ينبغي أن نوسع من دائرة اهتماماتنا الدعوية.
* المحافظة على المكتسبات الموجودة :
إنّنا حينما نُلقي نظرةً فاحصةً، سنجد أنفسنا أمام شرائح متفاوتة:
الأولى: الشريحة المتدينة وهؤلاء يعجبون بالحديث الساخن ويعتبرونه تقويماً لهم.
الثانية: شريحة الوسط المُحَافِظَة: وهي شريحة واسعة، لا يُعَدُّ أفرادها في دائرة المتدينين، لكنّهم في الجملة محافظون.
الثالثة: الشريحة الهابطة والمتدنية.
إنّ طبيعة الخطاب الدعوي الذي يستهدف نقل الناس من دركات الشهوات والمعاصي إلى درجات الجد والعزيمة قد يجعل قدرتنا محدودةً في ترقيةِ هذه الشريحةِ إلى درجاتٍ أعلى، وعلى فرض عجزنا وإخفاقنا في تحقيق الارتقاء المأمول ، فإننا يجب أن نضع من ضمن أهدافنا أن نحافظ على هذه الشريحة بإبقائها - على الأقل على ما هي عليه - حتى لا تنزل إلى مستوىً متدنٍّ وتصبح هدفاً سهلاً لتيار التغريب.
* إيجاد برامج تستهدف الحفاظ على الفتيات:(8/243)
الفتيات الصالحات يشاركن في دور التحفيظ وغيرها من البرامج النافعة. لكن أين تذهب الأخريات؟ إنّنا بحاجة لإيجاد لونٍ من البرامج العملية تستهدف الحفاظ على البقيّة الباقية.
* الحضور في ساحة المجتمع:
إنّ حضورنا الدائم في الساحة العامّة وخروجنا من الإطار الاجتماعيٍ الضيق" إطار الصالحات "، يعطي المجتمع انطباعاً إيجابيّاً عن رسالتنا الدعوية، ويبني الثقة بين الداعية والمجتمع.
* الحاجة لتحديد أدق لأهدافنا:
إن هدفنا ليس القيام بنشاطٍ دعوي فقط ، ولا استغلالِ الفرص لإلقاء كلمةٍ هنا وهناك، بل يجب أن نستشعر أننا أمام مشروعٍ عظيمٍ، يتطلّبُ رؤيةً واضحةً وشاملةً، لتحديد أدق خطواتنا وأهدافنا لإصلاح وتغيير هذا المجتمعٍ الذي يُعَدُّ أفراده بالملايين.
والاستطاعة ليست محصورةً في الجهود البدنية، بل هناك أدواتٌ أخرى فاعلةٌ، تدخل تحت مسمى الاستطاعة مثل التفكير المتأني، والدراسة الموضوعية، وهي في عصرنا هذا أكثرَ تأثيراً و فاعليةً.
5- محتوى الخطاب الدعوي:
هناك أمورٌ مهمةٌ من الضروري الاهتمام بها فلها أثرها في ترقية وتطوير محتوى خطابنا الدعوي، ومن ذلك:
* ترك الاقتصار على القضايا الخاصة بالمرأة :
إنّ المرأةَ لها طبيعةٌ فطريةٌ خاصّةٌ، وتبعاً لذلك، فقد جاءت الأحكامُ الشرعيّةُ مراعيةً لهذا، سواء فيما يتعلق بها مباشرة أو فيما يتعلق بالأمور التي لها مساسٌ بخصوصيتها، لكنّ هذه الأهميّة لا تسوّغ أنّ ينحصر جزءٌ كبيرٌ من خطابنا الدعوي في هذا الإطار الخاص فلا يتعداه إلى غيره ، بحيث يؤدّى لإهمال كثيرٍ من القضايا الأخرى.
* حتميّة الاعتناء بالإقناع:
المجتمعَ اليوم ينفتحُ على عواملَ ومؤثراتٍ كثيرةٍ توسّعُ وتزيدُ في دائرةِ ثقافته واهتماماته ؛ ولذا فنحن مطالبون بالتعامل مع هذه المستجدات التي طرأت على ساحة المجتمع ليكون خطابنا الدعوي مواكباً لهذه النقلة الثقافية والحضارية ، وإلا زادت الهوة بيننا وبين المجتمع اتساعاً.
* تقليل مساحة الخطاب العاطفي:
إنّ الخطابَ الدعويِّ السائد - وخاصّةً المتعلق بقضية المرأة - يتسمُ بلغةٍ وأسلوبٍ يزيد من مساحةِ التركيزِ على العاطفةِ، مع قلةٍ في الخطاب المنطقي والموضوعي المقنع.
نعم للعاطفةِ تأثيرٌ لا ينبغي تهميشه، لكنني أعتقد أننا بحاجةٍ إلى تقليص دورِ الخطابِ العاطفيِّ لمصلحة الخطاب المنطقي الذي يخلق قناعات عند السامعين .
* ضرورة الاهتمام بمشكلات المرأة وتناول قضاياها من كافة أبعادها :
لقد أتى مغيث النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبدٌ ملوكٌ، يستشفع به حينما أُعتِقَت زوجته بريرة، والحكم الشرعي في هذه الحالة أنّها تخيًّر بين البقاء مع زوجها أو فراقه، وقد اختارت بريرة فراقه رغم حبه لها ، فتدخل النبي صلى الله عليه وسلم شافعاً للإصلاح بينهما.
* توسيع دائرة الاهتمام وتجاوز الاقتصار على قضايا التدين:
ينبغي ألا نعزل المجتمع ونحن نبتغي الإصلاح عن بنائه المتكامل، إذ أنّ قضية التدين ليست قضيةً معزولةً عن إطار الحالة النفسية للفرد، ولا عن الظواهرِ الاجتماعية، فكل هذه الأُطُرِ كَمٌ متكاملٌ يتحكمُ في تشكيلِ كيانِ وصورةِ المجتمعِ.
* العناية بالاعتدال والبعد عن المبالغة :
إننا حينما نلاحظ أنّ الأعداءَ قد أخذوا يتربصون بالمجتمع، إنطلاقاً من طرحهم لقضايا المرأة، فهذا قد يسوقُ بعضنا إلى نوعٍ من المبالغةِ ، لنقل عن المنكرِ أنّه منكرٌ، ولنقلْ عن الذريعةِ أنّها ذريعةٌ، ولكن ينبغي ألا نبالغَ في تصويرِ حجمِ المشكلةِ ومدى انتشارِها.
* التقليل من رسم الصورة المثالية:
كالمثالية في الخطاب الدعوي للمرأة بشأن التعدد، وحق الزوج .
* التوازن بين الحقوق والواجبات:
فكما أنّ على المرأةِ واجباتٌ ومسئولياتٌ تجاه الآخرين، فإنّ لها حقوقاً ينبغي أن تنالها.
* التفريق بين الاقتناع الشخصي وبين إلزام الناس:
من الطبيعي أن يرجحَ الإنسانُ رأياً فقهيّا في مسالةٍ هي محلُّ اجتهادٍ، وقد يرتاح لأمرٍ تورعاً، بل وقد يلزم نفسه به، وإن كان لا يعتقدُ وجوبه، وقد يمتنعُ عن أمرٍ لذات السبب، لكن مع هذا، يجب علينا أن نفرِّقَ بين ما نتركُه أو نفعلُه بدافعِ تورّعِنا وارتياحِنا الشخصيّ, وبينَ ما نلزمُ به الناس .
* الانطلاق من الاحتياجات أكثر من المخالفات والانحرافات:
إنّ تحليلَ مضمون خطابنا الدعوي الموجه للمرأة، يؤكد أنّنا غالباً ما ننطلقُ من دائرةِ مخالفاتِ المرأة وأخطائها.
إنّنا بحاجة إلى التنبيه على مخاطرِ هذه المخالفاتِ الشرعيةِ، لكننا يجب ألا نهمل القضايا الأخرى، فالمرأةُ بحاجةٍ لتناولِ قضيتها بصورةٍ واسعةٍ ومتكاملةٍ، باعتبارها كائناً متكاملاً وعضواً فاعلاً في النسيجِ الاجتماعي .
* الواقعية في تصور المشكلات:
إنّ الحياةَ المعاصرةَ أفرزت مشكلاتٍ جديدةً تتعلقُ بالمرأةِ تعلقاً مباشراً، ومن منطلقِ اهتمامنا بالمرأةِ وقضاياها، فيجب علينا أن نستوعبَ هذه المستجداتِ، وأن نتعاملَ معها باعتبارها أموراً فرضت نفسها على السّاحةِ.
* الاعتناء بالحلول العملية:
نحن بحاجة إلى أمرين فيما يتعلق بالمشكلات - خوفاً من استغلالها كمنفذٍ يتسلل منه دعاة التغريب - :
1- أن نتعاملَ بواقعيةٍ مع هذه المشكلاتِ.
2- أن نبذل جهداً لتقديم حلولٍ عمليةٍ واقعيةٍ لهذه المشكلات.
* الاعتناء بالداعيات:
وعلى وجهِ الخصوصِ أولئك العاملاتِ المجتهداتِ في حقل وإطار العمل النسوي، وهذا يتطلب أموراً عدة، ومنها:(8/244)
1- الارتقاء بالوعي: بحيث نتجاوز مجردَ الشعورِ بأن هناك مؤامرةً على المرأةِ. وأسباب ضعف الوعي : الإحساس بالحاجة للعلم الشرعي ، وعدمُ انضباطِ وسائلِ اكتسابِ الوعي كالسفرِ أو الحضورِ المباشرِ في وسائلِ الإعلامِ .
2- الاعتناء بتربية وإعداد الداعيات: بغضِّ النظرِ عن الإطارِ الذي تنطلق الداعية من خلاله .
3- استيعاب التخصصات المؤثرة في المجتمع كالتربيةِ، وعلمِ النفسِ، والاجتماعِ، والطبِّ النفسيِّ، والإعلامِ وغيرها.
4- توسيع دائرة استيعاب الخبرات : إنّنا في سباقِ لاستيعاب الشريحة المحافظةِ ؛ حتّى نكونُ أقربَ إليها من أولئك المفسدين، وحتّى نستفيد منها في خدمة الهمومِ الإصلاحيةِ المشتركة، خدمةً لقضايا الأمة .
6- مجالات العمل الدعوي:
إنّ مسيرةَ الصحوةِ بحاجةٍ إلى وقفةٍ متأنيةٍ لمراجعةِ الأداءِ فيما يتعلق بمجالاتِ العملِ الدعويِّ وما يتعلّق به من أدواتٍ لقياسِ مدى فاعليتها في خدمةِ الرسالةِ الدعويةِ الموجهةِ إلى المرأةِ ، ومن هنا كانت هذه النقاط الضرورية :
* إعادة النظر في مجالات العمل :
للدوافع التالية :
1- محدودية المجالات: والتي يمثل أكثرها نشاطا دورِ التحفيظِ النسائيةِ وغيرها .
2- نوعية الشرائح المستوعبة: إننا بحاجة لما يستوعب المتدينات وغيرهن من الشرائح .
* ضرورة الحضور في وسائل الإعلام العامة:
إنّ بروز الرجالِ المهتمين بقضيةِ المرأةِ في وسائلِ الإعلامِ العامةِ، والذين يتناولون قضيتها بالصورةِ الواسعة، لا بدّ أن يصبح من أهمِّ أولويّاتِ مسيرةِ الصحوةِ، كما نطمح أن تشكِّلَ الأسماءُ النسائيةُ الصالحةُ، حضوراً فاعلاً كذلك.
* الاعتناء بمدارس التعليم العام:
على الرغم من أن مدارسنا تذخرُ بعددٍ لا بأس به من المعلماتِ الغيوراتِ المصلحات، لكن هناك ضرورةٌ مُلِحّةٌ تدعونا إلى توسيعِ دائرةِ اهتماماتنا لضمانِ أفضل استثمارٍ لهذا الحقلِ المهمِّ لاستيعابها للفتياتِ ، وهن في أخطرِ مرحلة .
* التعليم الأهلي:
رغم قصور النواحي التربوية فيها لغلبة الوجه التجاري ، إلا أنّ هناك أمراً مهمّاً يميز هذه المدارس، وهو أنّ فيها مرونة، فيمكننا أن نضيفَ برامجَ تربويةً وأنشطةً ثقافيّةً ناضجةً، بهدفِ استثمارِها، الاستثمارَ الدعويّ الأمثلَ.
* الجمعيات النسائية:
لقد كانت بدايات هذه الجمعيات مشبوهة وقد أخذت هذه المؤسساتٍ تقدمُ للمرأةِ أنشطةً متعددةً، كدوراتِ الحاسبِ الآليِّ، و اللغات والطبخِ والأزياءِ..إلخ ، فأين الصالحات عن اقتحامِ هذه الميادينِ التي نسعى لإصلاحها ؟
7. أولويات مهمة يجبُ العناية بها:
* الوقوف في وجه التغريب:
إنّ وقوفنا سداً منيعاً في مواجهةِ مخططاتِ التغريبِ خاصة وهم يأتونا في كلِّ يومٍ بالجديدِ من صورِ وأنماطِ الحيلِ الهادفةِ لطمس الهويّة الإسلاميّة بتناولِ القضايا الاجتماعيّةِ الخاصّةِ بالمرأة.
* الاعتناء بترسيخ القيم:
هناك مظاهرِ تدل على الانحرافِ على المستوى السلوكيِّ بدأت بالانتشارِ في المجتمعِ ، كالعلاقاتِ العاطفية قبلَ الزواج ، من واجب الدعاة التحذير منها ، لكنّ الأوجبَ التحذير من تأثيرها على مستوى الثوابتِ والقيم .
* التركيز على الفئات الأكثر تأثراً:
إنّ رسالتنا يجب أنْ تستهدفَ شريحةَ الفتياتِ من طالباتِ الجامعةِ والمرحلةِ الثانويةِ والمتوسطةِ، إذ أنّهنّ في مراحلَ عمريِّةٍ تجعلهنّ من أكثرِ الشرائح الاجتماعيّةِ تأثراً.
خاتمة وتذكير:
ليس هذا كلُّ ما لدي، فضلاً من أنْ يمثّلَ كلَّ الذي ينبغي قَوْلُه حولَ هذا الموضوعِ، وهو يمثِّلُ اجتهاداً ورؤيةً شخصيةً ، وأعتقدُ أنّ قضايا المرأةِ ودعوتها أكبرُ من حجم سائرِ المتخصصين في هذا الجانبِ
أسألُ الله عزَّ وجلَّ أنْ يكونَ جهدي هذا خالصاً لوجهه الكريمِ
وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
===========
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله –
الحمد لله رب العاليين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضيين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله، وصبروا على ذلك، وجاهدوا فيه حتى أظهر الله بهم دينه، وأعلى كلمته ولو كره المشركون، وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبد وحده لا شريك له، وليعظم أمره ونهيه، وليعرف بأسمائه وصفاته، كما قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا ليعبدون) ، والعبادة: هي توحيده وطاعته مع تعظيم أوامره ونواهيه.(8/245)
ثم لما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول، كما أنه لا يمكن أن تعرف بها الأحكام من الأوامر والنواهي على التفصيل، أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأنزل الكتب لبيان الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق، ولإيضاحه وتفصيله للناس، حتى يعبدوا الله على بصيرة، وحتى ينتهوا عما نهاهم عنه على بصيرة، قال سبحانه: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )، وقد ختم الرسل جل وعلا بأفضلهم وإمامهم، وبسيدهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه وعليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم، فدعا إلى الله سرا وجهرا، وأوذي في الله أشد الأذى، ولكنه صبر على ذلك كما صبر من قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقام بأعباء الرسالة أكمل قيام، وصبر على الدعوة وعلى أذى الناس، ولم يزل داعيا إلى الله جل وعلا، مجاهدا بالدعوة، كافا عن الأذى، متحملا له ، صافحا عما يصدر منهم حسب الإمكان، ثم عندما توفي عليه الصلاة والسلام بعدما أكمل الله به الدين، وبلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، تحمل أصحابه من بعده الأمانة، وساروا على الطريق، فدعوا إلى الله عز وجل، وانتشروا في أرجاء المعمورة مجاهدين في سبيل الله عز وجل، دعاة مهتدين، وصالحين مصلحين، ينشرون دين الله، ويعلمون الناس شريعته، ويوضحون لهم العقيدة التي بعث الله بها الرسل، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه من الأشجار، والأحجار، والأصنام، وغير ذلك، فلا يدعى إلا الله وحده، ولا يستغاث إلا به، ولا يحكم إلا شرعه، ولا يصلى إلا له، ولا ينذر إلا له... إلى غير ذلك من العبادات.
وصبروا على ذلك صبرا عظيما، وجاهدوا في الله جهادا كبيرا، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وتبعهم على ذلك أئمة الهدى من التابعين وأتباع التابعين من العرب وغير العرب، ساروا في هذا السبيل، سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وتحملوا أعباءها، وأدوا الأمانة، مع الصدق والصبر والإخلاص في الجهاد في سبيل الله، وقتال من خرج عن دينه، وصد عن سبيله، فهم حملة الدعوة وأئمة الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتشر دين الله، وعلت كلمته على أيدي الصحابة ومن تبعهم من أهل العلم والإيمان، من العرب والعجم، من هذه الجزيرة جنوبها وشمالها، ومن غير الجزيرة من سائر أرجاء الدنيا، ممن كتب الله له السعادة، ودخل في دين الله، وشارك في الدعوة والجهاد، وصبر على ذلك، وصارت لهم السيادة والقيادة والإمامة في الدين، بسبب صبرهم وإيمانهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل، وصدق فيهم قوله سبحانه فيما ذكر في بني إسرائيل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). فإن بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. و بذلك يتضح لكل طالب علم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك.
ويتلخص الكلام في الدعوة إلى الله عز وجل في أمور:
الأمر الأول: حكمها وفضلها.
الأمر الثاني: كيفية أدائها وأساليبها.
الأمر الثالث: بيان الأمر الذي يدعى إليه.
الأمر الرابع: بيان الأخلاق والصفات التي ينبغي للدعاة أن يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها.
الأمر الأول:
بيان حكم الدعوة إلى الله عز وجل وبيان فضلها:
أما حكمها :
فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها: قوله سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، فبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب - كما هو معلوم - هو اتباعه، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) .
وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة، وعملا صالحا جليلا. و إذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على الجميع.
أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل.
وفي وقتنا اليوم قد يسر الله عز وجل أمر الدعوة بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر، ومن طرق كثيرة، فإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة: عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة، وعن طريق الصحافة،... ومن طرق شتى.(8/246)
فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوموا بهذا الواجب ، وأن يتكاتفوا فيه، وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله، ولا يخشوا في الله لومة لائم، ولا يحابوا في ذلك كبيرا ولا صغيرا ولا غنيا ولا فقيرا، بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله، كما أنزل الله، وكما شرع الله.
وقد يكون ذلك فرض عين إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية، فإذا كنت في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر، ويبلغ أمر الله سواك، فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك، فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ، والأمر والنهي غيرك ، فإنه يكون حينئذ في حقك سنة، وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافسا في الخيرات، وسابقا إلى الطاعات.
و مما احتج به على أنها فرض كفاية قوله جل وعلا: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ).
قال الحافظ ابن كثير عند هذه الآية وجماعة ما معناه: ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم، تدعو إلى الله، وتنشر دينه، وتبلغ أمره سبحانه وتعالى.
لكن عند قلة الدعاة، وكثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل - كحالنا اليوم - تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته، وإذا كان في محل محدود كقرية أومدينة ونحو ذلك، ووجد فيها من تولى هذا الأمر، وقام به وبلغ أمر الله كفى، وصار التبليغ في حق غيره سنة؛ لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
و بهذا يعلم أن كونها فرض عين، وكونها فرض كفاية أمر نسبي يختلف، فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام؛ لأنه وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم.
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار، حسب الإمكان بالطرق الممكنة، وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، فيجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها، فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها، كما أنه يجب على الخطباء - في الاحتفالات ، وفي الجمع ، وفي غير ذلك - أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز وجل، وأن ينشروا دين الله حسب طاقتهم، وحسب علمهم.
ونظرا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد، وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة - نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضا عاما، وواجبا على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك، أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة ، بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك؛ لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله، والتشكيك في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل، بنشاط إسلامي، وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله.
فضل الدعوة
و قد ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل العلم، ومن ذلك قوله جل وعلا: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فهذه الآية الكريمة فيها التنويه بالدعاة والثناء عليهم، وأنه لا أحد أحسن قولا منهم، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على حسب مراتبهم في الدعوة والعلم والفضل، فأنت يا عبد الله يكفيك شرفا أن تكون من أتباع الرسل، ومن المنتظمين في هذه الآية الكريمة، ومعنى الآية: لا أحد أحسن قولا منه لكونه دعا إلى الله وأرشد إليه وعمل بما يدعو إليه، يعني: دعا إلى الحق وعمل به، وأنكر الباطل وحذر منه، وتركه، ومع ذلك صرح بما هو عليه، لم يخجل بل قال: إنني من المسلمين، مغتبطا وفرحا بما من الله به عليه، وليس كمن يستنكف عن ذلك ويكره أن ينطق بأنه مسلم، أو بأنه يدعو إلى الإسلام، لمراعاة فلان أو مجاملة فلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح بحق الله، وينشط في الدعوة إلى الله ويعمل بما يدعو إليه، ويحذر ما ينهى عنه، فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم وبأنه يدعو إلى الإسلام، ويغتبط بذلك ويفرح به كما قال عز وجل: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.
فالفرح برحمة الله وفضله فرح الاغتباط، فرح السرور، أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه فهو فرح الكبر، كما قال عز وجل في قصة قارون: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ).
هذا فرح الكبر والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا هو الذي ينهى عنه..(8/247)
أما فرح الاغتباط والسرور بدين الله، والفرح بهداية الله، والاستبشار بذلك والتصريح بذلك ليعلم، فأمر مشروع وممدوح ومحمود، فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات في الدلالة على فضل الدعوة، وأنها من أهم القربات، ومن أفضل الطاعات، وأن أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة.
ومما يدل على فضل الدعوة أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " أخرجه مسلم ، فإن الداعي إلى الله جل وعلا يعطى مثل أجور من هداه الله على يديه، ولو كانوا آلاف الملايين، فهنيئا لك أيها الداعية إلى الله بهذا الخير العظيم. وبهذا يتضح أيضا أن الرسول عليه الصلاة وللسلام يعطى مثل أجور أتباعه، فيا لها من نعمة عظيمة يعطى نبينا عليه الصلاة والسلام مثل أجور أتباعه إلى يوم القيامة، لأنه بلغهم رسالة الله، ودلهم على الخير عليه الصلاة والسلام، وهكذا الرسل يعطون مثل أجور أتباعهم عليهم الصلاة والسلام، وأنت كذلك أيها الداعية في كل زمان تعطى مثل أجور أتباعك والقابلين لدعوتك، فاغتنم هذا الخير العظيم وسارع إليه.
الأمر الثاني:
كيفية أدائها وأساليبها:
أما كيفية الدعوة وأسلوبها: فقد بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله جل وعلا: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتصف بها الداعية ويسلكها، يبدأ أولا بالحكمة، والمراد بها: الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل؛ ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى: بالقرآن؛ لأنه الحكمة العظيمة؛ لأن فيه البيان والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم: معناه: بالأدلة من الكتاب والسنة.
وبكل حال، فالحكمة كلمة عظيمة، معناها: الدعوة إلى الله بالعلم والبصيرة، والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق، والمبينة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان كثيرة، تطلق على النبوة، وعلى العلم والفقه في الدين، وعلى العقل، وعلى الورع، وعلى أشياء أخرى، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: الأمر الذي يمنع عن السفه، هذه هي الحكمة، والمعنى: أن كل كلمة وكل مقالة تردعك عن السفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، وهكذا كل مقال واضح صريح، صحيح في نفسه، فهو حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله، وقد سماها الله حكمة في كتابه العظيم، كما في قوله جل وعلا: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) ، يعني: السنة، وكما في قوله سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) .
فالأدلة الواضحة تسمى: حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى: حكمة، كما تقدم، ومن ذلك الحكمة التي تكون في فم الفرس: وهي بفتح الحاء والكاف، سميت بذلك؛ لأنها تمنع الفرس من المضي في السير، إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع من سمعها من المضي في الباطل، وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحد الذي حده الله عز وجل.
فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة، ويبدأ بها، ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض تكون دعوته بالموعظة الحسنة، بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن، هكذا ينبغي لك أيها الداعية أن تتحمل وتصبر ولا تشدد؛ لأن هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو، وصبره على المجادلة والمناقشة، وقد أمر الله جل وعلا موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولا لينا وهو أطغى الطغاة، قال الله جل وعلا في أمره لموسى وهارون: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ، وقال الله سبحانه في نبيه محمد عليه الصلاة والسلام: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). أما الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع، كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله عند ذكر أخلاق الدعاة؛ لأن الدعوة مع الجهل بالأدلة قول على الله بغير علم، وهكذا الدعوة بالعنف والشدة ضررها أكثر.
إلا إذا ظهر من المدعو العناد والظلم، فلا مانع من الإغلاظ عليه، كما قال الله سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ، وقال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
الأمر الثالث:
بيان الأمر الذي يدعى إليه:
أما الشيء الذي يدعى إليه، ويجب على الدعاة أن يوضحوه للناس، كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام فهو الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو الإسلام، وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة، كما قال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) .(8/248)
فسبيل الله جل وعلا: هو الإسلام، وهو الصراط المستقيم، وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي تجب الدعوة إليه، لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ، فيجب الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو ما دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى رأس ذلك الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة، والإيمان به وبرسله، والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به ورسوله، و يدخل في ذلك أيضا الدعوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت... إلى غير ذلك.
ويدخل أيضا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة، والمعاملات، والنكاح والطلاق، والجنايات، والنفقات، والحرب والسلم، وفي كل شيء؛ لأن دين الله عز وجل دين شامل، يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد، ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق وعن سيئ الأعمال، فهو عبادة وقيادة، يكون عابدا، ويكون قائدا للجيش. عبادة وحكم، يكون عابدا مصليا صائما، ويكون حاكما بشرع الله منفذا لأحكامه عز وجل. عبادة وجهاد، يدعو إلى الله، ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله. مصحف وسيف، يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة، ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه. سياسة واجتماع، فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم، كما قال جل وعلا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا).
فدين الله يدعو إلى الاجتماع، وإلى السياسة الصالحة الحكيمة، التي تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تباعد، تدعو إلى صفاء القلوب، واحترام الأخوة الإسلامية، والتعاون على البر والتقوى، والنصح لله ولعباده، وهو أيضا يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة، وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، كما قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) .
وهو أيضا سياسة واقتصاد، كما أنه سياسة وعباده وجهاد، فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط، ليس رأسماليا غاشما ظالما لا يبالي بالحرمات، ويجمع المال بكل وسيلة وبكل طريق، وليس اقتصادا شيوعيا إلحاديا لا يحترم أموال الناس، ولا يبالي بالضغط عليهم وظلمهم والعدوان عليهم، فليس هذا ولا هذا، بل هو وسط بين الاقتصادين، ووسط بين الطريقين، وحق بين الباطلين، فالإسلام جاء بحفظ المال واكتسابه بالطرق الشرعية البعيدة عن الظلم والغش والربا وظلم الناس والتعدي عليهم، كما جاء باحترام الملك الفردي والجماعي، فأباح المال ودعا إليه، ودعا إلى اكتسابه بالطرق الحكيمة، من غير أن يشغل كاسبه عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعن أداء ما أوجب الله عليه؛ ولهذا قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ).
و قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)
والإسلام أيضا يدعو إلى الأخوة الإيمانية، وإلى النصح لله ولعباده، وإلى احترام المسلم لأخيه، لا غل ولا حسد ولا غش ولا خيانة، ولا غير ذلك من الأخلاق الذميمة، كما قال جل وعلا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ، وقال جل وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .
و قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله).... الحديث.
و قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه المؤمن) فأنت يا أخي مرآة أخيك، وأنت لبنة من البناء الذي قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية، فاتق الله في حق أخيك، واعرف حقه، وعامله بالحق والنصح والصدق.
وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانبا دون جانب، لا تأخذ العقيدة وتدع الأحكام والأعمال، ولا تأخذ الأعمال والأحكام وتدع العقيدة، بل خذ الإسلام كله، خذه عقيدة، وعملا، وعبادة، وجهادا، واجتماعا، وسياسة، واقتصادا وغير ذلك، خذه من كل الوجوه، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) .(8/249)
قال جماعة من السلف: معنى ذلك: ادخلوا في السلم جميعه، يعني: في الإسلام، يقال للإسلام: سلم؛ لأنه طريق السلامة، وطريق النجاة في الدنيا والآخرة، فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم، يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد الشرعي الصادق، فهو سلم وإسلام، وأمن وإيمان؛ ولهذا قال جل وعلا: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي: ادخلوا في جميع شعب الإيمان، لا تأخذوا بعضا وتدعوا بعضا، عليكم أن تأخذوا بالإسلام كله ، (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) يعني: المعاصي التي حرمها الله عز وجل فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله، فهو أعدى عدو؛ ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله، وأن يدين بالإسلام كله، وأن يعتصم بحبل الله عز وجل، وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال، وإياك أن توالي أخاك لأنه وافقك في كذا، وتعادي الآخر لأنه خالفك في رأي أو في مسألة، فليس هذا من الإنصاف، فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل ومع ذلك لم يؤثر ذلك في الصفاء بينهم والموالاة والمحبة رضي الله عنهم وأرضاهم.
والخلاصة:
أن الواجب على الداعية الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصبا لمذهب دون مذهب، أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه، وإن خالف رأي فلان أو فلان أو فلان، ولما نشأ في الناس من يتعصب للمذاهب، ويقول: إن مذهب فلان أولى من مذهب فلان، جاءت الفرقة والاختلاف، حتى آل ببعض الناس هذا الأمر إلى أن لا يصلي مع من هو على غير مذهبه، فلا يصلي الشافعي خلف الحنفي، ولا الحنفي خلف المالكي ولا خلف الحنبلي، وهكذا وقع من بعض المتطرفين المتعصبين، وهذا من البلاء ومن اتباع خطوات الشيطان، فالأئمة أئمة هدى: الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأشباههم كلهم أئمة هدى ودعاة حق، دعوا الناس إلى دين الله، وأرشدوهم إلى الحق، ووقع هناك مسائل بينهم، اختلفوا فيها؛ لخفاء الدليل على بعضهم، فهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهد أخطأ الحق فله أجر واحد، فعليك أن تعرف لهم قدرهم وفضلهم، وأن تترحم عليهم، وأن تعرف أنهم أئمة الإسلام ودعاة الهدى، ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ودينك، فتأخذ بالحق وترضى به، وترشد إليه إذا طلب منك، وتخاف الله وتراقبه جل وعلا، وتنصف من نفسك، مع إيمانك بأن الحق واحد، وأن المجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد - أعني: مجتهدي أهل السنة أهل العلم والإيمان والهدى - كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المقصود من الدعوة والهدف منها :
أما المقصود من الدعوة والهدف منها : هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به، وينجو من النار، وينجو من غضب الله، وإخراج الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم، والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة، كما قال جل وعلا: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) .
الأمر الرابع:
بيان الأخلاق والصفات التي ينبغي للدعاة أن يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها:
أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم منها:
أولاً: الإخلاص: فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) ، وقال عز وجل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّه) .
ثانياً: أن تكون على بينه في دعوتك - أي: على علم - لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ).
فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقوله على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله ، فعلى طالب العلم وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلا أو تركا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة.
ثالثاً: أن تكون حليما في دعوتك، رفيقا فيها، متحملا صبورا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك، كقوله جل وعلا: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقوله سبحانه : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) ، وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) .
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في الصحيح.(8/250)
فعليك يا عبد الله، أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفرهم من الدين، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليما صبورا، سلس القياد، لين الكلام، طيب الكلام؛ حتى تؤثر في قلب أخيك، وحتى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها، ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفر لا مقرب، ومفرق لا جامع.
و من الأخلاق والأوصاف التي ينبغي - بل يجب - أن يكون عليها الداعية: العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين، نعوذ بالله من ذلك.
أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) ، وقال سبحانه موبخا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه)، هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك.
ومن الأخلاق الفاضلة أن يدعو لهم بالهداية فيقول للمدعو: هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل عن (دوس): إنهم عصوا، قال: (اللهم اهد دوسا وائت بهم) ، وعليك أن تصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس، ولا تقل إلا خيرا، لا تعنف ولا تقل كلاما سيئا ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
و تصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لحسن الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله و أصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
==========
حكمة الداعي وأدب المدعو
اسم المحاضر : الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله –
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه ، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى إلى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن التذكير بالله والدعوة إليه سنة المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فقد بعثهم الله دعاة للحق وهداة للخلق ، مبشرين ومنذرين ،لإقامة الحجة ورفع المعذرة كما قال الله تعالى : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) . وقال جل وعلا : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ).
وهكذا خلفاؤهم من أهل العلم و ورَّاثهم ، هذا طريقهم وسبيلهم ؛ الدعوة إلى الله تعالى ، والتذكير به والتبشير والإنذار لغيرهم .
فالله خلق الخلق لعبادته وأرسل الرسل لتبين ذلك وتدعوا إليه ، قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فالثقلان الجن والإنس خلقوا ليعبدوا الله ، وهذه العبادة هي حق الله على عباده المكلفين من جن وإنس ، ثم بعث الله الرسل ليبينوا هذه العبادة ويدعوا إليها ويشرحونها للناس ، وأنزل الكتب لهذا الأمر ، وكان أعظمها وأفضلها وأكملها وخاتمها القرآن العظيم ، فيه بيان الهدى وطريق السعادة ، فيه بيان ما يرضي الله وما يقرب إليه من أقوال وأعمال ومقاصد ، وبيان ما يغضب الله وما يبعد عن رحمته.
فجدير بكل مؤمن ومؤمنة التدبر لكتاب الله والإكثار من تلاوته لمعرفة ما فيه وللعمل بما دل عليه، كما قال تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) وقال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ).
فجدير بنا جميعا الرجال والنساء ، العلماء وغير العلماء التدبر لكتاب الله والعناية به لمعرفة الحق و اتباعه ، ولمعرفة ما يقرب إلى الله فنعمل به ، ومعرفة ما يغضب الله ويباعد من رحمته حتى نجتنبه ، وحتى نقوم بالدعوة إلى الخير وإلى كف الشر على بصيرة وعلى علم .
فالرسل – عليهم السلام - بعثوا لهذا الأمر قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ، وكذلك الكتب أنزلت لهذا الأمر قال تعالى : ( كتاب فصلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله ) .
وعنوان كلمتي ( حكمة الداعي وأدب المدعو ) قد اخترته لأن الحكمة من الداعية لها شأن عظيم، فمن الحكمة مثلا أن يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة والأسلوب المناسب حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح .(8/251)
إن من أسماء الله تعالى ( الحكيم العليم ) لأنه سبحانه يضع الأمور مواضعها عن علم ،فقد قال تعالى : ( إن ربك حكيم عليم ) فهو يعلم الأشياء على ماهي عليه، ويضع أفعاله وأحكامه على ما هو لائق ومناسب لمنفعة وصلاح العباد .
فهو سبحانه عليم حكيم في قوله وعمله ، وفي أمره ونهيه ، فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء، ويضع الأعمال والأقوال مواضعها ، وهذا الوصف إنما يصدق على الله تعالى فقط دون غيره .
إذن من حكمة الداعي أن يدعو الله على علم ، فيكون عنده علم ، لأن الحكمة هي العلم كما قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) أي : بالعلم ؛ قال الله وقال رسوله .
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب والبيان المناسب ، وأن يخاطب كل قوم بما يفهمون ويعقلون ، قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) فالحكمة معناها العلم ، والموعظة الحسنة : هي الموعظة التي تلين القلوب وتقربها لقبول الحق ، وجادلهم بالتي هي أحسن : أي ليس بالعنف والشدة بل بالتي هي أحسن، وذلك حتى يقبلوا الحق ، قال الله تعالى في أهل الكتاب : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) وهم اليهود والنصارى ، إلا من ظلم منهم فهذا له شأن آخر .
وقال الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) لنت لهم : أي للمدعوين .
وقال تعالى لموسى وأخيه عندما أرسلهما لفرعون : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ).
وهذا لاسيما في عصرنا هذا ، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أهم المهمات ، في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص ، وذلك لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الحق ، فبالشدة يُنفر منك ، ويُبتعد عنك ، ولا يقبل أي أحد إلا من رحم الله .
إذن المطلوب من كل داعية أن يختار الألفاظ المناسبة ويتحراها ، مع الأخذ بالرفق وليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : ( من يُحرم الرفق يحرم الخير كله ).
ثم إن لكل مقام مقال ، فعلى الداعي أن ينظر لحاجة المجتمع الذي يتكلم فيه ، وينظر لما فشي فيه من منكرات ، فيعالج تلك الأمور بالأدلة من الكتاب والسنة .
وعليه أن يرفق بمن سأل أو طرح شبهة ، حتى يوضح له الحق ، وحتى تزول الشبهة ، إذ أن المقصود هو هداية الخلق ، ودعوتهم للخير ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وليس المقصود إظهار علمك أو توبيخهم وإظهار جهلهم .
والواجب على كل داعية الأخذ بالطرق والوسائل التي تؤدي لهذا الأمر ليحصل منها المنفعة بإذن الله .
وكذلك المدعو له آداب :
منها الإنصات والإقبال على ما يسمع من الدعوة ليستفيد ويفهم .
ومنها إخلاص النية ، فيكون قاصدا الفائدة ونيل العلم والمعرفة .
ومنها أدب السؤال إذا سأل .
هذا كله من أدب المدعو : الإنصات والإقبال على الناصح ، والإخلاص في ذلك ، والرغبة في طلب الحق ، والعزم على فعل الخير ، والأخذ بالنصيحة ، قال الله تعالى : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ).
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه على الدعوة ، وأن يريد بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة ، وأن يؤسس في قلبه ونيته قبول الحق والعمل به متى عرفه ، ومحاربة الهوى والشيطان.
وهنا أود التنبيه على أمر من أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائما : ألا وهو أمر إخلاص العبادة لله وحده ، وأن يحاسب العبد نفسه ، حتى تكون جميع أعماله وأقواله لله وحده ، وأن يكون هدفه هو طاعة الله ورسوله وإرضاؤه.
فإن أصل الدين وأساسه هو توحيد الله تعالى والإخلاص له ، قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) .
( وقد ختم الشيخ – رحمه الله – محاضرته بالتحدث عن عدة نقاط منها : إخلاص التوحيد لله وحده سبحانه ، وأنه أساس دعوة الرسل ، وحذر من الشرك بجميع أنواعه ، ثم على كل مسلم أن يؤدي الحقوق التي عليه من صلاة وصوم وزكاة وبر للوالدين وصلة للرحم وغيرها ، وعليه أن يترك كل ما يغضب الله عز وجل ، وأخيرا تحدث عن فضل العلم بالكتاب والسنة ، وبيان أهميته، ووجوب التفقه في الدين ) .
============
طريق الدعوة الإسلامية.
للمؤلف: جاسم بن محمد الياسين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً:
أسرار في العمل الإسلامي.
مقدمة:
الإنسان مطلق إنسان يبحث عن الأسرار في القديم والحديث، ولكن حقيقة البحث تختلف من إنسان لآخر كل حسب اهتماماته، فهذا إنسان يبحث في أسرار الكون والحياة وعلاقة الإنسان بها، وذاك آخر يبحث في أسرار الناس وحياتهم الخاصة وهكذا الناس.
وفي هذا المبحث سنتطرق إلى بعض الأسرار المتعلقة بالدعوة إلى الله عزوجل.
... وقد يطرح سؤال لماذا البحث في الأسرار الخاصة بمصلحة الدعاة؟ فالجواب هو ماقاله الأقدمون:
"همك على قدر ماأهمك، خواطرك من جنس همك".
فهذه قاعدة مستمرة في حياة البشر لها واقعها الملحوظ على كل صنف واتجاه، فاهتمامات الإنسان تأتي من تفكيره في محبوبه، ومامن شيء أكثر تفكيرا وحباً لدى المسلم من الإسلام وقضاياه، والإناء الذي يحمله، وهذا الإناء هو الذي يجب أن يأخذ الحظ الوافر في تفكير أهل الدعوة، فالإسلام كمباديء ونظم موجودة في الكتاب والسنة وشروحها وقد تكفل الله بحفظهما من التحريف، قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". سورة الحجر (9).(8/252)
... فظل المنهج الإسلامي نقيا صافيا ينتظر من يحمله، وفق حكمة الله التي اقتضت ألايتحقق الإسلام بمعجزة خارقة للعادة، بل يتحقق وفق الجهد البشري الذي خلق الله البشر عليه، على أن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى قد تشابكت قضاياها وتداخلت، لهذا الأمر ولغيره من القضايا التي تشابكت على أصحاب الدعوة كان التفكير المستمر، وكانت هذه الكلمات التي لا تعدو أن تكون نظرات وتأملات للخطأ والصواب.
والله نسأل السداد والتوفيق.
أسرار نبوح بها للدعاة.
أولاً: أسرار في العمل الصالح:
إن للعمل الصالح طرقاً كثيرة، بينها الكتاب ووضحتها السنة، وليس موضوع البحث تفصيلها، بل التطرق إلى بعض من أسرار هذا النوع من العمل التي يغفل عنها كثير من الناس، وهم بذلك يظنون أن لهم رصيداً كبيراً من الأعمال فإذا أتوها يوم القيامة وجدوها سراباً لاحقيقة لها –والعياذ بالله- ولهذا الأمر ولأهميته نذكرهذه الأسرار تعداداً:
(1) الإخلاص في القصد والعمل مع موافقة الشرع في الأعمال.
(2) العمل بالخفاء.
(3) الاعتزاز بالعمل الصالح.
ثانياً: سر فعالية وتأثير السيرة:
... من الأسرار العجيبة في السيرة أن الإنسان عندما يسرح في قراءتها متنقلاً في رياض سيرة ابن هشام، خائضاً معارك وغزوات باشميل، وقفا عند مامتاز به الإمام الممتحن...وغيرها من الكتب، أقول عند القراءة في هذه الكتب وأمثالها، وتقشعر الأبدان فإذاالدموع الساخنة تتلألأ على سبحات الوجه، وقوة عظيمة تحرك الوجدان لتبعث فيه نفحات حب العمل والتضحية، وإذا بأحلام اليقظة تأخذ بالقاريء إلى حيث المواقف التي يعيش فيها من خلال قراءته، وهكذا تفعل السيرة في حياة الناس من مستمع وقاريء فما السر في ذلك؟
ولماذا لانرى المستمع للقرآن والباحث في الحديث والمقلب لأمهاته يتأثر التأثر السابق الذي ذكرناه؟؟
إنه أمر لابد من الوقوف والتأمل فيه، ولذلك كان لابد أن نفكر: هل في ذلك تعارض مع ماأخبرنا به الرب تبارك وتعالى عن القرآن أنه "لاريب فيه هدىً للمتقين" سورة البقرة(2).
وقوله: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" سورة الحشر(5).
وغيرها من آيات الذكر الحكيم التي تبين أثر القرآن الكريم!!
... عند التحقيق يتضح أنه ليس هناك تعارض بل هو سر لابد من فهمه وهو: "أن السيرة النبوية, ومواقف الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ماهي إلا الترجمان الحقيقي العملي لآي الفرقان العظيم، فأخلاقيات وسلوكيات الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ليست منفكة عن المحجة البيضاء بل هي التطبيق والإمتثال لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن"، وقس على ذلك بقية السيرة فالتأثر بالسيرة إنما هو في حقيقة الأمر عيش مع الآيات والأحاديث في تطبيقها العملي الذي من أجله نزلت، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كنا لانتجاوزالعشر الآيات من القرآن حتى نحفظها ونطبقها..." .
ثالثاً: سر تأخر النصر عن الحركة الإسلامية:
... لتأخر النصر عن الحركة الإسلامية عدة أسباب، نذكرها تعداداً:
1- نقص النضج القيادي في الحركة الإسلامية.
2- نسيان الضابط الشرعي.
3- عدم متابعة العمل عند التكليف به.
4- عدم معرفة حقيقة العهد المكي الذي تقول الحركات الإسلامية بأنها تعيشه في مسيرتها وخطواتها.
5- الاعتماد على الجهد البشري.
رابعاً: أسرار في قواعد العمل الإسلامي:
القاعدة الأولى:
سر الترابط بين الغاية والوسيلة:
... في كل عمل منظم لابد من وضع لوائح ونظم لتسيير العمل لمصلحة الدعوة، وهي التي تسمى بالإداريات، وتختلف هذه الإداريات من حيث الكثرة والتعقيد حسب اتساع العمل ونمائه الأفقي والعمودي، وإلى هذا الأمر فلا إشكال ولا اختلاف في وجهات النظر، ولكن عند طرح السؤال الآتي يكون الاختلاف في وجهات النظر، "هل الضوابط الإدارية وضعت لذاتها، وهي غاية في نفسها، أم هي وسيلة للغاية؟" فتتباين وجهات النظر، فيتم الاتفاق على أنها وسيلة من الوسائل، ولكن لابد من جعل هذه الضوابط الإدارية مرنة لأن هذه الضوابط إنما وضعناها بأنفسنا ولمصلحتنا فلا يمنع من أن نغيرها متى اقتضت المصلحة ذلك.
القاعدة الثانية:
معرفة سبيل المجرمين:
... لابد لأصحاب الحركة الإسلامية من معرفة الجاهلية وطرقها وأساليبها، وكيفية تفكيرها، ومن سبل المجرمين على سبيل المثال:
1- إخراج الجماعة من الطريق المستقيم الوسط.
2- توظيف الجماعة الإسلامية في إجهاض الحركة الإسلامية ذاتها عن طريق سبل المجرمين الكثيرة.
القاعدة الثالثة:
حتمية التأمير:
... وهذه بدهية من البدهيات وحقيقة مسلم بها لدى أبسط الناس وأقلهم فهماً في أوليات الإسلام.
... أما من حيث الشرعية فنقول: من المسلم به عند جميع المسلمين الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، وقد داوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعث السرايا وأمر عليهم في كل مرة، ولم يترك هذا الأمر ولم يتركه من بعده من الخلفاء، ولو جاز تركه لفعله صلى الله عليه وسلم مرة تعليماً لنا على الجواز، ولكنه لم يفعل.(8/253)
... وأما من حيث خطورة منهج هؤلاء على أنفسهم وعلى مجموعة القوى العاملة للإسلام فنقول: إن هؤلاء قد قاموا بما تقوم به أجهزة الرصد لمحاربة الحركات الإسلامية من غسيل للمخ، فجلسوا مع أنفسهم وحصروا تفكيرهم فيما بينهم وبدءوا يقرؤون النصوص ويفهمونها حسب ما لديهم من قناعات وخلفيات، وهكذا سهلوا على المجرمين ما أرادوه، وهؤلاء إن استمروا على هذا المنوال فسيؤول الأمر بهم إلى تصرفات هستيرية تدمرهم وتدمر من حولهم من الاتجاهات الإسلامية، فيفوز بها المحاربون للدعاة.
القاعدة الرابعة:
الداعية لايغير مبادئه:
... مع تتبع النظر وتقليبه في واقع بعض الحركات الإسلامية نرى أنها: كثيراً ماتغير بعضاً من مبادئها مع تغييرها لمواقع دعوتها، ويكفي في هذا الأمر خطورة أنه مخالف لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان صلى الله عليه وسلم يتغير مكانه ومنصبه ومع ذلك لم يتخل عن شيء من مبادئه قيد أنملة، وهكذا يجب أن تكون الحركة الإسلامية.
القاعدة الخامسة:
الداعية يذكر الدوافع كلها:
... من الأمور التي قد نراها في بعض الدعاة إمتطاء ظهر الدعوة بدافع نصرة الإسلام وإظهار شرائعه وإصلاح المجتمع وإخفاء الدافع الحقيقي، فهناك نسيان لدافع كامن بالنفس البشرية، وهو تحسين الوضع الاجتماعي وتأمين المستقبل، لذلك فإنه يجب على من يتصدر للحركة الإسلامية أن يصدق مع الله ويعلم أنه يتعمل مع رب يعلم السر وأخفى سبحانه.
القاعدة السادسة:
مبدأ الموالاة ليس حصراً على أفراد جماعة بعينها:
... مما تناساه كثير من أصحاب الحركة الإسلامية: أنهم جسد واحد، يفرح بعضهم لأفراح بعض ويحزن لمصائبه، ولكن مما يحز في النفس ذهاب هذا المبدأ الأصيل من حس وشعور بعض أفراد الحركة الإسلامية، فنرى العجب العجاب، حيثما وفق الله جماعة من الجماعات لعمل يعود على الإسلام والمسلمين بالخير نرى جماعة أخرى إن استطاعت أن تقلل من أهمية هذا العمل فعلت، وصور ذلك كثيرة نراها ونسمعها من حولنا فلا حول ولاقوة إلا بالله.
القاعدة السابعة:
إثبات الحق لأهله:
... أهل الدعوة لاينسون الفضل لأهله في زحمة العمل الإسلامي ومناشدة الأحسن للدعوة، ولكن في الحرص على السرعة في الوصول للهدف تنسى طاقات أهل الفضل التي كانت تواصل الليل مع النهار، ولكنها لم تنل حظاً وافراً من الشهادات العالية أو الوجاهات الاجتماعية والمادية، وبذلك يخطيء أصحاب الحركة الإسلامية لأنهم سيكونون قد نسوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم ينس فضل زيد وابنه أسامة رضي الله عنهما.
القاعدة الثامنة:
الدعاة متكافلون فيما بينهم:
... الناظر في واقع الناس يرى أن كل دعوة من الدعوات قد أمسكت بمكبر صوت وقالت:"من يقترب منا ويخضع فلا يخش ظلماً ماأقام" وهذا هوداء الأنانية الذي كرهه صلى الله عليه وسلم، فكفى يادعاة الحق ركضاً وراء الشهرة وانبطاحاً في سراب المجد الخادع، وهلموا إلى دين يقول فيه ابن عباس: وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله، إلى دين يقول فيه الشافعي: ماجادلت أحداً إلا وتمنيت أن يكون الحق على لسانه، إلى دين لانرى فيه صاحب الدعوة الإسلامية يكشر عن أنيابه على من معه في ظل الدعوة إذا اختلف معه، وبذلك نكون غافلين عن قوله تعالى: "أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين"سورة المائدة (54).
خامساً: أسرار في أسباب السقوط من قطار الدعوة إلى الله:
هناك عدة أسباب نعدد منها مايلي:
1- الكبر: وهذا داء فتاك حذرت منه الشرائع، وكثرت فيه الأحاديث والأقوال عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فمن المتفق عليه أن السبب الرئيسي في سقوط إبليس من منزلة الملائكة: هو الكبر وقد ورد في ذلك قوله تعالى : " قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها" سورة الأعراف (13).
2- الخوف على الأولاد والأهل والنفس والرغبة في معونة الجاهلية.
3- العلم: فمن يأتي إلى قطار الدعوة ويأخذ في أساليب العلم والمعرفة تراه ينبهر بأول شعاع من نور المعرفة، ويظن أنه قد حصل على خزائن العلم وأمسك بمفاتحها، ويبدأ الغرور يدب إليه، فيبدأ بالاستنباط والإفتاء فقد ينحرف عن الطريق الصواب فيكون العلم وبالاً على صاحبه كما قال تعالى: "أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه وأضله الله على علم" .
4- افتراض الصواب المطلق في الرأي الشخصي: من المعروف أن الداعية النشط في الجماعة هو الذي يبادر برفع الآاراء واقتراح الأسباب الناجحة لسير العمل، والعيش مع الدعوة في مشاكلها وصراعاتها، وإلى هذا الحد فالأمر طبيعي بل والسير فيه ممدوح، ولكن بغفلة عن الضوابط الشرعية بسبب زحمة العمل، وتكالب الجاهلية، نرى بعض الدعاة بحسن نية يعرض الرأي ويتعصب له، فإذا تداركته رحمة الله رجع إلى أسسه التي تربى عليها وفهم حقيقة الاقتراح، ورجع إلى القاعدة الأصولية التي تقرر أن الخطأ لايكون صواباً مع حسن النية، وقول العلماء المحققين"قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب" فإن لم يرجع إلى هذه الأصول فسيكون هذا التعصب بداية السقوط!!.(8/254)
5- طول الجهاد وتأخر النصر: الناظر في المنهج القرآني يرى أن هناك قضية يجب على الدعاة أن يجعلوها دائماً نصب أعينهم هي: " أن المطلوب منهم هو الجهاد والحركة عند إيمانهم بهذا المنهج إلى أن يتوفاهم الله سبحانه" أما النصر فهو من أمر الله إن شاء جعله في عصرهم وعلى أيديهم، وإن شاء أمضاه على أيدي الأجيال من بعدهم، ولكن مع زحمة العمل ينسى الإنسان هذا الأمر فلا يلقي من يثبته فتبدأ قدمه بالانزلاق، فإذا رأى الدعاة هذا الأمر وطال بهم الأمد بدأ الإنهيار يدب في صفوفهم، وبدأوا يتساقطون في الطريق مالم تكتنفهم عناية الله سبحانه بتسخير قادة الخير لمتابعتهم وتوجيههم.
ثانياً:
عوائق وعلاجات في طريق الدعوة.
المقدمة:
... الحمد لله رب العالمين، أرسل الرسل دعاة للعالمين، وبشر المهتدين الطائعين بجنة النعيم،
وأنذر الضالين المبتدعين بعذاب أليم، ختم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم الأمم، وشرفهم بخاتم الأنبياء وسيد الرسل صلى الله عليه وسلم.
... وبعد:-
... فإن الداعية لن ينفك بين جذبين: جذب إيمانه ونيته وهمته ووعيه وشعوره بمسؤوليته، وجذب الشيطان من جهة أخرى، وتزيينه الفتور وحب الدنيا.
... فكان بعذ ذلك لزاماً علينا في مثل هذا المبحث أن نتحدث عن قضية مهمة في الحركة الإسلامية وهي:
العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية.
...
... وتأتي أهمية معرفة العوائق، وضرورة مدارستها من عدة أمور منها:
1- أن هذه المعرفة هي الطريق لتحقيق النصر.
2- أن المجتمع المسلم لايبنيه إلا أصحاب الحركة الإسلامية.
3- أن النظر بالعوائق ومعرفتها ليتجنبها الدعاة منهج سلفي أصيل.
4- أنه السبيل إلى إتمام البناء الإسلامي الشامخ.
5- وحتى لايخدع أصحاب الدعوة والحركة الإسلامية فتنخر بهم دابة البشر من حيث لايشعرون.
... وبعد معرفة أهمية دراسة العوائق لابد من الوقوف عند صاحب الموضوع الذي تتحدث عنه وهو الدعوة والداعية:
تعريف الدعوة:
... لغة: يقول صاحب القاموس المحيط: دعا ودعاء ودعوى، أي الإمالة والترغيب.
... اصطلاحاً: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به. الفتاوى (15/157).
مصادر الداعية:
1- القرآن الكريم.
2- السنة النبوية.
3- سيرة السلف الصالح.
4- استنباطات الفقاء. ... ... ... ...
5- التجارب.
ضوابط الدعوة:
... أولاً: وضوح الغاية في أعماق الداعية حتى لا يزيغ به الهوى أو تنحرف له رغبة.
... ثانياً: سلامة الوسيلة وضمان مشروعيتها.
... ثالثاً: القدوة الحسنة.
... رابعاً: قواعد عامة فيمن يعمل على إزالة المنكر وأهم هذه القواعد:
... القاعدة الأولى: الإيمان لمن يتولى هذه المهمة.
... القاعدة الثانية: الاستقامة في المزيل للمنكر والرفق واللين.
... القاعدة الثالثة: القدوة في تغيير المنكر.
... القاعدة الرابعة: أن يكون المنهي عنه منكراً.
... القاعدة الخامسة: أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسس.
... القاعدة السادسة: ألا يسبب الإنكار منكراً أكبر منه.
... وفي نهاية هذه المقدمة نقول: إن الدعاة في العمل الإسلامي إذا لم يتعرفوا على العوائق التي تعترضهم في الطريق، ويعملوا على تلافيها ومعالجتها فإنهم سيرون في دعوتهم وبنائهم صعود المنكرات وتمكين أهل البدع، وتوسيد الأمور إلى غير أهلها، فيصدق قول الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: "إذا رأيتم اليوم شيئاً مستوياً فتعجبوا". رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص (113).
المعوقات الداخلية للحركة الإسلامية.
العائق الأول: وجود المنشقين عن جسك الحركة الإسلامية:
... ... وهذا العائق الضخم إنما يأتي من أمور لابد من ذكرها:
... 1- الإشاعة.
... 2- غياب معنى الحب والإعتراف بالود.
... 3- عدم الحركة والعمل من قبل المنشقين.
... 4- الاشتغال بالغيبة والنميمة والغمز واللمز.
... 5- التحدث في المجالس العامة والخاصة بأخطاء الدعاة والقيادات.
العائق الثاني: ضعف الرابط بين القيادة والقاعدة من حيث الثقة والصلة:
... وهناك أسباب قد تؤدي إلى ضعف الرابط يجب الحذر منهاوهي:
... 1- سوء الظن من الطرفين.
... 2- طلب القيادة للإمارة والحرص عليها.
... 3- عدم إنصاف القاعدة للقيادة.
العائق الثالث: ضعف الروح العلمية في الحركة الإسلامية:
... صور الضعف:
... 1- النظر إلى الأمر لا باعتبار الحق الذي فيه بل باسم وشخص من يقول.
... 2- عدم الحرص على الازدياد العلمي.
... 3- الغفلة عن التأصيل الشرعي لأعمال الحركة اليومية.
العائق الرابع: شبه العزلة عن قوى الشعب:
... وهو عدم انفتاح الحركة ودورانها في داخلها وهذه آتية من:
... 1- عدم فهم قضية الاستعلاء الإيماني وكون المسلم متصل بجسمه منفصل بروحه.
... 2- اليأس من استجابة الجماهير باعتبار أن الجماهير يصفقون لكل حاكم، ورميهم بالفسق.
... 3- مطالبة الجماهير بما يطالب به أصحاب الحركة.
... 4- عدم التفريق بين الثبات على الأسس والقواعد والضوابط ومفهوم تجديد الأساليب والتحرك.
... 5- عدم مشاركة الجماهير في احتياجهم وأعمالهم.
العائق الخامس: حب الدنيا وتعظيم الذات:
... ولهذا الأمر كان تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الوهن الذي هو"حب الدنيا وكراهية الموت"، وهذا العائق هو الفتور إلى البدعة بعد نشاط الدعوة والتراخي بعد الجد والجنوح إلى الكسل والسكون، وحب الدنيا هذا هو الطريق بعد ذلك إلى حب الذات المتمثل في حب البروز والبحث عن الأضواء.
العائق السادس: ضعف التخطيط:(8/255)
... إن الحركة لاتدع نفسها للظروف والمصادفات تسيرها سيراً عشوائياً، تعمل مالا تريده، وتريد مالا تعلمه، وتدفع دفعاً إلى السير في غير طريقها، ولكن يجب أن تسير في خط واضح المعالم، محدد المراحل، بين الأهداف معلوم الوسائل، على أن هذا التخطيط يكون بقدر الاحتياج مناسباً للمرحلة متناسباً مع المرحلية زيادة ونقصاً، لأن كثرة التخطيط من غير احتياج ستحول الإسلام إلى ترف فكري ومعرفة ذهنية باردة جدلية، ويصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ماضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".صحيح الجامع (5509).
العائق السابع: إثارة الشبهات على الدعوة والدعاة في أوساط الدعاة:
... المراد بالشبهة:
... هي مايثير الشك والارتياب في صدق الداعي، وحقيقة مايدعو إليه،فتمنع المدعو من رؤية الحق والاستجابة له، كما أنه غالباً ماترتبط إثارة الشبهة بعادة موروثة، أو مصلحة قائمة، أو شهوة دنيوية، فتتأثر النفوس الضعيفة المتصلة بهذه الأشياء، وتجعلها حجة وبرهاناً تدفع الحق.
... مراد مثيري الشبهات:
... يحتج الكثير ممن يثيرون الشبهات حول الدعوة والدعاة، أن هذا من قول الحق، وإنكار المنكر!! وهم في الغالب ليسوا كذلك، إذ يقترن بقولهم الحق الذي يزعمون الكثير من المفاسد التي تشير إلى أن هدفهم هو الفضيحة لا النصيحة...!!
... أصول رد الشبهات:
... الأصل الأول: الإحتكام إلى الكتاب والسنة "ومااختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله".
... الأصل الثاني: إن كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
... الأصل الثالث: أن رجالات الدعوة ليسوا مجرد علماء يلقون الدرس على طلبة العلم، ويحققون المسائل العلمية، ولكنهم رجال أبصروا تضعضع الأمة الإسلامية وتأخرها بعدها عن دينها إلى غير ذلك مما تعانيه الأمة الإسلامية فأخذوا على أنفسهم بعد توفيق الله أن يعيدوا بناء الأمة من جديد ببناء الشخصية الإسلامية، والجماعة الإسلامية التي تعيد للأمة أصالتها وحيويتها وخيريتها.
العائق الثامن:الضعف في الإهتمام التربوي:
... 1- التوسع العددي مع عدم وجود القاعدة الصلبة.
... 2- عدم اعتماد المرحلية والتدرج في الخطوات.
... 3- الاستعجال واعتساف الطريق.
... 4- عدم القدرة على الاحتفاظ بالأعضاء.
العائق التاسع: محاولة ادخال الدعوة في عموميات العوام:
... بات من المقرر عند الدعاة أن هناك قواعد أثبت الواقع والفهم السليم أنه لاخلاف عليها نحو:-
... أ- أن مهمة الدعوة إدخال الملك في دين الله لادخول الدعوة في دين الملك.
... ب- أنه لا إلتقاء مع المخالفين في أصول الدين في منتصف الطريق.
العائق العاشر: حب الدعاة والتعلق بهم لدرجة عمى العيون والأبصار والافتتان بهم:
... قديما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مبيناً منهج معرفة الحق: "لايعرف الحق بالرجال بل يعرف الرجال بالحق، اعرف الحق تعرف أهله"، وهذه القاعدة تظل مستمرة مالم يحدث الغبش والافتتان.
... فعندما يفتن الإنسان بشيخه لايرى عيبه، بل الأكثر من ذلك أن ينظر إلى شذوذ شيخه على أنه قاعدة علمية، على الناس أن يأخذوا بها، والله الهادي إلى سواء السبيل.
العئق الحادي عشر: نسيان قاعدتي القبول – الإخلاص وموافقة الشرع:
... كثرة الإنتصار، وتصفيق المؤيدين هذه وأمثالها تنسى الداعية الضوابط الأولى التي كان يرتكز عليها في بداية الطريق.
العائق الثاني عشر: حلاوة المظهر وخداع البصر:
... هذا المرض عادة عند صاحب الاحتياج، فالمحتاج إلى الماء يظن السراب ماء، وغيرها من الصور التي نراها في حياتنا، وهذه خطورتها تقل لكونها طبيعية وتأثيرها فردي أما التي تمثل خطراً على الدعوة الإسلامية هي تلك التي يصطنعها أعداء الله ليخدعوا بها الحركة، فحذار من هذا المرض الخبيث، فالمريض الذي يعرف مرضه من أول الأمر يمكنه بعون الله معالجته، أما الخطورة فتتجسد عندما لايكتشف المرض إلا في نهاية مرحلته التي لاينفع فيها العلاج لاقدر الله ومن أمثلة هذه الصورة مايظنه الكثير من المسلمين في البلاد التي تنتشر فيها المظاهر الإسلامية أنهم على الخير، وأن الأحزاب الباطلة كالشيوعية والماسونية وغيرها من الاتجاهات اللادينية محاربة، ومقضي عليها، فلذلك لسنا بحاجة إلى حركة إسلامية، فالناس بخير، والمساجد منتشرة والجمع قائمة.
العائق الثالث عشر: سقوط قيادة العمل الإسلامي في الدنيا وحبها:
... إن قيادة العمل الإسلامي تكليف وتعب وجهد أكثر مما هي تشريف وهي مغرم وليست مغنما هذه حقيقة يعرفها الجميع ولكنها تخفى على الجميع في لحظات إقبال الدنيا وبهرجها وزينتها.
العائق الرابع عشر: ظهور مفاهيم مغلوطة من جراء نظرات ضعيفة محصورة:
... لتوضيح هذا الموقف نذكر هذه الصور:
... الصورة الأولى:
... انقسم أهل الدعوة على رأيين: هل الحركة الإسلامية حركة تغييرية أو إصلاحية؟ وفي هذا المجال نقول لاخلاف بين الفريقين، فالحركة الإسلامية إصلاحية في مجال الإصلاح, وتغييرية في مجال التغيير.
... الصورة الثانية:(8/256)
... يدور الحوار بين أصحاب الحركة الإسلامية حول أسلوب العمل الأصلح، هل البناء والتركيز في الصياغة الفردية لإنسان الحركة الإسلامية؟؟ أم العمل الجماهيري العام والتوعية الإسلامية الوعظية؟؟، ويحمي النقاش بين أنصار كل فريق من الفريقين، وفي هذا نقول لامبرر للصراع إذا كان الاتجاهان يكمل أحدهما الآخر حيث إنه لابد من صياغة الفرد الرباني الذي يحمل الرسالة ويقوم بالتغيير، كما أنه يلزم وجود الجماهير المسلمة الواعية التي ترضى بتوجيه الفرد الرباني عن قناعة وإيمان، وإن لم يكن هناك استعداد لتحمل الرسالة وتبعاتها، وهذا التوافق بين الرأيين كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
... الصورة الثالثة:
... بماذا نتحدث وماذا نكتب؟؟ حوار يدور مع كل خطبة ومع كل كتاب ورسالة، فإلى هؤلاء نذكر واقع النبي صلى الله عليه وسلم الشمولي في البيان والحديث والتوجيه، فالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يسير الجيوش لقتال الكفار، هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يداعب الصبيان، هو الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس مع المرأة فيشرح لها عن خصائص نفسها في أدق أمورها وحكم شرع الله فيها، ولم يكن ذلك ينقص من اهتماماته الأخرى، فإلى إخواننا الذين نحبهم في الله، إلى المعتمدين على جهودهم وعقولهم، نقول "لا إفراط ولا تفريط" فكما تهتم بالبيان السياسي، والتوجيه الاقتصادي، اهتم بالحكم الفقهي، واعلم أن علماء المسلمين الذين كتبوا بالأحكام السلطانية هم الذين كتبوا بالطهارة والعبادات، فلا تعارض بين الأمرين بل يكمل كل واحد منهما الآخر.
... العائق الخامس عشر:
... الافتتان ببهرج التخطيط والعلم الإداري:
... نتيجة لاحتكاك شباب الدعوة في العلوم الإدارية والتقسيمات الفنية من خلال دراستهم الجامعية، واحتكاكاتهم اليومية في مجالات الوظائف العامة والخاصة وعن طريق سماع المحاضرات العامة، حصاد هذه الأمور كلها خرجت نبتة غريبة عن الحس الإيماني والضوابط الشرعية والأدب الإسلامي.
... وفي الختام، نطلب من إخواننا الذين انفتنوا بالدراسات الغربية أن يتريثوا في أخذهم وتعلقهم ويزنوا كل أمر بضوابط الشريعة وليعلموا أن الشر لايأتي إلا بشر والخير لايأتي إلا بخير.
علاجات داخلية لما ذكرنا من العوائق الداخلية :
العلاج الأول:
البناء العقدي النظري الواضح:
... إن من أهم الأمور التي يجب أن ينتبه إليها أصحاب الحركة الإسلامية في بنائهم وتكوينهم لقواعدهم وخلاياهم أن تكون الأسس واضحة جلية مستقاه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مهتدية بهدى سلفنا رضوان الله عليهم فيكون العمل قائماً على قواعد وتأصيلات مستقرة، لاتتزح ولاتضطرب ولاتتغير.
العلاج الثاني:
الثقة وأثرها في الاطمئنان:
... إن الهزات التي تنتاب الفرد في أثناء مسيرته وتكاد تسقط به من قافلة المسير إنما مرجعها إلى الاختلال الذي يحصل للنفس البشرية المتعلقة ببحثها عن ذاتها، ففي غيبة الثقة الرابطة والماسكة لبناء الحركة ترى الفرد المضطرب بعد أن ينظر إلى نفسه وما يجوزه من ملكات فطرية أو صناعات تكوينية من قوة في العبارة وسلاسة في الأسلوب وفصاحة باللسان ورصانة بالقلم، فيعتلي المنبر خطيبا يهز الجماهير ويركب الصحيفة كاتباً يشد إنتباه المشاهير، ثم يعاود النظر إلى نفسه وذاته ومكوناته ثم يلتفت في الجهة الأخرى إلى ماأعطى من كرسي في العمل الإسلامي فيرى الفارق الكبير بين ذاته في المجتمع وبين ذاته في إطار خير الحركة الإسلامية فيرى الفارق بين المكانين فيقع بين نظرتين نظرة بعيدة عن ميزان الثقة، ونظرة أخرى قد ملئت ثقة بقيادتها وموجهيها، شعارها تربية إيمانية.
العلاج الثالث:
الاهتمام بالفرد قبل مؤسسة العمل:
... إن الأساس في العمل الإسلامي هو تحسس نهج النبي صلى الله عليه وسلم في واقعه العملي في المرحلة المكية، والحياة المدنية في مراحلها التي دارت بين التأسيس والتكوين إلى مرحلة الخروج والجهاد لمقارعة الباطل في دولته ومن خلف حصونه، فنرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لايهتم فقط بالعلاقات الحسية بين الأفراد وبين قيادتهم بل حتى بالعواطف النفسية.
العلاج الرابع:
أهمية ترابط أصحاب الحركة الإسلامية في إطار واحد:
... إن من أهم أسباب النصر وتحقيق الهدف وحدة الصف ووحدة القيادة ووحدة التوجيه، فإن أهم ماتسعى إليه القوى الضاربة للقوى الإسلامية بشتى لباسها سواء كانت بمسوح الرهبان أو بلباس القبطان، تسعى لتفتيت القوى الإسلامية.
العلاج الخامس:
المحاسبة:
... إن محاسبة النفس البشرية لذاتها المفردة أمر حرص عليه الأقدمون والمحدثون حين يؤمنون الاستمرارية بالخير والانقطاع عن الشر.
العلاج السادس:
بناء الحركة بالفرد:
... الحركة والعمل قوامها الفرد والمؤسسة فإذا أحكمنا هذا وهذا ضمنا بعد توفيق الله حسن السيرة وقوة الإنتاج.
العلاج السابع:
انغماس ومشاركة علماء الشريعة في الحركة الإسلامية:
... في هذا العلاج نعلن بجميع موجات البث الإعلامي: "ياعلماء الشريعة: مكانكم في أوساط الدعاة فلا تبخلوا ولاتجبنوا ولاتضعفوا ولاتركنوا" نعم من خلال الحركات الإسلامية يتم التغيير والإصلاح فهي الأبواق التي بينت الحوادث صلابة معدنها، ونقاء سريرتها، وصدقها مع ربها بعد أن تكتشف الأنظمة الزائفة.
العلاج الثامن:
الإلتزام الصحيح بمنهج الدعوة:(8/257)
... على الدعاة اليوم أن يعرضوا الإسلام كما أمر الله وبالذي أمر الله بدون خلط، يعرضونه بإخلاص مبتغين من عملهم وجه الله تبارك وتعالى، لايبتغون مدحاً ولاثناءً، يتخلصون من حظوظ أنفسهم، لاينتظرون نتاج دعوتهم في الدنيا ولايأملون حتى تحقيق نصر هذا الدين في حياتهم، وهذا هو ماكان يربي الله تبارك وتعالى نبيه عليه فيقول سبحانه: "إمانرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك" وعلى ذلك فالدعاة إلى الله غير محاسبين على مايحققون من النصر قال تعالى: "ليس عليك هداهم" .
العلاج التاسع:
إيجاد الحماسة في نفوس الشباب:
... إن الشباب الذين يتخبطون في الظلمات ينادون الدعاة لإنقاذهم من الظلمة التي يعيشون فيها وحتى يستطيع الدعاة ذلك لابد لهم من الحماس الذي يدفعهم للتحرك والسهر والجد للأخذ بأيدي التائهين إلى الطريق المستقيم.
العلاج العاشر:
بناء رجل الدعوة:
... من المسلم به أن قوة الأساس في أي بنيان يتناسب طردياً مع الثقل الذي سيقام عليه ولما كان حمل الدعوة الإسلامية هو أثقل مايمكن أن يحمله الإنسان فلا بد أن يكون حملة الدعوة من القوة والصلابة مايجعلهم أهلاً لحمل هذه الدعوة العظيمة.
العلاج الحادي عشر:
أهمية وجود المربي:
... لابد للداعية من أن يجعل من نفسه أداة تربوية تربي الناس بصغار الأخلاق وكبارها، مستنيرة بالقرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء فالمربي ليس بدعاً من الأمر، فهو عنصر مهم في مهمة الأنبياء.
العلاج الثاني عشر:
زيادة الفهم والفقه للدعوة:
... لقد أثبت الواقع أن الدعاة بحاجة إلى مانطلق عليه الآن مصطلح "فقه الدعوة"، والذي نعني به "الفهم والإدراك العميق لماهية الدعوة الإسلامية وحقيقتها وسبيلها ومقتضياتها".
ثالثاً:
وقفات لأصحاب الدعوة.
مقدمة:
... الحمدلله رب العالمين، اللطيف بخلقه أجمعين، أمرهم بالتوقف والتفكر للعبرة والسير في طريق المؤمنين، المقتدين بمنهج خيرة خلق الله من الأنبياء والمرسلين، وبعد:-
... إن الدعاة اليوم في هذه المجتمعات المتخبطة يحتم عليهم أن يقفوا في واحات الخير ومنابع النور التي تمثل الكتابات الإسلامية شيء منها فهم يحتاجون إلى صبر لمواصلة الطريق، وإلى علو يعتلون به على الجاهليات المتضاربة وإلى صفاء في العقيدة والسلوك والمنهج لايضره سحاب الجهل ولايعكره غبار المادة، فإلى هذه المحطة وإلى وقفاتنا الفكرية فإن كان به خير فخذ ولاتنظر إلى قائلها، وإن لم يكن بها فائدة فاعرض عنها وتجاوز صفحاتها.
الموقف الأول:
إستشعار صعوبة العملية التربوية:
... إن من أشق الأشياء هي العملية التربوية، وماذاك إلا لأنها تعامل مع نفوس لايحكمها قانون محدد يسير عليه، حيث أن كل نفس لها تشكيلها الخاص بها، ومن ثم الوسيلة الخاصة لمعالجتها هي التي تنفع وتقيد، وهكذا الناس في تمايز ظاهر في القدرات والميول، وعلى المربي هنا أن يعطي كل واحد حسب ميوله, فإذن أخي المربي كل إنسان خلق لما يسر له ففتش في نفسية أخيك وحاول اكتشاف مواهبه وقدراته ثم وجهه على حسب تلك القدرات والمواهب.
الموقف الثاني:
إستشعار المربي لأهمية القدوة في التربية:
... إن السعادة الحقيقية للمربي تتمثل في رؤيته لأخيه الجديد معه وهو ينمو كما تنمو النبتة الطيبة في الأرض المباركة، فالسعادة الحقيقية تكون في النظر إلى أخلاقه وهي تستقيم، وإلى أفكاره وهي تعتدل، وطباعه وهي تتهذب.
... إنها الفرصة التي تغمر القلب والروح، يوم أن يراه بعد شهور وسنين قد أصبح امتداداً لجهده وجهاده فإحسانه من إحسانه، وصدقه من صدقه، ياله من مورد للحسنات عظيم يثقل الله به الميزان، وصدق الرسول الكريم "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم".البخاري (9/18).
... ولهذا الأمر كانت أهمية القدوة في الحياة التربوية.
الموقف الثالث:
المحن في الدعوات:
... ليس غريباً ولابدعاً أن تصاب الجماعات العاملة في سبيل الله بأذى وفتنة، فإن الفتنة والابتلاء مما سنه الله على حملة دعوته منذ أن كانت هنالك دعوة ودعاة، حيث إن الله تعالى جعل المحن ميزاناً يوزن به الفرد المسلم ويعرف به ثباته وصلابته وصبره وتعلقه بالله وبدعوته، ولذا كان لزاماً أن تمتحن هذه القلوب لتخلص لله ويخرج منها درنها، ويمتاز الطيب من الخبيث، والمسلم الممتحن عليه أن يصبر ويثبت إزاء هذه الفتن الضاربة ويتقي الله في كل شيء فلا تخرجه محنته عن التقوى ولذا يقول ربنا سبحانه: "وإن تصبروا وتتقوافإن ذلك من عزم الأمور"سورة آل عمران (186).
الموقف الرابع:
آداب في طريق الدعوة:
... أخي الداعية هذه طائفة من آداب الإسلام نقدمها لك بعبارة واضحة مفهومة لتعمل بها وتسير عليها، روى البخاري ومسلم، أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة مني؟ قال" أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك"البخاري (فتح13/4-6) ومسلم (2548).
... فحذار أيها الأخ أن تتساهل مع أحق الناس بحسن الصحبة منك وتتكايس –أي تتظارف- مع غيرهم، فإنك إن فعلت ذلك غبنت نفسك، وظلمت الحق الذي عليك.
... الأدب الأول:
... إعرف لأخيك الكبير حقه.
... الأدب الثاني:
... لاتكن ثقيلاً وتلطف مع إخوانك.
... الأدب الثالث:
... استعمل الرفق في شأنك كله.
... الأدب الرابع:
... التمس لأخيك عذراً.
... الأدب الخامس:
... مراعاة آداب الزيارة.
... الأدب السادس:
... مراعاة آداب الإستئذان.
رابعاً:
إشارات ضوئية.
مقدمة:(8/258)
... طريق الدعوة طويل فهو طريق الإدراك والتكليف فما دام المسلم في إدراكه ووعيه فهو في سيره في قافلة المؤمنين العاملين، فإذا كان السير مستمراً والحركة دائبة، واستيعاب جميع فرعيات مستلزمات المعرفة اللازمة للطريق أمر صعب كان لابد من هذه الإشارات الضوئية التي تلفت الانتباه إلى معاني تأصيلية يحتاجها السائر في طريق الدعوة الربانية.
... والله أسأل أن ينبهنا لخطوات طريقنا وهو ولي ذلك والحمدلله رب العالمين.
... 1- التحرك الذاتي:
... لاينبغي للأفراد أن يكون تحركهم ونشاطهم ناتجاً عن تأثرهم بالمربي وشخصيته فقط، وإنما يجب أن يكون نابعاً من ذاتيتهم وإيمانهم بضرورة العمل.
...
... 2-الفهم لتلميح الموجه:
... إن أحوج مايحتاج إليه الداعية هو سرعة الفهم الذي يدفع به إلى العمل السريع المفيد للحركة.
... 3- البيان ثم الأمر:
... إن مايخطيء به كثير من المربين في توجيهاتهم هو أن يجعلوها مقرونه بأسلوب الأمر قبل البيان مستغلين بذلك طاعة الدعاة لهم وظنهم أنهم بذلك يوفرون لأنفسهم وقت الحجة والبيان، وهم بذلك يرتكبون خطأين الأول: تربوي حيث أن الأخ يتعود على تلقي الأوامر دون أن يتبينها فتقتل فيه روح القيادة والإبداع، والآخر شرعي: حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبين ثم يأمر وهذا واضح في منهجه عموماً.
... 4- التوكل على الله:
... كثيراً مايغفل الدعاة عن القوة الحقيقية في هذا الكون، التي يرتكن إليها المسلم وهو الله، وذلك في خضم الدعوة، ومعاناة الباطل، فتوكل أخي الحبيب على الله ووجه إخوانك إلى هذه الحقيقة تكن لهم المعين على مواصلة هذا الطريق الطويل.
... 5- الدعاء:
... في فترة الضياع التي يعيشها المجتمع الإسلامي، وكثرة الآراء والإجتهادات، تعتري الإنسان بعض الحيرة في معرفة الصواب أحياناً، وهذه المعرفة لاتكون إلا بتوفيق الله تبارك وتعالى، وهذه سبيلها الدعاء الخالص، وتأتي أهمية الدعاء لكون الله تعالى قال فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم".
... 6- انتبه لأمانتكـ:
... كان طاوس جالساً وعند ابنه، فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء، فأدخل طاوس اصبعيه في أذنيه، وقال: يابني أدخل اصبعك في أذنك حتى لا تسمع من قوله شيئاً فإن هذا القلب ضعيف، هكذا كان السلف يخشون على أبنائهم والأخ الذي بين يديك بمثابة إبنك، فاحرص أخي المربي على أمانتك وأعلم أن صفاء الإبتداء له أثر كبير على أخيك عندما يبلغ سن الإنتاج وهذه قضية من قضايا الولاء فلا تلتفت عنه إلا وهي واضحة فيمن معك.
... 7- زدها ولا تخشى:
... عن الحارث بن قيس رضي الله عنه قال: "إذا أتاك الشيطان أنت تصلي فقال إنك ترائي فزدها طولاً".
... فللشيطان مدخلان إما إفراطاً أوتفريطاً فإذا عجز عن الإفراط لجأ إلى التفريط، فيا معشر العاملين نظراً لكثرة أعمالكم وبروزكم في كل مكان وفي كل ميدان فإنكم تحتاجون إلى وصية الحارث حيث يوسوس الشيطان لكم ليقعدكم عن عمل يزيدكم محبة عند الله ويبعدكم عنه فخالفوا الشيطان وأكثروا من الأعمال في جميع الميادين.
... 8- لأهل الفضل مافعلوا والمعصوم هو صلى الله عليه وسلم:
... المسيرة في طريق الدعوة تلزم صاحبها بأن يثبت على طريق طويل يمتد إلى آخر الأجل لذلك كان على صاحبها أن يعلم أن ماقدم سيكتب عند الله أن توفرت فيه شروط القبول، وأن ما سيأتي من الأعمال هو محاسب عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
... 9- التربية والمداراة:
... كثيراً مايخطيء الأخ في تربيته لأخيه ويسيء إليه من حيث لايدري، بأن يظن بأن حسن النية بمن معه والإحسان إليهم أن يفعل مايرغبون فيه ويترك ما يكرهونه، فإذا رأيت في أخيك ماينقصه كأخ قدوة فعليك بإسداء النصح إليه وعدم تركه، حتى لاتتهمه بالضعف والخور والفوضى وعدم النظام وغيرها من السلبيات.
... 10-التخطي:
... إن الأخ المسلم الداعية ، وخصوصاً المربي، لابد أن يكون ذا طبيعة تميزه عن سائر الناس، وخلقاً يعطيه من التوقير والمكانة في نفوس إخوانه، وصبراً يجعله قدوة لمن يدعوه، فالمؤمن إذاً لين يتحلى بالرفق مع الإخوان والأحباب الذين جمعته بهم رابطة العقيدة وهو إلى جانب ذلك يتميز بالشدة والعزيمة والقوة والخصومة لأعداء هذه العقيدة.
... ولا يخفى على الداعية أن نفوس الناس مختلفة الطباع والمزاج تحب دائماً أن تكون هي المصيبة والمحقة فإذا مابدا وظهر أنها أخطأت فإنها تدافع عن خطئها إما بالقول أو العمل أو الإخفاء حتى لايظهر عجزها وزلتها، وفي مجال الدعوة يتعرض الداعية لأنواع مختلفة من المواقف من قبل المدعوين أو الأفراد أنفسهم يظهر فيها خطؤهم.
... فهنا يأتي دورنا كمربين ودعاة فما رأيناه مخالفاً لأصول هذا الدين وقواعد الخير فهو يحتاج إلى تصويب ويتطلب حكمة في العلاج.
... 11- قاعدة من قواعد التربية الربانية:
... عندما يتعلق الأمر أو النهي بعادة أو تقليد، أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث به ويأخذ المسألة باليسر والرفق والتدرج، ويهيء الظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة.
... ولكن عندما يتعلق الأمر بقاعدة من قواعد التصور الإيماني، أي بمسألة اعتقادية فإن الإسلام يقضي فيها قضاءً حاسماً منذ اللحظة الأولى، لاتردد فيها ولا تلفت، ولامجاملة ولامساومة ولا لقاء في منتصف الطريق لأن هنا مسألة قاعدة أساسية للتصور، لايصلح بدونها إيمان ولا يقام إسلام.
... 12- الغضب للدعوة وماينالها من غمز الغامزين ولمز اللامزين:(8/259)
... من المعروف سلفاً أن الناس في الغضب ثلاثة أقسام: قسم يغضبون لنفوسهم ولربهم، وقسم لا يغضبون لنفوسهم ولا لربهم، والثالث هو الوسط أن يغضب لربه لا لنفسه، كما ورد في في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً له ولا امرأة ولا دابة ولا شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء فانتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله، فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله"، أما من يغضب لنفسه لا لربه أو يأخذ ولا يعطي غيره، فهذا شر الخلق.
... 13-الموازنة بي الرحمة والقسوة:
... إن المتابعة والمحاسبة تستلزم إتخاذ القرار الذي يجب أن يكون حاوياً للرحمة والقسوة، فإن كل من الرحمة والقسوة تحمد عند اعتدالها، وفي موضعها وتذم عند غلبتها وميلها.
... 14- الرجوع إلى الحق:
... إن الداعية في المتابعة والمحاسبة بين شخصين إما أن يكون مُتابِعاً أو مُتَابَعاً وفي كل الحالين عليه أن يرجع إلى الحق إذا ظهر له، ولاتأخذه العزة بالإثم فالحق لايعاند.
... 15- استعمال الحزم وبسط العدل:
... لابد لصاحب الولاية من الحزم والعدل، فلا يغفل عن الحزم في صغير ولا كبير، كما لا يترخص في الجور من قليل ولا كثير، وهذا يستدعي تصفح أحوال الدعاة، فإذا وقف الداعية على مواد الفساد، وأسباب آفاتهم قطع أسبابها وحسم موادها.
... 16- حسن الأدب مع المربين في العبارة والإستجابة:
... أصل هذه المسألة قوله تعالى: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم" سورة الإسراء (53). وقد كان سلفنا الصالح يحرصون على العبارة الجميلة، فهذا عمر رضي الله عنه يقول لأناس جلسوا حول النار: ياأهل الضوء، وكره أن يقول ياأهل النار، فيكون الأدب والإحترام المتبادل بين المؤدي لواجبه والمطالب لحقه.
... 17- الإرتباط بالدعوة ومنهجها في جميع الظروف والأحوال:
... قال الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الحزن: "ليتنا متنا قبله ولم نشهد موته" فقال معن بن عدي أما أنا فما أحببت أن أموت قبله، قالوا: ولم؟ قال: لكي أصدقه ميتاً كما صدقته حياً!! "ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل". سورة آل عمران (144).
خامساً:
همسات في آذان الدعاة:
مقدمة:
... "إن على الديك أن يصيح وليس عليه أن يُطلع الصباح" فنحن نصرخ تارة ونهمس تارة أخرى، وفي كلتا الحالتين لايخيفنا كثيف الظلمة ولاضجيج الفساد، فأملنا بالله كبير، واعتقادنا بخروج الصبح لاريب فيه، فشمس الحق ساطعة، وزيف الباطل زائل، فإن كان شيطان الجن يوسوس فيهمس بوسواسه في صدر ابن آدم ليضله عن الصراط المستقيم فإن داعي الإنس يهمس بالآذان لطرد وسوسة الشيطان الرجيم وإقرار منهج رب العالمين فإلى محادثة هادئة، وإلى طرح خفي بعيد عن جلبة الآخرين، والله سبحانه هو المعين.
... (1) لاإفراط ولا تفريط:
... من أخطر مايلبس الشيطان على الإنسان الإفراط أو التفريط، فكيف إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في جماعة أو إنسان، فعلى كل مسلم داعياً إلى الحق أن يجعل نصب عينيه قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً" سورة البقرة (143). وسطاً في تحمل الواجبات، ووسطاً في أخذ الحقوق، ووسطاً في التوغل والدخول في الدين والأخذ به.
... (2) غذاء الداعية:
... من البديهيات أن جسم أي كائن حي لا يتحرك ولا يعمل بدون غذاء، لأنه هو مولد الطاقة التي بها تتحرك هذه الأجسام الحية، أخي المربي إن هذا الجسم هو دعوتك التي من أجلها نذرت نفسك وهذا الغذاء جنودها، فأنت مسؤول عن نظافة وجودة هذا الغذاء، ألا وهم الإفراد الذين أودعتهم الدعوة بين يديك، فهم وديعة عندك.
... فبقدر اهتمامك بهم وتفانيك في الحفاظ على هذه الوديعة بقدر مايكون ذلك واضحاَ في مسيرة دعوتك.
... (3)المربي:
... أخي المربي إنك لست بدعاً من الأمر في وجودك هذا في العمل الإسلامي، بل إنك من شجرة "أصلها ثابت وفرعها في السماء" سورة إبراهيم (24).
... احرص على أن تكون عند حسن الظن فيك، وخير خلف لخير سلف، مستعيناً على التربية بالفهم الدقيق والإيمان العميق، والعمل المتواصل مردداً ماكان يردده الإمام حسن البنا:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
... (4) عهود ومواثيق:
... لقد دلت السنة على أن الولاية صغيرها وكبيرها أمانة لابد من أخذها بحقها وإعطائها لأهلها، ومن هذا الذي ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" مسلم (1825).
... فإلى دعاة الحق نقول: إن الأمانة عظيمة والحمل ثقيل، فحتى تستطيع الحركة أن تبدأ بالمسير لابد وأن نهمس في آذانكم فإن رأيتموه خيراً وحقاً، وإن رأيتم خلاف ذلك فانبذوا على سواء، فإنما هي عهود مواثيق ندين الله بها ونرجو ثوابه ونخاف عقابه.
... (5) الجمال في كل شيء:
... ورد في حديث مسلم (91): "إن الله جميل يحب الجمال" وماأعظم الجمال في تربية الدعاة ومخالطتهم، فليكن صبرك جميلاً، وصفحك جميلاً، وهجرك جميلاً، تكن بذلك متأسياً بنبيك ومربيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله بأن يصبر بغير شكوى إلا لله، وأن يهجر بغير أذى، وأن يصفح بلا عتاب، والصبر نهايته النصر والفرج من الله فاصبر على ضعف إخوانك وقلة همتهم، وادع الله لهم وتفان في تربيتهم.
... (6) التثبت:(8/260)
... من الأحاديث النبوية الشريفة التي عليها مدار الفقه والعلم، ولعلم معظم أخطاء من يخطئون في أحكامهم، إنما تكون من التسرع والتأثر بالمظاهر الخادعة، فالتثبت هو: الأدب الذي تقتضيه طبيعة العمل الحركي المنظم حتى تأخذنا نزوة جامحة، أو طفرة طافحة، أو زمجرة جانحة.
... (7) الإستئذان والإستشارة:
... خير مايحفظ الإنسان من الخطأ الزلل اتباع أسلوب "الوقاية خير من العلاج"، ومن الوقايات التي تعين الأخ على تلافي الخطأ هو كثرة استشارته واستئذانه من أخيه الموجه أياً كان وضعه في العمل، فالناس أصناف، رجل، ونصف رجل، ولاشيء، فالرجل من له رأي صائب ويشاور، ونصف رجل من له رأي صائب ولا يشاور، أو لا رأي له ولايشاور.
... فاحرص أخي المربي على الاستشارة وحث إخوانك على مثل هذا الأمر الدقيق وبين لهم من واقع حياة الدعوة نتيجة عدم الاستشارة وماتؤول إليه من عملية التفرد في الرأي.
... (8) الفكرة والخاطرة:
... قال ابن القيم "دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليه الانتقال عنها".
... حيث أن مبدأ كل علم اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات وهذه تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العادة فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها.
... فيا أخي: لاتنس أن تحاسب نفسك في كل خطرة وفكرة، وجاهد نفسك في هذه المحاسبة حتى تكون من الفائزين.
... (9) النصيحة شعاري وشعاركم:
... فالنصيحة للجميع ورحم الله من أهدى إلي عيوبي والدين النصيحة والدعوة النصيحة، فأصلحوا قلوبكم بالتقوى والإيمان تصلح ألسنتكم وإذا صلحت ألسنتكم صلحت أعمالكم، وإذا صلحت أعمالكم غفرت ذنوبكم ، وإذا غفرت ذنوبكم حفظتم من المصائب.
... وتبليغ الدعوة طاعة لله ولرسوله والإنابة للدعوة والتوضيح أمر مطلوب من العاملين.
... اللهم نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
... واجعل الدنيا بأيدينا ولاتجعلها في قلوبنا واجعل حظنا الأفر يوم أن نلقاك ونعوذ بك اللهم من عجز التقى وصولة الجائر ونعوذ بك من الكذب عند التقصير فما أنجى كعب بن مالك إلا الصدق.
والحمد لله رب العالمين
...
الخاتمة :
وبع هذه التنقلات الكثيرة في مجال الدعوة والعمل الإسلامي –أسرار, وعوائق وعلاجات ومواقف وهمسات- بعد هذا كله أرجو من الله أن أكون قد وضعت معالما لإخواني الدعاة يستفاد منها لتوحيد الصف, وتقريب وجهات النظر, لعمل جاد لإنقاذ البشر من حافة الهاوية فإنه كما قال عمر رضي الله عنه: "لاإسلام إلا بجماعة، ولاجماعة إلا بإمارة، ولاإمارة إلا بطاعة" الدارمي (1/79). فلبناء جماعة ربانية ولإقامة إمارة قرآنية كانت هذه المحاولات وتلك التنقلات.
والحمد لله رب العالمين.
============
متطلبات الدعوة ووسائلها
. اسم المحاضر: الدكتور عمر عبد الكافي - حفظه الله - .
- (بدأ الشيخ محاضرته بمقدمة لطيفة تبين فضل الإسلام وأهمية أمر الدعوة ) فقال :
الإسلام نشأ في جماعة، ونحمد الله أن جعلنا من جماعة المسلمين، وندعو الله أن يطرد شياطين الإنس والجن عنا، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين.
كان علماؤنا الأجلاء يعلموننا ونحن صغار دعاءً عظيما جليلا، هذا الدعاء يقول : ( اللهم كُن لي كما كنت لي حيث لم أكن ) أي عندما كنت جنينا في بطن أمي لا أملك علما ولا قوة ولا إدراكا ولا فهما ولا لغة ولا فقها. والله تعالى عودنا الكرم دون أن نعطي لأنه الغني عن عطائنا، وقبل منا القليل على قدرنا وأعطانا الكثير على قدره ؛ قبل منا العمل القليل، لكن لابد من إخلاص النية لذلك قال ربنا : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ما قال لنا : ليبلوكم أيكم أكثر أعمالا .
( ثم بين معنى " حيث لم أكن " ) أي: أني عبد ضعيف لا أساوي شيئا لولا الإسلام، فعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يردد دائما: ( ما عمر لولا الإسلام) ونحن نقول أيضا: ما نحن لولا الإسلام ؟؟ فلا شيء لنا في هذا الوجود ولا كيان لنا لولا الإيمان، وأن يرى الناس فينا نسخا مصحفية تتحرك على قدمين .
لكنا لن نصل إلى هذا المستوى إلا عندما نفهم أن هذه الأمة هي أمة دعوة. فنحن لا ندًّعي أننا أمة خاصة، ولسنا نقول أن الجنة وقفا علينا، فنحن في كل يوم نكرر ( الحمد لله رب العالمين ) فهو ليس رب المسلمين وحدهم، ولا رب النصارى وحدهم، فالله تعالى رب كل مخلوق، فنحن أمة عالمية منذ بدايتها، قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
- (ثم بدأ الشيخ بالتكلم عن الموضوع الأساس ) فقال :
الدعوة إلى الله لها ركائز، ثم بعد ذلك لها أخلاقيات، ثم لها تبعات ومسؤوليات.
الأمة الإسلامية جعل الله خيريتها في أمر الدعوة، فالدعوة ليست خاصة بالدعاة فقط، قال الله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسبق عن الإيمان لفظاً.
إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبيعة هذه الأمة.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له صفات، فاشترط أهل العلم في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة شروط:
1- أن أكون عالما بما آمر، عالما بما أنهى.
2- أن أكون رفيقا فيما آمر، رفيقا فيما أنهى.
3- أن أكون عاملا بما آمر، عاملا بما أنهى.
– أن أكون عالما بما آمر به:(8/261)
( ذكر عدة أمثلة على هذا من الأنبياء والصحابة منها (:
كان ابن مسعود (سنة 36 للهجرة ) يقول: يسأل الواحد منكم في اليوم عشر فتاوى لو سئل عمر بن الخطاب في واحدة منها لجمع لها أهل بدر.
(أيضا) أهل مصر أرسلوا لمالك إمام دار الهجرة بالمدينة المنورة مع رجل اثنان وأربعين سؤالا، فأجاب عن ستة أسئلة، وقال في ست وثلاثين: ( الله أعلم)، فالرجل المصري قال: ماذا أقول لأهل مصر ؟ ذهبت لمالك صاحب الموطأ فأجاب عن ستة أسئلة فقط وقال في الباقي : لا أعلم ؟ فضحك مالك وقال : ( أقول : الله أعلم وأدخل الجنة خير لي من أن أفتي بجهل وأدخل النار ).
_أن أكون عالما بما أنهى:
فإذا نهيت عن شيء يكون عندي تأصيل للمسألة ( ذكر عدة أمثلة منها ):
دخل رجل على ابن عباس – رضي الله عنه – فقال: يا ابن عباس أللقاتل توبة ؟ فصَّعد ابن عباس النظر في وجه الرجل وقال: لا ليس للقاتل توبة.
الجالسين حول ابن عباس تعجبوا وقالوا: يا ابن عباس أفتيت البارحة لرجل سأل: أللقاتل توبة ؟ قلت له : نعم . ويسأل السائل اليوم أللقاتل توبة ؟ تقول له : لا . قال ابن عباس: نظرت في وجه السائل اليوم رأيته مُغضبا ثائرا يريد أن يقتل بفتية ابن عباس، فقلت له: لا. أما صاحب السؤال بالأمس كان قد قتل، والفتية قبل الفعل إجابتها تختلف عن الفتية بعد الفعل.
- أن أكون رفيقا بما آمر:
إن أعظم ما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد: ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قوله تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
( ذكر أمثلة منها ): أن رجلا رأى رؤية وذهب لابن سيرين ليفسرها، فقابله أحد المتعالمين في الطريق وسأله: إلى أين ؟ قال : لابن سيرين . قال: أرأيت رؤية ؟ قال له: نعم . قال : خبرني بها . قال: رأيت أن أسناني قد وقعت كلها. قال الرجل : تموت أنت وأهلك . الرجل خاف وواصل المسير لابن سيرين، وقال: يا ابن سيرين رأيت أن أسناني قد وقعت كلها. قال ابن سيرين : تكون آخر أهلك موتا. نفس التفسير لكن بطريقة مهذبة .
- رفيقا فيما أنهى : ( ذكر أمثلة ونماذج منها ):
الأعرابي الذي دخل المسجد وبال فيه، ثم أسرع الصحابة ليمنعوه من فعله هذا فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وانتظر حتى انتهى الرجل مما يصنع، ثم اقترب منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( هذا مكان لا يصلح لما صنعت ) الرجل رأى رقة النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه فرفع يده إلى السماء وقال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم أحدا من بعدنا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( لقد حجًّرت واسعا، قل اللهم ارحمنا إنك كنت بنا رحيما ).
- عاملا بما آمر : وهذا يكون على ما استطاع الإنسان، ففي الدعاء : ( وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ) .
- المحور الثاني في أمر الدعوة مما أريد أن أتطرق إليه هو محور الذات :
فالأنا عالية عندنا، وهذا هو غمط الحق وبطر الناس، فيجب أن نسمع إلى الآخر، فنحن مكلفين أن نستمع إلى الكافر كما جاء في قوله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) فهذا حوار مع الكفار، والله تعالى حاور شر خلقه وهو إبليس في آيات كثيرة من القرآن، ونحن نرفض محاورة فلان من الناس.
دخل رجل فوجد أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – فسأل سؤالا. استاء عمر من السؤال وعلم أن في أبي بكر حياء لا يستطيع أن يرد، فرد عمر على الرجل، فقال الرجل السائل : أأنت الخليفة أم هو؟ قال أبو بكر : ( هو إن شاء ) . فالأنا ليست عالية عندهم رضي الله عنهم . فمن ركائز الدعوة إنكار الذات .
من ركائز الدعوة أيضا ومحاورها: التواضع، فالتواضع سمة من سمات من يدعو إلى الله تعالى.
المحور الثالث:
الدعوة تحتاج إلى أن تعطيها كل وقتك لا فضل وقتك، لأنك لو أعطيت الدعوة كل وقتك سيبارك لك الله في بقية وقتك.
المحور الرابع: الإخلاص في كل ما تعمل، والإخلاص في كل ما تقول، والإخلاص في كل ما تنصح به، والإخلاص في كل ما تنتصح به.
وبهذا نحقق : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
============
أسس الدعوة
تأليف الشيخ/ أبو بكر الجزائري .
إن المتأمّل في الدعوة الإسلامية يجدها قد قامت على الأسس الآتية:
الأساس الأول : الإيمان بالدعوة :
لا بد لمن يعتزم القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى أن يكون مؤمنًا بها ، ومعتقدًا خيرية دعوته الإسلامية وصلاحيتها وحاجة الناس الملحّة لها.
ومما يوفر هذا الإيمان للمسلم الداعية علمه بالأمور التالية:
1- ... استحالة سعادة البشر عامة والمسلمين خاصة في الدنيا وفي الآخرة ما لم تكن من طريق الإسلام. قال الله تعالى: ] .... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123)وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)[ سورة طه . وقال تعالى: ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)[ سورة آل عمران .(8/262)
2- الإسلام رحمة إلهية ، والواجب فيها أن تعرض على كل فرد وفي أي مكان، ولهذا حمّل الله تعالى رسوله r مسؤولية إبلاغها إلى الناس ، ونشرها بينهم فقال : ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ....(125)[ سورة النحل ، وقال تعالى: ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ....(108)[ سورة يوسف ، ] قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ...(158)[ سورة الأعراف ، ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107)[ سورة الأنبياء .
كما ألزم أتباعه المؤمنين بأن يقوموا بنشرها ، ودعوة الناس إليها ] وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104 )[ سورة آل عمران .
3- حاجة العالم إلى الإسلام اليوم لا تقل عن حاجته إليه يوم حمل المسلمون دعوته إلى الأمم والشعوب؛ إذ أن شعورًا عالمياً كبيرًا اليوم بحاجة إلى نظام عالمي سليم خاصة بعد أن جرب كل من النظامين الرأسمالي والشيوعي الاشتراكي ، وفشل كل منهما في تحقيق ما كان يرجى منه.
غير أن عرضه الجديد يجب أن لا يكون عن طريق أمة لم ترتفع بمبادئه وتعليمه إلى قمة مجد عالية؛ لأن الناس عادة ينظرون إلى المبادئ والتعليم من خلال حال صاحبها.
ومن هنا ـ وبكل صراحة ـ كان لزامًا على الدعاة المسلمين أن يبدؤوا بدعوتهم الأمم والشعوب الإسلامية قبل غيرها ؛ حتى إذا نجحوا تقدموا بدعوتهم يعرضونها على أمم العالم وشعوبه المحرومة من هداية الله.
الأساس الثاني : سلامة الدعوة :
الدعوة السليمة هي التي تتوفر فيها أمور، هي :
1- ... لا يهدف صاحبها من ورائها إلى تحقيق أي هدف مادي أو كسب شخصي، وإنما تقوم على أساس التجرد فيها لله، كما هو أن كل المرسلين في دعوتهم : ] وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(127)[ سورة الشعراء .
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْتُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَسْأَلَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ : [إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا] رواه أبو داود وأحمد.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ : هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا ] أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد.
2- الدعوة السليمة هي التي لا يكون من أغراضها نشر الشر أو إظهار الفساد، وإنما تكون أغراضها مقصورة على الخير والإصلاح ، شعار صاحبها دائمًا: ] إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)[ سورة هود .
3- الدعوة السليمة هي التي لا يكون من طبيعتها العنف أو الشدة ، ولا تقود معتنقيها إلى المشقة أو الحرج، وإنما يكون من طبيعتها السهولة واليسر.
كما أنها دعوة خير؛ تهدف دائمًا إلى الخير.. وصفها الله بالخيرية في قوله تعالى: ] وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104 )[ سورة آل عمران ، وبالرحمة في قوله تعالى: ] وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17)[ سورة البلد ، وعلى لسان رسوله r في قوله: [الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ] أخرجه أبو داود والترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وهي خالية من العنف والحرج، وهاهي ذي نصوص تصرح بنفي العنف عنها والحرج؛ لذلك فالله تعالى يقول: ] ...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .....(78)[ سورة الحج، ويقول: ] مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ...(6)[ سورة المائدة ، وقوله: ] ...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...(185)[ سورة البقرة .(8/263)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا] أخرجه الشيخان ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ]رواه مسلم وأبو داود وأحمد، وعن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
الأساس الثالث : الوضوح :
ينبغي للداعي مراعاة وضوح دعوة الإسلام، وسلامتها من الغموض والتعقيد في عقائدها وفي عبادتها ومعاملاتها، فيعرضها على الناس كما هي واضحة سليمة، وليحذر إدخال عناصر غريبة عنها نتيجة تشدده أو تزمته وغلوه، فيفقدها أكبر عوامل قبول الناس لها واعتناقهم إياها، وهو الوضوح والسلامة.
الأساس الرابع : العلم بها :
العلم بالدعوة يقوم على ثلاثة أمور:
أ- المعرفة بأصول الدعوة وفروعها وأهدافها وغاياتها شرط أساسي في نجاح الداعي، وفوزه في دعوته.
والعلم بالدعوة المطلوب من الداعي هو البصيرة التي ذكر الله تعالى في قوله: ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ...(108)[ سورة يوسف : 108.
و يتعين على الداعي أن يتضلع من علوم الشريعة الإسلامية كالتفسير والحديث والتوحيد والفقه، ومن علوم الآلة كاللغة وقواعدها وآدابها، والبيان وفنونه، والمنطق ومبادئه.
ومن المسلَّم به أن من كمال الداعي أن يكون مزوّدًا بشتى العلوم والمعارف زيادة على ما يتعلق بدعوته وأصولها، وذلك كعلم النفس وعلم النبات والحيوان وخصائصها والفلسفة، وعلم تقويم البلدان (الجغرافيا)، والكيمياء.
ومما يدل على فائدة ذلك في الدعوة أن الله تبارك وتعالى أبطل دعوة اليهود والنصارى في كون إبراهيم الخليل يهوديًا أو نصرانيًا كما زعم كل من اليهود والنصارى؛ أبطلها بحجة التاريخ فقال تعالى: ] يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(65)[ سورة آل عمران .
ب- على الداعي أن يكون عالمًا بأحوال وظروف ونفسيات من يدعوهم ويتصدى لهم.
ج- أن يختار الطريقة الصحيحة لدعوتهم؛ فيعطي كل داء ما يحتاج من دواء، ويلبس كل حالة لبوسها الخاص بها، وإلى هذه أشار r في قوله لمعاذ رضي الله عنه: [ إنك تأتي قومًا أهل كتاب] .
الأساس الخامس : كمال شخصية القائم بها :
إن كمال شخصية الداعية من أهم الأسس التي تقوم عليها الدعوات، حيث عليه أن يعمل على تكميل شخصيته وتقويتها؛ حتى تبلغ الممكن من الكمال البشري.
ومن أهم العناصر التي تتكون منها الشخصية القوية ما يلي:
1- اليقين: وهو أن يكون الداعي على يقين تام بصلاحية دعوته وخيريتها .
2- الروحانية: وذلك بالتجافي عن الدنيا والإقبال على النفس تطهيرًا لها وتزكية، وذلك بذكر الله وفعل الطاعات من فرض ونفل؛ حتى يبلغ حالاً تعظم فيها فراسته؛ كما روي عن عمر بن الخطاب في هذا الشأن؛ فقد قال عنه ولده عبد الله : ما قال أبي في شيء أظنه كذا إلا كان كما ظن، وقال فيه رسول الله r : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِه،ِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَال:َ[ عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ ] فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ] رواه الشيخان وأحمد.
3- الشجاعة : بنوعيها شجاعة القلب وشجاعة العقل:
فالأولى تحمله على أن لا يخاف غير الله تعالى، فيمضي في حزم لا يضعف ولا ينهزم مهما لاقى من الأهوال: ] وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(146)[ سورة آل عمران.(8/264)
وقال: ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)[ سورة آل عمران .
والثانية تدفعه إلى أن يجاهر برأيه ، ويصرح بعقيدته.
4- الثقافة العامة الواسعة الآفاق : والتي يكون معها ملمًا بأكبر ما يمكن من العلوم البشرية الخاصة والعامة، ما كان منها وما يستجد في الحياة في حدود طاقة الداعي.
-============
كُن داعياً
اسم المحاضر: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله -
... بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:-
... طلباً لرضا الله سبحانه، والتماساً للفائدة، ولما وجدنا من أهمية هذه المحاضرة والتي ألقاها فضيلة الشيخ: صالح آل الشيخ -حفظه الله- سنذكر مجمل ما ذكره في هذه المحاضرة، ندعو الله أن يجزل مثوبته وأن ينفع بها.
... بدأ الشيخ –حفظه الله- بحمد الله سبحانه، ثم الصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولما كان موضوع المحاضرة "كن داعياً" بدأ محاضرته بجملة من الآيات والأحاديث التي تبين أهمية الدعوة إلى الله سبحانه، حيث نالت هذه الأمة، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، الخيرية بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" ، و قوله سبحانه : " و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون " , و معنى قوله : إلى الخير : الخير اسم شامل لجميع ما أمر الله به في كتابه أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في السنة أمر إيجاب أو استحباب , وكفى بهذا والله من فضل حتى نتمسك بالدعوة إلى الله، و مما يبين أيضاً عظم هذا الأصل العظيم وهو الدعوة إلى الله، أن الله سبحانه جعلها صفة الأنبياء و صفة اتباع الأنبياء , قال تعالى : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني " , وذكر أيضاَ ما يناله الداعي من أجر وأن له مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء، قال - صلى الله عليه وسلم - " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " .
... وبعد ذلك، حث فضيلة الشيخ الإنسان بأن يكون داعياَ في كل مكان، وأن الدعوة لا تقتصر على فئة معينة من الناس، و لا تكون خاصة بأماكن معينة، بل لا بد أن يكون الإنسان داعياً في منزله، في مكتبه، في الشارع، وفي كل مكان، وأن الناس يختلفون في ذلك، ليسوا على درجة واحدة، فكلاً يدعو على حسب حاله وقدرته.
... ثم بعد أن بين شمولية الدعوة، وأنها لا تقتصر على زمان أو مكان، بين أن من أهم شروط الداعية العلم الصحيح الكافي بما يدعو إليه، وكل إنسان يدعو بحسب علمه، فلا يدعو بما لا يعلم، وذلك حتى يزول ما يحصل من لبس بأن الإنسان يدعو بما لا يعلم نظراً لشمولية الدعوة.
... وبين أن العلم إنما يؤخذ من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من دعا إلى هدى"، والهدى: إنما هو من الكتاب والسنة، وأيضاً أخذ فضيلته قوله هذا من قول ابن القيم -رحمه الله-:
العلم قال الله قال رسوله ... ... قال الصحابة هم أولو العرفان .
فلا يدخل شيء من الوعظ يخالف الأصل الشرعي مثل ما كان في القرون الأولى , صار هناك أناس يدعون إلى غير طريقة الصحابة و التابعين فصار لهم طريقة خاصة توسعت بعد ذلك حتى أصبحت طرقا لأنهم لم يتعلموا قبل أن يدعوا , تغلب عليهم العبادة و حب الخير , لكن لأنهم لم يتعلموا ظنوا كل طريق فيه خير فهو طريق صحيح , و هذا ليس كذلك , ابن مسعود – رضي الله عنه – أتاه أحد تلامذته فقال له : يا أبا عبد الرحمن إن هاهنا قوماً اجتمعوا في المسجد و تحلقوا , يقول أحدهم : سبحوا مائة , و يرمون الحصى , ثم يقول : كبروا مائة , احمدوا مائة , و هكذا , فذهب إليهم ابن مسعود – رضي الله عنه – و لما رآهم يسبحون على هذه الطريقة قال : " إما أن تكونوا أهدى من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , أو تكونوا على شعبة ضلاله ! فقالوا يا أبا عبد الرحمن : الخير أردنا , فقال : كم من مريد للخير لم يبلغه , هؤلاء صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يموتوا و هذه آنية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكسر ". يعني بقوله هذا لهم إن العهد برسول الله قريب فكيف تحدثون مثل هذه البدع , و هذا يدلك على أن أنواع الدعوة سواء كان إلى أعظم شيء ألا و هو التوحيد , أم إلى فضائل الأعمال إذا لم تنضبط بضابط العلم الصحيح , و المستقى من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلابد و أن يحدث الافتراق في الأمة كما حصل فعلاً , فلم يحصل الافتراق من أجل نقص العلم و لكن حصل لأجل الجهل و البغي , قال تعالى : " و ما تفرق الذين أوتوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة " .
وبين أيضا أن كثرة المستجيبين للدعوة ليس سببا ولا دليلا لنجاح الدعوة ، ولا عدم الاستجابة دليل أو سبب لفشل الدعوة ، بل الإنسان ينظر إلى التأسيس فإن كان مستندا كما قيل سابقا فلا يهم هل استجاب الناس أم لم يستجيبوا ، وضرب مثال على ذلك ، قصة نوح عليه السلام حيث قال الله تعالى عنه : ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) ، ثم قال : ( وما آمن معه إلا قليل ) .(8/265)
وذكر أيضا بأن الداعية إلى الله عرضة للمشكلات وغيرها ، فلا يظن أن ذلك سبب لعدم نجاح دعوته ، فيغير مرجعه في الدعوة طلبا لرضا الناس ، بل يجعل مرجعه القرآن والسنة وأقوال الأئمة الذين أجمع على أنهم أئمة الإسلام واشتهر مقام الصدق عنهم .
وبعد أن بين ما يقال في مجال الدعوة والمرجعية في ذلك ، ذكر أنه لابد أن يكون للداعية وسيلة ، فالوسيلة بمثابة السلاح يعضده في دعوته، فقد يدعو الإنسان بما يحفظ من القرآن ، أو كتاب أو شريط أو نشرات غيرها ، حتى يوصل ما عنده من علم إلى من يريد دعوته ، وذكر أن شرط هذه الوسيلة أن تكون مباحة ، فلا يأتي بوسيلة مبتدعة حتى يؤثر في الناس ، ويظن أن ذلك مباح .
ثم بعد ذلك نبه الشيخ -حفظه الله- على أخطر شيء على الداعية ، ألا وهو إرادة الداعية بدعوته الشهرة ، بأن يجعل دعوته ميدان شهرة أو ميدان بروز، وهذا يبعده عن الإخلاص ، فإذا أراد الإنسان أن يسلك طريق الدعوة فلا بد أن يذكر نفسه دائما بالإخلاص ، وأنه لا يريد بدعوته خدمة لنفسه ، أو لطائفة، إنما يريد هداية الخلق إلى ربهم ، وأن يستقيموا على طاعته .
ثم ذكر بعد ذلك أن من الحكمة في مجال الدعوة ، أنه إذا صدر من إنسان خطأ فلا يواجه باللوم والتوبيخ مباشرة ، وإنما يوجه ويرشد ، وقد ذكر عن أبي الدرداء –رضي الله عنه – أنه مر بجمع من الناس ، ووجدهم يتكلمون على رجل يؤنبونه ويرفعون عليه الصوت وهم جلوس ، فسألهم ، ما الأمر ؟ فقالوا هذا الرجل فعل كذا وكذا من الذنوب ، كبيرة من الكبائر التي فعلها ، قال أبو الدرداء - وهو حكيم هذه الأمة- قال: لو سقط أحدكم في بئر فما أنت صانعي ؟ قالوا : ننشله من البئر ، قال : أتلومونه أولا على السقوط أم تنشلونه ؟ ... قال أبو الدرداء : فافعلوا بأخيكم ذلك .
ثم ختم فضيلة الشيخ – حفظه الله – كلامه بذكر دور المرأة في الدعوة ، وأنها تستطيع أن تسهم بشكل كبير في مجال الدعوة بحسب حالها ، ويكون معها أذكار كتب في السنة النبوية ، توزعها أو تهديها .
وختاما في مجال الداعي إلى الله ، لابد أن يهتم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية ، فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كافة الأمور هي أعظم شيء ، وأكثر ما يحتاج الناس في سائر حياتهم ، لهذا ألف ابن القيم كتابا جامعا لسنن النبي صلى الله عليه وسيلم سماه " زاد المعاد في هدي خير العباد "، وأيضا دعا الوالدين إلى غرس أهمية الدعوة في نفوس أطفالهم، وتحميلهم هم الدعوة ، وختم المحاضرة بالدعاء فجزاه الله عنا خير الجزاء ونفع بما قال .. اللهم آمين .
وهذا ملخص ما ذكره –حفظه الله- في محاضرته , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
-============
دور المرأة في العمل الإسلامي
اسم المحاضر : الشيخ فيصل مولوي - حفظه الله -
سنقدم نصا للمحاضرة باختصار:
مقدمة الشيخ: المرأة في العمل الإسلامي المعاصر لم تأخذ دورها حتى الآن في كل البلاد الإسلامية, ولا يزال دور المرأة هامشي جدا , لماذا وما الأسباب وما هو العلاج ؟
من أسباب ضعف دور المرأة أو عدم قيامها لدورها في العمل الإسلامي نتناول سببين :
السبب الأول : وجود بعض المفاهيم المنتشرة حول المرأة ينبغي تصحيحها في عقول الرجال, فيقولون : النساء ناقصات عقل ودين, فيستكثر الرجل على المرأة أن يكون لها دور في العمل الإسلامي مادام أنها ناقصة عقل ودين, ويقصرون دورها على خدمة الزوج والأبناء .
- ... ثم بين الشيخ المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ناقصات عقل ودين, وبين أن نقصان الدين في الكم لا في الكيف, فهناك الكثيرمن النساء من هن أتقى من كثير من الرجال. ونقصان العقل يعني أن عقلها ينقص عن عاطفتها لتستطيع القيام بواجباتها وهذا من حكمة الله تعالى .
من المفاهيم المنتشرة أيضا والتي ينبغي تصحيحها : القوامة على المرأة , نعم الرجال قوامون على النساء, لكن هذه القوامة ليست دائمة مطلقة في كل الأمور, فقوامته فيما يتعلق بشؤون البيت، لكن ليس معنى القوامة أن الرجل هو الذي يحدد للمرأة دورها في عملها الإسلامي, فيخطط ويقرر ويضع المنهج وعليها التنفيذ, فبهذا الفهم للقوامة في العمل الإسلامي أصبحن النساء سلبيات لا يقمن بأي مبادرة, وبهذا تعطلت ساحة واسعة من ساحات العمل الإسلامي في هذا العصر .
ومن المفاهيم الخاطئة أيضا : الفهم الخاطئ لقوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) فيفهم أن المراد أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها !!
المقصود بـ ( وقرن في بيوتكن ) أن المرأة تكون في بيتها مع شعور كامل بالاستقرار في البيت, مع شعور بالراحة والاطمئنان لتنجح في بيتها. ( ولا تبرجن ) أي إذا خرجتن للقيام بواجب ديني فلا تخرجن متبرجات. فنفس الآية التي أمرت المرأة بالقرار بالمنزل سمحت لها بالخروج واشترطت عليها عدم التبرج .
السبب الثاني : تقصير المرأة في مجال العمل النسائي يرجع في كثير من الأحيان إلى أنانية الرجال وحبهم للراحة, فلا يعطيها وقت لتخرج لتلتقي بأخواتها لتتعلم وتعلم . وهذا خطأ وخطر بالنسبة للعمل الإسلامي الذي يغير المجتمع، فالمرأة نصف المجتمع فإذا لم تتغير كما يتغير الرجل فلا يمكن للعمل الإسلامي أن يحقق أهدافه . فعليه أن يتنازل ويضحي من أجل خدمة الإسلام .
هل من الواجب على المرأة أن يكون لها دور في العمل الإسلامي ؟(8/266)
العمل الإسلامي يدخل تحت العمل الصالح الذي طلبه الله من الرجال والنساء , وهو من مستلزمات الإيمان، قال تعالى : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فالعمل الصالح مطلوب من الرجل والمرأة، والدعوة إلى الله مطلوبة من الرجل والمرأة، وكذلك كل التكاليف الشرعية .
إن عمل المرأة الأساسي هو في بيتها وخدمة زوجها, لكن هذا لايعني أنه لا واجب لها خارجه, وليس للزوج أن يمنع زوجته للخروج من أجل الدعوة, لكن إذا رفض فعليها الطاعة وعليه هو الإثم إذا كان رفضه من غير مبرر. لكن إذا خرجت يجب عليها أن توازن بين الجانبين وتوفق بينهما .
==============
الدعوة بالرفق والشدة
اسم المحاضر : الشيخ ناصر الدين الألباني - حفظه الله -
- المحاضرة عبارة عن حوار بين الشيخ والمقدم تخلله عدة أسئلة من أهمها:
- ... الرفق والسماحة ولين الجانب من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،هل استخدام الرفق ولين الجانب واجب في الدعوة ؟
- ... هذا الأمر مستحب .
- ... السلفيون مشهورون بالشدة وقلة الرفق في نشر الدعوة، ما رأيك بهذه العبارة ؟
- ... لا يصح أن نطلق القول بأن السلفيين متشددين، لكن بعضهم كذلك، ولا يصح أن نقول أن هذه الصفة اختص بها السلفيون. فلا يجوز أن نصف طائفة من الناس بصفة نعمها على الجميع، ولا يجوز أن نطلق هذه الصفة على فرد من أفراد المسلمين إلا في جزئية معينة، فاللين ليس مشروعا دائما، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم الشدة في بعض المواقف. إن مبدأ اللين ليس بقاعدة مطردة، فعلى المسلم أن يضع اللين في محله والشدة في محلها. ( ثم ذكر الشيخ نماذج للرسول صلى الله عليه وسلم لشدته في بعض المواقف ).
السلفيون متهمون بأنهم متشددون لأنهم بالنسبة للطوائف الأخرى أكثر اهتماما بالأحكام الشرعية ودعوة الناس إليها، وبسبب هذا الاهتمام الذي فاق اهتمام الآخرين اتهموا بالتشدد. فالقضية قضية نسبية فالشخص غيرالمتحمس للدعوة يعتبر بعض الأمور شدة، مثلا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتبره كثير من الطوائف شدة.
فلا ينبغي أن نشيع أن السلفيين متشددين، فالصحابة - رضي الله عنهم- فيهم اللين وفيهم المتشدد ( ذكر نماذج لمواقف الصحابة كالرجل الذي بال بالمسجد ).
الحق أن الأصل في الدعوة أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن من الحكمة أن نضع اللين في محله والشدة في محلها.
-إن استخدام الشدة وضيق الصدر في غير موضعها كثير من قبل الكثير من السلفيين،
فماذا توجه لهم من نصيحة ؟
قال الله تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
( ثم ذكر طائفة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على استحباب الرفق ).
- ... ثم ختمت المحاضرة بمداخلات وأسئلة حول بعض الفرق الضالة ومن أنكر وجود الله تعالى وأول الصفات، وغيرها.
=============
مسؤولية المرأة في الدعوة إلى الله
تأليف : أسماء بنت راشد الرويشد .
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي دعا إلى الله على بصيرة, وعلى من اتبعه إلى يوم الدين, جعلنا الله منهم بفضله ومنّه.
أما بعد :
فإن الله تعالى أمرنا بعبادته وحده وطاعته, ثم أمرنا بتبليغ دينه إلى الآخرين, وهو الدعوة إلى الصراط المستقيم دين الإسلام, دين الله الحق, قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) النحل – 125
يقول ابن تيمية - رحمه الله - : ( إن الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به, وما جاءت به رسله, بتصديقهم فيما أخبروا به, وطاعتهم فيما أمروا ) .
وهذا يشمل الدعوة إلى العقيدة وأصول الإيمان , والتحذير من الشرك وأنواعه , والحث على فعل الطاعات والواجبات , والحث على اجتناب المعاصي والمحرمات , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والتحبيب في الفضيلة والتنفير من الرذيلة , واتباع الحق , ونبذ الباطل .
كما أوجبت الشريعة على المسلمين التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تتضافر الجهود, ويتعاون الجميع على إقامة الحق والعدل ومحاربة الفساد والظلم.
وقد جاء الخطاب الشرعي بالأمر بالدعوة إلى الله عاما لجميع الأمة يشمل الجنسين رجالا ونساء, لأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء أيضا, إلا موضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيه, والقاعدة في واجبات المرأة كالقاعدة في حقوقها, فإن للمرأة حقوق وعليها واجبات مثل الرجل إلا فيما يختلفان فيه من القدرة والكفاية مما هو مناط التكليف, كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إنما النساء شقائق الرجال ) , وعلى ذلك فالدعوة إلى الله واجبة في حق النساء كما هي واجبة في حق الرجال كل بحسب قدرته .
ومن الآيات والأحاديث التي جاءت آمرة بالدعوة إلى الله تعالى , قوله جل وعلا : ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف – 108
يقول الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية : ( ومن اتبعني ) أي : ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهديي, وفي هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق عليه أن يقتدي به في الدعاء إلى الله , أي الدعوة إلى الإيمان به وتوحيده, والعمل بما شرعه لعباده .
وجاء الأمر بها صريحا في قوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) آل عمران – 104
يقول ابن كثير – رحمه الله - : ( المقصود منها أن تكون فرقة متصدية لهذا الشأن وإن كان واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه ) .(8/267)
وأما النص على وجوب الدعوة إلى الله في السنة فمنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده , فان لم يستطع فبلسانه , فان لم يستطع فبقلبه , وذلك أضعف الإيمان ).
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده , لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه , فتدعون فلا يستجاب لكم ) .
كل هذه النصوص وغيرها كثير تدل على وجوب القيام بالدعوة إلى الله , والأمر بذلك عام على جميع المسلمين رجالا ونساء , ولكن للدعوة مجالات وميادين مختلفة , منها ما يكون مناسبا للجميع , ومنها ما يكون مناسبا لفئة دون أخرى .
ولقد ضرب لنا نساء الأمة في جيلهن الأول أروع المواقف الدعوية مع الزوج والأبناء والأهل وفي أوساط النساء , كأمثال أمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من نساء الصحابة , كأسماء ذات النطاقين , وأم سليم , ونسيبة بنت كعب , وصفية بنت عبد المطلب , وأم شريك وغيرهن رضوان الله عليهن جميعا .
وعلى هذا فلا يختص هذا الواجب بالعلماء والدعاة وطلاب العلم بل هو عام على الجميع , ولكن يختص العلماء وطلاب العلم بتبليغ تفاصيله وأحكامه ومعانيه , بل إن الواجب يتعلق بالعلم ولو بجزئية يسيرة من الدين , فمن تعلمها وصار عالما بها وجب عليه العمل بها مع تبليغها للآخرين . فالمسؤولية مسؤولية كل مسلم ومسلمة , كل على حسب قدرته وعلمه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) .
إن بعض النساء تحصر الدعوة إلى الله في الدروس العلمية والمحاضرات , وتستبعد أن يكون قيام المرأة بتربية أولادها وتأثيرها على زوجها ونصحها لزميلاتها في العمل أو صديقاتها في الدراسة أنها دعوة , بينما هي في الحقيقة دعوة مباركة بلا هي أهم مجالات الدعوة .
هناك جانب مهم في موضوع الدعوة له أثر عظيم في تقوية الرغبة لغوص مجالات الدعوة والحرص عليها , كما أنه يبعث العزيمة ويحمل على الصبرعلى ماقد يصيب الداعية , ألا وهو العلم بما أعده الله تعالى من الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة التي شرف الله بها الدعاة إلى طريق الخير والصلاح .
من هذه الفضائل العظيمة على وجه الاختصار :
1) ... من دعا الناس فهو خير الناس، قال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .
2) ... الدعاة هم المفلحون في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) آل عمران – 104.
3) ... الدعاة أحسن الناس حديثا ، قال تعالى : ( ومن أحسن ممن دعا إلى الله ) فصلت – 33.
4) ... أهل السماء والأرض يستغفرون لمن دعا إلى الله ، قال عليه أفضل الصلاة والسلام : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها والحيتان في البحر ليصلون على معلم الناس الخير ) , وصلاة الله على خلقه ثناء ورحمة , وصلاة الملائكة والخلق دعاء واستغفار .
5) ... الدعاة لاتنقطع أجورهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) .
6) ... الدعاة لهم في هدايتهم لغيرهم ما هو خير من الدنيا وما فيها ، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ( لئن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) وفي رواية : ( خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ) هذا في شأن هداية شخص واحد , فكيف إذا كان سببا في هداية أسرة أو جماعة أو أمة بأسرها ؟
إلى غير ذلك من الفضائل والمكرمات التي امتن الله بها على من دعا إلى سبيله .
وحيثما تحدثنا عن أهمية الدعوة إلى الله ووجوبها في حق المرأة وفضلها، فمن المهم أن ألقي الضوء على بعض مجالات الدعوة وميادينها التي هي من مهام المرأة ومسؤوليتها .
فمن تلك المجالات :
أولا : قيامها بالدعوة داخل بيتها :
وأهم ذلك وأوجبه تربية الأولاد تربية إسلامية، قال قتادة : ( تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصيته, وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه ) .
فالأم هي الداعية الأولى في البيت , وهي في التأثير على الأبناء أقدر من الأب , وذلك لاتصالها بهم منذ اللحظة الأولى من ولادتهم , والأعرف بنفسياتهم وما يلائمهم , ولأنها معهم أغلب الأوقات , فهي تلاحظ ما يطرأ عليهم من التغيرات , ومايقع منهم من أخطاء .
بالإضافة إلى أن اعتناء الأم الداعية بإصلاح بيتها وتربية أبنائها هو أسلوب مؤثر وفعّال من أساليب الدعوة بالقدوة , والإشعار العملي للآخرين بإمكانية تكوين أسرة صالحة على نهج السلف في زمن عمّت فيه الصوارف والفتن , ويتعذر فيه كثير من الآباء والأمهات بصعوبة تنشئة أبناء صالحين في هذا الزمان .
إن على الأم أن تعتني بتربية أبنائها على بعض الأمور الأساسية مثل :
1- ... بناء الأساس العقدي لديهم وتلقينهم كلمة التوحيد في سن مبكرة , وغرس محبة الله تعالى في قلوبهم وتربيتهم على مخافة الله , وكذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به في جميع أفعالهم وأقوالهم, ويتم ذلك بقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم عليهم .
2- ... تعليمهم القرآن وتجويده وشرح بعض معانيه .
3- ... تعليمهم واجبات الدين وشعائره كالوضوء والصلاة بأسلوب عملي .
4- ... مناقشة بعض السلبيات والمخالفات الموجودة في المجتمع معهم .
5- ... تعويدهم على حب القراءة، وإنشاء مكتبة إسلامية مقروءة ومسموعة .(8/268)
6- ... تربيتهم على حسن اختيار الأصدقاء , ومراقبتهم من بعد في ذلك .
7- ... بناء الأساس الخلقي لديهم بحثهم على الاتصاف بالأخلاق الحميدة , وتحذيرهم من الصفات الذميمة مع مراعاة حسن الأسوة من قبل الأم .
ومن مجالات دعوة المرأة في البيت محاولة دعوة زوجها والتأثير عليه , ولكن الأمر قد يتطلب بعض المجاهدة وقد يطول أمد الاستجابة فيحتاج إلى صبر , فعلى الزوجة الداعية أن تكون صابرة محتسبة حكيمة في دعوة زوجها , سائلة الله له الهداية .
وفي المقابل فإن من مهام المرأة الدعوية مساندة الزوج الداعية وتشجيعه والتخفيف عنه , وأن تبث في نفسه الثبات على طريق الدعوة .
ومن مظاهر الدعوة إلى الله في البيوت : ممارسة المرأة الدعوة مع الخدم بدعوتهم لتصحيح العقيدة , وتحذيرهم من الشرك والبدع المنتشرة في كثير من البلاد الإسلامية , وتعليمهم أمور الدين المهمة كالطهارة والصلاة ونحوها . وقد تيسرت وسائل دعوة المسلمين غير الناطقين باللغة العربية , فقد انتشرت الكتب والأشرطة الإسلامية باللغات الأجنبية عن طريق مكاتب دعوة الجاليات التي ترعاها وزارة الشؤون الإسلامية .
ثانيا : قيامها بالدعوة خارج البيت :
فتسهم بالدعوة إلى الله في المجتمع الذي تعيش فيه , كدعوة القريبات وزميلات العمل , والصديقات والجارات , بتقديم النصح لهن بأسلوب مناسب يتفق مع آداب النصيحة وبأسلوب محبب ولطيف. والاعتناء بتحسين العلاقة معهن والتعاون فيما بينهن لكسب قلوبهن للخير وقبول النصيحة .
وعليها استغلال الجلسات الأسرية في طرح مواضيع مفيدة تصلح للمناقشة , وإقامة المسابقات الممتعة , والاعتناء بتوزيع الأشرطة والمطويات والكتيبات التي تعني بمواضيع المرأة .
ولانغفل دور المعلمة في ممارسة الدعوة مع طالباتها , بل هو من أخصب وأهم مجالات الدعوة إلى الله وأرجاها لقبول الطالبة . فمن المعلوم أن تأثر الفتاة وخاصة في سن المراهقة بمعلمتها يكون أكثر من سواها ولا سيما إذا أحبتها.
فعليها أن تهتم بالأمور الاتية :
1- ... عدم الاقتصار على المنهج الدراسي المحدد في الكتب , بل عليها أن تربط العلم بالخالق جل وعلا , خاصة وأن كثيرا من العلوم تكشف وتوضح عظمة الخالق وقدرته على خلقه، مما يولد تعظيم الرب جل وعلا في نفوس الطالبات .
2- ... أن تكون المعلمة قدوة حسنة لطالباتها في التزامها بأوامر الشرع , ومسارعتها لأداء الصلاة , وفي مظاهر اللباس والحجاب والأخلاق وأهمها التواضع مما يؤدي إلى حب الطالبات لها وتقبلهن لما تنصح به .
3- ... التعرف على بعض مشاكلهن الخاصة ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة مع ربط قلوبهن بالله .
4- ... محاولة كسب قلوبهن بتقديم المساعدة لهن في مذاكرة الدروس وفهمها , مما يسهل التأثير عليهن ونشر الدعوة بينهن .
5- ... أن تعلمهن مسائل الطهارة التي غالبا ما يعم الطالبات الجهل بها , وتعليمهن كيفية الصلاة الصحيحة , وبيان أهميتها وخطورة تأخيرها أو تركها .
وعلى المعلمة أن تهتم بدعوة زميلاتها في المهنة , وحثهن على الإخلاص في العمل وإتقانه , والتحدث معهن في أوقات الراحة في مواضيع تهم المرأة المسلمة .
وقد ضربت لنا أم شريك – رضي الله عنها – مثالا عمليا في الدعوة في أوساط النساء كما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – حيث قال : ( وقع في قلب أم شريك – رضي الله عنها – الإسلام , فأسلمت وهي بمكة , وكانت تحت أبي العكر الدوسي , ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة , فأخذوها وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا سنردك إليهم ) .
ومن مجالات الدعوة إلى الله في وسط النساء اصطفاء مجموعة من النساء لمدارسة بعض العلوم الشرعية وللتفقه في الدين, وتخصيص هذا الأمر بالزمان والمكان , حتى تعد الداعية نفسها وغيرها بالعلم والبصيرة في الدين لاسيما في المسائل التي عمت بها البلوى في أوساط النساء كالسفور والاختلاط والغيبة وغيرها .
ثالثا : ومن مجالات الدعوة إلى الله تعالى المناسبة للمرأة الدعوة بالتأليف والكتابة:
وعن طريق القصة الهادفة ونظم الشعر والمشاركات الصحفية في المجلات والصحف , وألا تترك تلك المجالات للأقلام الهدامة والعابثة , فعلى المرأة التي تحمل هم الدعوة وأن تعني بهذا الجانب الهام والخطير في الوقت نفسه , والذي هو من أقوى عوامل التأثير الفكري .
ومن المجالات الحديثة المناسبة لقيام المرأة بالدعوة إلى الله المشاركة عن طرق شبكة الانترنت, وهي تفتح باب دعوي عالمي ومتيسر في كل زمان ومكان .
والآن وبعد ذلك لعلنا أخواتي المسلمات نشعر بأبعاد مسؤوليتنا في الإصلاح والتغيير , ويتأكد لدينا واجب الدعوة في هذا العصر الذي عصفت بالناس فيه رياح الفتن وروّجت فيه الشبهات , فأصبحت الدعوة واجبة على كل من حمل هذا الدين بصدق وإخلاص من الرجال والنساء , والشيب والشباب , كل يقوم بهذه المهمة على حسب حاله وطاقته , وعلى حسب إيمانه وعلمه , ومن ثم على حسب تحسسه لواقع المسلمين وأحوالهم .
التوصيات :
1) ... تقوى الله عز وجل , وجعل القرآن والسنة النبوية المصدرين الرئيسين في تشريع جميع الأمور، مع الرضا بذلك والتسليم له .
2) ... أن تعي المرأة المسلمة أن الإسلام جاء بتكريمها , وبين مساواتها بالرجل في أصل الخلق والتكوين , وفرض لها حقوقا وواجبات , مثل ما للرجل إلا فيما يختلفان فيه من الاستعداد والكفاية والقدرة مما هو مناط التكليف .
3) ... على المرأة المسلمة أن تعي مسؤوليتها في القيام بالدعوة إلى الله تعالى بين الأهل والأقارب والجيران والزميلات ومن لها احتكاك بهن .(8/269)
4) ... على كل من رضت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا أن تعي أن المكان الصحيح لها والمهمة الدعوية الرئيسية هي في تربية الأولاد ورعاية شؤون البيت والزوج , وأن تضبط خروجها بضابط المصلحة والحاجة.
5) ... يجب أن يكون طلب المرأة للعلم وممارستها للعمل بالكيفية الملائمة لطبيعتها وغير المعارضة لتعاليم الشريعة وآدابها .
6) ... الحذر من التعرض للخلوة أو الاختلاط أو السفور خلال قيام المرأة بطلب العلم أو العمل أو الدعوة إلى الله تعالى .
7) ... يجب أن تكون مناهج تعليم البنات مناسبة لفطرتهن التي فطرهن الله عليها , وأن تكون صالحة لتخريج جيل من ربات البيوت الصالحات والعاملات في المجالات الخاصة بالنساء .
8) ... أن من فاتتها القدرة على الدعوة إلى الله فلا يفوتها الأجر في ذلك بمساندة ودعم أمور الدعوة بالنفقة والمال , وبكفالة الدعاة وطباعة الكتب الإسلامية والمصاحف ودعم المراكز الإسلامية وغيرها .
9) ... ضرورة التواصل بين الداعيات ومعايشة هموم الدعوة , والتخطيط لحلها والتعاون مع الأخوات الداعيات في تبليغ الدعوة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
============
متطلبات في شخصية الدعاة ( 1- 2)
اسم المحاضر : الشيخ محمد المنجد - حفظه الله -
الجزء الأول :
- بين الشيخ – حفظه الله – في مستهل حديثه أهمية الدعوة إلى الله تعالى , ثم ذكر أن هناك صفات يجب أن تتوفر في شخصية الدعاة إلى الله تعالى , نجملها بالآتي :
1- ... في شخصية الداعي إلى الله يجب أن يكون هناك إيمانا يغمر النفس , إيمانا قويا بالله لكي يتحرك الداعية للعمل لهذا الدين . ثم ذكر كيف أن سلف الأمة عندما ملأ الإيمان قلوبهم استطاعوا نشر الدين وفتح البلاد الإسلامية . ثم تحدث عن الإيمان وكيفية زيادته ووسائل تثبيته في القلوب بإذن الله .
2- ... يجب أن يتصف الداعي بالحكمة : بين مدى أهمية الحكمة في الدعوة, ثم ذكر نماذج من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقفه , ونماذج من مواقف الصحابة الحكيمة كذلك .
3- ... القدرة على تحمل المسؤولية : ولذلك نجح القادة المسلمون الأوائل لأنهم عرفوا معنى المسؤولية واستطاعوا تحملها .
4- ... القدرة على معالجة المواقف وحسم القضايا وسد نوافذ الشر وأبواب الفتنة : وذكر نموذجا لذلك وهي قصة موسى عليه السلام مع السامري، وكيف عالج الموقف عليه السلام .
5- ... أن يكون عند الدعاة اكتفاء واقتداء : اقتداء بالأنبياء أولا ثم بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وأمهات المؤمنين عليهن السلام ثم العلماء والصالحين . أما الاكتفاء : أن يكون هناك تكامل في شخصيته , فيأخذ من كل شخص أحسن ما عنده , وبهذا يجتمع فيه الخير كله بإذن الله .
6- ... يجب أن تتصف شخصية الدعاة بعامل التثبيت للآخرين : وأن عليه أن يثبت هو أولا في المحن ليجعل الناس بعد ذلك تفيء إليه وبذلك تبقى القوة الإسلامية , ثم ذكر نماذج من ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف والحروب .
7- ... أن يتصف الداعية بالنشاط والهمة في الدعوة والحيوية والعمل قال تعالى : ( وقل اعملوا) .
8- ... التجاوز عن الهوى والإخلاص لله تعالى وإخفاء الأعمال وعدم التقصير بالواجبات بحجة الانشغال بالدعوة .
9- ... من المتطلبات العظيمة في شخصية الداعية القدوة في أقواله وأفعاله , فيطبق كل ما يقوله.
10-يجب أن يتصف بالأخلاق اللازمة للدعوة كالرفق , وكالحزم و أن لا يخلط بينها وبين الشدة , وكذلك الكرم وهي صفة مهمة جدا لنجاح الداعية في دعوته فالرسول صلى الله عليه وسلم استقطب كثير من الناس والقبائل بالكرم والعطايا لذلك اجتمعوا حوله صلى الله عليه وسلم .
11-من الصفات المهمة صفة الاستمرارية في العمل , فالرسول صلى الله عليه وسلم استحب المداومة وإن قلت , فمن أسباب الاستمرارية في الطريق المداومة على الأعمال الصالحة وإن كانت قليلة .
الجزء الثاني :
- ... أكمل الشيخ – حفظه الله – الصفات التي ينبغي أن تتوفر في شخصية الداعية إلى الله تعالى :
بداية أكمل الشيخ صفة الاستمرارية والمداومة على الأعمال الصالحة , وتحدث عن المزاجية التي يتصف بها بعض الدعاة , وكيفية معالجتها .
12- التفاؤل : من المتطلبات المهمة في شخصية الداعية , لأن الشخصية المتفائلة تعمل لأنها ترى نورا في نهاية النفق وإن كان النفق مظلما , أما الشخصية المتشائمة فهي لا ترى نورا البتة. والتفاؤل من الدين وقد حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم , فهو يجعل المسلم يقول الكلام الطيب ويذكر الأشياء الإيجابية . أما التشاؤم فله الكثير من السلبيات التي لا تقتصر على الشخص نفسه بل تتعداه إلى المجتمع بأسره .
13- الإيجابية : على الداعية إلى الله تعالى أن يكون عاملا , يقدم ما يستطيع للإسلام , وأن لا يكون متقاعسا اتكاليا , فبعض الناس عنده إيثار في الطاعات .
ثم ذكر نماذج يحتذى بها وأمثلة للأعمال الإيجابية وكيفية تحفيز الناس إليها .
14- النباهة : الإيمان يوقد النباهة في نفس المؤمن .. إن سرعة البديهة والنباهة تخلص الداعية من مواقف كثيرة قد تواجهه في طريق دعوته .
==============
المنهاج النبوي في دعوة الشباب
المؤلف : سليمان بن قاسم العيد .
نبذه عامة عن الكتاب..
الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد..
فقد جاء الكتاب متميزاً في اختيار الموضوع وشمول الطرح، جعله المؤلف في مقدمة وتمهيد وسبعة فصول وخاتمة .
(المقدمة)(8/270)
أما المقدمة ؛ فقد جاء فيها : إنّ مرحلة الشباب من أدق المراحل في حياة الإنسان، وأطولها مدة، وأشدّها تأثرا، وأن رجال الإصلاح والاجتماع وأهل الفكر والأدب وعلماء النفس والتربية لم يهتموا بأمر يتعلق بمستقبل الأمة، عنايتهم بالشباب، وبيّن الفرق بين الصف الأول من شباب الإسلام الذي كان يتصف بقوة الإيمان، وكثير من شبابنا المعاصر على ما نرى من ضعف الإيمان، والفرق بين الشباب في عصر النبوة وشباب الحاضر، والفرق بينهما لفقد التأثير الذي كان لشخصية الرسول ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ومخالطته لهم ، وتربيته إياهم .
ثمّ بيّن أنه لابد من النهوض بشبابنا ، ولن يكون ذلك إلا بالدراسة الجادة لمنهاج النبي ـ صلى اللّه غليه وسلم ـ في دعوته لاؤلئك الشباب ، والتطبيق الفعلي لهذا المنهاج.
(التمهيد)
وأما التمهيد ؛ فقد وقف المؤلف فيه على أمرين هما :-
1/ المنهاج النبوي وأهميته في الدعوة :
بيّن فيها أنه هو الطريق الواضح السهل، وأن أهمية هذا المنهاج وضرورة العمل به يرجع إلى أمور منها على سبيل الاختصار والإيجاز :-
- الاتباع للأمر.
- طلب محبة اللّه تعالى .
-العصمة من الضلالة والخطأ .
-الشمول .
ثمّ ذكر الآيات والأحاديث وبعض الأقوال الدالّة على ذلك في عرض كان غاية في الإبداع والترتيب والتنظيم .
2/ مرحلة الشباب وأهميتها :
وذكر قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز بأنّ هذه هي مرحلة الفتوة ،كما في قوله تعالى : ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ووصفها بالقوة والأشد ، وذكر الآيات الدالّة على ذلك وأقوال بعض الصحابة والسلف الصالح ـ رضي اللّه عنهم ورحمهم اللّه تعالى ـ ثمّ بيّن أنّ أهمية هذه المرحلة تعود إلى عدة سمات ، ذكر منها ما يلي :
- بداية التكليف. - فترة الفتوة.
- سرعة الاستجابة. - تشكل الشخصية.
وغيرها من السمات التي فصل في كل ما تحتاج إليه من بيان وتوضيح.
(الفصل الأول)
أما الفصل الأول فهو في خصائص مرحلة الشباب وحاجاتها الأساسية ومراعاتها في العملية الدعوية .
بيّن الكاتب أن هناك اختلاف في خصائص مرحلة الشباب بين بدايتها ونهايتها ، ثمّ قسّم على هذا الأساس هذه المرحلة إلى قسمين هما ما يلي :
1/ مرحلة الفتوة .
2/ ومرحلة الرشد .
ثمّ ذكرأولا : بشيء من التفصيل:-
= الخصائص الجسمية : في ستة خصائص.
= الخصائص العقلية : في أربعة خصائص.
= الخصائص الاجتماعية: وذكر أنه يتوقف مدى التأثير بها على أمرين .
= الخصائص الانفعالية : في أربعة خصائص، وهي من أهم الخصائص.
= الخصائص المتعلقة بالتدين: في مرحلة الشباب وأجملها في أربعة خصائص.
وذكر تحتها الأحاديث التي تبيّن ذلك بعرض شامل ومتميّز.
ذكر - ثانيا -:
الحاجات الأساسية ، وبيّن أنه اقتصر فيها على المهم في خمسة حاجيات.
ثمّ ذكر - ثالثا- :
مراعاة الخصائص والحاجات في العملية الدعوية ، وعرض فيها خمسة وقفات..
منها في العبادة :ذكر تحتها ثلاث فقرات هي :-
1- ضبط حماس الشباب.
2- ومتابعة العبادة.
3-توجيه الشباب للعبادات المناسبة لهم .
(الفصل الثاني)
الفصل الثاني وهو ( الاهتمام بالعلم ) :
وذكر تحت هذا الفصل سبعة فقرات تحث الشباب على العلم والاهتمام به ، وأوضح ما يبين أهمية هذه الجوانب كاملة بأدلتها سواء من كتاب أو سنة أو أقوال سلف هذه الأمة المباركة.
(الفصل الثالث)
الفصل الثالث وهو ( ترسيخ الإيمان ) :
وذكر تحت هذا الفصل ستة جوانب تبيّن وتوضّح أهمية الإيمان منها:-
=إثارة الانتباه .
= واستغلال المناسبات.
=وتقويم الأخطاء في الإيمان ،وتحصين إيمان .
وفصّل في كل ما يتعلّق الجوانب الستة ، مبينا ما يحتاج إلى تبيين .
(الفصل الرابع)
الفصل الرابع وهو ( الحث على العمل الصالح ) :
وذكر تحت هذا الفصل خمسة جوانب في ذلك منها :-
1/ القدوة الصالحة في العمل .
2/ ترغيب الشباب في العمل الصالح .
وتحدث عن هذه الجوانب بكل روعة وتميّز وإبداع ، وذكر بعض الوقفات في القدوة الصالحة.
(الفصل الخامس)
الفصل الخامس وهو ( الحرص على تأديب الشباب ) :
وذكر تحت هذا الفصل خمسة جوانب تتحدث عن ذلك ، وأورد بعض المواقف والأحداث التي وقعت فيما يتعلق بهذه الجوانب بكل ما تعنيه المنهجية النبوية في دعوة الشباب وتأديبهم وتربيتهم.
(الفصل السادس)
الفصل السادس وهو ( الاهتمام بإعداد الدعاة من الشباب ) :
وذكر تحت هذا الفصل خمسة جوانب تبيّن أهمية ذلك ، وذكر نماذج واقعية من حياة الصحابة مع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وفصّل في ذلك ، وأوضحه أيما إيضاح.
(الفصل السابع)
الفصل السابع وهو ( نتائج المنهاج النبوي في دعوة الشباب ) :
وذكر تحت هذا الفصل ستة جوانب ، بيّن فيها آثار هذا المنهاج في جيل العلم والإيمان والعمل الصالح والآداب والدعوة والجهاد ؛ فذكر ما يتعلّق بذلك من مواقف وأحاديث نبوية دالّة على ذلك، بعرض بجمال فائق ورائع .
(الخاتمة)
ثمّ ختم كتابه؛ بذكر معايشته لهذا المنهاج النبوي ما توصل إليه من نتائج عدة منها :
1/ كان النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ يعامل الشباب معاملة خاصة.
2/ كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وخلفاؤه الراشدون يثقون بالشباب ويستشيرونهم ويولّونهم المهمات الصعبة .
3/ أن لدى الشباب من القدرة على التغيير في المجتمعات ما ليس لغيرهم .
إلى غير النتائج المهمة التي ذكرها ـ وفقه اللّه تعالى ـ .
وأوصى في آخر كتابه بتوصيات لجهات مختلفة، وذكر ملحق بأسماء وأعمار بعض الشباب في عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام- .(8/271)
وبهذا القدر نكتفي من التعريف بهذا الكتاب الذي هو من الكتب المهمة في مجال دعوة الشباب على المنهاج النبوي ، وحتى لا نطيل بالتعريف به ، وما عليك إلا أن تقتني هذا المنهاج المبارك لما فيه من الفوائد الجمّة الكثيرة ، فهو بحق من أجمل وأفضل ما قرأت ، فعليك به ففيه خير كثير وعلم غزير.
وصلى اللّه وسلّم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ..والحمد للّه ربّ العالمين .
المصدر : موقع مفكرة الدعاة.
===============
وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد (1- 2)
تأليف : حامد بن عبد الله العلي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، والصلاة والسلام على المبعوث شاهدا ومبشرا ونذيرا. وبعد:
فأصل هذه الرسالة الصغيرة، محاضرة بعنوان (وسائل الدعوة) في الكويت ضمن ندوة شارك فيها بعض الأخوة الأفاضل بدعوة كريمة من جمعية إحياء التراث الموقرة ، ثم استخرنا الله تعالى في طباعتها ليعم الانتفاع بها بتوفيق من الله تعالى.
أولا : التعريف بالمفردات:
(وسائل الدعوة ) كلمه مركبة من كلمتين، وسائل وهي مضاف، والدعوة وهي المضاف إليه، ولا يعرف المقصود من هذا التركيب الإضافي إلا بعد معرفة معنى كل كلمة منه.
تعريف الوسائل :
أما الوسائل : فهي جمع وسيلة من (وسل إذا رغب، والوا سل الراغب إلى الله عز وجل، وقال لبيد بل كل ذي دين إلى الله واسل) معجم مقاييس اللغة 6/110
وفي اللسان : (هي في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به )11/752
فالكلمة تدورعلى ( ما يتوصل به إلى الشيء المطلوب (.
وقوله في اللسان (ما يتوصل به إلى الشيء) أي كل ما من شأنه أن يوصل إلى المقصود من الطرق والأساليب والأفعال والأقوال ونحو ذلك فكلها وسائل ويسمى كل واحد منها وسيلة .
تعريف الدعوة:
الدعوة من دعا يدعو، ومعنى الكلمة يدور على (الطلب) ومنه الدعوة إلى الطعام .
فالدعوة إذن طلب الشيء والحث عليه والسوق إليه ، فإذا دعوتهم إلى الدين فأنت تطلبهم لامتثاله وتحثهم على اعتناقه وتسوقهم إلى تحقيقه في حياتهم .
وبهذا يدخل في معنى الدعوة ،دعاء الناس إلى الدين وتعليمهم ما فيه من الهدي ، وتحقيق ذلك في حياتهم وواقعهم كما في قوله تعالى :
(هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين) الجمعة :2
فالنبي صلي الله عليه وسلم يتلو آيات الله ، ويتابع أثرها على من يدعوهم بالتعليم المستمر، ويزكيهم أي يسعى في تحقيق هذه التعاليم في واقع حياتهم ، فالتزكية هي غاية الدعوة كما قال تعالى: (قد أفلح من تزكي)، ومعلوم أن حصول الفلاح هو غاية الدعوة كما يصف الله تعالى المؤمنين بالمفلحين في مواضع كثيرة في القرآن.
ولهذا يأتي في القرآن تسمية هذا المطلب الشرعي أيضا:
(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(وهو بمعني الدعوة ،لأنه طلب حصول المعروف في الواقع بالأمر به وزوال المنكر بالنهي عنه ،وجاء في السنة الأمر بالتغيير أيضا ، أي تغيير واقع الناس إلى أن يكون وفق مقاصد الدعوة الإسلامية ، موافقا لما في الشريعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في حديث أبي سعيد : "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم وأصحاب السنن.
خلاصة ما تقدم في تعريف الدعوة :
الدعوة هي طلب تغيير الواقع الحياتي للناس بالقول والفعل ليكون موافقا للشريعة في جميع نواحي الحياة .
وبهذا يكون مفهوم الدعوة كما تدل عليه النصوص الشرعية أعم من مجرد إلقاء القول إلى الناس وكفى، وإن كان هذا من الدعوة بل هو أصلها، لكن ليس هذا فحسب، بل يدخل في مفهومها هذا التبليغ، والتربية والتعليم لتكوين النماذج الإنسانية التي تتمثل فيها الناس في جميع ميادين الحياة.
تحقيق أهداف الدعوة واجب الدولة في الإسلام:
وبهذا تكون الدولة في الإسلام هي أول من يناط به تحقيق أهداف الدعوة وإظهار الدعوة الإسلامية على الدين كله أول واجباتها ، قال تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة 33.
وكذلك كانت الدولة في الصدر الأول وفي العصور التي كانت فيها الدولة الإسلامية تعد الدعوة إلى الله – بالمفهوم السابق- أهم واجباتها وسر وجودها ، وكانت تقوم من خلال مؤسساتها بتحقيق جميع ما يدخل تحت معنى الآية السابقة .
فكانت تأمر بالمعروف وتقيم شعائره ، وتنهى عن المنكر وتغيره،وتدفع الناس عليه بالترغيب والترهيب والقول ، ولو لم يتغير إلا بالقتال- في بعض الصور- سلكت سبيل القتال ، كقتال أهل الردة والبغي وأهل الحرابة والطائفة الممتنعة عن بعض شعائر الإسلام كما لو تواطأت طائفة على الامتناع عن أداء الزكاة أو الآذان وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه من كتب الفقه.
وكذلك تحمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى خارج حدودها وهو الجهاد ،جهاد الطلب، فتحمل الناس في الأرض على الخضوع للدين الحق كما قال تعالى: ( واقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله (.
ويدخل تحت هذا كله إرسال الدعاة ونصب القضاة والأئمة للفتيا، وإقامة الحدود وتجنيد الجنود، وما يلزم لذلك من الوسائل الإدارية وغيرها.
معنى وسائل الدعوة:(8/272)
ويتبين مما تقدم أن وسائل الدعوة هي كل الطرق والأسباب التي من شأنها أن تجعل الدعوة الإسلامية، واقعا متحققا في الحياة سواء كانت أسبابا شرعية أمر الله بها أو ندب إليها في الكتاب والسنة، أو كونية دل الشرع على إباحتها وجعلها الله كونا وقدرا تقتضي مسبباتها التي تكون في هذه الحال هدفا من أهداف الدعوة.
وهي بهذا الاعتبار تكون شرعية أيضا من جهة أن الشريعة دلت على إباحتها ، ودلت نصوصها العامة على شرعية استعمالها في تحقيق مقاصد الشريعة .
وسائل الدعوة يصعب حصرها:
وبهذا يتبين أن وسائل الدعوة ، بالمفهوم الشامل الذي بيناه ، والذي دلت عليه النصوص الشرعية، يصعب دخولها تحت الحصر ، فإن الأسباب والطرق التي يتوصل بها إلى تمثل المعروف في الحياة وزوال المنكر بقدر الاستطاعة كثيرة جدا ومتغيرة جدا ، فإن الله تعالى قد أجرى سننه الكونية على تغير كثير من الأسباب بتغير الزمان والمكان ، فقد يكون من الأسباب ما يقتضي حصول مسببات لم يكن يمكن حصولها في أزمان مضت، بل إن منها ما لم يسبق زمن بحصولها قط ،مثل ما يستعمل الآن من السلاح في الحروب فإنه يحصل به من تحقيق أهداف الحرب ما لم يمكن في الماضي ، ومنه ما يقضي على الأمة العظيمة من الجند بلحظة واحدة ، ومعلوم أن هذا لم يكن قط ليتحقق في الأسباب العادية الطبيعية في جميع العصور السابقة منذ بدأت الحروب بين البشر.
وسائل تحسين الجيوش الإسلامية من وسائل الدعوة:
وكذلك وسائل تحسين الجيوش وإدارتها وتقسيم الجند والقادة وما يلزم في ذلك من الأعمال الإدارية وأنظمة الجزاء و التعزير والعقوبات العسكرية وغيرها ، ما هو كثير يصعب حصره وخاضع للتغير والتطوير المستمر.
ومن وسائل الدعوة ، ما يحتاج إليه المسلمون من الأسباب والطرق التي تقتضيها ظروف العصر لتحصيل العلوم الشرعية، وتمكين حملتها من ممارسة دورهم في المجتمعات، وإدخالهم في مؤسسات الدولة ليتمكنوا من خلالها من إيصال الدعوة الإسلامية .
مثل إنشاء الكليات الجامعية ، وإدارتها بأساليب الإدارة الحديثة التي يكون أغلبها مما أحدثه غير المسلمين، ومنحهم الشهادات على النظام التي تعترف به الدولة وقد يكون من الأنظمة المستوردة من غير بلاد المسلمين.
ولهذا رأي من رأى من العلماء جواز استعمال نظام منح الشهادات العليا في العلوم التي يستعملها غير المسلمين، ولا تعترف غالب الدول الإسلامية إلا به، استعماله في علوم الشريعة ، مثل ما يسمي (الماجستير والدكتوراه) بنفس الترتيب الإداري الذي أحدثه أولئك ، ليتمكن حملة العلوم الشرعية بواسطته من تبوء المراكز العلمية التي تخولهم لإحداث التغير الذي ينشدون في مجتمعاتهم.
بل إن منهم من يدرس في البلاد النصرانية ويحصل على الشهادات العليا الشرعية من هناك ، وإنما يمنحه إياها جامعات تتبع دول النصارى ويكون ذلك عنده من الوسائل المباحة التي بها يتوصل إلى دعوة الناس إلى دين الإسلام .
ويدخل تحت وسائل الدعوة - إذا اعتبرنا الدولة الإسلامية ما هي إلا المؤسسة العليا المنوط بها القيام بالدعوة الإسلامية- كل ما تحتاجه الدولة من وسائل معنوية ومادية وإدارية ، حتى أساليب الإدارة الحديثة التي تدرس اليوم في كليات متخصصة وينال الدارسون فيها شهادات إدارية ، وكذا ما تحتاجه الدولة من ذلك لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونظام العقوبات الشرعية وترتيب إدارات القضاء والفتيا وتقسيم العاملين في ذلك كله وفق أنظمة العمل المعمول بها في العالم ، إذا لم يخالف شيء من ذلك الشريعة المطهرة.
ومعلوم أن هذا لا بد منه للدولة في العصر الحديث حتى لو كانت تدين بتحكيم الشريعة في كل شؤون الدولة .
وأن هذا كله مما يصح دخوله تحت اسم الوسائل، وأن ما يتحقق به هو نفسه أهداف الدعوة الإسلامية إذا كان ذلك ضمن عمل الدولة الإسلامية .
وسائل الدعوة في عمل الجماعات الإسلامية :
وإذا كانت الدولة في الإسلام يجوز لها استعمال كل الوسائل المباحة للتوصل إلى ترجمة التعاليم الإسلامية إلى واقع عملي هو حقيقة عمل الدعوة.
فالأمر فيما يتعلق بعمل الجماعات التي تتحرك لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية التي لا تكون الدولة فيها تدين بتحكيم الشريعة ،لا يختلف إذ لا وجه لاختلافه البتة ، فيصير تحت يديها كل ما لم ينص على تحريمه من الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها ، وكل التراتيب الإدارية الحديثة في تنظيم العمل الدعوي وأنظمة الإدارة التي تتطور ويتوصل الباحثون فيها إلى أساليب أكثر فعالية كلما تطور الزمان.
كما أن للدعوة الإسلامية أن تستعمل الوسائل الإعلامية المتطورة إذا خلت من المحاذير الشرعية، وقد تحتاج إلى ابتكار أساليب ووسائل جديدة أو تقتبس مما توصل إليه غير المسلمين من الوسائل والأسباب التي سكت عنها الشرع لإنجاح أعمال الدعوة في المجتمع ، كما فعل أولئك الذين اقتبسوا نظام التعليم عن غير المسلمين ، وجعلوا علوم الشريعة منتظمة تحته كوسيلة لتحقيق هدف التعليم الشرعي في الأمة ، بما يناسب العصر .
التخريج الشرعي لوسائل الدعوة:
وقد يظن ممن لم يتمعن في لوازم ما يقول أن الوسائل المتعلقة بالدعوة إلى الله ينبغي أن تكون توقيفية، لأن الدعوة إلى الله أمر شرعي داخل تحت اسم العبادة والعبادة توقيفية، فوسائلها كذلك ينبغي أن تكون توقيفية .
ومعلوم أن التوقيفي هو ما يتوقف العمل به على النص الخاص وما لا يصح فيه استعمال القياس.
ويتبين ما في هذا القول من مجانبة الصواب ، مع أنه قد يصدر من أفضل أهل العلم ، فلا بد من تناول المسألة من بابها الشرعي حسب قواعد الفقه وأصوله.(8/273)
علاقة وسائل الدعوة بأفعال النبي صلي الله عليه وسلم:
ويبدو في ظاهر الأمر أن الوسائل التي استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته في زمانه ، تدخل في حكم أفعاله ، لأن الوسائل غالبا ما تكون أفعالا وطرقا استعملها صلى الله عليه وسلم لتحقيق أهداف دعوته ، وقبل أن نبين العلاقة بين وسائل الدعوة وأفعاله صلى الله عليه وسلم ، لا بد من تقديم بيان موجز لأفعال النبي صلي الله عليه وسلم وكيف يستدل بها على الأحكام.
أقسام الفعل النبوي:
وقد قسم العلماء أفعاله صلى الله عليه وسلم إلى عشرة أقسام :
- الفعل الجبلي.
- الفعل العادي.
- الفعل الدنيوي.
- الفعل المعجز.
- الفعل الخاص.
- الفعل البياني المراد منه بيان مشكل أو مجمل في الأحكام الشرعية.
- الفعل الامتثالي الذي يقصد به مجرد الامتثال لطلب معلوم.
- الفعل المؤقت في انتظار الوحي، كإهلاله مطلقا قبل نزول الوحي في يمينه.
- و الفعل المتعدي، كتحريكه صلى الله عليه وسلم لابن عباس في الصلاة من يساره إلى يمينه.
- و الفعل المبتدأ المجرد، وهو الذي لا يقارنه قول ولا يدخل في الأقسام التسعة السابقة، والصحيح أنه يدل على الإباحة فقط ولا يستدل بمجرده على الاستحباب .
متعلقات الفعل النبوي:
وذكر العلماء أيضا ما يسمى بمتعلقات الفعل النبوي، وذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا مع التلبس بأمور مختلفة مثل :
1- يقع لسبب معين .
2- يقع من فاعل هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- يقع متعديا إلى مفعول .
4- لا بد أن يقع في زمان معين ومكان معين .
5- وعلى هيئة معينة .
6- وقد يستعمل فيه آله وعناصر مادية معينة.
7- وقد يقارنه أمور تقع معه .
8- وقد يقع الفعل مرة أو مرات معلومة أو مجهولة .
فقد يقع الفعل وله متعلق واجب، وآخر مندوب، وآخر مباح كصلاة الاستسقاء: صلى
ركعتين بثياب بذلة ولها لون خاص؛ فالأول واجب: أي أن تكون الصلاة ركعتين، والثاني: مستحب، والثالث: مباح .
و القاعدة الشرعية الجامعة في هذا الباب أن المطلوب المماثلة، إذا كان متعلق الفعل مقصود على أنه شرع عندما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الفعل.
ومثال ذلك ما لو فعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرا لسبب ثم زال ذلك السبب، فإنه لا يشرع ولا يكون فعل ذلك الفعل بعد زوال السبب سنة، لأنه ليس للشارع غرض مقصود في ذلك السبب على أنه شرع ، بمعنى أنه ليس كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما يتعلق بأفعاله من متعلقات يكون شرعا ، إلا إذا دل الدليل على أنه فعله بقصد التقرب إلى الله تعالى بخصوص ذلك الفعل، وسيأتي مزيدا من الإيضاح .
جهة فاعلية النبي صلى الله عليه وسلم للأفعال :
وكذلك من جهة فاعلية النبي صلى الله عليه وسلم للأحكام ، فإنه يتصرف :
1- بمقتضى التبليغ للرسالة .
2- بمقتضى الإمامة والسلطة العامة، ومقتضى السياسة العامة وتنفيذ الأحكام والقيام بالمصالح.
3- وبمقتضى الافتاء.
4- وبمقتضى الحكم والقضاء .
نتائج مما تقدم من بيان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم :
* كانت الوسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هي ـ في كثير من الأحيان ـ أفعاله صلى الله عليه وسلم التي يفعلها أو يأمر بفعلها أو يقر فعلها من صحابته للوصول إلى أهداف دعوته.
* والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحقق أهداف دعوته من جميع هذه الجهات.
* وكان يستعمل أساليب وأسبابا معينة وترتيبات إدارية كوسائل في التبليغ، وممارسة السلطة وتنفيذ الأحكام والقيام بمصالح العامة والإفتاء وغيرها .
* وكثير منها إنما هو من باب الأفعال النبوية لا الأقوال التي تخضع لدلالات الألفاظ الموضوع لها لغة وشرعا .
* وأفعاله صلى الله عليه وسلم كانت في كثير من الأحيان الأسباب الطبيعية والعادية التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي أمر بتحقيقها من خلال تنوع جهات فعله صلى الله عليه وسلم من مبلغ وإمام ورئيس دولة وقائد للجيوش ومنفذ للأحكام وقاض ومفتٍ. . . إلخ .
* وربما كانت في الأصل مباحة - لأن الفعل المجرد يدل على الإباحة - ، ولكنه استعملها ليتوصل بها إلى مستحب أو واجب من المأمورات العامة التي أمر بها ولم يتعبد بخصوص هذا الفعل .
* وربما لم تكن موصلة في زمان آخر ومكان آخر لنفس المأمور،فيجب مراعاة ضرورة تغير الأسباب بتغير الزمان وهو من السنن الكونية المستقرة في العقول بداهة .
* فالواجب أن يسلك حينئذ ما هو مباح من الأسباب والوسائل الأخرى ويكون ذلك من سنته وشريعته .
* وربما زال السبب الذي من أجله فعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل فيزول الفعل تبعا لذلك، ويكون عدم فعله من سنته وشريعته .
* وهذا كله لأن هذه هي طريقة الاستدلال الشرعي بالأفعال النبوية، فإذا نظر إليها من خلال ما تقدم من متعلقات فعلها، وجهات صدورها منه صلى الله عليه وسلم، تنوعت دلالتها على الأحكام وهي تختلف بذلك عن أقواله صلى الله عليه وسلم .
استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للوسائل :
*والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل أفعالا لتحصيل نفع في بدن أو مال له أو لغيره أو دفع ضرر كذلك أو يدبر تدبيرا في شأنه خاصة أو شؤون المسلمين عامة، لغرض التوصل لجلب نفع أو دفع ضرر ويدخل تحت ذلك :
التدابير التي اتخذها في الحرب من استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام، وتربية الخيل للقتال، وحفر الخنادق، وترتيب الجيوش وتدريبها .
والتدابير التي اتخذها في الإدارة المدنية من اتخاذ الولاة والكتاب والحراس والحجاب والسفراء والأعلام والشعارات، وقد ألف في ذلك الكتاني كتابه: ( التراتيب الإدارية (.(8/274)
وكثير من الوسائل التي استعملها عليه الصلاة والسلام ـ والتي هي من جملة أفعاله ، والاستدلال بها يدخل في باب الاستدلال بالأفعال النبوية ـ اقتضت الظروف في وقته أن تكون هي الأسباب الطبيعة التي تؤدي إلى تحقيق أهداف دعوته .
وليست كلها هو متعبد بفعلها لذاتها على وجه الخصوص، فكثير منها هو في الأصل فعل مجرد مباح لكنه صار واجبا لأنه يوصله إلى غرض واجب، وليس بالضرورة يكون كذلك في حقنا .
فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمل أسلوب الهجرة لتكوين المجتمع الإسلامي النواة في بيئة أصلح ثم الدولة .
والهجرة كانت في حياته صلى الله عليه وسلم حدثا عظيما يشكل متغيرا تاريخيا أو كما يسمى هذه الأيام ( القرار الاستراتيجي (.
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة كوسيلة من وسائل تحقيق أهداف دعوته ، وهي مع ذلك تدخل في الاستدلال بأفعاله صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يحتج إليها لم يهاجر، ولو لم يقع السبب الذي اضطره إلى الهجرة لما سلك هذه الوسيلة .
فهل يجب علينا سلوك هذه الوسيلة في كل ظرف وزمان ومكان حتى لو زال السبب الذي اقتضى هذه الوسيلة ؟
وقد ظن هذا بعض الجماعات، فأسسوا منهج الدعوة عندهم على أساس الهجرة ثم تكوين المجتمع النواة ثم الانقضاض على المجتمع الجاهلي ، وهي جماعة ( التكفير والهجرة(.
وأغرب منهم من يستدل بالأدوات والعناصر المادية التي كان يستعملها صلى الله عليه وسلم ، على أنها مما يتبع فيه مطلقا كاستناده إلى جذع ثم المنبر وبناء المسجد من طين والمنع من مكبر الصوت في باب الترك مثلا .
وقد أُتي الجميع من قلة فقههم في وجه الاستدلال بالأدلة الشرعية عموما وبالسنة والسيرة النبوية على وفق القواعد التي ضبط بها العلماء ذلك ، وظنوا أن مقتضى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة هو فعل ما فعل مطلقا .
والاستدلال بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم - التي تعتبر وسائل الدعوة وثيقة الصلة بها - يحتاج إلى فقه عميق، ومعرفة بالقواعد والضوابط التي وضعها العلماء لتعصم من الاستدلال الجزئي أو العشوائي الذي ينظر إلى النص مقطوعا عن نظائره وعن القواعد التي يفهم من خلالها .
جماع الاستدلال بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم على مسألة وسائل الدعوة:
وجماع ذلك يرجع إلى ثلاثة أمور :
1- أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة في الأصل إنما تدل على الإباحة لا يستدل بها بالنظر إلى ذاتها على أكثر من ذلك .
2- أن ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم قد استعملها كوسيلة من وسائل الدعوة، إنما استعملها لأنها في زمنه وظروف بيئته هي الأسباب الطبيعية التي تحقق له أهدافه فصارت مستحبة أو واجبة تبعا لذلك .
3- أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب يتحقق بمماثلته في صورة الفعل وحكمه وسببه والمقصد منه، ويتخرج من المجموع حقيقة التأسي به .
أمثلة :
ولهذا لو اتخذ من يريد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، اتخذ شعرا طويلا وفعله على وجه القربة والعبادة فليس متأسيا به لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك على وجه الإباحة فهذا حكمه فلا يفعل إلا على وجه الإباحة .
ولو فعل شيئا كان صلى الله عليه وسلم قد فعل لسبب في غير ذلك السبب لم يكن ذلك تأسيا به كالهجرة إذا لم يقم مقتضاها .
ولو فعل شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحقق هدفا ومقصدا لا يتحقق بنفس الفعل في هذا الزمان أو المكان لم يكن ذلك تأسيا به وهذا قد يكون في العبادات أيضا .
ومن الأمثلة على هذا : ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال : (والأخرى – يعني الرواية الأخرى عن أحمد – يخرج ما يقتاته وإن لم يكن من هذه الأصناف، وهو قول أكثر العلماء كالشافعي وغيره وهو أصح الأقوال فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء كما قال تعالى : { من أوسط ما تطعمون أهليكم }، والنبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير لأن هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه ). جزء الزكاة من مجموع الفتاوى ص 69 .
فتأمل كيف جعل إخراج الزكاة من غير الأصناف المنصوص عليها والتي فعلها صلى الله عليه وسلم وكانت وسائل مواساة الفقير في زمنه، جعل ذلك هو الصواب الموافق للشريعة المحمدية .
ومما قال أيضا : ( وهذا باب واسع قد بسطناه في غير هذا الموضع، وميزنا بين السنة والبدعة، وبينا أن السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعل على زمانه أولم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه ) مجموع الفتاوى 21/381 .
استعمال وسائل للدعوة لم يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون من سنته :
وقوله : ( لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه )هو موضع عظيم النفع، فإن كثيرا من وسائل الدعوة المعاصرة هي أسباب مباحة توصل لتحقيق أهداف النبي صلى الله عليه وسلم من دعوته، ولم توجد في زمنه لعدم قيام المقتضي لفعلها أو لوجود مانع منها لو زال رجعت إلى أنها مشروعة داخله في سنته وشريعته صلى الله عليه وسلم .
وقد يتنازع العلماء من أجل هذه القاعدة في أمور وقعت منه صلى الله عليه وسلم ، فيما يتعلق بالعبادات المحضة من أفعال اقترنت بها هل هي سنة ، أم لا تدل على ذلك .(8/275)
قال ابن تيمية رحمه الله : ( وهذا هو الأصل فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة هل فعلها استحبابا أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة ؟ تنازعوا في ذلك ). مجموع الفتاوى 1 / 281 .
وإذا كان هذا في مثل هذه العبادات المحضة فكيف في غيرها مما سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الوسائل والأسباب التي توصله لتحقيق أهداف دعوته العامة .
فكيف يصح أن يقال أنها توقيفية مطلقا ويغلق على المسلمين باب الاجتهاد فيها والقياس، وكيف يمكنهم أن يحققوا أهداف الدعوة الإسلامية مع تغير الزمان والمكان واقتضاء ذلك لتغيرالأسباب والوسائل، إذا كانوا يرفضون هذه الأسباب التي لا تدل الشريعة أصلا على تحريمها وإنها هي من المباح .
وبهذا يتبين أن القول بأن وسائل الدعوة توقيفية ليس بوجيه، وإن كان قد يقوله من أهل العلم والفضل من هو منهما بمكان .
شبهة للعلمانيين والرد عليها :
- ولا يلتفت إلى ما تشغب به الأحزاب العلمانية الضالة على الشريعة من خلال هذه الأصول الشريفة.
وهم يتعلقون بكثير من كلام علماء الإسلام وقواعد الفقه العامة، لكنهم يضعونها في غير موضعها ويشبهون بها على ضعاف العقول ومرضى القلوب، ولهذا نجحوا في الترويج لمذهبهم وبدعتهم الشنيعة في بلاد المسلمين، وأشكل كلامهم ـ كقولهم بأن إقامة الدولة وترتيب الإمامة بل وإقامة الحدود وسائل لتحقيق أهداف وروح الدين الإسلامي وأن ذلك يتحقق بغيرها في هذا الزمان ـ أشكل ذلك على كثير من المنتسبين إلى العلم الشرعي فتخبطوا في فقه السنة.
وجماع الجواب على ما تعلقوا به أن يقال :
أن جوانب الحياة البشرية لا تخرج عن ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
جوانب ثابتة متعلقة بحقيقة الإنسان ذاته في أي مكان وزمان وجد، كالعبادات المحضة من صلاة وصيام وحج وأحكام الطهارة والأسرة والمحرمات المتفق عليها المغروس في فطرة الإنسان قبحها كالزنا والسرقة والخيانة . . . إلخ .
القسم الثاني :
جوانب ثابتة الغاية والهدف ولكنها متغيرة الوسائل والأساليب والطرق التي تؤدي إلى الغاية حسب سنة الله الكونية، مثل طريقة الحكم ورسم المنهج الاقتصادي والخطة التعليمية . . . إلخ .
فهذه وضعت لها الشريعة قواعد وضوابط عامة لا يجوزالخروج عنها .
فالحكم يقوم على أصول منها : أن يكون بما أنزل الله وأن يكون بالشورى ويراعي فيه العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان . . إلخ .
وتركت الوسائل إلى اجتهاد الأمة، مثل كيفية تنظيم الشورى ومبايعة الحاكم وتحديد المصلحة والمفسدة . . . إلخ .
القسم الثالث :
ما سوى القسمين السابقين من الأمور المباحة التي اقتضت حكمة الله تعالى أن يتعلمها الإنسان يما أودع الله فيه من العقل، كالاكتشافات العلمية والأنشطة البشرية التي لا تدخل في حكم الواجب أو المستحب أو المكروه أو الحرام فهي من المباح .
وكشؤون الصناعة والزراعة والعمارة ومظاهر الحياة المادية وغيرها .
فهذه مسكوت عنها رحمة لا نسيانا لأنها تخضع للتجربة البشرية، وسريعة التغيروالتطورفي حياة البشر فتركت لهم .
لكنها تقع تحت الغاية الأساسية من الوجود وهي عبادة الله ، إذا توصل بها المسلمون إلى تحقيق علو كلمة المسلمين على غيرهم ورفع دين الإسلام على الدين كله .
وبالجملة فإن جوانب الحياة البشرية لا تخرج عن هذه الأقسام، وتصير الأحكام الشرعية تبعا لذلك قسمين :
1- قسم قد جاء فيه نصوص خاصة تفصيلية ثابتة، وهو في الجوانب الثابتة التي لا تختلف باختلاف الظروف إلا ما كان من متعلقات ثانوية قد تتغير كالمثال المتقدم في زكاة الفطر .
2- وقسم جاءت النصوص فيه عامة، وأمر المسلمون أن يحققوه بأي وسيلة مباحة .
من محاسن الشريعة الإسلامية :
وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية، لأن الحياة فيها ما هو متغير ومتطور فأنزل الله نصوصها قابلة لهذا التغير والتطور ومنها ما هو ثابت فجاءت النصوص كذلك، ولهذا بقيت الشريعة صالحة لكل زمان ومكان .
ومن الأمثلة على ذلك أن الله تعالى علق بعض الأحكام على الاسم العام كالسفر ليدخل فيه كل سفر وإن كانت مدته قصيرة كسفر الطائرة مثلا وذلك ليستوعب الحكم تغير الزمان، وأمر بالإنفاق من السعة ليقبل ذلك اختلاف الزمان والمكان وأعراف الناس . وكل ذلك عمل بالشريعة كل في بابه التوقيفي وغير التوقيفي .
خلاصة مهمة :
وبهذا يتبين أن القول بأن الوسائل توقيفية يعني أن وسائل الدعوة في عهد النبوة لايجوز لأحد أن يسلك غيرها ولا يتخذ سواها للوصول إلى أهداف الدعوة الإسلامية، وهذا يقتضي أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة واجبة الاتباع وليس مباحة في الأصل، لأن الوسائل التي اتخذها صلى الله عليه وسلم هي من أفعاله، والقول بأنها واجبة الاتباع خلاف الصواب .
كما أن القول بأن الوسائل توقيفية يقتضي أن نخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في مقصده من سلوك وسائله، لأنها في زمنه كانت تؤدي إلى مقاصده، وقد لا تؤدي في غير زمنه نفس المقاصد، وذكرنا على هذا مثال إخراج زكاة الفطر من الأصناف التي أخرجها صلى الله عليه وسلم، فلو قيل إن هذه الوسيلة في مواساة الفقير توقيفية، لأدى ذلك إلى الوقوع في حرج كبير، إذ قد لاتحصل مواساة الفقير في كل زمان ومكان بنفس الذي حصل في زمنه صلى الله عليه وسلم .(8/276)
والنتيجة أن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم المجردة حكمها الإباحة، والقول بأن الوسائل توقيفية يؤدي إلى أن تكون واجبة، وأن فعل الوسائل التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم قد لاتؤدي إلى مقاصد الشريعة بل إلى ضدها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها لأنها في زمنه تؤدي إلى مقاصده، ولو لم تكن كذلك لما فعلها، فليس فعلها لذاتها هو المطلوب ، وإنما مجموع فعلها المؤدي إلى مقاصدها هو المطلوب .
وبهذا يتبين أن القول بأن الوسائل توقيفية في غاية الضعف .
استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لوسائل الدعوة :
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم لإنجاح دعوته أتم وأكمل وأفضل الأسباب والوسائل في عصره فقد :
1- استعمل أسلوب الأهداف المرحلية، فبدأ بالدعوة الفردية مع شيء من السرية ثم انتقل إلى مرحلة الجهر .
2- واستعمل التمرحل أيضا في التنفيذ، فقد أمر أولا بكف الأيدي وعدم استعمال العنف ثم أذن فيه ثم أمر به كما أوحى الله إليه وعلمه .
3- واستعمل أسلوب التراكم الكمي الذي يؤدي إلى التغير الكيفي، فقد امتلأت المدينة من أتباعه وحرص على نشر دعوته فيها قبل قدومه ليؤدي ذلك إلى التغير الكيفي بالتدريج .
كما قال جابر رضي الله عنه : (( حتى لم يبق دارمن دورالأنصارإلا ودخله الإسلام ). رواه أحمد.
4- واستعمل تغيير البيئة وإيجاد بيئة أفضل للدعوة كما في قصة الهجرة ، فلم يبق في مكة حيث البيئة لم تعد صالحة لبقية الأهداف المرحلية .
5- واستعمل أسلوب تغيير بعض مراحل الخطة إذا اقتضى الأمر ذلك كما فعل في الحديبية .
6- واستعمل أسلوب الحرص على مراكز القوة في المجتمع، ولهذا كان – أحيانا – ينتقي في الدعوة فأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان معروفا في قريش مؤثرا في الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على إسلام عمر. رواه أحمد وغيره .
7- وكان يستعمل أساليب الإعلام الأكثر تأثيرا كالشعر، فاتخذ شاعرا هو كعب بن مالك .
ومما يدل على تمام حكمته وعلمه عليه الصلاة والسلام أنه عندما جاءه وفد الأنصار فوافوه شعب العقبة آخر العهد المكي قال للعباس هل تعرف هذين الرجلين قال العباس : ( نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك، قال كعب : لا أنسى قول النبي صلى الله عليه وسلم : الشاعر؟ قال نعم .(
فكأنه أعجبه صلى الله عليه وسلم أن يكون معه شاعر ليكون جهازا إعلاميا لدعوته في العرب.
ولهذا اتخذ خطيبا أيضا هو ثابت بن قيس .
8- وكان حريصا على السمعة الحسنة لدعوته وتكثير المؤيدين ، ومن ذلك ما كان يفعله في المؤلفة قلوبهم، وقد عفا عن ذلك الأعرابي الذي سل سيفه وهو نائم فوجده قائما وبيده السيف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول من يمنعك مني ؟ قال : (( الله )) فسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : (( من يمنعك مني ؟ )) قال الأعرابي : كن خير آخذ، فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ، وانطلق الأعرابي يثني على النبي صلى الله عليه وسلم في قومه .
9- وكان يسلك وسلية التربية القيادية الخاصة والتوجيه والإرشاد العام لتوسيع القاعدة الشعبية .
10- واستعمل أسلوب التمرحل.
11- وكان يقسم معارضوه إلى درجات متفاوتة ويحرص على تميز هذه الدرجات ( مناصر، مؤيد، محايد ، عدو محارب ، عدو غير محارب ( .
12- وكان يحرص على الروابط بين القياديين في دعوته، ويدل عليه مصاهراته للقادة وهم خلفاءه من بعده .
13- واستعمل أسلوب الهيكل التنظيمي، كما نقب النقباء في بيعة العقبة .
14- واستعمل أسلوب الإفادة من الوضع السياسي القائم، كما أمر أصحابه بالهجرة إلى النجاشي لعدله .
15- وأسلوب التخلي عن بعض المصالح الجزئية طلبا لما هو أعظم منها، والرجوع خطوة إلى الوراء لكسب خطوتين إلى الأمام كما في صلح الحديبية .
16- واستعمل أسلوب الثواب والعقاب المادي والمعنوي، كما في قصة المخلفين وغيرها كثير .
17- وكان يستعمل في الجهاد الذي كان أعظم وسيلة لتحقيق أهداف دعوته،
فاستعمل فيه –كل الوسائل المباحة المشروعة التي أتيحت له في عصره :
(كالحصار، وضرب الخندق، والمباغتة، والمخابرات، والحرب النفسية
" شعر حسان "، ووسائل الاتصال كما في غزوة حنين، ونداء أصحاب السمرة، ورفع الروح المعنوية في الأنشودة كما في أثناء حفر الخندق، وإرهاب العدو "نصرت بالرعب " و قتل الأسرى "، والمهادنة، والتوقيت المناسب للحرب، والاغتيال، وجر الخصم إلى المعركة، وفتح الجبهات على العدو لإشغاله كما في قصة الخندق. (
ماذا يترتب على القول بأن وسائل الدعوة توقيفية :
والقول بأن وسائل الدعوة توقيفية يترتب عليه إلغاء أي وسيلة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مباحة في شريعته وإن أدت إلى تحصيل مصلحة شرعية توافق سنته ودينه .
وفي هذا العالم المعقد المتطور تطورا سريعا، حيث يقف الدعاة وأمامهم معركة متشابكة الأطراف متداخلة الأهداف، في عالم قامت فيه أحدث المؤسسات الثقافية والاتصالية والإعلامية والسياسية والتجارية والتكنولوجيا المتطورة .
كيف ينتصرون في معركتهم مع أعداء الإسلام ؟ بل كيف يبقون في ميدان الصراع مع عدم الأخذ بالوسائل والأسباب الحديثة التي يكافئون أو يقاربون بها أعداؤهم إذا لم تدل الشريعة على تحريمها .
بعض صور الوسائل الحديثة :(8/277)
وفي مجال العمل الدعوى المنظم ، يحتاج الدعاة –في كثير من البلاد إلى عمل منظم جماعي حركي ذو آلية متطورة – يتخذ فيه القرار بناء على معلومات دقيقة عن المجربات اليومية المتلاحقة فحسابات، فمعرفة بالبدائل، فدرجة مخاطرة ثم ينتج القرار الذي يكون مصيريا في كثيرمن الأحيان يحتاج فيه إلى معلومات تجمعها لجان متخصصة متابعة للأحداث، وذلك كله لا يتم على الوجه المطلوب إلا باستعمال وسائل الإدارة الحديثة ونظرياتها .
ويحتاج فيه إلى منهجية دقيقة للاتصال الداخلي وتقويم للعلم الحركي مستمر، ومناخ تنظيمي سليم وتخطيط ومتابعة وتطوير، حتى لو لم يكن كل ذلك سريا ، بل علني تسمح به الدولة.
فهذا ما يتعلق بنظام الدعوة الداخلي .
أما في المجال الخارجي عن جسمها ، فإنها – مثلا –قد تواجه نظاما جديدا تعيش فيه ، تضطر إلى سلوك أساليب معينة للمحافظة على الدعوة قد لا تناسب بيئة أخرى .
ومن ذلك أنه قد يكون ( ولي الأمر ) هذا الاسم الشرعي ، هو في الواقع عبارة عن مؤسسات مترابطة، وشبكة من الإدارات السياسية تؤثر في درجة وجودها وقوتها وبقائها عوامل خارجية سياسية، وقوة اقتصادية، وثقل عائلي أو طبقي .
وقد تكفل هذه المؤسسات بطبيعتها، أساليب مسموح بها للضغط على الحاكم، لأن الحكومة تعتبر طرفا في هذه المؤسسات لا أكثر، ونظاما لنزع الثقة من الحكومة أو من وزير من وزارئها .
ويضمن أن لا يصيب الداعيين إلى ذلك ضررما يسمى بالحصانة البرلمانية .
فكيف تتعامل الدعوة مع هذا الوضع، وهل تفهم النصوص الشرعية في ولاة الأمر بأن تضعها في غير موضعها كما في هذا المثال .
وهل تبقى الدعوة بعيدا عن التأثير في الأحداث وكسب المواقف لصالح أهدافها من خلال الظروف الجديدة التي تكتسح العالم هذه الأيام بما يسمى ( بالديمقراطية (.
أم يجوز أن تسلك هذه الوسائل، مما يحتاج من الدعاة إلى فهم ووعي لأساليب ( العمل السياسي ) في الدولة وكيفية التعامل مع كل طرف منها ، وكيف تناور لتكسب، أو تخسر شيئا لتكسب شيئين، وكيف تحافظ على التوازن بين الضوابط الشرعية والمواقف التي يضطرها إليها دخولها المعترك السياسي لتحافظ على نفسها ؟
مما يجعلها محتاجة إلى منظومة من الإدارات سريعة الحركة والحكيمة والمترابطة ونظاما للمعلومات وانسيابا في الخطوات المرحلية يتناسب مع سرعة التغيرات في الساحة ؟
وقد يحتاج إلى قدر من السرية ، لأنها في معترك سياسي تتنافس فيه الأحزاب على ضرب بعضها بعضا وتستفيد من المعلومات الداخلية لكل حزب بشكل مؤثر وخطير .
توسيع دائرة وسائل الدعوة ضرورة لتغيير واقع المسلمين في بعض البلاد :
ومما يستعمله الدعاة في بعض البلاد –هذه الأيام ويمكن بواسطته تغيير كثير من واقع المسلمين إلى الأفضل، ولوج الاتحادات الطلابية، ونقابات العمال، والمعلمين ونحو ذلك ، والمجالس النيابية أو غيرها مما يحتاج في القيام بأعبائه إلى عمل دؤوب ولجان متخصصة، وهي وسائل لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم، ولو تركت بهذه الحجة بناء على أن وسائل الدعوة متوقفة على نصوص خاصة لأنها توقيفية ، لأدى ذلك – في بعض البلاد –إلى استغلال أهل الفساد وأعداء الدين وأصحاب المذاهب العلمانية لها لاجتيال شعائر الدين في المجتمعات الإسلامية وما أحرصهم على ذلك .
يجوز استعمال الوسائل المحرمة أحيانا :
بل إنه يجوز على الصحيح استعمال وسائل تقترن بمحرم في الأصل إذا دخل ذلك في قاعدة (ارتكاب أخف الضررين ) وقد جاء في الشريعة ما هو أصل لذلك، وهو إباحة الكذب في الإصلاح بين الناس، لأن مفسدة فساد البين أعظم من مفسدة الكذب، ولا يعني هذا استعمال الكذب في مصلحة الدعوة، فإنه ليس من مصلحة الدعوة في شيء، بل أعظم مصلحة للدعوة إنما تكون في الصدق، والصدق يجب أن يكون شعارها، والدعاة أولى الناس بأن يكونوا أصدق الناس فإن الكذب من شعب النفاق .
وإنما المقصود إعمال هذه القاعدة الشرعية في مواضعها إذا تحققت شروطها، وأن هذا يجوز أيضا في وسائل الدعوة بحسب الضوابط الشرعية.
خلاصة البحث :
وبهذا يتبين – إن شاء الله – أن وسائل الدعوة الأصل فيها أنه يجوز استعمال المباح منها ولا يتوقف ذلك على نص خاص يدل على مشروعية استعمالها بخصوصها، وأن القول بأنها توقيفية بعيد عن قواعد الفقه وأصول الاستدلال الصحيح بأدلة الشرع والله أعلم .
فتوى للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
ومما قاله العلامة الفقيه محمد الصالح العثيمين رحمه الله : ( والوسائل ليس لها حد شرعي، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود، ما لم يكن منهيا عنه بعينه، فإن كان منهيا عنه بعينه فلا نقربه، فلو قال : أنا أريد أن أدعو شخصا بالغناء والموسيقى لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذبا له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح له ذلك ؟ لا ، لا يجوز أبدا ، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها يقول هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير ) . لقاء الباب المفتوح رقم 15 ص 49 .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
((((((((((
الفهرس العام
الباب الثامن – دراسات وخلاصات
183 وسيلة دعوية للمرأة المسلمة.
تعاون الدعاة وأثره في المجتمع .
لكي لا يتناثر العقد .
الدَّاعِيَةُ البَصِير أخلاقُهُ وَصفاتُهُ وَمنهجُه
حراسة الفضيلة.
أهداف الدعوة ومنطلقاتها
المرأة في موكب الدعوة .
نصائح وتوجيهات في الحج
رسائل إلى المرأة في الحج.(8/278)
أعذار المتقاعسين
مقومات الداعية الناجح .
92 وسيلة دعوية
وثيقة حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام
صفات الداعية
معالم الدعوة إلى الله
صدق الانتماء إلى الدعوة
شرفٌ كيف تناله ؟
الوجيز في مقومات الداعية
أساليب التربية والدعوة والتوجيه من خلال سورة إبراهيم
فرسان الدعوة ( الجزء الأول )
المعلم و المعلمة الداعية.
الدعوة إلى الله
دليل الفرص و الوسائل الدعوية
وسائل الدعوة
الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال
سوق الدعوة
عوامل النصر و التمكين في دعوات المرسلين
واجب الأسرة المسلمة في الدعوة إلى الله.
تفاني السلف في الدعوة إلى الله
أيها الداعية قف وانتبه.
المرأة بين الحلال والحرام
دعاة لا أدعياء
دور المرأة في بناء المجتمع.
كيف تدعو فرداً.
حاجة الدعاة للعلم الشرعي.
المرأة في ذي الحجة .
زاد الحجيج.
(عدة الداعية)
الدعوة إلى الله أهميتها - وسائلها
توجيهات للأخوات الداعيات
الوصايا العشر للعاملين بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .
كيف تدعوا إلى الله (1-2)
رسالة عاجلة للدعاة
أفكار للداعيات
القول البيّن الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( 1/2 )
دعاة في البيوت
هم الدعوة
لابد أن تكوني داعية
المصلحون يصنعون الفرص
الخطاب الدعوى ومآسي المسلمين
الوسائل الدعوية
30 وقفة في فن الدعوة
من أخلاق الداعية
مميزات الدعوة المكية
حكمة الدعاة إلى الله .
الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت
دعوة المرأة وقفات تقويمية
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة
حكمة الداعي وأدب المدعو
طريق الدعوة الإسلامية.
متطلبات الدعوة ووسائلها
أسس الدعوة
كُن داعياً
دور المرأة في العمل الإسلامي
الدعوة بالرفق والشدة
مسؤولية المرأة في الدعوة إلى الله
متطلبات في شخصية الدعاة ( 1- 2)
المنهاج النبوي في دعوة الشباب
وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد (1- 2)(8/279)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (9)
الباب التاسع- استشارات دعوية
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب التاسع- استشارات دعوية
. ما الأفضل في العمل الدعوي تعدد الأعمال أم التخصص ؟
لي أنشطة كثيرة ومشاركات في أعمال دعوية ، وأشعر بالتعب لكثرتها وتشتتها ، مع أني أجيد بفضل من الله تعالى كل عمل ألتحق به ، فماهو الأفضل لي ؟ هل أستمر بالنشاطات المتنوعة مع كثرتها وتشعبها ؟ أم أتخصص في نشاط أو نشاطين ليكون عملي مركزا ؟؟!!
الجواب
في البداية أهنئك على أنشطتك ومشاركتك الدعوية ، وأسأل الله لك الثبات وأن تكوني ممن قال فيهم : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? سورة فصلت (33) ..
أخيتي .. الأفضل هو ما يناسب حالك ، ويضمن استمرارك . والناس يتفاوتون في قدراتهم ، فإذا كنت تجيدين كل ما تلتحقين به ، وسيحصل منك نفع للمسلمين فهذا هو الأفضل ، وأسأل الله لك الإخلاص والسداد والعون .
وتوكلي على الله وخذي بالأسباب ومن أهمها الدعاء مثل : " اللهم انفعني وانفع بي واجعلني مباركة أينما كنت " .
أما إذا أحسست أنك غير قادرة تماما على العطاء في كل جانب ، فانظري ما يناسبك وتخصصي فيه ، وركزي عليه وابذلي جهودا كبيرة فيه ، ولكن انتبهي من تخذيل الشيطان ، كأن تتخصصي في نشاط أو نشاطين وتركزي عليها ولا تأخذي من وقتك إلا القليل ، ويبقى وقت طويل لا تستفيدين منه ، بخلاف لو كان لديك أنشطة عديدة تشغلين بها وقتك فيما يفيدك ويفيد غيرك .
وفقك الله وسدد خطاك .
المستشار : أ. فوزية الشِّدي .
=============
. كيف أتصرف مع طالبتي ؟
أحسن الله إليكم... أنا معلمة للقرآن الكريم في دار لتحفيظ القرآن ، لدي طالبة في الفصل لاحظت عليها تضايقها من القرآن ، وبعض الأحيان تصاب بحالة إغماء ، سألت أهلها فأخبروني بأن لديها مرضا نفسيا وأسموه ( عدم استقرار العاطفة ) ، فما هو الأسلوب الصحيح في التعامل معها ؟ وبالنسبة لحالة الإغماء التي تنتابها أمام زميلاتها هل الأفضل استمرارها في الدراسة أم فصلها من الدار؟!
أرشدوني جزيتم خيرا.
الجواب
الأخت معلمة القرآن ..
هنيئا لك فأنت من خير الناس كما قال صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "
ذكرت حفظك الله أن لديك طالبة تصاب بالإغماء وتتضايق من القرآن ، تعلمين رعاك الله أن أي مشكلة تبحثين لها عن حل لا بد أن تعرفي أسابها فإذا وصلتي للأسباب ستعرفين العلاج بعد ذلك ، فابحثي عن سبب التضايق ..
هل تعتقدين أن الطالبة مصابة بمس أو سحر أو عين مثلا ؟
أو تتوقعين أن الطالبة مصابة بمرض نفسي مثل ما ذكر أهلها أنها مصابة ( بعدم استقرار العاطفة ) ؟
من خلال تعاملك معها ، إن رجحت التوقع الأول فعليك أن تحاولي مساعدتها بالقراءة عليها بأي شكل من الأشكال ، والمداومة على ذلك وعدم الانقطاع ، وأنت مأجورة بإذن الله تعالى على مساعدتها ، وتحتاج المسألة إلى صبر وتصبر واحتساب خاصة أن أهلها غير متفهمين لوضعها .
وإن كان التوقع الغالب هو الثاني فلا بد من إرشاد أهلها لمراجعة طبيبة نفسية ، ونصح والدتها باحتوائها وإغداق الحنان عليها بمختلف صوره ، والثناء عليها ومدحها .
ويمكن أن تنسقي بينك وبين والدتها في خطة لعلاج الطالبة التي تفقد الحنان وما أكثرهن في مجتمعنا ، والمسألة أيضا تحتاج إلى حكمة وصبر وتروي وستجدين نتائجها بإذن الله تعالى ، ويكون لك بعد الله الفضل في إنقاذ أم المستقبل هذه البنية من هذه الحالة التي يمكن أن تدمر حياتها .
فالرحمة والحنان ، والحزم وحسن التوجيه ، عقد لا بد أن يلبسه المربي حتى يتقن عمله ، وهو مأجور في كل أحواله بإذن الله تعالى .
والشق الثاني من سؤالك .. هل الأفضل استمرارها في الدراسة أم لا ؟
هذا يعود إلى المصلحة والمفسدة ..
هل الأثر سيئ على زميلاتها وحالتها مزعجة لهن ؟ ولها أثر في تحصيلهن ؟
فالمصلحة العامة مقدمة على الخاصة . إن لم يكن لها كبير أثر، فلعل في استمرارها مع أهل القرآن خير كثير .
نسأل الله التوفيق والسداد وأن يجعلكم من خير خلقه والله يحفظك ويرعاك ..
المستشار : د. الجوهرة المبارك .
=============== ...
. أريد معرفة الطريقة الأفضل لدعوة زميلاتي ؟
أنا طالبة بالدراسات العليا أعمل كل ما بوسعي لمساعدة زميلاتي و لكنني لا أجد منهن تعاملا مماثلا لما أبذله معهن ، مع أنني و الحمد لله لا أريد شكرا أو ردا من إحداهن ، بل أبتغى مرضاة الله ، و لكن هل أكون آثمة إذا لم أنكر عليهن ما أراه منهن من مخالفات ، أم أنه ليس من الضروري أن أخبرهم بكل شيء ؛ حيث أني أتقرب منهم لأدعوهم ؟ أم أنه سيؤثر سلبا على دعوتي إياهم ؟ أفيدوني و جزاكم الله خيرا..
الجواب
أختي طالبة الدراسات العليا ...
ذكرت أنك تعملين ما بوسعك لزميلاتك ، لكن لا تجدين تعاملا مماثلا ، ثم ذكرت أنك لا تريدين شكرا أو ردا من إحداهن ، وهذا هو المفترض .
إذا قدمت لأحد خدمة قدميها وأنت ترجين ما وراءها من الأجر والمثوبة ، وستعرفين مدى إخلاصك في ذلك ، إذا انزعجت من عدم الرد بالمثل ، فيعني ذلك أنك تريدين الثناء وليست خالصة لله .(9/1)
فمن الأفضل إذا رأى الإنسان في نفسه أنه ينزعج من الآخرين الذين لا يبادلونه بالمثل ، أن يكون طبيعيا ويكف أذاه عنهم فقط ، ولا يقدم ما يريد منهم رده ، وهذا القول تفسير لقوله عليه السلام : " قل خيرا أو اصمت " أي إن استطعت أن تعودي نفسك ببذلك الخير بدون أن تنظري للثناء فهذا خير عظيم ، وإن لم تستطيعي فاصمتي ، أي : كفي أذاك وعليك نفسك .
والشق الثاني من سؤالك حفظك الله .. هل أكون آثمة إذا لم أنكر عليهن ما أراه من مخالفات ؟ وهل سيؤثر سلبا على دعوتهم ؟
ما هي الدعوة أصلا يا عزيزتي إلا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وترغيب في الخير وتحذير من الشر وأهله ، والداعية الذي يؤتى الحكمة في دعوته هو الذي يرى نتائجها وثمارها يانعة سريعة .
فمن أهم صفات الداعية : أن يعرف متى يتحدث ؟ ولمن يتحدث ؟ وماذا يقول؟
فالأسلوب الراقي ، والعلم التأصيلي الموثق بالكتاب والسنة ، والابتسامة والكلمة الطيبة ، والخلق الحسن ، والتأني ، والشعور بالآخرين ، وإظهار المحبة لهم .... إلخ ، وغيرها كل هذه من العوامل التي تجعل دعوتك لصديقاتك مقبولة ، بل لن تنفر منك إلا الشواذ منهن ، قاسيات القلوب ، المتكبرات المتغطرسات ، ولكن تنبيهك للواحدة منهن على انفراد بدون استعلاء ولا ترفع عليها ، مع جعلها تحس أنك تحبين لها الخير ، مع حسن خلقك الدائم معها ، وتقديم الخدمات لها بدون ذلة أو تنطع أو مبالغة ، لا شك أن ذلك سيجعل لك مكانة عندهن ويجعل لك قبولا .
اعلمي أنك مثابة بإذن الله على كل ما تفعلينه حتى تفكيرك في الأساليب وسعيك لنشر الخير ، وحرقة أعصابك ، وفي كل ذلك أجر؛ لأنه لله ومن أجل الله .
أسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك ...
المستشار : د. الجوهرة المبارك
=============== ...
. دعوة المعلمات والمشرفات التربويات ..
يوجد ملحوظات كثيرة على المعلمات والمشرفات التربويات ، سواء في اللباس أو التصرفات ، وفي مدرستي وغيرها ، فما الطريقة المناسبة لمناصحة المشرفات أومعلمات المدارس القريبة التي قد أراها وقد أسمع بها ؟!!
الجواب
أختي الفاضلة .. الطريقة للمناصحة :
1- أخلصي النية لله ليتحقق لك التيسير والتسديد .
2- الاستعانة بالله لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله .
3- كثرة الدعاء لك ولمن أردت مناصحته .
4- حددي ملحوظاتك ، وتزودي بالعلم الشرعي الذي يتناول هذه الملحوظات .
5- بداية الأمر يحتاج إلى كسب مودة من تريدين مناصحتهم ليتحقق لك القبول لديهم بإذن الله .
6- عقد جلسة يومية أو أسبوعية للمعلمات عامة ، يشارك في تنفيذها كل من لديها الرغبة والقدرة ، وابدئي بمواضيع ( إيمانية ) تقوي الإيمان مثل : ( عظمة الله – أسماء الله وصفاته – علامات قوة الإيمان – اليوم الآخر ) ، ومواضيع( اجتماعية ) مرغوبة لدى الجميع مثل :
( حقوق الأبناء – الأساليب التربوية الناجحة في تربية الأبناء – حقوق الزوج – الآداب الاجتماعية ) ، ومن المعلوم أن القلوب فطرت على حب الخير ومجالس الذكر . واحذري توجيه النقد المباشر .
بعد تحقق القبول بإذن الله ، ابدئي بالتوجيه الغير مباشر للملحوظات دون جرح للمشاعر، وستلاحظين تلاشي المخالفات تدريجيا بإذن الله ، ولكن لا تستعجلي الثمرة ، فقد نفذت هذه الطريقة في الكثير من الاجتماعات العائلية أو في مجال العمل ونفع الله بها .
أما إن كانت الملحوظات على معلمات في مدارس أخرى أو على مشرفات تربويات ، فيمكن أن تتواصلي مع من تثقين بها ، ولديها القدرة من منسوبات المدارس أو مركز الإشراف لتتولى المناصحة بنفس الطريقة السابقة أو حسب ما تراه مناسبا .
مع كثرة الدعاء للجميع بالتوفيق والسداد وصلاح القلوب ..
المستشار : أ. منيرة المفرج
=============
. توقفت عن الدعوة بسبب المواصلات ..
في السابق كنت أذهب لإلقاء المحاضرات في كثير من الأماكن وكنت أتكبد المشاق بسبب عدم وفرة المواصلات ، وفي الفترة الأخيرة توقفت عن المحاضرات بسبب ذلك ولكني أود تعويض نفسي بالدعوة في مجالات أخرى ، فما هي المجالات المناسبة التي أدعو من خلالها إلى الله تعالى غير المحاضرات ؟!!
الجواب
أختي الفاضلة ..
المواصلات في مجال الدعوة قد تكون فعلا من الصعوبات التي تواجهها الداعية ، ولكن يمكن التغلب عليها عن طريق :
1- الاتفاق مسبقا مع دار التحفيظ أو المسجد أو أي مركزعلى تأمين المواصلات لك ، وخاصة أن البعض لديه الإمكانية ويبدي استعداده لذلك .
2- رتبي لزياراتك واجتماعاتك العائلية وغيرها لاغتنامها في الدعوة إلى الله ، ولا يشترط أن تلقي محاضرة كاملة ، ولكن يكفي الاستعداد الذهني لما ستجدينه من مخالفات ، أو ما ترغبين في الحث عليه من أمور الخير ، فاجعلي لكل زيارة هدف تحققينه حسب أهميته والحاجة إليه ، وحاولي الوصول إليه بكل وسيلة ممكنة مثل : ( المناقشة والحوار ، أو توزيع شريط أو مطوية وغيرها ) .
3- الدعوة إلى الله مجالها واسع ولا تقتصر على إلغاء المحاضرات فمن الممكن :
أ- المشاركة في مواقع الإنترنت مثل : ( لها أون لاين – موقع دعوتها – موقع آسيا ) من المواقع الجيدة .
ب- التواصل مع المجلات الأسبوعية والصحف اليومية لطرح ما لديك ، ويمكن أن يتحقق التواصل بسهولة عن طريق الفاكس أو البريد الإلكتروني بهذه المجلات والصحف .
ج- التواصل مع قناة المجد عن طريق المشاركات بالفاكس ، أو عبر شريط الرسائل ، والتنوع في المشاركات ( مواضيع – مقترحات – آراء .... ) .
د- المساهمة في جميع الأنشطة الدعوية في مكاتب الدعوة أو المراكز المتخصصة عن طريق الدعم المادي لهذه الأنشطة .(9/2)
هـ- إذا كنت غير موظفة يمكنك التعاون مع بعض المعلمات في المدارس لمساعدتها في تنفيذ بعض البرامج التربوية الهادفة داخل المدرسة ، وفق ضوابط العمل التربوي .
و- توزيع الشريط الهادف المناسب أو المطوية ولكن اختاري الموضوع المناسب والوقت والمكان المناسب .
ز- أنصح بالاطلاع على موضوع ( 1000 وسيلة دعوية ) .
المستشار : أ. منيرة المفرج
... ================
. كيف أستطيع الوصول إلى الفتيات غير الملتزمات؟
أستطيع بسهولة الوصول إلى قلوب الفتيات الملتزمات ، ولكن الفتيات غيرالملتزمات جد صعوبة في الوصول إليهن ، مع العلم إني أتودد إليهن وأعاملهن برفق ولين،فما الطريق للوصول إلى قلوبهن؟
الجواب
أختي الفاضلة .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بارك الله في جهودك وأعانك على إكمال الطريق ، ثم احمدي الله الذي بفضله امتن عليك بنعمة التأثير في قلوب ذوات الفطرة السليمة ، واسأليه المعونة في إرشاد توجيه غير الملتزمات ، وأخلصي النية لله تبارك وتعالى .
كما أن المداومة على النظر والتلاوة والتدبر في كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسيرته ، والإلمام بفقه وهندسة الدعوة ، كفيلة بإكسابك مهارات الدعوة للفتيات غير الملتزمات .
اسأل الله للجميع الثبات في الحق والعزيمة على الرشد ، إنه جواد كريم والهادي إلى سواء السبيل .. وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
المستشار : د. سميرة حسن أبكر
=============
. ما أفضل طريقة للاستفادة من عطلة عيد الحج دعويا .
لن أحج هذا العام ولكني أريد الاستفادة من أيام عيد الحج في الدعوة إلى الله ، فكيف أستثمر هذه الأيام المباركة في الدعوة إلى الله تعالى ، وما هي الطرق المناسبة لذلك ؟؟!!
الجواب
- استغلال فترة توزيع لحوم الأضحية على الأهل والمحتاجين ، فيوزع بعض الهدايا الدعوية مثل : ( المطويات – الأشرطة مع بعض الهدايا اللطيفة ) .
- استغلال وقت اجتماع الأهل والأقارب في الاستراحة أو غيرها ، بتصصميم بعض البطاقات الدعوية ، ثم وضعها في مغلف جميل ، مع بعض الهدايا ، سيكون لها الأثر الطيب .
- إرسال الرسائل عبر الجوال أيام فترة العيد ، واختيار العبارات ذات الطابع الدعوي ، بأسلوب جميل وشائق .
- إعداد بعض الفقرات على شكل حفل مصغر ، ويوضع خلالها جوائز ظرفية ، لتمرير بعض العبارات والأفكار الدعوية .
- وضع هدايا خاصة للأمهات بهذه المناسبة .
فهذه بعض الأفكار التي يمكن تنفيذها خلال إجازة عيد الأضحى .
المستشار : أ. عبد الله العيادة .
=================
. عيد الأضحى واستغلال الاجتماعات في الدعوة ..
بعد أيام تطل علينا أيام عيد الأضحى المبارك ، فكيف يمكننا استغلال اجتماعاتنا العائلية للدعوة إلى الله تعالى في هذه الأيام المباركة ؟
الجواب
يمكن الاستفادة من الاجتماعات العائلية السنوية الكبرى في أيام العيد للدعوة إلى الله بعدة أساليب اتخذتها كثير من العائلات .. وذلك :
- بعقد اجتماع كبير للعائلة في إحدى الاستراحات وتنظيم بعض الألعاب للأطفال .
- إجراء مسابقات مقيدة ومنح جوائز قيمة .
- تكريم المتفوقين والمتفوقات بهذه المناسبة .
- تكريم حفظة لكتاب الله ، وإجراء منافسة للحفظ من الحافظ لخمسة عشر جزءا مثلا من الحافظ لعشرة أجزاء ... إلخ ، واستعراض بعض الأصوات الجميلة من الصغار بسماع قراءاتهم.
- سماع بعض الأشعار والقصائد من الموهوبين في العائلة .
- يعتمد نجاح هذه الاجتماعات على الدقة في التنظيم ، توزيع المسئوليات بين المهتمين بالاجتماع
- الحرص على إشاعة روح التعاون وحسن التعامل بين الجميع بالبشاشة وحسن الاستقبال والترحيب بلباقة .
- تنظيم الفقرات حسب الأولويات ومراعاة أسلوب التشويق والجذب والانتقال من فقرة لفقرة ، مع إسناد حفظ النظام والنظافة لفئة من العائلة .
- الحرص على حسن انتقاء الأسئلة والألفاظ والمسابقات بما يناسب الأعمار وبما يفيد الحضور وبما يناسب الجنسين .
وعموما .. هذه المسألة تحتاج إلى إخلاص ، وصدق وقوة إرادة ، وحكمة في اختيار الأساليب النافعة والمفيدة في الدعوة لمختلف الأعمار وفي الجنسين .
أسأل الله أن يلهمكم الصواب ويعينكم على حسن الدعوة ..
المستشار : د. الجوهرة المبارك .
==============
. خصوصيات النساء في الحج .
لقد عزمت على الحج هذا العام إن شاء الله ، فأرجو تزويدي ببعض النصائح والتوجيهات التي تنفعني في الحج . كما أود طرح هذا السؤال : هل للنساء خصوصيات في الحج تتميز بها عن الرجال ؟
الجواب
الحمد لله .. أختي المسلمة ..
هنيئا لك ما عزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن ، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج ، وبعضهن لا يدرين شيئا عن المناسك ، فيقعن في المحظور والمحرم ، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن ، والله المستعان .
والحج فريضة الله على عباده ، وهو ركن الإسلام الخامس ، وهو جهاد المرأة ؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( جهادكن الحج ) رواه البخاري
- وهذه أختي المسلمة - بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج ، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلا مبرورا ، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس له ثواب إلا الجنة) متفق عليه .
1- الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج ، فأخلصي لله تعالى في حجك ، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة .(9/3)
2- متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم شرط ثان في صحة وقبول العمل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم.
وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
3- احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها ، فإن الشرك الأكبر يوجب الخروج من الإسلام وحبوط العمل والعقوبة ، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة ، والمعاصي توجب العقوبة .
4- لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) متفق عليه .
والمحرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريما دائما بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة ، فإذا لم يكن للمرأة محرم يسافر معها لم يجب عليها الحج .
5- للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود أو غيره ، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة والمزخرفة ، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال ، أو مما هو من ألبسة الكفار .
ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لونا معينا كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل ، بل هو من البدع المحدثة .
6- يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب ، سواء كان في البدن أو في الثياب .
7- يحرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر.
8- يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب ، ولبس القفازين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ) رواه البخاري .
9- المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب ، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام ، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ) رواه أبو داود وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة .
10- بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رءوسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب ، وهذا تكلف لا داعي له ؛ لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة .
11- يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين ، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها ، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج .
12- بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض ، قد لا تحرم ظنا منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض ، فتتجاوز الميقات بدون إحرام ، وهذا خطأ واضح ، لأن الحيض لا يمنع الإحرام ، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ، فتؤخر الطواف إلى أن تطهر ، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه ، فالواجب عليها الرجوع لتحرم من الميقات ، فإن لم ترجع فعليها دم لترك الواجب عليها .
13- للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول : ( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج تحللت ولا شيء عليها .
14- تذكري أعمال الحج :
أولا :- إذا كان يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبي قائلة : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
ثانياً : اخرجي إلى منى ، وصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع .
ثالثاً :- إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة ، وصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا في وقت الظهر ، وامكثي في عرفة داعية ذاكرة مبتهلة تائبة إلى غروب الشمس .
رابعاً :- إذا غربت الشمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة ، وصلي بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا ، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جدا .
خامساً :- انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي :
أ - ارمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، وكبري مع كل حصاة .
ب - اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس .
ج - قصري من كل أطراف شعرك قدر أنملة ،2سنتيمتر تقريبا
د - انزلي إلى مكة ، وطوفي طواف الإفاضة ، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة ، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة .
سادساً : ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر،أوالحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل ، مع المبيت بمنى تلك الليالي .
سابعاًَ : إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع ، وبهذا تنتهي أعمال الحج .
15- المرأة لا تجهر بالتلبية ، بل تسر بها فتسمع نفسها ومن بجوارها من النساء ، ولا تسمع الرجال الأجانب حذرا من الفتنة ولفت الأنظار إليها ، ووقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام بالحج ويستمر إلي رمى جمرة العقبة يوم النحر .
16- إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي ، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.
17- يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها .(9/4)
18- احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج ، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني ، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات ، وتخيري الأوقات التي يخف فيها الزحام ، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال ، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان هناك زحام .
19- ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي : والرمل هو إسراع الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف ، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال .
20- احذري هذا الكتاب : وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاء مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى .
21- للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية ، ولو كان بها آيات من القرآن ، ويجوز لها أيضا أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف .
22- احذري كشف شيء من بدنك : وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال ، كأماكن الوضوء العامة ، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريبا من تلك الأماكن ، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين ، وربما خلعت ما على رأسها من خمار ، فتظهر الرأس والرقبة ، وكل ذلك محرم لا يجوز ، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال .
23- يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر : فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل ، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع- أي مزدلفة- أن تدفع قبل حطمة الناس ، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة- فأذن لها .
24- يجوز تأخير الرمي إلى الليل إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة ، وأن في ذلك خطرا على من معه من النساء ، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك .
وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة ، يمكن أن يرمين الجمرات بعد العصر ، وهو وقت يخف فيه الزحام جدا كما هو مشاهد ومعلوم ، فإن لم يمكن فلا حرج في تأخير الرمي إلى الليل .
25- احذري .. احذري :
لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل ، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور :
الأول : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات
الثاني : التقصير من جميع الشعر قدر أنملة ، وهي ما يقدر بـ 2 سنتيمتر
الثالث : طواف الحج طواف الإفاضة
- فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حرم عليها بالإحرام حتى الجماع ، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع .
26- لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه ، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى ؛لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الرجال الأجانب .
27- احذري النوم أمام الرجال : وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يحججن مع أهاليهن دون مخيم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال ، أو قريبا من الرجال ، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها .
28- ليس على الحائض والنفساء طواف وداع ، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء ، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع ، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة .
المصدر : صيد الفوائد .. نقلا عن الإسلام سؤال وجواب .
... =============
. الوسواس القهري ..
أنا فتاة أعاني من الوسواس القهري ، وأقول في نفسي كثيراً إن الرسول - صلى لله عليه وسلم - قال : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) ، وأخشى أن أكون ممن رغب عن سنته ، وبعض المرات أقول : إن كلمة ( لا إله إلا الله ) تقتضي الإخلاص ، و( محمد رسول الله )تقتضي الاتباع ، وأخشى أني لست متبعة لسنة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لعدم خدمتي لهذا الدين ، ولأن الكثير من أفعالي مخالفة للسنة .
أنا أريد أن أصبح داعية إلى الله تعالى ، فكيف الطريق إلى ذلك ؟ وكيف أتخلص مما ينتابني من وساوس ؟
الجواب
أختي الفاضلة :
مشكلتك ذات شقين ، أحدهما يتصل بالدعوة ، والآخر يتصل بالوسواس القهري ؛ أما بالنسبة للوسواس القهري فهو شتلة مزعجة تنشأ في لحظة ضعف .. وما لم تدفع بقوة ، وتحاصر فإنها تمثل إزعاجاً لا ضفة له ، تظل دوائره تتسع .. والوسواس القهري ألوان المخاوف ، التي يفترض أن يقابلها الإنسان بقدر من الشجاعة والقوة .. وقد يتعب الإنسان في البداية ، وهو يتحامل على نفسه لدفعها ، وعدم الاستجابة لها ، لكن ( لذة ) التخلص ستنسيه ( كل ) الأتعاب التي شعر بها في رحلة المدافعة .
والطب النفسي يفسر الحالة ويقدم لها العلاج ، لكن العلاج وحده قد لا يكون كافياً دونما مدافعة ، وتقوية للإرادة .. خاصة حين يكون الوسواس قد أمضى وقتاً طويلاً نسبياً ، ومن المهم حين نتشجع ونقدم على العيادة النفسية أن ندرك أنه لا صحة لما يشاع من أن العلاج النفسي قد يدفع للإدمان .. وليس ثمة سلبيات سوى جفاف في الحلق أحياناً ، وخاصة في بدايات العلاج ، وزيادة في الوزن أثناء تعاطيه .(9/5)
وحين يقرر مراجعة العيادة وتعاطي العلاج فمن المهم الالتزام بتعليمات الطبيب في تعاطي الجرعة ، زيادة ، أو تخفيفاً ، أو تركاً .. وعدم التعجل بالترك لمجرد الشعور المبدئي بالتعافي ، أو مشورة من صديقة ، ولو كانت مخلصة !!
أما بالنسبة للدعوة إلى الله ، فلا شك أنها من أشرف الأعمال .. ولكن من المهم حين الرغبة في ( ولوج ) بابها ، وسلوك طريقها ، أن يتزود الإنسان بـ ( الثقافة ) المناسبة ، التي تعينه في سلوك ذلك الطريق ؛ سواء في كيفية الدعوة ، أو ( ترويض ) الإنسان نفسه على ما يمكن أن يلقاه في سبيلها ، أو في ( ترقية ) مهاراته ، وهناك كتب وأشرطة كثيرة يمكن أن يفيد منها الإنسان .. خاصة منها لمن كان له ( إسهام ) في حقل الدعوة .
أسأل الله أن يعافيك ، ويحقق لك أمانيك ، وأن يرزقك الإخلاص والثبات .
المستشار : د. عبد العزيز المقبل.
================
. أحب الدعوة وأخاف الرياء..
دخلت في المجال الدعوي منذ سنوات ومن فضل الله تعالى أني أنجح في كل منشط أشارك فيه فأفرح ولكن بعد هذا الفرح أحزن لأني أخشى أنني أفرح لنجاحي الشخصي لا لنجاح الدعوة،وأخاف أن أكون مرائية دون أن أشعر،أتمنى أن أتخلص من هذا الشعور،وأحياناً أفكر بترك الدعوة تماماً لأضمن أن لا أكون مرائية وأمنع نفسي من الظهور، وفي الوقت نفسه أخشى الإثم وأشعر بالغيظ من أخبار المنصرين في نصرة دينهم ومبادئهم. كيف أتخلص من هذا الشعور؟وهل هذا وسواس؟ماذا أفعل لأعمل بطمأنينة وراحة؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد ..
الأخت الفاضلة ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أولاً : أهنئك على هذا النجاح كما ذكرت في رسالتك وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك من عاجل بشرى المؤمن , وأنصحك بمواصلة الدعوة إلى الله مع الاجتهاد في طلب الإخلاص وسؤال الله تعالى ذلك , وإياك والاستسلام لهذا الشعور لأنه مدخل شيطاني وهدف إبليسي يجعلك تركنين إلى الراحة وتتركين الدعوة .
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله : ( العمل من أجل الناس شرك وترك العمل من أجل الناس رياء والإخلاص أن يعافيك الله منهما ) أ.هـ
ويقول إبراهيم النخعي رحمه الله : ( إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال إنك مراءٍ فزدها طولاً) أ.هـ
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو عند قيام ليل أو غير ذلك فإنه يصليه حيث كان , ولا ينبغي أن يدع فعل المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سراً لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص) أ.هـ
لذا أوصيك بمواصلة الدعوة إلى الله , مع الإكثار من العبادات الخفية كقيام الليل وصدقة السر , والإلحاح على الله والتضرع بين يديه , وعدم الالتفات لثناء الناس ومدحهم , ومجالسة أهل الإخلاص والصلاح .
كما أوصيك أن يكون هدفك رضا الله عز وجل والعمل له , دون النظر لما يتعلق بأمور الخلق .. وكوني على ثقة بالله أنك إذا صدقت معه أعطاك من فضله وكرمه ما لا يخطر لك على بال .. وجددي النية كلما شعرت أنه دخلها شيء من الرياء .
ومما أثر عن يحيى بن أبي كثير قوله : ( تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل )
أسأل الله تعالى أن يثبتك ويرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل في السر والعلن .. آمين
المستشار : د. قذلة القحطاني .
==============
. خوفي من دعوة طالبات مدرستي ..
أنا معلمة في المرحلة الابتدائية ويوجد أيضاً المرحلة المتوسطة و الثانوية , فأجد على بعض طالبات الثانوي مخالفات شرعية ولكن خوفي منهن يمنعني أن أوجههن..
فماذا أفعل حتى أكسر هذا الخوف ؟
الجواب
الأخت الفاضلة : وفقها الله ...
من الجميل – حين نكون قد مررنا بتجارب تربوية ناضجة – أن ( نهجم ) على الأمور دون ( كبير ) تفكير . . خاصة حين تكون تلك أموراً عادية مطروقة ، لكن كثرة (التحسيب ) قد تعوقنا عن المضي ، و( تضخّم ) في عيوننا العوائق ، التي قد لا تكون موجودة أصلاً .
إن التفكير ( الطويل ) - لدى بعض النفوس - قد يبني ( مطبات ) تعيق عن المضي ، كما هو حالك.. وصدق عليٌّ - رضي الله عنه - في قوله : (( الهيبة خيبة )).
حين تكون بعض المجالات جديدة علينا قد تنتابنا ألوان من التخوفات ، لكن حين نغض الطرف عنها ، ونحاول دفع أنفسنا ، سيكون الأمر مختلفاً .. إننا بحاجة إلى ( تقنية ) ، في الاتصال ، و جودة في ( توليد ) الفِكَر السريعة ، التي يمكن أن تعمل على ( مدّ ) حبال بيننا وبين من نروم دعوتهن ، أو توجيههن ، إن ( أكبر ) هيبة قد تعترض طريقنا هي تخوّفنا من ( ردة ) الفعل ،التي قد تواجهنا من هذه الفتاة أو تلك ، باعتبار أن لا ( خلفية ) لدينا عنها
، لكن من الممكن جداً أن تكون موضوعات التواصل ، أو( طرق الباب ) - إن صحت التسمية - ( أيّ ) سؤال عفوي (عام ) ، ولو كان سؤال الفتاة في أي صف هي ؟!.. ثم هل تعرف فلانة ... ؟! لنكتشف بعد قليل أن ( بذرة ) تعارف قد ( وُضعتْ ) بيننا وبينها يمكن سقيها بالأسئلة ،ويمكن - من جهة ثانية - معرفة ( معالم ) مبدئية عن شخصية الفتاة .
وما دامت الفتاة طالبة في المدرسة فأعتقد أن رصف طريق ( التهيئة النفسية ) لن يكون صعباً،فثمة أسئلة كثيرة ، كلها تدخل تحت دائرة ( المواد الدراسية ) ، سواء منها ما يتصل بمدرسات المواد ، أو يتصل بالصفوف الدراسية والزميلات .(9/6)
كثيراً ما يلفت نظرنا شخص يمتلك قدرة ( عجيبة ) على الدخول ( السريع ) إلى عالم الآخرين،وربما تمنينا لو كنا مثله .. وغالب من يكون كذلك يتسم بالمرح والعفوية ، والجرأة المحسوبة، وبعض المهارات المتصلة بقراءة الملامح والنظرات ، وهي أمور بالإمكان تحقيقها حين توجد إرادة ( محركة ) ، وعزم ( فَتيّ ) ، وتلك الأمور ميزتها أنها تجعل الدعوة لوناً من المتعة، وتختصر المسافات ، وتدفع لممارسة الإفادة السريعة ، بصورة عفوية .
وفقك الله إلى كل خير ، وهداك الصراط المستقيم .
المستشار : د . عبدالعزيز المقبل .
============
. أريد أن أدعو ولكن .. أخي يمنعني
عندما أذهب إلى السوق مع أخي وأرى منكراً من بعض النساء هداهن الله أحاول أن أنصحهن ولكن أخي يرفض .. ماذا أفعل؟؟
الجواب
الأخت الفاضلة .. وفقها الله ..
أنت لم تذكري شيئاً عن سمات أخيك ، فإن يكن رجلاً عاقلاً ، قادراً على الموازنة بين المصالح والمفاسد ، فقد يكون غلب على ظنه – لأسباب لا تعرفينها – بأنه ليس من الحكمة ممارستك الأمر والنهي ، في تلك الأجواء .
وسواء أكان ذلك واقعاً أم كان منعه لك نوعاً من فرض الرأي ، أو التخوفات المبالغ فيها ، فإني أحسب أن منكرات الأسواق – في جملتها – محصورة .. وحين تفكرين بطريقة إيجابية يمكن أن يتحقق لك ذلك الغرض ، وربما بصورة أفضل ، تترك أثراً أعمق ، وكلامي يعني أن منع أخيك إياك من ممارسة الأمر والنهي ( المباشرين ) ، بالصورة ( المعهودة ) ، لن توقفك عن الأمر والنهي ، وستدفعك غيرتك وحماسك لعدد من الطرق ( الإبداعية ) الجديدة ، فمثلاً يمكنك أن تكتبي صفحة أو صفحتين عن كل موضوع ، من منكرات السوق ، على صورة رسالة موجهة : ( الأخت الكريمة : ... ) ، تجتهدين – جداً – في صياغتها ، ولو تعاونت أنت وبعض إخوانك أو أخواتك أو زميلاتك ، ممن يشاركنك الهمّ ، في ذلك ، وختمتيها بأدعية مختارة جميلة ، ثم اخترت لوناً جميلاً من الورق تطبع أو تصور عليه ، وظروفاً لتودع إياها .. ثم تكون معك،وحين يعترض طريقك موقف ، من المواقف التي تحتاج للأمر والنهي ، تبادرين إلى تناول ( لون) المغلف المناسب من حقيبتك ، ويكون دورك السلام السريع ، ودفع الخطاب .
إن بعض الأخوات الفاضلات ، من أمثالك ، ممن يجتهدن في إنكار المنكر ، قد لا يكون لديها الوقت الكافي للسلام والتحية ، وبناء ( جسر ) يهيئ لعبور مركبة النصيحة بسلام ، ومن ثم قد يهمّها مجرد الإنكار ، وهو ما قد يدفع – كردّ فعلٍ – للاستكبار ، لكني أحسب أن هذه الطريقة تتيح للمرأة ( المنصوحة ) فرصة أكبر للتأمل ، خاصة وقد صُبغت بأسلوب جميل محبب ، وربما تضمنت توجيهاً ( مغرياً ) للمرأة ( المنصوحة ) بالاستفادة من بعض التجمعات التربوية النسائية،كدور القرآن ... من أجل الوصول إلى مستويات كبيرة ، من الراحة النفسية ، والزاد العلمي .
وفقك الله إلى كل خير .
المستشار : د. عبدالعزيز المقبل
==============
. متبرجات ويستأن من نصحي.
أشاهد بعض الطالبات يتفاخرن بإبداء وإظهار بعض أجزاء من أجسادهن بكل فخر وعندما أنكر عليهن تظهر عليهن بوادر الاستياء مني ،كيف أقنعهن وأدعوهن إلى التستر والاحتشام؟
الجواب
عزيزتي السائلة :
أولاً : احمدي الله على نعمة الهداية و أن جعلك في منزلة اليد العليا ثم اعلمي أن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء ، وأن الله هو الهادي إلى سواء السبيل .
ثانياً : استعيني بالله واطلبي منه العون والتيسير لأمر الدعوة .
ثالثاً : حقائق لابد منها :
1- أن الداعي عليه إنكار المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
2- أن الداعي عليه الصبر في سبيل إنكار المنكر يقول تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران 200.
3- أن الداعي عليه احتمال الأذى واحتساب الأجر عند الله ، تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم في موقفه مع الغلام اليهودي .
4- أن وظيفة الداعي التبليغ ولا يملك التغيير والتعديل في المبلغ ، وأن الله هو الهادي يقول تبارك وتعالى : (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران : 20.
5- الدعوة إلى الله تقتضي الحكمة : يقول تبارك وتعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل 125 .
6- حسن المخاطبة والتلطف مع المسيء قال تبارك وتعالى : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) النازعات ( 17، 18), وفي آية أخرى : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) الأنبياء 44.
- النظر في حالك عند التبليغ فقد يكون لك بعض التعبيرات المصاحبة التي تجعل المبلغ يدرك تعاليك أو نفورك أو استنقاصك أو تحقيرك له .
- العمل على الاستزادة من الحسنات والبعد عن المعاصي والسيئات لأن بها يتقرب العبد من الله ويتأثر بمن هو أفضل ديناً منه ويؤثر فيمن هو أقل منه .
- النظر في سير الدعاة والصالحين وفي مقدمتهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فبذلك تجدين القدوة الحسنة التي تنير لك الطريق .
طريق الدعوة طريق شاق وشائك ومليء بالعقبات فعليك الصبر وإزاحة ما تستطيعين من العوائق برضا واحتساب للأجر عند رب العالمين .
أسأل الله لنا و لك الثبات في الحق والعزيمة على الرشد إنه خير هادياً وهو نعم الوكيل وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .(9/7)
المستشار : د. سميرة حسن أبكر.
============
. داعية.. لم أستطع تحصيل العلم الشرعي .
دخلت المجال الدعوي منذ أكثر من عشر سنوات، وحرصت على العلم الشرعي بجميع فروعه ، وحفظت أكثر من عشرين جزءاً من كتاب الله ، ولكن آفة النسيان تقف لي بالمرصاد , وكل علم لا يبقى في ذاكرتي منه إلا النصف أو الثلث، فما علاج ذلك ؟ وهل أدعو الناس مع قلة علمي؟
الجواب
عزيزتي :
التي ذكرت أنك تحرصين على تحصيل العلم الشرعي وتعملين في مجال الدعوة , مشكلتك التي تعانين منها تعاني منها الكثيرات, ولكن إذا حرصت الداعية على مجاهدة نفسها وتنظيم وقتها وعالجت النسيان بعدة أمور منها:
1- عدم تشتيت اهتمامها في الأمور التافهة وحاولت التركيز والتخطيط لقضاء أمورها الدينية والدنيوية.
2- حاولت استغلال وقتها بحيث لا تقصر في المجالات المطلوبة منها علمياً واجتماعياً ودعوياً.
3- حرصت على محاسبة نفسها وجددت إخلاصها من وقت لآخر, والله عز وجل يعين العبد الذي يرى منه الإقدام والحرص قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت (69).
4- أن من آفة النسيان المعاصي وأن صغرت كما ذكر الشافعي:
سألت و كيع عن سوء حفظي : فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال إن العلم نور : ونور الله لا يهدى لعاصي
5- تبليغ العلم ولو بآية منه كما قال عليه الصلاة السلام : (بلغوا عني ولو آية ).
6- إن كل شيء إذا أنفقت منه يقل إلا العلم إذا أنفقت منه يكثر؛ لأنك بتكرارالمحاضرات وحفظها باستمرار ستزدادين إتقانا ولكن احتسبي في هذا التكرار وما يجب على كل داعية أن يخشى على نفسه من العجب , والعمل لغة الله ومحبة المدح من الآخرين , وأن يدخل جهاده هذا زهوا وكبرياء لا سمح الله أعاذه الله من ذاك، وإنني ألمس حرصك حفظك الله وحفظك لعشرين جزءاً من كتاب الله ؛ فهذا أمر عظيم ورائع فلا تستهيني بنفسك ,وعليك بالاستمرار وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وأوصيك بدعوة الناس بفعلك قبل قولك بتطبيق سمات المسلمين كحسن الخلق وإتقان العمل والصدق والإخلاص والأمانة وإحسان الظن بالآخرين والحذر من كل ما يسيء لكِ كداعية كالغيبة والنميمة وغير ذلك مما قد تقع فيه بعض النساء بدون أن يشعرن.
7- اعملي قدر استطاعتك فالله عز وجل يعلم نيتك وقصدك وهو القائل (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) سورة التغابن (16) .
بارك الله في جهودك والله الموفق.
المستشار : د. الجوهرة المبارك .
================
. تصنيف الدعاة والداعيات هل هو واقع أم وسواس ؟
أتعامل مع كثير من الداعيات في شتى المناطق ، ولكني استغربت تصنيفهن من قبل أخريات ،فبعضهن تشير إلى بعضهن الآخر مستواها جيد وبعضهن مستواها دون المطلوب ، وبعضهن تصنف على حسب أحزاب وجماعات، وأنا أتعامل معهن جميعا ولا ألاحظ هذه الأشياء بل أجدهن جميعا طيبات وخدومات وتعاملهن حسن،فهل نظرتي صحيحة أم أراجع نفسي وأدقق لكي لا أقع في الخطأ من تعاملي معهن جميعا بنفس الأسلوب؟
الجواب
عزيزتي السائلة:
إن نظرتك صحيحة وهذا الأمر الذي تذكرينه من أشد الابتلاءات التي ابتليت بها الأمة ,وإنني لأتساءل إذا كان الداعية يغتاب ويسخر ويستهزئ بالأخرين فكيف ننكر على عوام الناس؟ وإذا قلت إن هذا من الحكم على الأشخاص وفيه مصلحة حتى نحذر الناس ؟ وما يحذرونهم هل دعت هذه المرأة إلى شرك أو سحر أو قطيعة رحم؟
وها أنت تقولين إنني لا أجد شيئاً مما يقولونه، إذاً إياك ثم إياك من تكرار أقوال الناس بدون أن تفكري في صحتها فتكوني إمعة إن أحسنوا الناس أحسنت وإن أساءوا أسأتِ، ثم إذا كانت الداعية مخطئة في أي أمر من وجهة نظر هذه التي تغتابها فلما لا تناصحها بأسلوب لبق وحسن من أخت محبة لها؟ فأهدافهن واحدة وهي نصرة الإسلام والمسلمين, ورغبة منهن في رضا رب العالمين , وأمل منهن في الفوز بجنته والخوف من عقابه وحسابه , ولكن الشيطان أكثر ما يحرص على هذه الفئة ليشتتها ويشغلها ببعض وينسيها هدفها الأساسي فيبقى كل واحدة منهن تستعلي على الأخرى تنظرإلى مساوئها وتنسى محاسنها ولاتجد لها عذر في أي خطأ تخطئه فيتفرقوا وتذهب ريحهم والله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء ) (91) سورة المائدة.
ولا يعني ذلك أننا نتغافل عن أخطاء الآخرين , لكن انظري لنفسك لو وقعت في خطأ وكلنا بشر خطاؤون ما هي الطريقة التي تتمنين أن تسلكها أختك الداعية لتناصحك وتنفعك بدل الشماتة والغيبة والنميمة التي لا تزيد المجتمع إلا فرقة وعداوة وعجب واستعلاء؟ فنحن نرصد الأخطاء وننسى المحاسن وكأن رب العالمين جعلنا أوصياء على خلقه, نسأل الله أن يبصرنا جميعاً بعيوبنا ويكفينا شر ذنوبنا ويعفو عن الجميع وجمع الكلمة فاحرصوا على جمع الكلمة، واجعلي لكٍِ دور في المناصحة السرية فقد تتقبلها الكثيرات , وهناك شواذ لا يمكن أن تأخذ منك , ولكن عليك بالحكمة والحرص على جمع الكلمة وتوحيد الصف ,فنحن في هذه الأوقات بالذات بحاجة للالتفات على علمائنا وأمرائنا وتوحيد صفوفنا, فالفتن من حولنا يمنة ويسرة أعاذنا الله منها.
ونفع الله بك وأعانك ، وأرشدك إلى قراءة كتاب (تصنيف الناس لبكر أبو زيد) جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، فتستفيدين منه بإذن الله تعالى.
والله يحفظك ويرعاك.
المستشار : د.الجوهرة المبارك.
===============
. طرق الاستفادة من مناسبة العيد في دعوة غير المسلمين(9/8)
ما هي طرق الاستفادة من مناسبة العيد في دعوة غير المسلمين ؟؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فاستغلال المناسبات الإسلامية كشهر رمضان والعيدين والحج في دعوة غير المسلمين ،أمر في غاية الأهمية ، لاسيما أن لها طابعاً خاصاً في المملكة ، ولعلي أشير هنا إلى ذلك من خلال ما يلي :
1- أهمية تكثيف البرامج الإعلامية التي تخاطب غير المسلمين وتعرفهم بالإسلام من خلال هذه المناسبات , وهذا يستلزم - في المجتمع النسائي على وجه الخصوص- إعداد مواد دعوية موجهة للنساء غير المسلمات تراعي شخصية المرأة ، وتستميل عواطفها ، وتبين تكريم الإسلام للمرأة،ومكانة الأم في المجتمع ، حيث إن كثيرا من أعداء الإسلام يركزون على المرأة ويثيرون مشاعرها ، ويزيفون حقائق الإسلام ويتجاهلون مكانة المرأة في الإسلام وتكريمه لها.
2- العيد فرصة للتعريف بشعائر الإسلام لاسيما أنه يثير تساؤلات لدى غير المسلمين وهم يرون المسلمين يقومون فيه بتغيير شامل لبرنامج رمضان ويؤدون فيه عبادات مخصوصة كزكاة الفطر وصلاة العيد والتكبير وأحكام هذه العبادات وحكمة مشروعيتها قد تخفى على كثير من المسلمين فكيف بغير المسلمين .
3- ينبغي أن يعنى القائمون بالدعوة بالتعريف بالإسلام لغير المسلمين واستغلال هذا المناسبة من خلال إقامة المعارض والأنشطة التي تعرف بالإسلام وتاريخه وشعائر الإسلام وأركانه،فالمعارض أنسب في أوقات الأعياد من كثير من المناشط ، مع مراعاة أن تكون هذه المعارض في أماكن تجمعات المدعوين الكبرى كالأسواق الكبيرة والحدائق ، ويتم في هذه المعارض إعداد اللوحات والملصقات التي تعرف بالإسلام والحضارة الإسلامية ، كما يركز فيها بيان الصورة الحقيقية للعبادات في الإسلام ولأثرها في تهذيب الفرد والمجتمع.
4- في مجال الدعوة الفردية ينبغي أن لا يغفل عمن يعيشون بيننا من خدم وسائقين وغيرهم برا وإحسانا بهم وتأليفا لهم على الخير ولقد جوز بعض السلف أن يعطى من زكاة الفطر لغير المسلمين تأليفا لهم على الإسلام.
5- زيارة غير المسلمين في مثل هذه المناسبة أو استضافتهم من وسائل دعوتهم وأشير هنا إلى أن من المسلَّمات أن الإسلام لم يشرع لغير المسلمين أن يبقوا في ديار الإسلام إقامة دائمة أو مؤقتة إلا وقد شرع أيضا سبلا عديدة للتواصل معهم ، فلا يتصور أن يبقوا على هامش المجتمع وكان من هدي النبي صلى الله وعليه وسلم في معاملتهم في الأخذ والعطاء والبيع والشراء ما هو ظاهر؛ ولذا كان من حقهم علينا أن نتواصل معهم ، وأن نبين لهم محاسن الإسلام ، ونكشف لهم كثيرا من الشبه العالقة في أذهانهم عن هذا الدين ونبين لهم من صور سماحته وعظمته مما يجهلونه ولم يسمعوا به من قبل ، وندعوهم إلى الدخول فيه، وهذا من مقتضى الخيرية التي وصف القرآن المؤمنين بها ، في قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)،ومقتضى الوصية النبوية التي قال فيها عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري(3461): (بلغوا عني ولو آية ) .
وهذا قد لا يكون أحيانا إلا بزيارتهم واستضافتهم ، ويقرر علماء المملكة ذلك فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ج3 ص65ما نصه : " ويجوز أن نأذن لهم بزيارتنا في بيوتنا مع الأمن من الفتنة والمحافظة على حرمات الأسرة ما دام في ذلك تأليف لقلوبهم والنصح والإرشاد ، عسى أن يجدوا في حسن المعاملة ومراعاة آداب الزيارة سماحة الإسلام فيستجيبوا للنصيحة ويدخلوا في الإسلام ".
إن كثيراً من غير المسلمين قدموا إلينا ولديهم صورة مشوهة وخاطئة عن الإسلام ، ومن حقهم علينا أن نبين لهم صورة الإسلام الصحيحة والعيد مناسبة إسلامية عظيمة ينبغي أن يستغلها الدعاة .
6- خطبة العيد يحسن أن تحوي شيئا من التوجيهات والوصايا في مجال دعوة غير المسلمين وتوعية المجتمع وإشعاره بأهمية وفضل الدعوة ومسؤولية كل مسلم في إيصال ما يستطيع من الدعوة إلى غير المسلمين .
7- وأخير فمن المهم التأكيد على أهمية التوسعة على الصغار في يوم العيد واستشعار هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وتأكيده على أن في دين الإسلام فسحة فعن عائشة رضي الله عنها قالت وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه ، قال عروة إن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنيفية سمحة " وأصل الحديث مخرج في الصحيحين قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث ( ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة ) وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صويحباتها من صغار النسوة يلعبن معها" , وتقريب ذلك إلى غير المسلمين أمر يرغب في الإسلام ويبين عظمته وشموله.
المستشار : أ.د.عبد الله بن إبراهيم اللحيدان
==============
. الطرق المناسبة للدعوة إلى الله في العيد ...
ما هي الطرق المناسبة للدعوة إلى الله في العيد ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :(9/9)
فإن الدعوة إلى الله جل وعلا من أفضل القرب وأجل الطاعات , إذ هي مهمة المرسلين وصالحي الأمة ,ومن المعلوم أن الدعوة إلى الله تعالى لها شروطها وأسلوبها ولكل مقام مقال , وبالنسبة للطريقة المناسبة لاستثمار مناسبة عيد الفطر دعوياً , فإن عيد الفطر موسم شرعي جعله الله تعالى يوم عيد وفرح وسرور وإظهار لشكر الله تعالى على عباده بإكمال شهر رمضان صياماً وقياماً ؛ لذا حرم الإسلام صيام ذلك اليوم , وبما أن هذا اليوم يسيء فهمه بعض أبناء المسلمين ظانين بما أنه يوم فرح وسرور أن يكون موسماً للمعصية وإظهار الفرح حتى بما يغضب الله تعالى باقتراف السيئات والمعاصي , وهذا فهم خاطئ إنما هو فرح بتمام عبادته وإظهار السرور شكراً لله تعالى على آلائه وفضله , ومن هنا يتأكد أمر الدعوة في هذا اليوم بالأسلوب المناسب والأمثل , فهو يوم يحصل فيه اللهو المباح فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه باللهو المباح والترفيه الحلال ترويحاً على النفس واستجلاباً للنشاط وإعطاء للنفس حظها مما أباح الله تعالى , وفي هذا اليوم تصفو النفوس وتزول منها الأحقاد والضغائن فرحاً واستبشاراً بهذا اليوم ؛ فيكون فرصة مناسبة للدعوة إلى الله تعالى , وأفضل طريقة لذلك ألاَّ يطغى الوعظ والإرشاد على المجلس بل بقدر مناسب , وأن يذكر في هذا اليوم ضابط إظهار الفرح والسرور , ويستحسن اصطحاب الهدايا ولو كانت قليلة للمدعوين , وأن يجعل فقرة لإيضاح مفهوم هذا اليوم – يوم العيد – في الإسلام وكيفية استغلاله على الوجه الأمثل وأن تعطى النفوس حظوظها من الترويح المباح وأن يظهر الفرح والسرور , ولا يمنع من ذلك إذا لم يكن فيه معصية لله جل وعلا , وأن يظهر الداعية النصح والشفقة على المدعوين ليحفظ عليهم أجورهم وصحة عبادتهم .
إن ما ذكر من الأسلوب الأمثل في استثمار مناسبة عيد الفطر المبارك في الدعوة إلى الله تعالى .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وتقبل منا جميعاً صالح أعمالنا وتجاوز عن سيئاتنا , إنه سميع مجيب , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المستشار : د.حسين بن عبد الله العبيدي
=================
. أقبل العيد فكيف نستثمره دعوياً في الاجتماعات ؟؟
أقبل العيد فما هي الطرق المناسبة لاستثمار الاجتماعات العائلية وغيرها في الدعوة إلى الله ؟
الجواب
اجتماع العوائل في العيد فكرة رائعة , وتصميم بعض البرامج الهادفة لشغل وقت الفراغ الطويل الذي تقضيه العوائل,وقطع الطريق على السلوكيات التي تعكر صفو هذه المناسبات وعليه هذه بعض النقاط والاقتراحات لعلها تساهم في إثراء هذه المناسبات :
- نفسيات الناس في هذه المناسبات لديها قبول لتلقي النصح إذا توفر عنصر التشويق.
- الهدية في هذه المناسبة لها وقع كبير عند الناس , وهي تساعد على التقبل .
- الاندماج التام من قبل منظمي هذه المناسبات مع بقية أفراد الاجتماع يعطي فرصة أكبر للقبول,والابتعاد والتعالي والتكبر .
كيف ننجح في جذب الناس في هذه المناسبة ؟
لاشك أن هذه المناسبة يغلب على المجتمعين فيها طابع القربى , حسب درجاتهم,إذا لابد أن تتحلى الداعية بالأمور التالية :
- إخلاص النية لله , وطلب المعونة منه , والحرص على إيصال الخير بغض النظر عن النتائج؛لأن النتائج بيد الله سبحانه .
- الابتسامة المشرقة على المحيا , خاصة أنك في يوم العيد .
- ملاطفة الكبار والصغار ( سعة الصدر مطلب لنجاح المسعى ) .
- هناك بعض القلوب لا تفتح إلا بصعوبة , عليك بالذي يذيب الجليد , الثناء والإطراء , ومدح ما يلبس الأهل والأقارب , فستانك رائع , تسريحتك أروع , ذوقك جداً رفيع يدل على ثقافتك....الخ.
- تقبيل الأطفال وأمهاتهم يشاهدن ذلك , دون تفريق , فهذا له تأثير عجيب على نفسيات الأمهات.
- إعداد العدة من الآن لتصميم برامج دعوية ومسابقات جميلة تجذب الحاضرات .
برامج مقترحة لهذه المناسبة :
- تنظيم مسابقة ثقافية خفيفة , وسهلة لإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة والفوز , فإذا رجعت العائلة وأحد أفرادها قد حصل على جائزة سيكون لها وقع جميل .
- كتابة بطاقات تهنئة من الآن باسم كل عائلة , توزع أثناء الاجتماع , ويكتب اليوم والتاريخ .
- إرسال رسائل قصيرة عبر الجوالات من الآن لطلب الاقتراحات .
- وضع لوحات من الفلين بشكل جميل , أو سجل مذهب , ثم يمرر على أفراد العوائل بلا استثناء ويطلب من كل شخص كتابة تهنئة خاصة , ثم يوقع مع كتابة التاريخ , ويحتفظ بها للأعوام القادمة
- وضع برنامج حفل يلقى فيه كلمات وأناشيد ومشاركات ويتم توثيق ذلك عبر الفيديو,وبعد العيد تأخذ كل عائلة نسخة .
- عمل استبانه توزع على الجميع قبل المغادرة , لتقييم هذا البرنامج .
- بغية حصول الاندماج أكثر عند المشاركات يراعى عدم التكتل , لقطع الطريق على التنافس الذي يولد الكراهية .
- الانتباه للأمهات الكبيرات في السن وضرورة تصميم فقرات تخصهن ليشاركن فيها,مثل التحدث عن أعياد زمان , ويحضر لهن جوائز خاصة .
تنبيهات عامة :
عند ذروة الاجتماع لابد من ملاحظة الأمور التالية :
- الانتباه للأطفال الصغار والذين قد نغفل عنهم في زحمة الفرح فيتعرضوا للخطر أو الأذى خاصة أثناء اللعب .
- الانتباه لبعض السلوكيات الشاذة من ضعاف النفوس من الشباب , وتحذير الأبناء منهم , فقد يقعون ضحايا وهم لا يشعرون .
- تذكير الحاضرات بعدم الغفلة عن ذكر الله في مثل هذه المناسبات والتي يكثر فيها اللغو والفرح .
اسأل الله العلي القدير أن يجعل كل مناسباتنا عامرة بذكره سبحانه وتعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(9/10)
المستشار : أ.عبد الله بن عبد الرحمن العيادة .
===============
. الوصايا العشر لاستثمار رمضان دعوياً
ما هي الطرق السليمة لاستثمار هذا الشهر الكريم، وكيف يمكننا الاستفادة منه على المستوى الشخصي والإيماني، وكذلك كيف يمكننا الاستفادة منه دعويًا؟
الجواب
نقدم لك أخي هذه النصائح الطيبة من مطوية للأستاذ خالد عبد الرحمن الدرويش، مع بعض التصرف، يقول فيها: ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى:( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ... ) (26) سورة المطففين , فاحرص أخي على استقبال رمضان بالطرق التالية، التي نأمل أن تقدم فائدة ونفعا بإذن الله.
1- الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية ,
حتى تنشط في عبادة الله تعالى: في الصيام والقيام والذكر، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) رواه أحمد والطبراني.
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.
فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل: "الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله" رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان.
2- الحمد والشكر على بلوغه :
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار: "اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكرًا لله تعالى أو يثني عليه بما هو أهله"، وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة والعبادة، فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها، فالحمد لله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
3- الفرح والابتهاج :
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول: (جاءكم شهر رمضان، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم..) أخرجه أحمد.
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات وتنزل الرحمات.
4- العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان:
الكثير من الناس وللأسف الشديد -حتى الملتزمين بهذا الدين- يخططون تخطيطًا دقيقًا لأمور الدنيا، ولكن قليلين هم الذين يخططون لأمور الآخرة، وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة، ونسيان أو تناسي أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر، ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة ، التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات، فيضع المسلم له برنامجًا عمليًا لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى، وهذه الرسالة التي بين يديك تساعدك على اغتنام رمضان في الطاعة بإذن الله.
5- عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة :
فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير، قال الله عز وجل: ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)(21) سورة محمد.
6- العلم والفقه بأحكام رمضان:
فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد ومن ذلك صوم رمضان.. فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه، ليكون صومه صحيحًا مقبولاً عند الله تعالى:(فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (43) سورة النحل .
7- علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة.. فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟
قال الله تعالى: ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (31) سورة النور.
8- التهيئة النفسية والروحية :
من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل، وسماع الأشرطة الإسلامية من المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهيئ نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر فيقول في آخر يوم من شعبان: (جاءكم شهر رمضان..) أخرجه أحمد والنسائي.
9- نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع :
- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة.
- الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
- مع الوالدين والأقارب والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة.
- مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبدًا صالحًا ونافعًا، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الناس أنفعهم للناس).
10- الإعداد الجيد للدعوة إلى الله فيه، من خلال :
- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيرًا جيِّدًا لإلقائها في مسجد الحي.
- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي.
- إعداد "هدية رمضانية"، وذلك بإعداد مظروف يحتوي على كتيب رمضاني، مطوية، شريط جديد، رسالة عاطفية، سواك...؛ وتكتب عليه هدية رمضان.
- التعاون الدعوي مع المؤسسات الإسلامية.
- طرح مشروع إفطار صائم أثناء التجمعات الأسرية العامة والخاصة.
- التذكير بالفقراء والمساكين، وبذل الصدقات والزكاة لهم.
فريق الاستشارات الدعوية .
المصدر : إسلام أون لاين
=============
. كيف أستثمر رمضان دعوياً ؟؟
الجواب(9/11)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الهادي إلى أقوم السبل وبعد :
فإن الدعوة إلى الله في كل زمان هي وظيفة الرسل أجمعين ومنهاج المصلحين فهي أشرف عمل وأنبل غاية .
تشرف بشرف الزمان والمكان وحاجة المدعو ويشرف الداعي بشرف ما يدعو إليه سواء كان الداعي والمدعو رجلاً أو امرأة فلا فضل لجنس على آخر في الدعوة .
وإذا كانت الدعوة يزيد فضلها في الزمان فإن شرف شهر رمضان عظيم تضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين فلا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه سائر الأزمان ؛ ولهذا نرى في رمضان كثرة المصلين حتى تضيق بهم المساجد وتكثر فيه الصدقات وتلاوة القرآن وسائر أعمال البر والإحسان ؛فيتعين على كل من يدعو إلى الله أن يحسن استثمار هذا الشهر الفضيل بأعمال الخير وأعظمها الدعوة إلى الله في أيامه ولياليه وعليه أن يأخذ بالأسباب النافعة ويستحضر ما يلي :-
1- أن تكون أعمال الداعية إلى الله في رمضان أكثر منها في غيره ليكون ذلك له وقوداً وطاقة تتحرك بها ولأنها أسوة وقدوة لغيرها ومن حولها .
2- أن تستحضر النية والقصد قبل وبعد وأثناء دعوتها .
3- أن تأخذ باللين والحكمة في خطابها وتعاملها مع الغير وأن تحب لمن تقوم بدعوته كما تحب لنفسها ومن ذلك أن تبدأ خطابها في الدعوة بالدعاء للمدعو بما تراه أحب إليها وأن تختم كلامها بالدعاء لها مع البشاشة وطلاقة الوجه.
4- حبذا لو كانت البداءة في الخطاب ونهايته بتلاوة آية أو ذكر حديث من جوامع الكلم .
5- يختلف أسلوب الدعوة باختلاف حال المدعوين ما بين الحوار والنقاش أو ذكر قصة تحكى أو موعظة تؤثر .
6- يتعين التركيز في كل وسيلة على بيان فضل هذا الشهر بأيامه ولياليه وأن أجر العبادة فيه مضاعف كما أن عاقبة المعصية فيه عظيمة جداً ، وأن الآجال والأعمال في هذه الدنيا محدودة ومعدودة فيتعين حينئذ استغلال الوقت في الطاعات والمباحات واجتناب المعاصي والسيئات .
7- ويحسن أن يصحب ما سبق هدية خفيفة ومختصرة من كتيب أو شريط أو مطوية وكلما كانت مادتها تدور على فضل الأوقات واستثمارها بما ينفع لاسيما في هذا الشهر أو كانت في التحذير من التسويف والتفريط في التوبة وتأخيرها - فكل ما كانت الهدية تدور في هذا المجال - فهو أحسن وأجمل .
وفق الله الجميع إلى كل خير . آمين ..
المستشار : أ.د.سعود بن عبد الله الفنيسان .
يمكن العودة إلى هذا الموضوع للفائدة
http://www.wdawah.com/article_content.php?id=4380&cat=2&temp=2
... =============
. كيف يستقبل الدعاة شهر رمضان المبارك ؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن شهر رمضان شهر مُعظّم وفيه من الخير والبركات والنفحات ما يعلمه الجميع، واستقبال رمضان بالنسبة للدعاة أو غيرهم يكون بالتوبة أولا، التوبة النصوح من كل ما يشوب الإنسان من كدر وغفلة وإعراض ...
فالداعي ليس معصوما بل يهمه ما يهم الناس أجمعين من التفات إلى نفسه وتقويمها وتهذيبها حتى تستقيم على أمر الله عز وجل، والاستعداد يكون في شهر شعبان بالإكثار من الصيام فيه كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يفكر الإنسان في الدعوة وإرشاد الناس، خاصة أن رمضان تكون فيه القلوب مهيأة أكثر وتسلسل الشياطين مما يشكل فرصة سانحة بإذن الله عز وجل لإرشاد الناس ورجوعهم إلى طريق الخير.
المستشار : الأستاذ حسن قبيبش .
المصدر : إسلام أون لاين
==============
. ما أنسب طريقة لدعوة زميلاتي ؟!
أنا طالبة في الصف التاسع وأريد القيام بنصح بعض الطالبات لحبي لهن..
فما الطريقة المناسبة لنصح طالبة في مثل سني، حيث إن صفات هذه الطالبة جميلة إلا أنها تسمع الأغاني بكثرة، وكذلك مشاهدة الأفلام؟
أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
أفضل طريقة لدعوة الآخرين:
القدوة الحسنة، والمصاحبة المستمرة، مع تلمس حاجاتهم، ومعرفة مشاكلهم ومساعدتهم على حلّها..
ويتخلل ذلك إهداء بعض الكتيبات النافعة، والأشرطة المفيدة المؤثرة.
وأهمّ من ذلك كله: الإخلاص لله عزّ وجل في ذلك، والتجرد من حظوظ النفس، فلا يكن لك هدف من دعوتهم إلا ابتغاء وجه الله وإنقاذهم من النار.
المصدر : لها أون لاين
==============
. كيف تدعين غير مسلمة للإسلام؟!
بالتأكيد الكل يعرف أن الهداية بيد الله، وأن الله يهدي من يشاء، ولكن أريد بعض النصائح والإرشادات تساعدني على أن أدعو فرنسية غير مسلمة إلى الإسلام.. فأنا أعيش في فرنسا، ولقد تعرفت مؤخراً على امرأة لفت نظري فيها أنها من الممكن أن تسلم، فهي قالت لي إنها قضت منذ سنوات بعض الظروف الصعبة ولجأت إلى أسرة مسلمة أعانتها على تفريج كربها وأعطوها القرآن الكريم المترجم؛ لكي تتعرف على الإسلام، وعندما قرأته شعرت براحة القلب والسكينة، وانشرح صدرها، هذا حدث بعد أن طلقت مرتين، الآن هي متزوجة من رجل أفريقي (طبعا غير مسلم) وأنجبت 3 بنات، وهي حتى الآن معجبة بالإسلام، قائلة إنه دين كامل ودين الطهارة.. إلخ، ولكن لم تسلم بعد، والملفت للانتباه أنها عكس غيرها من الفرنسيات، لا تتبرج للأجانب.. نستطيع أن نقول إنها تريد أن تستر جسدها، وهي قالت لي أنها تأمر بناتها بذلك.. أيضا باختصار أرى فيها بوادر خير كثيرة..
أرجو أن تقولوا لي كيف يجب أن أتعامل معها، أو أن تعطوني نصائح عملية لربما يهديها الله عز وجل إلى الإسلام..
بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:(9/12)
فأشكر للأخت السائلة حرصها واهتمامها بدعوة غير المسلمين للإسلام، فإن هذا مما يضاعف الله به الأجر ويعظم به المثوبة، كما قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
ولا شك أن إهداءها ترجمة لمعاني القرآن الكريم وشرحاً مختصراً لبعض سوره من أعظم ما يعين الكافر ويهديه لدين الإسلام بتوفيق الله تعالى، وبإمكان الأخت السائلة أن تحرص على الحصول على بعض الكتيبات والنشرات والمطويات التي تخاطب غير المسلمين، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون تلك الكتب والنشرات موجهة للكافر حسب معتقده ودينه، مع الحرص أن تكون تلك الكتب سليمة في تصوير حقائق الإسلام وبيان قواعده وأسسه ومعالمه وفق المذهب الحق، مذهب أهل السنة والجماعة.
ويمكن الاستعانة بالمكاتب والجهات الخيرية التي تعمل في بلاد العالم كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي والمنتدى الإسلامي، فلدى تلك الجهات كتب ونشرات كثيرة موجهة لغير المسلمين حسب لغاتهم ومعتقداتهم.
كما أنَّ المعاملة الحسنة والخلق الطيب مع هذه المرأة يحببها في دين الإسلام، وكذا إهداؤها وإعطاؤها الزكاة لتأليف قلبها للإسلام، فإنَّ من الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة "المؤلفة قلوبهم" وهم أصناف منهم من يعطى رجاء إسلامه وكذا إن كان حديث عهد أعطي لتقوية إسلامه ولو كان غنياً.
ولا تنسي دعاء الله تعالى لها بالهداية والدخول في دين الإسلام، مع مناقشتها ومحاورتها بالتي هي أحسن، بشرط أن تكون لديك القدرة على تفنيد ودحض شبهاتها وتشكيكها في دينها ببيان أوجه بطلانه وعدم موافقته للفطرة والعقل.
وأسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدي على يديك هذه المرأة للإسلام، إنَّه جواد كريم.
المصدر : لها أون لاين
المستشار : هتلان بن هتل
==============
. أرى منكرات كثيرة فماذا أفعل ؟
أرى مخالفات كثيرة تقع من بعض النساء أو الفتيات في الجامعة , وفي الأسواق , وفي الطرق العامة ولا أقوم بنصحهن بل أسكت , مع إنكاري لها وحزني على صاحبتها , ورغبتي بنصحهن , خوفاً من الفشل والرفض , وجهلي بالطرق الصحيحة لنصحهن , أفيدوني مأجورين .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
إجابة السؤال:
أرى منكرات كثيرة فماذا أفعل ...؟
ما من شك أن الحياة لا تخلو من المنكرات ، فهذه سنة الله في هذا الحياة ، الخير والشر يتصارعان إلى يوم القيامة ، ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) (112) سورة الأنعام .
( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (42) سورة الأنفال.
ومن ثم هناك قاعدة عظيمة بالنسبة للمسلم الذي يشاهد المنكر ، حال وقوعه أو بعد وقوعه ، وهي قاعدة التدرج في التغيير والإنكار ، (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده .... الخ الحديث ) .
فأنت يا ابنتي إذا رأيت منكرا ، حددي درجة هذا المنكر ، ثم حددي درجة قدرتك إزالة هذا المنكر ، ثم أين وقع هذا المنكر ، وهل هو منكر عام أو خاص ، وهل هو في محيط تستطيعين التحكم فيه أم لا ..؟
فإذا اتضحت لكِ الصورة يكون الإنكار على قدر الصورة التي خرجت لك ، الإنكار باليد لا يكون إلا في المحيط الذين تستطيعين التحكم فيه ، كالبيت مثلاً ، والدرجة الثانية ، والدرجة الثانية لباقي المنكرات التي ترين ، ثم قبل بدء عملية الإنكار لا بد من التأكد من موقع المنكر على خريطة الأمور المنهي عنها في الشرع ، فقد تنكرين أمرا يسع الخلاف فيه ، أو قد تنكرين أمرا مباحا ، فيحدث منكر أعظم (قاعدة المصلحة والمفسدة ) إذا كان الإنكار سيؤدي إلى منكر أعظم ، يترك هذا المنكر على حالة .
كيف أبدأ بالإنكار إذا وقع منكر أمام عيني ، أو رأيت منكراً ؟
هناك بعض الطرق تعين بإذن الله على حصول نتائج إيجابية في مثل هذا الأمر ، إذا اتبعها كل من يريد أن يقدم النصح والإرشاد وإزالة المنكرات وهي : -
- طلب المعونة من الله ، والتثبيت على قول الحق .
- الشيطان يخذل ويرجف ، فإذا أحسست بهذا الأمر فامضي واعلمي أنكِ على الحق ، لأنك على الطريق الصحيح ، وسيوهمك الشيطان بأوهام تحبطك عن إتمام النصح .
- لا بد من معرفة درجة هذا المنكر ، لتحديد الأسلوب الأمثل لإنكاره.
- ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، فالرفق واللين يفتحان الأبواب والأنفس المغلقة .
- الصدق في المشاعر تجاه المنصوحة ، اجعليها تحس بدفء كلماتك النابعة من الأعماق .
- إياك والتشمت بأحد مهما عمل .
- لا تجعلي المنصوحة تحس أنكِ ندٌّ لها ,وأنك تنتصرين لنفسك بسبب ما قالت .
- قد تسمعين ما يسؤوك، فماذا أنت فاعلة .. ؟ وما هي ردة فعلك ..؟
- هل تعلمين أن قدوتنا ، صلى الله عليه وسلم ، ناله الأذى في هذا الأمر ..؟
- لا تحقري أي كلمة ، فرب كلمة قيلت لحظة صدق أنقذت غريقة من الهلاك .
- الهدية لها تأثير عجيب في هذا المجال .
- كل شخص يحب المديح والإطراء ، حاولي أن تثني على المنصوحة بما فيها من صفات إيجابية ، ثم اذكري الملاحظ التي وجدت ، ففتح أبواب القلوب مطلوب للدخول .
- لكل شخصية مفاتيح تؤثر عليها ، ممكن استثمارها عند تغيير المنكر .
- عليك أن تسلكي أسلوباً آخر إذا تعذر الكلام المباشر مع المنصوحة ، الرسالة المكتوبة أو المكالمة.
- احذري مناصحة الرجال ، فقد تقعين في الفخ ، وأنتِ لا تدرين .
- حاولي أن يكون معك أحد من صويحباتك وأنت تنكرين ، لتتقوي بها .
- تجنبي رفع الصوت عند الإنكار.(9/13)
- خذي المخالفة إلى زاوية بعيدة عن الأعين، ثم وجهي لها الكلمات الرقيقة، ستجدين أنها قد تستجيب لكِ .
- اشكري المنصوحة على سعة صدرها ، واستجابتها لكِ .
- اعلمي أنكِ لست وكيلة على أحد ، وأن التأثير بيد الله ، ما علينا إلا أن نزرع الثمرة ، ونلقى الكلمة ، ومفاتيح القلوب بيد الله .
- تأملي ثمرة هذا العمل ، وما هو الأجر المدخر لك عند الله لو أن هذه قد استجابت لكِ . (لأن يهدي الله بك رجلاً واحد) ... الحديث .
- أخيراً أسأل العلي القدير أن يوفقكِ في مسعاكِ، وأن يكتب الخير علي يديكِ ....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
المستشار : عبد الله بن عبد الرحمن العيادة ( بريدة ) .
... ===============
. كيف أوجههن ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أدرس بالجامعة بأحد الأقسام العلمية وجميع صديقاتي ( غير متدينات ) ، مع أن شخصياتهم طيبة وصاحبات دعابة .. بعضهن مُسالمات ، والبعض يتسمن بالجدال .. كيف أوجههن علماً بأنني من النوع الهادئ جداً ونفسي قصير في النقاش .. أرجو التوجيه والإرشاد خاصة ممن لديه المعرفة في دعوة الفتيات .. جزاكم الله خيرا ..
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فالدعوة تكون بأسلوب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام, دعوة في كل زمان ومكان ومع كل أحد وهي لا تنفك عن القول والعمل , وتبدأ بالقدوة وحسن المعاملة , مع الخلق واختيار الأوقات المناسبة والألفاظ المحببة إلى النفس , واستخدام الوسائل المعينة على ذلك كل بحسبه , وينبغي أن تتوخى الأخت الحذر من النقاش العقيم و المراء الذي يفسد القلوب ويوغر الصدور فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "طوبى لمن ترك المراء وإن كان محقاً " .
وقد أمر الله تبارك وتعالي نبيه أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) , فالدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة, والجدال إنما يلجأ إليه عند الحاجة , ويكون بالتي هي أحسن أيضا , ولا مانع أن يستعين المرء بمن هو أقدر منه على الدعوة , لاسيما إن كان أفصح منه لسانا وأقوى حجة , ولابد مع ذلك أن يتحلى الداعية بالعلم قبل الدعوة , وبالرفق أثنائها , وبالصبر بعدها لتؤتي دعوته الثمرة المرجوة
ثم إن لي ملاحظة على قول الأخت : ( جميع صديقاتي غير متدينات ) ثم تقول : ( بعضهن مُسالمات ) , ومن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يعنى باختيار أخلائه وأصدقائه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) , وأثر الجليس الصالح وجليس السوء لا يخفى على ذي لب .
والله الموفق ,,,
المستشار : عبد الله اللحيدان .
============
. كيف أدعو إلى الله ؟؟!!
السلام عليكم ورحمة الله
ابنتكم محبة الدعوة على اسمها تحب الدعوة ولكنها لا تعلم من أين تبدأ , بدأت في حفظ القرآن بعد فراغي من الجامعة ولازلت أحفظ وأقرأ باستمرار عن فنون الحوار والأساليب الدعوية , وكل ذلك رغبة في انخراطي في عمل دعوي أفرغ من خلاله طاقتي وأقوم بواجبي نحو ديني , ولكني أخجل من إلقاء المحاضرات مهما حاولت أن أتدرب , فصرفت نظري عن الإلقاء واتجهت إلى كتابتها أو جمع مواضيعها لبعض الأخوات كي تلقيها بحكم سرعة قراءتي وبحثي في الانترنت...ووجدت في ذلك سعادة ثم تشجعت أن أوزّع كتيبات على العاملات والممرضات من مختلف الجنسيات وفعلت إلا أن لغتي الإنجليزية ليست قوية فلا أستطيع محاورتهن , فاكتفيت بوضع الكتيبات مع الدعاء بأن يهدي الله بها , ولكني أطمح في عمل يمتاز ببصمتي فيه , فأنا كثيرة القراءة في علوم مختلفة .
لا ادري ماذا أفعل , أرجو منكم الإجابة علي بما يفتح أمامي آفاق في الدعوة , ولكم مني خالص الدعوات , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و بعد
لاحظت في رسالة الأخت محبة الدعوة أموراً منها :
1- أنها أسهمت في أكثر من مجال في الدعوة .
2- أن قراءتها متنوعة و غير مركزة .
3- أنها تطمح إلى عمل يظهر فيه بصمتها .
ووصيتي للأخت بالآتي :
1- التركيز على طلب العلم الشرعي من خلال مواقع العلماء .
2- الاهتمام بالمجال الذي ترى أنها تحسن و ينفع الله به على يديها , فالله تعالى يفتح لكل أحد في مجال أو أكثر وقد لا يفتح له في مجالات أخرى , فليست الدعوة محصورة في إلقاء المحاضرات و لا في المقابلات بل لها مجالات كثيرة .
3- أن تحرص على الدعوة المؤسسية من خلال التعاون مع بعض الأخوات , سواء في عملها أو أسرتها أو بعض دور التحفيظ أو المواقع النسائية أو غير ذلك .
4- الإخلاص لله تعالى وسؤاله التوفيق , فليس المراد من الدعوة ظهور البصمة , بل قد تعمل الداعية أعمالاً كثيرة و ينفع الله بها ولا يعلم أحد بما تقوم به من جهود كبيرة ولكن الله تعالى يأجرها على ذلك .
أسأل الله تعالى للأخت الكريمة مزيدا من التوفيق و العون و أن يثبتنا و إياها على الصراط المستقيم
وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
المستشار : سليمان الغصن .
=============
. الوالدان والجامعة والدعوة .. فيهما فجاهد
أعمل مدرِّسًا بالجامعة بإحدى الجامعات الحديثة في محافظة تبعد عن محافظتي حوالي 100كم "1.5-2ساعة بالمواصلات" وكنت أودُّ الاستقرار السكنيّ في محافظة عملي، ولكن والدي ووالدتي وهما كبارٌ في السنّ فوق 65 سنة، كما أنَّ وجودي في بلدي وبها جامعةٌ كبيرةٌ تساعدني في الاحتكاك العلمي وعمل أبحاث مشتركة مع زملائي في هذه الجامعة.(9/14)