يمضي دون تخطيط ولا برامج، دون هدف واضح ولا محاسبة، ويحسب أنه التوكل، ويحسب أنه يسيرعلى الطريق المستقيم الذي طالما ترنم به، ويحسب أنها البدايات المحرقة التي لا بد أن تكون نهاياتها مشرقة.. يحمل الفوضى التي في نفسه وحياته ويمضي مثقلا.. وما هي إلا أيام حتى يرجع لحزنه وعثراته وتقصيره هنا وهناك، رغم دبيب الحياة الذي تحرك فيه، ورغم همته التي اشتعلت بداخله، فإنه انهار سريعًا بعد خطوات قليلة، وليتها كانت على الصراط المستقيم، بل كان كمن يدور حول نفسه دون أن يتقدم خطوة واحدة للأمام، وتخيل أنه قد تحرك للأمام!!.
إن التعميم محبط وله تأثير سلبي على الإنسان حتى في الإيمانيات وعلاقته مع ربه, والقصد هنا أن الداعية في أول الطريق ينطلق متحمسًا، وقد يكون متميزًا في باب من أبواب حياته - كالعلم مثلا - ثم بعد التزامه وسيره في الدعوة تجده يُقصر في طلب العلم لا لإهمال منه بل لحماسة زائدة في الدعوة, وأما في باب الإيمانيات وعلاقته بربه فتجده يكثر الصوم، والذكر، والصدقة بعد الفرائض حتى يكون كالمنبت الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : "إن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى" [رواه البزار]، فلا نريد أن نكون كالمنبت؛ بل نريد السير بخطى ثابتة ولو كانت بطيئة، وما الشجاعة إلا صبر ساعة، فهيا نعيد ترتيب حياتنا من جديد.
من صَلُحت بدايته صَلُحت نهايته إن صحة المنطلق هي الأساس في المسار الصواب في الطريق المستقيم، وتبدو صحة المنطلق في استحضار النية وتحقيق الإخلاص والتوجه بالأعمال كلها لله وحده، وطلب الأجر منه وحده وعدم الالتفات إلى الناس.. قال الله تعالى : {ومَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ}[البينة: 5], وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " [رواه مسلم].
والقاعدة تقول: من صحت بدايته استقامت طريقه وصحت نهايته، ومن فسدت بدايته اعوجت طريقه وساءت نهايته, وقال علماؤنا قديما : " الفترة بعد المجاهدة من فساد الابتداء " ، لكن الإيمان يزيد وينقص، وكذلك الهمم تفتر، فكيف نثبت على الطريق رغم العقبات والأزمات؟
إن قلبك هو سر نجاحك ، فرتِّبه ولا تترك الفوضى فيه تعوم، وكما قال مصطفى صادق الرافعي : " إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك ".
الهمة والإتقان, وبعد النية لا يكون إلا الهمة، وبعد الهمة لا يوجد إلا الإتقان، وإلا كنتَ أثقل ما يكون خطوا ووجدت السراب عند العطش, ولا تترك همتك تدنو من الأرض وفتن الدنيا وشهواتها وملذاتها، فإن نفسك تأبى إلا علوا كشعلة من النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعا.
وبعد.....
فإن الراحة للرجال غفلة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه, وإنه استعلاء ثمنه التعب، وبعد نور القلب لا يكون إلا الجد في الطلب.
وبعد أن وضعت وحددت المبدأ الذي تنطلق منه بقوة وعزم، عليك أن تجلس مع نفسك جلسة صدق مع الله تعالى تعيد فيها حساباتك وتقيم بها وضعك وترتب بها حياتك, ما الجديد الذي ستُدخله عليها؟ وما التجديد الذي ستقوم به على ما تملك؟ أي شيء فيك ستبقي؟ وأيها أنت في غير حاجة له؟ وهذه بعض النقاط المهمة في كل جانب:
1- علاقتك بالله سبحانه وتعالى:
• حافظ على الفروض في وقتها مع الجماعة.
• حافظ على السنن الرواتب وهي 12 ركعة في اليوم، مع صلاة الضحى.
• احرص ألا يقل ورد القرآن اليومي عن جزء.
• اجعل لك ربع ساعة يوميا للتفكر، وأفضل الأوقات التي يصفو بها الذهن قبل النوم أو بعد الفجر.
• حافظ على أذكار الصباح والمساء وأدعية الأحوال المختلفة، واجعل لك وردا يوميا من التسبيح والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، مستثمرا الأوقات البينية.
• لا تنم بعد الفجر، وخصص هذا الوقت لتلاوة القرآن والأذكار.
• قم الليل ولو بركعتين بعد العشاء، والأفضل أن تعتاد تدريجيا أن تصحو ساعة قبل الفجر للقيام والدعاء والاستغفار لبركة هذا الوقت.
2- علاقتك مع ذاتك:
• حدد هدفك ورسالتك في الحياة، واكتب ذلك على ورقة، وعلقها أمامك لتقرأها يوميا مرتين على الأقل.
• خطط لحياتك المستقبلية وفق هدفك ورسالتك، وضع الخطوات التي ستقوم بها هذه السنة والسنوات القادمة، وتذكر أنك كلما خططت بعمق ودقة وفهم واع لمدة أطول كلما اتضحت لك الرؤية.
• سجل في مفكرةٍ الأعمالَ والواجبات التي ستقوم بها يوميا بعد الفجر.
• حافظ على ترتيب الأولويات في أعمالك، الأهم فالمهم.
• تفرس في ذاتك واعرف مهاراتك المميزة وحاول تطويرها.
• دوِّن في مذكرة خاصة، سمها "قصة نجاحي"، مذكراتك اليومية، واكتب إنجازاتك على الجهة اليمنى، وأخطاءك التي قمت بها على الجهة اليسرى، وراجع هذه المذكرة أسبوعيا وكافئ نفسك على الإنجاز والنجاح وعاقب نفسك ولُمْها على الأخطاء.
• سجل في مذكراتك - " قصة نجاحي" - نقاط القوة فيك ونقاط الضعف، وضع الخطط لتطوير نقاط القوة فيك والتغلب على نقاط الضعف فيك.
• إن كنت طالبا فاجتهد في تحصيل نتائج رائعة في دراستك التي تحبها، وإن كنت عاملا فاجتهد أن تتقن عملك وتبدع فيه.
• حافظ على المشي بشكل يومي، ويُفضل أن يكون صباحا بوقت مبكر أو مساءً قبيل المغرب.
• خاطب نفسك بإيجابية دائما.
• روِّح عن نفسك بين وقت وآخر بنزهة أسبوعية مثلا؛ لتخفف عن نفسك ضغوطات الحياة.(7/3)
• قم بإعداد خطة للقراءة والمطالعة اليومية، واحرص على أن تنهي كتابا كل أسبوعين مثلا، وحتى تستفيد من قراءتك دوِّن ملاحظاتك على ما تقرؤه، واقتبس منه بعض الجمل أو الدروس التي تعلمتها واكتبها في "قصة نجاحك", ونوِّع في قراءتك لتزيد من معرفتك وثقافتك في كافة المجالات الحياتية.
• استمع للأخبار يوميا وتابع بعض الصحف حتى تكون على معرفة بما يحدث من حولك من مستجدات محليا وعالميا.
3- علاقاتك الاجتماعية:
• ارضِ والديك وبرهما قدر استطاعتك.
• تقرب إلى أسرتك واجلس معهم يوميا، واستمع إلى أخبارهم وشاركهم أحوالك.
• صِل رحمك، ولو لم يتيسر لك زيارتهم اتصل بهم أو راسلهم.
• طور علاقتك بأصدقائك، وخص منهم من ترتاح له وتسعد بقضاء الوقت معه باهتمام أكثر، ليكون أقرب الناس إليك وأكثرهم تفهما لك، يعينك على دينك ودنياك ويكون مرآتك أينما توجهت.
• تودد إلى من تلاقي من الناس بالكلمة الطيبة، واعلم أن أنجح العلاقات تلك التي لا إفراط فيها ولا تفريط، أي التي لا تحتاج فيها أن تتلون وتتكلف في الحديث بل تكون عفويا بسيطا.
• لاقِ الناس جميعًا بابتسامتك.
• تقبل أخطاء غيرك، وغض الطرف عنها من باب الصفح والإحسان لا من باب الرصد والعد عليهم.
• استمع إلى من يحدثك ولا تتكلم إلا حين ينتهي؛ فإن ذلك من حسن الحوار وآدابه.
• أخبر من تحب أنك تحبه، وانصح من ترى فيه سلبية معينة سرًّا ولا تفضحه علنًا.
• اهدِ من تحب ومن تعرف بهدية يحبها من وقت لآخر، فإن الهدية مهما قل ثمنها ترقق القلب.
4- علاقتك بدعوتك:
• طالع كتب الدعوة وسِيَر الصحابة، وارتوِ من نبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• ابحث عن شيخ ثقة تتلقى العلم عنه والتربية.
• احضر مجلس علم مرة أسبوعيا.
• عوِّد نفسك ودربها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل وقت وفي كل مكان بالأسلوب الذي يناسب كل موقف.
• شارك ببعض المنتديات الإسلامية؛ فإن ذلك سبيل للدعوة يسير، وفيه الأجر الوفير والاستفادة الكبيرة, وطالع بعض المواقع الإسلامية الدعوية لتكن على اطلاع دائم وعلم واسع.
• شارك في الفعاليات العامة التي تقيمها الحركة الإسلامية في بلدك.
• مارس دعوتك في بيتك وطبق علمك على نفسك أولا، ثم الأقرب فالأقرب.
• نوِّع في أساليب الدعوة ما بين خطب ووعظ، كلمة طيبة ونصح في السر، إهداء لشريط ، مراسلة، مخاطبة بالسر.
• تطوع في أحد المجالات التي تتميز بها، مثلا: إن كنت متميزا في البحوث العملية فيمكنك التطوع في أحد مراكز البحث العلمي، وإن كنت تتميز في الحاسوب فعلم عددا من الطلاب كيفية استخدامه، وبهذه الطريقة - أي التطوع - تطور ذاتك في مجال تميزك، وتعطي فيه وتبدع لتصل به إلى مرحلة التخصص.
• علم نفسك فعل الخيرات وسابق فيها من حولك ولا تستصغر عملا، فرب عمل صغير تستحقره يدخلك الجنان، ورب عمل كبير تستعظمه يُرَد عليك.
وأخيرًا، احمد الله أن جعلك من أهل الصفوة على علم ووعي وبصيرة، وكن على إدراك بهذا الذي جئناك به، فإنك من بعد الآن مسئول عنه بين يدي الله، فهذه الجادة فأين السالك؟ وها نحن نقولها لك ونعيدها عليك : عرفت فالزم... عرفت فالزم!!. منذ اليوم أنت إنسان جديد، يملأ الأمل قلبك، والفرحة وجهك، ويداك تتوق للعمل، ورجلاك للسعي والتعب والنصب, كيف لا تكون من الأخيار وأنت حبيب الله؟! كيف لا وقدوتك نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه؟! فهلا زاحمت الصحابة لتسعد برفقته؟!. انطلق واثقا بنفسك، متوكلا على ربك، وانطلق بقوة لتخط قصة نجاحك.
المصدر : إسلام أون لاين .
للكاتبة : إيمان المصري .
=============
محاسبة النفس مع العام الهجري الجديد
بقلم : أ. مشاعل الشثري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم .
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم ينشق فجره إلا ينادي ويقول يا بن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمي بعمل صالح فإني لن أعود إلى يوم القيامة ).
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما ندمت على شيء كندمي على يوم مضى فيه عمري ولم يزدد فيه عملي " .
ما أسرع مرور الأيام وتعاقب الأعوام , وها نحن نودع عاماً ونستقبل آخر فسبحان من خلق الليالي والأيام وجعلها خزائن للأعمال نعمة لمن اغتنمها وحسرة وندامة لمن فرط فيها وضيعها.
إن من العمر النفيس ما ودعناه ونودعه بنهاية هذا الشهر عام من أعمارنا , ولن يعود إلى يوم القيامة ودونت أعماله فإما أن يكون قد ملىء بالخير وإما أن يكون قد ملىء بالشرعياذاً بالله , إما أن نكون فيه من السابقين إلى الخيرات أو من المقتصرين أم الظالمين أنفسهم أو المفلسين .
ونحن نودع هذا العام نحن مطالبون بأمور:
1- أن نحمد الله ونشكره على مهلة العمر والاستزادة من العمل الصالح فإن خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله .
وتأمل قصة الإخوة الثلاثة الذين أسلموا وأدخلهم أبو طلحة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلبوا الجهاد فجاهدوا , واستشهد أحدهم ثم بقوا سنة , وخرج الأخوان للجهاد فجاهدوا فاستشهد الثاني ثم بقي بعدهم الثالث سنة ومات على فراشه فرأى أبو طلحة أن الذي مات على فراشه دخل الجنة قبل أخويه , فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( أليس أنه بقي بعدهم سنة صلى كذا وكذا صلاة وسجد كذا سجدة ,وأدرك رمضان فصامه ,فما بينهم مثل ما بين السماء والأرض ) ؛ فالواجب أن نثني على الله بما هو أهله أن منّ علينا بالحياة إلى هذا العام ونسأله أن يوفقنا للعمل الصالح .
2- المحاسبة للنفس :(7/4)
فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً صالحاً , واعلمي أن من أصلحت ما بقي غفر لها ما مضى , والمؤمن بين مخافتين بين عام قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه , وآجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه , والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى من الله الأماني .
3- الإكثار من الأعمال الصالحة والاستغفار :
قال تعالى :{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [ 33: سورة الأنفال] ,والاستغفار خير ما تختم به الأعمال؛ فإن كانت صالحة كان كالطابع لها يحفظها , وإن كانت سيئة كفرها ومحاها .
وقد ختم الله به التوحيد والاستقامة والوضوء والصلاة والحج وقيام الليل والمجالس , ومن العمل الصالح الذي يبتغي أن تحرص عليه " صيام يوم عاشوراء " فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ) رواه البخاري .
أما عن فضله فعن أبي قتاده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال : ( يكفر السنة الماضية ) رواه مسلم .
وفي الختام أسأل المولى القدير بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يختم لنا بخير وأن يوفقنا إلى كل خير إنه ولي ذلك والقادرعليه .
=============
فضل يوم عاشوراء..
جمع / أ. فوزية الفوزان.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن من نعم الله على عباده أن يوالي مواسم الخيرات عليهم على مدار الأيام والشهور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فما أن انقضى موسم الحج المبارك إلا وتبعه شهر كريم، هو شهر الله المحرم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال:{ أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل } وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله دلالة على شرفه وفضله، فإن الله تعالى يخص بعض مخلوقاته بخصائص , ويفضل بعضها على بعض.
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ( إن الله افتتح السنة بشهر حرام واختتمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من شده تحريمه ).
وفي هذا الشهر يوم حصل فيه حدث عظيم، ونصر مبين، ظهر فيه الحق على الباطل، حيث أنجى الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام وقومه وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، هذا اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو ما يسمى بيوم عاشوراء.
فضل يوم عاشوراء وصيامه :
وردت أحاديث كثيرة عن فضل يوم عاشوراء والصوم فيه , وهي ثابتة عن رسول الله نذكرمنها على سبيل المثال ما يلي:
في الصحيحين عن ابن عباس أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال: ( ما رأيت رسول الله يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم - يعني يوم عاشوراء -وهذا الشهريعني رمضان ),وكما أسلفنا من قبل أن يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وكان موسى عليه الصلاة والسلام يصومه لفضله، وليس هذا فحسب بل كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه.
كان يصوم يوم عاشوراء بمكة ولا يأمر الناس بالصوم، فلما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به، صامه وأمرالناس بصيامه، وأكد الأمر بصيامه والحث عليه، حتى كانوا يصوّمونه أطفالهم, وفي الصحيحين عن ابن عباس قال:{قدم رسول الله المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله : ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله وأمر بصيامه }.
وفي الصحيحين أيضاً عن الربيع بنت معوذ قالت :{ أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح منكم صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح منكم مفطراً فليتم بقية يومه}, فكنا بعد ذلك نصوم ونصوّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار, وفي رواية:{ فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم}.
فلما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي أمر الصحابة بصيام يوم عاشوراء وتأكيده عليه ، لما في الصحيحين من حديث ابن عمر قال:{صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك - أي ترك أمرهم بذلك وبقي على الاستحباب}, وفي الصحيحين أيضاً عن معاوية قال:{سمعت رسول الله يقول: {هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر }, وهذا دليل على نسخ الوجوب وبقاء الاستحباب.
من فضائل شهر الله المحرم أن صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب السنة التي قبله، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي عن صيام يوم عاشوراء فقال:{ أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله }.
أختي المسلمة .... :
عزم النبي في آخر عمره على أن لا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفةً لأهل الكتاب في صومه، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:{حين صام رسول الله عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع }أي مع العاشر مخالفةً لأهل الكتاب قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله.(7/5)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد [2/76]:
مراتب الصوم ثلاثة:
أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.
والأحوط أن يصام التاسع والعاشر والحادي عشر حتى يدرك صيام يوم عاشوراء.
بعض البدع والمخالفات التي تقع في هذا اليوم:
اعلمي أختي المسلمة أنه لا يشرع لكِ أي عمل لم يثبت عن رسول الله ، ومن المخالفات التي تقع من بعض الناس في هذا اليوم : الاكتحال، والاختضاب، والاغتسال، والتوسعة على الأهل والعيال , وكذلك صنع طعام خاص بهذا اليوم. كل هذه الأعمال وردت فيها أحاديث موضوعة وضعيفة.
وهناك أيضاً بدع تقع من بعض الناس في هذا اليوم منها:
تخصيص هذا اليوم بدعاء معين، وكذلك ما يعرف عند أهل البدع برقية عاشوراء، وأيضاً ما تفعله الرافضة في هذا اليوم لا أصل له في الشرع. كما وأن من الأمور المنكرة الاحتفال ببداية العام الهجري وتوزيع الهدايا والورود واتخاذه عيداً سنوياً.
العام الجديد ومحاسبة النفس:
حريٌ بالمسلم مع بداية العام الهجري الجديد أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة سريعة ومراجعة دقيقة, وفي تلك الوقفة طريق نجاة وسبيل هداية، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفطن من ألزم نفسه طريق الخير وخطمها بخطام الشرع, والإنسان لا يخلو من حالين، فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مقصراً ندم وتاب قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَوَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر:18].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :( أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ).
وقد أجمل ابن قيم الجوزية طريقة محاسبة النفس وكيفيتها فقال:( جماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أوإصلاح، ثم يحاسب نفسه على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله ).
فبادري أختي المسلمة مع فجرهذا العام الجديد بالتوبة والإقبال على الله فإن صحائفكِ أمامكِ بيضاء لم يكتب بعد فيها شيء؛ فالله الله أن تسوديها بالذنوب والمعاصي, وحاسبي نفسكِ قبل أن تحاسبي وأكثري من ذكر الله عز وجل والاستغفار, واحرصي علي رفقة صالحة تدلكِ على الخير, جعل الله هذا العام عام خير على الإسلام والمسلمين وأطال أعمارنا ومد آجالنا في حسن طاعته والبعد عن معصيته وجعلنا ممن يتبوأ من الجنة غرفاً تجرى من تحتها الأنهار, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
==============
( دعوة إلى التخطيط مع العام الهجري الجديد )
بقلم :أ. ندى بنت عبد الله الزيد
مع إطلالة العام الهجري الجديد، نعيش جانبا من شخصيته صلى الله عليه وسلم، تلك الشخصية التي لم يعرف لها التاريخ مثيل، فلم تكن تلك الشخصية عشوائية تسير بلا هدف ، ومع أن ربه قد تولاه وكفاه، ومع يقينه بنصرة الله له ،إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان شخصية مخططة، تحسب للأمور حسابها، وتعد العدة لها، وهذه بعض من الوقفات في تخطيطه للهجرة المباركة علنا نستفيد منها في التخطيط في كثير من أمور حياتنا:
* اختيار علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشاب الشجاع ومن أهل بيته لينام على فراشه صلى الله عليه وسلم تمويها للكافرين ولأداء الأمانات لأهلها ،فيه إشراك الشباب واستغلال ما بهم من طاقات في الأمور المهمة.
* اختيار الرفقة الطيبة التي تعين على المسير:
اختار صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه الذي عرف عنه الصدق والنصح فكان إذا مشى صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر من خلفه خشية أن يصاب من خلفه وإذا التفت جاءه من أمامه ، وفي اختياره دلالة على المكانة التي ستكون لأبي بكر رضي الله عنه.
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
وفي مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر مقنعا وفي منتصف النهار - في ساعة لم يكن يأتيه فيها - أهمية السرية والاحتياط في بعض الأمور: " والله كافيك من الناس " .
وللتزويد بالأخبار يكون عبد الرحمن بن أبي بكر ونقل الطعام أسماء حتى لا تنتشر دائرة الخبر وكلهم من الشباب.
* اتخاذ صاحب الأثر الذي يدله على المسير حاذقا مع أنه غير مسلم حتى لا يضل الطريق ولمعرفته بطرق قد لا يهتدي لها كفار قريش فيه أهمية فعل الأسباب وتعلق القلب بمسبب الأسباب جل في علاه.
* وفي شدة الأزمة والكفار حول باب الغار وانتفاء الأسباب يظهر الثبات واليقين وحسن التوكل على الله " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا ".
* في وضوح الرؤيا والتحقق من حصولها ولو بعد حين يقول لسراقة بن مالك -الذي قدم ليظفربالجائزة بقتله محمداً - وقد خارت به الفرس " فكيف بك إذا سورت بسواري كسرى " فيفوزسراقة بما هو أعظم الهداية للإسلام ، وهنا يتجلى موقف أعظم للقائد المخطط فلا ينتقم من سراقة لأنه جاء ليقتله بل يدعوه إلى الإسلام وهو الهدف الواضح في ذهنه صلى الله عليه وسلم.(7/6)
* وفي مسيرته وحله وترحاله تظل الأخلاق العالية التي تبهر كل من تعامل معه فتقول: أم معبد واصفة للرسول صلى الله عليه وسلم عندما مر بها ".... ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، ....إذا تكلم علاه البهاء،أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق ، فصل ، لا تزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن...غصن بين غصنين ، فهو أنضرالثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به ، إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند".
الأخلاق العالية التي تأسر القلوب وتستوعب الناس على اختلاف مشاربهم وتنوع أحوالهم.
ألا ما أحوجنا للاقتداء بخلقه ونهجه صلى الله عليه وسلم.
نحتاج إلى التخطيط في حياتنا الدنيا لاستثمارها في الآخرة، نعم فالأيام تمضي والناس في سباق وغدا نسمع : {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (24: سورة الفجر) , أي قدمت أعمالا صالحة لحياتي في الدار الآخرة دار الجزاء .....
ونحتاج إلى التخطيط في مجال عملنا للتطوير والتجديد وتقديم الأفضل مبتغين في ذلك وجه الله ولنشعر بالسعادة والرضى ....
ونحتاج إلى التخطيط في حياتنا الأسرية لإنشاء جيل نافع لأمته في زمان كثرت فيه المؤثرات والفتن...............
بل نحتاج إلى التخطيط في تطوير أنفسنا دينيا وعلميا وتربويا والنهوض بها من إطار الذات والأنا إلى أفق النفع والعطاء والبذل وبذلك نفوز بالخيرية التي قال عنها صلى الله عليه وسلم " خير الناس أنفعهم للناس" .
هانحن في عام هجري جديد صحائف أيامه البيضاء تنتظر كل منا أن يسطر فيها عملا وانجازا ينتفع به ما شاء الله من الخلق بتخطيط مدروس مقتديا بمحمد صلى الله عليه وسلم متوكلا على الله سبحانه وتعالى فأين المشمرون ؟.
==============
* مهارات التفوق والنجاح *
بقلم : أ. ندى الزيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ............
النجاح والتفوق الدراسي أمر يسعى له كل متعلم طموح,وبداية السعي تكون من بدء العام الدراسي بالمذاكرة أولاً بأول لتنعمي بالراحة في نهاية الفصل ويكون النجاح سهلا.
عزيزتي الطالبة :
ونحن على أعتاب الاختبارات أقدم لكِ هذه المهارات لتكون عونا لكِ بعد الله على اجتياز الاختبارات بيسر وسهولة :
1/ ثقي بنفسكِ , وقدراتكِ فأي تجربة فشل مرت بكِ لاتجعليها حاجزا أمام تفوقكِ, فكري بالنجاح ولا تفكري بالرسوب ,فالنجاح أنتِ أهل له وقادرة عليه بما تملكين من قدرات وطاقات ؛ فالنجاح رائع وأروع منه إحرازه بعد الاجتهاد والمثابرة.
2 / فكري كيف تحصلي على الدرجات العالية وكيف تنجحي في جميع المواد واتركي لماذا ؟ ! لماذا أنا ضعيفة ؟ ولماذا صديقاتي يحققن الامتياز, وأنا لا؟،لأن لماذا تبعث في النفس الفشل والندم وعدم الثقة في النفس.
3 / احذري رفيقات السوء اللاتي لايشددن من عزمكِ , ويحثونكِ على اللعب واللهو ,ويقلن لا فائدة من الدراسة ويحثونكِ على الغش في الاختبار ، هؤلاء هن رأس الفشل فاحذريهن.
لاتصحب الكسلان في حالاته كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة كالجمر يوضع في الرماد فيجمد
4 / تعرفي على طريقة معلمتكِ في وضع الأسئلة من خلال الامتحانات الفصلية,وما الذي تركز عليه في الحصة, وأي شيء قالت أنه مهم ، اسألي زميلاتكِ في السنة السابقة لكِ عن نوعية أسئلة المعلمة, واحرصي على حصص المراجعة فغالبا ما تحرص المعلمة على الدروس المهمة في المقرر.
5 / كوني جدولا للمذاكرة :حددي فيه أسماء المواد, والوقت المقرر لمراجعة كل مادة واحرصي على التنويع في المواد حتى لا تشعري بالسآمة والملل .
6 / اقرئي في الاختبارات السابقة واطلبي من معلمتكِ نماذج سابقة ,أو ابحثي بالمكتبات أو مواقع الانترنت عن نماذج لتتعودي على حل الأسئلة .
7 / تقربي إلى الله في كل الأوقات ,وليس في الاختبارات فقط، ؛ فهو مفتاح للنجاح قليل من يعرفه من الناس ,أما سمعتِ قول الرسول صلى الله علي وسلم " تعرف على الله في الرخاء يعرفك بالشدة" تعرفي على الله بالصلاة في أوقاتها, وقراءة القرآن , ومداومة ذكره فهي كفيلة بإزاحة الهم عن قلبكِ والقلق عن نفسكِ .
8 / نامي مبكرة لأن السهر يؤثر على الدماغ , ويتعب البصروالجسم فيتشوش عند الاختبار، وإياكِ والملهيات التي تسرق وقتكِ , وعاطفتكِ , وربما دينك , وبالتالي نجاحك.
9 / خذي راحة بين ساعات المذاكرة , وأفضل وقت للمذاكرة الصباح الباكر, وقد بينت الدراسات أن بعد كل نصف ساعة دراسة يجب أخذ ثلاث دقائق راحة حتى لا تشعري بالإرهاق وتجددي نشاطك.
10/ في يوم الاختبار: افطري فالجسم كالسيارة يحتاج إلى الوقود ، احضري مبكرا ، خذي نفساً عميقاً ؛ فهو يخفف الارتباك والتوتر ،ادعِ الله " اللهم لا سهلا إلا ماجعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا" اعرفي المطلوب بالسؤال ، ابدئي بالأسهل ، حسني خطكِ ونسقي ورقة إجابتكِ ؛ فهو دليل على ثقتكِ بنفسكِ ، راجعي إجابتك.
11 / قبل النوم كرري عبارات إيجابية مثل أنا متفوقة ، الاختبار سهل ، النجاح سهل، أنا واثقة من نفسي, ومتوكلة على ربي الله يكفيني , الله معي يسددني ,ويرعاني {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (36: سورة الزمر ) .
* * *
أخيرا انطلقي إلى النجاح بعزيمة قوية فاهلكِ ينتظرون تفوقكِ ,ومدرستك يهمها تميزكِ ووطنكِ يتوق إلى عطائكِ , وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير".
ملاحظة :
وللاستزادة عن الوقفات مع الامتحانات يرجى زيارة الرابط :(7/7)
http://www.saaid.net/afkar/school/test.htm
==============
(دروس من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم)
بقلم : أ. نادية الهداب
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت كحنين مغترب إلى الأوطان ِ
إن الطيور وإن قصصت جناحها تسمو بهمتها إلى الطيران ِ
يعيش المصطفى صلى الله عليه وسلم معنا دائماً وأبدًا .. يعيش معنا ونحن نراه قدوه وأسوة وإماماً مرشداً ,وأباً مربياً.. يعيش في ضمائرنا عظيماً .. وفي قلوبنا رحيمًا .. ,وفي أبصارنا إماماً.. وفي أذاننا بشيرًا, ونذيرًا .
هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه عاش لحظات الحياة كما ينبغي أن تعاش .. فمنذ أن بزغت شمس الإسلام وقف عليه الصلاة والسلام صابرًا محتسبًا دعى إلى الله وجاهد في الله.
وقف على الصفا عندما أنزلت عليه قول الله تعالى : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(214: الشعراء) , فبشر وأنذر فكانت بداية الجهاد.
لما نزلت عليه قول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}(5 : المزمل ) , قال لخديجة رضى الله عنها .. وهي تدعوه أن يطمئن وينام ..قال لها .. مضى عهد النوم يا خديجة ,وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق ..
* عرض نفسه الكريمة على القبائل في موسم الحج وجاء وفد الأنصار جاء الأحباب بعد طول انتظار.. وآمنوا بالحبيب وبايعوا على النصرة والجهاد .. ,وبدأت قوافل المهاجرين تسير اتجاه المدينة تستقبلها قلوب المحبين الصادقين قبل أبدانهم , وقال الله تعالى :{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(9 : الحشر) , وبقي الحبيب ينتظر أن يأذن له ربه بالهجرة وأرشده ربه وألهمه أن يدعو:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }( 80: الإسراء ).
لم يبق في مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حبس أو فتن.. وإلا علي بن أبي طالب , وأبو بكر الصديق وكان كثيرًا ما يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له : " لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً " ؛ فيطمع أبو بكر أن يكون ذلك الصاحب حبيبه وصاحبه النبي صلى الله عليه وسلم , فابتاع راحلتين حبسهما في داره يعلفهما إعدادًا لذلك.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار .. إما بكرة و إما عشية ,حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة أتانا رسول الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها.. قالت فلما رآه أبو بكر قال :- ما جاء رسول الله صلى عليه وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث ؟ قالت : فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد إلا أنا وأختي أسماء .
فقال عليه الصلاة والسلام : أخرج عني من عندك ..
قال : يا رسول الله إنما هما ابنتاي , وما ذاك فداك أبي وأمي ؟
قال : إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ...
قال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله ؟ قال : الصحبة ..
قالت : فو الله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي ...".
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه يريدان الغار .. فلما انتهيا إليه ..
قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار .. فدخل فاستبرأه ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به , وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه .. ثم قال : يارسول الله أدخل .. فدخل عليه الصلاة والسلام ,ووضع رأسه في حجر صاحبه ونام .. فلدغ أبو بكر .. ,ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مالك يا أبا بكر؟ قال : لدغت , فداك أبي وأمي .. فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده.
جدت قريش في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه .. وأرصدت مكافأة لمن يعيدهما .. فانتشر الفرسان وتفرقوا في الجبال والوديان , ووصل المطاردون إلى باب الغار ولكن الله غالب على أمره.
وحين خمدت نار الطلب.. خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يريدان المدينة, وفي يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة من النبوة وهي السنة الأولى من الهجرة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.
قال ابن القيم رحمه الله :-
وسمعت الرجه والتكبير في بني عمرو بن عوف .. وكبر المسلمون فرحاً بقدومه وخرجوا للقائه فتلقوه ,وحيوه وأحدقوا به والسكينة تغشاه والوحي ينزل عليه .. قال الله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}(4: التحريم ) , أقام النبي صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام وأسس مسجد قباء وصلى فيه , وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب المدينة المنورة.
أشرقت المدينة بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ فاستنارت أرجاءها وصارت كهفاً لأولياء الله وحصناً منيعاً للمسلمين .. ومنارة هدى للعالمين..
والمتأمل في حادثة الهجرة يتلمس دروساً عظيمة وفوائد جمّه ومن ذلك :-
1- ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله تعالى :-(7/8)
* ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين , فعلي بات في فراشه وأبو بكر صحبه في الرحلة .
* ويتجلى كذلك في استعانته بعبد الله بن أريقط الليثي حيث كان خبيرًا ماهرًا بالطريق .
* ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسة , ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم , ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه متعلقاً بالله شديد التوكل عليه .
2- ضرورة الإخلاص والسلامة من الأغراض الشخصية والمصالح الدنيوية.
3- أن من حفظ الله حفظه الله وكان معه :-
* ويؤخذ هذا الدرس من حال النبي صلى الله عليه وسلم لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه أو يقتلوه أو يخرجوه ؛فأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب .
* وقفت قريش على باب الغار ولم يبصروهما , وأعمى الله أبصارهم .
قال الله تعالى :{ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (40: التوبة ).
* حفظ الله لأولياءه سنة ماضية, فمن حفظ الله حفظه الله , وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه.. وهذا الحفظ شامل لحفظ البدن , وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان .. فلا يخلص إليه البته .. فقد يصاب لترفع درجاته وتقال عثراته.. ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة.
4- أن النصر مع الصبر:-
فقد كان هيناً على الله عز و جل أن يصرف الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وينصر دينه ويعلى كلمته.. ولكنها الأمانة.
قال تعالى :{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(72: الأحزاب ) , الأمانة عندما يحملها الإنسان بصدق ويدعو إليها بإخلاص هنا تبدأ المشقة , ويبدأ الكفاح والجهاد الفعلي .. جهاد النفس والهوى والشيطان والدنيا .. فينزل البلاء , ولكنه الامتحان من الله ليعلم الصابرين الصادقين ,ويعلم الكاذبين .
فكل من يقول لا إله إلا الله صادقاً من قلبه يجب عليه أن يعد نفسه للصبر ؛ فبقدر صدقه وإخلاصه وإيمانه يجد الابتلاء في هذه الدار, ويعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر, وأن العاقبة للمتقين .
فالذي ينظر في الهجرة بادي الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال , ولكن العاقبة دائماً للذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون.
5- حصول الأخوة وذوبان العصيان:-
قال تعالى :{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9: الحشر).
جاء عند البخاري من حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " .
6- ظهور مزية المدينة :-
قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " , وقال عليه الصلاة والسلام : " صلاة في مسجد قباء كعمرة " .
** ارفعي رأسكِ غاليتي شرفاً بالهجرة :
والزمي يا رعاكِ الله الحق .. ولا تستوحشي من طول الطريق فلا بد من أُنس وإن طال الطريق وكثر قطاعه ..
اللهم اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ,ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ...
اللهم صلِ على محمد ما اتصلت عين بنظر وتزخرفت أرض بمطر .. اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين صلاة لا نفاد لها ولا انقطاع واحشرنا وجميع المسلمين في زمرته يوم الدين ..
================
( الداعية الصغيرة في مدارس البنات )
الداعية الصغيرة في مدارس البنات
بقلم/ أ. سهام الأحيدب
مما لاشك فيه أن الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وإرشاد الخلق إلى الصراط السوي هي وظيفة المرسلين والدعاة الناصحين والهداة المصلحين حيث سار ركب الدعاة على منهج سويّ واحدٍ شرعه المولى واصطفاه ألا وهو كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولعلم الدعاة والمصلحين بأن الأمة إن أعرضت عن الدعوة أو قصرت في الأخذ على يد سفهائها تداعت أركانها فهلكت.(7/9)
وقد قام عليه السلام صابراً محتسباً بالدعوة إلى الله كما أمره الله بقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(94) سورة الحجر, وقوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(108) سورة يوسف , ولهذا ينبغي أن تُربى الناشئة على حب الخير وفضائل الأمور لتستقي منهجها، ومرجعنا في هذه التربية ما شرعه المولى لنا في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام , ولمدارس البنات دور كبير في تربية الناشئة على حب الخير والصلاح والدعوة إلى الله ولا ينحصر هذا العمل التربوي على تخصص معين أو فئة معينة بل إن المجتمع المدرسي يعمل كيد واحدة تصف لبنات هذا العمل وتقوية دعائمه بداية من إدارة المدرسة التي تعد الجوائز, وتكرم الطالبات أمام قريناتهن في الطوابيرالصباحية حيث وضعت هذه الحوافز لإذكاء روح المنافسة لإعداد أفضل موضوع تقدمه أمام الطالبات بأي شكل من الأشكال الأدبية شعراً أم نثراً يحث على فضيلة أو ينهى عن رذيلة , وترعى المعلمة هذه الموهبة لدى الطالبات فتساعدها في اختيار الموضوع وتحريره ونقده قبل تقديمه ومن ثم إلقائه على المجتمع المدرسي , وتشترك معلمات من تخصصات مختلفة لرعاية هذه المواهب ؛ فمنهن من تساعد في اختيار الموضوعات وتنقدها وتنقحها ومنهن من تدرب الطالبات على الإلقاء ومنهن من تعد البرامج الدعوية وتخرجها؛ بأسلوب جيد وفق ضوابط تخضع لتعاميم مدروسة من قبل المختصين في قطاع التربية والتعليم.
إن الموضوعات التي تطرح في برنامج إعداد الداعية الصغيرة لا تتعدى كونها أخلاقيات دعت إليها الشريعة وآداب وسلوك نبوي ففي الآونة الأخيرة قدمت مدارس البنات برنامج الأدب النبوي فطرحت سنن كادت أن تنسى وأعدت معارض تمثل سنة النبي عليه السلام وآدابه في الطعام والشراب والطهارة والصلاة ,وبقيت هذه المعارض فترة من الزمن لتنظم إدارة المدرسة زيارات من الصفوف إلى هذه المعارض حيث أبدت الطالبات إعجابهن بها وبرزت مواهب زميلاتهن ؛ فكان ذلك دافعاً أن تشارك من لم تشارك من الطالبات في مثل هذه البرامج والمعارض.
كما أن الفائدة المرجوة من هذا العمل وهي الهدف الأول قد تحققت بشهادة الطالبات والمعلمات أيضاً في أنهن عرفن السنن الواردة عن الرسول عليه السلام وتعرفن على أحكام كن يجهلنها .
كما أن برنامج الداعية الصغيرة يستغل الأخطاء والظواهر السلوكية في المجتمع المدرسي فتمثل بشكل حوارهادف يسعى إلى إنتاج العقل بسوء المعصية وقبحها كما يبين أثر الطاعة وجمال الفضيلة.
كذلك يحتوي برنامج الداعية الصغيرة على مسابقات شهرية تعقد على مستوى المدرسة لإعداد مقالة أو خطبة وإلقائها أمام المجتمع المدرسي في الطابور الصباحي لتقوم لجنة التحكيم بترشيح إحدى الطالبات المتسابقات لتكون الفائزة وفي ذلك إذكاءُ لروح المنافسة الشريفة بين الطالبات, ومن المسابقات التي رعتها وزارة التربية والتعليم مسابقة القرآن الكريم ( مسابقة الأمير سلمان لحفظ القرآن الكريم ) حيث رصد حفظه الله ميزانية سنوية قيمة للفائزات بحفظ القرآن كاملاً أو أجزاء منه.
كذلك مسابقة (الأمير نايف حفظه الله لحفظ الحديث الشريف) وهي أيضاً مسابقة سنوية مستمرة رصدت لها ميزانية لتكريم الطالبات المتسابقات لحفظ الحديث الشريف وقد حددت بحفظ خمسمائة حديث لطالبات المرحلة الثانوية, ومئتين وخمسين حديثاً لطالبات المرحلة المتوسطة, ومائة حديث لطالبات المرحلة الابتدائية ؛ حيث شهدت مدارس البنات بحمد الله إقبالاً كبيراً من الطالبات لحفظ السنة .
أسأل الله تعالى أن يجزي كل من ساهم في تفعيل هذه المسابقات خير الجزاء , والمتمعن لهذه البرامج الدعوية والتوعوية المطروحة والتي تعد الناشئة بإذن الله داعية ملبية لنداء المولى جلّ وعلا (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )(125) سورة النحل, ومختارة أحسن القول قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (33) سورة فصلت , ومتمثلة الأمر الرباني في قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) سورة آل عمران.
من هنا ومن خلال هذه البرامج وبتوفيق الله تتكاتف جهود المسؤولين في وزارة التربية والتعليم مع المربيات المصلحات بإذن الله في مدارس البنات لإعداد الداعية الصغيرة من خلال منبر المدرسة.
وفق الله جميع من يساهم في إعداد جيل صالح يؤمن بالله ربًا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً نبياً يناضل لتكون كلمة الله هي العليا.
===============
وراودته عن نفسه...!!
بقلم :أ. فوزيه الخليوى
عندما راودت امرأة العزيز يوسف عليه السلام!! متحديٌه بذلك الُسلطات الثلاث: سلطه النفس, وسلطه الزوج ,وسلطه المجتمع!!!
ثائرة منساقة وراء أهواءِها!!
إنها ثورة على النفس والفضيلة!!تخرج المرأة منها كما يحدث غالباً فى سائر الثورات: حطام , ركام , أشلاء, وهل حياة المرأة ! وجمالها! وسيادتها !إلا باجتماع الفضائل فيها...وعندما قالت العرب: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها!فقد أصابوا, لأنها تحررت من أسر الشهوات , وسادت نفسها بالفضائل.. لا بالنسب والقبائل!!
وهل الفضائل الا العفة والحياء..!!!(7/10)
ويهما سادت فاطمة عليها السلام نساء الجنة!!كانت تتثنى حياءً اذا خرجت, وبمنزلها قرّت!! بلغ من حياءها إنها استدعت أسماء بنت عميس وأفضت اليها بما يجول فى خاطرها, ويشغل بالها بعد مماتها فقالت :أنى استقبحت ما يُصنع بالمرأة أن يطرح عليها ثوب يصفها!!
فدلتها أسماء على فعل الحبشة, حيث دعت بجرائد رطبة فحنتها, ثم طرحت عليها ثوباً فاطمأنت وقالت : ما أحسن هذا!! وأجمله فإذا مِتّ فاغسليني أنت وعلي , ولا يدخل عليّ أحد؟؟!
يأنسن عند بُعوُلهن إذا خلوا وإذا هم خرجوا مُنهنّ خِفارُ
فلماذا كان الزنا هو الخطبُ الجلل , و الداهية الزلل..
قال ابن القيم: أن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها, زوجها , أقاربها,ونكّست رؤوسهم بين الناس, وأن حملت من الزنا, فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل وأن أبقته حملته على الزوج!! فأدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم,فورثهم وليس منهم, ورآهم وخلا بهم؟؟؟
والعفة هبةٌ ربانيه... بحاجةٌ للصيانة البشرية !!
بذل فى سبيلها بعض النسوة حياتهنّ!! قريرة بها أعيُنهنّ !!
فى مواطن تساوى فيها الفقر مع الغِنى , كان الفيصل فيها للتقي !!!
وعندما ذكر مصطفى الرافعي فى أحد كتبه : قصة المرأة التي وُجدت ميتة فى صحراء المُقطم!؟ فظنّ النّاس بها شراً, ولكن تبين فيما بعد أنها توفيت من جراء الجوع!! وخرجت الى الصحراء لئلا تضعف وتمد يدها , وتبيع شرفها فى سبيل سدّ الرمق !!؟
كان امتحانا تجاوزته تلك الفقيرة بنجاح, فهل الغنية أيضاً لاتستطيع الصمود أمام المغريات!!
جاءت زوجة الخليفة العباسي لتدلل العكس فى هذه القصة الرائعة , عندما دخل التتار بغداد, وقتلوا زوجها وأبنائها وحاشيتها ظلماً وعدواناً؟؟!
ولم يبق إلا هي وجواريها....فلم تلهها هذه الفاجعة أن تحتفظ بما تبقى لها من شرف عفّتها ! وقد طاش عقلها ! واستطار صوابها! عندما دخل عليها هولاكو قصرها!! وطلب أن يواقعها!! فشرعت تُقدم له التحف والجواهر تُشغله عما يرومه!! فلما علمت تصميمه على ما عزم, اتفقت مع جاريه لها على مكيدة فأعطتها سيف الخليفة وقالت: سأريه أنى سأجربه بك؟؟ وأنا إذ ذاك أقول لكِ افعلي هذا أنت بىِ !! فإذا ضربتينى فليكن الضرب بكل قواكِ على نفس المقتل!! وعندما حضر هولاكو بدأت بحيلتها فضربتها الجارية فقدتها نصفين!!! وماتت رحمها الله وما ألمتّ بعار ولا جعلت فراش ابن عمّ رسول الله فراشاً للكفار؟؟؟!!
كان بحق أمراً مؤلماً أن تذهب هذه النماذج العفيفة عن أنظارنا فى وقت ازدحمت فيه المغريات , وتكالبت علينا الشهوات!! كما يتكالب الأكلة على القصعة؟؟!
وأصبحت نساءنا فى أمسّ الحاجة لذكر نماذج تحلّت بالطُهر والعفة, والتحفت بالسواد, وازدانت بالحياء!!
وأخلصت فى منح قلبها! ووجدانها! وفكرها! لزوجها ورفيق دربها!!وأسبغت عليه سيمآء المهابة والرفعة!!!!
فعندما سأل زياد بن أبيه جلسائه: من أنعمُ النّاس عيشهً ؟
قالوا : أمير المؤمنين!
قال :لا,ولكن رجل مسلم له زوجٌه مسلمةٌ لهما كفافٌ من العيش , قد رضيت به ورضي بها! لايعرفنا ولا نعرفه!!
وحتى تكوني من أنعم الناس عيشةً ,عليكِ بالأمورالتالية:
(1) البعد عن مواطن الفتنة والاختلاط:
لقد وضع ابن حزم قاعدةٌ وهى :إن الصالحة من النساء هي التي إذا ضُبطت انضبطت!
واذا قُطعت عنها الذرائع أمسكتّ!!!!والفاسدة من النساء هي التي اذا ُضبِطتّ لم تنضَبِطّ!واذا حيل بينها وبين الأسباب التي تُسهِّل الفواحش , تحايلت فى أن تتوصّل إليها بُِِضروبّ من الِحيل؟؟؟؟
وقد عّبرت هذه الأعرابية , حين حملت من ذي قرابة لها, فسئلت: ما ببطنكِ يا هند؟ ؟فقالت: قُرب الوساد , وطول السواد!!!!
وقالتها لبضعة النبوية فاطمة الزهراء عندما سألها علي بن أبى طالب: ما خير للنساء؟ قالت : أن لايرينّ الرجال ولا يرونهنّ!!
(2) تذكّر شدّة عقوبته:
عندما تضع المرأة بين عينيها أنّه عزّ وجلّ شد يد العقاب,و أنّه لايُرد بأسه ,عن القوم المجرمين!!قال أحد السلف : من قطع منك عضواً فى الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم, لاتأمن أن تكون عقوبته فى الآخرة على هذا النحو!
ومفسدة الزنا من أعظم المفاسد, لمّا شرّع الله حفظ الإنسان وحماية الفروج كانت تلِى مفسدة القتل فى الكِبر, قال الإمام أحمد بن حنبل: ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا, وقد ذكر سبحانه حرمته بقوله:{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} ( الفرقان:68).
( 3) غضّ النظر:
جاء الأمر الإلهي لجميع المؤمنات بغضّ النظر, والكفّ عن إرسال أبصارهن , فى تتبع الرجال وهيئاتهم قال تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور :31) فمن مساوئ هذا الأمرعلى الزوجة , أنها تبغض زوجها, ويزين لها الشيطان الرجال أمام ناظريها!!فترى زوجها قبيحاً فتبغضه, ولا تطيق رؤياه!!ولا أدل على ذلك من قصة زوجة ثابت بن قيس, حيث جاء فى الأثر أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يارسول الله ! لايجتمع رأسي ورأس ثابت أبداً؟!! إني رفعت طرف الخباء فرأيته أقبل فى عدة , فإذا هو أشدهم سواداً, وأقصرهم قامةً, وأقبحهم وجهاً ؟؟!!
ألم تر إن العين للقلبِ رائدُ فما تألف العينان فالقلب آلف
ومن ثمّ يجب أن تلتفت المرأة إلى إصلاح ذات البين مع زوجها كالتالي:
( 1) - إسباغ الهيبة والتقديرعلى ا لزوج :(7/11)
أن للتواصل اللفظي بين الزوجين باحترام يضفى على علاقتهما شيئاً من الألفة, هما بأشدّ الحاجة إليه, لمواجهة الضغوطات العاطفية التي لاتخلو منها أي علاقة!!وقد قالت امرأة سعيد بن المسيب: لم نكن نخاطب أزواجنا الا كما تخاطبون أمراءكم: أصلحك الله! عافاك الله !!
وهذا أمر أدركته( مسز سمبسون) المرأة التي تخلى ملك بريطانيا إدوارد الثامن عن العرش من أجلها!! كانت لاتخاطبه إلا بكلمة( سيدي) ولا تتحدث عنه إلا وتسميه ( بسيدي)!!!
( 2)- النظر إلى الصفات السلبية من منطلق إيجابي :
إن مما يزيد التوتربين الزوجين ,إغفال كلاً منهما لمثالب الآخر!!وترديدها بين آونة أخرى!! فلا مناص إذن من التعامل معها بشيء من الإيجابية أياً كانت؟؟!
فإن كان الزوج: بخيلاً ....فهو إقتصادى!
أو كان كثير الحديث ...فهو متحدث!
أو كان مجادلاً.... فهو يحب النقاش!
================
أنين لباس
بقلم: أ.مريم الأحيدب
إن الفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءتها الجسدية والنفسية وتحرص على سترها .
والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس والنفس من التقوى ومن الحياء من الله يستخدمون كل الحيل الشيطانية ويتفننون فيها لينفذوا مخططات صهيونية تهدف إلى سلب الإنسان من إنسانيته…
إن العري فطرة حيوانية جبل عليها ، فإذا ما مال إليها الإنسان نزل إلي مرتبة أدنى من المرتبة الشريفة التي منحها إياه المولى عز وجل… فالبعض من النساء يعتقد السعادة بلبس العاري والشفاف أو المفتوح ….
وفي حديثنا هذا نخص النساء باللباس لعدة أمور:
1- إن النساء يرغبن في بهارج الدنيا وزينتها .
2- إن النساء ينزعن إلى التقليد والمحاكاة والمبالغة فيها .
3- المرأة جبلت على إغراء الرجل والتزين له كما إن الرجل جبل على الانجذاب للمرأة .
إن الجاهلية الحديثة التقدمية انتكست إلى الحضيض بمبدأ التمدن والتقدم..من خلال أجهزة شيطانية مدربة موجهة لتدمير النفس الإنسانية الإسلامية خاصة….
وقصة النشأة الإنسانية في القرآن توحي بهذه القيم والموازين ؛ فنجد أول من حرض على كشف العورة إبليس ومن سار على هديه فهو معه ومنه ، وذلك وارد في قصة آدم وحواء عليهما السلام في قوله تعالى :{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (الأعراف:20) تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها وموه عليهما وقال {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} أي من جنس الملائكة {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ},وأقسم لهما بالله أنه من الناصحين فاغترا بذلك وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل ((فَدَلَّاهُمَا)) أي أنزلهما من رتبتهما العالية التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بها فأقدما إلى أكل تلك الشجرة {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا} أي ظهرت عورة كل منهما بعدما كانت مستورة فصار العري الباطن من التقوى في هذه الحال له أثر في اللباس الظاهر حتى انخلع فظهرت عوراتهما فخجلا وجعلا يخصفان على عوراتها من أوراق شجر الجنة ؛ ليستترا بها واستغفرا ربهما وتابا فغفرا لهما ذلك .
ثم لما أنزلهما إلى الأرض أخبرهما بحال إقامتهم فيها وأنه جعل لهما فيها حياة يتلوها الموت مشحونة بالامتحان والابتلاء{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }?الأعراف : 25? ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري واللباس المقصود منه الجمال {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}(الأعراف :26) ,فاللباس ستر العورات وهي السوءات والريش من التكميلات والزيادة في التجمل الظاهري ، فالأول من الضروريات والريش من التكميلات والزيادات فهناك تلازم بين شرع الله في اللباس لستر العورة والزينة وبين التقوى وكلاهما لباس .
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}(الأعراف :26) .. خير من اللباس الحسي ؛لأن لباس التقوى يستمر مع العبد ولا يبلى وهو جمال القلب والروح وأما الظاهري فغايته يستر العورة الظاهرة ويكون جمالاً وزينة للإنسان .
فهناك تلازم بين شرع الله في اللباس لستر العورة والزينة وبين التقوى ، وكلاهما لباس فهذا يستر عورة القلب ويزينه …وذاك يستر عورة الجسم ويزينه فمن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه..
ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى أو أن يدعو للعري .. فالحياء ليس مجرد اصطلاح وتقاليد كما تزعمها مخططات صهيون ….إنما هي فطرة خلقها الله ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر فالله يذكّر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر صيانة وحفظاً لإنسانيتهم أن تتدهور إلى عرف البهائم {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ } فلولا وجوب ستر الجسم ما وقع الامتنان باللباس الذي يواريها وإنما وقع الامتنان من الله تعالى على عباده أن أنزل عليهم لباسا يستر عوراتهم لقبح ظهورها.
ثم يحذر الله تعالى بني آدم من إبليس مبينا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه لإخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والشقاء والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه.(7/12)
{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} ?الأعراف :27?.
إن الدين لم يجعل المسألة فوضى يقول فيها كل إنسان بهواه , بل أمر بأن تكون دنيا الإنسان وعبوديته كاملة لله وحده .. والناس جميعاً لا يملكون أن يعيشوا بدون دنيا … ومن لا يجعل دنياه لله وحده فإنه يقع في شر ألوان العبودية لغير الله في أيّ جانب من جوانب الحياة المختلفة ؛ فيقع فريسة لهواه … وهذا ما نراه لمن صارت أسيرةً للموضة ؛لأنها تجردت من العبودية الخالصة لله وخلطت بها عبادة الموضة فأصبح نداء الموضة في نفسها يفوق نداء الحق فاتبعت الموضة دون أن تعرضها على الشرع … ولو أنها دانت نفسها لله مثل ما تدينها لصانعي الأزياء لكانت عابدة مبتذلة في نظرهم !!!
ما كان المؤمنين سابقاً يعرفون هذا التبجح في الأزياء ولم يكونوا يلبسون ثياباً من غير أكمام بل بزمن ليس ببعيد مستنكر نصف الكم , والآن أصبح مستنكر ثوب بكم بل وينظرون لمن تلبسه وكأنها قروية لا تعرف التمدن .
وليت الأمراستقرعند هذا الحد بل تعداه إلى أن ظهر النحر والصدر والبطن ولم يبق شيء …فأظهروا هذه العورات وجملوها بالفصوص اللامعة أو بالوشم المحرم متناسين لعن الله الواشمة والمستوشمة أو مقلين من فظاعة اللعن, وما يفعل ذلك نساءنا إلا لأ نه انعدم الحياء عندهن فسلب الأعداء حياءهن ؛ لأن كل إنسان يولد وفيه:
1- حياء فطري ..من الله تعالى ومنا من ينهض بهذا الحياء فيرفعه إلى ما يحبه الله ويرضاه ومنا من انخلعت من حياءها حتى وصل بها الحال إلي إظهار جسدها …
2- وهناك حياء مكتسب ..وهو من مات لديها الحياء الفطري الذي قد تكون قتلته بارتكاب المعاصي حتى استلمتها نفسها وقادتها إلى التعري ….فهذه تكتسب الحياء من معرفة الله وعظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم وعلمه سبحانه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
3- ولدينا حياء موروث من الأنبياء ولم تستنسخه الشرائع فيما نسخت وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إن مما أدرك كلام النبوة الأولى إذ لم تستح فاصنع ما شئت)) .
4- فالحياء يظهر آثره على السلوك بشكل مباشر واضح وهو عبادة عظيمة "الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ".
سبحان الله إذا رفع الحياء رفع الإيمان, الإسلام دين الفطرة لا يسلك في كل شأن من شؤون الحياة إلا ما يوافق الفطرة ؛ لذا لم يقرر الإسلام نوعا خاصا من اللباس لا يجوز تخطيه بل اعترف بشرعية كل لباس مادام متفق مع المبادئ الإسلامية.
وقد وضع الإسلام ضوابط وقواعد تنقسم إلى قسمين :
1- أن لا يكون اللباس ضيقا يصف الجسم ولا بالشفاف فيصف لون البشرة يقول أسامة بن زيد: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال مالك: لم تلبس القبطية ؟؟قلت: كسوتها امرأتي فقال: ((مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها )) أخرجه أحمد ج5/205.
فالقبطية وان كانت لا تشف ثقيلة ,لكنها من طبيعتها الليونة والانثناء لهذا أمر الرسول أسامة أن تجعل زوجته تحتها غلالة ,لئلا تلتصق القبطية بجسم المرأة فتصف تفاصيل جسدها …..وهذا شبيه بالثياب التي تلبسها بعض النساء وهو ما يسمي "بالاسترتش" الذي يلتصق بالجسد فيرسم أجزاؤه رسما واضحا وينبغي التنبيه أن اللباس الضيق داخل في لباس أهل النار.
وقد قال رسول الله صلى لله عليه وسلم :((سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات…)), وفي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة ..(لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها …)؛ فسر العلماء ومنهم ابن تيمية الكاسيات العاريات بأنها المرأة تلبس الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لحديث كاسيات عاريات ..)
*إن لابسة الضيق كاسية عارية يوم القيامة.
*لابسة الشفاف ولو كان بكم الطويل كاسية عارية يوم القيامة .
*لابسة المفتوح كاسية عارية يوم القيامة.
*لابسة العاري كاسية عارية يوم القيامة.
*لابسة البنطلون كاسية عارية يوم القيامة.
*لابسة العباءة المتبرجة كاسية عارية يوم القيامة.
جاء الزبير بن العوام من العراق فأرسل لأسماء والدته كسوة من ثياب مرو وهي ثياب رقيقة وقد كانت كفيفة فلمسته, فقالت :أف ردوا عليه كسوته فلما وصلته قال: يا أماه أنه لا يشف فقالت: إن لم يشف فهو يرسم.
وكانت هند بنت عتبة تضع زرار في كمها تزره بها لسعة كمها قال الحافظ :إنها تخشى أن تدخل في حديث كاسيات عاريات……
2- أن يكون مستوعبا لجميع البدن …وذلك حتى يكون ساترا للعورة وللزينة التي نهيت المرأة عن إبدائها فالمقصود من اللباس هو الستر.
فلماذا خرجنا من الغرض الشرعي إلى هوى النفس وخالفنا الشرع؟
فهذا القصير أو ما تسميه النساء بالميدي أو الشانيل وهي مسميات غربية ما كنا نعرفها سابقا ,وهذا ما رسمته بنو صهيون علينا ليجردونا من إنسانيتنا فإذا ما تجردنا من الإنسانية لم نعد نعرف لديننا هوية .(7/13)
وللأسف بدت النساء تجري لهثا وراء هذه المخططات من باب التمدن والتقدم, وهي لا تعلم أنها باب التخلف والتأخر ….رحم الله أم سلمة عندما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة قالت أم سلمة: كيف تصنع النساء بذيولهن ؟؟قال : يرخينه شبرا قالت: إذا تنكشف أقدامهن قال: يرخينه ذراعا ولا يزدن" (1 أخرجه البخاري (10/258)ومسلم(14/304) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
حرصت أم سلمة على ستر القدم الذي ربما لا ترين أنت فيه جمالا لكنه عند الرجل يعني الشيء الكثير.
يعرف منه لون بشرتك ويزيده جمالا ونعومة الأحذية التي بدأت الآن تصدر لتزيد القدم إشراقا وجاذبية لمن لا ترتدي الجورب الأسود الذي يطفي من نعومة الحذاء والقدم .
3- أن لا يشبه لباس الرجل :
من صفات ثوب لرجل أن لا يكون طويلا تحت الكعبين وإنما فوقها أو إلى أنصاف الساقين كما قال الرسول الكريم (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) (2أخرجه البخاري (10/ 256
ومن صفات ثوب المرأة أن يطول شبرا تحت قدميها أو ذراعها كما ورد في حديث ابن عمر عندما سألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق وذلك لئلا تنكشف قدميها.
*الآن أصبح العكس أصبحت المرأة تقصر ثوبها إلى الساق والرجل يطيل ثوبه …..عاكسوا الموازين الشرعية سبحان الله تناسوا قول الرسول الكريم "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " ,وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه الضابط في تشبه الرجل بالمرأة وتشبه المرأة بالرجل وبين أن ذلك يرجع إلى الأغلب فما كان من اللباس للرجال نهيت عنه المرأة والعكس .
فالمرأة مأمورة بستر قدميها فثوبها أسفل الكعبين والرجل فوق الكعبين فمن فصل ثوبه على صفة الآخر فهو متشبه به.
4- أن لا يشبه لباس الكافرات:
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح " ذروا التنعم وزي العجم ".
وثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي لله عنه كتب إلى المسلمين المقيمين في بلاد فارس "إياكم والتنعم وزي أهل الشرك".
حذر عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمين من التشبه بزي أهل الشرك وذلك؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يورث موالاتهم في الباطن .
إن بيوت الأزياء العالمية هي التي ترسم لنا الأزياء بشكل يتنافى مع قواعد الإسلام في لباس المرأة ,لأنها صممت في بلاد الكفرة والإباحية التي لا ترى بأسا بتغليب العري والتكشف في النساء بل إنه من سنن الحياة عندهم الذي يقول: إن المرأة خلقت لمتعة الرجل فقط .
إعلان فتوى عن شروط اللباس في الإذاعة المدرسية وتفسير بعض آيات اللباس عن طريق الإذاعة
وبعد أيتها الحبيبة أرأيت كيف ماع الحياء في أوساط النساء لدرجة أن المرأة لا تبالي خرج صدرها أم نحرها …بردت الأجسام وماع الحياء حتى عند الصغار الذين اعتادوا من أمهاتهن لبس القصير وبدون الأكمام والصغيرة تكبر وتكبر معها الجرأة واللامبالاة!!!!
غاليتي :
لابد أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة …كفانا عبثا بأعمارنا….هاهي الدنيا بدأت تتكالب علينا من كل حدب وصوب ,,,عندما نحينا الإسلام عن القيادة وصارت أنفسنا وشهواتها تقودنا ….لنلتفت على حالنا لعل الله يرضى عنا وينصرنا بعزه ولا يغيب عن بالك (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتركون الحلال مخافة الوقوع في الحرام فيا ليتنا نترك الحرام فقط…ما بالنا ماتت أحاسيسنا تجاه الحرام نفسه فأصبحنا ننمص ونغير في خلق الله تعالى وكأنه لم يعجبنا ما أعطانا الله..أليس كذلك ؟؟!
ما بالنا ماتت أحاسيسنا ونحن نقرأ لعن الله لعن الله….وكأن اللعن أصبح عندنا كالسلام …ولم نتمثل أو نستشعر أن اللعن عندما يدخل الناس جميعهم في رحمة الله يوم القيامة تخرج هذه التي أصابتها اللعنة من بينهم لا تشملها الرحمة إلا بمشيئة الرحمن….تخيلي حالك تلك اللحظة !!؟
نعم أخيتي ماتت أحاسيسنا وأشعلنا أحاسيس الرجال الأجانب عندما لبسنا العباءة التي لا تزيدنا الا جمالا وزينة وضاع الغرض منها وهو الستر والحشمة لماذا أرتدي العباءة للزينة أم الستر؟؟ما بال عقولنا لا تفهم,,..؟أم أنها لا تعرف الله حق المعرفة فأصبحت لا تبالي!!!؟؟
مابالنا نتجرأ على الله سبحانه ….نأكل من رزقه ونشرب من مائه ونعيش على أرضه وندعوه ونريد أن يستجيب لنا وفي المقابل نمن على أنفسنا بطاعته وهي أمر ممتع وبسيط…
لو جلسنا مع هذه النفس ساعة وناقشناها لوجدنا أنها ستذهب بنا إلى الهاوية …إن لم نقودها إلى طاعة الرحمن التي ستجدين فيها السعادة الحقيقية أم أنها شعيرات بسيطة ولباس عاري وعباءة فاتنة تحول بيني وبين الجنة..؟؟لا بورك فيه من لباس أو عباءة أو شعيرات ….
عفوا غاليتي أثقلت عليك لكنها كلمات في صدري أبت من محبتي لك إلا أن تخرج إليك وأسأل الله أن يفتح مسامع قلبك لذكره وخشيته.
=============
حتى لاتغرق السفينة
د. قذلة بنت محمد القحطاني
نسمع كثيرا من يدعو إلى فتح باب الحوار لتحريك دور المرأة وتفعيله في المجتمع .. لكن هذا الحوار مضمونه حوار من طرف واحد فقط .. وهذا ينافي معنى الحوار وما يدل عليه ...
فنحن نعلم أن الحوار أصله من الحَوْر وهو الرجوع عن الشيء إلى الشيء ، وهو مراجعة الكلام ، وهذا ما يفرق بينه وبين معنى الجدل ، فالجدل هو اللدود في الخصومة ، وهو كما عرّفه الجرجاني : " دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة ويقصد به تصحيح كلامه " .
فهما يفترقان أن الجدل يميل إلى الخصومة ، بينما الحوار مراجعة الكلام دون أن يكون بينهما ما يدل على الخصومة .(7/14)
إذن فليكن بيننا حوار وليس جدل ، وليكن الحق ضالة ينشدها كلا منا ، كما يقول الغزالي : " أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه ، ويرى رفيقه معينا لا خصما ، ويشكره إذا عرّفه الخطأ وأظهر له الحق " أ .هـ.
وعليه فأقول : لقد أكثرتم على المرأة فأردتم منها أن تشارك في جميع خدمات المجتمع كالخطوط ، والقضاء ، وقيادة السيارة ، والشرطة .. إلخ !!
وتشارك في البطولات الرياضية ، وألغيتم دورها كأم وزوجة ، وجعلتم هذا الدور في هامش القائمة وأعلنتم شعار المطالبة بخروج المرأة وعملها في كل مناسبة ، وكان ينبغي قبل الدعوة لكل ذلك أن نضع عدة اعتبارات من أهمها :
1- موافقة ذلك العمل لتعاليم الدين ، ومقتضيات الشريعة الغراء فتعد منكرة توضح فيها المهام والمسئوليات والضوابط ، ثم تعرض على هيئة كبار العلماء فإن أجازتها نظر فيما بعد ذلك من الاعتبارات وإن لم تجزها لم ينظر إليها أصلا .
2- الموازنة بين متطلبات هذا العمل ، ومسئوليات المرأة الأسرية ، فمثلا .. إذا كان هذا العمل سيجعل المرأة تبقى طوال يومها خارج المنزل ثم تأتي منهكة لا تريد سوى النوم والراحة ، فهذا يعني أننا نبني من هنا ونهدم من هناك ، مع فارق الأمر فالبناء سيقوم غيرها من الرجال أما الهدم فمعناه خروج جيل من الضائعين والجانحين ومدمني المخدرات – إلا أن يشاء الله – ومعناه التفكك الأسري ، وارتفاع نسبة الطلاق ، فما هو الربح إذن في تشغيل هذا النصف ( المشلول ) إذا كان تشغيله قد أدى إلى شلل بالكامل ؟!! وأي نفع للبشرية إذا زادت إنتاجها المادي وهي تعرض الإنتاج البشري للتلف والبوار ؟!!
3- مدى توفر الوظائف الشاغرة ، فليس من المعقول أن تحتل المرأة ولو بنسبة 40% من الوظائف الشاغرة في حين يتعطل 40% من الرجال فمن أحق بالوظيفة ؟ المرأة التي كفل لها الإسلام حق النفقة والسكن ولم يوجب عليها أي إلتزامات مادة مهما كانت غنية ؟؟!! أم الرجل الذي يواجه الحياة بكامل متطلباتها بما في ذلك نفقة الزوجة والأولاد ؟!! وهذا يؤدي إلى زيادة البطالة بما يترتب عليها من نتائج سلبية أمنية اقتصادية وأخلاقية يدفعها المجتمع ضريبة لعمل المرأة .
4- وضع الضوابط لذلك العمل حتى لا يكون مجالا لضعاف النفوس ، ومعرفة مدى الاحتياج القائم لهذا العلم ، حتى لا تصرف الجهود والأموال بدون طائل .
فإن خلا من كل ذلك فلا مانع من عمل المرأ ة حينئذ بهذه الشروط والاعتبارات خصوصا إذا كانت حاجتها إليه لظروف اجتماعية وأسرية من طلاق أو موت زوج أو حاجة ، والدين أو نحو ذلك من الحاجات .
والواقع يشهد بما حققته المرأة من نجاح في المجال التعليمي وغيره في حدود ما يتناسب مع طبيعتها وفطرتها ، ومع ذلك هي محافظة على حجابها وعفافها و لله الحمد والمنة.
هذا إن كنتم تريدون مصلحة المرأة وحقوقها التي كفلها الإسلام ، وإن كنتم تريدون من المرأة أن يتردى بها الحال وتصل إلى ما وصلت إليه نساء الغرب لتصبح سلعة رخيصة تنادي بحقوقها ولا مجيب كما هو حالهن اليوم ، كما أعلنتها إحدى رموز هذه الدعوات وهي نوال السعداوي والتي استمرت عقدين من الزمان تهاجم وضع المرأة في الإسلام حيث تعترف في جريدة الوطن الكويتية بقولها : " إنني في شوارع لندن أرى نساء شبه عاريات ، وهؤلاء يعرضن أجسادهن كالبضاعة ، لو نظرت المرأة نفسها كإنسانة ، وليست كبضاعة لما احتاجت لأن تتعرى !! "
وتقول أيضا : " ديننا الإسلامي أعطى المرأة حقوقا أكثر من كل الأديان الأخرى ، وضمن لها كرامتها وعزتها " أ. هـ .
وعن مواقفها من الحركات النسائية الغربية تقول : " أنا لا أتفق مع هذه الحركات لأنها أصبحت تعادي الرجل وتتصور أنه هو العدو ، وصارت تنفي أنوثة المرأة الطبيعية وتحولها إلى شبه رجل " أ. هـ.
فهنا ينبغي لأولى العقل والنهى من هذه الأمة رجالا ونساء أن يهبوا لنصرة المرأة والذب عنها والمطالبة بحقوقها المشروعة .. قبل أن تتكرر مأساتنا في تركيا ومصر ، وقبل أن يزحف الطوفان ليدمر بلاد الإسلام ومهبط الوحي .
وإنني من خلال مقالتي هذه أناشد كل أب .. وكل أخ .. وكل زوج .. وكل ولي .. أن يتقي الله في محارمه ويمسك على أيديهن ، و أذكره بعظم الأمانة .
كما أنني أناشد كل أخت مسلمة تخاف الله وترجو اليوم الآخر أن تقف سدا منيعا أمام هذا التيار العلماني الذي يهدف إلى مسخ المرأة وسلخها عن دينها وحجابها وأن تطالب بإعطائها حقوقها كما أعطاها الإسلام ، وأن تعلم أنها في بيتها عاملة حرة ، وليست عاطلة كما يزعمون بل هي تقوم بأعظم عمل وأجل رسالة .
وأناشد كل من يسعى في الإفساد في الأرض أن يتذكر عظمة الله وجبروته ، وأن يتذكر اليوم الذي يقف فيه بين يدي الله عز وجل في يوم تشيب له الولدان ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى قال تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (:27 الفرقان) .
وختاما:
أسأل الله البار ي جل وعلا أن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يثبتنا جميعا على الحق ويجعلنا هداة مهتدين .. آمين .
================
المحرم
بقلم : أ. مريم الأحيدب
تعريف المحرم :
هو الأب والأخ والعم والخال والجد ممن لا يحل له أن ينكح المرأة التي يجمعه بها هذا النسب.
وهناك محارم آخرين غير محرمية النسب وهم المحارم بالرضاعة ،والرضاع يحرم ما يحرمه النسب.(7/15)
والعلة في تحريم ممن رضع مع المرأة الزواج بها كما يقول ابن القيم وهو تساوي الجينات الوراثية التي قد تسبب تشوهات وأمراض في الأولاد إذ لم يحرم الشارع الحكيم شيئا إلا وله حكمة فيها والحمد له أولا وآخراَ.
ما نوعية علاقاتنا مع محارمنا بالرضاعة ؟
الناس في هذه العلاقة أربعة أصناف:
1- علاقة منقطعة نهائياً.
2- علاقة عادية.
3- علاقة قوية .
الأولى : لا تصح لأنها تعتبر من قطيعة الرحم .
والثانية:هي الأصح فلا قطيعة ولا تعلق متعدي لحدود .
والثالثة: هي موضوعنا الأساسي وهي العلاقة التي تجاوزت حدود المعقول لاسيما إن كان هذا المحرم شاباً غير ناضج أو غير مستقيم وهذه هي الحقيقة التي دفعتني لطرح هذا الموضوع من كثرة ما نسمع ونرى من القصص التي تشيب الرأس في تعدي المحارم على محارمهم دون رادع ديني أو أخلاقي في القلب يوقفهم عن تهورهم التي لا يدفعهم إليها ولا يزينها لهم إلا الشيطان .
وكلهم من المحارم فما السبب يا تري؟؟؟
لو بحثنا عن الأسباب التي تجعل القضية تنتشر ويتساهلها كثير من الناس الذين قل الإيمان في نفوسهم لوجدناها كالتالي:
1- نقص الإيمان بالله وعدم الخوف منه تعالى وأمن مكره جل وعلا .
2- سيطرة الشيطان على هذا الإنسان الذي انعدم الخوف من الله في قلبه وإذا نقص الإيمان في قلب المسلم لم يراقب ربه ولم يخشاه وبالتالي تصبح المعصية عند سهلة هينة …بل إنه لا يستشعرها أو يستشعر عظمتها عند الله الذي أنعم عليه ورزقه………فأصبح هذا العبد مطواعا للشيطان يسيره كيفما أراد ويزين له الفاحشة ويمتعه بلذة المعصية وينسيه لذة الإيمان والمراقبة.
3- وأما السبب الثالث الذي هو للأسف يأتي تباعا لنقص الإيمان ويتساهل فيه كثير من الناس والأسر هو اللباس.
نعم اللباس سبب الفتنة في هذا الزمن ..سبب كل بلاء وفاحشة فالبنت تلبس الضيق الذي يرسم مفاتن جسمها …ويبرزها تلبس القصير الذي يظهر ساقيها وعضديها وأحيانا بلا أكمام وصدر مفتوح أو شفاف .
إن الفتيات الآن أصبحن لا يخجلن من ظهور مفاتنهن بل لا يجدن في ذلك حرجا لماذا؟؟
لأنه قد مات الإحساس لديها لكثرة تكشفها !!!كل هذا لتظهر جمالها وتعتقد المسكينة إن الجمال في التعري !!؟؟وتظن إن هذا لا يمثل شيئا أمام محارمها وما علمت أو تناست أن هذا بمثابة إشعال الشرارة في قلب محرمها …..وماذا يفعل هذا المحرم المسكين إن كان ضعيف الصبر قليل الإيمان بقد شبه عاري أمامه؟؟!!لاسيما وإن كان يخرج من مشاهدة الفضائيات الملوثة العارية من الخلق والحياء إلى مشاهدة حية مباشرة أمامه من أخته أو قريبته؟؟!!!
في استطلاع عملته إحدى المجلات للشباب عن أسباب الفتن ووقوعهم في المحرمات أجاب الأغلبية منهم أن ذلك بسبب اللباس ذاك السحر الفتاك الذي أرهق عقولهم فهم يرونه تبرجا في كل مكان في السوق حجاب سافر ….في المنزل أخوات شبه عاريات بلبسهن الضيق الفاتن فماذا يفعلون ؟؟؟
* صرخة من الشباب يا أخواتنا اتقين الله فينا واستترن عنا بلباس محتشم فأنتن من يدفعنا للرذيلة…
هذا التعري الذي دفع المحرم الأخ أو العم أو الخال أو القريب من الرضاعة بالوقوع فيما يغضب الله وأسبابه مع محارمه!!!وبالتالي لن نلقي الملامة على المحرم وإنما على تلك التي تبرجت…فاتقي الله أيتها الفتاة اتقي الله واحفظي نفسك وجسمك وخافي الله جلا وعلا في إخوتك ومحارمك .
4- الإعلام الفاضح الكاشف وتلك القنوات الخبيثة التي لا يحلو لها إلا إظهار المرأة في قمة التعري والتكشف حتى لو كان برنامجا إعلانيا أو طبيا أو إخباريا لا بد أن تكون في المقدمة امرأة ويشترط أن تكون شبه عارية مظهرة لمفاتنها فما بالك بالقنوات الأخرى التي تظهر الفاحشة صريحة والشباب يتجول بين هذه القنوات وغرائزه تزداد وتثور فيلتفت فلا يجد سوى صورة نفس الشكل لمن هي داخل الشاشة فماذا تتوقعي منه؟؟!!!
5- السبب الخامس تعدي الحدود في المزاح…..لا يعني أيتها الحبيبة أن هذا أخيك أو عمك أو خالك أن تمزحي معه مزاحا مفتوحا بلا ضوابط سواء باللفظ أو باللمس ….تأكدي إن الكلام يجر بعضه إلى أن تغوصي معه في أحاديث الشيطان التي تفتح لك أبوابا مقفلة …….لاسيما إن امتد المزاح باليد ….فاليد تحوي المشاعر وتستطيع إثارة الغرائز وهي باب الولوج في هذه المخاطر
في ختام موضوعنا هذا أعود لتذكيرك بنيتي بعدة أمور لابد أن تجعليها في الحسبان وهي:
1- اتقي الله في السر والعلن واحرصي على كل ما يرضيه عنك لتنالي الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة.
2- اتقي الله في محارمك حفاظا على نفسك أولا لأنك أنت من سيقع في المصيبة ويخسر أشياء كثيرة لو حصل مالا يحمد عقباه.
3- إياك والمزاح الفاحش قولا وفعلا ولتضعي نقاط في علاقتك معهم لا تتعديها.
4- احرصي على عدم الظهور أمام محارمك بلباس فاضح فإن كنت لا تشعرين بشيء أمامهم فهم يشعرون بأشياء تثيرهم لأن المرأة هي التي تستطيع أن تفتن الرجل بلباسها لكن الرجل لا يمكن أن يفتن المرأة بلباسه ولذلك جاء النهي الصريح للمرأة بالتستر والحشمة لأنها موطن فتنة وجمال و لا تعتقدي كما يعتقد الكثير من النساء الجاهلات إن السعادة بلبس العاري والشفاف والمفتوح والجري وراء الموضة التي لا تزيد الإنسان إلا جهلا وهذا ما نراه لمن أصبحت أسيرة الموضة فأصبح نداء الموضة في نفسها فوق نداء الحق فاتبعتها دون أن تعرضها على الشرع فأصبحت عاجزة عن حماية نفسها وحماية عقيدتها فأصبحت أسيرة الهوى والشهوات وآذت نفسها وغيرها.(7/16)
5- التزمي الحياء واجعليه سمة بارزة لك فالحياء ليس مجرد اصطلاح وتقاليد كما تزعمها مخططات صهيون إنما هو فطرة خلقها الله ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر فالله يذكر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس ستراَ وصيانة لهم وحفظا لإنسانيتهم أن تنحدر إلى عرف البهائم, قال تعالى :{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}(الأعراف :26) جعل الله لك لباسين لباس خارجي يحمي بدنك ولباس داخلي يحمي قلبك من الوقوع في المنكرات وهذه هي التقوى.
6- إياك والخلوة مع محارمك مهما كان هذا المحرم من الخلق فلا تثقي في أحد هذه الأيام وإن وثقت به فلا تثقي في الشيطان وتذكري حديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي جاء بالصدق حيث قال: (لا يخلون رجل بإمرأة إلا والشيطان ثالثهما) .
7- اعلمي أن الرجل الفاسق الذي يريد اللهو والعبث بالمرأة مثل الكلب إن رميت عليه عظما أقبل عليك وإن طردته ولم تبشي في وجهه ذهب وأعرض عنك والحقيقة إن المرأة هي التي ترمي نفسها وهي من يبدأ بإعطاء الضوء الأخضر للرجل ولو أنه وجد غير ذلك لما تجرأ عليها….!!
==============
بين الشروق والغروب " يوم عرفة "
الأستاذة : نادية الهداب
رحل رمضان ولا زال في القلب بعد فقده كسر وأحزان .... الحمد لله فأبواب خيره لا توصد يتابع علينا ربنا الرحمات ويمن علينا بمواسم الخير والبركات مواسم تعيد للقلب رقته وتجدد الأمل بغفران الذنوب من رب رحيم يحب من يتوب .
ونحن بانتظار موسم من مواسم الرحمة ذلك اليوم العظيم ... ذلك اليوم المشهود ... إنه يوم عرفة ... خير يوم طلعت عليه الشمس ... يوم تلين فيه القلوب .... وتذرف العيون ...وترفع الأكف بالدعاء لرب كريم ... فسبحان من يعطي بغير حساب ...عرفات.... وما أدراكِ ما عرفات ... أرض جرداء لا شجر فيها ولا ماء...إنها عرفات أرض تحلو فيها المناجاة وترتفع منها أحر الدعوات... يقف في صعيدها أمم ما اجتمعت إلا تلبية للنداء {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ }(27) سورة الحج .. في صعيد عرفات تسكب العبرات وتقال العثرات وتغفر الزلات .. وتجاب الدعوات .
يقول ابن القيم - رحمه الله - في ميميته ..
يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم برّ أجود وأرحمُ
وأشهدهم أني غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أملوه وأنعمُ
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحمُ
فكم من عتيق فيه كمل عتقه وآخر بمستشفي وربك أرحمُ
يوم عرفة يوم مشهود ...
يوم يذكر بالموقف العظيم بين يدي الله عز وجل .. يذكر بيوم الحشر والموقف العظيم في عرصات يوم القيامة .
* يوم عرفة ...
يوم ينسى فيه العبد الدنيا ومن فيها ... مقبلا على ربه .... منشغلاً بعيب نفسه .. كل من حوله يذكره بالله .. فهذا يدعو .. وذاك ينتحب .. وثالث يسأل .. الكل يناجي ويسأل بقلوب منكسرة .. وأفئدة ضارعة ... يسألون من لا تختلف عليه اللغات ... ولا تختلط عليه الأصوات ... ما أعظمه من موقف يدنو فيه الرب جل جلاله من أهل الموقف دنوًا يليق بجلاله وعظمته ويقول للملائكة ....{{ما أراد هؤلاء ... أشهدكم أني قد غفرت لهم }} .
* فإذا طلعت عليكِ شمس ذلك اليوم وأنتِ في داركِ فطار قلبكِ .. واحترق فؤادكِ .. وسالت دموعكِ الحرى.. ألا تكوني من وفد الرحمن .. فتذكري قول أحد السلف :(من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه .. ومن عجز عن المبيت بمزدلفة ، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه .. ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى .. ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد ..).
* يوم عرفة ذلك اليوم المشهود له فضائل حري ينا أن نعرفها ..
ومن تلك الفضائل :-
1-أنه يوم أقسم الله به ولا يقسم العظيم إلا بعظيم .. فهو اليوم المشهود في قوله تعالى :{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }(3) سورة البروج , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اليوم الموعود : يوم القيامة ، واليوم المشهود: يوم عرفة ، الشاهد : يوم الجمعة " رواه الترمذي وحسنه الألباني .
2- الحج عرفة ...
بهاتين الكلمتين وضع صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الركن من أعمال الحج ولقد أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ...
3- أن صيامه يكفر سنتين :
فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة "( رواه مسلم ) , وهذا إنما يستحب لغير الحاج .. أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ..لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه , وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة..
فافرحي أختي المسلمة على العمل الصالح وخاصة في مثل هذا اليوم العظيم .. من ذكر ودعاء وصلاة وصدقة لعلنا نحظى من الله تعالى بالمغفرة والعتق من النار ...
4-أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة .. وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " .
قال بن عبد البرة وهذا يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم " أهـ .
فاحرصي أختي المسلمة:(7/17)
على العمل الصالح , وخاصة في مثل هذا اليوم العظيم .. من ذكر ودعاء وصلاة, وصدقة ؛ لعلنا نحظى من الله تعالى بالمغفرة , والعنق من النار. .. فقد ذكر ابن رجب -رحمه الله - في اللطائف : أن العتق من النار عام لجميع المسلمين ...
* وذكر بن القيم في كتابة " زاد المعاد " ج1 قال :
أنه في يوم عرفة يدنو الربُ تبارك وتعالى عشيةً من أهل الموقف .. ثم يباهي بهم الملائكة فيقول " ما أراد هؤلاء .. أشهدكم أني قد غفرت لهم " وتحصل من دنوه منهم تبارك وتعالى ساعة الإجابة التي لا يرد فيها سائل يسأل خيرًا فيقربون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة .
* ويقرب منهم تعالى نوعين من القرب :
أحدهما : قربُ الإجابة المحققة في تلك الساعة ...
والثاني : قربه الخاص من أهل عرفة ، ومباهاته بهم ملائكته ... فتستشعر قلوب أهل الإيمان بهذه الأمور؛ فتزداد قوة إلى قوتها .. وفرحًا وسرورًا وابتهاجًا , ورجاء لفضل ربها وكرمه .. فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها " أ . هـ .
5- يوم عرفة يوم يحزن فيه الشيطان :
ذكر السعدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى :{وَلَيَالٍ عَشْرٍ}(2) سورة الفجر ,قال : في أيام عشر ذي الحجة ، الوقوف بعرفة الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان ؛ فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة .. لما يرى من تنزل الأملاك و الرحمة من الله لعباده , ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة وهذه الأشياء معظمة مستحقة .. لأن يقسم الله بها " أهـ .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ينبغي للمسلمين أن يروا الله من أنفسهم خيرًا .. وأن يهينوا عدوهم الشيطان ويحزنوه .. بكثير الذكر والدعاء .. وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا . أهـ .
* إن هذه الفضائل ينالها العبد إذا فعل الأسباب المؤدية إليها .. ومنها:
1- حفظ الجوارح عن المحرمات والحذر من الذنوب والسيئات فكيف ترجين الرحمة والمغفرة والعتق من النار وأنت غاليتي تبارزين الله بالمعاصي في هذا اليوم العظيم .
2- الإكثار من التهليل والتسبيح, والتكبير في هذا اليوم .. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة ، فمنا المكبر ومنا المهلل " رواه مسلم .
3-الإكثار من الدعاء بالمغفرة والعتق في هذا اليوم .. فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لاشريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير" رواه الترمذي وصححه الألباني, وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في ذلك اليوم إلى أن غربت الشمس .. وقف من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .. وقف يدعو دعاءً طويلاً رافعاً يديه مستقبل القبلة .. لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى " رواه النسائي .
* وانتبهي أخيّة لآداب الدعاء ومنها :-
1- استقبال القبلة .
2- رفع اليدين فإن كان في إحداهما مانع رفع السليمة .
3-الدعاء بالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يدعى بعدها بالأدعية المباحة .
4- أظهري الفقر والحاجة لله عز وجل وألحي بالدعاء , ولا تستبطئ الإجابة .. ولا تدعي بما لا يجوز شرعاً أو ما لا يمكن قدرا ... فقد قال الله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }?55? الأعراف .
5- تجنبِ أكل الحرام فإنه من أكبر موانع الإجابة.
* فإذا غربت الشمس وحان الوداع واشتد التضرع والبكاء ... وزاد الخوف وعظم الرجاء .. قال عبدالله بن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة, وهو جاثي على ركبتيه وعيناه تذرفان فالتفت إلي فقلت له من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال : الذي يظن أن الله لا يغفر له .
فهنيئاً لأهل الموقف ..وهنيئاً لمن صحبهم بقلبه وأن نأت به الديار .. وبعدت به الأقطار .. صحبهم بدعاء خالص وقلب ضارع وتوبة نصوح..
* فاغتنمي غاليتي:
هذه الفرصة العظيمة والمنحة الجليلة .. فإنها والله ساعات قليلة .. سرعان ما تنقضي .. فما أسعد الفائزين في ذلك اليوم , ويا حسرة الخاسرين .
===============
الدعوة في عيد الأضحى
بقلم الأستاذة : عائشة القحطاني
العيد :
جمع أعياد قال الإمام النووي - رحمه الله - قالوا : وسمي عيداً لعوده وتكرره , وقيل لعود السرور فيه , وقيل : تفاؤلاً بعوده على من أدركه ؛ كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلاً لقفولها سالمة , وقيل : لكثرة عوائد الله تعالى على عباده في ذلك اليوم , والمسلمون لهم ثلاثة أعياد لا رابع لها (عيد الفطر وعيد الأضحى , ويوم الجمعة ).
وسيحل علينا بإذن الله بعد أيام عيد الأضحى المبارك وعلى الداعية أن يستغل هذه الأيام المباركة بتذكير من حوله بعدة أمور :
* إظهار الفرح والسرور في ذلك اليوم :
تعبداً لله عزوجل , وذلك أن فئة من الناس غفل عن هذا الأمر حتى أصبح بعضهم يبدي تذمره وضجره , ويبحث عما يسعده , وقد يرتكب المحرم في سبيل ذلك ؛ ولا شك أن هذا جهلاً بحقيقة العيد والحكمة منه ؛ لذا على الداعية أن يجتهد في إبراز هذا الأمر , وأن يكون خير قدوة في ذلك .
* تذكير من حوله بآداب صلاة العيد وما يستحب :(7/18)
ومن ذلك الاغتسال والتنظيف والتطيب , واستخدام السواك , وقد قال الإمام مالك - رحمه الله - سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينه في كل عيد , والأفضل في عيد الأضحى أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته, عن بريدة رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم : لايخرج يوم الفطر حتى يطعم , ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي " صححه الألباني في صحيح الترمذي , ومن السنه أن يخرج إلى العيد ماشياً , ومن استحب المشي عمر بن عبد العزيز , النخعي , الثوري والشافعي وغيرهم , ذكر ذلك ابن قدامه , وعن علي رضي الله عنه قال : " من السنه أن تخرج إلى العيد ماشياً " , وقال الإمام الترمذي , والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً , وأن يأكل شيئاً قبل صلاة الفطر, ويستحب أن لا يركب إلا من عذر " .
ومن السنة أن يصلى صلاة العيدين في المصلى , ولا يصلى في المسجد إلا لحاجة , وعن السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر, لحديث جابر رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق " رواه البخاري .
ويستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح , ومن السنة أن لا يُصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال " متفق عليه , قال الحافظ بن حجر- رحمه الله - " والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة " , ولكن إذا احتاج الناس إلى الصلاة في المسجد لخوف أو مطر أو برد شديد أو ريح شديدة أو غير ذلك ؛ فلا يجلس المسلم حتى يصلي ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " .
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر, وعدم التطيب , وفي حديث أم عطية رضي الله عنها قالت :" أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلى المسلمين " .
* قضاء صلاة العيد :
لمن فاتته مع الإمام , قال الإمام البخاري – رحمه الله – " بابٌ إذا فاتته العيد يصلي ركعتين , وكذلك النساء ومن كان في البيوت , والقرى لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" هذا عيدنا أهل الإسلام " , وقد اختلف أهل العلم فمنهم من قال بعدم القضاء , وقد رجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين , ونسبه لشيخ الإسلام ابن تيمية , ومنهم من قال تقضى ثم اختلفوا .
* التكبير أمام العيد وهو نوعان :
1- تكبير مطلق :
وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات بل يشرع في كل وقت وهو يبتدئ في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق في جميع الأوقات في الليل والنهار والطريق والأسواق والمساجد والمنازل وفي كل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى .
2- تكبير مقيد :
وهو الذي يقيد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة , ويبتدئ التكبير المقيد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق .
صفة التكبير :
وقد جاء في صفة التكبير أنواع متعددة منها :
أ- كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول :" الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر ولله الحمد " .
ب- وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول :" الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر , ولله الحمد , الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا " .
ج- وكان سلمان رضي الله عنه يقول :" الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر كبيرا " .
د- وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : " الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر ولله الحمد " .
وقد علق الحافظ بن حجر - رحمه الله - على حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ؛ فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه وجاء أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله فقال " دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا, وفي رواية قالت دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان مما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً , وهذا عيدنا " بقوله وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة , وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين ".
وعلى الداعية أن يحذر من المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس وهي كثيرة لا يمكن حصرها , ولكن منها ما يأتي :
1- الشرك بالله تعالى بالتقرب لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله في بعض الأمصار والبلدان , وقد قال الله عز وجل :{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(107) سورة يونس .(7/19)
2- إسبال الثياب , والمشالح , والسراويل , وغير ذلك من أنواع ألبسة الرجال التي تنزل تحت الكعبين , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم , ولهم عذاب أليم " ؛ فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات – قال أبو ذر : " خابوا و خسروا , من هم يا رسول الله ؟ قال : " المسبل إزاره , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " رواه مسلم .
3- الكبر , بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم , ويعجب بنفسه , ويختال في مشيته , وهذا محرم في جميع الأوقات , قال الله تعالى :{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(83) سورة القصص .
4- الغناء , والمزامير , والمعازف , بعض الناس يضيعون أوقات العيد المبارك في الاجتماع على مزامير الشيطان , وآلات اللهو المحرمة , عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه يرفعه : " ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها , يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات , يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير " رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
5- حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد , وهو محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب " ذكره السيوطي في الجامع الصغير , وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
6- مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبراني .
7- التشبه بالكفار والمشركين , في الملابس وغيرها , فلا يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء الله ورسوله ؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له , وجعل رزقي تحت ظل رمحي , وجعل الذل والصغار على من خالف أمري , ومن تشبه بقوم فهو منهم " رواه أحمد وصححه الألباني .
8- تشبه الرجال بالنساء في الملابس أو الحركات , أو الزينة أو مما هو من خصائص النساء, وتشبه النساء بالرجال كذلك , وهذا يحصل في الأعياد وفي غيرها , وهو محرم , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء , وقال : أخرجوهم من بيوتكم " فأخرج النبي صلى الله عليه فلاناً , وأخرج عمر فلاناً . رواه البخاري .
9- الخلوة بالنساء أيام الأعياد , أو الأفراح أو غير ذلك محرمة , ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري .
10- تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق,يكثر أيام العيد خروج النساء متبرجات إلا من عصم الله عز وجل , وهذا حرام ؛ لقول الله تعالى :{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }(33) سورة الأحزاب .
11- التبذير والإسراف , يقول الله عز وجل : {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }(141) سورة الأنعام .
12- عدم العناية بالفقراء والمساكين , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه .
13- عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات , أو زيارات أو إحسان , أو إدخال سرور,أو غير ذلك من أنواع الإحسان , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه " متفق عليه.
==============
وصايا للمرأة الحاجة
أ. منيرة المفرج .
لمن أرادت الحج أوصيكِ بوصايا :
1- إخلاص النية لله لأداء فريضة الحج .
2- التوبة الصادقة لأن المعصية قد تحرم صاحبها الطاعة .
3- التوكل على الله والاستعانة به سبحانه .
4- التعجل في أداء فريضة الحج وعدم التسويف في أدائها وتشجيع الأبناء على الحج إذا اكتملت شروطه لقوله صلى الله عليه وسلم :(تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ) رواه أحمد, ويقول الشيخ ابن عثيمين ( الحج واجب على الفور ) .
5- الاستخارة :
ولا تكون الاستخارة في الحج نفسه بل في الزمن والرفقة وما شابهه من أمورمتعلقة بالحج.
6- تكثيف القراءة والاطلاع وسماع الأشرطة وحضور المحاضرات للتزود بالعلم بأحكام الحج وغاياته ومقاصده , ومن الأشرطة النافعة بإذن الله شريط ( الحج لحظة بلحظة ) للشيخ ابن عثيمين .
7- تعظيم حرمات الله ففي موسم الحج تجتمع حرمة المكان , والزمان, والعبادة .
8- التزود بما تحتاجة أثناء فترة الحج مثل :
أ- مطويات وكتيبات خاصة بالحج للرجوع لها عند الحاجة وأنصح بمطوية (دليل الحاج اليومي – دار القاسم )لأنها مطوية مفيدة وواضحة جداً وسهلة .
ب- ملابس كافية لعدة أيام لصعوبة غسلها في أثناء الحج واحذري الملابس غيرالمحتشمة لما فيها من مخالفة للشرع , وإيذاء لأخواتك الحاجات.
ج-أخذ زيادة عن الحاجة لبعض الحاجات الضرورية جداً فربما يحتاجها أحد من رفقتك .
د- وضع قائمة بأرقام الهواتف المهمة في حقيبة يدك لأن الجوال قد ينقطع في مواقف حرجة .(7/20)
و- حذاء طبي مريح لأنك ستحتاجين السير لمسافات طويلة , وتجنبي المبالغة في الأكل والشرب .
9- احذري المعاصي جميعها من غيبة أو سخرية بالناس أو ملابس غير محتشمة أو نغمة جوال موسيقية ,وتذكري حرمة المكان والزمان والعبادة ثم أن المعاصي تضعف الإيمان ,وتنقص الأجر؛ وبالتالي حرمانك من لذة العبادة .. بل قد تحرمين الكثيرمن الطاعات ؛ لأن المعصية سبب لحرمان الطاعة .
10- تجنبي إضاعة الوقت في :
ا- السهر والأحاديث الجانبية وخاصة أنها تؤذي الحاجات من كبار السن والمرضى .
ب- التمادي في المباحات من أكل وشرب ونوم .
ج- كثرة المزاح .
د- التسوق بدون حاجة .
11- احرصي على استثمار الوقت قدر الاستطاعة في الطاعات, ولا تغفلي عن تحويل المباحات إلى عبادات ؛ باحتساب النية في كل شيء حتى ولو كان شربة ماء .
12-استحضار نية الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عند تأدية كل عمل من أعمال الحج قال صلى الله عليه وسلم :( خذو عني مناسككم ).
13- إظهار الخضوع والتذلل في جميع أعمال الحج ؛ لأنه من مقاصد الحج .
14- ضرورة التحلي بالحلم , والأناة , والتواضع , والصبر ؛ لأن الحج مظنة المشقة من ضياع مال أو رفقة أو نصب وجوع , ومخالطة لأجناس مختلفة .
15- سارعي لخدمة أخواتكِ الحاجات , وخاصة الكبيرات في السن لقوله صلى الله عليه وسلم للسقاة في الحج :( اعملوا فإنكم على عمل صالح ), وقوله صلى الله عليه وسلم :( إن من إجلال الله أكرم ذي الشيبة المسلم ) حسنه الألباني .
16- احرصي على مجالسة الرفقة الصالحة تعينك على اغتنام وقتكِ فيما ينفع .
17- حافظي على النظافة الخاصة والعامة .
18- يمكن للمرأة المحرمة أن تغتسل , وتستبدل ملابس الإحرام ؛ ولكن تحذر من المحظور , والأولى أن تبقى على شعثها .
19- احذري تطييب الملابس قبل الإحرام .
20- في مزدلفة لا تنشغلي بكثرة القراءة , والصلاة , والسهرعلى ذلك بل السنة صلاة المغرب,والعشاء , والنوم , ولا يمنع من صلاة الوتر .
21- في يوم العيد :
ا- احذري ( سباق التحلل )حيث تتسابق الحاجات في الحملة أيهن تحللت من الإحرام أولا , وتذكري أنكِ في عبادة ولستِ في سباق .
ب- يغفل الكثير من الحجاج عن استغلال يوم العيد بالطاعة , وهو كما ورد في الحديث ( إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ) سنن أبي داوود .
ج- تجنبي المبالغة في الزينة , واللهو يوم العيد ؛ فهو يوم عبادة وشكر .
22- أيام التشريق :
أ- خططي لاغتنام أيام التشريق بما ينفع ؛ لأنه سيكون لديكِ وقت تفرغ كثيراحذري ضياعه في الأحاديث والسهر .
ب- أنسب الأوقات , وأيسرها لرمي الجمرات قبل صلاة العصر .
وختاماً:
تقبل الله منا ومنكم الطاعات ووفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح
===============
تفعيل الدور الدعوي للمرأة في الحج
د. قذلة بنت محمد القحطاني
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا وحبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
وبعد ....
لاشك أن موسم الحج مناسبة عظيمة , ومجال خصب للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ,وإذا كانت جميع مؤسسات الدولة الصحية والأمنية وغيرها تستنفر جهودها وطاقاتها في هذه المناسبة , فحري بأهل الدعوة والإصلاح أن يبذلوا غاية ما يستطيعون , ويعملوا جاهدين على إستغلال كل دقيقة بل كل ثانية تتاح لهم في دعوة المسلمين الذين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم, ولا أعظم من تعليمهم دينهم ودعواتهم إلى الله, وتبصيرهم بما يشاع بينهم من البدع وتحذيرهم من الشرك , في هذا العصر الذي تكالبت فيه قوى البشر لحرب الإسلام , وسلخ هوية المسلم من خلال غزو فكري , وحرب إعلامية شرسة , لاسيما على المرأة المسلمة.
وقبل بيان تفعيل الدور الدعوي للمرأة في الحج لا بد أن أضع بين يدي الدعاة وطلبة العلم والأخوات الداعيات عدة أمور هامة ومنها:-
* ماسبق بيانه من أن الحج فرصة دعوية عظيمة وهي موسمية لا تكرر في العام إلا مرة واحدة , وأني لأعجب من تقصيرنا في إستغلاله , ولو أن مثل هذه المناسبة أتيحت لبعض أهل البدع لرأينا ما يفعلون , فلله نشكو عجز المؤمن وجلد المنافق كما ورد نحو هذه العبارة عن عمر رضي الله عنه .
* إن دعوة المرأة في الحج لم تستغل إلا في السنوات الأخيرة وعلى نطاق ضيق في بعض الحملات , أما دعوة الوافدات من الدول العربية والإسلامية فللأسف لا تكاد يذكر إلا في جهود شخصية لبعض الداعيات وبعض مكاتب الدعوة والإرشاد.
* إن صورة الإسلام قد شوهت في كثير من بلاد المسلمين , بل وإن قضايا المرأة الحقيقية قد أهملت , وأصبحت الماسونية ترفع شعاراتها وتنادي بما تريد على أنه قضية للمرأة ؛ ولذا وجب أن تبرز محاسن هذا الدين وأن تجلى الصورة الحقيقية للإسلام , وأن تُعرَّف المرأة المسلمة بمكانتها التي شرفها بها الإسلام .
* أن من يقوم بدور الدعوة في أوساط النساء هن قلة من الداعيات لا يتناسب عددهن مع هذه الأفواج الهائلة من الحجيج وهذا يستدعي رفع الهمة وبذل أقصى الجهد احتساباً في الأجر,والتغلب على المعوقات وتحمل شيئاً من الجهد والتعب .. فما هي إلا أيام معدودات تعد نوعا من الجهاد , وكذلك يجب أن تتضافر الجهود وأن يقوم كل مسلم ومسلمة بدوره في الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله صلى الله عليه وسلم , ولو بآية واحدة .. والدعوة الفردية مجالها واسع وخصب وهي واجب الجميع .(7/21)
* إن موسم الحج يضم جميع الطوائف والفرق ؛ ولذا لابد من الأخذ بالإعتبار أن هناك الرافضة والصوفية والمعتزلة والأشاعرة...وغيرهم من الفرق .. فليكن هذا اللقاء فرصة لنشر مذهب أهل السنة والجماعة .. وتحذير الأمة من خطورة الإفتراق والإبداع في دين الله.
* إن كثيرا من الحجاج كانت رحلة الحج نقطة تحول جذري في حياتهم , وكان ذلك بسبب داعية عاشوا معها هذه الأيام الروحانية فغذي أرواحهم وعمق فيهم الإيمان بالله فعادوا من الحج بحال أخرى من الإستقامة والهداية ولله الحمد .
ومن هنا فأوصي بضرورة مايلي :-
1- الإخلاص لله تعالى:
وهو حقيقة الدين , ومضمون دعوة الرسل , وهو أساس الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة " قيل لحمدون بن أحمد : ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال : لأنهم تكلموا لعز الإسلام , ونجاة النفوس ورضا الرحمن , ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق " أ.هـ
قال ابن عقيل " كان أبو إسحاق الفييروزبادي لايخرج شيئاً إلى فقير , إلا أحضر النية ,ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الإستعانة بالله والإخلاص والقصد في نصرة الحق دون التزيين والتحسين للخلق , ولا يصنف مسألة إلا بعد أن يصلي ركعتان فلا حرج أن شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقاً و غرباً , هذه بركات الإخلاص " أ.هـ
2- كسب القلوب بحسن الخلق :
والبشاشة والصبر على المدعوين وإظهار المحبة لهم والدعاء لهم , ومراعاة أحوالهم ليتم من خلالها تقديم ما يناسبهم وما يحتاجون إليه .
3- التركيز على العقيدة :
وذلك بأسلوب سهل ميسر , وربط القلوب بخالقها جل وعلا , وتعميق محبة الله تعالى بالنفوس من خلال التذكير بنعمة وآلائه ... وكذلك استغلال مناسك الحج وربطها بقضية التسليم والإنقياد لأوامر الله تعالى , واستغلال أيضا القضايا الخاصة التي يعيشونها ويمارسونها لتقرير مسائل العقيدة كالمحبة والخوف والفقر وغير ذلك .
4- الحذر من الفتيا والقول على الله بلا علم :
فمن سئل عن شيء لا يعلمه فليقل ( الله ورسوله أعلم ) وليست الدعوة إلى الله تعني أن يصبح الشخص مفتيا.
5- وضوح اللغة وعدم استخدام العامية بقدر المستطاع :
فاللغة العربية إذا تحدث بها الداعية فهم منه الجميع , بخلاف اللهجات التي لا يفهمها إلا أصحابها .
6- وضع خطة مدروسة من قبل المؤسسات الدعوية :
يشارك في وضعها العلماء وطلبة العلم يسير عليها الدعاة , وتشتمل على خطة للدعوة في الداخل والدعوة في مخيمات الدول العربية والإسلامية , وتقويمها بإستمرار .. مع التطوير المستمر وتلافي الأخطاء وجوانب الخلل .
وأختتم بذكر هذه الإقتراحات وهي عامة للرجال والنساء ومنها :-
* إقامة دورات مكثفة لمن يشارك في الدعوة في الحج قبل موعد الحج بوقت كاف .. مع ضرورة إعداد دعاة وداعيات من الدول العربية والإسلامية ليشاركوا في دعوة أهل بلدهم , خصوصاً إذا كانت الدول من الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية .
* ضرورة تواجد الدعاة والداعيات في مكة المكرمة قبل الحج بوقت كاف وذلك للتنظيم والتنسيق , والقيام بجولات للحجاج القادمين من الخارج في أماكن إقامتهم , وشرح لهم المناسك وغير ذلك من الأمور الهامة , خصوصاً وهذه الأوقات مناسبة وهي لا تستغل والحجاج تقريباً لايوجد ما يشغلهم فيها .. مما قد تكون فرصة لهدر الوقت في الأحاديث واللغو وربما التسوق والتجول في شوارع مكة , وهذا ما يلاحظ من جلوسهم المستمر في الشوارع وعند الأبواب , وللأسف ربما تكون هناك شاشات عرض للقنوات في هذه الأماكن , وهذا شيء يحزن أن يهدر وقت الحاج بمثل هذا الضياع , وأن تلاحقهم أجهزة الفساد إلى هذه المواقع .
* الاستعداد التام واستنفار الهمم لتوزيع أكبر قدر من المصاحف وكتب التوحيد والتفسير والفقه ... إلخ , ومهما كانت الجهود المبذولة فهي لا تزال قليل بالنسبة لأعداد الحجاج ؛ ولذا نرى تهافتهم على الكتب وفرحهم بها بشكل يثلج الصدر .
* اسغلال فرص التعرف في هذا الموسم , وضرورة التواصل معهم بعد الحج خصوصاً مع المتميزين وذوي القدرات سواء في الداخل أو الخارج , واحتوائهم في أيام الحج بدروس إيمانية وعلمية خاصة
* يقترح لكل حملة الإجتماع بالحجاج قبل السفر بيوم أو يومين , وحثهم على الإخلاص والتقوى , وشرح صفة الحج بشكل تفصيلي مع استعمال وسائل العرض ومحاولة رفع الهمة للقيام بالحج على أفضل وجه وحفظ الجوارح لا سيما والحاج في هذه الفترة حريصاً على السماع , ومعرفة ما سيواجه في هذه الرحلة خصوصاً إذا كان يحج لأول مرة .
* أن تقوم الحملات بالترتيب للبرامج وإعداد المسابقات الهادفة وإعداد الملصقات الأشرطة , وحبذا لو تعد حقيبة دعوية يعطاها الحاج عند التسجيل .
وإني لأهمس لأصحاب الحملات أن لا يبخلوا بالبذل في هذا الجانب .. فهو إن شاء الله سر بركتهم ونجاحهم مهما كلفهم من المال فهو لا يساوي شيئاً مع الأجور العظيمة التي حصلوها.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( ولئن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم ).
* استغلال الأوقات المناسبة للحجاج .
* توزيع المهام والمسئوليات داخل المخيم , ووضع رئيس للفريق لمتابعة العمل وتنظيم الدروس والمحاضرات , واستضافة الدعاة والعلماء أصحاب الشأن والتأثير في القلوب .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل في السر والعلن.
" آمين
=============
فضل عشرة ذي الحجة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل عشرة ذي الحجة
أ. وحيشة المطيري(7/22)
الحمد لله مصرف الكون مقلب الليل والنهار بحكمته وقدرته فقد جعل سبحانه لعباده المؤمنين كنوز يجنون فيها ألذ الثمر مما يرد على قلوب البشر ألا وهو ذكر الله والتقرب إلى مرضاته .
فقد نعمنا بمواسم عظيمة وأجور مضاعفة في هذه السنة , وختامها أيام فضلى أفضل أيام السنة كلها لقوله صلى الله عليه وسلم :(ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر : قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله ,إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشئ ) رواه البخاري .
قال سبحانه وتعالى : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (2) سورة الفجر, وهي العشر الأوائل من ذي الحجة فيها يوم عرفة قال صلى الله عليه وسلم :(إن الله يباهي ملائكته عشية عرفه بأهل عرفة فيقول انظروا إلى عبادي شعثاً غبر ).
كما قال صلى الله عليه وسلم :( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو فيتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ماذا أراد هؤلاء ) رواه مسلم .
أحب الأعمال وأفضلها وأكملها هو الحج والعمرة في هذه الأيام ولمن لم يستطع ذلك فقد منحنا الله منحاً عظيمة أعظمها التوبة والأوبة إلى الله والإقبال عليه .
( من تقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعاً ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشياً أقبل إليه مهرولا والله أعلى وأجل والله أعلى وأجل والله أعلى وأجل ) , والمسارعة اغتنام لهذه الأيام وإقبال النفس على الله , وختاماً لهذا العام حيث الأعمال بالخواتيم , وأعظم عمل يتقرب به العبد إلى ربه إخلاص العمل لله ومتابعة هدي نبيه ؛ فيكون القصد وجه الله
فتفاضل الأعمال بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الإيمان والإخلاص , وأيضاً لمضاعفتها إذا كان نفعها أعم للمسلمين , وأوقع أثراً وأكبر نفعاً ؛ كالجهاد في سبيل الله وأعظم الجهاد ؛ سلوك طرق التعلم والتعليم فإن الاشتغال بذلك لم نية لا يوازيه عمل من الأعمال لما فيه من إحياء العلم الشرعي , وثبات الدين , وأيضا الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة ,وحضور القلب واستحضار خشية الله , واطلاعه ومراقبته لنا .
أخيتي ...
اغتنمي وسارعي فسبحان من فاوت بين أهل اليقظة في قوة السير وضعفه , واستغراق جميع الأوقات في العبادة من عدمه , ومن يكون سيره مستقيماً في ليله ونهاره , ومع ذلك يتخير أكمل الأعمال وأفضلها .
من الأعمال الفاضلة في هذه الأيام :
1- الصوم :
قال صلى الله عليه وسلم : ( مامن عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ).
2- ذكر الله :
قال تعالى :(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (35) سورة الأحزاب .
قال ابن مسعود في قوله تعالى :(واْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) (102) سورة آل عمران .
أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ؛ فكلما قويت المعرفة صار الذكر يجرى لسان الذاكر من غير كلفة ولهذا يلهم أهل الجنة التسبيح كما يلهمون النفس , و أي ذكر أعظم ذكر من كلام الرحمن , وتلاوة أياته وترتيل قراءته .
3- الصدقة :
يرفع شرفها كونها تطفئ غضب الرب وكونها تظل صاحبها بالموقف العظيم , وكونها سبباً لإضلال صاحبها بعرش الرحمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :(سبعة يضلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ).
وفضلاً من الله أن جعل ميزان الأعمال الصالحة واسعاً رحباً , ومتنوعاً تجنى ثماره وتستحصل أجوره؛ فمن قضاء حوائج المسلمين إلى تفريج الكرب , إلى الدعوة إلى الله ... وغيرها .
فهيا الجد الجد بالمسير , فالناس منذ خلقوا لا يزالون مسافرين ليس لهم حط الرحال إلا في جنة أو نار , والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة ,وركوب الأخطار ؛ وإنما حسن طول العمر ونفع ليحصل التذكر والاستدراك , واغتنام الفرص والتوبة النصوح من لم يورثه التغير وطول البقاء اصلاح معائبة وتدارك فارطه واغتنام بقية أنفاسه فيعمل على حياة قلبه وحصوله للنعيم المقيم .
هذا والله أعلم فإن كان صواباً فمن الله , وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان .
نسأل الله لنا ولكم جنة عرضها السموات والأرض ؛ بفضله علينا وجوده وكرمه
=============
الدعوة في الحج ( خاص للداعيات ) : ج (1)
مدخل :
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستهديه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً , أما بعد :
فلا يخفى على مسلم بصير بدينه أن الدعوة إلى الله وتبليغ دينه إلى عامة الناس من أهم الواجبات , قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّك) (النحل : 125) , وقال تعالى :(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ) (آل عمران : 104) .
وبفضل من الله ومنه وكرمه ثم بجهود السلف الصالح في دعوة الناس إلى الله قد انتشر الإسلام في جميع أرجاء المعمورة , حتى أننا لم نرَ ولم نسمع أنه بقي بلد على وجه الأرض لم يدخله الإسلام ونعمه وبركاته , وخرج الناس من ظلمات الشرك والكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإسلام والهداية والإيمان والطاعة , ومع ذلك فإن الحاجة إلى الدعوة إلى الله في هذا الزمن أصبحت أشد من أي زمن مضى لما انتشر من الجهل والمعاصي والضلالات العقدية والمذهبية وغيرها .(7/23)
ولقرب الحج ومشاركة كثير من طلاب وطالبات العلم جاءت هذه الكلمات المختصرة ؛ لعلها تكون مفيدة ومذكرة , بلغ الله الجميع الأجر والثواب .
فضل الدعوة :
والدعوة إلى الله فضلها كبير وأجرها عظيم عند الله , فقد قال تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (فصلت : 33) , وفضلها يتضح أكثر فيما جاء في الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فوالله لأن ُيهدَى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ) , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله )
ومن فضلها أيضاً أن الدعوة ميراث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة : 67) , وأنها سبب لاستمرار الحسنات , كما جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له ) , ويكرم الداعية بمعية النبي صلى الله عليه وسلم لقيامه بمهمة الدعوة لقوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (يوسف : 108) .
فعلى الداعية إلى الله أن يعرف أن أهم ما يدعو إليه الناس هو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام مصداقًا لقوله تعالى :( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (نوح : 3) , ثم يدخل في الدعوة إلى الله , والأخذ بما شرع الله في العبادات مثل الطهارة والصلاة , والزكاة , والصيام , والحج , وفي المعاملات مثل النكاح , والطلاق , والجنايات , ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال , فيدعوهم إلى الإسلام كله لايفرق بين هذا وذاك .
والدعوة مهما كانت عظيمة وذات أهمية لا يقبلها الناس إلا إذا اتصف الداعية بصفات حميدة وأخلاق حسنة , قال تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران : 159) , ومن أهم صفات الداعية وأخلاقه التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية وآمر بالمعروف وناه عن المنكر:
صفات الداعية :
1- الإخلاص , لايمكن أن تنجح الدعوة ويصل الداعية إلى هدفه المنشود إلا بالإخلاص لله وحده , لا أجرً في الدنيا ولا رياءً ولا سمعةً , ولا مناصرة لمذهب معين أو نشر أفكار لفلان أو فلان , وإنما هو مناصرة للحق وأهله , وطمعًا في ثواب الله وأجره , وإصلاحًا لعقيدة الناس وعباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم , ويكون شعاره قال تعالى :( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) (هود : 51) .
2- العلم , فالداعية يجب أن يكون على بينه وعلم بما يدعو إليه , يقول تعالى :(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف : 108) , والذي يدعو بغير علم قد يدعو إلى الشر ويحسبه معروفًا , أو ينهى عن المعروف ويحسبه منكرً .
3- الحلم والرفق , إن عملية الدعوة تحتاج إلى كثير من الرفق بالمدعو , والشدة في الدعوة بدون حلم ولا حكمة دليل لفشلها , ومما جعل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ناجحة كونه صلى الله عليه وسلم لينًا هينًا رفيقًا بشوشًا حليمًا , يقول تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران : 159) , وقد أوصى الله سبحانه موسى وهارون عليهما السلام بالقول اللين مع فرعون وهو أطغى الطغاة , قال تعالى :( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ?43? فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) (طه : 44) .
4- الصبر , إن الداعية قد يواجه في دعوته عدم القبول , وقد يتلقى مقابل دعوته السخرية والاستهزاء , والداعية الناجح هو الذي يصبر في مثل هذه المواقف ويتحمل الأذى ولا يغضب, وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال:(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل : 10) , وبالصبر في الدعوة إلى الله تحصل معية الله , وأجر الصابر يوفاه بغير حساب , ويدخل في ذلك : المواصلة والاستمرار في الدعوة , وعدم الاستعجال للنتائج والثمار.
5- التواضع وعدم الكبر , إن الناس يحبون الرفق واللين , ويقبلون من الليّن الهيّن المتواضع الذي لا يتجبر عليهم ولا يتكبر , يرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم , ولا يرد آراءهم الصائبة وأقوالهم المعقولة , وللداعية في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , فقد كان صلى الله عليه وسلم يتعاهد الناس ويقوم بحاجاتهم مع عظم مسئولياته , ففي مسند أحمد عن ابنة لخباب قالت : خرج خباب في سرية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى كان يحلب عترا لنا , قالت : فكان يحلبها حتى يطفح أو يفيض .
ميادين الدعوة :(7/24)
ميادين الدعوة كثيرة , منها : المسجد , والمدرسة , والمناسبات وغيرها , ومن أهمها الحج , فإن الحاج يكون متفرغًا للعبادة , ويكون مستعدًا للاستماع إلى القول الحسن وقبوله والعمل به , وهي فرصة ينبغي للداعية أن يستغلها , ويخطط لها مسبقًا ويعد البرامج النافعة المناسبة للحال , وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة و أيام منى وعند الجمرات , يعلّم الناس ويبصّرهم بدينهم , ويبيّن لهم مناسك الحج , كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يفوته دعوة الناس في أيام الحج وحتى قبل هجرته صلى الله عليه وسلم , بل وفي أيام المقاطعة ، فكان صلى الله عليه وسلم يخرج من شعب أبي طالب ويدعو الناس إلى الإسلام ،وفي موسم الحج عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على أهل المدينة سنة (11) من البعثة ، فدخل ستة منهم الإسلام مما مهد لنشر الدعوة الإسلامية في المدينة الطيبة فكان مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد .
الحج ذو أهمية خاصة للمرأة :
والحج بالنسبة للمرأة ذو مذاق خاص ، فهو جهاد للمرأة ، جهادها الذي لا قتال فيه ، نظرا للمشقة التي تتحمله المرأة أثناء الحج ، ونظرا لما تحصل عليه من الثواب الجزيل والأجر العظيم إذا حجت حجا مبرورا ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله على النساء جهاد - قال : ( نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ) .
* ومن هذا المنطلق نرى الحج فرصة لالتقاء الداعية بجموع غفيرة من النساء لجميع الأعمار والمستويات ؛ شابات وكبيرات السن ، قارئات وأميات ، طالبات ومعلمات ، موظفات وربات بيوت ، والنساء شقائق الرجال ، يجب عليهن ما يجب عليهم ، ومن الواجب على المسلم والمسلمة القيام بالدعوة إلى الله ، والشعور بما يجب عليهم تجاه دينهم ، فلا ينبغي للداعية المسلمة أن تترك هذه الفرصة تضيع سدى ، بل عليها قبل أن تتجه إلى مكة لأداء فريضة الحج أن تخطط تخطيطا دقيقا لما ستقدمه لبنات جنسها من درس وتوجيه ، وتعليم وتبصير بالعقيدة الصحيحة وبفرائض الإسلام وأحكامه ، وبالحج خاصة .
* ولتتذكر أن اجتماعهن سيتم في مكان فاضل وهو مكة وعرفات ومزدلفة ومنى ، وفي زمن فاضل وهو موسم الحج ، وحالة فاضلة وهي التجرد لعبادة الله وطاعته طلبا لرضاه سبحانه ، يدعونه خوفا وطمعا ، يلتجئون إليه ويسألونه الجنة ويتعوذون به من النار ، وفي هذا المكان والزمن الفاضلين والحالة الفاضلة إذا قدمت لهن الداعية المسلمة القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في القول والعمل ، وفي العبادة والمعاملة والسلوك ، وفيما تعمل في نهارها وليلها ، لكان لذلك أثر حسن في نفوسهن ، وستجد منهن إقبالا عظيما على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، ولقيت فرصة ذهبية لتصحيح عقائدهن وعباداتهن ، وتهذيب سلوكهن وأخلاقهن , ولكي نضمن نجاح الدعوة في الحج لا بد من وضع :
منطلقات في تكوين برنامج ناجح للدعوة في الحج وتتلخص فيما يلي :
1- الشعور بالتعبد في الدعوة في الحج : إن من يريد الحج ويحرم من الميقات يشعر أنه في عبادة الله وطاعته باستمرار ، حتى يطوف طواف الوداع ويرجع إلى أهله داعيا الله سبحانه أن يتقبل منه ويجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور، ولاستشعاره أنه في عبادة مستمرة يحرص كل الحرص على الامتثال بأوامر الله والاجتناب عن نواهيه ، ويأتي بأعمال الخير بما يستطيع ، ولا شك أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال وأجلها ، وثمارها أبدية ، فعلى الداعية المسلمة أن تستشعر التعبد لله في دعوتها إلى الله في هذا الزمن الفاضل ، ولا تترك فرصة إلا وقد استغلتها لصالح دعوة الحق ، ولتتمسك بجميع الأساليب والوسائل الشرعية للدعوة إلى اله ، فتجمع بين عبادة الحج وعبادة الدعوة فتقوم بها متعبدة وعلى بصيرة .
2- الإخلاص : لا يمكن ضمان نجاح الدعوة إلا بالإخلاص فيها ، بل فضل أي عمل يعتبر بما بُذل فيه من إخلاص ، ففضل الصلاة في الخشوع فيها واستشعار عظمة الله فيها ، وفضل الزكاة في كونها خالصة لله عز وجل خالية عن المن والأذى ، وفضل الصيام والقيام في كونهما مع الإيمان والاحتساب ، وفضل الحج في كونه مبرورا ، ولا يكون مبرورا إلا إذا أتي به على وجه الإخلاص وكان مطابقا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعوة إلى الله كذلك ، لا تلقى القبول من الناس ، ولا تحقق ثمارها إلا إذا كانت خالصة لوجه الله عز وجل وعلى وفق ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
3- تحديد الهدف أو الأهداف : على الداعية المسلمة قبل أن تخطط برامجها أو تنفذ ما تريد من درس أو موعظة أو توجيه وغير ذلك أن تحدد الهدف ، وتسأل نفسها : ماذا أريد أن أحققه من هذا البرنامج أو هذه الكلمة أو ذاك التوجيه ، ولها أن تحدد من أهداف الدعوة في الحج مثلا :
أ- تصحيح الحج وعدم الوقوع في الأخطاء .
ب- تصحيح الأخطاء العقدية .
ج- تبصير المرأة بمسئوليتها وواجباتها البيتية والعبادية وغيرها .
د- تقويم المظاهر السلوكية الخاطئة للمرأة .
وغيرها من الأهداف ، وتكون صياغة الأهداف تحسب نوعية المشاركات معها .
4- معرفة الإمكانات الموجودة في الحملة : مثلا مكانها – بروجكتر– كتب – أشرطة ؛ لأن هذه الإمكانات تساعد على صياغة برنامج منوع مفيد .(7/25)
5- معرفة النوع الموجود من المتلقيات : وذلك حتى تقدم الدعوة بأساليب تتناسب مع هذا النوع ، لأن بعض الأساليب لا تناسب إلا شريحة من الناس ، ولذلك عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن عرفه الشريحة المستهدفة بالدعوة إلى الله بأنهم أهل الكتاب ، ففي الصحيحين أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .
6- أن يكون البرنامج سليما من الناحية الشرعية : فلا تتخذ من الوسائل والأساليب ما لا تتفق مع الشرع الحنيف ، لأن الوسائل والأساليب غير الشرعية – مثل الغناء – لا تجوز ، ومن ثم لا تخدم الدعوة والمدعو أبدا ، بل إثمها يكون أكبر من نفعها .
7- تنوع البرامج : البرامج الدعوية إذا كانت على نمط واحد فإن المدعو قد يمل ، لذا لا بد من تقديم البرامج المتنوعة ، والذي حضر البرنامج مع الملل والسآمة لا يستطيع الانتفاع بحضور هذا البرنامج ، ولكن إذا كانت البرامج متنوعة شدت انتباه المستمعات ، وتركت أثرا عميقا في قلوبهن ومن ثم على سلوكهن .
8- إشراك الجميع في البرنامج : إن الداعية المسلمة الناجحة لا تركز على فئة دون فئة أخرى ، لأن الجميع في حاجة إلى تصحيح العقائد والعبادات والسلوك ، وكل الناس لهم حق في الفوز بالجنة والنجاة من النار ، وإرضاء ربهم والابتعاد عن سخطه .
وبناء على ما سبق أذكر بعض الأساليب والبرامج التي طبقت وكانت ناجحة بإذن الله ، مع مراعاة ما ذكرناه في صفات الداعية والمنطلقات ، منها :
1- شرح مناسك الحج يوميا ولو بالفيديو عن طريق بيان صباحي ، وتكرار هذا الشرح في سائر اليوم ، فلا تعتقد الداعية أن الجميع يفهم في أول مرة ، والتأكيد على ما يحصل في من اللبس .
2- المحاضرات والندوات بحسب نوع الموجودات مع تحديد موضوعاتها ، ويتنبه إلى ألا تكون هي البرنامج الغالب على الحملة كما هو حال الكثير .
3- تحديد شيء من حفظ القرآن الكريم ، ويكون يسيرا ، مثل قصار السور للمستوى الأدنى ، والسور والمقاطع التي تقرأ عادة في الصلوات المكتوبة للمستوى الأوسط ، والجزأين الأخيرين للمستوى الأعلى .
4- تقسيم الحاضرات إلى مجموعات بحسب السن أو المستوى ، ومراعاة المادة التي تقدم لهن حسب مستواهن .
5- المسابقات : وتكون هادفة ، مثل السؤال في أركان الحج ، وشروط الصلاة ، وكيفية الوضوء .. الخ ، وحسب مستوى الحاضرات .
6- مقالات صغيرة ، تشارك فيها الحاضرات وتوضع في لوحة الإعلانات .
7- مشكلة وحل ، ويركز على المشكلات الاجتماعية ؛ كمشاكل المرأة مع زوجها ، أو مع أولادها .
8- قصة وتعليق ، وتنوع القصص ، فتارة من قصص القرآن ، وأخرى من السنة ، وأخرى من الواقع ، ولا ينسى التعليق عليها .
9- فتاوى الحج ، سؤال وجواب ، ويستفاد من فتاوى الحج للعلماء الموثوقين .
10- ربط الحجاج بصفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكرر هذا بوضوح .
11- تشغيل الأشرطة النافعة : التلاوات ، الخطب ، الدروس ؛ وبخاصة في الحافلات ، ويشترط ألا يؤذي نائما أو مريضا ونحو ذلك .
12- تقديم الحوافز التشجيعية النافعة مثل : الكتاب أو الشريط أو القلم .
13- إذاعة المخيم ، وتكون برامجها قصيرة ومنوعة .
14- التعاون مع الداعيات الأخريات وتبادل المحاضرات في مخيمات عدة .
15- تهيئة هواتف أهل العلم للاستفسار والفتاوى عن مسائل الحج، والتنسيق مع عدد منهم لئلا تحرج الداعية فلا تجد أحدًا منهم، وعليها أن تحذر من الفتوى بغير علم، أو لأنها وجدت هذه المسألة في كتاب كذا.
16- تقسيم البرنامج على الوقت، و لابد أن يكون واضحًا معلومًا لدى الجميع.
17- القدوة في القول والعمل، والحزم مع النفس، من الداعية نفسها، فالجميع ينظر إليها ماذا تفعل فسيفعلن مثل ما تفعل، فتكون قدوة في مظهرها وعبادتها واستغلال وقتها .
18- موازنة الداعية بين أعمالها التعبدية وخدمة الأخريات، فلا تنسى نفسها على حساب الناس، ولا تنسى الناس على حساب نفسها.
أخطاء يجب أن تتجنبها الداعية في الحج:
1- أن تقصد الداعية من دعوتها إلى الله الرياء والسمعة أو العاجلة قبل الآجلة، فيكون همها ماذا قال عنها الناس، وبما مدحها الناس، وهكذا .
2- ألا تكون غامضة، بل عليها أن تقوم بهذا العمل الجليل بكل وضوح، وتسير على بصيرة، فهي واضحة في كلامها ومقالها وعملها وبرنامجها.
3- ألا يناقض عملها قولها، ولا تكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.
4- ألا يدخلها الكبر لأنها صارت مرجعًا للحاضرات في مخيمها في أمور دينهن.
5- أن تعلم أن ( لا أدري ) نصف العلم، فلا تقول فيما لا تعلم، وترجع الفتاوى إلى أهلها، والله - سبحانه وتعالى - قد حرم أن يقول الناس على الله ما لا يعلمون، قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (33) سورة الأعراف .
6- أن تجتنب الإفراط والتفريط في الدعوة، فلا تقصر ولا تتجاوز الحد، والطريق الوسط هو المطلوب في جميع الأمور، وخير الأمور أوسطها.(7/26)
7- ألا تكون عبوسًا، فإن طلاق الوجه تبشر بالخير، ويقبل عليها الناس، والوجه العبوس يسبب نفور الناس.
8- أن تحذر من الفتوى بغير علم، فهناك فرق بين التوجيه والدعوة بين الفتوى في المسائل العلمية، ولا يلزم منهما التلازم كما يظنه بعض الدعاة.
9- الحذر من استغلال الحج لمقاصد خاصة كبيع، فتبيع سلعتها فتشتري منها الحاضرات لأنها الداعية.
10- لكل مقام مقال، فتحذر من إحراج الناس فلا تضع برامج وقت راحة الناس أو انشغالهم بمآكلهم ومشاربهم.
11- الحذر من أن يغلب في الحج جانب الترهيب والتخويف، فالحج ميدان الترغيب والفأل، فلا تكثر من موضوعات الموت، القبر، التكفين، التغسيل، النار، بل تركز على المغفرة، الجنة السعادة، الفأل الحسن..... هكذا نصوص الحج.
برنامج يومي مقترح للداعية:
بعد صلاة الفجر:
1- قراءة لكتاب الله، أو حفظ شيء منه، ويكون الجميع على مجموعات بحسب المكان، والمستوى والعمر- نصف ساعة -.
2- شرح حديث يهم المرأة - ربع ساعة -.
3- منسك اليوم.
4- راحة حتى الإفطار.
5- مسابقة - ربع إلى نصف ساعة -.
6- جلسة أسرية بحسب المستوى ( موضوع يهم المرأة ) - ربع إلى نصف ساعة -.
7- راحة حتى الظهر.
بعد الظهر:
1- مقالات منوعة من المشاركات في المخيم، مثل حكمة وشرحها، قصة وتعليق، مشكلة وحل - حتى الغداء -.
2- بعد الغداء راحة حتى العصر.
بعد العصر:
1- درس عام أو أسئلة وأجوبة - نصف ساعة - ويستثنى يوم عرفة للتفرغ للدعاء والذكر، ويؤكد على ذلك.
2- وبعده تترك كل واحدة وشأنها ( قراءة قرآن، مطالعة، ذكر...........الخ).
بعد المغرب:
1- محاضرة عامة وفي الغالب مشتركة مع الرجال.
بعد العشاء:
1- كلمة ( تكون استعدادًا لأعمال الغد ).
2- عشاء ونوم.
ملاحظات:
* كل مخيم له ظروفه فينسق البرنامج بحسبه.
* توزع جوائز كل يوم بيومه.
* يلاحظ أوقات الرمي والطواف، فلا تشغل ببرامج جماعية.
* تهيئ الداعية الكتب اللازمة، ومنها:
في العقيدة: الأصول الثلاثة وشرحها، وأحد شروح كتاب التوحيد.
في الفقه: صفة الصلاة لسماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله -، والملخص الفقهي الشيخ صالح الفوزان.
في الحج: التحقيق و الإيضاح لسماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله -، ودليل الحاج والمعتمر، وفتاوى اللجنة الدائمة.
في الحديث والأخلاق والسلوك: رياض الصالحين، الأربعون النووية، زاد المعاد.
فيما يخص المرأة: أحكام تخص المرأة، فتاوى النساء.
مطويات :عن أعمال الحج....... وغيرها.
هذه إشارات لعلها أن تكون معينة للداعيات في هذه الأيام الفاضلة ونافعة للجميع، رزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول والأعمال، والسير على هدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتقبل من الجميع حجهم وأعمالهم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أعدها:
المعهد الشرعي للبنات
مؤسسة الحرمين الخيرية.
==============
المرأة والحج
د. رقية المحارب .
نستقبل قريباً موسماً عظيماً من مواسم الطاعة، تتجلى فيه معاني التوحيد الخالص في أروع صوره، وتظهر فيه من أسرار هذا الدين وشموليته ما فيه زيادة لإيمان أولي الألباب, ففي حجة الوداع كان ملفتاً للنظر وصية الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً والتذكير بحقوقهن ومكانتهن، وهذا التوجيه في هذه المناسبة الحاشدة، التي حضرها أكثر من 100 ألف، فيه بيان للمسلمين في كل زمان ومكان أن هذا الدين هو الذي تجد فيه المرأة كل ما تحلم به من تكريم، وإعلان عالمي لحقوق المرأة دونه كل إعلان..
ما أجمل أن يعلن خطيب عرفة أمام هذا التجمع العالمي الرؤية الإسلامية العادلة لقضية المرأة، وما أعظمها من فرصة حيث تنقل الخطبة إلى كل مكان بالصوت والصورة مترجمة إلى كل اللغات الحية, وفي وقت تقام فيه الاحتفالات والفعاليات والمؤتمرات للمطالبة بحقوق المرأة بمناسبة يوم تحرير المرأة الذي لا يفصله عن يوم عرفة إلا خمسة أيام؛ فإن المرأة المسلمة تأمل من هذا التجمع الإسلامي العالمي أن يطرح قضيتها ويضع النقاط على الحروف لأكثر من ستة بلايين من البشر يعيشون هذه اللحظة.
تتجلى في موسم الحج العظيم معاني التوحيد الخالص في أروع صوره، وتظهر فيه من أسرار هذا الدين وشموليته ما فيه زيادة لإيمان أولي الألباب، ففي حجة الوداع كان ملفتاً للنظر وصية الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً والتذكير بحقوقهن ومكانتهن، وهذا التوجيه في هذه المناسبة الحاشدة (التي حضرها أكثر من مئة ألف) فيه بيان للمسلمين في كل زمان ومكان أن هذا الدين هو الذي تجد فيه المرأة كل ما تحلم به من تكريم، وإعلان عالمي لحقوق المرأة دونه كل إعلان..
ما أجمل أن يعلن خطيب عرفة أمام هذا التجمع العالمي الرؤية الإسلامية العادلة لقضية المرأة، وما أعظمها من فرصة حيث تنقل الخطبة إلى كل مكان بالصوت والصورة مترجمة إلى كل اللغات الحية، وفي وقت تقام فيه الاحتفالات والفعاليات والمؤتمرات للمطالبة بحقوق المرأة بمناسبة يوم تحرير المرأة الذي لا يفصله عن يوم عرفة إلا خمسة أيام، فإن المرأة المسلمة تأمل من هذا التجمع الإسلامي العالمي أن يطرح قضيتها ويضع النقاط على الحروف لأكثر من ستة بلايين من البشر يعيشون هذه اللحظة.
وهنا أتساءل: ماذا أعدت المرأة الداعية القادمة للحج؟ ماذا في ذهنها من هموم وقضايا تطرحها على أخواتها؟
وماذا أعد الرجل الداعية أيضاً لأخته المسلمة مهما كانت لغتها ولونها وبلدها؟ وماذا أعدت مؤسسات الإصلاح للإفادة واستغلال هذا التجمع الفريد؟(7/27)
هل يمر هذا الموسم العظيم على المسلمين دون أن يستثمر؟ وهل تمضي السنون وتجئ الجموع تلو الجموع وتذهب دون أن يضاف إلى الرصيد المعرفي والإيماني شيء؟ ودون أن يتم التعارف الأخوي الذي يزيد الإيمان؟ وكيف يغيب عن ذهن المسلمين استثمار هذا الحشد الكبير في تأصيل الانتماء والحرص على سلامة النهج؟
إنني أرى أنه يتعين على أهل الخير عمل الكثير وتطوير التعامل مع هذا الحدث بما يليق به,فالواجب أن تهتم المرأة والرجل ومؤسسات الإصلاح في كل البلاد الإسلامية بهذا الموسم العظيم فتعمل جاهدة على استثمار كل دقيقة منه.. إنه من الخسارة أن تذهب الداعية للحج ولا تضع في ذهنها - مثلاً - بث الخير في النفوس بالكلمة الطيبة والوجه الباسم والحرص المخلص على معنويات صاحباتها في هذه الرحلة الإيمانية المباركة,وليس بالضرورة أن يكون كل وقت الرحلة دروساً ومواعظ، بل يكون للقاءات الاجتماعية الناضجة التي تقرب النفوس وتعزز التعارف دور في مستقبل علاقات إيمانية طيبة يتم فيها التعاون على نشر الخير، وأيضاً يكون للصلاة وقراءة القرآن والقراءة في الكتب النافعة نصيب، وتكون أيضاً فرص للتخفيف عن النفوس بالمسابقات الثقافية والبرامج المختلفة.
إن هذه الأفكار ينبغي على الحجاج مراعاتها، وخصوصاً الأخت الداعية، ومن ذلك: مراعاة ظروف الأخوات، فيختار الوقت الذي يناسب الجميع، وأن لا يثقل بالموعظة؛ فإن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة.
ومن المهم أيضاً - بجانب الحديث عن أمور الحج - الحديث عن بعض القضايا التي تهم الناس في حياتهم اليومية بالقدر المناسب.
المهم أن لا تمضى الأوقات في غيبة أو نميمة أو كلام لا يعود بالخير على القلوب، والمهم كذلك أن تستشعر المرأة المسلمة أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وأن الحج المبرور هو الذي لا يرتكب فيه صاحبه معصية مهما صغرت, ومما يساعد على ذلك:
أن تشغل النفس بالطاعات الظاهرة والباطنة، ولاسيما أعمال القلوب من الإخلاص والتوكل والخشوع والإنابة والتوبة النصوح، فإن القلب متى ما اشتغل بالحق لم يجد الشيطان ثغرات يدخل منه ليسول له المعصية,وأيام الحج كلها معدودة فيا لخسارة من ضاعت عليها! ويا لسعادة من وفقت لاغتنامها وملئها بالنافع من القول والعمل.
تذهب الأخت فتلتقي ضمن الحملة بأخوات لم يجمعهن في هذا المكان إلا إيمان بالله ورسوله ولم يحركهن إلا ابتغاء رضا الله؛ فيأتي التعارف محققاً للرابطة الإيمانية ومذكراً بأخوة العقيدة التي دونها كل صلة من قربى أو غيرها , وتتعود الأخت كذلك تحمل المشقة وتستشعر الاحتساب وأن لا يكون تحملها عادة أو موافقة لزميلاتها أو خشية نقدهن.. بل يكون هاجسها مراقبة الله وتذكر أخواتها المسلمات اللاتي يتعرضن إلى التشريد والجوع والتعب فتدعو لهن وتسأل ربها أن لا يكون ما هي فيه من نعم استدراجاً.
والأخت الداعية عليها مسؤولية تذكير أخواتها بهذه المعاني بمختلف الوسائل، كما تحرص على التلطف على المشاركات، فهذا أعظم مدخل على القلوب وأحرى بالتأثير.
ومن عظيم ما يجب على الداعية : التزود بالفقه، لا سيما في الأمور التي يكثر الاستفتاء حولها كمسائل الحج والطهارة والصدقة، ولكن ينبغي الحذر من الفتوى بلا علم.
والحج ضمن حملة منظمة تتوفر فيها كل أسباب الراحة فرصة كبيرة للدعوة والتأثير على الناس؛ ولذا فإني أتمنى من أصحاب الحملات أن يحرصوا على استقطاب الداعيات المتمكنات حتى يستفيد النساء ويتعلمن آداب الحج وأعماله اليومية, والداعية الذكية تستغل هذه الأيام التي تقبل فيها النفوس لتؤصل العقيدة في النفوس، وتسعى جاهدة لتقنع المؤمنات بضرورة الثبات والإقبال على شريعة الله أثناء الحج وبعده، وتجتنب مخالفة الحكم الشرعي.
إن من الخطأ - في رأيي - اهتمام حملات الحج بالطعام والشراب وتوفير وسائل الراحة - وهي مطلوبة - والغفلة عن العناية بتوفير الأجواء المناسبة للإفادة القصوى من هذا التجمع النادر,وأملنا أن نسمع هذه السنة في خطبة عرفة مناقشة لما يشغل المسلمين من مستجدات، وتوجيه للمرأة على وجه الخصوص، وتوجيه للرجال بالإحسان إلى النساء وحسن معاملتهن والقيام بالأمانة التي حملهم إياها رب العالمين,ومتى ما توافر كل هذا - مع تواص على الخير، وتعاهد على الالتزام بأوامر الله عز وجل أثناء الحج وبعده - ؛ تحقق الهدف من هذه الرحلة الطيبة، ورجعت المؤمنة بنفس قد ملئت من معاني الإيمان ما لم يكن لها على بال!
المصدر : لها أون لاي
================
التئام الفجوة بين المرأة والدعوة
أ.عبد الفتاح الشهاري
الدعوة إلى الله رسالة سامية، ومهمة راقية، قلما يجيدها إنسان ويقوم بها على الوجه المطلوب، مراعياً في ذلك أصول المهمة الربانية، وأساسات الرسالة السماوية المنطلقة من قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(107) سورة الأنبياء .
إن الدعوة إلى الله طريقٌ وعر، مسلكه خطر، يحتاج لمن يرتاده صبرٌ وتصبّر، يحتاج لمن يسلكه بصرٌ وبصيرة، فهو طريق محفوف بالمشقات، مرصوف بالعقبات، على طرقاته يميز الله الخبيث من الطيب، والطالح من الصالح، والداعي من الدعي، وعلى طرقاته تستبين خفايا النفوس، وما استقته في حياتها من علمٍ ودروس.
تلك هي الدعوة إلى الله في عمومها فكيف لو أن من حمل هذا العبء إنساناً من أرق مخلوقات الله شعوراً ومشاعر، داعية تحمل بين جنباتها روح الأم والأخت والزوجة والشقيقة والابنة، تحمل روحاً شفافة كالزجاج، صدرها يملؤه العطف والحنان، وقلبها يفيض حباً وأمان.(7/28)
هي المرأة التي أرادها الأدعياء أن تتحلل عن قيمها من بوابة المساواة والحقوق، وأن تتسلل عن أخلاقها لتقع في رذيلة الشر والعقوق، فكان التحدي أمامها جبالاً من التحدي والصمود، إما أن تثبت فيه فتقلب السحر على الساحر، أو تهوي إلى منزلقٍ من التفسخ بلا قيود.
إن الدعوة علاوة على ما ذكرناه في عمومها إلا أنه على وجه الخصوص في حال الوسط النسائي يكتنفه العديد من الإشكالات والمعوقات، من أبرزها: قلة عدد النساء الداعيات، وصعوبة التوفيق في أغلب الأحوال وخاصة في إطار المتزوجات بين عمل الدعوة والقيام بشؤون المنزل وحقوق الزوجية، ومنها أيضاً صعوبة التنقل وتقييد الحركة في التحرك من مكانٍ لآخر، وصعوبة إلقاء الدروس إلا في تجمعات بعينها وبترتيب مسبق في معظمه بخلاف ما هو لدى الرجل من إمكانية القيام وإلقاء الخاطرة في أي وقت شاء وأي مكان يشاء، ومن ذلك انصراف الفتيات على وجه الخصوص إلى التأثير الخطير للفضائيات وما يعكسه هذا التأثر من معالم واضحة تبدو في مظهرها الخارجي على الفتاة ناهيك عن المخبر والأخلاق.
ولهذا فإن من أولى مهام المرأة الداعية ألا تغفل نصيبها من العلوم والمعارف والأخذ بكل ما هو نافع ومفيد فهي تتعلم وتعلم وتقوم بالدعوة إلى الله بالوسائل والطرق التي تتناسب مع طبيعتها كامرأة.
ولو تتبعنا تاريخ المرأة الإسلامي لوجدنا أن المرأة المسلمة ضربت أكبر المثل والقدوة لبنات جنسها في علمها وأدبها وحرصها على تلقي العلم من منابعه الأصيلة والعمل به ، وقد ضربت لنا عائشة رضي الله عنها أروع المثل في إقبال المرأة المسلمة على التعلم فقد كانت رضي الله عنها تمتاز بعلمها الغزير الواسع في مختلف نواحي العلوم كالحديث، والطب، والشعر، والفقه والفرائض.
قال الإمام الزهري عنها :"لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضله".
وقال هشام بن عروة : "ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا بشعر من عائشة " ,وكانت رضي الله عنها شديدة التمحيص والتنقيب فقد ذكر المزي : ـ أنها كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه ، كما أنها تعد من رواة الحديث المكثرين وبقيت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أنموذجا رائعا لبيت النبوة تفتي وتعلم وتنشر دين الله .. حتى كانت عضدا للخلفاء والأمراء من بعده صلى الله عليه وسلم.
إن على المرأة أمام العوائق والمشكلات التي أجملناها سابقاً تحدياً واضحاً وصعباً يحتِّم عليها أن تكون على قدر المسؤولية في معالجتها وتجاوزها، وإن حرص المرأة على مشاركة غيرها من النساء في الدعوة إلى الله حتى مع وجود شيء من التقصير أمرٌ لازم ومطلب ضروري يضع القدم في أول طريق الحلول الناجعة، فلا يشترط في الداعية الكمال، وإلزام الإنسان نفسه الوصول إلى الكمال حتى يمارس الدعوة هو مدخلٌ من مداخل الشيطان يسعى به إلى تثبيط الهمة، وإلى التسويف والتأجيل حتى تفقد المرأة بذلك عزيمتها نهائياً,بل إن من الذكاء والفطنة وحسن التقدير أن تستغل المرأة خطأها ليكون مدخلاً يجعلها أن تقدم ذلك الخطأ نموذجاً ضمن نماذج الأمثال السلبية التي تضعه أمام النساء من باب العظة والعبرة ومحاولة إيجاد الحلول المشتركة للخروج منه وتجاوزه، فمن الخطأ الفادح أن تظن المرأة بأن وقوعها في معصية لا يسوغ لها أن تدعو إلى النهي عنها، بل عليها أن تنهي عن المعصية حتى ولو كانت واقعة فيها، وتأمر بالمعروف وإن كانت تاركة له مع جهاد نفسها بصدق على معالجة ذلك القصور.
إنه من المهم فعلاً إيجاد جيلٍ من الداعيات يتشربن الدعوة ماءً يجري في عروقهن أنى كن وفي أي موضعٍ كن عليه طالبات، أو عاملات، أو سيدات أعمال أو ربات بيوت، فالدعوة إلى الله لا يحدها حد، وليس لمجالاتها إحصاء ولا عد, وعلاج الأمر كله تنظيم الوقت وترتيب الأولويات، فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية إذا صارهناك تعارض.
فالمرأة العاقلة المخلصة لا يمكن لها أن تهمل زوجها وبيتها وأولادها بحجة أنها مشغولة بالدعوة، والأمر في هذا للرجل أيضاً فليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده، بحجة أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتبًا يعينها وزوجها، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي هي فيه على ثغر من ثغور الإسلام، يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فإذا ضاقت عليها الأوقات، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى أخريات يتحملن معها المسؤولية، وتقوم هي بدور التوجيه والإشراف.
إن مما يجب عمله والتسليم به السعي في سبيل نشر الدعوة إلى الله وإلى اتباع الأخلاق الفاضلة التي هي ركن مهم من أركان رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" كل ذلك السعي والكفاح ليس وقفاً على الرجل بمفرده، بل إنه يحتاج عملياً إلى المرأة الداعية التي تؤازره وتسانده بما تملك من أسرار وخبايا النساء مثيلاتها، ولما يشكله قربها منهن إلى تلمِّس أعمق وأكبر لمشاكلهن وهمومهن ومعايشة واقعهن.(7/29)
وأمام ما هو حاضر معاشٌ الآن من تفسخٌ أخلاقي نتيجة الغزو الإعلامي والثقافي والفكري على مجتمعاتنا الإسلامية يكمن سر نجاح المرأة الداعية، ويكمن حجم العبء الملقى على عاتقها في سبيل تخطي كل هذه الحواجز والمعوقات.. ورغم ما يحيطها من أصحاب القلوب المريضة من محاولات لتثبيط نجاحاتها والمضي في طريقها إلا أن الواقع المعاصر الآن يؤكد لنا أنها بالفعل أصبحت على ذلك القدر من المسؤولية التي تبعث على التقدير والاعتزاز وأنها بحق قد استطاعت وبكل صمود أن تكسر مساحات الفجوة وتخترق كل مجالات الدعوة.
============
لمسة .. وكفى
بقلم / د. فهمي النجار .
دخلت المعلمة الجديدة قاعة الصف الأول الابتدائي وكل أملها أن تكون معلمة ناجحة ومفيدة لتلميذاتها.. وقد استقبلنها التلميذات الصغيرات بالتحية، وقد أبرقت أسرتهن فرحاً بها.. ماعدا تلميذة كانت منزوية في مقعدها، لم تشارك التلميذات بالترحيب بمعلمتهن الجديدة.. فلاحظتها المعلمة واقتربت منها، وكانت طفلة جميلة، غير أن شعرها لم يكن مصففا، ويبدوا على وجهها آثار الحزن والقلق والتوتر.. فمسحت المعلمة شعر التلميذة الصغيرة بلطف وود.. فرفعت الطفلة يد المعلمة، وكأنها محتجة على هذا التصرف.. فتركتها المعلمة.. حتى تعلم قصتها من الإدارة المدرسية ومن معلمة الصف السابقة.. وعلمت بعد ذلك أن الطفلة يتيمة الأب، وتعيش مع خالتها بعد زواج أمها.. مما أثر في نفسيتها ومن ثم في سلوكها، فأصبحت انفعالية، متوترة وأحيانا عدوانية تجاه زميلاتها..
وهنا تذكرت المعلمة – والتي تربت تربية إسلامية – سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم اللطيف الحنون تجاه الأطفال بخاصة، وكيف كان يسلم عليهم، ويشعر بشعورهم، وتذكرت موقفه من أحد أطفال الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والذي مات عصفوره الصغير وحزنه عليه وقوله صلى الله عليه وسلم له: ( يا أبا عُمَيرْ ما فعل النُغَيْر ).. وكيف كان رسولنا العظيم يمسح على رؤس الأطفال ويلاطفهم.. وحضَّ المسلمين هذا السلوك ( فعن يوسف بن عبد الله بن سلام يقول: أجلسني رسول الله في حَجْرِه، ومسح على رأسي، وسماني يوسف ).1
(وعن أبي إياس قال: جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير، فمسح رأسه واستغفر له ).2
هذه اللمسات المباركة الحنونة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنحهم البركة، وتشعرهم بالاطمئنان، وتزرع في أنفسهم الحب تجاه اللامس..
أقول:
تذكرت المعلمة هذه القيم الإسلامية العظيمة.. فبدأت تحنو على الطفلة وتمسح رأسها، وتلمس يديها.. حتى اطمأنت الطفلة لها، وأحبتها.. و أخذت تنزع التوتر من نفسها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت طفلة سوية تحب من حولها من الأطفال، وتجتهد في دراستها..
وقصة المعلمة المسلمة ذات اللمسات الرقيقة الحانية درس بليغ للداعيات إلى الله.. يتعلمن منها طريقة الولوج إلى قلوب الأخريات صغيرات وكبيرات.. وكيف يكسبن عقولهن وأفكارهن.. في ظلال من الرحمة والحنان..
وهل المصافحة بين الأحباب والأصدقاء والصديقات إلا هذه اللمسات التي تزرع الحب والائتلاف بين المؤمنين.. وتثمر لقاء الأرواح بينهم.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الأرواح جنود مجندة، ما تلاقى منها ائتلف وما تناكر منها اختلف..).
وقد ورد في السنة النبوية الشريفة استحباب المصافحة عند اللقاء، فعن أبي الخطاب قتادة: ( قلتُ لأنس : أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ).3
وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من مسلمَين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يفترقا).4
وفي المقابل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التباغض والتقاطع بين المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ).5
و في أخلاق الإسلام آداب عديدة لبناء المجتمع المسلم المتحاب، المتواصل، هذه الآداب عندما تمثلت لدى المؤمنين وأصبحت واقعاً في حياتهم، وفي سلوكهم كانوا لها دعاة إلى الله، ونشروا الإسلام في أقاصي الأرض..
ويقابل هذه الأخلاق العظيمة، سلوك الشحناء بين الناس، والتباغض.. و السباب..إلخ التي تنتج عن الانفعال والغضب الشديد الذي لا مسوغ له بين المسلمين، والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً.
وهذا يقودنا إلى التعرف على السلوك الانفعالي من الناحية النفسية ( السيكولوجية) وخطره على سلوك الداعية، ومن ثم نتوصل إلى السلوك العقلي الإرادي، والتصور الإسلامي الصحيح لهما..
- لنسأل أولاً: ما السلوك الانفعالي ؟
- وقبل ذلك : ما هو السلوك ؟
يعرف علماء النفس السلوك بأنه المظهر الخارجي لنشاط الكائن الحي، وخاصته الأساسية هي الحركة؛ الناتجة عن تغيرات داخلية وخارجية تسمى المنبهات..
فهو إذاً نشاط جسمي أو عقلي أو اجتماعي أو انفعالي يصدر من الكائن الحي نتيجة التفاعل بينه وبين البيئة..
وفي التصور الإسلامي:
السلوك عمل له بواعث وأهداف، ويسمو السلوك بمقدار هذه البواعث والأهداف..
ونلحظ الاختلاف بين نظريات السلوك في علم النفس الغربي والسلوك في التصور الإسلامي.. في ماهية السلوك.. فالمذاهب السلوكية ترى الكائن الحي آلة معقدة، وتدرس سلوكه كما تدرس آلة لا عقل لها ولا شعور، أما العوامل النفسية الباطنية كالإرادة والتفكير فلا أثر لها في الفعل أو النتائج.6(7/30)
وهكذا فإننا نتوصل إلى أن الكائن الحي – في التصور الإسلامي – تحركه عوامل ودوافع داخلية فضلاً عن المنبهات الخارجية.. ويختلف سلوكه بحسب استجابته للمنبهات ولبواعثه وأهدافه.. وأعلى درجة له هو السلوك العقلي الإرادي، الذي يصدر باختيار الإنسان، وهو سلوك هادئ رزين، وهناك السلوك الانفعالي.. الذي يعرفه العلماء بأنه تصدع واختلال بالسلوك.. و من مظاهره الغضب الشديد، والخوف، والبكاء الشديد، والضحك الهستيري.. و كلها انفعالات لا يسيطر عليها العقل ومن ثم الإرادة..
وفي التصور الإسلامي نجد أن السلوك أو العمل الذي يقوم به المسلم، من الفضائل المحمودة إن كان هذا السلوك صالحاً أو خيراً، ودون هذا السلوك يفتقد الإنسان أهم خصائص إعمار الدنيا.
والسلوك الصالح في الإسلام هو نتيجة الإيمان الصادق لدى المسلم، ومن هنا اقترن الإيمان بالعمل في الآيات القرآنية في ( 69 ) موضعاً ومن هذه الآيات:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}الكهف/107
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمِْ} يونس/9
و سلوك الإنسان المسلم وعمله في الحياة هو مجال الاختبار والامتحان الإلهي:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}الملك/2
لنعود الآن إلى مفهوم السلوك من الناحية النفسية في التصور الإسلامي حتى نؤكد أن علماء الإسلام درسوا الإنسان نفسياً وعقلياً، بل سبقوا علماء الغرب في ذلك بقرون عدة..
فهذا ابن تيمية – رحمه الله – الذي درس الإنسان بعمق، يؤكد لنا أن السلوك والعمل ينتج عن الإرادة الحرة، الاختيارية في الإنسان، يقول في كتابه – درء تعارض العقل والنقل - :{فإن الإنسان حساس متحرك بالإرادة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (أصدق الأسماء الحارث وهمام ) فإن الإنسان لابد له من حرث وهو العمل والحركة الإرادية، ولابد له من أن يهم بالأمور، منها ما يهم به ويفعله، ومنها ما يهم به ولا يفعله، فإن كان المراد موافقاً لمصلحته كانت الإرادة حسنة محمودة، وإن كان مخالفاً لمصلحته، كانت الإرادة سيئة مذمومة، كمن يريد أن يضر عقله ونفسه وبدنه}.7
ونفهم من قول ابن تيمية – رحمه الله – أن الإسلام يحض على السلوك الإرادي العقلي أو السلوك المتزن البعيد عن الانفعال، والذي يحقق الخير للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة.
أما السلوك الانفعالي الناتج عن اختلال الإرادة فليس فيه مصلحة ولا خير، بل فيه مضرة كبيرة للبدن والعقل والنفس ويهبط بالإنسان إلى درجة دون درجة الإنسان العاقل.
ونجد هذا التصور أيضاً عند أبي حامد الغزالي – رحمه الله – حيث يميز بين مستويين من السلوك، مستوى يقترب فيه من باقي الكائنات الحية، ويتميز هذا السلوك بتحكم الدوافع والعوامل الاندفاعية.. ومستوى آخر يحقق فيه مثله العليا، ويقترب فيه من المعاني الربانية، ويتميز هذا السلوك بتحكم الإرادة وسيطرة العقل.8
وهكذا نجد أن الغزالي يَصِم السلوك الانفعالي بالهبوط نحو الحيوانية التي تتحكم فيها الغرائز والأهواء المتعددة - وهو يقصد هنا السلوك الانفعالي الشديد - .
ونتوصل أخيرا إلى آثار السلوك الانفعالي الشديد على الجسم والعقل والسلوك..
- أما آثاره في الجسم فتظهر بتغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف، واضطراب الحركة والكلام، وخروج الانفعال بعامة عن الاعتدال.
- وأما آثاره في العقل، فيكون بتعطل النشاط الذهني والتفكير بعامة؛ وهو يخرج الإنسان عن دائرة العقل و الشرع، فلا يبقى به بصيرة أو فكراً أو اختياراً.
- وأما آثاره في السلوك فتظهر باندفاع الفرد إلى القيام بأعمال تختلف درجتها باختلاف درجة الانفعال.
فإذا كان الانفعال معتدلاً، كان مُنَشِطاً، ويقوم بوظيفة حيوية مهمة في عملية الدفاع عن النفس، وحفظ البقاء، لذا ميز العلماء بين سلوك منفعل وسلوك غير منفعل، والفرد الذي يفقد انفعال الغضب بشكل كامل يعد إنساناً ناقصاً..
وقد صدق الإمام الشافعي – رحمه الله – حينما قال: (من استُغضب ولم يغضب فهو حمار) فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص.9
أما إذا كان الانفعال شديداً، نتج عنه آثار سلوكية ضارة في الفرد وضارة في المجتمع.
أما الآثار السلوكية في الفرد على مستوى الفرد فهي الصوت المضطرب المرتفع والتلفظ بألفاظ غير أخلاقية، وقد يتعدى ذلك استعمال الأيدي والأسلحة.. و ارتكاب الجرائم..
من هنا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الانفعال فقال لمن سأله أن يوصيه بقوله: ( لا تغضب ...) كررها ثلاثاً.
وأما أضرار الانفعال على مستوى المجتمع فإنه يفسد العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع؛ حيث تكثر المشاحنات والخلافات بين الناس.
وعودٌ على بدء فنقول مرة أخرى:
لو أن المعلمة الداعية قابلت التلميذة التي وجدت فيها شذوذاً في السلوك والأخلاق بالانفعال والغضب منها، أو صاحت بوجهها ونهرتها.. لزادت حالة الطفلة سوءاً، ولحقدت على المجتمع كله، وتحولت إلى إنسانة غير سوية نفسياً وتربوياً..
و لكنها قابلتها بعقل هادئ وأخلاق إسلامية ملتزمة.. فضلاً عن العطف والحنان الذي امتلأ قلب المعلمة بهما..
وبهذا الأسلوب المِعطار في المعاملة.. أنقذت الطفلة من شعورها الحاقد على الآخرين، تجاه ما لاقته من البيئة المحيطة بها.. وحولتها بتوفيق من الله إلى فتاة صالحة في المجتمع..(7/31)
وهكذا كانت اللمسات من المعلمة أبلغ بكثير من الكلام الكثير والثرثرة غير المؤثرة.. ولذا يحق لنا أن نقول أخيراً: لمسة وكفى..
والحمد لله رب العالمين.
-----------------
1) مسند الإمام أحمد – رقم (16521)
2) مسند الإمام أحمد – رقم ( 16358 )
3) رواه البخاري ( 11 / 46 ).
4) رواه أبو داود- برقم 5213
5) متفق عليه.
6) الدراسات النفسية عند المسلمين – د. عبد الكريم العثمان – صفحة : 159
7) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية – الجزء الثامن – صفحة 457
8) إحياء علوم الدين للغزالي – الجزء الرابع – صفحة 164
9) المرجع السابق – صفحة 10
=============
أركض برجلك فوالله لن تعدو قدرك
"بين الانهزامية والانحطاط"
د. عبد الملك بن يوسف المطلق
الحمد لله الذي أعز الإنسان بطاعته وأكرمه، وأحسن صورته فأبدعه ، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير، نبراس الأمة ومنهاجها وبعد:
فإن الإنسان متى ما أراد الحصول على حاجته ومبتغاه نجده يركض ويسرع بالوصول إلى ذلك، وكأن السعادة قد فارقته وأزالت النوم عنه؛ ولن تأتي هذه السعادة إلا بتلك الحاجة - ومع تحفظي على هذا الحرص وهذا الإسراع حتى ولو كان مباحاً- إلا أنني أقف وقفات عدة مع هذا الذي يتخطى رقاب الآخرين راكضاً إلى حاجته مضراً بأمته فأقول:
كيف يفقه من كانت هذه حالته: أن الجرأة على أمن الدولة وسوارها يكون عقابه فضيع وفضيحته أفضع ! أم كيف يفقه هذا أن الجرأة على دين الله وحرماته يكون عقابها أليم شديد، دائم مادامت السماوات والأرض، قال تعالى :(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ )(107) سورة هود، بل كيف يهنأ في عيش رغيد وماله مكتسب من خلال إفساد الناس؟ أم كيف ينام قرير العين ودعاء الغيارى على دين الله يصول ويجول في أوقات السحر، وعند نزول ربنا سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا – على الوجه الذي يليق بجلاله - كما في الحديث الذي أخرجه مسلم(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له).. فيا سبحان الله ! إن المتأمل في أحوال الذين تجرؤا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أنهم يتصفون بالانهزامية النفسية والانحطاط الفكري الشديد حتى ولو أعجب عملهم وفعلهم البسطاء والغوغائيين من الناس: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (4) سورة المنافقون.
ومن المعلوم أن الهزيمة النفسية تعد سقوطاً حضارياً فضيعاً لا يضاهيه أي نوع من الهزائم ، ويكمن هذا السقوط في كونه استعماراً للعقول والقلوب، ينتج عنه فساد لخيرات الأرض ومقدراتها، وفساد للدين والعبادة التي خلقنا من أجلها، قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات.
إن هذا الركض وهذا التسارع في النيل من أمر الدين سواء كان استهزاء معنوناً بالإصلاح ؛ ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب أو كان ذلك لتحقيق أهداف مرسومة مبطنة بإضحاك الناس والتفريج عنهم, أو كان ذلك مصارحة مكاشفة؛ كما فعلت ذلك بعض الدول والأقليات المبرمجة من الدول الطاغية المهيمنة، لهو نذير شؤم وفتنة قد أطلت برأسها تتحدى من يقطفها ويمحو أثرها عن الوجود. وأما الأقزام الذين لا يعرفون مآرب من شجعهم على التنقص من هذا الدين، ولا يعرفون ما صنعت أيديهم من الفساد والخراب؛ وما سبب ذلك لهم - من الناس المعتدلين - كرهاً وحقداً يثور؛ فلسوف يعلمون ويتدبرون - في يوم لا ينفعهم العلم والتدبر- ما بينه الله تعالى في قوله :(قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ) (38) سورة الأعراف,وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)(97) سورة النساء.
إن كل إنسان يعيش على هذه البسيطة يجب عليه أن يرسم لنفسه منهجاًً وسبيلاً في حياته ليسير عليه، فتثبت خطاه ولا يزيغ,وهذا المنهج وفق حدود الله، قال تعالى :(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(108) سورة يوسف.
فمما لا شك فيه أن تحديد الغايات والأهداف لأي عمل كان، يعد ضرورة من الضرورات الحياتية المستأجرة والمنتهية بالتمليك! قال تعالى:( َلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(73) سورة الأنعام, ولهذا يجب وضع الاستراتيجيات والخطط التفصيلية التوضيحية لتحقيق هذه الغايات وتلك الأهداف المرسومة فتتحدد السبل وتتحدد الطرق التي ينبغي أن يسير عليها كل فرد مسلم يعلم أن الدنيا طريق الآخرة.(7/32)
وليتنبه إلى أن من أهم الأسباب التي أدت إلى التخبط في الخطى والهزيمة النفسية هو بعد الكثير من المسلمين عن دينهم فجهلوا حقيقته وحقيقة الواقع الذي يعيشونه، فأصابهم الضعف والهوان مما أنتج انحطاط وتخلف لدى كثير من الناس عامة ومن الشباب خاصة؟!
فالشاب إذا كان يشحن بهذه التفاهات وسفاسف الأمورفكيف يرجى منه نتاج نرتفع به ونرفع من عجزنا عند الكبر!! وليعلم الجميع أن الكيف مقدم على الكم وإلا لأصبحنا نعيش زمن ( الغثائية) التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل" فلو تساءلنا عن الغاية التي يرجوها من سخر نفسه لإضلال الناس وإظهار الانحدار الفكري العجيب؟! لوجدنا أن الجواب لا يعدو أن يكون حفنة من التراب- المال- سوف يسأل عنه يوم القيامة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم) ولم يقتصر على ذلك فقط, بل تمادى فصور هذا الانحدار بصورة مقززة تجعل من الناظر والسامع يحتار فيتساءل في داخله ويقول: ألهذا تحتقر عقولنا وتهان أسماعنا؟! ولهذا تشوه صورتنا أمام الناظرين من القريبين والبعيدين؟! فكيف يكون هذا؟ ونحن نعلم أن القائمين على هذا البلد المبارك – حفظهم الله ووفقهم لكل خير- قد أدركوا أهمية وجود السياسة التوعوية العامة للمجتمع، بقسميه العام والخاص، تنبثق من ديننا الحنيف والذي يدينون به فكراً ومنهجاً وتطبيقاً, فهل مللنا النجاح والخيرات والأمن في حياتنا من قبل حتى يترك هؤلاء يعبثون كما يشاءون بلا احترام ولا تقدير؟ وكأن مجتمعنا محدودو العقل؛ وعلى خط سواء يتحد فيه كبيرهم وصغيرهم,عالمهم وجاهلهم! فلا مصلحين ولا منظرين ؟ ولا جادين ولا مفكرين؟ إنما هم علب فارغة يجب ملؤها بأي شيء كان ومتى كان!!
إخواني الأعزاء:
إن الناصح الأمين ليدرك أن هؤلاء على قسمين:
1) إما جاهل يحتاج إلى نصح وإرشاد؛ فليكن ذلك بالحكمة التي أرشدنا إليها القرآن الكريم,قال تعالى :(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) سورة آل عمران , فالفظاظة والغلظة والخشونة تنفر الشخص ولا تميل قلبه ولا يتألف؟ بل ربما يزداد عناداً واستكباراً؟ لأن الحكمة وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ هي مفتاح القلوب؛ كما قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (125) سورة النحل, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة) ,والحكمة العالمية تقول ما أخذ باللين لا يؤخذ بالقوة .
2) وإما مكابر ضال أشبه بمن حمل التوراة فتركها وراءه, قال تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (5) سورة الجمعة ,فهذا لا يترك وشأنه؛ بل يرفع أمره إلى ولاتنا حفظهم الله وسدد على الدرب خطاهم ليؤدبوه ويوقفوه وفق شرع الله القويم, ويجب على المصلح أن يكتب عن هذا المكابر الضال ليحذر فينبذ كما ينبذ سقط المتاع,ويقال له أركض برجلك فو الله لن تعدو قدرك المنحط مهما أضحكت البسطاء منك؛ فالعقلاء يضحكون عليك وعلى جهلك, ومهما ظننت أنك بلغت القمة في نظرك الضعيف؛ ففي نظر العقلاء أنت نقمة على حالك وعلى أسرتك وعلى مجتمعك الرصين.
وفي الختام أقول:
كنت في ضيافة الشيخ سليمان بن عبد الله التويجري - حفظه الله - فدار الحوار بيني وبينه حول سن الشاب الذي يعتمد عليه - في تدبير الشئون الحياتية- في الوقت الماضي وفي الوقت الحاضر فقال : إن الشاب اليوم عنده من الإمكانات الحديثة والقدرات العجيبة ما تجعله يفوق الشاب في العهد الماضي وبمراحل عدة؛ ولكن بشرط واحد هو: استغلال هذه الإمكانات وهذه القدرات لتطويره بدل تدميره!!!
فما هو رأيك أخي القارئ الكريم بما قال الخال ؟
=================
عقبات في طريق المرأة الداعية
د.أحمد بن عبدالرحمن القاضي
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد :
فإن من حكمة الله تعالى أن يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشر والخير، فتنة، ليعلم الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين، وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين, ويشتد هذا الابتلاء في حق المؤمنين على قدر إيمانهم، لحكم بالغة، وآثار حميدة.(7/33)
قال صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على قدر دينه،فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة) رواه أحمد، والترمذي،والنسائي،وابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني.
ومن الابتلاء ما يعرض لطالب العلم، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، والداعي إلى الله، من صنوف العوائق والعقبات، التي يستخرج الله بها خبيئة نفسه، ويزكيه بها، إن هو لزم كلمة التقوى، واستبصر، واستعان بمعبوده، للوصول إلى مقصوده، ولم يستسلم لضعفه، أو هواه، بل توكل على مولاه , وفيما يلي جملة من العقبات التي قد تواجه الأخوات الداعيات في طريق الدعوة، وبيان طرائق تخطيها :
أولاً : عقبات ذاتية :
1- الخوف من الرياء :
وهو عائق نفسي ينشأ عن المبالغة في التحسس من الرياء، والخوف من الوقوع في النفاق ، نتيجة لعدم فهم النصوص الشرعية، مع الورع الناشيء من عدم التمييز بين ما تتناوله النصوص، وما لا يدخل فيها , فيفضي ذلك ، لدى كثير من الصالحين والصالحات، إلى ازورار، وانسحاب، وإزراءٍ بالغ على النفس يمنعها من العطاء والمشاركة ؛ بل ربما منعهم ذلك من فعل بعض العبادات الخاصة ،ولابد أن يتيقن المؤمن أن كثيراً من شرائع الدين لا تتم إلا علانية، كالولاية العظمى، والإمامة، والخطابة، والقضاء، والفتيا، والتعليم, ولا بد لهذه الولايات الشرعية، والمناصب الدينية أن ينتدب لها من يقوم بها قدر الطاقة، وإلا تعطلت مقاصد الشريعة، وفروض الكفايات، وأثم الجميع , والواجب على المؤمن والمؤمنة تصحيح نيته الأولى ، وعدم الالتفات إلى المزعجات الشيطانية التي تتلبس بلبوس الورع الكاذب، فتفوت على العبد مصالحه، وعلى الأمة رسالتها .
عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل الخير، ويحمده الناس عليه ؟ قال : ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) رواه مسلم , وقال : ( من سرته حسناته، وساءته سيئاته فذلك المؤمن) رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب , وقال الفضيل بن عياض، رحمه الله : ( ترك العمل من أجل الناس رياء, والعمل من أجل الناس شرك, والإخلاص أن يعافيك الله منهما ).
2- الخوف الاجتماعي ( Social Phopia ):
وهو نوع من أنواع الخوف المَرَضي (الرُّهاب)، وهو : ( الشعور بخوف شديد من شيء معين، عادةً لا تتناسب شدة هذا الخوف مع خطورة الشيء الذي يخاف منه ... وينتشر هذا الرهاب في المجتمعات العربية، ويعتبر الأكثر بين أنواع الرهاب، ونسبته تزيد عن الرهاب البسيط، ورهاب الأماكن المفتوحة. وظهرت عدة دراسات تقول: إن الرهاب الاجتماعي منتشر في المجتمع السعودي, والشخص المصاب بهذا النوع من الرهاب لا يستطيع التحدث أمام مجموعة من الناس، ولا يستطيع مخاطبة مسؤول، وبشكل عام، فإنه يخاف بشدة أن يكون في موقع يكون فيه موضع تقييم، أو محط الأنظار من قِبَل الآخرين ... وعلاج الرهاب يعتمد أساساً على العلاج السلوكي، وكذلك العلاج المعرفي، وبعض الأدوية خاصة الأدوية المضادة للاكتئاب... والعلاج السلوكي في مجمله يعتمد على ما يعرف بالتعريض ,والتعريض يعني أن يقوم الشخص الذي يعاني من الرهاب بمواجهة خوفه ... وأما العلاج المعرفي ...يتلخص في أن يتم تحديد الأفكار الخاطئة التي تمنع الشخص من أن يتصرف بصورة طبيعية، ومن ثم يتعلم كيف يتحدى هذه الأفكار الخاطئة، ويغيرها، أو كيف يتعامل مع هذه الأفكار بصورة إيجابية , وأما العلاج الدوائي فيتمثل في استخدام الأدوية الخاصة بعلاج الاكتئاب ... والأدوية المهدئة ) الخوف وأثره في حياة الإنسان . د. إبراهيم الخضير مجلة أهلاً وسهلاً ص : 97 نوفمبر 97.
3- الخجل :
وهو نوع من أنواع الحياء غيرُ محمود,وأصل الحياء،كما قال الجرجاني: (انقباض النفس من شيء، وتركه حذراً من اللوم فيه ,وهو نوعان : نفساني : وهو الذي خلقه الله تعالى في النفوس كلها؛ كالحياء من كشف العورة، وإيماني : وهو أن يمنع المؤمن من فعل المعاصي خوفاً من الله تعالى ) التعريفات :126.
فالخجل، إذاً، نوع من الحياء يمنع المؤمن من فعل بعض الطاعات، أو من تحصيل بعض المصالح، خوفاً من الخَلق , وقد روى الإمام البخاري، تعليقا، عن عائشة، رضي الله عنها : (نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) ثم ساق بسنده عن أم سلمة،رضي الله عنها، قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غسل، إذا احتلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأت الماء ) 1/41 .
ومن شواهد الخجل المذموم ، عند بعض الأخوات، تخاذلها عن إنكار المنكر في المناسبات العامة، كحفلات الأعراس، ونحوها، وعدم الاحتساب على بنات جنسها في الأسواق والمتنزهات، مما يؤول بها إلى أحد حالين : إما الانسحاب من الحياة العامة، أو استمراء المنكر، وغض الطرف عنه
فينبغي للأخت الموفقة أن تتخطى حواجز الخجل ، وأن تكتسب الجرأة الأدبية، والشجاعة المعنوية ، والدربة على الإلقاء، والمحاضرة، والحوار، والمجادلة بالتي هي أحسن , ولا بأس في هذا الصدد أن تنمي قدراتها عن طريق الالتحاق بدورات المهارات الشخصية ، فإن العلم بالتعلم ، والحِلم بالتحلم .
4- الكسل :(7/34)
عن عائشة ، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم ، والمغرم والمأثم ) الحديث ,متفق عليه , وكان يستعيذ منه في أذكار طرفي النهار؛ فعن عبد الله ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: ( أمسينا وأمسى الملك لله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وفتنة الدنيا وعذاب القبر) وإذا أصبح قال أيضا:( أصبحنا وأصبح الملك لله ) رواه مسلم .
فالكسل آفة توهن النفس، وترخي البدن ؛ فإذا بضحيته يستصعب السهل، ويستطيل الطريق، ويكثرالاحتمالات، ويقع في دوامة التسويف، فيصبح أمره فرطاً؛وعلاجه العزيمة، والتوكل، والاستعانة بالله، وإصلاح التفكير, قال تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)آل عمران: 159 .
- وقال صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ) الحديث ,رواه أحمد وأهل السنن , وقال : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز, وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم , وفيه إصلاح التفكير، أسلوب المواجهة للأمور الماضية والمستقبلة .
ثانياً : عقبات أسرية :
1- الزوج :
يتفاوت الأزواج في تقديرهم ، وتحملهم للدور الدعوي الذي يمكن أن تؤديه أزواجهم , وحين يكون الزوج غير مكترث بقضية الدعوة ، أو أنه مدركٌ لذلك، لكن غير مستعد للتضحية، والتنازل عن بعض حقوق العشرة الزوجية التامة، فإنه حينئذ، يصبح عقبةً في طريق مشروع زوجته الداعية , فينبغي عليها ما يلي :
أولاً : تبصير الزوج بأهمية الدعوة النسائية، وعظيم أثرها على الفرد والمجتمع .
ثانياً : تذكيره بالاحتساب على الله. وأنه بتحمله وتضحيته شريك في الثواب .
ثالثاً : الاجتهاد في تعويضه عاطفياً، وخِدمياً، عن بعض ما يفوته، وعدم إهماله .
2- الأولاد :
للأولاد من بنين وبنات حق التربية والرعاية ,ولا يستقيم أن تشغل المرأة الداعية نفسها بإصلاح بيوت الأبعدين، وبيتها خراب. فينبغي أن تبدأ بنفسها ومن تعول، وأن تحسب ذلك جزءً أساسياً من مشروعها الدعوي؛ لأنه يعطي الآخرين انطباعاً قوياً عن مصداقيتها وحين تهمل الداعية أولادها، ينقلبون إلى عوائق في مشروعها، و يرتد ذلك بأثر سلبي عليها وعلى دعوتها، من جهتين :
إحداهما : ما قد يسببونه لها من إزعاج، وإثقال، وعدم تقدير لمقاصدها .
الثانية : اهتزاز ثقة المدعوين بخطابها ، مستدلين بواقعها المنزلي .
الأعراف الاجتماعية :
قد تبدو بعض المبادرات الدعوية النسائية مستنكرة في بعض الأوساط لخروجها عن الإلف والعادات المتبعة, وقد تواجه بنوعٍ من الرفض من قبل الأهل، والقرابة ؛ فلا بد من التدرج المطمئن، مع الإقناع بالجدوى، حتى تستأنس الفكرة، وتتوطن , وقد أشار سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله، إلى هذا العائق في جوابه عن مسألة ( المرأة والدعوة إلى الله ) فقال : (وعليها مع ذلك ألا يثنيها عن الدعوة إلى الله الجزع، وقلة الصبر، لاحتقار بعض الناس لها، وسبهم لها، أو سخريتهم بها، بل عليها أن تتحمل وتصبر، ولو رأت من الناس ما يعتبر نوعاً من السخرية والاستهزاء ).
ثالثاً : عقبات خارجية :
1- الفسح الرسمي :
من واجب الجهات المسؤولة أن تعنى بأهلية المتصدين للدعوة والتوجيه في مختلف المرافق, وينبغي ألا يضيق الدعاة بمثل هذه الإجراءات الاحترازية، بل عليهم السعي في استصدار الفسوحات النظامية، ليعملوا بطمأنينة وثقة ,وفي حال حصول تأخير أو التباس فعليهم أن يسعوا لاستجلاء الأمر، ورفع الالتباس، وتبديد الأوهام، أو قالة السوء التي قد تصدر عن بعض الوشاة ؛ وفي حال عدم اكتمال بعض الشروط النظامية، مع وجود الكفاءة والأهلية، فيستدرك ذلك بالتزكيات المعتبرة , ولا يسوغ تفويت الفرص بدعوى عدم توفر الفسح .
ثم في حال عدم حصول المراد، فإن آفاق الدعوة ومجالاتها أوسع وأرحب من أن تنحصر في قنوات معينة ، كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يختص بهيئة، بل يجب على كل من رأى منكراً
2- الخلافات الحزبية :
إن مما يدمي القلب، ويُذهب ريح الدعوة، ما يقع في بعض الجهات من منافسات، ومناكفات، بين أصحاب المشروع الواحد، بدوافع حزبية، استئثارية، في غيبة من داعي الإخلاص، ورغبة في التسيد والتصدر، تفضي إلى خسارة الفريقين، واستهجان المجتمع، وزهادة المدعوين في الانخراط في ركب الدعوة.
ويجب على الدعاة على اختلاف مشاربهم، وانتماءاتهم، أن يتضلعوا من ثقافة الوحدة والائتلاف، ويتحرروا من أسر التفرق والاختلاف، وأن يعلموا أن مهمتهم أكبر وأسمى من أن تكون تجميعاً لجماعة، أو تعصباً لفرد، وأنه لا يجوز أن يعقد الولاء والبراء إلا على الأصول الشرعية، ولا يحل امتحان الناس بالأشخاص، ولا تصنيفهم وفق مسميات حادثة .(7/35)
إن مهمة الدعاة والداعيات ( إقامة الدين ) و ( نبذ التفرق ) كما قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: 13، وإذا عنَّ خلاف جرى الرد إلى الله ورسوله، كما أمر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء: 59.
ولا ريب أن توتر الأجواء بين الداعيات لأغراض حزبية، يؤدي إلى توتر النفوس، وفساد القلوب، وذهاب بهجة العمل، وحصول الفشل، قال تعالى:(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال 46 ، ولعمر الله إنه لمن أكبر العوائق، وأكأد العقبات .
وعلاج هذه المعضلة في أمور :
1- تنمية روح الإخلاص، والتسامي عن الأثرة والحزبية .
2- الترقي في العلم النافع، والعمل الصالح، وتحقيق مقاصد الشريعة .
3- التحلي بالأخلاق الكريمة، والترفع عن الترهات، والقيل والقال .
4- المحبة الإيمانية الخالصة، وصرف النظر عن التصنيفات الحزبية، والمناطقية، والبلدانية، والقبلية.
5- النقد الهادف الرفيق، الذي لا يكرس العداء، ولا يحمل على العزة بالإثم .
6- التعاون على البر والتقوى .
7- التعاذر، والتغافر بين الداعيات، وإحسان الظن فيما يسع فيه الاجتهاد .
8- إفشاء ثقافة الائتلاف، قولاً وتطبيقاً .
هذا، والله المسؤول وحده، أن يسدد الخطى، ويبارك في الجهود.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
ملامح الدعوة إلى الله في المواقع النسائية :
إن العالم اليوم يمر بتغيرات تقنية تزداد تطوراً يوماً بعد يوم ، وقد لحق التطور وسائل الاتصال الحديثة ، وبرزت شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) كأقوى وسيلة اتصال في الوقت الحاضر ؛ إذ تملك هذه الوسيلة العديد من الميزات والفاعلية التي تجعلها في مقدمة تقنيات الاتصال ، فعن طريق هذه الشبكة تحولت المجتمعات إلى مجتمعات معلوماتية ، وأصبح العالم اليوم قرية صغيرة يسهل الربط بين أفرادها ، ولسهولة استخدام هذه الشبكة وتعدد ميزاتها وقلة تكلفتها وتوفيرها للوقت والمال والجهد فإن الاتصال بهذه الشبكة والاستفادة من خدماتها انتشر بين الأفراد وعامة الناس ، ومن ثم فإن توظيف هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله من الأهمية بمكان ، ولهذا ظهرت العديد من المواقع الدعوية على شبكة المعلومات العالمية والتي تسعى إلى نشر الدعوة إلى الله وإلى جذب أكبر قدر من المدعوين من خلال هذه الوسيلة الحديثة .
ولأن المرأة ليست بمعزل عن هذا التسارع التقني ، والتطور الاتصالي نجدها تحرص على الاتصال بهذه الشبكة ، ومع تزايد الإقبال على استخدام الانترنت من قبل النساء أنشئت العديد من المواقع التي اختصت في مخاطبة المرأة ، وبذلك أصبحت هذه المواقع سبيلاً إلى دخول المرأة عالم الإنترنت بحثاً واستطلاعاً وثقافةً وترفيهاً ، إلا أن المتأمل في واقع هذه المواقع النسائية يجده واقعاً لا يخلو من الفوضى العلمية والفكرية ، فالقليل منها يهتم بموضوعات الدعوة النسائية على الرغم من ارتفاع نسبة زيارة هذه المواقع من قبل النساء .
ولأن الداعية إلى الله حريص على إيصال النفع للآخرين فإن هذه المواقع تأتي في مقدمة الوسائل الدعوية التي ينبغي للداعية أن يغتنمها ويحسن توظيفها في الدعوة إلى الله ، إذ يمكن لرسالته الدعوية أن تصل إلى عشرات الألوف من النساء في اليوم الواحد من خلالها ، وقد يسرت بعض هذه المواقع إيصال برامج ورسائل موجهه للمرأة إصلاحاً وتهذيباً وتوجيهاً وتربيةً مما يسر للدعاة توظيف هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله .
وبالنظر لمعدلات زيارة المواقع النسائية فإننا ندرك أهمية الخطاب الدعوي الموجه للمرأة من خلالها ، وتزداد هذه الأهمية إذا عرفنا أن لهذه المواقع خصائص متميزة تجعلها من الوسائل المهمة في الدعوة إلى الله وذلك كما يلي:
أولاً: حرية الطرح والتلقي :
إن الانترنت هي جهة الاتصال الوحيدة التي لا تتحكم فيه جهة معينة تفرض عليها سياستها وتملي عليها رغباتها ، بل إن المتحكم فيها هو من يستخدمها فله أن يبث من خلالها ما يشاء ، ويستقبل ما يشاء دون رقيب أو حسيب ، فكل مشارك في الانترنت ناشر ومستقبل دون أن يكون تحت أي تأثير إلا ما يملي عليه فكره واتجاهه ، ولئن كنا نشكو من سيطرة أعداء الله على وسائل الإعلام المختلفة فقد أتيحت لنا هذه الوسيلة ، التي نستطيع من خلالها إبلاغ الناس ما نحن عليه من حق دون تشويش أو تحريف. انظر: الإفادة من شبكة الانترنت في الدعوة إلى الله /د.مساعد بن إبراهيم الحديثي، مجلة دراسات إسلامية ، السنة الأولى ، العدد الثاني ، 1418هـ .
وفي المواقع النسائية نستطيع أن نواجه الحملات الشرسة على المرأة المسلمة بكل حرية وموضوعية ، إذ تكفل لنا طرح ما نشاء والاطلاع على ما نشاء وفي هذه ميزة لا شك فيها .
ثانياً: التفاعلية بين الملقي والمتلقي:(7/36)
فقد تعودت وسائل الاتصال التقليدية أن تتعامل مع المستخدم كجهة مستقبلة فقط ، ينحصر دوره في أن يأخذ ما يعطونه ويفقد ما لا يعطونه ، ولذلك فهم الذين يقررون ما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، أما في عصر الإنترنت فالمستخدم هو الذي يقرر ماذا يريد أن يحصل عليه من معلومات،وأكثر من ذلك فبإمكانه الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن ينتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر ، وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر ، ولهذا أهمية كبيرة بلا شك في الحوار الشرعي ، وينبغي علينا كمسلمين إدراك ما تحمله هذه التقنية من دعم لقضية الدعوة. 6 انظر : أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله /موقع صيد الفوائد .
وفي المواقع النسائية نجد هذه الخصية واضحة ، إذ توفر هذه المواقع عدداً من المنتديات وساحات النقاش التي يمكن للمستخدم أن يطرح ما يريد ويعلق ويناقش في أي موضوع كان، ولاشك أن هذه ميزة كبيرة تمكن الداعية من الوصول لشريحة كبيرة من المدعوين الذين يناقشون ما يطرحه ويتفاعلون مع ما يبذل من جهد لأجلهم.
ثالثاً: تنوع التطبيقات والخدمات التي تقدمها المواقع النسائية:
فما يذكر عن استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض ، إذ إن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم ، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار ، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات ، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات، والمواقع النسائية تقدم الكثير من الخدمات التي من شأنها رفع مستوى الدعوة فيها ، وبإمكان الدعاة أن يعملوا على صب كل هذه التطبيقات في بحيرة الدعوة ونشر الدين الإسلامي ، للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة التي توفرها لنا التقنية الحديثة يوماً بعد يوم. انظر: المرجع السابق.
رابعاً: ملامسة حاجات المرأة وفهم نفسيتها:
فإن المواقع النسائية من أفضل المواقع تحسساً لحاجات المرأة ، وفهماً لنفسيتها ، إذ أنها أنشئت لمخاطبتها في المقام الأول ، ويزداد هذا الأمر وضوحاً وتكاملاً إذا كان الموقع بتصميم وإشراف المرأة لأنها الأقدر على فهم حاجات بنات جنسها ، وقد أشارت الدراسات إلى ارتفاع نسبة زيارة المواقع النسائية التي بتصميم وإدارة نسائية .
فقد توصل باحثون بريطانيون إلى أن المواقع الإلكترونية التي تجذب اهتمام النساء هي في الغالب تلك التي صممتها النساء.
وخلص اختبار الباحثون إلى أن اثنين في المائة من الإناث الذين استطلعوهم انجذبن إلى مواقع إلكترونية كانت من تصميم ذكوري، وتحمل بصمات التوجه الذكوري في تصميم صفحات الإنترنت.
وهذا البحث مهم جداً للمنظمات التي تسعى إلى اجتذاب شرائح معينة من المجتمع يساعدها على اعتماد تصميمات لصفحات مواقعها يتناغم مع الشرائح التي تسعى إليها ، لذا فإن وعي الداعية بهذا الأمر يسهم بشكل كبير في رفع مستوى الدعوة إلى الله في المواقع النسائية. انظر: تفاوت الرجال والنساء في الانجذاب نحو الانترنت / لها أون لاين :
www.lahaonline.com .
هذه أبرز الخصائص التي تتمتع بها المواقع النسائية ومعرفتنا بها تساعدنا على حسن توظيفها في الدعوة إلى الله ، كما يدفعنا إلى ضرورة معرفة ضوابط الدعوة إلى الله فيها ، من أجل تحقيق الهدف الدعوي على أسس وركائز سليمة .
وهذه الضوابط الدعوية ليست ترفاً من القول بقدر ما هي ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الله في المواقع النسائية ، والتي هي كما يلي:
أولاً: الاعتماد على الكتاب والسنة في الدعوة إلى الله:
وهو أول الضوابط التي يجب مراعاتها عند الدعوة إلى الله في المواقع النسائية ؛ إذ يجب أن يكون مصدر الدعوة أصيلاً وقطعياً في الثبوت ، وصحيحاً في الدلالة والفهم ؛ من الكتاب وصحيح السنة ، وأن لا تكون المصدرية ناشئة عن تصورات عقلية فاسدة ، أو أهواء منحرفة ، أو سلوك معوج.
فينبغي للداعية أن يستخدم الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة في مواضعها ، والناظر في واقع الدعاة في المواقع النسائية يجده يتفاوت بين الإفراط والتفريط ، فبعض الدعاة لا يستخدمون الدليل مطلقاً ، وآخرون يستخدمونه بإسهاب ، والاعتدال في هذا الأمر سبيل قويم ، فإن واقع الانترنت يعتمد على السرعة والإيجاز والمعلومة المفيدة المختصرة ، والإطالة قد تؤدي إلى نفور المتلقي ، وعدم قراءة الموضوع ، خاصة إذا أدركنا أن جمهور المستخدمات للمواقع النسائية عريض وكبير وذي ثقافات مختلفة ومستويات علمية متنوعة. انظر: الدعوة إلى الله تعالى عبر الشبكة العنكبوتية / خالد بن عبد الله البشر ، مجلة الجندي المسلم ، العدد 109- 1/11/2002م .
ثانياً: الدعوة إلى الله على علم وبصيرة:
وهو مصداق قوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ..) سورة يوسف ، الآية (108) .
فيجب على الداعية أن يكون عالماً بالعلم الشرعي أولاً ، وبواقع الدعوة إلى الله في الانترنت ثانياً،وعالماً بأحوال النساء حال دعوته في المواقع التي أنشئت لمخاطبتهن ، ومدركاً لأفضل السبل والوسائل التي يمكنها أن تجذب المستخدمات والزائرات للمواقع النسائية .
ثالثاً: وضوح الهدف وحسن القصد:(7/37)
ينبغي للداعية إلى الله أن يبين بوضوح هدفه من الدعوة إلى الله في المواقع النسائية ، وأن يبرز حسن قصده بقوله وعمله، فإن واقع الشبكة العنكبوتية لايسمح بمعرفة واضحة ودقيقة لمن يقف وراء الدعوات والمقالات المعروضة ، كما أن أهل البدع والضلال لايتركون فرصة من أجل شن حملاتهم المسمومة ضد المرأة المسلمة إلا وقد استغلوها لتحقيق أهدافهم بأساليب مباشرة أو غير مباشرة ، ومن أجل الوقوف في وجه هذه الحملات لابد أن يتضح الهدف من العمل الدعوي وهو : اخراج الناس من الظلمات إلى النور لكل زائر للمواضيع الدعوية في المواقع النسائية ، كما يجب أن يراعى أن يكون القصد في الدعوة إلى الله هو رضاه –سبحانه وتعالى ، قال تعالى: ? وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...? سورة الكهف، من الآية: (28) .
وقال –تعالى- : ? وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ... ?سورة النساء ، من الآية: (125) .
والإخلاص لله ضابط أساسي ؛ فإن أي عمل لا يقبله الله إذا لم يكن خالصاً له –سبحانه- فعن أبي أمامة الباهلي- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الله لا يقبل من العمل ، إلا ما كان له خالصاً ، وابتغي به وجهه) أخرجه الإمام النسائي في كتاب الجهاد ، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر ، ح(3140) ، (ص484)، وقال العلاّمة المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عن الحديث : (حسن صحيح) ، انظر: سنن النسائي/(ص484)، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الشهير بالنسائي ، وعليها أحكام المحدِّث الشيخ : محمد بن ناصر الدين الألباني ، اعتنى به : أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، مكتبة المعارف ، الرياض ، الطبعة الأولى، ( د:ت) .
فالدعوة إلى الله إذا كانت طلباً لمحمدة أو جاه أو مال أو غير ذلك من عروض الدنيا فهي فاسدة ولا تحقق الثمرة المرجوة من القيام بها.
كاتب المقال: أ.لولوة بنت سليمان الغنام.
=================
في بناء الدعوة النسائية
أ. أسماء الرويشد
في بناء الدعوة النسائية
الدعوة ليست مجرد حفظ وكتابة وإلقاء ،وإنما هي مشروع يحتاج إلى استيعاب وإعداد وتخطيط وعمل دءوب لتحقيق أهداف واضحة، فمن كان يريد أن يكون للإسلام حضور وسيادة فعليه أن يبدأ ويسارع,وإلا فتداعيات الأحداث لا تمهل ، مما يستلزم أن نكون جميعاً ورشة عمل كلاً في مكانه بحسب إمكانياته وقدراته.
فينبغي التركيز في هذه الفترة على أحكام بناء الدعوة النسائية وذلك لأن المرأة المسلمة تواجه مخطط إفسادي كبير، مما يستلزم التواصل والتواصي .
لذلك جمعت هذه الوصايا للأخوة والأخوات في ميدان الدعوة:-
1- ينبغي الاعتناء بترسيخ القيم وتعزيز البناء العقائدي في مضمون الخطاب الدعوي .
2- التركيز على بث الوعي بأن هناك مؤامرة للمرأة المسلمة وأنها مستهدفة.
3- الوقوف في وجه التغريب بتكثيف المشاريع الإصلاحية والبرامج الثقافية،والمشاركة العملية في تقديم حلول ومشاريع واقعية لحل مشاكل المرأة والأسرة، وإقامة المؤسسات المتخصصة في شؤون المرأة والأسرة، وأن نسبق الزمن ونواجه ما نتوقعه ونحتمله بإنشاء برامج لمواجهة الامتداد التغريبي، وذلك بإعمال الفكر في الواقع والمستقبل ثم العمل الذي لا يعرف الراحة والذي يوحد ولا يفرق.
4- العناية والمحافظة على كينونة الأسرة وترابطها ببث الوعي والمفاهيم الشرعية التي تكفل ذلك ، ومواجهة خطر الثقافة المعادية التي تهدف إلى تفتيت الأسرة .
5- الحذر من الرضا بواقع ( الحد الأدنى ) في الدعوة ، فتسترخي العزائم وتُستطاب الدنيا، ولا يكون هناك مكان للطموحات الكبيرة والأعمال المؤثرة المطلوبة في هذا العصر بالذات ، في الوقت الذي انتهى فيه الآخرون من التخطيط للمشروعات الكبيرة وهم الآن في التنفيذ والمتابعة.
6- نحتاج كثيراً في العمل الدعوي إلى إنكار الذات ، إذ هو العقبة الكؤود في العمل الدعوي.
7- لا بد من أن نزيد مساحة الانتشار بدل أن تبقى الدعوة محصورة في أوساط الصالحات.
8- الاعتناء بقيام المؤسسات على مفهوم التخطيط الاستراتيجي المبني على الأهداف القريبة والبعيدة.
9- لا بد من إيجاد مراكز تدريبية ودورات متخصصة في التخطيط الدعوي لإيجاد الكفاءات النسائية الدعوية .
10 - علينا أن نزيد من أسلوب الإقناع في خطابنا لأن المجتمع ينفتح على ثقافات وأفكار مختلفة ، ونحن بحاجة إلى خطاب يتناسب مع تفكير المجتمع المتلقي ،فلا بد أن نرتقي بمضمون خطابنا الدعوي، وأن نقلل من أسلوب الأمر والنهي.
11- أهمية التواصل والتنسيق بين المؤسسات الدعوية النسائية وتكثيف الاجتماعات لتنشيط وتطوير البرامج العملية للمرأة والأسرة ، فهاهم أهل الباطل يمكرون ويعملون بالليل والنهار لا يملون ولا يفترون من كثرة الاجتماعات والمؤتمرات وتقليب وجهات النظر للاستقرار والاجتماع على ما يريدونه .
12- إن وحدة العمل الإسلامي تعني تجمع أصحاب المنهج الواحد ، منهج خير القرون ، وليس تجمعاً يرضي الجميع مع التساهل فيما جاءت به الشريعة ،فهذه من مداخل الشيطان التي داخلها الخير وتأليف القلوب, وباطنها تجمعاً هشاً لا يصمد في وجه التحديات الداخلية والخارجية .(7/38)
13- إن من أشد الأمور فتكاً بالدعوة أن تصاب من الداخل ، بتقطيع شبكة العلاقات فيما بين أفرادها، بالتدابر والتحاسد والتغالب على التصدر،مع حمل الأمور على غير محاملها وغياب الإعذار والمسامحة فيما بين أفرادها، ومحاربة ظاهرة التشرذم والتفتت الذي يضر بالعمل الدعوي ،وهو خلاف منهج الكتاب والسنة ، المبني على الاجتماع والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
==============
أسرار وراء كلام البابا عن الإسلام ونبيّه
الكاتب : د. عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي
أسرار وراء كلام البابا عن الإسلام ونبيّه
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة ، وتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن ، فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيين إلى كلام البابا بندكت السادس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبلهما كلام رئيس الوزراء الايطالي عن الحضارة الإسلامية ، وبعده الرسوم المسيئة ، وغير ذلك من حملات التشويه .
وربما تساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات المتوالية ، وريما حمّل بعض الكتَّاب إخوانه المسلمين وزر هذه الحملات نظرا لماحدث من بعضهم من أعمال تفجير وقتل .
وأقول إن ثمة سرا مهما ينبغي أن لانغفل عنه في السر الحقيقي وراء هذه الحملات ، ألا وهو الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية ، الذي أقض مضاجع الرؤساء الدينيين والسياسيين ، مما حدا ببعضهم للكلام الصريح عن ضرورة التصدي لانتشار دين الإسلام .
وهذه بعض الاحصاءات والأخبار التي تشهد بهذا الانتشار :
أ - زيادة أعداد المساجد في دول الغرب :
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك، وصوتُ الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات، خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة وأتباعا.
فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض، من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد ، و بلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من (2000) ألفي مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مئذنة حوالي (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجدا ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصليات في هولندا إلى ما يزيد عن (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجدًا أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي 76 مسجدا، هذه فقط بعض الدول في أوربا الغربية، عدا عن أوربا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوما بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام، وينطلق في أوربا، لذلك ليس غريبا أن تشدد أوربا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها، والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ومن المفارقات العجيبة أن كثيرا من هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد .
ب - تحذير الصحف الغربية من انتشار الإسلام :
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من انتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى ، ومن ذلك ما جاء في مقال نشر في مجلة التايم الأمريكية (وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب).
أما جريدة الصانداي تلغراف البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: (إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن - يعني الذي مضى- ومطلع القرن الجديد –يعني الذي نحن فيه- ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدءوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدءوا يقرءون عن الإسلام فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية).
مجلة لودينا الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: (إن مستقبل نظام العالم سيكون دينيا، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي، لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة) .
ج – انتشار بيع نسخ القرآن الكريم والكتب الإسلامية :
وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام ، إلاّ أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثرالكتب مبيعا في الأسواق الأمريكية والأوربية حتى نفدت من المكتبات، لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة واحدة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية.
كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق.
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام :
ففي عام 2001 نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالا ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأميركيين يقدرون عدد الأميركيين الذين يعتنقون الإسلام سنويا بـ 25 ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميا تضاعف أربع مرات بعد أحداث 11 سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية.(7/39)
والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي حيث قال: (إن أكثر من 24 ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، (وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام).
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة (لاكسبرس الفرنسية ) تقريرا عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين جاء فيه :
(بالرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخرًا ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد) ، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخرًا، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يوميًا من ذوي الأصول الفرنسية، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد.
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية والأديان، من علمانيين إلى بوذيين إلى كاثوليك وغيرهم، كما أشار التقرير إلى نشاط بعض الجاليات المسلمة وجماعات مثل جماعة التبليغ في الدعوة إلى الإسلام في المجتمع الفرنسي.
كما ورد في التقرير إلى أن عدد المعتنقين الجدد للإسلام من الفرنسيين يصل إلى 60 ألفًا مؤخرًا، سواء أولئك الذين أسلموا بدافع حبهم وإعجابهم بهذا الدين، أو بدافع البحث عن الهوية والبحث عن الذات، الكثير منهم من شباب المدن، ويتراوحون ما بين (الأصولية) والاعتدال.
منهم مهندسون.. جامعيون.. رؤساء شركات.. مدربون.. مدرسون.. طلاب.. عاطلون.. متحفظون أو متدينون بشكل واضح... كل هؤلاء الأشخاص يشكلون لبنة جديدة في المجتمع الإسلامي الجديد، وهم بمثابة الأسرة الكبيرة في مختلف مجالات الحياة بالمجتمع الفرنسي.
ومن هؤلاء على سبيل المثال :
فنان الراب في مدينة مرسيليا المسمى إخناتون، ولاعب الكرة (فرانك ريبري) ، ومصمم الرقصات (موريس بيجار), وأيضًا كليمون (أصغر أبناء رئيس وزراء الحزب الاشتراكي السابق( موريس توريز).. كل هؤلاء أعلنوا إسلامهم منذ فترة ليست بالبعيدة..
ومعتنقوا الإسلام من الجيل الأول من بينهم فنانون وحاملو شهادات رفيعة, ومعظمهم يفضلون ممارسة الإسلام النقي الصافي كما أنزله الله على نبيه محمد .. انتهى ماورد في التقرير ..
ونظرا لهذه الشواهد المؤكدة لإقبال الغربيين على الإسلام فقد حذر أسقف إيطالي بارز من (أسلمة أوروبا).
وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدو أوروبا مسيحية مجددًا..
يحدث هذا الإقبال وهذا التخوف من الإسلام بالرغم من ملاحظة أمور مهمة :
أولها : أن الأوضاع الحاضرة ليست في مصلحة الإسلام والمسلمين ، فالأحداث السيئة في بلاد الإسلام قد تعطي البعض نظرة سيئة تجاه هذا الدين بسبب أوضاع أهله .
وثانيها : تلك الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في سبيل نشر الديانة النصرانية ، على كافة الأصعدة ، حتى بلغت ميزانيات بعض مجالس الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة .
وثالثها : التضييق على النشاطات الإسلامية والمراكز والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول .
ومع ذلك لايزال هذا الدين الحق دين الإسلام ينتشر ويعتنقه الكثيرون ونظرا لأن النصارى خصوصا رجال الدين ينظرون للإسلام باعتباره دينا منافسا ، فقد رأوا فيه خطرا على أوربا ، ولذا حرصوا على إثارة الشبهات حوله لحماية النصارى من خطره كما يتصورون .
وقد جاءت الأحداث الأخيرة ليتخذوا منها أدلة يؤيدون به مزاعمهم الباطلة عن الإسلام فزعم كثير من غلاة النصارى أن حوادث الارهاب سببها دين الإسلام و يمكن لكل عاقل أن يجيب عن هذه الشبهة بحوادث التاريخ القريب والواقع الذي نعيشه .
فهل نقول إن دين النصارى هو سبب الارهاب لأنهم خلال الحربين العالميتين قتلوا الملايين من أبناء جلدتهم النصارى ؛ فضلا عمن قتلوهم من المسلمين أثناء حروبهم الاستعمارية هل ننسب القتل والتدمير إلى دينهم لأن الأمريكان النصارى قتلوا مئات الآلاف بالقنبلة الذرية .
هل نقول إن دين النصارى يدعو للقتل واحتلال البلدان الأخرى لأن الرجل المتدين المحافظ ربيب القسس ( بوش ) ، غزا العراق ودمرها وقت آلاف المدنيين العزل ، وأحدث فيها فوضى يجني مرارتها ملايين العراقيين .
هل نقول إن دين النصارى دين القتل والارهاب لأن قسس ورهبان الهوتو في أفريقيا ساهموا في مذابح اللتي حدثت للتوتسي , وقد طلب بعضهم كمجرمي حرب للأمم المتحدة .
هل ماحدث في البوسنة والهرسك من مذابح واغتصاب للمسلمين على أيدي الصرب يحسب على دين النصارى وعلى المسيح عليه السلام ؛لأنه جاء في الإنجيل ماجئت لألقي سلاما على الأرض .
هل مذابح المسلمين في ليبريا وسيراليون التي قام بها النصارى ننسبها للمسيح ودينه .
إن على البابا بندكت أن يصلح حال كنائسه التي زكمت فضائح شذوذ رجال الدين فيها الأنوف قبل أن يتحدث عن الإسلام ونبيّه بتلك اللهجة المتحاملة ، فمن كان بيته من زجاج لايرمي الناس بالحجر
===============
نساء لم ينسهن التاريخ
/ إعداد
أ. محمد بن عبد العزيز الشمالي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:(7/40)
فما أجملها من مواقف تجعلها المرأة الداعية نبراساً لها في سيرها في طريق دعوتها,تلك المواقف الصادقة من تلك النساء التي نحتها التاريخ في جبين الدهر؛ لتبقى شاهدة على صدق تلك النوايا.
ونحن في سيرنا في هذا الطريق كم نحتاج إلى قدوات نجعلهم نجوماً نهتدي بها في سماء دعوتنا؛ ليُنيروا لنا الدرب فقد تربوا في مدرسة الدعوة وتعرفوا على جوانبها فعرفوها ,وساروا بخطىً واثقة ؛ فهذه جملة من سير هؤلاء النساء لنسير بسيرهن ونحتذي حذوهن أحببت أن أجعلها بين يديك أُخيتي المباركة فأقرأي هذه الصفحات وخذي منها الصواب ودعي منها ما جانبه .
أسأل الله لي ولكن التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأساله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين , ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
تطمين الزوج وتثبيته في طريق دعوته:
(1) خديجة بنت خويلد رضي الله عنها :
أُخيتي الداعية :
إن من أروع الأمثلة التي ضربت في مواقف النساء الداعيات هو موقف خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم,حينما وقفت مع أعظم الدعاة وإمامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم في أول بداية الدعوة حين نزول الوحي ,ذاك الأمر الجديد على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ولتتأملي كيف كان تطمينُها للنبي صلى الله عليه وسلم حين جاء فزعاً يرتجف فؤاده ,وليكن هو موقفك مع زوجك في تطمينه في دعوته وتثبيته على طول هذا الطريق ؛ فالرجل يحتاج إلى من يكون عوناً له من أهل بيته وإليكِ هذا الخبر :
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :(.. فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده فدخل فقال زملوني زملوني فزمل فلما سرى عنه قال: يا خديجة لقد أشفقت على نفسي بلاء , لقد أشفقت على نفسي بلاء قالت خديجة: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصدق الحديث وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرئُ الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت بي خديجة إلى ورقة بن نوفل بن أسد, وكان رجلا ًقد تنصر شيخاً أعمى يقرأ الإنجيل بالعربية ؛فقالت له خديجة : أي عم اسمع من ابن أخيك ؛ فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي رأى من ذلك, فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى يا ليتني فيها جذعاً يا ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم قال: نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به قط إلا عودي ,وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ) (1)
عجباً لهذا الموقف من هذه المرأة كيف استطاعت تطمين زوجها وتهدئته والتخفيف عنه حينما ذّكرته بلطف الله عزوجل ثم ذّكرته بصفاته الحسنة ثم بذهابها به إلى من هو أعلم بمثل هذه الأمور وهو ورقة بن نوفل وهو من أحبار النصارى وابن عمٍ لخديجة رضي الله عنها .
هكذا فليكن صبر الداعية مع زوجها من أهل الدعوة إذا ابتلي:
(2) إليا بنت يعقوب زوجة نبي الله أيوب عليه السلام (2)
أُخيتي الداعية :
وأنت تقرئين هذا المقطع تأملي ملياً كيف كان تحمل هذه المرأة وصبرها بعدما كانت من الغنى والنعيم وكيف صبرت على هذه الحال ليس يوماً ولا شهراً ولا سنة بل عدة سنوات تلك هي صفات من تربت في بيت نبوة وحقاً إنه صبر على حالة قد تأنف منها النفوس إلا النفوس الكبار فتأملي :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمسة عشر سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه قد كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم نعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ؛ فقال له صاحبه وما ذاك قال منذ ثمانية عشر سنة لم يرحمه الله فكشف عنه ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك فقال له أيوب لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال فإني أنا هو قال وكان له أندران(3) أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض) (4)
حقاً إنه من أروع أمثلة الصبر حيث صبرت على النبي المبتلى لأنها عاشت معه سنوات من أجمل سنوات العمر فلم تنسها لما كان في أحوج ما يكون إليها وهذا الجزء واضحاً لهما في نهاية الحديث لما شفاه الله وأبدله بقوله تعالى(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (5)
حقاً إنه أغلى المهور:
(3) أم سُليم بن مالك رضي ا الرميصاء بنت ملحان الأنصارية الخزرجية أم خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنسلله عنه :
أُخيتي الداعية :(7/41)
لما يتذكر المسلم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في النساء وبركتهن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا) (6) وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)(7) يدرك حقاً أن عظمة المرأة في إيمانها وتقواها ودينها ولنتأمل موقف هذه الصحابية كيف جعلت من الإسلام مهراً لها :
عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت :(إني قد آمنت فإن تابعتني تزوجتك) قال: فأنا على مثل ما أنت عليه فتزوجته أم سليم وكان صداقها الإسلام) (8)
ما أروعه من موقف إن جعلنا مفاخرة النساء في طالبي الزواج منهن هو الدين لأن سعادة المرأة هي بزوجها الصالح المعين لها وكم تصدم كثير من الفتيات بمثل هذه الزخارف ثم ما تلبث أن تكون ممن يعض أصابع الندم ولات ساعة مندم فليكن من هذا الموقف لكِ أُخيتي الداعية منطلقاً في ترغيب النساء باختيار الكفء من الرجال .
تلك مشورة المرأة العاقلة:
(4) أم سلمة رضي الله عنها :
أُخيتي الداعية :
كم يحتاج الرجل إلى زوجة عاقلة راجحة عقلٍ يسترشد بمشورتها ويستنير برأيها فما أجمل تلك الصفة حينما تكون في المرأة ولن تكون إلا لمن كان همها وهمتها عالية تناطح السحاب ولنعش مع هذا الموقف العصيب على النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان حاله بتلك المشورة وبذلك الرأي السديد والصائب من راجحة العقل زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها .
لما كان يوم الحديبية وقد أحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة ثم رد بعدما تم الإتفاق في بنود المعاهدة على عدم أداء العمرة في هذه السنة ..فكان هذا الموقف ..
فَقَامَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا أَيُّهَا الناس انْحَرُوا وَاحْلِقُوا قال فما قام أَحَدٌ قال ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فما قام رَجُلٌ حتى عَادَ بِمِثْلِهَا فما قام رَجُلٌ فَرَجَعَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ على أُمِّ سَلَمَةَ فقال يا أُمَّ سَلَمَةَ ما شَأْنُ النَّاس قالت يا رَسُولَ اللَّهِ قد دَخَلَهُمْ ما قد رَأَيْتَ فَلاَ تُكَلِّمَنَّ منهم إِنْسَاناً وَاعْمِدْ إلى هَدْيِكَ حَيْثُ كان فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ فَلَوْ قد فَعَلْتَ ذلك فَعَلَ الناس ذلك فَخَرَجَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُكَلِّمُ أحد حتى أتى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ فَقَامَ الناس يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ..) (9)
نِعم المشورة من أم سلمة رضي الله عنها للقائد صلى الله عليه وسلم فقد أصابت مشورتها وعالج بها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف , وهذا يذكرنا بالمقولة التي تقول ( ما خاب من استشار ) والمستشار مؤتمن فلم يخب في مشورته وما استشارها رضي الله عنها إلا لمعرفته برجحان عقلها فالمرأة الداعية من أكثر من يستشار في واقع النساء لأنها عاقلة ومتعلمة فلتكن استشارتنا صائبة ومشورتنا صادقة .
يالها من مراقبة لله:
(5)المرأة الهلالية – جدة عمر بن العزيز
أُخيتي الداعية :
إن من الصعب جداً على النفس أن يطلب أحد الوالدين منك أمراً مخالفاً لشرع الله , ويالها من قوة إيمان أن تنطق بما يخالف المطلوب وبما يرضي الله متذكرة قول الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(10) ولنتأمل موقف هذه المرأة الداعية التي نطقت بمعنى الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ...
يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى في خلافته عن مذق اللبن بالماء فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة فإذا بامرأة تقول لابنة لها: ألا تمذقين لبنك فقد أصبحت فقالت: الجارية كيف أمذق وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق فقالت :قد مذق الناس فامذقي فما يدري أمير المؤمنين فقالت: إن كان عمر لا يعلم فإله عمر يعلم ما كنت لأفعله وقد نهى عنه فوقعت مقالتها من عمر فلما أصبح دعا عاصما ابنه فقال :يا بني اذهب إلى موضع كذا وكذا فاسأل عن الجارية ووصفها له فذهب عاصم فإذا هي جارية من بني هلال فقال له عمر اذهب يا بني فتزوجها فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأتت بعمر بن عبد العزيز)(11)
حقاً لقد صدقت فراسة عمر بن الخطاب وأنجبت بنتاً كانت أماً لإمام الزهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي ساد في زمانه العدل وكثر المال وقل الفقراء وسيرته من أعجب السير .
وما أجمل أن يختار الأب زوجة ابنه بعناية تامة فصلاح المرأة نعمة عليها وعلى زوجها .
_______________________
(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج6:ص223 قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
(2) المعارف ج1:ص42
(3) الأندر البيدر وهو الموضع الذي يداس فيه الطعام بلغة الشام - النهاية ج1:ص74
(4) المستدرك على الصحيحين ج2/ص635 قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
(5) (84) سورة الأنبياء
(6) صحيح ابن حبان ج9:ص342 صححه ابن حبان قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح
(7) صحيح البخاري ج5:ص1958
(8) سير أعلام النبلاء ج2:ص305
(9) مسند الإمام أحمد حديث رقم (18930)
(10) (8) سورة العنكبوت
(11) سيرة عمر بن عبد العزيز ج1/ص23(7/42)
=============
هذه أعيادنا
أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: " دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: ( دعها ). فلما غفل غمزتهما فخرجتا" وأخرج عنها ".. وكان يوم عيد يَلعب فيه السودان بالدُرَق والحراب، فإما سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: ( دونكم يابني أرْفدة ). حتى إذا مللتُ، قال: ( حسبكِ؟ ) قلتُ بـ نعم. قال: ( فاذهبي )".
وفي رواية هشام: ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا).
أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس.
وفي رواية أن عمر – رضي الله عنه – حصب السودان أو الحبشة الذين يلعبون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعهم ياعمر ".
وفي رواية عن عائشة – رضي الله عنها – أنه – صلى الله عليه وسلم – قال يومئذ: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثتُ بحنيفية سمحة ".
وأخرج البخاري أيضاً عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: " أخذ عمر جبَّة من إستبرق تباع في السوق فأخذها، فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يارسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " إنما هذه لباس من لا خلاق له..".
وبين هذين يكون عيدنا توسع وتسامح فيما يباح، وتوقف والتزام فيما يحرم فليس العيد مبرر للعب والترف بإطلاق، وليس هو يوم جدية تامة بليه من المرونة للمباحات من الألعاب والأكل واللبس والكلام ما ليس في غيره، وهذا الضابط لا يراعيه كل المسلمين للأسف بل نراهم يتوسعون في العيد ويفسدون اجتهادهم في رمضان، وذلك لفهمهم الخاطئ المبني على علم ناقص أصله أخذ بعض النصوص وترك بعض، وينبغي للأئمة والعلماء تعليم الناس هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، في العيد في آخر ليلة من رمضان مع التنبيه على ذلك في خطبة العيد.
ومن هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في عيد الفطر الأكل قبل الخروج كما في حديث أنس: قال: " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ، ويأكلهن وتراً" وليس كما يفعل بعض الجهال من جلب التمر للمسجد وتوزيعه أثناء الخطبة فيشغلون المصلين عن متابعة الخطيب ويدفعون كثيراً من المستمعين للكلام واللغط!
ومن السنة خروج النساء لحضور العيد حتى الحِّيض وذوات الأعذار وكذا الأطفال والخدم ليحضروا الصلاة والدعاء ويشهدوا تجمع الناس ويعتزل ذوات الأعذار المصلى، ومن فاتته صلاة العيد ندب له قضاؤها ركعتين يكبر فيها كهيئة صلاة العيد سواء في المسجد أو في بيته كما بوب البخاري لذلك بقول: باب (إذا فاته العيد يصلي ركعتين) وذكر قول عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين. قال ابن حجر: "فيه مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضى ركعتين كأصلها".
ومن السنة ترك الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها في المصلى فإذا رجع إلى البيت صلى ركعتين كما في حديث أبي سعيد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" أخرجه ابن ماجه باسناد حسنه ابن حجر.
وقد يفهم بعض الناس أن العيد مظاهر وعادات فارغة فيتقاعس عن الاحتفاء بها وحرم نفسه لذة العبادة بتعظيم الشعائر التي قال الله عنها (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) وفي الحين نفسه يروح عن نفسه بالاحتفال بأيام لم يجئ الشرع بتعظيمها كالاحتفال بالميلاد ورأس السنة وغيرها، وفي ذلك لوتأمل تعظيم لشريعة غير شريعة الإسلام وقد جاء النص بذلك ونهينا عن تعظيم أيام يعظمها أهل الكتاب أو أهل الجاهلية.
ومن السنة تبادل التهاني والتبريك والدعاء بقبول العمل كما في حديث جبير بن نفير قال:" كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنكم" وإسناده حسن.
وبقدر ما نفرح في هذا اليوم ونتوسع في المباحات فإننا لا ننسى إخواننا في الإسلام في كل مكان بالدعاء لهم ومتابعة أحوالهم.
ولا ندع الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان في يوم العيد كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
كاتب المقال: د.رقية المحارب
===============
طرق ووسائل للدعوة في العيد
العيد شعيرة إسلامية تتجلى فيه مظاهر العبودية لله عز وجل ،وهو عبادة من العبادات يعيش فرحته الصغير والكبير، والغني والفقير، تأتي هذه المناسبة الكريمة مرَّة بعد انقضاء شهر رمضان من خلال عيد الفطر المبارك ، وأخرى في موسم الحج وهي عيد الأضحى ، والعيد مناسبة إسلامية مشروعة تتراجع أمامها كل الأعياد البدعية التي زحف أثرها على بعض بيوت ومجتمعات المسلمين ، ولهذه المناسبة السعيدة أثر واضح على نفوس أفراد المجتمع المسلم حيث تكون الفرصة سانحة للتصافي ونبذ الخلافات الماضية مع تسابق الابتسامة على المحيَّا ، وكلمات التهاني على اللسان ، ووجود أكبر فرصة للقاءات الأسرية والاجتماعية .
العيد مناسبة لها بعض السنن والشعائر التي قد يكون من أبرزها لبس الجديد إظهاراً لفرحة العيد فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له جبة يلبسها للعيدين والجمعة.
ومن الشعائر والسنن التي يجب إحيائها في العيد ما يلي:(7/43)
1- زكاة الفطر: وهي واجبة على كل مسلم من طعام الآدميين من تمر أو بر أو أرز أو غيرها لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاًً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) رواه البخاري ومسلم ،ووقت إخراجها قبل صلاة العيد.
2- الاغتسال يوم العيد وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على الاستحباب .
3- استخدام السواك وهو سنة ثابتة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام.
4- التكبير وصيغته ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد) من ليلة العيد وحتى صلاة العيد .
5- الإفطار على تمرات ويجعلهن وتراً قبل الخروج لصلاة العيد أو في مصلى العيد قبل الصلاة.
6- خروج الأبناء والنساء حتى الحِيَّض والعواتق وذوات الخدور للصلاة وهي فرض كفاية.
وللدعوة في العيد مجال واسع من خلال اللقاءات الأسرية الصغيرة، والاجتماعات العائلية بين الأسر وذلك بعدة وسائل منها ما يكون من خلال استعداد مسبق للعيد ومنها ما يكون في يوم العيد.
الوسائل التي يمكن استخدامها قبل العيد:
1- إرسال رسائل قصيرة من الجوال للتهنئة وطلب الاقتراحات التي يمكن تطبيقها في الاجتماع.
2- كتابة بطاقات تهنئة باسم كل عائلة تحوي بعض العبارات المناسبة وتوزع أثناء الاجتماع.
3- إعداد فقرات مناسبة لكافة الفئات والأعمار وعدم التركيز على فئة عمرية دون أخرى.
4- وضع لافتات عليها عبارات تهنئة بالعيد بالإضافة لبعض العبارات الدعوية.
طرق وأساليب استثمار الاجتماعات واللقاءات دعوياً في يوم العيد:
1- الاستفادة من الاجتماعات في عمل برنامج ترفيهي ومسابقات ثقافية تحمل بين طياتها الصبغة الدينية والدعوية مع إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة والفوز.
2- عقد لقاءات نسائية خاصة يتم من خلالها تنفيذ برامج مفيدة وهادفة على المستوى الأسري والاجتماعي.
3- الاهتمام بدعوة طلاب العلم لإثراء هذه اللقاءات بما هو نافع ومفيد.
4- تفعيل دور الخطباء والدعاة في الدعوة إلى الله تعالى بكل الطرق الميسرة.
5- تقديم الهدايا المتنوعة التي يكون بينها الشريط والكتيب والمطوية وبطاقات الأذكار المتعددة.
6- الاهتمام بالعمالة المسلمة سواء كانت داخل المنزل أو خارجه واستثمار تجمعاتهم في تزويدهم بكل ما يفيدهم في تأدية فروضهم وزيادة معلوماتهم عن الإسلام.
7- دعوة العمالة غير المسلمة إلى الإسلام بتوضيح محاسنه وتعاليمه السمحة من خلال الكلمات البسيطة أو توزيع الكتيبات والمطويات التي تبين ذلك.
8- إقامة المخيمات الدعوية التي تحتوي على برامج مشوقة بطابع دعوي محبب.
9- إعداد معارض للكتب الصغيرة والأشرطة والمطويات يتم عرضها من خلال المخيمات الدعوية.
10- التواصل مع وسائل الإعلام المتاحة للإفادة من مناسبة العيد دعوياً لتوجيه فئات المجتمع المختلفة .
11- الإعداد المسبق للمجلات والنشرات المبسطة التي يمكن توزيعها في الاجتماعات المختلفة.
12- تطبيق كل ما سبق في اجتماعات مماثلة مع الجيران والأصدقاء في أيام العيد التالية.
13- تفقد من لم يحضر من الأقارب خاصة المحتاج منهم ،وتقديم ما يحتاجون بأسلوب لبق.
14- التوسعة على الأهل والأقارب يوم العيد بشكل مناسب بحيث يكون فيه بعد تام عن الإسراف والتبذير.
15- تقديم هدايا للطفل تحوي على بعض الألعاب والحلوى مع إضافة القصص المفيدة أو الكتب الهادفة الخاصة بهم.
وللمزيد من الوسائل الدعوية للعيد يرجى زيارة مقال (أفكار ومقترحات للعيد) على الرابط :-
http://www.wdawah.com/article_content.php?id=852&cat=2&temp=2
===================
العيد وأثره التربوي
العيد اسم لكل ما يعتاد، وعيّدتُ تعييداً شهدت العيد ، يعود عودة وعوداً صار إليه,وفي التنزيل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وفي المثل السائر العود أحمد والمعاد بالفتح المرجع والمصير، والآخرة معاد الخلق، وعدت المريض أعوده عيادة والعائدة العطف والمنفعة، يقال هذا الشيء أعود عليك من كذا أي أنفع وفلان ذو صفح وعائدة أي ذو عفو وتعطف وتلطف، والعيد واحد الأعياد وشيء عادي أي قديم كأنه منسوب إلى عاد .
والأعياد مواسم وشعارات توجد لدى كل الأمم، ذلك أن إقامة، الأعياد ترتبط بفطرة وغريزة طبع الناس عليهما فكل الناس تقريباً يحبون أن تكون لهم مناسبات سعيدة يتذكرون بها الماضي، ولليهود أعيادهم وللنصارى أعيادهم التي يتميزون بها،وللمجوس أعياد كذلك, أما المسلمون فليس لهم إلا عيدان، الفطر والأضحى .
وهذان العيدان اللذان شرعهما الله لعباده لحكم كثيرة ومقاصد عديدة وفريدة هما من شعائر الإسلام الظاهرة والباهرة التي ينبغي الاهتمام بها وفق تعاليم الشرع المطهر كما ينبغي إدراك مقاصدها واستشعار معانيها.
والعيد عند المسلمين له طعم خاص ونكهة مميزة تتجلى فيه الأفراح الإيمانية المنضبطة بضوابط الشرع الحنيف المصونة بسياج الأدب الرفيع والخلق الكامل المنيع، ففي العيد الفرح الوقور والبهجة والسرور في حدود الأدب الإسلامي المميز، وفيه الدعابة الخفيفة واللطيفة والظريفة والنكتة الجميلة البريئة، وفيه حبور وسرور موزون، وفيه البسمة الحانية الدانية، والنزهة والفرجة المباحة والمتاحة .(7/44)
اذاً ليس العيد مظاهر ومباهج فارغة، ولا مظاهر وفوضى، بل العيد الإسلامي شكر للمنعم واعتراف بفضله وإظهار واستبشار بنعمته، العيد الصحيح أن نعود بفضلنا وخيرنا على غيرنا، يعود بعضنا بعضاً بالزيارة والسلام والوئام، والصفاء وعدم الجفاء، بالحب الصادق والمودة الخالصة، العيد تواصل وتواد وتراحم ليتحقق المعنى واللفظ في حياة الأمة, في العيد يتبادل الناس التهنئة الشرعية المعروفة لدى الصحابة والسلف الصالح أيا كان لفظها، من عبارات التهنئة المباحة، وقد ورد ما يدل عليها من كلام السلف كالإمام أحمد وغيره ممن يُعتد بقولهم ويُتأسى بفعلهم،من مشروعية التهنئة بالمناسبات، وتهنئة الصحابة بعضهم لبعض عند حصول ما يسر واندفاع ما يضر، ولاشك أن مثل هذه التهاني بين المسلمين في حدود الشرع المطهر من مكارم الأخلاق ومعالي الأمور ومحاسن الشيم ونبل الطباع .
وقد قال العلماء في ذلك أن تهنئ من هنأك بالعيد وتسكت إن لم يفعل ذلك وهذا أقل القليل وهذا مروي عن الإمام أحمد حيث قال: إن هنأني أحد أجبته وإلا لم أبتدئه، بهذا وأمثاله من تشريعات الإسلام العظيمة يقارب الإسلام بين الناس في تراحم ودود دون حقد، ويرسم طريقاً وسطاً مسلحاً بالعقيدة الصحيحة التي تحكم وتقارب بين الجميع وبالوازع الديني المنظم وهذا هو سمة الحياة الاجتماعية وأساسها في الإسلام، وهو نظام تربوي متميز يوقظ ضمير الفرد وحساسيته، ويثبت ويقوي شخصيته وإرادته ذلك إن تربية الفرد على هذا الأساس إنما هو إعداد له في ميدان الحياة الاجتماعية ولهذا التهذيب والتأديب نتائجه في السلوك الاجتماعي والإنساني المطلوب عقلاً وشرعاً وهي دروس رائعة وكفيلة بأن تهيئ للمجتمع المراد لبناته من طراز ممتاز.
ولقد قال علماء التربية من المسلمين إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة حينما نعيش للآخرين، ويقولون أيضاً وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا ونضاعف هذه الحياة ذاتها في نهاية المطاف، ويقولون أيضاً أن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية وإن كان البعض يقول أو يتصور ذلك خاطئاً، إن الناس إذا أمنوا منك إذا ألفوك، إذا أحسوا بالمودة الصادقة من جانبك تكشفت تلك القشرة،عن صفات كريمة وطباع سليمة وأخلاق فاضلة، وهي حاصلة لصنف واحد فقط تربى على الإسلام وعلى مائدة القرآن , يُشعر الناس بالود الصادق بالأمن الحقيقي بالثقة في مودته والقرب منه، بالصفح واللطف عندما تصدر منهم أخطاء أو مخالفات بشرية، كم يعطي المرء لنفسه من الخير والبر والإحسان والمودات الصادقة حين يمنح الآخرين شيئاً من عطفه ولطفه وتجاوزه الكريم عن بعض أخطائهم وحماقاتهم وسفههم أحياناً.
مناسبة العيد فرصة ثمينة ومناسبة غالية كريمة لتنمية بذرة الحب والعطف والمعروف والإحسان، في وقت يشكو الناس فيه مر الشكوى من الجفاء وعدم الصفاء، من جفاف الأخلاق وقساوة الطباع، العيد مختبر دقيق للأخلاق والطباع والتربية الصحيحة، إن النبل والفضل أن نزور ما نستطيع ونلتقي بمن نقدر عليه ونصافح الكثير ونصفح عن الجم الغفير ونسمو بأخلاقنا إلى الآفاق الرحبة التي أرادها لنا ديننا مشبعين بروح السماحة واليسر والعطف على الجميع العطف على ضعفهم وبشريتهم ونقصهم وخطئهم، بروح الرغبة الحقيقية في التصافي والتواد والتراحم .
ويوم كانت هذه الأمة واعية لنفسها مدركة لرسالتها العظيمة في الحياة كان الواحد منهم ليلة العيد وغيرها يفكر في جاره وصديقه وقريبه قبل أن يفكر في نفسه وولده وأقرب الناس إليه ؛ لأنهم حملة رسالة ودعاة خير وفضيلة وحملة سلام ووئام ومحبة، كان الواحد منهم يقدم حوائج إخوانه على حوائجه حيث الأريحية والصبغة الإسلامية صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون وهذا هو التعبير الصادق عن سمو الأخلاق في أمة الإسلام ولذلك يحس الجميع بفرحة غامرة تهز كيانهم وأبدانهم، وتشرق وجوههم وتبسم شفاههم وتضيء جباههم .
قال أحد العلماء في هذا إننا حين نتلفت لنجد هذه العذوبة وهذه الخصوبة أو تلك الفرحة في أعيادنا لا نجد منها إلا ظلاً خافتاً أو خيالاً كاذباً وكأنما تغيرت هذه الأعياد فبقيت لها الأسماء وزالت عنها الصفات والسمات والخصائص، ولِمَ لا وكان العيد في ماضينا فرحة بفوز الفكرة العابدة فأصبح في حاضرنا لدى البعض تجاوزاً للفكرة العابثة .
والإسلام بحكم شموله وتميزه يدرك تماماً معنى الطبيعة البشرية، فأوجب تزكيتها أي تربيتها وتهذيبها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وجعل الإسلام هذه التربية وهذه التزكية على أساس إسلامي متين، وجعل أساسها وجذرها المتين هو التهذيب والترتيب والتأديب لا الكبت فقط، إنه لا يترك الإنسان وطبعه بالمعنى الخاطئ، بل يعطي ضرورات الجسد نصيبها المفيد والمقبول والمعقول إن لبدنك عليك حقا كما أنه ينمي أشواقه الخيرة وتطلعاته النيرة ويعطيها نصيبها المعقول أحب لأخيك ما تحب لنفسك, إنه يوازن بين هذه وتلك موازنة دقيقة مفيدة .(7/45)
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها والإنسان بحكم طبعه وجبلته قادر على الخير والشر وهو بالتربية الصادقة قادر على الصعود والارتفاع، كما إنه بالتربية السيئة والماحقة قادر على النزول والتردي والهبوط والسقوط ، والمسلم الحق يوم العيد وغيره من أيام الله يستمتع بالمباح والمسنون من متعة الجسد، ويتطلع مع ذلك إلى آفاق أخرى ولكن لمن ذاق آفاق تربط بين المسلمين برباط الأخوة الصادقة وتهدف إلى الكمال والجمال في كل شيء في هذا الوجود، جمال التقدير وجمال التعبير وجمال التصور وجمال الشعور، لا في عالم ضيق محدود كما يحلو للبعض ولكن في نطاق الحياة كلها هكذا أراد الله لهذا المخلوق وفق شرعه وأمره، وهل في الدنيا شيء أجمل من الحب والقرب؟
هل هناك شيء في هذه الدنيا أجمل شعوراً في النفس من الحب، والوسيلة لذلك هي العقيدة الصحيحة والممارسة الدقيقة لمعطيات هذه العقيدة وهي التي تنظم فكره واتجاهه وغدوه ورواحه، العقيدة الصحيحة والتربية الكاملة الدقيقة لا تمنع من الاستمتاع بالطيبات من الرزق، ولا تحرم بحال زينة الله التي أخرج لعباده، وإنما ترتب وتؤدب وتهذب وتجعل لكل ذلك غاية مفيدة غير غاية العبث والجنون والفسوق والمروق، وهذه العناية هي الشعور الجميل والفعل النبيل والتعبير الجليل،والله جميل يحب الجمال، في الصفات والفعال والأقوال، وهذه الأشياء بالالتزام بآداب الدين تحقق لأمة الإسلام خير وقت للتدريب والممارسة الصادقة فترة العيد، حيث في الأعم الأغلب تنطلق فيه السجايا مع فطرتها، وتبرز كثيراً العواطف والاتجاهات على حقيقتها، والمجتمع السعيد الذي يريده الإسلام دوماً لبنيه هو ذاك المجتمع الذي تسمو وتعلو أخلاقه في العيد ويتغلب كثيراً على الغل والحقد والحسد والدّخل والدّغل ويصعد في العيد إلى أرفع مكان ويمتد شعوره الإيماني إلى آفاق بعيدة رحبة، ويبدو في العيد متعاوناً متماسكاً ويذكر ويتذكر دائماً أحوال إخوانه المسلمين في دنيا الناس التي تفيض بالآلام.
أيها المسلم اذكر صبيحة العيد أمماً كثيرة بأمس الحاجة إلى أبسط مقومات الحياة,اذكر جموعاً غفيرة وأمماً فقيرة شردها وبددها الطغيان وبغي الإنسان، هي في العيد تشرق وتغرق بالدمع، لا تكتحل بنوم ولا تهنأ بصوم، جوع وحرمان وبغي وعدوان، أيها المسلم اقتصد يوم العيد في المباحات وأنفق الفائض في سبيل الخيرات، لابد أن يبدو على وجهك يوم العيد الشعور الوقور بإخوانك في دنيا الناس.
اضف إلى استعدادك للعيد استعداداً آخر أكرم عند الله وأجدر بالمثوبة، هو استعدادك للتفريج من كرب من حولك من الأرامل والأيتام والمحاويج وغيرهم ممن يصلهم ودك ورفدك، أيها المسلم هذه العقيدة الصحيحة عقيدة الإسلام وما ينشأ عنها من أعمال خيرة وممارسات كريمة تجلى الكثير منها في رمضان ويوم العيد بالذات كلها تنشئ في القلب حياة بعد الممات, وتطلق فيه نوراً بعد الظلمات، حياة صحيحة يعيد بها المسلم تذوق كل شيء والحكم على كل شيء بحس آخر لم يكن يعرفه من قبل إنه مشهد رائع ماتع هذا الذي يجده الإنسان في قلبه بعد التجربة والحياة الإيمانية.
هذا الدين ليس أجزاء متناثرة أو متنافرة في حياة الفرد كلا؛ بل هو تصميم واحد متداخل متراكب متناسق، يبدو حياً وبهياً وشهياً في وجوه وسلوك أصحابه يتجاوب مع الفطرة النقية وتتجاوب وتتجاذب معه في ألفة عميقة وصداقة وثيقة وحب وود,وعندما يجد المسلم هذا النور في قلبه يجد الوضوح واليسر في نفسه وخواطره ومشاعره .
كاتب المقال: د .عبد الحليم بن إبراهيم العبد اللطيف
==============
رمضان وتلاوة القرآن
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين , والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وبعد :
أخيّتي ...
إن كنتِ قصرتِ في الأيام الماضية من رمضان , ولم تقرأي كتاب الله ؛ أو قرأتيه , ولكن من غير تدبر ؛ فهذه الأيام القادمة أقبلي على كتاب الله , وحاولي أن لا تفوتك كلمة إلا وفهمتِ ما معناها , وما تصبوا إليه , وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن , وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة , بقوله تعالى ): قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) ?123? سورة طه .
فإن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول إلى خير أمة أخرجت للناس بأفضل الشرائع , وأسمحها , وأسماها , وأكملها .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) : يقال لصاحب القرآن اقرأ و ارتق و رتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آيه تقرؤها ( رواه أبو داوود والترمذي وقال حديث حسن صحيح , وإن كنتِ تقولي : أنا لا أستطيع أن أقرأ القرآن الكريم بشكل جيد ؛ لأن نطق الكلمات أجد فيها صعوبة وجهدًا كبيرًا ؛ فإليكِ هذه البشرى , عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ( متفق عليه .
المراد بالسفرة : الرسل من الملائكة , والبررة : المطيعون لله تعالى .
يتتعتع : يتردد في قراءته , له أجران : أجر القراءة , وأجر المشقة.
أخيّتي ...(7/46)
ألا تريدين أن يضئ قلبكِ بالنور وينشرح صدرك ؟ ألا تريدين أن تثبتين في الدنيا والآخرة على الحق ؟ وعلى الصراط المستقيم ... أكاد أرى بريق عينيكِ تقول نعم , ومن لا يريد الثبات على الحق ... إذن ... فعليكِ بالقرآن الكريم , قال الله تعالى ) :يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) , (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( ?16? سورة المائدة .
إن رمضان شهر في السنة , وأيام معدودات , والعمر قصير ؛ فلا تُضيعي هذه الأيام بأشياء لا تعودعليكِ بالفائدة فأنتِ نبراس هذه الأمة ؛ فكيف نستطيع أن ننهض بهذه الأمة ,ونحن لا نتلوا الكتاب المنزل من السماء, وإن قمنا على تلاوته لا نفهم معانيه .
الآن ... وأنتِ تقرأين هذه الكلمات القليلة التي أسأل الله أن يجعلها نور في قلبكِ وقلت لكِ ما معنى كلمة ** الصمد ** سورة الإخلاص , وكلمة ** حام , وصيلة ** سورة المائدة , وكلمة ** لإيلاف ** سورة قريش .
أنا لن أقول لكِ المعنى أريدكِ أن تبحثي أنتِ عن معناها لكي تبقى عالقة بذهنكِ إن شاء الله , وإن كنتِ تعرفين معاني هذه الكلمات ؛ فهذا فضل من الله ومنّة , وإن قلتِ : أنا منشغلة في رمضان بعمل وغيرة ؛ فأنتِ تستطيعين أن تجعلي لنفسكِ أوقات محددة تنظمين فيها نفسكِ , وإليكِ هذه الخطوات التي تساعدك على تلاوة القرآن الكريم وتدبرة في شهر رمضان :
الخطوة الأولى :- حددي كم مرة تريدين أن تختمي القرآن الكريم .
الخطوة الثانية :- ضعي جدول يبين لكِ الوقت الذي تقرأين فيه القرآن , وليكن نصف ساعة بعد صلاة الفجر و نصف ساعة بعد المغرب , أو ما يناسبك من الوقت .
الخطوة الثالثة :- حاولي أن لا تتجاوزي هذا الوقت حتى تقرأي النصاب المحدد .
الخطوة الرابعة :- أثناء القراءة أغلقي هاتفك , وكل شئ يصلكِ بالخارج ؛ حتى لا يقطع عليك التلاوة .
الخطوة الخامسة :- حاولي أن تقفي عند كل كلمة لا تستطيعين فهمها , واقرأي تفسيرها لكي تعلق في ذهنكِ .
الخطوة السادسة :- حاولي أن تطبقي التعاليم التي قرأتيها في هذا اليوم .
الخطوة السابعة :- استشعري وأنتِ تقرأين القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يخاطبكِ .
الخطوة الثامنة :- أكثري من الدعاء عند كل آية تبشر بالجنة أو تنذر من النار.
وبارك الله فيكِ وجعلنا وإياكِ مما يستمعون القول ويتبعون أحسنه , وما كان من صواب فمن الله , وما كان من خطأ فمن نفسي , والشيطان .... واستغفر الله وأتوب إليه .
كاتب المقال: بنت الإسلام
===============
هلاَّ فهمنا رمضان
ها قد أهلَّ علينا ضيفٌ عزيز، وشهرٌ كريم، خصه الله تعالى على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، أنزلَ فيه القرآن، وفرضَ فيه الصيام، وسُنّ فيه القيام، فهو شهر البركات والخيرات، شهر العتق من النيران، والفوز بالجنان.
هذا رمضان الخير قد أطل علينا، وها هي نفحات السعادة انبعثت لتنشر بين جوانحنا فوح الطاعة وأريج العمل الصالح..
ولك أيتها الداعية أكبر دور في هذا الشهر الفضيل.. كيف لا.. وقد حملت على كاهلك أعظم رسالة اختص بها أنبياء الله ورسله، وأشرف مهمة يقوم بها المسلم.. ألا وهي مهمة الدعوة إلى الله وتبليغ الدين للناس..
ولنستشعر جميعاً نعمة الله وكرمه ومنّه علينا بهذه النعمة الجليلة، ولنتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغل الفرص في دعوته، وينتهز المواقف ليُسخرها في الوعظ والتذكير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترقب تجمعات الناس في المواسم ويذهب إليها ليبلغ دين الله.
فهلا أدركنا هذه الفرصة الدعوية والتي لا تأتي في العام إلا مرة واحدة.. ولنسأل أنفسنا مراراً وتكراراً: ماذا أعددنا لها لندل الناس على الخير، وماذا أعددنا لِبَذل ولو الشيء القليل لخدمة هذا الدين العظيم..
ونحن هنا نركز على هذا الشهر بالذات لصفاء النفوس فيه، وإقبال الناس على الخير، وتقبلهم له أكثر من أي وقت آخر، ألم يقل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تصفد في أول يوم من أيام رمضان... فما أكثر التائبين في هذا الشهر الفضيل، وما أكثر الأنفس التي تُقبل على الله، فهذه المساجد تكتظ بالرجال والنساء والفتيان، وهذه الصدقات تُبذل، وهذه الأنفس تتسابق لفعل النوافل والقربات.
وقفة..
في بداية هذا الشهر الفضيل يجب علينا أولاً الحمد والشكر لله جل وعلا أن بلغنا هذا الشهر الكريم، والتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي، ومن ثمَّ يجب علينا الخروج من المظالم ورد الحقوق إلى أصحابها، والحرص على استثمار أيام رمضان ولياليه صَلاحاً وإصلاحاً، وبهذا بإذن الله نكون قد خطونا خطوة حسنة في إصلاح ذاتنا أولاً لنستطيع بعد ذلك من إصلاح ممن هم حولنا بإذن الله تعالى..
أمّا أن يدخل رمضان ويخرج ونحن على حالنا، ونراه كعرف تقليدي موروث... فهذا والله لأعظم الخسران... نسأل الله العافية منه.
أهدي إليك هذه الكلمات القلائل - والتي أذكر بها نفسي أولاً - لعلنا نكون من المقبولين في هذا الشهر الفضيل عند الله، ولعلنا نكون من الفائزين فيه بإذن الله تعالى :
1- التوبة إلى الله تعالى :(7/47)
علينا أن نعي جيداً أن الذنوب هي التي تحول بين العبد وبين اغتنام هذه المواسم، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30)- سورة الشورى، ولا يخفى على أحد أن من أعظم المصائب هي المصيبة في الدين والعياذ بالله، فتمر مواسم الخيرات ولا نغتنمها في طاعة الله تعالى.
2 - الصدق مع الله تعالى :
الصدق في العزم على اغتنام هذا الشهر الفضيل، فالله تعالى مطلعٌ على قلوب عباده؛ فإذا رأى الله تعالى من عبده أنه يريد الفوز برضا الله في رمضان بصدق إلا أعطاه الله ما يهفوا إليه، وإذا رأى أنه لا يكترث بتغيير نفسه ويرى استمراره على عمل السيئات، فلا يبالي الله في أي واد سيهلك.
إن من أعظم علامات الصدق أن يكون العبد عازماً على اغتنام كل دقائق وساعات رمضان في طاعة الله تعالى، وذلك بالتخطيط لعمل برنامج يومي ومدروس يُملأ بالطاعات حتى لا يترك المسلم مجالاً لنفسه لأن تنشغل بالمعصية، وعليه أن يحاول بقدر استطاعته ويجتهد بأن تكون جميع أنواع فروضه ونوافله متقنة وعلى أفضل وجه، والحرص على أداء الفرائض في أوقاتها، وقيام الليل، والتضرع إلى الله بالدعاء والذكر، والحذر كل الحذر من الرياء والسمعة، فهي تحبط العمل مهما عظم.
و لنتذكر أن من هم بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة، فلو قدر الله تعالى على المسلم ولم يستطع فعل ما عزم عليه لعذر، فإن الله لن يضيع نيته الصالحة.
3 – الحرص على إدخال السرور على أخيك المسلم :
و هذا يكون بأي وجه من الوجوه التي تُسر المسلمين وتُفرج عنهم، ومن أولى الناس بهذا هم أهل بيتك، ومن ثم الأقرب فالأقرب.
4 – التحلي بحسن ولين الجانب والألفة :
ولنجعل من رمضان فرصة لتقييم أنفسنا، وإصلاح ذاتنا، وتعويدها على الخير، وعلى كل ما هو حسن قولاً وعملاً، والبعد كل البعد عن الشحناء والبغضاء والحسد والغل والغيبة والنميمة والتعالي على الناس والسباب وغيرها.
5 – العزم على ختم القرآن الكريم قراءة وتدبراً :
وحفظ شيء من سوره وآياته، مع الحرص على اكتساب شيء من العلم الشرعي، كتفسير لبعض السور، أو قراءة في السيرة، أو أخذ شيء من الفقه أو الحديث.
ولا يغرنا معاودة رمضان كل عام... فنحن إن بلغنا الله إياه هذا العام، فلا ندري هل سيبلغنا رمضان القادم ؟؟
وهل إذا بلغناه... هل سنضمن أن نكون بحال نستطيع الصيام فيه والقيام على أحسن وجه ؟؟
ولنتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ( بادروا بالأعمال سبعاً(1)، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسياً، أو غنى مُطغياً، أو مرضاً مُفسداً، أو هرماً مٌفنداً، أو موتاً مُجهزاً، أو الدجال فشر غائب يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) (2).
-------
1) أي سبعاً من الأحوال الطارئة المشغلة.
2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
كاتب المقال: تحرير دعوتها
=============
رفقاً بأنفسكم فإنه رمضان
كان السلف – رحمهم الله – يتشوقون للعبادات ويتحرون أوقاتها ، وأيضاً كانوا يخافون من عدم قبولها ؛ لذا كان من المأثور عنهم أنهم يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يسألونه بقية العام أن يتقبله منهم مع ما يقومون به من عبادات طوال العام ، وذلك لما لرمضان من منزلة إيمانية بل من فاصل بين الإسلام والكفر، فهو ركن من أركان الإسلام ؛ لذا فله هيبته وقدسيته وفضله عامة ، وأواخره خاصة حيث نترقب فيها ليلة القدر .
ويتميز رمضان بندرته فهو لا يأتي إلا مرة واحدة في العام ، ومع كل ما سبق نجد أنفسنا نعيش عالماً يموج بالغرابة والوقاحة والحماقة ، وتغييب العقل وموت القلب ونسيان حقيقة الذات البشرية ، بل نسيان الكثير من صفات الله تعالى ، وتغييب الإيمان التام بوجوده في حياتنا ؛ لذا نرى سباقاً محموماً وتنافساً ممقوتاً بين مختلف وسائل الإعلام خاصة المرئية منها ؛ للاستعداد لهذا الشهر العظيم بكل ما يدمر قدسيته وقبوله وآثاره ، فقبل رمضان تمتد الاستعدادات لشهور طويلة لإنتاج نيازك شيطانية ترجم الإيمان ، وقد تصيبه في مقتل من خلال المسلسلات التي تمتد لثلاثين حلقة ، والبرامج الحوارية الفنية والجلسات الغنائية واللقاءات مع أرباب شياطين الغناء والتمثيل ، والمسابقات التي تفتك بالأوقات والأموال والعقول ، وبرامج الأطفال التي تقتل كل غال من الطهارة والبراءة ، والإعلانات التي تعين على ترهل الأبدان والعقول ، وتجعل الشهر الكريم خاصاً بالملذات وغير ذلك من أمور تنفق عليها المليارات ، وتعبأ لها الإعلانات ، وتجند لها الجيوش من مرتزقة الدنيا وعبَّادها وصدق فيهم قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ?8? وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ?9? فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ?10? ) سورة الليل، يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: " وأما من بخل أي بما أُمر به ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله ، واستغنى عن الله ؛ فترك عبوديته جانباً ، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها الذي تقصده ، وتتوجه إليه ، وكذب بالحسنى أي بما أوجب الله على العباد من التصديق به من العقائد الحسنة ، فسنيسره للعسرى أي للحالة العسرة والخصال الذميمة بأن يكون ميسراً للشر أينما كان ومقيضاً له أفعال المعاصي ".(7/48)
وهم في سعيهم بل بمعنى أدق في تنافسهم الشيطاني لا يفترون ولا يملون ، بل نجد عندهم قوة شيطانية تجعلهم يستمرون لساعات طويلة في التخطيط والتنفيذ والتدريب فصدق فيهم أيضاً قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ?83? فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ?84? ) سورة مريم " وهذا من عقوبة الكافرين أنهم لما لم يعتصموا بالله ويتمسكوا بحبل الله بل أشركوا به ووالوا أعداءه من الشياطين ، سلطهم عليهم وقيضهم لهم ؛ فجعلت الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزاً ، وتزعجهم إلى الكفر إزعاجاً ؛ فيوسوسون لهم ويقبحون لهم الحق فيدخل حب الباطل في قلوبهم ويتشربها ؛ فيسعى فيه سعي المحق في حقه ؛ فينصره بجهده ويحارب عنه ، ويجاهد أهل الحق في سبيل الباطل " تفسير السعدي .
ونحن نؤمن بهذا الوعد الرباني بأن الله تعالى يعد لهم عداً مع ملاحظة أننا لا نكفِّر بالمعاصي إلا إذا استحقها المسلم .
وتكاثر هذا السيل العارم حتى طغى فصار طوفاناً غطى البيوت والقلوب والمقاهي والشوارع والصحف والمجلات والشبكة العنكبوتية وكل شيء ، يقول تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : وأعرض تعالى عن ذكر المتكاثر به إرادة لإطلاقه وعمومه، وفي هذه السورة وعيد وتهديد حيث يقول تعالى: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ?3? ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ?4? كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) سورة التكاثر.
ونراهم بعد رمضان العظيم يجتمعون لمناقشة ما أنتجوه ويتحسرون على أخطائهم ويعزمون على تلافيها في مستقبل أعمالهم في همة وتنافس للباطل تفتقده همم أهل الحق أحياناً .
لو كان رمضان شخصاً متحركاً ورأى كل ما تقدمه وسائل الإعلام فماذا سيقول ؟
إن هذه الوسائل والقنوات الفضائحية تضخ نتنها بأموالنا وأولادنا من الجنسين وعقول رجالنا ونسائنا ، وهي في ذات الوقت تدوس على معتقداتنا وتستهين بديننا وترغم أنوف أجيالنا ؛ لتظل راكعة لشهواتها بدلاً من صرفها للبناء ، ونظل ندفع مقابل عفنهم الفني أموالنا وأوقاتنا وشبابنا وأعصابنا وعقولنا وقلوبنا .
ونحن في مقابل هذا نحتاج إلى تربية إيمانية تربي الرقابة الذاتية في القلوب ؛ لنصل إلى أن نعبد الله كأننا نراه ، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا ، ونحتاج إلى إعلام قوي يقف سداً منيعاً ضد ذلك ، وتكاتف للأيدي ودعاء آناء الليل وأطراف النهار ، نحتاج إلى الكثير والكثير جداً ولا وقت للراحة ، فإن أهل الباطل لم ولن يقفوا، فاللهم أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة .
كاتب المقال: د.حياة بنت سعيد باأخضر
=================
رمضانكم أيها الدعاة
تمر بالإنسان حوادث معينة تعتبر نقطة تحول عند البعض، ولكنها عند الكثير من الناس قد تمر مرور الكرام، ودون أن يشعروا بعظمتها أو خطورتها. وهناك قسم آخر ممن قد يتغيرون تغيرا شكليا أو سطحيا، الشيء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وكذلك رمضان، كان وما زال عند البعض نقطة تحول كبيرة؛ فتراهم بعد كل رمضان أحسن حالا وأنقى سريرة وأرقى فكرا، بينما رمضان عند الكثير مجرد "أيام وتعدي"!.
والحديث هنا لا يخص العبادات في رمضان؛ فهي ما زالت الوسيلة الأرقى لاتصال العبد بربه، والطريقة المثلى لتطبيق معنى الحرية بشكلها الحقيقي، وذلك في رفض أي نوع من العبودية لغيره سبحانه وتعالى.
الحديث هنا يلمس معانيَ أخرى لرمضان؛ فإن كان الإنسان مكونا من روح وجسد؛ فرمضان هو مصدر غذائي لكليهما.
القيمة الحقيقية للإنسان:
ولو أردنا تقسيم الإنسان أيضا إلى ما هو ملموس وما هو غير ملموس؛ لكانت الروح والأفكار والمفاهيم هي مكون الجزء المهم من الإنسان، وهو الجزء غير الملموس حسيا، ولكنه الجزء الأكثر تأثيرا على مسار حياة الإنسان. فليس هناك دلالة كبيرة أو قيمة حقيقية في كون الإنسان ضخما أو نحيلا، طويلا كان أو رَبعة أو قصيرا، ولم تكن هذه الصفات الجسمانية هي المتحكم الأهم في مستقبل الإنسان ومصيره، ولكن يبقى التحكم الأكبر في مستقبلنا مرتبطا بروح وثابة أو مهملة، بأفكار مبدعة أو متعبة، ومفاهيم سليمة أو سقيمة.
ورمضان هو الشهر الأكثر إبداعا في التأثير على كل هذه العوامل، كل ذلك طبعا هو بعد مشيئة خالق الإنسان والأيام، سبحانه وتعالى.
في رمضان قد تهدأ النفس أو قد تثور، ويرجع الأمر إلى كيفية تهيئة الإنسان لنفسه؛ فإن استقبلناه بروح نافرة شاكية فإن شهرا يتصف بالكرم كشهر رمضان لسوف ينفر من النفس وإن صامت، والخاسر الكبير هو الصائم؛ حيث لن يكون له حظ من صيامه غير التعب.
رمضان نقطة تحول:
والأيام خلق من خلق الله تعالى، ورمضان هو من خيرة هذه الأيام، وفيه خير ليلة. وإن لم تؤثر هذه الأيام العظيمة على النفس إيجابيا فبمَ تتأثر هذه النفس؟
إن رمضان حدث، بل هو حدث كبير، والنفوس الكبيرة هي من تتعامل مع الأحداث الكبيرة بنفس كبيرة وروح كبيرة وفكر كبير.
رمضان يجب أن يكون لنا جميعا نقطة تحول نحو الأفضل، خاصة ونحن نعيش أياما يصعب وصفها في سطور، ولكنها أيام عصيبة تحتاج إلى نفوس تعرف كيف تطور نفسها مع تطور الأحداث، وتعرف كيف تستجيب لسنن الله في الكون، ومنها سنة التغيير، وكما علمنا الرحمن الرحيم في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وهذا رمضان جاء يمنحنا فرصة للتغيير.
وللداعية أدوار:(7/49)
وللداعية المسلم في هذه الأيام دور مهم وخطير، خاصة أن حالنا كأمّة وإلى حد كبير يتفق ووصفه صلى الله عليه وسلم حين وصف العصور، وتفاعلها مع ما جاء به من الهدي والعلم؛ فقسمها إلى ثلاثة أقسام، فقال - واصفا أدناها - : "وكانت منها طائفة قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ"، ودور الدعاة أن يدفعوا بالأمة إلى الأعلى، إلى مرحلة "فكانت بقعة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير"، ثم دفعها إلى مرحلة أعلى: "وكانت منها بقعة أمسكت الماء، فنفع الله عز وجل بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا". وهذه هي المرحلة التي سوف تعطي الإسلام بعده الحضاري والإنساني.
ولكن وكما قال شيخ الدعاة الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- واصفا حال المسلمين: "عيب المسلمين الآن أنهم لم يعرفوا القرآن ثقافة تفيق الألباب، وخبرة بالأنفس والآفاق، إنه ترديد ألفاظ وأنغام وحسب"، ثم خصص القول بعد تعميمه، فقال عن حال بعض الدعاة: "المشكلة في نظري أن بعض الدعاة لا يدري نفاسة ما عنده، بل ربما كانت قدرته على الإماتة أظهر من قدرته على الإحياء".
ثم يضيف -رحمه الله- فيحدد صفة العمل الأصيل والعمل غير ذلك، فيقول: "إنه فكر أذكى من فكر، وخلق أرضى من خلق، وإدارة أرشد من إدارة، وإنتاج أغزر من إنتاج، وحكم أعدل من حكم، وأسرة أطهر من أسرة، وتربية أجدى من تربية. والخطر كل الخطر على الحياة الإسلامية -وهو الحال الآن- أن نثبت أو نجمد ما من شأنه المرونة والتطور، أو نطور ما من شأنه الثبات والخلود، فتضطرب الحياة، وتختل الموازين".
وكما جاء في كتاب "الصحوة الإسلامية" للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي: "على الداعية أن يتعرف على زمانه ليعرف كيفية التعامل معه، ومع النفس البشرية، خاصة وأنه يدعو لدين يجمع بين ما تحتاجه طبيعة الحياة الإنسانية من ثوابت في العقيدة والعبادة والأخلاق والأحكام، وبين متغيرات تتأثر وتتغير بتغير الزمان والمكان، وتشمل الوسائل والأساليب، وخاصة لغة الخطاب والتحاور".
ويقول الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله- في "مشكلة الثقافة": "قد قامت الحضارة الإسلامية في بدايتها بتجديدين، ومرة واحدة؛ وهما تجديد بنفي السلب، وتجديد برسم الإيجاب". وهذا ما يجب أن يقوم به الداعية المسلم اليوم حتى يرقى بأمته وبالإنسانية، ويبعدها من وحل جاهلية القرن العشرين إلى نور حضارة الإسلام بعالميته وشموله وعدله وإنسانيته.
و يتطلب كل ذلك تحولا نوعيا في حياة وفكر المسلم عامة، والداعية خاصة، ورمضان هو خير معين على ذلك؛ لما تحتويه ذاكرة التاريخ من تحولات عظيمة حصلت في هذا الشهر العظيم، وهي أحداث تعتبر مثالا قائما ليستفيد منه كل ذكي، وكل من له قلب واع وروح وثابة.
وإن كان اسم رمضان يوحي بشيء من الجهد أو التعب؛ فالتغيير نحو الأفضل هو من أشق الأمور، بل إن التغيير الفكري والبعد عن مصيبة العادة والروتين -وخاصة في مجال الدعوة- هو الأصعب والأشق؛ فهلا جعلنا رمضان بداية تحول حقيقي للدعوة وخطابها، والرقي بها إلى مستوى يحاكي أو يتعدى الخطاب العالمي القائم والبعيد كل البعد عن الحق والصواب.
كاتب المقال: د. جمال عبد الواحد طاشكندي
===============
وقفات حول الدعوة في رمضان
شهر رمضان موسم لجني الحسنات،والتخفيف من السيئات،وفرصة لتحقيق التقوى التي من أجلها فُرض الصيام ؛ ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار، يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]،فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان، أن يغتنم الفرصة،ويستزيد من الأعمال الصالحة التي منها الدعوة إلى الله تعالى،فالدعوة في رمضان فرصة ثمينة لكل داعية.
جاءت نصوص الشرع بالأمر بالدعوة، وكل مسلم يدعو إلى الله تعالى حسب قدرته، فهذا بقوله، وهذا بماله، وهذا بقلمه، وهذا بجاهه، بهدف تحقيق الخيرية التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، وشهر رمضان أرض خصبة وميدان واسع للاستباق على فعل الخيرات، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا كانت أول ليلة من رمضان، فُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وغُلقت أبواب جهنم، فلم يُفتح منها باب، وصُفدت الشياطين، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وللدعوة في رمضان طرق سالكة ؛ لعدة أسباب منها:
1-لأن القلوب تكون أقل قساوة، ولديها استعداد للقبول والتلقي في هذا الشهر الكريم أكثر من أي وقت آخر.
2-رغبة كثير من الناس لتجديد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والانضمام إلى عقد التائبين.
3- لكثرة ارتياد الناس للمساجد رجالاً ونساءً، وإقبالهم لما يطرح فيها من مواعظ ودروس
4-حرص الناس على زيارة بيت الله الحرام لأداء العمرة، وتجمعهم في تلك الأماكن حيث تكون الفرصة سانحة لممارسة الأنشطة الدعوية بينهم.
5-اهتمام كثير من الناس بإخراج زكاة مالهم، وبذل الصدقات في جوانب الخير المتعددة، وحرصهم على المشاركة في مشاريع تفطير الصائم والتي يمكن استغلالها أغلب الأحيان لتنفيذ البرامج الدعوية المناسبة.
للأسباب الآنفة الذكر نجد أنه من الضروري الاستفادة من هذا الموسم في الدعوة إلى الله تعالى بشتى الوسائل والإمكانيات المتاحة، ومن الوسائل الفعَّالة التي يمكن القيام بها للدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى- في هذا الشهر الكريم ما يلي:(7/50)
1-تفعيل دور رب الأسرة في توعية أهل بيته وإعداد برامج دعوية مناسبة لهم.
2-توجيه رسائل دعوية للمرأة وذلك من خلال المحلات النسائية وأماكن التجمعات المعتادة.
3-تفقد أحوال الفقراء ومساعدتهم مع التركيز على الجانب الدعوي عند تقديم المساعدات
4-استغلال وسائل الإعلام المتعددة بالدعوة إلى الله من مقروء ومرئي ومسموع.
5- توزيع الأشرطة والمطويات والكتيبات الصغيرة.
6- توزيع الكروت المتنوعة لكافة المناسبات المشروعة بحيث تزدان هذه الكروت بتوجيهات ونصائح هادفة.
7- توجيه الكلمة الطيبة بإلقاء محاضرة أو درس بعد الصلاة سواءً المفروضة أو التراويح، مع الاهتمام بأي تجمع أسري أو اجتماع عدد من الموظفين في أماكن العمل لتوجيه مثل هذه الكلمات.
8-عمل مسابقات متنوعة عن طريق إعداد الأسئلة وطلب أجوبتها، أو لحفظ بعض سور القرآن الكريم.
9-التواصل مع الأقارب عن طريق الزيارات والإفادة منها للدعوة بشكل غير مباشر.
10-زيارة الجيران وأهل الحي والسؤال عنهم وتشجيعهم على تفعيل بعض الأعمال الدعوية فيما بينهم.
11-استثمار إمام المسجد لمكانته في دعوة جميع الفئات العمرية في المنازل القريبة عن طريق المسابقات والرسائل الهادفة.
12-إعداد مظروف يحتوي على كتيب رمضاني، مطوية، شريط جديد، سواك، ويكتب عليه "هدية رمضان".
كاتب المقال: تحرير دعوتها
===============
الدعوة مفتوحة.. فهل أنت مستعدة؟
تتخوف بعض النساء من الدخول في مجال الدعوة معتقدات خطأ أن هذا المجال قاصر على المختصات في الدراسات الشرعية والدعوية، بالرغم من أن مجالات الدعوة كثيرة ومتعددة، ولا تحتاج إلى تخصص دقيق، فمجرد سلوك طيب وبسيط من الداعية قد يترك أثرا أعمق بكثير من عدة دروس ومحاضرات إنشائية تقليدية، ومن أهم مجالات الدعوة بالنسبة للمرأة ما يلي:
• البيت: وهو مملكة المرأة التي يربى فيها النشء وتخرج منها الأجيال.
• المسجد: حيث يفضل أن تشهد المرأة فيه الصلوات والجمع والأعياد، ويتعين عليها الحضور لتوجيه النساء والمشاركة في الدروس العلمية والندوات والمحاضرات المقامة فيه.
• الدورات الخاصة بتحفيظ القرآن: يجب العناية بها وتشجيعها ودعمها مادياً ومعنوياً وتطوير أساليبها القائمة.
• المدارس والجامعات : فعلى النساء الداعيات الاهتمام بالفتيات في هذه المرحلة، خاصة بالأنشطة العلمية والثقافية وتطوير أساليبها.
• المستشفيات والمستوصفات : والمراكز الصحية الحكومية والأهلية، وذلك بزيارة أقسام النساء فيها للتنبيه على ما تحتاجه المريضة، ودعوة المرافقة والطبيبة والعاملة ومتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام من مخالفات شرعية في المستشفيات.
• تجمعات العوائل والأسر في المناسبات الخاصة : فينبغي العناية بهذه التجمعات والمشاركة فيها بوضع البرامج العلمية والمسابقات الثقافية المفيدة وتخصيص الجوائز التقديرية لذلك.
• المشاركة في وسائل الإعلام (المقروءة والمسموعة والمرئية) : وذلك بطرح القضايا التي تخص المرأة والطفل , وتشجيع المجلات النسائية المتخصصة والهادفة عن طريق الكتابة والاشتراك فيها.
• زيارة الأقارب والجيران : سواء كانت الزيارة واجبة أو مستحبة أو جائزة، فمجرد الزيارة دعوة عملية، فكيف إذا اشتملت على نصح وتوجيه وتعليم؟
• المشاركة في حملات الحج والعمرة : بوضع البرامج العلمية والثقافية الخاصة، لا سيما وكلهن مسافرات متفرغات للطاعة..
• المشاغل النسائية والأسواق التجارية والمنتزهات العامة : تعتبر أوسع ميادين الدعوة؛ نظراً لكثرة من يرتادها من النساء وسهولة الدعوة بينهن، حيث الأمر لا يتطلب – عادة – من الأخت الداعية أكثر من جملة أو جملتين تلقيهما بوجه طلق إلى أختها، ثم تهديها شريطاً أو كتيباً أو مطوية صغيرة تعالج منكراً من المنكرات أو تبين قضية من القضايا التي تخص المرأة.
• الجمعيات والمنتديات النسائية : وهي مع قلتها تعتبر أخطر وأهم المجالات الدعوية في المجال النسوي؛ حيث إن العضوية والانتساب إلى هذه الجمعيات والمنتديات يكون عادة لنساء وبنات الذوات بمستوى اجتماعي وثقافي عال، فيتطلب الدخول والمشاركة فيها مستوى علمي وثقافي راق، مع إعداد برامج علمية وفكرية وثقافية تتناسب مع مستوى منسوبات هذه الجمعيات.
وهناك بعض الأمور يتعين على المرأة الداعية معرفتها، ومنها ما يلي:
• الأصل في خطاب الرجال هو خطاب للنساء إلا ما خصت به المرأة وهو قليل جداً.
• من الضروري اللازم: التفريق بين (الثابت والمتغير) في الأحكام والتوجيهات الشرعية، فمن الثابت: (وجوب الحجاب، والمحرم بالسفر، والقوامة للرجل، والتنصيف في شهادتها في الأموال، وفي المواريث أحياناً… إلخ) , وضابط الثابت في الشرع: (كل ما ورد بنص قطعي الدلالة من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه علماء الأمة) وكل ما ليس من الثوابت فهو من المتغيرات.
• يجب أن يعلم أن ما يسمون بـ "أنصار المرأة" هم خصومها حقيقة، وقضايا المرأة عندهم كلها من المتغيرات، يوردون الشبه على (الثوابت والمتغيرات) فينبغي دراسة جميع شبههم ثم القيام بالرد عليها ودحضها.
• المسؤولية في تربية الأولاد مشتركة بين الأبوين، ولكنها في حق الأم أوجب وأولى ما لم يبلغ الأولاد في سن التمييز , ومسؤولية تربية البنت بعد البلوغ أوجب على الأم أيضاً حيث أودع الله فيها من الحب والعطف والرقة والحنان ما ليس عند الأب.
• إذا كانت الدعوة إلى الله واجبة على الرجل والمرأة معاً فهي على المرأة بين صفوف النساء أوجب من الرجل؛ لأن ذلك أدعى للقبولِ.(7/51)
• الأخذ بـ (الرخص) الشرعية للعوام أولى من قصرهم وإلزامهم بـ (العزائم) , أما الدعاة والقدوات للناس فأخذهم لأنفسهم بالعزيمة أولى من الرخصة.
• لا يجوز للمرأة الداعية أن تخرج من بيتها دون إذن وليها – أب أو زوج – وينبغي له أن يأذن لها إذناً خاصاً أو عاماً مطلقاً ما دام خروجها من أجل الدعوة إلى الله، وهي ملتزمة بقواعد الشرع وآدابه.
• وأخيراً: الواجب على كل من الرجل والمرأة في مجال الدعوة أن يكون عمل كل طرف مسانداً للآخر، فالدعوة بين صفوف النساء: الأصل المتعين أن تكون على المرأة، وما يعمله الرجل فهو عمل مساند لعمل المرأة لا غير.
مقترحات:
1- إعداد دراسة شاملة لقيام مستشفيات أهلية خاصة بالنساء، ثم السعي مع الجهات المعنية لإخراجها إلى الواقع.
2- الاحتساب على جميع منسوبي المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية بأن لا يعالج المرأة ويتولى الكشف عليها إلا امرأة مثلها.
3- السعي لدى الجهات المعنية لافتتاح مكاتب نسوية للتوجيه والإرشاد في جميع المستشفيات توظف فيها خريجات الدراسات الشرعية والخدمة الاجتماعية.
4- أن تتبنى الجمعيات الخيرية في المدن الكبيرة فتح مكاتب مجانية تقدم الاستشارات الأسرية وإصلاح ذات البين يتولاها بعض العلماء وطلاب العلم.
كاتب المقال: د.سعود بن عبد الله الفنيسان.
=================
أفكار دعوية للمدارس(1/2)
أولاً : مدارس التعليم العام :
تنتشر مدارس البنات في جميع أنحاء العالم الإسلامي، نصيب المرحلة المتوسطة والثانوية قرابة ثلث العدد، ولا يخفي أهمية هذه المرحلة العمرية بالنسبة للفتاة، ومن هنا تأتي أهمية إعطاء هذه الشريحة حقها من الاهتمام الدعوي والتوجيهي، وفيما يلي أبرز المناشط التي يمكن تقديمها للمرأة من خلال مدارس البنات :
أ ) توزيع بعض الأشرطة أو الكتيبات المختارة عن طريق اقتراحها للجهة المشرفة، أو بواسطة إحدى المعلمات .
ب) حث بعض المعلمات لطرح أشكال من المسابقات مثل: حفظ القرآن، أو مسابقات ثقافية، أو كتابة بحوث، أو تلخيص لبعض الكتب .. إلخ، إضافة لإصدار بعض النشرات التوجيهية، والمطويات الموسمية .
ج ) تحفيز بعض المعلمات النشيطات لإقامة درس ثابت في مصلى المدرسة للطالبات .
د) إقامة المحاضرات المناسبة ومن الملقين المتميزين .
هـ) حث إحدى المعلمات لإنشاء ما يسمى بجماعة المصلى لتنشيط الجوانب التوجيهية في المدرسة
و) إقامة لقاء نصف شهري أو شهري بين الداعيات من المعلمات لبحث وضع البرامج الدعوية في المدرسة .
ز) إيجاد « ركن – كشك » لبيع الأشرطة والكتيبات في المدارس والكليات وتكون تابعة : إما إلى المقصف – وإما إلى مراكز الدعوة – وإما إلى جماعة المصلى – وإما إلى التسجيلات الإسلامية – وإما إلى المؤسسات الدعوية .
ح) توجيه بعض المعلمات لإلقاء محاضرات أو ندوات مشتركة وتكون من القضايا التي تناسب المرحلة العمرية .
ط) الاستفادة من طالبات الجامعة أثناء فترة التدريب الميداني في تنظيم بعض المناشط الدعوية والتوجيهية .
ي) الاستفادة من الإذاعة الداخلية بما هو مفيد سواء في طابور الصباح أو حصص النشاط ، أو الفسح .
ن) رصد الظواهر السلبية، والمخالفات الشرعية التي قد توجد بين الطالبات وإعداد نشرات أو كتيبات تعالج هذه الظواهر، ولعل أبرز ما ينبغي التركيز عليه: ( المعاكسات الهاتفية، العلاقات المتبادلة الشاذة – الإعجاب – التساهل في الحجاب ) .
س) إقامة معرض للكتاب والشريط الإسلامي بشكل سنوي .
ش) توفير « حقيبة الانتظار » في المدارس كي تستفيد المعلمة من الحقيبة في حصص الانتظار، و هذه الحقيبة تحتوي على كتيبات « قصصية » بعدد طالبات الفصل، وكتب مسابقات، وتقوم المعلمة إما بتكليف الطالبات بقراءة الكتيبات، أو تعمل لهم مسابقة من خلال كتاب المسابقات، وتحتاج المدرسة إلى أربع حقائب مع الحرص على تغيير الكتيبات بين فترة وأخرى .
ما يتعلق بالمعلمات بشكل أخص :
1- يوجد حصة للنشاط في كل أسبوع، إلا أن غالب المدارس لا تقوم بالاستفادة منها الاستفادة المثلى، ويمكن وضع دليل عملي مكتوب يحوي بعض الأنشطة التي يمكن من خلالها ملء هذه الحصة بما يفيد، أو التنسيق مع بعض الداعيات للحضور للمدرسة خلال هذه الحصة .
2- تزويد غرف المعلمات ببعض المجلات الإسلامية المناسبة مثل: مجلة الأسرة، الشقائق، الدعوة، إضافة لبعض الكتيبات المناسبة .
3- إقامة محاضرات خاصة بهن في المدارس، ويمكن الاستفادة من المشرفات اللاتي يصاحبن طالبات الجامعة أثناء التدريب الميداني .
4- توزيع بعض الأشرطة والكتيبات والنشرات المناسبة لمستواهن العمري والعلمي.
5- حث المعلمات على الالتحاق في مدارس تحفيظ القرآن المسائية للدراسة أو التدريس بها .
6- حث إحدى المعلمات النشيطات لتنظيم درس في القرآن أو غيره خلال اليوم الدراسي، خاصة وإن بعض المعلمات لديهن وقت فراغ ليس بالقليل أثناء الدوام .
برنامج المصلى:
من أهم أنشطة المصلى :
- إذاعة شهرية تقدمها طالبات المصلى .
- عمل مسابقات أسبوعية .
- تحفيظ الطالبات السور المقررة لمسابقة الرئاسة .
- إلقاء دروس مبسطة في التفسير والسيرة .
- تخصيص يوم الأربعاء لاستقبال مشاركات الطالبات الإلقائية .
- طرح سؤال أسبوعي في زاوية المصلى من لوحة الإعلانات .
مقترحات يمكن الاستفادة منها:
1- وقوف المدرسات المناوبات عند أبواب المدرسة من الداخل أثناء الدخول و الخروج حتى يتسنى لهن متابعة الطالبات.
2- التأكيد على المدرسات بين وقت و آخر بمراقبة و متابعة الطالبات لمعالجة بعض السلوكيات .
3- تكثيف النصائح و التوجيهات و الندوات .(7/52)
4- تشجيع المدرسات المتعاونات و شكرهن على ذلك لدفع بقية المدرسات لكي يحتذين حذوهن
5- توجيه الطالبات اللاتي يلاحظ عليهن بعض المخالفات، و تقديم النصيحة الفردية لهن من قبل بعض المدرسات لأن ذلك له أبلغ الأثر على الطالبة .
6- إشعار أولياء الأمور بالمخالفات التي تستدعي اطلاع ولي الأمر عليها أولاً بأول .
7- نشر الوعي الديني بين صفوف الطالبات عن طريق الإذاعة و طابور الصباح و جماعة التوعية .
8- وضع الحوافز للطالبات اللاتي يظهر عليهن الاستقامة لكي تحذو بقية الطالبات حذوهن .
ثانياً : أنشطة عملية مقترحة مع الطالبات في الجامعات:
بالإضافة إلى ما يناسب مما سبق في المقال الموجه للمدارس يقترح ما يلي :
1- توفير الخدمة الهاتفية للإجابة على استفسارات النساء الشرعية ، بالإضافة إلى الاستشارات و المشاكل الأسرية .... بحيث يتم التنسيق على موعد أسبوعي لمدة ساعة يستضاف فيه أهل العلم.
2- تنظيم مسابقة علمية تربوية داخلية ، على مستوى رفيع ( فصلية أو سنوية ) ترصد لها جوائز قيمة ... بحيث تحتوي على بحوث شرعية و تلخيص بعض الكتب أو تفريغ بعض الأشرطة المميزة .
3- إقامة معارض داخلية بالتنسيق مع المؤسسات الدعوية الخيرية كالحرمين و الندوة العالمية، أو معارض للكتاب الإسلامي داخل الكليات، أو الاتفاق مع مؤسسات التسجيل الإسلامية الكبرى كتسجيلات التقوى و تسجيلات أحد لعرض كل جديد ومفيد .
4- التنسيق مع إحدى دور النشر بفتح مكتبة تجارية دائمة داخل المبنى ، يتوفر فيها كل ما يمس واقع الطالبات أو يحتجن إليه من مراجع وغيرها ،و محاولة البحث عن دعم لها لتبيع بأسعار مخفضة ، و إيجاد مكتب للاشتراك في المجلات الهادفة .
5- إصدار نشرات داخلية تتناول موضوعات متعددة تعنى بالجوانب الثقافية والشرعية والسلوكية و غيرها .
6- توزيع المطويات و المجلات الهادفة و المحتوية على الفتاوى و المواقف و القصص على نسق ما تصدره دار القاسم أو الوطن .
7- التوسع في إيجاد الأماكن التي تؤدي فيها الأنشطة الطلابية كالمصليات أو غرف أو قاعات، تمكن من إقامة العديد من البرامج فيها .
8- إيجاد شبكة مرئية أو سمعية في الكلية ليتسنى عرض المناسب من البرامج الدعوية أو العلمية كإذاعة القرآن الكريم .... أو مشاهدة بعض الأفلام الهادفة من خلال أشرطة الفيديو .
9- العناية بالطالبات المتميزات و عقد لقاءات لهن ( نصف شهرية ) يتم فيها التوجيه الدعوي المناسب، و لفت الانتباه إلى ما يمكن أن تسهم فيه الفتاة من المجالات الدعوية .
10- حث الطالبات على المشاركة في المسابقة المميزة التي تقيمها الكليات أو المؤسسات الخيرية أو الجوامع في حفظ القرآن الكريم أو حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، و توضع لها الجوائز المناسبة القيمة .
11- الإفادة من هيئة أعضاء التدريس في إلقاء كلمات التوجيه الدعوية زمن الاستراحة أو الوقت الذي يتناسب مع محاضرات الطالبات .
12- توزيع هدية ( المتخرجة ) في حفل التخرج ، و هدية ( المستجدة ) في حفل الاستقبال وما تحويها من نشرات مفيدة .
13- التنسيق مع المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد، وإيجاد حلقات اتصال بينه و بين الكلية ليتم عن طريقه توزيع الكتب و الأشرطة و المطويات ... و دعوة غير المسلمين من الخدم والسائقين .
14- إقامة مركز ثقافي دائم ، يتوفر فيه مجلس عربي و مكتبة يوجد فيها مراجع سريعة وكتيبات و أشرطة، و جهاز تسجيل، و شاشة عرض لبعض الأفلام الهادفة و النافعة، و يوكل بالإشراف عليها أحد الأخوات النشيطات و من ثم يتم ضم مجموعة من الطالبات .
15- مسابقة تلخيص شريط أو كتاب .
16- مسابقة صورة و تعليق (( أن تكون الصورة معبرة )) .
17- مسابقة استمع بتركيز (( يشغل الشريط و يكون مع الطالبات ورقة فيها اختيارات أو فراغات، و تعتمد على التركيز بالاستماع، ثم تجمع الأوراق بعد نهاية الشريط للمرة الثانية مثلاً ))
18- مسابقة أفضل طبق خيري، فيعلن عن مسابقة الطبق الخيري على أصناف معينة أو مفتوحة، على أن يكون هناك ضوابط، و لجنة للتحكيم على أفضل طبق من ناحية المذاق والإخراج، ثم تعرض الأطباق للبيع .
19- إقامة معرض كتاب و شريط، إما أن يكون على مستوى الأقسام أو يكون كبير على مستوى الكلية .
20- وضع أكشاك لبيع الكتيبات و الأشرطة المسموعة و المرئية الحديثة كل اثنين من كل أسبوع مثلاً، وتكون في الممرات و أماكن التفسح .
21- إقامة مسابقات و دورات بالتعاون مع بعض الدور النسائية مثل مسابقة حفظ بعض السور، أو حفظ الأوراد أو الأربعين النووية و غيرها من المسابقات النافعة .
22- وضع حلقات صباحية لتحفيظ القرآن الكريم .
==============
كوني داعية أينما كنت
العمل الدعوي ليس له مكان، أو زمان، أو صفة تحصره وتقيده، ذلك أنه بإمكان المرأة متى ما استوفت شروط الدعوة (العلم، الفقه: فقه النص، وفقه الواقع وغيرها..) فإنه بإمكانها أن تمارس العمل الدعوي من أي مكان وفي أي زمان، ومن أي موقع تشغله دون قيود باستثناء الالتزام بالضوابط الشرعية والمنهجية الصحيحة.(7/53)
ومع هذا، فإن من ينظر إلى ساحة العمل الإسلامي في هذا العصر يجد أن دور المرأة المسلمة المثقفة ما زال ضعيفاً إلى حد ما، على الرغم من أهمية دورها وخطورته في هذه الأيام التي اشتد فيها الصراع وتعددت جبهاته وتنوعت أنواعه، العقدية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وغيرها , وتفاعلت فيه القضايا المطروحة فيما يتعلق بالمرأة، والدعوة إلى تحريرها، ومساواتها بالرجل، ونبذ جميع أشكال التمييز ضدها، وما إلى ذلك مما يتعلق بموضوعات المرأة والأسرة، بل واستغلال قضايا المرأة لممارسة الضغوط على الدول والحكومات من أجل تغيير قوانينها وتشريعاتها الخاصة بالأحوال الشخصية، واستغلال الجمعيات النسائية والناشطات من الرموز الثقافية لتعجيل عملية التغيير وتفعيلها على جميع الأصعدة.
وفي خضم هذا الصراع المحتدم، والتدافع الحضاري والثقافي الخطير نجد أن حركة المرأة المسلمة الداعية ما زالت تدور في فلك ضيق ونطاق محدود لا يكاد يؤثر في عملية تحريك عجلة الإصلاح الاجتماعي، ويوجهها الوجهة الصحيحة التي تعين على تحقيق الحصانة الفاعلة والتفاعل المنشود، فهي تكاد تكون غائبة عن ساحة الصراع تمارس دوراً محدوداً يتسم في غالبه بالارتجالية والانفعال وغياب التخطيط الواضح، أو الوعي المطلوب، أو التنظيم الدقيق، فهي ما زالت تتحرك ضمن إطار العمل الخيري، والندوات والمحاضرات والدروس ضيقة الحدود، محدودة الأبعاد، والتي تركز غالباً على بعض القضايا العقدية، وأمور العبادات وتكثر المواعظ والرقائق، بالإضافة إلى الانخراط في حلقات تحفيظ القرآن التي تتعامل في مجملها مع شريحة معينة وجمهورها المحدد على المواجهة والصمود للتحديات المعاصرة، فضلاً عن معالجة القضايا المطروحة والتعامل معها بالشكل المناسب.
بالإضافة إلى عدم تمتعها بالاستقلالية، وخضوعها لسيطرة التنظيمات الرجالية، مما قيد حركتها وفتح المجال واسعاً أمام التيارات الأخرى المدعومة داخلياً وخارجياً للتغلغل داخل بنية المجتمع واستقطابه لشريحة كبيرة من جمهور النساء وبخاصة الفتيات صغيرات السن، مما يسر لها الطريق لإثبات وجودها، وفرض مطالبها.
وهذا لا يعني عدم وجود عمل دعوي نسائي في مجالات مختلفة، منها:
• المجال الإعلامي: وإن كان التواجد النسائي فيه ما زال ضعيفاً ومحدوداً، ويفتقد إلى المهارات الاحترافية، والقدرة على التعامل مع معطيات الواقع المتغير.
• المجال الفكري والعلمي: وهو أيضاً يشكو من قلة العاملات الفاعلات فيه.
• المجال التربوي: والصورة فيه لم تزل غير واضحة ولا منهجية، ولكنها تبقى اجتهادات فردية تقف في وجهها الكثير من العقبات.
• المجال الطبي: الذي يحتاج إلى مزيد عناية وتركيز.
• المجال الاقتصادي: والذي اقتحم بشدة من قبل التيارات الأخرى؛ لخلوه من الوجود الإسلامي.
• المشاركة في المؤتمرات والندوات والملتقيات الثقافية: عربياً، وإسلامياً، ودولياً. وهو مجال لم يطرق إلا من قبل شخصيات محدودة جداً مع أهميته الكبيرة، في حين أن الواقع المعاصر بحيثياته يتطلب أن يشمل العمل الدعوي النسائي المجالات الموجودة جميعها، وعدم إهمال أياً منها أو تأجيله.
فمفهوم العمل الدعوي ينبغي أن يتسع ليستوعب المستجدات المطروحة، ومجالات العمل المتغيرة، والمناشط المتاحة واقتحامها بقوة وثبات بمجالاتها: الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والإعلامية، والعلمية، والدولية وغيرها، والتعامل مع جميع شرائح المجتمع وفئاته المختلفة.
ومن ثم فلا بد للمرأة الداعية أن تثبت وجودها بقوة وقدرتها على المشاركة الفاعلة في توجيه المجتمع، وتصحيح مساره، وحمايته، وفق الضوابط الشرعية، وحقائق الواقع المعاصر.
كاتب المقال: أ.د.سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود .
المصدر: لها أون لاين .
=================
تنسيق العمل الدعوي في مجال الدعوة الموجهة للمرأة
التنسيق بين المؤسسات والأفراد، أو العمل الجماعي لم يعد مجالا للنقاش حول أهميته أو مقارنة بالعمل الفردي، فالمنظمات الدولية والدول والكيانات السياسية والاقتصادية تجاوزت التنسيق إلى الاندماج حتى أصبح عصر التكتلات علما يطلق على هذا العصر الذي لا يقيم وزنا لمن يعمل لوحده , كما أن الأمر بالتعاون على البر والتقوى، وان الفرد ضعيف بنفسه قوي بإخوانه من المسلمات التي لا تحتاج إلى دليل .
والتنسيق في مجال الدعوة الموجهة للمرأة يتأكد أكثر من غيره؛ لاعتبارات منها حداثة تجربة العمل المؤسسي الخاص بالدعوة الموجهة للمرأة، وتنوع مجالات العمل الدعوي الموجه لها، بصفتها المستقلة و الأسرية ، و المهنية....
من هنا فإن الحديث سوف يتجه مباشرة إلى المحاور التالية:
أولا : متطلبات التنسيق الناجح:
حتى يكون التنسيق مثمرا وناجحا، لابد من توفر شروط يمكن بحسب توفرها كلها أو بعض منها الحكم مسبقا على مستقبل التنسيق، وجدواه، ومن هذه المتطلبات:
التجانس: فالتنسيق بين مؤسسات أو هيئات متجانسة، مدعاة للنجاح، أكثر من التنسيق بين مؤسسات غير متجانسة إما بالتكوين والمرجعية، أو بالنشاط والهدف.
التنوع: التجانس لا يعني التطابق بل إن التنوع في طبيعة النشاط المتجانس من متطلبات نجاح التنسيق لأنه من أسباب التكامل بين المؤسسات.
التكامل: والتكامل المقصود هو أن تتولى كل مؤسسة أو جمعية جانبا من جوانب العمل الدعوي الموجه للمرأة، وتصبح مرجعا يعتمد عليه في هذا الجانب، ثم تفيد وتستفيد من المؤسسات أو الجمعيات الأخرى في بقية المجالات الهامة لدعوة المرأة.
ثانيا : شروط التنسيق:(7/54)
إن المتطلبات السابقة ترتكز على طبيعة المؤسسات أو الجمعيات الراغبة في التنسيق، إلا أن هناك شروط لابد أن تتوفر لدى الراغبين في الدخول في هياكل جماعية تهدف إلى التنسيق أو التعاون، ومن هذه الشروط:
- الإيمان الصادق بضرورة العمل الجماعي، ففاقد الشيء لا يعطيه، والعمل الجماعي، يعكس قناعات الأفراد المساهمين به، فمن لا يرى جدوى العمل الجماعي , سواء كان تنسيقا أو تعاونا، لا يمكن أن يقوم بمتطلبات العمل على الوجه المطلوب، والتفاعل مع الآخرين أخذا وعطاء.
- الإيثار: وهي خصلة تنشأ كذلك مع الفرد، ومدى ابتعاد عمله الدعوي من حظوظ النفس، ورغبته في خدمة الهدف، سواء تم من خلاله أو من خلال غيره من إخوانه.
- المرونة: فمن أبجديات العمل الجماعي، أن لا يكون الجميع رابحون دائما، بل لابد من تقديم تنازل من طرف أو أكثر لمصلحة تحقيق الهدف المتفق عليه، فلو بقي الجميع متمسكون برأيهم لم يعد للتنسيق معنى.
- المكاسب بعيدة المدى مقدمة على المكاسب الآنية: فالعمل الجماعي، أو التنسيق بين المجموعة قد يعطل تحقيق مصلحة آنية لأحد الأعضاء في سبيل تحقيق مصلحة متعدية يمكن تحقيقها بعد وقت من الزمن، ليستفيد منها اكبر عدد من المؤسسات.
- التدرج والابتعاد عن حرق المراحل: السعي وراء الشعارات، أو القفز على المسلمات في سبيل الحصول على انجازات كبيرة في وقت قصير، من أسباب إخفاق العمل الجماعي، لأن مثل هذه الإنجازات الوهمية قل أن تصمد أمام الواقع أو ظروف وإمكانات المؤسسات المشاركة في هذا العمل الجماعي، فالمرونة والواقعية، وإفساح المجال للإقناع والاقتناع، وبناء الثقة بين المؤسسات المشاركة، مطلب رئيس، لابد من توفره حتى يحقق التنسيق أهدافه.
- التنظيم والابتعاد عن العشوائية: وهنا ينصب الحديث على توفر آلية واضحة ومحدد للتنسيق وللعمل الجماعي، فلا يبقى الأمر خاضعا للمزاجية، أو الموسمية، أو أن يوكل أمره للمبني للمجهول ، فالتنسيق الناجح يتطلب توفر جهة أو جهاز يعنى بهذا التنسيق ويتابع برامجه، يرسم له الخطط ، ويتابع توصياته , وهو ما يسمى عادة بالأمانة العامة .
ثالثا: طبيعة عمل الأمانة العامة:
سواء تمثلت الأمانة العامة بجهة مستقلة أو تولت مهامها إحدى المؤسسات العاملة أو كانت ممثلة بإفراد يمثلون هذه المؤسسات , فان للأمانة العامة مهام رئيسة لابد أن تقوم بها، ومن ذلك:
1- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين المؤسسات أو الجمعيات المشاركة في كافة مجالات الدعوة التي تخص المرأة.
2- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين هذه المؤسسات في مختلف المجالات
3- تقديم تصورات ومقترحات لتفعيل الدعوة الموجهة للمرأة في مجالاتها المختلفة ومنها:
- المرأة والأسرة .
- المرأة والعمل .
- المرأة والتعليم .
- المرأة والإعلام والثقافة .
- المرأة والشئون الاجتماعية والصحية .
- مجال البحث العلمي، والتدريب.
4- إعداد التقارير الدورية عن الأعمال والاجتماعات المشتركة للمؤسسات.
5- متابعة تنفيذ قرارات وتوصيات هذه الاجتماعات
6- التحضير للاجتماعات وإعداد جدول أعمال المؤسسات واللجان المشتركة.
7- برمجة العمل المشترك للمؤسسات والمنظمات في شقيه الزمني والموضوعي.
8- تحمل أعباء أي مهام أخرى تسند إليها من اللجنة المشتركة للمؤسسات والمنظمات المشاركة في العمل الجماعي.
رابعا: اللجان المشتركة:
ومن متطلبات التنسيق بين المؤسسات أن ينشأ لها لجان عاملة بحسب طبيعة وأهداف التنسيق المرجو بينها، إلا إن من المعتاد أن تتوزع هذه اللجان والمجالس على المستويات الثلاث التالية:
1- اللجنة العليا تضم رؤساء المؤسسات و المنظمات أو من يمثلهم، المشاركة في العمل الجماعي , وتتولى إقرار الخطط العامة، واعتماد البرامج والالتزامات المالية اللازمة لتنفيذها.
2- اللجنة التنفيذية: وتضم أفراداً عاملين يتولون متابعة البرامج التنفيذية المقرة من اللجنة العليا، ويساهمون في اقتراح ورسم خطط وبرامج العمل المشترك بوجه عام.
3- الفرق الفنية العاملة: وهي لجان قد تنشأ لمناقشة قضايا محددة أو متابعة تنفيذ برامج تدخل ضمن اهتمامهم، مثل فريق الأسرة، فريق التعليم، الفريق الإقتصادي......الخ , وعادة ما يكون للعمل الجماعي نظام واضح يحدد الحقوق والواجبات لكافة المشاركين، وطريقة اتخاذ القرارات والعلاقات التي تحكم اللجان السابقة بالأمانة العامة، ومدى إلزامية القرارات وطبيعة التصويت وغيرها من الجوانب التنظيمية، الشكلية وان كانت هامة، فأهم من ذلك كله توفر القناعة والإيمان الصادق بضرورة وجدوى العمل الجماعي والتنسيق بين الجهود ليستفيد العمل الدعوي الموجه للمرأة ويتطور عمل المؤسسات والمنظمات المهتمة به.
كاتب المقال: د. أحمد الضبيبان
==============
بين المواقع والمراكز والمكاتب الدعوية النسائية
بسم الله الرحمن الرحيم(7/55)
إن الخطاب الدعوي يجب أن يهتم بالمرأة من باب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يخص النساء بالموعظة, إن المرأة تشكل نسبة كبيرة من المجتمع , والمرأة في كثير من الأحوال أقدر على صلاح الأسرة من الرجل ، ودورها في الإصلاح كبيراً في معظم الأحوال بل إن أسر ينقلب حالها من الجاهلية إلى الالتزام بأحكام الدين عندما تبدأ الزوجة في التمسك والتوبة ، وكم من أطفال صغار أينعت في قلوبهم شجرة الإيمان بسبب توجه الأم للتمسك بأحكام الدين ، ووعيها وهدايتها إلى الصراط المستقيم ، وقد شهدت بلادنا تنمية اقتصادية واجتماعية انعكست آثارها على جميع أفراد الأسرة الواحدة ومع هذه التنمية شهدت البلاد كثير من التحولات والمستجدات كالتقارب والاندماج لدول العالم , مما أدى إلى قيام تحديات تؤثر على المجتمع بشكل عام والمؤسسات والمراكز الدعوية بشكل خاص .
وتواصل الاحتكاك الثقافي في المجتمعات الأخرى والبث المباشر أضاف كثير من القيم المعاصرة للمرأة , وعلى هذه المراكز والمواقع الدعوية أن تعد العدة لمواجهة هذه التحديات وعلى رأسها تحديات العولمة المتفاقمة لاسيما للاتجاهات الفكرية مما قد يؤثر على الهوية الإسلامية .
ومما يجب الاهتمام به ونؤمن بضرورته عملية التنسيق بين مختلف مراكز ومواقع دعوة المرأة , فلا بد من وجود تنسيق وتكامل اكبر بين مختلف الميادين والمراكز والمواقع , ومع اعترافنا بأن المرأة المسلمة بفضل الله قد خطت خطوات مباركة في عصرنا الحاضر مما له الأثر الإيجابي على المجتمع ، إلا انه يجب الاعتراف كذلك أن الجهود لا تزال فردية ، وأن كل عمل لا يسلم من عوائق ، أو اعتراض بعض العقبات التي لا بد لها من تكاتف وتعاون في سبيل تذليلها بعد الاستعانة بالله , وإعانة المرأة المسلمة على الصمود والمضي قدماً والتوسع في إقامة المعاهد والدورات .
أولاً فوائد التنسيق بين المكاتب :
إن ما يسهم به التنسيق بين المراكز الدعوية للمرأة عموماً بما فيها المواقع ويشكل أهمية وضرورة اليوم هو التالي :
1- تحديد أهداف الدعاة في مجال المرأة خاصة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية المقدمة والتقويم الدقيق لها .
2- توحيد النظم الإدارية وفق سياسة عمل موحدة وهادفة.
3- المساعدة في اختيار طرق الدعوة المناسبة للإمكانيات المادية والبشرية .
4- ترتيب الأولويات لدى العاملين والقائمين على هذه المراكز مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل .
5- عدم ضياع الجهود وتشتيتها .
6- تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهائها لمن يساعد في عملية تقويمها والتخطيط لها.
7- الاستعداد لمتابعة المؤتمرات الدولية , ولاسيما التي تتعدى على الإسلام.
8- المساهمة في معرفة مواضع الضعف في القوى البشرية .
9- تحديد مهام العاملين والعاملات بالدعوة وطريقة عملهم، ومن يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة الصحيحة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
10- التنسيق في المواقع الإلكترونية أو التخصص في البرامج الدعوية وعدم التكرار وعدم إغفال البرامج الهامة والحيوية .
11- الاستفادة من الفرص والإعداد المبكر لها يجعل الأعمال الدعوية أكثر شمولاً وتكاملاً في الطرح .
12- رصد أهم المشكلات والموضوعات ووضع الحلول السريعة لها .
13- تبادل الخبرات ووجهات النظر والارتقاء بمستوى خدمة الدعوة.
14- مساعدة الجهات الإعلامية ووضع خطة إعلامية موحدة .
ثانياً: آليات التنسيق:
الآليات تحتاج إلى جهود بشرية ومادية ، ودراسات وتخطيط أو خطة مدروسة لتفعيل الفكرة ، وذلك من خلال :
1- فتح قسم لدعوة المرأة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , أو جمعية أهلية للعمل الخيري في المملكة إمَّا مستقلة بالمرأة أو تكون المرأة أحد قسميها، وتكون من مؤسسات المجتمع المدني وتحت إشراف الوزارة.
2- تحتوي على مركز معلومات يضم جميع الجهود داخل المؤسسة وغيرها.
3- يتم الترشيح من خلال المسئولين في مكاتب الدعوة الرئيسية وينتخب رئيساً للجمعية كل خمس سنوات، وعلى الجمعية أن تكون مسئولة عن مكاتب ومراكز وخدمات الأقسام والجهات الأخرى، على رئيس الجمعية تقديم عرض للخطط ويتكون المجلس من 70 ممثلاً ورئيس.
4- على الجمعية أن تعلن أسماء الأعضاء لرئيس الجمعية.
5- وضع استراتجية إعلامية موحدة لتحسين الخطاب الإعلامي الإسلامي شكلاً ومحتوى , و عدم إتاحة الفرصة لوسائل الإعلام المعادية للحط من شأن الأمة والدين .
6- وضع الأهداف حسب الأولويات ، وأن يكون الهدف واضحاً ، وواقعياً وقابلاً للقياس ومحدداً .
وضع لجان :
لجنة متابعة وتقييم الأعمال الخاصة بالمكاتب الدعوية .
لجنة متابعة وتقييم الأعمال الخاصة بالأنشطة الدعوية عبر الانترنت .
لجنة متابعة الأعمال الخاصة بالقنوات الفضائية .
لجنة مالية .
لجنة اللقاءات والحفلات .
اللجنة الإعلامية .
لجنة التصميم الإعلامي ، تعنى بالدعوات وتصميم البطاقات ولجنة الهدايا والمكافآت .
لجنة الطوارئ والمناسبات الدينية .
العقبات:
كأي مشروع متكامل وعمل أو جهد كبير ذو أهداف جميلة وسامية فإن أغلب العقبات ربما تتمثل في:
- ضعف الموارد المالية إن تم الاكتفاء بالجهود الفردية أو التبرعات الموسمية ولم تخصص ميزانية وأعمال أوقاف ودعم كبير للمشروع .
- ضعف الهمة والحماس لدى البعض .
- سيطرة روح الحذر الزائد .
- اختلاف التوجهات , والرغبة في الاستقلال الفردي لدى البعض .
- الدافعية .
- عدم وجود خطة مدروسة لتغطية الاحتياجات ومعرفة الجدوى من المشروع .
- عدم العثور على الجهة المركزية الداعمة .(7/56)
لكن يتبقى رغم هذا وذاك فضل الدعوة وأهميتها لاسيما في التصدي لتلك التحديات والحاجة الماسة إليها بعد عون الله , والإخلاص في العمل والطمع في ثواب الله تعالى لتذلل الصعاب وتجاوز العقبات .
كاتب المقال: د. أسماء الحسين.
==================
الدعوية ودورها في تفعيل الدعوة النسائية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي أرسل رسوله هدى للعالمين القائل في كتابه العظيم: ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) والصلاة والسلام على أشرف خلق الله رسولنا القائل: " فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم " وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم ودعا بدعوة الإسلام إلى يوم الدين...
فالدعوة إلى الله فريضة عظيمة خص بها أنبيائه وحمل لوائها التابعين من بعدهم والآخذين بمنهجهم وجعلوها رسالة لهم إلى قيام الساعة تحقيقاً لقوله تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ).
فمسئولية الدعوة إلى الله هي من شأن كل مسلم، رجلاً كان أم امرأة، والمواقع الإلكترونية مجال خصب يمكن للدعاة أن يعطوه جزء من اهتمامهم ووقتهم للعديد من الأسباب نوجزها في النقاط التالية.
لماذا الإنترنت للدعوة ؟؟
- الانتشار الواسع للإنترنت حيث يتزايد أعداد المستخدمين له بصورة متسارعة يوماً بعد يوم.
- سهولة الاستخدام، فيمكن للفرد العادي إتقان استخدام هذه التقنية بعد تدريب بسيط.
- الحرية في الاستخدام وعدم وجود الرقابة، حيث يستطيع أي شخص الدخول لأي موقع دون ضوابط من أي جهة خارجية.
- الإقبال المتزايد للحصول على المعلومات عبر المواقع المختلفة باعتبارها مرجعاً للعديد من العلوم والمجالات.
- رخص الكلفة مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى كالصحف والمجلات والتلفاز والإذاعة.
- استخدام الإنترنت متاح للجميع في كل الأوقات ليلاً ونهاراً لذا يتمكن أكبر عدد من المستخدمين في كافة أنحاء العالم من استخدامه على مدار اليوم وفي نفس الوقت.
- سرعة انتقال ووصول المعلومات أياً كان مصدرها ونوعها، فيتمكن الشخص من الحصول على المعلومة في نفس اللحظة.
- إمكانية استخدام الوسائط المتعددة (الأصوات، الصور، الأفلام)، وهذا يتيح نقل وعرض الخطب والمحاضرات والندوات والأفلام والبرامج بالصوت والصورة.
- يستخدمه جميع الفئات بمختلف مشاربها واتجاهاتها واهتماماتها مما يعني وصول الدعوة إلى أكبر شريحة من الكبار والشباب والصغار.
- مواجهة الدعوات التنصيرية النشطة من خلال الإنترنت والتي تزايدت في الفترة الأخيرة.
كيف ندعو من خلال الإنترنت ؟؟
- توضيح مبادئ الإسلام وأهدافه وكيفية الدخول فيه بشكل مبسط وبعدة لغات , فلا بد من الأخذ في الاعتبار بأن الشبكة عالمية وبالتالي فالزائرون للمواقع غير محددي التوجه ونتوقع أن هناك من هم بحاجة إلى معرفة أبسط أمور الدين الإسلامي.
- الفتوى المباشرة وغير المباشرة، وترتيبها بشكل يسهل البحث والوصول إلى المراد منها، وهذه تخدم المسلمين بصفة عامة والمسلمين الجدد بصفة خاصة.
- تزويد الموقع بمصادر وروابط توفر المادة المطلوبة والحديثة من الكتب والأشرطة والوصول لها بيسر وسهولة، وهذه دعوة غير مباشرة عبر الموقع.
- تفسير الآيات القرآنية بشكل مبسط وواضح، وترجمتها للغات الأخرى وهذه خدمة للمسلمين من العرب وغير العرب.
- تحديد مواقيت الصلاة واتجاه القبلة لأكثر مدن وقرى العالم.
- مساعدة الباحثين في كتابة ونشر أبحاثهم.
- نشر أخبار المسلمين وأحوالهم، وهذا يزيد التواصل بين المسلمين واستشعار همومهم ومعرفة قضاياهم، والمساهمة في دعمهم بشتى الوسائل.
كيف نفعل الدعوة النسائية من خلال المواقع الإلكترونية ؟؟
- تصميم المواقع الدعوية الجذابة، مع التأكيد على ضرورة وضوح الهدف من الموقع، ومناسبة عنوانه لمحتواه خصوصاً في المواقع النسائية.
- التنويع في المادة المقدمة في الموقع (شرعي، علمي، أدبي، نفسي، ثقافي).حتى تجد كل زائرة بغيتها وحاجتها.
- تحديث المعلومات والرجوع للمصادر الموثقة، وهذا عامل جذب للموقع ويعطي المصداقية ومن ثم الثقة فيه مما يشجع على العودة لزيارة الموقع.
- تأهيل وتدريب الدعاة والداعيات على استخدام الإنترنت وهذا مهم لمواكبة العصر ومتابعة المستجدات من خلال هذه الوسيلة.
- التوسط والاعتدال في الطرح والبعد عن الخلاف حتى يجد قبولاً من كل الأطراف.
- الأخذ في الاعتبار مختلف الفئات العمرية والثقافية، والتركيز على الفتيات واختيار مواد مناسبة لهن حتى لا ينصرفن إلى مواقع سيئة يجدن بغيتهن فيها.
- معالجة قضايا المرأة الاجتماعية والأسرية (كالطلاق، والتعدد، وتحديد النسل، المساواة ..الخ) لأن هذه القضايا تطرح في وسائل الإعلام بشكل قوي فلا بد من أن يكون للمواقع الدعوية دور في طرحها ومعالجتها وفق التصور الإسلامي.
- الاهتمام بالجوانب الفقهية ذات العلاقة بالمرأة، لأن المرأة في ظل تسارع التغيرات والمؤثرات وتبدل الاهتمامات زادت الإشكاليات حول الحكم الشرعي للكثير من الأمور ونلاحظ ذلك في برامج الإفتاء عبر القنوات الفضائية المتعددة.
- توفير وسط إعلامي مناسب للحوار مع الزائرات وتبادل الآراء معهن، وهذا يساعد على بناء علاقة بينهن عبر الموقع ومن ثم تلمس احتياجاتهن ومعرفة رؤاهن ومعالجتها بالنقاش والحوار البناء، وفتح المجال لتبادل الحوار مع غير المسلمين أيضاً.
- اختيار مشرفين ومشرفات مؤهلين علمياً وفنياً، وهذا يعطي ثقة أكبر وقوة للموقع.(7/57)
- تبادل الأفكار والتجارب الدعوية عبر الإنترنت بين الدعاة والمواقع المختلفة وهذا بدورة يساعد على تطوير وزيادة فاعلية المواقع الدعوية وتفادي تكرار الأخطاء ومعالجة نقاط الضعف.
- الاستعانة بالعلماء والدعاة والمفكرين في الرد على الاستفسارات والشبهات وغيرها والحاجة إلى ذلك ماسة في الوقت الذي تعالت فيه صيحات حقوق الإنسان وحركة تحرير المرأة من وجهة نظر غربية، وعمل الدراسات حولها.
- تقديم خدمات النقل المباشر لبعض المواد الدعوية (الخطب، المحاضرات، الدروس، الندوات، المؤتمرات .. الخ)، وهذه خدمة تُقدم للمرأة وهي في بيتها دون أن تضطر للخروج وتحقق الدعوة فيها الشيء الكثير.
- تقديم خدمات للمتصفحات كالاستشارات مثلاً، وهذا عامل جذب كبير للنساء في مختلف الدول، وهذه الخدمة تجعل الزائرة تستفيد أيضاً من بقية خدمات الموقع.
- إقامة الدورات والدروس من خلال الإنترنت للنساء الراغبات في ذلك وهذا الأمر فاعل للنساء البعيدات عن مواقع الدعوة خاصة في البلاد التي تفتقر إلى العمل الدعوي.
- التركيز على الموضوعات التي تهم المرأة، وتلبية حاجة المرأة العصرية ( الموضة، العناية بالبشرة، الرشاقة والعناية بالصحة ... الخ)، لجذب غير الملتزمات وخاصة الفتيات وهذا فيه فائدتين، الأولى: تناول هذه الموضوعات برؤية شرعية. ثانياً: دخول الموقع يتيح لهؤلاء الزائرات الإطلاع على بقية أبواب الموقع.
- متابعة ما يستجد في الساحة حول قضايا المرأة الملحة ومناقشتها وفق الرؤية الإسلامية، من أجل توعيتها وتحصين فكرها.
- الإعلان عن المشاريع والمناشط الدعوية المختلفة من خلال الموقع ونشر التغطيات حولها، مما يتيح للزائرات معرفتها والتفاعل معها والاستفادة منها.
- عمل ملفات (ثقافية، دعوية، ترفيهية، اجتماعية .. الخ) من خلال المنتديات أو من خلال الفلاشات الدعوية أو ما يكون على الشبكة مما يهم المرأة، فإذا ما وجدت المرأة بغيتها اغتنت عما سواها دون الرجوع إلى مصادر أخرى غير موثوقة.
- تزويد الموقع بمصادر وروابط توفر الكتب والأشرطة والمجلات التي تهم المرأة والفتاة الطالبات للعلم وغيرهن.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كاتب المقال: د. منيرة بنت عبد الله القاسم
=================
من صفات المرأة الداعية
إذا كنّا نتحدث عن الفتاة الملتزمة؛ فإنني لا أكاد أتصور فتاة أو رجلاً ملتزمًا يمكن أن يكون غير داع - في مثل هذه الظروف الواقعة الآن - لأن من الالتزام أن يدعو الإنسان.
ومعنى كون المرأة ملتزمة؛ أنها مطيعة لربها، والله ـ عز وجل ـ يقول: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) [التوبة:71]. فأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر؛ جزء من التزامها، وقيامها بالدعوة - أيضًا - جزء من التزامها؛ لأن الله تعالى يقول: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) [آل عمران: 110]، ويقول أيضًا ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) [البقرة: 143].
وقد أثبتت التجارب والأحداث الكثيرة، أن هذه الأمة -رجالاً ونساء - لديها قدرة على قبول الحق؛ بل لديها رغبة في إيجاد الحق والتزامه، فلا عبرة بقول إنسان إنه ملتزم لكنه غير داعية، لا يمكن هذا؛ لأن الملتزم -رجلاً كان أو امرأة- هو داعية إلى الله؛ إذ إنّ التزامه يعني أنه مطيع لله، والذي أمره بالصلاة هو الذي أمره بالدعوة، وهو الذي أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك بحال من الأحوال، وينبغي أن نعلم بأن كل صفة نتصورها من الرجل الداعي؛ يجب أن تكون أيضًا في المرأة الداعية.
وسوف نتناول بعض الصفات المهمة التي تطلب من الفتاة والمرأة الداعية، كما هي مطلوبة أيضًا من الرجل الداعي:
الصفة الأولى: العلم بما تدعو إليه:
يجب على المرأة الداعية أن تدعو إلى الله على بصيرة وعلى علم، فلا يمكن أن تدعو إلى شيء وهي لا تعلم هل هو من الشرع أم لا، هل هو من العبادات، أم من العادات، هل هو من الأمور الدينية، أم من التقاليد الاجتماعية الموروثة -مثلاً-؟!
والشرع واضح بحمد الله: إما آية محكمة، أو سنة ماضية، أو إجماع قائم، أو قول معروف مبني على اجتهاد صحيح واضح كالشمس. فلابد أن تعرف المرأة المسلمة الأمر الذي تدعو إليه بدليله، بحيث إذا قال لها أحد: ما الدليل؟ أو لماذا؟ استطاعت أن تجيبه عن ذلك.
الصفة الثانية: القدوة الحسنة:(7/58)
قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب – عليه السلام - : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود:88]، وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتنْدَلِق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، ما لك، ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
إذاً من الخطورة بمكان، أن يتكلم الإنسان بلسانه، ويكذب ذلك بأفعاله.
يا واعظَ الناس قد أصبحتَ متَّهمًا
إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيها
أصبحتَ تنصحهم بالوعظ مجتهدًا
والموبقات- لَعَمري- أنت جانيها
فالتربية والدعوة بالسلوك أحيانًا أفضل من ألف محاضرة، وألف خطبة.. سلوك امرأة بين زميلاتها: في حسن خلقها وآدابها، ومظهرها ومخبرها، وطيب حديثها، والتزامها بشريعة ربها، وصلاحها؛ أعتقد أنه أفضل من كثير من الكلمات والمحاضرات.
الصفة الثالثة: حسن الخلق والتواضع ولين الجانب:
ومن الصفات التي ينبغي أن تتصف بها الداعية: حسن الخلق، والتواضع، ولين الجانب؛ مما يحبب إليها الأخريات. ولعل غرس المحبة في نفوس المدعوات هو أول سبب لقبول الدعوة في حالات كثيرة، والأسلوب شديد التأثير في قبول الدعوة أو ردها، ولا يجوز لنا أبدًا أن نتجنى على الحق الذي نحمله حين نقدمه للناس بالأسلوب الغليظ الجاف؛ بل يجب أن نعطف على الآخرين، ونحتوي مشاعرهم، ونتلمس همومهم، ونشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، ولانستعلي عليهم أو نستكبر؛ فما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه.
وقد مدح الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ( وإنك لعلى خلقٍ عظيم ) [القلم:4] وقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين َ) [آل عمران: 159]. فإذا كان هذا شأن أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف بغيرهم من سائر الناس؟
الصفة الرابعة : الاهتمام بالمظهر الخارجي:
ومن الصفات التي ينبغي أن تتحلَّى بها الأخت الداعية أيضًا: أن يكون عندها قدرٌ من الاهتمام بمظهرها.
أقول هذا لأنه قد يظن البعض أنني أدعو المرأة المتدينة الداعية أن تكون متبذلة، بعيدة عن الاهتمام بمظهرها.. كلا، فالمظهر هو البوابة الرئيسة التي لابد من عبورها إلى قلوب الأخريات.
ومن الطَبَيعي أن تتحلى المرأة، أو تبحث عن الثوب الجميل، والله تعالى قال: ( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) [الزخرف: 18]. فكون الفتاة تنشأَ منذ طفولتها في الحلية هذا أمر طبيعي، لا تلام عليه.
من الطبيعي أيضًا: أن تهتم المرأة بتسريح شعرها، والرسول – صلى الله عليه وسلم - أوصى بذلك الرجل، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بيده: أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان"، فالمرأة مع بنات جنسها، من باب أولى يجب أن تعتني بمظهرها.
ونحن بطبيعة الحال، لا نقبل أبدًا أن تتبرج المرأة بزينة، ولا أن تتطيب لخروجها من بيتها، لكن هذا لا يعني بحالٍ التبذل، أو أن تذهب إلى المجتمعات النسائية في أثواب مهنتها، خاصة عندما تكون داعية يشار إليها بالبنان.
الصفة الخامسة: الاعتدال:
من الصفات التي يجب أن تتحلى بها الداعية: الاعتدال في كل شيء. ومن الاعتدال: الاعتدال في المشاعر، بين الإفراط والتفريط.
فنحن نجد أن بعض الأخوات تكون جافة في عواطفها ومشاعرها تجاه الأخريات: لا تتجاوب معهنَّ، ولا تبادلهن شعورًا بشعور، وودًّا بود، ومحبة بمحبة، ولا تبتسم في وجوههنَّ، وترى أن جديَّة الدين، وجدية الدعوة، تتطلب قدرًا من الصرامة، والوضوح، والقسمات الحادة، وهذا أمر- بلا شك- غير مقبول. يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة"، ونقول للمرأة أيضًا: تبسمك في وجه أختك صدقة؛ فالحكم عام.
بالمقابل هناك من النساء ومن الأخوات، من تبالغ في إغراق الأخريات بمشاعر تصل أحيانًا إلى حد الإفراط، فتجد أن من الأخوات من لا تصبر عن فلانة ساعة من نهار، فإذا ذهبت إلى بيتها بدأت تتصل بها بالهاتف، وتكلمها الساعات الطوال، وربما خلت بها أوقاتًا طويلة، تبث إحداهنَّ إلى الأخرى مشاعرها، وهمومها، وشجونها؛ بل ربما تغار لو رأت أخرى تجالسها أو تحادثها؛ لأنها تريدها لنفسها فقط !!
كاتب المقال: سلمان بن فهد العودة
================
الإعداد الذاتي للداعية
يعد الجانب الذاتي الجزء المهم و الأساس في برامج التربية و التدريب، و من دونه لا تنجح هذه البرامج و لا تحقق أهدافها، ذلك أن عجلة الحياة لا تتوقف؛ فتأتي في كل لحظة بتجارب وأفكار و خبرات و فرص لا يجوز تفويتها.(7/59)
والمنهج الإسلامي في التربية و العبادة يرى هذه الرؤية و الفلسفة، فالعبادات و المعاملات تنبثق من رقابة ذاتية و مسؤولية لدى المسلم مع الحرص والرغبة في نيل رضا الله تعالى، و الشعور بأنه يراقبه دائماً وينتظر الثواب و يخاف العذاب.
وتؤكد الآيات و الأحاديث دائماً على ضرورة وعي الأهداف والحكمة من العبادات، فإنها من غير ذلك تكون أفعالاً جوفاء، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فإن لم يحقق المسلم بالصوم التقوى؛ فقد أخل بالغرض الذي شرع الصوم من أجله، و إن كان يشارك المسلمين بالشعائر الظاهرة للصوم، فقد قال صلى الله عليه و سلم : "رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب" وقال تعالى: (لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم)، وقال:
(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر)، وقال صلى الله عليه و سلم : "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم تزده من الله إلا بُعداً".
وحين نفكر في تحقيق الحكمة من العبادات و جوهرها؛ نجد أن الدافع الذاتي والحرص على استشعارها هو الذي يجعل هذه العبادات و الشعائر ليست حركات شكلية؛ بل أداءً حياً يسري في حياة المسلم اليومية و في ضميره و روحه و عقله، فيصقله و يسمو به عن المعصية و الانحراف.
و يقدم الحديث النبوي تمثيلاً حكيماً ومؤثراً حين يرينا كيف يختلف أثر الدعوة في الناس حسب طبائعهم و مشاربهم و صفاتهم الفردية؛ فالناس كما وصفهم الحديث في تقبلهم لما بعث الله به نبيهم - صلى الله عليه و سلم- كمثل الأرض و التربة: بعضها طيب قبلت الماء فأنبتت الكلأ، و بعضها تحفظ الماء للناس ولا تقبله، و بعضها قيعان لا تحفظ ماء ولا تنبت زرعاً!.
و حين نستعير الأفكار السابقة، و نجعلها في برامج العمل؛ نؤكد أولاً أن منهاج العمل الإسلامي يعتمد غالباً في النجاح و الفاعلية على الجهد الذاتي والصفات الفردية لدى الدعاة، وهم يستفيدون من هذه البرامج بقدر استعدادهم وجهودهم الذاتية.
وحتى نعين الأخوة الدعاة على فهم هذه الفكرة في خطوات وبرامج عملية؛ فإننا نقدم الأفكار والاقتراحات التالية:
1 – يكف معظم الناس بعد سن الخامسة والعشرين بسبب مشاغل الحياة وزيادة المسؤولية، وضعف الحماس والتقدم في السن، وضعف الصحة عن ممارسة مواهب نافعة، فيكفون عن المطالعة و القراءة و المشاركة في الأنشطة العامة، إن على الداعية -مهما تكن حاله - أن يقتص وقتاً مناسباً للقراءة والمشاركة والرياضة والكتابة والأعمال الفنية والحرفية، فإنه إن لم يفعل ذلك سيجد نفسه بعد سنوات قد فقد صلته بالمجتمع المحيط به وبالأجيال الصاعدة.
2 – أن يرسم الداعية لنفسه خطة للثقافة الذاتية الجادة ليحقق فهماً للإسلام وأحكامه و للمجتمع الواقع المحيط ، فالعمل الجماعي وأصوله وقواعده يعتمد على المصادر الأولية والبحث العلمي، و أن يتجاوز الكتب المبسطة، أو الكتب المختصرة المتكررة.
3 – أن يشترك الداعية في مكتبة عامة و يتتبع المجلات المختصة والنتاج الفكري الجديد في مجال واحد يختاره.
4 – أن يغتنم الفرص التي تتيحها المؤسسات التي يعمل بها أو يدرس فيها ، كالدورات مثلاً، و لا يزهد بها أو تمنعه مشاغله أو ضعف همته و إرادته للحول بينه و بينها.
5 – حيازة أكبر قدر ممكن من المهارات العملية والفنية والحرفية، كرخصة السوق والحاسوب والمقالة الصحفية والأدبية والرسم، أو المهارات اليدوية والفنية كصيانة السيارات والأجهزة والحدادة والنجارة وكل ما ينفع المسلم والمسلمين، والسعي الدائم للاعتماد على النفس في أداء الأعمال اليومية واحتياجاته الضرورية ، قال صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
6 – المشاركة في الدورات التي تعقدها مؤسسات شتى لقاء أجر، كالمراكز المهنية الأهلية المختلفة.
7 – إتقان لغة أجنبية ليوسع الداعية مداركه ويزيد بها ثقافته.
و أخيراً فثمة أوصاف و شروط تلزم الداعية والمشاركين في العمل الإسلامي , نذكر الدعاة بها ليسعوا إلى تحقيقها:
- رحابة الصدر و سعة الأفق.
- احتمال الرأي الآخر والرضا برأي الغالبية.
- فهم الأحداث الجارية و ربطها و تفسيرها.
- فهم المجتمع المحيط فهماً أصيلاً يشمل تاريخه ونشأته وأسبابه الحضارية والثقافية والاقتصادية والخدمات والمرافق.
- دراسة تاريخ الدعوة الإسلامية و مبادئها، و سبر أعماق العمل الإسلامي الاجتماعية و التنموية و النقابية.
- اغتنام الوقت وحسن تقسيمه.
- القدرة على الإدارة و التخطيط، و إدراك أصول العمل الجماعي وقواعده العلمية ,
ولا بد أن يحقق الداعية في نفسه جملة من الأخلاق و الشروط ذكرناها آنفاً، لكننا نوردها هنا ليفهم الداعية أنها إطار التكوين الذاتي و جوهره، وبدونها يفقد العمل معناه، ولا يختلف عن سواه من الأعمال، وهي: تقوى الله وعبادته والإنابة إليه، والشجاعة والكرم والحلم والأناة، والقدوة الحسنة وسائر ما وصى به ديننا الحنيف وما تسعى إليه الدعوة الإسلامية ليتحلى به أبناؤها: (و لباس التقوى ذلك خير)، (و اتقوا الله و يعلمكم الله).
كاتب المقال: إبراهيم غرايبة. ( تصرف )
================
للدعاة: اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ(7/60)
يعيش الدعاة اليوم معركة، بل معارك، ويواجهون تحديات عظيمة وسهاماً حادة، تخترق الصميم وتنقل الدعاة من جو الهدوء والوقار والسكينة إلى جو الصخب والشائعات وهتك الأعراض دون مخالفة ولا ريب، فكيف يتحقق لهم ملك النفس وخطم جماحها، ورفع الهمة عن مسايرة هذه الهمم الوضيعة والصبر عليها..
والأعظم من ذلك الأخذ بيدها للارتقاء إلى منازل أصحاب الهمم العالية، المشمرين إلى الله تعالى.
وتتمثل قول القائل:
إذا أدمت قوارصكم فؤادي صبرت على أذاكم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
ولا شك أن الصبر على الأذى وكظم الغيظ والحلم والعفو عند المقدرة هي أخلاق أنبياء الله وصفوته من خلقه ومن تبعهم من أوليائه المخلصين الصادقين الذين رفع الله مكانتهم وأعلى قدرهم، فكانوا جبالاً وقمماً صلبة وراسخة، فأتاهم وابل السهام المصوبة فتحطم عن صخورها الأبية، ويعود بعضها إلى صدر من رماها منتكسة.
لذا كان لزاماً على الداعية المسلم أن يملك نفسه ويسعى للتخلق بهذه الأخلاق العظيمة في جميع مجالات الدعوة وميادينها، ومنها مجالات الحوار والكتابة والرد على المخالفين.
قال تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ".
وقال تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
وقال تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ".
وتحقق لهم محبة الله كما في قوله: "وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في بيان سبب محبة الله لهم: "لأن درجة الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم، أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام" اهـ.
ولدفع أذى الخلق ونيل الدرجات العالية، والوصول إلى هذه المرتبة من الحلم والصبر وسلامة الصدر على العبد أن ينظر إلى عدة أمور:
الأول: القدر وإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الثاني: التحلي بالصبر وليتأمل ما أعده الله للصابرين عن حسن العاقبة وموفور الجزاء، ولن ينال ذلك إلا بالصبر.
كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ "وعلم أنه إن لم يصبر اختياراً على هذا وهو محمود، صبر اصطباراً على أكبر منه وهو مذموم".
الثالثة: عاقبة العفو والصفح والحلم، وفي الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (رواه مسلم)، والعز هنا يشمل عزاً ومحبة في قلوب الخلق في الدنيا وعزاً في الآخرة.
الرابع: أن يرضى بما أصابه، وهذا فوق ما قبله، وهذه منزلة عظيمة لا ينالها إلا أصحاب الهمم العالية، ولا سيما إن كان ما نالها كان السبب القيام بحقّ الله تعالى.
الخامس: مقابلة الإساءة بالإحسان، فكلما أساء إليه الخلق أحسن إليهم، وليستشعر العبد أنه بهذا الإحسان يزيد إليهم شيئاً من إحسانهم إليه بإهدائهم إياه حسناتهم وأجورهم!
وهذا مما يجعل الأمر يهون على العبد، فيعلم أنه يكافئهم على ما أهدوه إليه من عظيم الأجر، وما تحملوا عنه من عظيم الوزر.
السادس: سلامة الصدر، فلا يشغل قلبه بما لا يعنيه، وليعلم أنه كما اشتغل العبد بشيء من هذه الأمور فاته ما هو أهم وأنفع له من الإقبال على الله ورجاء ثوابه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ "وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته".
السابع: حصول الأمن، فالعفو والحلم يقتلعان العداوة ويقضيان عليها، بخلاف الانتقام الذي يزيدها ويشعلها، فتزرع العداوات وتزداد الضغائن، فلا يأمن العبد عندها من مباغتة عدوه.
الثامن: دفع ثمن البيعة، فالمؤمن قد عقد الصفقة مع الله: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ".
فإن كان الذي ناله من الأذى في سبيل الله، فلا يحق له أن يطلب لذلك عوضاً غير السلعة التي وعده الله تعالى بها وهي الجنة.
قال تعالى في ذكر وصية لقمان عليه السلام لابنه: "وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ".
ولما عزم الصديق على أن يأخذ من المشركين ديات المسلمين وأموالهم التي أتلفت في حرب الردة، قال عمر رضي الله عنه: "تلك دماء وأموال ذهبت في الله، وأجورها على الله، ولا دية لشهيد".
وهذا مشهد من الصحابة ولم يعرف له مخالفاً، فكان هذا إجماعاً.
التاسع: عظيم المنّة في هذه النعمة، وذلك يظهر من وجوه:
1ـ كونه جُعل مظلوماً يرجو من الله النصر، ولم يكن ظالماً ينتظر من الله البطش والعقوبة.
2ـ التكفير من خطاياه وذنوبه، فما يصيب العبد من شيء حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
3ـ أن يحمد الله أنها لم تكن في دينه، وينظر إلى ما هو أعظم منها.(7/61)
4ـ أن يدخر جزاءها عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، في يوم هو في أمسّ الحاجة إلى حسنة ينجيه الله بها يوم القيامة.
العاشر: أن يتأسى بمن سبقه من الأنبياء والرسل والأولياء الذين هم من أفضل الخلق، ومع ذلك كانوا أشدّ الناس بلاء، فليتأس بهم ليهون عليه ما ناله مما لا يساوي شيئاً مع ما وقع عليهم من أذى.
الحادي عشر: أن يشتغل بالله تعالى والتعلق به وتوحيده ومحبته والإخلاص له، والتقرب منه، والشوق إليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله:" وهو أجلّ المشاهد وأرفعها، فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله، والإخلاص له ومعاملته، وإيثار مرضاته، والتقرب إليه، وقرت العين به، والأنس به، واتخذه ولياً دون من سواه، بحيث فوَّض إليه أموره كلها، ورضي به، وبأقضيته، فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود أذى الناس له البتة، فضلاً عن أن يشتغل قلبه وفكره وسره بطلب الانتقام والمقابلة" أهـ.
الثاني عشر: ترويض النفس ومجاهدتها في تغيير ما فيها من سوء الخلق، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (رواه مسلم).
وبالتخلق والتكلف يصبح هذا الخلق سجية للعبد، وفي حديث أشج عبد القيس ـ رضي الله عنه ـ عندما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، فقال: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ فقال: بل جبلك الله عليهما، فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله" (رواه مسلم).
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :"يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقاً بمنزلة الطبائع، قالوا وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قريباً ولكن لم ينقل الطبع، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعاً ثانياً، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه" أهـ.
وفق الله الجميع لنيل أعلى مراتب الأخلاق، وجعلنا جميعاً من عباده المحسنين الصابرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كاتب المقال: د. قذلة بنت محمد بن عبد الله القحطاني .
المصدر: لها أون لاين .
=============
نحو برنامج عملي للدعوة بين الأقارب
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : أنه لما نزل قول الله -تعالى-: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ " [الشعراء:214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى: "يا صباحاه!" فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله :" يا بني عبد المطلب! يابني فِهْر! يابني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ " قالوا: نعم. قال:" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله -جل وعلا-.
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله :
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذْ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكن نشاطه يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية:
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:
1- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
2- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
3- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
4- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند
بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
5- إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
6- تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
7- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
من الوسائل الدعوية العائلية:(7/62)
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- خطوات الدعوة العائلية هي : التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية. ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [الأحزاب: 21].
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة -شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة؛ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها :
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء ، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة... ، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في ا لمناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم ، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة -والحمد لله-: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد، ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة؛ للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء:"أكرم صغارهم؛ يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم"، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم،ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم ذلك للخروج بأكبر فائدة.
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة؛ لما فيها من محبة، ورفع الكلفة وتعميق الروابط ؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة؛ لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة، والتودد إليهم لما للهدية من أثر عجيب؛ فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية إلى الناس، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم -:" ..وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء" .
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة ـ غير المخالفة للشرع ـ لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء -خاصة- من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر بعيد... أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة... وغيرها مما ينفع المهدى إليه في دينه.(7/63)
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي؛ لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا، وغير منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة، أو ساعد في الدعوة، تشجيعاً له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي، يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة، أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله، وطلب عونه -جل وعلا-، والدعاء لأفراد العائلة بالصلاح والهداية، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل".
أسباب نجاح الدعوة العائلية واستمرارها:
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله (تعالى)، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله- لا بد أن تؤثر وتؤتي أُكُلَها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2، 3] وقد ورد في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلِقُ أقتابُه (يعني أمعاءه) في النار، فيدور كما يدور الحمارُ برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أيْ فلانُ، ما شأنُك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) .
3- دراسةُ أي نشاط مُقْتَرحٍ للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: (أدومُها وإنْ قلّ) لأن التذبذبَ وبدْءَ النشاط ثم إيقافَه، أو عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوِّقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يُفْقِدْهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا الأمر يغفُل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء استجابة الناس، وينسى قول الله (تعالى): (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاحَ مع العائلة ودعوتَها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويُقبِل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يُوَجِّه كل شخص إلى ما يمكن أن يُبْدِعَ فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم، والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة، والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية - دائماً- على عدم إثارة غيرة الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون الداعية رثَّ الثياب، فالله جميل يحب الجمال، ويحب أ ن يُرى أثر نعمته على عبده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده) .(7/64)
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم ، أو إثارة الرفض، والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسَعَة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لا بد أن يناله أذى وابتلاءٌ وهذا هو طريق الأنبياء والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله (تعالى): (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) [الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك، ثم مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يُهْدَمُ في لَحَظَات (وليس الذي يبني كمن هو يهدمُ).
كلمة أخيرة :
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعةَ والكرمَ، فلا يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله- فقط- في سبيل الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهمَّ من الأموال التي يمكن الحصولُ عليها من مصادر أخرى؛ فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام: اعلمْ أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله (تعالى) من السعادة والتوفيق - حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبّدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعِرةٌ شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حبُّ الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين (وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69]، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم، أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله (تعالى) أن يجعلنا من المصلِحين العاملين الموَفَّقين.
كاتب المقال: حجاج بن عبدالله العريني
===============
كيف تكونين داعية ناجحة
إن الداعية الناجحة هي التي تجمع العلم السليم والنهج المستقيم , همها صواب عملها وموافقته للكتاب والسنة وإن خالف هواها وما قد يرجحه عقلها أو ما يراه الناس .
فهي ترى النجاح أن تفوز برضوان الله سواء استجاب لها المدعوون أم لم يستجيبوا , وإنها ناجحة لأنها تسير في رضوان الله , وفق ما يريد الله وهكذا حال الأنبياء .
إن مقياس النجاح آخروي قبل أن يكون دنيوي , يعتمد على مدى موافقة الدعوة لشريعة رب العزة , فإذا كانت كذلك وخرجت من قلب مخلص كان النجاح حليفها , ومن هنا نذكر بعضا من الأسس لتكوني داعية ناجحة في الدنيا والآخرة :
- - ابدأي بنفسك : هذا هو المنهج النبوي , فالتدرج بدعوة النفس وإصلاحها ثم دعوة الأهل و الأقربين ثم عامة الناس هو طريق الناجحين, بل هو سر نجاحهم والسبب وراء قوة تأثيرهم .
إن البدء بالنفس يكسبك الخبرة في سياستها والمهارة في التعامل معها والإدراك لأسرارها , ومواطن القوة والضعف فيها , كما أن نجاحك في التعامل معها هو الشهادة التي تنتقلين بها إلى مرحلة دعوة الأهل والأقربين . فالمرء أقدر على نفسه منه على الآخرين .
أما في المرحلة الثانية من التدرج في الدعوة فهي دعوة عامة الناس بإلقاء الدروس و المحاضرات وانتهاز فرص الاجتماعات في النصح والتوجيه ولو بتوزيع شيء من المطبوعات , وهذه أشد المراحل صعوبة وأحوجها إلى الصبر والعزيمة , هذا لمن تدرجت فمارست الدعوة قليلا قليلا فكيف بمن قفزت فبدأت بالعامة ؟؟!!
إن من مشكلات الدعوة اليوم القفز إلى دعوة العامة قبل النفس والأهل .
إن الدعوة هي توجيه أمة وإعداد جيل فأي خلل في ذلك يعد إفسادا لهذه الأمة , وأي خطأ هو تراجع بها عن سيرها , فهلا أدركنا خطورة الأمر وتورعنا .
إن إصلاح الخلل وإزالته يمكن بغير كونك داعية , فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ وأين من سن في الإسلام سنة حسنة ؟ وأين التعاون مع الجهات الدعوية الخيرية ؟ أفلا نحسن العمل إلا إذا كنا في الصدارة ؟؟!!
فالداعيات الموفقات كثر والمزيد لا ينكر نفعه احد لكن شريطة أن تكون الزيادة منهجية مبنية على أسس سليمة لا الكثرة الضارة المضرة .
- - العلم العلم : وأول ما تطلبين من العلم العلم بالله , علم يكسبك حبه , وحب يجعلك تتلذذين بطاعته , لا تفترين عن ذكره , علم يجعلك تخشينه , وأخشى ما تخشين غضبه وصده عنك , فمن عرف الله عرف سعة رحمته وشدة عقابه .(7/65)
علم يجعلك تبحثين في كل ما يحب لتفعليه وما يكره فتتركيه , علم يجعلك تتمنين لو أن العالمين يذوقون لذة مناجاته والأنس بقربه .
علم يجعلك لا تيأسين من رحمته مهما كانت معصيتك , ولا تيئسين الناس منها , كما لا تأتمنين مكره ولا تؤمنين الناس ذلك .علم يجعلك في وجل إلى أن يأتي الأجل .
ثم تأتي العلوم الأخرى ومنها : علمك بسيرة وسنة أحب عباد الله إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم , فاقتدي به واستني بسنته , لأن من أحب الله أحب رسوله , ومن أحب الرسول اقتدى به
ثم تعلمي أمور دينك مبتدئة بالأهم فالمهم مستعينة بالعلماء ليرشدوك في ذلك .
إن العلم بحر بعيد ساحله والحكيم من تلمس منه حاجاته وما يقويه في سيره لآخرته , فالعلم هو النور الذي تواجهين به ظلمة الفتن والتي عمت في هذا الزمان ..
إن المتأمل لحال بعض الملقبات بالداعيات اليوم يجد خللا واضحا في فهم أي العلوم يتعلم وأي العلوم يعلم . فنجد من عرفت شيئا من التجويد غدت داعية , ومن حفظت بابا من الفقه أصبحت شيخه , وعلى هذا فكل معلمات الدين في مدارسنا أصبحن داعيات !!!
يجب أن نفرق بين المعلمة والداعية , ويجب أن ندرك ما تعنيه كلمة داعية من عظم الأدلة , فالقضية ليست في إتقان بعض أساليب الوعظ , أو التركيز على قضية الذنوب وآثارها .. بل إن الأمر أعظم من هذا بكثير .
لقد تساهلنا في التقليل من شأن الداعية ومكانتها , حتى تلقب بلقبها أناس ليسوا أهلا لذلك , ثم إذا أنكر عليهم أحد أو لامهم من لامهم وانتقد نقصهم , أو ظهرت معايبهم واستبان جهلهم وحاجتهم لتعلم أمر دينهم قبل أن يتصدوا مجالس الآخرين غضب أولئك الملقبات بالداعيات وصوروا الأمر على أنه حرب لأولياء الله ودعاته على أرضه !!
ولعلي أقول كلمة إلى من تفتح منزلها لحلق الذكر ومجالس الوعظ والنصح بان تتأكد من سمحت لها بالإلقاء في دارها أن تتحقق فيها شروط الداعية .
هل تملك العلم الكافي ؟ فكما أن الدال على الخير كفاعله فكذلك من غش الناس فجمعهم لمن لا يعرف دينه فيلبس عليهم أمرهم .
ولمن ظهر لها ضعف عملها نقول : إن الإخلاص يقتضي طلبها للعلم إن كانت تود الاستمرار في دعوتها , على أن تتوقف زمانا لتأخذ من العلم حظها ثم تعاود دعوتها , ومن كان رضوان الله همها فإن العلم أحب لها من الذهب والفضة , أما من مال قلبها لثناء الناس والمكانة في قلوبهم فما أشق طلب العلم عليها وما أصعبه .
- - الخلق .. الخلق فالدين المعاملة :
إن أثقل أعمال العبد ميزانا وأعظمها شأنا هداية القلوب ( ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك )
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حليما بأهل دعوته , فما أحوجنا نحن إلى حسن الخلق .
دعي التصنع فطعمه ظاهر إلى النفس مقزز , ثم إن حقيقتك لابد أن تظهر . أما إذا هذبت أخلاقك قبل أن تسيري في دعوتك فأنت الموفقة بإذن الله .
إن بعض الداعيات تجيد إظهار حسن الخلق ومحبة الخلق حتى إذا ما خالطتها وجدت شدة وقسوة وحب رئاسة وشهرة , فهي لينة الجانب مع محبيها والمثنيين عليها , شديدة على من يخالفها أو من يوجه نقدا لها ولو كان مخالفاً لما يجب أن تكون عليه الداعية , والعجيب أنه لو أكد لها سوء خلقها وصعوبة نقاشها ألقت اللائمة على صعوبة الدعوة وأنه يجب على الآخرين احتمالها حتى تكمل رسالتها الدعوية لا أن يقفن في مواجهتها منتقدات لها !!
من قال لها إن الناس بحاجة إليها؟ ومن كلفها بالدعوة؟ إن الواجب على هؤلاء النسوة أن ينصرفن تجاه أنفسهن فيبادرن بالإصلاح والتقويم قبل أن يفرضن أنفسهن على الناس .
ما هو منهجك ؟؟
اجعلي من الوسطية منهجا لك , بعيدا عن غلو المتشددين وتساهل المتساهلين .
مرجعيتك الكتاب والسنة وسيرة سلف خير الأمة , ميسرة لا معسرة , متفائلة بالخير , تخططين للأصلح بعد علم بقواعده وإدراك للواقع وفهم لسنن الله الكونية , همك المصلحة العامة ووحدة الصف واجتماع الكلمة , ولا يعني هذا تنازلك عن آرائك لكنه يعني أن لا نجبر الآخرين على الأخذ بها فننفر منهم لمخالفتهم لها , فالحب للمؤمن قائم مهما كان الاختلاف مادام لا يخالف صريحا لكتاب أو سنة .
كاتب المقال: الشيخ سلطان بن عبدالله العمري.
المصدر: موقع ديننا ( بتصرف ) .
==============
مكانة المرأة في الإسلام ما لها وماعليها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد :
فلقد خلق الله هذا الكون البشري من ذكر وأنثى، وجعله شعوباً وقبائل للتعارف، وأكد سبحانه وتعالى أن كرامة الفرد من البشر عند الله التقوى والصلاح، وقوة التعلق بالله إيماناً، ولا شك أن حياة الرجل بدون امرأة نكد وشقاء ووحشه، وحياة المرأة بلا رجل حياة نكد وشقاء ووحشة وضياع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك ويقول : (مسكين مسكين مسكين رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال، مسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس لها زوج وإن كانت كثيرة المال ) رواه الطبراني في الأوسط . قال الهيثمي " ورجاله ثقات " ( مجمع الزوائد 4/252 ) .
فسعادة كل واحد منهما بوجود الآخر بجانبه، قال تعالى : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) سورة الروم آية رقم ( 21 ) .(7/66)
ومن حكمة الله، وسعة علمه، وشمول خبرته أن جعل في كل واحد من الجنسين الذكر والأنثى، خصائص يختص بها دون الآخر، ليحصل الوئام، ويشعر كل واحد منهما بحاجته للآخر في الانتفاع بخصائصه الخاصة به، فتكتمل السعادة وتتم الألفة، وتظهر بذلك مدى حاجة أحدهما إلى الآخر بصفة دائمة تضمن بقاء الألفة، وانتفاء الملل من طول العشرة، جعل للرجل من الخصائص :
القوامة على المرأة بالعمل خارج المنزل لكسب ما ينفقه في سبيل تأمين أمن البيت من حيث حمايته، وتأمين الغذاء، والكساء، ومستلزمات الحياة السعيدة فيه، ومن حيث القيام بواجب الرعاية العامة لأفراد الأسرة من زوجة وأولاد وغيرهم ممن تلزمهم نفقتهم من الأقارب المحتاجين إليها .
كما هيأ الله الرجل من حيث تكوينه العقلي، وبنيته الجسدية لأن يكون لبنة صالحة لبناء المجتمع البشري، وجعله كياناً متماسكاً من حيث استقامته وصلاحه، وقوته، وثوابت وجوده، وركائز اعتباره .
ولأن يكون الرجل بتأهيله العقلي والجسدي كفؤاً للقيادة العامة في سبيل توجيه المجتمع إلى ما فيه تحقيق حكمه وجوده في هذه الحياة عبادةً لله تعالى، وعمارة للأرض وخلافةً صالحة لله في أرضه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن اختص الرجال بالرسالات، والنبوات، والولايات العامة، وفضلهم على النساء بخصائص جعلتهم أهلاً لذلك, فقال تعالى : (وليس الذكر كالأنثى) جزء من آية ( 31 ) من سورة آل عمران .
وقال تعالى : (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) جزء من آية ( 34 ) من سورة النساء.
وقال تعالى : (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً) سورة النساء آية ( 32 ) .
وجعل للنساء خصائص تتفق مع وظائف تكوينهن، فهيأ الله الأنثى لأن تكون أهلاً للولادة، والحمل، والحضانة، وجعل مقرها البيت، آمرة وناهية، هي ربة البيت وأميرته، يسعى الرجل لتأمين ميزانية الصرف، وتقوم المرأة بإنفاق هذه الميزانية على متطلبات البيت وفق ما تقتضيه بنودها بالمعروف .
عمل متكامل بين الرجل والمرأة، هذا العمل يضمن للبيت سعادته واستقامته، ورخاءه واستقراره، لا يستطيع الرجل أن يقوم بأعمال المرأة واختصاصها، ولا تستطيع المرأة أن تقوم بأعمال الرجل واختصاصاته، فلو تجاوز كل واحد منهما اختصاصه، وعطل وظائف تكوينية لانتكست المقاييس، واضطربت المعايير، فاستونق الجمل، واستثورت البقرة، فضاعت البيوت، وانفرط سلك ترابط الأسرة، وضاع الاختصاص، وآل الأمر إلى حال رجل الغرب وامرأته، كل مهمل في عمله، الرجل لا يرى زوجته إلا نادراً، والزوجة لا ترى زوجها إلا نادراً، حرية التصرف بالكرامة والعفاف لكل منهما مبذولة، وعين الرقابة عن كل واحد منهما مرفوعة، كل يعمل على شاكلته، وكل يحتج بحريته وحقه في كمال التصرف، يخادن من يشاء، وتخادن من تشاء.
فنتج عن ذلك ضياع المرأة في شبابها، وضياعها في عش زوجيتها، وضياعها في شيخوختها، وضياعها بنتاً، وزوجة، وأماً، فضلا عن امتهانها وابتذالها, واعتبارها وسيلة من وسائل ترويج السلع، وتسويقها ، والدعاية بها وإن كان ذلك على سبيل عفافها، وكرامتها، وامتهان شخصيتها الإنسانية .
ونظراً إلى أن من طبيعة الإنسان الظلم والجهل، فقد عانت المرأة في العصورالوسطى، وفي العصور الجاهلية من الرجل: الهوان، والظلم، والاحتقار، حتى إن بعض مجتمعات هذه العصور أخرجت المرأة من جنس البشر إلى جنس عناصر شريرة، واحتقرتها احتقاراً وصل بها إلى الحضيض، فاعتبرتها من أمتعة البيوت، ومن سقط المتاع، تُورث وتحتكر ويحجر عليها في التصرف، وتمنع من حقها في التملك، والإرث، والعطاء، والاختيار)، قال تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) سورة النحل آية ( 58-59 ) .
فجاء الإسلام وأعطى المرأة قيمتها البشرية، وشخصيتها الإنسانية، وكلفها بعبادة الله كما كلف الرجل بالعبادة، واعتبرها شقيقة الرجل، وقرر لها من الحقوق ما يتفق مع أنوثتها, قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) جزء من آية ( 228 ) من سورة البقرة .
إن الإسلام أكد حق المرأة بنتاً من حيث: تربيتها، ورعايتها، والحفاظ عليها، والعدل في عطية الوالد لأولاده من ذكور وإناث، والمحافظة على حقها في ذلك، وفي الرضا بمن تتزوجه .
وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجرالعظيم بأنه صلى الله عليه وسلم مع كافل البنات في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم : (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ) أخرجه مسلم ( 8/38 ) .
وأكد الإسلام حق المرأة زوجة من حيث: أداء حقوقها الزوجية، واحترام كرامتها، وحريتها في التصرف بما لها فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة وأصولها, قال تعالى : (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ) سورة النساء آية ( 4 ) .
وقال تعالى : (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) جزء من آية ( 20 ) من سورة النساء .
وقال تعالى : (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) جزء من آية ( 32 ) من سورة النساء .
وقال تعالى : (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) جزء من آية ( 34 ) من سورة النساء .(7/67)
وأكد حقها في الدفاع عن نفسها في حال شقاقها مع زوجها، وعرض الخلاف على محكمة مختصة، قال تعالى : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً) سورة النساء آية ( 35 ) .
والقرآن الكريم مليء بالنصوص المقررة لحق المرأة في شؤون حياتها من عبادات ومعاملات، وجنايات، وتقارير، وشهادات، وغير ذلك مما يتعلق بحقوقها، وواجباتها، واختصاصاتها في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في عرفة، وذكر حقوق وواجبات المسلمين فيما بينهم، وقال في حق المرأة: (استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم ألا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) أخرجه الترمذي ( 3/467 ) , وأخرجه أحمد ( 5/73 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً) أخرجه الترمذي ( 3/466 ) , وأخرجه أبوداود ( 4/219 ) .
وأكد الإسلام حق المرأة: أماً، وجعل حقها مضاعفاً بالنسبة لحق الأب، وقرن الله تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين,قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لها جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) سورة الإسراء آية ( 23-24 ) .
وعن بهز بن حكيم عن أبية عن جده قال يا رسول الله: (من أبر؟ قال: أمك قال قلت: ثم من؟ قال: أمك. قال قلت: ثم من ؟ قال: أمك. قال قلت ثم من ؟ قال: أباك) أخرجه الترمذي ( 4/273 ) .
وعن معاوية بن جاهمة أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال : هل لك أم ؟ قال: نعم . قال: فألزمها فإن الجنة تحت رجليها) أخرجه النسائي ( 2/54) .
وأعطى الإسلام المرأة حقها في التملك، وحقها في التصرف فيما تملكه دون ولاية، ولا وصاية، وأعطاها حقها في اختيار زوجها، كما أعطاها حقها على أهلها من حيث التربية، والحفاظ عليها، والعدل في العطية بالنسبة لعطايا والديها مع إخوانها، وحقها في الميراث، وحقها على زوجها من حيث النفقة بالمعروف، والمعاملة الحسنة، والتعاون معها في شؤون البيت، والعدل في القسم والنفقة في حال التعدد، والأخذ بالتدرج في تأديبها تطبيقاً لقوله تعالى : (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ) جزء من آية ( 34 ) من سورة النساء .
والخلاصة أن الإسلام أخرج المرأة من محيط الهوان، وامتهان الكرامة إلى اعتبارها شقيقة الرجل في الكرامة، والاعتبار، والتقدير، لها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، وشقيقة الرجل في التكاليف الشرعية .
وأحاطها الإسلام بسياج يحميها من التدني في السلوك، والارتماء في أحضان الرذيلة، وبسياج يكفل لها الكرامة في النفس والروح والجسد والانتماء.
وأكد الإسلام حقها في الإنسانية، وفي الاندراج تحت الحكمة الربانية في خلق الله الإنس والجن للعبادة، فهي مكلفة بعبادة ربها كما كلف بذلك الرجل، وهي بذلك مشمولة بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب،مخاطبة بالأمر والنهي، والندب والكراهية، والإباحة، معنية بوعد الله أنه لا يضيع عمل عامل من ذكرأوأنثى وهو مؤمن, قال تعالى : (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرأو أنثى بعضكم من بعض) جزء من آية ( 195 ) من سورة آل عمران .
والمرأة كالرجل مخاطبة بأصول الشريعة وفروعها، مشمولة بأحكام العقوبات في حال الإجرام، واقتراف المعاصي,قال تعالى : (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة) جزء من آية ( 2 ) من سورة النور .
وقال تعالى : (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) سورة المائدة آية ( 38 ).
وكرامة المرأة عند الله ككرامة الرجل، تتحقق بالتقوى, قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) سورة الحجرات آية ( 13 ) .
وقال تعالى : ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ) جزء من آية ( 221 ) من سورة البقرة .
وقال تعالى : (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهومؤمن فلنحييَّنة حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل آية ( 97 ) .
والمرأة موعودة كالرجل بالرحمة، والمغفرة، والأجر العظيم، حينما تتصف بصفات التقوى والإيمان والصبر والصدق والخشوع، قال تعالى : (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) سورة الحجرات آية ( 35 ) .
هذه الحقوق للمرأة والواجبات عليها لا تعني مساواتها بالرجل في كل شيء فللرجل حقوق، وعليه واجبات تتعلق به، وتتفق مع رجولته، وللأنثى حقوق، وعليها واجبات تتعلق بها، وتتفق مع أنوثتها .(7/68)
فليس للنساء حق في الولايات العامة، كأن تكون ملكة، أو أميرة، أو قاضية، أو وزيرة، أو نحو ذلك، حيث إن تكوينها الفسيولوجي يظهر بمظهر العجز والنقص، فعاطفة المرأة في الغالب أقوى من عقلها، ولهذا لم يكن لها حق تطليق نفسها من زوجها، وإنما جعل ذلك للرجل ومنعت من اتباع الجنائز، وزيارة المقابر، ولم يكن في تاريخ البشرية نبية أو رسولة, قال تعالى : (وما أرسلنا من قبلك إلى رجالاً نوحي إليهم) جزء من آية ( 109 ) من سورة يوسف .
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( لم يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة ) .
وواقع التاريخ الإسلامي يؤكد أن وظيفة المرأة في بيتها آمرة ناهية ومدبرة وراعية قال صلى الله عليه وسلم : ( والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها ) .
وأمهات المؤمنين وهن القدوة في السلوك قد أمرهن الله تعالى بلزوم بيوتهن قال تعالى: ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معرض نهيه للنساء من الإكثار من السفر للحج قال : ( واحدة والْزَمْنَ الحُصُر ) .
ولا يعني هذا أن الإسلام هضم المرأة شيئاً من حقوقها, فقد حررها من رقة العبودية والمهانة والاضطهاد وأعطاها حقوقها المتفقة مع أنوثتها وتكوينها البشري ووظيفتها في الحياة, فقد أسقط عنها الإسلام واجبات اختص بها الرجال فلا جهاد ولا صلاة جمعة ولا جماعة عليها, تسقط عنها الصلاة في حال حيضها, وصلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد .
ورعاية من الإسلام لعفافها وكرامتها وشرفها فيجب عليها أن تستر كامل جسدها عن الأجانب منها, وحتى بعد موتها فأثواب كفنها أكثر من كفن الرجل .
وإحرامُها بنسك الحج والعمرة لها حرية لبس ما تراه من أثوابها بخلاف الرجل فهو محظورعليه في حال تلبسه بالنسك تغطيهُ رأسه ولبس المخيط والخف .
وأختم هذا البحث بخبر أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني وافدة النساء إليك, إن الله بعثك بالحق للرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، وإنا معشر النساء قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم، وأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع وشهود الجنائز وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى, وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو مرابطاً أو معتمراً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم, أفما نشارككم في هذا الخير والأجر يا رسول الله ؟ فالتفت صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم إلى أصحابه ثم قال : ( هل سمعتم مقالة امرأة أحسن من هذه تسأل عن أمر دينها ) ؟ فقالوا يا رسول الله ما ظننا امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال : ( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن طاعة الزوج اعترافاً بحقه يعدل ذلك وقليل منكن من تفعله ) . فانصرفت وهي تهلل حتى دخلت على نساء قومها وعرضت عليهن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحن وآمن جميعهن .
لا شك أن الموضوع يحتاج إلى بسطٍ أكثر ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق, والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كاتب المقال: عبدالله بن سليمان المنيع - عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية
===============
توجيهات ونصائح للمرأة الداعية
أولاً: إن مهمة الداعية ليست تبكيت الناس ولا تقريعهم ، ولا تبدأ بعيبهم وذمهم ؛ لأن هذا قد يثير حمية الانتصار لأنفسهم، أو لعدالتهم ، أو لمذاهبهم ، أو لأقوالهم ، ويعين الشيطان عليهم .
ثانياً: طريق الدعوة مليء بالأشواك: قال تعالى: ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[186] ) [سورة آل عمران].
ثالثاً: ينبغي أن تكون الداعية دائمة القلق لحال الناس من غير يأس ولا قنوط، فتحمل هم الإسلام ولا تتجاهله كمن عنده صداع في رأسه لا يمكن أن يتناساه ، أو يغفل عنه.
رابعاً: طريق الدعوة والإيمان يحفل بالمتراجعين ، والمترددين ، والناكصين ، وما أجمل أن تصبر الداعية على هذا الضعف والتردد ، فتطيل النفس معهم ، ولا تحملهم ما لا تطيق نفوسهم وطباعهم وإمكاناتهم، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[199]) [سورة الأعراف].
قال الطبري رحمه الله: ( خذ العفو من أخلاق الناس واترك الغلظة عليهم ) . فلا ينبغي أن يغلب جهل المدعو حلم الداعية بحال من الأحوال.
خامساً: ينبغي للداعية أن تهتم بجانب تربية النفس، والارتقاء بقدراتها وعلمها وأخلاقها، وينبغي أن تعوّد نفسها على تحمل البرامج الجادة، واستثمار الوقت بكل وسيلة ممكنة على أحسن وجه.
سادساً: استبعاد الجانب الشخصي من الدعوة مهم، فهذه الدعوة ربانية لا تنحصر في أفراد، أو جماعات أو هيئات، فيجب أن نصحح الاعتقاد لدينا أن الدعوة تنحصر في هذا الفرد أو ذاك، والواجب تهيئة أكبر عدد ممكن من الداعيات والصالحات.
سابعاً: ليس الهدف من الدعوة هو تحطيم أشخاص معينين أو إسقاطهم، فلم يكن هم موسى عليه السلام القضاء على فرعون بل كان يرجو أن يخرج الناس من عبودية العباد إلى إخلاص العبادة لرب العباد. فلا بد من البعد عن السب والشتم، فهو ليس من طرق الدعوة ولا من وسائلها، فهي جاءت لإسقاط الباطل وبسقوطه يسقط من حمله.(7/69)
ثامناً: الدعوة إلى الله، هي دعوة على بصيرة، بصيرة بكل شيء، من طريق الدعوة والسبيل الأقوم، وأخذ حظ من العلم المؤصل السليم، وبصيرة بحال المدعوين وظروفهم، وبأعداء الدعوة وأساليبهم، وبصيرة كذلك بنفسها لتعرف إرادتها ونيتها فلا يلتبس عليها الأمر، ولا تتداخل المقاصد.
كاتب المقال: رقية المحارب
المصدر: مفكرة الإسلام
===============
همسات وإشارات للمرأة الداعية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
ففي عصور الإسلام الفاضلة اشتهرت صحابيات وتابعيات ونساء فقيهات عالمات وأديبات وشاعرات حملن لواء الدعوة والعلم وانطلقن ينشرنه في أرجاء المعمورة فانتفع بعلمهن الكثير، فكانوا أقماراً وشموساً في سماء الإسلام الساطعة. واستكمالاً للمسيرة الدعوية، نقدم للأخت المسلمة الداعية لمحات يسيرة فيما يجب أن تكون عليه لتنجح دعوتها إلى الله :
1- الداعية الناجحة : تأتلف مع البعيدة وتربي القريبة وتداوي القلوب، قال الشاعر:
احرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يشعب.
2- الداعية الناجحة : تظن كل واحدة من أخواتها بأنها أحب أخت لديها عند لقائها بها، قال تعالى: ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) طه-39
3- الداعية الناجحة : عرفت الحق فعرفت أهله، وإن لم تصورهم الأفلام، أو تمدحهم الأقلام، قال تعالى: ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود )[الفتح:29].
4- الداعية الناجحة : إذا قرعت فقيرةٌ بابها ذكرتها بفقرها إلى الله عز وجل، فأحسنت إليها، قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد )ُ [فاطر:15].
5- الداعية الناجحة : تعلم أنها بأخواتها، فإن لم تكن بهن فلن تكون بغيرهن، قال تعالى: ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ) القصص:35.
6- الداعية الناجحة: لا تنتظر المدح في عملها من أحد؛ إنما تنظر هل يصلح للآخرة أم لا يصلح؟
7- الداعية الناجحة : إذا رأت أختاً مفتونة لا تسخر منها، فإن للقدر كرات قال تعالى: ( وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) [
الإسراء:79]، وليكن شعارها: ( يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك ).
8- الداعية الناجحة : ترعى بنات الدعاة الكبار الذين أوقفوا وقتهم كله للدعوة، والجهاد في سبيل الله، بعيداً عن الأهل والبيت قال تعالى : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [آل عمران:121] وفي الحديث: { من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا }.
9- الداعية الناجحة : تجعل من بيتها مشغلاً صغيراً تنفع به الدعوة، والمحتاجين، كأم المساكين( زينب ) رضي الله عنها.
10- الداعية الناجحة : تعطي حق زوجها، كما لا تنسى حق دعوتها حتى تكون من صويحبات خديجة رضي الله عنها، قال عنها النبي : { صدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وواستني بنفسها ومالها، ورزقني الله منها الولد، ولم يبدلني الله خيراً منها }.
11- الداعية الناجحة : مصباح خير وهدى في دروب التائهين.. تحرق نفسها في سبيل الله...
{ لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم }.
12- الداعية الناجحة : تعلم أن مناهجها على ورق إن لم تحيها بروحها وحسها وضميرها وصدقها وسلوكها وجهدها المتواصل.
13- الداعية الناجحة : لا تهدأ من التفكير في مشاريع الخير التي تنفع المسلمين في الداخل والخارج.. أعمالها تظل إخوانها في كل مكان ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الحج:77].
14- الداعية الناجحة : تنقل الأخوات من الكون إلى مكونه، فلا تكون كبندول الساعة، المكان الذي انطلق منه عاد فيه.. بل تشعر دائماً أنها وأخواتها في تقدم إلى الله ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) [المدثر:37].
15- الداعية الناجحة : تشارك بقلمها في الجرائد والمجلات الإسلامية والمنتديات، تشترك فيها وتقوم على إهدائها للأخوات وإرشادهن إلى أهم الموضوعات. والمقال القصير المقروء خير من الطويل الذي لا يقرأ { أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ }.
16- الداعية الناجحة : تحقق العلم على أرض الواقع، كان خلق الرسول الكريم القرآن، فهي تعلم أن العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر.
17- الداعية الناجحة : تبحث عن الوسائل الجديدة والمشوقة في تبليغ دعوتها، ولكن في حدود الشرع وسيأتي الزمن الذي تسود فيه التقنية والمرئيات على الكتب والمؤلفات في اكتساب المعلومات ( وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [النحل:8].
18- الداعية الناجحة : لها مفكرة تدون فيها ما يعرض لها من فوائد في كل زمان ومكان { كل علم ليس في قرطاس ضاع }.
19- الداعية الناجحة : تعرف في أخواتها النشاط وأوقات الفترة فتعطي كل وقت حقه، فللنشاط إقبال تستغل، وللفترة إدبار تترفق بهن ( لكل عمل شرة ولكل شرة فترة ).
20- الداعية الناجحة: غنية بالدعوة فلا تصرح ولا تلمح بأنها محتاجة لأحد لقوله تعالى :
( يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) [البقرة:273].(7/70)
21- الداعية الناجحة : تعلم أن المال قوة فلا تسرف في طلباتها لكماليات المنزل قال تعالى :
( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان : 67 ، وتسخر المال في خدمة الإسلام والمسلمين .
22 - الداعية الناجحة : تمارس الدعاء للناس، وليس الدعاء عليهم، لأن القلوب الكبيرة قليلة كما في قوله : { اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون}، وقد قال تعالى: ( قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَال ياليت قومي يعلمون )(26) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين (27) ) يسَ.
23 - الداعية الناجحة : إذا نامت أغلب رؤياها في الدعوة إلى الله فإذا استيقظت جعلت رؤياها حقائق. قال تعالى: ( هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) يوسف : 100 .
24 - الداعية الناجحة : تطيب حياتها بالإيمان والعمل الصالح، لا بزخارف الدنيا قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً و َلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل : 97 .
25- الداعية الناجحة : عرفت الله فقرّت عينها بالله، فقرّت بها كل عين، وأحبتها كل نفس طيبة، فقدمت إلى الناس ميراث الأنبياء.
26 - الداعية الناجحة : لا تعتذر للباطل من أجل عملها للحق، وهل يأسف من يعمل في سبيل الله؟ ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) طه : 72
27- الداعية الناجحة : تكون دائماً على التأهب للقاء الله، وإن نامت على الحرير والذهب !!
( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ) البقرة :223 .
28 - الداعية الناجحة : لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت من متاع الدنيا ولو أعطيت ملك سليمان، لم يشغلها عن دعوة الله طرفة عين، قال تعالى: ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد : 23 .
29 - الداعية الناجحة : لا تفكر في نفسها فقط، بل تفكر في مشاريع تخدم المسلمين والمسلمات، قال الله تعالى : ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الحج : 77 .
30 - الداعية الناجحة : تسأل الله دائماً الثبات على الإيمان، وتسأله زيادته .
31 - الداعية الناجحة : لا ترجو غير الله و لا تخاف إلا الله , متوكلة على الله ، و راضية بقضاء الله .
32 - الداعية الناجحة : قرة عينها في الصلاة، قال : ( وجعلت قرة عيني الصلاة ) .
33 - الداعية الناجحة : يجتمع فيها حسن الخلق، فهي ودودة كريمة جوادة.
34 - الداعية الناجحة : تتحمل الأذى من كل من يسيء إليها، وتحسن إليهم .
35 - الداعية الناجحة : العلم عندها العلم الشرعي لا الدنيوي .
36 - الداعية الناجحة : أولادها مؤدبون، دعاة، قدوة، تربوا في بيت دين وعلم، لا يولدون للآخرين الإزعاج .
37 - الداعية الناجحة : منارة تحتاط لنفسها في مجال النسوة، وفي غاية الأدب والتحفظ، وهي صادقة في أخلاقها .
38 - الداعية الناجحة : منضبطة تعرف متى تزور ومتى تُزار، حريصة على وقتها ليست بخيلة بزمانها، وليست ثقيلة فتُمل، ولا خفيفة فيستخف بها .
39 - الداعية الناجحة : لا تنس الفقراء وهي تلبس، ولا تنسى المساكين وهي تطبخ، ولا تنسى الأرامل وهي تشتري حاجياتها، ولا تنسى اليتامى وهي تكسو عيالها، قال تعالى: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون ) آل عمران : 92 .
40 - الداعية الناجحة : تسعى على تزويج أخواتها في الله، لأنها تعلمت من حديث النبي : { أن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا }، فلا تترك أخواتها للهم والوحدة والأحزان، ولا تهدأ الأخت حتى يتم لأختها الخير والسعادة .
41- الداعية الناجحة : إن وقع عليها بلاء كغضب زوج، أو إيذاء جار، تعلم أن ذلك وقع لذنب سبق فعليها التوبة والاستغفار .
42- الداعية الناجحة : تصبر على الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصبر على إصلاح عيوب أخواتها، ولا تتعجل ولا تظن بأحد الكمال، بل تنصح بلطف وتتابع باهتمام ولا تهمل .
فنسأل الله أن يوجد في أخواتنا وبناتنا مثل هذه الداعية الدرة الثمينة. إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .
كاتب المقال: القسم العلمي .
================
المرأة والدعوة
لاشك أن الشيطان لن يترك دعاة الحق في مسيرتهم دون أن يضع لهم العقبات في طريقهم أملا في ثنيهم عن الوصول إلى أهدافهم وتحقيقها، وإن لم يستطع فلا أقل من تعطيلهم وتأخيرهم.
ولذا نجد أن هناك عقبات كثيرة تعترض المرأة الداعية، كما يعترض الرجل الداعية عقبات أخرى كثيرة، فمن العقبات التي تعترض المرأة الداعية:
أولاً: عقبات نفسية:
الشعور بالتقصير:
إن كثيرًا من الأخوات الداعيات تشعر بأنها ليست على مستوى المسؤولية التي ألقيت عليها، وهذه في الحقيقة مكرمة وليست عقبة.(7/71)
إن المشكلة تكون إذا شعرت الفتاة بكمالها أو أهليتها التامة، ومعنى ذلك أنها لن تسعى إلى تكميل نفسها، أو تلافي عيبها، ولن تقبل النصيحة من الآخرين؛ لأنها ترى في نفسها الكفاية، أما شعورها بالنقص أو التقصير، فهو مدعاة إلى أن تستفيد مما عند الآخرين، وأن تقبل النصيحة. وينبغي أن تعلم الأخت الداعية أنه ما من إنسان صادق، إلا ويشعر بهذا الشعور . فكلما زاد فضل الإنسان، زاد شعوره بالنقص، وكلما زاد جهله وبعده، زاد شعوره بالكمال.
وباختصار فإنه ما دامت الروح في الجسد، فلن يكمل الإنسان، وكلما شعرنا بالتقصير وهضم النفس، كنا أقرب إلى الله تعالى، وأبعد عن الكبر والغرور.
التخوف والإحجام والتهيب من الدعوة والكلام أمام الأخريات:
وهذا لا يمكن أن يزول إلا بالتجربة والممارسة، ففي البداية: من الممكن أن تتكلم الفتاة وسط مجموعة قليلة، بأن تلقي حديثًا مفيدًا - ولو كان مكتوبًا في ورقة -، ثم مع مجموعة أكثر، ثم تشارك في المسجد، وفي الدروس التي تقام في المدرسة، ثم تبدأ بعد ذلك في إعداد بعض العناصر، ثم بعد ذلك يمكنها أن تلقي كلمة بطريقة الارتجال، فلابد من التدرج، وإلا ستظل المرأة، وسيظل الرجل يقول: لا أستطيع .
ثانيًا : عقبات اجتماعية:
فساد البيئة:
فإذا كانت البيئة التي تعمل فيها المرأة الداعية فاسدة، سواء كانت هذه البيئة: مدرسة، أو مؤسسة، أو مستشفى، أو معهدًا فإن ذلك يؤثر على المرأة تأثيرًا شديدًا، ويضغط عليها ضغطًا كبيرًا.
حلول مقترحة: هناك بعض الحلول التي يمكن أن تساهم في إزالة تلك العقبات، أو تخفيفها في بعض الأحيان، من أبرزها:
1- مواصلة العلماء، وطلاب العلم، والدعاة الغيورين بكل ما يحدث داخل تلك المجتمعات، إنها ليست أسرارًا ولا خفايا، كيف وهي تنشر في بعض الصحف العالمية، فإذا تحدثت طالبة- مثلاً- أو راسلت أحد الدعاة، حُقق معها، بحجة أنها نشرت أسرار الجامعة، أو نشرت أسرار المستشفى، كيف يحدث هذا؟!
2- ومن الحلول: النزول للميدان مهما كانت التضحيات، فالهروب من هذه المجالات عبارة عن هدية ثمينة نقدمها بالمجان للعلمانيين والمفسدين في الأرض، وأرى-اجتهادًا- ضرورة خوض هذه الميادين، وتحمل الفتاة ما تلقاه في ذات الله - عز وجل - إلا إذا خشيت على نفسها الفتنة، ورأت أنها تسير إليها فعلاً؛ لضعف إيمانها، أو قوة الدوافع الغريزية لديها، أو ما شابه ذلك، فحينئذ السلامة لا يعدلها شيء.
ويجب أن تظل الدعوة هاجسًا قويًا للأخت مع كل الأطراف، فلا تعين الشيطان على أخواتها الأخريات، فحتى تلك التي يبدو فيها شيء من الجفوة في حقها، أو الصدود عنها، أو سوء الأدب معها، يجب أن تتحمل منها، وتتلطف معها، وتضع في الاعتبار أنها من الممكن أن تهتدي، والله تعالى على كل شيء قدير: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56] .
3- من الحلول: أنه يجب على الدعاة والتجار والمخلصين أن يسعوا جاهدين إلى إقامة مؤسسات إسلامية أصيلة نظيفة، مستقلة.
لم يعد مستحيلاً إنشاء مستشفى نسائي خاص، ولم يعد مستحيلاً إقامة أسواق نسائية خاصة؛ بل هي موجودة بالفعل، ويجب أن تطوّر وتوسع، ولم يعد مستحيلاً إقامة مدارس نسائية خاصة، وليس من المستحيل إقامة جامعات خاصة بالنساء، في هذا البلد، وفي كل بلد.
وقد رأيت بعيني جامعات تضم ألوف الطالبات في قلب أمريكا، ليس فيها طالب واحد على الإطلاق، مع أن دينهم ليس هو الذي أملى عليهم ذلك، ولكنهم رأوا في ذلك مصلحة ما.
عدم التجاوب من الأخريات:
من العقبات التي تواجهها المجتمعات الدعوية النسائية، عدم التجاوب من الأخريات من النساء، ورفض بعضهن للدعوة.
فبدءًا أقول: هذه الأمة أمة مجربة، فلست أنت أول من دعا؛ وإنما دعا قبلك كثيرون وكثيرات، وكان التجاوب كثيرًا وكبيرًا، والكفار الآن يدخلون في دين الله أفواجًا، فمن باب أولى أن يستجيب المسلمون لله وللرسول إذا دعوا إلى ما يحييهم.
وأما أسباب عدم التجاوب فتنقسم إلى:
أ- أسباب ترجع إلى المدعوة نفسها : وذلك كأن تكون شديدة الانحراف، أو طال مكثها في الشر، وأصبح خروجها منه ليس بالأمر السهل، وأصبحت جذورها ضاربة في تربة الفساد، أو صعوبة طبعها، وعدم ليونتها، ووجود شيء من العناد، وقد يكون ذلك راجعًا لوجود قرينات سوء يدعينها إلى الشر.
وهذا كله يمكن أن يعالج بالصبر وطول النَّفَس، والأناة، وتكثيف الجهود، وربط هذه الفتاة ببيئة إسلامية جديدة تكون بديلاًَ عن البيئة الفاسدة التي تعيش فيها.
وقد يكون عدم قبولها للدعوة؛ بسبب كبر سنها ، فيعالج ذلك بالوسائل المناسبة.
ب- أسباب ترجع إلى الداعية نفسها: ومن هذه الأسباب التي تتعلق بالداعية نفسها: عدم استخدامها الأسلوب المناسب الذي يتسلل إلى قلب المدعوّة ويؤثر فيها، وقد يعود ذلك إلى غلظتها وقسوتها، أو شدة تركيزها على أخطاء الآخرين، أو شعور الأخريات بأن الداعية تمارس نوعًا من الأستاذية أو التسلط ، مما يحرضهن على مخالفتها ومعاندتها؛ لأنهن يرين عملها هذا مسّاً للكرامة، أو جرحًا للكبرياء، والشيطان حاضر، فيؤجج في الفتاة مشاعر الكبرياء والعزة، فترفض الدعوة ولا تقبلها.
أما علاج هذه العقبة، فيمكن حصره في الأمور التالية:
أولاً: أن تحرص الفتاة الداعية على استخدام أسلوب الالتماس، والعرض، والتلميح، دون المواجهة ، كلما أمكن ذلك، وألا تُشعر الأخريات باستعلائها عليهن، أو أنها فوقهن، ولا تشعرهن بالأستاذية، أو التسلط عليهن.(7/72)
ثانيًا: ومن العلاج: العناية بشخصية المرأة: عقيدة، وثقافة، وسلوكًا، ومظهرًا، ومخبرًا، دون إهمال الأمور المعنوية المهمة والأساسية، بسبب الاشتغال بالقضايا المظهرية فحسب.
ومع الأسف، إن تسعين بالمائة من الأسئلة التي تصلني، لا تكاد تتجاوز شعر الرأس إلى أكمام اليدين، أو حذاء القدمين!!
أين عقيدة المرأة؟! أين أخلاقها؟! أين معرفتها بعباداتها؟! أين معرفتها بالصلاة، بالصيام، بالحج؟! أين معرفتها بحقوق الآخرين؟! أين.. أين..؟
ثالثًا: عدم تتبع الزلات والعثرات، فما من إنسان إلا وعليه مآخذ وله زلات، وليس من الأسلوب التربوي التركيز على ملاحظة الزلات، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثني أحيانًا، ويمدح الإنسان بخصال الخير الموجودة فيه، وكتب المناقب في البخاري ومسلم، وكل كتب السيرة مليئة بمثل ذلك، فيثنى على الإنسان بخصال الخير الموجودة فيه؛ حتى ينمو هذا الخير ويكبر، وحتى يقتدي به الآخرون في ذلك، وليس من شرط ذلك مدح الإنسان بشخصه فقط ، ولكن مدح الفئة، أو الأمة، أو الطائفة بالخير الموجود فيهم، يدعوهم ذلك إلى مزيد من الخير، وإلى التغلب على خصال النقص الموجودة لديهم.
ولا يمنع هذا أن يُلاحظ على الفتاة أحيانًا شيء من النقص، فتُنصح به في رسالة، أو حديث أخوي مباشر، أو مكالمة هاتفية… أو غير ذلك، لكن لا يكون هذا هو الأصل؛ بل يكون أمرًا طارئًا، حدث لوجود غلط معين.
رابعًا: عدم محاصرة المرأة المخطئة أو المقصرة، أو المسارَعة في اتهامها، فنحن لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس، ولا أن نشق عن قلوبهم، ومالنا إلا الظاهر، ولسنا مغفلين بكل تأكيد، لكننا لا نطلق لخيالنا العنان في تصور فساد مستور، فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذَّب، وإن شاء غفر، والله تعالى يقول:"رحمتي سبقت غضبي"، فأحيانًا يتصور الإنسان فسادًا، أو يغلب على ظنه أنه واقع، لكن ليس هناك داعٍ للبحث عن حقيقته مادام أمره مستورًا، ليس عندك أدلة عليه، ولم يظهر لك، فدع أمر الناس للناس، فالأمور المستورة دعها إلى الله، فما ظهر منها شيء أخذناه به أما المستور فأمره إلى الله تعالى، وقد يتبين لك فيما بعد أن ما كنت تظنه، لم يكن صحيحًا، وأن الأمر كان بخلاف ذلك.
وبين اليقظة وسوء الظن خيط رفيع، فبعض الناس عنده تغفيل، والتغفيل مذموم، قد يرى الفساد فيتجاهله ويتغافل عنه؛ فينبغي أن يكون الإنسان يقظًا واعيًا مدركًا، وفي نفس الوقت ألا يسيء الظن بالآخرين.
----------
المصدر: الإسلام اليوم .
====================
بل من أجل الدعوة
هذه أمة ولود، ودود، معطاء، لا تزال غضة الإهاب، موفورة الشباب، قادرةً - بإذن الله - على تعويض النقص الذي يطرأ عليها كلَّ حين.. تبدلت دول، وذهب رجال، وتحطمت مشاريع وأعمال، لكنَّ الأمة باقية.
ومصير الإسلام مربوط بمصير الأمة، لا بمصير فرد، ولا جماعة، ولا مؤسسة، ولا حتى دولة، الإسلام أكبر من كل ذلك، وإن من الخطأ أن نربط مستقبل الإسلام، أو مستقبل الدعوة الإسلامية بما يؤول إليه أمر هذه الجماعة أو تلك، أو بمقدار ما يمنحه هذا الفرد أو ذاك، أو بسبب استمرارية نشاط نعتقد أنه إيجابي وبنّاء.
نعم، ثمة جهات كثيرة ذات تأثير واضح في دفع عجلة الدعوة، وثمة أحداث بارزة، وشخوص وأعمال، ولكن هذه كلها وسائل قد يقوم غيرها مقامها، وقد يموت شخص فتحيى أمة، أو يبدل الله الناس خيرًا منه.
إذا مات فينا سيد قام سيد ..... قؤول لما قال الكرامُ فعولُ
وما مات فينا سيد حتفَ أنفه ..... ولا طُلَّ منا حيث كان قتيل
يقرب حبُّ الموتِ آجالنا لنا ..... وتكرهه آجالُهم فتطول.
إن مما يؤذي النفس أن يربط الناس مصير الدعوة في بلد أو أمة بمصير أشخاص، مهما عظموا وجلّوا في عيون الناس؛ فالإنسان بشر محدود العمر، محدود المواهب، محدود الإمكانيات، وهو عرضة لأن يجتهد فيخطئ ويصيب، كما هو عرضة لأن يفعل شيئًا دون اجتهاد، وهو رهن المؤثرات المحيطة به: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والنفسية، ولا ينفك عنها بحال.
الكثيرون يجعلون أيديهم على قلوبهم، نخاف أن يوصد هذا الباب، أو يمنع هذا السبيل، أو يحال بين هذا الخطيب ومنبره، وبين هذا الكاتب وقلمه، وأقول: كان ماذا؟ وكم لله من خطيب، وكاتب، وداعية؟ وكم للخير من أبواب وأسباب ؟ !
نعم، ليس عليك من حرج أن تحزن لغلق باب من أبواب الخير، لكن الحرج أن تعتبر مصير الدعوة مرتهنًا بهذا الأمر، ولا يلام الناس إذا تأثروا بخفوت صوت، أو غياب كلمة حرة صادقة، لكنهم يلامون إذا كانوا يعدون مستقبل الدعوة تحطم وانتهى بسبب هذا.
الأمة - معاشر الأحباب- معطاء، ولود، وإذا سكت صوت خلفه ألف صوت، وإذا مات خطيب فسوف يأتي الله بألف خطيب، كلهم يقتفون الأثر، ويتبعون السبيل.
إننا بهذه الطريقة نحمّل الناس ما لا يحتملون، ونَئِدُ - شئنا أم أبينا - كل نابتة خير في الأمة، فمن ذا الذي يملك أن يتحمل مستقبل الدعوة، فيحاسب على أنه هو "الدعوة"، وهو "المستقبل"، وهو "الواقع"، مَن؟
إنما العدل أن يوضع كل شخص في مكانه الطبيعي، وبحجمه المعقول، لا نبخس الناس أشياءهم، ولا نهضمهم حقوقهم، ولكننا لا نرفعهم فوق قدرهم، ولا نحمّلهم ما لا يحتملون، ولا يطيقون.(7/73)
وفي فترات الضعف والتردي، إذا تهيأ للناس واجهة علّقوا عليها كل شيء، وبدلاً من توزيع الأدوار والمسؤوليات والتبعات، يستسهل العامة الإلقاء بالأمر على " أقرب مذكور"؛ ولهذا تجد الكثيرين يسرقون أنفسهم من الأضواء، ويختفون من الساحة في صمت؛ لأنه لا قبل لهم بهذه الأعباء الثقال، التي تولدت عن إلباسهم جُبَّة اسمها "الدعوة"، واعتبارهم ناطقين باسمها، ومعبرين عنها.
إن الله تعالى يقول: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21]، ويقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر:38]، ويقول جل جلاله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا) [النحل:111]، ويقول عز من قائل: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء:13]، فمن أيِّ نص أخذ بعض أهل الزمان أن من كان شيئًا يجب أن يكون كل شيء؛ ليلقوا المسؤولية عن أعناقهم وكواهلهم، ويبرئوا ساحاتهم؟
إن الفرق بينك وبين فلان، هو أنه قام بواجب ما قمت به أنت، فجزاه الله خيرًا وبارك في علمه، وأصل التكليف بينكما واحد، ولا يبعد أن لديك من الذكاء الفطري، أو قوة الحفظ، أو سعة العقل، أو شمولية الشخصية ما ليس عند غيرك، فلماذا تنسى نفسك، وتدفن مواهبك، ثم تعاتب من تحامل على نفسه، وعمل بما يستطيع، وقصر هنا أو غفل هناك؟
كاتب المقال: د ـ سلمان بن فهد العودة
المصدر: موقع الإسلام اليوم
============
نجاح داعية
الذي يقرأ في تاريخ الدعوات, و أسباب نجاحها أو فشلها يجد أن من أهم أسباب النجاح الذي تحرزه دعوة ما أحد أمرين:
1 – الحق الذي تحمله هذه الدعوة , فبقدر ما فيها من الحق تكون ملائمة للفطرة, قريبة إلى العقل، و سرعان ما تتقبلها النفوس وتسكن إليها .
ولذلك لما سمع الجن كلام الله تعالى يقرؤه رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم- رجعوا إلى قومهم يقولون : (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) [الجن:1-2].
بل تحولوا مباشرة إلى "منذرين" تتحرك في نفوسهم دوافع الإنذار و البيان والدعوة : (وَإِذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف :29-31].
وقد يتوفر لبعض أمم الكفر قدر من العدل وحفظ مقامات الحقوق البشرية مما هو في الأصل من مقاصد الشريعة؛ فيجعل الله لهم من التمكين والبقاء والنفوذ بقدر ذلك، كما هو معروف في حقب التاريخ ومشاهد من واقع الحياة.
2 – و العامل الثاني من عوامل النجاح : ثقة الداعية بدعوته , وإيمانه الراسخ المطلق بأنها الحق الذي لا ريب فيه .. فهنا يتحول إلى قدوة في قوله وفعله، يتحول إلى "إمام " : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
و لا يملك قارئ هذه الآية الكريمة إلا أن يقف عند هذه الكلمات الأربع: (أئمة, يهدون, صبروا, يوقنون).
فلكي نكون دعاة صادقين و أئمة هادين مهديين, لا بد من الصبر على الدين, فلا تزحزحنا عنه أو عن بعض عقائده أو أحكامه استخفافات الذين لا يوقنون، و لا بد من اليقين المطلق الذي لا يقبل المراجعة أو الشك بأنه الحق.
ونحن هنا لا نتحدث عن الآراء الاجتهادية ولا عن وجهات النظر الشخصية، التي قد يتحول الإيمان المطلق بها إلى نوع من التعصب والهوى والإصرار وبطر الحق وغمط الناس, لكننا نتحدث عن " الدين المنزل ".
قال الله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم:13].
وقال جل وعلا : (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ*قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) [الأعراف:88-89].
و كما يظهر اليقين في أقوالنا, فلا نداور ولا نداهن ولا نماري, و لا يعنينا ما يقوله عنا الآخرون, فنعطيهم إياها صريحة.. إن هذا الدين دين الله, لا يقبل سواه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، و نعلنها لهم واضحة: (كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده).
فكذلك يجب أن يظهر اليقين في أعمالنا وسلوكنا و أساليب حياتنا … من يحمل الدين الصحيح ويثق بما لديه لا يذهب ليأخذ ما يسقط من موائد الآخرين.
ليس صحيحًا أن تكون مجتمعاتنا و بيوتنا و مدارسنا وأسواقنا و شاشاتنا ميدانًا استهلاكياً للمنافسة و السباق على بضاعتهم الكاسدة.(7/74)
وبتجربة عملية يظهر أن الشاب أو الفتاة الذي يعيش الإسلام واقعًا عمليًا بين ظهراني المشركين – و قد اضطر للإقامة بينهم – أجدى على الإسلام من مائة خطيب و متحدث.. يدعو إلى الإسلام بأقواله, ويحذر منه بأعماله.
في مدينة ( لورنس ) في الولايات المتحدة الأمريكية التقينا مسلمًا أمريكيًا أبيض, أسلم من سبع سنوات, و أثنى المسلمون خيرًا على خلقه وسلوكه ونشاطه في الدعوة إلى الله, وهو أستاذ في الجامعة.
سألنا عن سبب إسلامه.. ولقد كانت فرحتنا كبيرة حين وجدنا في قصته شاهدًا عمليًا ماثلاً للعيان لما كنا نقوله للدعاة من ضرورة الاعتزاز بالإسلام في تلك المجتمعات ( عقيدةً وسلوكًا وأحكامًا) و ألا نتنازل عن شيء من أجلهم؛ حتى يكون سلوكنا و منهج حياتنا "يصرخ" في وجوههم.. يدعوهم إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر.
كان هذا الرجل قد فقد الثقة بنصرانيته المحرفة الممسوخة المنسوخة, و بدأ رحلة شاقة في البحث عن الدين الحق..، و بحث في ديانات كثيرة فلم يجد فيها غناء, لكنه لم يفكر لحظة في دراسة الإسلام, فقد أسقطه من حسابه منذ البداية بسبب الصورة المشوهة التي رسمتها في عقله أجهزة الإعلام وشعوب الإسلام!.
ذات يوم رأى فتاة مسلمة تدرس في الجامعة ملتزمة بحجابها, تتحدى به أمواج التفسخ
والتعري والانحلال .. ريحانة في وسط النتن!.
و سأل فعلم أنها مسلمة, و أن الإسلام يأمر بالتستر و التصون و حفظ الجسد عن العيون النهمة
والنظرات الجائعة، فكان يقول: انطباعي السابق أن الإسلام يمتهن المرأة ويحتقر شخصيتها؛ لكنني أمام امرأة بلغ اعتزازها مداه حتى استطاعت أن تتميز بملابسها وهيئتها عن جميع أفراد ذلك المجتمع.. غير أنها تعيش في قلبه... إذًا فما تلقنتُه عن الإسلام و موقفه من المرأة غير صحيح!.
و هكذا كانت تلك " الصدمة " سببًا في إفاقته، ثم قادته أخيرًا إلى الإسلام.
و قد اقترن هذا المسلم بالفتاة نفسها التي رآها وأسلم بسببها!.
حتى المقصرون والمفرطون يستطيعون بالبقية الباقية لديهم من أخلاق الإسلام أن يدعوا الناس إليه.
و من طرائف هذا الباب أن فتاة عربية مسلمة غير ملتزمة تقيم في كندا, وتعرفت على شاب كندي نصراني, فطلب منها الزواج فرفضت لأنه غير مسلم.
فسأل عن الإسلام فأعطته معلومات يسيرة, ولم تكترث بالأمر – و الله أعلم – لكنه واصل,
وذهب إلى بعض المراكز الإسلامية و بدأ يقرأ بنهم حتى اقتنع بالإسلام وامتلأ قلبه به, و ظهر على جوارحه وسلوكه, فأعفى لحيته, و بدأ يحافظ على الجماعة, ويقوم الليل...، ثم جاء لصاحبته يطلب يدها؛ فرفضت وقالت: أنت أصبحت الآن متطرفًا!!.
لكنه لم يلتفت إليها.
لماذا نخجل من ديننا؟!.
بل لماذا نخجل حتى من عاداتنا التي لا خطأ فيها فنرغب عنها شعورًا بالهزيمة، وبتفوق الآخرين؟!.
إن هزيمتنا في معركة عسكرية يمكن أن تستبدل بنصر مظفر في معركة تالية، لكن الهزيمة التي لا نصر بعدها هي الهزيمة الداخلية.. الهزيمة الروحية.
كاتب المقال: د.سلمان بن فهد العودة
المصدر: موقع الإسلام اليوم
================
الدعوة النسائية من خلال الجامعات و مدارس البنات
أولاً : مدارس التعليم العام :
تنتشر مدارس البنات في جميع أنحاء العالم الإسلامي، نصيب المرحلة المتوسطة والثانوية قرابة ثلث العدد، ولا يخفي أهمية هذه المرحلة العمرية بالنسبة للفتاة، ومن هنا تأتي أهمية إعطاء هذه الشريحة حقها من الاهتمام الدعوي والتوجيهي، وفيما يلي أبرز المناشط التي يمكن تقديمها للمرأة من خلال مدارس البنات :
أ ) توزيع بعض الأشرطة أو الكتيبات المختارة عن طريق اقتراحها للجهة المشرفة، أو بواسطة إحدى المعلمات .
ب) حث بعض المعلمات لطرح أشكال من المسابقات مثل: حفظ القرآن، أو مسابقات ثقافية، أو كتابة بحوث، أو تلخيص لبعض الكتب .. إلخ، إضافة لإصدار بعض النشرات التوجيهية، والمطويات الموسمية .
ج ) تحفيز بعض المعلمات النشيطات لإقامة درس ثابت في مصلى المدرسة للطالبات .
د) إقامة المحاضرات المناسبة ومن الملقين المتميزين .
هـ) حث إحدى المعلمات لإنشاء ما يسمى بجماعة المصلى لتنشيط الجوانب التوجيهية في المدرسة .
و) إقامة لقاء نصف شهري أو شهري بين الداعيات من المعلمات لبحث وضع البرامج الدعوية في المدرسة .
ز) إيجاد « ركن – كشك » لبيع الأشرطة والكتيبات في المدارس والكليات وتكون تابعة : إما إلى المقصف – وإما إلى مراكز الدعوة – وإما إلى جماعة المصلى – وإما إلى التسجيلات الإسلامية – وإما إلى المؤسسات الدعوية .
ح) توجيه بعض المعلمات لإلقاء محاضرات أو ندوات مشتركة وتكون من القضايا التي تناسب المرحلة العمرية .
ط) الاستفادة من طالبات الجامعة أثناء فترة التدريب الميداني في تنظيم بعض المناشط الدعوية والتوجيهية .
ي) الاستفادة من الإذاعة الداخلية بما هو مفيد سواء في طابور الصباح أو حصص النشاط ، أو الفسح .
ن) رصد الظواهر السلبية، والمخالفات الشرعية التي قد توجد بين الطالبات وإعداد نشرات أو كتيبات تعالج هذه الظواهر، ولعل أبرز ما ينبغي التركيز عليه: ( المعاكسات الهاتفية، العلاقات المتبادلة الشاذة – الإعجاب – التساهل في الحجاب ) .
س) إقامة معرض للكتاب والشريط الإسلامي بشكل سنوي .(7/75)
ش) توفير « حقيبة الانتظار » في المدارس كي تستفيد المعلمة من الحقيبة في حصص الانتظار، و هذه الحقيبة تحتوي على كتيبات « قصصية » بعدد طالبات الفصل، وكتب مسابقات، وتقوم المعلمة إما بتكليف الطالبات بقراءة الكتيبات، أو تعمل لهم مسابقة من خلال كتاب المسابقات، وتحتاج المدرسة إلى أربع حقائب مع الحرص على تغيير الكتيبات بين فترة وأخرى .
ما يتعلق بالمعلمات بشكل أخص :
1- يوجد حصة للنشاط في كل أسبوع، إلا أن غالب المدارس لا تقوم بالاستفادة منها الاستفادة المثلى، ويمكن وضع دليل عملي مكتوب يحوي بعض الأنشطة التي يمكن من خلالها ملء هذه الحصة بما يفيد، أو التنسيق مع بعض الداعيات للحضور للمدرسة خلال هذه الحصة .
2- تزويد غرف المعلمات ببعض المجلات الإسلامية المناسبة مثل: مجلة الأسرة، الشقائق، الدعوة، إضافة لبعض الكتيبات المناسبة .
3- إقامة محاضرات خاصة بهن في المدارس، ويمكن الاستفادة من المشرفات اللاتي يصاحبن طالبات الجامعة أثناء التدريب الميداني .
4- توزيع بعض الأشرطة والكتيبات والنشرات المناسبة لمستواهن العمري والعلمي.
5- حث المعلمات على الالتحاق في مدارس تحفيظ القرآن المسائية للدراسة أو التدريس بها .
6- حث إحدى المعلمات النشيطات لتنظيم درس في القرآن أو غيره خلال اليوم الدراسي، خاصة وإن بعض المعلمات لديهن وقت فراغ ليس بالقليل أثناء الدوام .
برنامج المصلى:
من أهم أنشطة المصلى :
- إذاعة شهرية تقدمها طالبات المصلى .
- عمل مسابقات أسبوعية .
- تحفيظ الطالبات السور المقررة لمسابقة الرئاسة .
- إلقاء دروس مبسطة في التفسير والسيرة .
- تخصيص يوم الأربعاء لاستقبال مشاركات الطالبات الإلقائية .
- طرح سؤال أسبوعي في زاوية المصلى من لوحة الإعلانات .
مقترحات يمكن الاستفادة منها:
1- وقوف المدرسات المناوبات عند أبواب المدرسة من الداخل أثناء الدخول و الخروج حتى يتسنى لهن متابعة الطالبات.
2- التأكيد على المدرسات بين وقت و آخر بمراقبة و متابعة الطالبات لمعالجة بعض السلوكيات .
3- تكثيف النصائح و التوجيهات و الندوات .
4- تشجيع المدرسات المتعاونات و شكرهن على ذلك لدفع بقية المدرسات لكي يحتذين حذوهن
5- توجيه الطالبات اللاتي يلاحظ عليهن بعض المخالفات، و تقديم النصيحة الفردية لهن من قبل بعض المدرسات لأن ذلك له أبلغ الأثر على الطالبة .
6- إشعار أولياء الأمور بالمخالفات التي تستدعي اطلاع ولي الأمر عليها أولاً بأول .
7- نشر الوعي الديني بين صفوف الطالبات عن طريق الإذاعة و طابور الصباح و جماعة التوعية .
8- وضع الحوافز للطالبات اللاتي يظهر عليهن الاستقامة لكي تحذو بقية الطالبات حذوهن .
ثانياً : أنشطة عملية مقترحة مع الطالبات في الجامعات:
بالإضافة إلى ما يناسب مما سبق يقترح ما يلي :
1- توفير الخدمة الهاتفية للإجابة على استفسارات النساء الشرعية ، بالإضافة إلى الاستشارات و المشاكل الأسرية .... بحيث يتم التنسيق على موعد أسبوعي لمدة ساعة يستضاف فيه أهل العلم.
2- تنظيم مسابقة علمية تربوية داخلية ، على مستوى رفيع ( فصلية أو سنوية ) ترصد لها جوائز قيمة ... بحيث تحتوي على بحوث شرعية و تلخيص بعض الكتب أو تفريغ بعض الأشرطة المميزة .
3- إقامة معارض داخلية بالتنسيق مع المؤسسات الدعوية الخيرية كالحرمين و الندوة العالمية، أو معارض للكتاب الإسلامي داخل الكليات، أو الاتفاق مع مؤسسات التسجيل الإسلامية الكبرى كتسجيلات التقوى و تسجيلات أحد لعرض كل جديد ومفيد .
4- التنسيق مع إحدى دور النشر بفتح مكتبة تجارية دائمة داخل المبنى ، يتوفر فيها كل ما يمس واقع الطالبات أو يحتجن إليه من مراجع وغيرها ،و محاولة البحث عن دعم لها لتبيع بأسعار مخفضة ، و إيجاد مكتب للاشتراك في المجلات الهادفة .
5- إصدار نشرات داخلية تتناول موضوعات متعددة تعنى بالجوانب الثقافية والشرعية والسلوكية و غيرها .
6- توزيع المطويات و المجلات الهادفة و المحتوية على الفتاوى و المواقف و القصص على نسق ما تصدره دار القاسم أو الوطن .
7- التوسع في إيجاد الأماكن التي تؤدي فيها الأنشطة الطلابية كالمصليات أو غرف أو قاعات، تمكن من إقامة العديد من البرامج فيها .
8- إيجاد شبكة مرئية أو سمعية في الكلية ليتسنى عرض المناسب من البرامج الدعوية أو العلمية كإذاعة القرآن الكريم .... أو مشاهدة بعض الأفلام الهادفة من خلال أشرطة الفيديو .
9- العناية بالطالبات المتميزات و عقد لقاءات لهن ( نصف شهرية ) يتم فيها التوجيه الدعوي المناسب، و لفت الانتباه إلى ما يمكن أن تسهم فيه الفتاة من المجالات الدعوية .
10- حث الطالبات على المشاركة في المسابقة المميزة التي تقيمها الكليات أو المؤسسات الخيرية أو الجوامع في حفظ القرآن الكريم أو حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، و توضع لها الجوائز المناسبة القيمة .
11- الإفادة من هيئة أعضاء التدريس في إلقاء كلمات التوجيه الدعوية زمن الاستراحة أو الوقت الذي يتناسب مع محاضرات الطالبات .
12- توزيع هدية ( المتخرجة ) في حفل التخرج ، و هدية ( المستجدة ) في حفل الاستقبال وما تحويها من نشرات مفيدة .
13- التنسيق مع المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد، وإيجاد حلقات اتصال بينه و بين الكلية ليتم عن طريقه توزيع الكتب و الأشرطة و المطويات ... و دعوة غير المسلمين من الخدم والسائقين .(7/76)
14- إقامة مركز ثقافي دائم ، يتوفر فيه مجلس عربي و مكتبة يوجد فيها مراجع سريعة وكتيبات و أشرطة، و جهاز تسجيل، و شاشة عرض لبعض الأفلام الهادفة و النافعة، و يوكل بالإشراف عليها أحد الأخوات النشيطات و من ثم يتم ضم مجموعة من الطالبات .
15- مسابقة تلخيص شريط أو كتاب .
16- مسابقة صورة و تعليق (( أن تكون الصورة معبرة )) .
17- مسابقة استمع بتركيز (( يشغل الشريط و يكون مع الطالبات ورقة فيها اختيارات أو فراغات، و تعتمد على التركيز بالاستماع، ثم تجمع الأوراق بعد نهاية الشريط للمرة الثانية مثلاً ))
18- مسابقة أفضل طبق خيري، فيعلن عن مسابقة الطبق الخيري على أصناف معينة أو مفتوحة، على أن يكون هناك ضوابط، و لجنة للتحكيم على أفضل طبق من ناحية المذاق والإخراج، ثم تعرض الأطباق للبيع .
19- إقامة معرض كتاب و شريط، إما أن يكون على مستوى الأقسام أو يكون كبير على مستوى الكلية .
20- وضع أكشاك لبيع الكتيبات و الأشرطة المسموعة و المرئية الحديثة كل اثنين من كل أسبوع مثلاً، وتكون في الممرات و أماكن التفسح .
21- إقامة مسابقات و دورات بالتعاون مع بعض الدور النسائية مثل مسابقة حفظ بعض السور، أو حفظ الأوراد أو الأربعين النووية و غيرها من المسابقات النافعة .
22- وضع حلقات صباحية لتحفيظ القرآن الكريم .
==============
الدعوة النسائية من خلال مكاتب توعية الجاليات والمؤسسات الدعوية
الجهات التي يمكن تقديم البرامج الدعوية من خلالها وهي :
1- مدارس ودور تحفيظ القرآن النسائية.
2- مدارس البنات الحكومية والأهلية .
3- المنشآت الصحية الحكومية والأهلية .
4- المنزل .
5- المسجد .
6- المجتمع بشكل عام .
البرامج التي يمكن تنفيذها في هذه الجهات:
أولا : في مجال الدور النسائية:
1. التواصل مع مشرفات الدور لتفعيل الدعوة النسائية فيها.
2. الاستفادة من المتميزات ( معلمات وطالبات) للتعاون مع المكتب فيما يخص الدعوة النسائية .
3. تنفيذ بعض برامج المكتب النسائية في الدور.
ثانيا : في مجال مدارس البنات :
• توزيع بعض الأشرطة أو الكتيبات المختارة عن طريق اقتراحها للجهة المشرفة، أو بواسطة إحدى المعلمات .
• طرح أشكال مختلفة من المسابقات والأنشطة اللاصفية مثل: حفظ القرآن، والمسابقات الثقافية، أو كتابة بحوث، أو تلخيص لبعض الكتب .. إلخ.
• توزيع بعض النشرات التوجيهية، والمطويات الموسمية.
• تنظيم الأسواق الخيرية، ويمكن من خلالها عرض بعض الأشرطة أو الكتب، والاستفادة في ذلك من بعض المكتبات الإسلامية التي تجمع بين بيع الشريط والكتاب، وقد يتزامن مع ندوة أو محاضرة لإحدى المعلمات أو الموجهات .
• تحفيز بعض المعلمات النشيطات لإقامة درس ثابت في مصلى المدرسة للطالبات .
• إقامة المحاضرات المناسبة وتكون من الملقين المتميزين .
• دعم المصليات لتنشيط الجوانب التوجيهية في المدرسة .
• دعم برامج الإذاعة الداخلية بما هو مفيد، سواء في طابور الصباح أو حصص النشاط، أو الفسح .
• توزيع نشرات أو كتيبات تعالج الظواهر السلبية، والمخالفات الشرعية التي قد توجد بين الطالبات.
• توفير « حقيبة الانتظار » في المدارس كي تستفيد المعلمة من الحقيبة في حصص الانتظار، والحقيبة تحتوي على كتيبات « قصصية » بعدد طالبات الفصل وكتب مسابقات.
• تزويد غرف المعلمات ببعض المجلات الإسلامية المناسبة، إضافة لبعض الكتيبات المناسبة .
• إقامة محاضرات خاصة بهن في المدارس.
• توزيع بعض الأشرطة والكتيبات والنشرات المناسبة.
ثالثا : في مجال المنزل:
نظراً لأن الأحياء المجاورة للمكتب مكتظة بالمنازل والتي هي مليئة بالنساء، وبعض الجاليات والخادمات فإنه من الوسائل المناسبة :
• المسابقة السنوية الكبرى للعوائل، وهذه لها أكبر الأثر في ربط الأسرة المسلمة بالبحث في بطون الكتب والأشرطة وتوجيهها الوجهة الإسلامية.
• توعية الجاليات الموجودة في المنازل بإقامة العديد من الدروس في المكتب بلغاتهم، وتوفير كتب العقيدة والأحكام لهم.
رابعا : في مجال المسجد:
ومن المناشط المقترحة للمرأة من خلال المسجد :
1. إقامة محاضرات « خاصة » للنساء في المسجد، مما يتيح الفرصة لحضور أكبر عدد ممكن من النساء .
2. استضافة داعيات تلقين كلمات في مصليات النساء بعد صلاة التراويح في رمضان.
3. تفعيل دور الخطباء في الحديث بين جمعة وأخرى عن الأمور التي تخص المرأة والأسرة والتربية... إلخ.
4. إقامة دروس لبعض العلماء والدعاة في موضوعات تهم المرأة المسلمة .
5. إقامة الدورات العلمية المتخصصة في العلاقات الأسرية والمواسم الشرعية(الحج، رمضان..).
6. تفعيل دور الداعيات المصرح لهن من قبل الوزارة.
خامسا : البرامج العامة التي يمكن للمكتب أن يقوم بها :
وهي البرامج العامة التي لا ترتبط بمكان محدد ، مع دورها العام في دعم الدعوة الموجهة للمرأة المسلمة ومنها:
1- حصر طالبات العلم المناسبات في كل حي للاستفادة منهن في المحاضرات والدروس، مع الاستفادة من بعض الموجهات المناسبات في وزارة التربية والتعليم .
2- توزيع المطويات المناسبة على مستوى الحي .
3- إعداد برامج دعوية مختلفة ومتنوعة في المناسبات ( الحج ، رمضان ... ) موجهة للمرأة مثل: مسابقات ، كلمات، أشرطة، كتيبات، مطويات ومن ثم توزع في المحلات العامة و على أصحاب الحملات، ويُحثون على تنفيذها .
:الأسواق
o إقامة الأسواق النسائية الخيرية ، لدعم أنشطة المكتب، ويتخللها معرض للكتاب والشريط الإسلامي، مع بعض المحاضرات الخاصة بالنساء .(7/77)
o المشاركة ببرامج في الأماكن السياحية والترفيهية، وذلك عن طريق المسابقات الثقافية واللوحات الإرشادية، وتوزيع الكتب والأشرطة، ويشمل ذلك الجاليات .
سادساً : دور مكتب الدعوة في توعية المرأة في الأماكن الصحية:
* تزويد المستشفيات والمستوصفات بالكتيبات والملصقات النافعة، و العمل على توريد مجموعة من الكتب العلمية والمراجع لمكتبة المستشفى ، إضافة إلى وضع حاملات للكتيبات ثابتة (خشبية)،وأخرى متحركة ذات تصميم أنيق وجميل ، ليعرض عليها مجموعة من الكتيبات باللغة العربية واللغات الأجنبية، ويتم تزويدها بشكل دوري مع التواصل مع الشؤون الدينية بوزارة الصحة.
سابعاً : دور المكتب مع المراكز الاجتماعية والترفيهية:
تعد المراكز الاجتماعية الرسمية ، والمراكز الترفيهية ، من الأماكن الملائمة لدعوة الأسرة المسلمة، الأمر الذي يتطلب من المكتب العناية بهذه المراكز ، وتبني مناشط دعوية خاصة فيها ومن ذلك :
1- تفعيل الدور الإيجابي لمؤسسات الاستشارات الأسرية القائمة حالياً ، و تعميم فكرتها .
2- يمكن للمكتب التنسيق مع عدد من المختصين لتبني برنامج الهاتف الدعوي، والذي يشمل خط للاستشارات الأسرية .
3- الاستفادة من قصور الأفراح في إقامة البرامج والحفلات .
ثامناً : زيادة الوعي الشرعي :
1- وضع تصور لموضوعات ودورات عن الأسرة والمرأة لمكاتب الدعوة عموما.
2 -إيجاد مكتبات سمعية ومرئية تجارية في التجمعات النسائية.
3- تفعيل الدعوة العامة في التجمعات النسائية.
4- التوسع في إقامة البرامج النافعة: كالمحاضرات النسائية، أو الدورات، أو الأيام النسائية،أو الملتقيات أو نحو ذلك.
إصدارموقع دعوتها.
=================
الدعوة النسائية من خلال مدارس ودور تحفيظ القرآن النسائية
تنتشر مدارس ودور تحفيظ القرآن في مناطق متعددة، ويرتادها العديد من النساء بمختلف الأعمار والمستويات العلمية والثقافية، ويمكن طرح بعض مجالات الدعوة، أو دعمها من خلال ما يلي :
أ - تنشيط حلقات التحفيظ النسائية، وحث أهل الخير لدعمها والعمل على إيجاد أوقاف ومشاريع استثمارية لدعم هذه الحلقات والمدارس .
ب - المشاركة في مجالس الإشراف على تلك المدارس، أو إداراتها، أو الإشراف على بعض الحلقات بها .
ج - إعداد منهج لدورات تحفيظ القرآن وضع خطط لسير الحلقات، وإعداد دليل نشاط لا منهجي مكتوب لتلك المدارس .
د - إيجاد قنوات اتصال وتنسيق بين تلك المدارس في الأحياء .
هـ- حصر طالبات العلم المناسبات في كل حي للاستفادة منهن في المحاضرات والدروس، مع الاستفادة من بعض الموجهات المناسبات في وزارة التربية والتعليم .
و - قيام الدار بتوجيه « دعوات خاصة » للإداريات والمعلمات والموجهات والمسؤولات لحضور:
- حفل الختام. - الطبق الخيري. - المحاضرات .
ز- الإيعاز للأهل والأخوات للتدريس والمشاركة في مدارس تحفيظ القرآن .
ط - إعداد دورات تنشيطية شرعية وتربوية للمعلمات والإداريات العاملات بتلك المدارس.
ي - إقامة دورات في الدعوة؛ لتخريج الداعيات والتنسيق في ذلك مع مكاتب الجاليات.
ك - تبني بحوث تخص الدور النسائية ومن ذلك :
1. مقارنة بين طالبات التحفيظ وغيرهن في الفترة الصباحية .
2. نماذج متميزة في حفظ القرآن.
3. علاقة حفظ القرآن بالتفوق .
4. برامج علمية لدورات تخريج طالبات علم، داعيات.
5. الآثار الإيجابية للدور في توجيه المرأة المسلمة .
برنامج مقترح للحلقة / النسائية:
أهداف الحلقة :
1- تلاوة القرآن ، وحصول الأجر بالتلاوة: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ).
2- حفظ بعض سور القرآن: ( ويسمع لأشرطة المقرئين المجودين مثل أئمة الحرم، وخاصة الحذيفي ومحمد أيوب ).
3- تعليم كيفية وضوء وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم عملياً: ( يرجع لكتب الشيخ ابن باز ، وابن عثيمين -صفة الوضوء والصلاة- ، أو مطوية صفة الوضوء والصلاة المصورة ) .
4- تعليم الآداب الإسلامية: آداب الأكل ، آداب الشرب ، آداب النوم ، ( يرجع لكتاب رياض الصالحين ، أو كتاب الآداب : لفؤاد الشلهوب ).
5- حفظ الأذكار المشروعة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أذكار الصباح والمساء ، أذكار داخل الصلاة والأذكار التي بعدها) .. ( يرجع لكتاب الأذكار للنووي ، حصن المسلم لسعيد القحطاني ).
6- معرفة الأحكام الخاصة بالنساء: الحيض ، النفاس: (يرجع لكتاب الشيخ ابن عثيمين-الدماء الطبيعية- ، كتاب أسئلة مهمة ).
7- معرفة بعض الأحكام الإسلامية : صلة الرحم ، بر الوالدين ، إكرام الجار ..
8- الحث على نوافل العبادات مثل : الصدقات ، السنن الرواتب ، صيام أيام البيض ، صيام الاثنين والخميس ..
9- التحذير من بعض المحرمات : الغيبة ، النميمة ، الاختلاط ، السفور ، ( يرجع لكتاب -خطر التبرج والسفور- لابن باز، وكتاب -رسالة الحجاب- لابن عثيمين ، وكتاب -اقرئي حتى لا تخدعي- للشيخ البليهي ، و-حراسة الفضيلة- لبكر أبو زيد ، وكتاب -توجيهات وفتاوى مهمة لنساء الأمة- لابن عثيمين ).
10- تعلم أساليب الدعوة والتربية مثل : تربية الأولاد ، الدعوة في البيوت ، الدعوة الفردية .
المحاضرات:
1- يوضع يوم خاص للمحاضرة .
2- تكون الكلمة عن موضوع واحد، فلا تتشعب بالمواضيع حتى تركز المستمعة وتخرج بالفائدة المرجوة .
3- يكون الحديث في كل أسبوع عن موضوع واحد محدد .
4- لا مانع أن يكون على شكل ندوة فتتكلم فيه أكثر من أخت .
5- الحذر من الفتوى بلا علم ، ويكون التحضير قبل إلقاء الدرس ، وإذا سُئلت عن شيء لا تعلمه فعليها أن تقول: سأرجع للكتب، أو سوف أسأل العلماء .(7/78)
6- محاولة تبسيط المعلومة حتى تفهم ، وتتجنب الإطالة ، فـ (كثير الكلام ينسي آخره أوله ).
* توجيهات لحلقة الثانوي والجامعي :
يركّز على حلقة الثانوي والجامعي للأسباب التالية : ـ
1- لأنهن في هذا العمر قابلات للتغير وخاصة بسبب كثرة الفتن والقنوات الفضائية، ووجود الأفكار الهدامة ودعاة التبرج واختلاط الرجال بالنساء .
2- كثرة تقليد هؤلاء الفتيات لموضات المغنيات وعارضات الأزياء، ولبسهن الملابس المخالفة لشرع الله .
3- أن الحماس عند الفتاة الشابة قوي، فإذا صلحت فستصبح داعية لأهل بيتها وجيرانها وأقاربها.
كيفية دعوة طالبات الثانوي والجامعي لحضور الحلقة :
1- الدعوة الفردية بأن تدعو كل طالبة زميلاتها وتحثهن على الحضور .
2- دعوة المعلمة من تعرف من الطالبات شخصياً .
3- أن تكون الحلقة في البداية تلاوة فقط .
4- ذكر قصة مشوقة في كل درس والفوائد منها .
5- وضع جائزة لمن تحضر أسبوعًا كاملاً مثلاً .
6- وضع مسابقة مبسطة بحيث تقسم الطالبات إلى قسمين، ثم تطرح أسئلة خفيفة، ثم تعطى جوائز للفائزات.
7- السؤال عن الطالبات في حال غيابهن بأن يتصل عليهن بالهاتف ويخبرن بأهمية الحلقة .
8- وضع بطاقة تفوق، فمن تحصل على أعلى الدرجات بالحضور والحفظ تعطى جائزة وتشكر أمام زميلاتها.
أساليب مقترحة للمسابقات :
1- وضع مسابقة على حفظ آيات من القرآن: ( آية الكرسي ، الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة،... ).
2- مسابقة على كتيب صغير أو على شريط .
3- مسابقة على حفظ جزء من القرآن .
4- مسابقة الأقل أخطاء : لمن كانت أقل أخطاء في حفظ سورة الكهف أو تبارك مثلاً .
5- مسابقة ثقافية ودينية وعلمية متوسطة الصعوبة .
النشاط الثقافي ويحتوي على :
1- تصدر لجنة النشاط الثقافي صحيفة تحوي عدة مقالات تشتمل على الآتي :
أ - آية وتفسير ، ويكون مختصرًا وافيًا .
ب - النقد البناء ، ويشتمل هذا الحقل على نقد لما يكون في الحلقة وبدون اعتداء على أحد، ويكون هذا عامًا للإدارة والإشراف والحلقات وما إلى ذلك .
جـ - وصية توجهها الحلقات إلى جميع الأخوات في الدار .
د - زاوية إبداع من موهوبات الحلقات وتكون نافعة مفيدة .
ملحوظة :
* يكون إصدار هذه الصحيفة من قبل الحلقات على النحو الآتي :
1- الأسبوع الأول : حلقة الجامعي .
2- الأسبوع الثاني : ( المتوسط ) .
3- الأسبوع الثالث : حلقة الثانوي .
4- الأسبوع الرابع : حلقة الصفوف العليا ( ابتدائي ) .
5- الأسبوع الخامس : حلقة أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها - ( متوسط ) .
6- الأسبوع السادس : حلقة الجامعي + الثانوي .
* يكون صدور هذه الصحيفة يوم السبت من كل أسبوع .
* تكون في ثوب جميل تجذب القراء .
2- الكلمات العامة في فترة الاستراحة :
* يشارك فيها طالبات الجامعيات والثانوي والمتوسط.
* يشترط الاختصار الشديد مع عدم الإخلال .
3- المشاركة في المسابقات العامة مثل :
* المسابقة الثقافية الكبرى .
* مسابقة الشريط الإسلامي .
* مسابقة الوصول إلى القمة .
* المسابقة الثقافية للصغار .
4- المشاركة في إصدار مجلة البراعم .
5- إصدار نشرتين توزع في الطبق الخيري والحفل الختامي.
================
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد
هل تريدين أن تكوني داعية ؟
أم تتمنين أن تكون لك بصمتك المتميزة في مسيرة الإصلاح ؟!
إن أصل هذه المقالة هو عرض لمشكلة إحدى الأخوات ، إذ أقرت باهتمامها بأمر الدعوة ورجائها طرقه والدخول فيه ، لكنها تواجه مشكلة في خشيتها من الظهور ،وربما كانت محبة للمدح ،وتتمنى المناسبات حتى تشارك فيها .. فتجنبت حتى لا تقع في الرياء !
قبل أن ندخل في العلاج علينا أن نحدد المشكلة بالضبط...
هل المشكلة هي في الظهور نفسه .. إذ ترين أنه خطأ ؟؟
أم أن الظهور هو وسيلتك لحصول المدح والشهرة , إذ هما غايتك ؟؟
أم أن الظهور أصلا قد صار بالنسبة لك غاية لاوسيلة ؟
أسئلة تبدو أمام ناظرنا كأطياف .. تلّح لطلب الدواء الشافي .. فهيا لنركب جوار التعاون ..
أولا : تأكدي أن الظهور بحد ذاته ليس مشكلة .. فالظهور غالبا مايكون لوجود شيء مميز فيك ،وهنا عليك أن تفرحي وتحمدي الله على ما أتاك من فضله ،ثم عليك استشعار وطأة العبء الملقى على عاتقك ، والتكليف الذي أنيط بك حينما وهبك الله نعمة سيسألك عنها،وهل استعملتها في طاعته و جندتها في سبيل نصرة دينه ؟
مثلا في الأدب الإسلامي،نحن نحتاج إلى وجود أدب إسلامي يكتسح ساحة الأدب العامة بقوة ويثبت وجوده ،ودعيني أحدثك من تجربة شخصية ..
أعرف هاوية صغيرة تكتب بخطوات الأدب ،وما زالت تتعثر ،لكنها تحتاج إلى من يمسك بيدها،ويرشدها ،ويقوم اعوجاجها ،ويوجه أفكارها نحو أدب سليم يسمو عن غثاء الأدب .. أرأيت ؟؟
إنها تحتاج لأشياء كثيرة الآن ،ولو تقوقعت على نفسها لما تعلمت شيئا ،لكنها لم تفعل،فبدأت تشق طريقها في الجامعة،وذهلت حينما وجدت فرصا رائعة من أساتذتها،فسعت إلى استغلال هذه الفرص،وشاركت في المسابقات،ونشرت قليلا بمتابعة أساتذتها .
فهل سيأتي شخص الآن ليقول لها : يجب أن تتمني ألا تفوزي في المسابقة وأن تتمني ألا تنشر مشاركتك وعليك الصمت والانغلاق على نفسك ؟
هل يقبل هذا المنطق ؟
بالطبع لا .. وإلا كيف نتعلم ؟
وإذا تعلمنا فلمن نترك الساحة ؟
وتأكدي أن الأمر ينطبق عليك تماما ،سواء كنت خطيبة مفوهة ،أو منشدة عذبة الصوت ،مؤثرة الأداء ،أو شاعرة متألقة ،أو محاورة بارزة أو غير ذلك ..
فهل من خطأ إذا طورت قدراتك .. وخضت لجج المناسبات لتكتسبي تجاربا قيمة تضيفينها إلى خبراتك في هذه الحياة القصيرة ؟
هل هناك خطأ في هذا الظهور يا أختاه ؟(7/79)
ثانيا : تأكدي .. تأكدي .. لايمكن أن يكون الظهور بحد ذاته غاية .
فلا يوجد إنسان يظهر حتى يظهر ،بل لابد من وجود دافع له ،إما سبب صالح : ( دعوة،إرشاد،إدخال سرورتعليم،تذكير،دعم الحق،تحقيق مصالح سامية للنفس أو للغير ) ،وإما غير ذلك : ( طلب المدح،والشهرة ونحوه ) .
إذا حددي هدفك .. هل هو فعلا ( المدح) كما تقولين ؟
إن كان كذلك .. فكل الناس يحب أن يثنى عليه لا أن يذم ،والناس شهداء الله في أرضه ،ولعلك تعرفين حديث الجنازة التي مرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيرا فقال : ( وجبت)، والأخرى التي أثنوا عليها شرا فقال : ( وجبت ) .... أما رأيته حين أجاب عمر – رضي الله عنه – حينما سأله : يارسول الله ،ما وجبت ؟ فقال له : ( هذا أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ،وهذا أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ) ثم قال : ( أنتم شهداء الله في الأرض )
لكن ::
أن يكون ذلك هما وشغلا شاغلا وهدفا يدفع الإنسان إلى أن يبحث عنه بحثا ،ويجري وراءه لهثا .... هنا ياعزيزتي سيحتاج الأمر إلى مراجعة مع نفسك ..
وانظري .. هل تشعرين بالنقص في جانب معين تريدين جبره بسماع المديح ؟
لا ... لا يا صاحبتي فحري بمثلك ممن أوتيت شيئا من تميز ساعد في إبرازها وإظهارها ،أن تنسب الفضل لأهله : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) ،وأن تعلمي أنك بما أوتيت من الرازق الوهاب أرفع من مجرد كلمتين يقولها الناس أمامك ،فربما صدقوا وربما نافقوا .
المسألة يا أختي أعظم من ثرثرة لا تضيف لك شيئا سوى عجب يكون بداية لترديّك !!
ثم دعي قبس النبوة يفجر الأنوار لتجلو ظلمات الدرب : ( احثوا في وجه المداحين التراب ) .
وهكذا .. فالتميز له ضريبة ،والظهور له ضريبة،وكل شيء بثمنه،ولا تستطيع استشعار ذلك العبء إلا من حملت الهم وارتقت في درجات الإيمان ونبذت الرياء والعجب،واستغفرت من خفي الذنب،ومستور الزلل،وسألت الله أن يرزقها هدى وتقى وإخلاصا ..
ثالثا : نصيحة يا أختي وإني لناصحة أمينة ..
لا تتمني المناسبات ..
فالمناسبات موجودة دائما .. ومهما كثر ظهورك فيها ،فهو لن يكون شيئا مهما ،ما لم يكن لك أثر فاعل فيها ،يشعّ بنور السلامة وصفاء العقيدة وصحة المنهج .
واعلمي أن الأمر يرجع إلى النية دائما ،وبما أن الأعمال بالنيات ،فلا أحد من الناس له شأن بنيتك ،المهم هو نوع العطاء الذي تقدمينه، وبمعنى أوضح .. المفترض أن يكون ظهورك إضافة حقيقية نافعة لك وللناس .
واعلمي أن من صدق مع الله صدق الله معه ،وأن أمرا ابتدأ بإخلاص فإن منتهاه القبول ،ووالله لتجدين في نفسك بعد حين انصرافا عن الظهور ،فلا تلبث الدنيا إلا أن تأتيك راغمة ،ولا تدرين بنفسك إلا وأنت تساقين سوقا إلى مواقف وأحداث يتوهج فيها نجمك دون أن تسعي نحوها أو تبحثي عنها أو حتى تفكري بها .. وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب .
كاتب المقال: الأستاذ أكرم الزيد .
المصدر: لها أون لاين .
==================
دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب : مواقف وتجارب
تجهل أو تنسى وتغفل كثير من الزوجات الطيبات أنها مشاركة لزوجها في الأجر والعمل الذي يجريه الله على يديه , متى ما احتسبت , وهيأت له الجو المناسب في منزله لاستجماع قوته وأفكاره , وشجعته وصبرته , وقوّت من عزيمته على المضي في دعوته , وأنشطته الخيرية .
هذا الجهل , أو التجاهل أحيانا , أو الغفلة والنسيان أسفر عن نتائج غير جيدة في علاقات الدعاة مع زوجاتهم , بل تسببت في زرع عوائق في طريق الداعية ..
ومن مظاهر هذا الجهل ما يأتي :
فهرس كثرة التشكي منه بسبب بعده عن المنزل , أو تقصيره في طلباتها , أو من أذى أطفالها لها ولعبهم ..
وقد روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة, ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكّرهم, ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكّرهن فقال : ( تصدّقن فإن أكثركن حطب جهنم ) فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت : لم يارسول الله قال : ( لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير ) قال : فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن .
فهرس كثرة الطلبات , وعدم مراعاة الأوقات المناسبة في طرحها أو طلبها .
فهرس عمل مقارنة ظاهرية بعيدة عن الوعي مغفلة لأسرار البيوت, غير مدركة للسلبيات بين زوجها وأزواج أقاربها أو صديقاتها . وليتها عملت مقارنة مع كثير من البيوت التعيسة التي تعيش في صخب وضرب واعتداء من جراء المخدرات أو الفضائيات وغيرها .
فهرس ضعف الأداء التربوي لأبنائها بحجة أن المسؤولية تقع عليه أولا .
فهرس فقدان البسمات الجميلة على وجهها بسبب تأخر زوجها أو كثرة مشاغله .
فهرس إجراء مواعيد مع أقارب وأحباب دون النظر إلى إمكانات زوجها في تحقيق ذلك .
فهرس سرعة التأثر بأحاديث النساء وتصديقها لكل ما يقال .
فهرس التنكر لحسناته ومواقفه الطيبة معها .
فهرس الاهتمام بالمظاهر والزخارف الجوفاء .
فهرس الإسقاط والإحباط لعزيمته بسبب دنو همتها , فهو همته في الثريا بينما همتها في الثرى , فهو همومه في منكر وقع , أو واجب ترك , وهي مشغولة بموضة جدت لو لباس أخطأ الحائك في خياطته .
والمؤمل من زوجة الداعية الواعية المستشرقة لمستقبل مشرق أن تتعامل مع زوجها بالآتي :
فهرس الدعاء له بالتثبيت أمامه وخلفه , وهذا من أقوى الأسباب في شد أزره , ولايكلفك أختي الكريمة شيئا .(7/80)
فهرس القيام بشؤون الأولاد , وعدم التشكي منهم أو كثرة الاتصال عليه وإخباره بما جرى منهم .
فهرس جمع الطلبات وتنسيقها وتحري الفرصة المناسبة له لقضائها , مع تذكيره بالاحتساب .
فهرس تذكيره دائما بأبواب الخير وإعانته عليها .
فهرس تصبيره وتذكيره بالأجر والثواب والمواصلة متى ما رأت منه مللا أو تشكيا وتعبا .
فهرس تحمل جميع أعباء البيت , وعدم إخباره بما لايسر أثناء سفره حتى لاتشل حركته .
فهرس مساعدته في جمع المعلومات أو كتابة الموضوعات أو الطباعة له إن قدرت على ذلك .
فهرس الاقتراب منه متى ما رأت ميلا وإقبالا عليها .
فهرس الاهتمام بالمظهر الجميل ساعة حضوره البيت .
فهرس تهيئة الجو المناسب لراحته ونومه بعيدا عن ضوضاء الأطفال وضجيجهم .
فهرس التجديد والتغيير في مواقع الأثاث في البيت مما يعطي مناخا مناسبا للراحة النفسية .
فهرس القيام بصلة رحمه والاطمئنان على أحوالهم , فإن هذا يختصر الكثير من وقته , ويرضي عنه أقاربه .
فهرس حسن استقبال ضيوفه والاستبشار بهم واحتساب الأجر في إكرامهم .
فهرس البعد عن الإسراف والتبذير في أي شيء من المستهلكات كالطعام والكهرباء واللباس وغيره
فهرس الصبر وعدم التشكي من كل عارض كوعكة صحية مع الاهتمام بالرقية الشرعية.
كاتب المقال: الشيخ يحي بن إبراهيم اليحيى ( بتصرف )
المصدر: مفكرة الإسلام
=============
كيف تكسب المدعوين؟
كم نحن ( أعني الدعاة إلى الله ) في حاجة كبيرة إلى كسب الآخرين وجعل الناس تأخذ عنّا انطباعا رائعا ، ولا نريد في ذلك كلاماً كثيرا ولا محاضرات طنّانة .. ومن أفضل ما قرأت هذا الموضوع ( مختصر ، سهل ، واقعي ، عملي ... ) ولذا أرجو من الله أن تكون به الفائدة :
النجومية اسم لامع في سماء العلاقات الإنسانية ، وفي هذه الحلقة سنحلّق وإياكم في فضاء التميز لنصنع من أنفسنا نجوماً برّاقة .. فلنستعد للإقلاع لنطوف في رحلة ماتعة بين نجوم السماء ونتوقف عند كل نجم نتأمل ما سرّ بريقه وتألقه .. لنستفيد ونتعلم منه .. فلنربط الأحزمة ونستعد للإقلاع :
1. يقول ( د. ليون ) الذي أجرى دراسته على 4725 شخصاً في ولاية ( كالفورنيا ) والتي استغرقت تسع سنوات : ( إن نسبة الوفيات ترتفع عند الأشخاص الذين لايسعون إلى تكوين صداقات .. أو الذين لديهم عدد محدود من الأصدقاء .. بل إنهم يكونون أكثر من غيرهم عرضة لأمراض القلب والسرطان والتوتر النفسي والشعور بالاكتئاب ) .. ولذلك احرص على متابعة القراءة حتى تجيد بناء العلاقات الواسعة .. ولكي لا تصاب بشيء من هذه الأمراض ..
2. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :
( ثلاث تثبت لك الود في صدر أخيك :
أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه ) .
3. احذر من تشبيك أصابعك أمام الآخرين .. فهذا يوحي بشخصية متوترة غير مطمئنة في حينها .
4. (كيف حالك أخي .. اتصلتُ لا لشيء فقط لأطمئن على صحتك و آنس بسماع صوت من أحببته في الله ... ) ماذا لو اتصل عليك أحدهم وهامسك بمثل هذه الكلمات .. بالطبع أنك ستذوب حياء من عبيق كلماته الزاكية .. وسيرتفع مقداره في قلبك .. فكن أنت هذا الرجل ..
5. حاول عند تحدثك مع الطرف الآخر أن تظهر الاهتمام المشترك معه، أو حاول أن تحوّل محور الحديث عن موضوع يثير اهتمامه .. فإنه عند ذلك يأنس وينشرح صدره للكلام معك ..
6. الغضب هو قوة في الشخصية .. وإثبات للذات .. هذا ما قد يظنه البعض ولذلك يقول علماء النفس : ( إن الإنسان الذي يغضب لأتفه الأسباب هو إنسان ركيك الشخصية ) فاحذر ..
7. تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه ... على طبقات الجو وهو وضيع.
8. يذكر الدكتور / علي الحمادي هذه الطريقة الرائعة في كسب الآخرين تحت عنوان ( لا تفعل شيئا ) فيقول : ( لا تفعل شيئا .. لا تتعجب كثيراً من هذه الطريقة فإنها طريقة ناجحة ومجربة، وقد تم دراستها فوجدوا لها الأثر العظيم في توطيد العلاقات مع الآخرين .
نعم لا تفعل شيئا كل ما عليك أن تنصت للآخرين وتستمع إليهم وتترك لهم الفرصة في الحديث والكلام واستفراغ ما في صدورهم والتنفيس عما في نفوسهم .. تقول مجلة ( ريدرز دايجست ) ( إن أكثر الناس يستدعون الطبيب لا ليفحصهم ، بل ليستمع لهم ) ).
9. هل رأيت الطير عندما يقع في المصيدة ؟!
إنه يصبح أسيراً لمالك المصيدة ..
كذلك القلوب فمصيدتها الابتسامة.. وعندما تقع في المصيدة تصبح أسيرةً للصائد .. وكأني بالابتسامة تقول لك عن صاحبها : إني أحبك في الله .. إنك تمنحي السعادة .. وإني سعيد برؤيتك ..
10. باشر حديثك بطرفة ودية .. واعرض أفكارك بطريقة تمثيلية .. فهذا أدعى لأن يجعلك أكثر جاذبية ..
11. استخدم طريقة إلقاء الأسئلة المفتوحة .. لبداية ناجحة في حديثك مع الآخرين .. وحتى تتيح لهم فرصة أكبر من الكلام ..
12. وانثر بين يديك العشريات المدهشة في كسب الآخرين :
سلّم على من تلقاه بحرارة .
ابتسم ابتسامة صادقة .
أخبره بشوقك إليه .
عدد الصفات الخيّرة فيه .
امنحه الثقة بنفسه .
شجعه على الأعمال التي أنجزها .
أظهر إعجابك بشخصيته .
دعه يتحدّث عن نفسه .
استمع إليه بكل اهتمام .
لا تقاطعه وهو يتحدّث .
13. وهذا قول الإمام الحكيم الشافعي - رحمه الله - :
يخاطبني السفيهُ بكلِّ قبحٍ ... فأكرهُ أنْ أكونَ لهُ مجيباً
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً ... كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيباً
إذا نطقَ السفيهُ فلا تجبهُ ... فخيرٌ من إجابتِهِ السكوتُ
فإنْ كلّمتَه فرّجتَ عنه ... وإنْ خلّيتَه كمداً يموتُ.(7/81)
وأيضا يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - :
إذا المرء لا يلقاك إلا تكلفاً... فدعه ولاتكثرعليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة... وفي القلب صبرللحبيب ولوجفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة... فلا خير في خل يجئ تكلفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها... صديق صدوق صادق الوعدمنصفا.
1. أثبتت الدراسات أنه عند لقائك بشخص لأول مرة فإنك تستطيع أن تخطف بصره .. بلونك الفاقع .. وبريقك الساحر .. وذلك باتباع هذه الوصفة السحرية التي ستؤدي مفعولها قي أقل من دقيقة بإذن الله تعالى وهي كالتالي :
البدء بالسلام، وقولها بنغمة مُرحبة ممزوجة بابتسامة عريضة نابعة من القلب .. والحرص على المصافحة الحارة التي هي بمثابة اشتراك السيارات .. ولكنه اشتراك إنساني في المحبة و التقدير ..
ثم السؤال عن حاله وصحته .. مكرراً لاسمه أو كنيته في اللحظات الأولى من لقائه .. والنظر المباشر في عينيه .. فتلاقي العيون هو التفاعل الحقيقي بلغتها العجيبة .. وهكذا أثبتت الدراسات أن لدينا دقيقة واحدة فقط أو أقل منها لكي نعطي انطباعاً جيداً عن أنفسنا عندما نقابل شخصاً ما لأول مرة ..
2. فن حفظ الأسماء .. وهذه بعض الوسائل الناجحة في في حفظ أسماء الآخرين :
أ. السماع للاسم بانتباه .. يجعله أكثر رسوخاً في الذاكرة ..
ب. استخدمه في الواقع ولا تجعله في الذاكرة فقط .. وكرر ذكر اسمه في محادثته والكلام معه ..
ج. اربط الاسم بتجاعيد الوجه .. أو أي شيء مميز في وجهه أو جسمه حتى لا تنساه ..
3. كن بنكاً للطرائف : فبها تُكسر الحواجز .. وتكسب الحسنات بإدخال السرور على القلوب ..
ولكن نريد التوسط في المزاح والمرح لقول عمر بن الخطاب : ( من كثر ضحكه قلت هيبته .. ومن كثر مزحه استخف به ) .
4. تعرّف على من أمامك فالطفل، له طريقته .. والشاب له أسلوبه الخاص به ..وكذلك كبير السن له نمط آخر .. وذلك من خلال المواضيع التي تناقشها معه والكلمات التي تقدمها بين يديه ..
وإليك هذه النصائح المتفرقة في كسب الآخرين :
احرص على الهندام الجيد .. والرائحة الطيبة ..
كن لطيفاً في تعاملك .. ومهذباً في سلوكياتك ..
شاور الآخرين تستحوذ على قلوبهم .
زر غبا تزدد حبا .
احرص على الهدايا المبتكرة والنادرة وإن كان سعرها زهيداً .
لا تقاطع الآخرين أثناء حديثهم .
ادعُ الناس بأحب الأسماء إليهم .
حاول أن تنسى .
لا تكن كالذبابة .
تذكر : أن رضا الناس غاية لاتدرك .
احرص على مراعاة الأذواق .
احذر من ارتداء النظارة السوداء .
ترفع عما في أيدي الناس تكن محبوباً لديهم .
لا تنفخ البالونة حتى تنفجر .
اكسب الجدل بأن تتجنبه .
لا تكن لوّاما .
وبعد .. عرفتَ فاعمل .. فهذه اللطائف السريعة .. والومضات الخاطفة .. تساعدك على كسب الآخرين؛ لكي يأخذوا انطباعاً رائعاً عنك، وعن الشاب الملتزم بدينه، وبعد ذلك يسهل عليك تقريبهم للخير وفعله والعمل لخدمة دين الله تعالى ..
وأرجو أن أراك محلقاً في آفاق التميز والإبداع .. ولك مني أخي القارئ أصدق الدعوات بالتوفيق في الدنيا والآخرة ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ..
كاتب المقال: ماجد بن جعفر الغامدي
المصدر: منتدى الرائد الدعوي للدعاة المتميزين - موقع ناصح
===============
دعوية الحوار والتعاون مع الآخر
قد كثر الحديث في السنوات الأخيرة لدى عدد من الدعاة والكُتَّاب المسلمين عن أهمية الحوار مع «الآخر» وعن ضرورة الاعتراف «بالآخر» وعن ضرورة البرِّ والقسط إليه، إلى درجة يكاد يرفع، من خلال ذلك، بعض الكتّاب المسلمين «الآخر» فوق المسلم، ويحرصون عليه وعلى حقوقه ولا يلتفتون إلى المسلم وحقوقه، وعُقِدت مؤتمرات وندوات عن ذلك. وبعضهم يبني ذلك على قوله ـ تعالى ـ:
{ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
فيأخذون بعض هذه الآية ويتركون بعضها الآخر الذي هو الأساس. إنهم يقولون: يجب أن نتعامل مع هؤلاء وهؤلاء بالحكمة ونخاطبهم بالتي هي أحسن. وفي سبيل هذا الهدف يمكن أن نتنازل ونتعاون ونتقارب. وبذلك يلغون القاعدة التي قامت عليها الإشارة إلى الحكمة وما تلاها، ألا وهي: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ...}! تَركوا الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، وأقاموا مكانها علاقات اجتماعية واقتصادية ومصالح مادية، وأخذوا من الآية الكريمة ما يظنّون أنه يسوّغ ما هم فيه من علاقات تطورت حتى أصبح فيها المسلمون يمتدحون مبادئ هؤلاء وفلسفاتهم ونظمهم وأدبهم وفكرهم. انقلبت الآية وأصبحنا نحن الذين نُدْعَى ولسنا الذين يدعون، على الأقل من الناحية العمليّة التطبيقية والنتائج الملموسة.
كيف يأمرنا الله أن ندعو هؤلاء من أهل الكتاب وغيرهم؟ وكيف تكون العلاقة معهم؟ فلنستمع إلى آيات الله البيّنات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً * إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 47 - 48].(7/82)
إنَّ أوّل ما نفهمه من هذه الآية الكريمة هو أنَّ الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، إلى الإسلام، دعوة واضحة جادّة صريحة، دعوة إلى التخلّي عن الشرك.
إنَّ المواربة في هذا الأمر أو المداهنة أو المساومة ليست أسلوباً يدعو له الإسلام أو يرضى به الله. إنَّ الله يريد أن تكون دعوته واضحة جليّة، وأن نُبلّغها كما أُنزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فليست الدعوة إذن إلى التقارب مع «الآخر» فأيّ تقارب بين التوحيد والشرك؟ إنَّ قوة أهل الكتاب اليوم وسلطانهم الممتدّ يضغط على بعض المسلمين وعلى فكرهم، فتختلط الأمور تحت تأثير هذا الضغط.
لا بدَّ من أن نؤكِّد أنَّ أساس العلاقات هو الدعوة إلى الإسلام، وأن تكون الدعوة واضحة جليّة لا تدع لأحد عذراً يدّعي معه أنه لم يستوعب الدعوة، ويجب أن تكون الدعوة عامة على جميع المستويات، كما أنزلت من عند الله.
ولنستمع إلى آيات بيّنات أخرى توضّح ذلك:
{الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ اللَّهُ وَإنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإن تَوَلَّوْا فَإنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران: 60 - 63].
وهذا أسلوب آخر من أساليب الدعوة إلى الإسلام يحمل خصائص الأسلوب السابق نفسها: الوضوح والجلاء، النهي عن المراء والمماراة؛ فإذا لم ينفع الجدل بإقناعهم بالحقّ من عند الله، فليجتمعوا ليدعوا أنَّ لعنة الله على الكاذبين. وأسلوب آخر:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
أسلوب ثالث، ولكنه مثل سائر الأساليب، واضح جليّ حاسم. فإن لم يستجيبوا فيعلن المسلم إسلامه واضحاً جليّاً ويقول: «اشهدوا بأنا مسلمون».
لقد عرضت هذه الآية الكريمة أُسس الخلاف وأخطر قضاياه، وحددت الموقف الإيماني الحاسم منها كلّها.
هذه هي الحكمة والموعظة الحسنة التي يريدها الله والتي أشارت إليها الآية من سورة النحل: قول الحقّ والصدق، الوضوح والجلاء، عرض أخطر القضايا.
فلم يكن القرآن يبحث عن العوامل المشتركة الأساسية في دعوة الآخرين من المشركين ومن أهل الكتاب وغيرهم كما يدّعي بعض المسلمين اليوم؛ إنَّما كان يعرض الحق ويدعو إليه. فأنَّى يكون بين التوحيد والشرك عوامل مشتركة؟ وإذا كانت هنالك عوامل مشتركة هم يؤمنون بها ونحن نؤمن بها؛ فلماذا ندعوهم إليها؟ فما ذكرته الآية الكريمة من سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ..}، لا تعرض عوامل مشتركة، وإنما تعرض جوهر الخلاف والقضايا غير المشتركة لتذكّرهم بها؛ لأنَّها كانت هي أساس دينهم الذي حرّفوه، حتى أصبحوا بسبب التحريف مشركين. وإذا كانت كلمة «سواء» عاملاً مشتركاً فلماذا ندعوهم إليها؟
إنَّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمرنا أن ندعو أهل الكتاب إلى الحقِّ الذي فارقوه، وأمرنا أن نُجادلهم بالتي هي أحسن، دون أن نُغيّر حقيقة الدعوة وأهميتها وقضاياها تحت ادعاء «بالتي هي أحسن»:
{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].
نعم! بالتي هي أحسن. إنها الأسلوب الذي يقنعهم بالحقِّ دون أيّ تنازل عنه. وهذا الحق هو الذي أُنزل إلينا فآمنَّا به وحفظه الله لنا، وهو الذي أُنزل إليهم كذلك فحرّفوه وبدَّلوه فأشركوا. ثم تكون النتيجة هي الحسم والفصل: «ونحن له مسلمون».
لا بدّ أن يكون أسلوب الجدال يجمع قوة الحجّة، وصدق النيّة، وسلامة المنهج.
إنَّ الذي يعرضه القرآن الكريم من أجل التعامل مع «الآخر» وغيرهم في الأرض هو منهج متكامل متماسك، وليس قطعاً منثورة هنا وهناك. فلا بدّ حين نتحدّث عن هذا الموضوع أن نشير إلى هذا المنهج وإلى تكامله وإلى أسسه التي يقوم عليها، حتى تكون الصورة التي نعرضها أقرب للتقوى.
وحين لا نلتزم النهج أو لا نشير إليه وإلى أُسسه، ونكتفي بأخذ آية واحدة من هذا المنهج، فإنَّ الصورة ستختلف عندئذ كثيراً، والمصطلحات التي نستخدمها لا تنصف الدلالة المرجوة وقد تفارقها.
ويقول بعض الدعاة إنَّ الإسلام يدعو إلى التضامن مع «الآخر»، لدرء المفاسد وجلب المصالح والمنافع للناس، كرفع الظلم ورعاية حقوق الإنسان وتعزيز الحريّة والعدالة وسائر المبادئ الإنسانية، ويستشهد على ذلك بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد حضرت في دار ابن جدعان حلفاً ما أُحبُّ أنَّ لي به حمر النعم، ولو أُدعى إليه في الإسلام لأجبت» [سيرة ابن هشام].(7/83)
حين يقال ذلك فإنه لم يُبيّن مَنْ هو «الآخر» أولاً، وما هي المفاسد وما هي المصالح، وما هي حقوق الإنسان وما هي الحريّة والعدالة والمبادئ الإنسانية، وما هو مقياس ذلك كله وميزانه؟ ومن الذي يحدّد المقاييس والموازين؟ إنّ حلف الفضول الذي كان في الجاهلية كان تعاهداً بين قبائل قريش: «على أن لا يَدَعوا بمكّة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا أقاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى تردّ إليه مظلمته». لقد كان أولاً حلفاً على قضيّة محدّدة بين قبائل قريش، لهم على الظلم ميزان يحتكمون إليه في جاهليتهم. وبعض هذا الميزان خير وبعضه غير ذلك. فإن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه المذكور أعلاه فلا يعني أنه أقرَّ ميزان الجاهليّة لتحديد الظلم ولرفعه. ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في حديثه المذكور «لو أُدعى به في الإسلام لأجبت». وهذا يعني أنه «في الإسلام» لن يكون إلا ميزان واحد هو ميزان الإسلام، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه التعاون في نظر الإسلام؛ حيث يكون ميزان واحد يميّز الباطل من الحقِّ.
ففي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إقرارٌ لمبدأ التعاون على رفع الظلم، وتحديد للميزان الذي يحدّد الظلم. وكان «الآخر» آنذاك محدّداً معلوماً.
أما اليوم، فحين ندعو إلى التضامن مع «الآخر» فمن هو «الآخر»؟ أليس هو الذي أجرى دماء المسلمين في فلسطين وفي العراق وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين؟ أليس هو القوة المسيطرة التي تحكم في الأرض بموازينها المضطربة وشعاراتها المزخرفة ومكاييلها المتعددة؟
فيحقُّ لنا أن نتساءل: إذاً لماذا هذا الحرص على «الآخر»، و «الآخر» ليس بحاجة إلى حرصنا عليه، ولا هو حريص علينا؟ ولماذا تُثار هذه القضية و «الآخر» يدير المجازر في ديارنا غير عابئ بأحد؟
وباستعراض تاريخنا وخاصة في العصر الحديث الذي نعيشه لا أجد أنَّ «الآخر» وجد عدالة وحياة أفضل مما وجدها بين المسلمين. لقد عاش النصارى في معظم أقطار العالم الإسلامي حياة مطمئنّة كريمة إلا في فترات قليلة من تاريخنا الإسلامي. فالنصارى واليهود لم يُظْلموا في المجتمعات الإسلامية، ولكن يعاقبون بمقدار ما يُكْشَف من تعاونهم مع أعداء الأمة حين يتلقّون منهم التوجيه، ويعملون حسب المخطط الذي يرسمونه لهم.
فمن قائل: يجب أن نُقْسِط مع الآخر، ومن قائل: يجب أن نعترف به. ونتساءل: ولِمَ لَمْ يكن الأمر على عكس ذلك بأن يقسط «الآخر» معنا ويعدل معنا؟ فهو الظالم المعتدي المنكِر لحقوقنا. ومن قائل: يجب أن ننفتح عليه. وهل هناك انفتاح أكثر مما نحن فيه؟ فُتِحَتْ له القلوب والديار؟ إنَّ الآخر بجميع صوره وأشكاله لم يجد في تاريخه أرحم ولا أعدل من الإسلام.
نحن المسلمين اليوم نجابه أخطاراً تحيق بنا من كلّ ناحية. وإنَّ أبسط أنواع التفكير يجب أن تدفعنا جميعاً لندرس نهجاً عمليّاً يعين الأمة على الخروج مما يُكاد لها ويُمْكرُ بها.
إننا بحاجة إلى أن نضبط فكرنا ونهجنا بقواعد الإيمان وحقائق الإسلام ونور الكتاب والسنّة، وفيه كلُّ ما يعين ويُنير الدرب والطريق.
يجب أن لا يدفعنا الإحباط والهوان إلى أن نتلمس النجاة عند «الآخر». إنَّ سبيل النجاة بيّنه الله لنا وفصَّله، ليبتدئ من ذاتنا حين نتجه إلى الله ونغيِّر ما بأنفسنا، ولننطلق على صراط مستقيم.
إنَّ الإسلام، والإسلام وحده، مصطلحاً ومعنىً ونهجاً، هو الذي يُعلّمنا كيف نحترم أنفسنا وكيف نقسط مع أهل الأرض كلّها، وكيف نتعامل مع شعوب الأرض نحمل رسالة الله، نبلّغهم إياها ونتعهّدهم عليها، بها نُخاصِم وبها نرضى وبها نتعاون.
مهما شعرنا بعجزنا وضعفنا وهواننا، فإنَّ لحظة الرجوع الصادق إلى الله تحيي في نفوسنا الأمل، وتبعث فينا القوة والعزيمة، وترسم لنا الدرب والأهداف والوسائل والأساليب، في صورة عبادة لله، ووفاء بالأمانة التي حملها الإنسان .
كاتب المقال: د. عدنان علي رضا النحوي.
==============
مقترحات للعاملات في المكاتب الدعوية في المستشفيات
قد استغل أعداء الله العمل الطبي في التنصير وإخراج المسلمين من دينهم إلى النصرانية، أما نحن فإنا لم نألف ولم نتعود أن تأتي الدعوة من الطبيب ، أو أن تكون الدعوة أثناء العلاج ، وفي غرف التنويم إلا ما قل .
وحتى يحقق المكتب أعلى درجات الخير ؛ فيسرني أن أقترح الآتي :
1. تحديد أهداف المكتب .
2. تحديد وسائل تحقيق هذه الأهداف .
3. توزيع التكاليف وبدقة على العاملين في المكتب .
4. المتابعة من خلال لقاء عمل أسبوعي (اجتماع ) .
5. تقويم مستوى التنفيذ كل فترة زمنية محددة .
1. تحديد أهداف المكتب :
وأقترح هنا الأهداف الآتية :
1. دعوة غير المسلمين إلى الإسلام .
2. نشر الوعي الشرعي بين المسلمين ؛ من الأطباء والمرضى والعاملين والزائرين .
3. الدعوة إلى أسلمة الطب .
4. العمل على منع الاختلاط .
5. بيان الأحكام الفقهية التي يحتاجها الطبيب و المريض .
6. نشر الحجاب الشرعي .
7. كسب إدارة المستشفى وسائر الأطباء والعاملين وحسن العلاقة معهم .
8. السمعة الطيبة عن المكتب .
9. تكوين علاقة أخوية و دعوية مع :
أ . أهل العلم والدعاة .
ب . المكاتب الدعوية في المستشفيات الأخرى، وتبادل الخبرات معهم .
ج . المكتب الدعوي التعاوني وتوعية الجاليات القريب من المستشفى .
د . مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القريب من المستشفى .
هـ . المؤسسات الخيرية ؛ كمؤسسة الحرمين ، و إدارة المساجد ، والإغاثة و..
2. تحديد وسائل تحقيق هذه الأهداف :
وأقترح هنا الآتي :(7/84)
من المهم تصنيف المدعوين ؛ من حيث اللغة ، و الدين ، والعمل، وأنبه هنا إلى أن عمال النظافة، والزائرين داخلون كذلك :
أولاً : محاضرة شهرية :
تكون مرة للمسلمين ، ومرة لغير المسلمين ، ومرة للناطقين باللغة العربية ، ومرة لغيرهم ، ومرة للنساء ، ومرة مشتركة .
وأقترح في المحاضرات العناوين الآتية :
1. الطبيب الداعية .
2. الضوابط الشرعية لمهنة الطب .
3. طهارة المريض .
4. صلاة المريض .
5. صلاة الجماعة في حق المرضى والأطباء وغيرهم .
6. الضوابط الشرعية لكشف عورة المريض .
7. الحقوق الشرعية للمريض .
8. أسلمة الطب .
9. دراسة نقدية :
المخالفات الشرعية عند الأطباء ( ندوة من أطباء ).
10. دراسة نقدية :
المخالفات الشرعية عند الممرضين (ندوة من ممرضين وأطباء).
11. دراسة نقدية :
المخالفات الشرعية عند الفنيين ( ندوة من أطباء وفنيين).
12. العلاج بالرقية .
13. حقوق المرأة العاملة في المستشفيات .
14. الاختلاط في الميدان الطبي :
* حكمه مع الأدلة . * مظاهره . * آثاره السلبية . * العلاج .
أما غير المسلمين فتكون محاضراتهم بالترتيب مع مكتب توعية الجاليات .
و من المهم تسجيل هذه المحاضرات بالشريط والفديو . والجيد منها يعاد إخراجه عند المؤسسات المعنية ؛ ليكون إصداراً للمستشفى يعرض كلما احتيج إليه ، ويكون الانتفاع به متاحاً للجميع .
ثانياً : مسابقة شهرية :
تكون مرة للمسلمين ، ومرة لغير المسلمين ، ومرة للناطقين باللغة العربية ، ومرة لغيرهم ، ومرة للنساء ، ومرة مشتركة .
والهدف الأول من المسابقة هو نفع المتسابق وليس اختبار معلوماته ؛ ولذلك فإنه لابد من انتقاء الأسئلة النافعة ، والسهلة . ومثال ذلك : (س : اذكر ثلاث وسائل تعين على الاستيقاظ لصلاة الفجر .)
أو أسئلة (صح وخطأ)، وذكرت هذا المثال لأن كثيراً من المسابقات التي أشاهدها تكون ثقيلة و ضحلة الفائدة، فلابد من العناية في انتقاء الأسئلة .
والهدف الثاني من المسابقة هو الجوائز ، فلابد أن يكون لها أثر دعوي ومن أجمل هذه الجوائز : الاشتراك في المجلات الإسلامية كالأسرة ، والشقائق ، وشباب ، والدعوة ، والبيان ، والحياة ، و البنات .
ثالثاً : جولات ميدانية :
وهذه الجولات تخدم هدفين :
الأول : الجانب الدعوي .
بتوزيع الأشرطة والمطويات ، وزيارة المرضى والدعاء لهم ،و الإجابة على أسئلتهم .
الثاني : إنكار المنكرات بالرفق واللين والكلمة الطيبة .
ومثال ذلك : ( يا أخت غط الرأس ، أو غط الوجه ، أو البسي الحجاب الشرعي .. ) مع الدعاء للمخالف، و عدم انتظار الجواب من المخالف، أو الاستجابة السريعة . وخصوصاً خلال السنة الأولى من البدء بهذا العمل . بالإضافة إلى البشاشة في هذا كله و عدم الانفعال عند ردود الأفعال غير الجيدة .
رابعاً : مكتبة صوتية:
إيجاد مكتبة صوتية إسلامية تجارية على هيئة كشك أو محل في صالة الاستقبال ونحو ذلك ، تُأجر على إحدى التسجيلات الإسلامية ، ويباع فيها الشريط الإسلامي ، و الكتيب الإسلامي ، والمجلات الإسلامية فقط . وفي هذه الفكرة خير عظيم إن شاء الله تعالى .
خامساً : بث تلفزيوني :
إيجاد بث تلفزيوني داخلي لجميع الغرف والممرات، تعرض بعض أشرطة الفيديو الإسلامية النافعة ؛ كما هو موجود في بعض المستشفيات .
سادساً : الإنتر نت :
فتح موقع في الإنترنت يعرض من خلاله عمل المكتب من فتاوى ، وتجارب ، وبرامج .. ، ويمكن كذلك بث المحاضرات والدروس حية من خلاله .
سابعاً : ( الفتاوى ) :
من خلال زائر أسبوعي من أهل العلم لدية المقدرة العلمية للإجابة على أسئلة المرضى .
كاتب المقال: يوسف بن عبدالله الأحم
=================
القدوة في الدعوة النسائية
الحمد لله ربّ العالمين القائل في كتابه المبين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي جعله الله قدوة للمؤمنين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى، أما بعد:
تشتد حاجة المسلمين اليوم إلى مثل أعلى يقتدون به ويقتفون أثره ويحذرون حذوه؛ وذلك بسبب ضعف فهم الناس للدين وقلة تطبيقهم لهم، ولغلبة الأهواء وإيثار المصالح العاجلة مع قلة العلماء العاملين والدعاة الصادقين، فنحن في هذه المرحلة من الزمن وقد بدت آثار الصحوة الحقة تبهت في مجتمعنا المسلم، قد تضاعفت حاجة المسلمين في مختلف أوساطهم وطبقاتهم إلى قدوات وريادات تكون أنموذجاً واقعياً ومثالاً حياً يرون الناس فيهم معاني الدين الصحيح علماً وعملاً، قولاً وفعلاً، فيقبلون عليهم وينجذبون إليهم؛ لأنَّ التأثير بالأفعال والأحوال أبلغ وأشدّ من التأثير بالكلام وحده، وقد قيل: شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
ويشهد لأهمية ذلك أنَّ الله جلَّ وعلا جعل نبيه صلى الله عليه وسلم أسوة لمن بعده: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..}، كما أمره أن يقتدي بمن سبق من الأنبياء: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}. (الأنعام /90).(7/85)
ورأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه". ولما نبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
ونحن ـ كما أسلفت ـ في هذه الفترة العصيبة التي تمر على الأمة من الضعف والهزيمة، نحتاج أن نحقق في أنفسنا أنموذج التطبيق الصحيح لهذا الدين؛ لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين ونسد على المتربصين أعداء الدين منافذ تسلطهم وسطوتهم باسم الإصلاح وحفظ الحقوق. فهذا خليل الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ لما جعله الله إماماً للناس يقتدى به قال: {ومن ذريتي} أخبره الله تعالى أنَّ فيهم عاصياً وظالماً لا يستحق الإمامة، فقال: {لا ينال عهدي الظالمين} فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا ويستتب أمننا ونردّ كيد أعدائنا، فلنقم هذا الدين علماً وعملاً ومنهجاً لحياتنا وسلوكنا.
إذ أن المسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة، ولذلك لما تمنى الناس ذهباً ينفقونه في سبيل الله، كانت مقولة عمر بن الخطاب: "ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله". فعسى إن كنا على مستوى حسن الأسوة والتأسي أن يمكن لنا في الأرض، وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.
أهمية القدوة في حياة المسلمين وواقعهم:
1ـ إنَّ القدوة هي ذلك التأثير الغامض الخفي الذي يمثله أفعال وأقوال ومواقف المثال الحي المرتقى في درجات الكمال، مما يثير في نفس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع الغيرة والتنافس المحمود، ويتولَّد لديهم حوافز قوية تحفزهم؛ لأن يعملوا مثله، وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر.
2ـ القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل والاستقامة تعطي الآخرين قناعة بأنَّ بلوغ هذا المستوى من الأمور الممكنة، وأنها في متناول قدرات الإنسان، ولا سيما في زمن الفتن وكثرة الصوارف.
3ـ مهما توسعت دائرة المعارف وانتشر العلم بين النَّاس؛ فإنَّ واقعهم لا يزال يشكو القصور والانحراف، ما لم يقم بذلك العلم عاملون مخلصون يكونون قدوات في مجتمعاتهم وطبقاتهم يمتثلون أمره ويخطون على منهجه، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي للحياة يفهمه الجميع؛ إذ إن مستويات فهم العلم والقول عند الناس يتفاوت، لكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين لمثال حي، يكون أيسر وأقوى في إيصال المعاني وإحداث التغيير، ومن ذلك ما كان من تزويج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ابنة عمته من زيد بن حارثة مولاه الذي أعتقه؛ لكي يكون قدوة ومثالاً حياً للناس لما تأصل في نفوسهم من الفوارق الطبقية التي جاء الإسلام بإلغائها، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
4 ـ إنَّ غياب القدوة في حياة المسلمين عامل رئيس في فشو الجهل وانتشار المنكرات واستفحالها؛ وذلك لأنَّ العاملين بالعلم والقائمين بدين الله هم في الحقيقة دعاة يعلنون الحق بأفعالهم، وينشرون الدين الحق حين ينتشرون بين الناس فيظهر أمره في الناس وتنحسر أمامهم المنكرات بتواجدهم الفعال المؤثر في الآخرين، وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات. وقد نقل عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً لأصحابه: "ادعوا الناس وأنتم صامتون"، قالوا: كيف ذلك؟ قال: "ادعوا الناس بأفعالكم".
5ـ الناس ينظرون إلى المتعلم العلم الشرعي والصالح نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربّ خطأ يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر؛ وذلك لأنه محسوب في مجتمعه قدوة لهم. وهنا تكمن أهمية القدوة وخطورتها، إذ أن كل مفارقة بين أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته تشكِّل مصدر حيرة وإحباط لدى عامة الناس، وخصوصا المبتدئين في الالتزام، ويكون مصدر فتنة للناس واستخفاف بالعلم الذي تلقاه.
فالذين يعرفهم الناس بالصلاح والتدين.. وهم في الحقيقة جمعوا مع تلك السمعة تناقضا في الواقع ومخالفة لما يفترض أن يكونوا عليه؛ هؤلاء يقال فيهم: إنهم لا يصلحون أن يكونوا قدوات، بل إنهم يمارسون دوراً تخريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصالحين والفضلاء في أذهان العامة، ويعطونهم صورة مخالفة لحقيقة الدين التي قد لا يعرفونها إلا من خلالهم. كما أنههم يشجعون الناس بطريقة خفية على التميع والهشاشة الدينية، ويتسببون في تبخير ما بقي من هيبة واحترام للصالحين، ويكونون سبباً في فقد ثقة الناس بهم.
ولذلك فإنَّ المسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء والدعاة والصالحين وذويهم وأهل بيوتهم بشكل خاص، إذ لا بدَّ أن يؤهلوا تأهيلاً خاصاً لإكمال وظيفتهم الدعوية في المجتمع عن طريق الاهتمام بتحقيق القدوة والأنموذج الواقعي للصلاح والاستقامة. وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة تجاه الناس، فضلاً عن مسؤوليتهم الخاصة تجاه أنفسهم فيما بينهم وبين الله تعالى.(7/86)
وعلى ذلك فإنَّ على كل مسلم ومسلمة عرف طريق الحق وسلكه، أن يجاهد نفسه ليقترب ما استطاع من ذلك الأنموذج الإنساني الراقي، نعني به القدوة، وإذا نظرنا في تاريخ العلماء والصالحين وجدنا أدبيات كثيرة تحثّ المسلم على التميز والحرص على العمل بالعلم، إذ يقول سفيان بن عيينة: "إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟!". وقال الحسن: "لا تكن ممَّن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء". وقال أيضاً: "كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده".
فالرأس في الخير لا بدَّ أن يسير في طريق المجاهدة ومنابذة الشهوات، ولا يرتضي لنفسه أن يكون من الخلوف الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم "يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون"، وإنما يحرص على أن يكون من أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم الذين وصفوا بأنهم: "يأخذون بسنته ويقتدون بأمره" وكما يقول مالك بن دينار: "إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه، زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصخرة الصماء".
مقومات القدوة:
1ـ الإخلاص، وهو من أعظم المطالب؛ إذ يجب أن يفتش عنه الإنسان المقتدى به، فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله عزَّ وجل بعيداً عن أغراض النفس ونظر الناس، فيفعل الأمر ويترك النهي مع تمام الخضوع لله والتسليم له.
2ـ الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح، إذ إن هناك الكثير من الصالحين، ولكن قليل من يستقيم على ذلك ويتمسَّك به في كل أحيانه وظروفه، وفي كل زمان ومكان، فلا يتغيَّر ولا يتلون ولا يحابي. فللقدوة في نفسه شغلاً بين إقامتها ومجاهدتها وسياستها. وهذا هو المطلوب الأعلى والنهج الأسمى، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
3ـ حسن الخلق: إذا كانت الاستقامة والصلاح يتوجهان إلى ذات المقتدى به ليكون صالحاً في نفسه قويماً في علاقته مع ربه، فإنَّ حسن الخلق يتوجه إلى علاقته بالناس وأصول تعامله معهم، ويُجمل ذلك المنهج الدعوة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم: "وخالق الناس بخلق حسن".
والكلام في حسن الخلق واسع ومتشعب، ولكن نجعله في أمور وكليات منها:
* الصدق، فيحذر القدوة الخداع والكذب والتحايل، وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ لأنَّ المؤمن القدوة لا بدَّ أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به، ولا يكون ذلك إلا لصادق.
* الصبر وتحمل الأذى والصفح عن المسيء وسعة الصدر؛ إذ إن الناس يكتشفون معدن الإنسان ويمنحونه احترامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله وأخلاقياته الراقية التي تنشأ عن الصبر والاتزان.
ومن أعظم أنواع التعامل الحسن أيضاً:
* التواضع وإنكار الذات، وأن يألف ويؤلف، وكذلك العفو والتسامح وغض الطرف عن الهفوات.
ومن مكارم الأخلاق التي هي مقومات القدوة:
* عفة اللسان والترفع عن القيل والقال، وترك الانشغال بسفاسف الأمور، وتجنب الخوض مع الخائضين.
ومن صفات القدوات:
* الكرم والرحمة وأداء الأمانة ووفاء الوعد والقناعة والعفة والرضا بالقليل، وغير ذلك من الأخلاق والصفات التي تجسدت في قدوتنا وأسوتنا النبي الكريم الأكرم سيد الخلق وقدوتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ استقلال الشخصية، وذلك ركن رئيس في سمات القدوة، فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثراً لا متأثراً، ما لم يكن متأسياً بهدي الصالحين والمصلحين، فلا يليق بمن هو في موقع القدوة أن يكون إمعة يخضع لضغط الجهال والسفهاء يميل معهم حيث مالوا، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا وإذا أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم". ولكي لا يفتتن به إمعة من رعاع الناس لا يرى الدين إلا من خلال تصرفاته، فكما تكون الإمامة والأسوة في الخير، فهناك قدوة الضلالة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم الأعلى، فإن زلَّ زلوا معه، وإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون.
5 ـ من مقومات القدوة: الاعتدال في أمور الحياة ونهج منهج التوسط والاقتصاد، ومراعاة آداب الشريعة وتوجيهاتها في أمور الحياة والمعيشة، ولا سيما في اللباس والمظهر وهما الامتداد المادي لحقيقة الذات، والعاكس المهم لكثير من كوامن الشخصية وخصائصها، فمن المهم أن ينسجم مظهر القدوة مع منهج التدين الذي ينسب إليه، والحذر من المفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة في نفوس الناس.
6 ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات شخصية القدوة، بحيث يعطي كل ذي حق حقه، ولا يطغى جانب في حياته على جانب آخر، فتضيع الواجبات والأولويات على حساب الاشتغال بالتوافه والثانويات.
ميادين القدوة:
1ـ العبادة والطاعات المحضة، وذلك بالمحافظة على الفرائض والواجبات، والتزود بالإكثار من النوافل والقربات، فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة، كما كان التأثير بذلك قوياً في هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في عبادته وقيامه بحق ربه، ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي تنزل الفتن والخزائن على أمته ليقتدي بهن النساء خاصة، والناس عامة في كل زمان، ولاسيما زمن كثرة الفتن.
2ـ علاقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه لحبهن واحترامهم وثقتهم من خلال حسن تصرفه وتحليه بمكارم الأخلاق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطلاقة الوجه وحسن القول، إلى غير ذلك من مجالات الدعوة بالقدوة في التعامل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان أعظم أسوة وأرقاها.(7/87)
3 ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً وسمتاً ومظهراً، وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ لا تتحقق القدوة إلا به، وهو في الوقت ذاته مجال من مجالات الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها. فيقع التأثر في نفوس الناس بمظهر القدوة وسمته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً الاستفادة من أقواله وعلمه. وقد ورد أنَّ الذين كانوا يجلسون عند الإمام أحمد بن حنبل في مجلس درسه يبلغ المئات، مع أنَّ الذي يطلب عليه ويدون علمه عدد قليل من ذلك الحشد الكبير الذي إنما حضر انتفاعاً بهدي الشيخ وإقتداء بسمته وأدبه.
أهمية القدوة في أوساط النساء:
إننا في ظل الظروف الحالية والمرحلة الخطيرة المقبلة بحاجة ماسة إلى قدوات من نساء فقهن دينهن ووعين دورهن في المجتمع، إذ أن هناك مجالات وميادين نسائية كثيرة تفتقر إلى التوجيه القيادي العملي، ولاسيما في مجالي التربية في البيوت والتعليم في المدارس والجامعات. ومع ذلك فهناك من النساء الرائدات كان لهن التأثير الكبير بفضل الله على أزواجهن وأسرهن وطالباتهن من خلال أسلوب القدوة الفعَّال.
ومع أنَّ الصحوة العلمية والحركة الدعوية في أوساط النساء قد بلغت في وقتنا الحاضر من القوة والنشاط ما لم يسبق له مثيل فيما مضى، إلا أنه لا يزال الأمر محصوراً في طبقة المتدينات والراغبات في الخير إجمالاً، بينما هناك في أوساط النساء جماعات كثيرة وشريحة ضخمة لا يبلغهن ذلك الخير ولا تصلهن الدعوة، وذلك في الغالب بسبب الغفلة والانشغال بأمور الدنيا.
فكيف يمكن إيصال الدعوة إليهن والتأثير عليهن؟
إنه عن طريق القدوة الصالحة لتلك المرأة الواعية الفاضلة التي لا بدَّ أن تكون موجودة بين صفوف أولئك النسوة.
عندها يفهم الجميع هذا الدين ويدركون المطلوب منهم والمحذور عليهم، من خلال النساء الصالحات القدوات.
نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها الله جلَّ وعلا لتكون أسوة تحتذى ومنارة للهدى:
إنَّ الذي ينحدر للتهافت على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات؛ فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعالمين، وإن كانت امرأة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}.. وكذلك {َمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..}.
فلذلك أيتها الموفقة، يا من هداك إلى طاعته وبيَّن لك سبيله، يا طالبة العلم الشرعي، يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة، يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية، يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء، إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات، إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات؛ حتى ظنَّ بعض المفتونات أنَّ بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلة.
وإليك ـ أختي القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات:
1ـ الحذر من التساهل الذي يفتن العامة ويلبس عليهم، مثل الأخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم الشاذة أو المرجوحة. ولما نهى عمر رضي الله عنه عبدالرحمن بن عوف عن لبس الخفين في الحج ـ أخذاً بالرخصة في ذلك ـ؛ لخشية عمر أن يتوسَّع الناس في ذلك، قال له: "عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك". ومن ذلك في الوقت الحاضر: تساهل كثيراً من الخيرات، بل وبعض طالبات العلم الشرعي في ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول الخلوة بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص، وكذلك التساهل في الوقوع في بعض الأمور المستحدثة التي ترجح تحريمها، كما في مسألة تشقير الحاجبين ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص، وذلك مما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم جوازه.
بل إن صاحبة الأسوة الحسنة قد تحتاج إلى ترك بعض المباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً لأمر دينها وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ لأنَّ ذلك ينفر الناس من الاقتداء بها. ككثرة المزاح والضحك وكثرة الخروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغير حاجة ولا مبرر شرعي.
2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ -مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين.. كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات الإسراع إلى فعل الطاعات وبذل الصدقات، ثم قد يجذبها عند الأخرى حسن مظهرها المتلائم مع تعاليم دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها، كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة.
ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله تعالى، حيث قال الله تعالى آمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له، فقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}.
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات، ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شقّ عليها.(7/88)
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها، ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها، وقد استسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلهن الجاهلات في ذلك؛ فاختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة رضي الله عنها أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأمَّا التساهل في المظهر واللباس والزينة بشكل عام، فقد عمَّت به البلوى في أوساط بيوت الصالحين، وتقلَّد حملها ووزرها كثير ممَّن هم مظنة القدوات لغيرهن.. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة ويحرمه الدين القويم كما صحَّ في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شأنها أن تُستر، وللأسف.. لقد عظم الخطب، وقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن ـ للأسف ـ نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث "لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن، ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى جلَّ وعلا.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله تعالى، "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
والآن قلَّ أن نجد هذه البواعث فينا إلا من رحمه الله؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمن عن زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم ازداد هذا الجهل وقلَّ التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة.
قال صلى الله عليه وسلم: "وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة".
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريدين الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.
تأملي سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا جلَّ وعلا أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا للمتقين إماما.
المصدر: لها أون لاين.
==============
نحو تنسيق أفضل في مجال الدعوة النسائية
بدأ الاهتمام بقضية المرأة مع بواكير الصحوة الإسلامية، وبغض النظرعن نسبة هذا الاهتمام، وما عسى أن يقدم للمرأة من عمل، فقد حظيت قضية المرأة باهتمام متزايد من قبل الدعاة والمصلحين، سواء في الجانب الشرعي والاجتماعي أوغيرهما من الجوانب المهمة، على تفاوت في مقدار الأهمية التي يحظى بها كل جانب، وهنا تكمن المشكلة، إذ أن بعض الجوانب حظيت باهتمام زائد ربما جاوز الحد في بعض الأحيان (الجانب الشرعي مثلاً)، بينما نجد جوانب أخرى لم تحظ بجهد يذكر، اللهم من بعض الدعاة على أهميتها وخطورتها، وعلى سبيل المثال يمكن أن نشير إلى الجانب القانوني في حقوق المرأة، وإعداد مواثيق إسلامية بهذا الخصوص.(7/89)
وأحسب أن الدعاة والمصلحين لو اجتهدوا في تنسيق قضايا المرأة بكافة أبعادها، وترتيب أولويات العمل الدعوي من جوانبه المختلفة؛ لكان ذلك كفيلا بأن يظهر جلياً ما يقوم به الدعاة من جهد في معالجة قضايا المرأة في المجتمع، وفي جميع المجالات.
ضرورة تنسيق الجهود الدعوية النسائية:
إن مهمة إعادة ترتيب وتوحيد وتنظيم الجهود الدعوية النسائية تتطلب درجة قصوى من التعاون بين الدعاة والعاملين في الساحة الإسلامية، ولاسيما الذين يدركون الأخطاء والمزالق التي تهدد مستقبل الأمة، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ونعتقد أن مثل هذا التعاون يمكن أن يكون فعالا ومثمرا على أقصى حد إذا ما تم تنظيمه في إطار مؤسسي، وفق أهداف متفق عليها.
فإن التعاون المنشود يساهم في جوانب عدة، منها:
1ـ تبادل الخبرات والمعرفة والمعلومات بين المؤسسات الإسلامية المختلفة في البلاد الإسلامية.
2ـ وضع الخطط والبرامج المنهجية في الأنشطة المتنوعة.
3ـ تشجيع العلماء والمهتمين بالدعوة النسائية على إصدار الأبحاث والمقالات والدراسات المتخصصة، التي تغطي كل ما تحتاجه المرأة.
4ـ تماسك كلمة الأمة واجتماعها أمام جحافل الباطل وأدعياء التحرر، قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
5ـ حماية أبناء المجتمع من المزالق التي يحيكها أعداء الإسلام صباح مساء.
6ـ سد النقص، وتحديد الاحتياجات الواردة في هذا المجال، وهو ضمان من كل تكرار لا يفيد.
تكامل وتنوع الجهود الدعوية النسائية:
المرأة المسلمة تواجه التحديات المعاصرة، فتحتاج إلى من يعينها على الصمود، ويأخذ بيدها إلى برالأمان، ونعني بشكل خاص العمل المؤسسي المخصص.
فيمكن لفئة من الداعيات أن تتجه إلى التركيز على عقد وإقامة المحاضرات، والندوات والمؤتمرات، وفي المقابل هناك من يركز على كتابة البحوث والدراسات والمقالات، وفئة أخرى تتجه لإقامة المعارض الخيرية، وغيرهم يهتم بتوزيع الأشرطة، وجوانب الإنفاق والتبرعات، وهذه المجالات التي مر ذكرها سريعا يكثر حولها الحديث والعمل، وهي بحاجة ماسة إلى جهة تسعى للتنسيق بين مختلف الجهات المساهمة فيها.
كما لا يفوت أن نشير إلى مجالات أخرى مهمة يجب أن ينبري لها فئة أخرى، كقضايا الحقوق والبدائل الشرعية لما يطرح من فكر مختلف عن البيئة، ومخالف للشريعة دون الاكتفاء بمجرد الإنكار.. وهكذا.
مرة أخرى نؤكد أن هذا الجهد بحاجة إلى إعادة تنسيق وترشيد من حيث الوسيلة والأسلوب من جانب، ومن حيث الموضوعات المطروحة من جانب آخر.
فالوسائل متعددة:
فمنها إقامة المحاضرات والندوات، ومنها كتابة البحوث، والنشرات، والمقالات، ومنها حلقات الذكر وحلقات تحفيظ القرآن، ومنها المشاريع الخيرية، ومنها المشاريع التعليمية، والمشاريع الإغاثية.
وكل وسيلة لها ما يناسبها من الأساليب، تربوية كانت أو دعوية، أو علمية، أو عاطفية، أو أدبية أو آنية.
كما أن الموضوعات المطروحة متنوعة:
فمنها الشرعي: كموضوع تحديد النسل، والطلاق، وحجاب المرأة.
و منها الاجتماعي: كظاهرة العنوسة، ودراسة بعض العادات الجديدة في عالم النساء، التي تمس السلوك الإنساني في المجتمع.
و منها العقدي: كأصول الإيمان ومحبة المؤمنين وبغض الكافرين.
ومنها الفكري : كحرية المرأة، وحقوق المرأة في المجتمع.
هذه الوسائل والأساليب والموضوعات لابد من التنسيق فيما بينها، والقيام بترتيبها.
إن انعدام التنسيق في هذه المجالات أو ضعفه يسبب أزمة خطيرة، تدعونا إلى سرعة تنسيق الجهود الدعوية بين المؤسسات الدعوية الخيرية في الداخل والخارج، وبالذات فيما يتعلق بقضية المرأة، خاصة إذا أدركنا شدة الهجوم عليها واستهدافها أولاً دون غيرها من فئات مجتمعنا المحافظ.
الخروج من الأسباب التي أدت إلى افتقار التنسيق بين الجهود الدعوية النسائية:
إذا نظرنا إلى هذا التنسيق آنف الذكر، لوجدنا هذا التعاون والتنسيق بين تلك الجهود سيؤدي إلى ثمرات عظيمة وينتج الخير الكثير، وهنا في هذا المقام سؤال يطرح : ماالأسباب التي أدت إلى افتقار التنسيق بين الجهود الدعوية النسائية ؟
للإجابة عن السؤال لا بد أن نحمل أنفسنا جميعا على الخروج من:
1. دعوى الكمال الزائف، وأن ما عندنا من جهد يغنى عن الحاجة للآخرين.
2. التخلص من حظوظ النفس، إلى جانب تقدم الآخرين وغيرهم، فكل جهد يقوم به غيرنا يحقق أهدافنا هو من جهدنا.
3. عدم القناعة لدى بعض الدعاة بقضايا الدعوة بين أوساط النساء.
4. ندرة الطاقات النسائية القادرة على تبني الدعوة، وتقديمهن للمجتمع، فضلا عن ضعف التكوين الثقافي والتربوي لديهن.
5. سلامة البنية الأساسية للأسرة في كثير من بلاد العالم الإسلامي .
وعلى الرغم من وجود مثل هذه العوائق إلا أننا لابد وأن ننطلق بعزيمة وإخلاص، واثقين بنصر الله لهذا الدين، وحسن الظن بالله، والتفاؤل بالخير مهما كان وزنه، خاصة في مثل هذا الوقت الذي قل فيه الناصر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
لا سيما وأن المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب اهتماما كبيرا بقضايا المرأة في بين أوساط المسلمين وغيرهم، آخذين في بعين الاعتبار بعض النقاط التالية:
1. ضرورة عقد ورش عمل بين المهتمات بالدعوة، يتم خلالها تطبيق بعض البرامج المنشطة للجهود.
2. التأكيد على إيجاد آلية لتبادل الخبرات بين الجهود النسائية في الدعوة.
3. استكتاب المهتمين بالدعوة للكتابة حول مشكلات الدعوة في الوسط النسائي.(7/90)
4. إقامة مركز يتولى تحويل التوصيات وغيرها على الواقع العملي، ويمكن أن يكون فقط في الانطلاق للوصول إلى جهد منسق في الدعوة النسائية، مثل الأخوة في الندوة يمكنهم القيام بهذا الجهد المبارك ولهم أجر جمع الكلمة إن شاء الله.
آثار التنسيق المنشود:
إذا ما تضافرت جهود العاملين في الدعوة النسائية، فذلك بلا ريب سيؤدي على نتائج عظيمة منها:
1. التخفيف من حدة الاختلاف، والخروج من دائرة ردود الأفعال.
2. توثيق العلاقة بين العاملين والعاملات في الدعوة.
3. وحدة الصف، وتكوين رأي عام مبني على الكتاب والسنة، مستصحبا لظروف الواقع.
4. قوة الأعمال الدعوية الموجهة للمجتمع، من خلال التعرف على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها المرأة.
5. ترشيد الكتابات الموجهة للمرأة، وتغطية لقضاياها المختلفة في جوانب متعددة.
6. ظهور نشاطات جديدة متميزة، فعلينا القيام بمتابعتها ورصدها، من خلال ما ينشر في اللقاءات والصحافة والمؤتمرات.
7. توفير الجهد من خلال تحقيق الأهداف المنشودة بأقل ما يمكن، وبالتالي تفريغ الجهد المتبقي في الأنشطة الأخرى الشاغرة.
8. توفير الوقت، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للوسائل الدعوية التي تستهدف أكبر قدر من المستهدفات.
ومن أمثلة التنسيق المنشود:
1. إقامة مجموعات عمل ممثلة من مختلف المؤسسات الخيرية لمناقشة قضايا اجتماعية ملحة، كالطلاق والعنوسة وعمل المرأة، وآثارها على بنية المجتمع، وكينونة الأسرة، ووضع التوصيات عليها.
2. التعاون بين الهيئات والمؤسسات النسائية الدعوية القائمة في بقاع العالم.
3. إجراء الدارسات الميدانية عن العادات الاجتماعية، وأثرها على أنماط السلوك النسائي في مختلف البلاد الإسلامية.
4. إعداد قاعدة معلوماتية لكل ما ينشر عن المرأة، وتنشيط حركة البحث والتأليف والدراسة.
5. إصدار الدوريات والمجلات التي تخدم القضايا النسائية والتي تخاطب فئة معينة، وأخرى موجهة لمعالجة القضايا الفكرية، وثالثة تخاطب الفتاة في المرحلة الجامعية أو الثانوية وهكذا.
6. متابعة المؤتمرات الدولية والمشاركة فيها بغرض الدفاع العلمي الرشيد عن قضايا المرأة المسلمة.
7. صناعة بعض الرموز المصلحة للمجتمع، وتقديم القدوم لكافة شرائح المجتمع، فتقدم مثلا المرأة الواعية في فكرها ومعاملتها من خلال التزامها بدينها.
8. التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لأدراج المرأة ضمن أولوياتها، كالتعاون مثلا في البحوث الأكاديمية التي تتناول تأثير القنوات الفضائية على أفكار البنات في المراحل الدراسية المختلفة.
كاتب المقال: د. خالد بن عبدالله القاسم
====================
أهمية الحكمة في الدعوة
قال الله تعالى: ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب) البقرة: 269 .
إذا فالحكمة منة، ونعمة عظيمة من الله تعالى، يمتن بها على من يشاء من عبادة، وهي من الأشياء التي يمكن اكتسابها بالمراس والمران.
ويعرف ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ الحكمة بأنها : ( فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي ) مدارج السالكين .
يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى:( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ): ( أي كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده، ومن الحكمة، الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبدأ بالمهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر، والنهي المقرون بالترغيب والترهيب).
إذا فالحكمة في الدعوة أمر مطلوب، والداعي إلى الله مأمور بتوخي الحكمة حين دعوته، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) النحل: 125 ، وقوله سبحانه: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) يوسف:108.
وحينما طبق الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الحكمة في دعوتهم، وساروا على هدي المصطفى ـصلى الله عليه وسلم ـ ونهجه، دخل الناس في الإسلام أفواجا، وانتشر الإسلام في بقاع الأرض.
لكن لا يُفهم من الحكمة في الدعوة أنها تعني الرفق والحلم مع المدعو فحسب، بل إن مراتب الحكمة تتجاوز ذلك كثيرا.
فمن الحكمة أن يكون الداعي رفيقا لينا مع المدعوين كما قال تعالى عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر... ) آل عمران : 159.
وقال ـ سبحانه ـ مخاطباً موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ : (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) طه: 43-44.
و من الحكمة استخدام الشدة والتأنيب أحيانا، ذلك لأن الحكمة تعني وضع كل شيء في موضعه، فهي: لين في وقت اللين، وشدة في وقت الشدة.
يقول الله تعالى على لسان موسى ـ عليه السلام ـ مخاطبا فرعون لما طغى وتكبر: ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) الإسراء: 102
ويقول تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين و اغلظ عليهم ومأواهم جهنم و بئس المصير) التوبة: 73
وإن من الحكمة أيضا أن يكون الداعي قدوة في قوله وفعله، يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) الصف: 2-3.(7/91)
ومن أصول الحكمة مراعاة حال المدعوين، إذ ليس من الحكمة استخدام أسلوب واحد في الدعوة مع الكبير والصغير، والرجل و المرأة، والمتعلم والجاهل، والرئيس والمرؤوس، والهادئ والغضوب، بل لا بد من تنويع أسلوب المخاطبة كل بما يناسبه.
يقول تعالى: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ... ) إبراهيم: 4.
إن الداعي الناجح هو الذي يعطي كل إنسان ما يلزمه من أفكار وتوجيهات، ويحاول أن يقنعه بالأسلوب الذي يناسبه، ويناسب مداركه.
يقول سماحة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ : (ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة، وعدم بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة، وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو، ويرق قلبه، وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعداً لقبول الحق، فعند أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنع، وبعض الإعراض فيحتاج إلى وعظ، وإلى توجيه، وإلى ذكر آيات الزجر ) من أقوال الشيخ ابن باز في الدعوة ص/64
ومن مراتب الحكمة المجادلة بالتي هي أحسن من ضرب الأمثلة، وبيان الحق بالأدلة العقلية والنقلية، وإعطاء الحجج الصادقة، ونقض الحجج الباطلة، مع تحري الوصول إلى الحق.
يقول الله تعالى: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) العنكبوت: 26.
وليحذر الداعي أن يتحول قصده من الدعوة إلى إظهار التفوق في النقاش، أو الغلبة في الجدل، ولكن ليكن القصد والغاية الإقناع والوصول إلى الحق.
كما أن من أعلى المراتب التي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله دفع السيئة بالحسنة، وهي مرتبة رفيعة لا ينالها إلا فئة نالت حظا عظيما كما قال سبحانه وتعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت: 34-35.
وفي جميع الأحوال يجب على الداعي قول الحق، والصبر على الأذى، صبر المؤمنين العاملين، لا صبر الخانعين المستسلمين.
روى البخاري عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كاتب المقال: زاحف
المصدر: المفكرة الدعوية
==================
الدعاة .. وفن احتواء الآخرين
القدرة على احتواء الآخرين مطلب تكتمل به شخصية صاحب الدعوة، وحاجة من احتياجات الطريق حتى تستطيع الدعوة مواصلة السير واستيعاب الطاقات وتشغيلها، فالطريق طويل، والدعوة التي تُنفر الناس منها ولا تعبأ باحتوائهم لن يكتب لها النجاح، وكيف تنجح وهي منبوذة من الآخرين، مكروهة منهم؟.
احتواء الآخرين يعني قدرة صاحب الدعوة "الداعية" على جذب الناس وضمهم إلى سفينة الدعوة، والداعية الناجح هو القادر على الوصول بدعوته وفكرته إلى الناس، والتأثير فيهم، على اختلاف طبائعهم.
وصاحب الدعوة الذي لا يتوافر فيه الحد الأدنى من القدرة على احتواء الآخرين قد لا يكون فقط عاجزاً عن جذب الناس إلى دعوته، بل قد يكون مسيئاً للدعوة مسبباً الحرج لها، كما أن المقصد الأسمى من احتواء الآخرين عدم استعدائهم للدعوة، وتحييدهم على أسوأ تقدير.
ولن يستطيع أي شخص مهما كانت قدراته وإمكاناته الوصول إلى هذه المكانة إلا بامتلاك قلوب الآخرين، وكسب ودّهم.
فكيف نحب الآخرين ونصل إلى قلوبهم كبداية لاحتوائهم واستيعابهم داخل الدعوة؟
كل داعية يتمنى أن يحظى بحب الآخرين.. ولكن ليس كل ما نتمناه ندركه.. ولن نصل إلى تحقيق هذه الأمنية إلا إذا كانت لدينا الرغبة الحقيقية الصادقة في الوصول إلى قلوب الآخرين، ثم أخذنا بالأسباب لتحقيق هذا الهدف.
فكيف نكسب ود الآخرين؟
1- تعرف جيداً على إخوانك:
" تعرف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يُطلب منك ذلك"، تلك الوصية البليغة من الإمام الشهيد حسن البنا ترمي إلى المعايشة، وأن يُصهر الجميع في بوتقة الأخوة والأنس والقرب، ولن يتأتى ذلك من أفراد لا يعرفون بعضهم حق المعرفة، وإلا فكيف أتقرب إلى إنسان لا أعرف ما يضايقه وما يفرحه؟ ما يسره وما يعكر عليه صفوه؟ فذلك بالتأكيد سيساعدنا على عدم الاصطدام بطبائع الآخرين.
2- لا تفرض نفسك عليهم:
من الأشياء التي تؤدي إلى نفور الأقران بعضهم من بعض، محاولة فرض الآراء الشخصية في بعض الموضوعات التي تُمثل خصوصية عند صاحبها، أو محاولة التطوع والتطفل لمعرفة مشكلة ما وإبداء النصح فيها، عليك إذن أن تتجنب مثل هذا التصرف، ولا تتبرع بالتدخل في شؤون الآخرين الخاصة، وانتظر حتى يُطلب منك ذلك.
3- لا تُكثر من نقدهم:
النقد الكثير لمن حولنا يتنافى مع الرغبة في كسب ودهم، فمن تنقده يضع نفسه في وضع الدفاع، ويحاول بكل ما أُوتي من قوة أن يثبت لك صوابه وخطأك، فالنقد يصيبهم في كبريائهم بجرح دامٍ، ويؤدي إلى تحرك شعور سلبي تجاه من انتقدهم.
4- عاملهم بما تُحب أن يُعاملوك به:(7/92)
الحب يعني العطاء أولاً ثم حصاده ثانياً، والذي يعامل الآخرين معاملة سيئة أو بكبرياء، وعدم تقدير، ثم بعد ذلك ينتظر القرب منهم وحبهم مخطئ لا محالة، ولكي تعرف أهمية تلك النقطة حاول أن تسأل نفسك: هل أغثت ملهوفاً أو أسعفت مصاباً أو يسرت على معسر؟ ثم حاول أن تتذكر محنة صعبة تعرضت لها واحتجت فيها إلى مساعدة الآخرين وتذكر شعورك تجاه من وقف معك في تلك المحنة، بالتأكيد فإن مشاعر الحب والود والتقدير تحيط دائماً بكل من أسدى إلينا معروفاً أو وقف معنا في وقت محنتنا.
5- تجنّب غيبتهم:
لكل إنسان مزاياه وعيوبه، إيجابياته وسلبياته، فلا يوجد على ظهر الأرض أحد منزه عن العيوب، والحديث عن الآخرين بسوء يترك انطباعاً وأثراً سيئاً تجاهك، ويزعزع الثقة بينك وبينهم، ويجعلهم يتخوفون من أن يأتي يوم تختلف فيه معهم فتذكرهم بسوء، كما ذكرت الآخرين من قبل أمامهم.
6- التمس لهم الأعذار:
علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن تلتمس لإخواننا الأعذار، ومن السلوكيات التي تساعد الداعية على جذب الآخرين وكسب ودهم، والتي تأتي بثمارها، التماس الأعذار لهم، وهو ما يبعث مشاعر الود والحب في نفوسهم، لأننا التمسنا لهم الأعذار وتعاملنا معهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظرنا.
ويؤكد "ديل كارنيجي" مؤسس [ معهد الدراسات الإنسانية ] أن التماس الأعذار للآخرين هو ما يريده كل إنسان، وإذا قلت لمحدثك الذي قد يكون أخطأ في حقك عن غير قصد إنك لا تلومه لوقوفه هذا الموقف منك، وأنك لو كنت مكانه لاتخذت مثل الموقف، فإن هذه العبارة كافية لتصفية نفسه نحوك مما قد يكون سبباً في تعكيرها، وتشع فيها روح طيبة نحوك.
7- لا تعبس في وجوههم:
( تبسمك في وجه أخيك صدقة )، ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، والعبوس في الوجه سبب مباشر في نفور الآخرين واستعدائهم، وإشاعة روح الرهبة والخوف في قلوبهم، لذلك على من أراد كسب ود وحب الآخرين أن يوازن بين همومه الشخصية وملاقاة الآخرين، وألا يجعلها تؤثر على ملاقاتهم، فهناك صنف من البشر يظن أن في هذه التقطيبة المرسومة على وجهه إضفاء لقوة شخصيته وضرورة لفرض احترام الآخرين له، والواقع غير ذلك تماماً.
إن من يريد أن يكسب حب الآخرين، عليه أن يتحلى بابتسامة عريضة تملأ وجهه.
وبعد..
فإننا لو طبقنا تلك الوسائل.. ووصلنا إلى قلوب الآخرين، فسوف نحتويهم ونعدهم إعداداً جيداً كي يكونوا من رجال الفكرة، يحملون همها ويرفعون لواءها.
كيف تحتوي الدعوة أبناءها؟
أما احتواء الآخرين داخلياً "داخل الدعوة"، فذلك من الأمور التي تحتاج إلى جهد عظيم، واهتمام بليغ، وإلا فما الفائدة من احتواء عامة الناس حتى إذا بلغوا رشدهم واشتد عودهم والتحقوا بالدعوة، ران الصدأ على قلوبهم، وأصابهم الكسل والخمول، وتبدل حماسهم فتوراً، ونشاطهم خمولاً، وأصبحوا عيناً على الدعوة؟
ذلك أن قدراتهم وإمكاناتهم لم توظف ولم تُستثمر، فالاحتواء الداخلي هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على نشاط هؤلاء حياً يقظاً في نفوسهم، والمقصود من احتواء أبناء الدعوة القدرة على المحافظة عليهم داخل الصف، مع توفير المناخ المناسب لاحتضانهم وتنميتهم وإعدادهم إيمانياً وحركياً، فمرحلة الاحتواء الداخلي بمثابة التجميع والإعداد، كمن يعني ببذرة القطن ويرعاها بالسماد والمبيدات حتى تنضج ويحين وقت اقتطافها "وذلك كالاحتواء الخارجي".
ثم يتحول ذلك القطن إلى مصانع الغزل والنسيج "الاحتواء الداخلي"، التي توظف هذا القطن "المادة الخام" في العديد من الصناعات.
التربية أولاً ودائماً:
وتكمن أهمية احتواء أبناء الدعوة، لعظم المشكلات التي تنتج من التقصير في هذا المبدأ، فالذي يرتقي من غير أن يربي، أو يرتفع من غير التزام، والذي يتقلد المسؤوليات من غير أهلية يكون عبئاً على الدعوة وبلاءً عليها في كثير من الأحيان.
يقول الأستاذ فتحي يكن: "أعرف إنساناً تسلق جدار الدعوة بدون جدارة وأصبح داعية قبل الأوان، وكان يشكو ويعاني من علل وأمراض شتى.. أقلها العجب ومنها الصلف والفظاظة، ولما علت منزلته وارتفعت درجته وارتفع معها عجبه وصلفه وفظاظته، لم يعد من الممكن السيطرة عليه وضبطه، مما أدى في النهاية إلى سقوطه وخسارته".
فعملية التربية إن لم تأخذ حقها من الوقت وتسخير الإمكانات التي تؤدي لنجاحها، فإن الدعوة لن تتمكن من تأهيل أبنائها، وغض الطرف عن أمراضهم وعللهم بحجة الحاجة والضرورة سيحدث بلا شك اعوجاجاً في شخصياتهم قد يؤثر على الصف بأكمله، ومن هنا تكمن أهمية الاحتواء التربوي الذي يعمل على تأهيل الفرد وتحصينه قبل تعرضه لفتنة الحركة وبريقها.
ويضيف الأستاذ فتحي يكن: "وأعرف غيره -يقصد أحد أبناء الحركة الإسلامية- ساعدت الدعوة على قتله حين دفعته في طريق وعر قبل أن تعده لسلوكه، ورشحته لأمر لم يكن أهلاً له، واختصرت به مراحل قبل الأوان، فلنتصور كيف كانت النتيجة"؟
فالقارئ للأحداث وتاريخ الدعوة يجد بما لا يدع مجالاً للشك أن السبب في كثير مما تعاني منه الدعوة من انقسامات وخلافات، ومن تساقط للبعض في الطريق، ومن بروز لظواهر مرضية، هو عدم احتضانهم تربوياً.
ومن المهم أن نؤكد أنه لا ينبغي أن يبقى أحد من أبناء الدعوة بلا عمل، شريطة أن يستكملوا بناءهم التربوي، فإيجاد عمل معين لكل فرد مهما كان بسيطاً ومحدوداً من شأنه أن يضاعف الإنتاج، وأن يجنب الدعوة الكثير من المشكلات الناجمة عن البطالة داخل الصف، فالذين ليس لهم دور أو مهمة، يصبحون نقطة ضعيفة يدخل من خلالها البلاء إلى الجسد كله.(7/93)
فمن الخطأ عند توزيع الأعمال والتكاليف على أبناء الدعوة، الاكتفاء بالأفراد الإيجابيين المعروف عنهم النشاط والحركة الإيجابية، لأنهم بالتأكيد أكثر استعداداً لتنفيذ ما يوكل إليهم من أعمال وترك الأفراد المعروف عنهم الانطواء، أو المتصفين بالسلبية، رغم استكمالهم لمراحل الاحتواء التربوي، مما يجعل الأمر يتفاقم لديهم وتزداد سلبياتهم ويتولد لديهم شعور بالنقص، ويزداد تثاقلهم إلى الأرض، وتقل حركتهم، وينقص عطاؤهم.
وكثيراً ما شاهدنا وتابعنا أنه عندما تغيّب الأفراد العاملون الإيجابيون عن الأعمال لأسباب السفر، أو لأي أسباب أخرى... ظهر أفراد جدد كانوا بين أيدينا وأمام أعيننا ولكننا لم نستعن بهم أو نشاركهم في أنشطتنا لظننا عدم كفاءتهم أو أنهم سلبيون اجتماعياً، وعندما أوجدتهم الضرورة، رأيناهم شعلة من النشاط وأصحاب حركة دؤوبة وعمل مستمر وظهرت مواهبهم وقدراتهم.
بالإضافة إلى أن العضو الذي يعمل ينمو ويتطور، والذي لم يعمل يضمحل ويموت، فحصر التكاليف على أفراد بعينهم دون الآخرين من شأنه أن يصيب هؤلاء الآخرين بالبلادة، واللامبالاة واللاشعور بالمسؤولية، فيصبحوا أجراء في هذه الدعوة لا شركاء، لايعملون ولاينتجون، بل سيكونون كلاً وعبئاً على الدعوة بأثرها.
وأخيراً:
فإن الاحتواء له شروطه وضوابطه والتي من دونها لن تكون هناك ثمرة تُجنى، ولعل في مقدمة تلك الشروط استكمال مراحل البناء التربوي.. حتى يظل هذا البناء قائماً على أرضية صلبة تتحمل عقبات الطريق وتصبر على لؤائه.
كاتب المقال: فتى الحجاز
=================
للداعيات والمربيات . . عشر خطوات لبناء الثقة في نفسك
الثقة بالنفس مطلب شرعي سلوكي نفسي :
يقول الله تعالى : " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ .. " سورة النساء: 140
وقال تعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ . . " سورة الأنعام: 68
إن الإنسان حين لا يملك الثقة بنفسه، فإنه لن يكون قادراً على هذا السلوك التطبيقي المأمور به في الآية.
ومن هنا عُلم أن ( الثقة ) مطلب شرعي ملح، كما أنه مطلب سلوكي نفسي لاعتدال الفطرة واستقامة الحياة على منهج الله.
أي ثقة بالنفس تريدين :
سؤال لطيف . .
إنها ليست ثقة : ( جنون العظمة والكبرياء ) ..
وليست هي ثقة الحول والقوة . .
ولكن هي : الثقة بالنفس التي تجعلك قادرهً على ممارسة الحياة السعيدة - نفسياً وسلوكياً -، على نور من الوحي والهدى.
عشر خطوات لبناء الثقة في نفسك:
أولاً : استعيني بالله ولا تعجزي ، قال تعالى: " إياك نعبد وإياك نستعين ".
فحولك من حول الله ..
وقوتك من قوته جل وعز ..
وإن داء الاستعانة العجز ..
كان من أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل "
العجز : جبن وخور .
والكسل : ضعف ووهن .
إذا كنت ذات رأي فكوني ذات عزيمة : : : فإن فساد الرأي أن تترددى .
ثانياً : عيشي متفائلةً ..
الدنيا. .
ليل ونهار ..
شمس وقمر . .
عيشي في الليل ...
روحانية السكون . .
وخذي من النهار . .
طموح الجد والبكور ..
شمس تحرق ..
لتشرق
وقمر يغيب ..
إيذاناً بميلاد جديد ..
لماذا بعض الناس :
يرسب قبل أن يدخل الامتحان..
ويفشل قبل أن يعمل ..
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول : " تفاءلوا بالخير تجدوه " .
ولمّا أقبل سهيل يوم الحديبية قال :
سهل أمركم ..
حتى تكوني أكثر ثقة بنفسك :
عيشي متفائلةً ..
ثالثاً : صارحي نفسك بلطف .
حاوريها بصراحة :
- ماذا تريدين ..
وهل يتوافق ما تريدين مع إمكاناتك وقدراتك ..
لا تكرهيها إذن . .
واسعَي في تكميلها وتزكيتها . .
" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ".
وكوني . .
لطيفة معها . .
لا تكوني لينة. .
فتُعصري ..
ولا قاسية . .
فتُكسري ..
لكن . . يا حنظلة ..
ساعة وساعة ..
كان صلى الله عليه وسلم يقول :
" أمّا أنا فأصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس منّي " ..
النفس ..
لها إقبال وإدبار . .
فشمّري لها حين الإقبال . .
وداريها حال الإدبار . .
" لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَطُوبَى لِمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى سُنّتِي ".
- حددي ما تحبين ( إمكاناتك وقدراتك ) .
فلا تقضي دهرك فيما ليس لك فيه ناقة ولا جمل . .
إذا لم تستطع شيئا فدعه : : : وجاوزه إلى ما تستطع .
تحرري من التبعيّة ، واستأنسي بالقدوة .
- حددي سلبياتك بصدق .
وابدئي بحل الأسهل منها فالأصعب . .
الإنجاز يزيد الثقة ويعززها .
- اعرفي إيجابياتك ..
نمّيها ..
عززيها . .
اشحذي همتك من خلالها . .
وافتخري بها . .
إنها مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن..
ربعي بن عامر . .
يخرّق برمحه سرير الجبابرة في زهو وافتخار...
جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..
وحبيب بن زيد ..
يقف بوجه مسيلمة في شموخ . .
وهو يردد بثبات :
إن في أذني صمم مما تقول ..
حتى تكسبي ثقتك بنفسك . . .
تعلمي كيف تحاوريها بصراحة ..
رابعاً : أدركِ العواقب والمألآت ..
إدراك الخواتيم . .
يجعلك تستعذبين الألم . .
لأنك تبصرين من بعده الأمل . .
أحدٌ . . . أحد ..
منحة في محنة ..
حرّ الرمضاء . .
عاقبته ..
خشخشة في جنة عرضها الأرض والسماء ..
بخ . . بخ . .
إنها لحياة طويلة . .
والعاقبة للتقوى ..
خامساً : تعلمي أن تقول : لا
ليس . . لا(7/94)
لمجرد : الا
إنما من أجل أن تكوني صادقه في شعورك . .
عواطفك . .
خلجات نفسك . . .
الحياء خير كله ..
والحياء ..
حياة ..
فلا تقتلي عواطفك . .
ولا تئدي مشاعرك . .
بسلاح الحياء ..
فما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام ..
تعلمي كيف تقولي : لا
وأي وقت تقولينها ...
حسن قول ( نعم ) بعد ( لا ) .. وقبيح قول ( لا ) بعد ( نعم )
الإيثار ..
أن تعطي وأنت قادرة على المنع ..
وأعظم العفو . .
العفو عند المقدرة . .
لله ما أعظمها . ..
كلمة التاريخ . .
اذهبوا فأنتم الطلقاء ..
ثقتك بنفسك ..
تعني أن تعبري عن شعورك . .
بلا خجل ..
سادساً : عبّري عن أفكارك بوضوح لا بضجيج ..
إنك تستطيعي أن تعبّري عن أفكارك . .
وأن تُقنعي بها الآخرين . .
لكن عندما تكوني هادئة . .
متزنة ..
الضجيج . .
يلفت العيون نحوك . .
والهدوء . .
يأسر لك القلوب ..
يدعوه أبو الوليد إلى الكفر ..
فلا يضجّ أو يهتزّ . .
إنما قال في هدوء . .
أفرغت يا أ با الوليد . .
فداك أبي وأمي يا رسول الله . . .
يُستغضب . .
فيتبسّم صلى الله عليه وسلم ابتسامة المغضب . .
فهل أدركتم سرّ هذه الإبتسامة ..
يقوم عمر رضي الله عنه في الناس خطيباً . .
أيها الناس ...
اسمعوا وأطيعوا . .
فيقوم الشيخ الوقور . .
سلمان الفارسي ..
في هدوء النسمة . .
لا سمع ولا طاعة ..
كيف يلبس الناس ثوباً واحداً وتلبس ثوبين ..
فقال عمر يا ابن عمر أخبرهم الخبر ..
فقال الابن البار : إن أبي رجل طويل، ولم يكفه أن يلبس ثوباً واحداً حتى أعطيته ثوبي، فأضافه إلى ثوبه ..
قال الشيخ الوقور . .
الآن سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين ..
لكأني بهذا الشيخ الوقور ..
يقوم في هدوء وهو يخاطب الخليفة في أدب . .
لا سمع وطاعة ..
ترى . .
كيف لو ضجّ في المسجد بالعصيان ..
عبّري عن أفكارك بوضوح . .
واتركِ الضجيج . .
فإن أنكر الأصوات صوت الحمير..
حينها تزدادين ثقة بنفسك ..
سابعاً : اصنعي ثقتك من خلال حواسك ..
حواسك ..
هي منافذ إدراكك . .
بها تدرِكين . .
ومن خلالها تُدرَكين . .
تعلمي كيف توظّفين حواسك . .
لتبني ثقتك بنفسك . .
حدّقي ..
ارمقي ..
تعجّبي . .
أشيري . . .
تحركي .. .
كوني ساكنة . .
لكن بثقة . .
وظّفي حواسك . . .
في بناء الثقة ..
ثامناً : لا تنشغلي بما يقوله الناس عنك ..
قال الثوري - رحمه الله - :
من عرف نفسه لم يضره ما قاله الناس عنه مدحاً أو ذمّاً ..
لا تنتظري من الناس . .
مدحاً . .
أو ذمّاً . .
الناس لن يرضيها شيء . .
يقولون شذّ إذا قلت ( لا ) : : : وإمّعة حين وافقتهم
فأيقنت أنّيَ مهما أُرد : : : رضى الناس لابد من أن أُذمّ .
اخطي خطوتك . .
فقد حفظ التاريخ . .
واثق الخطوة . .
يمشي ملكاً ..
من راقب الناس مات غمّاً : : : فاز باللذة الجسور.
تاسعاً : بادري ...
لا تمجّدي إبداعات الآخرين . .
من غير أن تبادري بالإبداع. .
اسلي قلمك . . .
سرّحي طرفك . . .
أرسلي فكرك . .
اكتبي . .
سطّري . .
وجّهي . .
ابتسمي . .
ولو بشق تمرة ..
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ..
" لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " (الحديد:10).
عاشراً : اقنعي وارضَي وكوني مطمئنة...
عجباً . .
وأي عجب ..
إن أمر المؤمن كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ...
وليس ذلك إلا للمؤمن ..
و عجباً لك أيها المؤمن . .
بإيمانك . .
أنت أكثر الناس ثقة بنفسك . .
بيقينك . .
أنت أصدقهم في ثقتك بنفسك . .
برضاك . .
أنت أعمقهم ثقة واطمئناناً ..
فاقنَعي بالمعالي . .
وارضِي بالمقدّر المكتوب . .
وكوني مطمئنةً . .
تكوني أوثق من نفسك . .
رفعت الأقلام . .
وجفّت الصحف .
كاتب المقال: أ/ منير بن فرحان
================
الدعوة الفردية .. بداية الطريق
قضية حساسة ودقيقة تلك التي نتناول الإشارة إليها في هذه السطور..
إنها الدعوة الفردية التي هي من أصعب أنواع الدعوة، نظرا لحاجتها إلى دقة في التعامل مع النفوس، وصبر كبير و التزام ، ولا يقوم بحقها إلا من يسر الله له وفتح عليه.
سنحاول أن نتناول الدعوة الفردية في نقاط، نوجه خطابنا فيها إلى "الداعية"، في أي مكان تواجدت.
نقول وبالله التوفيق:
النقطة الأولى: ما الدعوة الفردية؟
الدعوة الفردية عبارة عن علاقة موجهة بين الداعية والمدعوة، قائمة على الاحتكاك المباشر والاتصال القوي، الذي يهدف إلى توجيه فكر المدعوة وسلوكها وفق المنهج الإسلامي.
فهي لا تحتاج إلى خطيبة بارعة، ولا إلى عالمة فقيهة، بل تحتاج إلى مسلمة ملتزمة بإسلامها فهماً وسلوكاً، تمثل وصف الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".
النقطة الثانية: في الداعية نفسها :
لأن الداعية هي عامل التأثير الأساسي، وشخصيتها هي مصدر التلقي لدى المدعوات؛ لذا وجب عليها أن تتسم بعدة صفات نقف عند أهمها فيما يلي:
1 – الإخلاص: فبهي يقبل العمل، وهو السهم النافذ الذي يحمل كلامك إلى قلب المدعوات، فـ "ما خرج من القلب وصل إلى القلب" كما يقولون.
2- القدوة قبل الدعوة: فإذا أردتي أختي الداعية أن تدعي إلى شيء فابدئي بنفسك فيه، وقد كان عبد الواحد بن زياد يقول: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه".(7/95)
ويقول الأستاذ سيد قطب: "إن الكلمة لتبعث ميتة وتصل هامدة، مهما كانت طنانة متحمسة إذا هي لم تنبع من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقوله حقا إلا أن يتحول هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيدا واقعيا لما ينطق به" .
غير أنه لا يفهم من هذا أن نقعد عن الدعوة حتى نتم إصلاح أنفسنا، فقد قال الحسن البصري رحمه الله : "لو لم يعظ الناس إلا المتقون، لما وجدنا في الناس واعظا" .
ولكن اجعل شعارك: " أصلح نفسك، وادع غيرك ".
3- الصبر الجميل: يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا كان يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وإسناده حسن.
فأنتي كالطبيب المعالج الذي يتعامل مع طبائع وشخصيات متفاوتة متباينة، فإن لم يكن لديه الصبر الكافي، سئم وترك مريضه عرضة للهلاك، وعلاجك ليس يوما وينتهي، بل فترة من الزمن غير قصيرة، تجتث فيها خبائث الصفات، وتربي فضائل الأخلاق.
النقطة الثالثة: مراحل الدعوة الفردية:
أما المراحل التي عليك اجتيازها لتصلي إلى مرادك فنوجزها فيما يلي:
أولا: التعارف:
الهدف من التعارف إيجاد صلة بينك وبين الناس، وإيجاد علاقة طبيعية تمكنك من التواصل معهم تحقيقا لمراد الله تعالى: "لتعارفوا"، وهذه الصلة في الغالب تكون متوفرة بشكل طبيعي عن طريق الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل، ومن خلالها تستطيعي أن تختاري من يمكن أن تكملي معه بقية الخطوات.
ثانيا: الاختيار:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة" رواه البخاري، وأنت تبحثين عن الرواحل التي تعينك في حمل هذه التبعة الثقيلة، ولكي تصلي إلى بغيتك، يجب أن تكون لك نظرة فيمن حولك، فلذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ بأبي بكر الذي ما لبث أن تعلم الدرس وراح يتحرك، فتخير مجموعة غدو من العشرة المبشرين بالجنة.
ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"رواه البخاري، وراح يطبق ذلك عمليا، فعمر بن الخطاب الذي قال عنه عامر بن ربيعة رضي الله عنه: "والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب" رواه الطبراني وإسناده صحيح، يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب"، قال: وكان أحبهما إليه عمر" رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
ولذلك فاختاري أختي الداعية :
- صاحبة الأخلاق الأساسية: (الكرم، الشجاعة، الإيجابية، روح المساعدة، الجدية...) ومن تلتزم بالعبادات وبعض الطاعات، ثم صاحبة الأخلاق الأساسية فقط، وهكذا.
- القريبة منك: سنا، سكنا، ثقافة، نفسية، ميولا، هوايات... إلخ.
- الأكثر استقرارا: اجتماعيا، اقتصاديا، دراسيا... إلخ.
- صاحبة الذهن الخالي من أي أفكار تضاد الفكر الإسلامي الصحيح.
وعندما تختارين أختي الداعية انتبهي لهذه النصائح:
- أكثري ملازمتها لتتعرفي على صفاتها أكثر.
- انتبهي لسلوكها مع الآخرين، لكي تعرفين شخصيتها وميولها .
- حاولي أن تقدمي لها كافة أشكال العون والمساعدة.
- لا تتدخلي في أمورها الخاصة.
ثالثا: التقارب:
لقد اخترت الآن هذه الإنسانة التي ستتقربين إلى الله تعالى بإرشادها إليه، فتذكري وصية المعلم الأول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم"متفق عليه، وفي رواية للحاكم: "خير لك مما طلعت عليه الشمس".
فاجعل شعارك في هذه المرحلة: "ابذر الحب تحصد الحب" حتى وإن كان لا يزال عاصيا، إننا نبذل الحب للمطيع فرحا بطاعته، فلماذا لا نبذله للعاصي أملا في توبته؟
وسائل للتقارب:
- تذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض"رواه مسلم.
- عليكِ بوصية ابن الخطاب رضي الله عنه: "ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه" وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند اختلف فيه.
- لازمي مفتاح القلوب: "تهادوا تحابوا " رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي بسند .
- تزاوري معها، فهذا يقرب بينكما أكثر، ويفضل لو تتعرفي على والديها.
- شاركيها في أفراحها وأتراحها، ولا تنتظري أن يطلب منك ذلك.
نصائح مهمة:
- إياك ونقد تصرفاتها المختلفة.
- اشكريها على أي مساعدة تقدمها لك مهما صغرت.
- حذار أن تلغي رأيها أو تفكيرها، بل اتركيها تعبر عن رأيها وتخالفك وتعارضك، واقبلي ذلك بصدر رحب، فهذا هو منهج الإسلام.
- راعي ميولها وهواياتها ورغباتها، واحرصي على تشجيع النافع منها.
- إياك من محاولة تحويلها إلى نسخة منك، بل حافظي على استقلاليتها وخصوصيتها وطبيعتها الشخصية.
- لا تفصليها عن أسرتها ومجتمعها وواقعها، بل احرصي على انغماسها فيه مشبعةً بإيمان وعقيدة ثابتتين، وقلب متوهج بالعمل وحب الخير للبشرية جمعاء.
رابعا: إيقاظ الإيمان:
لا أظن أختي الداعية أن تستغربي هذا المصطلح..
نعم فكل ما عليك فعله هو أن توقظي أصل الإيمان، النائم خلف ركام من الذنوب والشهوات
والشبهات في قلب المدعوات، وأن تزيحي هذا الركام عن هذه الصفحة البيضاء المستقرة في أصل فطرتهن.
وسائل مساعدة:
- استغلي المواقف الطبيعية لتذكيرهن بقدرة الله وعظمته، مما يوجب محبته وخشيته.
- اجتهدي على تعريفهن بصحبة طيبة تعينهن وتعينك.(7/96)
وتذكري دائما الحديث القدسي: "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"رواه البخاري.
نصائح:
- استعيني بكتب وأشرطة الرقائق، والتي تتناول مظاهر قدرة الله، والجنة والنار، وقصص التائبين، وما إلى ذلك.
- وضحي فضائل الأعمال باستمرار وحضي عليها.
- نوعي وسائلك في إيقاظ الإيمان ولا تركزي على شيء واحد.
- أكثري من الدعاء لهن بظهر الغيب.
- تعرفي على أخلاقهن الحميدة وامدحيها واربطيها بالإسلام، وضعي خطة لمعالجة أخلاقهن السيئة.
- لا تفرطي في الترهيب، وابدئي بالترغيب دائما.
- لا تطلبي المثالية أو الالتزام الكامل، وعليك بالتدرج.
- ابدأي بالفرائض وركزي عليها ثم خذي من النوافل قدر المستطاع.
خامسا: المفاهيم:
وهي تشتمل على:
أ- شمولية الإسلام:
- وسعي آفاقها في فهم دينه.
- أوضحي لها كيف أن الإسلام قائم على أساس الفطرة السليمة، من أن الله استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها وفق منهج رسمه الله له، وأن هذا المنهج يشمل كافة أشكال النشاط الإنساني، ولم يترك منها شيئا.
- استعيني بما يفيد في ذلك من الكتب، مثل : (شمولية الإسلام للدكتورالقرضاوي- أصول الدعوة للدكتورعبد الكريم زيدان- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للأستاذ أبو الحسن الندوي- القيم الحضارية في رسالة الإسلام للدكتور محمد رأفت عثمان- من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي).
ب- شمولية العبادة:
اخرجي بهن عن المفهوم الضيق الذي حصر الناس معنى العبادة فيه، فاجعلي شعارك وشعارهن: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
وذلك عن طريق:
1- أكثري من التذكير بالنية، خاصة عند الأمور الحياتية العادية، مذكرةً بفضل الأُخوة في الله تعالى، شارحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"متفق عليه.
2- استفيدي من سيرة النبي صلى الله عليه في عمله ودعوته وبذله.
3- اصطحبيهن لحضور بعض المنتديات واللقاءات والمحاضرات الهادفة.
4- شجعيهن باستمرار على القراءة والاطلاع المستمر، ومن الضروري هنا أن يدرسن العقيدة الإسلامية الصحيحة، وأن يحزن قدراً معقولا -على الأقل- من العلوم الشرعية، وأن يقرأن في السيرة والتاريخ وقيم الإسلام الحضارية، كما عليهن ألا يغفلن القراءة في المجالات المختلفة من العلوم المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكذلك في حضارات الشعوب والأمم.
5- حثيهن على متابعة الأخبار يومياً، واستطلاع أحوال العالم من حولهن.
6- احرصي على أن تحقق في نفسها بعض الصفات الإسلامية الأساسية، مثل: حسن الخلق، الثقافة، صحة البدن، نفع الغير، الحرص على الوقت، التنظيم في حياتها وشؤونها...
ج- واقع المسلمين اليوم:
- وضحي لها ما يعانيه المسلمون في كل مكان: فلسطين، الشيشان، كشمير...
- ذكريها بمبشرات النصرمن الشرع ومن الواقع.
- اتفقي معها على ضرورة العمل للإسلام، ولمساعدة أخواتها في كل مكان، بداية من ضرورة كونها مواطنة مسلمة صالحة.
- استعيني بالأشرطة والكتب التي تتناول قضايا المسلمين.
د- وجوب العمل للإسلام:
تأتي الآن الخطوة الفعالة التي هي الثمرة الطيبة للعمل الصالح، الذي تم الصبر والمثابرة عليه في المراحل السابقة كلها..
- أن تعرف أن عليها تجاه هذا الدين واجبا يجب القيام به.
- بيني لها فرضية العمل للإسلام، وأن ذلك واجب عليها كمسلمة.
- بصريها بواقع الدعوة يوم بدأت، وكيف أنها لولا تحرك المؤمنين بها ما وصلت إلينا.
- أشركيها معك في أعمال الخير؛ لتتذوق حلاوة العمل لله.
- أرشديها إلى القيام ببعض المهام الدعوية البسيطة التي تكسبها ثقة في نفسها، وتفتح قلبها للعمل لله..
- يجب أن تتفهم أن على الإنسان العمل، وليس عليه النتائج حتى لا يدخل في قلبه اليأس.
كانت هذه محاولة لتقديم هذا الأسلوب الدعوي، وهو أوسع من أن تحتويه هذه السطور.
نختم محاولتنا هذه بإجمال القول في أن الدعوة الفردية تقوم على:
- حسن الانتقاء.
- إجادة التواصل.
- إتقان التربية والتثقيف والتعليم.
- توثيق الربط بالمجتمع والواقع والتأثير فيه.
- وقبل كل ذلك وفيه وبعده.. إخلاص الدعاة عملهم لوجه الله.
المصدر: إسلام أون لاين - بتصرف
===============
وسائل وأفكار لدعوة النساء
1- فسح المجال أمام مشاركة النساء في وضع خطط الأعمال والمناشط الدعوية، مثلاً جدول المحاضرات والدروس في الحي يُستشرنَ فيه، ويطلب منهنّ وضع تصوّر مقترح للموضوعات التي ينبغي الحديث عنها ومعالجتها .
أما أن تكون كل مناشطنا تقف عند مخاطبة النساء بالحجاب فقط، فهذا فيه تقصير في دعوة النساء.
2- طرق مجال المواقع المتخصصة للمرأة، وتقديم الدعوة عبر هذه الخدمات، مثلاً موقع لأفكار التجميل، ينبه فيه على المحظورات الشرعية في الزينة، وهكذا ...
3- من المعلوم من واقع التجربة الدعوية، أن المرأة أقدر من الرجل في الكثير الغالب على إصلاح الأسرة، وحينما تُقارن جهودها مع الرجل في إصلاح المعوجّ نجده أبلغ أثراً.
فلو أقيمت دورات تخصصية في كيفية تربية الأبناء تربية صحيحة، وفي كيفية معاملة الزوج بمقتضى الشرع، وكيفية المحافظة على طبْع المنزل بطابع الإسلام والإيمان .(7/97)
4- كم رأينا من الأخوة الملتزمين من يسير مع أهله، ومشيتها لا تناسب وقارالحجاب الذي تلبسه، ولعل هذا من مظاهر انتشار الدعوة بين الملتزمين كمّا لا كيفاً .
5- عدم الاقتصار في دعوة النساء على الأمر بالحجاب وطاعة الزوج فقط، بل ينبغي أن تشمل برامجنا مختلف ما يطرح في دعوة الرجال، مما هو مشروع في حقهن، حتى تأخذ المرأة دورها في كل ميدان رسمه لها الشرع .
6- تفعيل دور المرأة في جعل الكتب للقراءة، لا للديكور المنزلي، وذلك بتدريبها على البحث عن معلومات، وإشراكها في تحضير الدروس والمحاضرات.. إلخ.
7- إقامة دورات من واقع اهتمامات النساء غير الملتزمات، هدفها التفقه في ما يحل ويحرم، وتوجيهها شرعيا، مثل : دورة في تجهيز العرائس ...إلخ.
8- وضع برنامج دعوي متكامل، لدعوة العاملات بالمنازل في محيط الأقارب والجيران، ومتابعة تنفيذ هذا البرنامج.
9- استغلال حب الطبخ لصالح الدعوة، بعمل أكلات خفيفة، وترسل إلى الجيران أو العمالة ويرسل معها كتيب أو شريط .
10- تفريغ الدروس من الأشرطة، وجعلها في متناول طلاب العلم، تشجيعاً للملقي على طبعها بعد تنقيحها، وكذلك تفريغ المواد المناسبة وإرسالها لخطيب الحي، للاستفادة منها.
11- إقامة درس أسبوعي للجارات، وحثهن على الخير، ولو عن طريق الهاتف لأحد الدعاة في المنزل.
12- تعويد الطفل على اقتناء دفتر خاص، يكتب فيه المفيد من العبارات والحكم، ينقلها من الصحف أو من الأشرطة التي يسمعها أو من المدرسين، وكلما ملأ ثلاث صفحات يطلب منه قراءتها، ويثبت الجيد منها، فينمو فيه حب الكتابة والإملاء.
13- وضع سلة مزينة ومغلفة بها بعض الأشرطة بطريقة تغليف الحلوى، وتقديمها للضيوف يجعل للزيارة طعمها الخاص،(متوفرة في التسجيلات ).
14- تقديم أشرطة وكتيبات مع هدية العروس، ومع حلوى الفرح.
15- عمل برنامج للنشاط النسائي خاصة برمضان، يعلق في مصلى النساء .
16- ترك الزوجة بعض الأشرطة النافعة في سيارة الزوج، وتعهدها واستبدالها .
17- إعداد طبق شهي لأهل الزوج عند اجتماعهم في المنزل، إرضاء للزوج، وإدخالا للسرور على المسلمين، وتقربا إلى الله بسبب من أسباب دخول الجنة وهو إطعام الطعام.
18- عند دخول وقت الصلاة تظهر لباقة الزوجة، ولطفها في إنهاء الجلسة، وإنهاء الحديث مع الزوج أو ملاعبة الأطفال، لتشعر الجميع بأهمية وعظم قدر الصلاة، وتعين الزوج على إدراك تكبيرة الإحرام.
19- كسب قلب الزوج، بأن يحس أن الزوجة تتعلم منه، وذلك بسؤاله عن بعض أمور الدين، ومناقشته بتواضع وأدب التلميذ مع أستاذه، وفي هذا الأسلوب غير المباشر حافز له على الاطلاع والاستزادة وسؤال أهل العلم، والتحضير لأسئلة التلميذة (أم الأولاد !).
20- تعرف الزوجة على مواطن الإبداع في الزوج، ينميه ويباركه ويُستثمر لصالح الدعوة .
21- إهداء البنت الخمار، والسجادة للصلاة، له أعظم الأثر في نفس البنت.
كاتب المقال: إعداد مركز الدعوة والإرشاد بمكة
المصدر: صيد الفوائد
================
كيف تستثمرين الحج دعوياً؟
ماهي إلا أيام قلائل ونكون ضمن موسم من مواسم الطاعات الجلية، موسم الرحمة موسم الألفة، موسم امتزاج الثقافات وانصهار المقاصد لتتبلور في مطلب واحد إرضاء الرب ونيل رحمته ..
إنه موسم الحج الأكبر، موسم لن تنسى معه البشرية جمعاء ذكرى حجة الوداع، ذكرى وصايا ما قبل الرحيل للمصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كان للمرأة منها نصيب تعيش مستظلةً به إلى الأبد.
ويكون السؤال ماذا أعدت المرأة عموماً، والمرأة الداعية بشكل خاص لهذا الموسم؟
هل يمر هذا الموسم العظيم على المسلمين دون أن يستثمر؟ وهل تمضي السنون وتجئ الجموع تلو الجموع، وتذهب دون أن يضاف إلى الرصيد المعرفي والإيماني شيء؟ ودون أن يتم التعارف الأخوي الذي يزيد الإيمان؟ وكيف يغيب عن ذهن المسلمين استثمار هذا الحشد الكبير في تأصيل الانتماء والحرص على سلامة النهج؟
إننا لانتحدث عن أن يكون كل وقت الرحلة دروساً ومواعظ، فالصحيح هو أن يتخللها وقت للّقاءات الاجتماعية الناضجة التي تقرب النفوس، وتعزز التعارف لمستقبل علاقات إيمانية طيبة، يتم فيها التعاون على نشر الخير، وأيضاً يكون فيها وقت للصلاة وقراءة القرآن والقراءة ..وغير ذلك من العبادات، ولابأس بقليل من الترفية المشروع خلا أوقات الراحة.. ويبقى أن تتذكر الداعية أن الحج المبرور ليس لهُ جزاء إلا الجنة، فكيف إذا اقترن بالدعوة؟!
البرنامج الشخصي للداعية :
ومن عظيم ما يجب على الداعية:
أولاً- التزود بالفقه، كمراجعة شرح لكتاب في الحج من كتب الفقه، مثلاً: شرح الشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله لكتاب الحج من( زاد المستقنع) مع السؤال عما أشكل .
ثانياً- الاستماع لبعض الأشرطة .
ثالثاً- المدارسة مع إحدى طالبات العلم .
رابعاً- الحرص على حضور محاضرة ولو واحدة على الأقل عن الحج، وخصوصاً إذا كانت عن الفوائد التربوية في الحج.
خامساً- الحرص على اختيار الرفقة الصالحة .
سادساً- تفقد الأهل والأقارب وحضهم على اغتنام فرصة الحج، خصوصاً من لم يحج الفريضة.
سابعاً- المشاركة التطوعية في مكتب الدعوة .
ثامناً- زيارة بعض الحملات المجاورة إن أمكن ذلك.
تاسعاً- الحرص على اصطحاب مجموعة من الكتب والمطويات بلغات مختلفة، لتوزيعها في أيام الحج، لا سيما في الأمور التي يكثر الاستفتاء حولها لدى النساء، كمسائل الحج والطهارة والصدقة، ولكن ينبغي الحذر من الفتوى بلا علم.(7/98)
عاشراً- الحرص على رعاية الفتيات الصغيرات اللواتي أتين بدون الأم أو أحد القريبات، من خلال تفقد أحوالهن، والتأكد من صحة الطريقة التي أدين بها النسك واحداً تلو الآخر.
ثم إن الحج ضمن حملة منظمة تتوفر فيها كل أسباب الراحة، فرصة كبيرة للدعوة والتأثير على الناس، وبناءً علية فإنه من الواجب على أصحاب الحملات أن يحرصوا على استقطاب الداعيات المتميزات، واللواتي يعرفن بالحنكة الدعوية، لأن فترة الحج كما يُعلم جد قصيرة، وبحاجة إلى داعية لدية القدرة على انتقاء المواد المناسبة.
متمنين لكل داعية حج مبرور، ورسالة مكللة بالنجاح بإذن الله.
كاتب المقال: تحرير الموقع
==========
كيف تكونين مشرفة حملة حج ناجحة ? ( 1/2 )
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد..
يسر اللجنة العلمية بموقع مسلمات أن تقدم للأخوات المشرفات على حملات الحج دورة : (كيف تكونين مشرفة حملة حج ناجحة)، للأستاذة أناهيد بنت عيد السميري،مديرة المعهد العلمي العالي لإعداد معلمات القرآن والسنة بجدة. والتي أقيمت بقاعة المعهد العلمي عام 1422هـ
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ..
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد :
لا شك أن الحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات ، لأنه أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ، والتي لا يستقيم دين العبد إلا بها .
نلتقي بكن أخواتي في هذه الدورة :
كيف تكونين مشرفة حج ناجحة ،والتي نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا للصواب في القول والعمل
الفئة المستهدفة:
مشرفات حملات الحج، واللاتي يخرجن من أجل دعوة الحجاج إلى الله وتوجيههم .
أسباب القيام بمثل هذه الدورة :
لهذه الدورة عدة أسباب نورد منها :
1. أن الحج من أهم مجالات الدعوة إلى الله ، والتي تشترك فيه كل العوامل لإنجاح الدعوة .
2. ظهور الدعوة النسائية في الحج، وأثر المرأة القوي في مجال الدعوة.
3. أن اختيار مشرفات الحملات كثيرا ما يكون بلا ضوابط وشروط، اعتمادًا في بعض الأحيان على قريبات المشرفين من الرجال، أو أصحاب الحملات، دون الالتفات إلى صلاحيتهن للدعوة والإشراف.
مما لاشك فيه أن الحج فرصة جيدة وثمينة للدعوة إلى الله ، فالناس في الحج مقبلين لا مدبرين ،وتعتبر مدة الحج طويلة من حيث الاحتكاك بهم والتواجد معهم طوال اليوم ، فالحج بيئة خصبة للعمل الدعوي، إذ بطول الخلطة تظهر نقاط الخلل وتتعدد أساليب النقاش والاتصال ، وهذه ميزة لا تظهر في أي اجتماعات أخرى .
وهنا نلفت النظر إلى أن أساليب الدعوة في الحج مختلفة وهي غاية في الدقة ، خصوصًا وأن حال الناس يظهر منه التجرد الكامل لله تعالى وتكون القلوب فيه منكسرة, والجميع مقبل على الله متلبّس بإحرامه، ساعٍ في تكميل حجه بعيدًا عن الجدل والرفث والفسوق .
وعليه نقول : احرصي على الدقة والحكمة في الطرح ، فأنتِ ومن حولك في أوضاع خاصة .. واعلمي أنَّ من أهم أسباب انتكاس الأمة ورجوعها للوراء هو الحماس غير المنضبط من قِبَل من تحمَّل مسؤولية الدعوة إلى الله .
فتجدي من الدعاة هداهم الله ، من عندهم الحماس والاندفاعية للدعوة، والذي ينتج عنه الانطلاق للدعوة بلا منهجية, وهذا لا فائدة فيه ، بل ضرره أكثر من نفعه .
لذلك اعلمي أخيتي أنَّ : الحماس في الدعوة إذا لم يُضبط بالعلم الشرعي فإنه لا قيمة له.
فاحذري من أن تُعرَضَ عليك مسؤولية الإشراف على حملة حج فتوافقي دون تفكير، إذ إنّ الإقدام على مثل هذه المسؤوليات يحتاج إلى الكثير من بذل الجهود والكفاءة في الإرشاد .
ما معنى النجاح في الإشراف على حملة الحج ؟
كل مشرف يأمل في نجاح الإشراف على الحملة ويسعى في ذلك حثيثًا ..
فهل النجاح يتحقق بمجرد وصولك للحجاج ؟
أم بقبول الحجاج لكِ ؟
أم بتغير وضع الحجاج ؟
أم بحصول التفاعل الاجتماعي والخروج بعلاقات اجتماعية ؟
عندما تخرجين دون العلم بمعنى مسؤولية الإشراف على حملة الحج، قد ترجعين وفي نفسك الشعور بالرضا عن نفسكِ وعملكِ، لعدم وجود مقاييس صحيحة لديك للنجاح .
[ فقدان الميزان الصائب للنجاح يولِّد عدم الإحساس بالفشل ].
لذلك يجب أن نتفق على معنى النجاح في الحج.
أولا : معنى النجاح في اللغة :
النجاح لغة : الظفر بالشئ .
نجح أمره : تيسَّر وسهل فهو ناجح .
والنجاحة : الصبر .
إذًا : النجاح هو الظفر بالشئ والوصول إليه ، ولا يأتي إلا بالصبر .
ماهو الشئ المظفور به ؟ [ الهدف ]:
نخلص من ذلك إلى أن مفتاح الوصول لنجاح حملة الحج هو : تحديد الهدف.
أحيانا نضع أهدافا أكبر مما نستطيع فنشعر بالفشل،وأحيانا نضع أهدافا أقل من القدرات والإمكانيات (قصيرة المدى) فنشعر بالنجاح لأقل تصرف،وأحيانا نخرج من غير أهداف ونرجع بشعور النجاح مع أن الواقع عكس ذلك.
وفي كل هذه الحالات الثلاثة أكون قد أخطأت في حق نفسي وفي حق من أنا مسؤولة عنه .
اعلمي أيتها الداعية أن هناك أهدافا كبيرة لا يمكن الوصول إليها مثل :تغيير حياة الحاج من حيث تفكيره وسلوكه معا.
فلا تتوقعي هذا أبدا فإن الله أخبرنا أن الداعي يملك نوعا واحدا من أنواع الهداية وهي هداية الدلالة والإرشاد .
فالهداية تنقسم إلى قسمين:
1- هداية التوفيق : وهي بيد الله وحده .
2- هداية الدلالة والإرشاد : وهذا دور الداعية إلى الله تعالى .(7/99)
معنى ذلك أن دور مشرفة الحج يطابق دور الداعية. والنجاح في الحج لا يمكن أن يكون مقطوعا عن النجاح في الدعوة طوال العام ، فهو لن ينجح في دعوته في الحج فجأة ، إنما هو تكميل دور يقوم به طوال العام ، ففي الحج يغتنم التوقيت حيث القلوب المقبلة والمناسك المشروعة.
إذًا : ما الهدف من وجود التوعية في الحج ؟
الهدف من التوعية في الحج :
- مساعدة الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الصحيح .
- اغتنام فرصة التجرد لربط القلوب بالله وحده .
وهذا هو دور الداعية إلى الله .
* كوني داعية *
الأصل أن تكوني في كل العام داعية إلى الله ، ثم يأتي الحج فيكون فرصة للدعوة والتوجيه، لا اختلاق الفرصة .
فالخطأ الحاصل هو الانشغال عن الدعوة طوال العام، ثم في الحج تريد أن تكون داعية .( وفي الحج فقط ) .
لماذا يجب أن أكون داعية ؟
إلى ماذا يجب أن أدعو ؟
أين تكون الدعوة ؟
متى تكون الدعوة ؟
مع من تكون الدعوة ؟
كيف تكون الدعوة ؟
لماذا يجب أ ن أكون داعية ؟
1- امتثالا لقوله تعالى: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [ العصر :1/3]
2- لكي تسلمي من الخسارة وتكوني من أهل النجاح يجب أن تتصفي بأربعة صفات :
1- الإيمان بالله ـــ " آمنوا "
2- العمل الصالح ـــ " وعملوا الصالحات "
3- الدعوة إلى الله ـــ " وتواصوا بالحق "
4- الصبر على الأذى في ذلك ـــ " وتواصوا بالصبر "
فالإيمان الناتج عن العلم والعمل الصالح، والدعوة إليه والصبرعلى الأذى فيه ،هو سبيل النجاح والبعد عن الخسارة ..
ما معنى الدعوة إلى الله ؟
الدعوة لغة : الاستمالة، من الدعاء وهو النداء والاستمالة والحثّ على الشئ .
فالداعية إلى الله موقفه من الدعوة موقف استمالة وحثّ ، وهذا يلزم منه حرص الداعية على المدعو ، فهو يستميله حرصًا على نفسه أولا وحرصًا عليه ثانيا .
عرَّف شيخ الإسلام ابن تيمية الدعوة إلى الله :
بأنَّها : " الدعوة إلى الإيمان بالله ، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به ".
هذا الضابط في التعريف من أهم الضوابط التي تحكم مسألة الدعوة إلى الله ، فإذا كنا لا نعرف ما الشئ الذي أَخبر به الأنبياء وما الشئ الذي أمروا به ، فلأيِّ شئ نخرج إذًا ؟ وماذا سنعلِّم الناس ؟؟
لذلك نعترض على كلمة : ( الجذب المجرَّد ) في مفهوم الدعوة ، فنجذب الناس بأساليب اتصال مختلفة ، ثم نفشل في تغذيتهم بالعلم النافع فتفشل المهمة الرئيسية ..
وعليه اعلمي أختي الداعية أنّ :
معرفتك بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله , وبما أمر به هو أصل خروجك للدعوة .
[ بالاتفاق أول خطوة للدعوة إلى الله : طلب العلم الشرعي ]، وهذا الطلب لا يكون خبط عشواء , إنما بأسلوب منهجي مؤصَّل .
لماذا ندعو ؟
1- استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم : " بلِّغوا عني ولو آية " .
2- لأن الدعوة سبيل أتباع الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، قال تعالى:
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[يوسف: 108]
3- لكي تعذري أمام الله يوم القيامة ، قال تعالى:
{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }[الأعراف :164]
فالمتأمل يجد أنه يدعو لأجل نجاة نفسه أولا قبل غيره .
4- لتصلحي ويصلُح بكِ المجتمع :
عن النعمان بن بشير رَضِيِ اللَّهُ عَنْهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:
" مثل القائم في حدود اللَّه والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
5- لعظَم جزاء الداعي إلى الله، فالداعية من أحسن الناس قولاً, قال تعالى:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت : 33]
* وللداعي مثل أجور من تبعه ، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم .
* ولاستمرار ثواب الداعي بعد موته ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة ، إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .
6- طلبًا للنجاة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى
{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الأنفال: 25]
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية :(بل تصيب فاعل الظلم وغيره ، إذا ظهر العلم فلم يغير فإن عقوبته تعمُّ الفاعل وغيره, وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر وقمع أهل الشر والفساد,وأن لا يُمكَّنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن) . اهـ
7-لأن الإنسان بطبعه داع لما يؤمن به .
فالدعوة دلالة المحبة والإنسان بطبعه داعِ لما يؤمن به ، انظري إلى ما يقع في المجالس فنحن دعاة إلى ما نحب من ملبس أو مأكل أو تسوق .(7/100)
8- لكي يسمع الناس الحق ، فلا ينقلب الحق باطلا والباطل حقًا لسكوتنا .
سبب انتشار الباطل ترك تعليم الحق وبيانه، ولا يصدّنك عن ذلك عدم قبول المنتصحين، بل يكفي إسماعهم صوت الحق ، والنصوص في ذلك كثيرة منها قوله تعالى:
{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }[النور:54]
9- لأن أهل الباطل يبذلون جهودهم مع دناءة أهدافهم ، وأهل الحق أوْلى بالبذل.
والواقع يشهد بذلك , فجهود أهل الكفر لا تتوقف , بل جهود أهل البدعة لا تكلّ ولا تملّ، فأين جهود أهل السنة ؟!
يقول الله تعالى:
{ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104]
فإذا تساوت الآلام واختلفت الآمال ، فمن كان رجاؤه بالله صحّ له الاندفاع والثبات بخلاف غيره .
10- ليحصل الأمن العقلي والحصانة الفكرية:
قال تعالى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]
فالشرط أن يكونوا مُصلحين ولا يكفي أن يكونوا صالحين ، لذا تجدي أن أهل السنة والجماعة يُقعِّدون القواعد ويدفعون الشُّبه على طريقة السلف، ولا ينتظرون وقوع الإشكال ثم يردُّون، بل ُيعلِّمون ويؤسِّسون أصول هذا الدين فإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف علموا إلى من يردُّوه وتحت أي قانون عام يضعوه ، فإنه : لن يُصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها .
واعلمي أن للعلم لذة يتنافس عليها حتى أهل الجنة ، لذلك جعل الله العلم من العبادات .
11- كوني داعية ولا تكوني منهزمة نفسيًا تخجلين من الدعوة إلى الدين .
لا تتوقفي لأنك تخجلين من الدين بل الشريعة هي الحضارة ، وكل ما سواها رجعية وانتكاسة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا يمنعنَّ رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه ) [ الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ]
فمجال الدعوة المتاح لك في الحج هو إظهار آثار الشرع عليكِ، فلا تهتمي بالمظاهر لأنكِ متجردة وهذا عكس ما يحصل في الحج ، نخرج متجردين لكن نتيجة الانهزام النفسي أمام الناس أتركه وأبالغ في التزين في أيام العيد ، وهناك حجة واهية وهي : المبالغة في التزين لأجل أن لا يقال إن أهل الدين غير متطورين وكلمات نحوها ..
نحن لا نقول اتركي التجمُّل بالكلية ، لكن اعلمي أن التجرُّد من أهم مظاهر الحاجّ .. وما المبالغة من قِبَل المشرفات في التزين خاصة أيام التشريق إلا أحد مظاهر الانهزام النفسي ..
لأنها تؤمن بالمأمورات لكن تخشى الانتقاد عند قيامها بما تراه صحيحًا ..
إلى ماذا ندعو ؟
هذا قانون موضوع مسبقا لا اختراعا ، وقد تواردت النصوص وتكاثرت عليه.
عن ابن عباس؛ أن معاذا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعو لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ،فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ،واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"رواه مسلم .
- يظهر من الحديث أن هناك شيء أول وهناك شيء ثان ، فإذا صح الأول صح الثاني .
- وفيه دلالة على أن أول ما يدعى إليه هو توحيد الله ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ) .
لو سألت أحدا عن شروط الصلاة ، الزكاة ؛ سيجيب غالبا ، لكن قل أن تجدي من يعلم شروط لا إله إلا الله السبعة : ( العلم – اليقين – القبول – الانقياد – الصدق – الإخلاص – المحبة ) ، لذا فإن أول أوجه المسؤولية في الدعوة، العلم بأصول المعلوم مع وجود الدليل عليه ، ومن أهمها شروط الدخول في هذا الدين- شروط لا إله إلا الله -، وبحفظك لترتيب الشروط تستطيعين شرح درس عن " محبة الله " فالمحبة شرط ونتيجة تحقق الشروط الباقية .
- ومما يشار إليه في الحديث عن التوحيد؛ الحديث عن نوا قض هذا التوحيد وهذا الدين، فجملة من الناس يعتقدون أن كل من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، والصحيح : أن مجرد القول لا يكفي بل يرد الحديث الأول للحديث الثاني : " فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ " رواه الشيخان .
ومعناه من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ، موقنا بها ، وكفر بما يعبد من دون الله . وأول هذه النواقض : الشرك بالله . وقد أخطأ من اعتقد أن الشرك ينحصر في عبادة الأصنام ، وأنه لم يعد شرك في هذا الزمان مادامت لا تعبد هذه الأصنام المجسمة .
فالمتأمل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد التحذير من الشرك، حتى أنت أيها الحاج أمرك الله بتوحيده في الحج ، فالحج مدرسة التوحيد،قال تعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [البقرة: 196]. قال أهل العلم : وفيه الأمر بإخلاصهما لله تعالى .
وفي سورة الحج ذكر الله في سياق الكلام عن الحج الشرك والتوحيد ، في أربعة مواطن ، وفيه دليل على أن الحج حقيقة مدرسة للتوحيد،قال تعالى : *(7/101)
{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، أمر الله إبراهيم عليه السلام أن لا يشرك به شيئا بأن يخلص لله أعماله ، هذا وهو إمام الموحدين فكيف بمن دونه ؟
{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ِ}[ الحج :30]
فتعظيم حرمات الله شطر التوحيد ، لأن التوحيد تعليق وتعظيم ألم تسمعي { ما لكم لا ترجون لله وقارا } [ نوح : 13]
* { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[ الحج :30] نهى عن الشرك صراحة .
{ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } [الحج :31]، دعا إلى التوحيد ثم ضرب لذلك مثلا : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج :31]
إذًا ندعو إلى التوحيد ثم ننتقل للباقي ، ففي الخمسة أيام إن حقق التوحيد من جهة وصحح من جهة أخرى خرجنا بمفازة عظيمة، لأن العبادات كلها تدور حول التوحيد ولا يصلح آخرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
فالأمة لن تتقدم ولن يجتمع صفّها مع افتراق مفهوم التوحيد ، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حديث معاذ : (وفيه البداءة بالأهم فالمهم) .
فالصلاة مهمة والتوحيد أهم ,وترك المعاصي مهم لكن ترك الشرك أهم . لذا فهّمي التوحيد بالأدلة ، ولا تتكلمي عن المسائل الفردية بل عما تعم به البلوى ، وذلك للحصانة الفكرية من جهة ، وفي المقابل قد يكون البعض واقع في المخالفة أو المجتمع من حولها، فأعلِّمها لحل مشكلتها الشخصية من جهة ومن جهة أخرى أحصنها للمستقبل .
فلو تكلمت عن السحر وحكمه لا تتوقعي عدم أهمية الموضوع، بل الواقع يشهد أن من النساء من يقترب من مسألة السحر ولو من باب الاطلاع، مع عظم جرم الذنب فهو كبيرة من الكبائر .
كيف نعرف الأهم فالمهم ؟
معرفة الأهم فالمهم مصدرها التشريع وليست العقول والأقيسة ، ثم إن دعوة الرسل حددت الأهم فالمهم .
يوسف عليه السلام قال : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِد القهار} [يوسف:39]
وإبراهيم عليه السلام قال : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ}[مريم :42]
وعليه يتبين أن أول المسائل التي يدعى إليها :
1- معرفة الله بأسمائه وصفاته .
اطلعي على مراجع، وابحثي في معاني أسماء الله وصفاته بحثا جيدا؛ حتى لا تخرجي وتسألي عن معناها فلا تعرفي ما معنى اسم الله الصمد !
من المراجع : (شرح معاني أسماء الله الحسنى / لسعيد بن وهف القحطاني ، النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى / لمحمد النجدي).
2- معرفة شريعته سبحانه الموصلة لدار كرامته .
تتعلمي الشرائع وتعلميها .
ما هي الشرائع التي نعلمها الناس ؟
نعلمهم المناسك وما يسن فيها ، والتنبيه على البدعيات والشركيات ، كذلك نعلمهم مسائل مهمة في حياتهم مثل: صفة الوضوء والصلاة .
3- معرفة الثواب للطائعين والعقاب للعاصين .
فشوقيها للحج أولا ثم شوقيها للطاعة ، فهميها أن الحج جهاد المرأة ويجب أن يكون مبرورا.
متى ندعو ؟
ندعو في كل وقت كفعل نوح عليه السلام: { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح :5].
في أصعب المواقف وأشدها كفعل يوسف عليه السلام في السجن: { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِد القهار} [يوسف:39]
ندعو في كل الأوقات، لا تبخلي على نفسك أيًا كانت مسؤوليتك، إدارية أو محاضِرة، مادمتِ عالمة بما تدعين إليه، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ..
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى بعض المخالفات التي تقع في القسم النسائي من المخيمات .. ومن ذلك:
1. الأصوات العالية من النساء .
اعلمي رعاك الله أن هذا المكان ما أقيم إلا لتعظيم حرمات الله فيه، ومن تعظيم حرمات الله : إظهار الذل لله تعالى ، ومن مظاهره خفض الصوت .
لذلك منع الشارع الجدال في الحج لعدة أسباب :
أ) لأن الحاج يتخلى عن الدنيا ويقبل على الآخرة ، فلا يدخل في نقاش غير لائق مع أحد .
ب) رفع الصوت من المجادل مما يناقض الذل الواقع في قلبه .
ج) رفع الصوت في الحج يجب أن يكون في عبادة، واستدل أهل العلم في هذا بحديث :
(أفضل الحج العج والثج)، رواه الترمذي. والعجّ : رفع الصوت بالتكبير .. وبما أن رفع الصوت في الحج عبادة إذًا رفعه في غيره مخالفة ..
2- وبالمناسبة إذا كان رفع الصوت ممنوعا فإن الضحك بصوتٍ عالٍ من باب أولى، سيما عند التجمعات النسائية في الحملة .
وقد كان أقصى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبدو نواجذه ، معنى ذلك أن رفع الصوت بالضحك والقهقهة مما يخالف السنَّة .
أختي حفظك الله : الصلاح والإصلاح ليس في حملة الحج فحسب ، بل تحمل المسؤولية تبدأ من هنا ، باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال .
كيف ندعو :
عن طريق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، واتباع الدليل الصحيح بالأسلوب الأمثل اللائق بالدعوة إلى الله، الموافق للأصول والمقاصد الشرعية، خصوصًا في هذا الزمن ومع تطور الوسائل وتعددها، أصبحت هناك طرق متعددة للدعوة من وسائل الاتصال المختلفة، كالهاتف والحاسب والشبكة العالمية وغيرها..(7/102)
امتثلي قوله تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف: 108
فمن الخطأ رسم مخطط لسير الإشراف على الحملة والتوعية في الحج، ثم أجعل أهم أهدافي تطبيق هذه الخطة الدعوية بدقة وفي الأوقات التي حددتها من قبل، دون النظر إلى المستجدات الحاصلة، بل كوني غاية في المرونة، واعرفي ما دورك وما مكانك، فإن هذه المرونة تجعل عندك أهدافا معينة في الذهن تساعدك على إعادة التخطيط سريعًا، فالتشبع بالهدف هو الأساس، ودورك تنزيله على أرض الواقع.
إذًا: كوني على بصيرة:
عرّف أهل العلم البصيرة, وهي :
1- البصيرة بحكم الشرع :- ولا يعني هذا أن يكون الداعية عالما بكل المسائل، فقيهًا كبيرًا، ولكن فهم المسائل منضبطة بأدلتها، مع العلم بالأهم فالمهم هو المطلوب.
فيعرف الداعية ما المسائل التي تناقش، مع علمه بالأهم فالمهم، والمناسب للمجتمع الذي تُطرح عليه المسائل.
2- البصيرة بحال المدعو :- أي معرفة بيئة المدعوِّين، لذلك احملي معكِ كتبا لأهل العلم، ولا تقيسي النجاح في الحملة بتنفيذ خطتك المرسومة كاملة.
مثال : قد تحضِّرين درسًا عن البدع، فتجدي أناسا سليمين من البدع، فالأفضل عدم تخصيص محاضرة كاملة عن البدع، أو أذهب لأناس من أهل بدعة المولد وأحدِّثهم عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها من الحقوق الواجبة على كل مسلم، هذا فيه تشجيع لهم على التمسك ببدعتهم، إن تحدثتِ عن المحبة على وجه العموم دون بيان حدودها وضوابطها والمسائل التي قد تدخل عليها فتقلبها إلى مظاهر بدعية، فهؤلاء ما قاموا بالبدعة إلا محبةً للرسول صلى الله عليه وسلم على حدِّ زعمهم.
وربما تجهزين موضوعًا عن أثر الحضارة في انشغال الأمة، ويكون الكلام عن الجوالات والإنترنت وسوء استخدامهما، والشريحة أمامك من المدعوِّين لا يفقهون عن ذلك شيئًا أو لا يفقهون من ذلك إلا قليلا، فمن العبث أن أخصص درسًا كاملاً عن هذه الوسائل لهذه الفئة.
ومما يجدر الإشارة إليه قاعدة :
( درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح ) :
هذه قاعدة جليلة، ومن المهم تطبيقها في المجالات الدعوية .
كيف يمكن تطبيق مثل هذه القاعدة في العمل في المخيمات :
أحيانًا نطرح موضوعات قد تدور حولها نقاشات وإشكالات، فتقع المفاسد وتطغى على المصلحة، وهي الاستفادة من طرح أصل المسألة .
مثال : محاضرة عن صفة الصلاة، ثم يطرح فيها مسائل القصر في الصلاة والخلاف بين أهل العلم في مسافة القصر، ماذا تتوقعين أن يحدث ..
قد تكون فئة من السامعات لديهن رأي مخالف، أو ذوات مذاهب أخرى، عندها ستبدي كل واحدة منهنَّ رأيها، بل قد تردُّ هذه على تلك و...
لذلك : من الأفضل عدم تعرض النساء لطرح المسائل الفقهية سيما المسائل الخلافية، بل اتركي المجال للشيوخ من الرجال في المخيم، لأن الطرح النسائي في المسائل الفقهية غالبًا ما يكون ضعيفًا من جهة، ومن جهة أخرى عدم القوة في الاستدلال، عندها سيختلف الناس ونخسر الدعوة.
في المقابل نجد أن المسائل العقدية جلية، وأدلتها ظاهرة، لا خلاف فيها البتة عند أهل المعتقد السليم.
لكن لا يعني هذا المنع للدروس الفقهية في الحج بالكلية، بل تطرح المسائل مُقَنَّنة بأدلتها دون التعرض للخلاف.
على سبيل المثال : الكلام عن صفة وضوء النبي وصلاته، كذلك صفة الحج مستعينة بالرسائل والكتب لأهل العلم الراسخين.
نكرر : لا تقيسي النجاح في الحملة على أن تُسيِّري التخطيط كما كتبتِه من قبل، بل القضية: غاية في التشبع بالأهداف + غاية في المرونة.
علم + فقه الواقع = الحكمة في الطرح.
فلا ينبغي أن نفرد فقه الواقع دون العلم الشرعي؛ لأنه سيؤدي إلى البحث عن الطرق والأساليب المتنوعة وجذب الناس فقط، وقد تُقترح حلول غير منضبطة شرعًا.
لذلك نجد ما يسمونه بالترفيه يوم العيد في المخيمات، ولنا في هذا الموضوع وقفة :-
يقول الله تبارك وتعالى في معرِض الكلام عن الحج: { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج :32
وقوله تعالى :{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } الحج :30
فالحج موطن من أهم المواطن لظهور تعظيم الله فيه، والتعظيم أحد مقاصد الحج, ومن مظاهره بذل الجهود في الطاعة وفق ما شرع الله عز وجل.
ثم اعلمي أن مِنى من الحرَم، وعليّ أن أتصرف فيها كما أتصرف في أي بقعة من بقاع الحرم، ومعلوم أن من حقوق الحرم علينا: لا تُلتقط لقطته، ولا يؤخذ من شجره، ولا يعضد شوكه.
كلُّ هذا تعظيمًا لله عزّ وجلّ، ولهذا نسأل: هل هذه المشاعر سيستشعرها كل من يذهب إلى منى، أم هي مجرّد انتقالات من مكان لآخر..
أيغُّرنا العيد ونقول : يجب إظهار الفرح بتزيين الأماكن وضرب الدُّف والإنشاد و..و..و..
أختي الحبيبة : يجب ألا يغيب عن ذهنك أن ما هذه البقعة إلا بقعة خاصة شرفها الله دون بقاع الأرض، بإظهار شعائره تعظيمًا لله، من الذبح في يوم العيد والتكبير له سبحانه.
وقد مُنع العبد من أشياء كثيرة، حتى صلاة العيد لا تُصلًّى مادام في مِنى، فكيف بهذه الاحتفالات.
لذلك نقول : يا مشرفات الحملات وجهوا الناس للعبادة ولا تكونوا مصادر لشغل الناس عنها, فالنجاح لا يعني إسعاد الناس وإدخال السرورعليهم يوم العيد بهذه التجاوزات الحاصلة في بعض المخيمات من أجل الترفيه يوم العيد، بل المطلوب تهيئة الجوّ للتوجه للعبادة والتجرد لله تعالى.(7/103)
لذلك عند رؤيتك للناس وهم منشغلون في ذلك اليوم؛عليكِ بالمناصحة بكلمات بعيدًا عن الجدل، واحرصي على تعلُّم وتعليم مقاصد الشريعة .
حددي مهمتك تعرفي متى تتحركين ..
تبليغ رسالة الله نوعان :
1- نصِّي: أي نقل كلام أهل العلم والنصوص الشرعية كما وردت بنصِّها؛ وهذا دورك كداعية.
2- تفهيمي: أي الاستنباط من الأدلة؛ وهو دور العلماء الراسخين .
الأصل في التبليغ النصي حديث : " نضر الله امرأ سمع منَّا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ"رواه أبو داود.
دوركِ التبليغ النصِّي في الحج، لذلك احملي معكِ مجموعة من الكتب والمراجع.
ماذا ستحملين معك من زاد :
مراجع وكتب مقترحة تهمّ الداعية :-
1- فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ( الحج ).
2- فقه العبادات، لابن عثيمين رحمه الله .
3- بعض الكتب المتعلقة بالخطب المنبرية لأئمة الحرمين وغيرهم؛( لاحتوائها على موضوعات متعددة كلها تواجهك في الحج وأنتِ غير مستعدة لها بتحضير).
4- كتب مُعدَّة للتوزيع على فئات محدودة ( توزيع فردي )، مثل : صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم _ صفة الوضوء _ الأذكار _ الحجاب_السحر _ الشرك، بعض المنشورات والمطويات النافعة.
من ندعو :
1- الأقربين : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } الشعراء:214
تكون الدعوة في الحج أولا للمسؤولين عن الحملة، فتُبذل الجهود في توعيتهم وتوجيههم للاستماع إلى كلام أهل العلم.
2- المحيطين بكِِ، خاصة المشرفات والمساعدات، سيِّما عند تشاغل البعض عن المحاضرات والدروس بتصحيح المسابقات ونحوها.
لا تستسهلي هذا الأمر، فكلنا من أول من ينقصه العلم، وحاجتنا إليه ماسَّة ..
وهنا نلفت الانتباه إلى أهمية العناية بإظهار شعيرة طلب العلم على نفسك وعلى بقية المشرفات، واحرصي على الإنصات والتدوين، وهذا لا شك سيدفع البقية إلى الاهتمام والاستفادة من الدروس.
3- جميع المحيطين: قد نجد بعض المخالفات عند جيراننا في المخيم المجاور، فلا نبخل عليهم بالتوجيه.
كل ما سبق يعتبر كالقاعدة التي يؤسس على فهمها خطوات النجاح .
عشر خطوات للنجاح في حملة الحج:
الخطوة الأولى: تحديد الأهداف:
وهو أن نصل بانضباط وانتظام إلى دورين هامين:
1- مساعدة الحجاج على تأدية المناسك بشكل صحيح .
2- اغتنام فرصة التجرد لتعليق القلوب بالله عز وجل .
س: ما هي المسائل التي يمكن طرحها لاستغلال فرصة تجرد الحجاج .
نبدأ من اليوم الثامن :
عادة ما يصل الحجاج ظهر ذلك اليوم إلى منى، ففي هذا اليوم لا بد من تركيز الجهود على بيان فضل الحج وأعماله، لأنها الفرصة الثمينة في هذا التوقيت خاصة، والتركيز بقدر المستطاع على بث روح الحماس في النفوس إقبالا على هذا الحج وإقبالا على النسك، كذلك الترحيب بهم عند الوصول وتعريفهم بأماكنهم والمرافق، ودور المشرفات.
س: ما الذي سأتكلم فيه عن الحج .
1- كيف يكون النسك الصحيح من جهة .
2- ومن جهة أخرى الأخطاء التي يمكن وقوعها أثناء تأدية النسك .
فيشمل درس اليوم الثامن على :
1- الترغيب في الحج وبيان فضائله وفضل عرفة، والدعاء فيها وآدابه.
2- أحكام المبيت بمزدلفة مع التذكير بمسألة سنية التبكير بالنوم بعد الصلاة، وأنها سنة ينبغي الحرص عليها ( تفاديا للخلاف في مزدلفة ).
3- أحكام الطواف والسعي وما يسن وما يمنع.
4- أحكام رمي الجمرات مع التنبيه على الأخطاء الواقعة، والتذكير بالسنن، كالدعاء بعد رمي الجمرات في مواطنه المشروعة .
في اليوم التاسع :
يكون فيه لفت النظر إلى الدعاء: مكانته ، آدابه ، أدعية مأثورة يوم عرفة، وباختصار شديد .
ليلة المبيت بمزدلفة :
لا مجال للكلام، والوعظ وفتح النقاشات، لأن السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التبكير بالنوم.
الخطوة الثانية : الاهتمام بالأهم قبل المهم:
أي تنزيل البرامج تبعا للأهمية وفقا لـ :
1- اليوم الذي نحن فيه .
2- الفئة المستهدفة .
واسألي نفسك :
1- عن ماذا يجب أن أكلم الحاج .
2- ما هي الأساليب المناسبة للتواصل معه .
3- بماذا سيعود الحاج .
4- هل أتوقع أن تتغير حياته من أثر الحج .
نجيب عن هذه الأسئلة :
1- عن ماذا يجب أن أكلم الحاج :
هذه القضية تتصل بالأيام وبالأهداف العامة ، وقد سبق الحديث عنها .
2- ما هي الأساليب المناسبة للتواصل معه .
هذا متعلق بموازنة الأجدى في الطرح والأداء، أحلقات القرآن أم الدروس وحدها، هل التقسيم إلى فئات أم مجموعة كاملة، ونحو ذلك من إدارة الحملة.
مثلا : أثناء تعليم الحاجات كيفية رمي الجمرات؛ لعل من المناسب تقسيم الحاجات إلى فئات، والاستعانة ببعض المجسمات التعليمية ليحصل تصور للمكان.
3- بماذا سيعود الحاج .
سيعود بإحساس أنه مر بتجربة غيرت أسلوب تفكيره -لا حظي أسلوب التفكير لا تغيير السلوك مباشرة، وتغييره أمامك -.
4-هل أتوقع أن تتغير حياته من أثر الحج.
بالطبع لا .. لأن أثر الحج تراكمي لا أثر مباشر.
فالمطلوب منا :
* تشويق الحجاج للحج ( في اليوم الثامن ) وذلك ببيان أن :
1- الحج يهدم ما قبله لحديث : - " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله" رواه مسلم.
2- الحج طهارة من الذنوب لحديث : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رواه البخاري.(7/104)
3- الحج أفضل أعمال البر، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل. فقال: (إيمان بالله ورسوله). قيل: ثم ماذا، قال: (الجهاد في سبيل الله). قيل: ثم ماذا، قال: (حج مبرور).رواه البخاري، مع التنبيه على معنى الحج المبرور.
4- الحج جهاد المرأة ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم. فقال: (لكن أحسن الجهاد الحج، حج مبرور). فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
5- الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة " رواه أحمد.
6- التحفيز للإعداد واغتنام الفرصة :
بأن تعلم أن النوم المبكر في صالحها، وفرصة الحج ربما لا تتكرر عليها ( فإنه مجرد الشعور بإمكان تكرار الفرص كفيل بالإهمال والتقصير).
علميها المتابعة في الأقوال والأفعال:
بوجوب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن دليل المحبة المتابعة .
ذكريها بأهمية التأصيل والتثبت:
وهذا سيدفع ظاهرة الإفتاء والقول على الله بلا علم ، فإن الأصل هو سؤال أهل العلم عند استشكال مسألة .
الخطوة الثالثة : التنظيم :
س : لماذا ننظم .
لأن الناس أمامك مقبلين، والنفوس تقبل وتدبر كما قال ابن مسعود رضي الله عنهما: " إن لهذه القلوب شهوة وإقبال، ولها فترة وإدبار، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها", والمطلوب استغلال هذا الإقبال واستثماره، بأن تنظمي تنظيما مناسبا تضعين فيه أهدافك، وتنزليها على أرض الواقع بصورة جيدة .
مثال : من الناس من لا يقرأ القرآن إلا في رمضان، فإن حلق تحفيظ القرآن صباحا نوع من أنواع شحذ الهمم للاتصال بكتاب الله.
واعلمي أن التنظيم الناجح للأعمال يقوم على أساس الترابط الصحيح بين عنصرين:
1- الطاقة الذاتية
2- الطاقة الزمنية .
الطاقة الذاتية : عدد المساهمين في تنفيذ البرنامج .
الطاقة الزمنية : كم لديك من الوقت للتنفيذ .
ثم إن تكثير البرامج غير جيد، لأن الأصل في الحج الاختلاء لا الاختلاط والانشغال، فاتركي لها فرصة للاختلاء ولا تكثري عليها البرامج والدروس طوال اليوم، وبقدر المستطاع لا تعالجي الخطأ بالخطأ، فإن لجأت إلى السهر لا تعالجيه بكثرة المحاضرات والدروس طوال الليل، لأن الذكر المنفرد في الحج مطلوب، وأنت دورك التغذية بالعلوم لكي تعمل لا لأجل قيامك بالتغذية فحسب، وأثناء مرورك ذكريها بكلمات نافعة.
الخطوة الرابعة : التخطيط اليومي:
اجعلي لكل يوم برنامجا يناسب النسك .
هذا المخطط يعد قبل خروجك، لكن أذكّر أنه لا يلزم تنفيذه حرفيا فالمرونة في التخطيط مطلوبة.
بعد إشباع الحاجات الجسدية ابدئي بإشباع الحاجات النفسية.
من أول يوم عليك أن تظهري قدرة المخيم على إشباع حاجاتها الجسدية من تأمين مكان الجلوس والنوم والوجبات الغذائية،والمرافق الصحية، وضحي لها كذلك دور المسؤولات والمشرفات، واستعدادهم لخدمتها بالصورة الجيدة ...إلخ، كذلك أظهري حرصك عليها،واحتسبي في هذا لأنه من خدمة ضيوف الرحمن.
لا شك أنك ستواجهين مشكلات وانتقادات؛ لذلك وفي هذه المواقف كرري على نفسك كلمات الإخلاص،وأن القصد من العمل هو إرضاء الله وحده، ربما تأتيك بعد بذل جهود كلمات توبيخ فتسارعي بالرد امتنانا عليهم كقول: ( أنا ما عملت هذا: إلا لأجلكم .....، لست أنا المستفيدة ... ) عندها سيضيع أجرك هباء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } البقرة: 264
لذلك عندما تتعاملين مع الآخرين لا تفكري ماذا صنعوا هم لك، وإنما اسألي نفسك: ماذا يجب أن تفعلي أنت من أجلهم .
من الضروريات الإدارية وجود قائمة بأسماء الملتحقات بالحملة، ليعلم الحاضر ويتفقد الغائب ويسأل عنه.
على المشرفة أن تتصور المسائل بنظرة واسعة و تتصرف التصرف المناسب، من ذلك الحرص: على نفسيات الحجاج و مراعاة أحوالهم، فقد تكون إحداهن تركت رضيعا لها في بلدها وفي قلبها حرقة وحزن عليه ؛ فتجديها دائمة التوتر، سيئة التعامل مع الآخرين،أو أخرى شاهدت شخصا يموت أمامها عند عودتها من الرمي،في هذه الحالات و أمثالها دور المشرفات محاولة التهدئة قدر المستطاع، وتذكري أن :
(الإخلاص مركب لمن لا مركب له).
- بعد انتهائك من التنظيم الإداري في أول يوم، ابدئي لقاءك العلمي بعد عصر يوم التروية، وقد سبق بيان أبرز عناصره .
تخطيط مقترح للقاءات الحج:
في اليوم الثامن :
بعد الظهر :
- الترحيب بالحجاج .
- التعريف بالمشرفات وخدمات المخيم .
- مواعيد إطفاء الأنوار ليلاً.
- مواعيد حلق القرآن(إن وجدت).
بعد العصر:
- لقاء يجمع بين التشويق للحج و بيان المناسك .
بعد العشاء:
التنبيه إلى ضرورة الاستعداد لجمع الأغراض اللازمة ليوم عرفة قبل النوم، ليتسنى الخروج مبكرا.
في اليوم التاسع :
بعد الفجر (أو الضحى) :
- الكلام عن أدب الدعاء، و التنبيه على بعض الأخطاء في الدعاء، (شروط الدعاء - أهمية الإخلاص فيه - الأذكار الواردة) .
مراجع مفيدة(أدب الدعاء /القحطاني-تصحيح الدعاء /بكر أبو زيد).
بعد الظهر :
- يجب الاهتمام بسماع خطبة يوم عرفة .
بعد العصر :
لا مجال لإلقاء أي درس، فالكل منشغل بالدعاء، وقبل المغرب بربع ساعة تقريبا تفقّدي الحاجات، وحثيهن على جمع أغراضهن حرصا على التفويج بصورة منظمة.(7/105)
تنبيه : البعض يعتقد أنه لا بد من الخروج إلى جبل الرحمة يوم عرفة، وربما خرج وضاع، فهذا مما ينبغي التنبيه عليه قبل الخروج لعرفة، وبيان أن لا أصل في الشرع لهذا الفعل.
بعد المغرب والعشاء :
تُصلَّى جمعا في مزدلفة، واحرصي على أن يكون الوضع هادئا، وتجنبي إلقاء الدروس في مزدلفة، وحثي الحاجات على النوم مبكرا استعدادا ليوم شاق من رمي وطواف وتحلل ...إلخ، لأن من يراوده النعاس لا يمكنه الإتيان بكل الشعائر على أتم وجه، لاسيما مع تعدد التنقلات في ذلك اليوم .
في اليوم العاشر :
في الضحى :
ينزل الناس إلى منى ويعودون للمخيم، فدورك التنظيم والمساعدة.
من الظهر إلى المغرب :
سيكون الوضع مضطربا، فعليك إعادة النظر في تخطيطك، لاسيما وأنك قد أخذت تصورا كافيا عن أوضاع الحاجات اللاتي معك، وما هي احتياجاتهن التوعوية، وما الإشكالات لديهن.
بعد المغرب :
عادة ما يهدأ الناس ويعودون إلى أماكنهم، وربما أصابهم شيء من الفتور.
اعلمي أن من أهم الأعمال التعبدية في هذه الأيام ذكر الله تعالى والتكبير، عندها يمكن إلقاء درس مثلا:
حول قوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }يونس : 58، وبيان الفرح الشرعي وبأي شيء يفرح الحاج، وما مظاهره، كذلك لفت النظر إلى أن تعظيم الله من أهم شعائر الحج، وشكر الله عل توفيقه للعبد للقيام بأداء المناسك.
فدورك إذًا : بث روح الإحساس بالفضل والنعمة، ومن ثم ينطلق اللسان بالذكر والتكبير.
ومما يلاحظ في بعض الحملات؛ إظهار الفرح يوم العيد بصورة غير لائقة، بل وتشمل بعض المحاذير الشرعية، كضرب الدف، والإنشاد، وإقامة المسابقات الحركية، وتزيين المكان بصورة تشغل الحاج عن دوره الرئيس في ذلك اليوم وفي الحج عموما، وقد سبق أن تحدثنا عن محاذير هذا الأمر وما الحال التي يجب أن يكون عليها.
في اليوم الحادي عشر:
بعد الفجر( أو الضحى ) :
حلق القرآن، ثم درس في التفسير (كتفسير سورة الفاتحة ) .
بعد الظهر :
درس فقهي، مثل : صفة الوضوء .
مع التذكير بنسك الحج (رمي الجمرات )، ومواطن الدعاء فيه .
بعد صلاة العصر:
درس في العقيدة .
مثل : العبادات القلبية كالإخلاص وضده الشرك .
بعد المغرب :
درس من الرجال.
بعد العشاء :
كلمة بسيطة عن فضل الذكر مع بيان معنى ( سبحان الله / الحمد لله / الله أكبر )، ومن المراجع المفيدة : فقه الأدعية والأذكار لعبد الرزاق البدر.
في اليوم الثاني عشر :
بعد الفجر( أو الضحى) :
حلق تحفيظ القرآن ،ثم درس في التفسير: كتفسير آية الكرسي.
بعد الظهر :
درس فقهي، كصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
بعد العصر :
درس في العقيدة ، مثل : شروط لا إله إلا الله، أو نواقض الدين، مع التذكير بمسألة تكفير الذنوب، وعلامات قبول الطاعة ووسائل الثبات عليها .
بعد المغرب :
درس من الرجال.
بعد العشاء :
كلمة بسيطة، وتتمة الكلام عن معاني:( التسبيح / التحميد / التكبير)، ثم إقامة حوار متبادل بين الداعية والحاجات حول موضوع يهمهن مثل : الفراغ وكيفية الاستفادة من الوقت، أو تربية الأبناء، أو حقوق الأزواج ....إلخ.
في اليوم الثالث عشر:
بعد الفجر :
اغتنمي هذا الوقت، لأنه الفرصة الأخيرة لإعطائهم درسا، حدثيهم عن :
كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وضرورة التمسك بهما، كذلك شوقيهم لمتابعة إذاعة القرآن الكريم لاسيما بعض البرامج الهامة مثل : نور على الدرب، ودروس من الحرمين، وخطب الجمعة.
الخطوة الخامسة : إدارة العمل:
تنظيم المكان وجلوس الناس للاستماع أثناء الدروس وغيرها من المسؤوليات الإدراية، ولنتكاتف في ذلك فكلنا جند في مهمة واحدة .
إياك والجدل حتى لو أخطأ من أمامك، وتذكري أنه لا ينجح في الحج إلا صاحب النجاح، صاحب الصبر، إذ الصبر أكبر دعائم الوصول.
الخطوة السادسة : تقويم الذات والنتائج:
بعد وضع الأعمال والمهام في ورقة ـ تراجع قبل النوم لأجل تقويمها وملاحظة ما تم إنجازه وما لم يتم، لكن احذري من مخادعة النفس وإيهامها بالنجاح والإنجاز مهما كانت النتائج، أو بالعكس تثبيطها مهما عملت. هذه المراجعة تعينك على بذل الجهد للوصول للأهداف.
.............................................
الخطوة السابعة : فقه حل المشاكل:
تعاملي مع من حولك ببصيرة، وخلق حسن خاصة مع كبيرات السن، بثي الكلمات الطيبة في كل مكان، اخلصي لله في كل هذا واحتسبي عند الله الأجر العظيم .
الخطوة الثامنة : فقه التعامل الناجح :
ابتداءً لا توقعي نفسك في المشكلة ولو وقعت فإن لديك إجابات واضحة للرد، لا بد لك كمشرفة أن يكون عندك فقه التعامل الناجح، فهناك أشخاص لا ينفع معهم أسلوب التهدئة إنما أسلوب وضع الحدود، وأشخاص يناسبهم الكلام اللين ... إلخ. والمهم في كل هذا وذاك الإخلاص والصدق.
كبيرات السن بحاجة إلى معاملة خاصة قائمة على الاحترام، والبعد عن التوجيه والنصح بأسلوب الأوامر.
أما الشابات : عندهن طاقات موفورة ويكثر كلامهن، والبعض لا يرغب بحل المسابقات مثلا، فحاولي تحويل عملهن إلى عمل حركي بأن يساعدنك في بعض الأشغال للتخفيف من الفوضى التي قد يعملنها في المخيم، والبعض لا يرغب في هذا فكلفيها بأعمال إدارية تستطيع القيام بها.
أما النساء المتوسطات : فأشغليهن بالبرامج الموجهة لهن.
لذا نحن بحاجة إلى فقه التعامل الناجح مع الأشخاص، ومدارالوصول لذلك الإخلاص والصدق.
الخطوة التاسعة : الهمة العالية:(7/106)
غالبا ما تكون الهمة عالية في بداية العمل حتى إذا قوبلنا بأي انتقاد نزلت الهمم عند البعض، والمطلوب أن نكون أصحاب همة عالية، أهدافنا محددة نسعى في الوصول إليها، ولا يضعف هممنا وجود معارضين.
اعزمي في كل يوم وتوكلي على الله، جددي نيتك، واصحبي معك بطاقات مكتوب عليها من كلام أهل العلم الذي ترينه مؤثر في نفسك، ثم اقرئيها كل ليلة قبل النوم عند مراجعتك للتقويم الذاتي. المهم أن تباشري العمل وأنت صاحبة همة عالية. أما عن النقد والسلبيات فلا بد من تدوينها للاستفادة منها.
الخطوة العاشرة : الثبات على المبدأ :
أنت تريدين منهم أن يكونوا أشخاصا أفضل وتقومين بنصحهم، هذا المبدأ عليك أن تحققيه في نفسك أولا.
مثل اللبس المحتشم، فمن غير اللائق أن تطالبيهن به ثم يرونك تلبسين ما يناقض ذلك. كذلك الكلام عن النوم المبكر، ثم يرونك تسهرين طوال الليل لأجل أمور لا حاجة إليها. واعلمي أنك تبصمين بالفعل أكثر مما تبصمين بالقول، لذلك لو كنت عادة ما تلبسين الكم القصير، تجنبي لبسه لأنك قدوة ويجب أن يظهر عليك التجرد وعدم الترفه.
النساء يوم العيد ترين مناظرهن وما يلبسن وما يضعن من مساحيق التجميل، تجنبي أنت التجمل المغالي فيه تجردا، لكن تنبهي: ليس من مسؤوليتك منع العامة منه، أما أنت تقومين بذلك لأجل معرفتك بالقصد، أما العامة فيمكن توضيح هذا المعنى بطريق غير مباشر، مثلا في ثنايا محاضرة، وضحي الصواب في ذلك، وأن المطلوب في هذه الأيام ترك الترفه ولزوم التجرد.
ومن الثبات على المبدأ عند توجيه الناس للبعد عن مسألة التعالم والقول على الله بغير علم، كوني أنت أول الملتزمين بهذا، ولا يكون الحال كلما سئلت عن مسألة أفتيت فيها .
وبقدر المستطاع حاولي المحافظة على نفسك لا لأجل الناس والمراءاة، إنما إخلاصا لله واستشعارا للمسؤولية .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد... والحمد لله رب العالمين.
كاتب المقال: أ / أناهيد السميري
==============
القدوة في حياة الداعية
تحتاج الدعوة إلى الله مع توالي عجلة الزمن إلى إعادة بناء الهيكل العام لشخصية الداعية ، كما أن آليات الدعوة إلى الله تستند على فهم الداعية الصحيح لرسالة الدعوة .
و من هنا كان على الداعية أن تدرك أهمية القدوة بمفهومها الشامل في مسار الدعوة .
إن للقدوة تأثيراً سحرياً خفياً ، يورث التنافس على الخير من خلال تحطيم حاجز العجز لدى المتلقي من الوصول إلى مراتب العلا التي وصل إليها الداعية .
ومن طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالأمور العملية أكثر مما يتأثرون بالأمور الفطرية كالقراءة والسماع ، وهذا التأثير فطري لا شعوري ، ومن هنا أشارت أم سلمة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الدعوي، والمبادرة إلى (الحلق والتحلل ) ليقتدي به الناس عمليا ، فكان كما قالت رضي الله عنها .
مجالات القدوة :
ينحصر مفهوم القدوة عند كثير من الدعاة في القدوة البشرية فقط دون التطرق لمجالات القدوة الأخرى ، والتي لا تقل في التأثير عن سابقتها:
• القدوة البشرية : ويراد بها تحقيق معالم القدوة الصالحة في ذات الداعية.
• القدوة المنهجية : وتتمثل في قدرة الداعية على بيان مفهوم الإسلام الشمولي والإقناع به، باعتباره المنهاج الإلهي الأكمل و به صلاح البشرية .
• القدوة الحضارية : ونعني بها استجلاب القيم الحضارية التي بها قامت أمة الإسلام في عهد الرسالة، بكل ما تعنيه من ترقي روحي وأخلاقي وسلوكي واجتماعي .
معالم القدوة البشرية :
يقول سفيان بن عيينة: "إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت"؟
وعلى هذا فعلى الداعية أن تحقق القدوة في ذاتها في جوانب ثلاثة :
الجانب الأول / التعميق الإيماني :
والمراد بذلك هو صناعة الذات الإيمانية عقدياً ، وحركياً ، من خلال التركيز على أسس ثلاثة :ـ
الأول : الإيمان العقدي ، و معرفة التوحيد بأنواعه ومقتضياته ، ومعرفة دقائقه .
الثاني : إخلاص العمل لله تعالى، دون الطمع في أغراض الدنيا الزائلة .
الثالث : العبودية المطلقة لله تعالى .
الجانب الثاني / التحلي بمحاسن الخلق:
وعليه فتتصف الداعية بأحسن الأخلاق ، فتلتزم طريق الصدق والصبر والحلم وسعة الصدر وسلامة القلب ، والسماحة والوسطية ، كما تطبق التواضع قولاً وعملاً .
الجانب الثالث / مهارات الدعوة:
والمقصود: تطوير الذات البشرية وتسليحها بكل ما يستجد من فنون تساعد على سرعة استجابة الناس ، ومنها :
فن الإلقاء الدعوي ، فن القيادة ، الاستقلال الشخصي ، معرفة أنماط التفكير ، الربط بالواقع ، التسلسل الخطابي .. ونحوها .
إن القدوة الصالحة فريضة إسلامية أساسية، وضرورة دعوية يحتمها العمل في سبيل الله.
من هنا كان مركز القدوة حساسا ودقيقا جدا ، فعلى الداعية أن تتجنب كل ما يشرخ هذا الصرح ، ويؤثر في هذا الكيان الدعوي .
كاتب المقال: وفاء بنت محمد العيسى
===============
أفكار ومقترحات للعيد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لا شك أن مناسبة العيد من أعظم مناسبات الفرح والسرور بنعمة الله ورحمته .. وحتى يكون عيدنا سعيدا .. وحتى نزيد من توثيق الروابط بيننا وبين أهلينا .. أتقدم إليكم بهذه الأفكار والمقترحات ..أعلم أن لديكم أضعاف ما لدي من الخير .. ولكن حسبي أنها لبنة في مجال البناء
قبل أن تقرأ الموضوع : الطريق الصعبة .. وضعت لأرجل العظماء ..
فلابد أن يكون لديك استعداد كامل للتغيير والإبداع حتى تستفيد مما سيذكر.
الموضوع ينقسم لقسمين :(7/107)
1- أفكار قبل العيد .
2- أفكار خلال يوم العيد.
أولا : أفكار قبل يوم العيد:
1- تهيئة الأبناء والبنات والأخوة والأخوات بمادة شرعية مبسطة عن أحكام العيد والغاية منه، بأسلوب مبسط محبب إلى النفس .. وحبذا لو كان مثل هذا الطرح بأسلوب متجدد .
(مثال: تعليق بعض السنن والآداب المتعلقة بالعيد على باب غرفة كل فرد في المنزل – عمل مسابقة بسيطة بين الأبناء والبنات أو الأخوة والأخوات في تعداد هذه الآداب والأحكام، وغيرها من الطرق التي تناسب كل بيت بحسبه ).
2- تجهيز أغراض العيد في وقت مبكر، وعدم الانتظار حتى تحين ليلة العيد أو قبله بيوم أو يومين .. خاصة الأغراض التي يمكن أن تشرى قبل العيد بفترة مثل: الحلويات – مستلزمات المنزل – الملابس وغيرها ..
ومن الأفضل إشراك أفراد الأسرة في ذلك .. حتى يعتادوا على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار والمشاركة .
3- تدريب الأبناء والبنات على مسألة مقابلة الناس .. حيث تكثر اللقاءات الاجتماعية في أيام الأعياد، ويشكو كثير من الآباء والأمهات من عدم قدرة أبنائهم أو بناتهم على مخالطة الناس بالشكل الصحيح، أو عدم قدرة الابن على استقبال الضيوف ونحو ذلك .. والحق أن التقصير في الغالب من جانب المربي .. فإن هذا الطفل أو تلك الفتاة لم يعتد في صغره على شيء من ذلك .
وقد جربت مع بعض أبناء إخواني أن نمثل مشهدا بسيطا عن العيد واستقبال الضيوف ، وكان له أثر كبير عليهم في تعليمهم آداب استقبال الضيف .. وتقديم القهوة ونحو ذلك .. بأسلوب كان فيه الكثير من المرح والتحبيب للنفس ..
فلا تحرم أبناءك أو إخوانك هذه التربية .. مع التذكير بأهمية الرفق في مثل هذه الأمور .
من الأمور التي يحسن تدريب الطفل عليها:
- السلام ورده.
- التهنئة بالعيد وردها.
- استقبال الضيف وإدخاله بعبارات الترحيب.
- مراعاة حرمة المنزل وإقفال الباب الذي يكشف البيت .. والتأكد من خلو الطريق من المحارم ونحو ذلك قبل إدخال الضيف.
- تقديم القهوة أو الطعام (للطفل الكبير).
- احترام آداب المجالس العامة (لا تشدد عليه كثيرا فيبقى الطفل يحكمه حب اللعب والحركة).
- تفخيم معنى الضيافة في نفسه، وأنه بذلك يكسب الأجر العظيم من الله .. ويحسن ذكر قصة إبراهيم عليه السلام مع أضيفه .. فهي قصة نافعة جدا وفيها شحذ لهمة الأطفال للاقتداء بخليل الرحمن عليه السلام.
- لا تنس .. الأطفال قدرات ومواهب فلا تطلب من الجميع أن يكونوا بنفس المستوى.
4- عمل مسابقة تنافسية بين الأبناء والبنات والأب والأم وكل من في المنزل .. في أحسن غرفة مرتبة .
مع توفير مواد خام للزينة : (بالونات – أوراق رسم – ألوان – شريط لاصق – بعض الصور الطبيعية – علبة منديل )، ونحو ذلك مما يزين المكان .
مع مراعاة أن يكون ذلك قبل العيد بيوم أو يومين ..مع ضرورة مشاركة الوالدين أو الأخوة الكبار في مثل هذا المشروع .. حتى يؤتي ثمرته .
5- إعطاء الأطفال الصغار من أبناء العائلة أو الجيران أو الأقارب أوراق رسم وألوان .. وتهيئة مكان مناسب وهادئ .. واطلب من الطفل أن يرسم أي رسمة تعبر عن العيد ..
ساعده بكتابة بعض العبارات العامة مثل: كل عام وأنتم بخير .. تقبل الله منا ومنكم ..
(جربت هذه الطريقة في حلقة تحفيظ كنت أُدَرِّس بها .. وكانت النتائج مذهلة للغاية .. ثم طلبت من كل طفل أن يعلق هذه الصور في غرفته وغرفة والديه .. وكان لها أثر كبير على المنزل .. وإضفاء جو من السعادة لم يكن متوقعا) ..
حبذا لو ساهم الأب أو الأم أو الأخ الأكبر في شيء من ذلك ..
ملاحظة: إياك أن تضحك على رسم طفل من الأطفال أو تنادي أحد الكبار لتريه هذا الرسم المضحك .. فأنت بذلك تحطم كل معاني الفرحة في نفس هذا الصغير.. وليكن دأبك التشجيع دائما مع التوجيه غير المباشر ..
6- لو كنتم ستقومون برحلة أو نزهة برية أو بحرية خلال يوم العيد أو اليوم الذي يليه .. فيحسن بك الانتباه لما يلي:
- تحديد الأماكن المقترحة للزيارة أو التنزه (البر – البحر – استراحة – خيمة – حديقة .. إلخ).
- المبادرة لحجز المكان أو التنسيق مع صاحبه إذا كان مما يخشى فواته.
- التنسيق مع العوائل التي ستخرج معك، من حيث الموعد وكيفية التحرك وعدد السيارات ونحو ذلك .. ( لا تترك منغصات تافهة تفسد عليك وعلى أبنائك متعة العيد).
- وضع برنامج مصغر وعام للرحلة أو النزهة .. من حيث مواعيد الانطلاق والعودة وبعض الألعاب الخفيفة التي تود إقامتها للأبناء.. وحبذا لو يقوم الأخوات ببرنامج مماثل للنساء ..
- بعد أن وضعت البرنامج العام .. قم بتقسيم المهام على الجميع .. ولا تتولى بنفسك كل شيء .. (مثال: المواد الغذائية عند أبي فلان .. الفرش وأغراض الجلوس عند فلان .. ماء الشرب وماء الغسيل وأدوات التنظيف عند فلان .. برنامج الأطفال عند فلان .. وهكذا ..)، ولا تقل نتركها لظروفها .. مع مراعاة عدم التشدد في البرنامج ومواعيد البدء ونحو ذلك ..
- من المستحسن جدا مشاركة الأبناء والبنات في الإعداد لهذه الرحلة أو النزهة .. كل بما يناسب سنه ..
- إذا لم تكن أنت المسؤول عن العائلة فتول زمام المبادرة .. ولا تيأس أمام عبارات التثبيط التي قد تواجهك .. بل قابلها بروح جميلة .. وتخطيط أجود .. وحتما سيطلب منك تولي التنسيق للرحلة القادمة .. اسأل مجرب.
ثانياً : أفكار خلال يوم العيد:(7/108)
1- يحسن الاستيقاظ قبل صلاة الفجر بساعة أو بوقت كاف .. خصوصا إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيرا .. حيث تقوم بترتيب احتياجاتك قبل صلاة الفجر .. ويحبذ أن يقوم الصغار بالاغتسال قبل صلاة الفجر حتى لا يأخذوا وقتا طويلا بعد الصلاة .. مما يعني مزيدا من التأخير
2- بعد الصلاة قم بالاغتسال سريعا .. ثم تناول تمرات أنت وأفراد أسرتك تطبيقا للسنة المعروفة في عيد الفطر .. وتوجه لمصلى العيد أو المسجد .. ولا تقل بقي وقت طويل على الصلاة .. فالوصول المبكر يعني الراحة والاطمئنان .
ملاحظة: الوصول المبكر مفيد جدا للأخوات .. حيث إن مكان النساء يمتلأ عادة بسرعة كبيرة.
3- أخرج كل من في البيت لحضور الصلاة .. الأبناء والعاملين والخدم والسائقين .. بحسب الاستطاعة .. فالعيد لكل مسلم .
4- أكثر من ذكر الله والتكبير بصوت مرتفع .. من بعد صلاة الفجر وحتى خروج الإمام للصلاة .. وشجع أبناءك على ذلك .. بالنظرة المشجعة واللمسة المشجعة .. والقدوة الحسنة .
5- لا تنس ركعتي تحية المسجد إذا كنت ستصلي العيد في المسجد.
6- العيد مظنة الزحام والاحتكاك بأجناس الناس .. فكن قدوة حسنة صالحة في التعامل والرفق بالآخرين .. والرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه .
7- ألق السلام على الآخرين، وأظهر البشر والسرور لكل من تراه .. وتذكر.. تبسمك في وجه أخيك صدقة .
8- أخرج معك مبالغ نقدية من فئات صغيرة .. وأكثر من الصدقة على الفقراء والمحتاجين .. فهو يوم عظيم من أيام الله ..
ملاحظة: يحسن أن تعطي أبناءك الصغار شيئا من أموال الصدقة، أو يخرجوا هم من أموالهم الخاصة .. فله أثر كبير على نفوسهم.
بعد الرجوع من الصلاة تختلف برامج الناس في الزيارات والعادات.. لكن تذكر:
1- جهز مكانا لاستقبال الضيوف للرجال وآخر للنساء في بيتك .. وجميل أن تجهز بطاقات لطيفة للمعايدة .. فيها تهنئة بالعيد وتذكير بصيام الست من شوال .
2- تطييب الزائرين من الأمور التي تدخل البهجة في نفوسهم .
3- ابدأ والديك بالتهنئة بالعيد .. وأدخل السرور في نفسيهما بهدية تشتريها قبل العيد مغلفة بتغليف جميل .. مزينة بعبارات المحبة والتقدير .
4- الأخوة والأخوات لهم حق التهئنة بعد الوالدين .
5- رسائل الجوال من الوسائل الحديثة في المعايدة .. فحري بك أن تميز رسالتك عن الآخرين .. بذكر اسمك .. والدعاء بقبول الصالحات .. والتذكير بصيام الست .
6- جهز بعض الكتيبات أو الأشرطة بتغليف جميل وضعها في سلة مزينة في مجلس بيتك .. واجعل هدية منها لكل زائر.
7- مراكز رعاية الأيتام ومنازل الفقراء والمساكين .. تفتقر لبهجة العيد .. فلا تنسها من الزيارة مع أبنائك، والهدايا معك قدر الإمكان.
8- لاشك أنك تعرف عاملا مسلما في بعد عن أهله .. قم بزيارته وتهنئته بالعيد .. فلذلك أثر كبير عليه .. وإدخال للسرورعلى نفسه .. ولك من الله عظيم الأجر والثواب (مجربة) .
9- نزهة الأهل والأولاد من الأمور المهمة .. فلا تغفل عن ذلك بالترتيب الجيد والإعداد المسبق.
10- لا تنس صلاة الليل من أول يوم من أيام العيد .. وتذكر أنك خرجت لتوك من شهر القيام والصيام.
11- أوص أبناءك وأهلك على صيام الست من شوال .. وذكرهم بأجر ذلك .
كاتب المقال: سنا الفجر
================
نحوَ يومِ عيدٍ متميِّزٍ (برامج دعوية)
يعيشُ المسلمُ فَرْحَةَ العيدِ ، و يأنَسُ بلذته ، و يَحمَدُ اللهَ تعالى أن منَّ عليه بإتمام صيام الشهر، وأنعمَ عليهِ بقيامه .
و يأتي العيدُ ليُسْبِلَ على القلبِ بهجةً و سَعْدَاً، و تلتقي أفئدةٌ، و تتلاقى أرواحٌ على الخير والطاعة.
و حيثُ أن القلوب لم تَزَلْ تتمتَّعُ بنعيم النشاط في الطاعة، و تتقلَّبُ في رياضِ رياحين العبادة،ولم تَزَلْ مُقْبِلَةً نحو الخير، مُدبرةً عن الشر.
لما كان ذلك كلِّه، انطلقَ القلمُ خاطَّاً نقاطَ تَمَيُّزٍ ليوم العيد، و ناثراً أحرفاً لتصبح ساعات العيد مما لا يُنْسى .
الكثيرون من الناس يقضون أيام العيد بلعبٍ و لهو، فتتصرَّمُ ساعاتهم، و تنقضي أيامهم على غير منفعة تُجْنى، و لا فائدة تُنال .
و حتى لا يضيعَ يومُ العيد سدى ، هذه أفكارٌ مُقْتَرحاتٌ لاستغلاله :
أولاً : الثقافيات :
فيُمْكنُ أن يُسْتغلَّ يومُ العيدِ بأنواعٍ من الثقافة العائدة بالنفع على مَنْ يحضرهاا، و هذه إشارةٌ إلى بعضِ أنواعها :
الأول : الفوائد :
و هي فوائدُ تُطْرَح على مَنْ يَحضر ، خفيفةً ، سهلة ، و هي على محورِ المشاركة من الجميع فيها، والأنسبُ أن تكونَ في صورةِ بطاقات ( كرت ) يتنوعُ المكتوب فيها على ما يلي :
1- سؤالٌ .
2- فائدةٌ عامة .
3- حكم شرعي .
4- في ظلال آية .
5- قَبَسٌ من السنة .
6- رجلٌ عظيم .
و تكونُ موزَّعةً على كل مَنْ يَحضر اللقاء و الاجتماع .
الثاني : كلمةُ العيد :
بأن تكون الكلمة مخصَّصَةٌ ليوم العيد، و يكون الحديث فيها عن اليوم و ما يتعلَّقُ به من أحكام، على ألا تتجاوز المدة ( 15 ) دقيقة .
الثالث : المسابقات .
للمسابقات إحساس مرهَفٌ في النفوس، و لها إقبال منقطع النظير، إذ هي قد جمَعَتْ بين المتعة و الفائدة .
و إشغالُ يومِ العيد - أو أيامه - بمسابقاتٍ نافعة خيرٌ و برٌّ .
و للمسابقاتُ صُوَرٌ كثيرة، منها :
1- المسابقةُ العائلية ، و تكون موجهةً إلى عائلةٍ و أسرة، لا أن تكون موجهةٌ لأفرادٍ، ولها فائدتان:
1- المشاركة من جميعِ أفراد الأسرة .
2- التنافسُ بين الأسر .
و لا يمنع أن تكون المسابقة فيها نوع من الطول ، لإكثار التنافس و تقويته .(7/109)
2- المسابقة الرجالية ، و هي التي تكون موجهةٌ للرجال دون النساء ، و يُراعى فيها أن تكون الأسئلة مما يهم شأن الرجال أكثر .
3- المسابقة النسائية ، و هي كسابقتها .
4- مسابقة للأطفال ، و تكون أسئلتها سهلة ميسورة ، تهتم بجانب التربية وحسن الخلق والتعامل.
5- مسابقةُ الخَدَم ، فتوجهُ لهم مسابقةٌ فيها : تصويرٌ لحقيقةِ الإسلام، و تعليمٌ لشريعته، و لابدَّ من التنبه لأمرٍ وهو : أن مسابقاتهم تكون على كتابٍ أو شريط ليس إلا .
و بعد هذا التقسيم لأجناس المتسابقين ، نبين أنواع المسابقة ، و هي :
1- المسابقات الشرعية ، و هي التي تكون فيها أسئلةٌ عن : القرآن ، السنة ، الفقه ، التوحيد
2- المسابقات الثقافية ، و تكون في الأمور العامة مثل : من أول من صنع كذا، و الألغاز، وغيرهما .
3- المسابقة الكتابية ، فيختارُ كتاب و تجعل عليه أسئلة .
4- المسابقة السمعية ، تتعلَّقُ بالشريط المسموع .
و من الأفكارِ المتعلِّقَةِ بالمسابقات :
1- أن تكون المسابقةُ على صورةِ بطاقات ( كروت ) بحجم اليد .
2- أن يكون المتسابقون فريقان، أو أفراداً .
3- أن تكون مسابقاتٍ فورية، أو مسابقاتٍ لها وقتٌ تنتهي فيه .
الرابع : اللقاءات:
في بعضِ الأُسَرِ رجالٌ يُشارُ إليهم بأصابعِ الاحترام و التقدير، و يُنظرُ إليهم بعين التقدير، و ذلك لاشتهارهم بـ : علمٍ ، أو منصِبٍ ، أو وَجَاهَةٍ .
و لا ريبَ أن مثلَ هؤلاءِ قد محصَّتْهُمُ السنين، و أخرجتهم التجارُِب، فاستغلالهم مكْسَبٌ كبير جداً.
و هذه هي فكرةُ اللقاءات ، فيُعْقَدُ لقاءٌ مع أحد أولئك ، و يكونُ كأي لقاءٍ .
الخامس : الكتاب:
و أعني به : توزيعُ كتابٍ أو نشرةٍ فيها تبيانٌ لبعضِ ما يقعُ فيه الناس، أو فيها بيانٌ لأحكام العيد: (الفطر أو الأضحى ).
السادس : الشريط :
و لا يجهلُ أحدٌ منفعةَ الشريط، وعظيم فائدته، و يُراعى في انتقاءِ الشريطِ كونُه مناسباً للفهم ، مخاطباً الواقع الذي يعيشه الناس .
ثانياً : الرياضات :
الرياضَةُ مُتْعَةُ مُبَاحةٌ في شرعِ الله تعالى، و لا تكونُ مُحَرَّمَةً إلا بأحدِ أمورٍ ثلاثةٍ :
الأول : أن يكون الدافع لها شيءٌ محرم ، كـ : قمارٍ .
الثاني : أن يكون مصاحباً لها ما هو حرامٌ ، كـ : آلةِ لهوٍ ، أو قد ضيَّعَتْ واجباً .
الثالث : أن تؤدي إلى حرام ، كـ : قطيعةٍ ، و سبابٍ .
و ما عدا ذلك فلا بأس به بناءً على الأصل .
فاستغلال أيام العيد بأنواعٍ من الرياضات الباعثةِ في النفسِ رُوْحَاً و أُنْسَاً مطلب جميل، وعمل مباركٌ إن شاء الله .
و الرياضات أنواعٌ كثيرةٌ جداً ، و المقصود استغلالها مع التوجيه نحو الأصوب ، فتكون ترفيهاً مع إفادةٍ .
و جميلٌ أن يكون هناك توجيهٌ لطيف من خلال الرياضة، فإن بعض الأسر يكون فيها إظهارُ ألفاظٍ قبيحةٍ اعتاد أهلها عليها، فلا بأس من التوجيه اللطيف لهم .
و العناية بإقامةِ الرياضة في وقتٍ لا يضيق معه وقت الصلاة، فلا يقام لها وقتٌ قبيل الغروب فيترتب عليه تأخير الصلاةعن وقتها .
ثالثاً : الاجتماعيات :
لا يَقومُ أساس من الدعوة والإصلاح إلا بتنظيمٍ و تخطيط، وبهما يكون تحقيق الهدف، و بغيابهما يكون الفشل .
و المُرادُ بالاجتماعيات : التنظيمُ للعملِ الدعوي في العيد .
أي : تكليف أشخاصٍ يقومون بترتيب المسابقات، و آخرين بتنسيق اللقاءات، و جماعةٍ ثالثة في توفير الشريط أو الكتاب .
و مما يندرِجُ هنا : تنظيم الأوقات المناسبةِ،و كذلك ما يتعلَّقُ بتوفير المال لأمور العمل الدعوي ، فهو مهم و هو عَصَبُ العمل الدعوي ، و بتوفيره يكون تحقيق أكبر قدرٍ من العمل المقصود .
و الجامعُ لجميع تلك المُقْتَرحات هو :
أولاً : الحكمة في الطرح .
ثانياً : التجديد في الأسلوب .
ثالثاً : مراعاة الزمان و المكان .
رابعاً : الرفقُ في الطرح .
سدد الله الخُطى، و بارَك في الجهود، ووفق الجميع للمرضاة، و سلك بنا درب النجاة.
كاتب المقال: عبد الله بن سليمان العبدالله - ذو المعالي
المصدر: صيد الفوائد
==============
بناء الفريق الفعال في العمل الدعوي
إن الأخوة الإيمانية هي الركيزة الأساسية لبناء أي فريق فعال في العمل الدعوي، وعلى قدر الإخلاص في عبادة "الأخوة في الله "بين الدعاة إلى الله يكون التوفيق والنجاح في بناء الفرق الدعوية الفاعلة.
يقول محمد أحمد الراشد:
"ما برح مقدار إدراك معنى الأخوة يميز ويفاضل بين الدعاة، ولن يرتقي داعية إلى أوج الوعي إلا إذا اعتبر إبراز خلق الأخوة الإيمانية وتعليم موازين الإخاء هدفاً أساسياً من بين أهداف الدعوة الإسلامية، وإلا إذا أدرك إن إحلال هذا الخلق في التعامل الواقعي بين المسلمين، وتجسيده في صورة جماعة عمل متآخية يُخول الدعوة إدعاء النجاح ويمنحها لوحدهُ مبرر الوجود حتى ولو لم تصب سرعة التأثير، أو صد عنها جمهور سذج الناس صدوداً." [ العوائق ، ص27].
لذا أحببت أن أضع بين يدي القارئ الكريم وبالأخص"الدعاة إلى الله"، تعريف الفريق الفعال في العمل الدعوي، وأهمية بنائه، والوسائل المعينة لنجاح بنائه، والأدوار المهمة في بنائه.
ما هو الفريق الفعال؟
الفريق الفعال: هو الوسيلة التي تمكن الدعاة إلى الله من العمل الجماعي كوحدة متجانسة؛ لتحقيق هدف دعوي معين، أو إنجاز مهمة دعوية واضحة.
أهمية بناء الفريق الفعال:
- خلق جو ممتع في العمل الدعوي، على الرغم من كثرة الأعباء الدعوية.
- إنتاجية الدعاة إلى الله تزيد حول تحقيق أهداف العمل الدعوي.
- يتم الاستفادة من طاقات الدعاة بشكل صحيح، والتوصل إلى فهم واضح لدور كل داعية في الفريق.(7/110)
- مواجهة التحديات التي يمر بها العمل الدعوي بقوة وصلابة وروح إيجابية.
- إحساس الدعاة إلى الله بأهمية اعتماد بعضهم على بعض، وأن كل واحد منهم يسد نقص الأخر.
الوسائل المعينة لبناء فريق فعال:
- إخلاص النية لله - عز وجل - والتجرد من هوى النفس من حب شهرة وغيرها.
- تحديد هدف الدعاة إلى الله في هذا العمل الدعوي وتحديد مهمة كل داعية.
- معرفة إمكانيات الدعاة إلى الله في الفريق والعمل على تطويرها.
- إيجاد حلقات اتصال مكثفة بين الدعاة في الفريق، وأن يحرص كل داعية على العلاقة الأخوية بينه وبين أعضاء الفريق بـ " دوام السؤال والاتصال - قضاء حوائج الإخوان - الدعاء بظهر الغيب - طلعات أخوية – برامج إيمانية -….إلخ ".
- الحرص على الصفاء القلبي في حالة اختلاف الرأي ،وان لا يستدرجنا ذلك إلى ترك العمل أو العمل ضد بعضنا البعض.
- التنسيق بين الدعاة في أداء المهمات الدعوية " قائد الفريق غالباً ما يلعب هذا الدور ".
- التقدير لجهود أعضاء الفريق خلال كل مرحلة.
الأدوار المهمة في الفريق الفعال:
القائد:
هو الذي يتمتع بروح الفريق، والقادر على الانسجام مع أعضاء الفريق، وهو الذي يتحمل الاختلاف وينصت إلى غيره ويحاول فهمهم،وهو الذي يعدل من مواقفه إذا ما اقتنع بالحاجة لذلك ويسارع إلى الاعتراف بأخطائه.
هو امرؤ واسع الأفق،لا يتعامل مع الناس على أنهم قوالب ثابتة. ذو همة عالية وقدرة على مواجهة التحديات " بكل ذلك وغيره يستطيع إدارة الفريق نحو الهدف " ومها كان مستوى نبوغ القائد أو براعته فإنه يحتاج مساعدة غيره لتقديم أقصى ما عنده.
المبادر:
هو الذي يقدم أفكار وأساليب وطرق مختلفة لتطوير العمل،أو المبادرة إلى تولي المسؤوليات الأكثر صعوبة التي لا يقبل عليها معظم الدعاة لأسباب مختلفة.
المحرك - المشجع:
يعمل على تحفيز الدعاة في الفريق ويبعث النشاط فيهم لتحقيق الإنجازات، فيثني على الجهود، جامعاً بين الحث والتشجيع.
الموفق - المنسق:
يسعى إلى توضيح العلاقة بين الأفكار والمقترحات التي يتقدم بها الدعاة في الفريق،ويقوم بإزالة سوء الفهم الذي قد يحدث بين الأخوة في العمل، ويقوم بصياغة منظومة متكاملة ومترابطة بين الأفكار والمقترحات.
الناقد البناء:
يقوم بتقويم النتائج التي توصل إليها الفريق بنزاهة وموضوعية، مع الاستدراك والتعديل بأسلوب تشجيعي يساعد على استدرار مزيداً من الأفكار.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كاتب المقال: عمر سالم المطوع
==============
الدعوة العائلية 1-2
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى : ( يا صباحاه! ) فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله: ( يا بني عبد المطلب! يا بني فِهْر! يا بني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ ) قالوا : نعم . قال : { فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد } .
فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله جل وعلا .
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان.
والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله:
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكن نشاطه يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية:
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:
أ- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
ب- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
ج- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
د- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
هـ- إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
و- تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
ز- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.(7/111)
من الوسائل الدعوية العائلية:
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة:
1- خطوات الدعوة العائلية هي: التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية.
ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي.
ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له:
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة - شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة؛ ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها:
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في المناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة والحمد لله: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
=============
الدعوة العائلية
تأملات :الوطن العربي :الثلاثاء 12 ربيع الآخر 1425هـ - 1يونيو 2004 م
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله -تعالى-: ' وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ' [الشعراء:214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى: 'يا صباحاه!' فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله :' يابني عبد المطلب! يابني فِهْر! يابني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ ' قالوا: نعم. قال:' فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد '. فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله جل وعلا.
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله :
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذْ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكن نشاطه يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:(7/112)
أ- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
ب- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
ج- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
د- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
ه_ إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
و_ تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
ز- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
من الوسائل الدعوية العائلية:
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- خطوات الدعوة العائلية هي : التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية. ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له 'لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ' [الأحزاب:21]
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة -شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة ؛ ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها :
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء ، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة... ، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في ا لمناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم ، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة -والحمد لله-: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد، ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة؛ للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء:'أكرم صغارهم؛ يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم'، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم،ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم ذلك للخروج بأكبر فائدة.(7/113)
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة؛ لما فيها من محبة، ورفع الكلفة وتعميق الروابط ؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة؛ لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة، والتودد إليهم لما للهدية من أثر عجيب؛ فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية إلى الناس، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم : ' ..وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء'.
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة ـ غير المخالفة للشرع ـ لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء -خاصة- من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر بعيد... أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة... وغيرها مما ينفع المهدى إليه في دينه.
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي ؛ لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا، وغير منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة ، أو ساعد في الدعوة، تشجيعاً له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي ، يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة، أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله، وطلب عونه -جل وعلا- ، والدعاء لأفراد العائلة بالصلاح والهداية، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم-: 'دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل'.
أسباب نجاح الدعوة العائلية واستمرارها
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله [تعالى]، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله- لا بد أن تؤثر وتؤتي أُكُلَها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [2] كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 2، 3] وقد ورد في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال : [يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلِقُ أقتابُه [يعني أمعاءه] في النار، فيدور كما يدور الحمارُ برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أيْ فلانُ، ما شأنُك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه].
3- دراسةُ أي نشاط مُقْتَرحٍ للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: [أدومُها وإنْ قلّ] [7] لأن التذبذبَ وبدْءَ النشاط ثم إيقافَه، أو عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوِّقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يُفْقِدْهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا الأمر يغفُل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء استجابة الناس، وينسى قول الله تعالى: [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً] [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاحَ مع العائلة ودعوتَها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويُقبِل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يُوَجِّه كل شخص إلى ما يمكن أن يُبْدِعَ فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم، والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:(7/114)
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى [لا إله إلا الله محمد رسول الله]، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة، والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية - دائماً- على عدم إثارة غيرة الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون الداعية رثَّ الثياب، فالله جميل يحب الجمال، ويحب أ ن يُرى أثر نعمته على عبده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده].
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم ، أو إثارة الرفض، والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسَعَة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لا بد أن يناله أذى وابتلاءٌ وهذا هو طريق الأنبياء والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله تعالى : [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ] [الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك، ثم مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يُهْدَمُ في لَحَظَات [وليس الذي يبني كمن هو يهدمُ].
كلمة أخيرة :
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعةَ والكرمَ، فلا يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله- فقط- في سبيل الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهمَّ من الأموال التي يمكن الحصولُ عليها من مصادر أخرى؛ فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام:
اعلمْ أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله تعالى من السعادة والتوفيق - حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبّدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعِرةٌ شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حبُّ الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين [وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ] ]العنكبوت: 69]، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم، أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المصلِحين العاملين الموَفَّقين.
حجاج بن عبد الله العريني
ماجستير في هندسة النظم والأساليب
============
المرأة في رمضان
هدية رمضانية :
أهدافها :
1- إدخال السرور على الجيران.
2- شمولية عمل المسجد.
وقت تنفيذها : مع دخول الشهر.
مكان تنفيذها : على أهالي الحي.
طريقتها :
يتم اختيار شريط ومطوية وكتيب مناسبة ووضعه في ظرف مناسب وتوزيعه على أهالي الحي ، ويفضل أن تحمل الهدية تهنئة شخصية بمناسبة حلول الشهر الفضيل من إمام المسجد .
ملحوظات :
- يفضل إرفاق برنامج يومي مقترح لصائم، وبرنامج مقترح للمرأة المسلمة .
- حبذا لو كانت الهدية شاملة للرجل والمرأة والطفل.
- الشريحة المستهدفة أهالي الحي.
المسابقة الرمضانية:
أهدافها :
1- شغل أوقات المشاركين في هذا الشهر بالمفيد.
2- تثقيف المشاركين من خلال هذه المسابقة .
3- إثارة التنافس بين المشاركين .
وقت تنفيذها : أول الشهر.
مكان تنفيذها :على أهالي الحي
طريقتها :
يتم إعداد مجموعة أسئلة منوعة ومناسبة لجميع الأعمار ، وتُخرج بشكل جذاب ثم يتم توزيعها مع الهدية الرمضانية، وتسلم في تاريخ معين، مثلاً 16 رمضان ثم يعلن عن أسماء الفائزين ويسلمون جوائزهم، وذلك في الحفل الختامي الرمضاني .
ملحوظات :
- ضرورة الحرص على الإخراج الجميل لهذه المسابقة .
- الشريحة المستهدفة الأهالي عموماً.
اللقاء الرمضاني:
وقت تنفيذها : أول أسبوع من رمضان .(7/115)
مكان تنفيذها : منزل إحداهن .
أهدافها:
1- نشر الخير في أوساط النساء .
2- تعويدهن على حفظ الوقت .
3- تفقد بعضهن بعضا .
طريقتها :
يتم الإعلان عن وجود لقاء نسائي، ويتم الاتصال بينهن والتواعد على مكان وزمان معين، وحبذا لو كان مع بداية الشهر .
ملاحظات :
- ضرورة وجود برنامج قوي لهذا اللقاء .
- يفضل توزيع جدول المرأة المسلمة في رمضان .
- الشريحة المستهدفة النساء.
مسابقة الحفظ:
وقت تنفيذها : العشرة الأوائل من رمضان .
مكان تنفيذها : المسجد ( مصلى النساء ) .
أهدافها :
1 – تشجيع المشاركات على التعلق بكتاب الله.
2 – ربطهن ببيوت الله .
3 – اجتماعهن على الخير .
4 – بث الحماس بينهن .
طريقتها :
يُعلن عن إقامة مسابقة نسائية في حفظ القرآن الكريم لسورة معينة أو سور محددة، وعن موعد التسميع في المسجد، ويكون هناك جوائز للمشاركات والفائزات .
ملحوظات :
- يتم التنسيق مع إحدى الفاضلات في الحي للإشراف على التسميع ومتابعة المشاركات .
- الشريحة المستهدفة النساء .
كاتب المقال: علي بن عبد الله بن علي
================
الدعوة والاجتماعات الأسرية
دأبت كثير من الأسر على عقد اجتماع أسبوعي لأفرادها وفي الغالب نجد النساء هن المواظبات عليه.
فتجد الأم تجتمع ببناتها وزوجات أبنائها وأبنائهم، ولو ألقينا نظرة خاطفة على نمط أغلب الاجتماعات الأسرية لوجدناها تدور في فلك واحد: راحة وترفيه، وهو يتجلى من خلال تهيئة سبل ذلك، كاستمرار الاجتماع لساعات طويلة، وتناول أحاديث متفرقة، وتهيئة أطعمة متنوعة، وما على شاكلة ذلك من السبل.
وفي الحقيقة أن الاجتماعات الأسرية مجال خصب للدعوة، فلابد أن تعتني الأخوات المستقيمات بشأنها حتى تثمر ..
وفي الأسطر القادمة جملة من الطرق الدعوية المجربة في مثل هذه الاجتماعات، أطرحها بين أيديكن لعلكم تنتفعون بها:
مقومات النجاح :
لابد أن يكون لأي عمل ينشد صاحبه النجاح فيه مقومات رئيسة، وبالنسبة لمشروعنا المقترح فإنها تتلخص في الآتي :
1- الإخلاص.
2- الصبر: قال تعالى
?وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك? لقمان: 17
3- الرفق: قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أراد الله بأهل بيت خير أدخل عليهم الرفق) .
4- الحكمة: قال تعالى: ?ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن? النحل : 125
عوامل مساعدة :
هناك عدد من العوامل المساعدة التي هي على قدر من الأهمية وهي :
1- العناية التامة باختيار المواضيع المطروحة والوسائل من كتب وأشرطة.
2- الإعداد الجيد لكل نشاط ليظهر بشكل منظم ومرتب .
3- فتح المجال للعضوات للمشاركة بالأنشطة بحسب قدراتهن ورغباتهن، مع تقديم التشجيع المتواصل لهن على ذلك.
4- مراعاة فوارق الأعمار والمستويات العلمية والثقافية للمجموعة.
5- مراعاة الظروف الطارئة والتماس الأعذار لهن، وفتح المجال أمامهن للتعويض عن ذلك.
6- المداومة على تذكيرهن بفضل مجالس الذكر والأجر المترتب على عقدها.
7- تشجيعهن عبر تقديم الشكر لهن على تجاوبهن، والثناء على جهودهن المبذولة .
8- تذكيرهن بالفوائد الجمة المترتبة على هذا المشروع، وفتح المجال لهن لذكر شيء من تلك الفوائد.
9- إيصال الشكر للرجال من آباء وأزواج على تشجيعهم للنساء والأبناء .
10- تقدير الوالدة وتخصيصها بشيء من الاهتمام سواء أثناء النشاط أو إبان تقديم الهدايا، ورفع أسمى معاني الشكر والتقدير لها، وذلك أن البعض يغفل عن هذا الجانب المهم جدًا باعتبارها امرأة كبيرة في السن ولا تستهويها هذه الأمور.
11- التدرج في الأنشطة والتنويع فيها حتى لا تمل النفوس ولا تسأم منها.
12- الاهتمام بالهدايا الممنوحة لهن في المسابقات، ومراعاة ميولهن قدر الإمكان ما لم يترتب على ذلك مضرة.
13- تحفيزهن للقيام بنشاط مماثل لدى أسرهن، سواء كن زوجات الأبناء أو أهل أزواجهن إن كن بنات متزوجات، وتهيئة السبل المعينة.
==============
كيف تصنع رسالة دعوية ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على إمام الدعاة وقدوة العباد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ وبعد :
هذه طريقة مقترحة لكيفية إيصال الرسالة الدعوية إلى المتلقي؛ اقتضتها الحاجة، وكثرة السؤال ممن بذلوا أوقاتهم لخدمة دين الله ونفع عباده؛ وقد جاءت في اثنتي عشرة خطوة كما يلي:
*اجعل لطرحك مسوغاً:
فذلك أدعى لقبوله ولفت الانتباه إليه؛ وحتى لا يتسلل الشك إلى نفس المخاطب بأنه المقصود بالحديث خاصة في بعض المسائل، وهذا المسوغ:
إما أن يكون موجوداً: كأن يبدأك بسؤال أو ذكر حادثة فتجيب أو تعلق بما يناسب، أو أن ترى منظراً لرجل مصاب فتذكره بنعمة الله وحقوقها، أو تشاهد مستغرباً في لباسه فتحدثه عن نعمة الإسلام والتدين وتعمق مفاهيم الولاء والبراء لديه، ومثله أن تستغل التزامك بقوانين المرور وأنظمته للتذكير بضرورة الالتزام بأوامر الله ونواهيه وتعزيز مفاهيم الأمانة وحفظ الضرورات الست عنده، وكأن تستغل انضباطه بمواعيده للثناء عليه وذكر فضيلة الوفاء بالوعد والعهد، ثم تتخذ ذلك منطلقاً للحديث عن الصلاة ومواقيتها وجماعتها، وتعرج على المنافقين بفضح خلائقهم وصفاتهم دون أسمائهم.
أو تسعى لإيجاده: كأن تورد القصة من باب التسلية ثم تعلق عليها، أو تستمع معه إلى شريط نافع أو برنامج ماتع وتناقشه فيه، أو تبادره بالسؤال عن الامتحانات لتحدثه عن فضيلة الصبر أو الشكر؛ أو تستخبره عن والديه لتعقب بحديث عن حقهما ووجوب برهما وطاعتهما في غير معصية، وهكذا حتى لا يشعر صاحبك أنك تعتسف الحديث اعتسافاً.
*لا تشعره بأنك تلقي محاضرة:(7/116)
وذلك بأن تكون على سجيتك أثناء الطرح؛ متوسط اللغة غير متقعر ولا مغرقٍ في العامية؛ ولا تبدأ حديثك بما تبدأ به المحاضرات بالرغم من فضل تلك البداية وأجرها، ولتكن معانيك واضحة قريبة سهلة المأخذ، وحاذر الرمزية، وكن مباشراً دفعاً للظنة والفهم الخاطئ.
*اجعل لطريقة عرضك خطة قبل اللقاء:
وذلك بالتزام منهج تسلكه لبلوغ الهدف المنشود من اللقاء معتمداً على ترتيب الأفكار ومراعاة الأولويات، فلا تذكر للمدعو صوراً من الربا قبل ذكر تعريفه وبعض أدلة تحريمه؛ وتذكر أن إيجاد المسوغ من أهم مهمات خطة الطرح.
*احرص على رؤوس الأقلام المهمة:
فقد لا يسعفك الوقت أو شخصية المقابل، فلا تطل واكتف بذكر رؤوس الأقلام المهمة لكونها أرسخ في الذهن وأبعد عن الملل؛ ولا مانع حسب حالة المتلقي من تكرارها؛ وتذكر قول المبرد: " من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض أصحابه للملل وسوء الاستماع ".
*لا تذكر الشبهة نقداً وتجعل ردها نسيئة:
والصواب ذكر المفهوم الصحيح والتأكد من فهمه ورسوخه ثم ذكر الشبهة وتفنيدها؛ وسيكون نجاحك أكيداً باهراً لو شاركك المدعو بتفنيد الشبهة ودحضها، بناءً على قولك الأول.
* ليس ضرورياً أن يكون لكل لقاء موضوعاً خاصاً:
ويتأكد ذلك في الجلسة الأولى؛ ويكتفى بذكر الله حينما تعرض مناسبة كالآذان أو العطاس أو القيام من المجلس أو الفراغ من طعام أو شراب، وعند البخاري من حديث ابن مسعود _رضي الله عنه:_ " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا ".
وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: " ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال " ثم قال: " ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط".
*نوِّع خطابك:
فلا تجعله محصوراً في العلم أو العاطفة أو الفكر أو الأدب؛ بل شكله حسب المقام والمستهدف، ومن تنويع الخطاب: أن يكون مرة بلسانك، وأخرى عبر شريط أو إذاعة، وثالثة من خلال كتاب أو مجلة، وهكذا.
*لا يكن حديثك متشائماً:
فلا تشحن خطابك بالسلبيات، ولا تصيره مكتظاً باليأس والقنوط والهزائم، فذلك أدعى لرفضك ورد مقولك وقطع العلائق معك، ولا يعني هذا الإغراق في الإيجابيات والتفاؤل المفرط الساذج؛ لأن كثرتها خلاف الواقعية والموضوعية؛ والتوسط مطلوب في كل شيء.
*لا تشغله بالجزئيات:
فلعله لا يستفيد شيئاً من التوسع في ذكر اختلافات الأئمة - رضوان الله عليهم - في مسألة ما مثل ما يستفيده من الاقتصار على القول الراجح، أو من ترسيخ حكم أساسي في ذهنه ، ثم إن شغله بالجزئيات مدعاة لتشتيت الذهن وعدم شعوره بالفائدة ثم الانقطاع.
*لا تسرد موضوعاتك مرة واحدة:
فلن يستفيد ولن تجد ما تحدثه به مستقبلاً إلا المعاد المكرر، وستكون كصاحب بيض وضعها في سلة واحدة وقطع بها أرضاً وعرة ثم عثر ! فما ظنك بالبيض ؟
*ليكن خطابك مما يحتاجه المدعو:
فلا تحدث فقيراً عن الإسراف وخطره مثلاً؛ ولا ترشد آخر غير سالكٍ إلى أهمية النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، وإذا علمت عمن معك أنه يرافق صحبة سيئة فحدثه عن الصحبة الصالحة وبركتها.
وليكن حديثك عن الأشياء الظاهرة عليه أو المعلومة عنه، حديثاً غير مباشر خصوصاً في بدايات المعرفة، ويدخل ضمن هذه الفقرة مراعاة اهتمامات المدعو حتى يأنس بالجلوس إليك؛ ومنها أيضاً تحديث المدعوين على قدر مداركهم واستيعابهم كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه- : " ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "، وإياك إياك أن تطب زكاماً فتحدث جذاماً، والسلامة لا يعدلها شيء.
*تجنب متاهات السياسة ولا تدخل في موضوعات حرجة:
وذلك أجلب لاطمئنانه وأضمن لاستمراره، ومن نفيس كلام الإمام الشاطبي - رحمه الله- قوله: " وليس كل ما يُعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علماً بالأحكام ".
وليكن موقفك واضحاً في رفض الأخطاء واستنكارها كأعمال التفجيرات، بنفس الدرجة التي تنكر بها المخالفات الأخرى.
وأخيراً؛ أصلح نفسك وتعاهد سريرتك وتفقد نيتك يصلح الله لك مَنْ معك، ويجعل لكلامك نورانية تخترق حُجُب النفوس - حتى لو كانت غليظة - إلى حيث موقعها من قلب المدعو؛ وأحثك على مزيد من العلم ومزيد من الثقافة ومزيد من المهارة، فلا يحسن أن يكون المدعو أميز من الداعية في واحدة مما ذكرت؛ وكن قدوة بسمتك وبقولك وبفعلك.
سددك الله ووفقك وأعانك؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ والسلام.
* كتب مقترحة:
• مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي. د. عبد الكريم بكار.
• ثقافة الداعية. د. يوسف القرضاوي .
كاتب المقال: أحمد بن عبد المحسن العساف
================
أهمية الابتسامة في عمل الداعية
دعنا - أخي الداعية - في البداية نتفق على قاعدة مهمة تقول : " كل تصرف يقوم به الداعية يمكن أن تتم ترجمته إلى كلمات "، و سوف نستخدم هذه القاعدة كثيراً في بحوثنا اللاحقة إن شاء الله تعالى .
أما تفسير هذه القاعدة فيتلخص بمثال بسيط ، وليكن عن نفس موضوع البحث ، فأنت أخي عندما تبتسم في وجه المدعو ؛ فإن هذا تصرف ، و سوف يقوم المدعو بترجمته إلى الكلمات التالية : " أنا أحبك .. أنا أحترمك .. أنا مهتم بأمرك و أتمنى لك الخير و يسرني رؤيتك " ، فتخيل - أخي - كم من الكلمات الجميلة تلك التي قلتها بحركة صغيرة من شفتيك ، و تخيل مسافة الطريق التي قطعتها إلى قلب المدعو من غير كثير نقاش أو طول إقناع و مماحكة ، فالابتسامة تغني الذين يتقبلون دون أن تفقر الذين يعطون .(7/117)
نعم .. إنها حركة بسيطة ، و لكنها تعني للمدعو الشيء الكثير ، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو تنمو و تكبر ، و تؤتي أكلها بإذن الله .
و هاهو خير البشر يرشدك- أيها الداعية - و يحثك على البسمة : فيقول : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) ، وهاهو - صلى الله عليه و سلم - يصف حسن الخلق فيقول : ( بسط الوجه و بذل المعروف و كف الأذى ) و يقول : ( كل معروف صدقة ، و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) .
و اعلم أيها الداعية - سدد الله خطاك - أن العبوس و الغلظة ليست من الدين في شيء ، خاصة في مقام الدعوة إلى الله ، و لا يهمك بعض من جعلوا من العبوس أصلا من أصول الدين ، فابتسامته كهلال رمضان لا يوفق الكثير في رؤيتها ، و يسمي هذا التزمت التزاما ، أو وقارا ، وأنا أرى أن هذا الذي يفعل هذا الفعل لن يكون أكثر وقاراً من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الذي قال فيه أبو الدرداء رضي الله عنه : " ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثا إلا تبسم " ، و في حديث آخر عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال : " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه و سلم " .
وأنا في هذا المقام لا أريد أن أتوسع ، فأتكلم عن رحابة الصدر و اللين في الدعوة ، و التي سيكون لها بحثها الخاص - إن شاء الله - لكني أريد أن أبقى في إطار الابتسامة ، و لا بد و نحن نبحث فيها أن نؤكد على أمر مهم وهو: أن تكون هذه الابتسامة التي نهديها لأحبائنا صادقة نابعة من القلب ، و إلا فإنها سهم طائش ، لن يصيب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية في نفسية المدعو الذي لن يترجم الابتسامة الصفراء الكاذبة - و هو يعرفها - إلا بكلمات سوداء ، و مشاعر حزينة، و هذا من أكبر العوائق في طريقك إلى قلبه .
و هاهو ديل كارنيجي - أحد علماء النفس المشهورين - يقول في كتابه: كيف تكسب الأصدقاء و تؤثر في الآخرين : " إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد و الكفاح فلا أؤمن به ، متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة " .
و هاهم أهل الصين يوجهون لدعاة الإسلام نصيحة جميلة ، و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها .. إذ يقول المثل الصيني : " الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكاناً " .
و نحن نقول : " الداعية بوجه غير باسم لا ينبغي أن يكلم إنساناً " .
فكن أخي كالرجل الهرم الذي قال فيه الشاعر زهير :
تراه إذا ما جئته متهللا **** كأنك تعطيه الذي أنت سائله.
و إياك أن تكون من الذين :
وجوههم من سواد الكبر عابسة ** كأنما أوردوا غصبا إلى النار
ليسوا كقوم إذا لقيتهم عرضا ** مثل النجوم التي يسري بها الساري.
و تذكر دوما أن :
الابتسامة تحدث في ومضة و يبقى ذكرها دهراً ، و هي المفتاح الذي يفتح أقسى القلوب ، و هي العصا السحرية التي تكبت الغضب ، وتسري عن القلب.
فهيا - أخي - نبتسم في وجوه الناس .. نبشرهم و لا ننفرهم .. نغير الصورة التي طبعها البعض في أذهان الناس عن الملتزمين المتزمتين، فنبين لهم أننا ملتزمين مبتسمين، نحب الخير للناس، و نتمنى لهم الهداية و السعادة، و نشعرهم أننا نهتم بهم، و همنا همهم و فرحنا فرحهم .
أما المصافحة و السلام باليد فهي أمر آخر جميل ، تستطيع من خلاله أن تنقل سيلا كهربائياً إلى أخيك ، يشحنه محبة ووداً ، و هاهو سيد الخلق محمد - صلى الله عليه و سلم - كما يخبرنا عنه أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استقبله الرجل فصافحه ، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه " و لهذا دلالة عظيمة ، و أثر كبير في نفس الإنسان الذي تصافحه ، فهو دليل اهتمام و محبة ، و لن يطلب الآخرون منك أكثر من ذلك .
و ختاما أخي - يا داعية الإسلام - ما رأيك أن تجرب هذا المفتاح فتبتسم في وجه كل من تلقاه من أهلك ، أو أصدقائك ، أو إخوانك ، أو زملائك ، أو طلابك ، أو موظفيك و ترى ردة فعلهم ، لعل الله يكتب لك أجر المعروف ، بأن تلقى أخاك بوجه طلق ، أو يكتب لك ما هو خير من حمر النعم، بأن يشرح الله صدر أحدهم على يديك أو على شفتيك .
و كما بدأنا بالابتسام فإنا نختم بالابتسام .. و السلام .
============
رسالة إلى أصحاب الوجوه العابسة !
من الطبيعي أن نتعب في هذه الحياة وأن تؤرقنا همومها، ولكن هل تستلزم معاناتنا هذه أن نرفع شعار العبوس ليلاً ونهار ؟
لو كان العبوس حلاً لمشاكل البشر ، لما رأيت شخصاً واحداً .. تتربع على شفتيه ابتسامة .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) أخرجه البخاري.
فأي ابتسامة تلك التي تكون صادقة ؟
وكيف يمكن استثمارها كوسيلة لكسب الآخرين ؟
وقبل أن نتلمس الإجابة الصحيحة على هذين السؤالين لا بد من استعراض لأنواع الابتسامات؛ لنحدد بعدها الابتسامة التي نريد:
* أنواع الابتسامات :
1- ابتسامة الفرح ـ وذلك عند حدوث ما يفرح الإنسان من آمال دنيوية أو أخروية .
2- ابتسامة السخرية ـ يريد منها السخرية من الخصم وتحسيسه بفشل ما يقوم به وتحقيره .
3- ابتسامة النفاق ـ يقوم بها للحصول على بعض المآرب الدنيوية .
4- ابتسامة الخوف ـ يقوم بها تجنبا من شرور المقاتل ، ودرءا لفساده المتوقع.
5- ابتسامة الجنون ـ تحدث عند فقدان التحكم بالعقل .
6- ابتسامة الحوادث المضحكة - تحدث عند سماع بعض الحوادث المضحكة غير الاعتيادية .
7- ابتسامة الإخاء ـ والتي تنبع من قلب محب لأخيه، لا لسبب سوى قربه من الله.(7/118)
وواضح من هذا الاستعراض أن الابتسامة النابعة من قلب محب للآخر في الله، هي تلك التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم .
وتشابهها تلك الابتسامة النابعة من قلب مشفق محب للخير للآخرين ،حريص على هدايتهم ، إنها تبدو مشرقة على وجه المبتسم وهو يطلقها من غير ابتغاء لأي مصلحة من المصالح الدنيوية الزائلة .
ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا ، وهو كيف يمكن استغلال هذه الابتسامة في اكتساب الآخرين ؟
فحتى تكون هذه الابتسامة هي الابتسامة المثالية ، والتي لها قوة من التأثير والجاذبية لكسب الآخرين لا بد أن تتوافر فيها المواصفات التالية :
أولا : أن نشعر المقابل أنها نقية من كل مقصد، غير الحب الحقيقي والحرص على الهداية .
ثانيا : أن تتصاحب مع مصافحة أو عناق أو كليهما، خاصة إذا كان غائبا أو مسافراً .
ثالثا : أن يصحبها كلمات الترحيب الجميلة والخالية من المبالغات الممقوتة .
رابعا : أن يرفقها بالسؤال عن الأحوال والأهل والأبناء ، وبعض مشاكله الخاصة واهتماماته .
خامسا : أن يناديه بأحب الأسماء إليه .
إذا الابتسامة طريقك إلى القلوب ، تماماً كما يكون عبوسك المستمر .. سبباً لنفورهم منك .
الابتسامة .. تخفف من التوتر ، وتجعل الإنسان متفائلاً ، يتعامل مع مشاكله بإيجابية، في حين أن التجهم يضيف ثقلاً لا يحتمل
================
كيف تضع برنامجاً ناجحاً للمدعوين ؟
** عناصر الموضوع :
أولاً : تعريف البرنامج .
ثانياً : أنواع البرامج .
ثالثاً : عناصر البرامج .
رابعاً : متابعة تنفيذ البرنامج.
خامساً : تقويم البرنامج .
سادساً : صفات البرنامج الناجح .
سابعاً : اعتبارات عامة في تصميم البرنامج .
أولاً : تعريف البرنامج :
هو عبارة عن خطط تنفذ من قبل الفرد ، أو مجموعة من أفراد في فترة زمنية محددة ؛ لتحقيق أهداف معينة .
ثانياً : أنواع البرامج :
1- برنامج سنوي .
2- برنامج فصلي .
3- برنامج رحلة أسبوعي .
4- برنامج مخيمات قصيرة .
5- برنامج مخيمات طويلة .
6- برامج الحج والعمرة .
ثالثاً : عناصر البرنامج:
أ- الطاقات البشرية:
لا بد من حصر الطاقات البشرية المساهمة في تنفيذ البرنامج وإدارته مع ضرورة مراعاة ما يلي:
1- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
2- استثمار جميع الطاقات ( عدم حصر المسؤوليات بأشخاص معدودين ) .
3- تأهيل الطاقات الجديدة .
4- حث المتكاسل وتشجيع المتردد .
ب - الإمكانيات المادية:
لا بد من مراعاة الإمكانيات المادية المتاحة ، والتي يمكن استثمارها في تنفيذ البرنامج ومنها :
1- المال .
2- السيارات.
3- المكان ( استراحة ، مسجد ، مخيم ، بر ، بحر ) .
ج - الزمن:
ننظر للزمن من زاويتين :
1- زمن البرنامج نفسه ( عمر البرنامج ) :
يراعى في البرامج ذات العمر الطويل لقاءات تقويم ، ووجود بدائل الطاقات البشرية ، والمادية ، والثقافية . ويراعى وضع الفقرات التي تحتاج إلى مجهود ذهني في صدر برامج اليوم .
2- وقت البرنامج ( متى ينفذ ؟ ) :
يراعى فيه برودة الشتاء ، وحرارة الصيف ، وانشغال الأذهان بالاختبار ، أو غياب بعض المشاركين في الإجازات .
يلاحظ أن ليل الشتاء طويل ونهاره قصير والصيف عكس ذلك .
د- الهدف :
لا بد من وضع أهداف يراد تحقيقها قبل البدء في عمل البرنامج ، وذلك يحقق عدة فوائد منها :
1- تحديد الموضوعات المطروقة .
2- تحديد المسؤوليات الموضوعة .
3- تحديد عمر البرنامج الذي نحتاجه لتحقيق تلك الأهداف .
4- تحديد الإمكانيات المادية والبشرية .
رابعاً: متابعة تنفيذ البرنامج:
كي يكتب لكل برنامج النجاح في تحقيق أهدافه تتجاوز المعوقات التي تعترضه لا بد من أن يقوم المسؤول عن البرنامج بمتابعة خطوات تنفيذه ويراعي في ذلك :
1- أن يتضمن البرنامج أسماء القائمين على تنفيذ الفقرات لكي يتم متابعتهم من خلاله .
2- المتابعة الصحيحة تبدأ قبل الشروع في البرنامج، وذلك لحث المتباطئ وتذكير الناسي وإيجاد البدائل للمتعذر .
خامساً : تقويم البرنامج:
عُرّف التقويم بأنه : الوسيلة الحيوية الأساسية التي تساعد على رفع مستوى الأداء ، ونهدف بتقويم البرنامج :
1- التأكد من فاعليته .
2- إزالة العوائق في طريق الوصول إلى الأهداف المرادة من تنفيذ البرنامج .
3- تنظيم الأداء الفعلي ليطابق الإمكانيات المتاحة للعمل .
4- مقارنة نتائج البرنامج مع التوقعات الموضوعة .
سادساً : صفات البرنامج الناجح :
يراعي الأهداف التي يراد تحقيقها :
1- الواقعية ( مراعاة الإمكانيات المتوفرة ) .
2- الشمول ( التنوع ) .
3- التجديد والإبداع .
4- استغلال الطاقات وتوزيع المسؤوليات .
5- المتابعة المستمرة.
6- تقويم الأخطاء وتجاوز السلبيات .
7- التخطيط المبكر للبرنامج .
8- الالتزام .
9- التوائم مع الزمن المناسب لتنفيذ البرنامج ( إجازة نهاية الأسبوع ، الصيفية ، الربيع ،... ).
سابعاً : اعتبارات عامة في تصميم البرنامج:
1- وضع أهداف محددة قبل وضع البرنامج .
2- تحديد الفترة الزمنية للبرنامج ( عمر البرنامج ) .
3- وضع الوسائل والأساليب التي تحقق الأهداف ( ندوة ، محاضرة ، مسابقة ، كلمة ، ألعاب، .......).
4- تحديد الطاقات البشرية التي تنفذ البرنامج .
5- تحديد العناصر المشاركة في البرنامج .
6- اعتبار مكان البرنامج وزمانه .
7- جدولة الأعمال والمسؤوليات.
8- تناسب زمن البرنامج مع فقراته ( البرنامج المضغوط ، البرنامج الفارغ ) .
9- تحديد الإمكانيات المادية .
10- توفير البدائل .(7/119)
فاجعل التنظيم عدتك ،وتوفيق الله رجاءك وأملك ورضاه غايتك ... وضع جبهتك على الأرض وقل : " اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه ، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه " .
وافعل كما فعل البخاري يوم كان يخطط لكتابة صحيحه، فما وضع حديثاً إلا وصلى قبله ركعتين فحلت البركة وكان التوفيق.
=================
حتى تخرج دعوتك من نطاق الفردية
من المسلمات التي نعيشها في هذا العصر أن الإسلام يحارب والمحن تتوالى وأن العقبات تكبر والتحديات تزداد، فتضاعفت بذلك الأعباء الموجهة على المسلمين، ومن المؤكد أن أهم وأقوى جبهات المواجهة والصد في الوقت الراهن، هي جبهة الدعوة إلى دين الله الصحيح، وتعزيز الأصول والمبادئ والقناعات لدى المسلمين.
فأصبح لا بد من مراجعة أساليب العمل الدعوي اليوم، وقد تبين من خلال رصد الواقع والتجارب أن أنجح وأقوى أسلوب للعمل الدعوي يتمثل في تحقيق منهجية العمل المؤسسي في تفعيل قضايا الدعوة العامة والخاصة، وذلك بتنمية المبدأ الجماعي في التفكير والعمل والإنتاج بأسلوب العمل المؤسسي الذي صار أسلوب القوة والتحدي في هذا العصر، ويكفي برهاناً من الواقع أن الدول الكبرى في الوقت الحالي دول مؤسسية، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً هي بجملتها مؤسسة ضخمة بنيت على استراتيجيات وخطط جارية التنفيذ لا تتغير إلا من منطلق جماعي، ولا تتأثر بسقوط فرد فيها أو أكثر مهما كانت منزلة ذلك الفرد وأهمية موقعه.
ومما تشتد الحاجة إليه الآن مقابل تيار التأثير المعادي الذي يعمل على صد المرأة عن دينها وتأصيل التمرد على شرع الله في نفوس الأجيال: إقامة مؤسسات دعوية نسائية متخصصة تعتني بكل الجوانب المهمة في حياة المرأة المسلمة، وتعالج القضايا المعاصرة بجهود جماعية منظمة ومتخصصة علمياً وتربوياً وثقافياً وإدارياً، تساهم مساهمة فاعلة في توفير الحصانة الفكرية والعقدية في البناء التربوي الإيماني للمرأة، وتوجد المحاضن التربوية التي تخرج المرأة الصالحة الواعية لمهامها والمتفاعلة مع مسؤولياتها.
لا ننكر أن هناك جهوداً دعوية مبذولة على صعيد الساحة، ولكنها في الغالب لا تزال تتسم بطابع الفردية، بما يترتب عليه من ضعف ونقص وإخفاقات في مقابل ضخامة المهمة واتساع رقعتها مع قوة تحدي أنظمة العدو.
فمن هذا المنطلق نشأت فكرة طرح هذا الموضوع لضرورة إيجاد وتعزيز القناعة بأهمية أسلوب العمل المؤسسي في الدعوة النسائية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بالأمة.
مع محاولة لتأصيل مبدأ العمل الجماعي الذي هو غاية مقصودة شرعاً، والإشارة إلى سلبيات العمل الفردي، من خلال عرض الموضوع، مع لفت الانتباه إلى أهمية تحقيق التوازن بين الجهد الفردي والمبدأ الجماعي، فلا يفهم من ذلك أننا نلغي الجهد الفردي ونهضم إنتاجه ونهمش دوره.
حيث إننا نجد عناصر منتجة في المستوى الفردي أكثر مما نجدها ضمن أولئك الذي يجيدون العمل المؤسسي، وكثير من الأعمال التي توصف بأنها ناجحة في الميدان وراءها أفراد، ولكننا نريد صياغة القدرات الفردية في إطار العمل الجماعي المنظم الذي يثمر التعاون بين أفراده فيزداد التفاعل ويحسن الأداء وتتكامل الجهود، ولكننا يجب أن نتذكر أننا أمام تحديات كبيرة تواجهنا من خلال عمل مؤسس منظم، بالإضافة إلى أن فرص نجاح واستمرارية العمل المؤسسي أكبر، واحتمال الخلل فيه أقل من العمل الفردي، كما سيتبين معنا من خلال عرض المزايا.
هو التجمع المنظم بلوائح يوزع العمل فيه على إدارات متخصصة ولجان وفرق عمل، بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة أو الإدارات في دائرة اختصاصها. أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.
لا شك أننا نريد لأعمالنا أن تستمر وتنمو وتنجح. والعمل الفردي هو الذي يرتبط بذات الشخص بوجوده وعطائه ونشاطه وعلاقاته، وكم من عمل ناجح نمى وصعد إلى القمة، لكن بوفاة صاحبه أو غيابه انهار واختفى.
وكذلك من ناحية الإنتاج فالتجارب الكثيرة تؤكد أن العمل الذي يبنى بناءً مؤسسياً ينتج إضعاف العمل الذي يبنى بناءً فردياً.
أيضاً نحن نريد لأعمالنا أن تنطلق من العفوية إلى التخطيط، كلما كان العمل مبنياً بناءً مؤسسياً؛ كان المجال لتثبيت أركانه بخطة واضحة تنفذ بإتقان. بينما العمل الفردي تظهر فيه العفوية والمزاجية والارتجالية، وكلها آفات في طريق نجاح العمل واستمراره.
فالعمل المؤسسي يوضح الأهداف وينظم العمل؛ لأنه يجبر على إيجاد التخصصات، وبالتالي يجبر العاملين على الوضوح وتحمل المسؤولية. ونحن نريد أن تتحول مشاريعنا من المحدودية إلى الانتشار.
1- تحقيق مبدأ التعاون الجماعي الذي هو أحد مقاصد الشريعة (وتعاونوا على البر والتقوى) وفي الحديث (إن يد الله مع الجماعة) رواه الترمذي، (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) متفق عليه. فجوهر الجماعة هو التعاون بين المسلمين والتكامل بين نشاطاتهم في طريق التمكين لشريعة الله.
2- تحقيق التكامل في العمل: إذ الكمال في عمل الفرد عزيز، فلا بد أن يعتريه الضعف البشري من القصور والإهمال والنسيان والغلو، بينما المشاركة الجماعية تقلل من ذلك أو تلغيه، فالجماعة قادرة على تحقيق التكامل باجتماع الجهود والمواهب والخبرات والتجارب والعلوم، مع التزام الشورى والتجرد للحق.
3- تأسيس الأعمال المشتركة بين الداعيات، بإقامة الدورات والندوات المنضبطة بنظام العمل المؤسسي.(7/120)
4- توظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية، وتسخيرها في العمل الدعوي والخيري؛ وذلك لأن العمل المؤسسي يوفر لها جو الابتكار والتفكير والإبداع والإسهام في صنع القرار، ويكثر سواد العاملين في خدمة الدين.
5- ضمان استمرارية العمل ـ بإذن الله تعالى ـ؛ لعدم توقفه على فرد يعتريه أسباب الانقطاع من موت أو مرض أو فتور أو غير ذلك.
6- عموم نفعه للمسلمين؛ لأن العمل المؤسسي يثمر إنجازات ضخمة يعم نفعها ويتعدى إلى جهات بعيدة لا تأتي عن طريق الجهد الفردي. ولي أن أنبه إلى أن الصدقة الجارية والعمل الصالح الجاري على العبد ثوابه ليس فقط بالمال، وإنما يكون بالفكر والجهد والدلالة والمشاركة في تأسيس أي خير، أو التسبب في إيصاله إلى الناس: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى).
7- يتناسب مع تحديات الواقع، فالأعداء الذين يحاربون الدين يواجهون من خلال عمل مؤسسي منظم، فهل يمكن أن يوجه هذا الكيد بجهود فردية؟
8- الاستفادة من الجهود السابقة، وتبادل الخبرات في إمكانية، وسهولة التعاون والتنسيق بين المؤسسات والهيئات النسائية، لتجنب تكرار العمل وتعارضه، وتلافياً للبدايات من الصفر.
9- إعطاء صفة الشرعية: فمن مميزات العمل المؤسسي أنه يعطي النشاط والمشروع صفة الشرعية والنظامية؛ إذ يمكن تقديم الأنشطة والبرامج باسم المؤسسة فيفتح أمامه كثير من الميادين ويسهل سياسة الانتشار.
10- ينقل من محدودية الموارد المالية إلى تنوعها واتساعها، فتتعدد قنوات الإيرادات ويعرف المحسنون طريقهم إلى العمل الخيري والدعوي عن طريق رسمية المؤسسة ومشروعيتها.
و للسائل أن يقول: عملٌ بهذه المزايا وهذه الأهمية.. ما الذي حدا بالعاملين في أرض الدعوة وميادين الخير للإحجام عنه؟
ويجاب عن ذلك بأن الأمر له خلفيات وأسباب، منها:
1-ضعف الفهم للعمل المؤسسي، وعدم استيعاب أهميته ومزاياه، وحداثة نشاط المؤسسات الدعوية المعاصرة وخاصة النسائية.
2-التركيز على الكم دون الكيف، فالحاجة إلى انتشار الدعوة وكثرة القضايا مع قلة الطاقات الدعوية المؤهلة حدت بكثير من الداعيات إلى التركيز على الكم دون الكيف، والرغبة في الإنجاز السريع، إذ من طبيعة العمل المؤسسي تقنين الإنتاجية وفق مراحل استراتيجية التنظيم المؤسسي، مما يميز العمل المؤسسي بالقدرة على الموازنة بين الكم والكيف.
3-الاهتمام بآنية التأثير وردود أفعال الجمهور دون الاعتناء بالتأصيل والتأسيس الذي يتسم بطول المدى وبعد الأثر.
4-طبيعة الجدية والالتزام في العمل المؤسسي تجعل القليل من الناس يتحمل عبء العمل المؤسسي.
5-الأنفة من الانطواء تحت قيادة، وهذا عائق من جملة عوائق نفسية قد تكون سبب عزوف البعض عن الانضمام إلى التنظيم المؤسسي.
6- مراعاة المصالح الشخصية وإعطاء الفضل: البعض يشترك في العمل المؤسسي الدعوي وهو لم يستوعب أهداف ومنطلقات هذه المهمة، فهو لا يزال يفكر بطريقة فردية، فإذا نظر راعي مصالحه وإن أعطى؛ أعطى الفضل من جهده ووقته.
7- انعدام الشورى وظهور المركزية في اتخاذ القرار في بعض المؤسسات، مما يولد الشعور بالإلزام والتقييد غير المقنع، وكذلك يولد الشعور بالتهميش والتحقير لدى الأفراد.
1-إخلاص النية وصدق التوكل:
فإخلاص النية واحتساب الأجر هو اللبنة الأولى في نجاح أي عمل من الأعمال الصالحة. وأي عمل أعظم من العطاء لهذا الدين والدعوة إلى الله العزيز الكريم؟ فالإخلاص هو الذي يترتب عليه ثمرات العمل المباركة والممتدة. ولا بد من قوة الأمل والثقة بالله تعالى بالتوفيق والنجاح؛ لأن ذلك كله من عند الله (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِاللّهِ)، وهذا اليقين بالنجاح نابع من اليقين بقوله تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ومع ذلك إذا لم تنجح هنا فالأجر ثابت بإذن الله في الآخرة (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
2-توفر القناعة بالعمل المؤسسي:
بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة والتحديات، ومعرفة مزاياه وثمراته وفهم مقومات نجاحه.
3- حتى لا تتلاحق الآراء للخروج بأفضل قرار فلابد من الانفتاح والنصح، والحذر من عقلية التفكير الفردي المنغلق. ويذكر هنا بالمناسبة: نزول النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأي أصحابه في أحد، وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأكيد رؤيته لرأيه، وبعدما انتهى الأمر لم يصدر منه لوم لمن كان رأيهم الخروج.
4-تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، وتشكل الضوابط الدينية المنهجية، وأصول أهل السنة والجماعة هي أهم هذه القواعد والأسس.
5-التسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم مصلحة العمل على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بالاعتناء بالجانب الخلقي السلوكي الذي حث عليه ديننا الحنيف، من العدل والإنصاف والصبر والإعذار للآخرين والنصح لهم، وهذا أساس قوي ومتين في نجاح العمل.
6-الإيجابية في التفكير، والتفاؤل بأن كل مشكلة (بإذن الله) لها حل، والإقدام المدروس وعدم التردد.
7-صدور القرارات عن مجلس الإدارة والبعد عن المركزية، بحيث لا يكون القائد والمدير هو المنفرد بتصدير القرار، بل إن القائد يستمد صلاحياته من المجلس، لا العكس.
8-تحديد الأهداف – إتقان الخطط – مبادرة التنفيذ – استمرارية المتابعة.
ولنتذكر دائماً أن أساس النجاح في المشاريع والأنشطة بعد توفيق الله: إحكام السير على أضلاع مثلث الإنتاج: تخطيط ـ تنفيذ ـ متابعة..
مع مراعاة:(7/121)
- الأناة في التخطيط.
- الحماس في التنفيذ.
- الاستمرار في المتابعة.
وفي الختام.. آمل أن يكون هذا الطرح دعوة لتنظيم منسق مع ذوي الخبرات والاختصاص؛ لدراسة وعرض مفردات العمل المؤسسي وعناصر بنائه، ومقوماته الأساسية، واستراتيجية التأثير به على الأوساط النسائية.
كاتب المقال: أسماء الرويشد
==============
دور المرأة المسلمة في العمل التطوعي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
أخواتي في الله : يقول الحق سبحانه وتعالى: ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) آل عمران /195.
ويقول تعالى: ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل /97 .
إن للعمل في الإسلام مكانة عظيمة ... فأمة الإسلام أمه لا تعرف إلا العمل، لأنها تعرف لماذا خلقت، قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات / 56
فالأمة التي تحمل على عاتقها مسؤولية -أبت السموات والأرض أن تحملها قال تعالى :
(إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) الأحزاب/ 73 - هي أمه بلا شك لا تنام ملء جفونها ... ولا تأكل ملء بطونها ... ولا تهتم بسفاسف الأمور .. إنما هي تعمل لنشر دينها وإعلاء رايته خفاقة .. وهي تعمل من أجل أبناء دينها .. ويتبقى الأجر والثواب على الله تعالى ، قال تعالى: ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات و الحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) الأحزاب / 35
أخواتي : نحمد الله تعالى أن جعلنا في بلاد إسلامية ، الخير فيها ظاهر والوصول إليه سهل والنعم متوفرة من أمن وغذاء وسكن، و الإنسان يعمل بشعائر ربه جل وعلا من غير اضطهاد أو ملاحقة أو ضغوط أو نحو ذلك، كما أنه يستطيع أن يسهم بما منَ الله عليه من جهد أو مال في أمور الخير بكل يسر وسهوله، والحمد لله أولاً و آخراً، وظاهراً، وباطناً .
إن ديننا الإسلامي يحث على العمل التطوعي، ويثني على من يسخر نفسه لخدمة الآخرين، ورسم الابتسامة على وجوههم، والأخذ بأيديهم نحو طريق الصلاح والسداد.
والعمل التطوعي ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع، حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ( كالجسد الواحد ).
والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يعتني بها المسلم ، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها تدعو إلى عمل الخير والبذل في سبيل الله سواء بالمال أو الجهد أو القول أو العمل ، فكل إنسان ذكراً كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقا من قوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان ) .
أخواتي : ما من مجتمع إلا وفيه المحتاج والجاهل والمريض والمعوق، ومن يحتاج إلى مساعدة، أومن يحتاج إلى المال أو المسكن أو الملبس أو الزواج أو غيرها من أعمال البر، فعمل الخير باب واسع بشرط أن يكون العمل خالصاً لوجه الله وأن ينبثق من نفس تواقة لإصلاح هذا المجتمع.
وقد كان للمرأة المسلمة نصيب وافر في العمل التطوعي لأنها تعلم أنها إن لم تزد شيئاً للدنيا كانت هي زائدة على الدنيا، وخير ما تزيده المرأة للدنيا العمل الخيري .
وذلك بأن تبذل شيئاً من جهودها ووقتها بإرادتها في منفعة الآخرين وتقديم الخدمة لهم.
ومن أهم الأعمال التي تستطيع المرأة المسلمة في وقتنا الحاضر القيام بها :
( 1 ) المشاركة في الجمعيات الخيرية التطوعية بصورة عامة والإسلامية خاصة، علماً
بأن أهم الأنشطة التي تقوم بها هذه الجمعيات هي الأنشطة الاجتماعية المتنوعة مثل :
• تقصي أحوال الأسر والأفراد ذوي الحاجة، وتقديم المساعدات لهم .
• المشاركة في الأسواق والأطباق الخيرية التي يستفاد من ريعها في تموين المشاريع الخيرية .
• إن كانت المرأة من ذوات المؤهلات العلمية المتخصصة فيمكنها المشاركة بإقامة محاضرات ودروس توعية للمرأة خاصة من الناحية الدينية ، أو التدريس في مراكز تحفيظ القرآن الكريم.
ولا بد لكل متطوعة للعمل الخيري من الاتصاف بعده صفات منها :
. إخلاص العمل لله وحده .
• الإيثار .
• الأمانة .
• حسن التعامل مع الآخرين لأن العمل التطوعي يتطلب منها التواصل مع الآخرين، ولن ينجح العمل إذا كان صاحبه عبوساً وفظاً في تعامله معهم .
وتذكري أختي في الله : أن السعي مع ضعف المسلمين وعامتهم في هذا الزمن أصبح من الضرورات ومن الحقوق الواجبة على المسلم؛ لأن الكثيرين تتقطع بهم السبل وتضيق عليهم الدروب ويحتاجون إلى من يعينهم ويقضي حوائجهم ويدخل السرورعليهم، يقول الحسن البصري رحمه الله: ( لأن أقضي حاجة لأخي أحب إلى من أن أصلي ألف ركعة، ولأن أقضي حاجة لأخي أحب إلى من أن أعتكف شهرين ) .
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ( لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلى من حجة، ولطبق بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إلى من دينار أنفقه في سبيل الله ) .(7/122)
عندما تقضين أختي الحبيبة حاجه لمسلم أو مسلمة فإنك تقضين حاجة ماسة وضرورية لهم، لكنها والله لهي أهم وأعظم وأدوم وأبقى، فأنت إن أنفقت مالآً تحول إلى حسنات ،وإن سعيت بقدمك تحولت تلك الخطوات إلى أجور عظيمة، وهذا من فضل الله ومنته على عباده .
وإليك طائفة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تحتوي على مجموعة من أعمال الخير :
1- يقول صلى الله عليه وسلم: ( كل سلامى من الناس عليه صدقة: كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) متفق عليه.
2- وقال عليه الصلاة والسلام: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه.
3- وقال صلى الله عليه وسلم: ( لقد رأيت رجلأً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) رواه مسلم .
4- ويقول صلى الله عليه وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار ).
5- يقول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة ) متفق عليه .
6- ويقول صلى الله عليه وسلم: ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات) متفق عليه.
7- ويقول صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه أحمد ومسلم.
كل هذه النصوص -وغيرها الكثير- الهدف منها جعل المسلمين جميعاً ذكوراً وإناثاً يشعرون بروح الجماعة الواحدة، المرتبطة ببعضها البعض مادياً ومعنوياً .
فالغنية لم ينسها غناها حاجة أختها الفقيرة، بل سعت لتخفف عنها في بعض المال سواء في النصيب المفروض وهي الزكاة أو النصيب النافل المتمثل في عموم النفقة، فهي تحمد الله أن جعل لها نصيباً من المال أو الجاه وأغناها الله سبحانه وكفاها، فهي تسعى لقضاء حوائج الناس؛ لأنها تعلم أن هذه النعم التي رزقها الله إياها لا بد لها من زكاة وأن تؤدي حقها، فمن أنعم الله عليها قصدها الناس، فإن لها أجراً عظيماً إذا وفقت إلى تفريج الكرب، وإزالة الهموم و الغموم مع الإخلاص لله عز وجل في ذلك .
والسليمة في صحتها لم تنسها صحتها وعافيتها حاجة أختها المبتلاة بالمرض، بل سعت لعيادتها والتخفيف من آلامها وتصبيرها عليها .
والمتنعمة بالآمال والسعادة لم تنسها سعادتها حاجة أختها المبتلاة بوفاة عزيز عليها ـــ خاصة الزوج ـــ، بل شاركتها أحزانها لتخفف عنها .
والمتنعمة بالحياة الزوجية السعيدة لم تنس أختها المبتلاة بقسوة عشرة زوجها لها، بل وقفت بجانبها لتذكرها بالصبر والتحمل واحتساب الأجر من الله .
وكذا الحال مع الأيتام فإنها سعت وتسابقت في كفالتهم، حرصاً منها على الفوز ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال في حديث سهل بن سعد: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وضم بين السبابة الوسطى ) رواه البخاري .
وإن كانت ذات منصب وكلمة مسموعة فإنها تنظر دائماًُ في حال من تغلق دونهم الأبواب وتسد أمام أعينهم الطرق، فتشفع لهم محتسبة الأجر والمثوبة، قال تعالى: ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها )، فالشفاعة الحسنة أن تشفع لإزالة ضرر أو رفع مظلمة عن مظلوم، أو جر نفع إلى مستحق من غير ضرر بغيره ، فالشفاعة باب من أبواب التعاون على البر، وليس من شروط الشفاعة القبول والانقيا بل صاحب الشفاعة مأجور وإن لم تقبل شفاعته، ويكفي سعيه في شأن أخيه .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: ( أشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء ) رواه البخاري ومسلم .
والشفاعة من أسباب فتح القلوب وإدخال السرور على المسلم وتفريج كربه وإعانته على نوائب الدهر .
عوائق في طريق العمل الخيري :
أقول لكي أختي المتطوعة للعمل الخيري و لكل أخت نوت الانضمام إلى قافلة الخير ...إليك بعض العوائق التي قد تقف في طريقك، فتجعل الإنتاج قليلاً والهمة ضعيفة مما يبطئ العمل أو قد يوقفه، منها :
1- احذري تلبيس إبليس عليك بأمور كثيرة منها: أن يقلل مما تعملينه في نظرك فيجعلك تظنين أن عملك في هذا المجال ليس بذي قيمة، أو يخوفك من أن يؤثر عملك التطوعي على تربيتك لأبنائك أو اهتمامك بزوجك ولكن ... تذكري أنك والحمد لله مسلمة وأن لهذا الدين حقوق عليك عظيمة، وكثيرات من نسائنا يقضون فتره الضحى دون استفادة، فمنهن من تصرفها في النوم ، أو الأسواق أو للمحادثة في الهاتف .. ومع ذلك لم يلبس عليها إبليس .(7/123)
استعيني بالله وأقدمي، فبالتوكل على الله والإكثار من الدعاء بأن يقويك الله ويسدد خطاك وأن يبارك لك في الوقت ومن ثم تستطعين بإذن الله التوفيق بين أعبائك المنزلية وعملك التطوعي، بحيث لا يطغى جانب على جانب وهذا يحتاج إلى تضحية وجهد ... وتذكري أيضا أن إبليس لم يثنيك إلا عن عمل الخير .. وإلا فإن أعداءنا يعملون بجهد وتضحية لباطلهم ومع ذلك لم يثبطهم الشيطان ولم يثنهم لأن قلوبهم خربة .. ولكن المستهدف دائماً هي القلوب العامرة بالإيمان التي تسعى لتحقيق الأفضل للإسلام والمسلمين .
2- احذري : الكسل والفتور فإنه يقعد بك عن العمل ويضيع الأوقات والفرص والمناسبات ، فالبعض قد يفتح له باب من أبواب الخير فيلج فيه ولكن ما أن تمر أيام أو تعصف أدنى مشكلة أو تقف أمامه عقبه إلا وترك هذا الطريق ، وتمضي سنوات بدون فائدة ، وما ذاك إلا لأنه فتح لهم باب فأعرضوا عنه، وقد لا يفتح هذا الباب مرة أخرى فتمسكي أختي بما أنتِ فيه ولا تدعي الفرصة تفوتك فإن عمرك فرصة والأيام تطوى والمراحل تقضى .
3- احذري : الرياء والسمعة فإنه يقتل العمل وقد يحبطه .
4- احذري حظوظ النفس : التي من أبرزها الأنانية، فالنفس البشرية ضعيفة تحب أن ينسب لها العمل وتحب المدح والثناء حتى تشعر أنها أعلم الناس وأحسن الناس، وهذا لمن أرادت الدنيا فهي تنسب عمل الجماعة لها.. وأنها صاحبة الفكرة والتنفيذ، وتتناسى دور من معها ومن أعانها، قال تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم )، أما من أرادت الآخرة فهي تقتل حظوظ النفس وتميتها، وإن عملت لا تحب أن ينسب لها شيء لأنها ترى أن كل ما تقدمه حقير في جنب الله عز وجل .
5- احذري : التذمر والتشكي فإن ذلك من أنواع المنة والعياذ بالله بل كوني صامتةً محتسبة .
6- إياك : والانقطاع عن العمل فالكثيرات يأخذهن الحماس ليوم أو ليومين لكنها بعد ذلك تتوقف عن العمل ، والعمل المستمر وإن كان قليلا فإنه أدعى للاستمرار كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) .
7- تجنبي :الحقد والحسد والكبر وطهري قلبك، قال الغزالي : ( والقلب : بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب )، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبه من كبر ).
8- ابتعدي : عن الاندفاع والعجلة فمن تعمل في مجال العمل الخيري التطوعي ترى أن الساحة تحتاج إلى أضعاف الجهود المبذولة، وهذا قد يدفع البعض إلى التسرع والعجلة رغبة في تحصيل الخير وسد الثغرات .. والعمل الخيري يحتاج إلى الأناة وعدم العجلة وإعطاء الأولويات حقها، وليكن الرفق واللين حاديك فإنه أدعى للقبول .
9- إياك : والخلافات مع القائمات على العمل الخيري فإن هذا داء خطير وقد قال تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )، فالتنازع مدعاة إلى اختلاف النفوس وحدوث الشحناء والبغضاء والتصادم ، ومن ثمَ الانقطاع عن العمل الخيري ، فالتنازع والاختلاف يذهب رحمة الله وبركته، فلا بد إذا من التعاون والتكاتف في العمل الخيري، ولننسق فيما بيننا حتى لا تتبعثر الجهود وتذهب الطاقات .
10- احذري : حب الرياسة و التصدر فإنها مهلكة للنفس الضعيفة جالبة للرياء و السمعة، قال الفضيل بن عياض : ( ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص و العيوب ليتميز هو بالكمال، و يكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير ، و من عشق الرياسة فقد تودع من صلاحه ).
11- و إذا :أعطيت مسؤولية ما في العمل الخيري فإياك و الاستبداد بالرأي فمسؤوليتك و منصبك تكليف و ليس بتشريف ، استمعي للآخرين وشاوريهم، و ليكن هديك هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم الذي خاطبه ربه بقوله: ( وشاورهم في الأمر ).
فينبغي احترام آراء الآخرين، و احترام مشاعرهم و إعطائهم الفرصة لإبداء وجهات نظرهم، و تشجيعهم على ما يقومون به من أعمال حتى تستمر السفينة في سيرها .
12- احذري : اليأس وعليك بالتفاؤل وحسن الظن بالله عز وجل، فإن هذا باب لانشراح الصدر وزيادة العمل .
13- إياك : تصيد الأخطاء والزلات والتجريح والتشهير بالآخرين، فإن هذا المنهج والعياذ بالله قد ابتلى به بعض الناس من الذين لا هم لهم و لا علم سوى تصنيف الناس، والبحث عن زلاتهم وأخطائهم، ومعلوم أن كل من يعمل يخطئ ، يقول الإمام الشافعي : ( لو أصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة، لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين ).
فلنكن عوناً لأخواتنا على الشيطان ولا نكن عوناً للشيطان عليهن .. بل ننصحهن ونكرر النصح وندعو لهن بالهداية والتثبيت .
نماذج مضيئة في عمل الخير :
واليك أختي الفاضلة نماذج من سلفنا الصالح رضوان الله عليهن .. وكيف تطوعن للعمل الخيري .. وكيف استغلت كل واحدة منهن -رضي الله عنهن- وقتها في عمل الخير ونقول :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .... إن التشبه با لكرام فلاح
على رأس هؤلاء :
خديجة بنت خويلد أم المومنين رضي الله عنها ، فقد بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عنها: ( وواستني في مالها إذ حرمني الناس ).(7/124)
ومنهن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً ) رواه مسلم، والمقصود بطول اليد : كثرة مدها بالعطاء للفقراء ، فقد كانت رضي الله عنها تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء، وتقول عنها عائشة رضي الله عنها : ( ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب بنت جحش ، وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به لله تعالى). رواه مسلم ج 7/136
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : تضحي بنطاقها وتشقه نصفين وهو أغلى وأثمن ما تملك رضي الله عنها تقول: ( صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أراد المدينة، فقلت لأبي : ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي قال : فشقيه، ففعلت فسميت ذات النطاقين ) رواه البخاري .
فمن منا تفعل كفعلها رضي الله عنها، وتضحي بفضول وقتها ومالها في سبيل الله، وتعين على رفعة أمر الدين وتيسير حاجات الفقراء والمساكين .
ومنهن الشفاء بنت عبد الله : التي كانت تقوم بتعليم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ــ خاصة حفصة رضي الله عنها ــ القراءة والكتابة .
وفي مجال الجهاد والغزو : هذه أم عطية تقول: ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام ) رواه مسلم .
وهذه أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها : عرفت بحبها للخير وخدمة المسلمين، فقد كانت يوم أحد هي وعائشة رضي الله عنهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه الصحابة، ثم ترجعان فتملأنها وهكذا، ويقول عنها أنس رضي الله عنه : (كان رسول الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار إذا غزا يداوينا الجرحى) .
وممن جاء بعدهن رضي الله عنهن جميعاً :
امرأة اسمها آمنة بنت الشيخ إسماعيل بن عبد الله الحلبي المعروفة بالنقاش : امرأة عاقلة سديدة الرأي حازمة عالية الهمة، تحب العلماء والصالحين ، وكانت تدور على بيوت الفقراء وتتفقدهم بالعطايا الوافرة والصلات النافعة، ومن مآثرها الكبيرة ( المدرسة الإصلاحية ) أسستها سنة 730 هـ، ورتبت فيها إماما وقيماً ومدرساً للشرع، كما بنت عدة مدارس ومساجد.
إن المهمة التي تكفلت بها آمنة لم تكن فقط تفقد بيوت الفقراء، وإنما كانت تسأل عن أحوالهم، لا لإضاعة الوقت بالحديث، وإنما لتبني على هذا الحديث عملاً خيرياً إيجابيا يعود على الأمة بالنفع والخير. (المرجع / معجم النساء اليمنيات ، عبدالله الحبشي /18 )
امرأة أخرى اسمها حلل بنت عبدالله الحسين رحمها الله : وهي من النفوس الخيرة التي لا يقر لها قرار إلا بفعل الخير والعمل الصالح، فقد ابتنت مدرسة، وبلغ من شدة حبها للخير أنها أوقفت دارها التي كانت تسكنها مدرسة، وخرجت من بيتها إلى موضع ابتنته بالقرب من المدرسة، كما كانت من المتصدقات المحسنات، وكانت تأمر من يفتش لها عن الأيتام، ويأتي لها بهم فتكسوهم وتحسن إليهم ،فهي لم تكتف بالإنفاق على المحتاجين وإنما شكلت دوريات خيرية، كما في المجتمع دوريات للداخلية، فكذلك ينبغي أن يكون هناك دوريات تتبع أهل الخير وتبحث عن أهل الحاجة من الفقراء والمساكين، وهذا مثال للنفوس الراقية التي تفكر في غيرها وتصرف وقتها من أجل طاعة ربها تبارك وتعالى .
وفي عصرنا الحاضر فإن المرأة في الخليج ضربت أمثله رائعة في المساهمة في عمل الخير : من جمع للتبرعات / وبناء للمساجد/ وكفالة للأيتام / ومساهمة في حفر الآبار في الدول الفقيرة / وإعانة المرضى والمعوقين / وتعليم النساء / وعمل أطباق الخير وغيرها من مجالات الخير ، بل إن هناك من النساء من بدأن يتطوعن في حملات العمرة والحج ؛ لإدارة الأعمال النسائية للحاجات والمعتمرات .
وأذكر هنا نموذجين لنسائنا ذ كرهما الدكتور عبدالرحمن السميط رئيس لجنه مسلمي أفريقيا:
يذكر عن امرأة كويتية تجاوز عمرها الأربعين عاماً اتصلت به، وأخبرته أنها تود الذهاب معه إلى أفريقيا لترى مسجدها ومسجد ابنها المتوفى، وكان الدكتور متردداً لأنه لم يحدث أن أرسل وفوداً إلى هناك، ولكنها ألحت عليه فوافق على سفرها مع زوجها لترى مسجدها هناك ، وعندما رأته فرحت ، وعادت إلى الكويت، ثم فؤجىء الدكتور بعد ذلك بسيل من المتبرعات يأتين إليه ويخبرنه أنهن من طرف أم فهد، وقد تبين له فيما بعد أنها بعد رجوعها من أفريقيا لم تكتف بما فعلته وإنما أخبرت كل من تعرف بما شاهدت هناك وأحوال المسلمين، ووزعت عليهم شريطاً يتحدث عن هذا وطبعت منه المئات، فنالت أجر الدلالة على الخير .
وقصه أخرى يرويها الدكتور : أنه ألقى محاضره في كلية البنات عام 85 م عن أحوال المسلمين في أفريقيا، وبعد الانتهاء من المحاضرة جمعت له التبرعات فأخذ الكيس ووضعه في السيارة، وعندما رجع إلى المنزل مساء سلمه لزوجته لتعد ما فيه، ودخل هو ليصلي الوتر وبعد الانتهاء فوجئ بزوجته تخبره أن ما في الكيس يقدر بثلاثين ألف دينار كويتي .
وهذا وغيره مثال رائع للمرأة المؤمنة التي عرفت ربها فجادت بما لديها عن طيب خاطر ابتغاء مرضاة الله .
أختي في الله : يقول تعالى: ( والسابقون السابقون أولئك المقربون )
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
(السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات).(7/125)
بعد كل ما ذكرناه فلتسأل كل واحدة منا نفسها ( كيف أخدم الإسلام ) إنها كلمه رنانة، لها في القلب وقع وفي النفس اثر ، خدمة هذا الدين أمنية عزيزة وهدف سام نبيل لمن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .. إنه حلم يراود الكبار والصغار والرجال والنساء ... ولكن الجنة سلعة الله الغالية لا تنال بالأماني والأحلام ، إن خدمه الإسلام باب مفتوح لكل مسلم ومسلمة والناس ما بين مقل ومستكثر، يقول الإمام مالك بن دينار:
( إن صدور المسلمين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور ، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله ) .
انظري أختي ما هو همك : إن كانت الدنيا هي همنا ما نلبس من ثياب، وما نتزين به من حلي، وما نزين به بيوتنا من أثاث ورياش ... فمن لهذا الدين يا أخواتي .. إن لم ننصر نحن ديننا فمن ينصره .. إن هموم نسائنا وللأسف كثيرة، وغمومهن متوالية ، بعضهن لا يتجاوز همها حذاء أو فستان، وأخرى همها المؤرق متى تجد حذاء يتطابق لونه مع فستانها ... وكثيرات يتبادلن تلك الهموم في الجلسات وعبر الهاتف ..
ذكرت مجلة الأسرة في العدد رقم 70 أن نساء الخليج أنفقن في عام 97م مبلغاً يزيد على ثلاثة مليارات ريال على العطور ... وأنفقن حوالي 15 مليون ريال على صبغات الشعر..
فملكت الأزياء والموضة عقولهن وقلوبهن واستنزفت جيوبهن .. والسؤال مع الأرقام المهولة .. ما نصيب الإسلام من ذلك ..
ما نصيب الإسلام وقد تكالب عليه الأعداء من كل جانب، وبذلوا الأموال والجهود من أجل القضاء عليه ..
يا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً.. ونحن قعود ما الذي أنت صانع
أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم .. صريع الأماني والغرام ينازع
على نفسه فليبك من كان باكياً .. أيذهب وقت وهو باللهو ضائع.
يقول الحسن رحمه الله : ( إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة ).
ويقول: (من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في الدنيا فألقها في نحره ).
وقال وهيب بن الورد: ( إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل).
ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي : ( رحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين ) .
ويقول ابن القيم رحمه الله : ( إذا لم يكن العبد في تقدم فهو في تأخر ولا بد، فالعبد سائر لا واقف فإما إلى فوق وإما إلى أسفل ، وإما إلى الأمام وإما إلى الوراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إما إلى الجنة، وإما إلى النار، فمسرع ومبطئ ومتقدم ومتأخر وليس في الطريق واقف ، وإنما يتخالف في جهة المسير وفي السرعة والبطء: ( إنها لإحدى الكبر نذيراً للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر )، ولم يذكر واقفاً إذ أنه لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك غير الدارين ، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة ) .
تستطعين أخيتي أن تخدمي الإسلام في كل حركة وسكنة ، ليس لخدمتك منتهى وليس لها حد ولاتعرف مكاناً ولازماناً ، بل في كل حين ووقت وزمان ومكان، بل يكفي أن يتحرك بداخلك شعور طيب ويجعلك تتساءلين كيف أخدم الإسلام ..
ويبقى الجواب منك وليكن جواباً عملياً .. وأبشري .. إذا قمت ونهضت لهذا الدين بالأجر والمثوبة، قال تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) .
وبالتسديد والتوفيق، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
وبحفظ الذرية، قال تعالى: ( وليخشي الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا).
وبعدها تلمسي فجراً يبزغ في وسط الظلام الحالك، إنه ضوء الفجر ... يبدو باهتاً ثم يظهر شيئاً فشيئاً.. حتى يعم النور، ويظهر قرص الشمس وتنتشر أشعة الحق ونور الإسلام.
للاستزادة من الموضوع يرجى قراءة:
* غراس السنابل / عبدالملك القاسم.
* عناية النساء بالحديث / مشهور حسن سلمان .
* أفكار للمتميزات / راجية فضل الله .
* أفكار للمبدعات / راجية فضل الله .
المراجع :
1. كيف أخدم الإسلام/ عبدالملك القاسم .
2. انطلق بنا / عبدالملك القاسم .
3. صائد القلوب / عبدالملك القاسم .
4. الوقت عند المرأة / جاسم المطوع.
5. نشرة أنوار/ تصدر عن مركز النساء بجمعية الإصلاح.
6. مجلة الحياة الطيبة/ تصدر عن المركز النسائي بجمعية التربية الإسلامية.
كاتب المقال: أم الفاتح
=============
مشروع مسابقة القرآن الأسرية
الفكرة:
مسابقة للقرآن كريم تشارك فيها الأسرة ككل.
لماذا:
لأن الأمة مكونة من أسرة ..
والأسرة عماد المجتمع ..
والفرد عضو من هذه الأسرة ..
و القرآن روح هذه الأمة لذا يبدأ الإصلاح من هنا ..
الأهداف:
1- تكوين روابط أسرية حقيقية تنطلق ابتداء من الاجتماع على حفظ القرآن الكريم وتفسيره.
2- تفعيل دور الأسرة التربوي من خلال العلم والتعلم.
3- حفظ كتاب الله تعالى وإيجاد الجو المعين على تحقيقه.
4- إصلاح الأسرة المسلمة وإرشادها لما فيه خير وصلاح.
الفئة المستهدفة:
الأسرة المسلمة: سواء كانوا زوجين أو عائلة.
آليات التفعيل:
أولاً: الزمان:
يتم اختيار الزمان المناسب لإقامة هذه الفعالية، والذي تكون النفوس مهيأة لمثل هذه البرامج، فمثلا:
- شهر رمضان المبارك:
- يغلب الطابع العام على المجتمع الاتجاه لقراءة القرآن تلاوة وحفظاً.
- التهيئة النفسية مناسبة جداً لإقامة هذه الفعالية.
- فيه اجتماع للأسرة على مائدة الإفطار يومياً.
- الإجازة الصيفية :(7/126)
- تعاني الأسرة فيه من الفراغ لدى الأبناء.
- تقيم الأسرة غالبا فعاليات منوعة، مثل: الرحلات والزيارات، وفيه اجتماع لأفراد الأسرة بعضهم مع بعض.
ومن هنا نعلم ضرورة التركيز على التوقيت المناسب وقياس أثره على الأسرة مجتمعة.
ثانياً: المكان:
يجب أن يكون مكان إقامة المسابقة يستوعب أكبر قدر ممكن من المشاركين، وهنا نراعي:
- قربه من المشاركين.
- سهولة الوصول إليه.
- يستقبل أعداد المشاركين بدون حرج.
وتبرز أهمية تفعيل مراكز تحفيظ القرآن الكريم والمساجد والجمعيات الخيرية.
ثالثاً: الكادر البشري:
وهو عماد المسابقة، وكلما كان لهم اتصال مع الجمهور أكبركلما زادت مؤشرات نجاح المشروع بشكل أكبر؛ لذا يلزم ترتيب كادر بشري مؤهل يتحمل إدارة المشروع، من حيث تكوين لجان أو فرق عمل، فمثلاً:
1- لجنة المحفظين أو المسمعين:
- مؤهلة بكفاءة ولها القدرة على التقييم.
- تستثمر وجود أفراد الأسرة وتقوم بالنصح والتوجيه والإرشاد.
- يفضل وجود بطاقة مشتركة لجميع أفراد الأسرة يقوم بتعبئتها المشرف على عملية التسميع في كل عملية تسميع، وتبقى مع الأسرة حتى يتم انتهاء التسميع لكل أفراد الأسرة ثم ترسل للجنة.
2- اللجنة الإعلامية:
تقوم بالتغطية الإعلامية للمشروع من خلال:
أ - الإعلان عن المشروع ، ولها عدة وسائل:
• الإعلانات المباشرة: وذلك عبر:
- النشرات الورقية الصغيرة: توزع عند التجمعات (مثلاً بعد صلاة الجمعة).
- الإعلانات الورقية: والتي تكون على شكل بوستر توزع في الأماكن العامة: أبواب المساجد، المدارس، الجامعات، المعاهد والكليات، الأسواق، المجمعات التجارية.
- اليافطات: ويراعى أن تكون في أماكن عامة وعلى الخطوط السريعة بشكل واضح.
- الصحف والجرائد المحلية: والتي تكون قريبة من الجمهور.
- الإعلانات السمعية: عبر الإذاعة المحلية.
- إعلانات الأجهزة الخلوية: عبر تكوين فرق ترسل الرسالة إلى أكبر قدر ممكن، أو الاتفاق مع شركات الأجهزة الخلوية.
- إعلانات البلدية: والتي تكون على شكل قوائم في الشوارع الرئيسية وعند الإشارات.
• توجيه بطاقات دعوة للأسر كي يشاركوا في هذه الفعالية: ويمكن تفعيلها بأكثر من صورة منها:
- عن طريق شركات البريد، على أن يتم تحديد الأحياء والعدد وضبط ذلك في المالية.
- عن طريق المراكز الخيرية .
- عن طريق الأفراد وكل فرد يقوم بطباعة دعوة يوجهها لأسر قريبة وصديقة (وفيه تفعيل للجانب التطوعي).
ب - توثيق فعاليات المشروع:
- عبر إبراز الحدث في وسائل الإعلان المختلفة من خلال الأخبار.
- التوثيق الإعلامي عبر تصوير والفعاليات وإنتاجها عبر شركة إعلامية.
وكل ذلك يخضع لحجم الفعالية، مع مراعاة أن نصل إلى الفئة المستهدفة بشكل واضح.
3- اللجنة المالية:
وهي التي تقوم بضبط العمليات المالية المختلفة في هذا الشروع من خلال:
ضبط الصادر: والذي يتشكل من خلال:
أ- التبرعات النقدية ويجب أن يقوم أفراد اللجنة المالية بالتحرك الجاد في إيجاد مصادر تمويل لهذا المشروع من خلال:
ب- التبرعات المباشرة من المساجد والأماكن العامة وزيارة أهل الخير: وشرح الفكرة لهم وتوضيحها وإعداد خطاب ونشرة تعريفية بالمشروع.
ج- توفير رعاة للمشروع:
الراعي الرسمي: شركة أو مؤسسة واحدة أو أكثر تقوم بتوفير تكاليف الإعلانات والجوائز وتكاليف توثيق المشروع.
• مميزات للراعي الرسمي:
- له الحق في كتابة اسمه في كل إعلان.
- كتابة اسمه على بوابات مراكز التسميع، وذلك باعتباره راعياً رسميّاً.
- يتم منحه دقيقة في العرض الحاسوبي في الحفل الختامي كدعاية له.
رعاة غير رسميين: وهم من يقومون بتوفير جزء من التكاليف أو الجوائز، ولهم:
- الحق في كتابة اسمهم في كل إعلان.
- يشار إليهم في عرض الحفل الختامي للمشروع.
4- لجنة الحفل الختامي:
وتقوم بالإعداد المناسب للحفل الختامي عبر:
- ترتيب الزمان والمكان المناسب الذي يستوعب المشاركين.
- ترتيب برنامج الحفل الختامي من حيث الكلمات والأناشيد.
- ترتيب الجوائز وشهادات الشكر وتوزيع بطاقات الدعوة.
5- لجان أخرى:
تنشأ حسب الاحتياج وحجم المشاركة.
كاتب المقال: محمد إسماعيل ربعي
المصدر: موقع المسلم
================
أفكار دعوية للمرأة على الشبكة العنكبوتية
الدعوة إلى الله جل وتعالى هي التطبيق السلوكي والواقع العملي لهذا الدين وإعمار الأرض به .
قال الله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير )، وبغض النظر عن معنى ( من ) هنا هل هي للبيان أم للتبعيض، لكن تفيدنا هذه الآية على المعنيين أهمية الدعوة ، وأهمية وجود هذه الطائفة ( طائفة الخير الداعين إليه ) .
والناس في هذا الباب - أعني باب الدعوة إلى الله - سواء في لزوم الإتيان به - ذكرا أو أنثى - كلٌّ على ما جبله الله عليه من الطاقة والفطرة: ( فأتوا منه ما استطعتم ).
ومن هذا الباب كان هذا الموضوع :
لماذا المرأة :
المرأة هي النصف الثاني من المجتمع - ولا يعارض في هذا من له عقل سليم -
بل هي غالب المجتمع - وخصوصاً في هذا الزمن - هذا من جانب .
ومن جانب آخر: أن قضية الدعوة إلى الله تعالى - وخاصة في الوسط النسائي -
تعاني من ضعف في الطرح والاهتمام .
وجانب ثالث : هو أن المرأة أصبح لها وجود ملموس على هذه الشبكة - بغض النظر عن مدى أهمية وجودها من عدمه - .
المقصود أنه أصبح لها تواجد على هذه الشبكة ، بل إن بعض الدراسات تفيد أن مستخدمي الإنترنت من النساء يفوق عدد المستخدمين للإنترنت من الرجال.
هذه الإحصائية لو ثبتت فهي مؤشر إنذار للمؤسسات التربوية والدعوية لعدم إغفال هذه الطائفة المتكاثرة ..(7/127)
وجانب رابع: أننا صرنا وللأسف الشديد نشهد على هذه الشبكة جلد الفاجرات على فجورهن وفسقهن، جلدا فاضحا بعيدا عن أقل درجات الحياء والعفة.
وفي الجانب المقابل نجد الصالحات العفيفات الثقات اللاتي لهن تواجد في الساحة لكنهن عاجزات عن العمل لا يحركن ساكناً .
ربما يكون هذا العجز سببه عدم وجود أهداف، أو عدم شعور بعظم مسؤولية وأمانة تبليغ هذا الدين ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ أكثر ما يتعوذ من العجز والكسل لأنهما مفتاحين لكل شر .
من هنا وهناك كان لا بد من الاهتمام بقضية المرأة ( دعوياً وتربوياً ) من خلال هذه الشبكة .
هذه الأفكار ..
هذه الأفكار - جهد المقل - وهي أفكار من جهتين :
الأولى : هي أفكار تفيد النساء من جهة تربية أنفسهن وتزكيتها ، وتثقيفها ، ولعلها تكون مقتضبه نوعاً ما.
الثانية : هي أفكار تفتح للمرأة آفاقاً للمشاركة في ميدان الدعوة وتبليغ هذا الدين - خصوصاً على هذه الشبكة - .
أفكار للترقية والكمال :
هي أفكار تستفيد منها المرأة في تربية نفسها - على وجه العموم - والترقي بالنفس في درجات الكمال ،ومن المهم أن أشير إليها على عجالة قبل الشروع في صلب الموضوع :
هذه الأفكار بعضها ذاتي ( من خلال المرأة نفسها )، وبعضها خارجي ( من خلال المجتمع والمؤسسات التربوية ) :
من الذاتية :
1 - إخلاص النية لله جل وتعالى : في كل شأن ، فالمرأة التي تدخل على هذه الشبكة - حتى تستفيد - لا بد لها من استحضار نية النفع والفائدة ، والحرص على تجديد هذه النية ومراجعتها، حتى يكون دخول المرأة على هذه الشبكة له الأثر الواضح في التزكية على سلوك المرأة .
2 - الهدف : نعم لا بد من تحديد الهدف ؛ والهدف الأسمى من أي عمل يقوم به العبد هو هدف العبودية الذي به ينال رضا الله جل وتعالى .
لكن لا بد للمرأة من أهداف مرحلية أو سمها أهداف ( وسائل ) للهدف الأسمى ، فلا بد أن يكون للمرأة هدف من دخولها ، حتى لا يتشتت عليها جهدها ويضيع عليها وقتها في ضرب وخبط في أرجاء هذه الشبكة، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ .
وبتحديد الهدف يكون الانطلاق ... وحين يغيب الهدف يغيب الهمّ والحس الدعوي .
ليكن لكِ أيتها الغيورة هدف من دخولك : هدف دعوي ، تعليمي ، تثقيفي ... وبقدر سمو الأهداف بقدر ما تزكو النفس وتتهذب .
3- التنظيم ... تنظيم الوقت في الدخول لهذه الشبكة ، مع التوفيق بين المصالح الأخرى ، وأن تكون هذه الشبكة من جملة الاهتمامات، لا أن تكون هي الاهتمام .
هذا التنظيم يفيد في تربية النفس من حيث إشعارها بأهمية الوقت وأنه أنفاس لا تعود، وأن التفريط فيه يفوت على العبد مصالح كثيرة ، سواء كانت مصالح زوجية، أو دراسية ، أو اجتماعية .. وقد تكون مصالح شرعية واجبة .
هذه ثلاث أفكار مهمة على الطريق، أحسبها بمثابة قواعد الانطلاق والإبحار في هذه الشبكة.
4 - على المختصين والمهتمين تخصيص شبكات ومواقع ومنتديات تهتم بشؤون المرأة (دعويا ، ثقافيا ، اجتماعياً ، ما يخصها في ذاتها مما فُطرت عليه من حب الزينة والترفيه ..) وفتح المجال لهن بالمشاركة .
5 - على المختصين من أهل التربية المساهمة في طرح البحوث والدراسات: ( ميدانية كانت أو شرعية أو اجتماعية ..) التي تزيد من وعي المرأة وثقافتها .
للمرأة .. أفكار دعوية على الشبكة العنكبوتية :
هذه الأفكار قد تستفيد منها المرأة في سبيل المشاركة في ميدان الدعوة من خلال هذه الشبكة ... فمن هذه الأفكار :
1 - الكتابة في المنتديات والشبكات الإسلامية ، مع الحرص على اختيار المنتدى المناسب -مناسب من خلال وضوح منهج المنتدى وهدفه ، ومن خلال القائمين عليه من يكونون- حتى لا تعرض المرأة نفسها لشبهات أو متاهات ثقافية فكرية أو اجتماعية ، أو غير ذلك من الشوائب التي عجّت بها ساحة الإنترنت .
2 - عمل ملفات ( ثقافية ، دعوية ، ترفيهية ، اجتماعية ) وذلك عن طريق الجمع من المنتديات، وما يكون على الشبكة مما يهم المرأة . أو عن طريق الجمع الشخصي والجهد الذاتي من خلال التنقيب بين بطون الكتب وفرائدها .
3 - تنزيل ملخصات أشرطة إسلامية أو كتباً إسلامية على الشبكة ، فالمرأة أكثر ما تكون في بيتها لا تخرج ، فلو أنها استغلت فترة وجودها في بيتها بتلخيص بعض الأشرطة الإسلامية أو الكتب المهمة ، وتنزيل هذه الملخصات والكتب .
4 - رصد المشاكل النسائية مع البحث عن الحلول لها بسؤال المختصين والعلماء والدعاة، والبحث في ذلك وجمعه في ملفات .
5 - أن تستغل المرأة تخصصها في سبيل خدمة الدين ، وذلك بالمشاركات المتميزة في مجال تخصصها ، وتطويع هذه التخصصات للعمل لهذا الدين .
إذ أن المشاركات الذاتية أبلغ أثرا في نفس القارئ ، بمعنى حين تكون المشاركة مجرد نقل( قص + نسخ = لصق ) ، فإن ذلك قد يعطي القارئ نوعا من عدم الاهتمام بالمكتوب ، أما حين تكون المشاركة ذاتيه بمعنى أن تكون من بنيات الفكر ومن خلال اهتمام ذاتي وتخصص، فإن هذا يعطي المقال احتراما وتقديرا لدى القارئ ، كما أن فيه صقلا للمواهب وإخراجاً للمكنون .
6 - عمل مجلة نسائية مقروءة على الشبكة توضع في المنتدى .
7 - التعقيبات والردود على الأطروحات ، إذ ينبغي أن يكون الرد لا لمجرد الرد ، وإنما يكون ردّا يخدم الفكرة المطروحة من خلال إثرائها لا إطرائها فحسب ، أو من خلال نقدها نقدا صحيحا بنّاء
8 - من خلال برنامج المحادثة الصوتية ( بال تك ) تستطيع المرأة أيضا أن تبلغ الرسالة المؤتمنة عليها ، وإليكن بعض هذه الأفكار :(7/128)
أ - المشاركة المسجلة ، والحرص على أن تكون المادة المسجلة غير مكررة بأن تكون مادة صوتية جديدة ، أو تكون مادة صوتية ذات هدف تريد أن توصله المشاركة للحضور ،بعيداً عن الاختيارات العشوائية للمادة المسجلة ..
أقول أن المرأة - وحتى الرجل - يستطيع أن يوصل فكرة ما من خلال تجميع بعض المواد المسجلة التي تعرض لهذه الفكرة، مرتبة في الطرحو مميزة ، مثال :
الفكرة : تحبيب القراءة عند الآخرين .
هذه فكرة تعدّ لها المرأة إعدادا مميزا من خلال جمع بعض المواد الصوتية التي تعالج هذه الفكرة، من خلال الأسباب والعوائق والمظاهر والوسائل والحلول .. على أن يًراعى في طرح المادة المسجلة اختلاف الأصوات ، بمعنى أن لا تختار شريط واحد مثلا يعالج هذه الفكرة ، بل تقوم بتجميع أكثر من مادة صوتية ترتبها ترتيبا منطقيا لتخرج بفكرة متكاملة وبأسلوب مميز، تتخله الفائدة والمعلومة والطرفة .
وليس شرطاً أن تعرض كل ما جمّعته من خلال مشاركة واحدة بل تقسّم المشاركة على حلقات في نفس اليوم إن كان يحتمل .
هذا الأسلوب يفيد المرأة شخصيا في الجد والاهتمام في البحث والتحصيل ، ومن ثم يفيد الآخرين بفائدة ماتعة جداً .
ب - احتواء النساء الجدد الداخلات للغرفة بمراسلتهن عبر الخاص ، ودعوتهن وعرض الحق عليهن بالأسلوب الأمثل ، وأن لا نكتفي بالانكفاء والانغلاق على أنفسنا أو على مجموعة معينة فحسب، فإن الدعوة عن طريق هذا البرنامج يعتبر باب البلاغ العام، الذي ينبغي أن يكون لكل طبقات الناس وفئاتهم .
أما قضية التخصص أو الاختصاص - أعني الانزواء بمجموعه معينه فقط والاكتفاء بها -فإن هذا البرنامج لا يخدم الناس ، وليس ذلك بحكمة ، وإنما أقول ولا أزال أقول أن الدعوة إلى الله من خلال هذا البرنامج إنما هي من باب البلاغ العام لا من باب الدعوة الخاصة .
فاحتواء الجدد من الداخلات للغرف الإسلامية، واحتوائهن للغرف النسائية الخاصة مطلب مهم - على أن يكون الأمر بنوع من الحرص والدقة - .
ج - المراسلات عبر الخاص ( المراسلات النسائية ) ، بعض الأخوة يحلو له أن يسميها: (الاستراحات البالتوكية ) .. هذه الرسائل تحوي كلمات قليلة لكنها ذات أهداف ، ولنركز في كونها ذات أهداف.
بمعنى أن لا تكون رسائل عشوائية فقط، بل رسائل لها أهداف مرحلية تحقق فكرة ما .
بمعنى أن تحرص المرأة أن يكون عندها قائمة من أسماء النساء اللاتي يدخلن إلى البال توك - أيا كانت هذه المرأة - وعلى هذه الداعية أن تقوم بتصنيف هذه القائمة إلى ( ملتزمة غير ملتزمة ) - تعرف هذا من خلال الحوار معها- ، ومن خلال هذه الحوارات تستطيع أن تحدد الداعية الفكرة التي تريد أن تحققها في مجموعة ما .. عندها تكون رسائلها الخاصة ( الاستراحات ) مركّزة حول خدمة هذه الفكرة وهذا الهدف ، وهكذا لا تزال هذه المرأة الداعية في اجتذاب أكبر عدد ممكن من النساء في قائمتها وتصنيفهم على ما وضح، - ومقصد التصنيف هو تحديد الهدف - مع مراعاة أن هذه الرسائل للنساء .. بمعنى أن لا تراسل الرجال بهذه الاستراحات ، وأن تقتصر في رسائلها هذه على الجانب النسائي المتواجد بكثرة .
د - استغلال الفترات غير النشطة في أوقات المشاركات المفتوحة لوضع ما يفيد الزوار من خلال ما أشرت إليه في الفكرة ( أ ) .
هـ - التخصص في النقل المباشر لخطبة الحرم المكي والمدني ، وإن لم يكن مباشرا فيكون مسجلا يعرض في موعد ثابت في الجدول ، ينسق في هذا مع مشرفي الغرفة .
و - اللوحة العامة (التكست العام ) مجال فسيح أيضا للدعوة بالتذكير من خلال ( ما نشيتات دعوية ) بأسلوب رائق ،على أن يراعى في هذا التذكير مناسبة الحال والزمان .
ز - إخراج المسابقات الثقافية والإعداد لها، على أن تكون مادة المسابقة مثلا لدرس كان في الغرفة ، أو لموضوع ما ، فتجهز هذه المسابقة وتعد إعدادا هادفا غير عشوائي ثم تسلم لأحد المشرفين لطرحها .
ح – يحدث في الغرفة غالباً أن يدخل أحد الناس ليسأل عن حكم شرعي ما في مسألة ، ولا يكون هناك شيخ متواجد ، فلو انبرت لمثل هذه الفرائد من الأسئلة بعض الأخوات وسجلتها وعرضتها في وقت لاحق على أحد أهل العلم ممن يزورون الغرفة لكان في هذا نفعا .
تنبيهات تنبيهات تنبيهات :
- الاستشارة : فما خاب من استخار ولا ندم من استشار .
- مسألة القصد القصد .. والفطنة الفطنة .
- التنسيق الجماعي بين الأخوات أو مع مشرف الغرفة .
- الهمة الهمة .. والجد الجد .. واعلمي أن قيمة كل امرئِ ما يحسنه !
- التعاون أدب شرعي ومطلب ملح في باب الدعوة إلى الله ( واجعل لي وزيراً من أهلي ) .
- أن تحرص المرأة أشد الحرص على ضبط العلاقة بالآخرين من خلال هذه الشبكة - أياً كان هذا الآخر - .
- أن لا تنسى المرأة وهي تدخل على هذه الشبكة ما جُبلت عليه من الحياء والعذرية ، فلا تسلك ما يفسد هذه الفطرة، كالمجادلات والمهاترات التي تستجري الألفاظ غير اللائقة ، أو غير ذلك من الأحوال التي تشين صفة الحياء عند المرأة .
هذه جملة من الأفكار .. وإن كانت ليست هي كل الأفكار .... كما أني لا أزعم أنّي أتيت بجديد، إنما هي أمور نعلمها جميعا لكن طرقتها من باب الذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
والحمد لله رب العالمين .
كاتب المقال: منير بن فرحان
==============
خطوات نحو الكتابة الراقية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:(7/129)
لقد فشا في زماننا القلم وكثر الكتاب مصداقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونتج عن هذه الكثرة الكاثرة سلبيات جمة، منها: تكلم الرويبضة في أمر العامة، وانتشار غثاء الكتابة من كتابٍ يريدون العلو والظهور ولو على طريقة الأعرابي الذي لطخ الكعبة- شرفها الله -بالقاذورات قائلاً: "أحببت أن أذكر ولو باللعنة".
وقد أردت أن أرقم بعض ما يعين الناشئ والشادي على إتقان صناعة الكتابة، راجياً من القراء التفاعل الإيجابي وإبداء ما لديهم من ملحوظات.
خطوات الكتابة الأدبية والفكرية الراقية:
1. إخلاص النية لله تعالى، ونبل المقصد ذوداً عن الحق ودحضاً للباطل؛ مع الدعاء بالسداد والقبول والاستعانة الدائمة بالله والتوكل عليه في بلوغ الغايات العالية.
2. حدد ما هو الهدف من الكتابة: تعليمي، إخباري، حواري...، و اختر الطريقة المناسبة لعرض الموضوع: رمزية، مباشرة، مقالة، خاطرة...
3. ما هي نوعية الكتابة: علمية، أدبية، فكرية، جادة، ساخرة...؛ ومن هي الشريحة المستهدفة؟ ثم يطول الموضوع أو يقصر حسب نوعه وطبيعة المتلقي والمساحة المتاحة.
4. لا تنشر الكتابة مباشرة؛ فلا بد من تنقيحها وقراءتها في أحوال مختلفة خاصة قبل النوم "لإعمال العقل الباطن"، ثم اعرضها على الثقات للمشورة خصوصاً في بدايات الكتابة. وعلى الكاتب متابعة تصحيحات الناشر ليستفيد منها إن كان من ثقة معتبر.
5. تعرف على الأحوال المناسبة للكتابة: زمانية ومكانية ونفسية وجسدية؛ ولكل كاتب طبع وطبيعة يحسن به مراعاتها حتى لا يختنق إبداعه وتجف منابع عطائه.
6. كتابة التاريخ في نهاية كل موضوع ليتتبع الكاتب مراحل تطوره الكتابي ورقيه الفكري، وكم من كتابة كنا نراها فريدة عصرها فلما قرأناها بعد مدة عجبنا من سذاجتها.
7. حتى تكتب بتفوق لا بد أن تقرأ بتذوق؛ فلن تكون كاتباً بارعاً حتى تصير قارئاً مميزاً. واعلم - غير معلم - أن القراءة وظيفة يومية ينبغي إتقانها.
انظر - غير مأمور - (كيف تقرأ كتاباً) للمنجد؛ (القراءة المثمرة) لبكار؛ (معالم في طريق الطلب) للسدحان؛ (المشوق إلى القراءة) للعمران، وغيرها في بابها كثير.
واتخذ كتباً لتنظر فيها إن استغلق عليك فكر أو عجزت عن بيان أو قصرت مفرداتك عن بلوغ غاياتك.
8. استقرئ أساليب الكتابة عند مشاهير الكتاب وكبارهم - قديماً وحديثاً -؛ لتستفيد منها دون تقليد أحد منهم حذو القذة بالقذة؛ وابحث عن أمراء البيان وأساطينه ولا تضيع وقتاً مع من دونهم.
9. استخدم أفصح لغة دائماً وابذل وسعك وجهدك في ذلك، وقد قيل: "لم يسمع من الشافعي كلمة في العربية أحسن منها في مكانها "، وقريب منه ما حُكي عن المتنبي في بعض شعره. ولا يكن معناك تابعاً للفظك، ولا تتكلف ما يثقل القارئ ويشق عليه من سجع ومحسنات .
10. كن حريصاً على تطبيق قواعد النحو محافظاً على قانون اللغة وسنن اللسان العربي القويم؛ وحاذر اللحن والهجين والعامية فهي أقبح من الجدري في الوجه الحسن.
وللمزيد انظر: (معجم الأخطاء الشائعة) لمحمد العدناني، و(تذكرة الكاتب) لأسعد داغر.
11. العناية بالإملاء وعلامات الترقيم؛ فهي زينة الكاتب وحلية الكتابة، ولتنظر في ذلك: (قواعد الإملاء والترقيم) لعبد السلام هارون؛ (علامات الترقيم) لأحمد زكي باشا؛ (التحرير العربي) للفريح وشوقي.
12. يحسن بالكاتب ألا يتخم مقاله بعلامات الاستفهام والتعجب والنقط المتتابعة والأقواس الفارغة وأمثالها، وإن كان لا بد فلتكن ملح طعام لا طعاماً بلا ملح.
وسبب النهي عن الإكثار منها كونها كالبهرج الزائف يخدع بها الغر دون الحصيف وتدل -غالباً - على غوغائية الكاتب وخوائه وفراغه، حيث يتقاطع مع الطبل في الانتفاخ الخارجي والفراغ الداخلي.
13. تزيين الكتابة بالشواهد من القرآن والسنة والأقوال الخالدة والأمثال والشعر؛ مع ضرورة العناية بصحة النقل وتمييز المنقول.
ويلاحظ أن الأمثال والحكم غدت بياناً غائباً عن الساحة الثقافية خاصة لدى جيل الشباب؛ ولذا أنصح بقراءة هذه الكتب: (معجم الأمثال العربية) د. عفيف عبد الرحمن؛ (قاموس الأمثال والحكم العالمية) سمير شيخاني؛ (معجم التراكيب اللفظية) د.أحمد أبو سعد، (معجم الأمثال والتراكيب) د. محمد حسن الشريف، (موسوعة الأمثال العربية) د.إميل يعقوب، وكذلك الكتب التي اعتنت ببيان كنايات العرب ككتاب (المنتخب من كنايات الأدباء وإشارات البلغاء) للقاضي أبي العباس الجرجاني,وغيرها.
14. احرص على تكوين ثروة لغوية واسعة، وليكن لك نظر دائم وإطلاع مستمر في المعاجم مثل : (القاموس المحيط) " طبعة الرسالة "،و(اللسان) " طبعة دار صادر "،و(تاج العروس) " الطبعة الكويتية "، و(معجم المقاييس) لابن فارس " طبعة دار الجيل "، و(فقه اللغة) للثعالبي، و(إكمال الإعلام) لابن مالك " طبعة جامعة أم القرى "، و(جواهر الألفاظ) لقدامة بن جعفر، و(الألفاظ الكتابية) للهمذاني، وغيرها. وانظر في مقامات الحريري والسيوطي ففيهما كنز لمن طلبه.
15. كن دقيق الملاحظة بعيد النظر متجاوزاً الحدث إلى ما وراءه، واستفد من الأحداث المألوفة لكتابة غير مألوفة، وانظر مثالاً على ذلك مقالتين بعنوان "بين خروفين" و"بين هرين" للرافعي في وحي القلم؛ واستمع إلى خطبة رمضانية عجيبة عبر منبر الحرم عن (الشيطان) للشيخ د. سعود الشريم.
16. لا تطرح فكرة إلا بعد وضوحها في ذهنك وإلمامك بكافة جوانبها مع الإيمان القوي بمضمونها؛ وحتى يتحقق ذلك فلابد من استيعاب الموضوع من خلال مراجعه ودراساته؛ ولا تتكئ على نفسك دون النظر في المصادر المعتمدة لتدرك أبعاد الموضوع والآراء المختلفة حوله.(7/130)
17. اهتم بالتجديد والإبداع ولا تكن كابنة الجبل - الصدى -، وتجنب تكرار الكلمات والجمل والأفكار إلا ما كان لضرورة ملحة؛ لأن التكرار مجلبة للملل.
18. التزم جانب الهدوء وحسن الأدب وابتعد عن التشنج والانفعال؛ وتوقع المعارضة والمخالفة لرأيك وربما سوء الفهم لمقالك.
19. ابذل وسعك واستفرغ جهدك لاختيار عنوان جذاب مميز؛ وكن لطيفاً في الاستهلال وقوياً في الختام؛ ولا تحرم قارئك من وسيلة للتواصل بسؤال أو اعتراض أو استيضاح.
20. دع القلم يجري خاطاً مداده على القرطاس، وإياك إياك والتوقف؛ فإن الماء إذا ركد أسن، ولا تستعجل النشر أو تستبطئ الثمرة؛فمن كانت همته عالية؛ فسيبلغ حتماً مكانة عالية.
كاتب المقال: أحمد بن عبد المحسن العساف
=============
صناعة الفكرة
الكتابة المبهرة هي التي تحتوي على عنصرين مهمين، هما: الفكرة والبيان؛ وإذا ما تخلفت الفكرة فالكتابة مجرد زخارف لفظية ومحسنات وسجع قد يطرب لها السامع ثم يملها، بل ويمجها حين يعرضها على عقله فلا يكاد يفهم منها معنى أو مغزى، وقد تكون الفكرة حاضرة لكن ينقصها البيان العذب والكلمات الفخمة فتكون كأجمل إنسان لا يجد غير الخَلِق المرقع من الثياب ، فلا تنفعه ملامحه مادامت بلا حلة تنجذب لها العيون وتنقاد لها النفوس؛ وكم من حق ضاع بسوء التعبير وكم من باطل سرى بطلاوة الكلام وحلو الحديث، أما تلك التي تفقد العنصرين معاً فليست كتابة أصلاً ويصدق عليها وصف الهذيان وهمهمات المجانيين، وتكون كما قال ابن دقيق العيد بعد جلوسه إلى الصوفي ابن سبعين: " جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يتحدث بكلام تفهم مفرداته ولا تعقل مركباته ".
وقد ابتلي الناس بمطبوعات ووسائل نشر تقذف يومياً أو أسبوعياً أو دورياً أو غير ذلك، مقالات ودراسات وكتباً يكاد يحلف قارئها يميناً مغلظة بين الركن والمقام أنها كتبت بالقدم لا باليد، أو أنها كتبت ساعة مس أو صرع أو خبل منقطع أو متصل، وما حل بنا هذا البلاء المتناسل إلا من شهوة الكلام وحب التزيد وداء الغرور ومرض الشهرة ولو بشر حال وسوء مقال؛ وبالله الحفيظ نستعيذ من الخذلان.
إن الفكرة عزيزة المنال صعبة البلوغ ولا تأتي لأي أحد ولا تنقاد بسهولة ويسر، بل قد تتمنع على الفطاحلة الكبار والأساطين العظام حتى يقول الكبير المقدم فيهم: لا أجد ما أقوله، أو لا أستطيع التعبيرعما يجيش في نفسي، وأضرابها من العبارات التي لا تخفى على من قرأ الكبار وقرأ لهم.
والفكرة إما أن تكون جديدة لم يسبق إليها فيكون صاحبها أول من جاء بها، وقد تكون قديمة لكنها تطرح بطريقة جديدة أو من وجه لم يذكره أحد؛ وكم ترك الأول للآخر. ويتبادر كثيراً إلى الذهن سؤال مفاده: كيف نصنع الفكرة؟
لصناعة الفكرة عدة طرق، منها:
1. التفكير: وهو أكبر مصنع لها؛ وبواسطته تتولد الأفكار من الطرق التي بعده فكلها يجتاز من خلاله إلى العالم الخارجي.
2. الملاحظة والتأمل: وهما فرع من التفكير، وإنما خصصتهما بالذكر لقربهما وسهولة استخدامهما؛ وكم من شيء أو مشهد يمر بنا كثيراً ولو تأملناه لظفرنا بفكرة أو خاطرة.
3. الإنصات: حيث إن سماع أحاديث الناس منجم للأفكار؛ ولا يذهب بك الظن بعيداً؛ فلست أعني صنفاً واحداً من البشر؛ بل كل من سنحت لك الفرصة أن تستمع إليه - دون تضييع الوقت - فاستفد منه ولو كان طفلاً أو عامياً أو ضعيف إدراك، وقد روي عن الجاحظ أنه كان يجلس لكل أحد مما جعل ذهنه متوقداً متدفق الأفكار عن أصناف الناس.
4. أحداث الساعة: وهي من أكثر المصادر استخداماً من قبل المتحدثين والكتاب.
5. التخيل والافتراض: ولا بأس في ذلك إن شرعاً أو عقلاً، حتى لو كان المفترض ممنوع الوقوع مستحيلاً بدلالة غير آية من التنزيل الحكيم.
6. الحوار والمناقشة: خاصة عندما يكون مع شخص مُلهِمٍ للأفكار، حتى لو كنا نخالفه تماماً؛ ولاقتناص الأفكار من المتحدثين براعة قل من يجيدها وقليل من المجيدين من ينسب أفكاره.
7. استخدام الأفكار المتداولة اختصاراً: أو زيادة أواستفساراً أو تعقيباً، وهذا من أسهل ما يكون.
8. الاستفادة من الموروث الشعبي المحلي أو العالمي لتوليد الأفكار، ويدخل ضمن ذلك الأمثال والقصص، وكذلك النظر في عادات الشعوب وأخلاقهم.
9. ومن جملة تسخير الحيوان للإنسان أن في طباعها ونظامها منبعاً لا ينضب للأفكار، ومن نظر في حياة الحيوان الكبرى للعلامة الدميري أو غيره تيقن من ذلك.
10. القراءة: ومهما قال الناس في الكتاب، ولذة التنزه في عقول الرجال فلن يوفوه حقه ولا معشاره؛ وأجل وأكرم وأنفس ما يقرأ كتاب الله العزيز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم كتب العلم فكل كتاب استيقن الواحد منا فيه المنفعة أو أمن منه المضرة؛ ويحسن التنبيه إلى أنه لا يجوز السماح للبوارق والقدحات الذهنية أن تجعل صاحبها مستسهل التقول على الله ورسوله بغير علم؛ بل يجب الرجوع إلى التفاسير والشروحات السلفية كي لا تزل قدم بعد ثبوتها.
وبعد ولادة الفكرة وصناعتها ينبغي التريث حتى تنضج على نار هادئة من الفكر النير المتزن قبل نشرها، ثم يبحث صاحب الفكرة ما وسعه الجهد وأسعفه الوقت عن فكرة مماثلة أو مناقضة لتجويد الصناعة وحمايتها من العوارض؛ وإن حادث المفكر عقلاً يأنس إليه، وروحاً يشعر بطهارتها قبل النشر فخير على خير.
وتبقى مسائل لابد من الإشارة العاجلة إليها، وهي:
1. هل الفكرة حسنة لك عند الله أم سيئة؟
2. هل تنفع فكرتك البلاد والعباد؟
3. هل هذا هو التوقيت المناسب لعرض الفكرة؟ وما هو المكان المناسب لنشرها؟
4. هل الأفضل لك كثرة الأفكار أم قلتها؟(7/131)
5. سجل أفكارك كمشاريع مستقبلية إن ضاق عنها وقتك.
6. للفكرة المبتكرة حق الأقدمية والسبق لكنها قد تواجه بمعارضة شديدة فتنبه .
7. ثمة فرق كبير بين الدرر الغرر وبين العجر البجر؛ فاختر لنفسك وفكرك ما تحب.
وإذا فرغنا من صناعة الفكرة فلا مناص من صياغة الفكرة على الوجه الذي يجلو البهاء ويبين المحاسن؛ وكنت قد كتبت مقالة بعنوان - خطوات نحو الكاتبة الراقية - وآمل أن تكون معينةً لقارئها على مزيد من إتقان الصياغة بعد ضبط الصناعة لنحصل على أعلى درجات جودة المنتج الذي يمكث في الأرض وينفع الناس.
كاتب المقال: أحمد بن عبد المحسن العساف
المصدر: موقع المسلم
=============
الإقناع.. القوة المفقودة!
تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه، وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد، والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراًعلى ثباته وبقائه، حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا، وجاء دورالشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها، فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع ، بينما الإقناع
والمحاورة يبقيان على الود والألفة، ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا.
إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله.
والقرآن والسنة وهما نبراس المسلمين ودستورهم، وفيهما كل خير ونفع قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره، فمن آيات المحاجة والتفكر: كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وكالملك الذي حاج إبراهيم _عليه السلام_ في ربه، وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه.
وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن في الزنا، وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود، وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم ، كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ما هو الإقناع؟
للإقناع عدة تعريفات منها:
استخدام المتحدث أو الكاتب للألفاظ والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات.
تعريف آخر:
عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة أو رأي.
تعريف ثالث:
تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة.
ويظهر جلياً من التعريفات السابقة أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال والتمكن من فنون الحوار وآدابه، وتتداخل بعض الكلمات في المعنى مع الإقناع مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض، ومن أمثال هذه الكلمات: الخداع، الإغراء، التفاوض، فبعضها تهييج للغرائز وبعضها تزييف للحقائق وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع وهكذا.
عناصر الإقناع:
1- المصدر: ويجب أن تتوافر فيه صفات منها:
- الثقة: ويحصل عليها من تأريخ المصدر، إضافة إلى مدى اهتمامه بمصالح الآخرين.
- المصداقية: في الوعود والأخبار والتقييم.
- القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع: كلمة، مقالة، منطق، عاطفة،...
- المستوى العلمي والثقافي والمعرفي.
- الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين بها.
2- الرسالة: لابد أن تكون:
- واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين فهمها فهماً متماثلاً.
- بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه.
- مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين.
- مناسبة العبارات والجمل حتى لا تسبب إشكالاً أو حرجاً ، ولكل مقام مقال.
- بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين؛ لأن المحاصر سيقاوم ولا ريب!
3 – المستقبل: ينبغي مراعاة ما يلي:
- الفروق العمرية والبيئية.
- الاختلافات الثقافية والمذهبية.
- المكانة العلمية والمالية والاجتماعية.
- مستوى الثقة بالنفس.
- الانفتاح الذهني.
يعتمد نجاح الإقناع على:
1- القدرة على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان.
2- معرفة أحوال المخاطبين وقيمهم وترتيبها.
3- الجاذبية الشخصية بأركانها الثلاثة: حسن الخلق، أناقة المظهر، الثقافة الواسعة.
4- التفاعل الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر.
5- التمكن من مهارات الإقناع وآلياته من خلال امتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام بآدابه.
6- التوكل على الله ودعائه مع حسن الظن به سبحانه .
ما يجب عليك فعله:
• قبل الإقناع:
1- الإعداد الكامل، فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات.
2- البدء بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم.
3- اختيار التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر.
• في أثناء الإقناع:
1- توضيح الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها.
2- المنطقية والتدرج.
3- العناية بحاجات الطرف الآخر.
4- تفعيل أثر المشاعر.
• بعد الإقناع:
1- دحض الشبهات والرد على الاعتراضات.
2- التأكد من درجة الاقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر، أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات، أو حماسته للعمل المبني على اقتناعه.
3- التفعيل السلوكي المباشر.
قواعد الإقناع:
1- أن يكون القيام خالصاً لله سبحانه وتعالى لا يشوبه حظ نفس.
2- الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق.
3- وجود متطلبات الإقناع الرئيسة وهي:
أ- الاقتناع بالفكرة.
ب- وضوحها.
ج- القدرة على إيضاحها.
د- القوة في طرح الفكرة.
هـ- توافر الخصال الضرورية في مصدر الإقناع.
4- معرفة شخصية المتلقي وقيمه واحتياجاته مع تحديد ترتيبها.(7/132)
وقد ينبغي عليك تقمص شخصيته لتتعرف على دوافعه ووجهة نظره،كما يجب معرفة حيله وألاعيبه حتى لا تقع في شراكها.
5- حصر مميزات الفكرة التي تدعو إليها ، مع معرفة مآخذها الحقيقية أو المتوهمة، وتحليل المعارضة السلبية المحتملة وإعداد الجواب الشافي عنها، واعلم أن أسلم طريقة للتغلب على الاعتراض أن تجعله من ضمن حديثك.
6- اختيار الأحوال المناسبة للإقناع: زمانية ومكانية ونفسية وجسدية، مع تحين الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك.
7- تحليل الإقناع إلى:
أ- مقدمات متفق عليها كالحقائق والمسلمات.
ب- نتائج منطقية مبنية على المقدمات.
8- الابتعاد عن الجدل والتحدي واتهام النوايا؛ لأن جعل الطرف الآخر متهماً يلزمه بالدفاع وربما المكابرة والعناد.
9- إذا كنت ستطرح فكرة في محيط ما: فروج لها عند أركان ذلك المحيط قبل البدء بنشرها.
10- تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك.
11- حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك.
12- لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث المتشعب.
13- اضبط نفسك حتى لا تستثر، وراقب لغة جسدك حتى لاتخونك.
14- أشعر الطرف المقابل باهتمامك من خلال:
أ- ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن.
ب- تعزيز جوانب الاتفاق .
ج- أشعره بمحبتك وعذرك إياه.
عوائق الإ قناع:
1- الاستبداد والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2- طبيعة الشخص المقابل: فيصعب إقناع المعتد برأيه، وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً جهلاً مركباً.
3- كثرة الأفكار مما يربك الذهن.
4- تذبذب مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر.
5- الاعتقاد الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته: وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه.
6- اختفاء ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل.
وقفات مهمة:
1- "ما كان الرفق في شيء إلا زانه".
2- الصدق في الحديث خلة حميدة يكافئ عليها الصادق حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي، فلا تعارض بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق.
3- سوف تمتلك مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة، وإذا وجدت الموهبة فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.
كاتب المقال: أحمد بن عبد المحسن العساف
(((((((((((
الباب السابع– قصة نجاح
سارة جوزيف .. من الشتات إلى الثبات ..
)إن قصة اعتناقي الإسلام هي أكثر تعقيدا من ذلك ، ولكن في الأصل هذه هي أهم الأشياء التي جعلتني أعتنق الإسلام ، والشيء الآخر الذي جعلني أعتقد أن الإسلام دين الحق هو رؤية فتاة في العشرين تصلي ، وعندما سجدت رأيت أن السجدة هي قمة الاستسلام لله سبحانه وتعالى ، وفي هذا اليوم عرفت أن الإسلام هو الحق) .
بهذه الكلمات نبدأ مع (سارة جوزيف) رحلتها الطويلة في البحث عن السعادة الحقيقية التي خاضت غمارها سنوات طويلة ، لتخرج من النصرانية إلى نور الإسلام وعدله في إحدى أقطار الأرض التي تتربع فيها النصرانية بقوة ألا وهي (بريطانيا).
قصة البداية ..
كانت سارة - على الرغم من صغر سنها – مختلفة عن مثيلاتها المراهقات ، إذ كانت شديدة التدين ، مؤمنة بالنصرانية ومعتقداتها ، بل كانت تحرص على ممارسة طقوسها حيث أخذت جزء كبيراً من حياتها.
لم تكن تعرف شيئا عن الإسلام حينها إلا بعض الأفكار الخاطئة كما تعبرعن ذلك بقولها :( إن المرأة عبارة عن خيمة سوداء ، وأن لها علاقة بالإرهابيين ).
لذا صدمت باعتناق أخيها الإسلام ومن ثم زواجه من فتاة مسلمة، وشعرت بأنه ارتكب خطأ كبيرا في حق الله عز وجل.
بدايات الرحلة وتناقضات النصرانية ..
في يوم من الأيام كانت سارة في المكتبة العامة فطلبت نسخة من القرآن الكريم ، وحين أخذت تقرأ في فهرسة القرآن وجدت آية تتحدث عن عذرية السيدة مريم وولادتها لسيدنا عيسى عليه السلام ، لقد تعجبت سارة وشعرت بارتياح وغمرتها السعادة ، إذ أن هذا الأمر - عذرية السيدة مريم – سبق أن أخبرتها والدتها به قبل ذلك.
وعندما بلغت السادسة عشر من عمرها تركت مدرستها المسيحية، وذهبت إلى الجامعة وهناك بدأت في دراسة تاريخ الكنيسة، فبدأت تظهر لها أشياء حالت بينها وبين النصرانية مثلا:
- يعتقدون أن البابا معصوم عن الخطأ .
- التناقض الواضح في الإنجيل ووجود نسخ كثيرة .
- وجود بشر يتدخلون في تحديد ما أنزل الله تعالى .
- العقيدة الكاثوليكية التي تقرر مبدأ الخطيئة الأصلية التي تقتضي أن الأطفال يرثون خطأ آدم وحواء لأن الله لم يغفر لهما - حسب اعتقادهم - ومن لم يعتقد ذلك فلا حاجة للصلب والقيامة.
كل هذا جعل سارة تبتعد عن النصرانية وتقترب من الإسلام لتجد بغيتها ، فالقرآن وحي الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - المحفوظ من التحريف والتبديل ، وعيسى عليه السلام هو نبي الله وليس ابنه - كما يعتقدون – والله سبحانه وتعالى المتفرد بالوحدانية ، المستحق للعبودية دون شريك أو واسطة.
في عام 1988م أعلنت سارة إسلامها بعد قناعة وإيمان – وكان عمرها آنذاك سبعة عشر عاما – لتبدأ عالمها الحقيقي الجديد ، فتحمل هم الرسالة ونشر هذا الدين ، لتنقذ قلوبًا تائهة.
صعوبات وعقبات في الطريق ..
على نهج من سبق في حال من خالف دين آبائه... واجهت (سارة) استنكارات ومضايقات بعد إسلامها وارتدائها للحجاب، وأول ذلك عائلتها، حيث أحسوا بعد دخولها للإسلام أنها دخلت عالم يقهر المرأة ويمنع حريتها ، تقول سارة: كانت والدتي ترى أني أصبحت متخلفة ورجعية بعد أن كانت تعدني أن أكون شخصا يضيف للعالم شيئا ، وأنال حريتي التي كانت هي تسعى أن تنالها.(7/133)
وأما من حولها من المجتمع فقد وصلتها عدة خطابات تستنكر إسلامها . وعندما لبست الحجاب أخذ الناس يسخرون منها ويرون أنه يقيد حريتها ، لكن سارة ترد عليهم : الحجاب هو حقيقة الحرية لأنه يسمح لي أن أكون إنسانة على الصعيد العام ، ولست شيئا للتزين ، لأنني إنسانة لي عقل ، وللأسف فإنه أحيانا في العالم الإسلامي يفقد الحجاب روحه و الإحساس بالحرية والحياة لأنه ينظر إليه بأن المرأة ليس لها عقل أو قدرة على التفاعل ويستخدم ضدها ، ولكن لن نتخلى عن الحجاب بل سنحارب لأجل الحجاب الذي يعطينا الحياة والحرية.
سارة جوزيف الداعية البريطانية ..
كانت انطلاقة سارة نحو الدعوة من خلال إحساسها بالمسئولية تجاه هذا الدين حيث تقول : في أوقات كثيرة في حياة الإنسان يمكن أن تظهر هذه المسئولية بطرق مختلفة ، كأم لدي أطفال، وكجزء من مسئوليتي الاجتماعية كمسلمة كان علي أن أعلمهم وأنشئهم ليكونوا مسلمين أقوياء إن شاء الله
وتضيف : لقد خلق الله من كل زوجين اثنين حكمة ، هناك توازن طبيعي بين الرجل والمرأة بين كل ذكر وأنثى فإذا كان المجتمع كله نوعا واحدا فسيكون مجتمعا غير متوازن ، وكنساء يجب أن نشارك في كل المجالات ... ( إن الإسلام جعلني أرى النظرة الشاملة لدور المرأة في المجتمع .. إن مثال الصحابيات في المدينة يوحي بالاستقلالية والحرية والحيوية).
لذا كان لها أعمال ومناشط على مستوى بلادها خاصة ، والعالم العربي عامة . وتتلخص هذه الأعمال والمناشط فيما يلي:
1- محررة في مجلة حياة مسلم ( ML) تقول : أردنا أن نخلق مجلة رفيعة المستوى تقدر حياة المسلمين في بريطانيا . أردنا أن نخلق مجلة نفتخر بها وتعكس النواحي الإيجابية لحياة المسلمين إلى جانب النظر في القضايا الصعبة التي تواجهنا ، نأمل أن نتمكن من أن نعكس تاريخنا إلى جانب ..كيفية عمل المسلمين على خلق ثقافة إسلامية بريطانية....
هذه المجلة تصدر كل شهرين ، وتتناول الأحداث السياسية والأسرة والصحة والجمال حتى المنزل ومستلزماته، وهى المجلة الوحيدة التي حققت توزيعات هائلة حيث تقرأ فيما يزيد عن 30 دولة.
2- تعمل محررة بجريدة المجلس الإسلامي ببريطانيا.
3- كتبت وساهمت في العديد من وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية ، فقد شاركت في البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن الإسلام وتدير ندوات وحوارات عن ذلك ، وسجلت وكتبت في العديد من البرامج الإذاعية ، وعملت كباحثة متخصصة بالقسم التعليمي الخاص بـ ( BBC) ، كما ساعدت في تجميع برنامج ( إلهامات الإسلام ) الذي يبحث في إسهامات الإسلام والتراث الإسلامي .
4- تعمل مستشارة للشئون الإسلامية في بريطانيا.
5- عملت ( سابقا ) محررة في مجلة ( الاتجاهات) أكبر مجلة إسلامية في بريطانيا.
6- ساهمت في كثير من النشاطات الخاصة بالمسلمين في بلادها مثل :
7- إيجاد كتب وشرائط ومواد للأطفال الصغار.
8- إيجاد معسكرات عائلية وأخرى طلابية وشبابية.
9- تأجير قاعات لتدريس القرآن ، وأخرى رياضية نسائية خاصة.
ومنذ خمسة عشر سنة وسارة تعد وتلقي المحاضرات عن الإسلام في بلادها وعلى المستوى الدولي.
وههنا آن لنا أن نقدم لكم البطاقة الشخصية لسارة جوزيف ..
سارة جوزيف بريطانية الأصل متزوجة من محمد الرشيد وأم لثلاثة أبناء .
- حصلت سارة على بكالوريوس في الآداب مع مرتبة الشرف في الدراسات الدينية من الكلية الملكية بلندن.
- حصلت على منحة دراسية بمؤسسة الملك فيصل وسافرت إلى المملكة العربية السعودية لمتابعة البحث.
- حصلت على منحة ( OBE ) في قائمة شرف يونيو 2004 وذلك لمجهوداتها في الحوار في مختلف العقائد ولتشجيعها لحقوق المرأة .
- تدرس سارة في الكلية الملكية بانجلترا قسم ( الدراسات الإسلامية ) وتعد دراسة الدكتوراة في موضوع ( اعتناق البريطانيين للإسلام) .
همم نحو القمم ..
اعتنقت الإسلام منذ ثمانية عشر سنة وخاضت تجربة عالمين، مرارة الكفر والضلال ، وحلاوة الإيمان والتوحيد في بلاد لم يشتد عود الإسلام فيه بعد ؟؟ فلم يثنها ذلك .. ولم يفت عزيمتها أن تنشر هذا الدين وتبلغه الناس، وتظهر وجه الإسلام الحقيقي وتزيل تلك الصورة المعتمة التي مازال يعتقدها الكثير ، مع ما كانت تواجه من عقبات في الطريق ... ولكن ؟؟
إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
فأين الذين ولدوا وعاشوا في كنف الإسلام ، وفي بلد إسلامي...؟؟
ماذا قدموا لهذا الدين ...؟؟
==============
الكنز الحقيقي .. والزهراء .. ( أم خليل ) ..
الكنز الحقيقي .. هو ما ندخره لغدنا .. وما يكون رفيقنا كل حين .. ينير دروبنا إذا احلولكت الظلمات .. يُقوِّم طريقنا إذا اعوجت الأفهام .. يؤازرنا حين يتخلى عنا كل رفيق ..
القرآن .. هو كنزنا الذي طالما نهلنا منه وارتقينا به ، وما زلنا كذلك ..
وسنقف في قصتنا هذه لحظات .. مع من سارت في رحلتها مع القرآن الكريم .. وواصلت بعزيمة وإصرار فوصلت ..
إنها ليست ممن حزن الدرجات العلمية العالية ، أو المراكز المرموقة .. وليست ممن تسيدن المجتمع
وإنما -نحسبها والله حسيبها – ممن رفعهن الله بالقرآن ، فإن الله سبحانه يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ..
إنها الأمية .. التي حفظت القرآن الكريم كاملا عن ظهر قلب !!
ولم تكتف بذلك .. بل سعادتها الغامرة بإتمامه ، أبت إلا أن تشاركها أخواتها الأميات هذه النعمة العظيمة ، فخَرَّجت أكثر من مئة حافظة للقرآن الكريم ..
إنها الأخت الفاضلة .. الزهراء أم خليل ..
وفي هذه السطور القليلة سنبحر مع قصتها ؛ لنسبر أغوار رحلتها مع الحفظ والتحفيظ ..
نشأتها ..(7/134)
ولدت ( الزهراء أم خليل ) عام 1951م ، بمدينة الصويرة جنوب المغرب ، وهي أم لستة أولاد ، وقد ترعرعت في مدينة مليئة بالمغريات ( الدار البيضاء الكبرى ) العاصمة الاقتصادية للمغرب ، إلا أنها كرست حياتها وجل جهودها لحفظ وتحفيظ القرآن ..
وقد نشأت الزهراء أم خليل في بيت حافظ للقرآن ؛ حيث كان والدها حافظا ، وكذلك جدها لأبيها ، تقول أم خليل :
" حين كان عمري ست سنوات كان حبي للقرآن الكريم بشكل ملفت للانتباه، ولا يعلم مداه إلا الله، خصوصا حينما أسمع حفاظ القرآن يتلونه كلما استدعاهم والدي. ولم نكن حينها لنستفيد نحن البنات من الدراسة ؛ على اعتبار أنه من العيب أن تذهب الفتاة إلى المدرسة في عرف الصويريين في الخمسينات عكس الآن، لذلك تولد لدي اليأس من حفظ القرآن. وكنت أتمنى لو كنت ذكرا وأقول لجدتي: هل يمكنني أن أصبح رجلا إذا كبرت؟ وكلما أجابتني بالنفي أبكي بكاء شديدا. إن الفترة من 1956 إلى 1958 مرت كلها بكاء، وما زلت لحد الآن أستغرب لغزارة تلك الدموع التي كانت تنهمر من عيني بشكل كثيف " .
عقبة اسمها ( اللهجة ) !!
عندما وصلت أم خليل سن العشر سنوات ، بدأ جدها في تحفيظها القرآن بتوصية من والدها ، ولكن وقفت اللهجة عائقا ؛ حيث كان جدها يحاول أن يدرسها باللغة " الأمازيغية " التي لا تفهمها آنذاك ، فكانت تحفظ آيات القرآن بالترديد فقط دون أن تستطيع فهم مضمونها .
لاحظ جدها قدرتها الهائلة والسريعة على الحفظ ، مع وجود هذا العائق ، فكان يقول لوالدها : "إن لهذه الفتاة شأنا عظيما". ومن حينها، تقول أم خليل: نصح والدي أمي بأن لا تكثر علي من الأشغال المنزلية كي أتمكن من حفظ الفرقان .
تعلَّمْت الحروف الهجائية من ابني ..
قالت الزهراء: " تزوجت سنة 1966 وسكنت بالدار البيضاء، واستمرت لدي حرقة حفظ القرآن الكريم، وكنت حريصة على أن يحفظ أولادي الستة كتاب الله العزيز، لذلك وجهتهم إلى الكتاب القرآني مما جعلني أحفظ الحروف الهجائية عن ابني المزداد سنة 1970.
وسخر الله لي ابنتي البكر التي كانت تنقل لي ما يلقنه لها أستاذ يحب الدين ويعمل على تحبيبه لتلاميذه ".
الرؤيا التي غيرت حياتها ..
تروي أم خليل عن حبها للرسول قائلة: "كان شوقي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يزداد كلما رأيت شريطا من الأشرطة التاريخية للإسلام مثل شريط "الرسالة" وغيره، وكنت دائما أتمنى لو عشت زمن رسولنا الكريم لأراه. وكان من فضائل هذا الحب لخير خلق الله أن يكتب لي الله رؤيته في المنام، فقد رأيته ذات يوم وهو لابس لباسا أبيضا وجالس على سجاد أخضر وعيناه شاخصتان إلى السماء ويداه مرفوعتان للدعاء، ناديته: يا حبيبي يا رسول الله، اطلب الله أن يهديني للحفاظ على الصلاة، قال لي: أغمضي عينيك، وبعدها أفقت باكية ".
وأضافت: منذ ذلك الوقت تغير سلوكي مع الناس وأول ما قمت به رد مظالم الناس لأهلها، وأصبحت أمتنع عن حضور الحفلات التي تكون فيها المنكرات، كما امتنعت عن مشاهدة الأفلام. وأبدلت رؤية تلك الأفلام بالاجتماع مع أبنائي على مدارسة كتاب "الإسراء والمعراج" ونبكي لما يتضمنه، رغم ما فيه من إسرائيليات!
من نقش الجدران .. إلى نقش القلوب بالإيمان ..
لأم خليل حكاية طريفة مع المسجد تقول بشأنها: "في يوم من الأيام قال لي ابني: ليتك أمي ذهبت للصلاة في مسجد حينا، إن زخرفته جميلة"، فكان همي أن أطلع على نقش الجدران، لكن الله سبحانه وتعالى كان يمهد لي لأطلع على نقش القلوب بالإيمان. وعند أول دخول لي للمسجد وجدت شابات في مقتبل العمر وأخذت أقلدهن في ما يقمن به دون أن أكلمهن؛ لأنني كنت أحس وكأنني غريبة عنهن، لكن هذه الغربة لم تطل مدتها لأتعرف على نخبة من المؤمنات يفقهنني في ديني ونتعاون على الخير.
العزيمة الصادقة ..
يقول الدكتور عبد الكريم بكار : " معظم الإنجازات الكبرى مَدِينة للعزيمة والإصرار ، و لا يغني عنهما علم ولا موهبة " ، وهكذا كانت أم خليل ، ففي سنة 1981 عزمت على حفظ القرآن كاملا .
تقول أم خليل : في البداية كنت أحفظ آية في كل يوم فأتممت بحمد الله سورة البقرة في ظرف ستة أشهر، وبعدها حفظت سورة آل عمران. قلت مع نفسي: لماذا لا تحفظ معي أخواتي المؤمنات، ومن ثم كانت أول مدرسة بدأت فيها تحفيظ القرآن هي بيتي، بمساعدة زوجي جزاه الله خيرا، وصل عدد الراغبات في الحفظ إلى 160 امرأة، كنا نحفظ ثمن حزب في اليوم لمدة أربعة أيام من الأسبوع ونخصص الثلاثة أيام الباقية لمراجعة ما تم حفظه، كما نراجع عن طريق الصلاة بما تم حفظه.
ما أسعدها من لحظات !!
أتمت أم خليل حفظ القرآن الكريم كاملا سنة 1985م ، ثم بدأت مباشرة تحفيظه لبنات جنسها ، وكانت تقيم حفلات لمن استطعن حفظ عدد من الأحزاب، ابتداء من عشرة أحزاب فما فوق، وفي سنة 1995 تمكنت (17) امرأة من حفظ القرآن كاملا، والباقيات لهن حظوظ لا بأس بها من آيات الذكر الحكيم.
وأكثر ما يشد الانتباه أن أغلب الحافظات كن أميات ، وتغلبن على أمية القراءة وأمية الحفظ .
ثم تتالت أعداد الحافظات .. ففي سنة 2001 حفظت مجموعة أخرى من النساء، يفوق عددهن (المائة) القرآن الكريم، وأقامت "أم خليل" حفلا بالمناسبة حضرته 800 امرأة، أُلقيت فيه كلمات تذكر بمكانة القرآن في حياة الإنسان وفضل حفظه، بالإضافة إلى دوره في صيانة المرأة من الانحراف عن جادة الصواب.
وكان من نتائج ذلك الحفل أن قامت الحاضرات بدور التحفيز للرجال من أولادهن وأزواجهن؛ حتى إن من الرجال من أقبل على الحفظ بعد ما بلغه صدى ذلك الحفل المخصص للنساء واستطاع بعضهم حفظ القرآن كاملا حسب ما أكدت أم خليل.(7/135)
خطوة .. خطوة .. حتى وصلت الهدف ..
اتبعت أم خليل سياسة التدرج في توسيع دائرة الحافظات ، وكان لاستجابة القائمين على المساجد دور كبير في ذلك ، وقالت بالمناسبة :
" إنه من توفيق الله عز وجل أن فتحت لنا أبواب المساجد لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الدار البيضاء. كانت البداية من مسجد عقبة بن نافع بالحي المحمدي، وبعده مسجد الشهداء. والآن بعد انتقالي إلى منطقة " تيط مليل " التابعة لمدينة المحمدية فأنا عازمة إن شاء الله على تحفيظ النساء بمدرسة للقرآن الكريم تابعة للمجلس العلمي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مع حلول الموسم الدراسي المقبل بإذن الله".
عائلتي والقرآن ..
عندما سئلت الزهراء هذه الزهرة التي وصل شذاها أرجاء المملكة المغربية ، عن موقع القرآن في وسطها العائلي، فأجابت: "أقدم جزيل شكري لزوجي الذي ساندني في رحلتي مع حفظ وتحفيظ القرآن الكريم وما زال يشجعني، فهو الذي يقدم لي الدعم المادي جزاه الله خيرا، وأعتبر أن أول مدرسة قمت فيها بتحفيظ القرآن (مدرسة زوجي الحاج محمد) ألا وهي بيته، إذ كان يؤوي الراغبات في حفظ كتاب الله من سنة 1986 إلى سنة 1995" .
وأضافت أم خليل: "إن من يحفظ كتاب الله كاملا من عائلتي ابنتي خديجة، والباقون على الطريق إن شاء الله، والحمد لله أن للقرآن فضل كبير على مستوى علاقاتنا في البيت؛ إذ الصغير يوقر الكبير، والكبير يرحم الصغير".
وتختم الزهراء أم خليل: "أملي أن يحفظ الكل كتاب الله العزيز؛ ففيه الفضل الكثير والخير العميم في الدنيا والآخرة، إن فيه راحة النفس والأنس بالله في السراء والضراء، وليس من رأى كمن سمع".
وأخيرا نقول ..
هذا مافعلته أمية فأين المتعلمون ؟!
إن البذل للارتقاء في سلم المعالي لا يتطلب تعليما فقط ، بل إن التعليم مرحلة من مراحل النفع والانتفاع ، وهو يسهم مع غيره من العوامل في بلوغ الهدف .. وتجربة أختنا الكريمة ( أم خليل ) لهي خير دليل على ذلك .
إنما هي ومضة في الطريق .. ولكن لمن أراد .. ولديه عزيمة في التغيير فإن ربنا العظيم قال في كتابه : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) ..
ولها نقول ..
هنيئا ثم هنيئا ثم هنيئا لك ، فهذا والله هو الفوز الحقيقي ، بالكنز الحقيقي .. (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) ...
================
من معلمة اللاهوت " ميري واتسون " إلى الداعية " خديجة " ..
بين الشك واليقين مسافات .. وبين الشر والخير خطوات ...
اجتازتها [ميري واتسون] من معلمة اللاهوت... إلى داعية إسلامية - بفضل الله- ..
عاشت ميري واتسون – أمريكية المولد – معظم شبابها بين لوس أنجلس والفلبين، تزوجت من رجل فلبيني أنجبت سبعة أولاد بين بنين وبنات ..
حصلت على ثلاث درجات علمية : درجة من الكلية ثلاث سنوات في أمريكا ، وبكالوريوس في علم اللاهوت بالفلبين ، ومعلمة اللاهوت في كليتين , فقد كانت لاهوتية ، وأستاذاً محاضراً ، وقسيسة و منصرة.
عملت في الإذاعة بمحطة الدين النصراني لإذاعة الوعظ النصراني , و ضيفة على برامج أخرى في التلفاز ، وكتبت مقالات ضد الإسلام - نسأل الله أن يغفر لها - فلقد كانت متعصبة جداً للنصرانية .
نقطة تحول ميري من منصرة إلى داعية ..
في إحدى حملاتها التنصرية في الفلبين لإلقاء محاضرة ، لاحظت ميري أطوارا غريبة على أستاذ محاضر فلبيني – قادم من إحدى الدول العربية – فسألته عما كان يدور بخلدها مما لاحظته منه ، فأخبرها بأنه اعتنق الإسلام .
بدأت تراود ميري أسئلة كثيرة :
لماذا أسلم ؟
وما سبب تبديل دينه؟
لابد من أن هناك شيئاً في هذا الدين !!
ففكرت في صديقة قديمة لها وكانت قد أسلمت ، فذهبت إليها , وبدأت تسألها عن الإسلام , وأول شيء سألتها عن معاملة النساء ؛ لأن النصرانية تعتقد أن النساء المسلمات وحقوقهن في المستوى الأدنى في دينهن ، كما كانت تعتقد أن الإسلام يسمح للأزواج بضرب زوجاتهم , لذلك هن مختبئات وكائنات في منازلهن دائماً !!
شعرت ميري بالطمأنينة والراحة لكلامها ، فسألتها عن الله عز وجل ، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فعرضت عليها صديقتها بأن تذهب إلى المركز الإسلامي .
عندما ذهبت للمركز الإسلامي وقابلت المسئولين ، اندهشوا جداً من معلوماتها الغزيرة عن النصرانية ومعتقداتها الخاطئة عن الإسلام وصححوا معلوماتها الخاطئة , وأعطوها كتيبات أخذت تقرأ فيها كل يوم ، وتتحدث إليهم ثلاث ساعات يومياً لمدة أسبوع , فقرأت 13 كتاباً خلال أسبوع .
وكانت تلك المرة الأولى التي قرأت فيها كتباً لمؤلفين مسلمين ، والنتيجة أنها اكتشفت أن الكتب التي قد كانت تقرأها من قبل المؤلفين النصارى ممتلئة بسوء الفهم والمغالطات عن الإسلام والمسلمين , أخذت الأسئلة تنهار عليها :
ما حقيقة القرآن الكريم؟
و ما كنه هذه الكلمات التي تقال في الصلاة؟
وما إن شارف الأسبوع على الانتهاء علمت أن الإسلام هو دين الحق , وأن الله وحده لا شريك له , وأنه هو الذي يغفر الذنوب والخطايا , وينقذنا من عذاب الآخرة ، لكن لم يكن الإسلام قد استقر في قلبها بعد ؛ لأن الشيطان دائماً يشعل فتيل الخوف والقلق في النفس فكثف لها مركز التوعية الإسلامي المحاضرات ,وابتهلت إلى الله أن يهديها إلى الحق.(7/136)
تصف ميري لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول : (شعرت في ليلة – وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني – بشيء غريب استقر في قلبي فاعتدلت من فوري وقلت يا رب أنا مؤمنة بك وحدك ، ونطقت بالشهادة ، وشعرت بعدها باطمئنان وراحة تعم كل بدني ، والحمد لله على الإسلام ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي ) .
بعد أن أعلنت إسلامها غيرت اسمها من ميري إلى ( خديجة ) ، والسبب في اختيارها لهذ الاسم دون غيره ، تقول ميري : (وقد اخترته لأن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت أرملة وكذلك أنا كنت أرملة , وكان لديها أولاد وأنا كذلك وكانت تبلغ من العمر 40 عاماً عندما تزوجت من النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت بما أنزل عليه , وكذلك أنا كنت في الأربعينات عندما اعتنقت الإسلام كما أنني معجبة جداً بشخصيتها لأنها عندما نزل الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آزرته وشجعته دون تردد لذلك فأنا أحب شخصيتها .)
المعوقات التي واجهت خديجة بعد إسلامها ..
الخوض في أجواء جديدة له متاعب ومعوقات .. فعندما أسلمت كان رد فعل ثلاث من بناتها عنيفاً إزاء اعتناقها الإسلام ، والباقيات اعتبرنه حرية شخصية .
كما أن البيت والهاتف روقب وكان ذلك في أمريكا ، فقررت الاستقرار في الفلبين , كما تنكر لها أهل زوجها ؛ لأنها من قبل كانت مرتبطة بهم لكون والديها متوفين ، وعندما تخرج إلى الشارع وهي ترتدي الخمار كان الأطفال ينادون عليها بالشيخة أو الخيمة .
طريق الدعوة ..
بعد إسلامها تركت خديجة العمل السابق - أستاذة في كلية - وبعد شهر عادت وطُلب منها أن تنظم جلسات أو ندوات تسوية للدراسات الإسلامية في مركز إسلامي بالفلبين ؛ حيث موطن إقامتها , فألقت العديد من المحاضرات عنه في الجامعات والكليات بالفلبين .
وقد دُعِيَت من قبل رؤساء بعض الدول لإجراء محاورات بين مسلمة ونصرانية؛ لكنها لا تحبذ المحاورات ؛ وتبين الداعية خديجة السبب فتقول: (لأن أسلوبها عنيف في النقاش , وأنا لا أحب هذه الطريقة في الدعوة , بل أفضل الأسلوب الهادئ , ولاسيما اهتمامنا بالشخص نفسه أولاً ثم دعوته ثانياً ) .
ظلت تعمل بالفلبين لمدة سنة ونصف تقريبًا , ثم عملت بمركز توعية الجاليات بالقصيم – القسم النسائي - كداعية إسلامية خاصة متحدثة باللغة الفلبينية بجانب لغتها الأصلية - الإنجليزية -
الأقربون أولى بالمعروف ..
تذكر الداعية خديجة إسلام ابنها فتقول : " عندما كنت أعمل بالمركز الإسلامي بالفلبين كنت أحضر للبيت بعض الكتيبات والمجلات ، وأتركها بالمنزل على الطاولة متعمدة ، عسى أن يهدي الله ابني ( كريستوفر ) إلى الإسلام ، إذ أنه الوحيد الذي يعيش معي .
وبالفعل بدأ هو وصديقه بقراءتها ، ثم يتركانها كما هي تماماً , كذلك كان لدي منبه أذان فأخذ يستمع إليه مراراً وتكراراً وأنا بالخارج ثم أخبرني بعد ذلك برغبته في الإسلام , ففرحت جداً وشجعته ثم جاء عدد من الإخوة من المركز الإسلامي لمناقشته في الإسلام ، وعلى أثر هذه المناقشة أعلن الشهادة والحمد لله ، وهو ابني الوحيد الذي اعتنق الإسلام في الوقت الحالي ، وسمى نفسه ( عمر ) , وأدعو الله أن يمن على باقي أولادي بنعمة الإسلام " .
أماني الداعية خديجة ..
قالت : " أتمنى أن أذهب إلى أفريقيا لأدرس بها ، وأعمل بالدعوة إلى الله " ..
ونسأل الله أن يبلغها ما تمنت ، وأن يجعلها من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة .
===============
الرحلة إلى النور .. الأخت الآيسلندية : آنا ليندا..
الرحلة إلى النور
الأخت الآيسلندية آنا ليندا
" آنا ليندا تراوستادوتير" فتاة دانمركية ولدت عام 1966، عندما كانت صغيرة هاجرت مع عائلتها إلى كندا ومن ثم إلى نيويورك، وقد حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة ( مكجيل ) في مونتريال في كندا، ومنذ ذلك الحين وهي في سفر حول العالم دراسةً وعملا.
رحلتها مع الأديان..
في عام 1997 انتقلت إلى القاهرة لدراسة اللغة العربية، وفي أثنائها اشترت لها إحدى صديقاتها الإنجليزيات المسيحيات إنجيلا بعهديْه القديم والجديد، ففرحت آنا به وسرت غاية السُّرور؛ لأنها في وقتها قد قررت أنها بحاجةٍ لمعرفة ماهيَّة الإنجيل وما يحويه، فقد كانت تشعر بأنها تكاد بصعوبةٍ أن تدعو نفسها مسيحية دون دراسة الإنجيل بتمحيص.
فبالرغم من أنها ولدت وترعرعت كبروستانتية إلا أنها لم تكن تؤمن بالثالوث؛ ولا بمريم عليها السلام كأم للإله؛ ولا بعيسى عليه الصلاة والسلام كابن للإله؛ ولا بأنه بعيسى الذي يموت على الصليب ليطهرنا من خطايانا؛ والذي يصرخ على الصليب قائلا: ( إيلي، إيلي، لِمَ شبقتني ؟ ) - باللغة الآراميَّة - أي: ( إلهي، إلهي، لِمَ تخليت عني ؟ ) كيف يقول هذا في حين أنه كان يُفترض بأنه كان يعلم أنَّ الله تعالى أرسله كرسول له لهذه المهمة ؟
لقد نُشئت آنا على أن تكون من أشد الناس عداوة للمسلمين والإسلام، وقد كانت كذلك حقيقة، وكانت أيضًا ضدَّ العرب قبل أن تنتقل إلى القاهرة، فقد ترعرعت في بلاد مسيحية... وعلى الأفلام الأجنبية الَتي كانت دومًا تصور العرب على أنَّهم أُصوليُّون، ومتطرِّفون، ومُضطهدون للنساء، ومتديِّنون متعصِّبون، وإرهابيُّون، وبأنهم ليسوا طبيعيِّين، وأنهم أُناسٌ محدودوا الذكاء...(7/137)
ثم في عام 1998 انتقلت لتدرس في جامعة دمشق، وهنا قامت بقراءة الإنجيل كله، من الغلاف إلى الغلاف، مع تدوينها لملاحظاتها أثناء قراءتها، وحين انتهت من القراءة أدركت بأنَّ هناك الكثير من المتناقضات فيه، والكثير من الأشياء التي لم تتفق معها: كوصف الإله والنساء، بل إنها أصبحت لاتحترم أولئك الرجال المقدسين - الرسل عليهم الصلاة والسلام- كنوح ولوط وداود.. إلخ، بعد قراءتها لما كتب عنهم فيه.
وبعد أن انتهت من قراءة التوراة، حاولت الحصول على التلمود الكامل لليهود، ولكن من دون فائدة، وذلك لأنهم لا يعترفون بأي أحد يدخل اليهودية، وكانت تريد دينًا يقبل بالداخلين فيه.
ثم انشغلت قليلا بالبوذية، ولكنها قررت بأنها لا تناسبها، لأنهم لا يؤمنون بالله تعالى.. وهي تؤمن بالله تعالى ..
اعتادت آنا ليندا النقاش حول الهندوسية مع والدتها، ولذا فقد كنت مهتمةً بها جدًا، ولكن هناك الكثيرمن الآلهة عند الهندوس؛ لذا فقد كانت الهندوسية خارج نطاق تفكيرها.
في عام 1999 عادت آنا إلى دمشق للعمل في إحدى السفارات، وهناك وفي عام 2000 قابلت مهندسًا يُدْعى مُهندًا، ثم تزوجا بعد فترةٍ وجيزةٍ من لقائهما، وذلك لأنها أحبته بسبب أنه كان مسلمًا، ومسلمًا جيدًا.
فقد قابلت الكثير من المسلمين في الدانمرك وفي الشرق الأوسط، وكما هو الحال في حياتها كلها، قابلت بعضًا من الطيبين وغير الطيبين، من المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين.. إلخ... ولكنها كانت تعتقد بأن كل أولئك المسلمين الذين قابلتهم يمثلون الإسلام.
وعندما كانت تسأل المسلمين أسئلةً عن الإسلام، كانت إجاباتهم تصدمها، فتقريبًا كان كل واحدٍ منهم يدعي بأنه خبيرٌ بالإسلام، كما أن بعضهم أعطوها معلوماتٍ خاطئة كما عرفت هي لاحقا، وكان من الأجدى بهم أن يقولوا: لا أعرف، أو لست متأكدًا..
وبعد ساعاتٍ لا تحصى من الحوار والجدل التي كانت آنا تقضيها مع زوجها حول الإسلام، أصبحت منفتحة العقل بما فيه الكفاية لتدرك بأنها لم تكن لديها الصورة الشاملة عن الإسلام بعد.
في عام 2002 .. وفي شهر رمضان بالتحديد.. سألت آنا مهندًا إن كان بإمكانه مساعدتها في قراءة القرآن الكريم بالعربيَّة .. فوافق على الفور مع أنه كان يملك القليل من الوقت لتعليمها.. ولكن بهذا الوقت القليل وبمساعدة ترجمة جيدة استطاعت قراءة القرآن كاملا بالعربية.
وبعد قراءته تفكرت فيه.. فكم هو جميل، وعلمي، ورحيم، ومكرم للمرأة.. بعكس الكتب التي كانت تقرؤها عن الإسلام والتي كانت مؤلفة من قِبَلِ غير المسلمين، و التي تُظهر الإسلام بصورةٍ سلبية... فقد كان كُتاب بعضها في بعض الأحيان يقتطعون مقتطفاتٍ من القرآن تاركين ما يتبقى من الآيات؛ أو أنَّهم كانوا يترجمون الآيات بطريقةٍ خاطئةٍ، إما لهدفٍ ما أو عن طريق الخطأ.
وتساءلت مندهشةً.. كيف كان بإمكان أيِّ إنسانٍ قبل 1400 عام مضت أن يكتب عن الفضاء، وعلم الوراثة، والتطوُّر، والجيولوجيا، وعلم البحار والمحيطات، وتطوُّر الجنين، وأصل الحياة.... وبعض هذه الأشياء لم تُكتشف إلا في هذا القرن فقط !
ثم تفكَرت: إن العلماء العرب من الفلكيِّين، وعلماء الرياضيَّات والجغرافيا كانوا متقدِّمين جدًّا في ذلك الوقت، فربَّما اشترك بعضهم في كتابة هذا الكتاب من هنا وهناك معتمدين في ذلك على الإنجيل.
ولكنها بعدئذٍ حين درست ذلك بشكلٍ أعمق أدركت بأن الثورة العلميَّة العربية (الإسلامية) حدثت بعد ظهور الإسلام.. وأن المسلمين يؤمنون بأن القرآن أُوحي به لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من خلال الملك جبريل عليه السلام، وأنه استمرارية لكلمة الله تعالى... كما أن المسلمون يوقّرون إبراهيم، وسليمان، وموسى، وعيسى، ونوح (عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين)، وفي الحقيقة يوقرون كل الأنبياء المذكورين في الإنجيل.
في شهر كانون الثاني 2003 بدأت بالبحث على الإنترنت، كانت فقط تبحث عن أشياء مثل: الإسلام، القرآن، المسلم.. إلخ.
وفي شهر آذارحين كانت في ( ريكجافيك ) أتتها الفرصة للحديث مع واحدةٍ من أعز صديقاتها الآيسلنديَّات، وهي مسلمة، وقد نصحتها بترجمةٍ جيدةٍ للقرآن الكريم بالإنجليزية، وهي ترجمة ( عبد الله يوسف علي )، لتقرأها مع النُّسخة العربيَّة الأصليَّة... فحصلت عليها وبدأت بقراءتها..
وفي شهر أيار لعام 2003 أعادت صديقتها الآيسلنديَّة الزِّيارة، وبَقِيَتْ معها لمدة أسبوعين تحدثا خلالها عن القرآن الكريم..
ثم اكتشفتا أنهما متفقتين في نفس الحلم وهو ترجمة القرآن للغة الآيسلنديَّة، فاتفقتا على أن تقوما بذلك معًا... فبدأتا بالعمل بشكل يومي وطول اليوم تقريبا..
كل هذا ولم تسلم آنا بعد..
بعدها.. وفي وقت ما .. أخبرت آنا زوجها برغبتها في الدخول بالإسلام.. فامتحنها بطريقةٍ مطولة... ثم طلب منها الانتظار والتريث بخصوص تغيير دينها... وحذرها بأنها بدخولها الإسلام ستجعل حياتها صعبة، وأنّ النَّاس ستختلف معاملتهم معها.. وسيسخرون منها.. كما حذرها من أنها ستخسر عائلتها وصديقاتها ..
لم تكترث آنا بذلك كله.. فقد كانت مقتنعة أن دينها هو شأنها الخاص.. وأنها فخورة ببحثها العميق الذي استغرق أعوامًا في المسيحية، وفي اليهودية، والهندوسية، والبوذيَة والإسلام... لتصل إلى هذه المرحلة من الإيمان الكامل أن دين الإسلام هو الدين الحق.. لقد أكدت أنه من أكبر الأديان في العالم، وهو الدين الأسرع انتشارًا.
تذكرت حين سمعت الأذان لأول مرة في القاهرة، بدأت الدموع تنهمر، لقد حرك كل مشاعرها... إن الاستيقاظ على صوت أذان الفجر، كم هو مؤثر وجميل..(7/138)
عندما تقرأ القرآن كانت تشعر به في داخلها عميقا.. حتى أنها تبكي أحيانًا.. لقد اعترفت أنه لم يحرك مشاعرها أي كتابٍ ديني آخر لدرجة البكاء أبداً.
تقول في نفسها: ( هذا الكتاب العظيم ( القرآن الكريم ).. الذي كلما قرأته أكثر، كلما فهمته أكثر، فهو يُلهم العلم والفهم.. ففي كل مرة تقرؤه، تتكشف لك طبقات أخرى من الفهم... ولو قرأت منه كل يوم لبقية حياتي، فسوف أظلُّ أتعلم منه شيئًا جديدًا، فهو مليءٌ بالعجائب ).
ثم قررت أن تصبح مسلمةً بشكلٍ رسميٍّ.. فقد كانت نفسها تتوق للذهاب إلى مكة المكرمة لأداء الحج.
وقد رزقها الله صديقاتٍ مسلمات عبر الإنترنت أثناء بحثها فيها.. فقد وصلت إلى موقعٍ إسلاميٍّ آيسلنديّ : www.islam.is، فاتصلت بالكاتبة على الفور وبدأتا بالمراسلة.
وفي بداية عام 2004 تقريبًا أرسلت آنا لها تقريرًا كتبته بعنوان: "الإسلام في آيسلندة 2003"، ثم أرسلته إلى حكومة المملكة العربية السعودية، فاقترحت بأن يقمن بالعمل على ترجمة معاني القرآن الكريم من العربيَّة إلى الآيسلندية، فهي تتكلم اللغة العربيَّة فأصبحن مع صديقتها القديمة والتي سبق وأن اتفقتا معا على ترجمة القرآن... ثلاث آيسلندياتٍ مسلماتٍ يعملن على ترجمة معاني القرآن الكريم...
هذه هي نهاية قصة آنا ليندا ونهاية رحلتها في عالم الأديان والتي استمرت لمدة ستةٍ وثلاثين عامًا .. والتي أطلقت عليها مسمى :
الرحلة إلى النور... الرحلة التي تعتبرها بداية الطريق فقط.
=============
الدكتورة فاطمة عمر نصيف
الدكتورة فاطمة بنت عمر نصيف وثلاثون عامًا من العطاء في سبيل الدعوة...
تعد الدكتورة فاطمة بنت عمر بن محمد نصيف (سعودية الجنسية، متزوجة وأم لستة أبناء، وجدة لأحد عشر حفيداً ) من أبرز الشخصيات النسائية العاملة في خدمة الدعوة في الجزيرة العربية، فهي سليلة بيت عريق في الدعوة والعلم، بالإضافة إلى أنها من النساء القلائل في عصرها اللواتي فهمن دور المرأة كما يريده الإسلام، فانكبت على التحصيل العلمي، وتدرجت في مناصب عليا، وسافرت وبذلت الكثير من أجل نشر الدعوة وخدمة دينها...
نشأتها .. بيئتها ( الاجتماعية والثقافية ):
ولدت الدكتورة فاطمة نصيف في مدينة جدة عام 1944م، ونشأت في منزل جدها الشيخ محمد حسين نصيف والمعروف باسم ( الأفندي ) آنذاك، وهو ما يطلق عليه في علم الاجتماع بمنزل الأسرة (الممتدة) منزل العائلة الكبير، وكان جدها رحمه الله من محبي العلم، وكان هذا المنزل يستقبل العلماء من كل الأقطار الإسلامية بعائلاتهم على مدار السنة، وكان لدى جدها أكبر مكتبة خاصة تعرف ( بمكتبة الشيخ محمد نصيف).
كان والدها رحمه الله في أول حياته العملية مديرًا للمدرسة السعودية، وهي أول مدرسة حكومية افتتحت في جدة للبنين، أما والدتها – رحمها الله – فقد تلقت العلم الشرعي على يد والدها العلامة والداعية الإسلامي المعروف ( شرف الدين كتبي ) الذي أسس أول مطبعة للكتب الإسلامية باللغة العربية في مدينة بومباي بالهند، وكان عمله الرئيس – بالإضافة إلى الدعوة والتعليم الإسلامي – طباعة الكتب والمراجع الإسلامية المطلوبة في دول الخليج، ثم أضاف للمطبعة مكتبة إسلامية عربية في نفس المكان، وكان هذا الأمر في بداية القرن العشرين، ولا زالت المكتبة والمطبعة قائمتين إلى هذا اليوم.
ثم شاء الله عز وجل أن تتزوج والدة الدكتورة فاطمة وتنتقل إلى أرض الحرمين لتعيش فيها بقية عمرها، ومن ثم عملت في مجال الدعوة وتعليم النساء أمور دينهن، فهي أول من بدأت الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لنساء جدة، ثم قامت بتأسيس أول مدرسة للبنات في المملكة العربية السعودية بإذن من صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله، تحت إشراف الشيخ محمد نصيف، كما أسست أيضًا جمعية للقرآن الكريم.
وكانت ابنتها - الدكتورة فاطمة - ترافقها في مسيرتها في العمل الدعوي والتعليمي منذ أن كانت في الخامسة من عمرها؛ فأحبت العلم والكتب والعلماء ومجالسهم وذكر الله، فنشأت في بيت علم وفضل، وهذا كله من فضل الله عز وجل عليها.
تعليمها:
تخرجت الدكتورة فاطمة من الثانوية العامة قسم علمي، وكانت ترغب في إتمام تعليمها في أي كلية علمية، ولكن لم يكن أمامها خيار، حيث لم تكن هناك جامعة للبنات في بلدها، ولم يكن أمامها سوى الانتساب لجامعة الرياض آنذاك، ولم تجد خيارًا سوى الالتحاق بقسم التاريخ، وعندما أنهت دراستها وتخرجت من الجامعة بدأت جامعة أم القرى في مكة في قبول الطالبات المنتسبات في كلية الشريعة، فشدها هذا التخصص فالتحقت بالجامعة من جديد وكانت سعيدة بهذا الانتقال؛ لأنها كانت ترغب في زيادة معلوماتها الدينية من مراجعها، والتعليم بطرق أكاديمية شرعية، واستمرت الدكتورة فاطمة ترتقي سلم العلم حتى نالت الدرجات العلمية الآتية:
المؤهلات العلمية:
- البكالوريوس:
- في التاريخ عام ( 90هـ ) من جامعة الرياض سابقاً والملك سعود حالياً.
- في الشريعة عام ( 95 هـ ) من جامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة بمكة ( أم القرى حالياً).
- الماجستير:
في الكتاب والسنة من كلية الشريعة عام ( 1400 هـ ) بمكة المكرمة جامعة أم القرى، بعنوان: ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في إصلاح المجتمعات ).
- الدكتوراه:
في الكتاب والسنة من كلية الشريعة عام ( 1403 هـ ) بمكة المكرمة جامعة أم القرى، بعنوان: ( حقوق المرأة وواجباتها في الكتاب والسنة ) ( مطبوع ) باللغات " العربية والانجليزية و والأردية والبنغالية والروسية " 1423 هـ .(7/139)
والمطلع على سيرة عائلة الدكتورة فاطمة آل نصيف لا يستغرب هذا التميز والإبداع اللذين رافقا حياتها وجِدها واجتهادها، فلقد دربت في كنف والدها عمر وجدها العلامة المعروف محمد حسين نصيف الذي كان مرجعًا علميًا وسياسيًا وموئلا لكبار زوار جدة من العلماء والوجهاء والسياسيين، وقد نزل في قصر الشيخ محمد نصيف الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود لأخذ البيعة على العلماء والأعيان من أهل الحجاز، كما نزل بقصر نصيف آخر خلفاء بني عثمان ( السلطان وحيد الدولة)، ومن الجدير بالذكر أن آل نصيف ينتسبون إلى قبيلة حرب المعروفة حسب ما ذكر الشيخ الطنطاوي رحمه الله.
وفيما يلي نوجز أهم ما حققته الدكتورة فاطمة نصيف، و لمحة سريعة على المؤتمرات التي شاركت بها، وإنتاج الدكتورة الفكري:
الخبرة العلمية:
- عملت مشرفة عامة على قسم الطالبات بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ( 1396هـ إلى 1404 هـ ) ثم عينت ( محاضر ) بقسم الدراسات الإسلامية ( 1401هـ ) ثم عينت رئيسة قسم الدراسات الإسلامية ( 1402 هـ إلى 1405 هـ ) ثم ترقت إلى درجة أستاذ مساعد (1403 هـ ) ثم ترقت لدرجة أستاذ مشارك ( 1419 هـ ).
الخبرة الأكاديمية:
- قامت بالتدريس في الجامعة لمدة 19 عامًا.
- ناقشت العديد من الرسائل والبحوث العلمية.
- أشرفت على عدد من البحوث العلمية.
أعمال وإنجازات في الجامعة:
قامت الدكتورة فاطمة بإنشاء قسم الدراسات الإسلامية، وكلية الاقتصاد المنزلي، كما أنشأت مصلى للطالبات بالكلية يتسع لـ 500 طالبة، وتمكنت من الوصول بقسم الطالبات إلى الاستقلال المالي والوظيفي، ودفعت عجلة الدراسات العليا ابتداءً من كلية العلوم، وغيرها من الأعمال التي خدمة الفتاة السعودية.
المؤتمرات والندوات التي حضرتها:
حضرت الدكتورة فاطمة العديد من المؤتمرات الإسلامية داخل المملكة وخارجها، منها : مؤتمر وندوة العلوم الطبية ومناهجها، مؤتمر نحو طفولة مبدعة في مدينة جدة، ومؤتمر الملتقى الطبي الفقهي، ومن المؤتمرات التي حضرتها خارج المملكة: مؤتمر للدعوة الإسلامية برعاية رابطة الشباب المسلم في أمريكا، ومؤتمر بكين، ومؤتمر نيويورك، ومؤتمر اسطنبول بإشراف الهيئة العالمية للمرأة والطفل، ومؤتمر القاهرة، ومؤتمر الأديان في جنوب أفريقيا، ومؤتمرات مؤسسة الإبداع في الكويت، ومؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في دبي وغيرها.
- النشاطات واللجان التي شاركت فيها:
- رئيسة لجنة التوعية الإسلامية بالجامعة سابقاً.
- رئيسة لجنة الدراسات التعليمية والتوعية الإسلامية باللجنة النسائية بهيئة الإغاثة الإسلامية، ورئيسة المجلس الاستشاري فيها.
- رئيسة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من عام ( 1403 هـ إلى 1417 هـ ).
- عضوة في المجلس الاستشاري بجمعية القرآن الكريم ومستشارة الجمعية.
- عضوة في الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
- عضوة في اللجنة العالمية للمرأة والطفل.
- عضوة في الهيئة العالمية للأسرة والطفل.
- عضوة في المجلس الاستشاري بالهيئة العالمية للمسلمين الجدد ( 1426 هـ ).
- رئيسة اللجنة النسائية بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ( 1424 هـ ) جدة.
تعمل الدكتور فاطمة حالياً رئيسة للّجنة النسائية بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجدة.
ورئيسة القسم النسائي للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ( 1426 هـ ).
وكلاهما عمل تطوعي.
أما العمل الحكومي: أستاذة متقاعدة بمرتبة أستاذ مشارك في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
الأبحاث :
1- الكفاءة في النكاح 1414 هـ ( مطبوع ).
2- خلق المسلم على ضوء الكتاب والسنة 1415 هـ ( مطبوع ).
3- الإيدز في المنظور الإسلامي 1415 هـ ( تحت الطبع ).
4- الإفرازات الطبيعية عند المرأة بين الطهارة والنجاسة 1415 هـ ( مطبوع ).
5- الأسرة بين منظورين ( تحت الطبع ).
ويعد كتاب: ( حقوق المرأة وواجباتها في الكتاب والسنة ) من أبرز كتبها أهمية، ذلك لأنه يعالج مشكلة قائمة وتشغل فكر عموم الناس، وقد طبع هذا الكتاب باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والأوردية والبنغالية.
الدكتورة فاطمة وقضية الإعجاز العلمي:
اهتمت الدكتورة نصيف كثيرًا بقضية الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى والسنة النبوية المطهرة، وضرورته في الدعوة إلى الله تعالى، وقد كان لها في هذه القضية الكثير من المحاضرات والكلمات، منها على سبيل المثال:
( إن حجة الله في هذا الزمان هو الإعجاز العلمي الذي تتضح معالمه وصوره في كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة.. فمن الضروري الوقوف على أبعاد هذا العلم العظيم والاستفادة منه في الدعوة إلى دين الحق على اعتبار أن مراعاة الناس ومداركهم من اكبر العوامل المؤثرة في اجتذاب غير المسلمين إلى دين الحق.. )
منبهة دائماً : على أن كتاب الله الكريم يزخر بالكثير من الكنوز العظيمة و الأسرار المبهرة التي تقتضي منا الإمعان والتدبر الواعي والقراءة المتأملة، وقد قال الله عز وجل في محكم آياته: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (24) سورة محمد, وقال تعالى: ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (42) سورة فصلت.
وتكرر دائماً: أن 135 عالمًا أعلنوا إسلامهم على أثر حضور إحدى مؤتمرات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.. وهذا يؤكد على ضرورة مخاطبة الناس عل قدر أفهماهم ومداركهم.(7/140)
سئلت ذات مرة في حوار صحفي بمجلة الدعوة عن وصيتها لكل داعية مبتدئة، تضع قدميها على باب الدعوة إلى الله.. فقالت:
عليها أن تتزود بالثقافة الإسلامية اللازمة حتى تدعو إلى الله على بصيرة، وألا تتوقف عن طلب العلم أبداً، وأنصحها ألا تتصدى للفتوى حتى تتمكن من العلم تماماً.
وأضافت: كما يجب على الداعية ألا تستعجل النتائج، وليكون شعارها التدرج والتسهيل، ثم تبدأ دعوتها بدروس العقيدة (الإيمانيات).
و ترى الدكتورة فاطمة أنه من أهم المعوقات التي تقف في وجه الداعية، مسؤولية البيت ثم الزوج، والذي غالبًا لا يسمح بممارسة هذا العمل والقيام بمهمتها، بالإضافة إلى عدم وجود دعم كاف من الجهة المختصة بشؤون الدعوة والإرشاد.
ختامًا يجدر بنا أن نذكر أن الدكتورة فاطمة مازلت تبذل وتعطي الكثير في سبيل نشر الدعوة..
نسأل الله تعالى أن يجزيها ووالديها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء...
=================
قصة إسلام ابنة القسيس الفرنسي التي أصبحت داعية... شهيرة صلاح الدين
شهيرة صلاح الدين فتاة نصرانية.. أبوها قس في إحدى الكنائس الفرنسية.. نشأت وترعرعت حتى تخرجت من الجامعة وهي على دين المسيحية.. في بيت مسيحيّ ملتزم بالنصرانية..
هذه الفتاة منّ الله عليها بنعمة الإسلام التي هي من أجلّ النعم وأكبرها..
فكيف تعرفت شهيرة على الإسلام ..؟ وما الدوافع التي دفعتها لترك دين أبائها ..؟
هذا ما سنذكره من خلال الأسطر القليلة الآتية ...
نشأتها:
نشأت شهيرة في أسرة ثرية مما جعلها تلتحق بمدارس اللغات الراقية، كان والدها قسيسًا في الكنيسة، وأعمامها من رجال الأعمال المعروفين.
حرص والدها حرصاً شديدًا على أن تذهب ابنته إلى الكنيسة؛ لكي تكون مسيحية ملتزمة.. وقد حدث ذلك بالفعل إلى حد كبير..
كانت تقرأ كتباً كثيرة في المسيحية، وكانت تؤمن بما فيها، وكان لديها اعتزازًا كبيرًا بالمسيحية.. و لم تفكر في يوم من الأيام أنها ستصبح مسلمة.
في هذه المرحلة العمرية من حياتها.. كان الشحن الديني من والدها ومن الكنيسة كبيراً.. و لكونها تربت في مدارس فرنسية فهذا ساعدها في عدم الاحتكاك بالدين الإسلامي في المناهج الدراسية.. لذلك فقد كانت تكره الإسلام، وتنظر إليه على أنه شيء بربري همجي إجرامي غير إنساني.. و أنه ليس ديناً سماوياً، لكنه من وضع أحد العرب في الجزيرة العربية.
بداية تعرفها على الإسلام:
في إحدى الحفلات (حفلة زفاف صديقة مسلمة لها ) التقت شهيرة بشاب مسلم.. وقد تحدثا سويًا في أمور كثيرة، و من ثم جذبها بعقليته الواعية وأخلاقه وعائلته الكبيرة المثقفة وبشخصيته المتوازنة... فأُعجبت به، وكذلك أُعجب هو بها.. فقررا الزواج.
بعدها ذهبت شهيرة إلى أمها (وهي سيدة أعمال)، وفاتحتها في الأمر، فانزعجت بشدة ورفضت رفضاً تاماً.
فقررت أن تذهبت هي وزوجها إلى المأذون لكي يعقدا القِران..
بعد الزواج أرسل والد الزوج إلى أبيها وسيطاً يطلب منه مباركة الزواج والموافقة، لكن أسرة شهيرة رفضت رفضًا قاطعًا.
عاشت شهيرة مع أهل زوجها.. وكان اتفاقهما أن تظل على مسيحيتها.
أهم من أثّر عليها في هذه المرحلة والدة زوجها، التي قابلتها بمودة وبطيبة شديدة، وقد استمرت إقامتها معها في نفس المنزل خمس سنوات، تمت معاملتها فيها أفضل معاملة.
كانت شهيرة على اتصال مستمر مع أمها التي كانت تسألها دائماً وفي كل مرة تكلمها: هل ما زلت على مسيحيتك؟
وفي كل مرة تؤكد لها أنها مازالت على العهد، وأنها على مسيحيتها.
كانت والدتها ترسل شقيقتها لتزورها ولتطمئن على أخبارها.. ولتعرف إذا كان هناك قهر وتضييق على ابنتها أم لا.. أما والدة الزوج فكانت تحسن استقبال شقيقتها وترحب بها..
جميع أفراد أهل زوجها تعاملوا معها بود وترحاب وتسامح على الرغم من أنها مازالت ترتدي الصليب.. وتتناول الطعام في رمضان أمامهم وهم صائمون.. و لكن كان لهذه المعاملة وهذا التسامح معها أثرًا يجعلها تشعر في داخلها بالدونية، رغم تمسكها بالصليب.
الحالة النفسية لشهيرة خلال هذه الفترة:
في هذه الفترة بدأ يحدث في داخلها صراع وقلق.. كانت تناجي القديسين، وتسأل عن كثير من الأشياء الغامضة.. ولكنها لا تجد إجابة تريحها.. إن صورة العذراء صامتة أمامها لا تنطق، ولا تستطيع أن تخرجها من حيرتها.
وعندما ذهبت مع زوجها في رحلة إلى أمريكا، ثم زارا بعض الدول الآسيوية.. رأت خلال جولتها صورة المسيح والعذراء مختلفة حسب المكان الذي تذهب إليه، فالصورة تأخذ رؤية كل بلد وملامح هذا البلد.. ولم يكن هناك شكل موحّد.. بل أشكالاً متعددة، وبدأت أسئلة كثيرة تراودها.. تبحث عن إجابات، ولكن لا تجد هذه الإجابات.
ذات مرة سألت زوجها: ماذا تفعل عندما تريد أن تناجي ربك.. بأي وسيلة ؟ ومن خلال من؟
فقال لها: أناجيه مباشرة..
كانت هذه الكلمة هي البداية.. ومن ثمّ جلست شهيرة عدة أيام تناجي ربها وحدها.. دون وساطة القديسين أو العذراء.. وقد سألته الهداية.
دور زوجها في دعوتها إلى الإسلام:
لم يكن زوجها لديه ثقافة إسلامية عميقة.. ولكن كان له شقيق في الولايات المتحدة الأمريكية مثقف وعميق التدين.. فأرسل له كتبًا وأشياء جميلة.. وبدأ الزوج يعلم نفسه ويعلمها.
وقد كان من تعصبها للمسيحية أنها قالت لزوجها ذات مرة: إنني عندما أنجب سأصطحب ابني معي إلى الكنيسة..
فقال لها : "ربنا يسهل"..
وكان هذا دافعاً له ليتصل بشقيقه، وليبدأ رحلة التدين والثقافة الإسلامية.
الموقف الفاصل الذي قادها إلى الإسلام:(7/141)
حينما بدأت تناجي ربها مباشرة دون وساطة، رأت في منامها السيدة العذراء تقف فوق بناية شاهقة وتحتها الإنجيل وهو يحترق.
ومرة أخرى رأت في منامها جدتها المسيحية، وهي تقول لأم شهيرة: اتركي شهيرة على دين الإسلام لكي تدخل الجنة.
ساعتها قالت شهيرة لزوجها... قل لي: كيف أصلي ؟
فعلمها الصلاة.. ومن يومها وهي مسلمة، ولم تقطع الصلاة أبدًا.
ردة فعل أسرتها:
كانت والدتها خائفة جدًا عليها من أن تغير دينها المسيحي .. وعندما عرفت أنها أصبحت تصلي صلاة المسلمين.. قاطعتها وامتنعت عن مكالمتها في الهاتف.. وكذلك امتنعت شقيقتها عن زيارتها.. و لكن شهيرة جاهدت نفسها، وحاولت أن تصل أمها وأهلها ولكن دون فائدة.
رحلتها بعد ذلك مع القرآن و مع الثقافة الإسلامية:
حينما هداها الله، ودخلت الإسلام.. كان أهم شيء عندها هو قراءة القرآن، وكانت متعطشة له.. فالتحقت بمعاهد الدعوة.. وحفظت القرآن الكريم مجودًا..
ومن ثم بدأت رحلتها مع الدعوة إلى الله.. فهي بعد إسلامها لم ترضى بأن تكون مسلمة عادية.. بل تطلعت لأن تكون داعية إلى الله تعالى...
وهذا ما حدث بالفعل... فهي الآن داعية مشهورة في كبرى المدن العربية.. القاهرة ..
وتعرفها الأوساط الإسلامية في هذه المدينة؛ لأنها داعية يُشار إليها بالبنان، وتعمل في مجال العمل الخيري التطوّعي، حسبة لله ودعوة للدين الحنيف.
و الآن أصبحت شهيرة تشعر بالسعادة وقيمة الحياة.
=================
قصة إسلام ودعوة الأمريكية (شريفة كارلو)
شريفة كارلو فتاة أمريكية متحررة كغيرها من الفتيات في ذلك المجتمع..
كانت قبل إسلامها تسخر من الحجاب وتراه تخلفاً واضطهاداً للمرأة، ولما منّ الله عز وجل عليها بالإسلام تغيرت نظرتها للحجاب ولوضع المرأة في الإسلام..
لقد كانت تشعر بالشفقة على النساء المسلمات المسكينات اللاتي كان عليهن أن يلبسن تلك (القمامة) أو يمشين في أغطية السرير - كما كانت تطلق شريفة على الحجاب-.
لم تكن فكرة العفاف بالنسبة لها مما يشغل بالها وهذا لكونها غير منتمية للإسلام وتعيش في المجتمع الغربي، وهذا هو الأمر الطبيعي لكثير من النساء من جيلها.. لقد كانت شريفة كارلو امرأة عصرية ومتحررة..
و عندما هداها الله للإسلام ووضعت الحجاب تغيرت نظرتها كلياً تجاهه.. لقد أصبحت قادرة أخيراً على أن تخرج من المجتمع الذي عاشت فيه وأن تراه على حقيقته...
ومن ثم اكتشفت أشياء كثيرة وكثيرة... من بينها:
أن أكثر النساء دخلاً هنّ أكثر النساء تكشفاً أمام الجمهور مثل الممثلات وعارضات الأزياء وحتى الراقصات الخليعات.
أن العلاقة بين الرجال والنساء كانت تميل لصالح الرجل...
لقد عرفت أنها كانت تلبس لكي تجذب انتباه الرجال...
أنها كانت تحاول خداع نفسها بالقول أنها فعلت ذلك لإرضاء نفسها، ولكن الحقيقة المؤلمة هي أنه ما كان يرضيها هو عندما تجد الإعجاب من أي رجل ويَعُدُّها جذابة.
و يشبه هذا أنها لم تكن قادرة على رؤية أنها كانت مضطهدة حتى خرجت من الظلام... من هذا المجتمع الظالم إلى نور الإسلام.
وبذلك النور الذي أضاء لها الطريق أصبحت أخيراً قادرة على رؤية الظلال التي كانت غامضة بسبب الفلسفات الغربية.
لقد عرفت أنها حينما غطت رأسها أنها سلبت الآخرين من الحكم عليها ليس من خلال عقلها أو روحها أو قلبها.
عندما غطت رأسها جعلت الناس تحترمها لأنهم رأوا أنها احترمت نفسها، وعندما غطت رأسها فتحت أخيراً عقلها للحقيقة..
كل هذه الحقائق وغيرها اعترفت بها شريفة كارلو بعد اعتناقها للإسلام..
قصة التحول :
هي فتاة .. شابة طموحة ونشيطة.. كان والدها يعمل في الجيش الأمريكي.
عندما كانت في فترة المراهقة عرض عليها أحد زملاء والدها الانضمام إلى مجموعة من الشباب يُشكلون جمعية متمتعة بحرية الحركة، مكوَّنة من أفراد يعملون في مناصب حكومية، وكان لهم مهمة خاصة وهي "تدمير الإسلام".
و كانوا يتلقون دورات علمية في الإسلام تساعدهم على فهم الإسلام وتعلمه، وكان الهدف من ذلك هو إعدادهم ليكونوا من المستشرقين الذين يدمرون الإسلام..
و قد عرض عليها هذا الانضمام لما رأى فيها من قوة البيان والحجة، و تحمسها في دفاعها عن حقوق المرأة..
و وعدها هذا الرجل إن هي أنهت هذه الدورات و درست العلاقات الدولية مع التخصص في منطقة الشرق الأوسط، فإنه سيضمن لها وظيفة في السفارة الأمريكية في دولة عربية، وكان الهدف -في نهاية المطاف- أن تستغلَّ منصبها هناك في الحديث إلى النساء المسلمات، وأن تعمل على دعم "حركة حقوق المرأة" التي ما تزال في طور النمو، فظنت بأنها فكرة عظيمة، لأنها كانت ترى النساء المسلمات على شاشة التلفاز، وظنت بأنهن فقيرات ومضطهدات، فأرادت أن تقودهنّ إلى نور الحرية في القرن العشرين.
فرحت شريفة بذلك كثيرًا.. و انضمت للمجموعة وبدأت دراستها الجامعية… فدرست القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي… ودرست بشكلٍ موازٍ أيضاً كل الطرق التي تستطيع بها استخدام هذه المعلومات من أجل تحقيق هدفها وهو تشويه الإسلام... فتعلّمت كيف تلوي أعناق الكلمات لتعني ما أرادتها هي أن تعنيه... وهذه وسيلة لا شك في أنها جدًا فعَّالة.
فتعلمت على أيدي متخصصين يهود علوم الشريعة الإسلامية من فقه وسيرة وتاريخ وحديث وقرآن، وكانت من المجموعة التي تخصصت لدراسة أحوال المرأة المسلمة، والطعن في الإسلام الذي حرمها من حقوقها، فقد كانت تتمنى أن تحرر المرأة من القيود الفكرية التي ترزح تحتها وبالأخص هذا الشرشف الذي تسير ملتحفة به..( بحسب رأيها)..(7/142)
لكن رسالة الإسلام بدأت تأسرها أثناء دراستها؛ فقد كانت ذات معنى، وكان هذا مما أخافها جدًاً... لذلك - ولكي تقوم بردِّ فعل مضاد- بدأت بتلقّي دروس في المسيحية، واختارت أن تأخذ هذه الدروس عند أحد أساتذة الجامعة، الذي كان يتمتع بسمعة مرموقة حيث كان حائزاً على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت من جامعة هارفارد.
شعرت بأنها ستكون عنده في أيد أمينة... نعم ... كانت في أيد أمينة ولكن ليس لنفس الأسباب التي ذهبت لأجلها...
كان هذا الأستاذ متخصص في العلوم الدينية ولكنه لا يؤمن بعقيدة التثليث بل يؤمن بالتوحيد، وقد درس الإنجيل الإغريقي القديم، فكانت بداية بذر التوحيد في قلبها ولكن عقلها كان مليئاً بالشبهات حول الإسلام، إذن قُدِّرَ أن كان هذا الأستاذ مسيحيّاً موحِّداً؛ فلم يكن يؤمن بالثالوث، أو ألوهية السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام-، بل كان يؤمن بأن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان فقط رسولاً من رسل الله تعالى.
وقد أثبت للطلبة ذلك بأخذه النصوص الإنجيلية من مصادرها اليونانية والعبرية والآرامية، وبرهن على قوله بأن أشار إلى كل الأماكن التي تم فيها التحريف، وأشار خلال الشرح إلى الأحداث التاريخية التي تناسبت مع هذه التحريفات أو أعقبتها، وما أن أنهت شريفة هذه المادة حتى كانت مسيحيتها قد تحطّمت، ولكنها لم تكن مستعدة بعد لقبول الإسلام.
واصلت شريفة دراستها لنفسها أولا ومن أجل وظيفتها المستقبلية، فاستغرق ذلك منها قرابة ثلاث سنين.
وفي أثناء ذلك الوقت كانت تسأل المسلمين عن دينهم... و كان من هؤلاء الذين سألتهم أخاً مسلماً من المؤسسة الإسلامية، وعندما لاحظ اهتمامها بالدين الإسلامي.. جعل من تعليمها شغله الشاغل، فكان يحدثها في كل فرصة سانحة... لقد علّمها الكثير عن الإسلام..
وفي أحد الأيام اتصل بها وأخبرها بأنّ مجموعة مسلمة تزور المدينة، وأراد أن تقابلهم...
وافقت شريفة على ذلك وذهبت للقائهم بعد صلاة العشاء... كان هناك الكثير من الناس، فأفسحوا لها مكاناً وقعدت بمواجهة سيّد باكستاني كبير في السن... وقد كان هذا الرجل واسع الاطلاع في المسائل المسيحية... ودار بينهما النقاش حول كثير من مسائل القرآن الكريم والإنجيل، واستمر لساعات طويلة.. وهي تلقي عليه الشبه وهو يرد عليها بردود عقلانية منطقية ثابتة، و استمرت معه من العشاء إلى الفجر..
حتى وصلت إلى مرحلة انتهت فيها كل الشبه التي في عقلها..
وبعد استماعها لهذا الرجل الحكيم عرض عليها ما لم يعرضه أحدٌ من قبل، فقد دعاها لدخول الإسلام... فقال لها: أنا أدعوك للإسلام..
وكانت هذه المرة الأولى التي تُدعى فيها للإسلام .. إنه - وخلال ثلاث سنوات من البحث الطويل- لم يقم أحدٌ بدعوتها لدخول الإسلام... نعم، لقد جادلوها وعلّموها ووعظوها ولكن لم يدعها أحدٌ لدخول الإسلام...
وفي هذه اللحظات عرفت شريفة بأن الوقت قد حان، لأنها عرفت بأنّ هذا هو دين الحق، وكان لزاماً عليها أن تتخذ القرار..
فقالت له: لقد قبلت، أريد أن أسلم الآن..
فرددت بعده الشهادتين بالعربية ومعناهما بالإنجليزية...
تقول شريفة: ( .. و أقسم بالله أنِّي شعرت حين نطقتُ بهما وكأنَّ حملاً ثقيلاً قد رُفِعَ عن صدري، فتنفّست عميقًا وكأني كنت أتنفّس لأول مرة في حياتي... فأحمد الله تعالى أن أنعم عليَّ بحياة جديدة، وصحيفة أعمال نظيفة، وفرصة لدخول الجنة، وأدعوه تعالى أن أعيش ما تَبَقَّى من عمري وأن أموت على الإسلام.. آمين).
بعد دخولها الإسلام.. هاجرت شريفة كارلو إلى الكويت لتكون لها بلدًا ثانيًا.. ثم بدأت بالقراءة والاطلاع على الكثير من الكتب الإسلامية لتتعرف بشكل أعمق على الدين الإسلامي، ولتتفقه في أمور هذا الدين العظيم..
ثم مالبثت أن دخلت غمار الدعوة إلى الله تعالى..
والآن هي من أكبر الداعيات السلفيات، نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحد...
من إحدى مناظراتها..
أنها دعيت في صيف إحدى الأعوام للصين لإلقاء محاضرات في مجموعة من اللجان الإسلامية النسائية.. وكان هناك يوم مخصص لمحاضرة تعريفية بالإسلام لغير المسلمات..
تقول: دخلت القاعة وذهلت للعدد الكبير المتواجد من الصينيات غير المسلمات.. لمست شغف هؤلاء النسوة للتعرف على الإسلام.. بدأت المحاضرة هادئة مرتبة كما نريد.. و لكن ما إن بدأت أتحدث عن حكم ومشروعية تعدد الزوجات بالإسلام.. حتى بدأت أشعر بتعالي الأصوات.. والمقاطعة تلو المقاطعة.. ورفع الأيدي طلبًا لطرح الأسئلة.. لم يستسيغوا ما قلت لهم من حقائق.. وأرى على الوجوه علامات الرفض للفكرة من أساسها رفضا مطلقا..
تقول شريفة.. شعرت بتضييق الخناق علي.. وأنه يجب عليّ الرد عليهن بحجة ثابتة مقنعة..
تقول.. فتجلدت وجمعت شتات قلبي وطلبتُ من الله الفتح والعون..سكتُ قليلا ثم طلبت الهدوء ورفعت من حدة صوتي قليلا لجذب الانتباه..
ثم قلت لهن: أرجو الاستماع لما سأقول ثم سأترك لكن الحكم.. سأطرح عليكن نوعين من الحياة وأرجو أن تخبريني سيدتي أيهما تختارين.. وأيهما تفضلين..
الحياة الأولى..
طال الانتظار لمن تنتظرين الزواج منه.. ودعيني أقول أنه لم يأتِ ولم يطرق بابك أحد.. وفاتك قطار الزواج.. عشتِ وحيدة.. مسؤولة عن نفسك.. تكفلتِ أنتِ بحياتك وحاجياتك.. تخافين من المستقبل.. من المرض.. من سيطعمك.. من سيرعاك.. من
سيؤنسك.. من سيملأ حياتك بالحب والحنان.. أين أطفالك البارعون بصنع الفرح والابتسامة.. من سيرعاك في الكبر.. وعند الحاجة لابد أنك ستحتاجين ليد حانية تقول نحن كلنا معك.. وقريبون منك....و........و..........و.......(7/143)
أم تحبين أن تموتي وحيدة في شقتك المظلمة..كما سمعنا عن الكثيرات؟
الحياة الثانية..
طال الانتظار لمن تنتظرين الزواج منه.. وتأخر..تأخر جدًا.. لكن قبل فوات القطار .. عندك خيار آخر أن تكوني زوجة ثانية.. لرجل كلفتة قوانين الشريعة.. أن يتعهد لك بالالتزام بكل حقوقك الظاهرة والباطنة.. تنعمين معه بحياة عزيزة مكرمة..
ونعم ستشاركك به امرأة أخرى.. لكن تأكدي أنك شريكة لها بكل شيء.. كل شيء.. وأنه سيعدل بينكما في كل شيء.. والآن تستطيعين تحقيق حلمك ببيت آمن.. وأطفال يملأنه فرحًا ومرحًا.. استقرارٌ وطمأنينة.. والكثير من الحب والحنان من زوجك وأولادك..
لست مكلفة بالعمل والعناء.. فعندنا في الإسلام الرجل هو المسؤول عن عيشك أنتِ وأبنائك.. وعن كل شيء في حياتكما.. نامي قريرة العين.. هادئة البال.. فهناك من سيفتقدك عند غيابك.. و يؤنسك عند ضيقك.. ويرعاك عند مرضك.. ويهتم بك عند كبر سنك..
ثم سألتهن:
والآن أي الحياتين تفضلين.. وأرجو إجابتي بكل صدق وأمانة.. أتفضلين الحياة الأولى؟..
إن كنت من المؤيدين لها أرجو رفع يدك لنرى عدد المؤيدات؟
ولم ترفع أي منهن يدها..
فكررت طلبها.. ولكن أن ترفع المؤيدات للنموذج الثاني من الحياة يدها..
فتفاجأتْ للعدد الكبير والكبير جدًا منهن.. ممن أيدها بالموافقة على الحياة الثانية..
فشكرت لهن تفاعلهن وصدق الإجابة... و قالت: هذا هو عيش المرأة في الإسلام.
نسأل الله لها ولجميع المسلمات الثبات على الحق.. والذود عن الإسلام والمسلمين.. وأن يهديهن إلى الحق والصواب.
==============
السيدة الألمانية إيفا ماريا...
ظلم الرأسمالية كان سبباً للبحث عن النظام العادل للبشرية..
هي فتاة ألمانية الجنسية ... كانت قبل أن تعرف الإسلام بعيدة فكرياً عن كل المعتقدات الدينية، وذلك لأن ديانتها المسيحية قد بدت لها غير واقعية على الإطلاق، وليس بمقدور هذه الديانة حل أي من المشكلات التي كانت تواجهها إيفا...
بالإضافة إلى أنها - الديانة المسيحية – عبارة عن علاقة محصورة بين الإنسان وربه، ولا شأن لها بشؤون الناس الاعتيادية، كالشؤون المالية أو العمالة أو أي نوع من أنواع التقنين لحياة الناس...
لقد فكرت إيفا كثيراً في الإله الذي يعبدونه... وقد تيقنت أن صورة المعبود عند النصارى قريبة جداً من صورة البشر.. فقد أضيفت عليها صفات الإنسان لدرجة أنها تجعلها لا تنطبق على خالق الكون والناس.. بل خالق كل شيء..
كما أن صورة السيد المسيح عليه السلام التي يجمع فيها بين الإنسان وصفة الخالق، هذه الصورة لا يمكن تصديقها أبداً...
كل هذا وغيره كان تفكر فيه إيفا ..
وهذه الأفكار جميعها وقعت بعد أن تعرفت على شاب مسلم أصبح فيما بعد زوجها... وكانا يتباحثان دائما في قضية الرأسمالية، وقد صادف في وقتها تمرد الطلاب على نظام الرأسمالية المتبع في الدولة...
وبعد البحث وجدت إيفا أن الإسلام قد وضع فى اعتباره كل هذه المشكلات، واهتم بها أعظم الاهتمام... كمشكلة الاستغلال أو القوانين العامة الديمقراطية وغير الديمقراطية، ومشكلة المال والاقتصاد.. إلخ.
وتيقنت أن الإسلام أوجد جميع الحلول المناسبة لكافة هذه المشكلات الدنيوية... وكم كان تأثرها عظيماً حينما علمت أن الإسلام يعترف بالإنسان باعتباره مخلوقاً له روح وجسد فى آن واحد...
كما أحبت إيفا مبدأ الاتصال المباشر بين الإنسان وخالقه دون أي وساطة من أي نوع بينهما... فقد أشعرها هذا أن الإنسان يخضع لخالقه فقط... لا لأي أحد من خلقه.
وقد شرح لها هذا الشاب المسلم ... بأنه فى الإسلام لا يوجد أي فصل بين الدين والدولة، فاقتنعت إيفا بذلك تماماً، حيث وجدت من الضروري أن لا يقتصر الإيمان والاعتقاد الديني على الشؤون الشخصية فحسب، بل لابد أن يشمل كافة جوانب الحياة الإنسانية...
وهذه صفة مميزة وخاصية فريدة للدين الإسلامى الحنيف... فالعبادة فى الإسلام لا تقتصر على المساجد فقط... بل تمتد لتشمل الحياة البشرية بأسرها.
كل هذا أعجبت به إيفا كثيراً ..
و بعد أن فهمت الإسلام الفهم الصحيح.. ووصل إلى مداركها طبيعة هذا الدين..
أعلنت إسلامها .. ثم بدأت تقوم بدراسات دينية .. وتقوم بجمع المعلومات حول الإسلام..
صادفت إيفا في هذه المرحلة الكثير من الصعوبات والعقبات.. وأصعب ما واجهته في بداية إسلامها تقبل القيود التي يفرضها الإسلام على المرأة، والتي ظنت خطأً حينذاك أنها تحد من حريتها الشخصية، وكما أن اللباس الإسلامي الذي يفرضه الإسلام على المرأة كان في البداية مشكلة كبرى بالنسبة لها، وهذا ما كان ينطبق على معظم السيدات الألمانيات المسلمات...
فإلى جانب ما كانت تحس به إيفا وهي بلباسها الإسلامي الكامل من الإحساس بعدم الارتياح والشعور بالحر الشديد في الصيف، فقد كان من العسير عليها أن تصمد أمام عبارات التهكم والاحتقار التي كانت توجه لها بسبب زيها الإسلامي..
وقد صبرت إيفا وتحملت واحتسبت الأجر عند الله تعالى حتى وفقها الله إلى الرد بإجابات كريمة، ردت لها اعتبارها أمام نفسها وأمام الناس، دون أن يكون ذلك سبباً في خدش حيائها أو إيذائها.
بعد ذلك تعرفت السيدة إيفا على مجموعة من الشابات المسلمات، اللاتي كان لهن التأثير العظيم عليها، وذلك لما لمسته بينهن من حب، وجو أخوى يسود بين الجميع، وهو جو يختلف تماماً عما هو سائد بين أي جماعة عرفتها إيفا من قبل..(7/144)
وقد منحها هذا الانضمام إلى هذه الجماعة الإسلامية إحساساً بالسعادة واليقظة، وقد زاد من اقتناعها بأنها اتخذت القرار الصحيح حين أصبحت مسلمة، كما أن ذلك الإحساس الجميل بمثابة تعويض لها لكل ما لقيته من عقبات نتيجة لهذا القرار.
هذه الجماعة كبرت وأصبحت تضم جالية كبيرة من الألمان المسلمين إلى جانب الأتراك المسلمين المهاجرين إلى ألمانيا..
وهم يحرصون كل الحرص على تطبيق الإسلام والعيش فى ظلاله، والسيدة إيفا ماريا من أبرز أعضاء هذه الجالية.
وهم يجتمعون الآن بشكل أسبوعي مع أطفالهم... حيث يتعلمون المزيد والمزيد عن الدين الإسلامي الجديد.
هذه قصة السيدة الألمانية إيفا ماريا... والتي دخلت الإسلام بعد أن قرأت وبحث عنه.. فاقتنعت بتعاليمه... ومن هو ذي لب وصاحب فطنة وتبصر من لا يقتنع به!!
ولكن : {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } (272) سورة البقرة.
نسأل الله تعالى أن يثبت المسلمين على دينهم، وأن يوفقهم ويهديهم لما فيه خير الأمة الإسلامية في الدنيا والأخرة
==============
(نور العالم) نجاح في دعوة الأندونيسيات
في قرية أندونيسية:
على بعد 120 كيلو متر من العاصمة الأندونيسية ، في قرية صغيرة في محافظة جاوة ولدت "نور العالم" في " برواكرتا " من أم أندونيسية الجنسية ، وأب مسلم من حضرموت ، ونشأت في تلك القرية تنشئة إسلامية تعلوها شوائب البدع وبعض الشركيات ، التحقت بإحدى المدارس أسوة بمن هن في مثل عمرها وشبت عن الطوق في تلك المنطقة ، لم تكن تعرف عن بلدها أي شيء سوى شذرات متناثرة يكونها خيالها الفياض في مرحلة الطفولة والصبا.
"نور العالم" في المدرسة:
والدتها غير متعلمة ولكنها تحافظ على فروضها الدينية وتؤديها بشكل تقليدي ، أما والدها فكان متعلماً ومنشغلاً بأمور التجارة والدعوة إلى الله،في ظل هذه الظروف دخلت " نور العالم " مدارس التعليم العام في أندونيسيا ولم تكمل تعليمها الثانوي ، لم تكن تعرف عن اللغة العربية شيئاً ، أما أمور الدين فكانت تأخذ القليل منها في المدرسة في عهد الرئيس الأندونيسي " سوكارنو " ، "نور العالم" عربية مسلمة وجدت نفسها أسيرة للتعامل باللغة الأندونيسية ، والدها فقط كان مجيداً للعربية ولكنه لا يتعامل بها إلا مع رفاقه العرب فقط.
ذكريات الطفولة:
كان من أجمل الأوقات لديها عندما تحصل على قصة أو كتاب ثقافي من أصحاب الكتب المتجولين في طرقات القرى الأندونيسية في ذلك الزمان مقابل إيجار بسيط ، كانت تلتهم الكتب بثقافاتها المتنوعة التهاماً ولا تكتفي بذلك ؛ بل تجمع أفراد أسرتها أو صديقاتها في المدرسة لتسرد بالتفصيل ما قرأت ، وكثيراً ما يداهمها ظلام الليل ولم تنهي قراءة كتبها ، فتعمد إلى إطفاء المصباح الكهربائي ريثما ينام الجميع ، ومن ثم تعود إلى إشعال الضوء وتقضي مع كتبها ساعات طويلة هي في نظرها من أجمل لحظات حياتها.
موقفها من الحجاب:
أمرها والدها بالحجاب مراراً ولكنها رفضت لجهلها بأهمية ذلك ، زميلات المدرسة والصديقات كان لهن تأثير عليها خاصة أن بينهن المسلمة والمسيحية والبوذية ، كانت تعرف أنها مسلمة وعليها كثير من الواجبات ، ويلزمها أداء بعض الفروض ، ولكنها كانت تلتزم ببعضها ، وتؤدي بعضها بشكل تقليدي أبعد ما يكون عن القناعة .
رحلتها مع الغربة:
عندما فتحت عينيها على الحياة كان والدها كبيراً في السن ، وعندما شارفت على سن السادسة عشر تحدث إلى عمها في السعودية بشأنها ، وأبدى رغبته في أن تكون زوجة لابن عمها ، فهو لا يريد لها الارتباط بشخص غريب ، رحل والدها لأداء فريضة الحج وتوفي بعد فترة بسيطة ، وتم زواجها من ابن عمها بعد ذلك مباشرة.
معاناة:
حضرت إلى السعودية وعمرها ست عشرة سنة ، وبدأت معاناتها مع اللغة العربية ، لم تجد كتباً باللغة الأندونيسية ، ولم تجد أناساً يتحدثون بهذه اللغة ، ولا تلفاز، انقطعت عن العالم تماماً ، انزوت بعيداً مع أحزانها ، وشعرت بالغربة والحنين إلى مسقط رأسها وأهلها ، افتقدت أمها ورفيقات طفولتها وصباها ، عام واحد وتنجب ابنها البكر ، ومعاناتها مع الغربة والألم لم تزل قائمة ، وجدت صعوبة في التفاهم مع الجميع ، وعند خروجها لجلب حاجياتها من السوق ، أو ذهابها للمستشفى .
الملل القاتل حاصر أيامها ، والحزن لفراق أسرتها سيطر عليها ، عام كامل قضته باكية لانقلاب حياتها ، تتذكر دوماً تلك البيوت البسيطة في قرى وجزر أندونيسيا ، وتتذكر بساطة الناس وعدم تكلفهم في أي شيء ، الجيران ، المدرسة ، الحي ، تتذكر كل ذلك وتجهش في البكاء.
لقاء بعد سنوات:
بعد سنوات أنجبت مزيداً من الأطفال وانشغلت بهم ، وبدأت تتأقلم مع حياتها الجديدة شيئاً فشيئاً ، وعقدة اللغة أصبحت أخف وطأة من ذي قبل ، تعلمت بقدر يمكنها من التفاهم مع محيطها ، ومن وسط مشاغلها الحياتية المعتادة يأتيها خبر مجيء والدتها من أندونيسيا لأداء فريضة الحج ، تلتقي بها بعد سنوات مريرة من الفراق ، تغيرت الظروف عمَّا قبل ، فقد أصبحت نور أماً لعدد من الأطفال ، ومسؤولة عن بيت وأسرة .
طموحات كبيرة:(7/145)
هوايتها المفضلة وهي القراءة بدأت تداعب أحلامها ، مكتبة ضخمة كانت أمام ناظريها في بيت أهل زوجها ، ولكن الكتب كانت كلها باللغة العربية ، كانت تستجدي زوجها أن يقرأ لها ولكنه كان مشغولاً بتجارته ، فلم تملك إزاء ذلك إلا الصمت وكتم الألم الذي كان يعاودها بين الحين والآخر كلما وجدت صعوبات تقف لطموحاتها بالمرصاد.
آمال لتعلم اللغة العربية:
بعد فترة من الزمن تهادى إلى سمعها افتتاح ما يسمى بـ " مدارس محو الأمية " ، تجدد الأمل لديها بتجاوز جهلها باللغة العربية ، وعاد النشاط لطموحاتها التي كثيراً ما تنساها أمام مشاغل الحياة وتربية الأطفال ، فاتحت زوجها بموضوع دراستها ، تم رفض طلبها تماماً ؛ لبعد المدرسة عن محل إقامتها وهذا هو أكبر عائق ، استسلمت للأمر ، واقترب موعد التحاق ابنها البكر بالمدرسة ، كانت استعداداتها لالتحاقه بالمدرسة كبيرة ، وآمالها التي علقتها بدراسته أكبر ، ذهب إلى مدرسته ، وأحضر الكتب المدرسية ، وجلست بجانبه من أول درس تلقاه ، كانت تسأله عن كل شيء ، وتحفظ ما يقوله عن ظهر قلب ، مرَّت السنة الأولى بسلام ، ونجحت مع ابنها في تعلم كل دروسه المدرسية ، مرَّ العام تلو الآخر ، وحصيلتها اللغوية تزداد يوماً بعد يوم ، تسير جنباً إلى جنب مع ابنها البكر ، وتبدأ مرَّة أخرى مع الابن الذي يليه ، معرفتها بالقراءة شهدت انطلاقاً كاملاً بعد سنوات ، وابنها يساعدها في تخطي كل شيء يستصعب فهمه عليها .
توبة وندم:
نفضت الغبار عن كثير من الكتب المرصوصة في أرفف تلك المكتبة الكبيرة ، وبدأت تقرأ الكتاب بعد الآخر ، وتسأل أبناءها عن الأشياء التي لا تفهمها ، وجدت كتب السير والتاريخ وغيرها من أنواع المعرفة ، لم تكن الصلة بالله كما ينبغي ، وكانت تطلع على كتب الدين من باب المعرفة والثقافة ، وتؤدي واجباتها الدينية بشكل روتيني سريع يخلو من الخشوع والارتباط بالله تعالى ، ويعتريه كثير من القصور ، وفي ذلك اليوم وبعد أداء واجباتها المنزلية ، وبعد أن نام أطفالها ذهبت إلى فراشها وهي تؤمل نفسها بنوم عميق تنفض خلاله متاعب يوم كامل من العمل الشاق ، نامت قليلاً ومن ثم داهمها قلق لا تعلم مصدره ، استيقظت من نومها ، وتأملت حالها وظروفها ، واختلط في هذه اللحظات حاضرها الذي تعيشه مع ذكرياتها في أندونيسيا ، شيء ما يلح عليها بقلق رهيب ، بكت بمرارة وتذكرت بعدها عن الله عز وجل ، تذكرت جهادها الدنيوي في سبيل العلم وتربية الأولاد ، وتذكرت تفريطها في جنب الله تعالى ، فكرت في مصيرها المحتوم وإن طال مقامها في الحياة الدنيا ، ندمت على التفريط في الفروض الدينية الرئيسة والتقصير تجاه رب العالمين ، عاهدت نفسها في تلك الليلة على تعويض ما فات ، والالتزام بأوامر الله تعالى ، والتقرب منه ، وتعلم الدين لعبادته عز وجل كما ينبغي .
مع كتاب الله:
استمرت هوايتها في القراءة ، ولكن تركيزها أصبح كبيراً على الكتب الدينية ، واهتمت بقصص الأنبياء عليهم السلام ، وقرأت سير الصحابة رضوان الله عليهم ، واهتمت بسماع الأشرطة الدينية ، وتابعت الخطب والمواعظ ، وكان اهتمامها الأكبر هو تعلم القرآن الكريم ، كانت تستمع له كثيراً عبر الإذاعة وآلة التسجيل ، وملأ قلبها الشوق لتعلمه وقراءته ، وكما طلبت من زوجها بالأمس الدراسة في مدارس محو الأمية ، طلبت هذه المرة الالتحاق بدور تحفيظ القرآن الكريم ، رُفض طلبها للمرَّة الثانية ، وطلب منها تعلم القرآن في البيت كما تعلمت القراءة والكتابة ، وأن تعتمد على نفسها في ذلك ، ووعدها هذه المرَّة أن يساعدها قدر المستطاع ، وأن يصوب أخطائها كلما سنحت له الفرصة بذلك ، بدأت مع كتاب الله بدايتها الفعلية ، وكانت ترفع صوتها بالقراءة ليصوب لها مَنْ يسمع قراءتها ، استمرت فترة طويلة على هذا الأسلوب ، وبعدها انتقلت للإقامة في بيت آخر بجانبه مسجد يقيم حلقة تحفيظ للنساء ، طلبت من زوجها من أن تذهب ، لم يمانع هذه المرة لقرب المسجد ؛ ولأن أولادها قد كبروا بعض الشيء ويستطيعون الاستغناء عن رعايتها هذه الساعة ، حفظت في الحلقة جزء عم ، وسورة تبارك ، ومقاطع من سور أخرى ، واشتركت في مسابقات قرآن لبعض السور ، إما حفظاً أو تفسير ، وحرصت على حضور الدروس والمحاضرات ، تعلمت خلالها طريقة الإلقاء ، وأساليب جذب الحضور ، وكانت تُعد الأسئلة لتسأل الداعيات عمَّا يصعب عليها فهمه .
انقطعت الدروس في المسجد المجاور لبيتها ، ولم تنقطع رغبتها في الاستزادة والتحصيل ، عَرَفََتْ الأساسيات في طلب العلم ، وقررت الاستمرار في ذلك من بيتها وبمساعدة ابنها ، قرأت القرآن الكريم وكتب الدين في الليل والنهار وكل أوقات الفراغ التي تتوفر لديها .
بداية الطريق:
كانت ذاكرتها تستحضر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " بلغوا عني ولو آية " ، وكانت تتوق نفسها لتبليغ بنات جنسها خاصة من الأندونيسيات اللاتي تكون أصولهن عربية ، وجدت الدعم والتشجيع من زوجها ، وكانت في مجالس النساء تضيق ذرعاً بالأحاديث التقليدية حول الطهي وأنواع اللباس ، كانت تلقي عليهن بعض المواعظ البسيطة التي لا تتجاوز الدقائق فتجد منهن كل إنصات وحماس ، ذكَّرتهن باليوم الآخر وبمعاني القرآن الكريم وكثير من أمور الدين التي يجهلنها ، وبدأت تنتظم في إلقائها من خلال اللقاء الأسبوعي بهؤلاء النسوة ، وجدت القبول من الجميع خاصة أنها تلقي بلغتها الأساسية وهي اللغة الأندونيسية بالإضافة إلى اللغة العربية أحياناً .
مكتبة خاصة :(7/146)
كانت تدرك تماماً أن الدعوة مسؤولية كبرى ، وأنه لا بد لها من أرضية صلبة من العلم الشرعي ، حرصت كثيراً على تكوين مكتبة تحوي كتب العلم الضرورية ، وكانت تستعين بعد الله بأستاذات لاختيار كتبها ، واهتمت بالقراءة والاستزادة من هذه الكتب قدر الإمكان ، قرأت كتاب الله كاملاً مع دراستها للتجويد ، تعلمت التفسير وأسباب النزول ، واطلعت على سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، اهتمت بالعقيدة ودروس الفقه ، أدركت أن العلم بحر كبير لا ساحل له ، وقررت بينها وبين نفسها أن تبلغ ما تعلمته قدر المستطاع ، وأن تغير المفاهيم الخاطئة لدى أخواتها الأندونيسيات المتواجدات في مدينة الرياض ، وأن تعمل على تثقيف الأندونيسيات اللاتي ينتمين إلى أصول عربية ، تريد أن تساهم بما تستطيع ، وتخدم الدعوة قدر طاقتها .
نجاح في الوسط الدعوي:
تهادى إلى الأسماع اسم الداعية الأندونيسية " أم حسن " وهذا هو اسمها الذي اشتهرت به في الأوساط الدعوية ، وحرصت المسؤولات في مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات على تنسيق محاضرات لها مع الجاليات الأندونيسية ، ونظَّمت لها دور تحفيظ القرآن الكريم محاضرات مماثلة ، واستفاد محيطها من دروسها في تجمعات الأندونيسيات في اللقاءات الأسرية ، وألقت العديد من المحاضرات في الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
==============
الداعية الإسلامية زينب الغزالي.. 53 عاماً في الدعوة إلى الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الداعية الإسلامية زينب الغزالي:
كثيرٌ هم من تصدوا للدعوة والجهاد عبر التاريخ من رجال الأمة..
وقد سطّر التاريخ أسماءهم بمداد من ذهب خالص مخلوط بنور الإيمان.
ولكن..
قليلٌ هن من سطر التاريخ أسماءهن في دواوينه الطويلة..
إنها امرأة بألف امرأة, شهد لها تاريخ الدعوة الحديث مواقف ومواقف, صدعت بالحق وأعلنته في وقت قل فيه الناصر, ووقفت شامخة أمام طغيان الظلم في وقت جبن فيه كثير من الرجال, وحفلت حياتها الطويلة بالفداء والتضحية من أجل إعلاء كلمة الله, ورفع لواء الدعوة النسائية , إنها الداعية التي بذلت الغالي والنفيس من أجل دينها, إنها زينب الغزالي رحمها الله.
فقدت الأمة بفقدها داعية مجتهدة محبوبة ومربية واعية خبيرة, عاصرت مبدأ الصحوة الإسلامية, وكانت هامتها كهامات الجبال أمام طغيان الظلم ،فلم تهن ولم تكل, ولم تتوان عن حمل الدعوة إلى من بعدها متأسية في ذلك بأم عمار سمية وبآسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران, وغيرهن من نساء التاريخ اللائي صمدن أمام الفتن فلم يرجعن ولم يهن, وقفت شامخة بدينها في السجون, , ولما خرجت من السجون ظلت مساندة لإخوانها ممن لازالوا بأقفاص البغي, فساندت أسرهم, وعاونتهم على تحمل مشاق الحياة, ولما هدأت العاصفة تفرغت لدعوتها فأفادت نساء أمتها, وخرجت الأجيال تلو الأجيال من الداعيات إلى الله عز وجل.
خُدِعَت في بداية حياتها مثلها مثل الكثيرات بدعوة هدى شعراوي, فلما تبين لها الحق, طرحت ما كانت عليه رغم عاطفتها نحو هدى شعراوي وتمسك الأخرى بها إلا إنها أبت إلا الإذعان للحق والانقياد له، خرجت من ظلمات هدى شعراوي إلى نور هدى الله رب العالمين, وظلت في طريق الحق صامدة صابرة محتسبة أكثر من خمسين عاماً, وسبحان الله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( بيننا وبينكم يوم الجنائز), فهاهي جنازة زينب الغزالي تشهد دموع آلاف المشيعين كما شهدت أشجان الملايين من أبناء الأمة في أصقاع الأرض.
لقد كانت قبل التزامها بالدين الإسلامي شعلة متوقدة، ولساناً طليقاً ينطق بغير الحق ويدافع عنه، اعتقاداً منها أنَّه الحق، ثمَّ ما لبثت أن أبصرت النور، فأعطت في الالتزام أضعاف ما أعطت في غيره، وهي إلى اليوم من أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن الإسلامي الكبير، فقد أسست لهذا العمل وعملت له بكلّ إخلاص وتفان.
نسبها ونشأتها:
زينب الغزالي الجبيلي ولدت في الثاني من يناير عام 1917 في " ميت يعيش " بمديرية الدقهلية من أعمال مصر، ومن أسرة يميزها الطابع الإسلامي، فكان والدها من خريجي الأزهر الذين حصلوا على شهادته العالية التي تعادل الدكتوراه، إلا أنه لم يعمل في التدريس بل انصرف إلى التجارة، إذ كان أبوه من كبار المزارعين ومن كبار الأعيان في مديرية الدقهلية... وقد درجت في هذا البيت المحافظ على مواريث الإسلام من فضائل السلوك والأخلاق والتربية، وبعد وفاة والداها تركت القرية إلى القاهرة ولم تتجاوز الثانية عشرة من العمر.
وكان والدها حريصا على تنشئتها تنشئة إسلامية متكاملة، فقد أنشأها والدها على حبّ الخير والفضيلة، ونمَّى فيها استعدادها الفطري للقيادة والجرأة في الحق، والصدق في الحديث، والوقوف ضدّ الظلم.
صفاتها:
إن المتصفح لسيرة وحياة الداعية زينب الغزالي – رحمها الله - يجد أن الله تعالى حباها من الصفات والأخلاق ما جعلها نموذجا للداعية الناجحة، حتى وصلت إلى درجة يمكن القول معها: إنه لم يكن لها مثيل من النساء في الدعوة إلى الله منذ ظهرت إلى أن لقيت ربها، فما زالت الدعوة النسائية من أقل أنواع الدعوة تنشيطا وتفعيلا، وقد يكون من المهم معرفة تلك الصفات التي تحلت بها زينب الغزالي، لتكون زادا للدعاة في طريقهم، وخاصة النساء، أهم هذه الصفات حسن الصلة بالله، إذ تجد صاحبها على أرض صلبة لا يتزحزح مهما قابله من عواصف تريد أن تجره بعيدا عن الطريق.
كما كان للقرآن الكريم الأثر البالغ في تكوين شخصيتها، وعلى قدر علاقة الداعية بالقرآن يكون نجاحه في دعوته، إذ القرآن لب الدعوة وجوهرها.(7/147)
وقد عاشت زينب الغزالي للقرآن ومعه، بل إنها أنشأت مع القرآن علاقة صداقة خاصة، حتى وهبها الله تعالى تجليات من معانيه، ظهر هذا في كتابها "نظرات في كتاب الله".
وقد عرف عنها أنها ما كانت تنسى الاستشهاد الصحيح من القرآن والسنة، وإن كانت تنسى بعض الأسماء عندما كبرت سنها، غير أن آيات القرآن، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بقيت محفورة في قلبها قبل عقلها، فتستدعيها وقتما تشاء، وهذه من بركات القرآن عليها.
حين مرضت سألت الله تعالى إن كان ابتلاها بهذا لسلوكها طريق هدى شعراوي، فإنها تعاهد الله تعالى إن شفاها أن تقوم بتأسيس جمعية للأخوات المسلمات للدعوة إلى الله تعالى على الطريق الصحيح، وحين شفاها الله تعالى بدا لها ما كان خافيا عنها من اعوجاج طريقها مع هدى شعراوي، فكانت أسرع الناس إلى الوفاء بالوعد، وهي من أهم ما يجب أن يتحلى به الداعية.
سلاح العلم:
الحرص على التعلم من أهم ملامح شخصية زينب الغزالي الداعية، فالعلم هو من أهم مفاتيح الداعية، وقد أصرت منذ صغرها على الالتحاق بالتعليم بعد أن رفض أخوها الأكبر أن تتعلم، لما يعلم من جرأتها؛ خوفا عليها، بل حينما انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة في حي "السيدة زينب" بعد حي "شبرا" ذهبت إلى مدرسة خاصة بالبنات، وطلبت مقابلة مدير المدرسة وكانت تلقب نفسها بنسيبة بنت كعب المازنية -وهي ما زالت حديثة السن-، فلما قابلت مدير المدرسة قصت عليه حكايتها، فأعجب بشخصيتها وشجاعتها، فالتحقت بالمدرسة،وبجوار تعلمها في المدرسة تلقت علوم الدين على عدد من شيوخ الأزهر، وقد كانت زينب الغزالي شغوفة بالعلم، فكانت تكتب وتقرأ ما يقرب من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة يوميا، مما أتاح لها أن تكون على دراية بقضايا العالم الإسلامي، وكان لهذا التعليم الشرعي مع ممارسة الدعوة أثر في أن تكون زينب الغزالي من النساء القلائل اللاتي منَّ الله تعالى عليهن بتفسير القرآن الكريم.
انضمامها لهدى شعراوي:
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي ترأسه هدى شعراوي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، تمنت زينب أن تكون ضمن هذه البعثة، وتوجهت من فورها إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي التي تعاطفت معها ورثت لحالها وموقف أخيها المتزمت معها، وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وأظهرت ترحيبها بها وسعادتها بصيدها الثمين.. فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها رحمه الله.. وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن.. وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي.. وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها.. لكن الله أراد لها غير ذلك.
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها.. كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملا.. ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزا وتأثيرا.. يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة.. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك.. وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير.. تنير له الدرب.. وتجنبه عثرات الطريق.. فبعض الآباء يواصلون رعايتهم لأبنائهم حتى بعد وفاتهم.. ويرسلون نصائحهم وتوصياتهم من قبورهم البعيدة.
فقدمت اعتذارا، مع أنها كانت تبذل جهدا كبيرا حتى تسافر، فتركت أمل الفتاة التي تتشوف للسفر إلى أوربا وبهرجتها، والتزمت ما رأته خيرا، وإن كان عجيبا أن تترك الفتاة زينب الغزالي السفر إلى أوربا، وهو حلم يراود ملايين الفتيات، فإن الأعجب أن هذا حدث لها، وهي ما زالت مع الاتحاد النسائي صاحب الحركة التحررية، وهذا يعني أنها كانت صاحبة عقل وخير، فهي لا تستسلم لانتمائها استسلاما مطلقا، بل تقبل وترفض، وهذه الصفة أحسبها من أهم ما يحتاج إليه دعاة اليوم.
.. وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها.. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي.. و عندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت.. قالت لها: إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق.. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب.. واحتضنتها وهي تبكي.. لكن زينب أصرت على موقفها الجديد و قالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
مع علماء الأزهر:
خاضت زينب الغزالي حروباً كثيرة ضد الأزهر الذي كان يكافح الاتحاد النسائي ويخشى من قناعات زينب بهدى شعراوي ومشروعها من منطلق إسلامي، وهو ما يمثِّل فخاً لكثير من الفتيات، فكان الأزهر الشريف أوَّل مؤسسة تنبَّهت لهذا الأمر ووقعت في تصادم حاد وعنيف مع الاتحاد النسائي، وأقام نتيجة لذلك العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية في بعض الكليات والمعاهد الأزهرية، ودعا فيها الاتحاد النسائي للمناظرة، فكان أن انتدبت هدى شعراوي ثلاث فتيات لتمثيل الاتحاد في هذه المنتديات من ضمنهن: زينب الغزالي.
وفي أحد هذه اللقاءات تحدَّث بعض شيوخ الأزهر عن دعوة هدى شعراوي، وراحوا يؤكدون أنَّها تريد الخروج بالمرأة المسلمة من محيط التعاليم الشرعية، فوقفت لهم زينب بالمرصاد مدافعة ومؤكدة أنَّ هدى شعراوي تريد الارتقاء بالمرأة المسلمة، وتنمية عقلها وفهمها، ورؤاها، والسعي من أجل الحصول على حقوقها.. إلى آخر هذه الشعارات الرنَّانة الزائفة، التي كانت تؤديها بكلّ صدق وإخلاص وانبهار حقيقي من وجهة نظرها آنذاك.(7/148)
وقد حدث ذات يوم أنَّها تصدَّت لعشرة من مشايخ الأزهر، فهاجمتهم وانتصرت لأفكار هدى شعراوي، فما كان منهم إلا أن طلبوا من الشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر منعها عن الوعظ، لكنّ الرجل كان ذا عقل راجح وعلم غزير، فقال لهم: لقد واجَهَتْ عشرة من علماء الأزهر ولم يستطيعوا إقناعها، ونحن إذا أوقفناها عن الوعظ أنبأ هذا عن فساد رأينا وصدق ما تدّعيه، لذلك أرى مواجهتها؛ فقال أحد العلماء واسمه الشيخ محمّد النجّار: أنا لها..
وحينما ذهبت في اليوم التالي بصحبة رفيقتيها وجلسن، جاء الشيخ وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والسلام عليكم أيتها الفتاة التي تناقش علماء الأزهر وتدافع عن السيدة الفاضلة هدى شعراوي وجمعيتها وأغراضها.
فوقفت زينب الغزالي وقالت له: بداية أنا زينب الغزالي الجبيلي، فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثمَّ بدأت تحاضر في الفتيات، فشدَّت انتباه الشيخ، فقال لها بعد فراغها من المحاضرة حين همَّت النساء بالخروج: هل تسمحين يا ابنتي أن أحدِّثك دقائق في مجال الدعوة الإسلامية؟
فقالت له: سمعاً وطاعة.. تفضَّل. جلس الشيخ ثمَّ رفع يديه إلى السماء، ودعا الله عزّ وجل قائلاً: اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى، وبكتابك الذي أنزلت وبسنّة نبيِّك الذي أرسلت، أن تجعلها للإسلام، إنَّك على كلّ شئ قدير، أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام، وصلِّ اللهم على سيدنا محمّد.
ثمَّ دمعت عيناه فتأثرت زينب بهذا الموقف ودمعت هي الأخرى وحاولت إخفاء دموعها عن الشيخ ثمَّ سألته: لماذا تعتقد أنَّني لست مع الله، وأنا أصلّي وأصوم وأقرأ القرآن وسأحجّ بيت الله حين تيسّر أموري بمشيئته، كما أتمني أن أستشهد في سبيل الله. فقال الشيخ النجَّار: أحسبك كذلك، واستمرّ في دعائه ثمَّ قال لها: هل تعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟ فقالت: وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله. فقال لها: هل تعاهديني على نصرة الحق؟ فعاهدته، واستمرّت علاقتها بالشيخ النجَّار الذي أوضح لها أموراً كثيرة في الدين كانت تجهلها، وكان لها رأي مخالف فيها قبل معرفتها بالشيخ، وتفتَّحت عيونها على قضايا كثيرة لم تكن تعلمها من قبل.
ظلت زينب تعمل كعضو بارز في الاتحاد رغم اعتراض بعض العضوات على خطابها الذي لا يخلو من نبرة إسلامية يرونها بعقولهن المضللة رمزا للرجعية والتخلف.. وظلت زينب تردد شعارات هدى شعراوي وتتبنى مشروعها لتنمية المرأة وإعدادها للنهوض بدورها الثقافي والاجتماعي.. ولعل للقهر والظلم الاجتماعي الذي تعرضت له زينب دورا كبيرا في تمردها على العادات البالية والمفاهيم الصدئة التي تتستر بعباءة الإسلام وهو منها براء.. فكانت زينب تتبنى مشروع هدى شعراوي من منطلق إسلامي وهو ما يمثل فخا لكثير من الفتيات.. حيث تغريهن شعارات التحرر البراقة التي تدغدغ طموحهن المكبوت زيفا باسم الدين.. بل إن زينب خاضت حربا فكرية ضروسا ضد الأزهر الذي تنبه لخطورة السم المدسوس في العسل.. وظلت تدافع عن القناعات التي كانت وقتها تؤمن بها بصدق وانبهار حقيقي... وأقام الأزهر العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية لدحض الحجة بالحجة وإبطال زيف المؤامرة الغربية على المرأة المسلمة..
بعد موقف زينب المؤثر مع علماء الأزهر وخاصة مع الشيخ محمد النجار كتبت خطاباً لهدى شعراوي، أعلنت فيه استقالتها من الاتحاد النسائي، ثمَّ تخلَّت عن جميع ملابسها الموجودة، وطلبت من أخيها جلباباً فضفاضاً، وخماراً وضعته على رأسها بدلاً من القبعة.
تحوَّلت زينب هذا التحوُّل الكبير وغيَّرت أفكارها واتجهت بها إلى نصرة الدين الإسلامي والالتزام بالحجاب الإسلامي.
تلقَّى علماء الأزهر ـ خصوصاً الشيخ النجَّار ـ نبأ تحوُّلها بالبشر والفرح، ثمَّ توالت أنشطة زينب الغزالي من يومها، وقد بدأتها عام 1936م حين أسّست "جمعية السيدات المسلمات" تدعو إلى الله على بصيرة، وكانت محضناً خصباً ترعرعت فيه الكثيرات من الكوادر النسائية الإسلامية اللائي عملن للدعوة منذ نعومة أظفارهن دون مرورهن بالدهاليز التي سلكتها المربية الفاضلة زينب الغزالي بحثاً عن كوّة النور، التي هديت إليها بعد معاناة وإخلاص وجدّ في البحث، ثمَّ أهدت عصارة تجاربها للقادمات من بعدها، تحذِّرهن من الانخداع بمعسول الكلام وبريق الشعارات التي خاضت فيها يوماً وقد أنجاها الله بعد ما كادت تهلك!
كانت زينب الغزالي علامة بارزة من علامات فضح هذه الدعاوى الباطلة، وكانت بذرة صالحة وُلدت مع دعوة خبيثة رضعت لبانها فلم تستسغه وانقلبت عليه سالكة طريق الحقّ تكافح هذه الدعوة وتلاحقها، حتى شحب عودها واصفرّ لونها.
تحوَّلت زينب حينما ذاقت حلاوة الإيمان، بعد ما جرَّبت علقم الشعارات الرنَّانة، وبعد ما تأكدت من سعة الإسلام الصالح لكلّ زمان ومكان، وتأكَّدت من ضيق هذه الأباطيل وعجزها عن استيعاب الذين ما زالوا يروِّجون لها، ويدافعون عنها، وينفخون فيها لإحيائها، بعد ما انكشفت حقيقتها، وخبت نارها، ووهنت وشاخت أمام شرعة الإسلام المتدفقة بالحيوية والصلاحية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
زينب.. في ثوبها الجديد..(7/149)
أوفت زينب بعهدها لربها.. وبدأت انطلاقتها الجديدة بخمار يتوج رأسها.. وإيمان يغمر قلبها.. واستقالت من الاتحاد النسائي.. نفذت زينب كما ينفذ الضوء عبر الثقوب الصدئة.. عابرا بطهره غياهب الظلام وضباب الشبهات إلى نور اليقين وصبح الحقيقة.. وحاولت هدى شعراوي أن تؤثر في قرار زينب، وقالت وهي تبكي: يا زينب كنت أريدك خليفتي من بعدي.. فقالت زينب: لقد اخترت واختار الله فأنا مع اختيار الله وسأظل ابنتك الوفية وسأذكر فضلك ومكارمك..
وبالفعل لم تنقطع الصلة على المستوى الإنساني بين هدى وزينب، ولم تشك زينب في إيمان هدى شعراوي على الرغم من علمانية حركتها وموقفها من الحجاب، وظلت تذكرها بالخير وتقول إنها كانت تبر الفقراء وتساهم في أعمال الخير وتحج بيت الله.. وربما لا يعلم الكثيرون أن هدى عندما اشتد عليها المرض طلبت رؤية زينب فذهبت إليها ووافتها المنية وهي بجانبها وشاركت زينب في جنازتها.
وهكذا مثلت زينب إجابة مبكرة لدعوات تحرير المرأة برؤية إسلامية.. وردا مفحما على كل التيارات التي حاولت ربط تخلف المرأة بالإسلام.. بل أثبتت الدور الدعوى للمرأة المسلمة وأن دورها الرسالي لم يتراجع.. فقد أسست جمعية السيدات المسلمات في عام 1937م.. وحصلت على التصريح من وزارة الأوقاف ولم يتجاوز عمرها الثمانية عشرة ربيعا.. وكان معها موافقة على إنشاء خمسة عشر مسجدا خرجت في وقت قصير الواعظات.. وأقامت الكثير من المساجد الأهلية.. وكانت تعقد 119 اجتماعا في السنة. وأصدرت مجلة لقيت ترحيبا واسعا... وخلال عقدين من الزمان جذبت خلقا كثيرا منها بعض قيادات الثورة.
الإخلاص في الدعوة:
وقد أدركت زينب الغزالي منذ وقت مبكر دور المرأة كداعية في المجتمع، فلم تكتف بقيامها هي بالدعوة، بل قامت بتدريب عدد كبير من الأخوات من خلال معهد تابع لجمعيتها، كان يخرج المرأة داعية إلى الله بعد ستة أشهر، حتى أصبحن داعيات على درجة عالية من الدعوة، وظل بيتها مفتوحا للدعاة من الرجال والنساء حتى أواخر أيامها.
وامتد نشاط الجمعية في محافظات عدة من مصر، وشملت الرعاية الاجتماعية من رعاية الأيتام، وحل المشكلات الزوجية والصلح بين المتخاصمين، ومشغل للفتيات، ورعاية المرضى، بل كان لها أثر في تعبئة الرأي العام ضد الفساد المنتشر في مصر آنذاك، حتى إنها كانت مصدر قلق كبير للحكومات، حاولوا معها استمالتها بأن تكون ضمن نظام الحكم، غير أنها لم ترض أن تبيع دينها لأجل دنيا فانية مع حفنة طاغية.
ولم يقف نشاطها الاجتماعي ؛ لإيمانها أن العمل الاجتماعي من أهم أعمال الدعوة، بل زاد أكثر، فحين اعتقال الآلاف ، قامت زينب الغزالي في فريق نسائي من قسم الأخوات المسلمات لمساعدة أسر المعتقلين، فقد كانت تجمع التبرعات من الذين لم يعتقلوا، وتشتري بها بعض الحاجات الأساسية للأسر، وترشد السيدات معها إلى بيوت المعتقلين، لينتفعوا بالمعونات المادية، بالإضافة إلى محاولة تثبيتهن من جراء الظلم الواقع على الأزواج بلا ذنب مقترف، فتجمع بين الدعم المادي والدعم المعنوي لهن، وقد كانت تقوم بهذا في وقت عصيب ،غير أنها وهي التي ذاقت مرارة التعذيب ما كانت تخاف إلا الله.
نشر الدعوة :
بعدها توجهت زينب الغزالي إلى عدد من الدول العربية والإسلامية في رحلات دعوية، وكان لها إسهامات بارزة في الصحافة الإسلامية، كما زارت الجبهة الأفغانية أثناء الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات أكثر من مرة.
وقد جمعت الداعية زينب الغزالي وسائل عديدة للدعوة، فقد كانت تعطي الدروس في المساجد، والمحاضرات في المراكز والهيئات والجمعيات، كما كان لها بعض الحلقات الإذاعية والتلفزيونية، وتكتب في الصحف والجرائد والمجلات، كما كان لها بعض المؤلفات، أهمها: "أيام من حياتي"، "نحو بعث جديد" ، "مشكلات الشباب والفتيات"، "إلى ابنتي"، وتحت الطبع "أسماء الله الحسنى" وغيرها.
كما كان هاتفها لا ينقطع عن الاتصال ردا على سؤال، أو أخذا للنصيحة، أو حلا لمشكلة، ضاربا المثل في بذل الجهد والوقت في سبيل الله.
لقد كانت زينب الغزالي مثلا للداعية، فلم تحصر الدعوة في شكلها التقليدي، بل قدمت الدعوة بمجالاتها المتعددة، الدعوة الخاصة، والدعوة العامة، الدعوة في المجال الاجتماعي، والدعوة في المجال السياسي، والدعوة في المجال العلمي والثقافي، الدعوة في الرخاء والشدة، دعوة الرجال والنساء، الدعوة تصحيحا وتجديدا، لتكون زينب الغزالي مضرب المثل للداعية التي عاشت لدعوتها بروح عصرها، في واقع الناس، فكانت داعية الفكر والعمل.
وقد زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة، وأدت فريضة الحج 39 مرة، واعتمرت 100 مرة.
و زارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية وإلقاء المحاضرات الدينية، وأوضحت الكثير من المفاهيم حول فقه الدعوة إلى الله.. وأمضت في حقل الدعوة 53 -أكثر من نصف قرن-
التقت خلالها بأبرز رجال الدعوة الإسلامية في ذلك الوقت.
وفاتها:(7/150)
وقد بقيت زينب الغزالي شامخة طوال عمرها الممدود بالطاعة والدعوة، حفظت جوارحها في الصغر، فحفظها الله تعالى في الكبر، وأراد الطغاة لها الموت، ولكن الله تعالى أماتهم ووهبها الحياة بعدهم، فبقيت زينب الغزالي أحد أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن العربي حتى توفيت مساء الأربعاء 3/8/2005م، في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاما بعد أن أمضت نحو 53 عاما في حقل الدعوة الإسلامية عبر أنحاء عديدة من العالم الإسلامي. فرحم الله زينب الغزالي وأسكنها فسيح جناته, وجعل دعوتها وتربيتها لأجيال الدعاة في موازينها كأمثال الجبال يوم يكون المرء أحوج ما يكون لعمل صالح.
===============
جميلة الصينية..من ظلام الكنائس إلى نور المساجد
في الفلبين:
هناك ومن مسافات بعيدة..من خلف سور الصين الشهير..نزحت تلك الأسرة النصرانية من الصين إلى الفلبين طلباً للتجارة.. وللبحث عن حياة أفضل..أسرة صينية بسيطة في عددها وفي ظروفها..وبعيداً عن أرض الوطن الأصلي ولدت اليزابيث..لم تر بلدها الأم..حصلت على الجنسية الفلبينية..عاشت طفولتها هناك..وترعرعت في ثنايا بيت يدين بالنصرانية..فتحت عينيها على الكنيسة..واستشعرت حب أهلها لهذا المكان وكثرة ارتيادهم له..تذهب معهم يومي الأحد والخميس من كل أسبوع..لم تكن تهتم بذلك..ولكن اهتمامها كان لذلك النعاس الذي يغالبها حالماً يبدأ رجل الكنيسة في كلمته..غلبها النوم عدة مرَّات..لم تكن تستشعر خشوعاً يوازي حماس ذلك الرجل وهو يلقي بكلماته الرنانة..تخرج من الكنيسة فيعود إليها نشاطها..وتعود إلى سابق عهدها من الحيوية واليقظة..مرَّت سنوات..تفكيرها ينصب خلالها نحو العقيدة والدين..ديانتها قريبة من الإسلام..تؤمن بالله..وتتبع عيسى عليه السلام..وتعرف أن الله واحد أحد وفرد صمد لم يلد ولم يولد..وعيسى رسول الله وليس بابن لله- تعالى الله عما يصفون- ..لم تكن تؤمن بخزعبلات تلك الطوائف النصرانية التي تنسب عيسى لله تعالى - تعالى الله عن ادعاءاتهم - ..وكانت تستهجن تلك الأفكار.
الكريسماس:
عيد الكريسماس يوم مميز لكل النصارى..مميز لروحانيته لديهم..ولاستعداداتهم التي دأبوا عليها..كانت لهم طقوس معينة هي أقرب للعادات منها للعبادات..تفرح اليزابيث لتلك المناسبة شأنها شأن أي فتاة في مثل عمرها..أيام وتنسى ذلك اليوم وتعود حياتها إلى سابق عهدها.
رسائل من جزيرة العرب:
في أحد الأيام..وفي بداية مرحلة الشباب..تلقت رسالة من قريب لها..كان موظفاً في إحدى الشركات الأجنبية في مدينة الرياض..رسالته عجيبة..وأسلوبه غريب..يطلب ودها لرجل عربي يدين بالإسلام..استهجنت الطلب..وغضبت من قريبها..وتعجبت لهذا الرجل الذي يطلبها دون أن يراها أو حتى يسمع صوتها..رفضت بحدة..جاءها رد من خاطبها يتحدث فيه عن الإسلام وأخلاق الرجل المسلم..لم تجب..ولم تبدي رأيها فيما عُرض عليها..لا سلباً ولا إيجاباً..غاب ذلك الحدث عن ذاكرتها لفترة..وبعد ثلاثة أشهر استحضرت مخيلتها موضوع تلك الرسائل..كتبت الرد باتزان..أبدت موافقتها على طلبه..اتفقا على كل شيء..إنها رسائل يغلب عليها الدعوة إلى اعتناق الإسلام.
من النصرانية إلى الإسلام:
بعد أشهر بدأت القناعة تتسرب إلى أعماقها..صارحته برغبتها باعتناق هذا الدين..فرح للخبر..شعر بأنه أسعد رجل في العالم..سألته كثيراً..عن الإسلام..عن أهله..طريقة الدخول فيه..ما الذي يترتب على كونها امرأة مسلمة؟
شعرت بالقناعة..قررت اعتناق الدين الإسلامي..لم يعارضها أحد من أسرتها.. أشهرت إسلامها بالفعل..تبدلت حياتها..استبدلت الكنيسة بالمسجد..أمسكت بالمصحف بين يديها..قلبت صفحاته..لم تفقه منه شيئاً..أرسل لها كتباً تبين لها مبادئ وتعاليم الإسلام..بدأت تتعلم..وجدت الإسلام قريباً مما كانت عليه..لم تتبدل مشاعرها..لم يتغير شيء في داخلها..مضى ستة أشهر على إسلامها..ذهب إليها في الفلبين..تم زواجها من هذا العربي المسلم..وتغير اسمها من اليزابيث إلى جميلة..خلال أيام أنهت أوراقها وحضرت إلى الأراضي المقدسة برفقته..ثم استقرت في مدينة الرياض.
حياتها في مدينة الرياض:
أول مشكلة واجهتها كانت الفراغ..ساعات طوال تقضيها بين جنبات بيتها الصغير..جدران البيت الصماء كانت تزيد من وحشتها..زوجها في عمله من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء..كانت تشعر بالغربة..لم تتعرف على أحد..بعدها عن الأهل يزيد من ألمها..استشعر زوجها تلك الآلام التي تحيط بها..لم يكن لديه من حل سوى أن يجلب لها الكتب لتقرأها..وأحياناً يكون لديه بعض الوقت لشرح محتواها.
كانت تفكر بتلك النقلة الكبيرة..من اليزابيث إلى جميلة..من الفلبين إلى السعودية..من النصرانية إلى الإسلام..من الأهل إلى بيت الزوجية..ولكن شيء ما في أعماقها لم يتغير..كانت في دينها السابق تؤمن بالله تعالى وبعيسى عليه السلام..الآن تؤمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم..في الماضي ترددت على الكنيسة..الآن تدخل المسجد وتستجيب لصوت الآذان..تؤدي الصلوات بطريقة مغايرة أيضاً لما سبق..ومع ذلك فانتقالها كان شكلياً..مشاعرها وأحاسيسها لم تتقدم خطوة واحدة..كانت تدرك بأن شعاع الإيمان لم يتفجر في أعماقها بعد..هي مسلمة تقوم بفروضها وحسب..مستقرة في بيتها لخدمة زوجها وكفى..ولكنها تشعر بنقص وجداني عميق..لم تستطع أن تعبر عن هذا النقص..ولم تكن تعرف سبيلاً إلى إكماله.
جميلة ورحلتها مع الأحزان:(7/151)
مرَّت الأيام طويلة كئيبة..تغالبها الهواجس ليلاً فتنخرط في نوبة من البكاء..زوجها يرثي لحالها كثيراً..فكر في طريقة لإخراجها من أزمتها..إنهن زوجات زملاء العمل.. هنَّ الحل الأكيد لما تعانيه..وافقت فوراً على التعرف..مكالمة..زيارة..أصبح لها عدد من الصديقات..كعادة النساء يجلن العالم بأكمله في جلسة واحدة..أحاديثهن متنوعة..يتحدثن عن أوطانهن..أهاليهن..هواياتهن..طموحاتهن..اهتماماتهن..والقائمة تطول..لفتت إحداهن نظرها خلال موجة الأحاديث..كانت تتحدث عن صالة ترتادها يتكلم فيها أستاذ جامعي عن الإسلام..هذا الأستاذ يحمل الجنسية الكندية..ويلقي بعض المحاضرات في قاعة تابعة لمستشفى الملك عبدالعزيز..شعرت محدثتها باهتمامها بهذا الموضوع..استرسلت في الحديث..ودعتها لمرافقتها لحضور المحاضرة القادمة..أبدت جميلة موافقتها..أخبرت زوجها برغبتها في الذهاب مع الصديقة الجديدة..لم يمانع..بكت لتلك الموافقة..ولم تعرف سر بكائها..انتظرت ذلك اليوم بفارغ الصبر.
البداية الحقيقية:
ذهبت جميلة للمحاضرة برفقة صديقتها..ذهبت لطرد الملل والسأم عن نفسها..كانت تريد أن تفتح لنفسها قناة للترفيه والانطلاق..ركاكة اللغة العربية كان أكبر عائق لها في مجتمعها الجديد..لكن اليوم كان متميزاً..رفيقتها فلبينية..والأستاذ المحاضر سيلقي باللغة الإنجليزية التي تتقنها من الصغر..الدكتور بلال تيليكس..من جامايكا بكندا..مسلم يساهم في دعوة الجاليات المسلمة..تتدافع الكلمات من فمه بكل حماس..تحدث عن المسلمات وحقوقهن..وذكر كثير من تعاليم الدين التي كانت تجهلها..اغرورقت عيناها بالدموع..غالبها البكاء..شعرت بشيء ما يهز كيانها..أسلمت منذ أشهر..ولكنها لم تشعر مسبقاً بتغير داخلي..الآن فقط بدأت تشعر بهزات إيمانية تتغلغل إلى أعماقها.
عادت إلى بيتها إنسانة أخرى..أقبلت على الكتب الإسلامية بشكل أكبر..زوجها كان يساعدها على تعلم اللغة العربية..وما لم تتعلمه بالعربية كانت تتعلمه بالإنجليزية..بدأت بدراسة القرآن..كانت تذهب إلى مسجد قريب مع أهل زوجها لتعلم القرآن..اللغة العربية كانت العائق مجدداً..زوجها يكتب لها ما يصعب عليها بالإنجليزية ولكن بنطق عربي..استحسنت هذه الطريقة..وبدأت بتخطي العوائق،وكسر حواجز الصعوبات..كانت تفرح كثيراً لحفظ كل آية من كتاب الله..شعرت بتقدم كبير خلال أشهر قليلة..حماسها لتعلم كتاب الله والعلم الشرعي فاق الحدود.
تابعت المحاضرات التي تُقام للجاليات في مستشفى الملك فيصل للداعية الهندية سستر نيس..صديقتها شعرت بحماسها للإسلام واستشعرت نهمها لطلب العلم..أشارت عليها أن تلتحق بدار تحفيظ..وافقت على الفور..وجدت مفردات العلم الشرعي التي كانت تبحث عنها..أقبلت على العلم..حرصت على حفظ ما تستطيع من كتاب الله..استمرت على حضور المحاضرات في أي مكان تستطيع الوصول إليه..الآن بدأت تدرك سر تغير كبير طرأ على عالمها..إنها حلاوة الإيمان..وطعم الانتماء الجميل للمجتمع المسلم..ذهبت عنها تلك الوحشة..وحلت مكانها السكينة..ذهب ذلك الحزن..وحل مكانة سعادة تستشعرها من خلال كل ما يحيط بها.
مجتمع جديد..وحياة جديدة:
اندمجت مع مجتمعها الجديد..انسجمت مع حياتها الجديدة..أصبحت مشاغلها أكثر من أن تستوعبها دقائق حياتها..ترددت على المسجد في شهر رمضان..انشغلت بالإعداد للأعياد الجديدة عليها كالفطر والأضحى..انسلخت تماماً عن ماضيها ودينها السابق..وعاشت أيامها للإسلام..تحرص على النهل من ينابيع العلم..وتستغل وقتها من أجل ذلك.
طريق الدعوة إلى الله:
في أحد الأيام حضرت درساً لإحدى الأخوات..كانت قد بدأت تعرف فضل الدعوة إلى الله،وأهمية تبليغ الدين..تأثرت بما تم طرحه كثيراً ولكنها لزمت الصمت..فوجئت بعد أيام بأخرى تطلبها لتساعدها في مهمة تبليغ الدين..شعرت بالرهبة،والخوف من خوض التجربة..أحست بأنها غير مؤهلة لذلك..دفعات تشجيع من صديقاتها جعلتها تُقدم..وموافقة زوجها حسمت الأمر..المطلوب منها أن تُعلم الفلبينيات تعاليم الإسلام سواءً كنَّ مسلمات في الأصل أو جديدات.
الداعية "جميلة الصينية"
خاضت جميلة التجربة..وأقدمت عليها بكل حماس..إن للدعوة في بدايتها رهبة..ولإعداد الدروس والمحاضرات هيبة..الطريق في بدايته كان صعباً..والارتباطات كان لكثرتها مشقة..تجاوزت الصعوبات..وتخطت العقبات..واستمرت في طريقها.. وانطلقت في الدعوة إلى الله..شعرت بسعادة كبيرة..تحلق من مكان إلى آخر..في بيوت أقارب زوجها ..وبيوت الصديقات..في المستشفيات..أصبح لعفويتها قبول..ولطيبتها أثر على محيطها..تتحدث على سجيتها دون تكلف أو عناء..تعد عناصر محاضراتها بدقة..وتهتم لجزئيات دروسها..ارتبكت عند إمساكها بمكبر الصوت أول مرَة..ولكنها تخطت ذلك سريعاً ..في أماكن كثيرة كانت تضع بصمتها الدعوية..وزوجها كان الساعد الأيمن لها في دعوتها..ولم تنس خلال مسيرتها قوله تعالى{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(214) سورة الشعراء،فكانت تبكي وتدعو الله أن يمنَّ على أهلها بالهداية وينير بصائرهم بالإيمان،تتواصل مع شقيقاتها عبر الإنترنت وتشرح لهن الحقيقة التي غابت عن أذهانهن.
ومرَّت الأيام:(7/152)
وبعد سنوات من الجد والاجتهاد في طلب العلم الشرعي،والعمل الدؤوب في الدعوة إلى الله تعالى..بات اسمها معروفاً..وبلغ الإقبال على دروسها ومحاضراتها على أشده..الجميع يطلبها لتعطير مجلسه بعبير كلماتها الفوَّاحة..ونشر شذى تجربتها على المسامع والأذهان..صارت مثلاً يُحتذى به في الصبر والمثابرة..وقدوة لغيرها من جميع الجنسيات،لم يعد لليزابيث السابقة أي وجود..ذهبت إلى غير رجعة..وازدانت الساحة الدعوية بالداعية جميلة.
===============
أميمة الجلاهمة: في الغربة قررت دراسة الإسلام!
ولدت الدكتورة "أميمة بنت أحمد بن شاهين الجلاهمة" في مدينة "الرياض" بالمملكة العربية السعودية، وقد حصلت على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، تخصص عقيدة (مقارنة الأديان) عام 1415هـ في موضوع "الخطيئة الأولى بين اليهودية والمسيحية والإسلام: دراسة مقارنة"، ومن قبل حصلت على الماجستير في مجال الدراسات الإسلامية، تخصص عقيدة، في مقارنة الأديان، عام 1409هـ، في موضوع: "عقيدة الألوهية عند اليهود في ضوء الإسلام".
انتدبت لشغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية، بجامعة "الملك فيصل"، فرع الدمام، من عام 1417هـ إلى 1419هـ،وتمَّ نقل خدماتها لشغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية، بجامعة الملك فيصل، فرع الدمام، عام 1419هـ. كما شغلت قبل ذلك وظيفة أستاذ مساعد، بقسم الدراسات الإسلامية، في كلية الآداب، التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات، فرع الدمام، عام 1415ـ1416هـ.
اشتركت في العديد من الندوات الثقافية وندوات التوعية بأضرار المخدرات، كما اشتركت في ملتقى ثقافي بجامعة الملك فيصل، عام 1417هـ.
تتحدث الدكتورة أميمة عن أبيها فتقول: أتحدث إليكم عن رجل فهمه قلة من الناس، ومن حسن حظي كنت من هذه القلة، أبي الحبيب "أحمد بن شاهين الجلاهمة"، رجل كغيره من البشر يرد منه الصواب والخطأ، ومن أشد عيوبه التي لامه الناس عليها تلميحاً لا تصريحاً: حبه للكتاب، وسأكون أكثر وضوحاً إذا وصفت تعلقه بالكتاب بالعشق، كانت الساعات تمر بالنسبة له كالثواني، في حالة مجالسته للكتاب، رفيقه الذي رافقه في السراء والضراء، ولازمه أكثر من أفراد أسرته؛ لذا كان من الطبيعي، وحاله هذه أن تحوي مكتبته كماً هائلاً من الكتب ذيلت هوامشها بخطه ـ الجميل ـ معجباً أو معلقاً، أو مبيناً لوجهة نظر حول ما جاء في الكتاب.
ولن أبالغ لو اعترفت بغيرتي من ذلك الكائن الذي أصبح مع الأيام جزءاً من حياتي، وما زال يذكرني بأبي الذي أحببت.. وأحببت من أحب، ولو كان حبه موجهاً للكتاب الذي استأثر باهتمامه جل وقته.
حالف أبي الحظ بخدمة الملك "عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود"، رحمه الله، ولكن سرعان ما غيَّر وجهته هذه بعد طلب تقدم به صاحب السمو الملكي الأمير "محمد بن عبد العزيز آل سعود"، لوالده الملك عبد العزيز آل سعود، مفاده حاجة الأمير لخبرة الوالد، تغمدهم الله جميعاً بواسع رحمته.
وقد كان الوالد محظوظاً بهذا الاختيار، فقد وجد في صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود، مثالاً يحتذى للأخوة والصداقة، والوفاء، والشهامة العربية، أخوة استمرت حتى بعد انتقال أبي إلى الرفيق الأعلى، ظهرت في رعاية سموه واهتمامه بالأسرة، رحمه الله.
مارس أبي خلال حياته بعض الأعمال التجارية الرائدة في المملكة، لم يحالف معظمها النجاح، والسبب يكمن على ما أعتقد في الكتاب! الذي شغله عن دنياه. أذكر في شأن حبه هذا موقفا طريفا، حدث له مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود، فقبل توجه سموه إلى بريطانيا في إحدى سفرياته، سأل الوالد المريض في تلك الفترة، عما إذا كان هناك ما يرغب لإحضاره له، وما زلت أذكر مع صغر سني آنذاك، الابتسامة التي ظهرت على محيا الوالد وهو يحدثني عن اهتمام الأمير بطلبه(دائرة المعارف البريطانية)، والتي وصلت إليه بمجرَّد رجوع الأمير سالماً للمملكة، ولكم أن تتخيلوا مدى سعادة أبي آنذاك وهو يضم هذه الموسوعة، وأود هنا أن أنوه عن إجادة الوالد للغة الإنجليزية إجادة تامة.
هذا هو سيدي الذي أفتخر بأبوته لي، وأصر دوماً على اقتران اسمي باسمه، اسمي الذي لا يعني لي شيئاً، إذا لم يقف بجوار اسم الوالد رحمه الله، فأميمة بنت أحمد الجلاهمة، أكثر التصاقاً بي من أميمة الجلاهمة.
اختار الوالد أمي العزيزة (يحفظها الله) لتكون زوجته الثانية، بمواصفات معينة تتلاءم مع تعلقه وحبه للقراءة، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فكان الفراق وأنا بعد طفلة ابنة ثلاثة أعوام، وأخي محمد يكبرني بعامين، حرص بعدها الوالد على إدخالنا مدرسة داخلية في لبنان، لنتعلم فيها العلم النافع ـ الذي أقرّ أنه لم يبق في ذاكرتي منه ما هو نافع ـ وقد أدرك الوالد ذلك مبكراً ـ ولله الحمد ـ ومحاولة منه لإصلاح الوضع، وجهنا إلى مدرسة "المقاصد الإسلامية" في "بيروت" العاصمة، لنتعلم من خلال وجودنا فيها حقائق الدين الإسلامي، إضافة إلى العلوم الأخرى!! ولكني أدركت من خلال تجربتي أنَّ للغربة مرارة قد تبطل كل فائدة. وفي منتصف المرحلة الابتدائية جاءت أختي الكبرى "شريفة" وهي بمثابة الأم لي ولأخي؛ لتوقفنا وبثبات على أرض الوطن، وهو فضل لا يمكن أن أنساه لها حفظها الله.
أتممت دراستي للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدرسة "دار الحنان" بجدة، القسم الداخلي منها، أما أخي فقد أتم ـ حفظه الله ـ دراسته النظامية في مدارس "الثغر النموذجية" بجدة ليتوجه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته.(7/153)
في حين توجهت مع أبي إلى بريطانيا لعلاج عينيه ـ يرحمه الله ـ بعد حصولي على الشهادة الثانوية مباشرة، وبسبب حاجة مرضه للمتابعة الطبية، التحقت هناك ولمدة عام بالقسم الداخلي لكلية البنات، خارج "لندن" العاصمة، وهي كلية تخصصت في تدريس اللغة الانجليزية لغير الناطقين بها، واجهتني الغربة كعادتها، بفتيات مختلفات في الطباع والعادات، واللغات، والأديان، كن ينتمين لمجتمعات مختلفة، فمنهن من أتين من دول عربية أو أوروبية أو آسيوية أو من أمريكا الجنوبية.
لقد تضاعفت غربتي بوجودي بينهن، فمن خلال هذه الفترة تبين لي وبوضوح لا يلحقه شك، الظلم الذي لحق بالإسلام عقيدة فنظاماً، وأسلوب حياة، ووقفت على بعض الأساليب الملتوية التي يلجأ لها الغرب لتشويه الإسلام، ووعيت عن قرب أن كره الغرب للإسلام وتأييد العوام لمحاربته قد يكون مرده في كثير من الحالات لجهلهم بحقيقة هذا الدين الخالد، أما مجتمعهم فالوقوف على ضياعه وتفككه من الناحية الروحية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، قضية واضحة للعيان، تؤكدها الدراسة والبحث وانتشار الجريمة والفساد الأخلاقي.
وفي هذه الفترة تحدثت مع الوالد عن رغبتي في دراسة الإسلام دراسة أكاديمية، وقد تحقق ذلك بفضل من الله سبحانه، ثم مؤازرته وتشجيعه رحمه الله، إذ التحقت بجامعة (أم القرى)، قسم (الدعوة وأصول الدين) لعامين أكملت بعدها دراستي الجامعية في كلية الآداب للبنات، بالدمام، قسم الدراسات الإسلامية، بسبب زواجي وانتقالي للمنطقة الشرقية، ولأحصل بعدها على درجة الماجستير والدكتوراه بمادة العقيدة، تخصص مقارنة أديان.
التحقت بالعمل في كلية الآداب للبنات بالدمام، بعد حصولي على درجة الجامعية كمعيدة، ثم كمحاضرة، وأخيراً كأستاذ مساعد، قبل انتدابي إلى جامعة الملك فيصل، كلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية، الدمام، وقد تم نقل خدماتي إليها أخيراً، وكلي أمل أن أحقق الهدف المرتجى من هذا النقل، وأودي الرسالة التعليمية للجامعة على أكمل وجه، والله الموفق.
والواقع أنَّه مع كل ما وفرته لي هذه الكلية من إمكانيات، لا يمكن أن أتصور قدرتي على إكمال هذه المسيرة بهذا الشكل لولا الله سبحانه، ثم تفهم وتشجيع أسرتي، وفي مقدمتها زوجي "عبدالله بن سعود الودعاني الدوسري"، الذي كان دوماً مسانداً ومتابعاً ومشجعاً لدراستي في مراحلها الثلاث. أما أبنائي الخمسة، وهم على الترتيب: (عبدالعزيز، شريفة، أحمد، حصة، لطيفة) فلن تكتمل الصورة دون كلمات تعبر عن مدى امتناني لما قدموه من تشجيع عفوي بريء، كان له أكبر الأثر في دفعي للأمام، حفظهم الله ورعاهم وسدد خطاهم لما يحبه ويرضاه، وجزاهم عني خير الجزاء.
===========
أسلمت وعمرها 15 عاما وسلكت طريق الدعوة
نائبة مديرة الجاليات بالجبيل : فاجأت أهلي بإسلامي وواجهت شعورهم بالصدمة ..
كالنور..
يأخذ العين،
ليتسرب إلى القلب،
ثم ينتشر في الروح،
ويملأ الوجدان والشعور،
يهذب النفس،
ويرتقي بالسلوك،
ويتحول إلى أنس دائم،
ودفئ غامر..
إنه الإسلام الذي اعتنقته السيدة (كيري كرست) عندما كان عمرها خمسة عشر عاما، فترعرعت، وترعرع الإيمان في وجدانها، حتى أصبح سلوكها الإيماني جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها.
قالت: اسمي منى ستوارد كرست، بعد أن كان اسمي كيري.
من أين جاء اسمك الجديد ..
زوجي هو الذي اختار اسمي وهو من كان وراء إسلامي.
فلنبدأ الحكاية ..
قالت: زوجي سعد الماضي.. كان جارنا بأمريكا حيث كان يدرس الطيران وكانت عائلتي كلها (والدي وأخي وأمي) يحبونه كثيراً حيث كان يبدو عليه الالتزام والاحترام أكثر من كل من كانوا حوله من الزملاء، فلم نره مرة يشرب الخمر مثلهم أو يسهر إضاعة للوقت.
وقد كان حدث له حادثة أصابت رجله مما كان يعوق حركته وقتها بعض الشيء، وفي يوم طلبت مني والدتي أن أقدم له ما أعدته من طعام وبالفعل كان باب غرفته مفتوحاً، ناديت عليه فلم يجب. قلقت فدخلت.. وجدته جالساً على كرسي وأمامه سجادة صلاة... كلمته فلم يرد حتى انتهى من صلاته وأنا واقفة أمامه يظهر علي كل مظاهر التعجب، فسألته: ماذا بك؟ قال: كنت أصلي فلا أستطيع أن أرد عليك.
ومن هنا وجدت لديّ العديد من التساؤلات عن هذه الصلاة وهذا الدين.. وما إن لاحظ هو ذلك حتى فتح لي المجال وأخذ بيدي على طريق الهداية حتى قررت إعلان إسلامي .
وكيف كان ذلك..
حقيقة بعدما أخذت القرار رأيت أن وضع الأهل أمام الأمر الواقع أفضل من معرفتهم أو مناقشتهم قبلها، فأخذني سعد إلى مركز إسلامي كان به مسؤول باكستاني لا أنساه حتى اليوم وكانت نقطة التحول في حياتي.
كان عمري وقتها حوالي 15سنة وكم كانت سعادة هذا المسؤول بإسلامي، وكم كان مسروراً بأن سعد كان وراء هذا وأوصاه بي ونصحه بأن يتزوجني وودعناه وهو يدعو لنا بالتوفيق.
وما أكثر ما جذبك للدين الإسلامي..
التوحيد لله أولاً وعبادة الله ثانياً.
وأذكر أنه عندما وضح لي زوجي أننا في هذه الدنيا لعبادة الله كما أن الله واحد أحد يجب ألاّ نشرك به أحداً، هزتني كلماته ووجدت قوله أقرب للحقيقة من حياة بلا هدف.
وكيف كان موقف الأهل...
بعد أيام واجهت أهلي معترفة بإسلامي.. طبعاً هي كانت صدمة ومفاجأة بالنسبة لهم.
أبي بعد الانفعال الأول التزم الصمت لكن أمي ظلت حزينة وقلقة وكانت أزمة بيني وبينها حاولت استيعابها ولكن صدمتها كانت أقوى من محاولاتي.(7/154)
ولكن إسلامي جعل الجميع يتقبل زواجي بسعد باستسلام وخضوع تام خاصة أنه كان له معزة خاصة لديهم من البداية، إلا أن أمي أخذت تكرر علي خوفها من تسرعي وأنني صغيرة لم أعرف بعد مصلحتي، وخلال سنة ونصف تزوجت سعد وجئت معه إلى السعودية.
وكيف كان شعورك عند وصولك المملكة...
طبعاً جئت هنا والعديد من علامات الاستفهام داخلي إلا أنني منذ وصلت بيت العائلة عند سعد شعرت بأنني مع أهلي، خاصة أمه التي شعرت بي كابنة ووجدتها تحتضنني ودائماً تحثني على الاتصال بأهلي، وعلمتني كل شيء عن الحياة، حتى منَّ الله علي بولدي الأكبر (أحمد) وذهبت زيارة لأمريكا فكانت أمي أهدأ لأنني كنت حريصة دائماً على الاتصال بها والسؤال عنها، كما أنها وجدتني سعيدة والحمد لله، إلا أنها وجدتني أيضاً بشكل جديد وكلما تحدثت معها ذكرت تعاليم الدين الإسلامي..
معاملتي مع زوجي وابني غير ما اعتادوا عليه وانتهزت فرصة انجذابها لتغييري وحاولت دعوتها للإسلام ولكنني عدت من الإجازة وهي لم تعلن إسلامها.
لو كان عيسى ابن الله لكنا كلنا أبناء الله:
بعد سنتين دعوت أمي لزيارتنا بالسعودية وجاءت وكانت سعيدة بأهل زوجي وحياتي هنا، وفاتحتها مرة أخرى في إسلامها، ولا أنسى كلماتها عندما قالت: أنا لا أشرك بالله لأنني لا أعترف أو أتصور أن يكون هناك ابن لله.. فلو كان عيسى ابن الله لكنا كلنا أبناء الله، لكن لم يأت أوان الإسلام... وللأسف بعد عودتها لأمريكا توفاها الله دون أن تعلن إسلامها، ولم يعلن أحد من الأسرة إسلامه بالرغم من عدم التزامهم بالدين المسيحي.
إنه يهدي من يشاء:
وكيف دخلت مجال الدعوة وما طبيعة عملك...
في مخيم دعوي أثناء حضوري إحدى الندوات قابلتني صديقة سعودية تعمل في هذا المجال، أشارت علي بفكرتها لافتتاح مركز نسائي للجاليات، ورحبت جداً مؤكدة على حاجتنا لذلك وبالفعل خلال يومين كتبت لقسم الرجال وبدأنا نشاطنا.
طبيعة عملي كنائبة مديرة الجاليات هو التنسيق للدعوة على مستوى غير المسلمات (الأجنبيات)، وذلك من خلال خطط ومحاضرات وبرامج وزيارات للعيادات والمستشفيات وغير ذلك..
وكيف وجدتم نتائج فتح مكتب نسائي للجاليات..
في أول عام لفتح المكتب أسلمت 115 سيدة، والحمد لله البرامج لاقت صدى جيداً، علماً بأننا نعاني من نقص في عدد الداعيات مقارنة بعدد الراغبات في دخول الإسلام، فلو كان لدينا داعيات أكثر لكانت النتائج مضاعفة.
وما أبرز ما قدم في هذا المجال...
توفير كتب دعوية بعدة لغات، إقامة محاضرات باللغة الإنجليزية، تقديم دورات تمهيدية لمن تعلن إسلامها عن كيفية الوضوء والصلاة وغير ذلك من الأساسيات، والتعريف بمبادئ الإسلام حتى نضع قدمها على الطريق الصحيح.
و في الحقيقة هذا كنا نفتقده كثيراً وأنا نفسي كنت أعاني من هذا النقص لذا وجدتني أستفيد من مجال الدعوة على المستوى الشخصي.
ما العوامل التي وجدتم لها تأثيراً قوياً في الدخول للإسلام...
أكثر ما يجذب الأجانب ولا يجدون بعده ما يردون به هو (الإعجاز العلمي) لأن المنطق والعلم أقوى لديهم من الإحساس والروحانية، ومن هنا يكون المدخل.
كما أننا استفدنا كثيراً من أفكار (الشيخ أحمد ديدات) وقد أسلم العديد بعد السماع لمناظرته الشهيرة، ومن أفكاره أن نسمح للأجانب بدخول المساجد واستماع الآذان ورؤية الصلاة حتى يقتربوا من عبادتنا ويكون ذلك مدخلاً للحديث والدعوة والحمد لله، نسأل الله أن ينفعنا وينفع بنا.
وما رسالتك لكل فتاة مسلمة اليوم...
أولاً أقول لها أن تحمد الله على ما أنعم به عليها من نعمة الإسلام وألا تستهين بذلك ولا تكتفي بأنها مسلمة اسماً، بل عليها الالتزام والتمسك بهويتها الإسلامية، فأنا أحزن كل الحزن عندما أرى العباءات الشفافة والملابس الغريبة على مجتمعنا المسلم، وما نسمع من تمسك بالحرية على غرار أمريكا مع أنني وجدت المجتمع الإسلامي أكثر حرصاً على المرأة فهي دائماً لديها من يعولها ويعطيها ويكرمها، أما في المجتمع الأمريكي يكفي أنه بعد زواجها زوجها يكون له الحق في نصف مالها ولا يعطيها سوى اسمه حيث يتغير اسمها من والدها إليه.. فهل هذا منطق ...
وأهمس في أذن كل فتاة: حصّني نفسك بالإيمان ولا تنسي أن الحياء شعبة من الإيمان.
وما رسالتك للمسيحيات اللاتي كنت واحدة منهن يوما ما ...
أخواتي، ابحثن واقرأن.. ولا تكتفين بكلام مسلَّم به دون تفكير..
إنكن تعتقدن بعقائد لو فكر فيها صغير لأدرك أنها خاطئة.. عليكن بالبحث والسؤال والاستفسار والمقارنة، لعل الله أن يجعل لكن من لدنه رحمة، ويمن عليكن بنعمة الإسلام، وابتعدن عن الشرك بالله.
بعد أحداث 11 سبتمبر... هل اختلفت نظرة الأجانب للمسلمين...
أكيد، خاصة أن الحوار مفقود، لذا فإن علينا فتح المزيد من أبواب الحوار بيننا وبين الغرب، علينا ألا نتوقف عن التعريف بديننا وتعاليمه حتى لا نتركه يعبث بمبادئه العابثون.
وما الجديد الذي تخططون له...
نخطط لدورات (الدعوة بالإنجليزية) حيث أعد الأستاذ خالد الدوسري مدير تطوير اللغة الإنجليزية بأرامكو، برنامجاً لذلك، وسنقوم بزيارة لكليات التربية – اللغة الإنجليزية ونعرف بهذه الدورة للاستفادة من اللغة في مجال الدعوة، ونعمل على خروج كل متدربة بعدها عدة مرات مع داعية تأهيلاً لإعدادها للدعوة.
هل من رسالة لأحد تقدمينها من خلال (حورية)...
رسالة شكر وتقدير واحترام لزوجي وأبو أولادي على كل ما قدمه لي من دعوة ودعم وحياة أسرية وسعادة.. حفظه الله لي ولأولاده وجعل ما يقدمه لنا في ميزان حسناته.
============
( معاً لنضيء الكون ) فكرة تحولت لمؤسسة من الخير والعطاء(7/155)
( معا لنضيء الكون ) جماعة أنشئت في غرة ذي الحجة 1425, شقت طريقها مستعينة بالله تعالى - نعم العون والسند -, ساندها الأهل والدعاة المخلصين, وأول من شرفها بإشرافه الدكتورعائض القرني ومن ثم الدكتورة فاطمة الجار الله والدكتورة نوال العيد وكثير من الإخوة الصادقين .
الفكرة والدافع:
بداية هذه المؤسسة هو هم حملته إحدى المربيات الفاضلات.. وهي الأخت غادة البكري .. هم حملته لمن تحت يديها من طالبات وأخوات, وما حل بكثير من الأجيال من تراجع وتهاون في أمور الدين, فكانت تحاول بأساليب يسيرة جدا كأن تجهز نشرة وتوزعها,أو تحدد موضوعا لتناقشه, أو تجمع وتشجع على جمع مواضيع مفيدة، وكان كل فصل دراسي يمر عليها تحس بأن الأمر يزداد سوءا وأن السيل بلغ الزبى, جيل كثير منه متأثر بالإعلام الهابط وتقليد الغرب شكلا ومنطقا على الرغم ما فيه من الخير وحبه .. ولكن وجود صديقات السوء يبدو واضحا,وعدم وجود هدف مشرف يسعين له, وقصورالوعي الموجود حولهن كل هذا يؤثر عليهن، وقد وجدت الأخت غادة من يحمل نفس الهم من الطالبات, فكن يتشاكين الهم وكيف يمكنهن أن يقدمن لأخواتهن وفتيات مجتمعهن وأمتهن بعض ما أوجبه الله عليهن, ومنها فكرن بإقامة حملة ومن ثم ولله الحمد وجدن القبول في كل مكان أكثرمما تخيلن فتحولن إلى مجموعة.
الأهداف:
خدمة دين الله في الدعوة وتحقيق الاستخلاف في الأرض .. توعية وتذكير الفتاة ببعض أموردينها بعبارات على الأدوات التي تستخدمها في حياتها اليومية, بأسلوب حديث ومبتكر ومواكب للعصر, والارتقاء بمستوى الفتاة المسلمة.
وقد وجد ولله الحمد أصداء أكثر من رائعة في كل الأماكن النسائية، وخاصة الفتيات والمؤسسات الخيرية.
كل بداية صعبة :
احتاج البرنامج في بداياته للكثيرمن الجهد والوقت والتفكير والتحلي بالصبر وضبط المواعيد والمتابعة, والحاجة لبعض المادة لإتمام العمل.
قضايا ومواضيع المؤسسة :
أهم القضايا التي تم طرحها كمواضيع : المحبة والتوبة والأخوة في الله والتفاؤل والأمل والمسارعة للطاعات، وغيرها من المواضيع التي تختار على ما يرى من قصور بين الفتيات وفي المجتمع.
وقد عبرت البكري عن سعادتها بتعاملها مع فئة الفتيات وهي تراها أجمل وأرق الفئات, وأسهلها بالتأثير, وأنها جدا ممتعة ومتميزة بالرغم من صعوبتها وحساسيتها .
كيفية المشاركة في الجماعة ؟
يسعد الجماعة كثيرا ويشرفها مشاركة الفتيات, فمن ضمن أهدافها استقطاب الفتيات للاستفادة من أوقاتهن, وصرفها في النفع للأمة ولبنات جيلهن، ولا يشترط العضوية الدائمة للمجموعة ولكن يفضل ذلك, ولكن يشترط الرغبة الجادة والجدية في المشاركة, ولدى الجماعة متعاونات كثروبأعمارمختلفة وتخصصات متنوعة.
إنجازات الجماعة:
لقد تم تحقيق أكثر مما طمحت به هذه الجماعة خلال فترة لا تتجاوز السنة وهذا من توفيق الله تعالى وعونه، فقد تم عرض أعمال المجموعة في أكثر من خمسين مكان في أقل من سنة واحدة مثل: مؤسسة الإعمار الخيرية، ومؤسسة مكة الخيرية ( شرق جنوب)، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وإدارة المساجد والمشاريع الخيرية، ومركز سلمان الاجتماعي، وجامعة الأمير سلطان، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الملك سعود، وكلية التربية الأقسام الأدبية والعلمية والتربية الفنية، والآداب، وقاعة هيليون، والمقصورة، والأسواق الخيرية، وجاليات النسيم، وموقع آسية، وموقع لها أون لاين، وكثير من المدارس الحكومية والأهلية ودور تحفيظ القران الكريم .
وأكبر معرض كان في ملتقى الإعمار الشتوي بمدارس الرواد في شهر ذي الحجة 1426, وقد قامت بتغطية فعالياته شبكة المعالي وفقهم الله .
الرابط للاطلاع : http://forum.ma3ali.net/showthread.php?t=141148
و تطمح المجموعة لأن تكبروتتحول لمؤسسة خيرية, وتُرعى من كثير من الشركات والدعاة والمستشارين ليتم تقدمها وتطورها وتفعيلها على المستويات المختلفة.
ختاما:
تشكر المجموعة وعلى رأسهن الأخت غادة البكري موقع دعوتها لإتاحة الفرصة لهن؛ للتعريف بهن وإظهارهن للعالم.
ونحن نتمنى لهم التوفيق والسداد على طريق الخير .
===========
قصة إسلام دانمركية
كنا أربعة واليوم صرنا ( 45 ) دانمركية مسلمة .....
نشأت في مدينة " أهوش " الدانمركية لأبوين نصرانيين. درست في طفولتي الإنجيل الذي لم يجب عن تساؤلات ظلت تدور في عقلي. كنت أبحث عن الدين الحق، وكنت أحب القراءة في مجال الأديان.
تزوجت شابا دانمركياً يعمل مصمماً للملابس، وكنت أقوم بعرض للأزياء. أنجبت من زوجي ثلاثة أطفال قبل أن أنفصل عنه.
رحت أبحث عن الدين الحق، واطلعت على ترجمات للقرآن الكريم كانت محرفة وتحوي على العديد من الأفكار القاديانية.
التقيت بمسلمين أتراكاً وباكستانيين، لكن صورة الإسلام عندهم لم تكن واضحة مثل معظم المسلمين المغتربين.
لم ترضني هذه الصورة للإسلام، فبدأت أتردد على المكتبات أبحث عن الكتب الإسلامية المترجمة.
تعرفت على محاسب مصري يعمل في الدانمرك، وكان داعية، فحدثني عن الإسلام وقدم لي صورته الصحيحة.
عندما كان يحدثني عن الإسلام ويذكر لي أن الله يغفر الذنوب جميعاً ماعدا الشرك به كنت أبكي.
أعلنت إسلامي وتزوجت من الشاب الداعية، واسمه محمد فهيم، وصرت أقف معه أصلي مثله.
علمني زوجي الإسلام لتبدأ رحلتي بعد ذلك في الدعوة.
أسلم أبنائي الثلاثة (خالد ويعقوب وأمينة)، وأمي، وجدتي لأبدأ بعدها بالتحرك خارج نطاق أسرتي.(7/156)
معظم الدانمركيين لا يعرفون الإسلام حقا ويجهلون تعاليمه، فبدأت مع ثلاث أخوات دانمركيات مسلمات باستئجار غرفة صغيرة تابعة لمسجد في أحد المنازل، ونشرنا إعلانات في الصحف، وتجولنا بأنفسنا نوزع على الناس إعلاناً يقول : " إذا أردت الحصول على إجابة منطقية وسليمة عن أسئلتك في العقيدة، وإذا أردت معرفة الحقيقة..فاتصل بالمسلمات الدانمركيات ".
قمنا بجولات في المدارس الدانمركية للتعريف بالإسلام، وقمنا ببث برامج إذاعية عن الإسلام في الإذاعة المحلية.
أنشأنا مدرسة وحضانة إسلاميتين للحفاظ على أطفال المسلمين.
في الدانمارك حرية نستفيد منها لخدمة الدين الإسلامي.
أهم معوقاتنا : ندرة المال، واختلاف بعض المسلمين فيما بينهم.
بعد إعلاننا عن دعوتنا اتصل بنا بعض القساوسة وقالوا لنا: " إننا نريد أن ننقذكن من النار، ونحن نشعر بالأسى عليكن "، وحاولوا رد بعض المسلمات عن دينهن، لكننا قلنا لهم : " سنرى يوم القيامة من سيشعر بالأسى؟ ".
الحمد لله، بعد أن كنا أربع مسلمات صرنا الآن 45 مسلمة دانمركية.
==============
فنانات ماليزيا يرتدين الحجاب.
بدأ النشاط الإسلامي يكسب أرضا جديدة يوما بعد يوم, حتى امتدت آثاره إلى الوسط الفني ليكون متوقعا بين شهر وآخر أن تترك ممثلة معروفة عملها الفني لترتدي الحجاب, أو ينتقل مطرب مشهور من الغناء العاطفي إلى عالم الأناشيد الدينية..
الظاهرة تكررت، وقصص الفنانات الماليزيات مع الحجاب والالتزام الديني أصبحت أكثر من أن تحصى.
وخلال الأشهر الأخيرة اختارت بعض الفنانات المعتزلات في ماليزيا ترك حياة الشهرة والأضواء والتوجه للأعمال الإدارية والتجارية, في حين قررت أخريات التدرج في ترك العمل عن طريق انتقاء أدوار محددة لاتتعارض مع القيم الإسلامية .
أحد هذه الأمثلة هي الفنانة الماليزية الشابة أوغي ( 37 عاما )، والتي كانت مطربة ومقدمة لبرنامج تلفزيوني, ولكنها تركت الفن وأسست شركة سياحة تنظم رحلات الحج والعمرة إلى الأراضي المقدسة.
تقول أوغي : أخذت قرارالتوبة عندما كنت أؤدي العمرة, فقررت اعتزال هذا العمل الذي أشعر بحرج شرعي فيه .. لقد أغرتني الحياة المادية في السنوات الماضية .. لكن زيارتي للحرم في رمضان كانت نقطة تحول لي.. فقد أصبحت أكثر وعيا بالإيمان وقربا من الله تعالى.
وبعد توبتها قررت أوغي أن تترك اسمها الفني، وأن تعود إلى اسمها الأصلي وهو : فوزية أحمد داود
وليست حالة فوزية هي الأولى ولا الأخيرة, فهناك الكثير من الفنانات اللاتي تركن العمل الفني دون ضوضاء.
وقد ذكرت مصادر فنية أنه قد خرجت الفنانة والمغنية وعارضة الأزياء الشهيرة نور كوملاساري – المعروفة بطول ضفائر شعرها – عن المعتاد, حيث جذبت الأنظار بلبسها للجلباب والحجاب والقفازات السوداء غير المنتشرة بكثرة في ماليزيا, مما أكد شائعات سابقة بأنها تابت واعتزلت الفن
وبالتواكب مع ظاهرة الاعتزال والحجاب بدأت ظاهرة ثانية بالانتشار في الشارع الماليزي, وهي اتجاه كثير من محلات بيع الأشرطة الموسيقية إلى تخصيص قسم لأشرطة الأناشيد والتسجيلات الدينية التي ترضي النوع الجديد من الجمهور المستهلك .
كما نشأت فرق جديدة متخصصة في تقديم الأناشيد الإسلامية, وإحياء الحفلات والمناسبات المختلفة بأسلوب لا يخرج عن المباحات الشرعية, ومن هذه الفرق : فرقة سوجانا، وفرقة ريحان للأناشيد الإسلامية.
وعن هذه الظاهرة يقول رسلان -مختار المسؤول الدعائي في شركة نوفا للاستشارات الموسيقية، والتي تشرف على إنتاج وتوزيع الأشرطة الغنائية، والأناشيد الإسلامية الشهيرة على حد سواء -: ليس من الغريب أن يعمق الفنانون إيمانهم وتطبيقهم لتعاليم دينهم، فكلهم مسلمين يتعلمون الأساسيات الدينية في صغرهم؛ ولذلك فهم يبحثون عن المفقود وعن المزيد من الإيمان.
ومن المشجع لفرق الإنشاد الإسلامية أنهم لا يجدون تحيزا من قبل شركات الإنتاج والتسجيل والتوزيع التي دفعتهم في عملية الإنتاج؛ فعثمان عارفين المدير العام لشركة لايف للتسجيلات على سبيل المثال، لا يرى غضاضة في أن تقوم شركته بتوزيع أشرطة غنائية وأخرى إنشادية، ويؤكد احترام شركته لموقف كل فنان إسلامي وغير إسلامي.
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن ظاهرة التوبة في ماليزيا ليست مقصورة على النساء فقط، فالمغني الماليزي الشهير موسى قد يترك فرقته الموسيقية -حسب ما ذكرت مصادر فنية- بعد أن تأثر بنشاط جماعة التبليغ والدعوة على يد أفراد قادمين من الهند للدعوة في كوالالمبور.
وهناك بعضا من الفنانين القدماء ينكرون أن تكون ظاهرة توبة الفنانين والفنانات جديدة على المجتمع الماليزي, رغم ظهورها بقوة على الساحة في الأشهر الأخيرة، ويقول هؤلاء: إن عددا غير قليل من الفنانين تاب قبل أكثر من عقد أو عقدين بعد أدائه للعمرة أو فريضة الحج، لكن الأمر الذي اختلف حاليا هو تأثرهم بالصحوة الإسلامية في المجتمع الماليزي، وبسبب جهود الحكومة المتمثل في وضعها أساسا للأنظمة والذي يربط الجميع على اختلافهم بشيء من تعاليم وظواهر الدين الإسلامي، وتمثل ذلك في التوسع في بناء المساجد والمعاهد الدينية والمؤسسات الإسلامية، ووجود وسائل الإعلام الإسلامي من أشرطة وكتب وغيرها.(7/157)
وكما يقول إدريس أحمد سكرتير جناح الشباب للحزب الإسلامي المعارض: إن هذا العصر هو عصر نهضة الإسلام، مشيرًا إلى أن الصحوة الإسلامية أصبحت تشكل مدّاً كاسحاً يهدد مكانة المغنيين المشهورين كفرقة KRoحيث تنافسها على الفوز بالجوائز الفنية الفرق الإنشادية الإسلامية مثل فرقة ريحان، وعلى عكس أسلوب KRoالتي يقلد أعضاؤها الفرق الغربية الشبابية في استعراضاتها, فإن فرقة ريحان الإسلامية تقدم عروضها بلباس ملايوي إسلامي وقبعات ملايوية أو حتى مغربية أو باكستانية في ألحان إيمانية رائعة, جعلتهم يبيعون أشرطتهم بأعداد فاقت ما بيع من بعض الأشرطة الغنائية المعروفة.
==========
مجلة أميركية جديدة تختص بقضايا النساء المسلمات في أميركا
تعتبر( مجلة عزيزة ) أول مجلة إسلامية تختص بقضايا النساء المسلمات في أميركا.. وهي تفسح المجال أمام المسلمات الأميركيات للتعبير عن آرائهن..
الشعار الذي ترفعه (مجلة عزيزة) هو: أنها صوت المرأة المسلمة المعاصرة.
وتحاول المجلة بمقالاتها المتعمقة في بحث القضايا الاجتماعية للنساء المسلمات وحديثها عن منجزاتهن ومشاكلهن وتطلعاتهن وهمومهن، وبشكلها الأنيق وصفحاتها المصقولة أن تجعل شعارها حقيقة ملموسة.
في أوائل شهر آذار/مارس التقى محرر نشرة واشنطن العربية مفيد الديك مع رئيسة تحرير المجلة وناشرتها طيبة تايلر، وأجرى معها حوارا حول مهمة مجلتها (عزيزة ) والتحديات التي تواجهها ورسالتها وعدد قرائها.
تحدثت السيدة تايلر أولاً عن مهمة المجلة فقالت: إن (عزيزة) ستعالج القضايا التي تهم المسلمات، وستسرد سيرة حياة الرائدات اللواتي أصبحت منجزاتهن عنصر إلهام لبنات جنسهن، كما ستبرز الأفكار والآراء والأحداث التي تشد من عزيمة المرأة المسلمة وتسليها في آن واحد.
وتلاحظ تايلر أن المجلة لا تستهدف أي مجموعة عرقية معينة بل تعنى بحياة المرأة المسلمة بوجه عام.
صدرت خمسة أعداد للمجلة حتى الآن اشتمل العدد الأول على سيرة حياة أول مسلمة أميركية تصبح قاضية، وعلى مقالات عن أساليب الاستثمار المالي والتحصيل العلمي عن طريق الكومبيوتر.
أما الأعداد الأخرى فتناولت مواضيع شتى متفرقة مثل: الولادة في المنزل، وصورة المرأة المسلمة في الإعلام الأميركي، ومزايا مدارس الإناث، وموانع الحمل وما إلى ذلك.
وشددت رئيسة تحرير (عزيزة )على أنه لم تكن هناك أي مجلة تخاطب اهتمامات المسلمات على وجه الخصوص ومشاغلهن و إحباطاتهن أو منجزاتهن، وهذا ما حفزني إلى أن أبادر إلى إنشاء مجلة تكون صوت المرأة المسلمة .
وفيما يلي نص المقابلة مع السيدة طيبة تايلر رئيسة تحرير مجلة (عزيزة):
سؤال: أولا، ما الذي أوحى إليك بفكرة المجلة وما الذي دفعك إلى إصدار مجلة أنيقة ورائعة كهذه؟
تايلر: قبل كل شيء كان الدافع الأكبر لي حقيقة أن المرأة المسلمة المعاصرة مغيبة في وسائل الإعلام الأميركية، فكل ما تتناقله وسائل الإعلام اليوم هي صور سلبية جداً للمرأة المسلمة، صور نمطية مسطحة، أو أننا نبقى على الهامش في المجلات الأخرى.
سؤال: وما هي ردود الفعل التي تلقيتها حتى الآن من الجالية الإسلامية ومن المسلمات الأميركيات بوجه خاص؟
تايلر: إن معظم المسلمات الأميركيات مبتهجات إلى أبعد الحدود بأن تكون لهن مجلتهن الخاصة، وقد أعربن بالفعل عن امتنانهن لذلك، ولا تنس أن جميع المجلات الأخرى تقريباً تحتوي مواد تخدش حياء المرأة المسلمة أو تؤذي حساسيتها الدينية بحيث تضطر إلى غض نظرها عن صفحات بأكملها.
خذ مثلا صور الملابس غير المحتشمة التي تربأ المرأة المسلمة أن ترتديها، ناهيك عن الكلمات البذيئة والمواضيع الجارحة، هذه الأمور كلها وجدت لها مجلة عزيزة البديل الأفضل.
فهناك صور الملابس الأنيقة والمحتشمة التي يطيب للمسلمة أن ترتديها، وهناك شتى المقالات التي تكتب من منظور إسلامي، ولا غرو والحالة هذه أن تسد مجلتنا فراغاً كبيراً في ثقافة المرأة المسلمة المعاصرة.
ومع ذلك فإننا نعرف جمهور قارئات المجلة بأنهن اللواتي يعتقدن بأن الإسلام هو لكل زمان ومكان.
ولئن كان المسلمون ملة واحدة فهم ينتمون إلى عشرات الأعراق والأجناس.
سؤال: نعم.. حدثيني عن سبب اختيارك لهذا الاسم ؟
تايلر: لقد اخترنا اسم عزيزة لدلالاته المستحبة في اللغة العربية الفصحى، إن كلمة عزيزة لا تعني الود والمحبة فحسب بل تعني أيضاً عزة النفس والإباء والجسارة والخصال الأخرى التي تذكي عزيمة المرأة المسلمة في عالمنا المعاصر.
سؤال: وما هي التحديات التي تواجهينها بصفتك رئيسة تحرير مجلة للنساء المسلمات ؟
تايلر: من بين التحديات التي نركز عليها محاولة تقديم شريحة حياتية دقيقة عن كافة النساء المسلمات، ذلك أن بعض النساء المسلمات يرددن باستمرار: لماذا لا تتحدثون عن مزيد من النساء العربيات، ولماذا لا تلهجون بذكر النساء المنحدرات من أصل إفريقي ؟
ولا يخفى أن لدى بعض الناس نعرات دينية أو قومية، وبالتالي فهم يبتغون أن تولي المجلة حيزاً أكبر لاهتماماتهم وقضاياهم.
لكن المساهمين في المجلة ينتمون والحمد لله إلى شتى الخلفيات الثقافية والعرقية والقومية.
نحن لا نناصر أي مذهب ديني بالذات ولا نتحيز لأي حزب سياسي أو تنظيم ديني إسلامي، وهذا ما يكفل لنا حرية القول في أي موضوع كان.
أنت تعلم أن معظم المجلات والجرائد الإسلامية الأخرى تنتسب لجماعة معينة وترمي إلى بث رسالة محددة، إننا نتفرد عن كل هؤلاء بأننا نعبر عن حال المرأة المسلمة بصرف النظر عن منشئها الديني أو العرقي أو الثقافي.(7/158)
بعض الناس غير راضين عنا، هذا لا يهم، الذي يهم فعلا هو أننا نلتزم بجوهر الإسلام الحنيف.
إن الأمة الإسلامية تعبير ناصع وجلي عن روح التعددية، لقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ? وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ?.
سؤال: ذكرت من قبل أنك ستحاولين تبديل الصور النمطية الخاطئة عن المسلمين، هل لك أن تتطرقي إلى ذلك بالتفصيل ؟
تايلر: نعم إن أميركا مترعة بالصور النمطية السلبية والأفكار الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، إلى درجة أنها أصبحت منغرزة ومجبولة في مخيلة كل أميركي، ولكن الضرر على المسلمات يظل أشد وأدهى، فتعريف هوية المرأة المسلمة ظل عبر التاريخ رهن إشارة الرجل المسلم المسيطر والمستبد، ناهيك عن أهواء أتباع الديانات والمذاهب والعقائد الأخرى، ومن هنا تكمن أهمية وقوف المرأة المسلمة الآن لتقول: (أنا أعرف نفسي بنفسي، وهذه هي حقيقتي دون زيف أو بهرجة وتضليل)
إن من المهم جداً أن نعرف أنه عندما تكون إرهاصات الإنسان سلبية فإن ذلك يحد من طاقته كإنسان، إنه يصبح فريسة للإحباط والخنوع، وهذا هو عين الخطأ.
ينبغي أن نثور على هذا الوضع المشين وألا نرتضي منزلة حقيرة يصنفها لنا الجاهلون بديننا وحضارتنا العريقة.
بعض الناس يتمتمون لا ضير في ذلك، إنه مجرد فيلم سينمائي يسيء إلى العرب والمسلمين، إنه مجرد كتاب يبخس الإسلام حقه ويحتقر العرب. ولكنني أقول كلا وألف كلا، ينبغي ألا نرتضي ذلك إطلاقاً.
وهنا تطالعنا مجلة (عزيزة) بدورها المتميز، إنها مجلة تقدم الصورة الحقيقية النزيهة دون شوائب الجهل أو الحقد أو الكراهية.
وبذلك تمحو مظالم ما ارتكبته الكاميرات أو الأقلام الغاشمة، وتعيد للمرأة المسلمة كرامتها وسجلها وعفويتها النقية.
سؤال: وماذا عن ردود الفعل من المجتمع الأميركي بوجه عام ؟
تايلر: أظن أنها ردود فعل إيجابية، لأن الأميركيين أخذوا يتعرفون على النساء المسلمات من رؤية جديدة تختلف اختلافاً بيناً عن صورة تلك الكائنات الخانعة خلف نقاب الذل والمهانة.
إنها صورة مفعمة بالأمل يلذ لمن يطلب المعرفة والإعلام الصحيح أن يشاهدها.
في السنة الماضية أجرت الإذاعة العامة القومية، محطةNPR مقابلة معنا، وبعدها تلقينا اشتراكات في المجلة من أشخاص غير مسلمين وذلك للمرة الأولى.
هنالك الآن عدة مكتبات عامة تشترك في مجلتنا، ولا سيما المكتبات التي يؤمها قراء مسلمون، ويسعدني ويثلج قلبي أن بعض الجامعات والكليات تشمل الآن مجلتنا في مكتباتها.
سؤال: هل لك أن تقدمي بعض الأمثلة عن المواضيع المتميزة في المجلة ؟
تايلر: الشيء المتميز فعلاً هو أننا محايدون لا نتوخى سوى الصدق والموضوعية، ونركزعلى القضايا الجوهرية التي تمس حياة المرأة المسلمة في الصميم، مثلاً كتبنا مقالة عن الملاجئ الخاصة بالنساء المسلمات ممن يتعرضن للأذى، ويجدن صعوبة كبرى في الالتجاء إلى مؤسسة مسيحية أو علمانية بسبب عدم رغبتهن في الاختلاط بالأخريات، أو لممارسة شعائر دينهن في منأى عن العيون الغريبة.
كذلك خصصنا حيزاً لا بأس به في المجلة عن الصحة، وزاوية عن السفر والسياحة تحت عنوان: وجهة السفر.
سؤال: والآن عرفينا على العاملين في مجلتك، في ظني أنهم متنوعو الأصول، فأنت مثلاً أميركية من أصل إفريقي ؟
تايلر: نعم في الواقع أنا من مواليد منطقة البحر الكاريبي ولكنني نشأت وترعرعت في كندا، ثم نزحت إلى أميركا منذ أكثر من ثلاثين عاما.
أحيانا أعرف نفسي كأميركية من أصل إفريقي وأحيانا أخرى لا أفعل لأنني لم أترعرع في هذا البلد ولم أختبر أو أعاني ما عاناه غيري من الأميركيين الأفارقة، أما العاملون الآخرون في المجلة فهم من خلفيات دينية وقومية مختلفة .
سؤال: هل تحققون أي أرباح؟
تايلر: كلا نحن ما زلنا في السنة الأولى وأمامنا سنتان أخرتان قبل أن نستطيع مجرد تغطية النفقات، إن إصدار المجلات عمل محفوف بالمجازفة.
سؤال: والوضع يزداد صعوبة إذا كان الأمر يتعلق بمجلة نسائية وبمجلة مسلمة أيضاً ؟
تايلر: تماماً .. صحيح أن هناك الكثير من النشاط التجاري بين أوساط الجالية الإسلامية، ولكن معظم الشركات الإسلامية غير معتادة على اللجوء إلى الإعلانات، أو ليست لديها الموارد الكافية لدفع رسوم الإعلانات.
ولهذا السبب تظل ظروفنا عسيرة، وإذا حاولنا أن نستدرج الشركات الأميركية العادية إلى الإعلان على صفحات مجلتنا فإنها تتورع عن ذلك خوفا من الصبغة الدينية، إنها قضية حرجة، وأظن أن علينا أن ننشر الوعي بين صفوف الجالية المسلمة بالنسبة لأهمية الإعلانات، ربما تسير الأمور على ما يرام فيما بعد.
==============
الأستاذة ليلى كرموص..مسلمات سويسرا سبقن الرجال في الدعوة والتجارة!
النساء المسلمات في سويسرا لهن شكل آخر.. فهن أكثر تحمسا للدعوة، وأكثر نشاطا، وهن داعيات موفقات، ومربيات فاضلات، وتاجرات يجدن -بالفطرة- فن التسويق...
وقد ذُكر أنه قبل 10 سنوات قررن هؤلاء النساء تحدي الواقع في سويسرا، فأسسن أول جمعية للمرأة المسلمة، تحت اسم: (الجمعية الثقافية للنساء المسلمات) ، ولم تمض غير أعوام قليلة حتى استطاع هؤلاء النسوة أن يحققن النجاح، وتوسع نشاطهن ليخدم النساء المسلمات في البيوت، وقمن بالدعوة بين النساء والفتيات في المجتمع السويسري، ثم توسعن ليوفرن للنساء العربيات فرصاً لزيارة سويسرا والتمتع بجمالها دون الوقوع في محاذيرها، ثم هن الآن ينافسن اليهود في تجارة ملابس المحجبات التي تقبل عليها السائحات العربيات ليوفرن لأزواجهن مصدرا إضافيا لدخل الأسرة.
بداية الجمعية:(7/159)
ليلى كرموص هي رئيسة الجمعية الثقافية للنساء المسلمات، سويسرية من أصول مغربية، وهي إلى جانب نشاطها الإسلامي صحفية بارعة تزاول الكتابة في الصحف السويسرية في موضوعات تهتم بالمرأة المسلمة، كما أنها عضوة بأكثر من لجنة وهيئة رسمية في سويسرا وأوربا.
حدثتنا عن بداية فكرة الجمعية فقالت: كان ذلك في عام 1992 م عندما اجتمعت مع عدد من السيدات المسلمات في سويسرا وتناقشنا حول الدور الذي يمكن أن نقوم به لخدمة الإسلام والحفاظ على هويتنا في هذا المجتمع الأوربي، وكيف يمكن أن نمارس حقنا في التعبير ونتفاعل مع الأنشطة المختلفة في هذا المجتمع، فقررنا إنشاء الجمعية، وجعلناها ذات اهتمامات متعددة: دعوية وتربوية واجتماعية وثقافية دون أهداف ربحية، واستطعنا من خلالها - بفضل الله- تنشيط المسلمات في سويسرا وتطوير قدراتنا، وتحسين الفهم للإسلام والمسلمين لدى السويسريين والأوروبيين بصفة عامة.
سخرية الرجال:
خروج الجمعية إلى النور لم يمر دون عقبات، فكما تقول السيدة ليلى كرموص فقد كانت أكبر العقبات هي اقتناع أزواجنا بما نفعله، فالجميع تعاملوا مع الفكرة باعتبارها مجرد ستار لنحول الدردشة المنزلية إلى عمل مؤسسي نطالبهم بتفريغنا له، وحتى المسلمين النشطين في مجال الدعوة بسويسرا ضحكوا منا وكانوا يستبعدون نجاحنا، وكانوا يقولون لنا: أنتن نساء فماذا يمكن أن تفعلن؟ ولكننا صممنا، وأخلصنا لله في هذا العمل التطوعي، والحمد لله نجحنا وحققنا تقدما لم يحرزه الرجال، فقد أصبحت جمعيتنا عضوه في عدد من الجمعيات الخاصة بالتعايش بين المهاجرين، كما حظيت باعتراف ومساندة من منظمات إسلامية كبيرة، مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي بمقرها بالمملكة العربية السعودية.
وبعد مرحلة الانتشار داخل المجتمع السويسري - تقول ليلى- بدأنا مرحلة أخرى للتفاعل مع العالم الغربي، فدورنا الدعوي يدفعنا إلى المساهمة بفاعلية في كثير من الأنشطة، ولذلك فإننا نشارك حاليا في كثير من اللقاءات والندوات والمؤتمرات على المستوى العالمي، كما ندير حوارات داخل سويسرا مع الجمعيات النسوية غير المسلمة، وكذلك مع المنظمات المسيحية، ونشارك في الأعمال الإنسانية، خاصة التي تمس بشكل مباشر المرأة والطفل.
دور متنامي:
الدور الدعوي للجمعية بدأ في النمو والتطور شيئا فشيئا، وساعد على ذلك مناخ الحرية الذي تعيشه الجالية المسلمة في سويسرا؛ فكما تقول ليلى فإن المسلمين والدعاة في سويسرا لا يلاقون من العقبات ما يلاقونه في الدول الأوربية الأخرى، .. فالحرية لدينا كبيرة، وللمسلمين تواجد سياسي جيد وعلاقاتنا مع المسؤولين أيضا جيدة، ولكن ذلك لا يعني أنه لا توجد مشكلات خاصة في داخل الجالية المسلمة، فللأسف نسب الطلاق مرتفعة، والخلافات الزوجية كثيرة ومعقدة، ونحن في ذلك نبذل جهودًا من خلال الجمعية للتوعية وتخفيف الآثار الجانبية السيئة التي تنعكس على الأسرة وأفرادها ما أمكن، ونساعد المرأة ونساندها ما أمكن ذلك .
صعوبات:
كذلك تقابلنا صعوبات في تربية أجيالنا الناشئة خاصة الفتيات المراهقات؛ فالمجتمع منفتح والبيئة ليست البيت فحسب، ولنا أن نتخيل طفلا مسلما ينشأ في مجتمع لا يسمع فيه الآذان، ويخرج فيجد سلوكيات وأنماطا من التفكير والاعتقاد غير التي يتلقاها في بيته؛ لذا كان لا بد أن نتحرك، فنحن نؤمن من خلال التجربة أن الإنسان إذا ما انكفأ وجلس في بيته فقد تحاصره الصعوبات وتخنقه، أما إذا ما تحرك وكان إيجابيًا فإن الآمال يمكنها أن تسطع لإزالة الصعوبات وإذابتها ولو تدريجيًا.
وتقول ليلى: من قلب الصعوبات التي نواجهها برز مشروعنا الضخم الذي يهدف إلى توفير مناخ أخلاقي وصحي للسيدات والفتيات خلال فترة الإجازة الصيفية، بعيدا عن الانحرافات الأخلاقية التي يمكن أن تحدث في البلاد الأوربية، وقد بدأنا تنفيذ هذه الفكرة بين المسلمات في سويسرا ثم في أوربا ثم على مستوى العالم، وأصبحنا بذلك ننظم سنويا ملتقى للمرأة المسلمة في سويسرا، إضافة إلى مخيم صيفي للفتيات كل عام، وبهذه الفكرة أصبنا أكثر من عصفور بحجر واحد - تواصل ليلى- فمن ناحية وفرنا مناخا طيبا وممتعا للفتيات والسيدات المسلمات الراغبات في السياحة بعيدا عن الفساد الأخلاقي وبأسعار زهيدة، ومن ناحية ثانية عصمنا فتياتنا من محنة الفراغ اللاتي تعانين منها في الإجازة الصيفية، ومن ناحية ثالثة وفرنا مصدرا للدخل للجمعية يساهم في تمويل أنشطتها.
الملتقى الصيفي:
وعن الملتقى الصيفي للبنات تقول ليلى أنه يستقبل الفتيات من سن العاشرة فما فوق، ويتسع لمشاركة 100 فتاة في كل فوج بصحبة 15 مشرفة وطبيبتين وممرضتين وطباخة، ونحن نقيمه في تجمع مخصص للمخيمات يشمل غرفًا مجهزة، ووجبات شرقية، وإشرافا تربويا، ورحلات وألعاب وأماكن ترفيهية، ودورة في اللغة الفرنسية، ومحاضرات وأنشطة رياضية، وأنشطة يدوية، وتجوالا وتسوقا وسمرا، وزيارة المعالم الشهيرة بالمدن الكبيرة في سويسرا وألمانيا.
وكل ذلك بهدف إعطاء الفرصة لبنات المسلمين في سويسرا وفي الخليج والدول العربية للتعارف والتعلم، والحفاظ على الهوية، والتحابب وتبادل الخبرات في جو إسلامي نظيف لا يخلو من الترفيه، وإسعاد النفس والترويح عنها، وقد اخترنا لمخيمنا هذا العام - وهو العام السابع- عنوان: (الفتاة المسلمة والعولمة)، لأننا شعرنا أن مناقشة هذه القضية مع الفتيات أصبح من الأمور الضرورية، لتعرف كل واحدة منهن كيف تحافظ على هويتها وأخلاقها وعقيدتها في مجتمع مفتوح.
تاجرات:(7/160)
الطريف أن الجمعية فتحت بابا لعضواتها لممارسة التجارة الرابحة حتى أصبحن ماهرات فيها، فكما تقول ليلى: فإن المعاناة المالية التي تعاني منها الجمعية دفعتنا إلى ابتكار الأساليب المفيدة للتمويل، فاهتدينا إلى فكرة المخيم، ثم بدأنا نسعى لإقامة كيانات ومشروعات اقتصادية صغيرة نمول من عائدها أنشطتنا.
في هذا الإطار بدأنا التفكير، وكانت الغرابة أننا اهتدينا إلى أفكار جديدة ثم اكتشفنا أن التجار اليهود بدؤوا في منافستنا فيها؛ فقد بدأنا في إنشاء محلات للأطعمة الشرقية، ثم محلات للملابس الإسلامية وملابس المحجبات، ثم فوجئنا بالتجاراليهود يفتحون مثلها بعد أن اكتشفوا أن لها سوقا رائجة بين المهاجرين المسلمين والسائحين العرب، وتحولت بعض هذه المشاريع لدينا إلى مشروعات خاصة تقوم بها نساء الجمعية.
وفي إطار سعينا للمنافسة مع اليهود بدأت بعض النساء في السفر إلى تركيا للتعاقد على طلبيات خاصة من الملابس الخاصة بالمحجبات، وبيعها بسعر لا يزيد إلا قليلا عن سعر التكلفة لتكون أقل سعرا لاجتذاب المسلمين والعرب، ويكون دورنا في الجمعية هو الدعاية لهذه الأنشطة النسائية الإسلامية، وقد نجحنا في ذلك إلى حد كبير .
==============
مركز قطر.. نموذج للنجاح
المرأة التي تهز المهد بيدها اليمنى.. تهز العالم بيدها الأخرى، وترسخ الدعوة الإسلامية بكل جوارحها.. هذا لا شك فيه، ولكن يشك المجتمع الإسلامي ويشتكي وربما يشكك في إمكانية أن يكون للمرأة دور دعوي رائد وفعال.
ويبدو أن كثيرات من اللاتي يتشدقن بمناصرة قضايا المرأة وتحررها يريدون لها أن تقتحم كل مجال، وأن ترتقي أعلى المناصب، وأن تتبوأ ذروة القيادات في شتى الميادين إلا في ميدان واحد، هو مجال الدعوة النسائية للإسلام.
فالشاهد أن هذا المجال يُعد ثاني أكبر قضية لاقت هجوما إعلاميا من الصحافة ومن كافة القائمين في المجال الإعلامي بعد قضية الإرهاب.
لذا نجد أن سياط الصحافة الصفراء لا تتورع عن جلد وتشويه أي محاولة دعوية تقوم بها الأخوات الفاضلات، سواء ممن هداهن الله للالتزام بشريعتة أو ممن يُقمن دروسا دينية في المساجد أو في المنازل أو غيرها..
فحرية التعبير مكفولة لكل حي في أي موضوع يطرح كيفما يشاء، ولكن إذا قالت إحداهن: "ربي الله".. صارت مستشيخة، وحديثة عهد بالدين، وتتصدى للفتوى بدون علم، ثم تجد كبريات الصحف تتسابق للتشنيع عنهن.
لذا فقليلة هي الأسماء المعروفة في الدعوة، وقليلات هن الداعيات اللاتي يستطعن الصمود أمام الهجمات الشرسة حتى قالت إحداهن:
ألأني قلت الله .. أُهان؟!
ألأني أعتنق القرآن .. أُهان؟!
ولكن من الليل يشرق فجر جديد بنور ساطع يضيء سماء الإسلام، ولقد بانت بشائر هذا الفجر الجديد في الجزيرة العربية وتحديدا في قطر؛ فالجزيرة مهد الدين، ومنها انتشر، ومنها سيعود ويزدهر..
وأقول هذا بسبب حادثة بسيطة، فلقد لاحظت- وأنا أذهب مع زوجي أسبوعيا لصلاة الجمعة بجامع أبي بكر الصديق بالدوحة- ازدياد عدد الداخلين في دين الله بشكل لافت وكبير، والشاهد أن غالبيتهم من النساء، وتقصيت فعرفت أن ذلك بفضل الله ثم بثمار جهد العاملات في الدعوة بمركز قطر للتعريف بالإسلام، والغريب أن كثيرا من العاملات في المركز من الأجانب، وفي الحقيقة أنه لا وجه للغرابة في ذلك؛ فالشواهد من القرآن والسنة تؤكد على أن فضل الدعوة يحفز العباد كل العباد على اختلاف ألوانهم وأوطانهم على الجهاد وحمل الدعوة؛ فالدعوة لا تقتصر على الأبيض دون الأسود، ولا على العرب دون العجم، ولا على الرجال دون النساء.
ويقال ضمن ما يقال عن أسباب انهيار وتدهور أمة الإسلام في هذا العصر أنها بعُدت عن الله، فقيل لها: بعداً بعداً، سحقا سحقاً..
ولكن تبقى بعض النفوس عامرة بالإيمان تعمل على جلاء القلوب الغافلة: {كلا بل ران على قلوبهم}، فيعود معدن المسلم القوي، لذا فمهمة الدعاة رجالا ونساءً إعادة الروح الإيمانية.
وأعظم من يقوم بهذه المهمة هو "المرأة" نصف المجتمع، والذي يلد ويربي النصف الآخر.
فلابد من توظيف الصحوة النسائية بشكل أعمق وأوسع، حتى لا تصبح مجرد طاقة كامنة معرضة للاضمحلال أو الانحصار في زوايا معينة.
فمهمة الدعوة ليست "رجالية" فحسب، ألم يحمل عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كثير من العلم الشرعي، كما أن كثيراً من دواعي الإصلاح في المجتمعات تتحمله النساء، ولا يسد الرجال تلك المهمة.
والعمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين في بعض الدول، وبالتالي فإن أي عمل في بداياته لا شك سيكون من أهم سلبياته: نقص الداعيات المؤهلات، وعدم وجود القيادة الدعوية النسائية القادرة على تنظيم الجهود ودراسة الأولويات، ومن السلبيات ضعف اهتمام الدعاة -حتى هذه اللحظة- بإيجاد معاهد تربوية تخرج للمجتمع المصلحات المؤهلات، كذلك من أبرز السلبيات في ندرة وجود مؤسسات دعوية نسائية متخصصة توفر كل ما تحتاجه المرأة من استشارة اجتماعية وفقهية، وللأسف قليلات هن المعروفات في مجال الدعوة، لكنهن يعملن كالجنود المجهولين.
ولكن في قطر الوضع مختلف كما تقول "جنيفر دودير" (مسلمة أمريكية الأصل، وتعيش بقطر منذ عدة سنوات، وكانت قبل الإسلام ناشطة في كثير من المنظمات النسائية، ويبدو أن إدارة الدعوة آمنت بهذا المبدأ، وسعت لتحقيقه من خلال إنشائها فرعًا نسائيًّا لقسم الجاليات ورعاية المسلمين الجدد في 16-11-1996)(7/161)
إن نشاط الداعيات من خلال مركز قطر للتعريف بالإسلام متعدد؛ فهو يتمثل في إقامة فصول لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها للجاليات الإسلامية، بالإضافة لدورات شرعية في العقيدة والفقه والحديث للجاليات باللغات الإنجليزية، والأوردية، والفليبينية، والملبيارية، كما تقوم الداعيات (نحو10 داعيات) بعمل محاضرات لبعض المناسبات الدينية كرمضان والعيدين والحج، وهناك أيضا برنامج إفطار الصائم السنوي لعموم المسلمين والمسلمات الجدد.
الخدمات الثقافية أحدث وسائل الدعوة:
أما عن وسائل الدعوة لغير المسلمين فتقول جنيفر: نحن نعمل على التعريف بالإسلام، وإبراز شموليته ومحاسنه لغير المسلمين، ودعوتهم إليه عن طريق تقديم الخدمات الثقافية للأجانب على شكل فصول دراسية للغة العربية باللهجات المحلية، وفصول أخرى تهتم بتقديم معلومات عن مظاهر البيئة القطرية وأهم سماتها؛ فلا يخفى على أحد أن المجتمع القطري مجتمع محافظ ، وقد يقيم المواطن الأجنبي لفترات طويلة في قطر دون أن تتاح له فرصة التعرف بالمجتمع القطري وتراثه.
وتضيف جنيفر: أن هذه الفصول تتوجه لغير المسلمين أو للمسلمين الأجانب الذين يريدون أن يتعرفوا عن كثب على تراث قطر وعاداتها وتقاليدها؛ لذا تقوم المشرفة على الدورة بتقديم نماذج من التراث أو التقاليد القطرية، ومنها استخدام السواك ومميزاته مع ذكر فائدته للفم والأسنان، مع الإشارة لوجود حديث نبوي عن هذا الموضوع، أو تعريفهم بكيفية حرق العود لتعطير ملابس السيدات كعادة القطريات، مع الإشارة إلى أن السيدة القطرية لا تستطيع أن تخرج إلى الشارع بالملابس المعطرة مع ذكر الحديث النبوي الخاص بذلك..
وهكذا تفتح مجال الحوارات بشكل غير مباشر عن العادات القطرية المستمدة من القرآن والسنة.
وتضيف جنيفر: نحن لا نستخدم وسائل الدعوة المباشرة؛ فقد ثبت فشلها معنا كثيراً؛ فهي منفرة وغير مجدية، ولا نقحم معلومات دينية بل نشير بلطف إلى الدين كأحد عناصر التراث القطري وننتظر الأسئلة، وعندها نجيب بإعطاء التفاصيل عن أصل الشريعة.
وأشارت "بسمة" -داعية فرنسية الأصل-: إلى أن هناك وسائل أخرى منها: وضع الكتيبات والنشرات والأشرطة السمعية والمرئية بلغات متعددة في مكان ظاهرمن المركز، ولكننا لا نوزعها لكي لا تشعر إحداهن بأي ضغط عليها..
وتضيف : "أنا أفهم كيف يفكرن فقد كنت مثلهن، وكنت أيضا أكره وسائل الضغط، وأفهم الابتسامة الحقيقية من الزائفة؛ فليس المهم أن تلقى الآخرين بوجه مبتسم فحسب، ولكن لا بد أن تكون هذه الابتسامة صادقة ومن القلب؛ فالناحية الإنسانية هامة للغاية، وهم كغير مسلمين -وتحديدا المجتمعات الغربية- يعانون من مشاكل جسيمة من انحراف وتدهور بل سقوط مجتمعي، ويبحثون عن الحقيقة، ومهمتنا أن نحسن تقديم الإسلام".
وهنا قاطعتها جنيفر قائلة: أنا أستشعر أننا في أكبر مؤسسة في العالم، بل أكبر وأهم من MICROSOFT العالمية؛ لذا فعلينا أن نكون متمكنين جدا من كل شيء، لذلك فالمركز حريص أن يوفر بيئة جذابة من ناحية المظهر؛ ولذلك نهتم بأن يكون المركز مكيفا ونظيفا، كما نهتم أيضا بديكورات المركز ليس بشكل مبالغ، ولكن بشكل معقول ولائق.
من ناحية أخرى تقول جنيفر: من أهم الجوانب التي نهتم بها هو الجانب الشخصي الإنساني؛ فنتصل بالمترددات على المركز، ونقيم علاقة طيبة معهن؛ فالاتصالات والزيارات الإنسانية عامل هام يشعر الآخرين أن هناك من يهتم به دون سبب مادي.
وعن أهم أساليب الحوار في الدعوة تقول إحدى الداعيات: "لا بد أن يكون الهدف من الحوار هو الوصول للحقيقة، دون المناقشة لفرض الرأي".
لذا يجب أن تكون لدى الداعية المعلومات الكافية عن الموضوع الذي تتحدث فيه، كما أنه من غير اللائق رفع الصوت، والأفضل أن تكون المسافة بين الداعية ومن تتحدث معها قريبة لكي لا يكون الحوار شاقا، ومن الضروري معرفة مستوى التفكير بالنسبة للمحاوَر، ومراعاة انتقاء الكلمات المناسبة لقدراته الذهنية، أيضا يجب أن تراعي الوقت المناسب والمكان المناسب، كما أنه من الضروري استخدام الأسلوب العلمي للحوار كي لا يغلب على طرحك للموضوع الظن والشك، فمثلاً تقولين: "أظن أن كذا... " "زعموا... " فإن ذلك لا يعتبر دليلاً علميًّا صحيحاً لدى المحاور. وعلى الداعية أن تترك فرصة لمن تحاورها حتى تبدي رأيها، مع إعطاء درجة الانتباه الكاملة للحديث، كما أن الصبر على المحاورة المنفعلة عامل مهم يجب مراعاته.
دورات شرعية وترفيهية:
أما بالنسبة للمسلمات الجدد فالداعيات بمركز قطر للتعريف بالإسلام يقمن لهن دورات شرعية مفصلة، بالإضافة للأنشطة الرياضية والترفيهية، كما يقوم المركز بدعوة كبار الدعاة من المسلمين الجدد، مثل: "يوسف إسلام"، و"بلال فيليب" الداعية الكندي.
ومن جانبها أشارت "رائدة" إلى أن المركز قد زاره أكثر من 80 عالما وداعية، كما زاره 1600 شخص من الجاليات المختلفة، وقد دخل في الإسلام نحو 1500 شخص منذ تأسيس المركز، وقد تم توزيع نحو 6000 شريط بلغات مختلفة، بالإضافة لتوزيع ما يقرب من 59463 كتيبا، ونشرات بلغة مختلفة، وإقامة نحو 91950 درسا بلغات شتى منها: (الإنجليزية، و الليبارية، و الأوردية).
البرنامج الصباحي:
وتقول " بسمة ": نقيم برنامجا صباحيا لعموم المسلمات، وهو عبارة عن مجموعة من الدورات الدراسية على مدار العام لمدة يومين أسبوعيا على مدار أربع محاضرات يومية تستغرق كل محاضرة 50 دقيقة، تتناول المحاضرات مواضيع العقيدة والفقه واللغة ودرسا شرعيا عاما في السلوك وتربية الفرد المسلم والتجويد ودرسا إسلاميا عربيا..(7/162)
وترى جنيفر أن أهم شيء هو اختيار الداعية أو المدرسة للفصل لتقديم الدعوة بشكل غير مباشر؛ بحيث تستطيع توثيق العلاقة الشخصية التي يتم من خلالها تقديم الدعوة المباشرة التي قد تحدث أو لا تحدث.
كما تهتم الداعيات في المركز بإقامة درس أسبوعي للأمهات المسلمات برفقة أطفالهن، يتم فيه عقد جلسة صحية لمدة نصف ساعة يتم فيها مناقشة بعض الأمور الصحية التي تهتم بها عامة النساء، ويتناولن القهوة والشاي، ثم يُعقد بعدها الاجتماع الأسبوعي للأمهات من أجل التحضير للبرنامج الشهري للأطفال.
ولأن هناك كثيرات من المسلمات الجدد من الجاليات الهندية أو الفلبينية تعملن في مجال الخدمة؛ فقد تم تخصيص يوم الجمعة لبرنامج الخادمات، وهو عبارة عن محاضرات عامة ومحاضرات شرعية، بالإضافة للاهتمام الشخصي بهن؛ حيث يحتجن لبعض المساعدات المادية أو العينية.
كما تهتم الداعيات بالمراهقات من الجالية العربية ممن فقدن الهوية الإسلامية لظروف الدراسة في المدارس الأجنبية؛ فقد لوحظ أن هذه الفئة لا يوجد ما يربطها بالإسلام سوى الاسم، فقرر المركز تخصيص يوم الأربعاء في الفترة المسائية في الشتاء لهذه الفئة لربطهن بجذورهن الإسلامية.
طبق الخير:
والحقيقة أن نشاط الدعوة النسائية في قطر لا يقتصر فقط على هذا المركز.. بل يمتد للبيوت والجهود الفردية؛ فكثيراً ما تُعقد حلقات ذكر في منازل بعض الفاضلات، وهذه الدروس تعرف بـ"طبق خير"؛ حيث تجتمع العائلات والصديقات عند المضيفة لذكر الله، وسماع درس ديني؛ سواء لداعية إسلامية، أو لشريط، أو قراءة جزء من كتاب عن الشريعة والفقه، ثم تقوم المضيفة بعد ذلك بتقديم الشاي والحلوى، وغالبا ما تكون الدعوة في نطاق العائلة والأسرة.
الشاهد أن المرأة القطرية لا تكتفي بإصلاح نفسها، بل تأخذ في طريقها اللاتي ران ضباب الماديات على رؤيتهن فتُهْنَ في الطريق..
كما تحارب أعداء الفضيلة وتقاومهم، والدليل على ذلك هو ثمار الدعوة؛ حيث بات من الملاحَظ انتشار العودة إلى دين الله، ونشوء شابات حريصات على الدعوة، وهن في سن السادسة عشرة والثامنة عشرة، ومدارس تحفيظ القرآن المنتشرة؛ كإحدى نتائج المسيرة الدعوية، والاهتمام بالعلم الشرعي نشرًا وتعليمًا في أوساط البنات.
كذلك ما نراه في الكليات والمدارس من نشاطات المصليات واللجان الثقافية والاجتماعية وغيرها، مما يدل على نهضة دعوية مثمرة لا تزال في بداياتها بحكم أن الدعوة في أوساط النساء كانت مهملة فترة طويلة.
وبالنسبة لقطر فإننا نسمع عن نشاطات طيبة، وعودة للدين، وتمسّك بالحجاب، رغم ما ينشره الإعلام عن نماذج منحرفة لا تمثل السواد الأعظم من بنات الخليج.
إن ما ينشره الإعلام ويحاول إبرازه وتقديمه على أنه نموذج للمرأة في الخليج يؤدي -بدون شك- إلى ازدياد هذه النماذج، ولكن الأمل هو في السعي لتوعية الفتاة وإدراكها لمخططات المنافقين.
وفي النهاية أشارت "جنيفر دودير" التي كانت ناشطة في حركات تحرير المرأة في الغرب، إلى أن الرموز العلمانية من النساء الحاملات لراية تغريب المرأة قد تمرسن في كثير من اللقاءات الثقافية والمؤتمرات، ولهن خبرات متراكمة في العمل، كما أنهن تتبناهن وسائل الإعلام ، هذه الخبرات المتراكمة لا شك أنها تؤدي إلى وضوح في التصورات -وليس وضوح التصورات يعني صحة التصورات-، وهذا الوضوح نتج عنه أنهن أكثر تنظيما؛ فعندهن دور نشر ومنظمات وجمعيات متنوعة؛ وهو ما أدى إلى تأثر طبقة من النساء بفكرهن الغربي والعلماني.
وفي النهاية لا بد من السعي لتفعيل دور المرأة الدعوي ببذل مزيد من الجهد.
ونأمل أن تكون النساء في مجتمعاتنا من الطائفة التي ينصر الله بها دينه؛ بتشجيعها وإعطائها الفرصة، وصقل تجربتها بالقراءة، وإقامة الملتقيات الثقافية المكثفة لنخبة مختارة من الفتيات القادرات على تحمّل الجهد الدعوي.
=============
تجارب ناجحة في الدعوة النسائية
قال الله عز وجل : (وأذن في الناس بالحج)، فالحج تجمع إسلامي ضخم يتكرر في كل عام ويمتد إلى ما يقارب الأسبوع، يحتشد فيه المسلمون من كل حدب وصوب على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وثقافاتهم ومذاهبهم وطرقهم، لذلك كان لابد من استغلال هذا التجمع التعبدي الروحاني في توجيه الدعوة، وتوظيف شتى وسائلها، وتفعيل الطاقات والإمكانات الدعوية خلال ذلك الموسم من خلال خطط تنفيذية مدروسة سابقاً.
وبفضل الله تعالى وتيسيره قمت خلال موسم الحج المنصرم بجولة دعوية للأقسام النسائية في مخيمات حجيج الدول العربية: (الجزائرـ المغرب ـ ليبياـ مصرـ السودان)، ويمكن أن يقاس نجاح تلك الزيارات من خلال المشاهدات وردود الأفعال، وذلك بالرغبة الشديدة في إقامة زيارات أخرى، وبالإلحاح في إطالة الزيارة حتى كان هناك عرض للمبيت عندهم، وكذلك كثرة الأسئلة والاستفسارات حول قضايا الدين، بالإضافة إلى بعض العبارات الصادقة التي تدل على الشعور بالمرارة والأسف على الجهل بالدين وإعلان التوبة في نفس الوقت من كثير من المنكرات الشركية والبدعية وغيرها، أما عند توزيع الكتب فتتجلى الحاجة بل الضرورة الماسة لديهن للتفقه في دينهن، حيث يتنازعن الكتب حتى إذا استملت إحداهن نسختها ضمتها إلى صدرها، بينما تقف الأخرى حزينة آسفة إذا لم تحصل على شيء راجية مني أن أحضر لها مرة أخرى كتاباً تستفيد منه وتفيد من خلفها في بلدها.
إلى غير ذلك من المشاهد التي جعلتنا نشعر بضخامة المسؤولية الدعوية والتعليمية اتجاه إخواننا الوافدين علينا أثناء موسم الحج، ولا سيما أن النفوس مواتية والأجواء التعبدية تساعد على نجاح مسيرة الدعوة .(7/163)
وقد تركزت المواضيع المطروحة على أهم القضايا الدينية:
مثل ما يتعلق بمسائل العقيدة والتوحيد وما يضادها من الشرك والخرافات والبدع وبيان حقيقة التقوى، والعبادات المهمة كالصلاة والطهارة، وما يتعلق بقضايا المرأة خاصة، مع إبراز سمات وقيم الأخلاق الإسلامية النبيلة، وكنت أتحاشى الدخول في التفصيلات لولا أن الأسئلة والاستفسارات والرغبة في معرفة المزيد كانت تفتح آفاقاً من الموضوعات المهمة .
وكانت المهمة تبدو صعبة عند استهلال الحديث لما تحمله نفوسهم من تساؤل حول هذه الزيارة المفاجئة، بالإضافة لما قد يكون مستقراً في أذهان البعض عن الاختلافات المذهبية والمنهجية بين المسلمين في الأقطار الإسلامية، فلزم من ذلك أن نؤكد لهم ابتداءً أننا قدمنا إلى أخوات لنا في العقيدة والدين، وهم ضيوف علينا نحبهم ونقدرهم من غير فروق بيننا لا وطنية ولا عرقية ولا منهجية، بل يجمعنا منهج واحد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يجمعنا عبادة رب واحد ونلتقي جميعاً على هدف واحد مع الدعاء لهم، فمثل هذا الإيضاح والكلمات يولد لديهن شعور الاستئناس والقبول وحسن الإنصات وبالتالي التفاعل مع الدعوة، مع مراعاة الاكتفاء بالطرح العلمي، والإيضاح ومن ثم يبدأن الحاضرات بالسؤال عن المظاهر المنتشرة عندهم في بلادهم .
كاتب المقال: أسماء بنت راشد الرويشد.
============
الداعية الفلسطينية ... نجاح رغم القيود
أرادوها زيدًا وأرادها الله عمرًا، أو إن شئت فقل: أرادوها قهرًا فأرادها الله فتحًا.. لا أرى ما يمكن التعبير به عن واقع ما يحدث في أرض الرباط المباركة بين اليهود وإخواننا الفلسطينيين أبلغ من ذلك.
فلم يكن الإبداع الذي طوَّره الفلسطينيون خلال انتفاضة الأقصى مقتصرًا على مجالات المواجهة العسكرية مع المحتلين فحسب، بل إن أشكال التأقلم مع الواقع المفروض شملت العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وحتى الدعوية.
فالاحتلال الذي حاصر الفلسطيني في لقمة العيش وأقعده البيت مرغمًا وشل حركته لم يكن يعلم "أن الحاجة عند الفلسطيني تولّد الاختراع"، وأن المثل القائل "رُبَّ ضارة نافعة" تحقق بنجاح، وأن الظروف الخاصة التي عاشها الشعب الفلسطيني أوجدت تجارب ذات خصوصية معينة من حيث الغنى والعمق والتنوع.
وكانت المرأة الفلسطينية الداعية جزءاً من هذه التجارب، وبالتالي من هذه الخصوصية.
وانطلاقًا من هذه القاعدة بدأت عشرات الداعيات الفلسطينيات اللاتي يعمل عدد منهن في إطار وزارة الأوقاف في السلطة الفلسطينية، والعدد الأكبر في إطار العمل الدعوي المستقل أو في المساجد بإزالة الجمود الذي حصل في الأشهر الأولى لانتفاضة الأقصى على العمل الدعوي، وبادر عدد منهن باقتحام مجال جديد للدعوة يقتحمن فيه حواجز الاحتلال وأبوابه الموصدة.
زينب تدعو خلال منع التجول:
زينب حسين 38 عامًا، هي إحدى الناشطات المعروفات في المجال الدعوي في مناطق شمال الضفة الغربية، وتعمل حاليًا في طول كرم..
كانت إحدى الداعيات اللاتي حوّلن سيئات نظام منع التجول بما يفرضه من حصر للعائلات الفلسطينية بين جدران المنازل وحدود البيت إلى إيجابيات تخدم الدعوة إلى الله، وتطور العمل الدعوي.
والفكرة كما تقول زينب استوحتها من تجربة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين رغم تواجدهم في زنازين ضيقة لا تتوفر فيها أدنى متطلبات العيش، فإن هذه الزنازين تخرج أفواجًا من حفظة القرآن الكريم خلال فترة وجيزة.
وتضيف بأن أكثر من 500 حافظ للقرآن الكريم تخرجوا في زنازين معتقل واحد هو معتقل "مجدو"، وتتساءل: "فكيف الحال الآن مع أكثر من مليون ونصف فلسطيني محاصر داخل زنازين من نوع آخر.. أعني المنازل، ألا يحتم الواجب علينا أن نستغل هذا الامتحان الذي يمر به الشعب الفلسطيني لنعمق له الارتباط بعقيدته ودينه؟ ".
وبدأ مشروع الداعيات الجديد في محافظات الضفة الغربية "بالدعوة داخل المنازل"؛ حيث تتناوب فيها الداعيات على متابعة تحفيظ القرآن الكريم ليس فقط لمن كن يلتزمن حلقات الحفظ قبل اندلاع الانتفاضة، بل لمئات أخريات ومن مختلف المستويات خاصة الجامعية، وقد انضممن إلى هذه الحلقات بعد تزايد أعداد الملتزمات بالدين الإسلامي خلال الانتفاضة.
ووفق ما تذكر من حقائق فإنها و12 داعية أخرى عملن في محافظة طول كرم شمالي الضفة الغربية، وتمكنّ خلال عام واحد من أن يخرّجن 15 فتاة تتراوح أعمارهن بين 12-17 عاما يحفظن القرآن الكريم عن ظهر قلب، و50 فتاة يحفظن نصف القرآن الكريم، ومئات أخريات يحفظن أجزاء مختلفة من القرآن، وهو إنجاز تصفه بالمتقدم جدًّا مقارنة مع السنوات الماضية.
وتقول الطالبة رشا عمر15 عاما، وهي واحدة من الفتيات اللاتي أتممن حفظ القرآن الكريم خلال الانتفاضة إنها لم تكن تتوقع أن تتمكن خلال ثلاثة شهور فقط من أن تنهي حفظ 15 جزءًا من القرآن الكريم، في حين استغرقت في حفظ 15 جزءا الأولى عامين كاملين، والسبب كما تقول استوحته من خلال نصائح المشرفات عليها باستحضار حب التحدي والإرادة القوية: "إننا لن نرضخ لما يهدف إليه الاحتلال من تجهيلنا وخاصة بأمور ديننا، بل إننا نتحداه بأننا نستغل معاقبته لنا بالبقاء داخل البيوت في حفظ كتاب الله والعودة بحق إلى الإسلام".(7/164)
والفكرة الجديدة التي اتبعتها الداعيات هي اتباع نظام "دعوة الأحياء"، أي تقسيم كل مدينة أو قرية أو مخيم فلسطيني إلى أحياء على شكل دوائر، وتعمل في كل منطقة مجموعة منظمة من الداعيات ضمن برنامج زمني واضح وخطة موضوعة، تشمل تعليم القرآن والسُنة وغرس الصبر والأمل في نفوس النساء الفلسطينيات على ما يواجهنه من حرمان الابن والأخ والأب على يد الاحتلال بالقتل أو بالجرح أو بالاعتقال.
ورغم المعاناة التي تواجهها الداعيات في التنقل من بيت إلى بيت فإن المشكلة تقل صعوبة بحسن اختيار الداعية التي تقيم في منطقة قريبة من الدائرة المراد أن يُبدئ النشاط فيها، وهذه الداعية تستطيع من خلال مساعدة نساء الحي على المرور الآمن من منطقة لأخرى إلى أن تصل المكان الذي اتفق على إعطاء الدروس فيه.
ويجمع عدد من الداعيات أن "دعوة الأحياء" و"دعوة البيوت" (بأن تجمع نساء العائلة مع الجيران في منزل واحد يستمعن فيه إلى أحد الدروس أو المواعظ) كانا أسلوبا ناجحا سيتم اعتماده في المستقبل حتى في الظروف الحالية، خصوصا بعد تأثر الكثيرمن النساء وخاصة الفتيات في سن الشباب بتلك الدروس التي تأتي إليهن بعد أن كن يجدن حرجا في الذهاب إليها.
محلات اللباس الشرعي لا تتسع:
وتقول خلود المصري إحدى ناشطات العمل النسوي في فلسطين وتقيم في نابلس: "إنه لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الكبير الذي تؤديه المحاضرات والندوات الدينية النسائية في زيادة الوعي الديني والإرشادي بين النساء، وتعريفهن بأمور دينهن، وقضايا العقيدة، ولا يستطيع أحد أن ينكر تأثير هذه المحاضرات الدينية على شرائح كثيرة من النساء كانت بعيدة عن النهج والسلوك الإسلامي".
بل وتقول: إن بعض النسوة لم يكن يعرفن شيئاً عن أمور الدين الأساسية، وساقتهن الأقدار إلى محاضرة دينية أو دعوية فكانت سببًا -بعد الله عز وجل- في هدايتهن والتزامهن.
وتؤكد المصري أن تأثير هذه الدروس وحلقات العلم التي لم تتوقف خلال الانتفاضة والحصار، بل إنها باتت تأخذ أشكالا جديدة وأساليب متنوعة، بحيث بات عدد المحجبات في تزايد بشكل لم يسبق له مثيل حتى بين أوساط العائلات الغنية التي تنتمي المصري لإحداها؛ وذلك بسبب الظروف السياسية وممارسات الاحتلال وتنامي دروس التوعية بالدين التي جعلت الكثيرات يعدن إلى حياض الإسلام رغم الموانع الاجتماعية السابقة.
وتقول المصري لـ "إسلام أون لاين.نت": إن محلات الملابس الشرعية للنساء تنطق بهذه الزيادة، فبالرغم من أن العديد من العائلات الفلسطينية تستغل عدد الساعات القليلة للتزود بالمواد الغذائية، فإن الكثير من الفتيات يصطففن أمام محلات الجلابيب للشراء، وهي ظاهرة أدهشت حتى أصحاب هذه المحلات الذين لم يستعدوا أصلا لمثل هذه الأعداد، حتى إن عدد هذه المحلات زاد بشكل كبير خلال عام واحد فقط.
فعلى سبيل المثال فإن مدينة نابلس وحدها بها أكثر من عشرين محلا متخصصا في بيع اللباس الشرعي، وفي مدينة طول كرم التي كانت تفتقر إلى وجود مثل هذه المحلات فُتح فيها خلال عام 2001 فقط 13 محلا متخصصا باللباس الشرعي.
وتضيف: أن المشاهد الآن بشكل عام للشارع النسائي يلاحظ الفرق في تزايد عدد الملتزمات بالزى الشرعي بشكل كبير، وكثيرات أخريات يبادرن للاتصال بالشخصيات الدعوية النسائية المعروفة يطلبن فيها إيصال الداعيات إلى الأماكن التي يقمن بها، والى إدراجهن في برامج دعوية خلال هذه الفترة.
وتقول أمل مصطفى إحدى المحجبات الجدد، وهي طالبة بالسنة الرابعة في كلية الهندسة في جامعة النجاح: بأن التزامها باللباس الشرعي جاء مفاجئا للجميع وحتى لها، والسبب كما تقول عبارات سمعتها من إحدى الداعيات التي قدمت إلى بيتهم لإعطاء محاضرة دينية لأهل المنطقة التي تعيش فيها، وربطت فيها ما بين مقارعة الاحتلال بالالتزام بالدين، وقد أثرت فيها جدا مع أنها لم تفكر في السابق بلبس الحجاب رغم التزامها بالصلاة.
وتضيف بأن للمحاضرات الدينية دورًا مؤثرًا في زيادة الوعي، وتعليم وتوعية المرأة بأمور دينها ودنياها، والتعامل مع يوميات الانتفاضة من زاوية الدين، وهذه هي إيجابيات الأحداث الجارية وليس فقط التركيز في هذه المحاضرات على قضايا الآخرة، من عذاب القبر، والحساب، والحديث عن الموت، رغم أنها أمور أساسية، ولا بد أن نعرفها، ولا بد أن تعيها كل امرأة مسلمة.
مخيمات دعوية في البيوت:
أما الفكرة الأخرى التي طبقت بنجاح خلال أشهر الإجازة الصيفية الثلاثة فكانت عبارة عن تنفيذ برامج لمخيمات صيفية دعوية، كانت مرتّبة أصلا للتطبيق في المساجد والبيئة المجتمعية الخارجية وتحويلها إلى داخل البيوت.
وتقول ريم نعمان (أم أنس) وهي تجمع ما بين التدريس والدعوة: إن العطلة الصيفية هي فرصة قيمة بالنسبة للدعاة لتفريغ طاقات الأجيال الناشئة وعمل ما لا يمكن لهؤلاء الدعاة القيام به في باقي أيام السنة، ولكن حرمان الدعاة والداعيات من استكمال برامج الدعوة لدى طلاب وطالبات المدارس -وهي الفئة الأوسع- خلال هذا العام دفع بالدعاة من الجنسين إلى جعل إجازة الصيف -التي كان نصيب الجميع فيها قضاء العطلة في إطار البيت- هي شغلها دعويا بطريقة فريدة، وذلك بوضع خطة لما يسمى "بمخيمات دعوية" في البيوت، عمادها الأسرة.
وتضيف ريم أن الجلوس في البيت كان يعني عدة أمور:
- هو فرصة مناسبة للاتصال السليم مع الأبناء بالنسبة للوالدين.
- فرصة لمحاسبة النفس حول تقصيرها أومتابعة الأبناء وسلوكياتهم وتقويمها بالتي هي أحسن.(7/165)
- فرصة للتقرب إلى الله عز وجل، فكثيرا ما استهلكت الواجبات المدرسية جل أوقات فلذات أكبادنا حتى أصبح الواحد منهم يشتاق لدور القرآن ودروس المساجد.
ومن هنا جاءت فكرة المخيمات البيتية للطلبة التي تجمع ما بين نشاطات دينية وأخرى ترفيهية مما احتواه البيت وبأشكال جديدة بمشاركة الأسرة، كأن تساعد البنات الأمهات في الأعمال المنزلية من تنظيف وترتيب وإعداد للوجبات، ويقوم الأبناء بمساعدة الآباء، وهي فرصة لهم للاعتماد على الذات وتلبية طلباتهم بأنفسهم بدل الاعتماد الكلي على الأهل.
و إلى جانب ذلك يجري تعليم الأبناء والبنات حفظ القرآن، وإعطاء جدول لمتابعة دروس السيرة وأمور الفقه التي تبثّ على شاشات التلفاز بمواعيد محددة للتعويض على عدم قدرة الطلبة على متابعتها في المساجد، وهكذا.
داعية شاملة:
وكان من اللافت للنظر أيضا تحول نشاطات الداعيات إلى نشاطات مجتمعية فاعلة باتت قدوة لبقية النساء في فلسطين، خصوصًا أن الكثير من الجهود العملية المبذولة كانت متأقلمة مع تطورات الانتفاضة، خصوصا فيما يتعلق بالعمل على مساعدة العائلات المعوزة، ومساندة أهالي الشهداء والجرحى، وأصحاب البيوت المهدمة واستضافتهم، وتوزيع المعونات المقدمة من دول العالم المختلفة للفلسطينيين، وهي نشاطات برزت بقوة مع تطور الانتفاضة.
وبذلك أصبحت الداعية العاملة قدوة بنفسها، وهو ما ضاعف من دورها في المجتمع الفلسطيني، فأصبحت تجمع ما بين أكثر من تخصص إلى جانب الدور السابق في إعطاء الإرشادات والدروس والمشاركة في المهرجانات الإسلامية وغيرها.
الإنترنت أسلوب الدعوة الجديد:
أما الفكرة الخلاقة الأخرى فكانت التنامي الواسع في استخدام الإنترنت ليس فقط في مجال التواصل الاجتماعي بين العائلات المتقطعة الأوصال، بل أيضا في المجال الدعوي؛ حيث توزع مأثورات دعوية أو نصائح أو دروسا دينية، وخاصة محاضرات الداعية الإسلامي عمرو خالد.
و قد أقام العديد من الدعاة خلال الانتفاضة مواقع خاصة بهم يعرّفون من خلالها على الإسلام، وعلى كيفية قضاء الأوقات في داخل البيوت بشكل مثمر وليس فقط بقضاء الوقت في مشاهدة التلفاز أو في لعب الورق.
فضة: الداعيات تطورن كثيرا:
وترى ماجدة فضة إحدى مسؤولات العمل النسائي، أن الخطاب الدعوي النسائي في فلسطين تطور تطورًا كبيرًا، وصارت المحاضرات الدينية تناقش كل أمور المرأة المسلمة والتحديات التي تواجهها.
وتضيف فضة: الخطاب الدعوي النسوي تجاوز إشكالية الوعظ والخطاب المبهم؛ حيث لم يبق وعظيًا خطابيًا فقط وإنما أصبح خطابا سهلاً مبسطًا يخاطب جميع الفئات والشرائح، خصوصا أن هناك بعض النسوة اللاتي ممن يحضرن هذه المحاضرات لم ينلن نصيبهن من التعليم، وبعضهن لم يتجاوز تعليمهن المرحلة المتوسطة.
و تشدد فضة على أهمية المحاضرات الدينية النسائية حتى إن كانت داخل البيوت، وترى أن الإقبال عليها جيد جدًا وتستدل على ذلك بعدة أمور:
أولاً: أن فئة كبيرة من النساء والفتيات يبحثن عن مكان هذه المحاضرات وفي أي بيت تكون، ويحرصن على الحضور والتجاوب معها، ولعل في الإقبال على المحاضرات دليلاً على أهميتها.
ثانيًا: حرص القائمات على تنظيم هذه الدروس على الإعداد الجيد لها من خلال حسن اختيار المواضيع التي تتناسق والواقع القائم.
ثالثًا: إصرار الأمهات اللاتي يحضرن المحاضرات على اصطحاب بناتهن معهن للاستفادة.
رابعًا: التفاعل مع المحاضرات والتجاوب مع دعوات التبرع أو المساعدة في أعمال الخير؛ فالمعروف أن النساء أكرم من الرجال في التبرع والمساهمة في أفعال الخير، ولو كان ذلك بأمور رمزية مثل الدعوة إلى كفالة يتيم، إطعام جائع، المساهمة في بناء مسجد... إلخ.
ولذلك تنصح فضة بالاهتمام بطريقة تقديم هذه المحاضرات، ومراعاة التعبير والتجديد في أسلوب التناول للقضايا، وعدم التركيزعلى النمط السائد، والذي يعتمد على التقليدية في أسلوب الخطابة الذي يتسم بالألفاظ الصعبة التي لا يفهمها كل الناس.
وأكدت فضة أن دروس الداعيات خلال الانتفاضة نجحت في إشعال فتيل حب الجهاد والشهادة وفضله وجزاءه، والسعي إليه في نفوس الفتيات، مدللة على ذلك بوجود ست استشهاديات فلسطينيات وحوالي 35 معتقلة أمنية في سجون الاحتلال، وما كان هذا ليتم إلا بفضل زرع روح الجهاد من قبل الداعيات، وهو سبب تركيز الجنود الإسرائيليين على المساجد ودور ومراكز تحفيظ القرآن الكريم خلال الانتفاضة؛ حيث تم تدمير عدد كبير منها.
وأضافت أن تركيز الداعيات على الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية خلال الانتفاضة؛ حيث الدعوة إلى التقشف والتكافل والتضامن الاجتماعي، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي كانت تملأ السوق الفلسطيني، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للدول المناصرة لإسرائيل، وقد لقيت هذه الدعوات تجاوبا كبيرا من قبل ربات البيوت؛ حتى إن أصناف المنتجات الإسرائيلية التي كانت تملأ المحلات التجارية في الأراضي الفلسطينية باتت شبه معدومة.
كاتب المقال: مها عبد الهادي
=============
نجاح فكرة صاحبة الفكرة ..
الداعية سمية رمضان- خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وحاصلة على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية ودار القرآن الكريم بمرحلتيه بالكويت، وليسانس أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن من جامعة الأزهر، مارست الدعوة لمدة 22 عامًا تجولت خلالها بالمحاضرات والدروس في مصر وألمانيا ولندن والبحرين والكويت والسعودية، وهي أول داعية على مستوى العالم الإسلامي تضع منهجًا دعويًا في كيفية التحرك العملي بالقرآن الكريم.
الفكرة .. كما قالت عنها صاحبتها:(7/166)
هي دعوة عملية للتعامل مع القرآن العظيم بشكل تطبيقي وبنظرة تغير كل شيء في حياتنا لما يحب الله ويرضى، دعوة لنعيش جنة الدنيا، فنتعامل مع آيات القرآن الكريم بشكل عملي تطبيقي، فلا نكتفي بمجرد تلاوته ثم حبس آياته بعد ذلك بين دفتي المصحف، دعوة لإخراج الآيات لتثير القلب فينبض بها، فتتحرك بها الجوارح.
أي: نتحرك بالقرآن، فعندها سيكون كتاب الله ربيعاً للقلب وذهاباً للهم وجلاء للحزن.
بداية الفكرة ..تقول سمية رمضان:
ظللت عشر سنوات أعطي درس التفسير في المسجد بالطريقة التقليدية حتى غابت أخت عن المسجد، وعلمتُ منها أنَّ زوجها منعها، وعندما سألته قال إنَّ المسجد لم يغير فيها شيئًا، فكانت نقطة الانطلاق لتغيير أسلوبي الدعوي، فبدأت أتحدث عن القرآن المتحرك بأجسادِ الناس وقلوبهم وليس النظري على ألسنتهم والمحفوظ في مكتباتهم، فالقرآن يفتحه الناس ويقرؤنه ثم يحبسون الآيات بين دفتي المصحف ويحبسون المصحف في المكتبة، فحاولت أن آخذها من المصحف وأجعلها في القلوب تتحرك بها الجوارح، فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- قرآنًا متحركًا.
كيف نجح التحرك العملي بالقرآن:
تم ذلك عبر تجارب حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجارب ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
تروي إحدى الأخوات تجربتها مع بر الوالدين للداعية سمية فتقول:
"إني وحيدة أمي وأبي ولذا فهما يقومان برعايتي على أفضل ما يكون ويلبيان لي كل ما أطلب، وكانت الأمور تسير على ما يرام ونحن نعيش الدنيا بكل ما فيها حرامها وحلالها، حتى أكرمني الله بلقائكن، فكأن الدنيا أرادت أن تطلعني على أحلى ما فيها وهو القرآن، وبمعنى آخر أصبحت هناك متعة كبيرة أن أستسلم للآية فتتحرك من خلالي ويتعرف الناس عليها من تصرفاتي وأفعالي، وبدأت المشكلات الكبيرة بيني وبين والديَّ، فهما يريدانني أن آخذ من الدنيا ما يتصوران أن فيه سعادتي، فلا بد من مصاحبتهما إلى النادي وليس هناك مانع من مصادقة الفتيان، ويطلبان مني ممارسة الألعاب الرياضية وارتداء الثياب غير اللائقة لأحوز على إعجاب الجميع، ولابد من مشاركتي في الألعاب الرياضية وكأنني أؤدي هذه الألعاب وهذه الحركات ليراني الفتيان بكل أوضاعي، وقد ظهر من جسمي بسبب تلك الملابس أكثر مما خفي، لابد لي من مصاحبتهما إلى المسرحيات مهما كانت مبتذلة وهابطة، بالطبع بعض ما ذكرت لكم يتنافى تماماً مع ما تدعونا إليه هذه الآيات الكريمة. في بداية الأمر صرخت في وجههما، وكنت أدخل حجرتي وقد أغلقت بابي دونهما، وألقاهما بوجه متجهم عابس، وكنت متصورة أن ما أفعله هو قمة الطاعة لله، فهو جهاد كما كنت أتصور، ولكني عندما أردت أن أتحرك بقول الرحمن: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما)، تغير الوضع تماماً فقد حلت الابتسامة بدلاً من العبوس، وفتحت بابي وجلست معهما أتكلم بلطف وود ظاهر لهما، بل وأحاول تقديم العون لهما برحمة، بل بدأت أشكرهما على ما بذلا من أجلي طوال هذه السنوات، وأحاول أن أعرض عن اندهاشهما وكأني لا أرى إلا تطبيق الآية الكريمة، ورويداً رويداً بدأت أطلعهما على صديقاتي الجدد: فهذا الفعل يرضي الله في قوله تعالى كذا، وهذا التحرك يرضي الله في قوله تعالى كذا.
وجدت أمي وقد تأثرت كثيراً بقولي بل وطلبت مني المزيد، وقد لاحظت على قسمات وجهها مدى التأثر والندم على ما فاتها، وهذه هي أمي معنا الآن".
=============
نجاح على أرض الوطن
مخطئ من يظن أن خدمة الإسلام متعلقة بالصين أو بالهند بينما ما تزال الدعوة في داخل البلاد تحتاج لبذل وعطاء ...
هذا ما تترجمة تجربة الداعية الدكتورة الجوهرة المبارك في مجال الدعوة في الداخل، وما لاقته من نجاح كان الدليل الأمثل على ذلك..
حيث تقول : رأينا العجب العجاب من الجهل في أمور لاغنى عنها في الدين، مثل الصلاة والطهارة حتى إنك لاتصدق أنك في بلاد الحرمين، فرأينا من عمرها سبعين سنة وتجمع الصلاتين بلاعذرلجهلها بأحكام الجمع، ورأينا من الفتيات من بلغت 15سنة وهي لم تتحجب بعد بل وتخالط أبناء الأعمام وأزواج الأخوات معتقدين أن ذلك جائزومشروع، وحينما أوردت عليهم قول النبي صلى الله علية وسلم: (الحمو الموت) متفق عليه, أجابوني بأنهم لأول مرة يسمعون هدا الحديث.
وحينما سألناها عن الأسلوب الذي تتبعه أثناء ممارستها للدعوة هناك قالت: قرأت قول الله عز وجل: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا علية فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين (26) فقربه إليهم فقال ألا تأكلون(27)) سورة الذاريات.
فعلمت أن إبراهيم علية السلام حينما أنكر القوم اتبع سبيل الإحسان إليهم لتأليف قلوبهم، فاتبعت ذلك السبيل وتحليت بالبسمة الصادقة وتعاهدت الهدية واكتسيت بالأهم وهو الخلق الحسن فهذه من مفاتيح القلوب، وكنت في البداية أقترح عليم إحضار وجبة العشاء، وفي بعض الأحيان أقترح عليهم إحضار المشروبات مع بعض الأطعمة الخفيفة، وأسأل عن أحوالهم وأهتم بهم فرزقني الله محبة بعضنا البعض خصوصاً حينما رأوني أتيت لهم ولم ابتغ وراء ذلك مقابلاً مادياً بل كان الدافع تبليغ دعوة الله والإشفاق عليهم، يقول تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا) سورة الإنسان آية(9 ).
أما عن تقبلهم للعلم والدعوة فحدثتنا قائلة :(7/167)
كان تقبلهم شديداً وحرصهم على التعلم واضح وملموس، بل إني حينما انتهيت من رحلتي وفارقتهم كان الحزن واضحا على محياهم حتى أنهم بكوا بُكاءً شديداً وعانقوني بشدة وطلبوا مني زيارتهم لاحقاً.
ومن هنا نتعلم أن النجاح الدعوي يتحقق بأبسط الصورمتى ما توفر الإخلاص لله عز وج
=============
عائلة النعيم والقرآن الكريم
في خطوة متميزة ورائدة أقامت عائلة النعيم بالأحساء بالمملكة العربية السعودية حفلاً لتكريم الحافظين للقرآن الكريم من أبناء العائلة، والذين بلغ عددهم اثنين وثلاثين حافظًا: ستة وعشرين من الذكور، وستة من الإناث.
ولزيادة هذا الإنجاز، سواء من ناحية عدد الحُفّاظ أو من ناحية الاهتمام بتكريمهم، كان لابد لنا من التعرف على نماذج من هؤلاء الحفّاظ للتعرف على تجربتهم.
وكان هذا اللقاء مع كل من:
الأستاذ عبد اللطيف النعيم : وهو حاصل على بكالوريوس إدارة أعمال، ويعمل موظفًا بشركة الاتصالات السعودية.
والأستاذ رائد بن صالح النعيم : ويعمل مدرسًا.
والأستاذ أحمد عبد اللطيف النعيم : ويعمل مدرسًا أيضًا.
وهم ممن منَّ الله عليهم بحفظ كتابه الكريم.
كيف كانت بدايتكم مع القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كانت بدايتي مع القرآن الكريم في عام 1407هـ، وكنت وقتها أبلغ من العمر خمسا وعشرين عامًا، حيث كانت لدي الرغبة في الحفظ، ولكن ينقصها التوجيه والمؤازرة، حتى هيّأ الله لي الشيخ ناصر النعيم -حفظه الله-، إذ آزرني وشجعني ولازمني في حلقة مسجد الخلف، حتى جعلني أشعر بأن القرآن والحلقة جزء مني لا يمكن التنازل عن وقتهما بأي حال من الأحوال، وقد منّ الله عليّ بأن أتممت حفظ القرآن الكريم خلال سنتين ونصف، أي عام 1410هـ.
أما الأستاذ رائد فيقول: كانت بدايتي بأن درست في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية، ثم التحقت على فترات متقطعة بحلقات التحفيظ في المساجد، وفي هذه المرحلة حفظت تقريباً عشرة أجزاء، ولكن كانت بدايتي الفعلية في المرحلة الجامعية، حيث أتممت الحفظ فيها.
ولكن الأستاذ أحمد عبد اللطيف كان قد بدأ رحلته مع القرآن الكريم صغيرًا، فيقول: بدأتُ مع القرآن الكريم منذ أن كان عمري سبع سنوات، فقد كنت أحب تلاوة القرآن وكنت أتلوه أكثر عندما أذهب إلى المسجد مبكرًا لأداء الصلاة، وكذلك كنت أتلوه كثيراً عندما أذهب مبكرًا لأداء صلاة الجمعة.. فقد كنتُ أتلو -بفضل الله- أكثر من جزء، واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى المرحلة المتوسطة، وكنت باستمرار أتلو من أول الفاتحة إلى الناس حتى التحقت بحلقة الشيخ عبد الله بن صالح الملحم في مسجد النويحل بعد صلاة العشاء، وقد مكثت فيها نحو ثلاث سنوات إلى أن التحقت بكلية إعداد المعلمين بعد المرحلة المتوسطة، وقد حفظت أثناء دراستي أربعة أجزاء فقط مع استمراري في التلاوة، وبعد أن تخرجت من الكلية أتممت الحفظ الذي استغرق ثلاث سنوات، وكنت خلال هذه السنوات الثلاث مع الشيخ الفاضل خالد بن محمد المغربي، وقبل أن أبدأ في الحفظ كان ينصحني دائمًا بأن أخلص النية لله في الحفظ.
ما المنهج الذي اتبعتموه لإتمام حفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كان البرنامج مكثفًا في بداية الحفظ، وذلك باستغلال العزيمة الموجودة لديّ، وخاصة في الأجزاء الثلاثة الأولى، حيث كنت أحفظ كل أسبوع جزءًا بعد قراءته على الشيخ، وأراجعه يوم السبت من الأسبوع الذي بعده.
أما الأجزاء الأخرى، من الرابع فما فوق فكنت أقرأ ثًُمنَيْن أو أكثر نظراً ثم أُسَمِّعهُ خلال الأسبوع، ومع بداية الأسبوع الذي يليه (يوم السبت) تكون مراجعة لحفظ الأسبوع المنصرم ومراجعة جزء من الأجزاء المحفوظة، ومع بداية كل شهر يكون هناك أسبوع لمراجعة الحفظ بأكمله.
ويقول الأستاذ رائد: الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، وأخصُّ منها حلقتي المفضلة وهي حلقة الشيخ سليمان بن إبراهيم الحصين -حفظه الله- بجامع الخزان، كما أني التزمت سماع أشرطة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام -حفظه الله - .
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيف؛ فيقول: كنت أحفظ مع الشيخ ثلاثة أيام في الأسبوع وبقية الأيام كنت أراجع وأحفظ الجزء الجديد، حتى إذا انتهت الأيام الأربعة كنت قد حفظت الآيات التي سأسمّعها في الأيام الثلاثة، وهكذا إلى أن أتممت الحفظ في هذه السنوات الثلاث، وهذا هو البرنامج الذي اتبعته لإتمام حفظ القرآن الكريم.
كثيرًا ما يحفظ البعض القرآن أو بعضًا منه ثم يتفلّت ما حفظه، كيف تتغلبون على هذه المشكلة؟
يقول الأستاذ/ عبد اللطيف: إن أفضل طريقة لتثبيت الحفظ هي المراجعة المستمرة. ويوافقه في ذلك الأستاذ أحمد، ويضيف الأستاذ رائد على ذلك: الهمّة العالية ومصاحبة من يعين على الحفظ؛ فالقرين بالمقارن يقتدي والالتزام بشيخ معين تكرر عليه عرضات القرآن الكريم.
في ظل وجود وسائل اللهو الحديثة المتعددة والمنوعة كيف يمكن لأبنائنا التركيز وحفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ /عبد اللطيف: في ظل هذه الظروف يجب إلحاق الأبناء بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومتابعتهم، وكذلك استغلال وسائل أخرى في تثبيت الحفظ مثل الحاسب الآلي.
- ويقول الأستاذ رائد: إنه لابد أن يكون هناك وقت محدد للهو واللعب المباح، ولكن على الوالدين أن يكونا يقظين في صرف هذه الشواغل عن أبنائهم وأن يقدموا لهم الحوافز التي تشجعهم على حفظ القرآن وتخصيص وقت معين لذلك.
يزعم البعض أن الانشغال بحفظ القرآن الكريم قد يؤثّر على التحصيل العلمي للطلاب.. هل في القول شيء من الحقيقة؟ وكيف نردّ على هؤلاء؟(7/168)
يقول الأستاذ /عبد اللطيف: إن هذا القول لا يمتُّ إلى الواقع بصلة؛ فقد أثبتت التجارب أن حفظ كتاب الله يساعد كثيرًا في توسيع مدارك الطلاب لحفظ المواد الأخرى، كما أن حفّاظ كتاب الله غالبًا مايكونون متفوقين علميًّا إلا القليل النادر.
ويؤكد الأستاذ رائد على نفس المعنى فيقول: أبدًا.. فهذا القول عارٍ من الصّحة؛ بل إنّ القرآن هو مفتاح التحصيل العلمي للطلاب، وقد عملت دراسة لطلاب تحفيظ القرآن؛ فكانت النتيجة أنهم أكثر تفوقًا من غيرهم من طلاب المدارس العامة، وما ذلك إلا لأن حفظ القرآن سبب في زيادة التحصيل العلمي لدى الطلاب. وأذكر أني في دراستي الجامعية إذا خرجت من قاعة الدراسة أشتاق كثيراً لحفظ شيء قبل فترة الغداء وبعدها أذاكر دروسي؛ وهذا لا يتعارض مع التفوق الدراسيّ.
المرأة (الأم والزوجة).. هل لها دور في المساعدة على حفظ القرآن الكريم؟ وما هو؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم.. إن المرأة في المنزل وخاصة الأم أو الزوجة لها دور كبير وذلك في تهيئتها الجو المناسب، وعدم إشغال الابن أو الزوج في الأوقات التي يخصصها للحفظ أو المراجعة اليومية، فلها أثر كبير في هذا المجال.
ويضيف الأستاذ رائد: نعم لها دور مؤثر فالأم خير معين لولدها على حفظ القرآن، وهي تهيّئ الدوافع النفسيّة له وخاصة بالدعاء أمامه الذي يشعره باهتمامها باستمراره في حفظه ومراجعته، والزوجة أيضًا لها دور كبير، فهي توفر لزوجها سبل الراحة التي تعينه على إنجاز أهدافه في الحفظ والمراجعة.
جاء في الأثر: (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن) هل لهذا القول واقع في حياتك؟.
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم لقد كان لحفظي لكتاب الله أثر كبير في حياتي، فقبل أن أختم القرآن أصبحت إمام مسجد - ولله الحمد- ثم توالى الخير بعد ذلك، وأدعو الله أن أخلص له النية ليكون شفيعًا لي يوم القيامة ورِفعة لي في الدنيا والآخرة.
نصيحة تقدمونها لمن أراد حفظ القرآن الكريم؟
يؤكد الأستاذ عبد اللطيف أنه لمن أراد الحفظ أنّ الأمر ميسر له ولله الحمد؛ فقد قال تعالى: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر:17] فلا يحتاج إلا إلى العزيمة الصادقة، والجهد اليسير المستمر وإخلاص النية لله تعالى.
ويقول الأستاذ رائد: الله الله بالهمة العالية في حفظ كتاب الله الكريم، وتذكّر أنه نور لك في الدنيا والآخرة، وأنك سَتُتَوِّج والِدَيكَ بتاجِ الوقار، الياقوتة الواحدة خير من الدنيا وما فيها.. فكيف بك أنت يا مَن حفظت الكتاب في صدرك ماذا أعد الله لك؟! فأخلص في عملك تجد توفيقا من ربك، ولا بد أن تحمل هذا الهمّ في نفسك وتنقله لغيرك والله في عونك.
ويوصي الأستاذ أحمد من أراد الحفظ بتقوى الله تعالى، وأن يحفظ القرآن ويعمل به، وأن يكثر من تلاوته نظرًا؛ لأنّ ذلك يساعد على حفظه.
ونصيحة أخرى تقدمونها لمن أتم حفظ القرآن الكريم؟
ويوصي الأستاذ عبد اللطيف من أتمّ الحفظ بأن أفضل وسيلة لتثبيت الحفظ هي المراجعة المستمرة، والتي لا تقل عن مرة واحدة في الشهر في أضعف الحالات، ثم العمل به ليكون حجة لك يوم القيامة.
ويُذكّر الأستاذ رائد حَفَظَة كتاب الله بأن يشكروا نعمة ربهم وليتذكروا قول الحق سبحانه: ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس:58] وقوله سبحانه: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل:53] واجعله – يا أخي - حجة لك لا عليك يوم تلقاه.
وأقول :عاهد نفسك بالمراجعة الجادّة اليومية، وتذكّر أنّ أناسا كثيرين قد حُرموا من حفظ القرآن، وقد سيطرت عليهم هموم الدنيا ومشاغلها وأنت قد هيأ الله لك ذلك؛ فاحمد الله على ذلك...
كما لا تنسَ أن تدعو لمن تسبب في حفظك للقرآن سواءً الوالدين أو المشايخ الذين درَّسوك وحفظوك فلهم حق الدعاء في هذا الفضل الذي حصلت عليه.
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيف فيختم كلامه بنصيحة يقول فيها:
نصيحتي لمن حفظ القرآن وأراد أن يحافظ عليه ويعمل به إلى الممات، أن يكثر من مراجعته، وأن يجعل له ورد ا يوميا بأن يقرأ كل يوم جزأين، وأن يلزم نفسه بذلك . وأخيرًا أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، ويجعله أنيسنا في قبورنا، ونورا لنا في طريقنا إلى الجنة.
كاتب المقال: تحقيق: عز الدين فرحات
================
المذيعة كامليا العربي .. قصة نجاح وهداية
تصاعدت ظاهرة الحجاب في الوطن العربي في العقود الأخيرة، ويمكن إرجاع ذلك إلى كثير من العوامل الثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من تعدد أنماط الحجاب، من الحجاب الأنيق عند نساء الطبقات الميسورة والوسطى، أو الحجاب المعتاد «غطاء الرأس الذي يخفي الشعر» عند الطبقات الشعبية، أو على الصورة التي عرفت بالخمار، أو بالأخرى التي عرفت بالنقاب إلا أنه يشير إلى تأثر نسبة كبيرة من النساء بالمناخ الذي أصبح سائداً، وهو ما أسماه البعض بحالة الأسلمة.(7/169)
وبصرف النظر عن أسباب سيادة هذا المناخ سواء كانت في نفاذ دعاية التيار الإسلامي، أو في مزايدة البعض في سباق الهوية الإسلامية، أو في الفراغ الناجم عن سقوط المشروع القومي بطموحاته العلمانية الكبرى، أو في اللجوء إلى شكل من أشكال التحصن بالذات في مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تدور حولهن بسرعة رهيبة، إلا أنه أصبح سائداً وفقاً لإجماع كثير من المحللين، وفي كل الأحوال يمكن أن نتوقع في هذا المناخ زيادة اتجاه من لديهن الاستعداد للانخراط في العمل الأهلي ـوخاصة من الطبقات الميسورة ـ إلى الجمعيات الإسلامية.
هذا المناخ كان مناسباً لانتشار ما سمي بتوبة الفنانات أو حجاب الفنانات، وتوجد نماذج كثيرة من هؤلاء الفنانات قد تفرغن بعد اعتزال العمل الفني إلى إنشاء جمعيات أهلية نسائية إسلامية أو التحقن بجمعيات موجودة فقدمن لها الدعم المالي والأدبي والإعلامي.
من الأمثلة على هذا النشاط دار الرعاية للأيتام في المعادي، والذي تعمل فيه السيدة كاميليا العربي المذيعة السابقة بالتليفزيون المصري.
تعتبر كاميليا العربي من أوائل العاملين في حقل الإعلام، واللاتي اعتنقن هذا الاتجاه، وقد رفض المسؤولون بالتلفزيون ظهورها على المشاهدين في زي الحجاب، الشئ الذي أدى بها إلى تقديم استقالتها، وهي تقول إنها بعد استقالتها كان لها نشاط كبير خارج المنزل -في المساجد- حتى هداها الله إلى دار رعاية الأيتام الإسلامية، وأصبحت لأيتام الدار بمثابة الأم.
قصة هداية :
تقول كاميليا العربي: إنها عاشت منذ صغرها تحلم بالعمل كمذيعة للتليفزيون.. وعندما تحقق الحلم اختارت برامج الأطفال.. وتصورت أنها أسعد إنسانة في العالم..
تقول: إنني كنت أشعر دائماً أن هناك شيئاً في صدري، وعندما اعتزلت زوجة شقيقي هناء ثروت الفن وارتدت الحجاب تأثرت كثيراً، ولكن الشيطان اللعين ظل يطاردني وأبعدت فكرة الحجاب، وفي أول أيام شهر رمضان الكريم ذهبت إلى الكوافير كعادتي، واتفقت معه على اختيار التسريحة والمكياج المناسبين، ثم عدت إلى منزلي وفتحت الدولاب لاختيار الملابس، وفجأة شعرت بحالة من الضيق والأرق فتوضأت وصليت ركعتين، وأنا أدعو الله عز وجل وجدت نفسي أبكي بشدة، ثم نظرت لنفسي في المرآة وبكيت كما لم أبك من قبل، وأمسكت بكتاب الله وقرأت سورة النور وارتديت الزي الإسلامي..
ولا تتصوري مدى السعادة التي قابلتني بها الأسرة بعد ارتدائي الخمار.. وفي اليوم التالي ذهبت إلى مبنى التليفزيون وللأسف وجدت المسؤولين يمنعونني من الظهور في البرامج، وحاولت إقناع رئيس التليفزيون في ذلك الوقت أن الحجاب لن يؤثر على تقديمي للبرامج، وخاصة أنني أعددت أفكاراً لتنفيذ برامج دينية للأطفال، وما إن أعلنت موقفي حتى أُعلنت الحرب عليّ، حيث وجدت مذيعات التليفزيون يسخرن مني، كما رددن بعض الألفاظ الجارحة، ولكني لم أستمع لأحد ولم يكن أمامي سوى تقديم استقالتي.
وحاولت كثيراً العودة لبرامج التليفزيون مرة أخرى، وفي كل مرة يقولون اخلعي الحجاب حتى تستطيعي تقديم البرامج التي تحلمين بها، ولكنني رفضت بشدة وقلت لهم اتقوا الله في أنفسكم لا أريد التليفزيون.
جمعية أحباب الله:
تقول كاميليا العربي عن جمعية عباد الرحمن التي أنشأتها في ضاحية المعادي: بأنها جمعية علم وعمل.. رحمة وتراحم.. عطاء وفداء.. سألنا الله العون فكان لنا خير معين.. وكان لنا السلوى من آلام السنين.. جمعية أحباب الله " نور على نور" شعارنا فيها من هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي بإذن الله.
وتتنوع أنشطة الجمعية حتى تشمل كل أنواع الخير والبر: من كفالة اليتيم، وتقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء لأكثر من 1500 أسرة، بالإضافة إلى المساعدات الموسمية والشهرية، وتسهيل عملية الحج والعمرة لغير القادرين، وتقديم المساعدات المالية لطلبة وطالبات المدارس والجامعات غير القادرين، ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، ومساعدة الأرامل ودورتحفيظ القرآن، وإقامة الندوات الثقافية والدينية هذا بالإضافة إلى الكثير والكثير، فهيا بنا نقلب الصفحات عبر ما حققته جمعيتنا.
وتدخل ضمن الجمعية: دار أحباب الله: وهي تضم أكثر من 300 طفل يتيم، يتوفر لذلك الطفل كل مقومات الحياة ليعيش كطفل طبيعي، يخرج غداً للمجتمع سوي يعطي أكثرمما يأخذ.
ولقد وفرت الجمعية كلاً من: المسكن والمأكل والمشرب والمدارس الرفيعة المستوى التى ألحقت بهم أطفالها. كما تنظم الجمعية رحلات ترفيهية.
هذا وقد أمنت الجمعية مستقبل هؤلاء الأطفال، ففتحت لكل طفل دفتر توفير بنكي، حتى إذا ما شب الطفل وجد ما يعينه على مواجهة الحياة، بل تقف الجمعية بجانب أولادها بتوفير مسكن لكل منهم لتكون بيت الزوجية المقبل.
ويدخل ضمن الجمعية بيت الحب الأصيل وهو أول بيت يضم كبار السن من النساء فقط، حيث المكان معد خصيصاً" لاستقبال جميع الحالات لأمهاتنا وجداتنا، حيث يجدن الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية.
المكان يعتبر فندق خمس نجوم، الخدمة متميزة والغرف مجهزة بحيث تنقسم إلى ثلاث أقسام، فهناك الغرف الفردية والمزدوجة والثلاثية، والإقامة بالبيت بالوجبات الثلاثة، كما يقدم البيت للنزيلات المسابقات والرحلات والندوات الثقافية والدينية وحفلات السمر، كما زود المكان بالعيادات المختلفة لخدمة أمهاتنا، كما أنه يوجد أيضاً مركز صحي يضم الجيمانزيوم والأيروبكس والطب الطبيعي.(7/170)
ويوجد أيضاً مركز أحباب الله الطبي التخصصي ويضم المركز جميع التخصصات ويشرف عليه أطباء على أعلى مستوى، وبالمركز عيادات الباطنية والأطفال والرمد، إلى جانب الأسنان والنساء والتوليد، أما الاستقبال فهو يعمل طوال الأربع والعشرين ساعة فى استقبال جميع الحالات السريعة والحرجة، كما يوجد في نفس المكان صيدلية تعمل على راحة أهالي المنطقة والنزيلات الكريمات، لتوفير العلاج المناسب في الوقت المناسب وبالسعر المناسب لجميع الحالات.
من الصفر للمليون جنيه:
بدأت تجربة كاميليا العربي بكفالة خمسة أيتام في حجرة صغيرة، وتقول كاميليا: في هذا الموضوع قصة غريبة؛ إذ خرجت مع أحد السماسرة للبحث عن الحجرة؛ حيث الأسعار المرتفعة في حي المعادي بمصر، وفي أثناء البحث يقول لها السمسار على سبيل الدعابة: هذه فيلا تباع بمليون جنيه، هل تستطيعين شراءها؟! فأجابته: ولكن المشاهدة مجاناً.
وأخذت تتجول في الفيلا وترسم بها أحلامها، وقابلت مالك الفيلا وتحدثت معه، وسألته عن الثمن، وقال لها: مليون جنيه، فقالت له: وإن كانت لأيتام؟ فأجاب: أيضاً بمليون جنيه.
وتقول كاميليا: عند خروجي من الفيلا أحسست أنني سأشتريها، فأقسمت له إنني سأشتريها، فقال لي مالكها: "ما دام لديك هذا الإصرار، فأنا موافق، وسأتبرع لكي بـ 100 ألف جنيه سواء اشتريتها أم لا، ولكننا سنكتب عقداً لتدفعي مبلغاً، وفي خلال شهر تكملين المليون جنيه".
وتقول: "طرقت كل الأبواب وسافرت المحافظات، وجمعت المليون جنيه في شهر وثلاثة أيام، كنت أحلم بثلاثة أطفال، ورزقني الله بـ 300 طفل".
أسابيع وكانت المعجزة والبداية الضخمة لهذا العمل الضخم؛ فإشهار جمعية ليس بالعمل السهل -كما قالت- ولم تنكر السيدة كاميليا أن عملها السابق بالتلفزيون وتاريخ أسرتها ساعدها في هذا الجهاد الكبير، وتقول: "إن مصر بلد به كثير جداً من أهل الخير الذين ساعدوها حتى أكملت هذا العمل العظيم".
تشجيع أهل الخير:
وتقول كاميليا العربي إن تمويل الدار يتطلب مبلغاً ضخماً شهرياً؛ حيث يصل عدد الأطفال إلى 300 طفل، وهناك (300) عامل، وهو ما يستدعي توفير تكاليف الطعام والشراب والملابس والدراسة للأطفال، بالإضافة إلى المرتبات للعاملين.
وهذا كله يعود تحملُّه على أهل الخير؛ ففي البداية كنا نعتمد عليهم اعتماداً كلياً، ولكن بعد مرور سنتين من إنشاء الدار كانت هناك ضرورة لإنشاء الحضانة، ثم إنشاء المدرسة، ثم أنشأنا مشغلاً لملابس الأطفال والمدرسات والعاملات وبيعها خارج الدار؛ وذلك حتى نساهم في تمويلنا الذاتي، ولكن هذا لم يكفِ، ففكرت في إنشاء دار للمسنين، وبالفعل تم ذلك، ولكنها أيضاً لا تكفي؛ فهناك أشخاص بها غير قادرين على تحمل المصروفات، ولكننا نحاول أن نساعد في تمويلنا إلى جانب أهل الخير، وهم جميعًا من المصريين.
وتضيف: أن هناك نظاماً لكفالة الطفل، وهو حوالي 250 جنيهاً شهرياً، وهناك نظام للمساعدة في الكفالة بأي مبلغ، وتؤكد أن هذا كله ساعدها على السيطرة على هذا العدد الهائل داخل الدار، بالإضافة لما تتحمله الدار من كفالة بعض الأسرة الخارجية، وتقوم بدفع مصروفات الأطفال غير القادرين في المدارس وملابس الفتيات الجامعيات وشراء الكتب لهن، وشراء الأدوية، وخروج الإعانات العينية من مواد غذائية وملابس لغير المحتاجين، والمساعدة في العمليات، فهناك مستشفى تابع للجمعية.
((((((((((((((
الفهرس العام
الباب السابع – هندسة الدعوة
السعوديات قابضات على الجمر!!!
( ** نحو تغيير حقيقي لنفوسنا ** )
محاسبة النفس مع العام الهجري الجديد
فضل يوم عاشوراء..
( دعوة إلى التخطيط مع العام الهجري الجديد )
* مهارات التفوق والنجاح *
(دروس من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم)
( الداعية الصغيرة في مدارس البنات )
وراودته عن نفسه...!!
أنين لباس
حتى لاتغرق السفينة
المحرم
بين الشروق والغروب " يوم عرفة "
الدعوة في عيد الأضحى
وصايا للمرأة الحاجة
تفعيل الدور الدعوي للمرأة في الحج
فضل عشرة ذي الحجة
الدعوة في الحج ( خاص للداعيات ) : ج (1)
المرأة والحج
التئام الفجوة بين المرأة والدعوة
لمسة .. وكفى
أركض برجلك فوالله لن تعدو قدرك
عقبات في طريق المرأة الداعية
ملامح الدعوة إلى الله في المواقع النسائية :
في بناء الدعوة النسائية
أسرار وراء كلام البابا عن الإسلام ونبيّه
نساء لم ينسهن التاريخ
هذه أعيادنا
طرق ووسائل للدعوة في العيد
العيد وأثره التربوي
رمضان وتلاوة القرآن
هلاَّ فهمنا رمضان
رفقاً بأنفسكم فإنه رمضان
رمضانكم أيها الدعاة
وقفات حول الدعوة في رمضان
الدعوة مفتوحة.. فهل أنت مستعدة؟
أفكار دعوية للمدارس(1/2)
كوني داعية أينما كنت
تنسيق العمل الدعوي في مجال الدعوة الموجهة للمرأة
بين المواقع والمراكز والمكاتب الدعوية النسائية
الدعوية ودورها في تفعيل الدعوة النسائية
من صفات المرأة الداعية
الإعداد الذاتي للداعية
للدعاة: اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ
نحو برنامج عملي للدعوة بين الأقارب
كيف تكونين داعية ناجحة
مكانة المرأة في الإسلام ما لها وماعليها
توجيهات ونصائح للمرأة الداعية
همسات وإشارات للمرأة الداعية
المرأة والدعوة
بل من أجل الدعوة
نجاح داعية
الدعوة النسائية من خلال الجامعات و مدارس البنات
الدعوة النسائية من خلال مكاتب توعية الجاليات والمؤسسات الدعوية
الدعوة النسائية من خلال مدارس ودور تحفيظ القرآن النسائية
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد
دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب : مواقف وتجارب
كيف تكسب المدعوين؟
دعوية الحوار والتعاون مع الآخر(7/171)
مقترحات للعاملات في المكاتب الدعوية في المستشفيات
القدوة في الدعوة النسائية
نحو تنسيق أفضل في مجال الدعوة النسائية
أهمية الحكمة في الدعوة
الدعاة .. وفن احتواء الآخرين
للداعيات والمربيات . . عشر خطوات لبناء الثقة في نفسك
الدعوة الفردية .. بداية الطريق
وسائل وأفكار لدعوة النساء
كيف تستثمرين الحج دعوياً؟
كيف تكونين مشرفة حملة حج ناجحة ? ( 1/2 )
القدوة في حياة الداعية
أفكار ومقترحات للعيد ..
نحوَ يومِ عيدٍ متميِّزٍ (برامج دعوية)
بناء الفريق الفعال في العمل الدعوي
الدعوة العائلية 1-2
الدعوة العائلية
المرأة في رمضان
الدعوة والاجتماعات الأسرية
كيف تصنع رسالة دعوية ؟
أهمية الابتسامة في عمل الداعية
رسالة إلى أصحاب الوجوه العابسة !
كيف تضع برنامجاً ناجحاً للمدعوين ؟
حتى تخرج دعوتك من نطاق الفردية
دور المرأة المسلمة في العمل التطوعي
مشروع مسابقة القرآن الأسرية
أفكار دعوية للمرأة على الشبكة العنكبوتية
خطوات نحو الكتابة الراقية
صناعة الفكرة
الإقناع.. القوة المفقودة!
الباب السابع– قصة نجاح
سارة جوزيف .. من الشتات إلى الثبات ..
الكنز الحقيقي .. والزهراء .. ( أم خليل ) ..
من معلمة اللاهوت " ميري واتسون " إلى الداعية " خديجة " ..
الرحلة إلى النور .. الأخت الآيسلندية : آنا ليندا..
الدكتورة فاطمة عمر نصيف
قصة إسلام ابنة القسيس الفرنسي التي أصبحت داعية... شهيرة صلاح الدين
قصة إسلام ودعوة الأمريكية (شريفة كارلو)
السيدة الألمانية إيفا ماريا...
(نور العالم) نجاح في دعوة الأندونيسيات
الداعية الإسلامية زينب الغزالي.. 53 عاماً في الدعوة إلى الله.
جميلة الصينية..من ظلام الكنائس إلى نور المساجد
أميمة الجلاهمة: في الغربة قررت دراسة الإسلام!
أسلمت وعمرها 15 عاما وسلكت طريق الدعوة
( معاً لنضيء الكون ) فكرة تحولت لمؤسسة من الخير والعطاء
قصة إسلام دانمركية
فنانات ماليزيا يرتدين الحجاب.
مجلة أميركية جديدة تختص بقضايا النساء المسلمات في أميركا
الأستاذة ليلى كرموص..مسلمات سويسرا سبقن الرجال في الدعوة والتجارة!
مركز قطر.. نموذج للنجاح
تجارب ناجحة في الدعوة النسائية
الداعية الفلسطينية ... نجاح رغم القيود
نجاح فكرة صاحبة الفكرة ..
نجاح على أرض الوطن
عائلة النعيم والقرآن الكريم
المذيعة كامليا العربي .. قصة نجاح وهداية(7/172)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (8)
الباب الثامن - دراسات وخلاصات
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثامن - دراسات وخلاصات
183 وسيلة دعوية للمرأة المسلمة.
اسم الكاتب : عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم.
183 وسيلة دعوية للمرأة المسلمة
المقدمة:
إن الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأوجب الواجبات، بها يستقيم أمر الفرد ويصلح حال المجتمع. ولقد كان للمرأة المسلمة دور مبكر في الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين.
فهي أم الرجال وصانعة الأبطال ومربية الأجيال، لها من كنانة الخير سهام وفي سبيل الدعوة موطن ومقام. بجهدها يشرق أمل الأمة ويلوح فجره القريب.
وقد جمعت لها مائة وثلاث وثمانين سنبلة تقطف الأخت المسلمة زهرتها وتأخذ من رحيقها. فهي سنابل مخضرة وأرض يانعة غرستها أخت لها في الله حتى آتت أكلها واستقام عودها.
فألقي- أيتها الأخت المسلمة- رداء الكسل واستعيني بالله و استقبلي أيامك بالعزيمة والصبر. فإن أمامك غراس الآخرة فأري الله منك خيراً.
رزقني الله وإياك أصوب العمل وأخلصه، وجعل لنا من الأجر أتمه وأكمله.
سنبلة العام:
* مشروع دعوي يتكرر نهاية كل عام دراسي مرة واحدة، يتمثل في جمع أوراق الدفاتر المدرسية الزائدة عن الحاجة والتي لم تستعمل، وتجميعها وإعادة تغليفها بالورق المقوى. ليصبح لدينا بعد تجميع الأوراق دفتر جديد صالح للاستعمال.
في هذا المشروع البسيط ومن مدرسة واحدة في منطقة الدمام تم جمع أكثر من 4500 دفتر.
التكاليف محدودة جدا، دباسة وأوراق لاصقة توضع فوق غلاف الدفتر الجديد فيها معلومات عن الاسم والمدرسة والصف إضافة إلى الغلاف المقوى الخارجي.
وقد قامت إحدى الهيئات الخيرية بإرسال هذه الدفاتر إلى أنحاء المسلمين المحتاجين إليها.
سنبلة مشرقة:
* بدأنا بجمع مبالغ شهرية تصل إلى مائة ريال فقط، لم ينقص من أموالنا شيء ولا رأينا في ثيابنا قلة، استمر عملنا أشهراً متتابعة ونحن ندخر مائتي ريال شهرياً وندفعها لصالح الأعمال الإسلامية الخيرية.
بدأنا بإرسال رسائل إلى الخارج تحمل كتباَ في العقيدة بمعدل إرسال أسبوعي يقارب مائتي رسالة وأكثر من خمسين طرداً كبيراً يحوي أمهات الكتب إلى أنحاء العالم.
* لم يتجاوز عمرها السبعة عشر عاماً، تحمل هم الدعوة وهم الأمة تتحرق شوقاً لرفعة راية الإسلام ,همها منصرف للدعوة,حركة لا تهدأ فمن نصيحة رقيقة تهديها إلى إحدى زميلاتها إلى كلمة حلوة تدعو فيها لحفظ القرآن في مصلى المدرسة, إلى قوة في إنكار المنكر وعدم الصبر على رؤيته, أما المدرسات فلهن نصيب من دعوتها.
يوما أهمها أن ترى مديرة المدرسة لا تلبس الجوارب صعدت إليها وسلمت في أدب رفيع وشكرت المديرة على جهدها.
وقالت: نحن ندعو لك بظهر الغيب وأنت القدوة والمربية والموجهة، ثم تبعت ذلك، لا أراك تلبسين الجوارب وأنت تعلمين أن القدم عورة وخروجك ودخولك مع البوابة الرسمية عبر أعين الرجال يا أستاذتي الفاضلة.
طأطأت مديرة المدرسة رأسها وهي تعلم صدق نصيحة الفتاة فكان أن قبلت وشكرت, وقالت في نفسها إن الكلمة الصادقة لها رنين ووقع في النفس.
سنبلة الصحبة:
* أثر الصحبة عجيب! تأمل قول الله تعالى في سورة الكهف عندما رفع درجة الكلب برفقته للصالحين وذكره معهم: { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } ] سورة الكهف: 22[.
أما هي فعندما توفيت صديقتها فقد جعلت عمرة ابنها الصغير عن هذه الصديقة أما الأخرى فإن لسانها يلهج بالدعاء والرحمة لها.
* بدأنا طريق الهداية ونحن في المرحلة الجامعية ثلاث قريبات جمعتنا القرابة وزادت المقاعد الدراسية ذلك الحب والود, ثم تأصل كل ذلك محبة في الله.
بدأنا في جمع مبلغ بسيط من مرتباتنا في الجامعة به نشتري بعض الكتيبات والأشرطة, وعلى الرغم من قلة هذا المبلغ إلا أن الله بارك فيه ليشمل ما نوزعه جميع أقاربنا ومعارفنا, وبدأ ينضم إلينا بعض فتيات العائلة حتى تيسرت أمورنا ولم تعد المادة عائقا نحو شراء تلك الكتب والأشرطة.
* صاحبة طاعة وقيام ليل لا تترك النوافل، وعندما تحدث زميلاتها في المدرسة الثانوية تحث فيهن روح العمل :هيا نصلي, متى نعمل إذا كبرنا وأصبح الوقوف صعبا والركوع مشقة والسجود بجهد نحن في زمن النشاط والقوة هيا نعمل ونجد في الطاعة قبل أن يدركنا الموت أو تدب إلينا الأمراض والأسقام والأوجاع وقبل أن تكثر مسئولياتنا من زوج وأبناء.
* ثلاث زميلات في الجامعة تعاهدن على حفظ القرآن كاملا وكان بينهن اتصال مستمر مساء كل يوم لتسميع ما حفظن دقائق معدودة وفي نهاية الأسبوع يكون التسميع لبعض الآيات من أول السورة ووسطها وآخرها ليسترجعن ويتأكدن من حفظهن.
كانت النتيجة من هذا الخير في شهر ونصف حفظن سورة البقرة.
* طريق يومي تسلكه يتراوح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة إنه طريق الذهاب إلى الجامعة والعودة.
قررت أن تجعل هذا الوقت لقراءة كتيب نافع ومراجعة قراءة ما حفظته من كتاب الله.
سنبلة الحفيدة:
* مدارس كثيرة بها خيرة المعلمات علما ودعوة ونشاطاً، أما هي عندما عينت فإنها أرسلت إلى مدرسة تزخر بالمعلمات لكنهن نائمات فلا توجد محاضرات ولا دروس .
في البداية بدأت في التودد إلى المدرسات وقالت: هم أهم عندي الآن من الطالبات لأنهن داعيات خاملات آثرن الكسل والدعة فقط يحتجن إلى إيقاظ.
بدأت خطوات الإيقاظ بالكتاب والشريط والهدية حتى تحولت المدرسة إلى شعلة نشاط ومركز دعوة.(8/1)
* شرعت المعلمة في بيان أضرار السفر والفساد والانحلال في بلاد الكفر وعقبت بدعاء صادق: نسأل الله أن لا ندخلها ولا نذهب إليها.
ولم ينته الدعاء حتى تسلل من بين الصفوف صوت حمل هم الدعوة: نعم يا معلمة نسأل الله عز وجل ألا ندخلها إلا فاتحين!! لا فض الله فوك وجعلك وأبناءك من الفاتحين.
* تكد وتكدح للآخرة فمن محاضرات إلى ندوات إلى نصائح، كل عمل خير لها فيه نصيب.
وفي نهاية كل شهر ترسل راتبها كاملاً لأعمال الخير.
* اجتمعت معلمات المدرسة وقررن الدخول في (جمعية) مع بعض، وكل منهن تتحدث عما ستفعل بالمبلغ عندما تستلمه أما هي فصامتة تنتظر ذلك اليوم، حتى إذا استلمت المبلغ دفعت به لبناء مسجد لعله يصيبها الأجر والثواب.
سنبلة المرض:
* مرضت وأدخلت المستشفى وكان في ذلك خير كثير لها ولمن حولها، تحولت غرفتها إلى خلية نحل ونشاط متصل، بدأت بتوزيع كتب على الممرضات والطبيبات باللغات الأجنبية واتبعتها الأشرطة.
أما تلك المرأة الكبيرة في السن وليس لها نصيب من العلم فقد اشترت لها جهاز راديو بمبلغ عشرين ريالاً ووضعت المؤشر على إذاعة القرآن الكريم. ثم تشاورت مع طبيبة داعية وقررن وضع أرفف في ممرات قسم النساء ووضعن عليه كتباً صغيرة غالبها موجه للنساء.
*عندما رأت الطبيبة امرأة ممن امتشقهن الشيطان وهي تبرز مفاتنها وتحمل زهوراً لتقدمها لقريبتها. سألت الطبيبة مريضتها: من أين أتت عادة الزهور وكيف بدأنا نحرص على إحضارها لمرضانا رغم تكلفتها الباهظة؟
قالت المريضة: إنها التبعية والتقلب حتى في الزهور، نحن أمة نتبع التقليد الأعمى أرأيت في الصناعة لم نصنع قيد بعير أما في الزهور والموضة والأزياء فحدث ولا حرج.
سنبلة في مخيم:
* عندما أخبرني زوجي أن العائلة قررت إقامة مخيم خارج مدينتنا نمضي فيه أسبوعين كاملين.
قلت له: إننا سوف نمضي أسبوعين نبحر فيهما فوق المعاصي والمنكرات ندافع الذنوب مدافعة!
شد من أزري وشحذ همتي وقال: هل نتركهم للشيطان يستفزهم بخيله ورجله؟ ليس لك البقاء والله إنه باب دعوة مفتوح اطلبي ما شئت.
لم يستقر لي قرار حتى هاتفت داعية مجربة ما العمل؟
فأوصتني بالإخلاص وصدق النية والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ثم قالت: سارعي إلى الهدايا التي تحبب إليك الصغار وتفرحهم وهذا سينعكس على الكبار.
ابدئي بدعوة الكبيرات في السن وترقيق قلوبهن ثم عرجي على صاحبات القلوب الصافية والفطرة السليمة في الشابات وسترين ما يفرحك.
وجعلت الأيام الأولى للأطفال من توزيع الهدايا والمسابقات وقص بعض قصص الصحابة والتابعين عليهم ثم بدأت في مساء كل ليلة بدرس لحفظ القرآن.
فسبحان من يسر وجعل حتى الشابات يقتربن ليسمعن قصص الصحابة والتابعين وكانت المفاجأة أسبوع واحد فإذا بي في وسط جو يملأه الفرح والسرور حتى بعض الشابات بدأن بقيام الليل مع بداية الأسبوع الثاني.
سنبلة الدعوة:
* اقتطعت خمسمائة ريال شهرياً من مرتبها ليصرف في أوجه الخير. رأت ولاحظت ودققت ما نقص من مالها شيء يذكر، بل ادخرت هذا المبلغ ليوم تشخص فيه الأبصار.
* تساهم بالكتابة في الصحف والمجلات وتختار ما يناسب المرأة ويبعث فيها إيمانها ويزكي حياءها. ترد على الشبه وتشجع المبتدئين أصحاب الخط الواضح. كثير لا يعلم بعملها سوى صديقتها التي تناولها الرسائل ليبعث بها الأخ إلى البريد.
* سخرت قلمها لتحث وتشجع الكاتب والخطيب وغيرهم.
وإن علمت بملاحظة أو رأت نصحاً أو طرحاً جديداً أو أمراً مغفلا أرسلته ضمن اقتراحات وملاحظات.
* رأت أن ظاهرة التصوف بدأت تنتشر في بعض المجتمعات فكان أن هبت واشترت مجموعة كبيرة من الكتب التي توضح الصوفية وتبين أخطاءها.
ثم قامت بتوزيع تلك الكتيبات على أكثر الطالبات, وكان مع هذا الكتاب كتاب آخر عن حجاب المرأة المسلمة.
* كانت حاجزاً في وجه انتشار البدع في مجتمعها وجيرانها ومدرستها.
لديها مطويات تعيد تصويرها كل عام وتقوم بتوزيعها في زمن البدعة والاعتقاد بها، بدعة المولد وبدعة ليلة الإسراء وكذلك ليلة النصف من شعبان وغيرها من البدع.
* تفرغت للدعوة إلى الله وهي في عقر دارها.
تنسخ مئات من الأشرطة باللغة العربية من محاضرات ودروس وندوات لتوزعها على المتعطشات إلى العلم الشرعي.
كما أن لها نصيبا وافراً من نسخ الأشرطة باللغة الأندونسية والفلبينية, فللخادمات والسائقين والقادمين دعوة بالشريط، و لم يكلفها المشروع العملاق سوى القليل.
سنبلة الهوايات:
* لديها محبة وهواية لتربية الدجاج لكنها سخرت هذه الهواية لنفع المسلمين ونفع نفسها فكانت تتصدق باللحم على الفقراء وتبيع البيض الفائض على أحد المحلات وتتصدق بالمبلغ.
* هوايتها الطبخ ولكن سخرت ذلك لصالح الدعوة فهي في كل أسبوع تقوم بعمل نوع من الأكلات الخفيفة وترسل به إلى الجيران وترسل معه كتابا وشريطا.
* تحب الأعمال اليدوية. قالت: هذا كسب يدي أعمل بكلات وتيجانا للفتيات والصغار وأبيعها وأكفل أيتاما بذلك المبلغ.
* وهبني الله معرفة تامة لعمل المخلل وأتقنت هذا العمل وبرعت فيه وحينها فكرت أن أتوسع في هذا العمل وأبيعه على المعارف والجيران وأتصدق بثمنه.
* يسر الله لها عملا تجيده فهي تخيط شراشف الصلاة وسراويل الأطفال الطويلة ثم تبيعها وتتصدق بها.
* أما تلك المرأة المسنة فإنها تجيد عملا طيبا آخر وهو خلط أنواع البخور مع بعضها حتى تجعله على شكل كرات صغيرة يسمى "معمول " ثم تقوم ببيعه.
* إذا كان لديها وقت فراغ فإنها تقوم بتلخيص بعض الكتب في صفحات وتقرأها في مجالس النساء وتصورها وتوزعها برجاء الفائدة للجميع.(8/2)
* قامت بزراعة جزء من ساحة منزلها بأنواع الخضار والنباتات الموسمية وتوزيعها على فقراء الحي والجيران والأقارب.
* بدأت توجه صغارها نحو هم حمل الدعوة إلى الله، وقالت: نعودهم على نفع الإسلام والمسلمين منذ الصغر حتى يشبوا عن الطوق ونفوسهم رخيصة في سبيل الله.
* تشارك في تربية أبناء المسلمين وتعليمهم, إنهم أبناؤها, تتساءل أمنهم عالم الأمة أم هم من الرعاع؟
* تخدم أخاها وتقدم له ما يريد وتبحث عن راحته, وترفض أن تقوم الخادمة بتلك الأعمال, بل تحتسب كل عمل لوجه الله، أحبها واحترمها ودعا لها, وزادت المحبة والمودة لتلك الأخت البارة.
سنبلة الأبناء:
* جل حديثها عن ابنها لا يتجاوز صحته وسمنته, وماذا أكل وماذا شرب, وكم تعاني من السهر في حال اعتلال صحته, ولكنها ما ألقت بالا لتربيته ولا تحرت الصحبة الطيبة.
وأفاقت يوما فإذا بالطفل أصبح رجلا مكتنزا لحما وشحما كما أرادت يأكل ويشرب ويجلجل صوته في المجلس.
لكنه لا يصلي!
التفتت خلفها فإذا صغار أختها يؤدون الصلاة ويؤمهم ابن سبع سنين وقد حفظ أجزاء من القرآن، عندها تأكدت أنها لم تكن عرينا لأسود بل مزرعة للتسمين.
* تولي أبناءها عناية خاصة وترى أنهم عماد الأمة مستقبلا وهم أحفاد السلف الصالح.
تحتسب الأجر في تربيتهم وتدفعهم إلى المعالي, ترسخ في نفوسهم القيم الفاضلة, تروي لهم سيرة الرسول ودعوته وصبره ومعاناته وسيرة أصحابه والعلماء الأخيار حتى تغرس في نفوسهم الصافية محبة هذا الدين ومحبة حمل هذا الدين.
* قررت أن تعتذر عن بعض المناسبات حفاظا على صغارها من رؤية بعض المنكرات.
تعتذر وهي فرحة بما تقدم لأبنائها من جلوس في المنزل وبعد عن مالا تحب.
* حرصت على أن تحفظ ابنها من المزالق وتحميه من الانحراف وأن تكثر أمة محمد- صلى الله عليه وسلم - فدفعت بابنها إلى الزواج وهو في سن الثامنة عشرة.
سنبلة الصباح:
* فتحت منزلها للندوات والمحاضرات أسبوعيا، فكل أسبوع هناك درس تعده وتلقيه بتمكن وعلم وبين حين وآخر تستضيف داعية.
وبعد كل درس ومحاضرة تبدأ حركة البيع في ساحة منزلها, أشرطة وكتبا،وقفازات وشرابات, وريع ذلك كله لصالح الأيتام والفقراء وفي أوجه الخير الأخرى.
* صباح كل يوم قبل أن تبدأ في العمل داخل منزلها تقرأ صفحة من القرآن الكريم ثم تبدأ بعملها وهي ذاكرة مستغفرة.
* لا ترى إلا رافعة يديها إلى السماء تدعو للأمة بالهداية والرفعة والتمكين، تتحرى أوقات الإجابة وتلح في الدعاء وتتضرع إلى الله.
* وضعت للهاتف شعارا، صلة الرحم، تعلم العلم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمر من أمور الدنيا لابد منه.
* لديها أكثر من خادمة استفادت من وجودهن بأن أقامت مطبخاً في ساحة المنزل، وتقوم بنفسها ومعها الخادمات بطبخ بعض الأكلات الخفيفة وبيعها على النساء العاملات بسعر زهيد، وتتصدق بهذا المال فهو من كسب يدها.
* على حداثة سنها وصغرها إلا أنها إذا قامت إلى الصلاة وكبرت علم أهلها أنهم يحتاجون وقتا طويلا حتى تنقضي صلاتها.
* في منزلها منذ أن تصبح وحتى تمسي ومؤشر المذياع على محطة إذاعة القرآن الكريم، الله أكبر. من قراءة قرآن إلى سماع حديث إلى موعظة، إنه صوت يزيل الوحشة وينزل السكينة ويطرد الشياطين.
* تزور المشاغل النسائية وهي تحمل كتباً باللغة العربية لتوزيعها على المرتادات وكذلك باللغات الأخرى على العاملات. كان لجهدها البسيط أن أسلم على يديها عدد من العاملات.
سنبلة المحاضرات:
* تلك التي لم تقرأ ولم تكتب فإنها واعظة تلقي المحاضرات، قالت يوماً في معرض حديثها وهي تعظ مجموعة من المدرسات:ألا تستطعن أن تقلن عليكن بالخوف من الله، اتقين الله أين الموت والحساب؟! إنها كلمات صادقة ولذا لها وقع صادق.
* حاولت أن تلقي محاضرة ولكنها لم تستطع, غلبها الحياء الفطري فلم تستطع مواجهة الحاضرات.
قررت أن تكتب المحاضرة كاملة وتدفعها لمن لديه القدرة على قراءتها وكان لها
ذلك.
* ليست داعية بليغة وليس لها نصيب من التعليم ولكنها شاركت في الدعوة إلى الله من خلال تجميع عناصر بعض المواضيع الإسلامية المهمة وعرضها على الداعيات، كما أنها تختار أسماء بعض الكتب الجيدة وتحث على شرائها.
* تحاول قدر المستطاع حضور المحاضرات والاستفادة منها وكتابة بعض العناصر على ورقة مستقلة لتستفيد منها وتفيد.
وعندما ذهبت مساء لحضور محاضرة انتظرتها بفارغ الصبر وجدت عند بوابة القاعة جارتها وهي تحمل ابنها و اشتكت إليها بأنهم منعوها من دخول المحاضرة والاستفادة من العلم لوجود طفل معها.
فكان أن هبت الجارة المحتسبة وقالت: الحمد لله أنا دائمة الذهاب للمحاضرات وأنت لا يتيسر لك ذلك دائما، هيا دعي طفلك معي وادخلي لتسمعي المحاضرة. بقيت الجارة المحتسبة طوال مدة المحاضرة مع الطفل حتى انتهت المحاضرة.
سنبلة المنزل:
* صرخت: ومن أغلى من زوجي شريك حياتي هل أدع الشيطان يتخبطه؟! أم الإعلام يوجه فكره؟! أم صور المجلات تثير غريزته؟!
صرخت:لا وألف لا وسأبدأ الخطوة الأولى وسأتبعها خطوات ويسبق ذلك كله الدعاء.
صبرت وعانت وجدت المشقة والعنت, حتى استقام لها الأمر بعد شهور طويلة فيها من الكلمات الجارحة والدموع والآلام ما الله به عليم.
بعد ذلك كله عندما هدأت الزوبعة دعاها يوما وقال: بماذا أجازيك على صبرك؟
لم تتمالك نفسها,سقطت دمعة الفرح من عينيها وهي تبتسم وقالت: جمعنا الله في جنات عدن.
* صبرت على ما تلاقيه من سوء عشرة زوجها.
صبرت واحتسبت وكتمت، فلا يعلم بحالها أحد ولا يدري أحد ماذا يدور في منزلها.(8/3)
قدمت الرضا والصبر بما قضاه الله وقدره فلم تشتك لمخلوق,بل تهرع إلى الصلاة كلما حز بها الأمر إنها الصابرة المحتسبة.
* تزوجت بزوج بخيل وعندما طلقها لم ينفق عليها ولا على أطفالها وحسب أن ذلك من حسن الصنيع والدهاء وما علم أن له موقفاً أمام الله أما هي فرأت الأمر بمنظار آخر.
تصدقت على أطفالها وقالت: هم أحق من الفقراء الآخرين ألبستهم أفخر الثياب وأحسن الملابس.
وتسمع من صويحباتها عبارات الثناء على أبيهم وإنفاقه عليهم وما علموا أن الأمر من أمهم.
سنبلة الخادمة:
* أرادت أن تكون داعية إلى الله وتساهم في نشر العلم الشرعي والعقيدة الصحيحة.
قالت لخادمتها: هات عناوين أقاربك ومعارفك لكي نرسل لهم رسالة كل شهر تحوي كتاباً في العقيدة وتصحيح المعتقد والتحذير من البدع لمدة عام واحد سوف يصلهم- إن شاء الله- اثنا عشر كتابا أو أكثر هيا لنبدأ.
* اهتمت بأمر الخادمات ورددت: هؤلاء يأتين إلينا سنوات طويلة ثم يعدن إلى ديارهن ولم يستفدن علما ولم يتعلمن أمور دينهن.
إنهن أمانة في أعناقنا، بدأت كل شهر أو شهرين تشتري كتباً وتوزعها على الخادمات.
* قالت: لا أريد خادمة وحثت بناتها على خدمة المنزل والقيام بشئونه.
فرحن بخدمة والدهن ووالدتهن وتعلمن البر والإحسان إليهم بل وزادت المحبة والمودة بينهم.
فوقت العمل وقت للحديث والمؤانسة. طالت الأوقات التي يقضونها مع بعضهم البعض،إنها متعة ومؤانسة وقبل ذلك أجر وثواب.
* استقدمت الأسرة خادمة وزوجها.
ولأن لبيوت الأخيار تميزاً اشترطت عليها الحجاب الكامل وعدم التبرج وغشيان مجالس الرجال, ووجهتها بعدم فتح الباب ورفع سماعة الهاتف.
تذمرت الخادمة في بادئ الأمر ولكن بعد أن سمعت أشرطة بلغتها وقرأت كتباً عن الحجاب حمدت الله.
* كلما رأيت قريبة لنا لديها سائق ناولتها مجموعة من الكتب في العقيدة وبعض الأشرطة بلغة السائق وعدد من نسخ القرآن الكريم له ولمن يعرف من السائقين والعمال.
سنبلة الاعتزاز:
* لأنها طبيبة تقوم على علاج المريضات جعلت همها الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة والنصيحة المفيدة والابتسامة الصافية.
تزرع الأمل في النفوس بحسن التوكل على الله وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك, ولا تغفل عن توزيع الكتب على المريضات.
* قالت طبيبة الأنف والأذن وهي تكشف على الطفل الصغير ووالدته بجواره: هل سمعه ضعيف؟
قالت الأم: لم نلاحظ ذلك.
وهنا تابعت الطبيبة بسؤال عفوي: ألم تلاحظي اقترابه من التلفاز أثناء مشاهدته له؟
قالت الأم الواثقة: لا يوجد لدينا تلفاز في المنزل ولله الحمد.
قالت في نفسها: اعتز بديني واعتز بفعلي أمام أبنائي ولا أحني رأسي أمام المغريات.
* في السوق وفي المستوصف وفي المدرسة وفي وسط التجمعات النسائية وفي حفلات الأعراس في كل مكان لها مشاركة، فلا ترى منكراً إلا سارعت إلى إنكاره ولا ترى معروفاً إلا سارعت بالدعوة إليه والحث عليه.
سنبلة الإنفاق:
* تعجبت من واقعها- الإسراف والتبذير- الذي تراه كل يوم وسكتت برهة وهي تقرأ حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو يرى أم المؤمنين عائشة وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: "يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك، الأكل في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين ". رواه البيهقي.
* كل ستة أشهر تجعل يوماً للتصفية تسأل قريباتها وتنادي عليهن.
هيا ماذا من الثياب زاد عن حاجتكن؟ من الملابس والأحذية والفرش والأغطية؟ بل وحتى أدوات المطبخ.
حملة للتخفيف عن ظهوركن يوم القيامة توسعة لدوركن ومنازلكن.
بعد أيام تبدأ بالمرور على جميع من هاتفتهن فيذهب قريبها إلى تلك البيوت فإذا بالفائض عن الحاجة يكفي لعدة عوائل فقيرة.
* تشتري ملابس بالجملة وتوزعها على فقراء الحي كهدايا وما زاد ترسله إلى أحياء أخرى، وجزء آخر تبيعه في منزلها على أهل الحي، يشترين ويتصدقن.
* وهبت نفسها لجمع الصدقات وترتيبها وتجهيزها ومن تم توزيعها على الفقراء. وأعدت لذلك ملفاً في منزلها للصدقات العينية.
سنبلة الهمة:
* أم لأربعة أطفال ومسئولة عن المحاضرات المدرسية وأول من ينظم لحفلاتها وأنشطتها، وهي مع ذلك مدرسة ناجحة تسهر بين الكتب لتلم بجوانب درسها، وداعية موفقة في وسط مجتمعها وبين أفراد عائلتها من خلال المحاضرات التي تلقيها في كثير من المناسبات والأماكن العامة.
سنبلة الوالدين:
* منذ أن وضعت قدمها على عتبة العمل وهي تعطي والدتها ووالدها مبلغاً من المال يصل إلى نصف مرتبها.
فلما سُئلِت من صديقة جاهلة: المبلغ كبير وفري بعضه، احتفظي ببعضه لليوم الأسود.
قالت: هذه صدقة وصلة، ولا أريد أن يحتاجا إلى شيء ولا يجدان في أيديهما المال، ثم أيتها الأخت هذا العمل ينفعني في اليوم الذي أحتاج إليه.
* بين حين وآخر تخرج مبلغاً من المال صدقة عن والديها، ترجو برهما بهذا العمل وتخلص في ذلك فلا يطلع عليه إلا العليم الخبير.
* تتفقد أمر والديها وترهف سمعها لتتحسس ما هي رغبتهما؟ وماذا يحبان؟ وماذا يتمنيان؟
وعلى استحياء تسأل بطريق غير مباشر والدتها عن والدها ثم تهب مسرعة لتفرحهما بما كانا يتمنيان كهدية.
* عندما ألم بوالدتهن ألم، قررن وهن متزوجات أن يقسمن الأيام بينهن وكل واحدة لها يوم تبقى فيه بجوار والدتها، ورغم المشقة التي يجدنها في الوصول إلى بيت الأم، إلا أنهن كن بارات طائعات فرحات بهذا العمل.
* كل يوم تردد: ماذا أقدم لوالدي؟هذا الدعاء كل يوم أرفعه لهما في صلاتي. وعندما أقبل عيد الأضحى أوصت زوجها لشراء أضحية عن والديها وأخفت ذلك كله طمعاً في إخلاص العمل.(8/4)
* تقدم رغبة والدتها على جميع رغباتها، بل إنها تؤجل بعضاً من أعمالها الخاصة لكي تجلس مع والدتها وتؤانسها في الحديث.
* على الرغم من حداثة سنها فهي بارة بوالدتها,كأنها عبدة مملوكة بين يديها، تخدم وتعمل بجد وحرص ويعلو محياها ابتسامة الرضا وتأكد كل ذلك بتفقد ما تحبه والدتها.
سنبلة الكتب:
* هبت مسرعة إلى الباب مع أطفالها الصغار يستقبلون والدهم المحمل ببعض الأغراض.
قابلته بابتسامة وهي ترد السلام عليه ثم أردفت: أخلف الله عليك ما أنفقت.
وعندما وضعت الأغراض والحاجيات على الأرض نادت الأم هيا لنطمس الصور التي على العلب والكراتين.
أسرع الأطفال يحملون الأقلام السميكة التي خصصتها الأم لذلك، دقائق وهم يتضاحكون ثم اختفى كل أثر للصور. إنها تربية الجذور على إنكار المنكر وعدم إقراره مع الاستطاعة.
* أسرفت على نفسها في أوحال المعاصي, تعيش جواً كئيباً في بيتها, مشاكل مستمرة مع زوجها, ومع أطفالها, ومع أهل زوجها, بل ومع نفسها.
إنه شؤم المعصية وآثار الذنوب، وأخيراً طرقت باب الكريم عائدة تائبة, وعندها وجدت الراحة والسكينة، إنه صدق الالتجاء إلى الله.
* ليس لديها أموال كثيرة تتصدق بها ولكنها حمدت الله, فهاهي قد فرغت السائق مع زوجته ليخدم في قضاء الحوائج وخدمة الفقراء وتوزيع الصدقات إليهم.
بل وحتى إيصال مريضهم، أصبح السائق لا يقر له قرار ولكنه فرح بذلك.
* بدأت تتحسس مواطن الخير، ما سمعت بعمل خير إلا سارعت نحوه وشاركت فيه طمعاً أن يكون لها سهم في كل خير كما قال عمرو بن قيس: "إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله ".
* جعلت في نهاية كل شهر عملاً دورياً تقوم به وهو توزيع الكتب والأشرطة، تترقب موعد نهاية الشهر حتى تبدأ العمل, وأصبح آخر الشهر مرتبطاً لديها بإنجاز هذا العمل.
* جعلت في منزلها كتباً متنوعة في عدد من الكراتين إجمالي مبالغها لا يتجاوز ثلاث مائة ريال تكفيها للتوزيع على الأحباب والأقارب والجيران لمدة شهرين أو ثلاثة.
سنبلة المحاسبة:
* عجوز مسلمة أصابها ألم في أذنها، ولما أتي بالطبيب على رفض منها وعدم موافقة, أخرجت أذنها وغطت باقي وجهها كاملاً فلم تظهر إلا الأذن فقط, تعجب الطبيب من فعلها واستغرب صنيعها وقال: يا أمي أنا طبيب اكشفي عن وجهك.
قالت المؤمنة العفيفة وهي واثقة من طاعتها لربها:أنت لا تريد إلا أذني قد أخرجتها لك.
* فرغت نفسها من الأعمال عصر يوم الجمعة حتى لا تفوتها ساعة الإجابة والأخرى ضحت برحلات واجتماعات طمعاً في تلك الساعة.
* قالت: زوجات أبنائي مدرسات داعيات، ورغبة مني في مشاركتهن الأجر وتوجيه جهدهن إلى الدعوة إلى الله، قمت بالطبخ ومتابعة الصغار من الأطفال.
* لا يفتر لسانها من ذكر الله, دائما تسبح وتستغفر وتحمد الله, وإذا رأيتها في المجلس فهي الصامتة العاقلة، إن نطقت فبحق, أو سكتت عندها تبدأ أصابعها تتحرك ولسانها يلهج بذكر الله.
* تصلي قيام الليل ساعتين كاملتين كل ليلة رغم أنها أم لأربعة أطفال وخلفها مسئوليات زوج.
* اشترت دفتراً صغيراً ووضعته في متناول يدها وتسجل فيه كل ليلة قبل النوم ماذا عملت وماذا فعلت ثم تراجع نفسها,عمل بسيط ولكنه عظيم, وتوبة من قريب واستزادة.
* مساء كل يوم تذهب لأحدى دور تحفيظ القرآن الكريم تقوم بالتدريس والتعليم وتلقي محاضرات في العقيدة, كل ذلك ابتغاء مرضاة الله.
* قبل دخول رمضان رتبت أوقاتها من الصباح إلى ما بعد صلاة الظهر ما تيسر من القرآن، ثم تقف على قدم وساق في المطبخ لتقوم بطبخ كمية كبيرة من الطعام لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.
* تعامل خادمتها معاملة إسلامية كريمة, وتعينها في بعض أعمالها حتى كسبت ودها ومحبتها، ثم بدأت تركز على تربيتها وتعليمها حتى وهما تعملان.
سنبلة الخلق:
* كان الحديث سهلاً جداً، هيا يا أخي متى ستتزوج؟! العروس جاهزة والفتيات كثيرات!! ولكن عندما أعلم بموافقته على الزواج اختفى أمام أنظارهن ذلك الكم الكبير من الفتيات, ومرت شهور وهم يبحثون ويبحثون.
قالت أخته: قد دعانا لاختيار هذه الفتاة والحرص على اختيارها ما رأيناه من والدتها.
فما أن طرقنا الباب حتى فتح لنا، وكانت الابتسامة تعلو وجه الطفلة الصغيرة التي أخذتنا إلى مكان الجلوس وهي لا تعرف من نحن؟ ولماذا أتينا؟
وما إن أقبلت الأم حتى هشت وبشت ورحبت واعتذرت عن المكان، وقالت: تفضلوا هناك فأم زوجي بمفردها في الغرفة الثانية وتحب أن تفرح بوجدكم هيا إليها.
قالت أمي بعد أن خرجنا: لن نترك بيتاً فيه هذا الخلق والاحترام هذه الابنة هي بنت أمها ولن نتركها سنزوجها لأخيك ودعيني أشرح له المعاملة الطيبة والرفق.
وكانت ابنة تلك المرأة زوجة أخي وانتقل إلى بيتنا ذلك الاحترام والتقدير وحسن الخلق.
سنبلة الزواج:
* لأنها الفتاة الملتزمة التي أطاعت الله ورسوله، لم يكن نصب عينيها في زوج المستقبل سوى قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: "من ترضون دينه وخلقه " وكانت كلما تقدم لها خاطب وزنته بذلك الميزان؛ دينه وخلقه.
وعندما تقدم من رجحت تلك الكفة في صالحه رفض الأهل ببعض الحجج الدنيوية، ولكنها أعادتهم إلى صوابهم وذكرت حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- فكان أن تمت الموافقة , وهاهي تعيش في بيت طاعة وهناء وسعادة.
* كان زواجاً إسلامياً غردت فيه الصغيرات وفرحت به الكبيرات.
وكان مما عملن وجملن به طاولات الطعام أن وضعن لافتة بها عبارات طيبة. لا تغتابي مسلمة في شكلها أو ملبسها أو شعرها. لا يكن هذا المجلس وقوداً وطريقاً إلى النار. "ولا يغتب بعضكم بعضاً".
* بعد زواجي توالت علي الهدايا.(8/5)
ذهب, ساعات, حلي وجواهر, ولكنها الآن مغلق عليها لا أراها إلا بين حين وآخر.
أما تلك الهدية المتواضعة فإنها دخلت قلبي فأنارت بصيرتي وأزالت الغشاوة عن قلبي ,مجموعة كتيبات لها في نفسي أثر واضح.
سنبلة الأطفال:
* تطلق علي بعض الأمهات:أم الأدعية؛ لأنه أصبح أمراً ملازماً لي وهو تحفيظ الأطفال الأدعية المأثورة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - إنها فائدة عظيمة لي باسترجاع ما حفظته وغرس لهذا الأمر في نفوس أطفال أسرتنا.
* تسلم وترحب وتسأل عن الحال, ثم بحكم سنها الصغيرة تجمع الأطفال الصغار,فمن مسابقة إلى قصة إلى نصيحة.
* استفادت مدرسة المرحلة الابتدائية من فراغ أسفل صفحة أسئلة الامتحان فوضعت بين قوسين حديثا نبويا يبين فضل الاستغفار.
* تدخل السرور على الأطفال بتوزيع الهدايا والأشرطة وتحتسب كل ذلك من العمل الدعوي الذي يقرب إلى الله زلفى.
* تجد مجلات أطفال عند بعض أقاربها.
تستأذن في قراءتها حتى تأتي على صفحة هواة التعارف من الأطفال ,أخذت تلك العناوين وأرسلت لهم كتابين فقط وقالت: أنا لا أخاطب الطفلة بل أخاطب أم الطفلة ووالدها.
سنبلة العمل:
* في أحايين كثيرة إذا رأت من قريبتها أو زميلتها ما يسوء وخشيت أن تحرجها وأن لا تقع النصيحة موقعها، ناولت رقم هاتفها إلى صديقة ناصحة مخلصة وأخبرتها بالأمر ودعتها إلى نصحها والترفق في ذلك والتلطف معها حتى يزول المنكر.
* النساء يرين من بعضهن الكثير من التجاوزات المحرمة أو المكروهة.
وأساهم في علاج بعض تلك الظواهر عبر بعث رسالة استفتاء إلى أحد العلماء عن حكم كذا وحكم كذا أو أرسل السؤال إلى إحدى المجلات الإسلامية لعرضه على العلماء فتكون الفائدة أكبر.
* لأدبها الجم وعلمها وحجتها القوية، وطلاقة لسانها بدأت زميلاتها يلقين عليها عبء محادثة بعض نساء العائلة ممن يرين عليهن بعض المخالفات.
اهتدى على يديها الكثير، إنها والله الكلمة الصادقة والنصيحة المخلصة.
* استفادت من جهاز تصوير المستندات الموجود في مكتبتهم فتقوم بتصوير فتاوى العلماء من المجلات وتوزعها على أقاربها ومعارفها.
* إذا سمعت بزواج قريبة أو مناسبة لصديقة حرصت على إهداء هدية لهم وتعتبرها من الصدقة الجارية أو العلم الذي ينتفع به.
فهي تهدي كتيباً وأشرطة فلا تهدي إلا ما ترى نفعه.
سنبلة الكنز:
* قالت: هذا كنز هذا الزمان إنها الدروس العلمية للعلماء والمسجلة على أشرطة. بدأت تحضر أشرطة الدروس العلمية لكتاب التوحيد ثم أحضرت الكتاب والقلم وبدأت تستمع الشرح وتعلق على الكتاب كل يوم درساً فقط. حتى أنهت كتاب التوحيد كاملاً في شهرين فقط.
* اتفقت مع أحد دور النشر على طبع كميات كبيرة من الكتب كل فترة وبدأت تجمع الأموال حتى اكتملت ثم تقوم بطبع تلك الكتب وتوزيعها مجاناً.
* أحببت سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم - وسير أصحابه والتابعين.
وبدأت منذ فترة بنقل تلك السير والقصص من المجلدات والكتب وبعض المجلات الإسلامية وأطبعها على الآلة الكاتبة، أو جهاز الكمبيوتر ثم أصورها عدة نسخ وأوزعها على أطفالنا وكذلك على مدرسات الصفوف الأولى.
* تتململ وتتضايق من طول جلوسها في السيارة أثناء توقف زوجها لقضاء بعض أعماله، أو شراء بعض الحاجات من المحلات التجارية وغيرها.
استبدلت تلك الدقائق الطويلة المملة بقراءة ما تحفظه من كتاب الله، وكانت أمارات السرور بادية عليها وهي تحفظ سورة الكهف وترددها عن ظهر قلب، لقد تحول الضجر والملل إلى طاعة وسعادة وفرح.
* بعد زواجها بأشهر جعلت جميع ملابس الزواج عوناً لمن احتاجها، استمرت في إعارتها لمن ترغب الاستفادة منها وقالت لمن أرادت استعارة الفساتين: هيا يا أخية تصدقي ببعض ما كنت تنوين به شراء فساتين لك.
* في منتصف الطريق أو أكثر وهم مسافرون بدت لهم قرية على الطريق العام، تشاورت مع زوجها وقالت: دعني أدخل مستوصف القرية وأضع فيه من الكتب والأشرطة التي معنا.
وكان لها ذلك، تهافتت عليها الممرضات والمراجعات وكأنهم لأول مرة يرون تلك الكتب.
* لقد استعدت لأيام الوضع وما بعدها، قامت بشراء كمية كبيرة من الأشرطة والكتب وغلفتها بشكل جميل وعندما وضعت طفلها وبدأت زيارة الأقارب أخذت تهدي لكل زائرة إحدى تلك الهدايا.
* في المرحلة الثانوية تحاول أن تستقطب القادمات من المرحلة المتوسطة، وذلك بابتسامة عريضة ومحبة صادقة تدلهن على الفصل وتحثهن على حضور الدروس وتقدم لهن مجموعة من الكتيبات والأشرطة.
* لها أسلوب متميز في الدعوة فهي تبحث في وسط الأسر عن المرأة القوية المقبولة لدى أسرتها، ثم تبدأ بدعوتها شيئاً فشيئاً حتى يستقيم أمرها.
سنبلة الذهب:
* متزوجة ولديها أطفال وعندما توفي قريب للزوج وترك خلفه أرملة وأيتام قالت لزوجها: تزوجها تكسب الأجر.
تعالت الصيحات حولها: أنت مجنونة!!أنت مغفلة!! أنت بلهاء!!
قالت بهدوء: أين أنتم من حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم -: "الساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل الله " أين أنتم عن أيتام المسلمين؟!
لم يطل التعجب لأن حديث لسانها قال الله وقال رسوله.
* سمع زوجها بعمل دعوي ولكنه تردد :وقت العصر وقت لزوجتي وأبنائي.
حدثها عن العمل الدعوي وفائدته وكأنه يستأذن في ذلك الوقت، دفعته إلى ذلك العمل واحتسبت هذا الوقت لله.
زادت مكانتها في عينيه وعلم أنها ممن يحمل هم الدعوة لا هم نفسه وبطنه.
* حث متواصل لزوجها للمحافظة على الصلاة، والمشاركة في أعمال الخير تيسر أموره وتهون العقبات وتدله على الطريق.(8/6)
* تزوجت برجل توفيت زوجته في حادث وله منها أطفال أصغرهم في الأشهر الأولى من عمره، أما الزوجة الشابة فإنها تعد لرسالة الدكتوراه، وعندما رأت حاجة الصغار لها أرادت أن تقوم مقام والدتهم، فاستخارت الله وقدمت استقالتها من الجامعة واعتذرت عن رسالة الدكتوراة طمعاً في أجر تربية الأبناء.
* اقترحت على زوجها أن يسكن مقابل بيت والده ليتابع ويلاحظ إخوته الصغار في حضور صلاة الجماعة وفي اختيار الرفقة الصالحة.
* عندما عين زوجها في منطقة نائية لم تتردد في الذهاب معه، بل إن الله يسر أمورها ووجدت مجتمعاً يحبها ويحرص على تعلم العلم على يديها. أقامت في القرية عاماً كاملاً لكنها أخرجت ولله الحمد جيلاً كاملاً جدات وأمهات وبنات.
* قال: تزوجت المرأة الثانية منذ عشرين عاماً ووالله ما سمعت الأولى اغتابت الثانية بل والله سمعتها تدعو لها.
* أسعدك الله سعادة لا تشقين بعدها أبدا.
هذا الدعاء تردده أم الزوج الكفيفة لزوجة ابنها كلما أمسكت بيدها لتذهب بها لقضاء بعض شئونها وحاجتها.
* تزوج بفتاة حليها الأدب وجمالها الخلق وتاج رأسها التقى.
وعندما سألته مبلغاً من المال لشراء هدية لوالدته وعدها خيراً ولم ينفذ، عندها باعت قطعة من ذهبها الخاص واشترت الهدية ولا يعلم بذلك أحد إلا الله.
* تختار لزوجها الرفقة الصالحة وتحثه على مجالسة الأخيار، وتهاتف زميلاتها ليزرنها رغبة في أن يتعرف زوجها على أهل الخير ويشغل وقته بما يفيد.
* همها رضا زوجها وحسن عشرته وتفقد أمره وبين حين وآخر تردد حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة". رواه الترمذي وابن ماجه.
سنبلة الحقيبة:
* سمعت أن محل التسجيلات الإسلامية الموجود في حيهم يعاني من ضائقة مالية وأنه ربما يقفل أو ينتقل.
قالت في نفسها: هذا خير كثير نخشى أن ينغلق أو يرحل عنا،هبت مسرعة وبدأت تشتري من الأشرطة النافعة وتوزعها, ودفعت ببعض المتبرعين لشراء أشرطة دينية من المحل دعما لنشاطه حتى لا يتوقف.
* مثل حقائب النساء التي لا تخلو من أدوات الزينة، حقيبتها لا تخلو من مجموعة من الكتيبات والمطويات، فأينما ذهبت واستقرت وضعت تلك الكتب.
* اسم عائلتها يتردد بكثرة وله رنين وجاه وبريق، فهي من كبار العوائل وصاحبة نسب رفيع.
وعندما سكنت بجوار مسجد ملحق به مغسلة أموات بدأت تذهب بنفسها وتغسل المتوفيات ولا أحد يعلم أنها فلانة بنت فلان.
* طرق سمعها حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم -: "من جهز غازيا فقد غزا" لم تتردد ولم تؤخر دفعت المبلغ، وناولته زوجة جارهم وأقسمت عليها أن لا تخبر زوجها من أين أتى هذا المبلغ وقالت: هذا مبلغ من محسنة لتجهيز غاز ادفعه إلى مؤسسة خيرية تقوم بإيصاله.
* ناولت البائع في المحل مجموعة من الكتيبات والأشرطة وطلبت منه توزيعها على المتسوقات وإهدائها لهن.
* أنشأت مكتبة صوتية في منزلي ورتبتها حسب اللغات الموجودة لدينا، وكلما رأيت خادمة وسمعت بقدوم سائق أهديته مجموعة كاملة من الأشرطة المنوعة بلغته، وسألت: هل هناك من تعرف من يجيد لغتك؟ عندها وضعت له الأشرطة حسب حاجته.
* لقرب مسكنها من المسجد الذي يوجد به مغسلة أموات فقد تولت بنفسها إعداد الأكفان، وتجهيز بعض الأغراض التي تخص الموتى ، وترسلها إلى المغسلة.
* دعت أقاربها وصديقاتها إلى حفل عشاء وأسرت في أذن من ترى أنها تشجعها: لقد حفظت سورة البقرة.
* صوم يومي الاثنين والخميس، وكذلك أيام البيض سنابل مورقة لمن أراد الاستزادة في الطريق الطويل.
* يعلم القريبات أنها خير معينة لزوجها في الدعوة إلى الله، فهو يجوب الداخل والخارج داعياً وواعظاً. لم تمانع، ولم تقف في وجهه حجر عثرة,تحتسب الأجر وهي تمكث في دارها أو في دار والدها، مع أطفالها صابرة على أذاهم متحملة المشقة بفراق زوجها في سبيل الدعوة إلى الله.
سنبلة الأجيال:
* مجال التعليم من أوسع مجالات الدعوة إلى الله، وكثيراً من العاملات في مجال التدريس صبرن واحتسبن العمل في هذا المجال خدمة للدعوة إلى الله، وعلى اختلاف التخصصات فإن كل مدرسة داعية في مجال عملها.
* هاهي مدرسة الرياضيات داعية نشطة تجمع بين نصح الطالبات وتدريسهن، بل إن أسئلة الامتحان لا تخلو من نصيحة على شكل سؤال.
أحد أسئلتها: أراد عبد الله أن يتخلص من أشرطة الغناء المحرمة شرعاً والموجودة لديه فتح الدرج الأول فوجد فيه 19 شريطاً، وفتح الدرج الثاني فوجد فيه 15 شريطاً، وفتح الثالث فإذا به 13 شريطاً، فكم مجموع عدد أشرطة الغناء المحرمة التي تخلص منها عبد الله وتاب إلى الله من سماعها؟
* أما مدرسة اللغة الانجليزية ففي بداية كل درس جعلت دقائق معدودة لقراءة حديث من أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم - وترجمة معانيه.
* أما من وقع بين يديها درس لصهر الحديد وإذابته وهي معلمة مادة العلوم فإنها تقوم بالتجربة أمام الطالبات، وتضع المواد المراد صهرها ثم تسأل في تعجب: كيف بنار الآخرة؟ هل نستطيع أن نصبر على هذه النار ولو دقائق؟! هيا أجبن؟.
عندها أفاقت إحدى الطالبات من غفلتها واهتدت والتزمت واستقام أمرها بسبب هذه الكلمة التي هزت جوانحها، وأزالت غشاوتها ولا تزال تردد: كيف بنار الآخرة؟.
* ونمى إلى علمي أن مدرسة لغة إنجليزية التزمت مدرسة كاملة على يديها، ولا عجب ولا غرابة في ذلك، إنها مجالات دعوية داخل الفصل وخارجه، في المصلى وفي نشاط الحصص.
سنبلة الاحتساب:
* تزوجت فإذا بالزوج محافظ على الصلاة منضبط في سلوكه حسن الخلق في تعامله ولله الحمد.(8/7)
ولكن بعد سنوات وقد كثر الأبناء تعرف الأب على رفقة سوء فتأثر بهم وبدأ مشوار الكسل والضعف والتهاون في أمور دينه وبدأ يسهر كثيراً خارج منزله.
رويداً رويداً بدأ ينحدر في الهاوية، حتى ترك الصلاة واعتذر بالنوم والتعب والأعذار الواهية.
نصحته فهو أب لأبنائها، خوفته ووعظته، حاولت الإصلاح وأتبعته بالدعاء ولكن الانحدار كان سريعاً.
أسرت في نفسها شيئاً وعندما ذهبت لأهلها، هاتفها ليطمئن على وصولهم فلم يجد إلا الصدود والإعراض.
ماذا جرى؟ ما الأمر يا زوجتي؟
قالت له: تركت لك رسالة مسجلة شرحت لك السبب!!
أسرع ليستمع إلى صوتها فإذا بها تحدثه عن الحكم الشرعي في عدم جواز بقاء المرأة مع زوج لا يصلي، وإذا مت على هذه الحالة فلا تغسل ولا تكفن ولا تقبر في مقابر المسلمين، وليس لك ولاية على أبنائك الآن,كيف تفرط في جنب الله, بدأت تخطو نحو الآخرة, وغزا شعرك المشيب وكبر أبناؤك, ثم هذا عملك؟
سمع تلك الرسالة وهاتفها بعد حين وقال: فكري لا تتعجلي أين سيكون أبناؤنا؟ وأنت كيف ستعيشين؟ من يذهب بك لمدرستك؟
وبدأ يكبر ويهول الأمر ولكن من آمنت بالله واتكلت عليه أجابت:
أنت تتخيل المشاكل وتكبر الأمور، كثير من البيوت لا يوجد فيها أب وخرج منها رجال, لن أعود لرجل لا يصلي ثم إذا أصبت في جنب الله فلا ضير علي, لقد وطنت الصبر واعتليت الاحتساب.
في أحد مجالس النساء سمعت رأيها إحدى الحاضرات ممن مجهن الزمن وانحدر بهن الفكر، وصرخت في وجهها كيف تتركين زوجك أنت لا تقدرين العواقب.
أجابت الصابرة المحتسبة: لو ذكرت لكم أنه ضربني أو بخل علي لرفعت الأصوات في المجلس: كيف تبقين مع من يحقر المرأة مع من لا يعطيها حقوقها, هذا إهدار لكرامة المرأة هذا وهذا.
أما لأنها الصلاة عمود الدين وركنه الثاني, فسكتت الناعقات إلا من حديث الشيطان ووساوسه!!
فكر وعاند زمناً ولكن الصدمة عنيفة والفضيحة كبيرة بدأ يتراجع ويعود إلى الله،عاد إلى زوجته وأبنائه.
قال :الحمد لله كنت على بعد خطوات من النار، هيا لنجدد عقد زواجنا كما قال العلماء.
سنبلة المجالس:
* وضعت في صدر المجلس على طاولة صغيرة: { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } ]سورة الحجرات: 12[.
في البداية الضحكات مكتومة والأعين مشدودة، وكأنها تقول لهم: إياكم والغيبة، وكلما تحدثت إحداهن ثم عرجت على ذكر فلانة أشارت صاحبة المنزل إلى اللوحة، شيئاً فشيئاً حتى خلت مجالسهن من الغيبة.
* حديثها يأتي كنسمة الصباح المشرق، تدير الحوار ثم تقفز بالحاضرات من الموديلات والأزياء لتحدثهن عما جرى في مدرستها.
إنها قصة وفاة ابنة عمها طالبة لديهم ترقق بها القلب، ثم تعقب بحديث عن الموت وقصص أخرى تحول المجلس إلى مجلس ذكر وخير.
* في مجلس عام تسلطت عليها امرأة قليلة الحياء بذيئة اللسان عديمة الأخلاق بالسب والشتم.
قالت في نفسها وهي لا ترد حرفاً واحداً عليها: لماذا لا أكون ممن قال الرحمن فيهم:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } ] سورة آل عمران: 134[.
* مجلس آخر تكررت نفس البذاءة وهي صامتة ساكتة لا تتفوه ببنت شفة، وبعد شهور وهي مرفوعة الرأس جاءتها سليطة اللسان تعتذر عما بدر وترجو العفو والصفح.
* للعاملات في الدعوة إلى الله نصيب من النقد وتصيد الأخطاء والتشهير والتقليل من أعمالهن, ومن تتبع أصحاب الحديث والكلام لوجد أنهن النائمات فقط.
فالتشهير سهل وتصيد الأخطاء سهل، ووالله لو لم يعملن لما وجد خطأ، ولكن ليتكن بقيتن على نومكن لكان أهون الشرين.
أما الأخت الناصحة الباحثة عن الحق فإنها نادرة, بها تصحح الأخطاء وتتدارك الهفوات.
* مجتمعنا مجتمع مفتوح، البعض أصبح مثل الأسفنج إذا وضع في الماء يمتص كل شيء.
والكثيرات كذلك، وبعضهن كالإمعة ما إن تسمع حتى تقلد وما إن ترى حتى تحذو.
ولمواجهة جزء من هذا الغزو أخرج العلماء- حفظهم الله- فتاوى فيما استجد من عباءة مطرزة وبنطلون وطرح مزركشة، إنها فتاوى مهمة في ورقة أو أكثر.
تقوم بتصويرها وتوزيعها على مجتمع النساء, في المدرسة, والحي والسوق, وتتابع ما استجد من الفتن.
سنبلة التوحيد:
* همست في أذن الداعية قبل يوم من محاضرتها: ما عنوان محاضرتك غداً؟
قالت: عن معاملة الزوج والصبر عليه، وما على الزوجة من واجبات وما لها من حقوق.
أثنت على الموضوع وعلى الحاجة الماسة إليه خاصة أن البعض أو أكثر النساء يجهلن حقوق الزوج.
سكتت برهة ثم قالت بأدب جم: سأروي لك ما حدث في مدرسة مجاورة، لقد كثر النزاع والشقاق بين المدرسات وتحولت المحبة إلى بغض وكراهية وأصبح مجتمع المدرسات مجتمع مشاكل ونكد.
وعندما طال أمد الفرقة اقترحت إحداهن لحل هذه النزاعات ولإبعادها عن المدرسة ذبح كبش على عتبة الباب.
وكان ذلك في صباح يوم فرح فيه الشيطان، نعم كان باباً من أبواب الشرك فتح!
التفتت الداعية وهي تستغرب الحدث وتريد معرفة التفاصيل أكثر.
ولكن المتحدثة قالت لها: أيتها الداعية عشرون محاضرة هذا العام أو تزيد سمعتها في أماكن متفرقة كلها ضرورية وفيها نفع عظيم ولكننا تركنا الأهم.
إنه دعوة الأنبياء، ولأجله بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، وسلت السيوف، وأقيم علم الجهاد.
إني سائلتك أيتها الحبيبة: أرأيت جيوش العرافين والكهان كيف غزت العالم الإسلامي؟
أرأيت أين أينعت البدعة وارتفع شأنها؟أما الصوفية فإنها غزت الأمة غزو النار في الهشيم.
أيتها الأخت: لا نغفل جانب التوحيد ونتركه ثم نفاجأ يوما أن ما بنيناه كان على جرف هار, لابد أن نبدأ بالقواعد والأساس الصلب القوي, ثم ما فوق.(8/8)
قالت الداعية: صدقت ولك أن تكون محاضرتي عن إخلاص العبادة لله وحده. وستعقبها محاضرة عن نواقض الإسلام, وهكذا وبينهما ستكون محاضرتي عن معاملة الزوج والصبر عليه, والإحسان إليه.
سنبلة العزيمة:
* النية والإخلاص والجد والاجتهاد والبحث عن السبل المعينة مسار صحيح لكل عمل دعوي موافق للكتاب والسنة، والثمرة والجزاء جنات عدن, وقبلها راحة وانشراح واطمئنان في الدنيا.
* صدمت بمجتمع المدرسات وكثرة القيل والقال والغيبة والنميمة، أما حديث الأزياء والأزواج فحدث ولا حرج.
قالت المدرسة الجديدة: ليس هناك إلا خيار واحد هو إنقاذهن من النار.
بدأت مرة وأخرى والضحكات تتوالى والتعليقات تستمر, ثم في النهاية فإذا بهن دعاة ومربيات ولكن ذلك أتى بجهاد ومشقة، سعدت بعملها وحصدت زرعها.
* اتبعت طريقة التشجيع في التربية، فما إن ترى طالبة متميزة في المدرسة حتى تدعوها بمفردها وتثني على علمها وخلقها.
ثم تسألها كم تحفظين من كتاب الله؟!
كيف لا تحفظين إلا القليل وأنت قد وهبك الله كل هذا التفوق!
وفي النهاية تقول المدرسة في قوة: سأراجع لك ما تحفظين كل أسبوع.
بثت في نفس طالبتها الهمة وشجعتها وكانت النتيجة أن بدأت الطالبة تخطو نحو العلا بخطوات سريعة.
* بعد انبهار الطالبات مما سمعن من اختراعات، قالت لهن مدرسة العلوم في المعمل: هيا انظروا. قال الله تعالى .... ثم قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-..... وتربط الاختراعات والاكتشافات بالإعجاز القرآني العظيم، وتختم: سبق القرآن وسبقت السنة كل ما رأيتموه بخمسة عشر قرناً إنها المعجزة.
* معلمة مادة الأحياء مدرسة دعوية تربط بين كل موضوع من مواضيع الدرس وعظمة الخالق في خلق الإنسان والحيوان والحشرات.
كثيرات تأثرن بأسلوب الدعوة المبني على واقع تلمسه الطالبة.
* فرغت نفسها للدعوة داخل سجن النساء صابرة محتسبة.
رغم المشقة والعنت إلا أنها لا تشتكي.
سنبلة القدوة:
* هي قدوة في اللباس الإسلامي الكامل.
لباس بسيط ساتر، من يعرفها ويعرف وضعها المادي وثراءها يتعجب من لباسها وحشمته وبساطته، إنها القدوة وصدق الله:{ وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } ] سورة الأعراف: 26[ .
* كلما استقر بها المقام في مجلس تحدثت عن مدارس تحفيظ القرآن والفائدة من الدراسة فيها، وتذكر لهم من رأت وكم حفظن وتسهل عليهن أمر الذهاب إليها.
* في المجتمعات والمناسبات تقيم بعض المسابقات، وتجعل الأسئلة وعظا غير مباشر للمحاضرات.
* بين حين وآخر تساهم في دعم صوت الإسلام من خلال الاشتراك في مجلات إسلامية، وترسلها إلى مراكز ومعاهد إسلامية في الخارج.
* منذ أن سكنوا في الحي الجديد وزوجها يردد بين حين وآخر على مسامعها: رجال الحي لا يشهدون صلاة الفجر في المسجد وقد نصحتهم فلم أر استجابة وقبولا.
وعندما علمت زوجته أن نساء الحي يجتمعن كل يوم ثلاثاء في جلسة فكاهة وأحاديث دنيوية، قالت: هذا مدخل لنا.
ذهبت في الموعد ورحب بها الجميع وبعد جلستين فقط أشارت عليهن أن تتحول هذه الجلسات إلى جلسات مباركة يعلوها آية وحديث ودرس بينهما.
وافقن مع تردد البعض، ولكن صاحبة الهمة سلكت الطريق الأسهل وبدأت تقرأ فتاوى عن الطهارة حتى فغر النساء أفواههن من الجهل، شهور فإذا برجال الحي يشهدون الفجر.
سنبلة الأخوة:
* كانت معلمة في المرحلة المتوسطة معلمة دعوية، علمت أن الابتسامة طريق للوصول إلى قلوب الطالبات فكانت كذلك، تسلم وتسأل وتناقش برحابة صدر وسعة بال.
وعندما تغيبت إحدى طالباتها عن الحضور، سألت عنها فجاءها العذر المتكرر إنها متعبة.
وعندما مرت أيام أعادت السؤال وألحت في طلب الإجابة، حتى سألت أختها التي تكبرها وهي في المرحلة الثانوية فأعلمتها أنها مع بداية خروج الطالبات عثرت قدمها في درج المدرسة الخارجي وأصابها ألم شديد في قدمها, وطلبت من أبي أن يذهب بها إلى المستشفى ولكنه رفض بحجة أن هذا من عدم المبالاة عند المشي وقال لأمها: دعيها تتعلم المشي.
بعد أسبوع من الغياب، طلبت المدرسة هاتف المنزل، وحدثت الوالدة عن عدم ذهابهم بها إلى الطبيب وعن تغيبها عن المدرسة وضياع بعض الدروس والحصص عليها، وبعد إلحاح شديد من الأم ذهب بها والدها إلى المستوصف القريب ثم طلبوا تحويلها إلى المستشفى، وبعد تحاليل وتقارير طويلة, فإذا بسرطان في القدم قد أصابها.
لازمت السرير في المستشفى وكانت المدرسة الداعية خير عون لها في محنتها، تعزيها وتواسيها، وتكرر عليها آيات الصبر واليقين، ولم تتركها يوما واحداً بل كانت كل يوم تذهب لها متحملة المشقة في ذلك.
وكانت زيارتها كالبلسم للمريضة ذات الخمسة عشر عاماً، فهي تحمل إليها شريطاً أو كتاباً .
وهكذا ملأت عليها الفراغ وجعلتها امرأة سلكت طريق الصبر والاحتساب, علمتها الرقية الشرعية وكانت تقرأ عليها وهي ممسكة بموضع الألم.
في أحد الزيارات لاحظت المدرسة إنها تتأخر عن صلاة الفجر، فكان أن وعدتها أن توقظها لصلاة الفجر, وتعيد الاتصال بعد خمس دقائق لتتأكد أنها قد استيقظت تماماً.
بعد خمسة عشر يوماً تثاقلت بالمريضة الأيام، وبدأ الوهن يسرى إلى جسمها,حتى توفيت.
خمسة عشر يوماً جعلتها المعلمة باباً من أبواب الدعوة، فربما كانت سبباً لإنقاذ هذه الطالبة من النار, هونت عليها الأيام الأخيرة وجعلتها أكثر إيماناً وأكثر محافظة على الصلاة.
سنبلة الحي:(8/9)
* نظرا لضيق الوقت لديها، ولرغبتها في أن يعم الخير أرجاء الحي بدأت في تنظيم مسابقة لحفظ القرآن في الحي، ووضعت جوائز قيمة, ثم بدأت في تسميع حفظ المشاركات وبعد أن انتهت الدورة دعتهن إلى منزلها لأول مرة, وذلك لاستلام الجوائز والفرح بهذا الفضل العظيم.
* للجار حق عظيم وقد أوصى به- صلى الله عليه وسلم - أخذت حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم - من أطرافه فقامت بتفقد أحوال الجيران ومواساتهم.
* اجتماع الحي اكتسب طابع الخير, فمن موعظة حسنة، إلى قراءة بعض الأحاديث، وحفظ ومراجعة آيات القرآن, إلى حصالة للمبالغ المالية تحضر معهم كل جلسة ثم إذا قاربت على الامتلاء تم استبدالها بأخرى ويذهب ريعها للمشاريع الخيرية.
* تتفقد أرامل الحي وأيتامه وفقراءه, وتسأل عن المحتاجين ماذا تريدون وماذا ينقصكم؟ لهذه العائلة ثلاجة ولتلك غسالة,ولأخرى أدوات مدرسية.
ثم تشتري تلك الحاجيات وتبعث بالفاتورة إلى من لديه سعة في المال فيقوم بسدادها,وهكذا تنتقل من خير إلى خير.
* تعجبن من عرضها عليهن تعلم الخياطة, ولكنها مع مرور الأيام بدأت في تنفيذ ذلك وبدأ نساء الحي يقمن بخياطة بعض ثيابهن، إنها هواية ومتعة وفيها مع النية الأجر والثواب.
* لم تقتصر همتها ودعوتها إلى الله على طالبات المدرسة,.بل تعدى نفعها إلى الجيران فجعلت لهم نصيباً من دعوتها بين حين وآخر تجمع نساء الحي وتلقي عليهن كلمة توجيهية ذات فائدة.
* علمت أن غرس الفضيلة يتمكن في النفوس منذ الصغر، فسعت إلى جمع بنات الحي الصغيرات يومين في الأسبوع في منزلها لمدة ساعة ونصف يحفظن القرآن، وتغرس في نفوسهن معنى الفضيلة وتعلمهن الحشمة والحياء.
* تحث العوائل على زواج أبنائهم، وتسارع في البحث لهم عن الزوج الصالح.
سنبلة الخير:
* استمعت إلى برنامج في المذياع عن صلة الرحم وما في ذلك من الأجر والثواب, فهاتفت فورا بيوت أعمامها وعماتها الذين لم ترهم منذ فترة طويلة جداً، ودعتهم إلى زيارتها والعشاء عندها, فكان أن لبوا الدعوة وأنس الجميع ببعض بعد غيبة طويلة.
* في كل مناسبة جعلت بعد مأدبة الغداء أو العشاء حصالة معدنية تدار على الحاضرات وتسألهم التبرع ووضع ما تجود به أنفسهم.
* تحرص على أن يكون لديها نماذج ومعلومات عن المشاريع الإسلامية في المؤسسات والهيئات الخيرية، وكلما سنحت الفرصة قدمتها وذكرت فائدة المشاركة.
* قالت: ليس لهذا المثل مكان و اجتماعاتنا، يقولون في مثلهم: الغيبة فاكهة النساء، هيا يا أخيات تعطر مجالسنا بذكر الله وقراءة القرآن وسماع المحاضرات والمواعظ.
* عندما يهل علينا هلال شهر جديد أذكر أقاربي وصديقاتي بالدعاء المأثور في ذلك، وأنبههن على الأيام البيض وفضل الصيام فيها وأعيد عليهن ذلك قبل الأيام البيض بيوم أو يومين.
* معاقة لم تمنعها صعوبة الحركة من تسجيل بعض البرامج الهادفة على أشرطة وتوزيعها كإهداء جميل إلى معارفها وأقاربها.
* تتلمس مخالفات أسرتها وأقاربها وجيرانها, فتوزع عليهن كتاباً عن الطهارة التي غالب النساء- حتى المتعلمات- يجهلنها.
وتقوم بتصوير مطويات عن السحر والكهانة ونواقض الإسلام وتوزعها وتختار من الكتيبات ما له صلة بمجتمع النساء فتقوم بإهدائه.
سنبلة الدرة:
* درة مصونة وجوهرة ثمينة، شابة مقبلة على الحياة لكن لها تميزاً ولها وقفة، ما وطأت قدمها عتبة السوق قط, وما دخلت سوقاً قط, ما رأينا في ثيابها قلة ولا في ملابسها نقصاً.
* كثير ممن يذهبن إلى الأسواق يتميزن بضعف وخوف ليس له مبرر، فربما ينالهن من أذى البائع أو المتسوقين وهن لا يحركن ساكناً، ولذا تجرءوا على المرأة وعلموا بخوفها فوجدوه وسيلة.
لكنها ما رأت قليل دين إلا أعلمت رجال الهيئة أو حذرته من فعله وأخبرت زوجها، لم تتركه يعبث بنساء المسلمين بل ردت عنهن وساهمت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* أقسمت وبرت أن لا تذهب إلى الأسواق إلا مرتين في العام، أعانها الله ولم تجد تلك اللهفة والشوق إلى الأسواق.
* إذا دعيت إلى زواج سألت: هل هناك منكرات أم لا؟!
إذا أجيب:بنعم اعتذرت وقالت:طاعة الله أولى، ثم تذكرهم بالله وتخوفهم بالعذاب والعقاب.
* بدأت رويدا رويدا تخفف من استعمال المكياج وأدوات الزينة, وعندما وفرت مبلغا من المال سدت به رمق جائع، وقالت في نفسها: أستر به وجهي عن النار.
* كانت عينا لرجال الحسبة في الأماكن النسائية، ما رأت منكرا إلا أخبرتهم إذا لم تستطع إنكاره, وكلما رأت انحرافا حذرت منه, وما رأت موطن شبهة إلا هاتفتهم تخبر عنه.
سنبلة الحديث:
* لسانها عذب ورزقها الله المحبة, تتقبل سماع مشاكل الناس بنية تفريج هموم المسلمات، وتصبر على الإعادة والتطويل خاصة في لحظات الانفعال.
ثم تدلي برأيها وتقدم الصبر وأن هذه دار ابتلاء وامتحان,ثم تتحدث عن سيرة الرسول وهو أكرم الخلق على الله كم عانى وكم صبر.
* شهر كامل وهي تحادث قريبتها وتؤانسها حتى أحبتها وأصبحت لا تطيق الصبر عن سماع صوتها, عندها قالت في نفسها نهاية الشهر قربت وكل هذا خطوة أولى،
الآن أستطيع أن أدلها على طريق الاستقامة واحذرها من المزالق، خطوات سأقسمها على شهر أيضا, ولا مانع أن أستمر معها خمسة أشهر كاملة لتلتزم التزاما كاملا ففي هدايتها هداية لأسر كثيرة حولها.
* في حر مكة المكرمة الشديد, وهي صائمة أصرت أن تتفقد الأسر الفقيرة في أعالي جبال مكة الشاهقة، وذهبت مع الثقات لترى بأم عينها وتنفق بيدها مباشرة كل ذلك ولها من الاسم والنسب الشأن الكبير.(8/10)
* قامت بقص ورق مقوى على شكل مستطيل بطول أصبع اليد، ولونته بألوان زاهية جميلة وكتبت عليه بعض الأدعية المأثورة، ثم غلفته بغلاف بلاستيكي شفاف, وجعلت منه أداة لمعرفة مواقف الصفحات في المصحف.
تم بيعه في إحدى دور القرآن وكان العائد مساهمة منها لتلك الدار.
الخاتمة:
* هأنت تطوين المراحل وتتنقلين في المنازل، ارجعي بسنابل من كل موطن, إليك مائة وثلاث وثمانين سنبلة.
تنقلي أنى شئت وأري الله منك خيرا, فربما بسنبلة واحدة لا تشقين بعدها أبدا.
* قال تعالى: { {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }. [البقرة:261].
* قال - صلى الله عليه وسلم - : "بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر "[رواه الترمذي].
رزقك الله الهمة العالية والعزيمة الصادقة وجعلك تاجا على جبين الأمة وألبسك لباس التقوى وأقر عينك برفع راية الإسلام.
==============
تعاون الدعاة وأثره في المجتمع .
اسم الكاتب : فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين.
تعاون الدعاة وأثره في المجتمع
الحمد لله رب العالمين ، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .... أما بعد ...
أيها الأخوة :
إن الدعوة إلى الله لها مرتبة عظيمة في شريعة الله ، فإن الله – سبحانه وتعالى – قال في كتابه لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } ] سورة يوسف: 108[.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - مأمور أن يبلغ كلام الله إلى عباد الله ، ولهذا أمثلة في كتاب الله : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... }]سورة النور: 30[ {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } ]سورة النور: 31[. ومثل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } ] سورة الأنعام: 50[. وغير هذه الآيات كثير ، لكن ينبغي أن نعلم أن الله إذا صدر الأمر بالقول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن ذلك يقتضي عناية خاصة فيما وقع فيه هذا القول .
يقول الله – تعالى- : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} والمشار إليه هو المستفاد من قوله : { أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، كإخوانه من سائر النبيين والمرسلين ، تبوءوا هذا المقام العالي العظيم ، وهو مقام الدعوة إلى الله ، لكنها دعوة على بصيرة فيما يدعون إليه، وعلى بصيرة في حال من يدعونهم ، وعلى بصيرة في أسلوب الدعوة. إذا تمت هذه الأمور الثلاثة ؛ صارت الدعوة دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ،وإذا اختل منها ؛ نقص من كمالها بقدر ما اختل من هذه الأمور.
فكل من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يكتفي باتباعه ، بل لا بد أن يكون داعية إلى الله – سبحانه وتعالى – بحاله ومقاله ، ولابد أن يكون داعية إلى الله على بصيرة بحال من يدعوهم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا إلى اليمن ، قال له : (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب .. ) وأخبره بحالهم؛ ليكون مستعدًا لملاقاتهم، حتى ينزل كل إنسان منزلته . ولا بد أن يكون عالمًا بأسلوب الدعوة، وكيف يدعو هل يدعون الناس بالعنف والشدة ؟! أو يدعون الناس باللين والرفق.. يقول الله – تعالى – لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ] سورة الأنعام: 108[ . معلوم أنهم إذا سبوا الله فإنهم يسبونه عدوًا بغير علم ، بل نعلم أن الله – عز وجل منزه عن كل عيب ، ونحن إذا سببنا آلهتهم ، فقد سببناها بحق ، ومع ذلك نهى الله – عز وجل – عن هذا الحق خوفًا من هذا الباطل العادي ؛ لأنه شر، وبناءً على ذلك إذا رأى الداعية شخصًا على أمر يرى هذا الداعية أنه باطل ، وصاحبه يرى أنه حق ، فليس من طريق الدعوة أن يقدح فيما هو عليه ، مذهب أو نحلة ؛ لأن ذلك ينفره، ولكن الطريق : أن يبين الحق ويوضحه . وعلى الداعية أن يكون ذا بصيرة بما يدعو إليه ؛ لأن هذا أمر مهم بالنسبة لقبول الدعوة ورفضها كما في قصة الأعرابي الذي جاء فبال في طائفة من المسجد ، فزجره الناس وأنكروا عليه ، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (دعوه ولا تزرموه ..) فلما فرغ من بوله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما تزول به هذه المفسدة ، وهي أن يصب عليه ذنوب من ماء، ثم دعا الأعرابي ، وقال له : ( إن هذه المساجد ، لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر ، إنما هي لذكر الله – عز زجل – والصلاة ، وقراءة القرآن ).(8/11)
يجب على الداعية أن يكون هو أول من يتخلق بما يدعو إليه ؛ لأنه إذا خالف دعوته ، لاشك أنه مؤثر في دعوته في ألا تقبل ، فإن الناس ينظرون إلى الدعاة غير نظرهم إلى سائر الناس ، فإذا رأوا الداعية يدعو إلى شيء ، لا يقوم به ، فسيكون عندهم شك فيما دعا إليه ، أهو حق أو باطل ؟؟. ومما يجب أن يكون عليه الداعية أن يكون صبورًا على ما يناله من أذى قولي أو فعلي ؛ لأن الداعية إلى الخير ، لا بد أن يكون له أضداد ، يكرهون ما يدعو إليه ، كما قال الله - تعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} ] سورة الفرقان: 31[.
إن الداعية لا ينبغي أن يكون داعية لشخصه، بل يجب أن يكون داعية إلى الله، همه أن يكون الحق مقبولا لدى الناس سواء في حياته أو بعد موته. ومن آداب الدعاة التي يجب أن يكونوا عليها هو تعاونهم فيما بينهم، لا يكن هم الواحد منهم أن يقبل قوله ويقدم على غيره ، بل يكن هم الداعية أن تقبل الدعوة، سواء صدرت منه أو صدرت من غيره . نجد أن الله – تعالى – وصف المؤمنين بأوصاف تدل على أنهم متحدون متعاونون ، قال الله - تعالى - : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ] سورة التوبة: 71[.
إن الشيطان يلقي في قلب الداعية شيئًا من كراهية داعية مثله إذا نجح في دعوته ، لا يحب أن يكون مثله في نجاح الدعوة ، بل يكره أن يتقدم هذا في النجاح ، وقبول الناس له . الواجب على كل داعية أن يكون كما وصفنا الله : {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ] سورة المؤمنون: 52[. و أن تكون كلمتنا واحدة ،فليس المقصود أن يكون القول واحد فالخلاف وارد ، لكن إذا وقع خلاف بين الدعاة فيما يسوغ الخلاف ، يجب ألا يؤدي إلى اختلاف القلوب ، بل تكون القلوب واحدة ، والموالاة قائمة ، والمحبة ثابتة .
أسأل الله - سبحانه وتعالى – أن يجعلني وإياكم من أنصار دينه ، والدعاة إليه على بصيرة ، و أن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س1: إن مما وقع فيه الخلاف بين الدعاة إلى الله – عز وجل – أمر وسائل الدعوة ، فمنهم من يجعله عبادة توقيفية ، وبالتالي ينكر على من يقيمون الأنشطة المتنوعة ، الثقافية أو الرياضية ، أو المسرحية ، كوسائل لجذب الشباب ودعوتهم ، ومنهم من يرى أن الوسائل تتجدد بتجدد الزمان ، وللدعاة أن يستخدموا كل وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله عز وجل. نرجو من فضيلتكم بيان الصواب في ذلك ، والله يحفظكم ؟
ج1: الحمد رب العالمين .. لا شك أن الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - عبادة كما أمر الله بها في قوله : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ]سورة النحل: 125[، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله – عز وجل – أنه ممتثل لأمر الله ، متقرب إليه به ، ولا شك أن أحسن ما يُدعى به هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فكتاب الله - سبحانه وتعالى – هو أعظم واعظ للبشرية : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ]سورة يونس:57[ . والنبي كذلك، قوله أبلغ الأقوال موعظة ، فقد كان يعظ أصحابه أحيانًا موعظة يصفونها بأنها وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فإذا تمكن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة ؛ فلا شك أن هذه خير وسيلة ، أي بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا رأى أن يضيف إلى ذلك أحيانًا وسائل مما أباحه الله ، فلا بأس بذلك ، ولكن بشرط أن تكون هذه الوسائل لا تشتمل على شيء محرم ، أو تمثيل دور الكافر ، أو تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - ، أو أئمة المسلمين ، أو ما أشبه ذلك ، مما يخشى منه أن يزدري أحد من الناس هؤلاء الأئمة الفضلاء. وكذلك لا يشتمل التمثيل تشبه رجل بامرأة ، أو العكس ؛ لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء. أما إذا فعل من أجل التأليف ولم تشتمل على شيء محرم فلا أرى بها بأسًا ، أما الإكثار منها وجعلها هي الوسيلة في الدعوة إلى الله ، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله بحيث لا يتأثر المدعو إلا بمثل هذه الوسائل ، فلا أرى ذلك ، بل أرى أنه محرم؛ لآن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر ، لكن فعل ذلك أحيانًا لا أرى فيه بأسًا إذا لم يشتمل على شيء محرم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س2: هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة ، أم تقتصر على العلماء وطلاب العلم فقط ؟(8/12)
ج2: إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالمًا كبيرًا يُشار إليه، أو طالب علمٍ مجدًّا في طلبه، أو عاميًّا لكنه علم المسألة علمًا يقينيًّا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم يقول: «بلِّغوا عنِّي ولو آية» ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم، لكن يشترط أن يكون عالمًا بما يدعو إليه، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناءً على عاطفةٍ عنده، فإنَّ هذا لا يجوز، ولهذا نجد من الإخوة الذين يدعون إلى الله، وهم ليس عندهم من العلم إلاَّ القليل، نجدهم لقوة عاطفتهم يحرّمون ما لم يحرّمه الله، ويوجبون ما لم يوجبه الله على عباده، وهذا أمرٌ خطير جدًّا؛ لأن تحريم ما أحل الله كتحليل ما حرَّم الله، فهم مثلاً إذا أنكروا على غيرهم تحليل هذا الشيء، فغيرهم ينكر عليهم تحريمه أيضًا؛ لأن الله جعل الأمرين سواء فقال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س3: هل يجوز للداعية أن يدعو الناس وهم على منكراتهم، كإتيانهم وهم على الأرصفة في معازفهم ولهوهم؟.. وهل تجوز الزيارات بغرض الدعوة لبيوت العُصاة؟ وما هو الأسلوب المناسب في ذلك؟
ج3: الدعوة تكون بالحكمة.. كما أمر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فإذا رأى الإنسان أنّ دعوتهم في هذا المحل، أو في هذا الوقت مناسبة ومثمرة؛فليتقدم إليهم حتى وإن جاء العُصاة في أماكنهم، وقد ذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يأتي الناس في الموسم، موسم الحج في منازلهم ويدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ، وكذلك يدعوهم وإن كانوا على الأرصفة وفي لهوهم إذا رأى في ذلك مصلحة، وإذا كان لا يرى مصلحة في دعوتهم جميعًا فبإمكانه أن يأخذهم واحدًا واحدًا، وليحرص على زعمائهم، والكبراء منهم؛ لأن الزعماء والكبراء إذا صلحوا؛ صلح الأتباع، فليحرص مثلاً إذا كان لا يتمكن أو لم ير مصلحة في الدعوة العامة على الكبراء والزعماء، ويتقدم إليهم إمَّا في بيوتهم أو في مكان آخر أنسب ويدعوهم.
المهم أنَّ الإنسان إذا التزم ما أرشد الله إليه، وأمر به من الحكمة؛ صار على خير كثير {يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س4: ما رأيك يا فضيلة الشيخ في بعض الشباب، بل ومنهم بعض طلبة العلم الذي صار ديدنهم التجريح في بعضهم البعض، وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم، هل هذا عملٌ شرعي، يثاب عليه أو يعاقب عليه؟
ج4: الذي أرى أنَّ هذا عمل محرَّم، وإذا كان الإنسان لا يجوز أن يغتاب أخاه المؤمن، وإن لم يكن عالمًا، فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين، والواجب على الإنسان المؤمن أن يَكُفَّ لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين، قال ـ تعالى ـ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12]، وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى، أنَّه إذا جرح العالم، فسيكون سببًا في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرح العالم؛ لأن جرح العالِم في الواقع ليس جرحًا شخصيًّا، بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلّم؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جُرِّح العلماء وقدح فيهم، لم يثق الناس في العلم الذي عندهم، وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحينئذٍ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالِم الذي جُرح، ولست أقول: إن كل عالِم معصوم، بل كل إنسان معرّض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالمٍ خطأ فيما تعتقده فاتصل به وتفاهم معه، فإن تبين لك أن الحق معه؛ وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك، ولكن وجدت لقوله مساغًا؛ وجبَ عليك الكفّ عنه، وإن لم تجد لقوله مساغًا، فحذّر عن قوله؛ لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز، لكن لا تجرحه وهو رجل عالم معروف بحسن النية، ولو أردنا أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الدين، لجرحنا علماءً كبارًا، ولكن الواجب هو ما ذكرت، إذا رأيت من عالم خطأً فناقشه وتكلم معه فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه، أو أن الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف من الخلاف السائغ. وحينئذ يجب عليك الكف عنه، وليقل هو ما يقول،وأنت تقول ما تقول.
والحمد لله الخلاف ليس في هذا العصر فقط. الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا... وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصارًا لقوله؛ وجب عليك أن تبين الخطأ، وتنفر من الخطأ، لكن على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه؛ لأن هذا الرجل قد يقول قولاً حقًّا في غير ما جادلته فيه المهم أني أنصح إخواني بالابتعاد عن هذا البلاء وهذا المرض، وأسأل الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(8/13)
س5: قلتم في كتابكم: «زاد الداعية إلى الله عزَّ وجلَّ» ما نصّه: «أما التفرق والتحزب، فإنَّ هذا لا تقر به عين أحد. إلاَّ من كان عدوًّا للإسلام والمسلمين» والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «اختلاف أمتي رحمة» فما المراد بهذا الخلاف الذي هو الرحمة، وما التفرق المقصود في كلامكم؟ حفظكم الله.
ج5: أمَّا الحديث الذي ذكره السائل، فهو حديث ضعيف ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلّم؛ لأن الله يقول: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]، فجعل الله ـ تعالى ـ الاختلاف من صفة غير المرحومين، فالأمة لا يمكن أن تختلف، بل رحمة الله بها ألاَّ تختلف، لا أقول: لا تختلف أقوالها، فإن الأقوال قد تختلف، لكن لا تختلف قلوبها.. وعلى تقدير أن يكون الحديث صحيحًا، أو حجة، فإن معناه: أن الخلاف الواقع بين الأمة في آرائهم داخلٌ تحت رحمة الله، أي: أن الله تعالى يرحم المجتهد منهم، وإن وقع بينهم خلاف في اجتهادهم، بمعنى أن الله لا يعاقب من جَانَبَ الصواب، وقد اجتهد فيه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر)هذا معنى الحديث إن كان حجة، وإلاَّ فالصحيح أن الحديث ضعيف، وليس ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبناءً على ذلك لا يقع خلاف بين ما ذكر في «زاد الداعية» وبين هذا الذي قيل إنه حديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س6: لا شكَّ أن التعاون بين الدعاة أمرٌ محتم لنجاح دعوتهم، وقبول الناس لها، والسؤال: الساحة الإسلامية تحفل بكثير من الدعاة، ولكل منهم أسلوبه وطريقته، لكن مع ذلك، قد يكون هناك خلافٌ في مسائل مهمة كالعقيدة، فما هي الضوابط التي ترونها للعمل والتعاون مع هؤلاء وغيرهم، والدعاة بحاجة إلى توجيهكم في هذه المسألة.. وفقكم الله.
ج6: لا شك أن الضوابط لهذا الخلاف هو الرجوع إلى ما أرشد الله إليه في قوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]، وفي قوله ـ تعالى ـ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة أو في العمل أي في الأمور العلمية والعملية ـ الواجب أن يُبين له الحق ويُوضح، فإن رجع فذلك من نعمة الله عليه، وإن لم يرجع فهو ابتلاء من الله ـ سبحانه وتعالى ـ له، وعلينا أن نبيِّن الخطأ الذي هو واقع فيه، وعلينا أن نبيِّن الخطأ وأن نحذِّر من هذا الخطأ بقدر الاستطاعة، ومع هذا لا نيأس، فإن الله ـ تعالى ـ رد أقوامًا من بدع عظيمة حتى صاروا من أهل السنة، ولا يخفى على كثير منا ما اشتهر عن أبي الحسن الأشعري ـ رحمه الله ـ أنه بقي في طائفة الاعتزال مدة أربعين سنة من عمره، ثم اعتدل بعض الشيء لمدة، ثم هداه الله ـ عزَّ وجلَّ ـ إلى السبيل الأقوام، إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة، فالحاصل أن مسائل العقيدة مهمة، ويجب التناصح فيها، كما يجب التناصح أيضًا في الأمور العملية، وإن كانت دائرة الخلاف بين أهل العلم في المسائل العملية أوسع وأكثر، إذ إن المسائل العلمية العقدية لم يحصل فيها اختلاف في الجملة، وإن كان بعضها قد وقع فيه بعض الخلاف، كمسألة فناء النار، ومسألة عذاب البرزخ، ومسألة الموازين، ومسألة ما يوزن، وأشياء متعددة لكن إذا قستها بالخلاف العملي وجدت أنها في دائرة ضيقة ولله الحمد، ولكن مع هذا يجب علينا فيمن خالفنا في الأمور العلمية أو العملية يجب علينا المناصحة وبيان الحق على كل حال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س7 : هل يؤخذ من الآية {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ] سورة الأنعام :108[هل يؤخذ منها أنه يجب على الداعية أن يترك السنة إذا كان يترتب على تطبيق هذه السنة أن تُسبَّ هذه السنة، كتقصير الثياب وغيرها؟
ج7: إن ترك السنة ليس فيها سب للآخرين فلا تنطبق عليه الآية، لكن ربما يؤخذ ترك السنة من دليل آخر من السنة وهو ترك النبي صلى الله عليه وسلّم بناء البيت «الكعبة» على قواعد إبراهيم خوفًا من الفتنة؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر، فمثلاً إذا كانت السُّنة من الأمور المستغربة عند العامة والتي يتهم الإنسان فيها بما ليس فيه فإن الأولى والأفضل أن الإنسان يمهد لهذه السُّنة في القول قبل أن يتخذها بالفعل، يبين للناس في المجالس، في المساجد، في أي فرصة مناسبة يبين لهم الحق حتى إذا قام بفعله. فإذا الناس قد اطمأنوا وفهموا وعرفوا.
وأنا أجزم أن العامة قد يكرهون السُّنة؛ لأن هذا الرجل هو الذي فعلها ولا يكرهونها لأن رجلاً آخر فعلها.
لو أن أحدًا من أهل العلم المعتبرين عند العامة رفع ثوبه لم يكن استنكار الناس لهذا العمل كاستنكارهم له إذا وقع من شخص آخر لا يعتبرونه عالمًا ولا يثقون به، وهذا أمرٌ معلوم.(8/14)
وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن الأولى أن تتدرج بالعامة بحيث إذا فعلت فعلاً يستنكرونه يكون عندهم علم مسبق به حتى يرد على قلوبهم وهي غير فارعة من العلم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 8: من الدعاة من ينتهج أسلوب التربية والتعليم للمدعوين، ومنهم من ينتهج أسلوب الوعظ والتذكير في الأماكن العامة التي يجتمع فيها الناس، فما رأي فضيلتكم في هذا، وأيُّ الأساليب أنجح؟
ج 8: الذي أرى أنَّ هذه من نعمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على العباد، أن جعلهم يختلفون في الطريق أو الوسيلة في الدعوة إلى الله، فهذا رجلٌ واعظ أعطاه الله سبحانه وتعالى بيانًا وقدرة على الكلام وتأثيرًا، نقول له: الوعظ أحسن له، وهذا آخر أعطاه الله ـ تعالى ـ لينًا ورقَّة ولطافة يربي الناس بأن يدخل فيهم من هذه الناحية، فنقول: هذا الأسلوب أفضل من الأول، لا سيما أنه إذا كان لا يحسن أن يتكلم؛ لأن بعض الناس داعية وعنده علم، لكن لا يحسن أن يتكلم؛ وفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ موزَّع بين عباده، رفع الله بعضهم فوق بعضٍ درجات، فالذي أرى أن الإنسان يستعمل الأسلوب الذي يرى أنه أنفع وأجدى، وأنه به أقوم، وألاَّ يدخل نفسه في أمرٍ يعجز عنه، بل يكون واثقًا من نفسه، مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ، حتى إذا وردت عليه إيرادات تخلَّص منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 9: ما رأي فضيلتكم فيمن ينفر من قراءة كتب الدُّعاة المعاصرين، ويرى الاقتصار على كتب السَّلف الأخيار، وأخذ المنهج منها، ثم ما هي النظرة الصحيحة أو الجامعة لكتب السلف رحمهم الله، وكتب الدعاة المعاصرين والمفكرين؟
ج 9: الذي أرى أن الدعوة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم فوق كل شيء، وهذا رأينا جميعًا بلا شك، ثم يلي ذلك ما ورد عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة، وعن أئمة الإسلام فيمن سلف، أما ما يتكلم عليه المتأخرون المعاصرون فإنه قد حدثت أشياء، هم بها أدرى، فإذا اتخذ الإنسان من كتبهم ما ينتفع به في هذه الناحية، فقد أخذ بحظ وافر، ونحن نعلم أن المعاصرين إنما أخذوا ما أخذوا من العلم ممن سبق، فلنأخذ نحن مما أخذوا منه لكن استجدت أمور، هم بها أبصر منا، ولم تكن معلومة لدى السلف بأعيانها، فالذي أرى أن يجمع الإنسان بين الحسنيين، فيعتمد أولاً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وثانيًا على كلام السلف الصالح من الخلفاء الراشدين والصحابة وأئمة المسلمين، ثم على ما كتبه المعاصرون، الذين جدَّت في زمنهم حوادث لم تكن معلومة بأعيانها فيما سلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 10: فضيلة الشيخ يثير البعض قضية أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قد تكفَّل بحفظ هذا الدين، ومن ثمَّ فإن العمل الذي يؤدّيه الدُّعاة في سبيل خدمة الإسلام عبث لا داعي له، فكيف الرد على هؤلاء؟
ج10: الرد على هؤلاء بسيط، إذ إن هؤلاء نزعتهم نزعة من ينكر الأسباب، ولا ريب أن إنكار الأسباب من الضلال في الدين والسفه في العقل، فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ تكفَّل بحفاظ الدين، لكن بأسباب... كذلك بما يقوم به الدعاة إلى هذا الدين من نشره وبيانه للناس، والدعوة إليهم، وما هذا القول إلاَّ بمنزلة من يقول: لا تتزوج فإن قُدّر لك ولد فسيأتيك، أو لا تسعى في الرزق، فإن قُدر لك رزقٌ فسيأتيك، فنحن نعلم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذا كان يقول سبحانه وبحمده: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فإنما يقول ذلك لعلمه؛ بأنه سبحانه وتعالى الحكيم، لا تكون الأشياء إلاَّ بأسباب فيقدر الله ـ تعالى ـ لحفظ هذا الدين من الأسباب ما يكون به الحفظ، ولهذا نجد علماء السلف حينما حفظ الله بهم دينهم من البدع العقدية والعملية، ساروا يتكلمون ويكتبون، ويبينون للناس، فلابد أن نقوم بما أوجب الله علينا من الدفاع عن الدين، وحمايته، ونشره بين العباد، وبذلك سيتحقق الحفظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 11: هناك من الناس، من لا يرتدع إلاَّ بالعنف، فما العمل معه؟
ج 11: لا شك أنَّ من الناس من لا يرتدع إلاَّ بالعنف، ولكن العنف الذي لا يخدم المصلحة، ولا يحصل به إلاَّ ما هو أشر، لا يجوز استعماله؛ لأن الواجب اتباع الحكمة، والعنف الذي منه الضرب والتأديب والحبس، إنما يكون لولاة الأمور، وأما عامة الناس، فعليهم بيان الحق، وإنكار المنكر، وأمَّا تغيير المنكر، ولا سيما باليد، فإن هذا موكول إلى ولاة الأمور، وهم الذين يجب عليهم أن يُغيروا المنكر بقدر ما يستطيعون؛ لأنهم هم المسؤولون عن هذا الأمر، ولو أن الإنسان أراد أن يُغير المنكر بيده كلما رأى منكرًا، لحصل بذلك مفسدة قد تكون أكبر من المنكر الذي أراد أن يغيره بيده، فلهذا يجب اتباع الحكمة في هذا الأمر، لو كنت ربّ أهل بيت، أي راعيهم، فإنك تستطيع أن تُغير المنكر في هذا البيت بيدك، فغيَّره، لكن تغير هذا المنكر بيدك في السوق، قد تكون النتيجة أسوأ من بقاء هذا المنكر، ولكن يجب عليك أن تبلغ من يملك تغيير هذا المنكر في السوق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 12: قد ذكرتم خلال المحاضرة أنه يجب على الداعية ألاَّ يدعو إلى شيء إلاَّ بعد تحقيقه في نفسه، والسؤال هو: إذا كان هذا الداعية يدعو إلى شيء لا يستطيع تطبيقه بعد المحاولة على ذلك، ويرى أن هذا المدعو سوف يقدر على القيام به.. فهل يدعو إليه؟(8/15)
ج 12: نعم.. إذا كان هذا الداعي الذي يدعو إلى الخير، لا يستطيع أن يفعله بنفسه، فعليه أن يدعو غيره إليه، ولنفرض كذلك أن رجلاً يدعو إلى قيام الليل، لكنه لا يستطيع أن يقوم الليل، يعني لا يستطيع أن يقوم هو الليل، فلا نقول: إذا كنت لا تستطيع، فلا تدعُ إلى قيام الليل، رجل يدعو إلى الصدقة وهو لا يستطيع، لا يملك أن يتصدق، نقول: ادعُ، وأما شيء يدعو إليه وهو يستطيعه، فلا شك أنه سفهٌ في العقل وضلال في الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 13: لماذا لا تُحقق مسائل الخلاف، ليتبنّى الداعية وجه الصواب فيها سبيلاً إلى جمع كلمة الأمة؟
ج 13: مسألة تحقيق مسائل الخلاف مشكلة؛ لأن كل إنسان يذهب إلى قول يرى أنه مُحقق فيه، وإذا أردنا أن نجمع العلماء في بلدٍ ما، فإن الظاهر أنهم لا يتفقوا و سيكون هناك خلاف في الرأي، حتى وإن حققنا، فإنه سيقع الخلاف، ولكن الواجب على العامة أو الذين لا يستطيعون أن يعرفوا الحق بأنفسهم، الواجب عليهم، أن يتقوا الله ما استطاعوا، وألاَّ يكون الدافع لهم بقبول هذا العالم المخالف لهذا العالم الاخر هو الهوى، بل يكون الدافع هو قصد الهدى، وعلى هذا فيتبع الإنسان عند اختلاف العلماء من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه ودينه وأمانته، وأما أن نجمع الناس على قول واحد، فالظاهر أنَّ هذا أمرٌ متعذر، وليت....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 14: أنا شاب أريد أن أكون داعية.. ولكن لا يوجد لدي الأسلوب المناسب، هل الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي المفيد، يكفي بأن أقوم بنشره أو توزيعه ؟
ج 14: نعم، لا شك أن الإنسان قد لا يتمكن من الدعوة بنفسه، ولكنه يتمكن من الدعوة بنشر الكتب النافعة والأشرطة النافعة، ولكنه بناءً على أنه لا يستطيع الدعوة بنفسه، فإنه لا ينشر هذه الكتب، ولا هذه الأشرطة، إلاَّ بعد عرضها على طالب علم، ليعرف ما فيها من خطأ، حتى لا يوزع هذا الرجل ما كان خطأً وهو لا يشعر به، وله أيضًا ـ بل من أساليب الدعوة ـ أن يتفق مع طالب علم، بأن يكتب طالب العلم ما فيه الدعوة إلى الخير، ويكون تمويل هذا على هذا الرجل الذي لا يستطيع الدعوة بنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 15: ألسنا ـ نحن المسلمين ـ مسؤولين أمام الله عزَّ وجلَّ، عن مآل، ومصير غير المسلمين في العالم كله، حيث يقع علينا مسؤولية دعوتهم لدين الله، ودين الحق، وإبراز السبيل السوي المستقيم لحكمة الله في الخلق، فما هو موقفنا إذا قالوا عند الحساب يوم القيامة لم يأتنا نذير ولا دعوة؟
ج 15: لا شك أن الواجب على المسلمين أن يبلغوا دين الله إلى جميع الناس، ولكن من الذي يقدر على ذلك إنه لابد أن يكون هناك قدرة؛ لأن جميع الواجبات التي أوجبها الله على عباده، مشروطة بالقدرة عليها؛ لقول الله ـ تعالى ـ: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}]سورة التغابن:16[ وقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم» فنحن يجب علينا ـ نحن المسلمين ـ أن نبلغ دين الله وشريعته لجميع الخلق لكن بقدر الاستطاعة، فمن الذي يستطيع أن يبلغ جميع الخلق شريعة الله، إن الذي يستطيع ذلك هو الذي يجب عليه، وأما من لا يستطيع؛ فلا يكلف الله نفسًا إلاَّ وسعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 16: هل يعني كلامكم في التعاون بين الدعاة أن يكونوا على صف واحد، من ناحية منهج الدعوة، وأسلوب الدعوة، أم أنه التعاون العام بالعمل العام بين الناس؟
ج 16: الذي أرى أن المراد بالتعاون الإطار العام، وذلك لأن الإطار الخاص، أو الأسلوب الخاص موكول إلى الشخص نفسه، فقد يرى الإنسان الداعية أن هذا الأسلوب المعين في هذا الوقت المعين في هذا المكان المعين خيرٌ منه في مكان آخر، ولا يمكن الاتفاق على أسلوب معين، في جميع الأحوال وجميع الأوقات وجميع الأماكن، لكن الإطار العام هو الذي يجب على الدعاة أن يتعاونوا فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 17: فضيلة الشيخ: قلتم إن مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب الإمام أحمد فكيف حكمنا على المذاهب الثلاثة الباقية؟
ج 17: لا أظن هذا؛ لأن المذاهب الثلاثة ليست على مذهب أهل السنة، لكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ معروف بين أهل العلم أنه إمام أهل السنة، وأنه قام بالدفاع عن السنة قيامًا لم يقمه أحدٌ فيما نعلم، ومحنته مع المأمون ومن بعده مشهورة، وإلا فلا شك أن أئمة الإسلام ـ ولله الحمد ـ كلهم على خير، وعلى حق ولكن ذلك لا يعني أن نبرئ كل واحد منهم من الخطأ، بل كل واحد منهم قد يقع منه الخطأ، بل الإمام أحمد نفسه قد يصرح بالرجوع عن القول وإن كان قد قاله من قبل كما في قوله في طلاق السكران، يقول: كنت أقول في وقوع طلاق السكران حتى تبينته، يعني فتبين له أنه لا يقع،؛ لأنه إذا أوقعه أتى خسرتين: تحريم هذه الزوجة على زوجها الذي طلقها وحلها لغيره، وإذا قال بعدم الوقوع أتى خسرة واحدة وهي حلها لهذا الزوج، الذي لم يتحقق بينونتها منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 18: يحجم كثير من الدعاة في التعاون مع المؤسسات الإعلامية، رغم تأثيرها الواضح على المجتمعات.. ما هو رأي فضيلتكم في واجب الدعاة تجاه هذه المؤسسات والعاملين بها؟(8/16)
ج 18: الذي أرى أنه إذا طُلب من الإنسان أن يدعو إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في مكان تكون المصلحة فيه أكثر والنفع أعم؛ فإنه لا ينبغي له أن يحجم عن هذا، بل الذي ينبغي أن يتقدم، وأن يرى أنَّ ذلك من نعمة الله عليه، حتى وإن كان قد يتعلل بأن هذه الوسائل الإعلامية، قد يكون فيها شيء من الشر، فإن هذا فيما أرى ليس بعلة؛ لأن هذه الوسائل إن لم تُملأ بالخير؛ ملئت بضده، وإذا ملئت بالخير، فلا يضر من تقدم إلى الخير أن يشوبها شيء من الشر، فأرى أنه من التعاون والتناصح أن يُقدِم الإنسان ويلبي الدعوة إذا طُلب إلى المشاركة في هذه الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 19: نرى بعض الدعاة وبعض الشباب ممن يكون إمام مسجد، قد يترك المسجد، ويذهب يدعو للمناطق من حوله، ويترك المسجد دون إمام.. فما توجيهكم لهذا؟.
.
ج 19: أنا أوجه الإخوة الأئمة إلى أنَّ بقاءهم في منصبهم، يؤمون المسلمين ويؤدون ما يجب عليهم أفضل من كونهم يخرجون إلى الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأفضل من كونهم يذهبون ليصوموا رمضان بمكة، أو يصلوا قيام العشر الأواخر في مكة؛ لأن قيامهم بوظيفتهم قيام بواجب، وذهابهم إلى ما يذهبون إليه ذهاب إلى سنة، وقد ثبت في الحديث الصحيح القدسي أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قال: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه» أمَّا إذا تعين أن يكون هو الداعي إلى الجهة التي ذهب إليها ولم يقم بهذا الفرض فليقدم إلى الجهات المسؤولة عن حاله، حتى يؤذن له بالذهاب، وتلتزم الجهات المسؤولة بإقامة من يكون مكانه.
===============
لكي لا يتناثر العقد .
اسم الكاتب : عبد الرزاق بن عبد الرحمن بن علي آل مبارك.
لكي لا يتناثر العقد
المقدمة:
قدر الله لي أن عشتُ في الغرب للدراسة سنواتٍ عديدة ، وما كنت في يوم من الأيام أحسب أن للغرب يداً طولى فيما يسمى بحركة تحرير - بل تدمير - المرأة في بلاد المسلمين كذلك اليوم الذي رأيت فيه الإعلانات الحائطية ، ثم تسامى إلى مسمعي مجيء أحد رموز هذه الحركة المشئومة - نوال السعداوي - إلى جامعة كلورادو في مدينة بولدر يوم أن كنتُ طالبا هناك .
وعندما جئتُ إلى الندوة فوجئت بالهالة الكبيرة والجمهور الكثيف وبالتصفيق الحار على ما في حديثها من ضحالة وسطحية ، وكان من غريب قولُها أنها من أسرة متدينة وأنها قرأتْ القرآن أربعين مرة ولم تجد فيه ما يدل على الحجاب !! وسط الهتاف والتصفيق الحار من الحضور!!
فما كان منا ونحن نرى هذا التيار الهائج من التضليل ، إلا أن رفعنا المصحف مشيرين إلى آيات الحجاب في سورتي النور والأحزاب فتجاهلت ما نقول ، رغم الاهتمام الذي أبداه بعض الحاضرين لإشارتنا إلى كذبها الصراح ورغبتهم في معرفة الحقيقة ، إلا أننا مُنعنا في المرة الثانية من التعليق أيضاً.
هذا الغرب الذي أُولع كثير من بني جلدتنا بتقليده رأيتُ فيه عن كثب انحدار قيم الإنسان إلى الحضيض ، وخاصة ما يتعلق بالمرأة والأسرة وعجزَه عن فهم إنسانيته وعن فهم نفسه التي بين جنبيه و ما يحقق سعادته وإن استطاع بآلته المأهولة أن يصل إلى القمر أو يجاوزه .
وعندما عدتُ إلى أرض الوطن آلمني تقهقر القيم عندنا أيضاً , ولو أن الفرق بيننا وبينهم كبير .
فما بالنا ونحن نقرأ القرآن كل يوم ونسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم ، غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين !!
وبعد ، فهذه كلمات كتبتها بماء العيون علّها تصل إلى قلبك ، وتصل إلى قلب كل أخت مسلمة في شرق الأرض و غربه .
وعلّها تُعين على إصلاح الخطام قبل أن ينفلت وعلى ترميم العقد قبل أن يتناثر.
أختاه أيتها الدرة المصونة والجوهرة الغالية:
أرعي لي سمعَك وقلبَك فإن لي إليكِ حديثاً مازال يتردد في جناني ويملأ عليّ فؤادي الذي اكتوى غيرة عليك ومحبة للخير لك.
كيف و ما رأيتُه منكِ هناك ، تفطَّر له قلبي و اغرورقت له عيناي،حتى امتلأتا بحرقة الوجدان قبل دموع الأجفان.
وأنا أرى بأم عينيّ كيف أغارت مخططات الأعداء وسهامهم الحاقدة المسمومة ، على عزتكِ وشموخكِ ودينكِ حتى صرتِ ألعوبة في أيدي حثالة القوم وسقط المتاع من أرباب الأزياء والموضة ، التي صنعها لك عُبَّادُ الصليب وأحفاد القردة والخنازير ، وروّج لها تاجرٌ أعمى القلب قدم حبَّ المال على حب الله ورسوله.
أرأيتِ كيف خماركِ – ومعه هذه الطُرَح المزركشة - فقد صار لثاماً ولعبة في يدكِ يكشف لذاك ويسدل لهذا ، تفعلين ذلك وكأن الله لا يراك !!
أما تعلمين أنه مطلع على خطرات نفسك التي بين جنبيك و اللهُ أمَرَكِ بالستر عن جميع الرجال غير المحارم دون استثناء !!
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل ، لمّا نزلت (وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) ]سورة النور:31[ شققنَ مُرُطَهُنَّ فاختمرنَ بها) رواه البخاري. وقال الحافظ ابن حجر : قولها " فاختمرن" أي غطَين وجوهَهن.
أفرأيتِ لو أبصرتكِ عائشة رضي الله عنها وأنت على هذا النقاب الفتان ، وهذه العيون الكحيلة التي لا يقر لها قرار و أنت على هذه الحالة التي لا ترضي الله ماذا تقول أم المؤمنين وماذا تفعل ؟!!
وقد أجمع أهل العلم على وجوب ستر الوجه عند خشية الفتنة ، وإن لم يكن هذا زمان الفتن فأيّ زمان ؟(8/17)
ثم إنهم أسقطوا عباءتكِ عن علياء رأسكِ ، وألبسوكِ ثوباً أسوداً أشبه شيء بأثواب الرجال ، وسموه كذباً وزوراً ( عباءة ) ، نعتوها بالعمانية تارة وتارة بالفرنسية وبالمغربية تارة أخرى ، لا يلوون على شيء طالما أنها تحقق لهم هدفهم الأكبر وهو إسقاط حجابكِ بالكلية ، وإلا فمنذ متى سمعتِ أن فرنسا تعرف الحجاب وتصدِّره وتدعو إليه ؟ ألا وإنها سميت بالفرنسية لأنها ليست عباءة أصلاً !
ثم بعد ذلك جاءوك بالطامة ، ألا و هي العباءة الأمريكية ، وهي باختصار فستان على شكل بنطال كالذي تلبسه الكوافر ! فانظري كيف يتدرجون بك إلى الهاوية خطوة خطوة ، و هكذا خطوات الشيطان ، فأي سخرية بالدين وبشعائر الإسلام هذه؟
أمّا الجلباب في الاصطلاح الشرعي فليس بثوب ذا أكمام وأكتاف وخاصرة ، وإنما هو ملاءة تلتحف بها المرأة فوق ثيابها تستر به جميع بدنها وثيابها وزينتها ، وهاكِ الدليل القاطع على هذا ، وذلك عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء المؤمنين بأن يشهدن صلاة العيد ، فقد روى البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت : ( قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ) ، قال : (لتُلبسَها أختُها من جلبابها). فلو كان الجلباب ثوباً ذا أكمام وأكتاف لاستحال أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم عطية أو غيرها من الصحابيات الجليلات أن تُلبس أختَها منه ، ولكان ذلك من التكليف بما لا يطاق.
أمَا وإن هذا الثوب الذي ترتدينه لم يبق فيه من الجلباب الشرعي والعباءة ، سوى الأحرف التي سرقوها من تيك الأولى العالية الشامخة ، تلك التي طالما رفعتها على رأسكِ تاجاً لعزكِ وعنواناً لمجدكِ وفخراً لكِ بين الأمم على مر التاريخ !
أختاه أنتِ تعلمين أن هذا الثوب أو الفستان الأسود الذي كنتِ ترفضينه من قبل بشدة قبل أن يسموه لك عباءة وقبل أن .. وقبل أن .. ، تعلمين - دون ريب - أنه ذريعة محققة لإسقاط الحجاب كلية وهو بذلك محرمٌ من باب سدِّ الذرائع ، فكل ما أفضى إلى حرام فهو حرام ، كما هو معلوم عند أهل العلم سلفاً وخلفاً ، وكما أفتى بحرمته العلماء من هذا الوجه ، ومن وجوه أخرى ، كإظهاره لتفاصيل جسد المرأة ومشابهته لطريقة لبس الرجال أرديتهم ، ولمخالفته لقول الله عز وجل:{ يَا أيُّهَا النَّبيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ .. الآية}]سورة الأحزاب:59[ .
وكما هو محقَّق عند أهل اللغة أن استعمال الحرف "على" وهو من حروف المعاني ، يفيد العلو ، وأعلى الجسد هو الرأس وليس الكتف.
نعم !! تعلمين أنه ذريعة أكيدة لأهدافهم الدنيئة ، وقد رأيتِ بنفسكِ كيف وسعوا أكمامه ، حتى ما إذا جئتِ لإتمام الصفقة -الخاسرة- و ما إن رفعتِ يدكِ لإعطاء ذلك البائع الجشع نقوداً - يالله - ثمنا باهظاً لإنقاص ستركِ ، حتى انكشفتْ ذراعك إلى المرفق !
وربما زركشوها وربما .. وربما .. ورأيتِ كيف أخذتْ يد التخريب الآثمة في تضييق ذلك الثوب ، وتشريحه من هنا وهناك وتزيينه ، حتى صار بعض ما يلبس في البيوت أقلَّ فتنة مما تلبسين في السوق ، ثم تحسبين أنكِ على شيء وأن لكِ حجة.
أختي الغالية أوما سمعتِ ذلك المنصِّر الذي وقف في أحد مجامعهم في بلاد الغرب ، ثم قال : تظنون أننا لم نفعل شيئا في جزيرة العرب ولم نحقق نجاحاً ؟ ثم صمت قليلاً وقال : نعم ، نحن لم نستطع أن نُدخلَ رجالهم في النصرانية ، ولكننا نجحنا في أن نُلبس نسائَهم لباس راهبات الكنيسة !
وإن شئتِ فقارني بين لباس راهبات النصارى وبين هذه العباءات المستحدثة، وستعلمين حجم المؤامرة التي يدبرها أعداء الفضيلة وحزب الشيطان.
وقد وقعت عيني على مقابلة مع واحدة ممن شاركن في تصميم هذه العباءات الجديدة ، وهي مصممة الأزياء الإيطالية رفايئلا كاردينالي- بالمناسبة فإن كاردينال رتبة من رتب الكنيسة - ، حيث جاءت لتقيم عرض أزياء في مدينة الرياض !
وقالت أن أولى زياراتها كانت عام 1997م بعدها اعتادت على الحضور وأنها-على زعمها- أحبَّتْ هذا البلد كثيراً ، خاصة أن أهل البلد يشتهرون بحسن الضيافة كما هي عادات العرب دائماً . وعبرت عن سرورها لما قد حقق العرض الذي أقامته نجاحاً كبيراً ، وأنها لذلك تخطط للمجيء هنا مرات ومرات !!
وتحت عنوان "العباءة السعودية زي ينافس الأزياء العالمية" حيث كان هذا الحوار:
س:(سهام صالح): ما الذي جذبك في العباءة السعودية؟
ج:(رفايئلا كاردينالي): العباءة السعودية تشبه "الكوت " الأوروبي ، لذلك يمكنها المنافسة في الأسواق الأوروبية خاصة في المساء مع الشال. فالسهرات في أوروبا تعتمد على الكوت والشال.
إذن هي فكرة قريبة جداً من الذوق الأوروبي، على الرغم أنها تمثل زياً عربياً إضافة إلى أن تصميم العباءة شيء رائع وجذاب ومختلف.
س:(سهام صالح): ما هي الخامات التي استخدمتها في تصميم العباءة القريبة من الكوت الأوروبي؟
ج:(رفائيلا كاردينالي): الكوت دائماً ما يكون مصنوعاً من الصوف وبالتالي عادة ما يفتقد الأناقة. لذلك عمدت إلى صنع العباءة التي تصلح ككوت من خامات غير الصوف كالحرير والساتان والكتان وغيرها .
س:(سهام صالح):هل قمت بتصميم أزياء سعودية أخرى غير العباءة كالثوب السعودي مثلاً؟
ج:(رفائيلا كاردينالي): لا .. ربما في المستقبل فأنا لا أعرف مدى تقبل السوق لتصميمي للثوب ..الخ.(8/18)
فانظري إلى من يصمم حجابك الذي تَدينين الله به ومن يتلاعب به ويخطط له ، حتى صار أثراً بعد عين أو كاد ، إنهن الساقطات من نصرانيات أوروبا ويعينهن على ذلك أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، ثم جئتِ أنت لتكونين شماعتهم المتنقلة التي يعلقون عليها بضاعتهم المسمومة شئتِ أم أبيتِ ، وتعطينهم مقابل ذلك مالاً وفيراً خسارة في الدنيا وخسارة في الدين ، فعياذا بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن خاتمة السوء.
من أين هذا الزيّ؟
أختاه لقد قال ربي وربك :{ يَا بَني آَدَمَ قَدْ أَنْزَلنَا عَلَيكُمْ لِبَاسَاً يُوارِي سَوءَاتِكُم وَرِيشَاً وَلباسُ التَّقوى ذلكَ خَيْرذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ}] سورة الأعراف: 26[.
وقد كنتُ بالأمس أمام بيوت الأزياء التي زخرفوها لكِ ، وأقسم لكِ بالله أني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه المزق القماشية القصيرة والضيقة والشفافة ، وهذه البناطيل الفاضحة التي علقوها على جدرانهم وتماثيلهم وأسموها ملابس !! ، وقد أعمى بصائرهم الجشعُ عن كل فضيلة .. أقسم لك بالله ثانية أنني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه الزينة المحرمة ، وهذا السفور البُواح ، هنّ أنتِ وأترابكِ من المؤمنات العفيفات اللاتي حملن في قلوبهن لا إله إلا الله ، وخفقتْ في صدورهن آيات كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رويداً رويداً:
أحقاً أنت حفيدة خديجة وفاطمة وعائشة وأسماء وأم سليم وأم عمارة ، وذلك الطراز الأول من النساء اللاتي يتشرف بذكر أسمائهن المداد ويتضوع بشذا عَرفهن أجواء بيوت الطهر والإيمان !!!
أحقاً أنت حفيدة أمهات المؤمنين و سليلة نساء الأنصار ، اللاتي قالت عنهن عائشة رضي الله عنها فيما رواه ابن أبي حاتم عن صفية : ( ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت : إن نساء قريش لفضلاء ، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أُنزلت سورة النور: {وَليَضْرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ، ما منهم امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان ).
وهاهي أم المؤمنين عائشة أعلم نساء هذه الأمة رضي الله عنها لا تفرط من ذلك بشيء ، بل وهي في حال الإحرام رغم أن له حكم خاص عُلِم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) رواه البخاري.
إلا أن حكم الحجاب بحضرة الرجال الأجناب قدم عند تعارضهما ، ويقر ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ، قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة و الدارقطني و البيهقي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على حديث بن عمر فيما يتعلق بالنقاب والقفازين : (وهذا مما يدلّ على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن).
وروى أبو داود في السنن والبخاري في الكُنى بسنديهما ، وهذا لفظ أبي داود : عن حمزة بن السيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : ( استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تَحْقِقْنَ الطريق، عليكن بحافات الطريق ) فكانت المرأة تلصُق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها...!
ولعمر الله إنها صورة تهز وجدان المؤمن ، فهذا هو أفضل جيل وقرن على مر التاريخ ، وهاهن أفضل النساء بين أفضل الرجال ، وهم خارجون من مسجد رسول الله بعد أداء فريضة من فرائض الله ، وبين ظهرانيهم سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه ، ثم يأمر رسول الله نساء المؤمنين فما يكون منهن إلا الاستجابة الكاملة : ( فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها) أفلا يتحرك قلبك ..؟ ألا يهتز جنانك ..؟ ألا تهمل دمعتك وأنت ترين هذه الصورة التي هي في غاية الحشمة والطهارة ..؟؟؟
فأين أنت من ذلك يا أمة الله ، لا أقول في بيوت الله فإني أراك لاهية عن ذلك الموطن بغيره من زينة الدنيا وزخارفها - ولا أخفيكِ أني أخشى عليك أن تكوني ممن لا يدخل المسجد إلا محمولة على الأعناق ، يوم تلتف الساق بالساق ، إلى ربك يومئذ المساق.
ولكن أين أنت من ذلك الخُلُق , خلُق الحياء ، خلق هذه الأمة ، (الحياء شعبة من الإيمان) ، أين أنت منه في الأسواق وفي المطاعم وفي المنتزهات وفي دور الأفراح ؟؟
قال مجاهد عند قوله تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}] سورة الأحزاب: 33[: ( كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية)
وقال صلى الله عليه وسلم : (المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في مقر بيتها) رواه الترمذي وابن حبان و الطبراني في الكبير.
قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) ، فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : (يرخين شبراً)، قالت: إذن تنكشف أقدامهن ! ، قال : (فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه). رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.(8/19)
فانظري رحمك الله إلى هذه الطاهرة المطهرة أم سلمة المخزومية القرشية الشريفة رضي الله عنها وأرضاها ، وكيف لها من الفقه في دين الله أنها أدركت بذكائها وبصيرتها وبذوقها السليم ، أن المرأة مناط للستر والحجاب - وانظري ذلك في قولها (فكيف يصنع النساء بذيولهن؟) رغم شبهة التعارض مع النص الدال على حُرمة جر الثوب خيلاء ، ورغم أن الإسبال من الكبائر ورغم ما تعلق ذلك من العقوبة العظيمة وهو حرمان المسبلين خيلاء نظر الله إليهم يوم القيامة ، ويالها من حسرة ويالها من عقوبة.
فكيف إذا بعقوبة المتبرجة والسافرة ! إنها نار جهنم حماني الله وإياك من حرها وأظلنا الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وانظري سلكني الله وإياك طريق الرشاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقرها على هذا الفهم النافذ وهذه البصيرة ، بأن رخَّص للنساء وهو المؤيَّدُ بوحي السماء، أن يرخين الجلباب (العباءة ) شبراً ثم ذراعاً !
وهذا من أجل ستر الأقدام وحسب فكيف بما غير ذلك من زينة المرأة ومفاتنها ؟ لا شك أنه داخل بالقياس المطرد من باب أولى بل إن الله عز وجل أمر بأكثر من ذلك، قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}] سورة النور: 31[ فإن ذلك محرم بنص القرآن ولو كانت القدمان مستورتين.
وهذه الصِدِّيقة أسماء بنت الصدِّيق رضي الله عنها تقول : (انطلقتُ يوماً إلى أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعمل بها، وفي يوم من الأيام حملتُ النوى على رأسي ، وقفلتُ راجعة إلى الدار ، وفي الطريق قابلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حملي فناداني وأناخ بعيره ليحملني ، فاستحييتُ أن أركب معه وأن أسير مع الرجال ، فعرف ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومضى وتركني ، ومضيتُ أنا حتى بلغتُ الدار).
وأترك هذا الصورة الناطقة تختزل أسفاراً من المروءة والمجد ، يهشُّ لها وجه الشمس وتبتسم لها نجوم السماء ، أتركها دون تعليق وأكتفي بما ربما يعتمل في قلبكِ ويذرف من عينكِ.
فيا من تركب مع السائق مسلماً كان أم كافراً، تذكري دائماً هذا الحديث وقولي: أين هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأين أنا من أسماء؟
وتذكري ذلك وأنت تدخلين على الطبيب دون محرم.
وتذكري ذلك وأنت تتحدثين مع البائع بطريقة غير لائقة ، حتى ليكادُ المرء أن يجزم أنه أخوك أو خالك أو عمك.
فإذا كنتِ تريدين السلامةَ لدينكِ والطهارةَ لقلبكِ وذهبتِ إلى السوق لحاجة فاذهبي مع ذي محرم ، واتركي له أمر محادثة الرجال والاختلاط بهم ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وقد علمنا هذا الأدب ربنا عز وجل ، حيث خاطب أفضل الرجال وأفضل النساء بقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب ذَلِكُم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}] سورة الأحزاب: 53[ فيا سبحان الله إنه خلق الحياء .. الحياء خلق هذه الأمة.
وفي أيام الحج ، خطب صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم فقال: ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال : (يا رسول الله إن امرأتي خرجتْ حاجّة ، وإني اكتتبتُ في غزوة كذا وكذا) فقال صلى الله عليه وسلم : (انطلق فحج مع زوجتك). قالها عليه الصلاة والسلام دون قيد أو شرط ، ولم يسأل عن حالها أهي شابة أهي موثوقة ؟ أهي مع رفقة مأمونة؟، قالها لرجل ليس بذاهب إلى منافسة رياضية أو إلى سَمْرة مسائية مع الأصدقاء، ذاهب إلى الغزو في سبيل الله، وهذه المرأة ليست مسافرة من أجل زيارة قريبة أو صديقة من أجل التسوق و التفسح وتغيير الجو، ولكنها ذاهبة إلى جهاد المرأة من الحج والعمرة.
أخيّتي أزيلي عنك الغشاوة أفيقي ، إن التبرج من كبائر الذنوب , ويترتب عليه دخول النار والحرمان من الجنة وناهيك بذلك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه : (صنفان من أهل النار لم أرهما .. وذكر منهما : ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) ورواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة وجاء فيه (وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة عام).
فيالله هل بقي عندك بعد هذا كله حيرة أو تردد في الإقلاع والبراءة الكاملة من هذه الكبيرة,وهل لازلتِ تقدِّمين رِجْلاً وتؤخرين أخرى نحو الاستقامة وسلوك المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , أخيتي :حجابَك ، فإنه حجابُك من النار.
غربيات لا يبغين بالإسلام بدلاً:
أختاه وأنت تتراجعين إلى الوراء وتنزلين عن مكانك العالي، ألم يخطر لكِ ببال أيّ امرأة أنتِ؟ وأيّ دين تنتسبين إليه؟
ألم تسمعي عن تلك النصرانية التي قالت : إن سبب اعتناقها للإسلام هو ما رأته من مظاهر الحشمة والحياء بين المسلمات ومن تركهن للاختلاط والتبرج الذي دمر قيم الأسرة والمجتمع في بلادهم وما رأته من اصطفاف المسلمين للصلاة في الجانب الآخر في مشهد هو غاية في التأثير.
والشيء المثير حقا أن أولئك النسوة اللاتي كن سببا لهدايتها ،كان كلهن من الأمريكيات اللاتي اخترن الإسلام على ما سواه من الأديان وتعبدن لله لا سواه وعضضن بالنواجذ على لا إله إلا الله , واقتدينَ بأمهات المؤمنين فلبسنَ الحجاب الكامل دون أن يُرى من إحداهن شيء!(8/20)
أخيّة ألم تعلمي عن تلك المرأة النصرانية الأخرى التي رأت فتيات مسلمات يمشين في الطريق وتشرفن بارتداء الحجاب ، وبعد أن سَألتْ عن خبرهن وقيل لها أنهن يَدِنَّ بالإسلام، اتجهت إلى دراسة هذا الدين حتى انتهى بها المطاف إلى اعتناقها للإسلام.
إن هذا المشهد الذي قد يظنه البعض عاديا وغير مؤثر، قد كان له الدور الأول في إنقاذ نفس إنسان من النار ، وجريان مثل أجر هذه الأخت المهتدية لهاتيك الفتيات المحجبات وهن غافلات لا يدرين عن أمرها شيئاً .
وأما مشاعر هؤلاء المسلمات بعد ذلك وسعادتهن وراحتهن فلا تسألي.
هذه مجموعة من الغربيات اللاتي ذقن طعم الإيمان ولذة الاستقامة على هذا الدين يقلن : (زادني الحجاب جمالاً ـ الحجاب إعلان عام بالالتزام ـ الحجاب شعار تحرر ـ الحجاب يوفر لي مزيداً من الحماية ـ عندما أسلمتُ أصررتُ على ارتداء حجابي بالكامل من الرأس إلى القدم ـ الحجاب جزء مني، من كياني، فقد ارتديته قبيل إسلامي لإحساسي أنني أحترم نفسي وأنا أرتديه).
وأخريات منهن يصرخن : (أحس في قلبي رقة لم أعهدها قبل إسلامي ـ شعرتُ أنني كنت دائماً مسلمة ـ اكتسبتُ من الإسلام القوة لمواجهة الناس ـ أجاب الإسلام عن جميع تساؤلاتي ـ وجدت في الإسلام ضالتي وعلاج أزمتي ـ قبل إسلامي كنتُ لا شيء ـ أصبح هدفي الأسمى الدفاع عن هذا الدين ـ صارت الصلاةُ ملاذي والسجود راحتي وسكينتي ـ فرحتي لا تُوصف ـ شدتني العلاقة المباشرة بين العبد وربه ـ المرأة الغربية لا تعرف ماذا تريد ـ تعرفتُ إلى وحدانية الله فبكيت ـ المرأة الغربية ليست متحررة كما قد تتوهم المسلمة ـ نطقتُ بالشهادتين فسرتْ في عروقي قوة خارقة ـ الإسلام هو الذي أعطاني الأمان ـ اكتشفت كنوزاً كنت أجهلها ).
ويطيب لي هنا أن أُثَنّي بقصة العالمة الألمانية زيغريد هونكة صاحبة الكتاب الشهير (شمس العرب تسطع على الغرب).
وقد حدثني بخبرها الدكتور علي الدفاع عالم الرياضيات المعروف في جامعة البترول بالظهران بنفسه مشافهة قال : كنت في أحد المؤتمرات العلمية في أوربا وقد تحدثتُ إلى الدكتورة هونكة وكنت مطلعا على كتاباتها وإنصافها لعقيدتنا وحضارتنا ورأيتُها وقد كبِرت سِنُّها قلت لها : إن لي حلم جميل أرجو له أن يتحقق, فقالت لي : وما هذا الحلم؟ قال فأجبتُها : بأن حياتك العلمية والثقافية الطويلة في الدفاع عن مآثر العرب والمسلمين وتاريخهم أرجو أن يكون لهذه الحياة الحافلة وهذه السيرة العلمية المميزة تكملة جميلة وأن تختم بأحسن ختام وذاك بأن تدخلي في الإسلام, قال محدثي وقد رأيتُ عينيها قد اغرورقتا بالدموع ثم قالت لي بالعربية الفصيحة : بيني وبين ذلك قاب قوسين أو أدنى,قال فما مر عام أو أكثر حتى سمعتُ خبر اعتناقها للإسلام ، وسمعتُ خبر وفاتها بعد ذلك بمدة رحمها الله.
ومثلها قالت الصحفية الأمريكية هيلسيان ستاسنبري بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع, وعندما عادت إلى بلادها لم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها و تمحض نصيحتها حيث تقول : (إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول . وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا,امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا).
حسرات وعبرات:
إن مما أخشاه عليكِ يا أختي الغالية أن تكوني في مثل حال هذه المرأة المسلمة وحسرتها وهي تقول:
( كنت شابة يافعة أحب الحياة وأكره ذكر الموت ,أغادر مجلس رفيقاتي متى ما تتحدث إحداهن عن حادث أليم أو مرض عضال ,وكنت أتابع أخبار الموضة بشغف وشوق أركض لأجل أن ألحقها فلا يفوتني منها خبر,حتى عباءتي لم تتركها الموضة على حالها ، فقد أغراني حب الجديد بأن أتفنن في طريقة لبسي لها فتراني حيناً أضعها على كتفي لا على رأسي لأجل أن أظهر زينتي وشيئا من أناقتي, أما نقابي بل قل نقاب الفتنة ، فقد بدأت ألبسه تمشياً مع الموضة وتحججاً واهياً بعدم الرؤية ، عيناي أظهرتهما كحيلتين,من خلال فتحات نقابي ، ومضيت أتابع عيون من حولي،وتحملني غفلتي وسذاجتي على أن أزهو فرحاً كلما رأيت أعين المارة ترمقني بإعجاب أو استغراب!
وذاتَ مرة سافرتُ إلى بلد غربي ولم أكتف بتجميل حجابي وحسب ، ولكنني خلعته ورميت به في مقعد الطائرة التي أقلتني مسافرة , وفي تلك البلاد شد بصري منظر امرأة متحجبة لا يظهر منها شيء،عباءة طويلة فضفاضة ، خمار طويل مسدل اقتربتُ منها فسمعتها تتكلم بلهجة أجنبية صرفة.
تعجبت وتساءلت أتراها امرأة عربيه مقيمة اعتادت لغة القوم وتحدثتْ بها بهذه الطلاقة والقدرة؟ فضولي دفعني لأن أطرح عليها سؤالاً:أعربية أنتِ؟ قالت:لا بل أنا كندية مسلمة، دخلتُ الإسلام منذ سنة ونصف ، ومن حينها وأنا كما ترين أرتدي حجابي وأسير وعزتي وفخري بديني الجديد يسيران معي.
وضعتُ أنا يدي على رأسي بحثتُ عن حجابي ,لم أجده,تذكرتُ أني رميتُ به على مقعد الطائرة, ردَّدتُ كلمات ساخنة بيني وبين نفسي..يا الله ..يا رب.. أ أجنبية لم تعرفك ولم تؤمن بك إلا منذ سنة ونصف،وأنا جدي مسلم وأبي مسلم وأمي وأخي بل قومي كلهم مسلمون, نشأتُ على طاعتك وتربيت في بيت يؤمن أهله بك ، فكيف أتخلى بهذه السهولة عن حجابي وتتمسك هي به!).
أيّ امرأة أنتِ بين النساء؟(8/21)
أختاه وإنما سُقتُ لك هذه الأمثلة وهي غيض من فيض لأقول لك ما قاله الله عز وجل:{ألَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُون}] سورة الحديد:16 [فيا ريحانة الفؤاد ويا سليلة الأمجاد، آن لك أن تعودي إلى ربكِ وخالقكِ ورازقكِ وإلى دينكِ ، الذي لن تفلحي إلا بالتمسك به وإلا بالتوبة من سكرة هذه الغفلة المهلكة، التي تكاد أن تلقي بك في متاهات الضلالة وفي دروب الغواية والعياذ بالله.
آن لك أن تتجللي بحجابك الكامل لا الحجاب المزوق المزيف، وآن لك أن تعيدي حياءك وسترك وعباءتك الأولى على رأسك سيفاً في وجه الباطل الذي عربد وكاد أن يلقي بكِ في شراك العدو لولا أن الله سلم.
لقد آن لك أن تعلمي أن صرح هذا الباطل الذي أغراك مظهره ، والذي أمسى ينتفخ حتى صار كالبالون الكبير، يوشك أن ينفجر لأدنى شوكة تصيبه من هنا أو هناك
وإلا فأنت تقرأين قول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَقُل جَاءَ الحَقُّ وَ زَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً }] سورة الإسراء:81 [ فإن من عادة الباطل أن يزهق حينما يجيء الحق.
وآن لك - يا أخية - أن تَقْطَعي تلك اليد الآثمة التي تسللت وامتدت إلى خماركِ وجلبابكِ ، وقطّعتْ أثوابكِ يمَنةً ويَسرةً ، ولم تبق عليك إلا لباساً يظهر أكثر مما يستر والله المستعان.
فيا شقيقة الرجال ويا مصنع الأبطال,كوني صخرةً صُلبةً في جدار الأمة ، و لا تكوني سهماً في كنانة الأعداء يشدخون به هامة الفضيلة وعالية الكرامة, وإياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك.
أختاه ..أخوفك بالله الذي يعلم السر وأخفى أن تظني أنّ ما تفعلينه من إنقاص حجابكِ وحياءكِ شيئاً فشيئاً ، يوماً بعد يومٍ ، ذكاء أو فطنة.
{ أَلا إنَّهُم يثْنُونَ صُدُورَهُم ليَسْتَخفُوا مِنهُ ألا حِينَ يَسْتَغشُونَ ثِيَابَهُم يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ}] سورة يونس:5 [.
وحذّر الله من سبيل المنافقين وقال عنهم:{ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ مَا يَخدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَ مَا يَشْعُرُون}] سورة البقرة:9 [ .
وإني أعيذكِ بالله من ذلك وأذكِّرَكِ أن ذلك ظلمٌ لنفسكِ أولاً وقبل كل شيء ، ثم إنه ظلم لأهلكِ ومجتمعكِ وأمتكِ وإعانةٌ على الفساد والإفساد.
وإن من أخطر تبعات التبرج والسفور أنه سنة في الإسلام سيئة ،عليكِ من وزرها ووزر من تبعكِ فيها إلى يوم القيامة، من النساء اللاتي لازلن يترددن في منزلة بين المنزلتين ، ومن صغيرات اليوم / أمهات الغد اللاتي صرن ينظرن كيف تفعلين فيقلدن - دون أن ينقص من أوزارهن شيئاً - وقد جاء في القرآن المجيد:{لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}] سورة النحل:25 [
ألا وإن كل ما هو محرم على البالغة ، لا ينبغي أن تنشّأ عليه الصبية ، ولا تقولي إنها صغيرة فإنها غداً كبيرة !
حول تحرير المرأة:
لقد زعموا - ومنهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - أنهم يريدون تحريرك !
فأسألك بالله أحقاً أنكِ رقيق تباع في سوق النخاسة؟
أخبريني منذ متى وأنت كذلك! حاشا وكلا ، ولكنهم يريدون تحريرك من حريتك الحقة بعد إخراجك من بيتكِ وعفافكِ ، من أجل أن تكوني رقيقاً لشهواتهم الدنيئة، وقد سمّوها بغير اسمها ، ومن أجل أن تصبحي وتمسي مطمعاً لقلوبهم المريضة الفاسدة.
ولا أحسب القوم جاءوا بجديد ، فطريق الشيطان واحدة وخطواته لم تتغير قِيد أنملة
وما إثارة نعرة العداء بين الجنسين إلا لوثة من لوثاتهم التي نقلوها عن سادتهم في الضلالة من الغربيين ، ولها أصل في التوراة المحرفة ثم نقلتها يد التحريف إلى الإنجيل أيضا ، فيما طُوِّرَ بعد بما سُمِّي بحركة (النسوية) (Feminism).
ومن تتبع تاريخ هذه الحركة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية و ما آلت إليه، تالله يفتأ يذكر نعمة الهداية إلى الحنيفية السمحة.
وعندنا نحن المسلمين امرأة واحدة مؤمنة صالحة ، خير من ملء الأرض من الرجال الكفرة الفجرة, وإنما الصراع منذ الأزل بين أهل الحق وأهل الباطل وليس كما يقولون في صحافتهم وإعلامهم فلا تنطلِ عليك هذه الحيلة الماكرة.
مؤتمرات أم مؤامرات:
وأما الغرب الصليبي واليهودي ودعاواه في مؤتمراتهم وآلتهم الإعلامية الضخمة، التي أجلبوا فيها بخيلهم ورَجِلِهم ، فإنه أحقر من أن يلتفت إليه، فالمرأة عندهم تحت ظلال الحرية المزعومة حذاء يلبسه أراذلهم من شاء متى شاء ويخلعه متى شاء إذا شاء، بل هي عندهم أهون من ذلك.
وهنا مثال عن أشهر ممثلة أمريكية وقد جعلوها صنما للفتنة يعبد من دون الله، وهي مارلين مانرو, وقد عاشت تعاسة لا يشبهها تعاسة حتى أقدمت على الانتحار، ثم اكتشف محقق قضيتها رسالة في صندوق الأمانات كُتب عليها لا تفتح قبل وفاتها, وقد كتبتْ فيها بخط يدها إلى فتاة تطلب نصيحتها : (احذري المجد,احذري كل من يخدعك بالأضواء,إني أتعس امرأة على هذه الأرض,لم أستطع أن أكون أماً,إني امرأة أفضل البيت,الحياة العائلية الشريفة الطاهرة ، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية ...الخ ).(8/22)
ولو أنهم سمعوا صوت عقلائهم لتجنبوا كثيرا من الرزايا، ومن ذلك كلمة الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي وقد أصاب كبد الحقيقة يقول: (اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب ، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ، و لا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب ، وإذا متُّ فقولوا : أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة).
والعجيب أن الغرب و ما يدعو إليه في مؤتمراتهم تلك، و ما تشتمل عليه من المؤامرات ومن توصيات مخجلة، داعية إلى تدمير المرأة والأسرة ومن صنوف الرذائل التي لا ترضاها بهيمة الأنعام فضلا عن الإنسان الذي كرمه الله ، كل ذلك متحقق في مجتمعاتهم وفي المرأة الغربية على أكمل وجه!
إذا لماذا كل هذا الضجيج لماذا ! أجل لكي يصدِّروا هذا الأوبئة إلى مجتمعات العالم الثالث وغايتهم الأولى هو العالم الإسلامي برمته,و ما عاد هذا يخفى على ذي لب، فقد صاروا لا يطيقون أن يروا ثوب الكرامة و لا عباءة الفضيلة عندنا، بعد أن تعروا منهما ورأوا أنهم سائرون في طريق ليس فيه رجعة، ويريدون أن يأخذوا معهم من استطاعوا من بني جلدتنا ، فهم حقا دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها.
أمَا لو كانت دعوى تحرير المرأة عندهم فيها بعض خير للمسلمين لوضعوها في السراديب وغلّقوا عليها الأبواب، تماماً كما يفعلون في شأن التقنية والصناعات الأساسية والثقيلة وصناعة الإلكترونيات الدقيقة و رقاقات الحاسب الآلي.
ولكن القوم كما قال ربنا فيهم وهو أصدق قائل:{وَدٌّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً}] سورة النساء:89[.
بل شموخ الإيمان:
أختي الغالية أيّ امرأة أنت بين النساء تحمل القرآن والسنة,رضِيتْ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
أبعد أن توَّجكِ الله بأبوين مؤمنين صالحين ورضعتِ لُبانة الإيمان منذ الصغر، ونشئتِ في بيت مسلم ملؤه الطهر، وتعلق قلبُكِ كلمةَ التوحيد ومعنى الإخلاص، تكونين كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً!
أيجوز لك بعد تلك الكرامة أن تكوني تبعا لمخلفات الغرب الفكرية والخلقية والاجتماعية!
ألا تعلمين أن المرأة الغربية عندما تراكِ كَلِفة بتقليدها والسير على خطاها تنظر إليك باحتقار وازدراء شديدين كما عبر عن ذلك بعضهن؟
أيجوز لك هذا التهافت وهذا السقوط المريع؟
كلا والذي لا إلهَ غيرُه.
ارفعي رأسك اعتزازاً بدينكِ الحق، واشمخي بأنفكِ شموخ الإيمان لا كبراً ولا بطراً,واختاري من الطريقين ما هو أليق بتكريم الله لكِ, واسلكي أحسن النجدين فكوني من الشاكرين لا من الكافرين.
فالله عز وجل قال في محكم كتابه عن مآل الخلائق ومصائرهم : {فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ}] سورة الشورى: 7[
نعم في يوم القيامة ، يوم الحسرة ، يوم الندامة,فاختاري يا أخية من الطريقين ما يوصلك إلى أحسن الغايتين, وأحسبك قادرة على ذلك, وأسأل الله لي ولكِ التوفيق والسداد.
============
الدَّاعِيَةُ البَصِير أخلاقُهُ وَصفاتُهُ وَمنهجُه
في ضوء الكتاب والسنة الصحيحة وأقوال علماء سلف الأمة .
اسم الكاتب : د. علي بن عبد الله الصيَّاح
________________________________
الدَّاعِيَةُ البَصِير أخلاقُهُ وَصفاتُهُ وَمنهجُه في ضوء الكتاب
والسنة الصحيحة وأقوال علماء سلف الأمة
المقدمة :
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ أما بعد:
فإنَّ الدعوةَ إلى الله من أجل الأعمالِ التي يعملها المسلمُ في حياته وأفضلها وأشرفها مقاماً، وهي مهمة الرسل والأنبياء والدَّاعِيَة إلى الخير من المفلحين والسعداء في الدنيا والآخرة .
ومشاركة في هذا الخير كتبتُ هذه الرسالة الوجيزة في صفات وأخلاق ومنهج الدَّاعِيَة البَصِير مراعياً في ذلك ما يلي:
1- عدم الإطالة التي تسبب الملل والسآمة، منبهاً أنه ربما يحصل نوعٌ من الإطالة – النسبية – لحاجة تقتضيها.
2- بيان بعض القضايا الخطيرة على الدَّاعِيَة في مسيرته الدعوية والتي لها رواج في هذا العصر من ذلك "تصنيف الناس بالظنّ"، و"مسايرة الواقع" أو ما يسمى "العصرانية" وغير ذلك.
3- الحديث عن بعض الأمور التي أُبتلينا بها في هذا الزمان من "الفتن المتتابعة" التي يرقق بعضها بعضاً، و"عدم التثبت من الأخبار"، و"عدم استشعار مسؤولية الكلمة"، و"استعمال المصطلحات ذات الدلالة الشرعية الصحيحة لمعان فاسدة.
4- محاولة ربط هذه القضايا والمسائل المذكورة بالكتاب والسنة الصحيحة؛ لأنَّ الكتابَ والسنةَ هما المصدرانِ الأصليان اللذان تُوزن بهما الأعمال والأقوال.
5- الاستفادة من فهوم العلماء المحققين وكتبهم خاصةً كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم الجوزية، والشيخ عبد الرحمن السّعديّ وأئمة الدعوة ففي كتبهم من غزارة العلم، ودقة العبارة وتحريرها، والاعتناء بالتنبيه عَلَى القواعدِ الكلية، والأصولِ الجامعة، والأدلةِ الشرعية، وحسن التصنيف، ما يعجب منه القارئ ويجزم أنه لا يوجد لها نظير إلاّ ما نَدَر.
وبعد: فهذا جهدُ المقل والقدر الذي واتاه وإليه سبحانه و تعالى السؤال أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، مقتضيا لرضاه، وأن لا يجعل العلم حجة على كاتبه في دنياه وأخراه، وعلى الله قصد السبيل،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(1) الدَّاعِيَة البَصِير يبدأ بالأهم فالمهم :(8/23)
وهو بذلك يسلك المنهج النبويّ القويم القائم على البدء بالأهم فالمهم والتدرج في ذلك، وقد دلَّ على ذلك وصية النبي لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فقال: ( إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ).
قال الشيخُ ابنُ عثيمين : ( هذه هي أصول الدعوة التي يجب أن نرتبها هكذا إذا كنا ندعو قوماً كافرين، لكن إذا كنا ندعو قوماً مسلمين قد عرفوا الأصل الأوَّل، وهو التوحيد ولم ينقصوه أو ينقضوه دعوناهم إلى ما بعده كما هو بيّن من هذا الحديث).
وعن عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنينَ قالَتْ: (إنما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنْهُ سورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ؛ فِيها ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حَتَّى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسْلاَمِ، نَزَلَ الحَلاَلُ والحَرَامُ، ولوْ نَزَلَ أوَّلَ شَيْءٍ لا تَشْرَبُوا الخَمْر لَقالُوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدا، ولَوْ نَزَلَ لا تَزْنُوا لَقالُوا: لا نَدَعُ الزِّنا أبَداً).
قال ابنُ حَجَر: (أشارتْ إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل، وأنَّ أولَ ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنتْ النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت: ولو نَزَلَ أوَّل شيءٍ لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندعها، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف).
وهنا أنبه على أمرين:
الأوَّلُ: أنّ مناطَ معرفة مهمات الدين العظيمة، ومقاصد الشريعة، وأولويات الدعوة – التي ينبغي العناية والبدء بها – كتابُ اللهِ وسنةُ رسوله ، فهذه المهمات والمقاصد والأولويات ليست خاضعة لرغبات شخصية، وأهواء فردية، وتوجهات حزبية لو فتح لها الباب لغيرت مراسيم الشريعة، وألغت أصول العقيدة بدعوى تحصيل مصالح متوهمة مصادمة لنصوص الشرع كما وُجد في زماننا هذا فأفسدت أكثر مما أصلحت!.
إذن المسألة منوطة بالعلمِ المبني على الكتاب والسنة الصحيحة، وما أحسنَ قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فَمَتَى قدر الإنسان على إتباع النصوص لم يعدل عنها).
فمن مقاصد الدين العظيمة التي يقبح بالدَّاعِيَة عدم التفطن لها، والبدء بها والعناية بذلك:
أركان الإيمان:
وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره, وكذلك شرائع الإسلام الكبار بعد الإيمان: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وكذلك وجوب الاجتماع والائتلاف، والنهي عن التفرق والاختلاف، والأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر وغير ذلك مما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وبينه علماءُ الأمة.
الثاني: أنه ليس معنى البدء بهذه الأصول والكليات إهمال بقية أمور الدين أو التقليل من شأنها، أو دعوى أنها قشور , فما جاء في كتاب الله وسنة رسوله هو من الدين الذي ينبغي العناية به ودعوة الناس إليه ولكن هذه الأعمال فيها أعلى وأدنى، وفاضل ومفضول، وركن وواجب ومستحب، وأهم ومهم، والمسلم في تنزيله هذه الأعمال منزلتها يدور مع كتاب الله عزوجلّ وما صحّ من سنة رسوله وهذه حقيقة التسليم لله ولرسوله.
(2) الدَّاعِيَة البَصِير لا يتعصب ولا يتحزب ولا ينتمي إلاّ للكتاب والسنة:
هذه أمراض فتكت في جسم الأمة الإسلامية، وزادت من أمراضها وبلائها،
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: (التفريقُ بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله؛ مثلُ أنْ يقال للرجل: أنت شكيلي، أو قرفندي فإنَّ هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلي، ولا قرفندي، والواجب على المسلم إذا سُئل عن ذلك أنْ يقولَ: لا أنا شكيلي، ولا قرفندي بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله).
وقال الشيخُ بكرُ أبو زيد: (أهلُ الإسلام ليس لهم سمةٌ سوى الإسلام والسلام، فيا طالب العلم – بارك الله فيك وفي علمك –: اطلب العلم، واطلب العمل، وادع إلى الله تعالى، على طريقة السلف، ولا تكن خرّاجاً ولاّجاً في الجماعات فتخرج من السعة إلى القوالب الضيّقة، فالإسلام كله لك جادّة ومنهج، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإنَّ يد الله مع الجماعة، فلا طائفيّة ولا حزبيّة في الإسلام، و أعيذك بالله أن تتصدّع فتكون نهّاباً بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها، فكن طالب علم على الجادّة تقفوا الأثر، وتتّبع السنن تدعو إلى الله على بصيرة).
(3)الدَّاعِيَة البَصِير يحقق مبدأ الوسطية الحقة :
قال ابن كثير: ( ولمّا جعل الله هذه الأمة وَسَطاً خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب ).
فتبين أنّ الوسطية والتوسط في الدين هي: كل حق بين باطلين من الاعتقادات والأعمال والأخلاق.(8/24)
فمن سلم لله ولرسوله ، وعَمِلَ بما ورد في القرآن وصح عن رسول الله من العقائد والشرائع فهو من أهل هذه الوسيطة والاعتدال والخير، وكلّ من تعدى حدود الشرع أو قصر عن القيام بها فقد خرج عن دائرة الوسطية بحسب عدوانه أو تقصيره.
قال ابنُ القيم: ( فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخيرُ النَّاسِ النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا وهي الخيار العدل، لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفى الجور، والتفريط والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها فخيار الأمور أوساطها).
ومما ينبغي التفطن له خطأ ما انتشر في الكتابات المعاصرة من جعل "الوسطية" حالة تقوم على التوفيق بين السنة والبدعة، بل بين الكفر والإسلام كما في دعوتي التقريب بين السنة والشيعة، والنصرانية والإسلام التي هي فرع عن الدعوة لوحدة الأديان.
ومن هذه الوسطية الترخصات المذمومة التي أساسها إتباع الهوى بتتبع الأقاويل الشاذة والمخالفة للدليل، والتي قال فيها بعض العلماء: (من تتبع الرخص تزندق).
ومن أصحاب هذه الوسطية بعض المواقع والصحف التي تعطي الفرصة – باسم الحوار والمحايدة – لذوي الأقلام المسمومة والأفكار المشبوهة لينفثوا سمومهم وأفكارهم.
ومعلومٌ أنه ليس من أسس الدعوة إلى الله ومطالبها استدعاء الشبهات ونشرها بحجة الردّ عليها، بل المطلوب في الدعوة إلى الله – وهو نوعٌ من الجهاد – كشف شبهات المبطلين من الكافرين والمبتدعين، ونشر ذلك إذا ظهرت المصلحة.
ودعوى التوفيق منهجٌ قديم سلكه المنافقون أوَّلاً وَدَرَجَ على طريقتهم طوائف من المبتدعة، والمتفلسفة، والجهلة.
قال ابنُ أبي العزّ: (أنّ المنافقين يريدون أن يتحاكموا إلى غيره وأنهم إذا دعوا إلى الله والرسول وهو الدعاء إلى كتاب الله وسنة رسوله صدوا صدودا، وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحساناً وتوفيقاً كما يقوله كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم إنما نريد أن نحسن الأشياء بحقيقتها أي ندركها ونعرفها ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات، وهى في الحقيقة جهليات وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرسول، أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة إنما نريد الأعمال بالعمل الحسن والتوفيق بين الشريعة وبين ما يدعونه من الباطل الذي يسمونه حقائق وهي جهل وضلال وكما يقوله كثير من المتملكة والمتأثرة إنما نريد الإحسان بالسياسة الحسنة والتوفيق بينها وبين الشريعة ونحو ذلك، فكل من طلب أن يحكم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول ويظن أن ذلك حسن وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه فله نصيب من ذلك بل ما جاء به الرسول كاف كامل يدخل فيه كل حق).
وربما تلتبس هذه الدعوات على بعض الناس فينساق خلفها فيضل ويُضِل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا ريب أن كثيرا من هؤلاء قد لا يعلم أنه منافق بل يكون معه أصل الإيمان لكن يلتبس عليه أمر المنافقين حتى يصير لهم من السماعين، ومن المعلوم أنَّ كلامَ أهل الإفك في عائشة كان مبدأه من المنافقين وتلطخ به طائفة من المؤمنين، وهكذا كثير من البدع كالرفض والتجهم مبدؤها من المنافقين وتلوث ببعضها كثير من المؤمنين لكن كان فيهم من نقض الإيمان بقدر ما شاركوا فيه أهل النفاق والبهتان).
ومن العجيب أنّ كلاً يدعي الوسطية لنفسه:
- فالخارجي يدعي أنّ مذهب الخوارج "وَسَطَ"
- والمرجئ يدعي أنّ مذهب المرجئة "وَسَطَ"
- والعقلاني يدعي أنّ منهجه "وَسَطَ"
- والمفرط يدعي أنّ منهجه "وَسَطَ"
- وربما العلماني – وغيره – يدعي أنّ منهجه "وَسَطَ"
- والوسطية لا تعرف بمجرد الدعوى، وإنما تعرف بالدلائل والبينات، والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء.
وإنمّا تعرف الوسطية الحقة بطاعة الله ورسوله، والتسليم لهما ظاهراً وباطناً.
(4) الدَّاعِيَة البَصِير يحذر أشدَّ الحذر من تصنيف الناس بالظنّ :
وهذا مرض من الأمراض التي سرت في جسد أمتنا، وأبتلي به عدد من الدعاة والمنتسبين للصلاح،وقد عُني العلاّمة بكرُ بن عبدالله أبو زيد ببيان هذه المسألة في عدد من كتبه؛ومن أبرزها كتاب"تصنيف الناس بين الظن واليقين"
ومما قال في كتابه هذا: ( ولا يلتبس هذا الأصل الإسلامي بما تراه مَعَ بَلَجِ الصُّبْح، وفي غَسَق الليل من ظهور ضمير أسود، وافد من كل فَجّ استعبد نفوساً بضراوة، أراه: "تصنيف الناس" وظاهرةٌ عجيب نفوذها هي: "رَمْزُ الجراحين" أو "مرض التشكيك وعدم الثقة" حَمَلَهُ فِئامٌ غِلاَظٌ من الناس يعبدون الله عَلَى حرفٍ، فألقوا جِلْباب الحياء، وشغلوا به أغراراً التبس عليهم الأمر فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا، فلبس الجميع أثوابَ الجرح والتعديل، وتدثروا بشهوة التجريح، ونسج الأحاديث، والتعلق بخيوط الأوهام، فبهذه الوسائل ركبوا ثَبَجَ التصنيف للآخرين؛ للتشهير، والتنفير، والصدِّ عن سواء السبيل.
ومن هذا المنطلق الواهي، غَمَسُوا ألسنتهم في رُكَام من الأوهام والآثام، ثم بسطوها بإصدار الأحكام عليهم، والتشكيك فيهم، وخدشهم، وإلصاق التهم بهم، وطمس محاسنهم، والتشهير بهم، وتوزيعهم أشتاتا وعزين:
في عقائدهم، وسلوكهم، ودواخل أعمالهم، وخلجات قلوبهم، وتفسير مقاصدهم، ونياتهم، كل ذلك وأضعاف ذلك مما هنالك من الويلات، يجري على طَرَفي التصنيف:
الديني، واللاديني.
فترى وتسمع رمي ذاك، أو هذا بأنه: خارجي، معتزلي، أشعري، طرقي، إخواني، تبليغي، مقلد متعصب، متطرف، متزمت، رجعي، أصولي.(8/25)
وفي السلوك: مداهن، مراء، من علماء السلطان، من علماء الوضوء والغسل.
ومن طرف لا ديني: ماسوني، علماني، شيوعي، اشتراكي، بعثي، قومي، عميل.
وإن نقبوا في البلاد، وفتشوا عنه العباد، ولم يجدوا عليه أي عثرة، أو زلة، تصيدوا له العثرات، وأوجدوا له الزلات، مبنية على شبه واهية، وألفاظ محتملة.
أما إن أفلست جهودهم من كل هذا رموه بالأخرى فقالوا: متستر، محايد.
إلى غير ذلك من ضروب تطاول سُعاة الفتنة والتفرق، وتمزيق الشمل والتقطع.
وقد جرت هذه الظاهرة إلى الهلكة في ظاهرة أخرى من كثرة التساؤلات المتجنية – مع بسمة خبيثة – عن فلان، وعلان، والإيغال بالدخول في نيته، وقصده، فإذا رأوا "شيخاً" ثنى ركبتيه للدرس، ولم يجدوا عليه أي ملحظ، دخلوا في نيته، وكيّفوا حاله: ليبني نفسه، لسان حاله يقول: أنا ابن من فاعرفوني؛ ليتقمص شخصية الكبار، يترصد الزعامة).
(5) الدَّاعِيَة البَصِير يعتني بالقواعد الشرعية في دعوته:
إنّ إتقان الدَّاعِيَة للقواعد والأصول والضوابط الشرعية يسهل مهمته في الدعوة إلى الله، ويبصره في أمور كثيرة بطرق يسيرة، وينشئ عنده ملكة الاستنباط والاجتهاد.
وهذه الأصول والقواعد من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها فهي تضبط أحكامها، وتجمع متفرقاتها، فهي مبنية على الحكمة والصلاح، والهدى والرحمة، والخير والعدل، ونفي أضداد ذلك، ومن أهم القواعد التي يحتاجها الدَّاعِيَة كثيراً في مسيرته الدعوية:
أوَّلاً: القواعد الكلية الكبرى التي اتفق عليها العلماء، وذكروا أنَّ الفقه مبني عليها، وإليها ترجعُ بقية القواعد – غالباً – وعددها خمس:
1- قاعدة: الأمور بمقاصدها .
2- قاعدة: اليقين لا يزول بالشك.
3- قاعدة: المشقة تجلب التيسير.
4- قاعدة: الضرر يزال.
5- قاعدة: العادة محكمة.
ثانياً: ومن الأصول العظيمة:
1- الشارع لا يأمر إلاّ بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلاّ عمّا مفسدته خالصة أو راجحة.
قال الشيخ السّعديّ: (هذا الأصل شامل لجميع الشريعة، لا يشذ عنه شيء من أحكامها، لا فرق بين ما تعلق بالأصول أو بالفروع، وسواء تعلق بحقوق الله، أو بحقوق عباده). قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ) [النحل: 90]
فلم يبق عدل ولا إحسان ولا صلة إلاّ أمر به في هذه الآية الكريمة، ولا فحشاء ومنكر متعلق بحقوق الله، ولا بغيّ على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم إلاّ نهى عنه، ووعظ عباده أن يتذكروا هذه الأوامر وحسنها ونفعها فيمتثلوها، ويتذكروا ما في النواهي من الشر والضرر فيجتنبوها.
ويستدلُ بهذا الأصل العظيم والقاعدة الشرعية على أنّ العلوم العصرية وأعمالها، وأنواع المخترعات الحديثة النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم، أنها مما أمر الله به ورسوله ، ومما يحبه الله ورسوله ، ومن نعم الله على العباد، وبما فيها من المنافع الضرورية والكمالية، فالبرقيات بأنواعها، والصناعات كلها، وأجناس المخترعات الحديثة تنطبق عليها هذه القاعدة أتمّ انطباق، فبعضها يدخل في الواجبات، وبعضها في المستحبات، وشيء منها في المباحات بحسب ما تثمره، وينتج عنها من أعمال.
2- أنَّ الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول .
قال السّعديّ: (هذان الأصلان شرطٌ لكل عمل ديني ظاهر كأقوال اللسان، وأعمال الجوارح، وباطن كأعمال القلوب، والدِّينُ فسرهُ النبي في حديث جبريل أنه شرائع الإسلام الخمسة وأصول الإيمان الستة، وحقائق الإيمان وهو الإحسان الذي هو أصل أعمال القلوب، فهذه الأمور لا بدّ أن تكون خالصةً لله مراداً بها وجهه ورضوانه وثوابه، ولا بدَّ أنْ تكون مأخوذة من الكتاب والسنة).
3- أنَّ الأحكامَ الأصوليةَ والفرعيةَ لا تتم إلاّ بأمرين: وجود شروطها، وأركانها، وانتفاء موانعها.
قال السّعديّ: ( وهذا أصلٌ كبيرٌ مطرد الأحكام في الأصول والفروع، فمن أعظم فوائده: كثيرٌ من نصوص الوعد بالجنة، وتحريم النار على أعمال لا تكفي وحدها بمجردها، وكثيرٌ من نصوص الوعيد التي رتب عليها دخول النار، أو تحريم دخول الجنة، أو حرمان بعض أجناس نعيمها، فلا بدَّ في هذه النصوص من اجتماع شروطها، ومن انتفاء موانعها، وبهذا يحصل الجواب عن كثير من الإيرادات والإشكالات على نصوص الوعد والوعيد، وهي كثيرةٌ جداً).
فهذه قواعدُ جليلةٌ، نفعها للدعاة كبير، وأثرها على تصحيح الدعوة عظيم، فينبغي للداعية البصير أنْ يعتني بها جيّداً.
(6) الدَّاعِيَة البَصِير يراعي فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد:
ويمكن إجمال الكلام على هذه المسألة في نقطتين:
النقطة الأولى:
مراعاة القواعد التي دل عليها استقراء جملة النصوص الشرعية في هذه المسألة ومنها قاعدة:"درء المفاسد أولى من جلب المصالح"
وهي الأصل في هذا الباب , فإذا تعارضتْ مفسدةٌ ومصلحة قُدِّمَ دفع المفسدة غالباً إلاّ أنْ تكون المصلحة راجحة فتقدم على المفسدة المرجوحة لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات.
قال ابنُ كثير: ( يقولُ اللهُ تعالى ناهياً لرسوله والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ومن هذا القبيل وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ما جاء في الصحيح أن رسول الله قال: ملعون من سب والديه قالوا: يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه).(8/26)
قَالَ شيخُ الإسلام أثناء كلامه على بعض المستحبات ومنها مسألة البسملة والجهر بها: ( للرجلِ أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحباتِ؛ لأنَّ مصلحةَ التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما تَرَكَ النبيّ تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال: الخلافُ شرٌّ).
النقطة الثانية:
أنَّ الدَّاعِيَة لكي يوازن بين المصالح والمفاسد لا بدَّ له من الجمع بين القوة العلمية والقوة العملية .
فليست المسألة خاضعة لرغبات شخصية، وأهواء فردية، وتوجهات حزبية لو فتح لها الباب لغيرت مراسيم الشريعة، وألغت أصول العقيدة بدعوى مصالح متوهمة مصادمة لنصوص الشرع كما وُجد في زماننا هذا من يدعو لنقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد في البلاد الكافرة الغربية مراعاة لأحوال الناس لأنّ الإجازة هناك يوم الأحد.
(7) الدَّاعِيَة البَصِير وفِقْهُ إنكارِ المُنْكر:
قَالَ ابنُ القيّم: ( النَّبِيُّ شَرَعَ لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل – بإنكاره – من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كَانَ إنكارُ المنكرِ يستلزمُ مَا هُوَ أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإنْ كَانَ الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكارِ عَلَى الملوكِ والولاةِ بالخروجِ عليهم؛ فإنَّهُ أساسُ كلِّ شرٍ وفتنةٍ إلى آخرِ الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رَسُولَ اللَّهِ في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا ما أقاموا الصلاة، وقال: من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته، وَمَنْ تأملَ مَا جَرَى على الإسلام في الفتن الصغار و الكبار، رآها من إضاعة هذا الأصل، و عدم الصبر على المنكر، فطلبوا إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه، و قد كان رسول الله يرى بمكة أكبر المنكرات و لا يستطيع تغييرها، بل لمّا فتح الله مكة صارت دار الإسلام، عَزَمَ على تغيير البيت و ردّه على قواعد إبراهيم، و منعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشيته وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام، و كونهم حديثو عهد بكفر، و لهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء.
فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد, والرابعة محرمة.
وسمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية يقول: مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرتُ عليه، وقلتُ له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم).
(8) الدَّاعِيَة البَصِير يعتني ببيان محاسن الإسلام:
قال العلاّمة عبد الرحمن السَّعديّ:
( إنَّ من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كلُّ صاحب عقلٍ وفطرة سليمة، فلو تصدّى للدعوة إلى هذا الدين رجالٌ يشرحون حقائقه، ويبينون للخلق مصالحه، لكان ذلك كافياً كفاية تامةً في جذب الخلق إليه، لما يرون من موافقته للمصالح الدينية والدنيوية، ولصلاح الظاهر والباطن من غير حاجة إلى التَّعرض لدفع شُبَهِ المعارضين، والطّعن في أديان المخالفين، فإنه في نفسه يدفع كلّ شُبهة تعارضه، لأنه حقٌ مقرونٌ بالبيان الواضح، والبراهين الموصّلة إلى اليقين، فإذا كُشف عن بعض حقائق هذا الدين صار أكبر داعٍ إلى قبوله ورجحانه على غيره، واعلم أنَّ محاسن الدين الإسلاميّ عامّة في جميع مسائله ودلائله، وفي أصوله وفروعه،و فيما دلَّ عليه من علوم الشرع والأحكام، وما دلَّ عليه من علوم الكون والاجتماع.." إلى آخر ما قاله وبينه ومثل عليه العلاّمة عبد الرحمن السَّعديّ في كتابه "الدُّرة المختصرة في محاسن الدين الإسلاميّ).
وقال السّعديّ في كتابه: (القاعدة العاشرة: في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم، يدعوهم إلى الإسلام، والإيمان بمحمد بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد ليهتدي منْ قصد الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند، وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام، فإن محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإن الحق إذا اتضح علم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال).
(9) الدَّاعِيَة البَصِير يحذر من مخالفة الكتاب والسنة مسايرةً للواقع:
مما يعترض الدَّاعِيَة فتنة مسايرة الواقع وضغط الفساد ومسايرة العادات، ومراعاة رضا الناس وسخطهم، وهي فتنة لا يستهان بها؛ فلقد سقط فيها كثير من الناس وضعفوا عن مقاومتها، والموفق من ثبته الله.
إن المطلوب من الدَّاعِيَة في مجتمعات المسلمين هو تغيير المجتمعات وتسييرها إلى ما هو أحسن لا مسايرتها ومداهنتها، فهذه والله هي مهمة الأنبياء والمصلحين من بعدهم، وهذه هي الحياة السعيدة للعالِم والدَّاعِيَة، وإلا فلا معنى لحياة الدَّاعِيَة والعالم ولا قيمة لها إذا هو ساير الناس واستسلم لضغوط الواقع وأهواء الناس، فإن العالم والدَّاعِيَة لا قيمة لحياتهما إلا بالدعوة والتغيير للأحسن، ولا شك أن في ذلك مشقة عظيمة؛ ولكن العاقبة حميدة بإذن الله تعالى في الدارين لمن صبر وصابر واستعان بالله.(8/27)
ومن أخطر صور فتنة مسايرة الواقع مسايرة ركب الغرب في بعض الميادين من قِبَلِ دعاة العصرانية من أبناء المسلمين، وهم لا يعترفون بأنها مسايرة؛ ولكنهم يسمونها تجديداً وتطويراً يناسب العصر، وتحت هذا المسمى يقضون على كثير من الثوابت الشرعية ويتحللون من شرع الله باسم التطوير وهو في الحقيقة مسايرة للواقع الغربي وتقليد أعمى وانبهار بإنجازاته المادية بل الهزيمة النفسية أمامه؛ والغريب في أمر هؤلاء أنهم يرفضون التقليد ويشنعون على من يقلد سلف الأمة ويتبعهم، وعلى من يبقى على الموروث لا يتجاوزه ولا يطوره، ثم هم في الوقت نفسه يسقطون في تقليد الغرب ومحاكاته بصورة لا تدع مجالاً للريب والشك؛ وهم الذين يتشدقون بالعقلانية ورفض التقليد.
ويتحدث الأستاذ محمد حامد الناصر عن بعض شذوذ العصرانيين في ميادين الفقه فيقول: (لقد خرج العصرانيون علينا بفقه غريب شاذ يريد تسويغ الواقع المعاصر لإدخال كثير من القيم الغربية في دائرة الإسلام؛ ذلك أن موقفهم من النصوص الشرعية عجيب؛ فإذا كانت الآية واضحة الدلالة والأحاديث النبوية المتواترة قالوا: إن هذه النصوص كانت لمناسبات تاريخية لا تصلح لعصرنا الحاضر، وإذا كانت أحاديث آحاد قالوا لا يؤخذ من خبر الآحاد تشريع ولا تبنى عليه عقيدة، أو ألغوا بعض الأحاديث الصحيحة بحجة أنها سُنَّة غير تشريعية، ثم يتهمون الفقهاء بالجمود وضيق الأفق، إن هذه التجاوزات لو أخذ بها لن تترك من ثوابت الإسلام شيئاً إلا وحاولت مسخه أو تشويهه.
ومن شذوذاتهم:
1- رفضهم تطبيق الحدود التي فيها رجم أو قتل أو قطع عضو إلا بعد الإصرار والمعاودة والتكرار، ويأتون بِشُبَهٍ من هنا وهناك.
2- إباحتهم الربا في البنوك بحجة الحفاظ على اقتصاد البلاد، وأنَّ الربا المحرم عندهم هو الربح المركب.
3- موقفهم من المرأة، والدعوة إلى تحريرها بزعمهم، ودعوتهم لها إلى محاكاة المرأة الغربية في عاداتها، وإلى الثورة على الحجاب الشرعي وتعدد الزوجات.
4- أحكام أهل الذمة: كما يرى العصرانيون أن أحكام أهل الذمة كانت لعصر غير عصرنا وهي الآن لا تناسب عصرنا) .
(10) الدَّاعِيَة البَصِير يتقن المحاورة وآدابها:
لابدَّ للداعية في حياته الدعوية من محاورة ومجادلة ومناظرة ومحاجة.
وإتقان الدَّاعِيَة للحوار وأصوله وآدابه سببٌ من أسباب نجاحه وقبول دعوته, وربما يكون هذا الدَّاعِيَة لجودة حواره، وحسن أدبه فيه، يوفق في دعوته.
فما الحوار؟ وما أصوله؟ وما آدابه؟ وما غايته؟
الحوار والمحاورة: المرادة في الكلام، ومنه التحاور، وقد وردت هذه
المادة في كتاب الله بهذا المعنى في ثلاثة مواضع؛ موضعان في سورة الكهف في محاورة الرجلين الشاكر لنعمة الله, والكافر لها (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف:34]، وقوله: ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) [الكهف:37]، والموضع الثالث في سورة المجادلة قال تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة:1].
ومن أهم أصول الحوار:
الأصل الأول: سلوك الطرق العلمية والتزامها، ومن هذه الطرق:
تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى، وصحة تقديم النقل في الأمور المنقولة.
الأصل الثاني: سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض؛ فالمتناقض ساقط بداهة.
الأصل الثالث: الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة، وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها؛ أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين؛ كحُسْنِ الصدق، وقُبحِ الكذب، وشُكر المُحسن، ومعاقبة المُذنب، أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك، وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة.
الأصل الرابع: التجرُّد، وقصد الحق، والبعد عن التعصب، والالتزام بآداب الحوار.
الأصل الخامس: أهلية المحاور؛ إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً، وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين.
ومن أهم آداب الحوار:
1- الإخلاص: قال الشيخ صالح بن حميد: ( ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف انتصار ذات وهوى.
ويدخل في باب الإخلاص والتجرد توطين النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر ورأيه، ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحد أو طائفة، والصواب ليس حكراً على واحد بعينه، فهمُّ المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان، ومن أيّ مكان، ومن أيّ وعاء، وعلى أيّ فم، إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يدافع عنه إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، ولا يخلص له إلا أنت).
2- التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام.(8/28)
3- الالتزام بوقت محدد في الكلام، ومن المفيد أن تعلم؛ أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إلى ما يلي: إعجاب المرء بنفسه، أو حبّ الشهرة والثناء، أو ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس، أو قِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم، والذي يبدوا أن واحداً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم،وصدودهم، ومللهم، واستثقالهم لمحدِّثهم.
4- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة.
5- تقدير الخصم واحترامه.
6- حصر المناظرات في مكان محدود.
غاية الحوار:
الغاية من الحوار إقامةُ الحجة، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي. فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.
يقول الحافظ الذهبي: ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ).
(11) الدَّاعِيَة البَصِير يجمعُ بين القوتين: العلمية والعملية:
وأكتفي للتعبير عن هذه الصفة بنقل كلامٍ قيّم لابن القيّم قال فيه: (فمن الناس من تكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق، ومنازلها، وأعلامها، وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفاً في القوة العملية، يبصر الحقائق، ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله.
ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير، والسلوك، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والجِد، والتشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات، فَداءُ هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم، بل على طريق الذوق والوجد والعادة.
ومن كانت له هاتان القوتان: استقام له سيره إلى الله، ورُجي له النفوذ، وقوي على رد القواطع والموانع – بحول الله وقوته –، فإن القواطع كثيرة شأنها شديد لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين، ولو شاء الله لأزالها وذهب بها، ولكن الله يفعل ما يريد، والوقت – كما قيل– سيف فإن قطعته وإلا قطعك.
فإذا كان السير ضعيفاً، والهمة ضعيفة، والعلم بالطريق ضعيفاً، والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة، فإنه جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع، والله ولي التوفيق).
(12) الدَّاعِيَة البَصِير يتثبت دائماً ولا يتعجل:
وهو بهذا ينفذ أمر الله في قوله: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) [النساء:94]. وفي قراءة: (فتثبتوا).
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
وقد عاب الله المتسرعين إلى إذاعة الأخبار التي يخشى من إذاعتها، فقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].
قال السعدي: ( هذا تأديب من الله لعباده, عن فعلهم هذا, غير اللائق. وأنه ينبغي لهم, إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة, والمصالح العامة, ما يتعلق بالأمن, وسرور المؤمنين, أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم, أن يتثبتوا, ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر. بل يردونه إلى الرسول, وإلى أولي الأمر منهم, أهل الرأي, والعلم والنصح, والعقل, والرزانة, الذين يعرفون الأمور, ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين, وسرورا لهم, وتحرزا من أعدائهم, فعلوا ذلك.
وإن رأوا ما فيه مصلحة, أو فيه مصلحة, ولكن مضرته تزيد على مصلحته, لم يذيعوه.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية, وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور, ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك, ويجعل إلى أهله, ولا يتقدم بين أيديهم, فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع, لنشر الأمور, من حين سماعها.
والأمر بالتأمل قبل الكلام, والنظر فيه, هل هو مصلحة, فيُقْدِم عليه الإنسان, أم لا؟ فيحجم عنه).
ولا يخفى كم جرَّ عدم التثبت من مصائب وشرور وأحقاد بل وصل أحيانا إلى إراقة دماء معصومة بغير ذنب وجريرة.
(13) الدَّاعِيَة البَصِير وفقه الفتن:(8/29)
قال الحافظ أحمد بن صالح العِجْليُّ: ( حَدّثني أبي قال: هاجتْ فتنةٌ بالكوفة فعَمِلَ الحَسَنُ بنُ الحُرّ طعاماً كثيراً ودعا قُرّاء أهل الكوفة، فكتبوا كتاباً يأمرون فيه بالكف، وينهون عن الفتنة، فدعوا سليمان الأعمش فتكلم بثلاث كلمات فاستغنوا بهن عن قراءةِ ذلكَ الكتاب فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ امرأ "مَلَكَ لِسَانَهُ"، "وَكفَّ يدَهُ"، "وَعَالجَ مَا في صدرهِ" تَفَرَقوا فإنه كَانَ يُكره طول المجلس).
ونحن في هذا الزمان – زمان الفتن – بحاجة لمثل هذه الوصايا المبنية على كتاب الله وعلى سنة رسول الله ، وأخذ العبر والعظات والأحكام، والخروج بفقه ما ينبغي عمله عِندَ الفتن في ضوء كتاب الله وسنة رسوله ، قال عبدالرحمن بن أبزي: قلتُ لأبي بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان:
أبا المنذر ما المخرج؟ قال: كتابُ الله ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه.
وفي ظني أنَّ مراعاة تلك الوصايا الثلاث من أعظم الأسباب لحفظ الدَّاعِيَة من الولوج في تلك الفتن التي تجعل الدعاة في حيرةٍ واشتباه.
(14) الدَّاعِيَة البَصِير يتفقدُ قَلْبَهُ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوسف الأَصْبَهَانِيّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ( حَدّثْ النَّاسَ وَعَلمهُم، وَلكنْ انظرْ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَكَ كَيْفَ يَكُونُ قَلْبكَ؟).
وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كنتُ أجلسُ يومَ الجُمُعة في مَسْجِدِ الْجَامِعِ، فيجلس إلىَّ النَّاس فإذا كَانوا كثيراً فَرحتُ، وإذا قَلوا حَزنتُ، فسألتُ بشرَ بنَ منصور فَقَالَ: هَذا مجلسُ سوء لا تعدْ إليه، قَالَ: فَمَا عُدتُ إليهِ، وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يوماً – وقام من المجلس وتبعه الناس – فَقَالَ: يَا قومِ لا تطؤا عَقبى، ولا تمشوا خَلْفي، وَوَقَفَ فَقَالَ: حَدّثَنا أبو الأشهب عَنْ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ ابنُ الخطّاب: إنَّ خَفْقَ النّعالِ خَلْفَ الأحمق قلَّ مَا يبقى مِنْ دِينهِ.
إنَّ المُسْلمَ – وَخَاصةً العاَلِم المُرَبّي، والدَّاعِيَة، لأنَّهُما عُرْضةٌ لخَفْق النّعالِ خَلْفَهُما أكثر مِنْ غَيرهِما – بحاجةٍ مُلحة لتفقد قلبه وما يَرِدُ عَليهِ مِنْ خَطَرات وأفكار وهواجس، فالقلبُ إنَّما سُمي قلباً لكثرة تقلبهِ.
وعَنْ أَنَس بنِ مَالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا . فإذا كان النبي يكثر من ذلك وهو سيّد الخلق فكيف بالناس وهم غير مرسلين ولا معصومين؟
وقد تفاوت الفضلاء في العناية بهذا الجانب أي ملاحظة القلب وما يرد عليه:
1- فصنفٌ لا يلتفت لهذا أصلاً، وكأنه في مأمنٍ من هذه الخطرات والواردات، بل ربما عدَّ الخوف من هذا، والعناية به ضرباً من الوسوسة والتنطع.
وهذا التصور فيهِ غفلةٌ عن نصوص الكتاب والسنة التي تبين أهمية القلب وأنَّ عليه مدارَ القولِ والعملِ وفي الحَدِيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).
وأدلُّ شيءٍ عَلَى أهميةِ العنايةِ بالقلب وأحوالهِ قولُه : (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ).
قال ابنُ رَجَبَ: (كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر كما تقدم أنَّ دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة).
2- وصنفٌ بالغَ في الحذر والتحري حتى وصل به الأمر إلى ترك بعض العبادات والعلم، وربما حصل لهذا الصنف نوعٌ من الوسوسة، وقد قال بعضُ العلماء: الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب.
قال ابنُ رَجَب: (والقدرُ الواجبُ مِنْ الخَوفِ مَا حَمَلَ عَلَى أداءِ الفَرائضِ وَاجتنابِ المَحَارمِ فَإنْ زَادَ عَلَى ذَلكَ بحيث صَارَ بَاعِثَاً للنّفوسِ عَلَى التشميرِ في نوافلِ الطاعاتِ وَ الانكفافِ عَنْ دقائق المكُروهاتِ وَالتبسطِ في فُضولِ المُبَاحاتِ كَانَ ذَلكَ فَضْلاً مَحْموداً، فَإنْ تَزايدَ عَلَى ذَلكَ بأنْ أورثَ مَرْضاً أوْ مَوتاً أوْ هَمّاً لازماً بحيث يَقْطعُ عَنْ السّعي في اكتسابِ الفضائلِ المطلوبةِ المحبوبةِ لله لم يكنْ مَحْموداً, والمقصودُ الأصلي هُوَ طاعةُ الله وَفعل مراضيه ومحبوباته وترك مناهيه ومكروهاته، وَلا نُنكر أنَّ خشيةَ اللهِ وَهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصودٌ أيضاً، ولكنْ القدر النافع من ذلكَ مَا كَانَ عوناً عَلى التقرب إلى الله بفعل ما يحبه وترك ما يكرههُ، وَمَتى صَارَ الخوفُ مانعاً مِنْ ذلكَ وقاطعاً عنه فَقد انعكس المقصود منه، وَلكنْ إذَا حَصَلَ ذَلكَ عَنْ غَلَبة كَانَ صاحبه مَعْذوراً).(8/30)
3- وصنفٌ توسط واعتدل فلم يغفل هذا الجانب، وكذلك لم يبالغ في الحذر، بل يعمل ويدعو، ويتحرز من تقلب القلب، فهو دائماً يدعو: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، وَمِنْ عَلاَمةِ هذا الصنف أنَّه لا يبالي إذا ظَهَرَ الحق والخير على لسان مَنْ يخالفه، قال الإمام الشافعي: (ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بَيّنَ الله الحق على لساني أو لسانه )، وقال أيضا: (ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ).
(15) الدَّاعِيَة البَصِير لا يستوحش من قلة السالكين:
لأنه يقرأ كلام الحكيم الخبير:(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)[يوسف:103].
وفي الحديث عن النبي قال: ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ).
قال بعضُ السلف: (عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين).
والدَّاعِيَة البَصِير يتيقن أن الكثرة لا تستلزم الصواب والحق ولا يغتر بقول الجاهلين: لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عددا، فإنّ الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يُعرفون بالحق.
(16) الدَّاعِيَة البَصِير يقابل الضعف بالقوة:
قَالَ سعيدُ بنُ المُسَيَّب : (مَا لقيتُ النَّاسَ منصرفين مِنْ صلاةٍ منذُ أربعينَ سنة).
وقَالَ أيضاً: (مَا دَخَلَ عليّ وقتُ صلاةٍ إلاّ وقد أخذتُ أهبتها، ولا دَخَلَ عليّ قضاء فرضٍ إلاّ وأنا إليه مشتاقٌ).
وقَالَ رَبِيعةُ بنُ يزيد : (مَا أذّن المؤذنُ لصلاةِ الظهر منذُ أربعين سنة إلا وأنا في المسجدِ، إلاّ أنْ أكونَ مريضاً أو مسافراً).
قَالَ إبراهيمُ النخعي: (إذا رأيتَ الرجلَ يتهاونُ في التكبيرةِ الأولى فاغسلْ يدكَ منهُ).
(17) الدَّاعِيَة البَصِير يُفرّق بين مرتكبي المعاصي، وينزل كلاً منزلته:
قال ابنُ القيم: (وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطن له: وهو أنَّ الكبيرة قد يقترن بها – من الحياء والخوف والاستعظام لها – ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة – من قلةِ الحياء وعدمِ المبالاة وتركِ الخوف والاستهانةِ بها – ما يلحقها بالكبائر؛ بل يجعلُها في أعلى رتبها، وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدرٌ زائدٌ على مجرد الفعل، والإنسانُ يعرفُ ذلكَ من نفسه ومن غيره، وأيضاً فإنه يُعْفى للمحب ولصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره ويسامح بما لا يسامح به غيره، وسمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية يقول: انظر إلى موسى – صلوات الله وسلامه عليه – رَمَى الألواحَ التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجرَّ بلحيةٍ نبي مثله، وهو هارون، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد ورفعه عليه، وربه تعالى يحتمل له ذلك ويحبه ويكرمه ويدنيه ، لأنه قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدو له، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشد المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر، وانظر إلى يونس بن مَتّى حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى غاضب ربه مرة فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى، وفرقٌ بين من إذا أتى بذنب واحد، ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنبٍ جاءت محاسنه بكل شفيع كما قيل:
وإذَا الحبيبُ أتى بِذَنْبٍ وَاحدٍ جَاءتْ مَحَاسِنُه بأَلْفِ شَفِيعِ).
(18) الدَّاعِيَة البَصِير يستشعر مسؤولية الكلمة ويفكر قبل أن يجيب:
وهو بهذا الهدي يستشعر قوله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )[ق:18].
قال حماد بنُ زيد: (سئل أيوب السختياني عن مسألةٍٍ فسكتْ فقالَ الرجلُ: يا أبا بكر لم تفهم أعيدُ عليكَ؟ قال: فقال أيوب: قد فهمتُ، ولكني أفكرُ كيفَ أجيبك).
وقَالَ شدادُ بنُ أوس: (مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلا وَأَنَا أَخْطِمُهَا وَأَزُمُّهَا).
وقال سُحْنونُ: ( كَانَ بعضُ مَنْ مَضَى يريد أنْ يتكلمَ بالكلمةِ ولو تكلم بها لانتفع بها خلقٌ كثير، فيحبسها ولا يتكلم بها مخافة المباهاة، وكان إذا أعجبه الصمت تكلم، ويقول: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما).
(19) الدَّاعِيَة البَصِير مباركٌ أينما كان:
قال ابنُ القيم: ( وسمعتُ شيخ الإسلام ابنَ تيمية يقولُ: إنَّ في الدنيا جنةً من لم يدخلها لا يدخلُ جنة الآخرة.
وقال لي مرةً: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
وكان يقولُ في محبسه في القلعة: لو بذلتُ ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا.
وكان يقولُ في سجودهِ – وهو محبوسٌ –: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله.
وعَلِم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه.(8/31)
وكنّا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها).
(20) الدَّاعِيَة البَصِير لا يُشغل نفسه بالآفات ما لم تعترضه:
قال ابنُ القيم: (وسألتُ يوماً شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المسألة وقطع الآفات والاشتغال بتنقية الطريق وبتنظيفها فقال لي : النفس مثل الباطوس – وهو جب القذر – كلما نبشته ظهر وخرج، ولكن إن أمكنك أن تسقف عليه وتعبره وتجوزه فافعل، ولا تشتغل بنبشه فإنك لن تصل إلى قراره، وكلما نبشت شيئا ظهر غيره.
فقلتُ: سألتُ عن هذه المسألة بعض الشيوخ فقال لي: مثال آفات النفس مثال الحيات والعقارب التي في طريق المسافر فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع ولم يمكنه السفر قط ولكن لتكن همتك المسير والإعراض عنها وعدم الالتفات إليها فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله ثم امض على سيرك فاستحسن شيخ الإسلام ذلك جدا وأثنى على قائله).
ومن ذلك ما يعترض الدعاة من الشائعات والوشايات والقيل والقال مما لو أشغل نفسه بها والرد عليها لذهب عمره وضاع وقته ولمَّا تنقضي، والواقع خير شاهد.
(21) الدَّاعِيَة البَصِير يُداري ولا يداهن:
وهو بهذا يقتدي بسيد الخلق ومبين الحلال والحرام ففي الحديث:عَنْ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخبرَتْهُ أنَّهُ اسْتأذَنَ عَلَى النبيِّ رَجُلٌ فقال: ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، أوْ بِئْسَ أخُوا العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ ألانَ لَهُ الكَلاَمَ فَقُلْتُ لَهُ: يا رسولَ الله قُلْتَ ما قُلْتَ ثُمَّ ألَنْتَ لَهُ في القَولِ فقال: أيْ عائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله مَنْ تَرَكَهُ أوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ فحْشِهِ.
والمداراة والمداهنة فعلان يشتبهان في الظاهر، ويتباينان في الباطن.
قال ابنُ القيم: ( المداراةُ صفةُ مدحٍ، والمداهنةُ صفةُ ذمٍ، والفرقُ بينهما أنّ المدارى يتلطفُ بصاحبهِ حتى يستخرجَ منه الحق أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق، وقد ضرب لذلك مثل مطابق وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطبيب المداوي الرفيق فتعرف حالها ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت أخذ في بطها برفق وسهولة، حتى أخرج ما فيها، ثم وضع على مكانها من الدواء والمرهم ما يمنع فساده ويقطع مادته، ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم، ثم يذر عليها بعد نبات اللحم ما ينشف رطوبتها، ثم يشد عليها الرباط، ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحت، والمداهن قال لصاحبها: لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء فاسترها عن العيوب بخرقة ثم إله عنها فلا تزال مادتها تقوى وتستحكم حتى عظم فسادها).
(22) الدَّاعِيَة البَصِير يتعاهدُ المسلمين بالزيارة والتواصل:
وهو بهذا يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ومن تأمل هدي الرسول في الزيارة وحثه عليها وترتيب الفضل العظيم على الزيارة الخالصة علم أهمية زيارة المسلمين في الله، وأثرها العميق في توطيد المحبة والرحمة في المجتمع المسلم، فما أحسنَ هذا الدين وأعظمه.
قال الإمام البخاريّ: «بَاب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ثم ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ قَالَتْ : ( لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: ( قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ؟ فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا).
وأمّا حديث "زُرْ غِباً تزددْ حُباً" فلا يصح وإن تعددت طرقه.
وينبغي أنْ تُشغلَ الزيارة بالحديثِ النافع من تذاكرِ علمٍ أو قراءةٍ في كتابٍ أو ذكر أحوال المسلمين وكيفية نفعهم ونحو ذلك.
(23) الدَّاعِيَة البَصِير لا تفارق الابتسامة والبشاشة وجهه:
وهو بهذا يمتثل قوله : (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ).
عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: ( مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا)).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ).
فالدَّاعِيَة كما يتصدق بالمال يتصدق بالابتسامة فهل تعجز – أخي – عن هذا.
قال بعض العقلاء: (التبسم والبشر من آثار أنوار القلب، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة).
قال ابن عيينة: (البشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين وجه طليق وكلام لين)(8/32)
والناس لا يقبلون من الدَّاعِيَة الذي يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، و يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم.
وقال حماد بن زيد: (ما رأيت أحدا قط أشد تبسما في وجوه الرجال من أيوب إذا لقيهم).
قال الذهبيُّ: ( وقال محمد بنُ النعمان: لم أر أعبدَ من يحيى بن حماد، وأظنه لم يضحك"، قلتُ: الضحكُ اليسيرُ والتبسمُ أفضلُ، وعدم ذلك من مشايخ العلم على قسمين:
أحدهما: يكون فاضلا لمن تركه أدبا وخوفا من الله وحزنا على نفسه المسكينة.
والثاني: مذموم لمن فعله حمقا وكبراً وتصنعا كما أنّ من أكثر الضحك استخف به، ولا ريب أنَّ الضحكَ في الشباب أخف منه وأعذر منه في الشيوخ.
وأمَّا التبسمُ وطلاقة الوجه فأرفعُ من ذلك كله قول النبي : تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وقال جرير: ما رآني رسول الله إلا تبسم، فهذا هو خُلُقُ الإسلام فأعلى المقامات من كان بكّاءً بالليل، بساما بالنهار، وقال : لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه، بقي هنا شيء ينبغي لمن كان ضحوكاً بساما أن يقصر من ذلك ويلوم نفسه حتى لا تمجه الأنفس، وينبغي لمن كان عبوسا منقبضا أن يتبسم ويحسن خلقه ويمقت نفسه على رداءة خلقه،وكل انحراف عن الاعتدال فمذموم ولا بدَّ للنفس من مجاهدة وتأديب).
(24) الدَّاعِيَة البَصِير حليمٌ ذو وَقارٍ وسكينة:
قال الحسنُ البصريّ: (الهون بالعربية: السكينةُ والحلمُ والوقارُ، فالمؤمنُ حليم، وإنْ جُهِلَ عليه حَلِمَ، ولا يظلم وإنْ ظُلِمَ غَفَر، ولا يبخل وإنْ بُخِلَ عليه صَبَر).
وفي حديثِ عبد الله بن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيّ قَالَ للأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِالْقَيْسِ: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ).
والفرق بين الصبر والحلم: أنَّ الصبر ثمرةُ الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر، ولهذا جاء اسمه الحليم في القرآن في غير موضع ولسعته يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله وكان الله عليما حليما والله عليم حليم .
(25) الدَّاعِيَة البَصِير رفيقٌ رحيمٌ، وغليظٌ شديدٌ:
وهذه هي الحكمة: الرفق والرحمة في موضعها، والغلظة والشدة في موضعها.
قال السعدي: ( من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين، وفي مقام الدعوة للكافرين كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) [آل عمران:159].
وقال: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44]
فأمر باللين في هذه المواضع، وذكر ما يترتب عليه من المصالح.
كما أنّ من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم:9].
لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة، بل قد تعين فيه القتال، فالغلظة فيه من تمام القتال، وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [الفتح:29] ).
ومن تأمل دعوة موسى رأى أنه استعمل الحكمة فقال لفرعون في موضع: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ?18? وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) [النازعات:18 – 19]
وفي هذا الكلام من لطف القول وسهولته, وعدم بشاعته, ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى "بهل" الدالة على العرض والمشاورة, التي لا يشمئز منها أحد, ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس, التي أصلها, التطهر من الشرك, الذي يقبله كل عقل سليم, ولم يقل "أزكيك" بل قال "تزكى" أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه, الذي رباه, وأنعم عليه بالنعم الظاهرة و الباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها, وذكرها فقال: " وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى"
فلمّا علم أنه لا ينجع فيه تذكير قال: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) [الإسراء:102]
أي ممقوتا ملقى في العذاب لك والذم واللعنة ، وهذه من الحكمة التي أمر الله بها فتنبه.
(26)الدَّاعِيَة البَصِير يكثر من الاستشارة:
وهو بهذا يهتدي بأمر الله الذي أمر به نبيه – والنبي أكملُ الناس عقلاً، وأغزرهم علماً، وأفضلهم رأياً – في قوله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [ آل عمران:159].
وقال الضحاكُ بنُ مزاحم: (ما أمر الله نبيه بالمشورة إلا لما يعلم فيها من الفضل).(8/33)
قال ابنُ القيم: (وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقولُ: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبت في أمره، وقال قتادةُ: ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم).
وكان النبي يشاور أصحابه في كل ما يحتاج إلى المشاورة من دقيق وجليل، ويأخذ برأيهم المصيب، وربما ابتدؤه بالرأي الذي يرونه فيرجع إليه إذا اتضح له صوابه، وإنما كانت المشاورة لها هذا المقام الجليل لما يترتب عليها من المصالح الكلية العامة في الشؤون الدينية والشؤون الدنيوية وأمور السياسة وتوابعها.
ولا ريب أنَّ الاستشارة فيها من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره، ولو لم يكن فيها إلاّ أنَّ المشاورَ لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب فليس بملوم لكفى.
(27)الدَّاعِيَة البَصِير يستخير الله قبل العمل:
وهو بهذا يعمل بحديث جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قال: ( كانَ رسولُ الله يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكُ بِعِلْمِكَ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أقْدِرُ وتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ وأنْتَ علاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُم إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي ومَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قال عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ فاقْدُرْهُ لِي ويَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فيهِ وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي ومَعَاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي أوْ قالَ: فِي عاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ فاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمْ أرْضِنِي قال: ويُسَمِّي حاجَتَهُ).
قال عبد الله بن عمر: (إنَّ الرجلَ ليستخير اللهَ فيختار له، فيسخط على ربه، فلا يلبث أنْ ينظر في العاقبة فإذا هو خيرٌ له).
(28) الدَّاعِيَة البَصِير يُوطنُ نفسَهُ عَلَى البَلاءِ وَيَصبرُ إذَا نَزَلَ بهِ:
وقد دلتْ نصوصُ الشرعِ مِنْ الكتابِ والسُّنة عَلى هذا المعنى فكم من نبي أُوذي في سبيل الله فمنهم من ضُرِب ومنهم قُتل، وكم من صالح تقي نقي أصيب بأنواع من البلايا والأذايا والمحن والآيات في هذا المعنى كثيرة.
قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ?146? وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 146 – 147]
قال الشيخُ عبدُ الرحمن السّعدي في تفسير الآيات السابقة: ( هذا تسليةٌ للمؤمنين، وحث على الاقتداء بهم، والفعل كفعلهم، وأنّ هذا أمر قد كان متقدماً، لم تزل سنة الله جارية بذلك، فقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ) أي: وكم من نبي (قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أي: جماعات كثيرون من أتباعهم, الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان, والأعمال الصالحة, فأصابهم قتلٌ وجراح, وغير ذلك،"فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا" أي: ما ضعفت قلوبهم, ولا وهنت أبدانهم, ولا استكانوا أي: ذلوا لعدوهم، بل صبروا وثبتوا, وشجعوا أنفسهم, ولهذا قال: "وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ"، ثم ذكر قولهم, واستنصارهم لربهم فقال: "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ" أي: في تلك المواطن الصعبة "إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا"، والإسراف هو: مجاوزة الحد إلى ما حرم، علموا أن الذنوب والإسراف, من أعظم أسباب الخذلان, وأن التخلي منها, من أسباب النصر, فسألوا ربهم مغفرتها، ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به, من الصبر, بل اعتمدوا على الله, وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين, وأن ينصرهم عليهم، فجمعوا بين الصبر وترك ضده، والتوبة والاستغفار، والاستنصار بربهم).
قال ابنُ كثير: ( فكلُّ مَنْ قَامَ بحقٍ أو أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكر فلا بدَّ أنْ يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله، والاستعانة بالله، والرجوع إلى الله).
وفي الحديث عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
(29) الدَّاعِيَة البَصِير يكثر من الدعاء لنفسه بالتوفيق:
والآيات والأحاديث في الحث على الدعاء وبيان فضله وأثره وشروطه كثيرة، وقد أفردت لها مؤلفات.(8/34)
وما زالت إجابة الداعين أمرا مشهودا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة.
فحقيقٌ بالدَّاعِيَة البَصِير أنْ يكثر من الدعاء بالحديث الصحيح: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
قال ابنُ القيم: (وكان شيخنا كثيرُ الدعاءِ بذلك، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته – وقد رآه يبكي – فقال: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك، فقال معاذ بن جبل : إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما اطلب العلم عند أربعة عند: عويمر أبي الدرداء، وعند عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وذكر الرابع، فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلم إبراهيم – صلوات الله عليه –، وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكان مالك يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان بعضهم يقول: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، وكان بعضهم يقول: اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعذني من الخطأ).
وقد ختمتُ هذا الجزء المتواضع بهذه الوصية لكي تكون آخر ما يرسخ في ذهن القارئ الكريم، وأوَّل ما يعمله بعد قراءة الكتاب.
آملاً من الدَّاعِيَة البَصِير أنْ يُشركني معه في دعوةٍ صالحةٍ متضمنة سؤال الله العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ، مُذكّراً بما رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ – وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ – قَالَ: ( قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقُولُ: (دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ) قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيّ ).
إن الدعوة إلى الله من أجلّ الأعمال التي يعملها المسلم في حياته وأفضلها وأشرفها مقاماً، وهي مهمة الرسل والأنبياء، ولكن حتى يكون الداعية ناجحاً، يحتاج أن يكون بصيراً، بطبيعة الدين الذي يدعو إليه، والمنهج الذي يدعو به، والوسط الذي يدعو فيه، والناس الذين يدعوهم وهذه البصيرة مهمة جداً لفوزه بهدفه المنشود.
كما يجب عليه أن يفحص شخصيته جيداً، ليقوم ما قد يكون فيها من عوج، ويعيد ترتيب منظومته الفكرية، حتى يمكنه استغلال كل قدراته من أجل البلوغ إلى هدفه السامي في هداية الناس إلى الحق.
وهذا الكتاب يضع خطوطاً لإنجاح عمل الدعاة إلى الله بإذنه ، في شيء من التفصيل غير الممل أحياناً، وبإيجاز غير مُخلٍّ أحياناً أخرى، رجاء أن يستفيد منه كل من يمارس هذا العمل العظيم أو تهفو به نفسه لممارسته، ولكن يسأل: كيف تتم الدعوة إلى الله؟
==============
حراسة الفضيلة.
اسم الكاتب: فضيلة الشيخ بكر أبوزيد
قال الله تعالى : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا } ] سورة النساء: 27 [.
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. ... ... ... أما بعد :
فهذه رسالة نُخرجها للناس لِتَثْبيتِ نساء المؤمنين على الفضيلة، وكشف دعاوى المستغربين إلى الرذيلة، إذ حياة المسلمين المتمسكين بدينهم اليوم، المبنية على إقامة العبودية لله تعالى، وعلى الطهر والعفاف، والحياء، والغيرة حياة محفوفة بالأخطار من كل جانب، بجلب أمراض الشبهات في الاعتقادات والعبادات، وأمراض الشهوات في السلوك والاجتماعيات، وتعميقها في حياة المسلمين في أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام، وأسوأ مؤامرة على الأمة الإسلامية، تبناها: (النظام العالمي الجديد) في إطار نظرية الخلط – وهي المسماة في عصرنا : العولمة، أو الشوملة، أو الكوكبة – بين الحق والباطل..
ووحدة الأديان، ونظرية الخلط هذه أنكى مكيدة، لتذويب الدِّين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى سائمة تُسَام، وقطيع مهزوز اعتقادُه، غارق في شهواته، مستغرق في ملذّاته، متبلد في إحساسه، لا يعرف معروفاً ولا يُنكر منكراً، حتى ينقلب منهم من غلبت عليه الشقاوة على عقبيه خاسرًا، ويرتد منهم من يرتد عن دينه بالتدريج .(8/35)
ومِن أشأم هذه المخاطر، وأشدّها نفوذا في تمييع الأمة، وإغراقها في شهواتها، وانحلال أخلاقها، سعى دعاة الفتنة الذين تولوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين، إلى مدارج الفتنة، وإشاعة الفاحشة ونشرها، وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها، كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة باسم حقوق المرأة، وحريتها، ومساواتها بالرجل .. وهكذا، من دعوات في قوائم يطول شرحها، تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة، يترجلون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام، وفي المجتمعات المستقيمة لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري والخلاعة والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة : ( هَيْتَ لكم أيها الإباحيون ) .
إذاً !! لا بد من كلمة حق ترفع الضَّيم عن نساء المؤمنين، وتدفع شر المستغربين المعتدين على الدين والأمة، وتُعْلِن التذكير بما تعبّد الله به نساء المؤمنين من فرض الحجاب، وحفظ الحياء والعفة والاحتشام، والغيرة على المحارم، والتحذير مما حرّمه الله ورسوله من حرب الفضيلة بالتبرج والسفور والاختلاط، وتفقأ الحصرم في وجوه خونة الفضيلة، ودعاة الرذيلة، ولِيُثَبِّت الله بها من شاء من عباده على صيانة محارمهم وصون نسائهم من هذه الدعوات، وأنه لا مجال لحمل شيء منها محمل إحسان، لما يشاهده المسلمون من تيار الخلاعة والمجون والسفور، وشيوع الفاحشة في عامة المجتمعات الإسلامية التي سرت فيها هذه الدعايات المضللة.
وليتق الله امرؤ من أب أو ابن أو أخ أو زوج ونحوهم، ولاّه الله أمر امرأة أن يتركها تنحرف عن الحجاب إلى السفور، ومن الاحتشام إلى الاختلاط، والحذر من تقديم أطماع الدنيا وملاذ النفوس على ما هو خير وأبقى من حفظ العِرض، والأجر العريض في الآخرة .
وعلى نساء المسلمين أن يتقين الله، وأن يسلمن الوجه لله، والقيادة لمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يلتفتن إلى الهمل دعاة الفواحش والأفن، ومن كان صادق الإيمان قوي اليقين تحصن بالله، واستقام على شرعه.
والآن هذه رسالة تنير السبيل في :
أصول في الفضيلة وحراستها وحث المؤمنات على التزامها، وفي كشف دعاة المرأة إلى الرذيلة وتحذير المؤمنات من الوقوع فيها، وبالفصل الأول يعلم قطعاً الرد على الثاني .
وفيما ذُكر – إن شاء الله – مقنع وهداية، وعظة وكفاية، لمن نوَّر الله بصيرته، وأراد هدايته وتثبيته، وكل امرئٍ حسيب نفسه، فلينظر موضع صَدَره وورده، وقد أبلغت وحسبي الله ونعم الوكيل .
أسأل الله سبحانه أن يُلْبِسَها حُلَل القبول، والحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول:
في ذكر عشرة أصول للفضيلة :
الأصل الأول : وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة.
الأصل الثاني : الحجاب العام .
الأصل الثالث: الحجاب الخاص .
الأصل الرابع : القرار في البيوت .
الأصل الخامس : الاختلاط محرم شرعاً .
الأصل السادس : التبرج والسفور محرمان شرعاً .
الأصل السابع : لَمّا حرم الله الزنى حرم الأسباب المفضية إليه .
الأصل الثامن : الزواج تاج الفضيلة .
الأصل التاسع : وجوب حفظ الأولاد عن البدايات المضلة .
الأصل العاشر : وجوب الغيرة على المحارم وعلى نساء المؤمنات .
الأصل الأول:
وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة :
الفوارق بين الرجل والمرأة، الجسدية والمعنوية والشرعية، ثابتة قدراً وشرعاً، وحساً وعقلاً .
بيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكراً وأنثى { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى } [النجم: 45] ، يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله تعالى، بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين: في التوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغيب والترهيب، والفضائل.
وبلا فرق أيضاً في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] ، وقال سبحانه : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97]
لكن لما قَدَّر الله وقضى أن الذكر ليس كالأنثى في صِفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي، وقوة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً، لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع، وتربية جيل الأمة المقبل، ولهذا خلقت الأنثى من ضِلع آدم عليه السلام، فهي جزء منه، تابع له، ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها، وعلى نتاجهما من الذرية.
كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى، والقُدرات الجسدية، والعقلية، والفكرية، والعاطفية، والإرادية، وفي العمل والأداء، والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصل إليه علماء الطب الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين .
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا - ببالغ حكمة الله العليم الخبير – الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تُلائم كلَّ واحد منهما في خِلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه، واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية، لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها .
فخصَّ سبحانه الرجال ببعض الأحكام، التي تلائم خلقتهم وتكوينهم، وتركيب بنيتهم،(8/36)
وخصائص تركيبها، وأهليتهم، وكفايتهم في الأداء، وصبرهم وَجَلدهم ورزانتهم، وجملة وظيفتهم خارج البيت، والسعي والإنفاق على من في البيت.
وخص سبحانه النساء ببعض الأحكام التي تلائم خلقتهن وتكوينهن، وتركيب بنيتهن، وخصائصهن، وأهليتهن، وأداءهن، وضعف تحملهن، وجملة وظيفتهن ومهمتهن في البيت، والقيام بشؤون البيت، وتربية من فيه من جيل الأمة المقبل.
فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين والمواهب، وهذه إرادة الله الدينية الشرعية في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان على مصالح العباد وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والبيت والجماعة والمجتمع الإنساني .
وهذا طرف مما اختص به كل واحد منهما:
فمن الأحكام التي اختص بها الرجال:
- أنهم قوامون على البيوت بالحفظ والرعاية وحراسة الفضيلة، وكف الرذائل، والذود عن الحمى من الغوائل، وقَوّامون على البيوت بمن فيها بالكسب والإنفاق عليهم، قال الله تعالى : { قالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } [النساء: 34] .
- ومنها : أن النبوة والرسالة لا تكون إلا في الرجال دون النساء، قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم } [يوسف: 109] .
قال المفسرون : ما بعث الله نبياً : امرأة، ولا ملكاً، ولا جنياً، ولا بدوياً .
- وأن الولاية العامة، والنيابة عنها، كالقضاء والإدارة وغيرهما، وسائر الولايات كالولاية في النكاح، لا تكون إلا للرجال دون النساء .
- وأن الرجال اختصوا بكثير من العبادات دون النساء، مثل : فرض الجهاد، والجُمع، والجماعات، والأذان والإقامة وغيرها، وجُعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها، والأولاد ينسبون إليه لا إليها .
- وأن للرجل ضعف ما للأنثى في الميراث، والدية، والشهادة وغيرها .
وهذه وغيرها من الأحكام التي اختص بها الرجال هو معنى ما ذكره الله سبحانه في آخر آية الطلاق [228 من سورة البقرة] في قوله تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } .
وأما الأحكام التي اختص الله بها النساء فكثيرة تنتظم أبواب : العبادات، والمعاملات، والأنكحة وما يتبعها، والقضاء وغيرها، وهي معلومة في القرآن والسنة والمدونات الفقهية، بل أفردت بالتأليف قديماً وحديثاً، ومنها ما يتعلق بحجابها وحراسة فضيلتها.
وهذه الأحكام التي اختص الله سبحانه بها كل واحد من الرجال والنساء تفيد أموراً، منها الثلاثة الآتية :
الأمر الأول : الإيمان والتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء؛ الحسية والمعنوية والشرعية، وليرض كل بما كتب الله له قدراً وشرعاً، وأن هذه الفوارق هي عين العدل، وفيها انتظام حياة المجتمع الإنساني.
الأمر الثاني : لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق المذكورة، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا بحكمه وشرعه، وليسأل العبد ربَّه من فضله، وهذا أدب شرعي يزيل الحسد، ويهذب النفس المؤمنة، ويروضها على الرضا بما قدَّر الله وقضى .
ولهذا قال الله تعالى ناهياً عن ذلك : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء: 32] .
الأمر الثالث : إذا كان هذا النهي - بنص القرآن - عن مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة، ويدعو إليها باسم المساواة بين الرجل والمرأة ؟
فهذه بلا شك نظرية إلحادية؛ لما فيها من منازعة لإرادة الله الكونية القدرية في الفوارق الخَلقية والمعنوية بينهما، ومنابذة للإسلام في نصوصه الشرعية القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى في أحكام كثيرة، كما تقدم بعضها.
ولو حصلت المساواة في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخِلقة والكفاية؛ لكان هذا انعكاساً في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للفاضل والمفضول، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني، لما يلحقه من حرمان ثمرة قُدراتِ الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته، وحاشا أن يقع مثقال خردلة من ذلك في شريعة أحكم الحاكمين، ولهذا كانت المرأة في ظل هذه الأحكام الغراء مكفولة في أمومتها، وتدبير منزلها، وتربية الأجيال المقبلة للأمة .
فثبت بهذا الأصل الفوارق الحسية، والمعنوية، والشرعية، بين الرجل والمرأة.
وتأسيساً على هذا الأصل تأتي الأصول التالية، فهي الفوارق بينهما في الزينة والحجاب.
الأصل الثاني :
الحجاب العام :
الحجاب بمعناه العام : المنع والستر، فرض على كل مسلم من رجل أو امرأة، الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، وأحدهما مع الآخر، كلٌّ بما يناسب فطرته، وجِبِلته، ووظائفه الحياتية التي شرعت له، فالفوارق الحجابية بين الجنسين حسب الفوارق الخَلقية، والقدرات، والوظائف المشروعة لكل منهما .
فواجب على الرجال ستر عوراتهم من السرة إلى الركبة عن الرجال والنساء، إلا عن زوجاتهم أو ما ملكت يمين الرجل .
ونهى الشرع عن نوم الصبيان في المضاجع مجتمعين، وأمر بالتفريق بينهم، مخافة اللمس والنظر، المؤدي إلى إثارة الشهوة .
وفي الصلاة نهى الرجل أن يصلي وليس على عاتقه شيء .
ولا يطوف بالبيت عريان من رجل أو امرأة .(8/37)
ولا يصلي أحدهما وهو عريان، ولو كان وحده بالليل في مكان لا يراه أحد.
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المشي عُراة فقال : (( لا تمشوا عراة )) .
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان أحدنا خالياً أن يتعرى، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس )).
وفي الإحرام : معلومة الفوارق بين الجنسين .
ونهى الرجال عن الزينة المخلة بالرجولة من التشبه بالنساء في لباس أو حلية أو كلام، أو نحو ذلك .
ونهى الرجال عن الإسبال تحت الكعبين، والمرأة مأمورة بإرخاء ثوبها قدر ذراع لستر قدميها .
وأمر المؤمنين بِغضِّ أبصارهم عن العورات، وعن كل ما يثير الشهوة، وهذا أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن التطلع إلى ما عسى أن يوقعها في الحرام.
والنهي عن الخلوة من الرجال بالمردان، والنظر إليهم بشهوة، أو مع خوف ثورانها.
وهكذا من وسائل التزكية والتطهير من الذنوب والأرجاس، لما يورثه ذلك من حلاوة الإيمان ونور القلب، وقوته، وحفظ الفروج، والعزوف عن الفواحش والخنا، وخورام المروءة، وحفظ الحياء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( الحياء لا يأتي إلا بخير)).
الأصل الثالث:
الحجاب الخاص:يجب شرعاً على جميع نساء المؤمنين التزام الحجاب الشرعي، الساتر لجميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفان، والساتر لجميع الزينة المكتسبة من ثياب وحلي وغيرها من كل رجل أجنبي، وذلك بالأدلة المتعددة من القرآن والسنة، والإجماع العملي من نساء المؤمنين من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مروراً بعصر الخلافة الراشدة، فتمام القرون المفضلة، مستمراً العمل إلى انحلال الدولة الإسلامية إلى دويلات في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وبدلالة صحيح الأثر، والقياس المطرد، وبصحيح الاعتبار بجلب المصالح ودرء المفاسد .
وهذا الحجاب المفروض على المرأة إن كانت في البيوت فمن وراء الجُدر والخدور، وإن كانت في مواجهة رجل أجنبي عنها داخل البيت أو خارجه فالحجاب باللباس الشرعي: العباءة والخمار الساتر لجميع بدنها وزينتها المكتسبة، كما دلَّت النصوص على أنَّ هذا الحجاب لا يكون حجاباً شرعياً إلا إذا توافرت شروطه، وأن لهذا الحجاب من الفضائل الجمة، الخير الكثيرة والفضل الوفير، ولذا أحاطته الشريعة بأسباب تمنع الوصول إلى هتكه أو التساهل فيه.
فآل الكلام في هذا الأصل إلى أربع مسائل :
المسألة الأولى : تعريف الحجاب .
المسألة الثانية : بم يكون الحجاب ؟
المسألة الثالثة : أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين .
المسألة الرابعة : في فضائل الحجاب .
وإليك بيانها :
المسألة الأولى : تعريف حجاب المرأة شرعاً :
الحجاب : مصدر يدور معناه لغة على: السَّتر والحيلولة والمنع .
وحجاب المرأة شرعاً : هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت.
أما ستر البدن : فيشمل جَميعه، ومنه الوجه والكفان، كما سيأتي التدليل عليه في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى .
وأما ستر زينتها : فهو ستر ما تتزين به المرأة، خارجاً عن أصل خلقتها، وهذا معنى الزينة في قول الله تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور: 31] ، ويسمى: الزينة المكتسبة، والمستثنى في قوله تعالى: { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } هو الزينة المكتسبة الظاهرة، التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، كظاهر الجلباب –العباءة- ويقال: الملاءة، فإنه يظهر اضطراراً، وكما لو أزاحت الريح العباءة عما تحتها من اللباس، وهذا معنى الاستثناء في قول الله تعالى : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي: اضطراراً لا اختياراً، على حدِّ قول الله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] .
وإنما قلنا: التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، احترازاً من الزينة التي تتزين بها المرأة، ويلزم منها رؤية شيء من بدنها، مثل: الكحل في العين، فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه، وكالخضاب والخاتم، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد، وكالقُرط والقِلادة والسُّوار، فإن رؤيتها تستلزم رؤية محله من البدن، كما لا يخفى.
ويدل على أن معنى الزينة في الآية: الزينة المكتسبة لا بعض أجزاء البدن أمران:
الأول : أن هذا هو معنى الزينة في لسان العرب .
الثاني : أن لفظ الزينة في القرآن الكريم، يراد به الزينة الخارجة، أي المكتسبة، ولا
يراد بها بعض أجزاء ذلك الأصل، فيكون معنى الزينة في آية سورة النور هذه على
الجادة، إضافة إلى تفسير الزينة بالمكتسبة لا يلزم منها رؤية شيء من البدن المزين
بها، أنه هو الذي به يتحقق مقصد الشرع من فرض الحجاب من الستر والعفاف
والحياء وغض البصر، وحفظ الفرج، وطهارة قلوب الرجال والنساء، ويقطع
الأطماع في المرأة، وهو أبعد عن الرِّيبة وأسباب الفساد والفتنة.
المسألة الثانية : بِمَ يكون الحجاب ؟
عرفنا أن الحجاب لفظ عام بمعنى: السَّتر، ويراد به هنا ما يستر بدن المرأة وزينتها المكتسبة من ثوب وحلي ونحوهما عن الرجال الأجانب، وهو بالاستقراء لدلالات النصوص يتكون من أحد أمرين:
الأول : الحجاب بملازمة البيوت؛ لأنها تحجبهن عن أنظار الرجال الأجانب والاختلاط بهم .
الثاني : حجابها باللباس، وهو يتكون من: الجلباب والخمار، ويقال: العباءة والمسفع، فيكون تعريف الحجاب باللباس هو:
ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة بما يمنع الأجانب عنها رؤية شيء من ذلك، ويكون هذا الحجاب بـ الجلباب والخمار، وهما:(8/38)
1 – الخمار: مفرد جمعه: خُمُر، ويدور معناه على: السَّتر والتغطية، وهو:
(( ما تغطي به المرأة رأسها ووجها وعنقها وجيبها))، فكل شيءٍ غطَّيْتَه وستَرْتَهُ فقد خَمَّرته .
وصفة لبسه: أن تضع المرأة الخمار على رأسها، ثم تلويه على عنقها على صفة التحنك والإدارة على الوجه، ، ثم تلقي بما فضل منه على وجهها ونحرها وصدرها، وبهذا تتم تغطية ما جرت العادة بكشفه في منزلها .
ويشترط لهذا الخمار: أن لا يكون رقيقاً يشف عما تحته من شعرها ووجهها وعنقها ونحرها وصدرها وموضع قرطها، عن أم علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها. رواه ابن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما.
2 – الجلباب: جمعه جلابيب، وهو: (( كساء كثيف تشتمل به المرأة من رأسها إلى قدميها، ساتر لجميع بدنها وما عليه من ثياب وزينة )) .
ويقال له: المُلاءة، والمِلْحَفة، والرداء، والدثار، والكساء .
وهو المسمى: العباءة، التي تلبسها نساء الجزيرة العربية .
وصفة لبسها: أن تضعها فوق رأسها ضاربة بها على خمارها وعلى جميع بدنها وزينتها، حتى تستر قدميها .
وبهذا يعلم أنه يشترط في أداء هذه العبادة لوظيفتها – وهي ستر تفاصيل بدن المرأة وما عليها من ثياب وحلي - :
- أن تكون كثيفة، لا شفافة رقيقة .
- وأن يكون لبسها من أعلى الرأس لا على الكتفين؛ لأن لبسها على الكتفين يخالف مُسَمَّى الجلباب الذي افترضه الله على نساء المؤمنين، ولما فيه من بيان تفاصيل بعض البدن، ولما فيه من التشبه بلبسة الرجال، واشتمالهم بأرديتهم وعباءاتهم .
- وأن لا تكون هذه العباءة زينة في نفسها، ولا بإضافة زينة ظاهرة إليها، مثل التطريز .
- وأن تكون العباءة – الجلباب – ساترة من أعلى الرأس إلى ستر القدمين، وبه يعلم أن لبس ما يسمى : نصف فَجَّة وهو ما يستر منها إلى الركب لا يكون حجاباً شرعياً.
المسألة الثالثة :
أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين : معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن .
فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام، وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى، واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول.
وكانت بداية السفور بخلع الخمار عن الوجه في مصر، ثم تركيا، ثم الشام، ثم العراق، وانتشر في المغرب الإسلامي، وفي بلاد العجم، ثم تطور إلى السفور الذي يعني الخلاعة والتجرد من الثياب الساترة لجميع البدن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن له في جزيرة العرب بدايات، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكف البأس عنهم.
والآن إلى إقامة الأدلة :
أولاً : الأدلة من القرآن الكريم :
تنوعت الأدلائل من آيات القرآن الكريم في سورتي النور والأحزاب على فرضية الحجاب فرضاً مؤبداً عاماً لجميع نساء المؤمنين، وهي على الآتي:
الدليل الأول : قول الله تعالى : { وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } :
قال الله تعالى : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا(32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 32ـ33] .
هذا خطاب من الله تعالى لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما خصَّ الله سبحانه نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب: لشرفهن، ومنزلتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين، ولقرابتهن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] ، مع أنه لا يتوقع منهن الفاحشة – وحاشاهن – وهذا شأن كل خطاب في القرآن والسنة، فإنه يراد به العموم، لعموم التشريع، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما لم يرد دليل يدل على الخصوصية، ولا دليل هنا، كالشأن في قول الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65] .(8/39)
ولهذا فأحكام هاتين الآيتين وما ماثلهما هي عامة لنساء المؤمنين من باب الأولى، مثل: تحريم التأفيف في قول الله تعالى : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [الإسراء: 23] فالضرب محرم من باب الأولى، بل في آيتي الأحزاب لِحاقٌ يدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن، وهو قوله سبحانه : { وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ] سورة الأحزاب: 33[ وهذه فرائض عامة معلومة من الدين بالضرورة .
إذا علم ذلك ففي هاتين الكريمتين عدد من الدلالات على فرض الحجاب وتغطية الوجه على عموم نساء المؤمنين من وجوه ثلاثة :
الوجه الأول : النهي عن الخضوع بالقول.
الوجه الثاني : في قوله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } وهذه في حجب أبدان النساء في البيوت عن الرجال الأجانب .
الوجه الثالث : قوله تعالى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } .
الدليل الثاني : آية الحجاب .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(54 ) لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } [الأحزاب: 53ـ55] .
الآية الأولى عُرفت باسم : آية الحجاب؛ لأنها أول آية نزلت بشأن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، وكان نزولها في شهر ذي القعدة سنة خس من الهجرة .
وسبب نزولها ما ثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال عمر - رضي الله عنه - : قلت: يا رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه أحمد والبخاري في الصحيح .
وهذه إحدى موافقات الوحي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهي من مناقبه العظيمة .
ولما نزلت حجب النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه عن الرجال الأجانب عنهن، وحجب المسلمون نساءهم عن الرجال الأجانب عنهن، بستر أبدانهن من الرأس إلى القدمين، وستر ما عليها من الزينة المكتسبة، فالحجاب فرض عام على كل مؤمنة مؤبد إلى يوم القيامة، وقد تنوعت دلالة هذه الآيات على هذا الحكم من الوجوه الآتية:
الوجه الأول : لما نزلت هذه الآية حجب النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، وحجب الصحابة نساءهم، بستر وجوههن وسائر البدن والزينة المكتسبة، واستمر ذلك في عمل نساء المؤمنين، هذا إجماع عملي دال على عموم حكم الآية لجميع نساء المؤمنين، ولهذا قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية [22/ 39]: (( { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ } يقول: وإذا سألتم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً، فاسألوهن من وراء حجاب، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن .. )) انتهى .
الوجه الثاني : في قول الله تعالى في آية الحجاب هذه : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } علة لفرض الحجاب في قوله سبحانه : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ } بمسلك الإيماء والتنبيه، وحكم العلة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة مطلوبة من جميع المسلمين، فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب الأولى من فرضه على أمهات المؤمنين، وهن الطاهرات المبرآت من كل عيب ونقيصة رضي الله عنهن.
فاتضح أن فرض الحجاب حكم عام على جميع النساء لا خاصاً بأزواج النبي- صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عموم علة الحكم دليل على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم: إن هذه العلة : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } غير مرادة من أحد من المؤمنين؟ فيالها من علة جامعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها.
الوجه الثالث : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا إذا قام دليل على التخصيص، وكثير من آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها، وقَصْرُ أحكامها في دائرة أسبابها بلا دليل تعطيل للتشريع، فما هو حظ المؤمنين منها ؟
وهذا ظاهر بحمد الله، ويزيده بياناً: أن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة، هي أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة؛ للاستواء في أحكام التكليف، ما لم يرد دليل يجب الرجوع إليه دالاًّ على التخصيص، ولا مخصص هنا، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء: (( إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة)) .
الوجه الرابع : زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات لجميع المؤمنين، كما قال الله تعالى :(8/40)
{ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] ، ونكاحهن محرم على التأبيد كنكاح الأمهات:
{ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا } [الأحزاب: 53] ، وإذا كانت زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم - كذلك، فلا معنى لقصر الحجاب عليهن دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحجاب عاماً لكل مؤمنة، مؤبداً إلى يوم القيامة، وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم، كما تقدم من حجبهم نساءهم رضي الله عنهن .
الوجه الخامس : ومن القرائن الدالة على عموم حكم فرض الحجاب على نساء المؤمنين: أن الله سبحانه استفتح الآية بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ.. } وهذا الاستئذان أدب عام لجميع بيوت النبي- صلى الله عليه وسلم - دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره [3/505] : (( حُظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( إياكم والدخول على النساء )) الحديث .. )) انتهى .
ومَن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لزمه أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك، ولا قائل به.
الوجه السادس : ومما يفيد العموم أن الآية بعدها : { لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ.. } فإن نفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم إجماعاً، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير محجبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجب على المرأة الاحتجاب عنهم .
الوجه السابع : ومما يفيد العموم ويبطل التخصيص: قوله تعالى: { وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ } [في الآية: 59 من سورة الأحزاب] في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب على نساء المؤمنين على التأبيد.
الدليل الثالث: آية الحجاب الثانية الآمرة بإدناء الجلابيب على الوجوه:
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [الأحزاب: 59] .
قال السيوطي رحمه الله تعالى: (( هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن )) انتهى .
وقد خصَّ الله سبحانه في هذه الآية بالذكر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته؛ لشرفهن ولأنهن آكد في حقه من غيرهن لقربهن منه، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] ، ثم عمم سبحانه الحكم على نساء المؤمنين، وهذه الآية صريحة كآية الحجاب الأولى، على أنه يجب على جميع نساء المؤمنين أن يغطين ويسترن وجوههن وجميع البدن والزينة المكتسبة، عن الرجال الأجانب عنهن، وذلك الستر بالتحجب بالجلباب الذي يغطي ويستر وجوههن وجميع أبدانهن وزينتهن، وفي هذا تمييز لهن عن اللائي يكشفن من نساء الجاهلية، حتى لا يتعرضن للأذى ولا يطمع فيهن طامع .
والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوه، هي:
الوجه الأول : معنى الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب، وهو: اللباس الواسع الذي يغطي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة والعباءة، فتلبسه المرأة فوق ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتداً إلى ستر قدميها.
فثبت بهذا حجب الوجه بالجلباب كسائر البدن لغةً وشرعاً .
الوجه الثاني : أن شمول الجلباب لستر الوجه هو أول معنى مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بستره وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدناء عُدِّي بحرف على، وهو دال على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء لا يكون إلا من أعلى، فهو هنا من فوق الرءوس على الوجوه والأبدان .
الوجه الثالث : أن ستر الجلباب للوجه وجميع البدن وما عليه من الثياب المكتسبة – الزينة المكتسبة – هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهم، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: { أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ } الآية شَقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رءوسهن الغربان . رواه ابن مردويه .(8/41)
الوجه الرابع : في الآية قرينة نصية دالة على هذا المعنى للجلباب، وعلى هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين رضي الله عن الجميع بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أن في قوله تعالى: { قُل لِّأَزْوَاجِكَ } وجوب حجب أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهر الدلالة على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات .
الوجه الخامس : هذا التعليل { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } راجع إلى الإدناء، المفهوم من قوله: { يُدْنِينَ } وهو حكم بالأولى على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نص على ستر الوجه وتغطيته، ولأن من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلظة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا على التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرّي والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين .
ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكّفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها .
واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي – كما تقدم في صفة لبسه – أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين، ويقتضي أن لا يكون الجلباب –العباءة- زينة في نفسه، ولا مضافاً إليه ما يزينه من نقش أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضاً لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها .
ولا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُعْلنَّ بفعلهن تعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيات النقيات الشريفات الطيبات، ثبّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها .
الدليل الرابع : في آيتي سورة النور :
قال الله تعالى : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 30ـ31]
تعددت الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين على فرض الحجاب وتغطية الوجه من وجوه أربعة مترابطة، هي :
الوجه الأول : الأمر بغضِّ البصر وحفظ الفرج من الرجال والنساء على حدٍّ سواء في الآية الأولى وصدر الآية الثانية.
الوجه الثاني : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي: لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب عن عمد وقصد، إلا ما ظهر منها اضطراراً لا اختياراً، ما لا يمكن إخفاؤه كظاهر الجلباب – العباءة. وتأمل سِراًّ من أسرار التنزيل في قوله تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } كيف أسند الفعل إلى النساء في عدم إبداء الزينة متعدياً وهو فعل مضارع: { يُبْدِينَ } ومعلوم أن النهي إذا وقع بصيغة المضارع يكون آكد في التحريم، وهذا دليل صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أولى .
وفي الاستثناء { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } لم يسند الفعل إلى النساء، إذ لم يجئ متعدياً، بل جاء لازماً، ومقتضى هذا: أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقاً، غير مخيرة في إبداء شيء منها، وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء منها إلا ما ظهر اضطراراً بدون قصد، فلا إثم عليها، مثل: انكشاف شيء من الزينة من أجل الرياح، أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى هذا الاستثناء: رفع الحرج، كما في قوله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] ، وقوله تعالى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [الأنعام: 119] .(8/42)
الوجه الثالث : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } : لما أوجب الله على نساء المؤمنين الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذكر سبحانه لكمال الاستتار، مبيناً أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، وبما أن القميص يكون مشقوق الجيب عادة بحيث يبدو شيء من العنق والنحر والصدر، بيَّن سبحانه وجوب ستره وتغطيته، وكيفية ضرب المرأة للحجاب على ما لا يستره القميص، فقال عز شأنه : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } ، والضرب: إيقاع شيء على شيء، ومنه: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } [آل عمران: 112] أي: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُربت عليه .
والخُمر: جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمراً؛ لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 8/489] : ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها . انتهى .
ويقال: اختمرت المرأة وتخمَّرت، إذا احتجبت وغطَّت وجهها .
والجيوب مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص .
فيكون معنى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاء محكماً على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر. وذلك بِلَفِّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع، وهذا خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأمرن بالاستتار.
ومَن نازع فقال بكشف الوجه؛ لأن الله لم يصرح بذكره هنا، فإنا نقول له: إن الله سبحانه لم يذكر هنا: الرأس، والعنق، والنحر، والصدر، والعضدين، والذراعين، والكفين، فهل يجوز الكشف عن هذه المواضع؟ فإن قال: لا، قلنا: والوجه كذلك لا يجوز كشفه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، وكيف تأمر الشريعة بستر الرأس والعنق والنحر والصدر والذراعين والقدمين، ولا تأمر بستر الوجه وتغطيته، وهو أشد فتنة وأكثر تأثيراً على الناظر والمنظور إليه؟
وأيضاً ما جوابكم عن فهم نساء الصحابة رضي الله عن الجميع في مبادرتهن إلى ستر وجوههن حين نزلت هذه الآية ؟
الوجه الرابع : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } :
لما أمر الله سبحانه بإخفاء الزينة، وذكر جل وعلا كيفية الاختمار، وضربه على الوجه والصدر ونحوهما، نهى سبحانه لكمال الاستتار، ودفع دواعي الافتتان، نساء المؤمنين إذا مشين عن الضرب بالأرجل، حتى لا يُصوَّت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بذلك، فيكون سبباً للفتنة، وهذا من عمل الشيطان.
وفي هذا الوجه ثلاث دلالات:
الأولى : يحرم على نساء المؤمنين ضرب أرجلهن ليعلم ما عليهن من زينة.
الثانية : يجب على نساء المؤمنين ستر أرجلهن وما عليهن من الزينة، فلا يجوز لهن كشفها.
الثالثة : حرَّم الله على نساء المؤمنين كل ما يدعو إلى الفتنة، وإنه من باب الأولى والأقوى يحرم سفور المرأة وكشفها عن وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال؛ لأن كشفه أشد داعية لإثارة الفتنة وتحريكها، فهو أحق بالستر والتغطية وعدم إبدائه أمام الأجانب، ولا يستريب في هذا عاقل.
فانظر كيف انتظمت هذه الآية حجب النساء عن الرجال الأجانب من أعلى الرأس إلى القدمين، وإعمال سد الذرائع الموصلة إلى تعمد كشف شيء من بدنها أو زينتها خشية الافتتان بها، فسبحان من شرع فأحكم .
الدليل الخامس : الرخصة للقواعد بوضع الحجاب، وأن يستعففن خير لهن:
قال الله تعالى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور: 60] .رخَّص الله سبحانه للقواعد من النساء، أي: العجائز، اللائي تقدم بهن السنّ، فقعدن عن الحيض والحمل ويئسن من الولد أن يضعن ثيابهن الظاهرة من الجلباب والخمار، التي ذكرها الله سبحانه في آيات ضرب الحجاب على نساء المؤمنين، فيكشفن عن الوجه والكفين، ورفع تعالى الإثم والجناح عنهن في ذلك بشرطين:
الشرط الأول : أن يَكُنَّ من اللاتي لم يبق فيهن زينة ولا هن محل للشهوة، وهن اللائي لا يرجون نكاحاً، فلا يَطْمعن فيه، ولا يُطْمَع فيهن أن يُنكحن؛ لأنهن عجائز لا يَشتهين ولا يُشتَهين، أما من بقيت فيها بقية من جمال، ومحل للشهوة، فلا يجوز لها ذلك .
الشرط الثاني : أن يكن غير متبرجات بزينة، وهذا يتكون من أمرين :
أحدهما : أن يكنَّ غير قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفيف إذا احتجن إليه .
وثانيهما : أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها.
فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة .
ثم قال ربنا جل وعلا : { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة .(8/43)
فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة .
وبدلالة أن استعفاف القواعد خير لهن من الترخص بوضع الثياب عن الوجه والكفين، فوجب ذلك في حق من لم تبلغ سن القواعد من نساء المؤمنين، وهو أولى في حقهن، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وإن فعلن فالإثم والحرج والجناح .
ولذا فإن هذه الآية من أقوى الأدلة على فرض الحجاب للوجه والكفين وسائر البدن، والزينة بالجلباب والخمار .
ثانياً : الأدلة من السنة :
تنوعت الأدلة من السنة المطهرة من وجوه متعددة بأحاديث متكاثرة بالتصريح بستر الوجه وتغطيته تارة، وبالتصريح عدم الخروج إلا بالجلباب (العباءة) تارة، وبالأمر بستر القدمين وإرخاء الثوب من أجل سترهما تارة، وبأن المرأة عورة والعورة واجب سترها تارة، وبتحريم الخلوة والدخول على النساء تارة، وبالرخصة للخاطب في النظر إلى مخطوبته تارة، وهكذا من وجوه السنن التي تحمي نساء المؤمنين وتحرسهن في حالٍ من العفة والحياء، والغيرة والاحتشام.
وهذا سياق جملة من الهدي النبوي في ذلك :
1 – عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي .
2 – عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام . رواه ابن خزيمة، والحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
3 – عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن، فاختمرن بها.رواه البخاري، وأبو داود، وابن جرير في التفسير، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 8/490] : (( قوله: فاختمرن أي: غطين وجوههن )) انتهى .
4 – حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وفيه: وكان –صفوان- يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمَّرت وجهي عنه بجلبابي. متفق على صحته .
5 – وعن عائشة رضي الله عنها حديث قصتها مع عمها من الرضاعة –وهو أفلح أخو أبي القعيس- لما جاء يستأذن عليها بعد نزول الحجاب، فلم تأذن له حتى أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه عمها من الرضاعة. متفق على صحته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 9/152] : (( وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب )) انتهى . وهذا اختيار من الحافظ في عموم الحجاب، وهو الحق .
6– وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس . متفق على صحته .
8 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: (( يرخين شبراً )) فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: (( يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والاستدلال من هذا الحديث بأمرين :
الأول : أن المرأة كلها عورة في حق الأجنبي عنها، بدليل أمره - صلى الله عليه وسلم - بستر القدمين، واستثناء النساء من تحريم جر الثوب والجلباب لهذا الغرض المهم.
الثاني : دلالته على وجوب الحجاب لجميع البدن من باب قياس الأولى، فالوجه مثلاً أعظم فتنة من القدمين، فستره أوجب من ستر القدمين، وحكمة الله العليم الخبير تأبى الأمر بستر الأدنى وكشف ما هو أشد فتنة .
9- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها )) رواه الترمذي، وابن حبان، والطبراني في الكبير .
ووجه الدلالة منه : أن المرأة إذا كانت عورة وجب ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة وتغطيته.
وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد : (( ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها لا تبن منها شيئاً ولا خُفَّها )) .
وعنه أيضاً : (( كل شيء منها عورة حتى ظفرها )) ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: (( وهو قول مالك )) انتهى .
10 – وعن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إياكم والدخول على النساء )) ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: (( الحمو الموت )) متفق على صحته .
11- أحاديث الرخصة للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وهي كثيرة، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبوهريرة، وجابر، والمغيرة، ومحمد بن سلمة، وأبو حميد رضي الله عنه الجميع .
ونكتفي بحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل )) فخطبت جارية فكنت أتخبّأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها. رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم .
ودلالة هذه السنة ظاهرة من وجوه :(8/44)
1 / أن الأصل هو تستر النساء واحتجابهن عن الرجال .
2 / الرخصة للخاطب برؤية المخطوبة دليل على وجود العزيمة وهو الحجاب، ولو كن سافرات الوجوه لما كانت الرخصة .
3 / تكلف الخاطب جابر - رضي الله عنه - بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كن سافرات الوجوه خراجات ولاجات، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة، والله أعلم .
ثالثاً : القياس الجلي المطرد :
كما دلَّت الآيات والسنن على فرض الحجاب على نساء المؤمنين شاملاً ستر الوجه والكفين وسائر البدن والزينة، وتحريم إبداء شيء من ذلك بالسفور أو الحسور، فقد دلَّت هذه النصوص أيضاً بدليل القياس المطرد على ستر الوجه والكفين وسائر جميع البدن والزينة، وإعمالاً لقواعد الشرع المطهّر، الرامية إلى سدّ أبواب الفتنة عن النساء أن يُفْتَنَّ أو يُفْتتَنَ بهنَّ، والرامية كذلك إلى تحقيق المقاصد العالية وحفظ الأخلاق الفاضلة، مثل: العفة، والطهارة، والحياء، والغيرة، والاحتشام.
وصرف الأخلاق السافلة من عدم الحياء، وموت الغيرة، والتبذل، والتعري، والسفور، والاختلاط، وكما في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وقاعدة ترك المباح إذا أفضى إلى مفسدة في الدِّين، ومن هذه المقايسات المطردة :
1- الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وكشف الوجه أعظم داعية في البدن للنظر وعدم حفظ الفرج .
2- النهي عن الضرب بالأرجل، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة من ذلك .
3- النهي عن الخضوع بالقول، وكشف الوجه أعظم داعية للفنة من ذلك .
4- الأمر بستر القدمين، والذراعين، والعنق، وشعر الرأس بالنص وبالإجماع، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة والفساد من ذلك .
وغير هذه القياسات كثير يُعلم مما تقدم، فيكون ستر الوجه واليدين وعدم السفور عنهما من باب الأولى والأقيس، وهو المسمى بالقياس الجلي، وهذا ظاهر لا يعتريه قادح ، والحمد لله رب العالمين
خلاصة وتنبيه:
أما الخلاصة : فمما تقدم يَعْلَمُ كلُّ من نوَّر الله بصيرته فرضَ الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، بأدلة ظاهرة الدلالة من الوحي المعصوم من القرآن والسنة، وبدلالة القياس الصحيح، والاعتبار الرجيح للقواعد الشرعية العامة، ولذا جرى على موجبه عمل نساء المؤمنين من عصر النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين، وأن السفور عن الوجه الذي يشاهد اليوم في عامة أقطار العالم الإسلامي هو بداية ما حل به من الحسور عن كثير من البدن، وعن كل الزينة إلى حدِّ الخلاعة والعري والتهتك والتبرج والتفسخ، المسمى في عصرنا باسم : السفور، وأن هذا البلاء حادث لم يحصل إلا في بدايات القرن الرابع عشر للهجرة على يد عدد من نصارى العرب والمستغربين من المسلمين، ومن تنصر منهم بعد الإسلام.
أما التنبيه والتحذير : فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاجِ العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور، ورميهنّ في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة، التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية من طلب العفة والحصانة وحفظهما، وصد عاديات التبرج والسفور والاختلاط، الذي حلَّ بديار القائلين بهذا الشذوذ، ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات:
1 / دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أوالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .
2 / دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم .
3 / دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان .
هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء .
المسألة الرابعة : في فضائل الحجاب :
تعبَّد اللهُ نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبداً يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل: تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الآخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب .وإن من وراء افتراضه حكم وأسرار عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها :
1 – حفظ العِرض: الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة.
2 – طهارة القلوب: الحجاب داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات.
3 – مكارم الأخلاق : الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والحياء.
4 – علامة على العفيفات: الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن(8/45)
وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك : { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } [الأحزاب: 59]
5 – قطع الأطماع والخواطر الشيطانية: الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى.
6 – حفظ الحياء: وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في
النفوس التي أراد سبحانه تكريمها.
7 – الحجاب يمنع نفوذ التبرج والسفور والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام.
8 – الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ.
9 – المرأة عورة، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف: 26[
10- حفظ الغيرة: وبيانها مفصلاً إن شاء الله في الأصل العاشر .
الأصل الرابع:
قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية، وخروجها منه رخصة تُقَدَّر بقدرها: الأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: { وَقرْنَ في بيُوتِكنَّ } [الأحزاب:33].
فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة.
ولهذا جاء بعدها: { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية .
وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية :
1 / مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه.
2 / مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت .
3 / قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت.
4 / قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها.
5 / تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأة وعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنزلية.
الأصل الخامس:
الاختلاط محرم شرعاً:
إن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي –كما تقدم- مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية .
كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها، ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.
ولهذا حرمت الأسباب المفضية إلى الاختلاط، هتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء، ومنها :
- تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها.
- تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة .
- تحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر، بنص القرآن والسنة .
- تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء -وهم أقارب الزوج- .
- تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية، حتى المصافحة للسلام .
- تحريم تشبه أحدهما بالآخر .
- وشرع لها صلاتها في بيتها، فهي من شعائر البيوت الإسلامية.
- ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة، وأُذن لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام التالية :
1 - أن تؤمن الفتنة بها وعليها .
2 - أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي .
3 - أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع .
4 - أن تخرج تَفِلةً غير متطيبة .
5 - أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة .
6 - إفراد باب خاص للنساء في المساجد.
7 - تكون صفوف النساء خلف الرجال .
8 - خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال .
9 - إذا نابَ الإمامَ شيء في صلاته سَبَّح رجل، وصفقت امرأة .
10- تخرج النساء من المسجد قبل الرجال.
إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال، والله أعلم.
الأصل السادس:
التبرج والسفور محرمان شرعاً:
التبرج أعم من السفور، فالسفور خاص بكشف الغطاء عن الوجه، والتبرج: كشف المرأة وإظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة أمام الرجال الأجانب عنها.
وقد دلَّ الكتاب والسنة والإجماع على تحريم تبرج المرأة، وهو إظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة التي حرَّم الله عليها إبداءها أمام الرجال الأجانب عنها.
كما دلَّ الكتاب والسنة والإجماع العملي على تحريم سفور المرأة، وهو كشفها الغطاءعن وجهها .
والتبرج يكون بأمور :
- يكون التبرج بخلع الحجاب، وإظهار المرأة شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب.
- ويكون التبرج بأن تبدي المرأة شيئاً من زينتها المكتسبة، مثل: ملابسها التي تحت جلبهابها – أي عباءتها - .
- ويكون التبرج بتثني المرأة في مشيتها وتبخترها وترفلها وتكسرها أمام الرجال.
- ويكون التبرج بالضرب بالأرجل، ليُعلم ما تخفي من زينتها.
- ويكون التبرج بالخضوع بالقول والملاينة بالكلام .
- ويكون التبرج بالاختلاط بالرجال، وملامسة أبدانهن أبدان الرجال، بالمصافحة
والتزاحم في المراكب والممرات الضيقة ونحوها .
والأدلة على تحريم التبرج آيات من كتاب الله، منها آيتان نصٌّ في النهي عن التبرج،(8/46)
وهما: قول الله تعالى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب: 33] .
وقول الله تعالى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور: 60] .
ومن السنة : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( صنفانِ من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يَجِدْن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) رواه مسلم في الصحيح.
وهذا نص فيه وعيد شديد، يدل على أن التبرج من الكبائر؛ لأن الكبيرة: كل ذنب توعد الله عليه بنار أو غضب أو لعنةٍ أو عذابٍ أو حِرمانٍ من الجنة.
الأصل السابع:
لَمَّا حرَّم الله الزنى حَرَّم الأسباب المفضية إليه:
قاعدة الشرع المطهّر: أن الله سبحانه إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه، أو القرب من حماه، ووقاية من اكتساب الإثم، والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة.
ولو حرَّم الله أمراً، وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك .
وفاحشة الزنى من أعظم الفواحش، وأقبحها وأشدها خطراً وضرراً وعاقبةً على ضروريات الدين، ولهذا صار تحريم الزنى معلوماً من الدين بالضرورة .
قال الله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [الإسراء:32].
ولهذا حرِّمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور ووسائله، والتبرج ووسائله، والاختلاط ووسائله، وتشبه المرأة بالرجل، وتشبهها بالكافرات.
وهذه الوسائل الواقية: فعلية، وقولية، وإرادية، وهي:
1 / تطهير الزناة والزواني بالعقوبة الحدية .
2 / التطهر باجتناب نكاح الزانية وإنكاح الزواني، إلا بعد التوبة ومعرفة الصدق فيها. وهاتان وسيلتان واقيتان تتعلقان بالفعل .
3 / تطهير الألسنة عن رمي الناس بفاحشة الزنى، ومَن قال ولا بيِّنة فيُشرع حد القذف في ظهره.
4 / تطهير لسان الزوج عن رمي زوجته بالزنا ولا بينة، وإلا فاللعان .
5 / تطهير النفوس وحجب القلوب عن ظن السوء بمسلم بفعل الفاحشة .
6 / تطهير الإرادة وحجبها عن محبة إشاعة الفاحشة في المسلمين، لما في إشاعتها من إضعاف جانب من ينكرها، وتقوية جانب الفسقة والإباحيين .
7 / الوقاية العامة بتطهير النفس من الوساوس والخطرات، التي هي أولى خطوات الشيطان في نفوس المؤمنين ليوقعهم في الفاحشة.
8 / مشروعية الاستئذان عند إرادة دخول البيت، حتى لا يقع النظر على عورة من عورات أهل البيوت .
9/ تطهير العين من النظر المحرم إلى المرأة الأجنبية، أو منها إلى الرجل الأجنبي عنها.
10/ تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب عنها .
11/ منع ما يحرم الرجل ويثيره، كضرب المرأة برجلها، ليسمع صوت خلخالها.
12/ الأمر بالاستعفاف لمن لا يجد ما يستطيع به الزواج، وفعل الأسباب.
الأصل الثامن:
الزواج تاج الفضيلة:
الزواج سنة الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38] .
وهو سبيل المؤمنين، استجابة لأمر الله سبحانه: { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32) وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النور: 32-33].
فهذا أمرٌ من الله عز شأنه للأولياء بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامي -جمع أيم- وهم من لا أزواج لهم من رجال ونساء، وهو من باب أولى أمر لهم بإنكاح أنفسهم طلباً للعفة والصيانة من الفاحشة .
واستجابة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )) متفق على صحته.
والزواج تلبية لما في النوعين: الرجل والمرأة من غريزة النكاح -الغريزة الجنسية- بطريق نظيف مثمر
ولهذه المعاني وغيرها لا يختلف المسلمون في مشروعية الزواج، وأن الأصل فيه الوجوب لمن خاف على نفسه العنت والوقوع في الفاحشة، لا سيما مع رقة الدين، وكثرة المغريات، إذ العبد ملزم بإعفاف نفسه، وصرفها عن الحرام، وطريق ذلك: الزواج.
فالزواج صلة شرعية تُبْرم بعقد بين الرجل والمرأة بشروطه وأركانه المعتبرة شرعاً، ولأهميته قَدَّمه أكثر المحدِّثين والفقهاء على الجهاد، ولأن الجهاد لا يكون إلا بالرجال، ولا طريق له إلا بالزواج، وهو يمثل مقاماً أعلى في إقامة الحياة واستقامتها، لما ينطوي عليه من المصالح العظيمة، والحكم الكثيرة، والمقاصد الشريفة، منها :
1 ـ حفظ النسل وتوالد النوع الإنساني جيلاً بعد جيل، لتكوين المجتمع البشري، لإقامة الشريعة وإعلاء الدين، وعمارة الكون، وإصلاح الأرض.
2 ـ حفظ العرض، وصيانة الفرج، وتحصيل الإحصان، والتحلي بفضيلة العفاف.
3 ـ تحقيق مقاصد الزواج الأخرى، من وجود سكن يطمئن فيه الزوج من الكدر(8/47)
وبالوقوف على مقاصد الزواج، تعرف مضار الانصراف عنه؛ من انقراض النسل، وانطفاء مصابيح الحياة، وخراب الديار، وقبض العفة والعفاف، وسوء المنقلب.
ومن أقوى العلل للإعراض عن الزواج: ضعف التربية الدينية في نفوس الناشئة، فإن تقويتها بالإيمان يكسبها العفة والتصون، فيجمع المرء جهده لإحصان نفسه { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } [الطلاق: 2] .
ومن أقوى العلل للإعراض عن الزواج: تفشي أوبئة السفور والتبرج والاختلاط؛ لأن العفيف يخاف من زوجة تستخف بالعفاف والصيانة، والفاجر يجد سبيلاً محرماً لقضاء وطره، متقلباً في بيوت الدعارة، نعوذ بالله من سوء المنقلب .
فواجب لمكافحة الإعراض عن الزواج: مكافحة السفور والتبرج والاختلاط، وبهذا يُعلم انتظام الزواج لأصول الفضيلة المتقدمة.
الأصل التاسع:
وجوب حفظ الأولاد عن البدايات المضلة:
من أعظم آثار الزواج: إنجاب الأولاد، وهم أمانة عند مَن ولّي أمرهم من الوالدين أو غيرهما، فواجب شرعاً أداء هذه الأمانة بتربية الأولاد على هدي الإسلام، وتعليمهم ما يلمهم في أمور دينهم ودنياهم، وأول واجب غرس عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعميق التوحيد الخالص في نفوسهم، حتى يخالط بشاشة قلوبهم، وإشاعة أركان الإسلام في نفوسهم، والوصية بالصلاة، وتعاهدهم بصقل مواهبهم، وتنمية غرائزهم بفضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، وحفظهم عن قرناء السوء وأخلاط الردى.
الأصل العاشر:
وجوب الغيرة على المحارم وعلى نساء المؤمنين:
الغيرة: هي السياج المعنوي لحماية الحجاب، ودفع التبرج والسفور والاختلاط، والغيرة هي: ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، والغيرة في الإسلام خلق محمود، وجهاد مشروع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه )) متفق عليه .
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( مَن قُتل دون أهله فهو شهيد )) . رواه الترمذي.
فالحجاب باعث عظيم على تنمية الغيرة على المحارم أن تنتهك، أو يُنال منها، وباعث على توارث هذا الخلق الرفيع في الأسر والذراري: غيرة النساء على أعراضهن وشرفهن، وغيرة أوليائهن عليهن، وغيرة المؤمنين على محارم المؤمنين من أن تنال الحرمات، أو تخدش بما يجرح كرامتها وعفتها وطهارتها ولو بنظرة أجنبي إليها.
أقول: وإذا أردت أن تعرف فضل الحجاب وستر النساء وجوههن عن الأجانب فانظر إلى حال المتحجبات، ماذا يحيط بهن من الحياء، والبعد عن مزاحمة الرجال في الأسواق، والتصون التام عن الوقوع في الرذائل، أو أن تمتد إليهن نظرات فاجر؟ وإلى حال أوليائهن: ماذا لديهم من شرف النفس والحراسة لهذه الفضائل في المحارم؟ وقارن هذا بحال المتبرجة السافرة عن وجهها التي تُقَلِّب وجهها في وجوه الرجال، وقد تساقطت منها هذه الفضائل بقدر ما لديها من سفور وتهتك، وقد ترى السافرة الفاجرة تحادث أجنبياً فاجراً تظن من حالهما أنهما زوجان.
الفصل الثاني
كشف دعاة المرأة إلى الرَّذيلة :
أما بعد : فهذه هي الفضيلة لنساء المؤمنين، وهذه هي الأصول التي تقوم عليها وتحرسها من العدوان عليها، لكن بعض مَن في قلوبهم مرض يأبون إلا الخروج عليها، بنداءاتهم المعلنة في ذلك، فمعاذ الله أن يَمُرَّ على السمع والبصر، إعلان المنكر والمناداة به، وهضم المعروف والصدّ عنه، ولا يكون للمصلحين مِنَّا في وجه هذا العدوان صَوتٌ جَهيزٌ بإحسان يَبْلُغُ الحاضر والباد، إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي به يُنافَحُ عن الدين، ويُنصح للمسلمين عن التردي في هوة صيحات العابثين، وبه تُحْرَسُ الفضائل، وتكبت الرذائل، ويؤخذ على أيدي السفهاء، ومعلوم أن فشُوَّ المنكرات يكون بالسكوت عن الكبائر والصغائر، وبتأويل الصغائر، لا سيما ونحن نُشاهد كظيظاً من زِحام المعدومين المجهولين من أهل الرَّيب والفتن، المستغربين المُسَيَّرين بحمل الأقلام المتلاعبة بدين الله وشرعه، يختالون في ثياب الصحافة والإعلام، وقد شرحوا بالمنكر صدراً، فانبسطت ألسنتهم بالسوء، وجَرَت أقلامهم بالسُّوأَى ، وجميعها تلتئم على معنى واحد: التطرف الجنوني في مزاحمة الفطرة، ومنابذة الشريعة، وجرِّ أذيال الرذائل على نساء المسلمين، وتفريغهن من الفضائل، بدعوتهم الفاجرة في بلاد الإسلام إلى: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل في جميع الأحكام ، للوصول إلى: جريمة التبرج والاختلاط و خلع الحجاب .
وإذا خُلع الحجاب عن الوجه فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج والسفور والتهتك والإباحية بين الزناة والزواني، وأن تهب المرأة نفسها لمن تشاء .
وفي تفسير ابن جرير عند قول الله تعالى: { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا } [النساء: 27] ، قال مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى: يزني أهل الإسلام كما يزنون، قال: هي كهيئة: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 9] . انتهى .(8/48)
ويتصاعد شأن القضية، من قضية المرأة إلى قضية إفساد العالم الإسلامي، وهذه الخطة الضالة ليست وليدة اليوم، فإنها جادة الذين مكروا السيئات من قبل في عدد من الأقطار الإسلامية، حتى آلت الحال -واحسرتاه- إلى واقع شاع فيه الزنا، وشُرعت فيه أبواب بيوت الدعارة ودور البِغاء بأذون رسمية، وعمرت خشبات المسارح بالفن الهابط من الغِناء والرقص والتمثيل، وسُنّت القوانين بإسقاط الحدود، وأن لا تعزير عن رضا .. وهكذا، من آثار التدمير في الأعراض، والأخلاق والآداب.
وقد سلك أولئك الجناة لهذا خطة غضبية ضالة في مجالات الحياة كافة، بلسان الحال، أو بلسان المقال .
ففي مجال الحياة العامة :
1 – الدعوة إلى خلع الحجاب عن الوجه -الخمار- والتخلص من الجلباب.
2 – الدعوة إلى منابذة حجب النساء في البيوت عن الأجانب بالاختلاط في مجالات الحياة كافة .
3 – الدعوة إلى دمج المرأة في جميع مجالات تنمية الحياة .
... وهذا دعوة إلى ظهور المرأة في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرةً .
4 – الدعوة إلى مشاركتها في الاجتماعات، واللجان، والمؤتمرات، والندوات، والاحتفالات، والنوادي .
5– الدعوة إلى فتح النوادي لهن، والأمسيات الشعرية، والدعوة للجميع.
6 – الدعوة إلى فتح مقاهي الإنترنت النسائية والمختلطة .
7 – الدعوة إلى قيادتها السيارة، والآلات الأخرى .
8 – الدعوة إلى التساهل في المحارم، ومنها :
الدعوة إلى سفر المرأة بلا محرم، ومنه سفرها غرباً وشرقاً لتعلم بلا محرم.
9 – الدعوة إلى الخلوة بالأجنبية، ومنها: خلوة الخاطب بمخطوبته ولما يُعقد بينهما.
10 – الدعوة إلى قيامها بالفنِّ، ومنه :
الدعوة إلى قيامها بدورها في الفن، والغناء، والتمثيل .
11 – الدعوة إلى مشاركتها في صناعة الأزياء الغربية .
12 – الدعوة إلى فتح أبواب الرياضة للمرأة، ومنه :
... المطالبة بإنشاء فريق كرة قدم نسائي .
... المطالبة بركوب النساء الخيل للسباق .
... المطالبة برياضة النساء على الدراجات العادية والنارية .
13 – فتح المسابح لهن في المراكز والنوادي وغيرها.
14 – وفي شَعْر المرأة ضروب من الدعايات الآثمة، كالتنمص في الحاجبين، وقص شعر الرأس تشبهاً بالرجال، أو بالنساء الكافرات، وفتح بيوت الكوافير لهن.
15 – وأولاً وأخيراً: الدعوة الحادة إلى تصوير المرأة في الوثائق والبطاقات، وبخاصة في بطاقة الأحوال، وجواز السفر، والتركيز عليها، لأنها بوابة سريعة النفوذ إلى: خلع الحجاب و انخلاع الحياء .
وفي مجال الإعلام : ...
1 – تصوير المرأة في الصحف والمجلات .
2 – خروجها في التلفاز مغنية، وممثلة، وعارضة أزياء، ومذيعة .. وهكذا .
3 – عرض برامج مباشرة تعتمد على المكالمات الخاضعة بالقول بين النساء والرجال في الإذاعة والتلفاز .
4 – ترويج المجلات الهابطة المشهورة بنشر الصور النسائية الفاتنة .
5 – استخدام المرأة في الدعاية والإعلان .
6 – الدعوة إلى الصداقة بين الجنسين عبر برامج في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وتبادل الهدايا بالأغاني وغيرها .
7 – إشاعة صور القُبُلات والاحتضان بين الرجال وزوجاتهم على مستوى الزعماء والوزراء في وسائل الإعلام المتنوعة .
وفي مجال التعليم :
1 – الدعوة إلى التعليم المختلط في بعضها إلى الصفوف الدنيا منه .
2 – الدعوة إلى تدريس النساء للرجال وعكسه .
3 – الدعوة إلى إدخال الرياضة في مدارس البنات .
... وهذا داعية إلى المطالبة بفتح: مدرسة الفنون الجميلة للنساء .
وفي مجال العمل والتوظيف :
1 – الدعوة إلى توظيف المرأة في مجالات الحياة كافة بلا استثناء كالرجال سواء.
2 – ومنه الدعوة إلى عملها في: المتاجر، والفنادق، والطائرات، والوزارات، والغُرف التجارية، وغيرها كالشركات، والمؤسسات .
3 – الدعوة إلى إنشاء مكاتب نسائيه للسفر والسياحة، وفي الهندسة والتخطيط.
... وهذا داعية إلى الدعوة إلى عمل المرأة في المهن الحرفية كالسباكة، والكهرباء وغيرها.
4 – الدعوة إلى جعل المرأة مندوبة مبيعات .
5 –والدعوة إلى إدخالها في نظام الجندية والشُّرط .
6 –والدعوة إلى إدخالها في السياسة في المجالس النيابية، والانتخابات، والبرلمانات.
7– والدعوة إلى إيجاد مصانع للنساء .
8 – الدعوة إلى توظيفهن في التوثيق الشرعي، وفتح أقسام نسائية في المحاكم.
... وهكذا في سلسلة طويلة من المطالبات، التي تنتهي أيضاً بما لم يطالب به، نسأل الله سبحانه أن يبطل كيدهم، وأن يكف عن المسلمين شرَّهم، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.
توجيه النقد :
إن هذه المطالب المنحرفة تُساق باسم تحرير المرأة في إطار نظريتين هما: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل ، وهما نظريتان غربيتان باطلتان شرعاً وعقلاً، لا عهد للمسلمين بهما، وهما استجرار لجادة الأخسرين أعمالاً، الذين بغوا من قبل في أقطار العالم الإسلامي الأخرى، فسَعوا تحت إطارهما في فتنة المؤمنات في دينهن، وإشاعة الفاحشة بينهن، إذ نادوا بهذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، ثم صرحوا بنقطة البداية: خلع الحجاب عن الوجه، ثم باشروا التنفيذ لخلعه، ودوسه تحت الأقدام، وإحراقه بالنار، وعلى إثر هذه الفعلات، صدرت القوانين آنذاك في بعض الجمهوريات مثل: تركيا، وتونس، وإيران، وأفغانستان، وألبانيا، والصومال، والجزائر، بمنع حجاب الوجه، وتجريم المتحجبة، وفي بعضها معاقبة المتحجبة بالسجن والغرامة المالية!!!(8/49)
وهكذا يُساق الناس إلى الرذائل والتغريب بعصا القانون، حتى آلت حال كثير من نساء المؤمنين في العالم الإسلامي إلى حالٍ تنافس الغرب الكافر في التبرج والخلاعة، والتحلل والإباحية، وفتح دور الزنى بأذون رسمية، حتى جعلوا للبغاء - فوق الإباحة- نظاماً رسمياً لتأمين الزانى والزانية!! وما تبع ذلك من إسقاط الحدود، وانتشار الزنى، وفقد المرأة بكارتها في سن مبكرة، بل صار الزنى بالقريبات، وزواج المرأة بالمرأة الأخرى، وتأجير الأرحام!!
وأعقب ذلك بَذْلُ وسائل منع الحمل، وتكثيف الدعاية لها في الصحافة، مع فقدان أولى وسائل التحفظ: عدم الصرف إلا بوصفة طبيب لامرأة ذات زوج بإذنه عند الاقتضاء الطبي، وقد ارتفعت الجريمة بين النساء، وتعدَّدت حالات الانتحار في صفوفهن، لِتحطم معنوياتهن.
كما أعقب ذلك: تحديد النسل، ومنع تعدد الزوجات، وتبني غير الراشدة
- اللقطاء- واتخاذ الخدينات، حتى بلغت الحال اللعينة أن من وجدت معه امرأة فادّعى أنها صديقته أُطلق سراحه، وإن أقرَّ أنها زوجة ثانية طبق بحقه القانون اللعين.
فما شرعه الله من الزواج والنسل هو على التحديد في القانون، وما حرمه الله من اتخاذ الخدينات، وتبني اللقطاء، على الإباحة المطلقة قانوناً!!
فاين هم من قول الله تعالى: { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور: 2] ؟
وتصاعد لقاء هذه الإباحية عدد العوانس، وعدد المطلقات لأتفه الأسباب، وانخفض عدد المواليد الشرعيين، لما فيهم –زعموا- من إشغال الأم عن عملها خارج دارها، وارتفع عدد اللقطاء –المواليد سفاحاً- وانتشرت الأمراض المزمنة التي أعيا الأطباء علاجها.
فغرَّبوا -حسيبهم الله- جماعة المسلمين، وأثخنوهم بجراح دامية في العرض والدين، وأشمتوا بأمتهم الكافرين، وأثَّموهم، وأبعدوهم عن دينهم، وتولوا هم عن دينهم الحق، وخدموا الكفرة من اليهود والنصارى والملاحدة الشيوعيين وغيرهم، والتقت الداران: دار الإسلام مع دار الكفر، على هذه البهيمة الساقطة، حتى لا يكاد المسلم أن يُفرِّق في ذلك بين الدارين، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
والآن آل الكلام في نقد هذه المطالب المنحرفة منحصراً في أمرين :
الأمر الأول : في تاريخ هاتين النظريتين: الحرية و المساواة، وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي .
ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة و مساواة المرأة بالرجل ، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور، فهي جنس نجس يجتنب، ويحبط الأعمال، حتى ولو كان أُمَّاً أو أختاً.
هكذا نشر رهبان النصارى في أوربا هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة بينما كانوا –أي أولاء الرهبان- مكمن القذارة في الجسد والروح، ومجمع الجرائم الأخلاقية، ورجال الاختطاف للأطفال، لتربيتهم في الكنائس، وإخراجهم رهباناً حاقدين، حتى تكاثر عدد الرهبان، وكونوا جمعاً مهولاً أمام الحكومات والرعايا.
ومن هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية، صار الناس في توتر وكبت شديدين، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم، هاتان النظريتان: المناداة بتحرير المرأة باسم: حرية المرأة وباسم: المساواة بين الرجل والمرأة، وشعارهما: رفض كل شيءٍ له صلة بالكنيسة وبرجال الدين الكنسي، وتضاعفت ردود الفعل، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان، وأن العقل والدين نقيضان، وبالغوا في النداءات للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يَمس الحرية، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة، إلى المناداة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها، دينية كانت أم اجتماعية، فكل رجل، وكل امرأة، حرٌّ يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لا سلطان عليه لدين، ولا أدب، ولا خلق، ولا سلطة. حتى وصلت أوربة ومن ورائها الأمريكتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الإباحية، والتهتك، والإخلال بناموس الحياة، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم.
إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين المولدتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشؤومة، التي قلَبَت جُلَّ العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يحجبون نساءهم، ويحمونهن، ويقومون على شؤونهن، ويقمن هنَّ بما افترضها لله عليهن، إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية؟!!
تقدم غير مرة أن نساء المؤمنين كن محجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات الأبدان، ولا كاشفات عن زينة، منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوزعها إلى دول، دبَّ الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين، وأخذوا يرمون في وجوههم بالشبه، والعمل على تحويل الرعايا من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال .
وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم في وجوههن، وذلك على أرض الكنانة، في مصر، حين بعث والي مصر محمد علي باشا البعوث إلى فرنسا للتعلم، وكان فيهم واعظ البعوث: رفاعة رافع الطهطاوي، المتوفى سنة 1290، وبعد عودته إلى مصر، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين ومن الكفرة النصارى، منهم:
الصليبي النصراني مرقس فهمي الهالك سنة 1374 في كتابه: (المرأة في الشرق) الذي هدف فيه إلى نزع الحجاب، وإباحة الاختلاط.(8/50)
وأحمد لطفي السيد، الهالك سنة 1382، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب، سافرات الوجوه، لأول مرة في تاريخ مصر، يناصره في هذا عميد الفجور العربي: طه حسين، الهالك سنة 1393.
وقد تولى كبر هذه الفتنة داعية السفور: قاسم أمين، الهالك سنة 1362 الذي ألّف كتابه: تحرير المرأة، وقد صدرت ضده معارضات العلماء، وحكم بعضهم بردته، بمصر، والشام، والعراق، ثم حصلت له أحوال ألف على إثرها كتابه: المرأة الجديدة، أي: تحويل المسلمة إلى أوربية.
وساعد على هذا التوجه من البلاط الأميرة نازلي مصطفى فاضل، وهذه قد تنصرت وارتدت عن الإسلام.
ثم منفذ فكرة قاسم أمين داعية السفور: سعد زغلول، الهالك سنة 1346، وشقيه أحمد فتحي زغلول الهالك سنة 1332 .
ثم ظهرت الحركة النسائية بالقاهرة لتحرير المرأة عام 1919م برئاسة هدى شعراوي، الهالكة سنة 1367، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية بمصر سنة 1920م ، وكانت هدى شعراوي أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب -نعوذ بالله من الشقاء- في قصة تمتلئ النفوس منها حسرة وأسى، ذلك أن سعد زغلول لما عاد من بريطانيا مُصَنَّعاً بجميع مقومات الإفساد في الإسلام، صُنِع لاستقباله سرادقان، سرادق للرجال، وسرادق للنساء، فلما نزل من الطائرة عمد إلى سرادق النساء المتحجبات، واستقبلته هدى شعراوي بحجابها لينزعه، فمد يده
-يا ويلهما-، فنزع الحجاب عن وجهها، فصفق الجميع ونزعن الحجاب.
واليوم الحزين الثاني: أن صفية بنت مصطفى فهمي زوجة سعد زغلول، التي سماها بعد زواجه بها: صفية هانم سعد زغلول، على طريقة الأوربيين في نسبة زوجاتهم إليهم، كانت في وسط مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل، فخلعت الحجاب مع من خلعنه، ودُسْنَه تحت الأقدام، ثم أشعلن به النار، ولذا سُمي هذا الميدان باسم: ميدان التحرير .
وهكذا تتابع أشقياء الكنانة: إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ومن النصارى: شبلي شميل، وفرح أنطون - نعوذ بالله من الشقاء وأهله- ، يؤازرهم في هذه المكيدة للإسلام والمسلمين الصحافة، إذ كانت هي أولى وسائل نشر هذه الفتنة، حتى أُصْدِرَت مجلة باسم: مجلة السفور نحو سنة 1900م ، وهرول الكُتَّاب الماجنون بمقالاتهم القائمة على المطالبة بما يُسند السفور والفساد، ويهجم على الفضائل والأخلاق من خلال وسائل الإفساد الآتية:
نشر صور النساء الفاضحة، والدمج بين المرأة والرجل في الحوار والمناقشة، والتركيز على المقولة المحدَثَة الوافدة: ( المرأة شريكة الرجل ) أي: الدعوة إلى المساواة بينهما، وتسفيه قيام الرجل على المرأة، وإغراؤها بنشر الجديد في الأزياء الخليعة ومحلات الكوافير، وبرك السباحة النسائية والمختلطة، والأندية الترفيهية، والمقاهي، ونشر الحوادث المخلة بالعرض، وتمجيد الممثلات والمغنيات ورائدات الفن والفنون الجميلة.. .
يساند هذا الهجوم المنظم أمران :
الأمر الأول : إسنادهم من الداخل، وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان، والسكوت عن فحشهم، ونشر الفاحشة، وإسكات الطرف الآخر، وعدم نشر مقالاتهم، أو تعويقها، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء .
الأمر الثاني : إعادة المطالب المنحرفة، لضرب الفضيلة في آخر معقل للإسلام، وجعلها مِهاداً للجهر بفساد الأخلاق.
إن البداية مدخل النهاية، وإن أول عقبة يصطدم بها دعاة المرأة إلى الرذيلة هي الفضيلة الإسلامية: الحجاب لنساء المؤمنين، فإذا أسفرن عن وجوههن حَسَرْن عن أبدانهن وزينتهن التي أمر الله بحجبها وسترها عن الرجال الأجانب عنهن، وآلت حال نساء المؤمنين إلى الانسلاخ من الفضائل إلى الرذائل، من الانحلال والتهتك والإباحية، كما هي سائدة في جل العالم الإسلامي، نسأل الله صلاح أحوال المسلمين.
وإن ما تقدم بيانه من أصول الفضيلة، ترد على هذه المطالب المنحرفة الباطلة، الدائرة في أجواء الرذيلة؛ من السفور عن الوجه، والتبرج، والاختلاط، وسلب قيام الرِّجال على النساء، ومنازعة المرأة في اختصاص الرجل، وهكذا من الغايات المدمرة، وإن حقيقة هذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، إعلان بالمطالبة بالمنكر، وهجر للمعروف، وخروج على الفطرة، وخروج على الشريعة، وخروج على الفضائل والقيم بجميع مقوماتها، وخروج على القيادة الإسلامية التي تحكم الشرع المطهر، وجعل البلاد مِهاداً للتبرج والسفور والاختلاط والحسور.
وهذا نوع من المحاربة باللسان -والقلم أحد اللسانين- وقد يكون أنكى من المحاربة باليد، وهو من الإفساد في الأرض .
لهذا فإن المتعين إجراؤه هو ما يأتي :
1- على مَن بسط الله يده إصدار الأوامر الحاسمة للمحافظة على الفضيلة من عاديات التبرج والسفور والاختلاط، وكفُّ أقلام الرعاع السُّفوريّين عن الكتابة في هذه المطالب، حماية للأمة من شرورهم، وإحالة مَن يَسْخر من الحجاب إلى القَضاء الشرعي، ليطبق عليهم ما يقضي به الشرع من عقاب.
وإلحاق العقاب بالمتبرجات؛ لأنهن شراك للافتتان، وهن أولى بالعقاب من الشاب الذي يتعرض لهن، إذ هي التي أغرته فَجَرَّته إلى نفسها .
2- على العلماء وطلبة العلم بذل النصح، والتحذير من قالة السوء، وتثبيت نساء المؤمنين على ما هن عليه من الفضيلة، وحراستها من المعتدين عليها، والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء، عبيد الهوى .(8/51)
3- على كل مَن ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم، أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط، والأسباب الداعية إليها، ومن دعاة السفور . وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول تساهل الرجال .
4- على نساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن، وفي مَن تحت أيديهن من الذراري، بلزوم الفضيلة، والتزام اللباس الشرعي والحجاب بلبس العباءة والخمار، وأن لايمشين وراء دعاة الفتنة وعشاق الرذيلة .
5- ننصح هؤلاء الكتاب بالتوبة النصوح، وأن لا يكونوا باب سوء على أهليهم، وأمتهم، وليتقوا الله سخط الله ومقته وأليم عقابه .
6- على كل مسلم الحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها وتكثيفها.هذا ما أردت بيانه، وما على أهل العلم والإيمان إلا البلاغ والبيان، للتخفف من عهدته، ورجاء انتفاع من شاء الله من عباده، وللنصح به، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( الدين النصيحة )) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )) خرجه مسلم في صحيحه .
ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم وما يتذكر إلا أولوا الألباب، والله يتولى الجزاء والحساب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم .
===============
أهداف الدعوة ومنطلقاتها
اسم الكاتب: د. محمد إسماعيل المقدم
المراد بالدعوة :
الدعوة لغة: مأخوذة من الدعاء، وهو النداء لجمع الناس على أمر ما، وحثهم على العمل له. الدعوة إلى قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها حقاً كانت أم باطلاً .
فمن الدعوة إلى الباطل : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) سورة يوسف: 33.
ومن الدعوة إلى الحق : قوله تعالى: ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ) سورة الرعد:14، وقوله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى هرقل : (أدعوك بدعاية الإسلام ) أي دعوته، وقال مؤمن آل فرعون: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) سورة غافر :41.
ومن معاني الدعوة : المحاولة القولية أو الفعلية والعلمية لإمالة الناس إلى مذهب أو ملة.
ومن معانيها: الابتهال والسؤال : دعوت الله أدعوه: أي أبتهل إليه بالسؤال، وأرغب فيما عنده من الخير، وقال تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ )سورة يونس:25 . قيل في لسان العرب (ودعاء الله خلقه إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مَدعاة أي إلى مأدبة يتخذها، أو طعام يدعو الناس إليه).
فدعوة الله عز وجل عباده إلى دار السلام وهي الجنة هي دعوته تعالى لعباده إلى اتخاذ أسباب دخولها عن طريق الالتزام بدينه، فمن استجاب صار من حزب الله ( أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة المجادلة: 22 ، أما المعرضون فهم أتباع الشيطان : ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ) سورة إبراهيم:22 وقال تعالى: ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) سورة فاطر:6 .
أهداف الدعوة إلى الله :
1- بيان الحق والبلاغ المبين :
من القرآن قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) سورة الرعد:7، ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ )سورة المائدة: 67 ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عني ولو آية).
2- الدعوة إلى الاستجابة للدعوة وامتثالها قولاً وعملاً:
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) سورة النحل:36.
3- التبشير والإنذار:
هو مفتاح النفس الإنسانية فهي مجبولة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) سورة الأنعام: 48 ، قال صلى الله عليه وسلم: ( مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق ) متفق عليه.
البشارة في الدنيا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)سورة النحل:97 ، ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) سورة طه:123 .
البشارة في الآخرة : (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)سورة النساء:13.
النذارة في الدنيا: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا )سورة طه:124 ,(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)سورة فصلت:13 .
النذارة في الآخرة: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)سورة النساء:14.
حسبك أن تطالع كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله، وتقرأ منه على إخوانك ومن تدعوهم إلى الله، ثم انظر إلى أثر هذا في نفسك وفي نفوس السامعين .(8/52)
4- إصلاح النفوس وتزكيتها:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) سورة الشورى: 52، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) سورة الجمعة:2 .
- تزكية النفوس :
تطهيرها وتطييبها وتنقيتها من قبائحها – زكا الزرع : نما وأينع، رائحة زكية : طيبة.
(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)سورة الشمس:9 ، (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)سورة الشمس:10 .
لا يستحق الجنة إلا من زكى نفسه: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)سورة الزمر:73.
- التزكية : مهمة من مهمات النبي وغاية أساسية من رسالته:
سبب وجود طعم الإيمان: ( وأن يزكي المرء نفسه: أن يعلم أن الله معه حيث كان ).
هي السبب في دخول الجنة (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا )سورة آل عمران:136.
- أعلى التزكية : تطهير القلب من نجس الشرك وتزكيته بالتوحيد:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)سورة التوبة:28, (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)سورة فصلت:6, (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )سورة فصلت:7.
- الصلاة تزكية: ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) سورة العنكبوت:45.
المرأة التي أخبر عنها أنها تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها (هي من أهل النار) (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)سورة البقرة:138 ، ( كان خلقه القرآن ) ، ( إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق ).
ومما يتفرع عن ذلك من أهداف : إيجاد المسلم الحقيقي أو صناعة الرجال : ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)سورة الأحزاب:23 ، ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) , رِجَالٌ)سورة النور:36-37 من خلال التعليم والتربية.
5- تقويم الفكر المنحرف ودحض العقائد الزائفة:
- التوحيد هو الأصل: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )سورة الروم:30, (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )سورة البقرة:213 , ( وكل مولود يولد على الفطرة )، ( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم ) .
- التصدي للغزو الفكري:
القديم: الفرق الضالة – الشيعة – الصوفية – القاديانية – البهائية.
الجديد: العلمانية – الليبرالية – الوجودية – الماركسية – الديمقراطية.
6. إقامة الحجة والإعذار إلى الله بأداء الأمانة:
( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) سورة النساء:165 ، وأتباع الرسل يخلفونهم في هذه المهمة : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي )سورة يوسف:108 .
والذين يرفضون دعوة الرسل، لا يملكون إلا الاعتراف بظلمهم إذا وقع بهم العذاب في الدنيا: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ(11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (13) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ )سورة الأنبياء:11-14,وفي يوم القيامة أيضاً يسألون عن ذنبهم فيعترفون: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ(9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ )سورة الملك:8-10 ، وحين يدخلون جهنم: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) سورة الزمر :71، وإذا أحاط بهم العذاب من كل جانب: ( قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)سورة غافر:50.(8/53)
المدعو: إما أن يستجيب ويهتدي فيتحقق هدف هداية الناس إلى الحق، وإما أن يعاند ويكفر فيتحقق هدف إقامة الحجة لله تبارك وتعالى وينقطع عذر المعاند أمام ربه يوم القيامة: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) سورة البقرة:272 ، ( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) سورة الشورى:48, (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ)سورة الغاشية:21 , ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ)سورة النازعات:45.
إقامة الحجة شاملة: للتوحيد والإيمان ثم الأركان والفروع والآداب والمستحبات (ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ )سورة البقرة:208 ، وتجزئة الدين اتباع لخطوات الشيطان .
هناك جماعات تضيع حظاً من الدين (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) سورة المائدة:14 ,(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)سورة البقرة:85 ، (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا )سورة الأعراف:164 لأنهم لا يرجعون عن غيهم (قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) سورة الأعراف:164 .
أما هداية الناس : فهو بأمر الله ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء )سورة القصص:56 (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) سورة الإسراء:97.
وإقامة شرع الله في الأرض: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)سورة القصص:55.
ومنهج أهل السنة والجماعة : لا يضع أمامه هدفاً محدوداً يحصر طاقته فيه فإذا لم يقدر يبقى عطلاً من وظيفة وهدف، منهج لا يعرف اليأس لأن عمله لن يذهب سُدى، ولا يجزِّئ قضايا الإسلام.
7. سياسة الأمة وإقامة المجتمع الإسلامي :
( فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )سورة المائدة:48 ، (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) سورة ص:26، ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي ).
وقال تعالى عن التوراة: ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ ) سورة المائدة:44، ولله تعالى أحكام في المعاملات والحدود والسياسات العامة والحكم لا يمكن تطبيقها إلا بأن يدين المجتمع بدين الله، ويذعن لشريعته.
المنهج السلفي يعي العقبات التي تقف في سبيل تحقيق ذلك، ويبني طريقه على أساس الجهاد والصبر الطويل، الأمة التي بلغت من القوة والمجد بحيث استغرقت قروناً لتنهار هل تبنى من جديد بين عشية وضحاها؟
منطلقات الدعوة
أولاً: أعمال الدعوة عبادة يتقرب بها إلى الله ، لا يعملها المسلم لهوى في نفسه، أو رغبة في العلو في الأرض ، لكن يندفع إليها وينقاد امتثالاً لقوله تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)سورة آل عمران:104 وقوله عز وجل : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) سورة فصلت:33، وطمعاً في ثواب الله عز وجل :( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم),
وفي رواية:
( خير لك مما طلعت عليه الشمس ) ، وفي الحديث: ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها والحيتان في البحر يصلون على معلم الناس الخير) وقال صلى الله عليه وسلم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( الدال على الخير كفاعله )
وقال تعالى : ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )سورة العصر:3.
من مظاهر الانحراف عن هذا المنطلق :
أ. هيجان الرعونات النفسية ، والحظوظ الشخصية ، وقيام حجاب الأنانية ، وحب الذات
وعلاجه ذكر الله بقلب حامد : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) سورة الأعراف:201.
ب. تحول الدعوة إلى مجرد فكرة أو مذهب سطحي يقارع به المذاهب الأخرى ، دون أن يعيش في الحقيقة الإسلامية الكلية ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )سورة الأنعام:162.
ج. الانفصال بين الفكر والسلوك : بعض الناس يتذاكرون أمور الدعوة إلى الإسلام وينسون في غمار حديثهم أهم الواجبات الدينية القيام إلى الصلاة في وقتها، ثم ما يتنبهون إليها إلا آخر الوقت متثاقلين فيصلون بسرعة خاطفة شأن من يريد أن يسرع ليتخلص من عبء يلازمه.
ثانياً: أن تنبعث أعمال الدعوة من شعور غامر بالشفقة والرحمة على عباد الله أجمعين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) سورة الأنبياء:107 ، ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) .(8/54)
وأكثر ما يصد المنحرفين عن الحق ما قد يشعرون به في تضاعيفها من التعالي والأنانية، وحب الانتصار للنفس أو للجماعة، فيكون رد الفعل تعالياً أشد وأنانية أقوى واندفاعاً أسرع إلى الانتصار للذات.
بعض الآثار: (لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد, فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية ).
ثالثاً: اليقين بأن القيام بأعباء الدعوة (البيان – الحكمة – الموعظة الحسنة – التضحية) واجب من جملة التكاليف التي خاطب الله بها المسلمين، بغض النظر عن النتائج والآمال.
بعض الناس يحملون أنفسهم ما لم يكلفهم الله تعالى به جلباً للنتائج وتطلعاً إلى الغايات وربما قفزوا ووثبوا في غمار تطلعاتهم فوق كثير من الأسباب والوسائل الواجبة عليهم مما يدخل تحت إمكانهم ويخضع لطاقاتهم، ومن هذه الواجبات :
أ. الالتجاء الشديد إلى الله عز وجل، وكثرة ذكره في الخلوات ، ومراقبة النفس والسعي إلى تزكيتها بكل الوسائل.
ب. مراقبة بيوتهم والقيام بدقة على إصلاح حال الأهل والأولاد، وإشاعة ذكر الله وعبادته بين أعضاء الأسرة .
فإذا طبقوا الإسلام واستقاموا عليه ثم فعلوا ذلك مع أهليهم ومن يلوذون بهم يكافئهم الله بالتمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة النور:55.
ليست طبيعة دعوة الإسلام كغيرها من المذاهب والأنظمة ،فأصحاب المذاهب لا يعتمدون إلا على أنفسهم في تطبيقها وإشاعتها في المجتمع ، لأنها مذاهب وضعية ابتدعوها، وهم المسؤولون عن رعايتها وتطبيقها وصبغ المجتمع بها, فينجرف كثير من المسلمين الذين يمارسون الدعوة إلى الإسلام إلى السبيل ذاته، ويسعون بالطرق والأساليب نفسها، فتراهم يتنافسون أو يتصارعون معاً هم وأصحاب المذاهب الأخرى على طريقة واحدة من الأسلوب والمعالجة والتصور، وينسون في الحقيقة أنهم ليسوا إلا موظفين لله جل جلاله للقيام بمهام معينة تدخل في حدود طاقتهم، مقابل ما يمنّ به عليهم من تحقيق المجتمع الإسلامي المنشود.
وآية ذلك أنك ترى بعضهم –في غمار هذا التقليد والنسيان لهويتهم- لا يهتمون من الإسلام إلا بما فيه من الواجهة الاجتماعية التنظيمية – مثلاً - ليقارعوا به الأنظمة الأخرى، وعندئذ يسقط الفرق بينهم وبين أولئك الآخرين في ميزان الله تعالى وحكمه، إذ لا قيمة لشيء من الأحكام والأنظمة الإسلامية إلا من حيث هي دين يخضع من خلاله الإنسان لسلطان الله وألوهيته.
وهذا هو السر في أن هؤلاء الناس لا يفهمون كلمة (الحكم بما أنزل الله) في نطاق الدعوة الإسلامية إلا ما يبرز منه في واجهة المجتمع، ويتكون منه النظام العام، فأما الحكم بما أنزل الله في معاملة الإنسان نفسه، وأهل بيته، وأسرته، وأولاده، وعلاقاته مع الآخرين فما أكثر ما يغفلون عنه، بل ربما أعرضوا عنه تماماً.
لماذا منهج الأنبياء؟
1. ... لأن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم, فقال جل وعلا بعد ما ذكر جملة من الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) سورة الأنعام:90، وأرشد المؤمنين جميعاً إلى التأسي به عليه السلام فقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) سورة الممتحنة:4.
كان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: للشاب المستقيم في شبابه، وللداعية في دعوته وللزوج والوالد في حنو العاطفة وحسن الخلق، وللمربي في تربية أصحابه، وللمجاهد الشجاع، والقائد المنتصر، والسياسي الناجح، والجار الأمين، والمعاهد الوفي، والحاكم المستقيم، والعالم العامل، وهي صفات لا تجتمع أبداً في أي زعيم أو مصلح، ولهذا أمر الله عز وجل بطاعته مطلقاً: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) سورة النساء:64، أما غيره صلى الله عليه وسلم فطاعته مشروطة بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2. لأن الأنبياء معصومون من الشرك والإضلال، والزيغ والأهواء، والفسق والعصيان وهم أشرف الناس نسباً وأفضلهم أخلاقاً، وأعظمهم أمانة، وأقواهم حجة: ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)سورة الأنعام: 124 ، (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )سورة طه:41.
3. جميع الأنبياء دعاة إلى الإسلام: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) سورة آل عمران:19جميع الأنبياء دعاة إلى حزب الله : ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )سورة آل عمران:81.
4. لأنه المنهج الوحيد الكفيل بإعادة الخلافة على منهاج ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ) سورة يوسف:108، ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) سورة الأنعام:153.(8/55)
بعض الناس ينظرون إلى بذل المال والنفس على أنها أعلى المراتب دون مراعاة ما يجعل بذل المال والنفس مجدياً، إذ ليس الأمر مجرد بذل وكفى، إذ البذل لا يعطي نتائجه إلا بشروطه، والوعي والعلم هو الوقود الذي يجعل الاستمرار ممكناً كي لا ينقطع العمل في بدايته كما ينطفئ المصباح حين يفقد وقوده.
=============
المرأة في موكب الدعوة .
اسم الكاتب : مصطفى الطحان.
المرأة في موكب الدعوة
إهداء :
إلى أخواتنا المسلمات الداعيات.. اللواتي فهمن إسلامهن حق الفهم.. فانطلقن يعملن ويجاهدن ويبنين صرح الإسلام العظيم.. قدوتهن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومثلهن الأعلى خديجة وعائشة والداعيات المسلمات في كل عصر ومصر..
إلى كل هؤلاء أقدم كتابي (المرأة في موكب الدعوة).
أرجو القبول وأسأل الدعاء.
مقدمة :
في زياراتي الكثيرة إلى جهات الأرض الأربعة، وجدت عند المرأة المسلمة تحفزًا ورغبة في الالتزام، والعمل الدعوي، والتضحية بالوقت والمال في سبيل الله.. تعادل ما عند الرجل وتفوقه أحيانًا.
فأين الخلل إذن؟
يكمن الخلل في بعدنا عن الفهم السليم المبني على المصادر الإسلامية الأصيلة، المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكم في ثنايا الكتب الأخرى من اجتهادات تجاوزت أحيانًا الصحيح وتمسكت بالضعيف للوصول إلى آراء تناسب الكاتب في مرحلة محدودة أو بيئة معينة، حتى وصل الأمر في هذه القضية وغيرها إلى تفريط أو إفراط.
ويكمن الخلل في أعراف تحكمت بالعقول خلال فترة طويلة من الجمود،توقفت فيها الأمة عن الحركة، وتوقفت فيها العقول عن الإبداع ،وجدير بنا جميعًا وقد بدأت عجلة العمل الإسلامي بالدوران،أن تتفتق العقول عن فكر صحيح يحكم مسيرة المرأة المسلمة السائرة في موكب الدعوة.
ويكمن الخلل في نظرة الكثيرين (من إسلاميين وغيرهم) إلى المرأة باعتبارها كائنًا جنسيًا ينفتح على الحياة من موقع الانفعال الجنسي في طبيعته الغريزية وفي نتائجه التناسلية، وبذلك يختصرون حياتها في هذه الدائرة ، وهؤلاء لا ينظرون إلى الرجل هذه النظرة، في الوقت الذي لا نجد فيه فرقا بين الفريقين.
ويكمن الخلل في أنانية الرجل الذي يحب الراحة والتمتع بمباهج الحياة الدنيا، ويصعب عليه أن يتحمل شيئا من التعب ليترك لزوجته فرصة المشاركة في العمل الإسلامي. إن إصرار الرجل على بقاء زوجه في البيت تسعى على خدمته وخدمة أولاده ، سيحرم المرأة المسلمة من الخروج لتتلقى درسًا ، أو تعطي درسًا ،أو تشارك في عمل يساهم في إصلاح المجتمع أو في بناء مجتمع نسائي إسلامي جديد.
ما هو الحلّ ..؟
الحل هو تصحيح وضع المرأة المسلمة ،في فهمها، وتكامل شخصيتها ، وقيامها بدورها، وإذا كان الرجل اليوم هو المتحكم ، فالمطلوب منه أن يتنازل عن تحكمه ويطلق حرية المرأة لتبني المجتمع الحرّ، فالمجتمعات الحرة لا يبنيها إلا الأحرار.
وأن ترتفع الاهتمامات ، من الأمور الشكلية إلى الاهتمامات العالية ، ولتتخذ كل أخت مسلمة، صدّيقة هذه الأمة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها مثلا وقدوة المرأة التي انفردت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة، كانت شريكته في محنته الطويلة، تقويه بمالها، وتدافع عنه بكل مالديها من قول وفعل، خاضت معه آلام الكفاح صابرة محتسبة راضية، لا ينبض عندها عرق بلين أو تخوف، بصدرها الرحب كانت تستقبل العواصف، كانت مع القلائل الذين صنعوا التاريخ.
وكذلك نحتاج اليوم أخوات مسلمات يصنعن مع إخوانهن الدعاة التاريخ الإسلامي من جديد، فقد طال عهد التخلف.
نحتاج إلى أخوات مسلمات يتمثلن دور أسماء وهي تشارك في ترتيبات الهجرة ، ودور نسيبة بنت كعب وهي تحمي النبي يوم أحد بسيفها ، ودور عائشة بنت أبي بكر العالمة الفقيهة السياسية ، ودور نساء الأنصار الذين لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
كيف ستُستقبل هذه الأفكار..؟
هذه الأفكار الجريئة الخاصة بالمرأة لست أول من طرحها ، فهناك علماء وفقهاء في القديم والحديث قالوا بمثل ما قلناه ، وانقسم الناس تجاههم إلى فرقاء:
فريق يستنكر ذلك أشد الاستنكار فالمرأة (عندهم) هي الجوهرة المصون ، المحفوظة في صندوق الحلي ، التي يجرح أناملها الهواء، لا ترى أحدًا ولا يراها أحد.
وفريق يمثل الرجال المتحكمين الذين لا يرغبون في التنازل عن جبروتهم ، ويمثل النساء اللواتي ألفن التحكم فتطبعن بطبعه ، وهم كذلك ضدّ أفكار هذا الكتاب.
وفريق آخر سيجد نفسه في هذه الأفكار يلتقطها وقد طال انتظاره ، وهو من الصنفين الرجال والنساء، وحسبنا أنّ هذا الفريق هو المهم في حساباتنا.
رفقا بالقوارير :
نستعير هذا الحديث الشريف الذي يطالب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم الخلق، المسلمين بالترفق بالمرأة .. وشبهها بالقارورة .. سريعة التأثر.. سريعة الكسر.. رائعة الشفافية .. رائعة العبير.
واليوم نناشد المسلمين أن يترفقوا بالنساء - شقائق الرجال- ، و لا نعرف في الحقيقة سببًا وجيهًا واحدًا نفسر فيه هذا الإصرار من كثير من الرجال على كبت المرأة وحبسها واعتبارها من سقط المتاع ، فالمرأة ليست عدوًا للرجل، ولا منازعًا له، والله سبحانه وتعالى يقول: ) بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ( آل عمران – 195.
هل هي عودة إلى الجاهلية ؟
أم هو تخلف يشمل الرجل والمرأة على السواء؟(8/56)
( أم هو جهل الأكثرين بالنصوص الشرعية التي تتضمن التيسير، وتقاوم التعسير، وبخاصة نصوص السنة النبوية الصحيحة، فإن نصوص القرآن معلومة، أما السنة فقد ظهرت في الكتب، ونسيت في الدواوين الكثيرة من الجوامع والمسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها ). يوسف القرضاوي: مقدمة كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة /20
( فإذا حرّر الإسلام المرأة وكرّمها ، فإن بعض من يزعمون الغيرة على دين الله أرجعها إلى الجاهلية حيث يقول: رحم اللهُ أياما كانت المرأة لا تخرج فيها إلا ثلاث مرات: من بطن أمها إلى العالم، ومن بيت أبيها إلى الزوج، ومن بيت زوجها إلى القبر!( مقدمة كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة: محمد الغزالي /5.
( وإذا رفع الإسلام الأوزار التي تثقل كاهلها ، ودفعها إلى جميع الساحات تعمل وتدعو وتجاهد في سبيل الله، جاء من يتمسك بحديث واهن ضعيف منسوب إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها يقول: ( إن المرأة لا ترى أحدًا ولا يراها أحد، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وضم ابنته إلى صدره وقال: ذرية بعضها من بعض) ). مقدمة كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة: محمد الغزالي/ 5 .
في بطاقات فرحها يتجنبون ذكر اسمها، وكأن مجرد كتابة الاسم عورة، ونسي هؤلاء الذين يزعمون الغيرة، أن القرآن ذكر أسماء النساء ، وأن الأحاديث تحدثت عن خصوصيات البيت النبوي وذكرت أسماء أمهات المؤمنين ، و أن علم التوثيق والتجريح الذي يباهي به المسلمون إنما قام على تسلسل الأسماء ومعرفة كل شيء عنها.
وإذا وقعت جريمة ما، قالوا: فتش عن المرأة! أو استشهدوا بالقول المنسوب كذبًا وزورًا إلى سيدنا علي رضي الله عنه: ( المرأة شرٌ كلها، وشر ما فيها أنه لابد منها) أيقول سيدنا علي كرم الله وجهه ذلك وعنده سيدة نساء العالمين ؟
وإذا كرّمها الإسلام ووضعها نبي الإسلام عليه السلام في موقعها الصحيح، يستشيرها وتشير عليه جاء من يستشهد بالأحاديث الموضوعة: شاوروهن وخالفوهن أو طاعة المرأة ندامة، وهل تستقيم جدية الشريعة مع هذا العبث ؟
وإذا جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين ، جاء من يستشهد بالحديث الموضوع : (لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة).
وإذا اعتبر القرآن وأد البنات من الحوادث الكونية الرهيبة، فقرنها مع أحداث يوم القيامة الكبرى، فقال تعالى : ) {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) ( سورة التكوير: (1-9).
يفعل القرآن ذلك ! ويأتي من يزعم أن رسول الله قال: (نعم الختن القبر)، أو (دفن البنات من المكرمات) والحديثان موضوعان.
هل يستقيم هذا مع حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته حتى أنه لم يقابل ابنته فاطمة رضي الله عنها مرة إلا وقبلها وأجلسها إلى جواره أو حبه لزوجاته؟
هذا من جانب ، ومن جانب آخر: فقد وجدنا من يريد إلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة، فهي إنسان كما أن الرجل إنسان، وهما مولودان لذكر وأنثى، فلماذا يتفاوتان ؟
ونسي هؤلاء أن فطرة الله فرقت بينهما، حتى في التكوين الجسدي، لحكمة بالغة، وهي أن لكل منهما رسالة في الحياة تليق به وبطبيعته ومؤهلاته، فالأمومة بكل خصائصها وفضائلها ومتاعبها هي صميم رسالة المرأة، وهذا هو الذي جعل قرارها في البيت أكثر من الرجل.
وإذا كان هذا تفريق الفطرة، فلا ينبغي أن نهمله إذا خططنا لتعليم المرأة أو عملها، وهذا ما لاحظه العلم الحديث وأقطابه في هذا العصر.
ورأينا من هؤلاء من يتعسف في رد النصوص الصحيحة المحكمة دون برهان، كما فعلت أديبة كبيرة يومًا حيث ردت - في محاضرة لها في قطر- حديث: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو حديث صحيح رواه البخاري في جامعه، وتلقته الأمة بالقبول، ولم يطعن فيه طاعن طوال القرون الماضية.
ورأينا من هؤلاء من يريد أن يحرّم ما أحلّ الله للرجل، من الزواج بأكثر من واحدة، لمن يحتاج إليه، ويقدر عليه، ويثق من نفسه بالعدل، مخالفين ما ثبت بنص القرآن الكريم، وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه وخلفائه من بعده، وعمل السلف خير قرون هذه الأمة، وعمل خلف الأمة من بعدهم في شتى الأقطار، ومختلف الأعصار، وفي ظل جميع مذاهب الأمة إلى يومنا هذا.
بل رأينا من هؤلاء من يدعو إلى توريث البنت مثل ما يرث شقيقها، رافضًا أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، مخالفًا جهرة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة فقهًا وعملا طوال أربعة عشر قرنًا، وما عُلم بالضرورة من دين الإسلام، مما لا يجهله خاص ولا عام.
رأينا من هؤلاء من يجهل أو يتجاهل أحاديث صحاحًا صراحًا، ليفتي بحل أشياء محرمة في شرع الله، يبرر بها الواقع القائم، أو يبرر بها اتجاهات الحكام في تحريم الحلال وتحليل الحرام، فتراهم يسكتون على إباحة القانون للزنى، وينكرون على تعدد الزوجات.
رأينا من أفتى بحل لبس ما سمي (الباروكة) مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لعن الواصلة والمستوصلة )، كما سمى الرسول الكريم هذا الوصل (زورا) أي تزويرًا على الواقع، وأشار إلى أنه من فعل اليهود.(8/57)
ومثل ذلك من أفتى بأن لبس الثياب القصيرة التي تكشف عن الذراعين والساقين أو الشعر، والتي تشف وتصف - على ما نرى عليه ثياب الحضارة الوافدة على المجتمع الإسلامي - ليس أكثر من صغيرة من الصغائر يكفرها أداء الصلوات ونحوها، وجهل من قال ذلك : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أهل النار النساء (الكاسيات العاريات)، وحكم بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها ليوجد في مسيرة كذا وكذا، والكاسيات العاريات هن اللائي لا تتوافر في ملابسهن الشروط الشرعية، أي يلبسن ما يصف أو يشف، أو لا يغطي ما يجب تغطيته من الجسم، فلو كان ما يفعلنه من الصغائر ما حكم عليهن بالنار، ولا أعلن عن حرمانهن من الجنة، بل من مجرد شم ريحها.
ولو سلمنا بأن لبس الثياب المذكورة من الصغائر، فلا أحسب هؤلاء يجهلون أن الإصرار على الصغائر، ينقلها إلى درجة الكبائر، كما هو مقرر عند العلماء، حتى قالوا: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار.
بين تطرف وتطرف :
( ومن الحق أن يقال : أن كثيرًا من تطرف المغالين المقلدين للغرب، كان رد فعل للتطرف من المغالين المقلدين للشرق، والتطرف لا ينتج إلا تطرفًا مثله، والله لم يكلفنا أن نكون تبعًا لغرب ولا لشرق، ولا أسرى لقديم، أو حديث، إنما يجب أن يكون هوانا تبعًا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من الهدى ودين الحق ) من مقدمة كتاب تحرير المرأة: يوسف القرضاوي/ 14-16.
لهذا كان لابد من موقف يمثل (الوسطية) الإسلامية، التي لا غلو فيها ولا تفريط، ولا طغيان ولا إخسار، وهي التي يشير إليها قول الله تعالى: )أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ( سورة الرحمن( 8-9)
تكامل شخصية المرأة المسلمة:
المرأة قبل الإسلام:
لقد أهدرت الحضارات القديمة: الصينية والهندية والرومانية واليونانية، وحتى بعض منتسبي الديانات كاليهودية والمسيحية، قيمة المرأة، وغضت من شأنها واعتبرتها من سقط المتاع، وأنها دنسة يجب أن تُحبس في البيت فلا تغادره.
يقول ديموستين المفكر اليوناني المشهور: ( إننا نتخذ العاهرات للذة، والخليلات للعناية بصحة أجسامنا، ونتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين).
لا أهلية قانونية للمرأة ولا حقوق اقتصادية أو اجتماعية لها من أي نوع كان، بل إن إنسانيتها كانت موضع شك، حتى أنهم كانوا يتساءلون: هل المرأة إنسان له روح، أم هي حيوان نجس لا روح له؟.
وليست أهلا للتدين فالأصل فيها التجرد من الشرف كما يقول مانو فيلسوف الحضارة الهندية، لهذه الأسباب وصفهم القرآن الكريم بقوله: )وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ( النحل - 58-59 .
الإسلام يحرر المرأة :
وجاء الإسلام ليصحح المعادلة، ليكرم الإنسان من حيث هو إنسان، قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } سورة الإسراء- 70، وهذا التكريم يشمل الذكر والأنثى، السادة والعبيد، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم.. المسلم وغير المسلم.
والبدء بتكريم الإنسان هو المدخل الحقيقي والصحيح نحو بناء حضارة إنسانية عادلة باقية.إن النظم العالمية التي سبقت الإسلام لم تهدر قيمة المرأة فقط، بل أهدرت قيمة الإنسان إلا من طبقة صغيرة، كانت تعد بالآلاف في كثير من الأحيان، تختلف ميزاتها من مكان إلى مكان.
فعند الرومان السيد هو الروماني، والروماني الحقيقي هو الذي يملك ألف عبد أو يزيد، وعند اليونان الناس طبقات ثلاث غالبيتهم العبيد.
وعند الهندوس أغلبية الناس من طبقة المحرومين أو المنبوذين الذين ينجس بهم الماء والهواء.
أما اليهود ففي تلمودهم أن الله لم يخلق الناس إلا ليكونوا حميرًا يركبهم اليهود.
أما حضارة الغرب الحديثة سليلة الحضارتين الرومانية واليونانية، فعندهم أن الأشقر صاحب العيون الزرقاء هو الذي يجب أن يسود، أما الشعوب الأخرى فمواصفاتها العقلية لا ترفعها إلا لدرجة الرقيق للسيد الأبيض.
جاء الإسلام فوجد الإنسان مهانًا في جزيرة العرب وخارجها، فقرر أول ما قرر كرامة الإنسان:
- { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } سورة الإسراء(70).
- (لا فضل لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).
- (كلكم لآدم وآدم من تراب).
- (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..؟).
ومع استغراب قادة قريش أن يسوي الإسلام بينهم وبين عبيدهم ، كان استغراب الجميع أشد وأقوى عندما قرر أن الكرامة الإنسانية تشمل المرأة والرجل على السواء لا فرق.
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( الحجرات - 13 .
في غاية الدقة والإحكام والسمو يقرر الإسلام : أن جميع الشعوب والقبائل والألوان والأجناس والذكور والإناث عند الله سواء، أكرمهم عنده أتقاهم له وأنفعهم لعياله.
الميلاد الحقيقي للإنسان :
اليوم ولد الإنسان.. كل الإنسان.. كرمه خالقه رب العالمين، بعد أن خلع عنه كل ما تعارف عليه البشر من أغلال وأوزار.(8/58)
وهكذا استعاد الإنسان الذكر والأنثى حقه ووُضِعَ في بداية الطريق، ليبني لبني الإنسان حضارة ربانية متوازنة، يرتفع فيها الإنسان بقدر ما يقدمه من خدمة في البناء الإنساني الصحيح.
وتتالت آيات الكتاب العظيم، يتلوها المؤمنون ليقتلعوا من نفوسهم كل غبش يعارض هذه الحقائق.
نفس واحدة :
أولى هذه الحقائق هي أن الرجل والمرأة من أصل واحد :
قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } النساء - 1 .
( الجميع (ذكرانا وإناثا) من نفس واحدة هي نفس سيدنا آدم عليه السلام، وأُمّ الجميع حواء، من نفس المصدر الروحي الذي نسب إليه بنوها، فالأبناء إذاً وأمهم معهم داخلون في التقويم الإنساني المستمد من خصائص تلك النفس الواحدة.) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة:البهي الخولي/27.
مسؤولية إنسانية واحدة :
وفي المرحلة الثانية من استرداد المرأة لشخصيتها، طالبها الإسلام بأن تكون مسؤولة عن تصرفاتها ، فالحرية لا قيمة لها بدون المسؤولية قال تعالى: ) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ( البقرة - 35، ثم قال: )أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ( الأعراف -22.
فالأمر في البداية للاثنين (آدم وحواء) معًا، والتكليف لهما كذلك، والنهي وتحمل المسؤولية كذلك، ولا تزر وازرة وزر أخرى بعض الكتاب الجهلة أو المتحاملين وضع على كاهل المرأة عبء الشقاء الذي عانته البشرية منذ خلق آدم إلى قيام الساعة، لأنها (في زعمهم) هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة وانتهاك ما نهى الله عنه، وقد وجدوا في أسفار العهد القديم عند اليهود والنصارى ما يؤيد هذه التهمة، اتبعوا ذلك وأهملوا آيات القرآن الصريحة الواضحة، من مثل قوله تعالى: ) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ( طه-115 .
قال تعالى: )قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى( طه - 123 .
و الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينادي بطون قريش من على جبل الصفا يقول : ( يا معشر قريش : اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف: لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب: لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله: لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا ). رواه الشيخان .
والجزاء واحد :
أما الحقيقة الثالثة فهي أن الرجل والمرأة في الجزاء سواء :
قال تعالى: )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ( آل عمران - 195 .
وقال أيضا: )وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا( النساء – 124.
وفي ظلال هذه الحقائق الثلاث استكمل الإسلام شخصية المرأة من كافة الجوانب وأعطاها كل الحقوق.
النيل من شخصية المرأة :
وبالرغم من استكمال الإسلام لشخصية المرأة، و إعطائها كافة الحقوق التي تناسب فطرتها، إلا أنها تعرضت ومازالت تتعرض لمظالم لا حصر لها في بعض المجتمعات الإسلامية، وفي مجتمعات أخرى كثيرة.
ظلمت في المجتمعات الغربية، ولنستمع إلى الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر في كتابه (علم وصف الاجتماع ) يقول: ( إن الزوجات كانت تباع في إنكلترا حتى القرن الحادي عشر، وإنه حدث أخيرًا في القرن الحادي عشر أن المحاكم الكنسية سنت قانونًا ينص على أن للزوج أن يعير زوجته لرجل آخر لمدة محدودة، وشر من ذلك ما كان للشريف النبيل من الحق في الاستمتاع بامرأة الفلاح إلى مدة أربع وعشرين ساعة من بعد عقد زواجها عليه ).
وفي سنة 1567م صدر قرارٌ من البرلمان الاسكتلندي بأن المرأة لا يجوز أن تمنح أي سلطة على أي شيء، كما أصدر البرلمان الإنكليزي في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ الكتاب المقدس.
ناقصات عقل ودين :
أما في المجتمعات المسلمة فقد تمسك الجميع بتفسير خاص للحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرّ على النساء فقال: ( يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن: بلى. قال فذلك من نقصان دينها). البخاري ومسلم.
فسّروا الحديث بأن المرأة مخلوق ناقص لا أهلية له، والحديث كان عظة للنساء في يوم عيد، فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء في هذه المناسبة البهيجة؟
أما صياغة الحديث فليست صيغة تقرير قاعدة عامة أو حكم عام .. وإنما هي أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء - وفيهن ضعف - على الرجال ذوي الحزم.(8/59)
( ونحن نتساءل: هل تحمل الصياغة معنى من معاني الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟ إن كلمة ناقصات عقل ودين إنما جاءت مرة واحدة وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة بصيغة تقريرية سواء أمام النساء أو أمام الرجال) - تحرير المرأة : 1/ 276- .
( ولقد حفظ لنا القرآن الكريم من تاريخ المرأة في الحياة، ومواقفها من مشاكلها ودقائقها، ما أنبأ عن أهليتها وحكمتها في العديد من المواقف )- القرآن والمرأة: شلتوت 18-.
قال تعالى: )قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(. القصص- 26 وبنت شعيب هذه لم ترَ موسى من قبل ، وهذا القدر من الرؤية ليس من شأنه أن يمكّن الإنسان من معرفة أسرار النفوس ودخائلها إلا إذا كان قد أوتي من قوة الفراسة ما أوتيته ابنة شعيب.
أما الحديث عن حسن الحيلة فتراه في قوله تعالى: )هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } . القصص – 12. فبعد نظرها وحسن حيلتها أنقذت بها طفلا عنيت المقادير الإلهية بحفظه.
أما بعد النظر واستجلاء الحقائق الغامضة فنراه في قوله تعالى: ) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ( النمل - 35. وقد رُوي أنها قالت: إن كان نبيًا حقا لم تصادف هديتنا مكانًا في قلبه، ولم تحل بينه وبين أمر ربه، وإن لم يكن فسوف يفرح بها ويعرض عن قتالنا.
أما الحديث عن تدبير الملك وحسن السياسة على أساس الشورى وعدم الاستبداد فتراه في قوله تعالى: )قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ( النمل 32 - 34.
أبعد شهادات القرآن هذه، يأتي من يزعم أن المرأة لا أهلية لها.
حق المرأة في التعليم :
والإسلام هو أول دين وأول نظام في العالم فرضَ العلم على الرجل والمرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة، واطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ).
والمرأة مثل الرجل لن تستطيع القيام بدورها في المجتمع ما لم تتعلم أمور دينها ودنياها، ولقد حثّ الإسلام على تعليم الفتاة وتربيتها، عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران) رواه البخاري.وعن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله) رواه الشيخان.وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نساء الأنصار: ( لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). مسلم.وقد ثبت أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية العدوية علّمت حفصة بنت عمر أم المؤمنين الكتابة، بإقرار النبي إياها على ذلك.
وكما نبغ في الحياة العلمية رجال، نبغت نساء، قال الحافظ الذهبي: (لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث). مقدمة الميزان:الذهبي.
وقال الشوكاني: (لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة). نيل الأوطار/ 8: 122.
كان الناس يرون علم عائشة رضي الله عنها - وهي خريجة مدرسة النبوة- قد بلغ ذروة الإحاطة والنضج في كل ما اتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه، وكانت في المدينة مع الفقهاء الكبار كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس في مقام الأستاذ من تلاميذه.
كتب عنها الذهبي في كتابه (سير النبلاء) فقال: (لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علما).
يسألون: لماذا تخلف المجتمع الإسلامي؟
قد تكثر الإجابات، والأهم فيها جميعا هو يوم تخلف العقل المسلم، وما لم يعاد تشكيل هذا العقل فيستقيم مع الشريعة والحياة فلا أمل في تجاوز هذه المرحلة.
إن نظرة إلى واقع المرأة في عهد الرسالة، كيف اقتحمت المسجد تنهل من منبع العلم، وعندما لم تكتف طالبت بحلقات خاصة مع رسول الله تستزيد من علمه، وتفاعلت مع هذا العلم، وحولته إلى سلوك مثالي ميداني، وإلى تربية رائعة ترضعها للأبناء، وإلى مسيرة مباركة في كل ميادين الحياة. لم تسأل المرأة (يوم ذاك) عن دورها في العمل السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، فقد كانت تمارسه والهدي النبوي يشجعها ويأخذ بيدها..
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة أم المؤمنين لم تبلغ التاسعة عشرة من عمرها، ومع ذلك فقد ملأت أرجاء الأرض علمًا، ففي رواية الحديث كانت نسيجًا وحدها، ولم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كان أروى منها، وقد روى لها عشرة ومائة وألفًا حديث، أخرجها كلها بقي بن مخلد الأندلسي في مسنده المصنف بالأسانيد المتصلة إليها.
قال أبو موسى الأشعري: ( ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه خبر، وهي من المفتيات.)
قال ابن حزم: يمكن أن يجمع من فتياها سفر ضخم، وكانت من المفسرات أيضا قال عروة: ما رأيت أحدًا أعلم بالقرآن من عائشة.(8/60)