بينما لم يأذن فيما يتعلق بالنساء إلا للجواري الصغار أن يَضربن بالدفّ في نكاح أو عيد ، وفي حديث عائشة : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث . قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا ، وهذا . رواه البخاري ومسلم .
فهما أولاً جاريتان صغيرتان ، ثم إنهما ليستا بمغنيتين ، فلم يكن ذلك لهما مهنة ، ولا اعتادتا عليه .
والعلماء يَعترون الغناء عيبا في الأمَة تُردّ به !
فكيف يُطلَب العيب للحُرّة !
" أما مالك بن أنس فإنه نَهَى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مُغنية كان له ردّها بالعيب ، وهو مذهب سائر أهل المدينة " قال القرطبي ، وقال :
سئل [ أحمد ] عن رجل مات وخلّف ولدا وجارية مُغنية ، فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : تُباع على أنها ساذجة لا على أنها مُغنية ، فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفا ، ولعلها إن بِيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ، فقال : لا تُباع إلاّ على أنها ساذجة . اهـ .
وأي فضيلة سوف تدعو إليها امرأة لم تلتزِم بها ؟
أي فضيلة سوف تدعو إليها امرأة تقف على مسرح أمام العشرات بل المئات ؟
وهل سوف تَخرج أمامهم مُتبَذِّلََة تَفِلة ؟
هذا ما لا يُمكن !
لا يُمكن أن تَخرج امرأة لتقف أمام الناس بلباس عادي ! بل سوف تأخذ كامل زينتها ! وسوف تجِد من يُفتيها بأن هذا من مصلحة الدعوة ! أو من الحث على الفضيلة !
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تَخرج إلى المسجد أن لا تَخرج بِزينة مرئية أو محسوسة !
فقال عليه الصلاة والسلام : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تِفِلات . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
قال ابن حجر : أي غير متطيبات ، ويقال : امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح . اهـ .
قال عليه الصلاة والسلام : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبا . رواه مسلم .
وقال : أيما امرأة أصابت بَخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة . رواه مسلم .
وقال : أيما أمرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية . رواه الإمام أحمد وغيره .
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعطّرت أن تغتسل حتى لو كانت تريد المسجد .
فقد لقيَ أبو هريرة رضي الله عنه امرأةً فوجد منها ريح الطيب ينفح ولذيلها إعصار ، فقال : يا أمة الجبار ! جئت من المسجد ؟ قالت : نعم .قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم . قال : إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : لا تُقبل صلاةٌ لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وحسنه الألباني .
فهذه الأحاديث تدل على منع المرأة من التعطّر وأخذ الزينة إذا خَرَجتْ وإن كان ذلك لأطهر الأماكن وأحبها إلى الله : المساجد . فكيف بغيرها من الأماكن ؟
كما أن المرأة إذا خَرَجتْ استشرفها الشيطان وزيّنها في عيون الرِّجال ، وإن كانت تمشي في طريق .
فكيف بها لو وقفتْ أمام الرِّجال – أو أشباه الرِّجال – تتغنّى وتُنشِد ؟!
هل سوف تقف كالخشبة ؟!
لا يُتصوّر ذلك !
بل سوف تتحرّك وتتمايل بما يقتضيه النَّغَم أو الإيقاع ! ونحو ذلك .
إن الشباب المنشدين لما خَرَجوا على المسارِح تزيّنوا ! ولم يَقتصروا على المباح بل تعدّوه إلى الحرام ، من إسبال وغيره !
فكيف سوف تكون المرأة إذا وقفتْ أمام الرِّجال مُنْشِدة ؟!
ثم يُدعى أنها سوف تدعو إلى الجهاد والفضيلة !
نعم سوف تدعو .. ولكن إلى غير الفضيلة !
وقد تدعو إلى ما دَعَتْ إليه أم كلثوم ! كانت بلادها تُقصف وتُدكّ ، وهي تُمارس دور تخدير الشعوب : هل رأى الحبّ سُكارى مثلنا ؟!
فأفلحتْ وأنجحتْ ! ودَعَتْ إلى اللا فضيلة !!
كما أن إنشاد المرأة لن يَقِف عند حدّ .. بل سوف يأخذ أشكالاً ويمر بأطوار ..
وسف ترى إذا انجلى الغبار ! أفرس تحتك أم حمار !
والمطالبة بإنشاد المرأة ووقوفها على المسرح بحجة الدعوة إلى الجهاد والفضيلة ! هو خطوة من خطوات الشيطان لها ما بعدها ، وعلى الأمّة ما بعدها !
كفى مُتاجرة بقضايا المرأة المسلمة !
ويُقال لهذا الدكتور ومن على شاكلته : لو دَعَتِ المرأة إلى الجهاد لكان أول من يُحاربها من كان على شاكلتكم ! ولما رَضِيَتْ العمّة بهذا التطرّف والإرهاب الناعم !!
سادساً :
قوله : ( وأما تمثيل المرأة سواء أكانت على خشبة المسرح أم في المسلسلات أم في الأفلام ، إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم ، فلماذا يكون حراما ؟ إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش ) .
يُقال في التمثيل ما قيل في الإنشاد .
وأقول : أي خير جَنَتْه أمة الإسلام من الرقص والتمثيل ؟!
وأي فائدة مرجوّة من مُسلسل أو مسرحية ؟!
فالتمثيل من أوله إلى آخره هو بضاعة نصرانية !
وهو يَعتمد على الْخِداع والكذب !
كما أن المتاجرة به طريقة يهودية !(14/200)
واستوديوهات ( هوليود ) شاهدة بذلك وشاهدة على ذلك !
وهل يَتصوّر الدكتور أن من تُريد التمثيل سوف تأتي بزوجها أو بِذي مَحرَم منها ليكون معها على خشبة المسرح ! أو داخل غرفة التصوير ( الاستوديو ) ؟!
هذا يُخالِف أصول هذا العمل ! ويُخالِف أصول ذلك المجتمع الآسِن ( مُجتمع العفن الفني ) !
وقوله : (إذا انضبط بضوابط الإسلام) أقول : هذا قيد الكَيد !
فكلّ من أراد أن يكيد الأمة أو يخترق صفوفها أو يُروّج باطلا وصَفَه بهذا الوصف : في ضوء الشريعة! في إطار الشريعة ! وفق الشريعة الإسلامية !
حتى صارتْ تُروى طرائف ومضحِكات عن اللصوص وقُطّاع الطريق أنهم استخدموا ذلك القيد !
بل حتى الفجار والكفار يُعبِّرون بهذه التعابير !
وما ذلك إلا لِعلمهم أن الباطل لا يَروج إلا بمثل هذا اللبوس !
وقديما قال إبليس في كَيْدِه : (قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) .
فأنت ترى رأس الكفر وإمامه أول من استعمل هذا القيد لترويج الباطل !
وأما قوله : (إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش) فأقول : هذا مستحيل !
ثم إن هذا القيد قد يُلْتَفَتْ إليه أول الأمر – إذا التُفِتَ إليه – ثم ما يلبث أن يتلاشى ويَزول !
وسوف يُوصَف وُجود المحرم بالتشديد ومناقضة أوصل المهنة !
وما لبث الدكتور أن ناقض نفسه بنفسه !
فهو في مسألة السَّفر لم يشترط المحرَم ، وهو هنا يشترطه من غير سَفر !
فهو هنا يقول : (إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم) وفي السفر : لا يَحتاج وُجود مَحرِم !
وقد يَحْتجّ عليه مُحتجّ بقوله هو في مسألة سفر المرأة ، فيقول : لا حاجة إلى المحرم طالما أن المرأة سوف تُمثِّل مع مجموعة من النساء !
ولا يُستغرب أيضا أن يقول قائل : مع مجموعة من النساء الموثوقات ! [المعروفات بسوء السِّيرة ! ] !
ثم قيّد الدكتور الاختلاط بأن لا يَكون فاحشاً !
فما هو حد الفُحش عند الدكتور ؟!
ولماذا يَمنع منه طالما أنه يَدعو إليه ؟!
إن الاختلاط لا يَصلح منه قليل ولا كثير ولا خير فيه قلّ أو كثُر
وكيف يَرضى عاقل لقريبته أن تختلط بالرِّجال الأجانب دونما نكير ؟
والاختلاط ممنوع وإن كان في أطهر البقاع مع حُسن المقصد .
فقد روى البخاري عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال . قال : كيف تَمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟
قلت : أبعد الحجاب أو قبل ؟
قال : إي لعمري . لقد أدركته بعد الحجاب .
قلت : كيف يُخالِطن الرجال ؟
قال : لم يكن يخالطن ، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت : عنكِ ، وأَبَتْ .
ومعنى ( حَجْرَة ) أي ناحية . يعني أنها لا تُزاحم الرجال في الطواف .
ومعنى " أبَتْ " : أي رفضت وامتنعت أن تُزاحم الرجال لِتستلم الحجَر أو الرُّكن .
ولما دخلت مولاة لعائشة عليها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : لا آجرك الله . لا آجرك الله . تُدافعين الرجال ؟ ألا كبّرتِ ومَررتِ . رواه الشافعي والبيهقي .
ثم إن مثل هذه الأمور لا يُمكن أن تُضبط مع فساد الوسط الفنِّي بعامّة .
ولو كان جائزا لاقتضتْ السياسة الشرعية أن يُمنع منه لما يُفضي إليه من المفاسد
وقواعد الشرع تنص على :
ما أفضى إلى مُحرّم فهو مُحرّم
ودرء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح
والضرر يُزال
والذرائع يُسدّ بابها
فهذه قواعد الشريعة وأصول الدِّين وكليّاته تَمنع من مثل هذا الفعل ، لو كان مُباحاً ، فكيف به وهو مُحرّم أصلاً .
أعني تحريم الخلوة والاختلاط ، بل والتمثيل ، فقد بين ذلك الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في رسالة له بعنوان :
التمثيل : حقيقته ، تاريخه ، حُكمه .
قال الشيخ في خاتمة البحث :
والخلاصة أن التمثيل : حرفة ، وأداء ، وتكسّباً ، وعَرضا ، ومُشاهَدة ، لا يَجوز ، لأنه إن كان تمثيلا دينيا فهو بِدعيّ ، : لوقف العبادات على النص ومورده ، ولِما علِمت من أصله لدى النصارى واليونان .
وإن كان غير ذلك فهو لهوٌ مُحرَّم ، لما فيه من التشبّه ، ولما رأيته من تفاريق الأدلة ، وما يَحتوي عليه ، ويترتّب عنه من الآثار المعارِضة لآداب الشريعة . اهـ .
سابعاً :
قوله عن الرِّق : (والإسلام يرحب بذلك أعظم ترحيب ، لأنه دين الأخوة الإنسانية ، ولذلك وقعت الدول الإسلامية على تلك المواثيق . إن إطاعة لشريعة الإسلام أو اتِّباعا للسياسة الدولية ، والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك )
أقول : هذا الذي يَدعو إليه الدكتور مُخالِف للنقل والعقل بل ومُخالِف للواقع .
فأما النقل فجواز ذلك في الجهاد ، أي جواز وتشريع الرِّق في الإسلام ، وهو من محاسِن الإسلام لا من مساوئه كما يُصوّره بعض من قلّ عِلمه ، أو نقص فهمه !(14/201)
فالرِّق ليس لِذات الرِّق ، وليس من باب التّشهِّي ، بل هو مقصود لما يترتّب عليه من مصالح ، لعل من أبرزها :
أن يعيش هؤلاء الأرقاء بين المسلمين فيَتأثّرون بالإسلام فيَدخلونه .
ومن هذا الباب جاء الأمر بالإحسان إلى الرقيق وإعانته ، بل وإعطائه اللقمة إذا وَلِيَ حرّ طعام ، كما في الصحيح
كل ذلك من باب الإحسان إليه وترغيبه في دخول الإسلام .
فإذا دخَل في دين الإسلام صار مُسلِماً ، ثم جاء الإسلام بالحث على العِتْق ، وجاء العِتق أيضا في الكفّارات ، فمن ذلك :
في كفارة قتل النفس خطأ
في كفارة الظِّهار
كفارة الوطء في نهار رمضان
في كفارة اليمين
وانظر كيف جاء الحث على العِتق وتحرير الرِّقاب في الكفارة الكبيرة والصغيرة ، فهي في قتل النفس وفي في كفارة الظِّهار وفي كفارة الوطء في نهار رمضان ، وهي تُقابِل صيام شهرين مُتتابِعين .
كما جاءت في مُقابِل صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين .
وجاء الترغيب في العتق من غير سبب طلبا لمرضات الله ، كما جاء الترغيب في العتق تَقرّبا إلى الله
وجاء الأمر بالمكاتبة ، وتخليص الرقيق من رِقِّه إذا رغب في ذلك ، فقال الله تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ) .
وقد يُقال : لماذا لا يُترك أسرى الحرب ويُمَنّ عليهم ولا يُسترَقّون ؟
فالجواب :
أن الفداء مشروع بقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
وأن من مقاصد ذلك أن يتخلّص من قيد الكفر ، ويكون بعيداً عن بيئة الكُفر .
وأنه بِبُعده عن بيئته سوف يكون حُرّاً في اتِّخاذ القرار .
وكم رأينا ممن عاش ردحاً من الزمن على الكُفْر فلما عاش في بلاد المسلمين وابتعد عن بيئته دَخَل في دِين الله عن قناعة تامة .
وأما قوله : (والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك )
أقول : هذا القول مردود من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن الشروط التي يَجب الوفاء بها ما لم تُخالِف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مُخالِف لِشرع الله ولِسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال أناس يَشترطون شروطا ليستْ في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن اشترط مائة شرط ، شرط الله أحق وأوثق . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : قال القرطبي : قوله : " ولو كان مائة شرط " خَرَجَ مخرج التكثير ، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كَثُرَتْ . اهـ .
الوجه الثاني : أن هذه الاتفاقية لم تُوقِّع عليها الأمم المتحدة ، فهي منقوضة بفعل الكفار أنفسهم !
وهو ما يتعلق بأسرى الحرب .
الوجه الثالث : أن الرِّق أخف بلاء وأرحم مائة مرة من الأسر الذي تستعمله أمم الحضارة المادية اليوم !
فو الله إنه لأرحم ألف مرة أن يعيش الرقيق بين المسلين يذهب ويَجيء ، يَروح ويَغدو ، يُطَعم ويُضمن له الملبس والسكن – خير وأخف بلاء مما يَعيشه أسرى ( جوانتانامو ) في حر الصيف وبَرد الشتاء ، في ذلّ وقهر ، بل أُصيب بعضهم بأمراض نفسية وعضوية تحت نظر وسمع العالَم
وقد شهِدتْ بذلك صحفيّة يهودية زارتْ تلك المعتقلات ، فكتبت مقالا نُشِر في صفحات الشبكة الإلكترونية .
تقول الصحفيّة " أورلي أزولاي كاتس " مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت في واشنطن :
وصل الأسرى إلى معتقل 'جوانتنامو ' الكوبي على متن طائرات عسكرية أمريكية مُقيدين بالعصابات ،ووجوههم مخفية بنوع سميك من القماش لا يمكن لأحد منهم رؤية أي طيف من تحته أو من خلاله علاوة على لون القماش الأسود القاتم.
ولم يسمح الجنود الأمريكيون المرافقون للأسرى بأن يتوجه أي منهم لقضاء حاجته في المراحيض الموجودة بالطائرات ' مثل أي إنسان ' لكن إذا كان لابد فاعلاً فليفعلها في نفس مكانه بعد أن أحضروا دلواً بلاستيكياً متوسط الحجم للجميع ، وقد وقف الجنود مدججون بالأسلحة في وجوه الأسرى وهم يتبولون أو يتبرزون ، فيما قام بعض الأسرى بالتبول في ملابسه بعد أن أعيته الحيل .
وتقول :
هؤلاء الأسرى لا يحق لهم مقابلة محامييهم لعدم وجود اعتراف أمريكي بهذا المبدأ في هذه المعتقلات ، ولا يحق لأي أسير أن يتعرف على لائحة الاتهام الموجهة إليه !
كما تقول :
حاول 29 أسيراً الانتحار سواء عن طريق شنق أنفسهم في سقف المعتقل أو تقطيع البعض لشرايين أجسامهم .(14/202)
وجود 90 أسيراً بصفة مستمرة لدى طبيب نفسي في المعتقل يعانون من أقصى أنواع الاكتئاب. [ وهذا حسب المصادر العسكرية الأمريكية ومن المعتقد أن أغلب هؤلاء قد اتخذوا هذه الوسيلة لتخفيف التعذيب الأمريكي وأملاً في إفراج السلطات الأمريكية عنهم ]
وجود عدد غير قليل من المعتقلين يتناولون يومياً الأقراص المهدئة وحقن المسكنات .
وفي نهاية رحلتها إلى اشهر معسكر اعتقال في العالم تكشف أزولاي عن وجود 3 معتقلين من الأحداث تم وضعهم في قسم يسمى ' إيجوانا ' حيث يمكن للأحداث الثلاثة أن يشاهدوا من زنزانتهم مياه المحيط من خلال ثقب صغير في قطعة قماش ضخم تم وضعها على الزنزانة من الخارج ، والغريب أن هؤلاء الأحداث الثلاثة لا يعرفون الجرم الذي ارتكبوه أو نوعية الاتهامات الموجهة إليهم والتي أوصلتهم إلى جوانتانامو .
[ من مقال بعنوان : رحلة إلى جوانتانامو 'بعيون إسرائيلية' موقع مُفكِّرة الإسلام الثلاثاء 7 ذو القعدة 1424هـ - 30 ديسمبر 2003م ]
وهنا أسأل من كان له ذرّة من عقل :
أيهما أشد بلاء وأعظم جُرما .. الرِّق الذي كَفَل حُسن التعامل مع أسير الحرب ، أو الأسْر الذي شهِدتْ ببعضه صحفية يهودية ؟
لا يشكّ عاقل أنه لا يُمكن إجراء مُقارنة بين الرِّق في الإسلام والأسْر في ظل الولايات المتحدّة !
ولا يشك عاقل أن الرِّق في الإسلام أرحم ألف مرّة من يوم واحد في جوانتانامو !
كما أُذكِّر الدكتور بما يُسمى " تجارة الرقيق الأبيض " وهذا ليس في دول العالم الثالث كما يُسمونها بل في دول الحضارة المادية .
فتحت عنوان : " مليار دولار أرباح التجارة في الرقيق الأبيض بـ'إسرائيل' " جاء ما يلي :
أفاد تقرير لموقع 'نيوز إسرائيل' العبري على شبكة الإنترنت اليوم الأربعاء أن حجم الأرباح الناجمة عن تجارة الرقيق الأبيض في 'إسرائيل' وصلت لمليار دولار سنويًا . وقال الموقع : إن التجارة في الرقيق الأبيض تحوّلت لصناعة في 'إسرائيل' . اهـ .
وتحت عنوان : " عائدات تجارة الرقيق الأبيض في البلقان " جاء ما يلي :
في دراسة صدرت عن منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة عن التجارة الدولية غير المشروعة بالنساء والأطفال خاصة في أوروبا !
وتقدر عائدات تجارة الرقيق الأبيض عبر منطقة البلقان من 9 ـ 12 مليار دولار سنويًا .
وصدر عن منظمة الهجرة العالمية عام 1997 أن نحو 175 ألف امرأة تم الاتجار بهن عبر البلقان استقدمن من آسيا الوسطى إلى دول الاتحاد الأوروبي .
فأي شروط يُريد الدكتور أن يُلتَزم بها ، وأبناؤنا في رق الأسْر ؟!
ونساؤنا تُباع في البلقان إذ كان يتاجِر بها تجار الحروب ؟!
ولن نذهب بعيدا فالعراق اليوم يشهد بسوء صنيع العدو ، وسوء مُعاملة الأسرى .. ليست معاملة بشرية بل معاملة وحشية ، لا تمتّ إلى البشرية بل ولا إلى أخلاق أهل الجاهلية بِصِلَة !
فقد شهد العالم أجمع ما عُومِل به أسرى الحرب في العراق ، من وحشية في التعذيب ، وامتهان لأدنى حقوق البشر ، إلى إعدام لإنسانية الأسير !
فقد فَعلوا بأسرى العراق ما لم يفعله أبو جهل في جاهليته !
وأظهرت وسائل الإعلام والمواقع الكثيرة الوحشية التي يتعامل بها الجنود الأمريكيين مع أسرى الحرب في العراق .
وقال بعضهم مُعتذرا بعذر بارد باهت : هذه تصرفات شخصية !
ونحن نعلم أنها تصرفات لا تزال تُرتَكب بوحشية وهمجية لم يسبق لها مثيل !
هذا ما يُعامَل به أسرانا .. فكيف عامل الإسلام أسرى الحروب على مر التاريخ ؟
سؤال نوجهه للدكتور !
حرام أن نسترقّ أسيرا مُحاربا نُدخله بلاد المسلمين بلا قيد ولا غِل ؟!
وحلال ما يَجري في جوانتانامو وما يجري في العراق ؟!
أم أن ألأمر كما قيل :
حرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنسِ ؟!
وخلاصة القول الرق في الإسلام :
أنه ليس هو الحل الوحيد في حق أسرى الحرب ، بل أسير الحرب أمام خيارات :
إما أن يُعفى عنه ويُمنّ عليه
وإما أن يُفادِي نفسه
وإما أن يتم تبادل الأسرى بين المسلمين وعدوّهم
وإما أن يُسترقّ
وكما أن الاسترقاق ليس هو الخيار الوحيد فكذلك خيار الحرْب ليس هو الخيار الوحيد .
فالْحَرْب لا يُلجأ إليها بدئ ذي بدء ، وإنما تكون بعد استنفاذ الجهود السلمية ، وذلك بـ :
1 – الدعوة إلى الدخول في دِين الإسلام ، فَمن دَخَل فيه فَلَه ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم .
2 – الاستسلام ودَفع الجزية ، ولهم الحماية في ظل الإسلام ( خاصة مع أهل الكتاب ) فالغُنْم بالغُرْم فهم يَدفعون جزية مُقابِل إقرارهم على دِينهم ، ومُقابِل تقديم الحماية لهم في المجتمع المسلم .
3 – الحرب والقتال ، وهو كما ترى ليس هو الحل الأول وليس هو الخيار الوحيد ، بل هو الخيار الثالث .
في حين تلجأ بعض دول الحضارة المادية اليوم إلى الحرب كخيار أول وأخير ! الحرب والحرب فقط !
ودويلة اليهود – ومن يقف وراءها ويُساندها – تَشُنّ الحرب في كل يوم على ضِعاف عُزّل !(14/203)
فإذا اختار طرف من الأطراف الحرب ، ورفض السِّلْم ، واختار هذا الحل ! فعليه تحمّل نتيجته ، ومن نتائجه الأسْر والرِّق .
وهذا الرِّق له فوائد ، منها :
أن يعيش بين المسلمين ، وأن يتأثّر بهم ، فيتم استنقاذه من الكفر إلى الإسلام .
أن يكون بعيدا عن التأثير والضغوط فيُقرِّر بنفسه ويختار لها .
أن يشعر بالذلّ نتيجة اختياره الحرب على السِّلْم
كما جاء الأمر بإكرام الرقيق ، فمن ذلك :
اعتباره أخاً للمسلمين إذا أسلَم
وإطعامه وتأمين الملبس والمسكن له .
وأن لا يُكلّف فوق طاقته ، فهذا من الرفق به .
وقد أمر الله بالإحسان إلى الرقيق فقال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يَلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم . رواه البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام : للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يُكلّف من العمل إلا ما يُطيق . رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين ؛ فإنه ولي حَرّه وعلاجه . رواه البخاري ومسلم
وهذا فيه مراعاة لنفسيته فضلا عن تكليفه ما لا يُطاق .
ومن باب التكريم أن الرقيق إذا أسلم وحُسن إسلامه ضُوعِف له الأجر .
قال عليه الصلاة والسلام : العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين . رواه البخاري ومسلم .
وقال : للعبد المملوك المصلِح أجران . وكان أبو هريرة يقول : والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك . رواه مسلم .
وإن كانت امرأة فأحسن إليها وليها ثم أعتقها وتزوّجها كان له أجران .
قال عليه الصلاة والسلام : من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران . رواه البخاري .
وهذا فيه حث على العتق أيضا .
وتقدّم أن الإسلام حثّ على العتق في مناسَبة وفي غير مناسبة . بسبب أو بغير سبب .
كما حث على مُكاتَبة الرقيق إذا رغب في ذلك ، وأراد فك ربقة الرق من رقبته ، فإنه لا يُمانَع من ذلك ، بخلاف أسير الحرب لدى أمم الأرض قاطبة !
كما أن الأسير إذا استُرِقّ لم يُجعل في رجلِه قيد ، ولا في يده غل ، بل هو حرّ طليق في بلاد المسلمين ، إلا أنه مملوك فحسب .
فَشَتّان ما بين الرِّق في الإسلام ، وما بين معاملة أسرى الحروب في كل مكان !
ونحن نُطالب اليوم بمعاملة أسرى الحرب معاملة الرقيق في الإسلام ! وقد رضينا بذلك !
سواء من كانوا في جوانتانامو أو كانوا في العراق !
لِيُعْلَم أن الرق في الإسلام رحمة وليس نِقمة .
كتبه /
عبد الرحمن السحيم
26 - ربيع الأول - 1426 هـ
===================
الحرية المفترى عليها
الذين يتحدثون عن حرية المرأة تحار عن أي حرية يتحدثون؟ حيث إنك إذا تأملت في دعاواهم لم تجد إلا بريقاً زائفاً يخدع الأبصار، والجوهر يفتقر لأي قيمة ذات بال، فالحرية والعدل صنوان لا يصح أن يجني أحدهما على الآخر ؛ بينما هم قد انتهكو العدل والقسط في دعوى مطالباتهم بالحرية المزعومة.
ومحال أن تكون هناك حرية حقيقة تجني على مبدأ العدل والحق، كما أنه من المحال أن يكون هناك حق وعدل يجني على الحرية الشرعية للإنسان، ولذلك مثلاً عندما أعلنت أمريكا أن حملتها على العراق لتحقيق الحرية، فانتهكت الأعراض، وخربت البلاد، وأهلكت الحرث والنسل، شهد العالم أن هذا هو الظلم والعدوان والبغي والفساد، وإن أسمتها أمريكا وحلفاؤها ما أسمتها، فالعبرة بالحقائق والمقاصد، لا بالدعاوى والأكاذيب.
وهكذا هم دعاة حرية المرأة في عصرنا الحاضر، يريدون إخراجها من النور إلى الظلمات، ومن السعادة إلى الشقاء، ومن العدل إلى الظلم والبغي، والفرع إذا عاد على الأصل بالفساد فهو باطل.
ويجب أن نفرق ونحن نتحدث عن هذه القضية بين ما شرعه الإسلام للمرأة، وما قرره من قواعد وأصول ومنطلقات في كل شؤون حياتها، وبين بعض الممارسات الظالمة من بعض المسلمين جهلاً أو عدواناً في شأن المرأة، كما هو واقع في كثير من شؤون الحياة في حق الرجال أو النساء أو الأموال أو الأعراض، وهلم جرّا.
فالقسم الثاني لا يسلم منه شعب أو بلد، وليس خاصاً بالمسلمين، لذا هو عمل بشري لا علاقة للإسلام به، فلا يحمل وزره "وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" (الأنعام: من الآية164).
كما أنه ليس خاصاً بالمرأة، بل واقع عليها وعلى غيرها.(14/204)
ومن هنا فحصر الحديث عن انتهاك حرية المرأة، وإلصاق ذلك بالإسلام، هو خروج عن الحرية، ووقوع في الظلم والبغي والعدوان، ودعونا نتجاوز هذه المقدمة على أهميتها إلى النظر والتأمل في بعض دعاوى أولئك، ومدى مصداقيتها.
فمثلاً: المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، باسم تحقيق الحرية يجعلنا نتساءل لماذا لا يطالبون بالمساواة بين الرجال بعضهم ببعض، وهم يشاهدون هذا البون الشاسع في حقوق وواجبات الرجال منذ عرفت البشرية، فهذا سيّد وهذا مسود، وهذا أمير وهذا مأمور، وآخر يأخذ أعلى المرتبات وذاك ينال أدناها، وهلم جرّا، الجواب الطبيعي أن هذا الأمر لاختلاف الأفراد في نشأتهم وتعلمهم وعقولهم ومواهبهم، فنقول: لماذا جاز هذا في حق الرجال، ولم يجز في الشأن بين النساء والرجال. كما أنهم هم يمارسون التفرقة في بيوتهم ودولهم، ومؤسساتهم بينهم وبين نسائهم، بل لا توجد أمة من الأمم ساوت بين الرجال والنساء، حتى أعلاها صراخاً في هذا الشأن، والحقيقة خير شاهد، فكم عدد النساء اللاتي تولين رئاسة أمريكا منذ نشأتها؟ وكم نائب للرئيس من النساء منذ استقلالها، بل كم نسبة النساء إلى الرجال في مجالس قيادتها كمجلس النواب والكونغرس وغيرها؟
إنها الدعاوى التي يخالفها الواقع وتدمغها الحقائق.
ولو أخذنا موضوع سفر المرأة في الإسلام ووجوب وجود محرَم لها، وادعاؤهم أن هذا يقيد حرية المرأة، فنقول لهم: هل رأيتم رئيس دولة أو كبير قوم سافر وحده، ولماذا هو هنا مشروع وممتدح، وهناك ممنوع وتقييد للحرية، أليس المحرَم إذا سافر مع من هو محرم لها يقوم بصيانتها وحراستها وحفظها وخدمتها، وهي سيدة معززة مكرمة مصونة تأوي إلى ركن شديد، فأي فرق بين الأمرين إن كنتم تعقلون؟!
ونختم بمثال ثالث مما يكثرون الدندنة حوله في دعوى مطالباتهم بحرية المرأة، وهو موضوع القوامة.
والجواب أنه كما لا تستقيم حياة البشر إلا بالنظام وتحديد الاختصاصات وفق الإمكانات والقدرات والمواهب، ولذلك فهم يعترفون بقوامة الرئيس على المرؤوسين، والوزير على من تحت يده، وقائد الجيش على جنوده، وهكذا وهو أمر مسلَّم تتوارثه البشرية منذ وجدت على ظهر الأرض، لا ينازع في ذلك عاقل، أو ينكره سوي. فكذلك قوامة الرجل على المرأة تدخل ضمن هذا الأصل والمنطلق، وإلا فسدت الأرض، واختل النظام، وحدثت الفوضى. وإذا كانت قوامة الأمير والوزير والقائد ليست مطلقة، فكذلك هي في قوامة الرجل على المرأة لها ضوابطها وشروطها وأصولها، بل إن الشريعة جعلت من الضوابط في موضوع القوامة ما لا نجده من ضوابط البشر في قوامة الرؤساء والوزراء والقادة، فأي الفريقين أحق بالعدل إن كنتم تعلمون؟
وخلاصة القول: إن القضية التي يتحدثون عنها لا رصيد لها عند التأمل والتدبر، وهي مسألة صنعت من فراغ، أو نقلت من حيز العمل البشري الذي يعتريه الظلم والنقص إلى أن تلصق بالإسلام ظلماً وحيدةً وعدواناً.
وواجب الأمة أن تكون عند حدود مسؤوليتها، وأن تعي ما يكاد لها، وألا تخدع فيما يطلق خصومها ومنافقوا أمتها، وأن تتجاوز اللحظة الحاضرة إلى النظر والتدبر والتأمل قبل الاستسلام والخضوع لكل ناعق ومنافق.
ومن هنا، ولأهمية هذا الأمر، ولبيان الحق، وإزالة اللبس، والإجابة على بعض ما يحدث في ا لنفس من شبهة أو سؤال جاء ملف (المسلمة) تتصدره هذه الوثيقة التي صهرها هذا الجمع الغفير من علماء الأمة ومفكريها وعقلائها رجالاً ونساءً؛ لتكون نبراساً يضيء الطريق، ويزيل الشبهة، ويوقف على الحقيقة، "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة:32)، وجاء توقيت هذا الملف لما تمر به الأمة عموماً وبلادنا خصوصاً من هجمة شرسة من أعداء الأمة والملة ويتحمل وزرها العلمانيون والمخدوعون الذين "ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ" (المائدة: من الآية77).
والشكر موصول لكل من ساهم في هذا الملف ابتداءً وانتهاءً، والله لا يضيع أجر المحسنين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ.د. ناصر بين سليمان العمر
====================
شبهة تتعلق بحديث (الشؤم في ثلاث وذكر المرأة)
الحمد لله العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على النبي الذي وصفه ربه في القرآن
فقال عنه [بالمؤمنين رؤوف رحيم]..
وبعد،(14/205)
فإنّ أعداء الإسلام ما فتئوا يثيرون الشبهات المغرضة حول الإسلام ونبي الإسلام وأحكام الإسلام، ولهم في ذلك أساليب وحِيَلٌ عجيبة، فإنهم تارة يبترون النصوص الشرعية [ فمثلا يبترون الحديث الشريف الذي ورد في ثناياه أنّ النساء ناقصات عقل ودين- على تفصيل ذكره النبي الكريم-، ويتغافلون عن سرد النص الكامل للحديث ]، وتارة يلوون المعاني ويلبسون على العوام دينهم [ فمثلا يزعمون أن القرآن فيه آية (وترى الملائكة ((حافيين)) حول العرش) والصواب أن نص الآية هو { وترى الملائكة حافّين حول العرش} فشتان ما بين (حافّين بالعرش) أي محيطين به وما بين (حافيين) أي غير منتعلين!]..
وما درى هؤلاء المغرضون الحاقدون –نسأل الله لهم الهداية- أنّ ديننا دين سماوي كامل، وأن القرآن {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، وأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قد حاز إعجاب الكافر قبل المسلم..
بل إنّ المرء ليرى أنّ مِن المستشرقين مَن يقبل على دراسة الإسلام وتعاليمه وشمائل نبيه ليثير الشبهات وينشر الأباطيل، فنجِد مِن هؤلاء من يعود إليه رشده وصوابه فيتخذ جانب الإنصاف والحياد، هذا إن لم يشهر إسلامه –وقد حصل-، وما ذاك إلا لما رأوا من عظمة هذا الدين العظيم –نسأل الله أن يحيينا مسلمين وأن يميتنا مسلمين-..
وسأتناول في هذا المقام شبهة تثار عن المرأة في الإسلام [وهم إنما يركزون على المرأة لأن معظم من يدخلون في الإسلام في ديار النصارى هم من النساء لما يرون في الإسلام من عدل وإنصاف لهن] وهذه الشبهة تنطلي على الكثير من عوام المسلمين مع الأسف، وتتعلق هذه الشبهة بالحديث الشريف الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار) [صحيح البخاري-كتاب الجهاد والسير- باب ما يذكر من شؤم الفرس]ٍ..
وروى هذا الحديث أيضا الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الشؤم في الدار والمرأة والفرس) [صحيح مسلم-كتاب السلام-باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم]، كما رواه الإمام الترمذي في سننه عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الشؤم في ثلاثة في المرأة والمسكن والدابة) [سنن الترمذي-كتاب الأدب عن رسول الله- باب ما جاء في الشؤم]..
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والسكن " رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما..
وأخرج أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعا: " من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح , ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء"..
وفي رواية للحاكم : " ثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك .
والدابة تكون قطوفا، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك , والدار تكون ضيقة قليلة المرافق"..
فهذه بعض طرق الحديث كما وردت عن رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمشككون المغرضون يقولون في دعاواهم أن النبي يجعل المرأة مصدرا للشؤم وسببا له وقرينة له متجاهلين الطرق المتعددة التي ورد بها الحديث، ومجمل الطرق تزيل اللبس عن القارئ المنصف اللبيب..
فإنّ الحديث وردت فيه كلمة (الشؤم) وهي مصدر في اللغة العربية، ونفهم من الحديث أنّه إن كان يمكننا التشاؤم من شيء فمن المرأة أو الدابة أو الدار، ولا مجال لفهم الحديث على أنّه اعتبار لحصول التشاؤم مطلقا من المرأة والدابة والدار، فإنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تزوج النساء وروي أنه قال: (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وصحّ عن النبي أنه اتخذ دارا للسكنى وركب في سفره الدواب، وعليه فإنّ الادعاء بأن المراد من الحديث توكيد حصول التشاؤم مطلقا من المرأة والدار والدابة ادعاء مردود لغة وشرعا وعقلا تبطله طرق الحديث المتعددة، كرواية أحمد وابن حبان والحاكم عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم " من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء"..
وعلماء الإسلام –رحمهم الله- لم يفهموا الحديث الشريف (الشؤم في ثلاث.... )(14/206)
إلا على أنّه تخصيص لحصول التشاؤم من المرأة التي تحصل منها العداوة والفتنة، وإلا فالمرأة مكرمة مصونة في الإسلام أما وبنتا وأختا وزوجة؛ ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" [رواه أحمد] فالمرأة كالصلاة إيمان وطهر وهي كالطيب إنعاش وسكون نفس!، بل إن الإسلام يبشر من يعول جاريتين حتى تبلغا بالأجر العظيم والثواب الجزيل، لذا أدعو القارئ الكريم إلى التمعن فيما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) في معرض شرحه لحديث"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، حيث كتب الإمام العسقلاني ما نصه: (( قال الشيخ تقي الدين السبكي : في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي ابن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة ، لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها أو أن لها تأثيرا في ذلك ، وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ، ومن قال إنها سبب في ذلك فهو جاهل ، وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل،وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك ، فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها))ا.هـ.
فتى الفسطاط
==================
هل تستطيع المرأة أن تعيش بلا رجل ؟؟
هل تستطيع المرأة أن تعيش بلا رجل أم أنها يوما ما ستحتاجه ؟
مَنْ تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويفشو الزنا ، ويُشرب الخمر ، ويذهب الرجال ، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيّم واحد . رواه البخاري ومسلم
وفي الحديث الآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلُذْنَ به من قِلّةِ الرجال وكثرة النساء . رواه البخاري ومسلم أيضا . فهل من تلوذ به تستغني عنه ؟؟!!
فلا غنى للمرأة عن الرجل ، كما لا غنى للرجل عن المرأة ، فكل واحد منهما يكمل الآخر .
وصدق الله : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين )
وليس هذا في حق بني آدم فحسب ، بل في جميع المخلوقات ، ففي الجن كذلك ذكران وإناث ، وفي الطير والحشرات ، وفي الوحش ، وفي المخلوقات البحرية ، بل حتى في الأشجار ، فوجود زوجين اثنين للتكامل لا للتناحر !!
فالمرأة أما ، وأختا ، وزوجة ، وبنتا ، وجارة ، و...
والرجل أبا ، وأخا ، وزوجا ، وابنا ، وجارا ، و....
وصدق الحق سبحانه ( هن لباس لكم ) ، ( وأنتم لباس لهن ) .
فهل يستغني الإنسان عن لباسه ؟؟
حتى المجنون لا يستغني عن اللباس !! وكذا الصغير .
قال البغوي في معالم التنزيل في قوله تعالى : ( هن لباس لكم ) أي سكن لكم .
( وأنتم لباس لهن ) أي سكن لهن ، دليله قوله تعالى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) ، وقيل : لا يسكن شيء إلى شيء كسكون أحد الزوجين إلى الآخر . اهـ .
وقد قال الله تبارك وتعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .
أما ما يستدل به المخالف ، من أن بعض العلماء ترك الزواج وكذلك المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سألته عن حق الزوج فقالت له : لا أتزوج أبدا .
فهو يذكرني بما قيل لإمام أهل السنة الإمام أحمد – رحمه الله – حيث سئل عن الزواج ، فحثّ عليه ورغّب فيه ، فقال السائل : فإن إبراهيم بن أدهم لم يتزوج ؟
قال : أوّه ! وقعتَ في بنيّات الطريق .
قال بقيّة : جلست إلى إبراهيم بن أدهم فقلت : ألا تتزوج ؟ قال : ما تقول في رجل غر امرأة مسلمة وخدعها ؟ قلت : ما ينبغي هذا ، قال : فجعلت أثني عليه ، فقال : ألك عيال ؟ قلت : بلى ، قال : روعة تروعك عيالك أفضل مما أنا فيه .
وقال مرة : روعة من روعة عيالك أفضل مما أنا فيه .
لقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوّج الأنبياء من قبله .
قال الله عز وجل : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) .
فهذه سنة الأنبياء ولكل قاعدة شواذ – كما قيل – فليس الأصل عدم الزواج ، بل الأصل هو الزواج وطلب سكن النفس وزينة الحياة الدنيا ( البنين ) .
فالمرأة التي قالت : لا أتزوج أبدا . لم تكن هي النمط السائد في أي مجتمع ، بل هي حالة فردية وواقعة عين ليس لها عموم ، ومثل ذلك ما وقع لبعض العلماء العزاب .
غير أن الحكم للأعم الأغلب ، والأغلب – كما ذكرت – هو الزواج .
وأنا ذكرت أن المرأة تكون أما وزوجة وأختا وبنتا .
وكذلك الرجل بالنسبة للمرأة ، فلم أقصر الحديث على الزوجين فحسب .
وإن استغنى الرجل عن المرأة كزوجة فلن يستغني عنها أمّاً وأختا وبنتا .
وإن استغنت المرأة عن الرجل كزوج فلن تستغني عنه أباً وأخاً وابنا .
وإن استغنت عنه زوجا فهي تشعر بالنقص ، كما هو الحال بالنسبة للرجل .(14/207)
فلا غنى للرجل عن المرأة ، كما لا غنى للمرأة عن الرجل .
سؤال : متى تنال المرأة من الحقوق أكثر من الرجل ؟
سبب هذا السؤال :
أن هناك من أعداء الإسلام ممن شَرِقُوا بدين الله ، ومن أعداء المرأة من يتبجّحون بأن الإسلام هضم المرأة حقها ، وبأن المرأة في الإسلام ليس لها حقوق ...
إلى غير ذلك من الدعاوى والكلمات المتهافتة ( كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )
وأنتظر الإجابات ثم آتي بما عندي .
أما جواب السؤال المتقدم :
فإن المرأة قد تنال من الحقوق أكثر من الرجل في حالة كونها زوجة وأمّاً .
فمن ناحية تكون أمّاً ولها على أولادها حقوق ، وهي المقدمة على الأب في هذا المقام ، لأنها كما وصفها الله – وهو أصدق القائلين – : ( حملته كرها ووضعته كرها ) ولذا أوصى الله الإنسان بوالديه إحسانا ثم خص الأم بالوصية لهذا المعنى ، وهو أنها حملته كرها ووضعته كرها وأرضعته وأزالت عنه الأذى بيدها ... إلى غير ذلك مما هو معلوم .
وقد كانوا يعرفون حق الأمهات لما لهن من فضل عظيم على الأولاد .
فبينما رجل يطوف بأمه قد حملها على عنقه رفع رأسه إليها ، فقال : يا أمه تريني جزيتك ؟ وابن عمر قريب منه ، فقال : أي لكع ! لا والله ولا طلقة واحدة . أي من آلام الطلق والولادة .
وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . رواه البخاري ومسلم .
ثم إن المرأة التي كانت أما ، تكون غالبا زوجة من جهة أخرى فلها على زوجها حقوق ، فمن ذلك :
لما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذ طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ، ولا تقبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت . قال أبو داود : ولا تقبح أن تقول : قبحك الله . رواه أحمد وأبو داود ، وهو حديث صحيح .
وأعلن صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة ، فقال : ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . رواه مسلم .
فللمرأة على زوجها حق :
1 – النفقة ، ولو كانت ذات مال .
2 – السكنى ، فيوفر لها المسكن المناسب لمثلها حسب استطاعته .
3 – الكسوة ، فيكسوها إذا اكتسى ، مما يناسب مثلها في حدود استطاعته .
4 – العشرة بالمعروف ، ومن ذلك :
5 – عدم ضرب الوجه .
6 – عدم التلفظ بألفاظ سيئة على زوجته .
7 –
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
==================
باب المرأة في الإسلام
مطابقة التكليف الشرعي الإسلامي الفطرة البشرية تماما :
فتطابق هذا التكليف مع خلقة هذا الإنسان في كل مكان وزمان ، لهو أمر عجيب جدا لولا أن القرآن الذي هو أساس هذا الدين معجزة من الله تعالى . فالعادة جرت أن القوانين والأحكام الوضعية توضع من قبل هئيات كثيرة ومجالس تشريعية .. ولبلد واحد تقريبا ، أو دولا قليلة ولكن متشابهه من حيث الثقافة والدخل ...الخ. وهذا القانون لا يحقق الحق والعدالة أبدا . ذلك أنهم ما يلبثوا أن يكفروا به بعد مدة وجيزة . ويقولوا أنه عقيما ولا يحقق مصالح أولئك الناس ، أو ( عفى عليه الزمن )... ثم هو لا يتعرض لدقائق الامور ولا لحياة هؤلاء بعد وفاتهم أبدا .... وهو طبعا لا يختص إلا بفئات محددة من البشر ومواقع جغرافية محددة ...
ثم هو لا يطابق ما يخفى على الناس من مصالح أجسادهم .... وما يناسب خلقتهم
أما في الإسلام ، فالقانون هو حكم الله تعالى ، خالق هذا الإنسان في كل زمان ومكان . فالله تعالى علمنا بالوحي النازل على النبي صلى الله عليه وسلم ، أدق الامور المتعلقة بحياتنا كبشر ، كيف نأكل وكيف نشرب وكيف ... وكيف ... من أدق الامور إلى الامور المصيرية بنا كأفراد وكأمة معا ، وكثير من هذه الامور لا نعرف لها تعليلا مع أننا نعترف أن فيها الخير والصلاح لنا .. وكما دلت على ذلك كثير من المكتشفات العصرية في هذا الزمان ، والحمد لله ، ومع ذلك لا يعلم نهاية الخير من فعل هذه الامور إلا الله تعالى . وذلك أن هذا الشرع هو من خالق هذا الجسم الاعلم به ، تبارك وتعالى وله الحمد والمنة .
وهذا من أعظم أوجه الاعجاز في القرآن الكريم حيث المطابقة التامة بين التكليف والفطرة البشرية ، وهذه المطابقة لا تبلى عبر الزمان ولا تتلاشى بإختلاف المكان أبدا .....
أما القوانين الوضعية فتختلف من مكان لمكان ولو كانا قريبين ؟؟ ومن زمان لزمان ولو كان متقاربين ...(14/208)
فكيف لو عملنا مثلا بقوانين العصور الوسطى ؟؟ هذا ناهيك عن أن كثيرا من قوانين القرن الحادي والعشرين في أكثر البلدان تقدما لا تقل سوءا وجهلا وظلما عن قوانين العصور الوسطى !! فمثلا .. كيف بتلك القوانين التي تحترم الحيوان وتحافظ عليه وتدافع عنه وهم في نفس الوقت يحتقرون الإنسان الذي أكرمه الله تعالى ؟؟. فكيف بقوانين التسامح مع المجرمين مثلا ؟؟ أليس هذا التسامح مع المجرم إلا على حساب الأبرياء ؟؟ أنترك المجتمع ساحة تجربة لنعرف هل000000 المجرم غير سلوكه الاجرامي أم لا ؟؟ ..
ولنأخذ مثلا موضوع النساء ببعض التفصيل وحيث ، الحق أنها أصبحت ضحية للشهوات العابرة والاهواء الزائغة .. في هذا الاطار خاصة ، حيث يحاول الكثير من الغاوين من الجنسين إقناع المرأة على الانسلاخ من مطابقة الشرع لفطرتها ، والتنكر لما أمر به الذي خلقها أصلا وله الحمد والمنة .
فصل : المرأة في الإسلام
المقدمة
لقد كثر الكلام في هذا العصر عن المرأة وماهو وضعها في الإسلام . وأصبح الكثير يتكلم في الامر من عند نفسه ، مستهينا بأمر الله تعالى ، دون أن يكلف نفسه عناء الرجوع الى الحق وهو الكتاب والسنة. وما ذلك إلا لإستهانته بالحق . وأنه أراد أن يأكل به ثمنا بخسا. والمحزن أن من هؤلاء من ينسب نفسه أو ينسبه الناس زورا وبهتانا الى الإسلام وعلومه الشرعيه، مع أنه يتكلم من عند نفسه ولا يمت الى العلوم الشرعيه بصلة، إلا انه أحب أن يأكل بدينه ثمنا قليلا، فهو بدلا من أن يبحث عن رضى الله تعالى في فتاويه ، أصبح يبحث عن هوى نفسه ، وشهوته أو مقتضيات وظيفته ، نسأل الله العافيه ،.. فهو لا يرجع لا الى كتاب الله ولا الى سنة نبيه صلى ألله عليه وسلم . وهم لا يفتون إلا بما تقتضيه مناصبهم .. أو ما تشتهيه أعين أعين الناس وحتى يكبر في عيونهم .. نسأل الله العافية . وقد قال النبي صلى ألله عليه وسلم : أول ما تسعر النار في ثلاثة أحدهم " عالم " ولكنه تعلم ليقال عالم وقد قيل ..... والعياذ بالله .
المهم اني اردت أن أحذر أن هؤلاء لا ينقلون صورة ، ولا أية صورة عن الاحكام الشرعية الإسلامية ، ومن هذه الأمور "مكانة المرأة في الإسلام " فعلى العموم فإن صفات ومؤهلات العالم الذي ينبغي أن يرجع اليه مشروحة ومفصلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الصفات تقوى الله فقد قال تعالى " واتقوا الله ويعلمكم ا لله " 282 البقره. وقال تعالى : " أنما يخشى الله من عباده العلماء " 28 فاطر . وعن الذين يأمرون الناس بالمعروف وهم يمارسون المنكر قال تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) 44 البقرة .
والكثير من هؤلاء يحملون شهادات من جهات لا تقيم للشريعة وزنا أصلا . ومن كان كذلك فهو عدو للشريعة . فسبحان الله ، كيف أذن يعطي عدو الشريعة شهادات في الشريعة ؟؟ .
أما مثل هؤلاء الذين يطلق عليهم زورا وبهتانا (علماء) ، فهم يتكلمون أصلا من منطلق مناصبهم وما تقتضيه مصالحهم الشخصية ، وما تمليه شهواتهم من حب الحياة الدنيا وإثيارها على الحق . فهم بذلك آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، نسأل الله العافية .
وهم بذلك يدخلون في تحريف الكلم عن مواضعه ، ذلك أن القرآن محفوظ من الله ولا يمكن بحال تحريفه بذاته ، كما حرفت الكتب السابقة ، التي لم يشأ الله تعالى حفظها .. فيعمد أهل الضلال والزيغ إلى تحريف معانيه ... وتفسيره على وجوه تناسب الهوى والزيغ الذي في قلوبهم .. قال تعالى :
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب ) 7 آل عمران .(14/209)
فلهذا ارتأيت بكرم من الله وله الحمد والمنة ، ان أكتب هذا الموضوع عن وضع النساء في الإسلام ، وهو موضوع كسائر الاحكام الشرعية الإسلامية ، يمثل جانبا من اعجاز القرآن من حيث كمال موافقة التكليف الشرعي للفطرة البشرية ، وأنه في كل شيء، وفيما يتعلق بالمرأة هو الحق المبين ، قال تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) 42 فصلت . ذلك ان الشارع تبارك وتعالى هو الفاطر الخالق العليم الحكيم بخلقه سبحانه وتعالى. وحيث انه من أصول الإيمان ان الله تعالى لم يكلف العباد الا بما يستطيعون ، وهذا ثابت في الكتاب والسنة . قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) البقره ، وقال تبارك وتعالى (لا يكلف الله نفسا الا ما أتاها ) . فهو، تبارك وتعالى ، ما كلف المرأة بشيء إلا ضمن إستطاعتها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ). وكذلك ، ما كلف العباد الا بما فيه الخير والصلاح ومن ذلك ما يخص النساء فهم ان فعلوا ذلك اعزهم الله، وأن أبوا وأعرضوا أذلهم الله وعذبهم في الدنيا والاخره قال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) 124 طه. فالله أمرنا بأمور منها الصلاة والصوم وغض البصر والتستر والطهارة ولبس الملابس الشرعيه … وتجنب الربا سواء أكان عيانا أو مقنع كما هو منتشر هذه الايام والبعد عن البدع في الدين ..وعلى العموم ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كل هذه الامور متيسرة لمن اراد رضى الله تبارك وتعالى . فإن فعل الناس ما يقدرون عليه نصرهم الله ومكنهم من الذي لا يقدرون عليه منفردين مثل عزة الامة وتحسين المعيشة .. وهذا اصل ثابت في الشريعه .
وضع النساء في الجاهلية وفي المجتمعات الغير مسلمه
فقد بين الحق تبارك وتعالى وضع النساء في الجاهلية في بلاد العرب .وهذا يقاس عليه وضع النساء في كل مكان وزمان ،غير المنهج الحق الموحى من الله تعالى : الإسلام .
فقبل الإسلام ، فذلك اختصارا، كان وضعها ، يترواح من أعتبارها مجرد متاع يورث مع باقي الاشياء إلى وأدها وهي حية .
فالمشركون من العرب كانوا يحتقرون النساء لحد انهم كانوا يعمدون الى وأد بعض بناتهم خوفا من العار. قال تبارك وتعالى (وأذا النفوس زوجت *وأذا ألمؤودة سئلت *بأي ذنب قتلت ) ألآيات 9،8،7التكوير .
وكانوا يعتبرون البنات عيبا ومنقصة ، قال الحق تعالى ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) 59،58 النحل . هذا في بلاد العرب اختصارا …
أما عند الأمم الأخرى فالأمر يتراوح بين طقوس تحتم عليها أن تحرق اذا مات زوجها، كما عند الهندوس ، الى اعتبارها مكان الرجل كما في بلاد الشرق الاقصى حيث كانت النساءْ تتولى الحروب هناك . وهذا كله مرافق إلى إستخدامها للمتعة الشيطانية العابرة كالمتاع . … وإلى بلاد أخرى… لا تعتبر ذات روح …. إلى هذا الزمان في ظل الحضارة الغربية المادية حيث تعتبر رسميا مساوية للرجل ، وهذا ظلم لها لإن بنيتها تشهد بغير ذلك . وعمليا احتقارها جدا الى درجة استخدامها في الدعايات وقضاء الشهوات العابرة ومساواتها مع الرجل جسما وهو مخالف لتكوينها الجسمي . فالادعاء انها قادرة على تحمل المشاق. وكان هذا على حساب مهمتها الأصلية الموافقة لفطرتها من تربية الاطفال والمحافظة على البيت .. فالنتيجة هدم البيت وضاعت المرأة والرجل ، وهدمت الاسرة نسأل الله العافية الله .. وأصبح الإنسان الذي عبد المادة الناتجة من الالة الصناعية كالالة تماما … لا مشاعر إنسانية ولا صفات بشرية ….
الله تبارك وتعالى أكرم الإنسان (رجالا ونساء) وفضله على كثير من خلقه
فالمرأة من حيث الأصل تشترك مع الرجل ، والحمد لله رب العالمين في أن الله تعالى أكرمها ، فهي ابنة آدم عليه الصلاة والسلام ، بل كانت اول امرأة خلقها الحق تبارك وتعالى جزأ من آدم عليه السلام قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن أليها …)189 الاعراف , وهو الذي أكرمه الله تبارك وتعالى إكراما عظيما، فقد خلقه بيده وعلمه الاسماء كلها وأسجد له الملائكه، وأعطاه القدرة على ألتمييز والعقل وأستخلفه في الأرض وأمره وكلفه بأعظم وأشرف الامور وهو الحق المتمثل بعبادة الله جل وعلا عبادة تكليفية أختيارية اضافة للعبادة الكونية. فلا يعبد مخلوقا مثله . وانما يعبد الخالق المستحق حقا للعبادة. وكذلك جعل تبارك وتعالى الرسل من بني آدم . فهم للإنس والجن والحمد لله فقال تبارك وتعالى " يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" 1-سورة النساء .
وقال تبارك وتعالى ( واذ قال ربك للملائكة أني جاعل فى الأرض خليفه ..…) 30 البقره.(14/210)
وقال تبارك وتعالى (أذ قال ربك للملائكة أني خالق بشرا من طين*فأذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )71-72ص .
وقال تبارك وتعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)70 الاسراء.
واسكن آدم وزوجه الجنة قال تبارك وتعالى (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك ألجنة وكلا منهارغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه ألشجرة فتكونا من ألظالمين) 35البقرة . فهذه من الادلة على أكرام بني آدم رجالا ونساءا .
ومشيئة الله تعالى في إكرام الإنسان ، أمر قدري من ألله تبارك وتعالى، وهذا أمر يجري على جميع ألناس عند ولادتهم ….أي على الفطرة الأصلية ، والفطرة مطابقة للدين .
الحق: الإسلام … قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر ألناس لا يعلمون ) 30 -الروم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "يولد ألمولود على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه" متفق عليه واللفظ لمسلم (لفظ البخاري بدون "يمجسانه". فالإنسان دون أستثناء مكرم بخلقته سواء أكان رجلا أو أمرأه، طويل أو قصير، أسود أو أبيضأ و أصفر أو أحمر ، عربي أو أعجمي …ألخ .
الخلقة
أن الخلقة التي أعطاها الله تعالى لكل مخلوق ، هي أمر كوني قدري منه تبارك وتعالى. سواء من حيث نوع المخلوق أو جنسه أو لونه او طوله ......الخ او طريقة معيشته أو أية صفة أخرى وهو أحكم الحاكمين وهو أعلم بخلقه وهو على كل شيء قدير قال تبارك وتعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء أن ألله على كل شيء قدير) 45 النور. وقال تبارك وتعالى (ومن آياته خلق ألسماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم أذا يشاء قدير) 29 النور . والله تبارك وتعالى هو الذي أعطى كل كائن من هذه الكائنات فطرتها الأصليه التي بها تعيش .وقد أجاب موسى عليه السلام فرعون عندما سأله كما يقول ألحق تبارك وتعالى في محكم ألتنزيل (قال فمن ربكما ياموسى * قال ربنا ألذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) الايات 49،50 طه . فالله سبحانه خلق كل شيء وأعطاه فطرته التي أرادها له فلا يمكن لهذا المخلوق الخروج عنها أبدا . ومهما فعل في هذا ألاتجاه فلا يزيد نفسه الا عذابا وشقاءا وخساره، وبخصوص هذا الإنسان فأن الله فطره على عبادته تبارك وتعالى وهذا هو عين الحق وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان ألله قد خلق الخلق حنفاء فاجتالتهم الشياطيين ) فمن لم يرضى بخلقته فيشقى ويتعب ويضل،والعياذ بالله، وأضافة لذلك ينال سخط ألله ويكون مأواه ألجحيم كما وعد الله تبارك وتعالى،والله اعلم بخلقه وهو يعلم ان الله خلق السموات والأرض ومن فيهن
(أفمن يخلق كمن لا يخلق مالكم كيف تحكمون) سورة النحل . وهذا أحتجاج على خلق الله تبارك وتعالى وهو أحتجاج المخلوق على خلقته يعني أحتجاجه على حكم الله وارادته وهو بذلك والعياذ بالله يخاصم الحق تبارك وتعالىوهو أحكم ألحاكمين قال تعالى (أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين*وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم*قل يحيها ألذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)77-79يس …
ونذكر هنا ان الإنسان - رجلا كان أو إمرأة بصفاته الأصلية المفطور عليها وأولها اطاعة خالقه الله تعالى، وهو الدين .. وهو الإسلام الحق .. قال تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام … الاية ) 19 آل عمران -مخلوق على احسن تقويم أي في أحسن هيئة. قال تبارك وتعالى :( والتين والزيتون ،وطور سنين ، وهذا البلد ألامين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ،ثم رددناه اسفل سافلين ،الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون، فما يكذبك بعد بالدين اليس الله بأحكم الحاكمين ) سور التين .
والله تبارك وتعالى قد بين لنا كما في الايات أعلاه ، أن الإنسان ، رجلا كان أم إمرأة ، لا يمكن أن يكون سعيدا إلا بصفاته التي فطره الله عليها.
ونشير هنا كذلك ، إلى أن الله قد خلق المرأة، ضعيفة الجسم والنفس . خصوصا من حيث السيطرة عل0ى عواطفها عند الشدائد قال تعالى :
(أومن ينشؤ في ألحلية وهو في ألخصام غير مبين (18)وجعلوا ألملائكة الذين هم عباد الرحمن أناثا أشهدوا خلقهم ،ستكتب شهادتهم ويسئلون(19) الزخرف.
وفي هذا من الخير العظيم الذي لا يعلم نهايته إلا الله تعالى، وذلك حتى تناسب وتقبل برغبة على الامور المنزلية والاجتماعية من تربية الاطفال .....الخ.
فمن اقبح الامور، عدم رضى الإنسان على خلقته التي أرادها الله له ، ومن ذلك تشبه المرأة بالرجل والرجل بالمرأة مستحق للعنة الله تعالى …..فقد روى الامام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال :
( لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) البخاري حديث رقم 5885 . ورواه مسلم وأحمد أيضا .(14/211)
وبالمناسبة، وطالما أننا نتحدث عن خلق الله .. نذكر أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ ولدا أبدا كما تزعم اليهود والنصارى : قال تعالى ( وقالوا أتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبدا * ) الايات 88-93 مريم
وقد زين الله تعالى للذين لا يؤمنون به أعمالهم ، عقابا لهم على كفرهم وعنادهم وإصرارهم على المعاصي والجحود ، بحيث يدعون في كل زمان إلى أمور عجيبة مثل مساواة الرجال بالنساء ، وإلى قلب الخلقة البشرية والعياذ بالله .. فقال تعالى ( إن الذين لايؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون )27 النمل .
أسباب الخلق :عبادة الله تبارك وتعالى
ثم ان الإنسان،رجالا ونساء، قد خلق من أجل اسمى واشرف الغايات في هذا الوجود،وهو عبادة الخالق تارك وتعالى . فاطر هذا الكون وما فيه ، وهو القيوم عليه ، عبادته وحده لا شريك له، قال تبارك وتعالى: ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون * ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )56-57 الذاريات . وهذا يدل على أن هذا المخلوق مكرم عند الله. وعلى قدر هذه المهمة التي من أجلها خلق. ذلك أن هذه المهمة هي عبادة طوعية تكليفية كما ذكرنا . أما العبادة الكونية فهو يشترك مع باقي المخلوقات في العبودية لله تبارك وتعالى. ولكن تلك عبادة كونية قدريه أي لا يستطيع المخلوق الخروج عنها قال تبارك وتعالى (ولله يسجد من السماوات و الأرض طوعا و كرها وظلالهم بالغدو والآصال) 15 ألرعد
والمرأة(مثلها مثل الرجل ) ان ارتضت بذلك وأطاعت ربها ، وقامت بما كلفت به من أخلاص العبادة لله ، فأنها موعودة بالخلود بالجنة ورضوان الله ، وكل ما وعد به تبارك وتعالى . قال تعالى : (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز ألعظيم) 72سورة التوبه . وهو تبارك وتعالى لا يخلف ألميعاد ، قال تعالى (ربنا أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه أن ألله لا يخلف ألميعاد) 9-آلعمران . وهذه هي أعظم جائزة يمكن أن يحصل عليها الإنسان، وهذا النعيم يبدأ من ساعة وفاتها كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ان الإنسان اذا مات فهو(مستريح ومستراح منه ، قالوا يا رسول الله ما مستريح ومستراح منه ؟ قال المؤمن يستريح من عناء الدنيا . والفاجر يستريح منه كل شيء .. ) مسلم . فالمرأة أذن مخلوق مشرف مكرم . تماما في ذلك مثل ألرجل . لا فرق بينهما في ذلك، وهي موعودة بما هو موعود به . وبالمناسبة نذكر.. بفلسفات النظم الاجتماعية الدنيوية جميعا .. من حضارة غربية وغيرها .. هل تعد الإنسان بشيء فيما بعد القبر ..؟؟ وإن وعدت .. فهو كلام زائف غير صحيح لأنه مجرد ظنون وأوهام وتحريف ليس إلا….. أما الوعود في الإسلام فهي قائمة بالدليل القاطع : المعجزة الخالدة: القرآن … قال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جائهم من ربهم الهدى ) 23 النجم .
التكليف الشرعي الإسلامي
المرأة تماما مثلها مثل الرجل ، مكلفة شرعا بنفس الأحكام الشرعية من أركان الإسلام الخمسة . (مع وجود رخص خاصة بها بسبب خلقتها) مكلفة بجميع الأمور الأخرى وتجري عليها نفس العقوبات الدنيوية . وهي مكلفة تماما بعدم الاختلاط مع الرجال . و حيث يجعلها هذا الاختلاط رخيصة ويفقدها العفة والمنعة الأخلاقية. ومع فقدان هذه الأمور تصبح حياتها، وحياة الرجل كذلك قطعة من العذاب . إلى جانب فساد الرجل ... وفساد العلاقة الفطرية والميزان الاخلاقي في نفسيهما وبالتالي دمار هذا الإنسان .
وحيث أنها مكلفة فطرة وشرعا بتربية الاطفال الذين تنجبهم وبالمحافظة على البيت من الداخل. فالأصل العمل بقول الله تبارك وتعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) 33 ألاحزاب . فألاية تتحدث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ..فما بالك بأزواجنا نحن ..؟؟ فعلم من الاية أن الأفضل لها التزام بيتها . وأمرت المرأة بتجنب الابتذال والاثارة، فقال تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) 31 النور . وفي هذا المحافظة على عفتها وجاذبيتها واحترامها .(14/212)
ومن صميم عمل المرأة، المحافظة على البيت ورعاية الأطفال ، وبحيث يصبح هؤلاء الاطفال عامل ربط بين الزوج وزوجته فأن خرجت فقد ضاع الاطفال واصبحوا هم الاخرون عامل تدمير اضافي للمجتمع . فأين دعاة الانحلال من الجنسين من هذا ؟؟ وأين السعادة ألمزعومة ؟؟ وهل الحرية التي يقولون عنها ألا دمارا للمرأة والرجل معا ومن ثم للاسرة ومن بعد للامة قاطبة وللبشرية جمعاء …وهل نتيجة ذلك الا الشقاء والخوف … والعذاب في الدنيا والاخرة ؟؟ أن الإسلام هو الحل الالهي لهموم الإنسان فان أطاع الله فاز بخيري الدنيا والاخرة …… وطالما نحن نتحدث عن الابتذال فأريد أن أذكر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ,وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا … ) مسلم في الفتن : وحول المجاهرة بالعري وغيره من المعاصي فقد قال عليه الصلاة والسلام " كل أمتي يدخل الجنة إلا المجاهرون …" نسأل الله العافيه… . ونذكر كذلك أن الوعيد بالعذاب واقع على المرأة ووليها .. إن علم بالمنكر …. وللمرأة أللا تطيع مثل هذا الوليي ان امرها بالمعاصي ومنها الملابس الملابس الفاضحة .........فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وحيث ان الامر خطير للغاية فالعاقبة هي الخلود في الجنة او في ألنار قال تبارك …. والله المستعان .
ففي الامتثال لاوامر الله تعالى السعادة للانسان وليس العكس …..
ثم هل الدعوات للانحلال الا مستوردة من الامم المشركة ؟ فترك المسلم لدينه وعقيدة القائمة على الحق المطلق وهو المعجزة الربانية:- القرآن واتباع اهل الشرك الا الارتداد عن الإسلام …؟؟ وبالتالي الخسارة كل الخسارة في الدارين ..؟؟؟ نسأل الله العافيه وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، قالوا النصارى واليهود قال فمن ؟؟) متفق عليه .
ودعنا نعتبر لما حدث في بلاد الشرك كنتيجة لهذه الممارسات المسماه حرية ومساواه وغير ذلك : ان هذا انحلال قد أدى الى تدمير الأسرة ومن ثم المجتمع نهائيا حتى ان بعض الامم ألمشركة اصبحت تخشى على نفسها من الانقراض . فليس سرا أن الإسلام يبكى عليه دموعا حاليا في الغرب وحيث تسود الدعوات الشيطانية ألمدمرة من كل نوع (والعقلاء ) محكومين بشهوات الرياسة . ولكن كما قال الله تبارك وتعالى (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من اولياء* يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون)20هود . فالسمع هنا معناه الاستجابة فما كانوا يستطيعون الاستجابة من شدة اتباع الهوى والشهوات او الحسد أو الكبر .. فكيف يتبعون امرا جاء به المسلمون المتخلفون ؟؟ . ولو كان هذا هو الحق … تماما كما قال قوم فرعون لعنةالله عليهم عندما جاءهم موسى وهارون بالحق ( فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) 47 المؤمنون .(14/213)
أن هذه الدعوات الشيطانية بالرغم من أن لها آثارا تدميرية على المجتمع والبشرية عموما. وخصوصا في هذا الزمان ، حيث وسائل الاتصال والبث المسموع والمرئي لم يسبق لها مثيل، الا اننا نجد الساسة ومراكز النفوذ في الدوائر الحاكمة المسيطرة على مقدرات الامم اقتصاديا وسياسيا يؤيدون هذه الدعوات التخريبية تحت شعارات براقة هم أول من ينقضها مثل المساواة بين الرجل والمرأة والحريات بجميع انواعها الجنسية والشاذة والممارسات التي يتأفف الحيوان عنها … ليس لشىء الا لاشباع انانيتهم وشهوتهم للرئاسة والمال وهم يعلمون تمام العلم انها دعوات هدامة تخريبية مريبة. وهذا ما تقوله مراكز الدراسات لديهم لقد اصبح مثل هؤلاء الساسة اسرى الحصول على الصوت الانتخابي فقط، فهم يؤيدون الدعوات المذكورة للحصول على اصوات حتى الشواذ . وأصبح لاصحاب الممارسات الشاذة احزاب وتجمعات ضغط لتحصيل مصالحهم والاعتراف بهم ونشر شذوذهم -والضغط مقابل اصواتهم- مع أنهم حقا يحملون بذور تدمير المجتمع نهائيا الذي من شأنه قلب الميزان البشري الذي هو على فطرة ألخالق تبارك وتعالى. إن ممارسات هؤلاء تنزل بالإنسان عن فطرته الأصلية القائمة على البراءة ليصبح شر من البهائم والعياذ بالله … وقد اصبح لتلك الممارسات المقيتة اثارا صحية قاتله عقابا على افعالهم الرديئة التي هي وصمة عار في جبين الإنسان ومع ذلك فالبعض يسميها " تقدما وحضاره". فالجميع عليه أن يحذر .. والحمد لله القائل (و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه ، واعلموا أن الله شديد العقاب ) 25الانفال - وكنتيجة للاعراض عن ذكر ألله تبارك وتعالى وللافراط في الانانية والاستكبار كما ذكرنا آنفا فقد اصبح للشواذ نساء و رجال هيئات وجماعات (محترمة) ممثلة في البرلمانات ومجالس الحكم الاخرى . بسبب التهافت في الحضارة العصرية على المادة من قبل الفئات الحاكمة وأنانيتها وخطب ود أي (شيء) له صوت انتخابي لتحقيق انانيتهم وحبهم للظهور في هذه الدنيا وزخرفها الفاني والصبح تحقيقا ان الفئات العامة التي لا تعقل وراء الشهوة شيئا هي التي تتحكم بأولياء أمور الناس في الحياة العصرية الديمقراطيه فحقيقة هذا النظام انه يجعل ألحاكم الذي يفترض ان يكون دارسا فاهما لامور الحياة الدنيا(نذكر أن الفلسفة الديمقراطية الغربية لا تقيم وزنا للاخرة أو الجانب الروحي للانسان!!) عالما بتحقيق مصالح شعبه رهينة لذلك العامي الجاهل الغارق في الشهوات، واصبح ذلك الحاكم العالم ببواطن أمور شعبة وحقيقة اموره لا ينصح لشعبه بل يغشهم ويقرهم على كثير من ممارساتهم بل وأحيانا كثيرة يكون أولئك مشاركين في تلك التصرفات التي سوف تؤدي بشعبه الى الهاوية والمحق الكامل، وحتى اصبحنا نقرأ عن انغماس بعضهم في تصرفات مقرفة شاذة نتحرج من ذكرها ويندى لها الجبين نسأل الله العافيه .. وهذا يشبه ال حد بعيد ما ذكر الله تبارك وتعالى عن قوم لوط وما كانوا يفعلون حتى ان الله عاقبهم عقابا شديدا وحيث انهم مثل هؤلاء المعاصرين يقولون عن اهل الالتزام بالإسلام الذين يدعونهم الى الفضيلة أنهم قوم متخلفون متشددون بل انهم يعيرون المسلمين الملتزمين بالإسلام بأنهم "يتطهرون" وهم بذلك اشبه ما يكونوا بقوم لوط عليه السلام قال تبارك وتعالى : (ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين،أنكم لتأتون ألرجال شهوة من دون ألنساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه الا ان قالوا أخرجوهم من قريتكم أنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله الا أمرأته كانت من ألغابرين ،وأمطرنا عليهم مطرافأنظر كيف كانت عاقبة المجرمين )80-84 الاعراف .
فهذه دعوة للنجاة لكل واحد من بني آدم .. ليعلم الخير الذي انزله الله تبارك وتعالى بالإسلام .. النجاة .. النجاة … في الدنيا والاخرة . الخير الذي انزله الله للبشرية والاحكام ألشرعية الرادعة للبغاة الفجرة من رجم الزناة وقتل القتلة …ألخ فأن في هذا صلاح للأنسانية وردع للشواذ والعياذ بالله وكما اخبر الحق تبارك وتعالى : (ولكم في القصاص حياة ياأولى ألالباب لعلكم تتقون" البقرة 179 – وقال تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) 3 المائده وقال تعالى (وما أرسلناك ألا رحمة للعالمين ) 107 ألانبياء وهذا كما ذكرنا مرارا وتكرارا شيء بسيط جدا مع ما أعد الله للمؤمنين من ألنعيم في الاخرة .(راجع خاتمة هذا الموضوع والخاتمة العامة للكتاب).
إن سفينة النجاة هي الإسلام والحمد لله .فاتباع اوامر الله والاقتداء بالصحابة ، المهاجريين والانصار في اتباعهم للحق ،ألكتاب والسنة ،هو الصلاح والمصلحة وهو الخير الذي لا ينضب لا في دنيا ولا في آخرة (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بأحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) 100 –التوبه .(14/214)
الرجال قوامون على النساء
وقضى الله تعالى ، كما أخبرنا في هذا الميثاق الذي أنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم أن الرجال قوامون على النساء ، قال تبارك وتعالى : (ألرجال قوامون على النساء بما فضل ألله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ ألله واللآتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أن الله كان عليا كبيرا)34 ألنساء.
فالخالق تبارك وتعالى قد جعل الرجال قوامون على النساء بصفات قدرية ثابته بما فضلهم عليهن من التكوين الجسمي الفطري وبما يكسب بجسمه من الرزق … ألخ.
وقد يقول بعض الناس إن المرأة في هذا الزمان تعمل وتكسب مثلها مثل الرجل . فهذا يرد عليه بأمرين : أولهما : أن التكوين الجسمي ثابت وهذا تفضيل ثابت . وثانيهما : أن المرأة تكسب الرزق هذه الايام بطرق حرام أي بمعصية الله تعالى . إلا من رحم ربي . للإختلاط في العمل وغير ذلك كثير . بل الأصل أن تقر المرأة في بيتها . وهذا قضاء قضاه الله ، لا ينبغي للمسلم حياله إلا أن يقول : ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)، فالصالحات يطعن ربهن تبارك وتعالى ويقنتن له سبحانه وتعالى ويبتغين ما وعد الله تعالى في الغيب من الجنة للمؤمنين ويخفن من النار ألموعود بها الفجرة الكفرة . ويرضين بأن هذا هو احسن ما يكون لهن وللانسان عامة. وهؤلاء لا يجوز الا احترامهن والمحافظة عليهن وأعطائهن حقوقهن المنصوص عليها شرعا.
وقد شاء الحق أن يكون هذا الإنسان مكون من جزأين وأن يكون أحد هذين الجزئين خاضعا للآخر ومستكينا له وتابعا له . وذلك مضبوط بضوابط مثبتة منه تبارك وتعالى بمعجزة ربانية ثابتة وهي القرآن الكريم . فالجميع ملزم ومطالب ومحاسب بما أمره ألله فيه وما هو مشروح في السنة ألنبويه وهو مثاب عليه يوم القيامة .. فمن قبل بالمعجزة قلبا وقالبا بقي على الائيمان وهو الفطرة الأصلية ومن اراد خلاف هذا خاب وخسر نسأل الله العافية ..
ومما أنزل الله في هذا الوحي أن للرجل الصالح ان يعظها ويهجرها وذلك أولا للنص الشرعي من الله تبارك وتعالى كما في الاية أعلاه . فالنشوز معناه الضياع لها والهيمان وسوف تفسد نفسها وغيرها لانها ستكون صيد لكثير من الفجرة . وقد تستمرأ ذلك وتصبح فاجرة مثلهم وطبعا ستفقد الطمأنينة والسكن التي تتوفر لها بالاسرة (وهذا ما هو حادث حاليا في المجتمعات الغير مسلمه – والعياذ بالله) . وفي نفس الوقت يؤدي ذلك الى الاضرار بالمجتمع وبالتالي تخسر الدنيا والاخرة. أضافة الى انفلات كثير من اللواتي سيقلدنها ….. فما هو الافضل إذن ؟؟ ان تهجر الناشز وتضرب ضربا غير مبرح .. وتصلح هي وغيرها ام كل هذه المفاسد للمجتمع كاملا ..؟ هذا طبعا بعد الأصل العام الثابت وهو أن هذا الضرب هو بأمر خالقها الارحم بها . قال تبارك وتعالى (أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ….ألايه) 3- المائده والايات والاحاديث التي تدل على ان الله ما شرع لنا الا ما فيه ألخير لنا كثيرة جدا وألحمد لله .
وكما ذكرنا اعلاه فهذا التفضيل امر كوني من الله تبارك وتعالى وهو واضح جلي من طبيعة كل منهما فالرجل اقوى جسما وعقلا وكذلك اشد صبرا وجلدا وهو مفطور على العمل والامور الجدية و مثل الضرب في الأرض طلبا لما رزقه الله تعالى، وامور الحرب والحكم وما اشبه ذلك بينما المرأة بين من خلقتها أنها مختلفة حيث تلد وتحيض وتربي الاولاد وذات عاطفة قوية، وناعمة وذات فتنة وجاذبية للرجل..وتحب الامور الجمالية، فهي لا تملك نفسها في الامور الجدية مثل الخصومات قال تبارك وتعالى (او من ينشا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) 18 الزخرف . ونقصان العقل ثابت من الخالق العليم تبارك وتعالى ، (والعقل كما قال أهل العلم هو القوة التي يعقل بها ) وهذا ألتعريف منقول عن شيخ الإسلام) فاخبر تبارك وتعالى ان شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل كما ذكر الحق في آية الدين من سورة البقرة قال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فأن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان مما ترضون من ألشهداء أن تضل أحداهما فتذكر أحداهما ألاخرى .). الاية 282 البقرة . وليس كما يظن البعض ان نقصان العقل هو في ألمقدرة على الحفظ خاصة وانما هو ولذلك قال النبي صلى ألله عليه وسلم (ما افلح قوم ولو أمرهم أمرأه) - - والنبي صلى الله عليه وسلم قد أحتج بالنص القرآني على نقصان الدين أي التكليف الشرعي حيث تتوقف بسبب الحيض عن الصلاة ولا تقضيها وعن الصوم وتقضيه، وقد سؤلت السيدة عائشه رضوان الله عليها من أمرأة ، قالت مابال المرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، فقالت أحرورية أنت؟؟ قد كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نقضي الصلاه . ....) أي احتجت أم المؤمنين رضوان الله عليها بما كان يأممر به النبي صلى الله عليه وسلم …(14/215)
فهل يستطيع دعاة المساواة تبديل الصفات الخلقية وتوزيعها بين ألرجل والمرأة بالتساوي ... ؟؟ . تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .....
فالخلق صفة لله تبارك وتعالى .. وحده لا شريك له .. قال تعالى :
: (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) ( 17 النحل )
وقال تعالى : ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) 20 النحل .
ولو سألتهم لقالوا : لا ليس هذا الذي نريد .... بل هم على كل حال – والعياذ بالله – يستدركون على قالهم ويصححون له . نسأل الله العافية .
تعدد الزوجات
قال تعالى (وأن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك ادنى الا تعولوا ) 3 ألنساء .
وقد تضمن الإسلام اباحة تعدد الزوجات للرجل الواحد الى اربعة زوجات،وطبعا هذا ممكن من حيث خلقة كل منهما طالما أنه حكم الله الخالق تبارك وتعالى وهو أعلم بما خلق، ومن قال خلاف هذا فأنه نصب نفسه أعلم من خالقه – والعياذ بالله . وهو بذلك قد جنح الى دركات سفلى من الباطل والكفر بالله العظيم ومن ألموعودين بالعذاب بنار جهنم والعياذ بالله..، فالكفر كل الكفر ان يستدرك المخلوق على الخالق فيقول، والعياذ بالله، ان هذا لا يصلح،أوهذا يصلح ….
ثم أن هذا الامر طالما انه حكم الله فلا بد ان يكون فيه من الخير ما لا يوصف ابدا لكل زمان ومكان حيث ان الحق سبحانه لم يشرع لنا الا ما فيه الخير الراجح والمصلحة الاكيده وكما بينا في هذا البحث. ومن حيث الرأي العقلي فأن العمل بتعدد الزوجات وانتشاره يوجد الاحترام الشديد للمرأة . وذلك بالطلب الشديد عليها. فأي إمرأة تستطيع أن تتوقع مجيء من يخطبها بسرعة ولو كان متزوج وهي بذلك تصبح محترمة وصاحبة أولاد وأسرة ولها عائلة ويتحقق لها السكن والطمأنينة التي جعل الله تعالى للزوج والزوجة معا، ولو كان متزوج ، و تصبح محترمة وصاحبة أولاد وأسرة… فمن افضل- بالله عليكم ، هذا أم تبقى هائمة على وجهها رخيصة مبتذلة . وبذلك اضاعت دنياها وآخرتها ، وأصبحت متاعا للشهوة السريعة ؟؟ … وتبرز فوائد التعدد بشدة في احوال ارتفاع اعداد النساء مقابل الرجال كما هو في المستقبل من الايام حيث اخبر النبي صلى الله عليه وسلم (ان من اشراط الساعة ان يرفع العلم ويفشو الجهل ويكثر الزنا ويشرب الخمر ويقل الرجال وكثر النساء حتى يعود للقيم الواحد خمسين أمرأة يذدن به ) البخاري – كتاب الفتن .. نسال الله العافية . ف!
ماذا فعلت التشريعات التي منعت تعدد الزوجات أو جعلت الامر صعبا للغاية ؟؟ .
ومن الذين أوجدوا تشريعات صعبوا بها تعدد الزوجات ، من يحتج بالاية الكريمة (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) 3 النساء .
فهم بذلك قد أخطؤوا خطأ فادحا : وذلك :
أولا : إن العدل المطلوب بين أزواج الرجل الواحد ، ليس في جميع الأمور مهما كانت دقيقة ولا في الشعور القلبي وما شابه ذلك . ذلك أن هذه نوازع ربما لا يستطيع أحد من الناس العدل فيها . وإنما المطلوب هو عدم الاجحاف والميل حتى يبلغ الامر درجة الظلم ... وذلك بأن يدع الرجل زوجته لا معلقة ولا مطلقة !! فقال تعالى:
(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) 129 النساء.
وبخصوص العدل . قال النبي صلى الله عليه وسلم .( أللهم هذا فيما أملك فلا تآخذني فيما تملك ولا أملك ). وهذا النبي صلى الله عليه وسلم . الذي ما أرسل إلا رحمة للعالمين .
فالمنهي عنه ليس الذي لا يستطيع الإنسان ضبطه وإقامته . بل الاجحاف في الحقوق المادية من كل نوع ، سواء أكان عنده زوجة واحدة أو أربعة زوجات ... فمن فعل ذلك فهو آثم .. وخصوصا أن يذر امرأته كالمعلقة كما أشرنا أعلاه.
ثانيا : هذا أمر تكليفي شخصي واقع على الرجل المسلم .. والله تبارك وتعالى لم يقننه أو يجعله مشروطا من جهة التنفيذ ، فتعدد الزوجات مباح للمسلم وهو مسؤول عنه أما خالقه تبارك وتعالى ..فمن هذا الذي يستدرك عليه ، ويضع شروطا تعجيزية على أمرالله تبارك وتعالى ....؟؟. وقد سارت الامة عليه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى يومنا الحاضر ، وكانت المرأة محترمة في جميع الازمان أكثر من هذا الزمان ، ولم تكن العوانس بهذا العدد أبدا ولا قريبا منه ... ولم تكن الفاحشة منتشرة مثل هذا الزمان نسأل الله العافية .
أما ما كان يحدث ، من الظلم فهذا مرده إلى تصرفات الناس ... وشذوذ الفرق الضالة المنشقة علن الإسلام مثل الرافضة حيث يباح عندهم زواج المتعة .. وهو جرح شديد لكرامة المرأة ...ولا يصلح لكل زمان أبدا .. ولذل أبيح هو لفترة محددة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ .(14/216)
ثالثا : أن كثيرا من الدول التي يقتدي بها أدعياء النفور من التعدد ويقولون أنه أمر ليس بحضاري والعياذ بالله من قولهم ، يطبق فيها ، قانونا ويمارس ، أمورا لا يمكن تخيلها أبدا . وفيها من الاشمئزاز والقرف ما لا يوصف مثل أن يتزوج رجلا رجلا آخر أو إمرأة امرأة أخرى والعياذ بالله . وحتى الكلاب والحمير والبهائم تتأفف عن أفعالهم الشنيعة والعياذ بالله ... فالحمد لله ثم الحمد لله على نعمة الإسلام ... ..
وقد يقول قائل أن مثل هذه الممارسات موجود في كل المجتمعات قديما وحاضرا ، كما هو قوم لوط . فهذا نقول له : أنه في هذه الدول هذه الممارسات والزيجات المقرفة الملعونة إنما تمارس وتحمى ويدافع عنها بقوانين مصادق عليها من قبل أغلبية ممثلي الشعب واللجان الحكيمة ومجالس الشيوخ وغير ذلك نسأل الله العافية والعفو ....
وقد سمعت من بعض الأصحاب ، أن استفتاء قد جرى في مجتمع غير مسلم … يشتهر بارتفاع عدد النساء جدا مقابل الرجال ، حول تعدد الزوجات فكانت الاجابات أنهن يفضلن أن يكن الزوجة رقم (10) على العنوسة !!. والله أعلم .
فالذين تجرأوا على حكم الله تعالى بتعدد الزوجات قد أخطأوا خطأ عظيما . أولا بإعتراضهم على حكم الله وزعمهم أنه يصلح لزمان دون زمان . وكذلك بحق المرأة فعذبوها عذابا شديدا .. وذلك بإغلاق سبل الزواج أمامها. ومنعوها بالتالي من تحصيل السكن والطمأنينة التي جعلها الله لها في بيت الزوجية كما أشرنا أعلاه . وكانت النتيجة ، هذه الارقام المفزعة في العنوسة في المجتمعات الإسلامية ....
ومهما كانت الاسباب التي تمنع الشاب الاعزب من الزواج ، سواء لعدم توفر الباءة أو لاستهتار هذا الشاب !! وانحرافه .. فما ذنب الفتاه ..؟؟ اتنتظره حتى يصبح معه مالا ... أو يصبح صالحا مثلا ؟؟ والله أباح لها إن تقدم لها مسلم صالح ومعه الباءة أن تتزوجه ولو كان متزوج ... طالما أن هذا موافق للشريعة ومما أباحه الله تبارك وتعالى . فمن كان يحب المرأة كنصف المجتمع ويحب لها السعادة فليشجع على تعدد الزوجات .
ثم إن من أعظم اسباب العزوف عن الزواج . هو الاختلاط والاباحية المنتشرة هذه الايام . ولئن للإنسان شهوات وغرائز تجاه الجنس الآخر . والله تعالى جعل تحقيق هذه الغرائز بالزواج . ونهي عن الاختلاط والاباحية، وهي الطريق للفاحشة واتخاذها كوسائل لتفريغ هذه الغرائز ، والعياذ بالله وذكر أنها من أسباب دمار هذا الإنسان ، وأنه بالتالي سيخسر الدنيا والآخرة معا .
الحكم العام والخاص بيد الرجل
فرض الشارع تبارك وتعالى أن قيادة الامة والامارات الفرعية هي حصر على الرجل لا غير وهذا مفهوم من قوله تبارك وتعالى (الرجال قوامون على ألنساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) البقرة. ومن عموم نصوص الكتاب والسنة وقد قال صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ( ما أفلح قوم ولو أمرهم أمرأه) رواه البخاري _
فنحن نؤمن بهذا والحمد لله أولا لانه خبر الرسول الذي لا ينطق عن الهوى .–ولو قال اصحاب الشهوات - انظر الى الامة المتحضرة الفلانية اليس ملكتها امرأة او رئيسة وزرائها ..او ولى الامر فيها .. فالرد عليه أن الفلاح ليس ما تنظر اليه من امر هذه الدنيا فحسب . وانه حتى على مستوى هذه الدنيا فليس ضروريا أن يظهر فورا عدم الفلاح هذا،والحقيقة انهم لم يفلحوا الا اذا اعتبرنا مجرد الاكل والشرب والتمتع بالملذات العابرة هو الفلاح أي تماما على قاعدة ان الإنسان يعيش ليأكل وليس يأكل ليعيش ..وهذه هي الخسارة بحد ذاتها حيث ان ذلك هو رد الإنسان عن انسانيته وجعله تماما مثل الحيوان والعياذ بالله هذا اضافة الى الحقيقة الدامغة وهو ان هذا المتعة زائلة سريعة … فكل انسان لا بد ان يواجه حقيقة الموت … الرحيل من هذه الدنيا …. وهناك يوم حساب .. فمن فاز به فقد فاز وأفلح حقا ، ومن خسر، والعياذ بالله فقد خسر .. قال تعالى ) قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ) 15 الزمر . فأخي المسلم … أختي المسلمة … لا يتزعزع أيمانكما ويقينكما بالاقاويل الفارغة .. فنحن أنشاء الله أهل الفلاح والفوز وليس غيرنا ….
فالفلاح الحقيقي هو معرفة الإنسان خالقه وخالق الكون سبحانه وتعالى وما فيه والاستجابة لأمره وهو عبادته وتوحيده وبالتالي الفوز برضاه تبارك وتعالى والخلود في الجنة …..
وهذا ليس مجرد ظنا بل هو الحق المبين المثبت بالمعجزة الربانيه فإن ما قال النبى صلى الله عليه وسلم هو الحق لانه (لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ). النجم(14/217)
وكذلك فأن الرجل هو المسؤول من حيث الخلقة والتكليف الشرعي معا عن الاعمال الشاقة مثل الحروب والبناء والمناجم والنقل والسفر … الخ وهذه اعمال يتعرضون فيها للموت خاصة الحروب وبالتالي يقل عدد الرجال عن النساء فلا بد من حل مشكلتهن، وهذا الحل ضرورة ملحة للابقاء على النوع الإنساني فما الحل ... أن الله تبارك وتعالى قد أوجد لنا الحل وهو تعدد ألزوجات كما ذكرنا آنفا ...
وكما ذكرنا في المقدمة أن لعلماء السوء المرتع الخصب في هذا الباب خصوصا في هذا الزمان فضلوا وأضلوا ….
فالذي يريد ألحق فالحق باقي الى يوم القيامة، والمؤمن ليس وحيدا في كل زمان فهناك قوم على الحق ثابتون فلنكن منهم إنشاء ، فعن ثوبان ان النبي صلى ألله عليه وسلم قال ( أخشى ما أخشى على أمتي ألائمة ألمضلين وأذا وضع السيف في أمتي فلا يرفع عنهم إلى يوم القيامة ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) ذكره الذهبي بسند صحيح في سير أعلام النبلاء ، وهو حديث ثابت /.فلا حتى أصبح هؤلاء يحرف معاني نصوص الدين ليوافق اهل الفجور اينما ذهبوا في ألتفنن بالفسوق والفواحش …. فعندهم الفتاوي جاهزة على كل المقاسات، ولكن لا يتبع هؤلاء الا من استهان بدينه ولا يتبع الا هواه والعياذ بالله فاصبح هؤلاء يحلون ويجوزون كل شي مثل العري والانفلات وأن تعمل المرأة كما تشاء. أما اهل العلم الحقيقيين فهم الذين يردون الناس الى الدين الموجود في الدليل ألشرعي من الكتاب والسنة الذي به ينال الإنسان رضى الله ويدخل الجنة وكما قال ألله تبارك وتعالى في قصة قارون حيث قال اهل العلم ناصحين للذين فتنوا بقارون وماله (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون)…القصص 80
فعن حذيفة ،قال النبي صلى الله عليه وسلم (…. فلت يا رسول الله فهل بعد ذلك الخير شر ؟ قال نعم . دعاه على أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها ) قطعة من حديث حذيفة المتفق عليه . فهذا يدل على أن من أستفتى أحدا يرى أنه ليس أهلا للفتوى وأنه-أي المستفتى ، لا يخشى الله، فأنه أي المستفتي- لا يكون بريئا امام الله تعالى وإنما يقذف في جهنم والعياذ بالله… ….
وفي طريق للحديث عند الامام مسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ، عن هؤلاء الدعاة : " لهم قلوب الشياطين في جثمان الانس " نسأل الله العافية …
ومثل هؤلاء فإنما يغشون الناس لانه أما : *أفتى بغير علم ( هذا أن لم يكن أهلا للافتاء فمعناه بما عرف الله في شريعته العلماء من العلم والحفظ والتقوى والعمل بما يعلم ).....أو الكذب على النبي صلى ألله عليه وسلم (قال صلى ألله عليه وسلم من كذب علي عامدا متعمدا فليتبؤ مقعده من ألنار ). متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم( يؤتي بالرجل فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى , فيجتمع عليه اهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن ألمنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) متفق عليه . وكما قلت أعلاه فمن صدق هؤلاء واتبعهم فأنما يتبعهم الى الجحيم لانه اصلا ما انخدع بهم الا لانه عديم التقوى مثلهم ، هذا إن لم يكن جاهلا يعذر به ، والله أعلم بما في الصدور ، قال الله تعالى عن سبب اتباع قوم فرعون لفرعون (فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين)54 الزخرف. وبالمناسبة فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ان هذا هو تحريف الكلم عن مواضعه كما فعلت اليهود الا ان القران محفوظ من الله فيعمد هؤلاء الى تحريف معناه نسأل الله العافيه، فالأركان اصلا ليست بحاجة الى علم والتعري معروف معلوم لكل من كان عنده أئيمان بالله واليوم الاخر انه من افحش واقبح الامور واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ألكاسيات العاريات مثلا معروفة مشهورة
فمثلا فقط لا حصرا هناك من يقول بجواز اختلاط الرجال بالنساء ومن الامور الراسخة في الشرع عدم الاختلاط. قال تعالى عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (واذا سألتموهن متاعا فسالوهن من وراء حجاب ) الاحزاب .فكيف بباقي النساء …. ؟؟
وثابت ان من اهل النار والعياذ بالله الكاسيات العاريات وهناك من يغش الناس فيقول غير ذلك، عن هذا الموضوع …
وهناك من يقول بجواز السلام على الاجنبيه …. وبدعوى ..للاسف حديث النبي صلى الله عليه وسلم " أنما الاعمال بالنيات " بينما الحق ان المعصية لا تحتاج لنية ابدا ا فطالما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مصافحة ألأجنبية حرام فهو أثم بغض النظر عن النية .. تماما مثل الزنا أو شرب الخمر ..فهل هذه المعاصي ..حسب النيية أيضا ..؟؟.
ثم هناك سؤال لماذا لا تنطلي أكاذيب هؤلاء على اهل الصلاة في المسجد والاسر الملتزمة بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم . ؟؟ للأن هؤلاء يريدون الحق والحمد لله .(14/218)
فالمسألة مسألة قلب وطاعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل امتي يدخل ألجنة الا من أبي قيل ومن يأبى يا رسول الله قال من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
ومن هؤلاء ( الدعاه ) من نسمع ان له مجالس ضخمة فيها اختلاط بين الرجال والنساء لابسات من شتى أنواع الملابس الغير الفاضحة …، فنسأل نحن السؤال التالي إلى ماذا يدعو هذا ( الداعية ) ؟؟ أليس الى غض البصر والفضائل الاخرى التي أمر الله بها ؟؟ فلماذا ينظر هو ... ؟؟ هل هو مستثنى من الحكم الشرعي ..؟؟.
ثم ألم يدعو النبي صلى الله عليه وسلم من هم أشد قسوة وعنادا من هؤلاء ، فهل تنازل عن شيء من دينه ؟؟ لا والله وحاشى لله …..، ثم طالما هو ثابت أن الاختلاط بين الرجال والنساء هو محل الفتن ، وهو محرم ، وهو مرتع خصب للفاحشة .. فكيف تكون هذه البيئة مجالس للدعوة ...؟؟.
ثم لماذا لا يأمر هؤلاء "الدعاة" بوضع مجرد ستارة بين الرجال والنساء ؟؟
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دعى من هو اشد من هؤلاء . فهل تنازل عن شيء من دينه ..؟ وقد روي عن السيدة عائشة مثلا ( ما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في يد أمرأة تحل له ) -ثم اليس هؤلاء من بلد اسلامي ويعشن في مجتمع اسلامي ... فالدين ..وطرق الدعوة االشرعية اليه ، اذن معروفة لهن ......
ويدعي البعض ان هناك مصالح مثل اهتداء بعض النساء ... فلو كان هذا الكلام صحيحا، فليس على هذا يقاس الدين ، هذا أولا ، وثانيا : هل تأمل هؤلاء بالمفاسد العظيمة المتأتية من هذه البدعة المنكرة المتمثلة مجالس دعوة مختلطة بين رجال ونساء كاسيات عاريات .. وبجميع أنواع الفتنة ..؟؟ والله اعلم وله الحمد والمنه .
وفي الخاتمة من هذا الموضوع فان الحق تبارك وتعالى قد بين في كتابه العزيز المشروح بسنة نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كل شيء عن المرأة والرجل ، قال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقال تبارك وتعالى (وأنزلنا اليك الكتاب فيه تفصيل كل شيء) وقد عمل النبي صلى ألله عليه وسلم بكتاب الله ونحن مأمورين باتباع سنته كل حسب درجات الشريعة من واجب وسنة راتبة وفضائل أعمال مستحبة .
وقد عمل السلف الكرام، الصحابة رجالا ونساءا، بهذا الدين ، وكان عملهم على حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والوحي لا زال ينزل ، وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم كثيرا في هذا الوحي من كتاب وسنة ، ووعدهم بالجنة والتمكين في الدنيا كذلك …ليس هم فقط ..ولكن من اتبعهم بإحسان .. فقال تعالى :
(والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بأحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم " 100 –ألتوبه . ولهم كذلك التمكين في الدنيا أنشاء الله، قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما أستخلف ألذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)55-النور.
فهذا ثابت معروف من النصر الذي تحقق لهم على جميع القوى والممالك .. والحمد لله واستمر النصر الى قرون حتى فتر تمسك الناس بالدين . وقد تحقق النصر للأمة في كل زمان رجعت الى دين الله تعالى، ..زمن صلاح الدين . والمماليك . وفي القرون الاولى من عهد الخلافة العثمانيه … فالله تعالى لا يخلف الميعاد والحمد لله.(14/219)
أن السبب في أيراد هذه النبذة البديهية هي لتبيان ان الحق ثابت بين في جميع ألامور على الاطلاق علم ذلك من علمه وجهله من جهله ومن هذه الامور ما يتعلق بنصف المجتمع او الإنسان وهو (ألنساء).ان فهم هذا القرآن اصبح كاملا تاما منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمن اراد العمل به والنجاة بنفسه في ألدنيا والاخرة ولا يوجد لبس في ذلك ولا غموض والحمد لله رب العالمين ….. والمراد من كلامي هذا وجود بعض من ينسب نفسه زورا وبهتانا للعلوم الشرعية ومنهم من يحمل درجات في العلوم الشرعية من جامعات هي اول من يحارب الشريعة الإسلاميه، فهذه الشهادات أن لم يتق اصحابها الله ويعملوا بخشيته وطاعته ، تصبح في الواقع شهادات في "الصد عن الشريعة" وليس شهادات في الشريعة. فمن خريجي هذه الجامعات، من أصبح وامسى ليس لهم شغل الا تحليل ما حرم الله من الاختلاط بين الرجال والنساء، والعري وتخريج شباب لا يعرفون الإسلام ولا يصلون وأجازتهم بدرجات في الشريعة من هذه الجامعات ليتكلموا بأسم الدين فالعجب العجب من هؤلاء ولا عجب اذا علمنا اننا في زمان العجب .. زمان الفتن .. نسأل الله العافيه ...ومن هؤلاء "شيخات" كاسيات عاريات مائعات كذلك يحملن هذه الشهادات .. ويتكلمن بأسم الدين ، فأصبح عندهم الامر بالمنكر النهي عن العروف هو الدين فهؤلاء هم أخطر الزنادقة وألجهميه الا ان من اراد النجاة فمؤهلات اهل العلم ، كما ذكرنا ،فأولها تقوى الله وخشية قال تبارك وتعالى (أنما يخشى الله من عباده العلماء أن الله عزيز غفور )28-فاطر. فهذا الذي يسمى زورا(شيخا)يحاور امرأة صحفية كاسية عارية هل أمن على نفسه الفتنة واذا كان هو غير مهتم بآخرته فيا ترى اكان يهتم بأخارتك انت ايها السائل ؟؟ طبعا لا يقع في حبائل مثل هؤلاء الا من هو بعيد عن الدين لأن هؤلاء الزنادقة والحمد لله مكشوفين لاهل المساجد المحافظين على ألسنن أقول لهؤلاء البعيدين –من باب الدعوة الى الله - أن ينتبهوا لانفسهم ويتبعوا أوامر الله ….
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج مشركا بحال من الاحوال ويجوز للمسلم أن يتزوج من مشركي أهل الكتاب ...
بين الحق تبارك وتعالى في شرعه الكريم ( سورة الممتحنة وغيرها) وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في العمل بمقتضى أمر الله ، أنه لا يجوز بحال للمسلمة أن تتزوج أو تبقى زوجة لمشرك إن دخلت الإسلام قبله ( وهذا معروف عند أهل السنة والجماعة – والحمد لله) . بينما للمسلم أن يتزوج من الكتابية – إن شاء – مع إن الافضل الزواج من المسلمات الصالحات ، لامر النبي صلى الله عليه وسلم 0(تنكح المرأة لحسبها ولمالها ولجمالها ، فظفر بذات الدين تربت يداك ) الحديث ...
وهذا أمر قضى به الرحمن تبارك وتعالى
وفي هذا الامر من الامور العجيبة من أن الإسلام هو تمام الحق المطلق والخير التام للبشرية ....
ذلك أن المرأة –وحسب تكوينها الخلقي تابعة للرجل .. والمرأة بذلك تتبع زوجها – لامحالة – في غالب الاحوال ( إلا من جاهدت الدنيا للخلاص من الشرك إلى الإسلام ...) .. فلو سمح الإسلام للمسلمة أن يتزوجها المشرك ، لكان ذلك ظلما عظيما لها ، وكأنه – دفع بها للشرك وبالتالي إلى الجحيم .. والعياذ بالله ...
أما زواج المسلم من الكتابية ، فهو العكس تماما فهو تقريب لها للاسلام وإعطائها أعظم الفرص للدخول في الإسلام ومن ثم النجاة في الدنيا والاخرة حيث أن غالب الامر أنها ستتبع زوجها وأولادها .. وهذا ما يحدث فعلا .. وقال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ألأنبياء. إلا والعياذ بالله مع أولئك الذين لا يحملون من الإسلام إلا الاسم المسلم والعياذ بالله .... فهؤلاء والعياذ بالله ضلوا وأضلوا ..
الخاتمه
ومن هنا نعلم أن الامر لا يوصف من حيث الجدية والخطوره وانه الحق من الخالق تبارك وتعالى ، ونلخص هذه المقالة بما يلي :
1) إن أحكام الشرع الإسلامي ومنها ما يتعلق بالنساء من تصرفات ولباس وتعدد زوجات ...انما هو حكم الرب تبارك وتعالى ، خالق هذا الإنسان وهو كما أخبر في كتابه ، أرحم الراحمين . وكون هذه الأحكام منه تبارك وتعالى ثابتة بمعجزة ألقرآن ألكريم .الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ... وليس كباقي الانظمة او المناهج الحياتية التي هي من صنع الإنسان ....
2) أنه تبارك وتعالى قد اخبر في هذه ألمعجزة الربانيه انه شرع لهم مافيه الخير الراجح لهم رجالا ونساء. وأن الخير والفوز : أولا : آت حقا لانه وعد من الرب تعالى. ثانيا : أنه يمتد إلى ما بعد الموت بخلاف الدعوات الدنيوية الوضعيه …. التي إنما تضر الإنسان ولا تنفعه ..لأنها إنما تشغله عن ذلك الخير العظيم.
3) بالعمل بالإسلام رجالا ونساءا ... ، يصبح الإنسان هو الاكرم عند الله . لأنه يرد على فطرته الأصلية .(14/220)
قال تبارك وتعالى (يا أيها ألناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند ألله أتقاكم أن ألله عليم خبير " 13 الحجرات .
4) أن الله تبارك وتعالى لم يكلف الإنسان الا في حدود استطاعته فقط. قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ..) البقرة ... وليس هذا فقط . بل كلفهم بما يوافق فطرتهم .. ولذلك فإن كل حكم في الإسلام . ما تعلق بالرجل أو بالمرأة موافق للفطرة الأصلية لهذا الكائن . قال تعالى : فأقم وجك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ).
5) ان العالم الذي بفتاوه تبرأ ذمة الإنسان معروف صفاته في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو العمل بما يعلم، أي تقوى الله ، لأن هذا الشرع يدعوا الى تقوى الله تعالى ، وقد قال تعالى ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) 3 الصف .
أو يصبح الإنسان مثل اليهود ، والعياذ بالله ، قال تعالى عنهم ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) 44 البقره .
6)أن هذا الشرع شامل لجميع بني البشر مهما كان الجنس أو اللغة او اللون فهو مخاطب به ومكلف به ومسؤول يوم القيامة .. قال تعالى (وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) .
بل والجن كذلك مكلفين به قال تبارك وتعالى (وما أرسلناك ألا رحمة للعالمين ) 107 ألانبياء .
7) إن الدعوات الاخرى غير ما شرع الله حقيقة في كتابه وسنة نبيه، وخصوصا منع أو تعقيد تعدد الزوجات قد أضرت بالمرأة ضررا فاحشا . والحقت بها ظلما عظيما. لأنها إنما حرمتها حكما حكمه خالقها الاعلم بالرجل والمرأة وهو أرحم الراحمين . تبارك وتعالى ، فحرمت بتشريعاتهم الوضعية هذه فرص الزواج وتحصيل السكن والطمأنينة التي جعلها الله في الزواج وتأسيس عائلة ... وحرمتها كذلك الامومة . وبدلا من ذلك يجعلها متاعا سهلا وأداة لقضاء الرغبات السريعة بينما هي تحترق من الداخل .. لأنها إنسان ... بشر وليس مجرد متاع . كما ويشغلها هذا ألاضراب وعدم الطمأنينة يشغلها عن عبادة ربها والفوز بالنعيم المقيم في الدار الآخره..
ولهذا فانني ادعو الى التوبة والرجوع وطلب المغفرة من الله تبارك وتعالى وأقامة الصلاة قلبا وقالبا لاْن الصلاة ، إن قصد بها وجه الله تعالى ، فلا بد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر). كما قال تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) 45 العنكبوت .
ربنا تقبل منا وأرحمنا وأغفر لنا أنك أنت السميع العليم، وصلي اللهم على نبيك محمدا، المبعوث رحمة للعالمين … وآخر دعوانا أن الحمد لله رب ألعالمين …
**** انتهى ****
سليمان الصقر
=================
لماذا لا يتحجب الرجل؟
تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم ، وذلك من اجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه . ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية ، لان الإسلام دين مؤثر عملياً ، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة ، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى .
تتركز المحاولات بشراسة من اجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة ؛ فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها ، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها . كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب ، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة . لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه ، وعلى الحجاب ، وعلى التعدد ، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية .
فلسفة الإسلام في النظرة إلى الرجل والمرأة
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة ، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة ؛ فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك ، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة . وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً ، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف ، في حين أن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود ، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف .
فالإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه ، ويحث على تكثير النسل . كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب ، ويمنع التبرج والخلوة ، ويدعو إلى ستر العورات ، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها .(14/221)
كما أن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية ، ويراعى الفروق بينهما . فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان ، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت ، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها ، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن ، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة . ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود ، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه . كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف . وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم ، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها ، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور .
وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر ، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا . ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر . وبناء عليه فان للرجل أن يطلب اكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة ، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه . فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة ، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها .
لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل ، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدْعُ صاحبته إلى ذلك ، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه . فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته . وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه ، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة . وبما انهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام ، فانهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة . والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل ، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس . فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك ، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك .
لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة ، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر ؛ فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين ، وما بين السرة والركبة عند الرجل . كما يُشترط في اللباس ألا يصف ، ولا يشف ما تحته ، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر ، مع مطالبة الطرفين بغض البصر . فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى ، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك ، فأين الفرق؟
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة ، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى . فالمرأة مطلوبة ، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره ، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء . فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة ، وقد يلجا إلى العنف ، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها . لكن لننظر إلى العكس ، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته ، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً ، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها . أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا ، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة .
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى ، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب ؛ فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة . أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح ، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة ، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى .
شبهات أخرى
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم ، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن . نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه ، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا ، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة .(14/222)
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال . الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته . لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب ، وهذا غير صحيح ، بل لان الله فرضه وهذا دائم . ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث ، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا ، وسواء فتنت الرجال أم لا ، وسواء افتتن بها الرجال أم لا .
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية ، وان المقصود هو حماية الرجل . وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وان الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر ، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته ، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية . والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء ، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة ، فمصير ذلك القلق الدائم .
هل لنا أن نتساءل؟
هناك من يتساءل : إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به ، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك ، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع . فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق ؛ فالإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه . وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة ، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل . أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية ، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن ، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها ، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر
عزيز محمد أبوخلف
باحث إسلامي
amakhalaf@gawab.com
================
1 • ... لماذا الاهتمام بالحجاب وهو ليس من أركان الإسلام
لماذا الاهتمام بالحجاب وهو ليس من أركان الإسلام
سؤال رقم 9515
سؤال:
هل بوسع أحد أن يقول أنه إذا كان الحجاب ليس من أركان الإسلام الخمسة فإنه ليس بتلك الأهمية ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا خطأ ، فالحجاب فرض على المرأة ، وهو أمرها بستر زينتها بما في ذلك وجهها وصدرها وسائر زينتها ، وقد فرض عليها حماية لها ، وصيانه لها عن الإبتذال وعن الإمتهان ، وذلك لأن المرأة محلٌ للشهوة ، ومحلٌ لنظر المفتونين فإذا تكشفت وأظهرت زينتها تبعتها الشهوات ، وتعلق بها الناس وتابعوها ، وكان ذلك سببا في كثرة الفواحش من الزنا ومقدماته ، ففرض عليها وأمرت به بقوله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) والخمار هو ما يتدلى من الرأس فيغطي الوجه ، وكذلك الجلباب وهو الرداء الذي تستر به نفسها فلا يبدو منها شيئا .
وقال تعالى : ( وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ) فهو إذن حماية للمرأة حتى لا تكون محلا لتلاعب الناس بها .
الشيخ عبد الله بن جبرين .
=================
2 • ... هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة
هل هناك ذكر لمساواة المرأة بالرجل في القرآن الكريم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
مصطلح - المساواة – الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة مصطلح يقوم على اعوجاج وقلة إدراك لا سيما إن تحدث المتحدث ونسب المساواة للقرآن الكريم أو للدين الحنيف .
ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم : الإسلام دين المساواة ، والصحيح أن يقولوا : الإسلام دين العدل .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - :
وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ ، لا يقال : مساواة ؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما ، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون : أي فرق بين الذكر والأنثى ؟ سووا بين الذكور والإناث ، حتى إن الشيوعية قالت : أي فرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد ، وهلمَّ جرّاً .
لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه : زال هذا المحذور ، وصارت العبارة سليمة ، ولهذا لم يأت في القران أبداً : " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء : { إن الله يأمر بالعدل } النحل/90 ، { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } النساء/58 ، وكذب على الإسلام مَن قال : إن دين الإسلام دين المساواة ، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين .(14/223)
أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام ، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر/9 ، { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } الرعد/16 ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } الحديد/10 ، { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } النساء/95 ، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل ، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم ، أو بالمال ، أو بالورع ، أو ببذل المعروف ، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً .
كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى .
" شرح العقيدة الواسطية " ( 1 / 180-181 ) .
وعليه : فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما ؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم شديد .
فالقرآن أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل ، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه ، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه – كما سنبينه - .
ثانياً :
هناك أمورٌ تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية ومنها :
1- القوامة :
قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء/34 .
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - :
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .
{ بما فضل الله بعضهم على بعض } أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلك الأعظم ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء ، وغير ذلك .
{ وبما أنفقوا من أموالهم } أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى { وللرجال عليهن درجة } الآية .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { الرجال قوامون على النساء } يعنى أمراء عليهن أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. ." تفسير ابن كثير " ( 1 / 490 ) .
2- الشهادة : إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين .
قال الله تعالى :{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } البقرة/282 .
قال ابن كثير :
وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يا معشر النساء تصدقن ، وأكثِرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ، قالت يا رسول الله : ما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين " ." تفسير ابن كثير " ( 1 / 336 ) .
وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب .
وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان ، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر .
3- المرأة ترث نصف الرجل :
قال الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } النساء/11 .
قال القرطبي :
ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم .
" تفسير القرطبي " ( 5 / 164 ) .
ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة .
4- اللباس :
فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه . وقيل لا تكشف شيئا من ذلك .
قال تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً } الأحزاب/59 .
والرجل عورته من السرة إلى الركبة(14/224)
قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين السرة إلى الركبة عورة " .
رواه الحاكم في المستدرك ( 6418 ) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5583 ) .
والأمثلة على سبيل التوضيح لا الحصر ,
وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها :
أن الرجل يتزوج أربع نسوة ، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد .
ومن ذلك : أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه ، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه .
ومن ذلك : أن الرجل يتزوج من الكتابية ، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً .
ومن ذلك : أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه ، ، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم .
ومن ذلك : أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال ، وهي على النساء على خلاف ذلك ، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله .
وهي تلبس الحرير والذهب ، ولا يلبسه الرجل .
وكل ما ذُكر قائمٌ على اختلاف الرجل عن المرأة ؛ لأن الذكر ليس كالأنثى ، فقد قال الله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } آل عمران/36 ، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته ، وفي بدنه ، وصلابته ، وخشونته ، والمرأة ناعمة لينة رقيقة .
ويختلف عنها في العقل إذ عُرف الرجل بقوة إدراكه ، وذاكرته بالنسبة إليها ، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه ،وهذا مشاهد في أغلب العلماء والمخترعين في العالم هم من الرجال ، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يُلغي الأصل والأكثر كما تقدم .
وفي العواطف فهو يتملكها عند غضبه وفرحه ، وهي تتأثر بأقل المؤثرات العاطفية ، فدموعها لا تلبث أن تستجيب لأقل حادثة عاطفية .
ومن ذلك أن الجهاد على الرجال ، والنساء ليس عليهن جهاد القتال ، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن .
فحتم أن نقول : وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى .
ثالثاً :
سوّى الشرع بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات : فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل ، وتغتسل كغسله ، وتصلي كصلاته ، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس ، وتزكي كما أنه يزكي ، وتحج كحجه – وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل ، وكذا لو تصدقت جاز منها ، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها ، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال كما في الحديث :
عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً ، قال: لا غسل عليه ، قالت أم سلمة : يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل ؟ قال : نعم ، إن النساء شقائق الرجال .
رواه الترمذي ( 113 ) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " ( 98 ) .
فالخلاصة :
أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء ، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه ، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم ، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنيناً ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية ، وهكذا يظل راكباً رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع ، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الملك/14
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
====================
3 • ... إذا جاز للمرأة أن تسكن بمفردها فلم لا تسافر دون محرم؟
هل يجوز للمرأة أن تعيش بمفردها ؟ إذا كان يجوز لها السكن بمفردها فلماذا لا يجوز لها السفر بمفردها ؟.
الجواب:
الحمد لله
للمرأة أن تعيش بمفردها بشرط أن تأمن على نفسها ، وليست من أهل التهمة والريبة ، وأما سفرها بلا محرم ، فهو منهي عنه نهيا صريحا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا ).
وهذا من تمام الحكمة ، فإن السفر مظنة التعب والمشقة ، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها ، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها ، ويخرجها عن طبيعتها ، في حال غياب محرمها ، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارت وغيرها من وسائل النقل .(14/225)
وأيضا : سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر ، لاسيما مع كثرة الفساد ، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله ، ولا يتقيه ، فيزين لها الحرام .
ولو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها ، فهي معرضة لمخاطر أخرى من نحو تعطل سيارتها ، أو تآمر أهل السوء عليها ، وغير ذلك .
وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور.
ونحن نسلم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن فيه تمام الحكمة والرحمة، لأن الله تعالى لا يحرم على عباده إلا ما فيه مفسدة ومضرة لهم .
ولا يصح أن يقال السفر على إقامة المرأة في بيت بمفردها في بلدها ، لأن المخاطر في السفر أكثر منها في بلد الإقامة ، فإنها في بلدها لو حدث لها شيء أو احتاجت من يغيثها لوجدت من يساعدها ، ويخشى أهل الشر والفساد من الاعتداء عليها وهي في بلدها وبيتها ما لا يخشون في حال سفرها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
4 • ... شبهات من نصراني حائر
سؤال:
قرأت في الصحيفة أن 15% من القرآن يتحدث عن المسيح ؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن . إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" 9:6 و"جان" 1:1, و3:16, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد ؟
إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت(؟)" و"الشيعة" على التوالي؟
لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." 2:24 و"مات." 19:5 ؟
إن روحي تبحث عن الحقيقة.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها :
1. أنه نبيٌّ من أنبيائه ، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده ، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } البقرة/36 .
2. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل ، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل ، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به ؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان ، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام : كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك .
3. وهو أصل الأصول ، وعليه قوام الدين والدنيا ، وبه تكون النجاة من النار ، والدخول إلى الجنان ، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد ، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود : هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله ! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال : إنه الله ! ومنهم من قال : إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم ، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله ! ومنهم من قال : هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث ! وآخرون قالوا : بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد ، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب ، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه : ( إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل عمران/59 فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه .
فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب : فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها .(14/226)
والخلاصة : أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس ، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله ، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام .
ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى ، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام ، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة ؟ ! .
ثانياً :
أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق ؟
والجواب على هذا السؤال : أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم ؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها ، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى :{ ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } الروم/31-32 ، وقال الله تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } آل عمران/105 ، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون } آل عمران/103 ، وقال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير } الحجرات/11 أي : لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالمراد : بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً :
أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد : فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد ، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض ، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام .
وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى : { لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً } ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين ( 15 – 35 ) .
وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم ، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام ، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة ، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين :
الأول : أنه من شرع الله ، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها .
والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام .
والله الهادي
الإسلام سؤال وجواب
================
5 • ... لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر ؟
سؤال:
هل أحست سارة بالغيرة من " هاجر " عندما ولدت إسماعيل ( عليه السلام ) ؟ إذا كان الجواب بنعم : فلماذا تشعر امرأة رفيعة المنزلة مثل " سارة " بالغيرة ؟ وهل كان شعورها بالغيرة هو السبب الذي من أجله أمِرَ إبراهيم ( عليه السلام ) بإرسال " هاجر " و " إسماعيل " ( عليه السلام ) إلى الصحراء ؟.
الجواب:(14/227)
الحمد لله
غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه ، وهو غير مكتسب ، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى ، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها ، فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتها إلى طلب طلاق ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء ، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام ، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه : ( إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ) حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/80) - ، فالغيرة منهما – أي : من الزوج والزوجة - إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء ، فتعذر فيها ، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل ، وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك . " فتح الباري " ( 9 / 326 ) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :
قال الطبري وغيره من العلماء : الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك . " الآداب الشرعية " ( 1 / 248 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله شرحاً لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها :
وقالوا : أي جميع من شرحوا الحديث : فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا ، لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة . وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا : ( أَنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ ) . " فتح الباري " ( 9 / 325 ) .
وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد ، وهنَّ غير مؤاخذات عليه لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى .
وما حصل من غيرة " سارة " من هاجر هو من هذا الباب ، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر ، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويقال : إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك . " فتح الباري " ( 6 / 401 ) .
ويدل عليه قول هاجر : " يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له : أالله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا " - رواه البخاري ( 3184 ) - .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان : خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء ... رواه البخاري ( 3185 ) .
قال الحافظ :
قوله – أي : ابن عباس - : " لما كان بين إبراهيم وبين أهله " يعني : سارة " ما كان " يعني : من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل . " فتح الباري " ( 6 / 407 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
================
6 • ... لماذا لا يدخل صدر الرجل في حدود عورته لأنه يفتن النساء ؟
سؤال:لما كان الحكمة من اللباس ستر العورة لحفظ النفس من الإغراء فلماذا إذن عورة الرجل من السرة إلى الركبة ولا تشمل الصدر الذي هو أكثر مناطق جسم الرجل جذبا للجنس الآخر ؟ أجابني بعض المشايخ الكرام أن ذلك لأن المرأة تتأثر باللمس والرجل بالرؤية ، فإذن لماذا منع الرسولُ صلى الله عليه وسلم عائشة من الجلوس عندما زاره ابن أم مكتوم – الضرير - ولمَ نزلت الآية الكريمة التي تقول – بالمعنى – " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المسلمين أن يغضضن من أبصارهن " ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
في السؤال خطأ في الحديث والآية ولا بد من التنبيه عليهما قبل الإجابة :
أما الحديث : فليس فيه ذِكر عائشة – رضي الله عنها - ، ثم هو غير صحيح .
عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه - وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتجبا منه ، فقلت يا رسول الله : أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ . رواه الترمذي ( 2778 ) وأبو داود ( 4112 ) .
والحديث : فيه نبهان مولى أم سلمة وهو مجهول ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 1806 ) .
وأما الآية المذكورة في السؤال فهي من مجموع آيتين :(14/228)
الأولى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/59 .
والثانية : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور/30 ، 31 .
ثانياً :
وأما نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي عنها ، فقد سبق في إجابة السؤال : (49038) أنه جائز بشرط ألا يكون بشهوة ولا يخشى منه الفتنة .
ثالثاً :
لا يعني أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة جواز إظهار الرجل صدره أمام الرجال فضلاً عن إظهاره أمام النساء ، فإذا لم يكن الصدر من العورة فكشفه من خوارم المروءة ، ومن فِعْلِ الفسَّاق .
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشيء المباح إذا كان يترتب على فعله مفسدة فإنه يمنع من أجل تلك المفسدة . فإذا كان كشف الرجال صدره سيكون سبباً للفتنة أو يفتح باباً من أبواب الشر ، فإنه يمنع من أجل ذلك .
وقد شُرع اللباس لحكم عديدة منها : موافقة الفطرة ، والزينة ، والوقاية من الحر والبرد ، وستر العورة عن النظر إليها .
ولما امتن الله على عباده بخلقه اللباس الذي يواري السوءات نبَّه على لباس آخر أعظم وهو لباس التقوى .
قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ... ) الأعراف/26 ، 27 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري ، واللباس الذي المقصود منه الجمال ، وهكذا سائر الأشياء ، كالطعام والشراب والمراكب ، والمناكح ونحوها ، قد يسر اللّه للعباد ضروريها ، ومكمل ذلك ، و[ بين لهم ] أن هذا ليس مقصودا بالذات ، وإنما أنزله اللّه ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته ، ولهذا قال : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) من اللباس الحسي ، فإن لباس التقوى يستمر مع العبد ، ولا يبلى ولا يبيد ، وهو جمال القلب والروح .
وأما اللباس الظاهري : فغايته أن يستر العورة الظاهرة ، في وقت من الأوقات ، أو يكون جمالا للإنسان ، وليس وراء ذلك منه نفع .
وأيضاً فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة ، التي لا يضره كشفها مع الضرورة ، وأما بتقدير عدم لباس التقوى فإنها تنكشف عورته الباطنة ، وينال الخزي والفضيحة .
وقوله : ( ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي : ذلك المذكور لكم من اللباس مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن . " تفسير السعدي " ( ص 248 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=================
7 • ... الفرق بين الحرائر والإماء في الحجاب
السؤال : هل صحيح أن نساء الطبقة المحترمة من المسلمات يرتدين الحجاب أما من دون ذلك فلا. البعض هنا يعتقد ذلك بناءً على حديث في البخاري وهو كالآتي: روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بين خيبر والمدينة 3 ليال وتزوج صفية فدعوت المسلمين إلى وليمته ولم يكن هناك لحم ولا خبز ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فمد البسط وعليها تمر وأقط فقال المسلمون في أنفسهم: هل تكون أماً للمؤمنين أم سريرة أم مما ملكت يمينه فقال بعضهم: إن أمرها النبي بالحجاب فهي أم للمؤمنين وإن لم يأمرها بالحجاب فهي أمته. فلما رحل أركبها الناقة وراءه وأمرها بالحجاب. أريد أن أعرف هل هذا الحديث كان قبل أم بعد آية الحجاب (الأحزاب 59) وأريد أن أعرف رأيك وبعض البحث في الأحاديث.
الجواب :
الحمد لله
الحديث بعد نزول الحجاب وفرضه على النساء المؤمنات ، لكن الحجاب الكامل للحرائر من النساء ، وأما الاماء وملك اليمين فلا يتشبهن بالحرائر في الحجاب الكامل ، فليس على الأَمَة أن تغطي وجهها ، وكان عمر رضي الله عنه يمنعهن من ذلك ، وهذا مع أمن الفتنة فيهن ، وأما إذا وجدت الفتنه فعليهن فعل ما يحول دون هذه الفتنة .
كتبه : الشيخ الخضير
===============
8 • ... أختها مهتمة بالإسلام وتسأل عن الروح والإرث(14/229)
السؤال :الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل 9 سنوات ، أختي مهتمة الآن بالإسلام ولكن لا زال عندها بعض المعارضة فهي تسأل أسئلة ليس لها صلة بالموضوع مثل: لماذا ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل ؟ قلت لها بأن الرجل هو المسئول عن المصروفات المادية ، فقالت وماذا إذا كانت هي التي تعمل ؟ قلت أنه في جميع الحالات الرجل هو المسئول عنها مادياً وعندما يرث مالاً فهو كذلك المسئول عنها حتى لو أنها تعتمد على نفسها في الدخل.
سألت أيضاً ماذا يحدث للروح عند النوم ؟ قلت الله يأخذها (حسبما قرأت) ، قالت أحياناً نستيقظ في الليل أليس هذا تناقض ؟ قلت لا وأنا لست عالمة بهذه الأمور وهناك أمور أهم يجب أن نعرفها كأمور العقيدة والعبادة والفقه وهكذا.
قالت فكيف تعلمين بأنك على الطريق الصحيح ؟ هذه الأسئلة تجعلني أظن بأنها تبتعد عن الإسلام ، أحاول أن أعطيها كتباً ولكنها لا تقرأ . هي دائماً تريدني أن أخبرها بهذه الأشياء .
والدتي تحاول أن تفرق بيني وبينها لأنها لا تريدني أن أتحدث مع أختي عن الإسلام .
اليوم قالت لي إذا واصلتي الحديث معها عن الإسلام فسوف نقطع علاقتنا بك ، كما أن والدتي تسب الإسلام وتسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمامي وتريدني أن أنزع نقابي .
لست أدري ماذا أفعل ، والدتي الآن ستغادر البلد مع أختي .
الجواب :
الحمد لله
عليك بمواصلة دعوة أختك إلى الإسلام لقوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ... الآية ) وعليك بالصبر على أذى والدتك كما أوصى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : (واصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ... ) ، ولا تيأسي من إعراض أختك ، ولا تتحسري بعد بذل الوقت في دعوتها إلى الإسلام إذا لم تستجب قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) .
وقوله : ( فلعلك باخع نفسكم على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً ) .
وأما ما أجبت به عن أسئلتها فصحيح ، وأما الاستيقاظ في الليل مع أخذ الله للروح عند النوم فلا يتعارضان فالذي قَدِر على أخذ الروح هو الذي يقدر على ردها ولهذا أُستُحب لمن استيقظ من نومه أن يقول ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره ) حسنه الألباني (1/329) صحيح الجامع .
وأما ما يتعلق بميراث المرأة فإنها - كما ذكرت - ليست مسؤولة عن النفقة وإنما ذلك على الرجل ، كما أن الرجل يدفع إليها المهر ويوجد لها المسكن ... إلخ فهي منتظرة الريادة مطلقاً بخلاف الرجل فليس من العدل المساواة بينها وبين الرجل في الميراث والله تعال أعدل العادلين وأحكم الحاكمين .
وهذا واسأل الله أن يثبتِك وأن يأجرك على دعوتك وعليك بالرفق بهم ولا يبدر منك استفزاز لهم أو سبٌ لدينهم فيحملهم ذلك على سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، والله ولي التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=================
9 • ... السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده
سؤال:أنا فتاة مسلمة والحمد لله وقرأت كثيرا وسمعت من العلماء عن حق الزوج على زوجته وكم هو عظيم سمعت أحاديث تشدد من عصيان المرأة لزوجها وإني لأمتثل لأمر الله ورسوله إذا تزوجت بإذن الله تعالى ولكن لدى استفسار إن جاز لي السؤال حيث هو استفسار يدور برأس الكثيرات ويخجلن من ذكره خوفا من اتهامهن بالجهل أو إنكار أمر الله ورسوله وهو ما هو فضل الزوج حتى يستحق كل هذا الحق علينا معشر النساء حتى إنه يفوق حق ؟.
الجواب:
الحمد لله
عظم حق الزوج على زوجته أمر قررته الشريعة ، كما في قوله سبحانه : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228
وقوله : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34
وقوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ومعنى القتب : رحل صغير يوضع على البعير .
إلى غير ذلك من النصوص .(14/230)
والحكمة بينها الله تعالى بقوله : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فهذا تفضيل قضاه الله عز وجل وحكم به ، لا يسأل سبحانه عما يفعل وهم يسألون ، ثم لما يقوم به الرجل من الإنفاق على أهله والسعي في طلب رزقهم .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/363) : ( وقوله : " وللرجال عليهن درجة " أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ) . اهـ.
وقال أيضا (1/653) : ( يقول تعالى : "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، " بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء وغير ذلك ، "وبما أنفقوا من أموالهم" أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال الله تعالى : " وللرجال عليهن درجة" الآية ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء ، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله ) اهـ.
وقال البغوي في تفسيره (2/206) : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ، يعني : الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ، وقيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وقيل : بالجهاد ، وقيل : بالعبادات من الجمعة والجماعة ، وقيل : هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل : بأن الطلاق بيده ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدية ، وقيل : بالنبوة ).
وقال البيضاوي في تفسيره (2/184): ( " الرجال قوامون على النساء " يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ، وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال : "بما فضل الله بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها ، وزيادة السهم في الميراث وبأن الطلاق بيده . "وبما أنفقوا من أموالهم" في نكاحهن كالمهر والنفقة ) انتهى بتصرف يسير .
والحاصل أن الرجل أعطي القوامة لهذين السببين المذكورين في الآية ، وأحد السببين هبة من الله تعالى ، وهو تفضيل الله الرجال على النساء والآخر يناله الرجل بكسبه ، وهو إنفاقه المال على زوجته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
10 • ... عندها إشكالات في حق المرأة في الإسلام
سؤال:أنا في حيرة من أمري ، فقد عشت سنين عمري أتعامل وأعامل على كوني إنساناً قبل أن أصنف إلى كوني أنثى [ وأمة ] الله قدر استطاعتي ، ومن هذا المنطلق أن مَن عمل خيراً من ذكر أو أنثى فله أجره ، ومن عمل إثما فعليه وزره ، ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل ، فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف ، في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها ، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة ، وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة ، وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال ، كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء فهل هذا ما شرعه الله لنا ؟ هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها ؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء .
أرجو الاهتمام بهذا السؤال لأنني أفتن في ديني ، وإن كان هذا هو شرع الله فسمعا وطاعة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الجواب:
الحمد لله
لم نزل متعجبين مما ورد في سؤال الأخت من ظنها ما ليس من دين الله منسوباً إليه ، واعتقادها لأحكام لم ينزل الله بها سلطاناً ، ومن ذلك قولها " ولكن بعد زواجي فوجئت بأحكام تخرجني من نطاق الإنسانية لأكون مجرد متاع للرجل " ! .
وسنرتب الكلام معها من خلال هذه النقاط :
أولاً :(14/231)
أكرم الله تبارك وتعالى المرأة غاية الإكرام ، فقد أكرمها بنتاً وأمّاً وزوجة ، وجعل لها من الحقوق والفضل ووجوب البر ما ليس للرجل في كثير من الأحيان .
ولم ينزع الإسلام عنها إنسانيتها ، بل أعطاها حقها ورفع لها قدرها ، وقد كانت متاعاً وسلعة قبل أن يكرم الله الناس بالإسلام ، فقد كانت تورث كما يورث المتاع ، وكانت تُعلَّق فلا هي بالزوجة ولا هي بالمطلقة ، وكانت تمكث سنة كاملة بعد وفاة زوجها لا تمس ماء ولا تخرج من بيتها حتى إن الطير والبهيمة ليموتان من شمهما رائحتها ! وكانت تُحرَم من الميراث ، فضلاً عن وأدها وهي حيَّة ، وغير ذلك كثير .
فجاء الإسلام وحرَّم الوأد وجعله قتلاً للنفس وهو من كبائر الذنوب ، وحرَّم تعليقها بيمين أو تحريمها بظهار ، وأعطاها نصيبها من الميراث ، وجعل عدتها من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً تغتسل وتلبس الثياب وترى النساء والمحارم ، وأجاز لها البيع والشراء والتملك ، ورغَّبها في العلم والدعوة إلى الله تعالى ، وأمر بإكرامها زوجة ، وببرها أمّاً بل جعل حقها في البر ثلاثة أضعاف الأب ، وغير ذلك كثير ، وليس هذا مجال بسط ذلك ، إنما أردنا التنبيه والتذكير ، ويمكن مراجعة جواب السؤال رقم ( 21010 ) لترى المزيد .
ثانياً :
قالت الأخت السائلة : " فمثلا تلعنني الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف " !
وهذا ليس بصحيح ، بل لا تلعن الملائكة الزوجة الممتنعة عن فراش زوجها إلا أن تكون غير معذورة ، فإن كانت معذورة بمرض أو حيض أو نفاس أو صوم واجب : فإنها لا تُلعن ، بل يأثم زوجها الذي يدعوها ويصر على دعوتها أو يكرهها وهو يعلم حالها .
وقد ورد في جواب السؤال ( 33597 ) في الموقع :
ليس للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها ، بل يجب عليها أن تلبي طلبه كلما دعاها ما لم يضرها أو يشغلها عن واجب .
وفي سؤال رقم ( 9602 ) ورد :
قال ابن حزم :
وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة ." المحلى " ( 10 / 40 ) .
وهذا اللعن مقيّد بما إذا بات غضباناً عليها ، أما إذا دعاها فأبت عليه ، ثم تنازل عن حقه فإنها لا يلحقها لعن .
ثالثاً :
وقالت الأخت السائلة : " في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن جماع زوجته ولو من باب الإضرار بها " !
وهذا أيضاً ليس بصحيح ، فقد حرَّم الإسلام الإضرار بالآخرين ومنه إضرار الزوج بزوجته بمنعها من إرضاع ولدها أو بمنعها من حقها في الجماع والاستمتاع .
وقد ورد في جواب ( 10680 ) - في سياق بيان حقوق الزوجة على زوجها - :
عدم الإضرار بالزوجة : وهذا من أصول الإسلام ، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فلأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى .
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه ( 2340 ) . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم .
انظر : " خلاصة البدر المنير " ( 2 / 438 ) .
وقد ورد في جواب السؤال ( 5971 ) :
لا يجوز للرجل أن يهجر امرأته إضراراً بها إلا إذا ظهر منها النشوز والعصيان ، ولكن لا يأثم إذا ترك الاضطجاع معها غير مُضارٍّ بها لأن الحاجة له وترجع إلى شهوته ولا يملك إثارة الشهوة فإن هجرها فهو آثم بذلك لأنه لا ضرر ولا ضرار ، والله أعلم .
رابعاً :
قالت الأخت السائلة : " ، فهو له أجر صدقة إن جامعها وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة " !
وهذا أيضاً ليس بصحيح ، بل تؤجر الزوجة على الجماع من وجهين :
الأول : من كونها شقيقة الرجل في الأحكام والأجور ، إلا ما استثناه النص ، قال تعالى : ( فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) أل عمران / 195 .
الثاني : أنها سبب أجر الزوج ، ومن كان سبباً في ثواب غيره : شاركه في الأجر دون أن ينقص من أجره شيء .(14/232)
وعن أبي ذر أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بُضع أحدكم صدقة ، قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر . رواه مسلم ( 1006 ) .
ومعنى البُضع : الجماع
فالزوجة مأجورة كما هو حال زوجها ، كما أنها تأثم على شهوتها لو وضعتها في الحرام كما هو حال زوجها .
قال النووي :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة )
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات , فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ , أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ , أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام , أَوْ الْفِكْر فِيهِ , أَوْ الْهَمّ بِهِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة اهـ .
خامساً :
قالت الأخت السائلة : " وإذا أغضبني وأهانني أمام الناس وامتهن كرامتي يجب عليَّ مصالحته واسترضاؤه وإلا لعنتني الملائكة " !
وهذا ليس بصحيح ، فأما اللعن فإنما هو في امتناع الزوجة عن فراش زوجها من غير عذر مع مبيت زوجها وهو عليها غضبان – كما سبق بيانه - .
وأما إهانة الزوج لها وامتهان كرامتها : فهو آثم على فعله هذا ولا شك ، وقد أجاز لها الشرع أن تستوفي حقها بالرد عليه بقدر ظلمه لها .
قال تعالى : ( ولمن انتصر بعض ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) أي ليس عليهم إثم .
ولفظ ( مَنْ ) هنا عام فتدخل فيه المرأة أيضاً .
أو أن تصبر على قوله وظلمه وتحتسب الأجر عند الله لتأخذ الثواب الأكمل والأفضل والأعلى والواجب عليه : هو أن يصالحها ويسترضيها لا العكس ، فالذي ظلم هو الذي يجب عليه لتمام توبته أن يُرضي المظلوم بالاعتذار والكلام الحسن .
سادساً :
قالت الأخت الفاضلة : " وأنا طبعاً لا يحق لي مخالفته في رأي ومراجعته ولا يغفر لي أي قدر من الانفعال " !
وهذا ليس بصحيح ، فيجوز للمرأة أن تراجع زوجها وأن تخالفه في الرأي ، لكن ليس لها أن تمتنع عما يأمرها به – وإن كانت مخالفة له – إذا لم يأمرها بمعصية ، فلا طاعة لأحد في معصية الخالق ، وهذا إنما هو من منطلق القوامة الذي جعله الله تعالى للزوج في مقابل ما أوجب عليه من نفقة وحماية ورعاية ، قال تعالى : ( الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء
وقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن نساءهم كنَّ يراجعنهم في الأمر ، بل كان هذا فعل أمهات المؤمنين مع نبينا عليه الصلاة والسلام ، كما قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم " وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار ، فصخبتُ على امرأتي ( أي : غضبت ) فراجعتني فأنكرتُ أن تراجعني قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ... " – رواه البخاري ( 4895 ) ومسلم ( 1479 ) .
قال الحافظ ابن حجر – في سياق فوائد الحديث - :
وفيه : أن شدة الوطأة على النساء مذموم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم ، وترك سيرة قومه .
" فتح الباري " ( 9 / 291 ) .
أما ما ذكرته الأخت من أنه لا يغفر لها أي قدر من الانفعال ، فهذا لا يصح على إطلاقه إذ من الانفعالات ما لا يحاسب عليه الإنسان إذا لم يتكلم به أو يعمل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا ) ومنها ما لا يكون بقصد الإنسان التام إما بسبب شدة غضب أو نحوه مما هو خارج عن طاقة الإنسان ، وقد ورد في آخر سورة البقرة دعاء المؤمنين : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) البقرة ، وثبت في السنة أن الله تعالى قد أجاب هذا الدعاء بقوله : ( قد فعلت ) .
سابعاً :
قالت الأخت السائلة : " كما أنكم أفتيتم بأن ثواب صلاة الجماعة هو خاص بالرجال من دون النساء " !(14/233)
وهذا أيضاً ليس بصحيح ، بل الذي قلنا – بناء على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم – أن أجر السبع وعشرين درجة خاص بالرجال لأنهم هم المخاطَبون بصلاة الجماعة دون النساء ، وصلاة الجماعة للنساء مستحبة ، ولكن لا تجزم بأنه لها أجر السبع وعشرين درجة ، ويجوز للمرأة أن تشهد الصلاة في المسجد ، ولا يحل للرجل أن يمنعها من الذهاب ، فإن ذهبت وصلَّت معهم : شاركتهم في أجر صلاة الجماعة .
ومع هذا فبناءً على الأحاديث الصحيحة فإنها لو صلَّت في بيتها : لأخذت ما هو أفضل من أجر صلاتها جماعة في المسجد .
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتهن خير لهن " .
رواه أبو داود ( 567 ) وأحمد – واللفظ له - ( 5445 ) .
قال عبد العظيم آبادي :
" وبيوتهن خير لهن " : أي : صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى المساجد ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر . ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل : الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة .
" عون المعبود " ( 2 / 193 ) .
ثامناً :
قالت الأخت السائلة : " هل هذا هو قدر المرأة المسلمة إذا أحسنت وأدت ما عليها ؟ فإن هي تجنبت الإثم فليس لها أي فضل وإن أخلت كانت من الملعونين المطرودين من رحمة الله أنا وإبليس اللعين سواء " !
وهذا من سوء الظن بالله ، وكلامكِ ليس بصحيح اطلاقاً .
قال الله تعالى : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل / 97 .
وقال تعالى : { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب } آل عمران / 195 .
وقال تعالى : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً } الأحزاب / 35 .
وأما ذكرته الأخت من أنها إذا أخلت كانت هي وإبليس سواء فهذا تشنيع لا محل له هنا ، وتشبيه غير مقبول إذ لعنة الله لإبليس اللعنة الأبدية التي لا تقبل فيها أي توبة ، لا تقارن بما يكون من اللعن في حق من كان مسلماً موحداً لله مذعناً له ووقع في بعض الكبائر .
وفي هذا القدر من الآيات البينات والكلام كفاية في بيان خطأ قولكِ ، ونسأل الله تعالى أن يفقهك في الدين ، وأن يثبتك على الخير والهدى .
كما لا يفوتنا في نهاية هذه الإجابة أن نحمد لهذه الأخت السائلة صراحتها في السؤال عما يقذفه الشيطان في قلبها من الإشكالات عن الأمور الشرعية التي لو كتمتها في نفسها لربما أفسدت عليها دينها وأورثتها من الوساوس ما يُنغص عليها عيشها ، وبمثل هذا السؤال يزول الإشكال ويندفع عن النفس الشك .
وإن كان ينبغي في طرح مثل هذه الأسئلة أن يكون بأسلوب أكثر ملائمة للسؤال عن حكمة الله في تشريعاته ، وأن يبتعد السائل عن كل ما يُشعر بروح الاعتراض على الحكم إذا عقول البشر تقصر عن إدراك عظيم حكمة الله وواسع فضله على خلقه .
ومما يحمد أيضاً للأخت السائلة رضاها وتسليمها بشرع الله ، وذلك في قولها ( وإن كان هذا هو شرع الله فسمعاً وطاعة ) ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن .
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه ، وأن يلهمنا رشدنا .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===================
شبهات دعاة تغريب المرأة
الشبهة(1):تركيب المرأة الجسدي يعارض دعوتهم للمساواة التامة
أثبتت الدراسات الطبِّية المتعددة أن كِيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله تعالى على هيئةٍ تخالف تكوين الرجل، وقد بُنِي جسم المرأة ليلائم وظيفة الأمومة ملاءمةً كاملةً، كما أن نفسيتها قد هُيِّئَت لتكون ربة أسرةٍ وسيدة البيت وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادحةً في كل مجال. ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي نُشِر في العام الماضي أنَّ كل طفلٍ مولودٍ يحتاج إلى رعاية أُمِّه المتواصلة لمد ة ثلاثِ سنواتٍ على الأقل. وأن فُقْدانَ هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لَدَى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العُنف الذي انتشر بصورةٍ مُرِيعةٍ في المجتمعات الغربية وطالبت هذه الهيئة المُوَقَّرة بتفريغ المرأة للمنزل وطلبت من جميع حكومات العالم أن تُفَرِّغ المرأة وتًدْفع لها راتباً شهرياً إذا لم يكن لها من يَعُولُها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها.(14/234)
وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المَحاضِن ورَوْضات الأطفال لا تستطيع القيام بدَوْر الأم في التربية ولا في إعطاء الطفل الحنانَ الدافِق الذي تُغذيه به.
الاختلاف على مستوى الخلايا:
إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل، بل إن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل. وإذا دقَّقْنا النظر في المِجْهَر لَهَالَنا أن نجد الفروق واضحةً بين خلية الرجل وخلية المرأة.. ستون مليون خلية في جسم الإنسان ومع هذا فإن نظرةً فاحصةً في المجهر تُنْبِئُك الخَبَر اليقين: هذه خلية رجل وهذه خلية امرأة، كل خليةٍ فيها مَوْسُومَةٌ بِمَيْسِم الذُّكورة أو مَطْبوعةٌ بطابع الأنوثة.
وفي الصورة التالية نرى الفروق واضحةً بين خلية دمٍ بيضاءَ لرجلٍ وأخرى لامرأةٍ كما نرى الفرق جَلِياً بين خلية من فمِ امرأةٍ وخليةٍ من فَم رجلٍ، ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من مستوى الخلايا إلى مستوى الجُسيمات الملونة (الصِّبغيات أو الكروموسومات). هذه الجسميات الملونة موجودةٌ في كل خليةٍ وتُقاسُ بالانجستروم (واحد على بليون من الميليمتر) في ثَخانتها وهي موجودةٌ على هيئة أزواجٍ؛منها واحدٌ مسؤول عن الذكورة والأنوثة.
ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو مُوَضَّح في الصورة على هيئة x y بينما هو في خلية المرأة على هيئة xx والصورة التالية تُوضح هذه الفروق الثلاثة.
إنَّ الجُسَيم المُلَوِّن (صبغ) للذكورة يختلف في شكله المُمَيَّز عن صِبغ الأنوثة، بل ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والمظهر إنما يتعداه إلى الحقيقة والمَخْبَر فصبغ الذكورة قصيرٌ سَميكٌ بالنسبة لِصِبغ الأنوثة ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطاً وأقوى شكِيمةً وأكثر إقداماً مِن شقيقتها الأنثوية.
الاختلاف على مستوى النطفة:
وإذا سِرنا في سُلَّم الفروق وارتفعنا إلى مستوى الخلايا التناسُلية سنجد الفرق شاسِعاً والبَوْنَ هائلاً بين الحيونات المنوية (نُطْفَةُ الرجل) وبين البُوَيضة (نُطفة المرأة).
تُفْرِز الخِصْية مئات الملايين من الحيونات المنوية في كل قَذْفَةِ مَنِيِّ بينما يُفْرِز المِبْيَض بُوَيضة واحدةً في الشهر. ونظرةٌ فاحصةٌ لخصائص الحيوان المَنَويِّ الذي يُقاس بالميكرون (واحد على مليون من المليمتر) تجعلنا. نُوْقِن بأنه يُجَسِّد خصائص الرجولة. بينما نرى البويضة تُجَسد خصائص الأنوثة. فالحيوان المنوي له رأسٌ مُدَبَّبٌ وعليه قُلُنْسُوةٌ مُصَفَّحةٌ وله ذَيْلٌ طويلٌ وهو سريع الحركة قوِيُّ الشَّكيمة لا يَقِرُّ له قَرارٌ حتى يصل إلى هدفه أو يموت. بينما البويضة كبيرة الحجم (1/5، ميليمتر) وتُعْتَبر أكبر خليةٍ في جسم الإنسان الذي يحتوي على ستين مليون خلية. وهي هادئةٌ ساكنةٌ تَسير بِدَلالٍ وتَتَهادَى باختيالٍ وعليها تاجٌ مُشِعٌّ يدعو الراغبين إليها وهي في مكانها لا تَبْرَحُه ولا تُفارقه، فإن أتاها زوجها و إلا ماتت في مكانها ثم قذفها الرحم مع دم الطَّمْثْ.
وإذا دقَّقْنا النظر في قطرةٍ صغيرةٍ من مَنِيِّ الرجل تحت المجهر لهالنا ما نرى.. مئات الملايين من الحيوانات المنوية تَمْخُرُ عُبابَ بَحْرِ الَمِنِّي المُتلاطِم وهي تَضرِب بأذْيالها لِتَجْري في طريقها الشاق الطويل الوَعِر المَحْفُوف بِالمَفَاوِز والمَخاطر حتى تصل إلى البويضة، وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهادِرَة تموت ملايين الحيوانات المنوية ولا يصل إلى البويضة إلا بضع مئات.
وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن يُؤْذَن لها بالدخول وتتحرك يَدُ القُدْرة الإلهية المُبْدِعة فَتُبْرِز كُوَّةً في جِدار البويضة أما حيوانٍ مَنَوِيٍّ قداختارته العناية الإلهية لِيُلَقِّحَ تلك الدُّرة المَكْنُونة ويَلِج الحيوان المنوىُّ سريعاً إلى هذه الكُوَّة والفُرْجة لِيَقِف وجهاً لِوجهٍ أما م البويضة.. وهناك يُفْضِي لها بِمَكْنون سِرِّه ويُعْطِيها أسرار الوراثة وتُعْطِيه. ويتَّحِدان لِيُكَوِّنا النُّطفةَ المِشاج التي يَخْلُق الله سبحانه وتعالى منها الإنسان كاملاً.
الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء:(14/235)
وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات (الكروموسومات) والخلايا إلى مستوى الأنسجة والأعضاء وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل ذي عَيْنَين بين الذكورة والأنوثة.. فَعَضَلات الفَتَى مَشْدودةٌ قويةٌ وهو عَريض المِنْكَبَين واسعُ الصدر ضيِّق البطن صغير الحَوْض نِسْبِياً, لا أرْدافَ له ولا عَجُز كبير.. يَتَوَّزع الدُّهن جِسْمه توزيعاً عادلاً وطَبَقة الدُّهن في الغالب الأعَمِّ محدودةٌ بسيطةٌ.. وينمو شَعْرُ العَانَة مُتَّجِهاً نَحْوَ السُّرَّة كما ينمو شَعْر عُذارِيه وينمو شَعْر ذَقْنِه وشارِبِه ويَغْلُظُ صوتُه ويُصْبُح أَجَشَّ.. بينما نجد عضلات الفتاة «رقيقةً ومَكسوةً بطبقةٍ دُهْنيةٍ تُكْسِبُ الجسم اسْتِدارةً وامتلاءً مَرْغوبًا فيه خالياً من الحُفَر والنُّتُوءات الواضحة المُتعاقِبة التي لا ترتاح العَين لرُؤيتِها» كما يقول أستاذ علم التشريح الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء ويواصل الدكتور شفيق كلامه فيقول:
«و لا تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم وستر ما يَعْتَوِرُه من حُفَرٍ أو نُتُوءاتٍ بل إن بعض المناطق الخاصة تَحْظَى بِنَصيبٍ وافرٍ منها مِثْل: الثدْيَين اللَّذَين يَكْبُران ويستدِيرانِ ويتخذُ كل منهما شكل نِصف كُرة، وكذلك منطقة الزَّهْرة والإِلْيتان وكما يستدير الفَخِدان و غيرهما من مواضعَ خاصة. ويَتَّسع الحَوض مُتَّحِذاً شكلاً مناسباً يتَّفق مع العمل الذي خصِّص له ويكتمل نُمُو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمِبْيض الذي يقوم بعملية الابياض السابقة للطمث وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة كالشَّفَرَين الكبيرين ويتخذ كل منهما شكله وحجمه وقُوامه وبُنْيانه ومَوْضِعه في البالغ ,ويظهر الشَّعر في منطقَة الزهرة والإبطين ويَنْعَم الصوت بعد أن كان مصْبوغاً بصِبغةِ الطفولة.
وغرض كل هذه التغييرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر ورشاقة القَوام ونَضَارة الطَّلْعة مما يتفق مع حُسْن ونُعُومَة ونَضَارة الأنوثة؛وكلها عوامل قويةٌ للإغراء».
وتختلف الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلافاً يعرفه كل إنسان فللمرأة رحِمٌ مَنوطٌ به الحمل فإن لم يكن حملٌ فَدَوْرَةٌ شهريةٌ وطَمْثٌ (حَيْضٌ) حتى تَحْمَل أو تتوقف الحياة الجنسية للمرأة. وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية كما لها وظيفة تَغْذِية الطفل منذ وِلادته إلى فِطامِه بأحسن وأنظف وألْيَق غذاء.. ليس هذا فحسْب ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة في القوة والمتانة وفي الضِّيق والسَّعَة وفي الشكل والزاوية.
وإذا نظرنا لحوض المرأة مثلاً وجدناه يختلف عن حوض الرجل اختلافا كبيراً يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما يلي:
«يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لِقِيامه بوظيفة ٍهامَّةٍ إِضافيةٍ تتَطَلَّب منه بعض الضَّروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل.. فَنُمُو الجنين في الحوض وطُرُق تَغْذِيتِه وحِفْظه ثم مُرورِه بتجويفِ الحوض ومِن مَخْرَجِه وقْتَ الولادة مما يستلْزِم بعض التغييرات والتعديلات التي يَسْهُل معها اتمام الولادة بالنسبة للاُم والطفل, وتنْحَصر كل هذه التغييرات في أن يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقْصَر، وأنْ تكون عِظامه أرَقَّ وأَقَلَّ خُشونةً وأبْسَطَ تَضاريساً ,ثم يَذكر الدكتور 19 فرقاً بين حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها ويَعِيَها، ويَخْتِم ذلك بقوله:
«وإن تكن رِقَّة العِظام ونُعومتها وبساطة تضاريسها وصِغَر شَوْكاتها وقلة غَوْر حُفَرِها ظاهرةً جَلِيةً في أكثر عظام الهيكل في المرأة غير أنها تَتَجَلَّى بأوضح شكلٍ في عظام الحوض للأنثى التي بلا نزاع تُشارك صفات عظام الهيكل الأخرى بقِسْطٍ وافرٍ في صفاتها المُمَيِّزة للأنوثة زيادةً على تَكَيُّفِها @ النَّوْعِيِّ الخاص بما يُناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل».
وخلاصة القول:أن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلاتها وعظامها تختلف إلى حدٍ كبيرٍ عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية كما تختلف عضلاته وعظامه في شدتها وقوةِ تَحَمُّلها.
وليس هذا البناء الهَيْكلي والعُضوي المُخْتَلف عَبَثَاً إذ ْليس في جسم الإنسان ولا في الكون شئٌ إلاَّ وله حِكْمَةٌ سَواء علِمناها أم جهِلناها، وما أكثرَ ما نجهل وأقل ما نعلم.
والحكمة في الاختلاف البَيِّن في التركيب التشريحي والوظيفي (الفسيولوجي) بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد بُنِيَ لِيَخْرُج إلى مَيْدان العمل لِيَكْدَح ويكافح وتَبْقَى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها العظيمة التي أناطَها الله بها؛وهي الحمل والولادة, وتربية الأطفال ,وتهيئة عِشِّ الزَّوْجية؛ حتى يَسْكُن إليها الرجل عند عودته من خارج المنزل. +وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".(14/236)
والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في الحيوان المنوي والبويضة. البويضة ساكنةٌ هادئةٌ لا تتحرك إلا بمقدار ٍوعليها التَّاج المُشِع، والحيوان المنوي صاروخٌ مُصَفَّح وقَذِيفةٌ تَنْطَلِق عَبْر المخاطر والمَفاوِز لِتفوز بِغَرضها وغايتها أو تموت.. ليس ذلك فحسب بل ترى الفرق في كل خليةٍ من خلايا المرأة وفي كل خليةٍ من خلايا الرجل. تراه في الدَّمِ والعظام، تراه في الجهاز التناسلي، تراه في الجهاز العَضَلِي وتراه في اختلاف الهُرمونات هرمونات الذكورة وهرمونات الأنوثة وتراه بعد هذا وذاك في الاختلاف النفسي بين إقدام الرجل وصلابته وخَفَر المرأة ودلالها.
وإذا أردنا أن نَقْلِب الموازين، وكَمْ مِن موازين قد قلبناها، فإننا نُصادِم بذلك الفِطرة التي فَطَرنا الله عليها ,ونُصادِم التكوينَ البَيُولوجي والنفسي الذي خلَقنا الله عليه..
وتكون نتيجة مُصادَمة الفِطرة وتَجَاهُل التكوين النفسي والجسدي للمرأة وبالاً على المرأة وعلى المجتمع, وسُنَّةُ اللهِ ماضيةٌ +وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً".
فروق أخرى جسدية ونفسية بين الذكر والأنثى :
إنَّ الفُروق الفسيولوجية (الوظيفية) والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تُحْصَى وتُعَدُّ.. فَهيَ تَبتدئ بالفروق على مستوي الصِّبْغِيات (الجُسَيمات المُلونة أو الكروموسومات) التي تتحكم في الوراثة.. والتي تَدِقُّ وتَدِقُّ حتى أنَّ ثَخَانَتها تُقاس بالأنجستروم (واحد على بليون من الملميتر)... وترتفع إلى مستوى الخلايا وكل خلية في جسم الإنسان تُوضِح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة.. تتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نُطْفة الذكر (الحيونات المنوية) ونطفة المرأة (البويضة)... ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العَضَلات... وتتجلَّى بِوُضوحٍ في اختلاف الأجهزة التناسلية بين الذكر والأنثى... ولا تقتصر الفروق على الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم.. ولكنها تَدِقُّ وتَدِقُّ في بعض الأجهزة وتتضح في أخرى.. وجهاز الغُدَد الصَّمَّاء هو أحد الأجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون... فهُرْمونات الذُّكورة تختلف عن هُرمونات الأنوثة في تأثيرها اختلافاً كبيراً رغم أن الفرق الكيماوِيَّ بسيطٌ ويتَمثَّل في زِيادةِ ذَرَّةٍ من الكربون وثلاثة ذراتٍ من الهيدروجين cH3 إلى التركيب الجزئي molecular structure في هرمون الأنوثة..
وهذه ملاحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريم " وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ".
فهُرمون الذُّكورة يُساوي هُرمون الأنوثة (مجموعة مثيلية) وكذلك الجهاز التناسلي للرجل يساوي الجهاز التناسلي للمرأة @ أعضاء إضافية.
وفي أثناء تكوين الجنين في مراحله الأولي يكون جنين الذكر مشابهاً في أوَّل الأمر لجنين الأنثى ويَصْعُب التفريق بينهما إلا على مستوى الصِّبغيات (الكروموسومات)... ولكن سُرْعان ما تتميز منطقة في المخ تُدْعَى تحت المِهاد Hypothalamus لَدَى الجنين الذَّكر عن مثيله الجنين الأنثى.. وهذه الإضافة والزيادة فى مُخ جنين الذكر تؤدي إلى الفروق الهائلة فيما بَعْد بين الجهاز التناسلي للذكر والجهاز التناسلى للانثى.. كما يؤدى إلى الفروق الهائلة بين غُدد الذكر الصَّماء وغدد الأنثى..... وتؤثر هذه الغدد على مختلف أنشطة الجسم وعلى هيكله أيضاً.. ومن ثَمَّ يختلف بِناءُ هيكل الذكر عن بناء هيكل الأنثى كما تختلف الوظائف تبعاً لذلك.. والسبب في تَمَايُز منطقةِ تحت المِهاد من المُخ بين جنين الذكر وجنين الأنثى هو هُرمون التستسرون الذي تُفْرِزُه مَشِيمَةُ الجنين الذكر... ثم تنمو الغُدة التناسلية وتؤثر بالتالي على المنطقة المُخِّية تحت المهاد» (578).
ومن الغريب حقاً أن هيكل البناء يُصَمَّمُ أساساً على هيكل الأنثى فإذا وجد صبغ الذكورة (كروموسوم الذكورة) فإنه يُضيف إلى ذلك الكِيان إضافاتٍ تجعل النهاية ذكراً. أما إذا اختفى هذا الكروموسوم الهامُّ من تركيب البويضة المُلَقَّحة كما يَحْصُل في بعض الحالات النادرة التي تُرِينا قُدرة المولى عزَّ وجَلّ فإنّ النتيجة النهائية هي جسم امرأةٍ وإنْ كانت ناقصة التكوين ففي حالة ترنر Turner Syndrome فإن البويضة المُلَقَّحة تحتوي فقط على كُرومُوسوم x فلا هي أنثى مُحْتوية على xx ولا ذكرٌ محتويةٌ على xy.. فماذا تكون النتيجة؟
تكون النتيجة أنثى غير أنها لا تَحِيض ولا تَحْمَل ولا تَلِد... أما إذا كانت نتيجة التلقيح مثلاً xxy كما يحْصُل في حالة كلينفلتر Kleinfelter Syndrome فإن الطفل المولود يكون ذكراً رغم وجود صِبغيات الأنوثة بصورةٍ كاملةٍ.. وإنْ كان ذكراً ضعيفَ الهِمَّة بارِد الشَّهْوة خائرَ العزيمة... وذلك لِتَراكُم صِبغ الأنوثة فيه..(14/237)
أما إذا زاد صِبْغُ الذُّكورة في البويضة المُلَقَّحَة وصار حاصلها الكروموسومي xyy أي أن بها صِبغين (كروموسومين) كاملين من أصباغ الذكورة فإن النتيجة تكون ذكراً قويَّ الشكِيمة شديدَ البأْس كثيرَ العُدْوان.. حتى أن الفُحوصات التي أُجْرِيَت لأعْتَى المُجْرِمين في السجون وأشدِّهم بأساً وإِقداماً أظْهَرَتْ أنَّ كثيراً منهم كانوا ممن لديهم زيادةٌ في صِبغ (كروموسوم) الذكورة!!.
ولعَله لو فُحِص الرجال المشهورون في التاريخ بزيادة الشجاعة والإقدام والرجولة والخشونة لَرُبما وجدنا أن ذلك مَرْجِعُه في كثيرٍ من الحالات إلى زيادة صبغ الذكورة y لدى هؤلاء المَوْصُوفين بزيادة جُرْأتهم وإقدامهم سَواءَ كان ذلك في مجال الخير أو في مجال الشر.
والفرق بين رجلٍ وآخر من حيث الإقدام وصفات الرجولة يرجع في بعض الأحيان إلى زيادة هرمون الرجولة لَدى هذا وقِلَّته النِّسْبية لَدى ذاك.
ونظرةٌ إلى المَخْصِيِّين الذين تَمَّ خَصْيُهُم قَبْل البُلوغ تُرِينا كيف تَتَحَول رجولتهم إلى الأنوثة... ولا ينبت شَعْرٌ عِذارِى المَخْصِيِّ وذَقْنِه وشارِبه.. ويَتَوَزع الدُّهن بنفس الطريقة التي يتوزع فيها في الأنثى... أي في الأرْدافِ والعَجُز... وتَلين عِظامه وتَرِقُّ... ويَبْقَى صوتَه رخيماً على نَبْرة الطفولة دون أن تُصيبَه غِلظة الرجولة وخُشونتها.
أمَّا أولئك الذين أُخْصُوا بَعْد البلوغ فإنَّ علامات الرُّجولة سُرعان ما تَنْدثِر ويسقُط شَعر الذَّقن والشارِب ولا يعود إلى النُّمُوِّ ثانيةً. وتبدأ العضلات في التَّرَهُّل... كما تبدأ الصفات الأنثوية والنفسية في الظهور لأول مرة..
الأبحاث العلمية الحديثة تفضَح دَعْوَى التَّماثُل الفكري بين الجنسين:
وفي مقالٍ نَشَرَتْه مجلة الريدرز دايجست الواسعة الانتشار في عدد ديسمبر 1979 تحت عنوان «لماذا يفكر الأولاد تفكيراً مختلفاً عن البنات» وهو مُلَخَّص لكتاب «الدماغ: آخر الحدود» للدكتور ريتشارد ديستاك «The Brain: The Last Frontier» جاء ما يلي:
«إن الصِّبْيان يفكرون بطريقةٍ مُغَايرةٍ لتفكير البنات رغْم أن هذه الحقيقة الناصِعَة ستصْدُم أنصار المرأة والدَّاعِين إلى المساواة التامَّة بين الجنسين.. ولكن المساواة الاجتماعية في رَأْيِنا تعتمد على مَعْرِفة الفروق في كيفية السلوك ومعرفة الفروق بين مخ الفتى ومخ الفتاة.
وفي الوقت الحاضر فإن الفروق بين الأولاد والبنات التي لاحظها الآباء والمعلمون والباحثون على مدار السنين تتجاهَل تجاهُلاً تامَّاً ويُقَدَم للطلبة والطالبات منهجٌ دِراسيٌّ مُتَمَاثل.
إنَّ طُرَقَ التدريس في المدارس الابتدائية تُلائم البنات ِأكثر مما تلائم الأولاد ولِذا فهُم يُعانون في هذه المرحلة.. أمَّا في المراحل التي تَلِيها حتى الجامعة فَهِي تُلائم الفتيان أكثر مما تلائم الفتيات..
ويعتقد الباحثون الاجتماعيون أن الاختلاف في سلوك الأولاد عن البنات راجعٌ إلى التوجيه والتربية في البيت والمدرسة والمجتمع و التي ترى أن الولد يجب أن يكون مِقداماً كثيرَ الحركة بل وتَقْبَل مِنْه أيَّ سُلوكٍ عُدْوانيٍّ بِهَزِّ الكَتِفَين ,بينما ترى في الفتاة أن تكون رقيقةً هادئةً لطيفةً.
ولكن الأبحاث العلمية تُبَيِّن أن الاختلاف بين الجنسين ليس عائداً فحسْب إلى النَّشْأة والتربية وإنما يَعود أيضاً إلى اختلاف التركيب البيوليجي وإلى اختلاف تكوين المخ لدى الفتى عن الفتاة.
وحتى لو حاول الداعون إلى المساواة المُطْلَقة بين الفتى والفتاة أنْ يُنْشِّئوهما على نفس المنهج حتى لَتُعْطِى لِعَب المُسَدْسات وآلات الحرب للفتيات وتُعطِى العَرائس للأولاد فإن الفروق البيولوجية العميقة الجذور ستفرِضُ نفسها وتؤدي إلى السلوك المُغَايِر بين الفتى والفتاة.
ولقد أدرك العلماء والباحثون عُمْق هذه الفروق فوجدوا أنَّ الطفل الرضيع يختلف في سلوكه على حسْب جِنْسه.. فالبِنت بعد ولادتها بأيام تنتبه إلى الأصوات وخاصة صوت الأم بينما الولد لا يكْتَرِث لذلك.. ولهذا فإن َّالرضيعة يمكن إخافَتُها بِإِحْداثِ صوتٍ مُفاجئٍ بأكثر مما يمكن إخافة أخيها..
وتقول الدراسة أن الطفلة تستطيع في الشهر الخامس أن تُمَيِّز بِسَهُولةٍ بين الصُّور المَعْهودة لَدَيْها.. وتبدأ الطفلة مُحاوَلَة الكلام والمُنُاغاة من الشهر الخامس إلى الثامن بينما يفشل أخوها في التفريق بين وجه إنسانٍ ووجه لُعْبَةٍ.. وتبدأ الطفلة في الحديث عادةً قَبْل أخيها.. وتتمكَّن من تَعَلُّم اللغات في الغالب أكثر من أخيها.
ويُظْهِر الأولاد تفوقاً كبيراً على البنات في الأمور البَصَرِية وفي الأشياء التي تتَطَلَّب تَوازُنًا كاملاً في الجسم.. ويقوم الطفل الذَّكر بالاستجابة السريعة لأيِّ جسم متحركٍ أوْ لأيِّ ضَوْءٍ غَمَّاز كما أَنه يَنْتَبِه إلى الأشكال الهندسية بِسُرعة أكبر من أخته وله قدرةٌ فائقةٌ على محاولة التَّعَرُّف عليها وتفكيكها..(14/238)
وفي سِنِّ الصِّبا فإنَّ الأولاد يتُوقُون إلى التَّعَرُّف على بيئاتهم ويَنْتَقلون بكَثْرةٍ من مكانٍ إلى آخر لاكتشافها بينما تَمِيل البنات إلى البقاء في أماكنهم..
ويستطيع الأولاد التصرف بِمَهارةٍ أكبرَ في كل ما يتعلق بالأشكال الهندسية وفي كل ما له اتجاهاتٌ ثُلاثية «Three Dimensional objects» وعندما يُطْلَب مِن الولد أن يُكَوِّن شكلاً مُعَيَّناً من وَرَقٍ مُقَوّى مَثَلاً فإنه يتفَوَّق على أخته في ذلك تفَوُّقاً كبيراً.
وما يُعْتَبَر اكتشافاً مُذهِلاً هو؛أن تخزين القدُرات والمعلومات في الدِّماغ يختلف في الولد عنه في البنت.. ففي الفتى تتجمَّع القُدُرات الكلامية في مكانٍ مختلفٍ عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودةٌ في كِلا فَصَّي المُخ لَدَى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تَخَصُّصاً مِن مُخ أخته.
ولعل هذه الحقائق المُكْتَشَفَة حديثًا تُفَسِّر ولَو جُزْئِياً؛لماذا نرى أغلب المهندسين المِعْمارِيِّين من الذكور دون الإناث.. وقد كان أول من اكتشف هذه الحقيقة الباحث النفسي لانسدل من المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة عام 1962 ثم أَكَّد هذه الأبحاث كثيرون؛منهم أُستاذة علم النفس في جامعة مكماستر بكندا ,الدكتورة, ساندرا ويلسون.
ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء تُرِينا تساوياً بين الفتى والفتاة ما عدا فَحْصَين منهما... وهما فَحْص ترتيب الصور والفراغات بين الأصابع Picture arrangment and digial span فإنهما يُرِيانا تفوُّقاً كبيراً في صالح الأولاد على البنات.
ولهذا فإن فحْص الذكاء في مجموعةٍ يؤدي دائمًا إلى تَفَوُّق الأولاد على البنات.
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا البروفسور توراناس «إن المساواة بين الجنسين تُشَكِّل عَقَبَةً كَأْداءَ في القدرات الخَلاَّقة. فالقُدرات الخلاَّقة لَدَى الفتاة تحتاج إلى الحساسية والصفات الأنثوية بينما تحتاج في الفتى إلى الاستقلالية وصفات الرجولة».
وتقول الدراسة إنَّ أغلب الأولاد يَمِيلون إلى كثرة الحركة وشئٍ من العُنْف بينما أكثر الفتيات إلى السَّكِينة والهدوء وقِلَّة الحركة.
إن هذه الدراسات احصائية وتتحدث عن الجنسين على صورة العُموم ولكنها ليست شخصيةً: أيْ أنها لا تتحدث عن هذا الشخص أو ذاك وإنما تتحدث عن المجموع والصبغة الغالبة..
وإمْكانِية أنْ يَشُدَّ فردٌ من هذا الجنس أو ذاك عن القاعدة أمرٌ لا يُلْغِي القاعدة في ذاتها.
وعلينا أن لا نتجاهل الحقائق العلمية البيولجية فنحاول أن نجعل تربية الفتى مماثلةً لتربية الفتاة, ودورَ الفتى في الحياة مماثلاً لِدَورِ الفتاة لأننا فقط نرغب في ذلك... فهذا التفكير المَيْنِيُّ على الرغبات Wishful Thinking يُصادِم الحقائق العلمية».
ا ه- مقال الريدرز دايجست
وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة وأن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثيرٍ من تلك الموجودة في مخ المرأة.
وتقول الأبحاث أن المقدرة العقلية والذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ووَزْن المخ وعدد التلافيف الموجودة فيه.
فالانسان يُعْتَبَر صاحب أكبر دماغ بين جميع الحيوانات بالمُقارَنة مع حجم ووزن جسمه.. وتلافيف مُخِّه أكثر بكثير مما هي عليه في أي من الحيوانات الدنيا أو العليا.
وقد يقال إنَّ وزن وحجم المخ يعتمد على وزن وحجم الشخص.وهذا صحيح فإن مخ الفيل أكبر من مخ الإنسان ولكن مخ الفيل بالنسبة لوزنه وحجمه ضئيلٌ جداً.. وأما مخ الإنسان فإنه كبير بالقياس إلى جسمه ومقارنته ببقية الحيوانات.
وحتى لو أخذنا هذه الحقيقة في الحُسْبان فإن دماغ الرجل سيَظَل أكبر وأثْقَل وأكثر تلافيفاً من دماغ المرأة.
ويزيد مخ الرجل في المتوسط عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام... كما يزيد حجمه بمعدل مائتي سنتيمتر مكعب. ونسبة وزن مخ الرجل إلى جسمه هي 1/40 بينما نسبة مخ المرأة إلى جسمها تبلغ 1/44 فحسْب.
ولعل في هذا دليلاً على ما ورد في الحديث النَبَوِيِّ الشَّريف مِن نُقْصان عَقْل المرأة بالنسبة للرجل.
وجعل الله سبحانه شهادة المرأتين مساويةً لشهادة رجلٍ واحدٍ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة 281].
هذه الفروق كلها تؤكد إعجاز الآية{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وليست الدرجة مُقْتَصِرةً فقط على التركيب البيولوجي ولكنها أيضًا تشمل التركيب النفسي... والقدرات العقلية والكلامية.. والفَنِّية ( أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ).(14/239)
فإذا نَظَرْتَ في التاريخ وجدت النابغين في كل فَرْعٍ من فروع المعرفة والاختراع والحياة من الرجال لا يَكاد يُحْصِيهم مُحْصٍ... بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالات المعرفة أو الاختراع محدودات معدودات وتستطيع أن تَذْكُر المئات من الرجال في كل فنٍّ من فنون المعرفة.. وفي قِيادة الجيوش وفي الاختراعات وفي الصناعة وفي المال والاقتصاد.. ولكنه سيَعْسُر عليك أنْ تَعُدَّ العشرات من النساء في أي من هذه الفنون المختلفة من المعارف الإنسانية والصناعات والاختراعات... وتستطيع أن تعد عشرات الأنبياء والمرسلين وهم صفوة البشر.. ولكنك لا تستطيع أن تَجِدَ واحدةً تَتَّصفُ بصفات النُّبُوة والرسالة... رغم عِظَم بعض هؤلاء النساء من أُمَّهات الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم... فمَرْيَمُ العَذْراءُ سَيِّدَة النساء في زمانها... وفاطمة الزَّهْراء سيدة نساء العالمين... لا يُضَارِعُهُنَّ أحدٌ من النساء.. ونِعالُ الواحدةِ منهن خيرٌ مِن آلافِ الرجال.. لكنَّ الحقيقة تَبْقَى بعد ذلك أنَّه لم تَرْقَ واحدةٌ منهن إلى مَصافِّ النُّبُوة...
وليس هذا قَدْحاً في المرأة... فإن أعظم العباقرة يتَصاغَرُ أمام أبسَطِ الأمهات... ولا يستطيع أعظَمُ قادةِ الدنيا من الرجال أن يفْعَل ما تفعلُه أبسط النساء وأجْهُلُهُنَّ... إنه لا يستطيع أن يُنْجب طفلاً ويَحْمِلَه في بطنه تِسعة أشْهرٍ كما أَنَّه لا يُمْكِنُه إِرْضاعُه وتربيته مهما كان له من العبقرية والنُّبوغ!!
فوظيفة الأُمُومة لا يستطيع أن يقوم بها أيُّ رجلٍ مهما كان حظُّه عظيما من النُّبوغ.. ووظيفة الأمومة تتصاغر أمامها كل الوظائف الأخرى.. حتى يَجْعل الرسول الكريم الجَنَّة تحت أقدامها «الجَنَّةُ تحَتْ أَقْدَامِ الأمَّهاتِ» ويُوْصِي أصحابه وأُمَّتَه بِرِعاية الأُم بأَضْعاف ما يُوْجِبُه لِلأبِ. فعندما سُئِلَ المُصْطفى صَلوَاتُ اللهِ وسلامه عليه مِن أحَدِ أصحابه: مَنْ أحَقُّ الناسِ بِحُسْن صُحْبَتِي وبِرِّي, قال المصطفى: «أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أَبوك ثُمَّ أدْناكَ فأدْناكَ».
وركَّز القُرآنُ الكريم على بِرِّ الوالدين وحثَّ عَلَيْهِما أَيَّمَا حَثٍّ وخَصّ الأُمَّ بِزِيادة ذكرٍ لِيُبَيِّن مَزيدَ فَضْلِها.
قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان] .
وقال عزَ َّمن قائل { وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف] .
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [ الإسراء].
ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل ِ«وللرجال عليهن درجة» «فَلَيْسَت شواهِدُ التاريخ الحاضر المُسْتَفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تُقِيم الفارق بين الجنسين. إذ لا شك أن طبيعة الجنس أدَلُّ من الشواهد التاريخية والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اخْتُصَّ بها الذكورُ من نوع الإنسان إنْ لم نَقُل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القَوامة.. فَكُلُّ ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل التركيب يَدُلُّ على أنه علاقةٌ بين جنسٍ يُريد وجِنْسٍ يَتَقَبَّل وبين رَغْبةٍ داعيةٍ ورغبة مُسْتَجِيبَةٍ تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوانات التي تَمْلِك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتاً من الأوقات.
وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والإناث لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة ولا بالعِراك لِلْغلَبة على الجنس الآخر..
وليس هذا مما يَرْجع في أُصوله إلى الحياء الذي تَفْرِضه المجتمعات الدينية ويُزَكِّيه واجبُ الدين والأخلاق؛بل يُشاهَد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثه حيث لا يُعْرَفُ حياءُ الأدب والدين. فلا تُقْدِمُ الإناث على طَلَبِ الذُّكور بل تتَعَرَّض لها لتراها وتَتَّبِعَها وتُسَيِْطِر عليها باختيارها ولا تزال الأنثى بِمَوْقِف المُنْتَظِر لِنَتِيجَةِ العِراك عليها بين الذكور لِيَظْفَر بها أقْدَرُها على انْتِزاعِها.(14/240)
وأدَلُّ مِن ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أنَّ الاغْتِصابَ إذا حَصَل إِنَّما يَحْصُل من الذكر للأنثى ولا يَتَأَتَّى أنْ يكُونَ هناك اغْتِصابٌ جَسَدِيٌّ من أنثى لِذَكر.. وإن غَلَبَةَ الشَّهوة الجنسية تَنْتَهِي بالرجل إلى الضَّراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغَشْية... وأعْمَقُ من ذلك في الإبانَةِ عَن طبيعة الجنس؛أنَّ عَوَارِضَ الأنوثة تكاد تكون سَلْبِيةَّ مُتَلَقِّية في العلامات التي يُسَمُّونها بالعلامات الثانوية فإذا ضعُفَت هُرمونات الذكورة وقَلَّت إفْرازاتُها بَقِيَت بَعْدَها صفات الأنوثة غالبةً على الكائن الحي كائناً ما كان جنسه (وذلك ما هو مُشاهَدٌ عند إخصاء الذكور فتظهر الصفات الأنثوية وتضْمَحِلُّ صفات الذكورة).. ولكنَ صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعُفَت هرمونات الأنوثة... إنما يَظْهر منها ما كان يَعُوقُه عائق عن الظهور.
ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوينٌ عاطفيٌّ خاصٌّ لا يُشْبِه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد لا تَنْتهي بمناولَتِه الثَدْي وإرْضاعِه.. ولابُد مَعَها من تَعَهُّدٍ دائم ومُجاوَبَةٌ شُعورية تَستدعِي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه.. وبين فهمها وفهمه ومدارج حسه وعطفه.. وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيراً في أطوار حياتها من صِباها الباكِر إلى شيخوختها العالية فلا تخلو من مُشابَهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل والمُجافاةِ ,وفي حُب الوِلاية والحَدْبِ مِمَّن يُعامِلها ولو كان في مِثْل سِنِّها أو سِن أبنائها..
وليس هذا الخُلُق مما تَصْطَنِعُه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت حضانة الأطفال تَتِمَّةً للرضاع تَقْتَرِن فيها أدواته الجسدية ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى. ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتَعَهُّد الأطفال الصِّغار أصْلٌ من أصول اللِّينِ الأُنثوي الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحِسِّ والاستجابة للعاطفة. ويصْعُب عليها ما يسْهُل على الرجل من تحكيمِ العقل وتَقْليب الرأْيِ وصلابة العزيمة... فهما ولا شك مختلفان في هذا المِزاج اختلافاً لا سبيل إلى المُمَاراة فيه».
تتعرَّض المرأة وتنتظرُ والرجل يطلب ويسعى والتَّعَرُّضُ هو الخُطْوَة الأُولى في طَرِيق الإغراء ,فإن لم يَكْفِ فَوَراءَه الإغْواءُ بالتَّنْبِيهِ والحِيْلَة والتَّوَسُّل بالزِّينَةِ والإيْماء. وكل ذلك مَعْناه تَحْرِيكُ إرادة الآخَرِين والانتظار».
« فإرادة المرأة تتحقق بأمرين: النجاح في أن تُرَاد والقدرة على الانتظار. ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية على الأقلِّ إنْ لم نَقُل في جميع الشؤون».
«فالإغواء كافٍ للأنثى ولا حاجة َبها إلى الإرادة القاسِرة بل مِن العَبَثِ تَزْوِيدُها بالإرادة التي تَغْلِب بها الذكر عُنْوة لأنها متى حمَلَت كانت هذه الإرادة مَضْيَعَةٌ طُوال فترة الحمْل بِغير جَدْوَى على حين أن الذكور قادرون إذا أدَّوا مَطْلَب النَّوع مرة أنْ يُؤَدُّوه مراتٍ بلا عائق من التركيب والتكوين... وليس هذا في حالة الأنثى بميسورٍ على وجهٍ من الوجوه».
وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ولا تَعْتَزُّ المرأة بأن تُريدَه؛لأن الإغواء هو مِحْوَرُ المَحاسِن في النساء ,والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال. ولذا زَوَِّدَت الطبيعة المرأة بِعِدَّة الإغواء ,وعَوَّضَتْها عَن عِدَّة الغَلَبة والعزيمة. بل جعلتها حين تُغْلَب هي الغالبة في تحقيق مَشيئة الجنسين على السَّواء».
ا.ه - كلام الأستاذ العقاد
والفروق بين الذكر والأنثى في الجَنين من الشهر الرابع حيث تَتَميز أعضاء الذُّكورة وأعضاء الأنوثة.. وحيث يكون المخ ومنطقة «تحت المهاد» قد تَمَيَّزت كاملاً بين الجنين الذكر والجنين الأنثى.
وقد لاحظ العلماء والأطباء والمرَبُّون الاختلاف الشاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك شقيقته الأنثى ولو كانا تَوْأمين.. فالصَّبي عادةً أكثر عُنفاً ونشاطاً وإدْراكاً من أخته.
وتشكو الأمهات في العادة من نَشاط أولادهِنَّ الزائد وما يُسَبِّبونه لهَنُ من متاعب وتحطيمٍ في أثاث المنزل بينما البنات في العادة هادئاتٌ..
وتَمِيل الصَّغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تَسْرِيحِهِن والعناية بهن ويَقُمْن تِلْقائيًا بِدَوْر الأُم بينما يَصْعُب على الصَّبِي فِعْل ذلك وسرعان ما يَلْوِي رَقَبة العروسة إنْ أُعْطِيَت له ويُمَّزقها لِيَنْظر ما في أحشائها؟
ويعرف الآباء والأمهات الذين رزقهم الله ذُرِّيةً من الأولاد والبنات الفروق الشاسعة بين أطفالهم.. وتَقِف البنت الصغيرة أمام المرآة وتَتَدَلَّل تِلقائياً.. وكثيراً ما كنت أسمع من بناتي وهُن لم يُجَاوِزْن بعد سن الثالثة عند لِبْسها ثوباً جديداً واستعدادها للخروج مع أمها: يا بابا شُوف الجمال!!.. أو يا بابا إيه رأيك في الفستان الجميل دَه «أو يا بابا شوف التَّسريحة الحُلوة دي».(14/241)
ولم يخْطُر بِبال الصبي أن يفْعَل مثل ذلك بل هو مشغولٌ منذ طفولته الباكرة باللعب بالكرة أو بِتَفكيك الألعاب التي تُهْدى له لِيَعْرف ما بداخلها.
وتستمر الفروق تنمو يوماً بعد يوم حتى تَبْلُغ أَوَْجَ اختلافها عند البلوغ عندما تستيقظ الغُدد التناسلية من هَجْعَتِها الطويلة وتَنْشَط فَتُرْسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليُصبح رجلاً فينمو شعر عُذارِيه وذَقْنه وشاربه ويصبح صوته أجَشّ غليظاً... وتنمو عضلاته وعظامه وتَقْوَى.. ويتوزع الدهن في جسمه توزيعاً عادلاً.. ويكون عريض المِنْكَبين قَوِي الساعدَين مفتول الذِّراعين.. أما الفتاة فتنهَمِر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو أثْداؤُها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض.. ويتوزع الدهن في جسمها بحيث يُخْفِي أيَّ نُتُوءٍ أو حُفْرَةٍ لا ترتاح لها العين.. ويزداد الدهن في أرْدافها وعَجُزِها.. ويَنْعُم صوتها ويَصِير رخيماً.. ليس هذا فحسب ,ولكنَّ الهرمونات تُؤَثر في السلوك كما تؤثر في القَوام والمِشْيَة فتَجعلَ الفتى مِقْداماً مُحِباً لِلْمُغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخَفْر والحياء مَيَّالةً إلى الدَّلال والتَّغَنُّج.
وهي فروقٌ تظهر في الحيوان المنويّ والبويضة كما تَظْهر في الفتاة اليافِعَة والشاب الذي طرَّ شارِبُه.
وظائف المرأة الفسيولوجية تَعُوقُها عن العمل خارج المنزل:
وإذا نظرنا فقط إلى ما يَعْتَرِي المرأة في الحَيْض والحمل والولادة لَعَرفْنا أن خروجها إلى مجال العمل إنما هو تعطيل العمل ذاته.. كما أنه مُصادِمٌ لفِطرتها وتكوينها البيولوجي الذي لا مَنْدُوحَةَ عنه ..
(أ ) المحيض:
إِنَّ أنثي الإنسان.. والثدْيِيات العُليا مثل: القِرَدة والأورانج والشمبانزي هي التي تَحِيض ولها دَوْرَة رَحِمِيَّة كاملة.. أما بقيَّة الحيوانات فلا تحيض إناثها رغم ما يُشاع عن حَيْض الأرنب والضَّبع والخُّفاش.. فهذه جميعاً لا تحيض وإن كانت تُنْزِل دماً من أرحامها عند اهْتِياجِها الجنسيِّ الشديد.
وللحيوانات جميعِها فترةٌ محدودة ٌللنشاط الجنسيِّ وعادةً ما يكون في فصْل الربيع بينما النشاط الجنسي للإنسان مُتَّصِلٌ على مَدار العام.. ولا تُفْرِز الإناث من هذه الحيوانات بويضاتها إلا في فترةٍ محدودةٍ من العام بينما تُفرز المرأة بُويضة مرةً في كل شهرٍ منذ البلوغ إلى سِنِّ اليأْس.. أَيْ خلال ما يَزيد على ثلاثين عاماً كاملةً.. وهي طوال هذه المُدة مُعَرَّضَةٌ لِلْحَيض في كل شهر إلا إذا وقع الحَمْل وتَتَعَرض المرأة في أثناء الحيض لآلام ومُعاناةٍ نُلَخِّصُها فيما يلي:
1) تُصاب أكثر النساء بآلام وأوْجاعٍ في أسفل الظَّهر وأسفل البطن.. وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يَسْتَدْعِي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المُسَكِّنة للألم.
2) تُصاب كثيرٌ من النساء بحالةٍ من الكآبة والضِّيق أثناء الحيض وخاصةً عند بدايته.. وتكون المرأة عادةً مُتَقَلِّبة المِزاج سريعة الاهْتِياج قليلةَ الاحتمال.. كما أنَّ حالتها العقلية والفكرية تكون في أدْنى مُستوىً لها.
3) تُصاب بعض النساء بالصُّداع النِّصْفيِّ (الشَّقِيقَة) قُرْبَ بداية الحيض.. وتكون الآلام مُبْرِحَة وتَصْحبها زَغْلَلة في الرؤية وَقَئٌّ.
4) تُقِل الرغبة الجنسية لَدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض.. وتمَيل كثيرٌ من النساء في فَترة الحيض إلى العُزْلة والسَّكِينة. وهذا أمرٌ طبيعيٌ وفسيولوجي؛إذْ أنَّ فترة الحيض هي فترة نَزيف دمَوِيٍّ من قُعْر الرحم.. وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالةٍ شِبْهِ مَرَضية.
5) فَقْر الدم (الأنيميا) الذي ينْتُج عن النزيف الشهريِّ إذْ تَفْقِد المرأة كِمِّية ًمن الدم في أثناء حيضها.. وتختلف الكِمِّية من امرأةٍ إلى أُخْرَي وقد قِيْسَت كِمِّيةُ الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فَوُجِد ما بين أُوقيَِّتَين (60 ميليليتر) وثمان أوقيات (مائتين وأربعين ميليلتر).
6) تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجةٍ مِئَوِيةٍ كاملةٍ.. وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تَكُفُّ في جسم الكائن الحيِّ تكون في أدْنَى مستوياتها أثناء الحيض. وتُسَمَّي هذه العمليات بالأَيْض أو الاستقلاب Metabolism ويَقِل إنتاج الطاقة كما تَقِل عمليات التمثيل الغذائي.. وتقل كمية استقلاب المواد النَّشوية والدهون والبروتين..
7) تُصاب الغُدَد الصَّماء بالتَّغَيُّر أثناء الحيض فتَقِل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
نتيجةً للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويُبْطِئ النَّبْض وينخفض ضغط الدم وتُصاب كثير من النساء بالشعور بالدُّوخة والكَسَل والفُتُور أثناء فترة الحيض..(14/242)
ومِن المعلوم أنَّ الأعمال المُجْهِدَة والخروج خارج المنزل ومُواجهة صِعاب الحياة تحتاج إلى أعْلى قدْرٍ من القوة والنشاط والطاقة.. فكيف يَتَأَتَّى للمرأة ذلك وهي تُواجِه كل شهرٍ هذه التغييرات الفيسيولوجية الطبيعية التي تجعلها شِبْه مريضة.. وفي أدنى حالاتها الجسَدية والفكرية..
ولَو أُصِيب رجلٌ بنَزْفٍ يَفْقِد فيه رُبْع لِتْرٍ من دَمِه لَوَلْوَل ودعا بِالوَيْل والثُّبُور وعَظائِم الأُمور وطلب أجازةً من عمله.. فكيف بالمِسْكينة التي تَنْزِف كل شهرٍ ولا يَلْتَفِتُ إليها أحد..
وانْظُر إلى آثارِ رحْمةِ الله بالمرأة.. كيف خَفَّفَ عنها واجباتها اثناء الحيض فأعْفَاها من الصلاة ولم يُطالبها بقَضَائها.. وأعْفاها من الصوم وطالبها القضاء في أيام أُخَر وأعْفاها من الاتِّصال جِنْسيًا بِزَوْجها وأخْبَرها وأخْبَر زوجها بأنَّ الحيض أذَى وطَلب منهما أن يَعْتَزل كلٌّ منهما الآخر في الحيض قال تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (579).
(ب) الحمل:
لا تَكاد الفتاة تتزوج حتى تنتَظِر اليوم الذي تَحْمِل فيه بفارِغ الصَّبْر وتكاد تَطِير فَرَحًا عندما تَعْلَم بأنها حاملٌ لأوَّل مرَّة. ومع هذه السعادة الغامرة تبدأ الآلام والأوْجاع والوَهْن..
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [ لقمان].
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف]
يَنْقَلِب كِيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الحمل بالغَثَيان والقَئ.. وكثيرًا ما يكون ذلك شديدٍا وخاصة في الأشْهُر الأُوْلى من الحمل.,. وتُعْطِي الأم جَنِينَها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهْضُومةٍ جاهزةٍ حنى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها.. بل إن الأمر أبْعَد من ذلك.. فإنَّ الجنين يحصُل على حاجاته من دَمِ الأم ولو اضْطُّرَت الأم المسكينة أن تُعْطِيه ما يحتاج إليه من عِظامها.. حتى لَتُصاب بِلِينِ العظام وتَسَوُّس الأسنان من جَرَّاء سحْبِ الجنين للكالسيوم وفيتامين «د» من دم الأم وعظامها.
كما أنَّ مُعْظم الأمهات يُصَبْن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النِّصْف الثاني من مدة الحمل.. وذلك لانْتِقال المُواد الهامَّة لِصُنْع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكِنِ خَزْنِها في جسم الأم.
وفقر الدم (الانيميا) يُنْهِك الأم وإذا زادت درجَتُه فإنه يُؤَدِّي إلى هُبوطِ القلب.
ليس هذا فحسْب ولكنَّ الجنين يَسْحَب كل ما يحتاج إليه من مواد لِبِناءِ جِسْمِه ونُمُوِّه حتى ولو تَرك الأم شَبَحًا هَزيلاً.. يُعاني من لِين العظام ونَقْص الفيتامينات وفقر الدم.. وهي تفعل ذلك راضِيةً مُخْتارة.. كما تقوم الأم بأخْذِ جميع المواد السامَّة التي يُفرزها جسم الجنين وتَطْرُدها بَدَلاً عنه.
ولا تكْتَفِي الأم بكلِّ هذا بل تُعْطِي جنينها مواد المَناعَةضِدَّ الأمراض وتَمْنع عنه المَشِيمَة كلَّ ما يَضُرُّه من موادٍ موجودةٍ في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها تَصُد عنه دخول الميكروبات إلا فيما نَدُر.
وفي الحمل يتَحَمل القلب أضْعاف أضْعاف ما يتحمَّلُه قُبَيْل الحمل.. فإنَّ عَلَيه أنْ يقوم بِدَوْرَتَيْن دَمَوِيتين كاملتين؛ دورةٌ للأم ودَورةٌ للجنين ويتحَمَّل تَبِعَات هاتين الدَّوْرتَين.. وتزداد كمية الدم التي يضُخُّها قلب الأم إلى ما يَزيد عن ضِعْفَي ما يَضُخه يوميًا (يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يوميًا. أمَّا في أثناء الحمل وخاصةً قُرْبَ نهايته فَتَصِل الكِمية التي يَضُخها القلب إلى 15,000 لتر يوميًا).
وتزداد سرعة القلب ونبضاته.. ويكْبُر حجْمُه قليلاً.. وبامْتلاءِ البطْن ونُمُوِّ الجنين يَضغَط الحِجابُ الحاجز على القلب والرئتين فيُصبِح التَّنَفُّس أكثر صُعوبةً وتَشْكو الحامل من ضِيقِ التنفس والنَهَجان (580) وخاصة عندما تَسْتَلْقِي على ظَهرها..
ويَضغَط الرحِمُ على الأوْرِدة العائدة من الساقَين فتمْتلِئُ هذه الأخيرة بالدماء وتنْتَفِخُ مُسَبِّبةً دَوَاليَ الساقَين.. كما تَتَوَّرم القَدَمان قليلاً في أَوَاخِر الحمل..
ويُصاب الجهاز الهضميُّ من أَوَّل الحمل فَيَكْثُر القَئ والغَثَيان.وتَقِل.الشهية, ثُم بعد ذلك تَزداد الحُرْقة واللَّذْع والتهابات المعدة.. كما تُصاب الحامل في العادة بالإمْساك وتَضْطَرب الغُدد الصماء في وظائفها.. وتُصاب بعض النساء بِتَوَرُّم الغدد الدَّرَقِية أثناء الحمل نتيجة نقص اليُود.(14/243)
كل هذه التغيرات وأكثر منها تحدث في الحمل الطبيعي..
وفي كثيرٍ من الأحيانِ يُضاف إلى هذه المتاعب التهابات المَجَارِي البَوْلِية.. التي تزداد زيادةً كبيرةً أثناء الحمل.. مما يؤدي إلى فُقْدان البروتين (الزُّلال) من البَوْل وتَوَرِّم الأرْجُل والأقدام والوَجْه وارتفاع ضغط الدم..
وهذا الأخير يُعْتَبر أهم عاملٍ في حدوث حالاتِ تسَمُّم ِالحمل الخطيرة. لِذا فإنَّ على الحامل أنْ تَعْرِض نفسها على الطبيب مرةً كل شهر لمِتُابعة حالتها وفي أشْهر الحمل الأخيرة ينبغي أنْ يراها الطبيب مرة كل أُسبوعَين..
ولن نتحدَّث عن حَمْل التَّوائِمِ ومُضاعفاتِه ,ولا عن الحمل خارج الرحِم وخطورته على حياة الأم.. ولا عن أمراض القلب وأمراض الكُلَى وتَسَمُّم الحمل. فَكُل هذه لها مجالٌ آخَر.. ولكننا نُشير فقط إلى ما تُكابِدُه الأم من مَشاقٍّ أثناء الحمل الطبيعي.
وفي أثناء الحمل يزداد وَزْن الأم بِمُعَدَّل كيلو جرام ورُبع, كل شهر حتى إذا بلغ الحمل نِهايته كانت الزيادة عشرة كيلو جرامات؛ سبْعةٌ منها للجنين وأغْشِيته والمَشِيمة.. وثلاثةٌ منها زيادةٌ فِعْلِيةٌ في وَزْن الحامل..
ويقول مجْمُوعةٌ مِن أساتذةِ طِبِّ النساء والولادة في كتاب «الحمل والولادة. والعقم عند الجنسين»:«والطفل يُعْتَبر كالنبات الطُّفَيْلِي الذي يَسْتمد كل ما يحتاج إليه من الشجرة التي يتعلق بها فهو يعيش ويأخذ غذاءه من الأم كاملاً مهما كانت حالتها أو ظروفها حتي لو تركها شَبَحَاً».
وفي موْضِعٍ آخَر يقول «يعْتَبِر مُعظم الأطِباء – وهذا صحيح ٌ– أنَّ الجنين داخل الرحم مُتَطَفِّلٌ على أُمِّه لأنَّ المواد الغذائية كالأحماض الأمِينِة والجلوكوز وكذا الفيتامينات والأملاح ,كالحديد والكالسيوم والفسفور وغيرها تنتقل من الأم إلى الجنين خلال المشيمة.. والمعروف أنَّ طَلَبات الجنين تُلَبَّي بصِفةٍ إلْزامِية حتى وإنْ كان هناك نقْصٌ في كل أو بعض هذه المواد الحيوية عند الأم».
ولا تُعاني الأم من كل هذه المتاعب الجسدية فحسْب ولكنَّ حالتَها النفْسية كذلك تضْطَرِب أيَّما اضْطِرابٍ فهي بين الخوف والرجاء.. الخوف من الحمل ومَتاعبه والولادة ومتاعبها والرجاء والفرح بالمولود الجديد.. وتضطرب نفسيتُها وتُصاب في كثيرٍ من الأحيان بالقلق والكآبَة.. وتَقَلُّب المِزاج.. ويقول كِتاب «الحمْل والولادة» المُشار إليه آنِفاً: «تحتاج (الحامل) إلى عنايةٍ شديدةٍ من المُحِيطِين بها في هذه الفترة بالذات. إذْ تكون أكثر حساسيةً مِن أيِّ فترةٍ مَضَتْ سريعة التأثير والانفعال والمَيْل إلى الهموم والحثزْن لأتْفَهِ الأسباب.. وذلك بسبب التغير الفيسيولوجي في كل أجْزاء الجسم.. لِذا يجب أنْ تُحَاط بِجَوٍّ من الحنان والبُعْد عن الأسباب التي تُؤَدِّي إلى تأثرها وانفعالها وخاصة من ناحية الزوج أو الذين يعيشون ويتعاملون معها»..
وقُلْ لِي باللهِ عليك هل يُمْكِن أنْ تُحاط بِجَوٍِّ من الحنان في المَصْنَع أو المَتْجَر أو في المَكْتَب.. وصاحب العَمَل لا تُهِمُّه حالتُها الفيسيولوجية ولا يَعرف حاجتها البيولوجية إلى الحنان.. إنه يعرف فقط أنَّ عليها أنْ تؤدي عملاً تأْخُذُ مُقابِلَه راتباً مهما كانت ظروفها..
وليس هو مسؤولاً عن حَمْلِها.. (وحتى لو كان المسؤول عن حملها فإنه لا يَهْتم لذلك في الغالب)، كما أنه لم يكن مسؤولاً عن حالتها أثناء الحيض..
لا شك أن حالة الحيض المُتَكَرِّرة وحالات الحمل والولادة تتناقَض ومصلحةَ العمل. وخروجها إلى العمل لِتُنافِس الرجال يُصادِم الفِطرة.. ويُسَبِّب زيادةً مَلحوظةً في أمراض الحيض.. كما يسبب زيادة ملحوظة في مضاعفات الحمل والولادة.. ودائمًا ما يَنْصَح الأطباء الحوامل بالراحة واجتناب الإرْهاق الجسديِّ والنفْسيِّ.. كما ينصحون زوج الحامل وأفراد أُسرتها بأن يُخَفِّفُوا عنها ما استطاعوا وأنْ يُعاملوها بالرِّفْق والحنان وأنْ يَحْتَمِلوا ما قَدْ يَبْدُرُ منها مِن جَفَاءٍ أوْ سُوءِ مُعاملةٍ أو غِلْظَةٍ.. أو سوء خُلُق على غَير عادتها وطبيعتها..
وفي الحديث:(إنَّ المرأة قد خُلِقَتْ مْنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فإذا أرَدْتَ أنْ تُقيْمَها كسَرْتَها.. ولكن عليك أن تستمتع بها على ما فيها من عِوَج..) «وخيرُكُم خيرُكُم لأَهْلِهْ وأنا خيرُكُم لأهْلِي».
وصدق الله العظيم حيث يقول: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ).
وحيث يقول {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}.
فهي في وَهْنٍ مِن أوَّل الحمل إلى آخِرِه.. وهي في آلامٍ وأوْجاعٍ ومصاعبَ وأوْصابٍ مِن أوَّل حمْلِه إلى أنْ تَضَعَه.. ثُم تُواجِه بَعْدَ ذلك مَشَقَّةَ الرَّضاعة ومَشقة التربية.أَفَلا تكون بعد هذا كله جَديرَةً بالتكريم والتَّوْقير والاحترام.. وتَوْفير التَّفَرُّغ الكامل لها لِتُؤَديَ هذه الوظيفة العظيمة المَنُوطَة بها.(14/244)
ألا إنه الجهل المَحْض والكُفْر المَقِيت لِدَوْر الأم العظيم حينما يُطْلَب منها أنْ تَخْرُج من بيتها لِتُنافِس الرِّجال بالمَناكِب والأقْدَام.
(ج) آلام الولادة:
إنَّ آلامَ الطَّلْق تَفُوقُ أيَّ أَلَمٍ آخَرَ.. ومع هذا فلا تَكاد المرأة تَنْتَهي مِن ولادةٍ حتى تَسْتَعِدَّ لِوِلادةٍ أُخْرَى.. ولا يَكاد الطِّفل يَخْرج إلى الدنيا ويُلامِس جسمه جسمها حتى يَفْتَرَّ ثَغْرُها عن ابْتِسامةٍ مُتْعَبَةٍ وهي تُعْطِيه أوَّل رَضْعةٍ له مِن ثَدْيِها.
وفي الماضي كانت الولادة عمَلية شديدة الخطورة وتَنْتَهي كثيرٌ من حالاتها بِوَفاة الأم أَ وَفاة الجنين أو وفاتهما معًا..
كما كانت حُمَّى النِّفاس مُنْتَشِرة بين الوالدات.. والحمد لله فقَدْ أمْكَنَ في العصور الحديثة خَفْضُ مُضاعَفَات الولادة على الأم والجنين ,ولكنَّ الطِّب لمْ يَتَمَكَّن من إِزالةِ جميع مَخَاطِر الولادة.. ولا تَزالُ مَجْموعةٌ من النساء يَلِدْنَ بالعملية القَيْصَرِية.. ومَجُموعة أُخْرى يَلِدْن بالجِفْتِ.. كما أنَّ مجموعةً قليلةً تَفْقِد حياتها أثناء الولادة أو بسبب حُمَّى النِّفاس أو تَمَزُّق الرَّحِم..
أما الأمراض المُزْمِنة الناتجة عن الحمل والولادة فلا تزال ,رغم التَّقَدُّم الطِّبِّي الهائل ,ليست بالقليلة. وأهَمُّها أمْراض الكُلَى وضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الجهاز التناسلي وأمراض الكبد.. كما أن َّالأمراض النفْسية وحالات الكآبة تَكْثُر أثناء الحمل وفي فتْرة النِّفاس..
(د) فترة النفاس:
تَبْقَي الأم في فترة النفاس أشْبَهَ بالمريضة.. وتُعَانِي من الإرْهاق بَعْد المَجْهُود الشاقّ الذي بذَلَتْهُ أثناء الحمل والولادة.
ومِن رحْمَةِ اللهِ أنَّ الرحِم الذي كان يمَلأ تَجْوِيف البطن من عَظم العانة إلى القص يَنزل مُباشرةً بعد الولادة إلى مُستوى السُّرَّة ويَنْخَفِض مُستواه تدريجيًا بِمُعَدَّل سنتيمترين يوميًا.. وفي خلال سِتَّةِ أسابيعَ يَعُودُ أدْرَاجُه إلى ما كان عليه قَبل الحمْل...
ولَكَ أنْ تَتَخَيَّل حالة الرحم في نهاية الحمل وهو يتَّسع لأكثرَ من سبْعةِ آلاف ميليلتر لِيَعود بعد نهاية النفاس إلى عُضْوٍ لا يتَّسِع لأكثرَ مِن ميليلترين فقط.. كما أن وزنه عند نهاية الحمل بمحتوياته تبلغ ستة آلاف جرام منها:
1000جرام وزن الرحم ذاته.
3500جرام وزن الجنين.
1000جرام وزن السائل الأمينوس المحيط بالجنين.
500 جرام وزن المشيمة.
أما في نهاية فترة النفاس فيعود الرحم إلى وزنه الطبيعي وهو خمسون جرامًا وتُعاني النُّفَساء من صُعوبةٍ أثناء التَّبَوُّل وخاصة في الأيام الأُولَى عَقِب الولادة نتيجةً لِتَسَلُّخات جدار المِهْبَل وفَتْحَة الفَرْج ومَجْرَى البَول أثناء الولادة.. ولكن سرعان ما تزول هذه الآلام..
وتُنْصَح النُّفَساء بِعَدم الإجهاد لأنَّ عَضَلَةَ القلب لا تَتَحَمَّل أيَّ مجهودٍ شديدٍ.. ولكن ليس معنى ذلك ألاَّ تتحرَّك النُّفساء؛ بل إنَّ حركَتَها الخفيفة مَطْلوبة لِتَنْشيط الدورة الدموية وخاصة في الساقين.. ولكن الإجهاد ضارٌّ بالأم, وقد تَحْصُل حالات هبوطٍ مُفاجِئٍ نتيجة استعجال الأم في الحركة الشديدة.
والغريب حقًّا أن َّالجِيلَ السابق من الأمهات كُنَّ يَحْرِصْن على الراحة التامَّة أثناء فترة النِّفاس بدرجةٍ مُبَالَغٍ فيها.. أمَّا الجِيْلِ الحاليّ فَعَلَى نَقِيْض ذلك يَحْرِص على الحركة والإجهاد بصورةٍ مُزعجةٍ.. ولا شك أنَّ المُغالاة في أحَدِ الجانبين ليس في مَصْلحة النُّفَساء.. وأنَّ خير الأمور أوسطها.
وأخشى ما تَخْشاه النفساء هو حُمَّى النِّفاس.. والحمد لله بفضل الله, ثُم بفضل التَّعْقيم والمحافظة التامة على النظافة أثناء الولادة وقبلها وبعدها فإن حدوث هذه الحالات أصبح نادرا.. وكم من حياةٍ يانِعةٍ أوْدَت بها حُمَّى النفاس في الماضي فقد كانت غُوْلاً بَشِعًا يَغْتال الوالدات.. ويُيَتِّم الأطفال الرُّضَّع الذين هم أكثر ما يكونون حاجة لأمهاتهم.
(هـ) الرضاعة:
قرَّر الإسلام حقَّ الطفل المولود في الرَّضاعة فقال تعالى:
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.(14/245)
كما قرَّر حق أُمه في النَّفَقَة حتى ولو طُلِّقَت في أثناء الحمل فجعل نهاية عِدَّتها أنْ تَضَع حملها{وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وُّجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.
في هذه الآيات الكريمة يُقَرِّر المَوْلَى ,عز وجل, حقَّ الطفل في الرضاعة كما يُقرر حق أمِّه في النفقة إذا أرْضَعَتْه.. ويُوَجِّه الوالدين كليهما إلى انْ يأْتَمِرا ويتشاوَرا في أمر وَلِيدِهما.. رغم الجَفْوَة والطلاق.. ويَرْبط ذلك كله بتقوى الله ويُرَقِّق مشاعرهما.. ويَطلب من الأبِ أنْ يُنْفِق مِن سَعَتِه دون عَنَتٍ ولا إرْهاق, ودون تقْتِيرٍ ولا بُخْل.. وإنما هي السَّماحة واليُسْر النَّدِيُّ في أمر هذا الدين كله..
وبعد مُضِيِّ أرْبعةَ عشَرَ قرْنًا من نزول هذه الآيات الكريمة فإنَّ الإنسانية لا تزال تَخْبِطُ في الدَّياجِير حتى اليوم.. ولا يَزال الوليد والأم يعانون أشدَّ المُعاناة حتى في عامنا هذا الذي أسْمَوْهُ عام الطفل (1979).. ولا تزال المنَظَّماتُ الدُّوَلِية وهيئة الصِّحة العالمية تُصْدِر البيان تِلْوَ البيان تُنادِي الأمهات أنْ يُرْضِعْن أولادهن.. ولا تزال الهيئات الطبية تصدر النشرات والمقالات حول جَدْوَى الرَّضاعة من الأم وفوائدها التي لا تَكاد تُحْصَر(581).. أما أنْ يَفْرِض القانون الدولي للأم المُرْضِع نَفَقًَةً كاملةً فأَمْرٌ لم تَصِل إليه حضارة القرن العشرين التعِيسة.. بينما قد أَمَرَ الإسلام بذلك منذ أربعةَ عشَرَ قرنًا من الزمان. وفوائد الرضاعة للطفل والأم أكثرُ مِن أنْ تُحْصَي ولكنا نُوْجِزُها هنا فيما يلي:
فوائد الرضاعة للوليد:
1) لبن الأم مُعَقَّّم جاهزٌ.. وتَقِل بذلك النَزَلاتُ المَعَوِية المُتكرِّرة والالتهابات التي تُصيب الأطفال الذين يَرضَعون من القارورَة. وكذلك تقل الالتهابات التي تُصيب الجهاز التنفسيَّ وذلك بسبب وُجود موادٍ مُضادةٍ للميكروبات في لبن الأم.
2) لبن الأم لا يُمَاثِله أيُّ لبنٍ آخَر مُحَضَّر من الجاموس أو الأبقار أو الأغنام فهو قد صُمِّم ورُكِّب لِيَفِي بِحَاجات الطفل يومًا بِيَوم منذ ولادته وحتى يكْبُر إلى سِنِّ الفِطام.. فترْكيب اللبا وهو السائل الأصفر الذي يُفْرِزه الثدْيِ بعد الولادة مُباشرةً ولمدة ثلاثة أو أربعة أيامٍ يحتوي على كِمِّياتٍ مُرَكَّزةٍ من البروتينات المَهْضُومة والمواد المُحْتوية على المُضادات للميكروبات والجراثيم (582).. كما أنها تَنْقُل جهاز المناعة ضِد الأمراض من الأم إلى الطفل..
3) يحتوي لبن الأم على كمية كافيةٍ من البروتين والسُّكَّر وبِنِسَبٍ تُناسِب الطفل تماماً.. بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنسانيِّ كما أنَّ نَوعية البروتينات والسُّكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضْمًا من تلك الموجودة في الألبان الأخرى.
4) تكْثُر لَدَى الأطفال الذين يَرضَعون من القارورة الوفيات المُفاجِئة التي تُدْعَى «Cot Death مَوْتُ المِهاد» وهذا النوع من الوفيات لا يُعْرَف لدَى الأطفال الذين يَلْتَقِمون أثْداء أمهاتهم.
5) نُمُو الأطفال الذين يَرضعون من أمهاتهم أسْرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة.
6) ينمو الطفل الذي يَرضع من أمه نفسيًا نُمُوًّا سليمًا بينما تكثُر الأمراض والعلل النفسية لدَى أولئك الذين يرضعون من القارورة.
7) يتَعرَّض الأطفال الذين يُرضَعون الألبان المُجَفَّفة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجِلدية بأنواعها والرَّبْو وحساسية الجهاز الهضْمِيِّ بالأضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يُرْضَعون من الثدْيِ لا يُعانون من هذه الأمراض إلاَّ نادِراً.
الفوائد للأم:
1) الارتباط النفسىُّ بين الأم وطفلها أثناء الرَّضاعة عاملٌ مُهِمٌّ لِنَفْسِيَّة الأم والطفل.
2) يَعود جِسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا قامت الأم بإرضاع وليدها.
3) يعود الرَحِم بسرعةٍ إلى حجمه وَوَضْعه الطبيعي أثناء الرَّضاعة.. وذلك لأنَّ امتصاص الثديِ يُؤدي إلىإفراز هُرمون الاكسوتوسن Oxytocine الذي يُسْرِع بِعَوْدة الرحم إلى حالته الطبيعية..(14/246)
ولولا ذلك لأُصِيب الرحم بالإنْتان Sepsis والالتهابات المتكررة. كما أنَّ ذلك يساعد على حصول حُمَّى النِّفاس..
مدة الرضاعة:
قرَّر الإسلام حق الوليد في الرَّضاعة , وذَكَرَ أنَّ كَمَال الرَّضاعة حَوْلَيْن كاملين قال تعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وقال تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
وقال في موضع آخر {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} ومنها استدَّلَّ علِيٌّ رَضي الله عنه, على أنَّ أقَلَّ الحَمْل سِتَّةَ أشْهر. وهذا أيضًا ما يُقَرِّرُه الطب اليوم.وتُطالبُ هيئةالصِّحة العالمية أن تَتَفَرَّغ الأم لكل مولودٍ ثلاثة أعوامٍ كاملةٍ لأهمية الأم في نُمُوِّه النفسيِّ والجسديِّ السليم.
وقد وَجَدت هيئة الصحة العالمية واليُونِيسف أنَّ العالم الثالث يُواجِه أزْمةً حقيقية حيث أنَّ الأمهات اتَجَهْنَ نَحْوَ إِلْقامِ أطفالهن القارورة بدلاً من الثدي. ففي البرازيل كانت نسبة الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم 96 بالمائة سَنَة 1940. وقد انْخَفضت إلى 40 بالمائة عام 1974 وفي تشيلي كانت النسبة 95 بالمائة سنة 1955 وقد انخفضت إلى 20 بالمائة فقط عام 82. ونفس الظاهرة موجودةٌ في بَقِيةِ دُوَل أمريكا اللاتينية وبقية دول العالم الثالث.. والغريب حقاً أن كُلْفَة اللَّبن الصِّناعِيِّ لمدة أسبوع تَسْتَهْلِك أكثر من نِصف دخل العامل في أوْغَنْدا ونَيْجيريا وجامايكا أو نِصف أجْر مُوَظَّفٍ صغيرٍ في إندونسيا أو سيريلانكا، والكاسب الوحيد هو الشركات الاحتكارية الغربية التي تكسب في عامٍ الفَيْ مليون دولار من بَيْع الأغْذِية المُصَنَّعة للأطفال في دول العالم الثالث..
وحقًا يَبْدو أنَّ اسْم «قاتل الأطفال» الذي أطْلَقَتْه الصحة العالمية على هذه الشركات هو الاسم المناسب لها.
ويَحُثُّ الأطباء في كافَّة أصْقاعِ الأرْض الأمهات على أنْ يُرْضِعْن أولادهن لأَطْوَل مُدَّةٍ مُمْكِنة.. وفي أغلب الأحوال لا تَزيد هذه المدة عن سِتَّة أشْهُرٍ نتيجة للحياة النَّكِدَة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين.. بل لا تزال كثيرٌ من الأمهات يُلْقِمْنَ أوْلادهن القارورة بَدَلاً من إِلْقامِهِم أثْدائهنَّ..
والآن بعد أنْ رأيت الفروق الفيسيولوجية والتشريحية بين الرجل والمرأة وكيف أنَّ المرأة مُضْطَّرةٌ لِلْبقاء في البَيْت وخاصةً في فترة الحمل والولادة والرَّضاعة سَيَتَأكَّد لك بما لا يَدَع مَجالاً للشَّك بأنَّ الدَّعوة إلى خروج المرأة إلى مُعْتَرَك الحياة وترْك بيتها وأولادها وزوجها هي دعوةٌ جاهلِيةٌ وبعيدةٌ كل َّالبُعْد عمَّا تُقَرِّره علوم البيولوجيا والطب.. وهي دعوةٌ تُصادِم الفِطْرة مُصادَمةً واضحةً.. وتكون نتائجها وخِيمة ًعلى الأم والطفل والأبِ والأُسرة بل والمجتمع بِأَسْرِه.
( المرجع : " عمل المرأة في الميزان " للدكتور محمد علي البار ، ص 63-105) .
(578) من كتاب علم الفيسيولوجيا للدكتورة فلور ستراند طبعة 1978.
Physiology: A Regulatory Systems Approach by Fleur Strand 1978.
(579) انظر المزيد من التفصيل في فصل «المحيض» من كتاب «دورة الأرحام» للمؤلف.
(580) هذا التعبير شائع ولعل الصواب نهج ويعني ذلك صعوبة في التنفس.
(581) نشرت صحيفة Arab News في عددها الصادر في 10 فبراير 1981 تقريرا جديدا عن هيئة الصحة العالمية يهاجم فيه أغذية الأطفال المصنعة ويتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل عام بما قيمته ألفي مليون دولار من أغذية الأطفال بأنها تساهم في قتل الأطفال في البلاد النامية .. وذلك لأن الأغذية المصنعة والألبان المجففة تمنع الأم من الرضاعة.. واستعمال القارورة يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلاد النامية إلى محاربة هذه الأغذية المصنعة وتقول الأبحاث الطبية الحديثة أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم نتيجة استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنوياً.. وذلك نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية وسواء التغذية التي تصاحب استخدام القارورة . وفي تقرير لليونيسف نشرته جريدة المدينة في 10 ديسمبر 1983 جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة لسوء التغذية بثلاثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم وفي مصر أظْهرت دراسات مُماثلة أنَّ نسبة الوفيات هي خمس أضعاف ما هي عليه عند الأطفال الذين يَرضعون الأثْداءَ. ونفس النسبة وُجِدَتْ في الهِند وتْشِيلِي والبرازيل والفيليبين.(14/247)
(582) يحتوي اللبا بصورة خاصة على كميات من البروتيين الواقي ضد الهجوم الميكروبي والذي تصنعه بأمر الله الخلايا اللِّمْفاوية الموجودة أصلاً في أمعاء الأم .. ثم تُهاجر هذه الخلايا إلى الثدي ومن هناك تُفْرَز مع اللِّبا، وأهم هذه البروتينات هو :IgA وهذا البروتين متخصص في الدفاع عن الجسم في الأمعاء والجهاز التنفسي .. وهذان الجهازان هما اللذان يتعرضان للهجوم الميكروبي في الأطفال ... بل وهما السبب الرئيسيُّ في وفيات الأطفال وخاصةً في دول العالم الثالث.
------------- ...
الشبهة(2) : قولهم بالمساواة ( التامة )بين الرجل والمرأة
والجواب أن يقال : ما هي الأمورُ التي سَوَّى فيها الإسلامُ بين الرجل والمرأةِ؟ وما هي الأمورُ التي فَرَّق فيها بينهما؟ لا شك أن الجوابِ عن هذَينِ السؤالين ضرورِيٌّ حتى لا يُؤدِي عدمُ الفصلِ في هذهِ المسألةِ إلى ظلمِ المرأةِ. وفيما يأتي عرْضٌ لِنَوعَينِ من الأحكامِ دونَ الدخولِ في تِبْيان الِحكمةِ والمْغْزَى وراء التفريقاتِ انْسجامًا مع منهجِ البحث ِفي اجتنابِ أسلوبِ التبريرِ والدفاعِ عن أحكامِ شرعِ اللهِ:
أ- الأحكام التي تَحقَّقت فيها المساواةُ بين الرجل والمرأة وهي كثيرةٌ منها:
1- العباداتُ من طَهارةٍ وصلاةٍ وصومٍ وحجٍ وزكاةٍ مع اختلافاتٍ يسيرة. فَفَي الصَّومِ تُفطر المرأةُ وُجوبا إذا حاضَتْ أو نفَسَت. أما في الصلاةِ فلا اختلاف بينها وبين الرجل إطلاقًا إلا في اللباسِ، وفي كونِ صلاتِها في بيتِها أفضلُ من صلاتِها في المسجدِ، وكونِ خيرِ صفوفِ النساء في الجماعةِ آخرَها بِخِلافِ صُفوفِ الرجالِ، وفي تَنْبيهِهَا الإمامَ إذا سَهَا بالتَّصْفِيقِ لا بالتسبيحِ كالرجالِ، وفي عدم جوازِ إمامتِها للرجال، وفي جَهْرِها بالقراءةِ في الصلاةِ الجهرية أمامَ الرجالِ الأجانبِ فَتَرْفعُ صوتَها بِقَدْرٍ يؤمن معه الفتنةُ.
أما ما ذهب إليه بعضُ الفقهاء من أنها لا تَرْفَعُ يدَيْها حِذاء أُذُنيهَا بل حذاءَ مِنْكَبَيْها فهذِه هي السُّنة للرجلِ والمرأةِ. وذهب آخرون إلى أنها تَضُمُّ فَخْدَيْهَا في رُكوعِها وسجودِها؛ ولا يَصِح في هذا دليلٌ، وكذلك القولُ بأنها لا تفرج أصابِعَها في الركوعِ، وبأنها تضع يمينَها على شِمالِها تحت قدَمَيْها أو أنها تضع يدَيْهَا في التشهدِ على فخديها حتى تبْلُغَ رُؤوسُ أَصَابعها رُكْبتيها. أما القولُ بأنها تتورك في حالِ جُلُوسِها للتشهدِ فإنْ قَصَدَ التشهدَ الأخيرَ فالسُّنةُ فيهِ الجلوسُ مُتوركا بالنسبةِ للرجل والمرأة على السواء، وكذلك لا يصح القول إنه يُكْرَهُ حضورُها جماعةَ الصلاة في المسجدِ.
قال الشيخُ الألباني في نهايةِ كتابه «صفةُ صلاةِ النبيِّ كانَك تراها من التكبيرِ إلى التسليمِ» ما نصه: كلُ ما تقدم من صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجالُ والنساءُ، ولم يَرِدْ في السُّنةِ ما يَقْتَضِي استثناءً مِن بعضِ ذلك، بل إن عمومَ قولِه صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوِني أُصَلِّي» يشملهن، وهو قول إبراهيم النَّخَعِيِّ قال:« تفعَلُ المرأةُ في اَلصلاةِ كما يفعل الرجلُ»(583)، وروى البخاري بسنَدٍ صحيحٍ عن أمِّ الدَّرْدَاءَ «أنها كانت تجلِسُ في صلاتِها جِلْسةَ الرجلِ وكانت فقِيهَةً (584) أما حديثُ انضمامِ المرأة في السجود وأنها ليست في ذلك كالرجل، فهو مُرْسَلٌ ولا يَصِحُّ. رواه أبو داود في «المراسيل» عن يزيدِ بن أبي حبيبٍ. وأما ما رواه الإمام أحمد عن ابنِ عمرَ أنه كان يأمرُ نِساءَهُ يَتَرَبَّعْن في الصلاة فلا يصحُّ إسنادُهُ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف» (585) .
وفي الحَجِ فإن المرأةَ لا تختلفُ عن الرجلِ إلا في أمورٍ معدودةٍ قليلةٍ هي: أنَّها لا تَنْزِعُ شيئاً مِن لباسِها المشروعِ، وأنها تُقَصِّر ولا تَحْلِق لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ على النساءِ حَلْقٌ، إنَّما على النساء التقصيرُ» (586) ، فَتَجْمَعُ شَعْرَها فَتقص منه قَدْر الأُنْمُلَة، وأنها إن حاضت فلا تنتظر لِتَطُوفَ طوافَ الوَداع إذا كانت قد طافتْ طَوافَ الإفَاضةِ. وطوافُ النساءِ حولَ البيتِ وسَعْيُهُنَّ بين الصفا والمروةِ كُلُّهُ مَشْيٌ، فلا رَمَلَ عليهِنَّ حَولَ البيتِ ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضْطِّباعٌ (587) .
أما القولُ بأنها لا تُلَبِّي جَهْرًا فَيُجاب عنه أن عائشة رضي الله عنها كانت ترفع صوتَها حتى يسمَعَها الرجالُ، قال أبو عطيةَ: سمِعْتُ عائشة تقول: إني لأَعْلَمُ كيف كانت تَلْبِيةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُم سمعها تُلبِّي بَعْدَ ذلك (588). وعلى هذا فإن المرأة تُلَبي وترفعُ صوتَها ما لم تَخْشَ الفِتْنَة.
وأما القولُ بأنها تقِفُ في حاشيةِ المَوقِفِ في عَرَفَةَ لا عند َالصَّخَراتِ وتقْعُدُ في حين أن الرجلَ يكون راكباً، فهذا مما لا أعرِفُ له دليلاً.(14/248)
والحائِضُ في الحَج تفعل كلَّ ما يفْعلُه الرجلَ عدا الطوافَ لأنه صلاةٌ قال صلى الله عليه وسلم لعائشةَ لما حاضَتْ:«افْعَلِي ما يفعَلُ الحاجُ، غَيْرَ ألا تَطُوفي بالبيتِ حتى تَطْهُرِي» (589) .
2- المعاملات: لا تشترط الذكورة في عقود البيع والتجارة والقرض والهبة والوقف والحوالة والضمان والقراض والشركة والإجارة والجعالة والمساقاة والمزارعة والرهن والشفعة وغيرها من العقود، ولذا فإن الرجل والمرأة في الأنشطة المالية والاقتصادية المختلفة سواء.
3- الحدود والقصاص: تستوي المرأة والرجل في كل ما يتعلق بالحدود والقصاص إلا فيما يخص رجْم الزانية فإنها تُرْجَم بلباسها الشرعي، وتُجلد جالسةً والرجل قائمًا وهذا اجتهادٌ فقهي وليس حكمًا يَعتمد على نص، فما رُوِي من أنه «تُضرَب المرأة جالسةً والرجل قائمًا» لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (590). ولا تُنْفَى الزانية غير المُحْصَنة ويُنْفَى الزاني غير المُحْصَن، ولا تدخل مع العاقلة فلا شئ عليها من الدية. ولا يصح القول: إن المرأة إذا ارتَّدَّت لا تقتل اعتمادًا على حديث «لا تُقْتَلُ المرأةُ إذا ارتدت» قال الدارَقطني: لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (591) .
ولا تستوى المرأة مع الرجل في الدِّية، وقد حَكى بعض أهل الإجماع على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل منهم ابن المنذر وابن عبد البر وابن حزم وغيرهم وهو مَرْوِي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم ولم يُنْقَل عن أحد خلافُه ممن يُعْتَد به سوى الأصم وابن عُلَيَّة من المعتزلة حكاه عنهما الشوكاني في النَّيل نقلاً عن البحر من كُتب الزيدية ومثل هذين لا يُعْتَد بخلافهما» (592).
4- الصيد والذبائح والأيمان والنذور فالرجل والمرأة فيها سواء.
5- الإفتاء: فللمرأة العالمة بالأحكام الشرعية المتمكنة من الإفتاء الشرعي أن تُفْتِي النساء والرجال على حد سواء ضمن حدود الشريعة.
ب- الأحكام والمسائل التي ثبت فيها التفريق بين الرجل والمرأة:
1- الميراث: قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}(593)، وقال تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} (594).
2- الشهادة وفيها تفصيل كما يأتي:
أ- لا تُقْبَل شهادة النساء في القصاص والحدود كافةً كحد الشُّرْب وقطع الطريق والقتل بالرِّدة وكذلك التعزير فلا بد في كل هذه من شهادة رجلين إلا الزنا واللواط وإتيان البهائم فلا يُقْبَل فيها أقلُّ من أربعة رجالٍ لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ }(595).
ب- ما يَطَّلِع عليه الرجال عادة كالنَّسب والطلاق والرَّجْعة والخُلْع والولادة والنكاح والوصية والتوكيل في المال فلابد فيها من شهادة رجلين، وقال أبو حنيفة تُقْبل فيه شهادة النساء ورجَّحَه ابن قيم الجوزية. قال تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(596).
ج- المعاملات المالية كالبيع والقَرْض والإجارة والرهن والوديعة والإقرار والغَصْب والوقْف، وكذلك قتل الخطأ لأن حقًا ماليًا يترتب عليه، فيكفي في هذا كله رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (597) .
د- ما لا يطَّلِعُ عليه الرجال عادةً وتَغْلِب على النساء معرفته والاطلاع عليه فتُقْبل فيه شهادة امرأتين كعُيُوب النساء تحت ثيابهن والولادة والبَكارة والثيوبة والقرْن (انسداد مَحَل الجماع بِعَظْم) والرتق (انسداد محل الجماع بلحم) والبَرَص. ولا يصح ما رُوِي عن حُذَيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها» (598) .
هـ- الرضاعة: وتقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل لقوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه «كَيْفَ وَقَد زَعَمَتْ أنها قد أرْضَعَتْكُما» وتَرجم له البخاري بقوله: «باب شهادة المُرْضِعة» (599) .
و- رؤية هلال رمضان وتُقبل فيه شهادة رجل مسلم واحدٍ عدلٍ أو شهادة مسلمةٍ واحدةٍ على السواء.
3- العقيقة: وهي ما يُذْبح من الأنعام عند الولادة إذ يُعَق عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة. قال صلى الله عليه وسلم «عَنِ الغُلامِ شاتان مُكَافِئتانِ وعن الجارية شاة» (600).(14/249)
4- الجهاد بالنفس فلا يجب على المرأة، وإنما تُجاهد بِمالها وكذلك بالحج «فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهادٌ؟ قال: نعم عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحَج والعُمرة» (601) .
5- زيارة القُبور ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " لعن الله زائرات القبور " . ولكن لو مرت بقبر أو بسور المقبرة فلا حرج أن تقف وتُسلم على الموتى .
6- العورة: ففي حين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فإن المرأة كلها عورة في النظر. وينشأ عن هذا الفرق تَفْرِقةٌ في اللباس. ذلك أن المرأة مأمورةٌ بسَتر جسدها كله. وفي حين أن الرجل مأمورٌ بألا يتجاوز ثوبه كعبيه والأفضل أن يكون لمنتصف ساقيه فإن للمرأة رخصةً في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهَ خُيَلاء، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إليه يومَ القِيامةِ فَقَالتْ أُمُّ سَلمةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النساءُ بِذِيُولِهِنَّ؟ قال: يُرْخِينَ شِبْرًا، فقالت: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أقْدامُهنَّ، قال: فَيُرْخِيْنَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عَلَيه» (602) .
7- بَول الصبي والصبية: ذلك أن بول الصبي الذي لم يُجاوِز سنَتَين يكفيه النَّضْح. أما بول الصبية فلابد فيه من الغَسل، قال صلى الله عليه وسلم «بول الغُلام يُنْضَح، وبول الجارية يُغْسَل» (603).
8- السفر : فلا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا مُعتَبَرًاعُرْفًا إلا بِصُحبَة زَوج أو مَحْرَم حتى لو كان السفر للحج. وما ذهبت إليه بعض المذاهب من جواز سفرها في رِفْقَة النساء فلا يصح، وذلك لمعارضَتِهِ للأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذِي مَحْرَم ٍولا يَدْخُلُ عليها رَجَلٌ إلا ومَعَها مَحْرَم» (604) .
9- ومما تفترق به المرأة عن الرجل اختصاص الأم بقدْرٍ زائدٍ من البِرِّ عن الأبِ. فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال:«جاء رَجَلٌ إلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ صَحابَتي؟ قال أُمُّكْ. قال: ثُم مَن؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك» (605) . وعن المُغِيرة بن شُعْبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عليكُم عُقوقَ الأمهات ووأْدَ البنات» (606) فَخَص الحديثُ بالذكر عقوق الأمهات عِلمًا بأن عقوق الوالدين كليهما مُحَرَّمٌ.
10- ومما تفترق فيه النساء عن الرجال أنه ليس لهن وسَط الطريق، وأنه ينبغي عليهن اجتناب الرجال في الطُّرُقات قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ للنساءِ وَسَطُ الطريق» (607) .
11- اختصاص البنات بقدْرٍ زائدٍ في التربية عن الأنباء. قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاثُ بناتٍ، فَصَبَر علَيهنَّ، وأَطْعَمََُنَّ وسقاهُنَّ وكساهُنَّ من جِدَتِه، كُنَّ له حِجابًا مِنَ النارِ يَومَ القِيامةِ» (608) ، وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ ابْتُلِيَ مِن هذِهِ البناتِ بشئٍ، فأَحْسَنَ إليهِنَّ، كن له سِتْرًا مِن النار» (609) .
12- تقديم النساء على الرجال في الحضانة، ذلك أنه في حالة افتراق الزوجين عن بعضٍ فإن الأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ما لم تتزوج، فعن عمرو بن العاص أن امرأةً قالت: «يا رسولَ اللهِ إنَّ ابْنِي هذا كان بطْنِي له وِعاءً وحِجْري له حِواءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وزَعَم أبوه أن ينْزِعَه مِنِّي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنتِ أحقُّ بِهِ ما لم تُنْكَحي» (610) .
13- الاغتسال في الحمامات العامة : فقد حَرَّمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء. ومن أباحَهُ من الفقهاء للنُّفَساء والمريضة فقد استدل على ذلك بحديثٍ غير صحيح. والصواب أن دخول المسلمة الحمام العمومي لا يصح. ولو بمئزرٍ لما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يدْخُلِ الحَمَّامَ بغيرِ إزارٍ، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخَمْرُ»(611).
14- الملاعنة : فهي خاصة بالرجل دون المرأة. فللرجل أن يَشْهَد أربع شهاداتٍ على زوجته بالزنا. قال تعالي:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (612) .
وبما أنه لم يَرِدْ نَصٌّ بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا فيظل الحكم كما هو أي أنه يُطْلَب منها إحضار ما يَكْمُل به نِصاب الشهادة وإلا جُلِدت حد القذف.
15- الوِلاية في الزواج : فليس للمرأة أن تُزوِّج امرأةً أُخْرى، ولا أن تُزَوِّج نَفْسَها قال صلى الله عليه وسلم:«لا تُزِوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نَفْسضها» (613) .(14/250)
16- وجوب استئذان الزوجة زوجها إن أرادت أن تصوم تَطَوُّعًا في حين لا يجب عليه أن يستأذنها إن أراد أن يفعل ذلك.
17- التعدد في الزواج : فقد أباح الشرع الإسلامي للرجل أن يتزوج أربعاً دون أن يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل. ولا يصح أبدًا التساؤل عن الحكمة في ذلك؛ لأنه أمرٌ واضحٌ لا يحتاج لجواب، فاختلاط ُالأنساب أمرٌ واردٌ في تَعَدُّدِ الأزواج دون تعدد الزوجات.كما أن الفِطرة والذَّوق البشرِيَّين يَسْتهجِنانِ أشد الاستهجان تعدد الأزواج بينما يَقْبلان تعدد الزوجات.
18- ولاية أمور المسلمين ويشمل المنع من السياسة والقضاء قال صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوا أمْرَهُمُ امْرأةً» (614) .
19- التعطُّر خارج المنزل فَيَحْرُم عليها ذلك بخلاف الرجل، قال صلى الله عليه وسلم: «أيُّا امرأةٍ استَعْطَرَت ثم خرجت، فَمَرَّت على قَومٍ لِيجِدوا رِيْحَها فهي زانيةٌ، وكلُّ عَينٍ زانية» (615) .
20- إباحة الذهب والحرير، فهو أمرٌ خاص بالنساء دون الرجال. قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهَبِ على ذُكُورِ أُمَّتِي وأُحِلَّ لإِناثِهِم» (616) .
21- الحداد ، فلم يُشْرَع للرجل على زوجته المتوفاة، وشُرِع للمرأة على زوجها المتوفَّى. قال صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أن تَحِدَّ على مَيتٍ فَوقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا الزوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا» (617) .
22- العدة للمُتوفَّى عنها زوجها والمطلقة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (618) ، وقال تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} (619) . وليس على الرجل عِدةٌ لكنه يمُنَع من الزواج حتى تنتهي عدة زوجته الرابعة (620) .
23- اتباع الجنائز، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز وهو نهيُ تنزيهٍ. فقد صح عن أم عطية رضي الله عنها قولها: «نهانا رسول الله عن اتباعِ الجنائز، ولم يَعْزِمْ علينا»(621) . أما الرجال فإن اتباع الجنائز في حقهم مُستَحَبٌ.
24- إنزال الميت في القبر: فهو خاص بالرجال يَتَوَلَّوْنَه، ولو كان الميت أنثى وذلك لما يأتي:
أ – أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
ب– أن الرجال أقوى على ذلك.
ج- لو تَوَلَّتْه النساء لأفْضَى ذلك إلى انْكشافِ شئ من أبدانِهِنَّ أمام الرجال (622) .
25- اقتسام غنائم الحرب: فالمرأة ليست مُكَلفةٌ بالقتال، لكن إذا أَذِن لها الإمام واشتركت في المعركة يُرضَخ لها إن قاتلت؛ بمعني أن الإمام يعطيها عطاءً غير محدد، لكن دون أن تُعْطَي حِصةً كحِصَص المُقاتلين. وما رواه حشرج بن زياد عن جدته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ لهُنَّ يوم خَيْبَر» فهو حديث ضعيف (623) .
26- الختان : ففي حين أن الختان فَرْضٌ على كل مسلمٍ ذكر، فإنه ليس كذلك بالنسبة للنساء فلا يُخْتَن إلا إن ظهرت لختان بعضهن حاجة. أما إن لم تكن حاجة فلا ختان، وذلك يختلف من امرأةٍ لامرأة.
27- وثَقْب الأُذُنِ جائزٌ بحق النساء حرامٌ على الذكور؛ لأنهم ممنوعون من جَعْل الأقراط في آذانهم.
28- وفي حين أن للمرأة خَضْب يَديْها ورِجْليها بالحناء فإنه ليس للرجل أن يفعل ذلك قال صلى الله عليه وسلم «طِيْبُ الرَّجلِ ما ظَهَرَ رِيْحُه وخَفِيَ لَوْنُه، وطِيب النساء ما ظهر لونه وخَفِيَ ريحه» (624).
29- ولا يجوز للمرأة أن تحْلِق رأسها بخلاف الرجل؛ لما في ذلك من المُثْلَة، ولما فيه من التشبُّه بالرجال وكل ذلك مُحرَّم.
30- استحقاقها المهر عند الزواج وليس ذلك للرجل.(14/251)
وبعد فإن الدارس للفروق آنفةَ الذِكْرِ بين الرجل والمرأة يجد أن تلك الفروق راجعةٌ لأسبابٍ معينةٍ اقتضاها العدل بين الجنسين، وأن المساواة بينهما في مثل هذه الحالات من التفريق تؤدي إلى الظلم. وكما هو معلومٌ أن المساواة في كثيرٍ من الأحيان تؤدي إلى الظلم، وأن العدل كثيرًا ما يقتضي التفرقة والتفريق بإعطاء كلَّ ذِي حقٍ حقَّه، وتكليف كل مُكَلَّفٍ بما يناسب قدراته ويتناسب مع طبيعته. ولذا فإن كل مساواةٍ يقتضيها العدل وتقتضيها الفطرة حققها الإسلام فعلاً بين الجنسين كالمساواة في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف وفي الثواب والعقاب. أما التكاليف الشرعية فقد سَوَّى الإسلام بين الرجل والمرأة في كل ما من شأنه أن لا يُلْحِق ظلمًا بأحدهما بتحميله فوق طاقته. أو بتكليفه بما لا يتناسب مع طبيعته الذَّكَرِية أو الأُنثوية كإعفاء المرأة من الجهاد، والاختلاف في اللباس نظرًا لاختلاف أجساد الجنسين. وأن الفاحص لكثيرٍ من الفروق بين الجنسين في التكاليف يجد أنها من باب التنوع والاختصاص في المهام والوظائف، وليس هناك من يقبل القول: إن التنوع في التخصص والوظيفة بين المهندس والطبيب يعني أن أحدهما أفضل من الآخَر، بل إن ما يقوم به أحدهما لا يقوم به الآخَر. فهما يكملان بعضهما بعضاً والمجتمع بحاجةٍ لكِليهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:«النساء شقائقُ الرجال» (625) .
مالا يُعَدُّ تفريقاً بين الرجل والمرأة:
ما سبق كان عرضًا للمسائل التي تستوي فيها المرأة مع الرجل، والمسائل التي يفرق فيها بينهما. والأصل أن الرجل والمرأة سواء في كل شئ إلا ما ثبت فيه التفرقة.
( المرجع : المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات المسلمين ، ص 123-138بتصرف يسير) . وانظر للزيادة : رسالة " الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ، للأستاذ سعد الحربي " .
الشبهة (3) : دعوتهم لتولية المرأة للمناصب السياسية
روى البخاري – بإسناده - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم - قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !(14/252)
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث: لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره أبرويز ليأتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ .
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .(14/253)
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه: قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي –
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش - قال سفيان كان حليفا لهم - ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !(14/254)
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُفر ؟
كما في قوله تعالى : {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْلٍ أو بِعَقْلٍ يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
" وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير "
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّد أن الدعاوى في وادٍ والواقع في وادٍ آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّة الْحُكْم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
كتبه / عبد الرحمن السحيم
الرياض
_____________
(583) أخرجه ابن أبي شيبة (1/75/2) بسند صحيح.
(584) رواه البخاري في «التاريخ الصغير» ص95.
(585) صفة صلاة النبي 170.
(586) صحيح أخرجه أبو زرعة في «تاريخ دمشق» ت (88/1) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً به وأخرجه أبو داود (1985) والدارمي (2/64) والدارقطني ص 277 وانظر «السلسلة الصحيحة» (2/605).
(587) انظر: المغني لابن قدامة (3/394).
(588) أخرجه البخاري (769-مختصرة) والطيالسي (1513) وأحمد (6/32-100-180).
(589) صحيح انظر إرواء الغليل (4/1121).
(590) إرواء الغليل (7/2332).
(591) ابن قيم، المنار.
(592) انظر: «موسوعة الإجماع للسعدي» و«فقه عمر بن الخطاب» للدكتور رويعي الرحيلي (3/470).
(593) سورةالنساء:11.
(594) سورة النساء: 12.
(595) سورة النور: 4.
(596) سورة الطلاق: 2.
(597) سورة البقرة:282.
(598) ضعيف أخرجه الدارقطني (524) والبيهقي (10/151) وانظر «إرواء الغليل، (8/2684).
(599) وانظر لذلك أيضًا صحيح سنن الترمذي (1/337).
(600) رواه الترمذي (1/286) وأحمد (6/31-158) وابن ماجه (3263) وابن حبان (1058). والبيهقي (9/301) وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(601) رواه أحمد (6/165) وابن ماجه (2901) بإسناد صحيح.
(602) صحيح.أخرجه الترمذي: 22 باب 8 وأحمد (2/9) والبخاري (3665ح 5783) في اللباس ومسلم ك 37ح42-50 عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(603) صحيح. رواه أحمد (1/76-97) وأبو داود (378) والترمذي (1/119) وابن ماجه (525) والطحاوي (1/55) والدارقطني ص47 وانظر إرواء الغليل (166).(14/255)
(604) رواه أحمد بإسناد صحيح (1/222).
(605) طرف من حديث صحيح رواه البخاري ح5971 ومسلم ك45ح1-4 عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(606) رواه المخلص في «الفوائد المنتقاة (9/5/2) وابن حبان في «صحيحه» (1969) وابن عدي (192/1) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده حسن.وانظر (السلسلة الصحيحة» (1/856).
(607) رواه ابن حبان كما في الموارد 1969، والكامل لابن عدي 192/1) والبيهقي في الشعَب 2/475/2 عن أبي هريرة وصححه الألباني في الصحيحة ح856.
(608) صحيح ابن ماجه (3669) والبخاري في «الأدب المفرد (76) وأحمد (4/154) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وانظر السلسلة الصحيحة (293-1027).
(609) رواه البخاري ومسلم وأحمد 6/27،29، 33،87 عن عائشة رضي الله عنها.
(610) صحيح، وتقدم ص114.
(611) حديث حسن. أخرجه الترمذي والحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ وتقدم تخريجه ص117.
(612) سورة النور: 6.
(613) صحيح. أخرجه ابن ماجه (1882) والدارقطني (384) والبيهقي (7/110) عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر «إرواء الغليل» (6/1841).
(614) حديث صحيح. أخرجه البخاري 4425 ح 7099 في الفتن والترمذي ك 31 باب 75 وأحمد 5/38، 43 عن أبي بكرة رضي الله عنه وانظر الضعيفة (1/436) و «إرواء الغليل» (2613).
(615) حديث حسن. رواه النسائي 8/153ح 5126 والحاكم في المستدرك 2/396 وأحمد في المسند 4/400 عن أبي موسى رضي الله عنه وانظر صحيح الجامع (2701).
(616) صحيح. أخرجه الترمذي(1/321) والنسائي(2/285) والطيالسي(506) وأحمد(4/394) والبيهقي(3/275). وانظر السلسلة الصحيحة 1/662-663
(617) أخرجه البخاري (3/114-9/400-401) عن أم حبيبة رضي الله عنها.
(618) سورة البقرة: 234.
(619) سورة البقرة: 228.
(620) قلت: وكذالك يُمْنَع من الزواج من أخت مطلقته طلاقًا رجعيًا أو عمتها أو خالتها.
(621) أخرجه البخاري (1/328) ومسلم (3/47) والسياق له وأبو داود (2/63) وابن ماجه (1/487) وأحمد (6/408) والبيهقي (4/77).
(622) الألباني، أحكام الجنائز ص147.
(623) إرواء الغليل (5/1238).
(624) صحيح أخرجه الترمذي ك 41 باب 35ح2938، 2939 وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(625) سبق في التعليق ص129 بيان صحة الحديث ومخرجيه.
=======================
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .
ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .(14/256)
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .
وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه
وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .
وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .
ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .
ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام .
وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب .
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة .
والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .(14/257)
وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها !
ينظر : "عودة الحجاب" (2/47- 56) .
فكيف يقارن هذا بالإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها ، والإنفاق عليها ؟!
ثانياً :
وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري ، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم ، ومن أحكام هذه الشريعة : بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة . وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها ، وتطبق شريعة ربها ، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها .
ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها ، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا ، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس ، وكل مسئول عن نفسه .
الإسلام سؤال وجواب
===================
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا
1- في الحضارات السابقة للإسلام :
كانت المرأة, في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الإرث حتى لا ينتقل المال بزواج البنت من بيت الأب الى بيت الزوج, وكان ينحصر الإرث في الابن الأكبر البالغ القوي القادر على حمل السلاح والدفاع عن القبيلة0
2- في الشريعة الإسلامية :
لقد تناولت الشريعة الاسلامية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل وتحديد شمل جميع حالات التوارث وسببه وموانعه وترتيبه0
أ - (حق المرأة في الأرث) :
أعطى الإسلام المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله نصيباً مفروضاً لها لقوله تعالى :( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)النساء)0
ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الآية تقرر قاعدة عامة في تثبيت شرعية الإرث الذي يحق للجنسين -الرجال والنساء- كما يرون فيه تشريعاً حقوقياً لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي توريث المرأة0
وتنحصر أسباب الإرث في الشريعة الإسلامية في ثلاثة : الزوجية والقرابة والتعصيب0 وأنواعه بثلاثة أيضاً : { الإرث بالفرض و الإرث بالتعصيب و الإرث بالرحم }
1- {الإرث بالفرض} :
والفرض "لغة " معناه التقدير, وقد أطلق الفقهاء على بحث المواريث " علم الفرائض " لأن أنصباء الورثة محدودة
مقطوعة0 فالتوريث بالفرض يعتبر, بمثابة ميراث بالتخصيص أي أن أصحاب الفروض يأخذون فرضهم أو حصتهم المحفوظة من التركة قبل أي وارث آخر نزولاً عند حديث الرسول الشريف : " الحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فهي لأولى رجل ذكر "0
ترث المرأة بالفرض في ثمانية حالات في حين لا يرث الرجل بالفرض إلا في أربعة حالات فقط0
وهذه الحالات التي ترث فيها المرأة بالفرض هي :
*الزوجة : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12)النساء)
*الأم : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)النساء)
*البنت : فرض لها النصف إذا لم يكن معها أخ أو أخت : (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (11) النساء )
*بنت الأبن : ترث بالفرض إذا لم يكن يحجبها فرع وارث أعلى منها لا من الذكور ولا من الإناث0
*الأخت الشقيقة : ترث أخاها المتوفي النصف فرضاً إن كانت واحدة أي ليس لها أخ أو أخت شقيقة وألا ترث وفق (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء)0
*الأخت لأب : إذا لم يكن معها أخت شقيقة للمتوفي تخضع لنفس أحكام الأخت الشقيقة0
*الجدة الصحيحة : وهي أم لأب أو أم أب الأب , أو أم الأب وكذلك أم الأم, وهي ترث بواقع السدس إن كانت واحدة0
2- {الإرث بالتعصيب}:(14/258)
ترث المرأة بالتعصيب إذا كانت تشترك في جهة القرابة بدرجة واحدة كالأخ مع أخته الشقيقة أو أخوته, وكبنت الابن مع ابن مساو لها في الدرجة ولم يحجبهم من هو أقرب منهم درجة0 ففي هذه الحالات ترث الأنثى نصف ما
يرثه الذكر طبقاً للقاعدة الإسلامية واستناداً إلى الآية :
( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)النساء)0
والحالات التي ترث فيها الأنثى بالتعصيب هي : البنت, بنت الابن, الأخت لأبوين, والأخت لأب0
3- {الإرث بالرحم} :
يعرف الفقهاء ذوي الارحام, بالأقارب من غير أصحاب الفروض أو الأعصاب مثل : أولاد البنت, والجد غير الصحيح (وهو أبو الأم وأبو أم الأب) والجدة غير الصحيحة وأبناء الإخوة لأم وأولاد الأخوات وبنات الأخوة0
والشريعة الإسلامية لم تورد نصاً صريحاً في تأريث ذوي الأرحام ولكن جمهور الفقهاء يرى تأريثهم بترتيبهم في الإرث, وفي حال لم يترك المتوفي أحداً من أصحاب الفروض ولا من العصبة من أقاربه
0
ب - (الانتقادات)
على الرغم من كل هذه الحقوق المتعددة التي منحتها الشريعة الإسلامية للمرأة في الميادين المختلفة جميعها وعلى الرغم من أن معظم هذه الحقوق لم تنلها " المرأة العالمية " اليوم في مختلف دول العالم إلا بعد جهود كبيرة ومتتابعة وظلت في أكثرها بشكل مطالب تسعى إلى تنفيذها الأمم المتحدة, فإن بعض المتحاملين على الاسلام , تذرعوا " بقاعدة الإرث " عند المسلمين التي تقول : " للذكر مثل حظ الأنثيين " ليوجهوا أنتقاداتهم اللاذعة فيقولون :
" إن هذه القاعدة تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة وهي تلحق بها الجور والضرر على أعتبار أن الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت من الأبوين0 ومن هذه الانتقادات ما جاء على لسان " جبريال بير " من قوله :" إن قضية الإرث ونصيب المرأة منه نصف نصيب الرجل لهو بدون شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة العربية المسلمة"0
وقد لقى هؤلاء المتحاملين على الأسلام , صدى ليس فقط عند غير المسلمين بل عند بعض الفئات المسلمة الجاهلة جهلاً مطبقاً لأحكام الشريعة والغاية النبيلة التي وضعت من أجلها, فطالبت هي الأخرى بتعديل هذه القاعدة حتى يتساوى نصيب الذكر و الأنثى في الميراث0
فلهؤلاء نقول :
إن قاعدة " التنصيف " هذه ليست قاعدة مطردة وثابتة في جميع أنصبة الإرث التي تتعلق بالنساء فهناك حالات :
1- يتساوى فيها الذكر مع الأنثى في نصيبهما من الإرث0 فقد تساوى نصيب الأب وهو مذكر , مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث أبنهما0 وكذلك يتعادل نصيب الأخ والأخت في الميراث إذا كان رجل يورث كلالة (أي ليس له والد ولا ولد)0 فلكل واحد منهما السدس0
2- إن قاعدة التنصيف مفروضة فقط في أنصبة الإرث وليس على مال التركة كله0 إذ قد تزيد حصة الإناث على حصة الذكور في مجموع مال التركة0 مثلاً : إذا توفي رجل وله زوجة وأم وثلاث بنات ومولود ذكر , فإن مجموع ما ترثه الإناث يفوق ما يرثه الذكر0
3- إن هذه القاعدة لا تطبق في المال الموهوب, إذ للبنت أن تتساوى مع أخيها في الهبة أي في العطاء الأبوي الممنوح وهو على قيد الحياة بل يحظر تفضيل الابن على البنت لقوله( ) عن أم سلمة أنها قالت : " يا رسول الله, هل لي في بني أبي سلمة أجر أن أنفق عليهم, ولست بتاركتهم هكذا, ولا هكذا (أي يتفرقون في طلب القوت يميناً وشمالاً) إنا هم بني0
فقال النبي " لك أجر ما أنفقت عليهم "0
2- أن يعول زوجه وأولاده , ويؤمن لهم المسكن والمأكل والمشرب والملبس وسائر مصاريف تكاليف الحياة المعيشية من تطبيب وتعليم وترفيه, والمرأة معفاة من ذلك0
3- أن يؤمن نفقة الزوجة إذاما طلقت حتى تنتهي مدة عدتها, وقد تمتد فترة النفقة إذا ما كانت حاملاً إلى أن تضع حملها0 كما يطلب من الرجل أن يؤمن أجرة الرضاعة إذا أمتنعت الأم عن إرضاع رضيعها0 والمرأة معفاة من ذلك0
يقول تعالى : ( وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا (233) البقرة)0
( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (6)الطلاق)
( وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)الطلاق )0
4- أن يقدم المهر لعروسه قل أو كثر و لا تتكلف المرأة شيئاً لقوله تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)النساء)0
إذن هذه الأعباء المالية الملقاة على عاتق الرجل شرعاً, هي التي أدت الى هذا التفاوت في أنصبة الإرث بينه وبين المرأة0
وعليه يمكن القول بأن الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصروف, فليس هناك من غبن أو ظلم- كما يتوهم المغرضون - في قضية الميراث عند المسلمين بتطبيق قاعدة التنصيف0 ومقارنة سريعة وبسيطة بين ما يمكن أن تملكه النساء المسلمات عن طريق الإرث وما يمكن أن تحصل عليه النساء غير المسلمات في العالم من أموال معتمدين على ماجاء في تقرير برنامج :(14/259)
" خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980 "
لأدركنا بطلان التعرض لهذه القاعدة موضوع الانتقادات0
يقول التقرير : " فبينما تمثل المرأة 50% من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية , فإنها تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي, وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم "0
بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33.33 بالمائة رغم قاعدة التنصيف0 فالدعوة إلى تغير " قاعدة التنصيف " في قضية الإرث دعوة لا يمكن أن تعطي ثماراً مقنعة للداعين لها, هذا فضلاً عن أنها حكم شرعي إلهي لا يقبل التعديل ولا التبديل ومن أعلم بمصلحة الخلق إلا هو سبحانه وتعالى ؟0
5- رأي المنصفين بنظام التوريث عند الإسلام :
جاء على لسان " أنا بيزنت " في كتابها : " الآديان المنتشرة في الهند " ما يلي :
" إن قاعدة الإرث في الإسلام للمرأة, أكثر عدلاً وأوسع حرية من ناحية الاستقلال الذي يمنحه إياه القانون المسيحي الإنكليزي0 وما سنه الإسلام للمرأة يعتبر قانوناً نموذجاً إذ تكفل بحمايتها في كل ماتملكه عن أقاربها أو زوجها أو أبيها "0
كما جاء على لسان " غوستاف لوبون " في هذا الموضوع ما يلي :
" منح القرآن المرأة حقوقاً إرثية بأحسن مما في قوانيننا الأوروبية0 وإن قوانين الميراث التي نص عليهاالقرآن على جانب كبير من العدل والأنصاف0 وأن الشريعة الإسلامية منحت الزوجان حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا "0
--------------
منقول عن: ( حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان )
====================
الرد على افتراء لعنة الملائكة للمرأة التى ترفض دعوة زوجها للفراش
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الزواج مبني على التفاهم والمحبة والتراحم والمعاشرة الحسنة بالمعروف وإعطاء كل من الزوجين للآخر حقه.... قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
وينبغي لكلا الزوجين أن يكون ستراً ولباساً لصاحبه يعفه عن التطلع إلى ما حرم الله تعالى، وأن يقيما حياتهما على طاعة الله ومن ذلك تشاورهما في برامجهما، ولكن شرع الله حاكم عليهما ويجب التسليم له دائماً، ولا شك أن امتناع الزوجة عن موافقة زوجها في طلب الفراش معصية خطيرة يجب الحذر منها، لما توجبه من سخط الله ولعن الملائكة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها.
ومحل هذا إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك، فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً، كأن كانت مريضة لا تطيق الجماع مثلاً، فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك، بل قد يحرم عليها إجابته إلى الجماع أحياناً، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك.
ولكن مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضاً، وبما تطيقه إن كانت مريضة، قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا من الاستمتاع بما فوق الإزار. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قوله: "فبات غضبان عليها" المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة، إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك. انتهى.
كما يجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن الاعتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت فيه نصوص الوحي، فقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36}، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}، وقال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}.(14/260)
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
وقال عز وجل في كتابه مبينا أن السخط من أحكامه وعدم الرضا بها كفر: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:28}، وذكر العلماء سبعة شروط لـ (لا إله إلا الله) حتى ينتفع بها قائلها، ومنها: الانقياد والقبول لما دلت عليه لا إله إلا الله من: إفراده تعالى بالعبادة والطاعة، ثم إن الله تعالى جعل للمرأة حقوقا على الرجل يجب عليه أن يسلمها لها، وأوجب عليها مقابل ذلك طاعته وتسليم نفسها له إن أرادها للفراش وكانت مستطيعة، لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عن ما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، فمتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، ولا يخفى أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
==============
سلب أو تقييد حق الرجل في الطلاق
مما يزيد الأمر وضوحاً بتبعية أولئك القوم للغرب ، وانسياقهم وراء حضارته وقوانينه وأفكاره ، ما ينادون به ويطالبون حكوماتهم بتنفيذه من سلب الأزواج حق إيقاع الطلاق بمفردهم ، وجعله في يد القاضي ، بحيث لا يكون للزوج أن ينفرد بإيقاع الطلاق ، ولا للزوجين أن يتراضيا على الطلاق فيما بينهما ، بل لا بد من رفع دعوى أمام القضاء ، وتقتنع المحكمة بوجاهة الأسباب الداعية إلى الطلاق ، تماماً كما تجري عليه القوانين الغربية وبخاصة القانون الفرنسي.
وهم يدّعون أنهم يهدفون بهذا التقييد إلى حفظ حقوق المرأة من أن تنتقص ، وإلى حفظ رباط الزوجية من أن ينفصم لأسباب قد لا تكون من الأهمية بحيث تقطع العلائق الزوجية من أجلها.
وفات هؤلاء أن انفراد الزوج بإيقاع الطلاق بحيث لا يملكه غيره أحد إلا بتوكيل منه أو تفويض منه ، حق أعطاه الله له ، وتشريع شرعه الله سبحانه وتعالى لا يجوز سلبه ، أو الانتقاص منه ، إلا بأمر الشارع ، وبشروطه التي ذكرت في الشريعة ، كما دلت النصوص على ذلك ، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدُّونها) ، وقال تعالى: (لا جُناح عليك إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) ، وقد ورد أنه قال ذلك لما جاءه رجل وقال: يا رسول الله سيدي زوَّجني أَمَتَه وهو يريد أن يفرق بيني وبينها ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ثم صعد على المنبر وقال ذلك.
وهي نصوص صريحة واضحة الدلالة على تولي الزوج وحده إيقاع الطلاق بأمر الله وتشريعه.
والإسلام إنما أجاز تدخل القضاء في هذه الشؤون حينما تدعو إلى ذلك ضرورة كما إذا فات الإمساك بالمعروف ، وامتنع الزوج من التسريح بالإحسان ، فيقوم القاضي بالتفريق بينهما دفعاً للظلم عن الزوجة ، وكذلك في حالة الإعسار بالنفقة أو غيبته غيبة طويلة وطلبت الزوجة التفريق ، أو لأي سبب آخر أعطى فيه الشرع الحق للوالي بتولي التفريق بين الزوجين.
فإذا سُلب الأزواج هذا الحق في جميع الحالات كان ذلك مخالفاً للمقرر في الشريعة وهو لا يجوز.
وجعل الطلاق في يد القاضي كما يريد هؤلاء هو في الواقع حكم على الرجال جميعاً – بغير فرق بين عاقل وسفيه وبين مثقف وجاهل – بأنهم سفهاء ، لا يحسنون التصرف ، ولا يوثق بهم في أخص شأن من شؤونهم ، ومن ثم يجب الحجر عليهم في إيقاع الطلاق ، صيانة لرابطة الزواج من العبث وسوء الاستعمال.
والعجب من أناس أكرمهم الله بالعقل ، وخاطبهم بشرائعه وأحكامه ، وجعلهم أهلاً لكافة التصرفات ، وقُوَّاماً على زوجاتهم وأولادهم ، ثم يأبون هذا التكريم ، ويعلنون أنهم ليسوا موضعاً لهذه الثقة ، ولا أهلاً لهذه القوامة ، وأنهم في حاجة إلى فرض رقابة قضائية عليهم ، عند الرغبة في إنهاء العلاقة بينهم وبين زوجاتهم.
ثم إن ذلك سوف يفشل عند التطبيق أو يحدث المضار والمساوئ أضعاف محاسنه المزعومة.
فقد يكون سبب عدم الوفاق أموراً لا يمكن ضبطها وإثباتها مثل النفور الطبيعي بينهما أو عدم التلاؤم في الأخلاق والطباع ، فإنها أمور نفسية يعسر إثباتها.(14/261)
فما هي الوسيلة التي يستطيع الزوج بها إثبات بغضه؟ وما هو الميزان الذي يزن به القاضي مقدار البغض الذي يستوجب الطلاق؟ وهل يطلق القاضي حينئذ أم لا يطلق؟ فإن طلق فما الفرق بين طلاقه حينئذ وطلاق الزوج نفسه؟ وإن لم يطلق فإنها لن تكون هناك حياة زوجية مستقرة ، يشعر فيها الزوجان بالسكن إلى بعضهما ، والتعاطف والتراحم فيما بينهما ، ويتربى في ظلها الأبناء تربية سليمة ، والمصلحة تقضي بقطع هذه العلاقة وإنهاء الرباط ، وقد يكون سبب عدم الوفاق أموراً لا يصح إعلانها ، حفاظاً على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها أو مستقبل أبنائها وبناتها ، فإذا فرض على الناس ألا يطلقوا إلا بعد إعلان هذه الأسباب ، أمام المحاكم ، وتقديم الأدلة القاطعة عليها ، واقتناع القاضي بها ، فإنهم بذلك سيكونون أمام خيارين كلاهما مر ،
- إما أن يؤثروا عدم فضيحة أنفسهم وزوجاتهم وأسرهم بإعلان أسباب الطلاق أمام المحاكم ، فيبقوا بذلك على أوضاع تأباها الكرامة ، ويأباها الخلق الفاضل ، وتأباها مصلحة الأسرة نفسها.
- وإما أن يعلنوها فيسجلوا بذلك عاراً كبيراً على أنفسهم ، وعلى أسرهم ، وإذا توعرت طرق الطلاق إلى هذا الحد ، فقد يحمل أحد الطرفين عناده ورغبته في الانفصال على اختلاق تهم ، وإلصاقها بالطرف الآخر لتتم له رغبته ، كما يحدث الآن في الغرب ، وسوف يترتب على هذا أضرار بليغة تلحق بالأسرة بوجه خاص ، وتفسد شؤون التقاضي والنظام الاجتماعي والخلقي بوجه عام.
ومن المساوئ الكبرى أن في حكم الإسلام إذا تلفظ الزوج بكلمة الطلاق فإنه يقع وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد..) الحديث ، ثم ذكر منها: (الطلاق) ، فإذا طلق الرجل امرأته وإن كان مازحاً وأوقع عليها الطلاق وبدون أي موانع فالشرع يوقع الطلاق ويعتبرها طلقة ، ولكن والحالة هذه ورُفع الأمر للقاضي وحكم بعدم جواز الطلاق ، فهل يعيش معها ويعاشرها ولربما تكون امرأته قد بانت منه بينونة كبرى أو صغرى فيعيش معها في الحرام مع العلم أنه طلقها أمام الله أم ماذا يفعل في ظل هذا الحكم المخالف لدين الإسلام.
وأيضاً تقييد الطلاق بهذه القيود الثقيلة سوف يكون سبباً في إغلاق باب الزواج ونفور الناس منه ، لأن من يعرف أنه إذا دخل من باب أغلق عليه لا يدخله أبداً ، وبذلك تشيع الفاحشة وتنحل الأسرة ويستشري الفساد.
ثم إن القوانين الغربية التي يطالبون باستيرادها إلى بلاد الإسلام ، والأخذ بها ، قد أخفقت لدى أصحابها إخفاقاً مبيناً ، في تحقيق الاستقرار العائلي السليم ، فبعض هذه القوانين جردت عقد الزواج مما له من حرمة وجلال وقدسية ، فأباحت الطلاق لأتفه الأسباب ، كما هو الحال في بعض الولايات في أمريكا الشمالية ، والبعض الآخر ضيقت المجال بحيث لم تبحه إلا في حالات محدودة ، وبطرق وإجراءات معقدة كما هو الحال في معظم الأمم الكاثوليكية.
فالقانون الفرنسي مثلاً لا يبيح الطلاق إلا لواحد من ثلاثة أسباب:
أحدها: الزنا من أحد الزوجين.
وثانيها: تجاوز الحد والإهانة البالغة في معاملة أحد الزوجين للآخر.
وثالثها: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة قضائية مهينة.
ومع ذلك فإن الطلاق لا يتم إلا بعد إجراءات معقدة ، وتستغرق وقتاً طويلاً ، ونفقات باهظة ، لا يتحملها إلا ذوو الثروة ، ولهذا تهيَّب الناس الطلاق ، وكثر لذلك – في معظم البلاد الغربية – اتخاذ الأزواج للخليلات ، واتخاذ الزوجات للأخلاء ، وهجر الأزواج والزوجات منزل الزوجية ، كما كثر فرار الأزواج مع عشيقاتهم ، والزوجات مع عشاقهن ، وأصبحت هذه الأمور وما إليها في كثير من بلاد أوربا وأمريكا شيئاً عادياً ، وأصبحت الأسرة شيئاً لا قيمة له ، كما أن صلة الأبناء بآبائهم أصبحت موضع الشك وموطن الارتياب.
وقد يقول قائل منهم: إن الإسلام قد أخذ بنظام التحكيم وفيه يتولى الحكمان التحقيق في أسباب الخلاف ، وسماع تلك الأسباب من الزوجين ، ويصدران حكمهما بالطلاق إن رأيا المصلحة في ذلك ، وهذا مماثل لما ننادي به.
ونقول لهم: إن الإسلام قد قرر نظام التحكيم بين الزوجين فيما يشجر بينهما من خلاف ، ولكنه قرره في صورة كريمة نبيلة لا تنطوي على تلك المساوئ التي يسببها تولي القاضي التطليق ، فقد قرر الإسلام أن يتألف مجلس التحكيم من حكمين: حكم من أهل الزوجة ، وحكم من أهل الزوج ، أي رجلين لا يرى كلا الزوجين غضاضة في الإفضاء إليهما بما في نفسيهما ، وبأسباب شقاقهما ، والحكمان من جهة أخرى لا يقلان عن الزوجين في حرصهما على كتمان كل ما يسيء إلى سمعة الأسرة المتخاصمة ، وعدم إذاعته بين الناس ، لأن كل ما يسئ إلى سمعة هذه الأسرة يسئ إلى سمعة الحكمين نفسيهما ، لارتباطهما بهذه الأسرة برابطة القرابة.
ففرق بين هذا وبين ما يحدث في المحاكم ، إذ يتم ذلك على رؤوس الأشهاد علناً ، ويعلمه موظفو المحكمة ويسجل في سجلاتها.(14/262)
وبعد: فهذه بعض مساوئ الأنظمة والقوانين التي يريد أولئك القوم المفتونون بحضارة الغرب وقوانينها وأنظمتها ، ويريدون تطبيقها في بلاد الإسلام ، وقد وضعت في بلاد ولأمة ليس لها من المقومات والماضي ما لأمتنا وبلادنا ، وليس لها من المبادئ والأخلاق والمثل ما لأمتنا ، فهي غريبة في بلادنا وعن أمتنا وبيئتنا ، وسنفشل عند تطبيقها لو قدر لها أن تطبق – لا سمح الله – ما دامت هذه الأمة تتمسك بدينها ، لأنها تتعارض مع مقومات هذه الأمة الأساسية.
لذا فإن كل من له عقل سليم ، وقد خلا من الغرض والهوى ، لا يستسيغ الأخذ بشيء من هذه القوانين ، ويقبل بصدر رحب استمرار العمل بنظام الإسلام في الطلاق
===============
جعل الطلاق بيد الرجل لا ينقص من شأن المرأة
إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير ، يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والفرد والمجتمع ، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك ، وإنهاء الرابطة تلك ، إلا لمن يدرك خطورته ، ويقدر العواقب التي تترب عليه حق قدرها ، ويزن الأمور بميزان العقل ، قبل أن يقدم على الإنفاذ ، بعيداً عن النزوات الطائشة ، والعواطف المندفعة ، والرغبة الطارئة.
والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل أكثر إدراكاً وتقديراً لعواقب هذا الأمر ، وأقدر على ضبط أعصابه ، وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة ، وذلك لأن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثراً ، وأسرع انقياداً لحكم العاطفة من الرجل ، لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك ، فهي إذا أحبت أو كرهت ، وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة ، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج ولا تتدبر عاقبة ما تفعل ، فلو جعل الطلاق بيدها ، لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأتفه الأسباب ، وأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية ، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى.
وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك ، بل إن من النساء من هن ذوات عقل وأناة ، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من بعض الرجال ، كما أن من الرجال من هو أشد تأثراً وأسرع انفعالاً من بعض النساء ، ولكن الأعم الأغلب والأصل أن المرأة كما ذكرنا ، والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء ، ولا يعتبر النوادر والشواذ ، وهناك سبب آخر لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية.
إن إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية ، يُلزم بها الأزواج: فيه يحل المؤجل من الصداق إن وجد ، وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة ، وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات ، كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر ، وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج ، وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء زوجية جديدة ، ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق ، من شأنها أن تحمل الأزواج على التروي ، وضبط النفس ، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق ، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه.
أما الزوجة فإنه لا يصيبها من مغارم الطلاق المالية شيء ، حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه – إن استطاعت – بل هي تربح من ورائه مهراً جديداً ، وبيتاً جديداً ، وعريساً جديداً.
فمن الخير للحياة الزوجية ، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها.
والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق ، فقد منحتها الحق في الطلاق ، إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطاً صحيحاً ، ولم يف الزوج به ، وأباحت لها الشريعة الطلاق بالاتفاق بينها وبين زوجها ، ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئاً من المال ، يتراضيان عليه ، ويسمى هذا بالخلع أو الطلاق على مال ، ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة معه ، وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه ، وهذا ما بينه الله تعالى في قوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
ولها طلب التفريق بينها وبينه ، إذا أُعسر ولم يقدر على الإنفاق عليها ، وكذا لو وجدت بالزوج عيباً ، يفوت معه أغراض الزوجية ، ولا يمكن المقام معه مع وجوده ، إلا بضرر يلحق الزوجة ، ولا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن طويل ، وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها ، وآذاها بما لا يليق بأمثالها ، أو إذا غاب عنها غيبة طويلة.
كل تلك الأمور وغيرها ، تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها ، صيانة لها أن تقع في المحظور ، وضناً بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها ، وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للضيم والتعسف.
=================
عناية الإسلام بالمرأة (1)
أولًا: المرأة الجاهلية في القرآن الكريم:
1- الاستياء منها ودفنها حية:(14/263)
قال الله تعالى: ?وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ ?58? يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ? [النحل:58، 59].
قال البغوي: "وكان الرجل من العرب إذا وُلدت له بنت وأراد أن يستحيِيَها ألبسها جبةَ من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها: زيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض"[ معالم التنزيل (5/25)].
2- حرمانها من الميراث:
قال الله تعالى: ?لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضً? [النساء:7].
قال سعيد بن جبير وقتادة: "كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء والأطفال شيئًا فأنزل الله: ?لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضً? [النساء:7]"[ انظر: تفسير ابن كثير (1/465)].
3- إباحة حلائل الآباء لأبنائهم بعد الموت والجمع بين الأختين:
قال الله تعالى: ?وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلً? [النساء:22].
قال قتادة: "كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا أن الرجل كان يخلُف على حليلة أبيه ويجمعون بين الأختين"[ جامع البيان (3/393)].
4- عدم معاشرة الحائض في البيت:
قال الله تعالى: ?وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى? [البقرة:222].
قال قتادة: "كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولا تؤاكلهم في إناء؛ فأنزل الله تعالى في ذلك، فحرم فرجَها ما دامت حائضًا، وأحلَّ ما سوى ذلك؛ أن تصبغ لك رأسك وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار فتحجزه به دونك"[ جامع البيان (2/393)].
5- التبرّج:
قال الله تعالى: ?وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى? [الأحزاب:33].
قال مجاهد: "كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرّج الجاهلية"[ تفسير ابن كثير (3/768) ط. التجارية].
ثانيًا: وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-بالنساء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خير) [ أخرجه البخاري في النكاح، باب: الوصاة بالنساء (5185، 5186)، ومسلم في الرضاع (1468)].
قال الطيبي: «والمعنى: أوصيكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي فيهن، (فإنهن خلقن من ضلع) أي: خلقن خلقًا فيه اعوجاج، وكأنهن خلقن من أصل معوجٍّ، فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن» [ شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (6/306)].
قال الشيخ ابن عثيمين: «وفي هذا توجيه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلى معاشرة الإنسان لأهله، وأنه ينبغي أن يأخذ منهم العفو وما تيسر كما قال تعالى: ?خُذِ الْعَفْوَ? [الأعراف:199]، يعني: ما عفا وسهل من أخلاق الناس، ?وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ? [الأعراف:199]» [ شرح رياض الصالحين (5/139-140)].
ثالثًا: حق المرأة في العبادة:
1- الأصل مساواة المرأة للرجل في الأحكام الشرعية:
والدليل على ذلك:
أ- أن مناط التكليف بأحكام الشريعة الإسلامية كون الإنسان بالغًا عاقلًا لحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق)([ أخرجه أحمد (6/100-101)، وأبو داود في الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدًا (4398)، والنسائي في الطلاق، باب: من لا يقع طلاقه من الأزواج (3432)، وابن ماجه في الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041)، وصححه الحاكم (2/59)، ووافقه الذهبي، وخرجه الألباني في الإرواء (297) وقال: "صحيح"])، فإذا بلغ الإنسان الحلم وكانت أقواله وأفعاله جارية وفقًا للمألوف المعتاد بين الناس مما يستدلُّ به على سلامة عقله حُكِم بتكليفه بأحكام الشريعة لتوفُّر مناط التكليف، والمرأة يتحقق فيها هذا المعنى كما يتحقق في الرجل[المفصل في أحكام المرأة (4/ 176)].(14/264)
ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)[ أخرجه أحمد (6/ 256)، وأبو داود في الطهارة، باب: في الرجل يجد البلة في منامه (236)، والترمذي في الطهارة، باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا (113) عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي بشواهده (1/190-192)، والألباني في السلسلة الصحيحة (2863)].
قال الخطابي: "أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُقِقن من الرجال. وفيه من الفقه... أنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابًا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها"[ معالم السنن (1/161)].
ج- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-مبعوث إلى الرجال والنساء جميعا.
قال ابن حزم: "ولما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مبعوثًا إلى الرجال والنساء بعثًا مستويًا وكان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه -صلى الله عليه وسلم-للرجال والنساء واحدًا لم يجز أن يخَصَّ بشيء من ذلك الرجالُ دون النساء إلا بنصّ جليّ أو إجماع"[ الإحكام في أصول الأحكام (3/337)].
وقال أيضًا: "وقد تيقنَّا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مبعوث إليهن كما هو إلى الرجال، وأن الشريعة التي هي شريعة الإسلام لازمة لهن كلزومها للرجال، وأيقنَّا أن الخطاب بالعبادات والأحكام متوجِّه إليهن كتوجُّهه إلى الرجال إلا ما خصَّهن أو خصَّ الرجالَ منهن دليلٌ، وكل هذا يوجب أن لا يُفرد الرجالُ دونهن بشيء قد صحَّ اشتراكُ الجميع فيه إلا بنص أو إجماع"[ الإحكام في أصول الأحكام (3/341-342)].
2- إسقاط بعض العبادات عن المرأة نظرًا لطبيعتها:
وهذا له صور كثيرة منها:
أ- إسقاط الصلاة والصوم عن الحائض والنفساء:
قال صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟! فذلك نقصان دينه)[ أخرجه البخاري في الحيض، باب: ترك الحائض الصوم (304)، ومسلم في الإيمان (79) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
قال النووي: "أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال"[ شرح صحيح مسلم (1/637)].
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري([هو من علماء الحنفية، توفي في جمادى الآخرة سنة 546هـ. انظر: الجواهر المضية، وأبجد العلوم (2/497)]) في بيان الحكمة من ذلك: "علِم الله تعالى ضعفَ النساء وفتورَهن إذ هو خَلَقهن فأحبَّ أن يضع عنهن بعضَ العبادات ترفيهًا في حقِّهن وتخفيفًا لهن، فكان أليقَ الأحوال بالوضع حالةُ الحيض إذ هي متلوثةٌ بأشد الأشياء لوثًا سماه الله تعالى أذًى بقوله: ?قُلْ هُوَ أَذًى? [البقرة:222]، وهو الدم المخصوص بالرحم يترشَّح فيه من جميع الأعضاء، ويجتمع في الرحم، ثم يخرج في هذه الأيام المعدودة، فوضع الله تعالى عنها كلَّ عبادة تختصُّ بالطهارة نحو الصلاة وقراءة القرآن ومسِّ المصحف ودخول المسجد والطوافِ بالبيت، وجعل الطهارة عن الحيض شرطًا لأداء الصوم، وإذا كان الصوم لا يختصُّ بالطهارة عن سائر الأحداث إظهارًا لفحش هذه الحالة وإظهارًا لشرف هذه العبادة، فوضع العبادات عنها ونهاها عن إقامة شيء من هذه العبادات لتنتهي بنهي الله تعالى، فيحصل لها ثواب الانتهاء كما يحصل لها ثواب الائتمار حالة الطهر"[ محاسن الإسلام (ص 35)].
ب- إلزامها بقضاء الصوم دون الصلاة بعد زوال الحيض:
عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فقال: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة[أخرجه البخاري في الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة (321)، ومسلم في الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (335)].
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن عليها الصوم بعد الطهر، ونفى الجميع عنها وجوب الصلاة"[ الأوسط (2/203)].
قال ابن حجر: "والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام"[ فتح الباري (1/502)].
ج- وضع الصيام عن الحامل والمرضع:
عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: (إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام)[ أخرجه الترمذي في الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع (715)، والنسائي في الصيام، ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك (2274)، وقال الترمذي: "حسن"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (575)].
قال ابن قدامة: "وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم بين أهل العلم اختلافًا؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم"[ المغني (4/ 394)].
د- إسقاط طواف الوداع عن الحائض:(14/265)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفِّف عن الحائض[أخرجه البخاري في الحج، باب: طواف الوداع (1755)، ومسلم في الحج (1328)].
قال الخرقي: "والمرأة إذا حاضت قبل أن تودِّع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية"، قال ابن قدامة: "وهذا قول عامة فقهاء الأمصار"[ المغني (5/341)].
رابعًا: العناية بالمرأة في العرض والكرامة:
جعل الشرع للحفاظ على عرض المرأة وصيانة كرامتها أحكامًا كثيرة، منها:
1- الأمر بالقرار في البيوت:
قال الله تعالى: ?وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ? [الأحزاب:33].
قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم-فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[ الجامع لأحكام القرآن (14/ 176)].
2- الأمر بالحجاب:
قال الله تعالى: ?ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمً? [الأحزاب:59].
قال ابن عطية: "لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكنّ يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن؛ أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم-بأمرهن بإدلاء الجلابيب ليقع سترهن، ويبين الفرق بين الحرائر والإماء فيعرف الحرائر بسترهن"[ المحرر الوجيز (4/399)].
قال: "وقوله: ?ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ? [الأحزاب:59] أي: على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عُرفن لم يقابلن بأذًى من المعارَضَة[أي: لم يعترض عليهن أحد] مراقبةً لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يعلم من هي"[ المحرر الوجيز (4/399)].
3- النهي عن التبرج:
قال الله تعالى: ?وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى? [الأحزاب:33].
قال الشيخ ابن باز: "ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذِّر أمهاتِ المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة"[ حكم السفور والحجاب، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 14، 1405هـ - 1406ه].
4- الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج:
قال الله تعالى: ?وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ? [النور:31].
قال ابن كثير: "هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات، وغيرة منه لأزواجهن عبادِه المؤمنين، وتمييزٌ لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات"[ تفسير القرآن العظيم (3/311)].
قال الشيخ ابن باز: "فأمر المؤمنات بغضّ البصر وحفظ الفرج كما أمر المؤمنين بذلك صيانةً لهن من أسباب الفتنة وتحريضًا لهن على أسباب العفة والسلامة"[ التبرج والسفور، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 14].
5- النهي عن إظهار الزينة لغير المحارم:
قال الله تعالى: ?وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ? [النور:31].
قال ابن كثير: "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: (كالرداء والثياب) يعني: على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه"[ تفسير القرآن العظيم (3/312)].
قال الأستاذ سيد قطب: "والزينة حلالٌ للمرأة تلبيةً لفطرتها، فكلُّ أنثى مولعةٌ بأن تكون جميلةً وأن تبدوَ جميلة، والزينة تختلف من عصر إلى عصر، ولكن أساسها في الفطرة واحدٌ هو الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله وتجليته للرجال، والإسلام لا يقاوم هذه الرغبةَ الفطرية، ولكنه ينظِّمها ويضبطها ويجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد هو شريك الحياةِ، يطَّلع منها على ما لا يطَّلع أحد سواه، ويشترك معه في الاطلاع على بعضها المحارمُ المذكورون في الآية بعد، ممن لا يثير شهواتهم ذلك الاطلاعُ"[ في ظلال القرآن (4/2512)].
6- النهي عن الخضوع بالقول:
قال الله تعالى: ?يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ? [الأحزاب:32].
قال ابن كثير: "ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانبَ كما تخاطب زوجها"[ تفسير القرآن العظيم (3/531)].(14/266)
قال الشوكاني: "أي: لا تُلنَّ القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المرِيبَات من النساء فإنه يتسبَّب عن ذلك مفسدة عظيمة، وهي قوله: ?فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ? [الأحزاب:32] أي: فجور وشكّ ونفاق"[ فتح القدير (4/277)].
7- تحريم الخلوة بالأجانب وتحريم سفرها بلا محرم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-يخطب يقول: (لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجةً، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، قال: (انطلق فحج مع امرأتك)[ أخرجه البخاري في الحج، باب: حج النساء (1862)، ومسلم في الحج (1341)].
قال ابن حجر: "فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع"[ فتح الباري (4/92)].
قال القاضي عياض: "والمرأة فتنةٌ ممنوعٌ الانفراد بها لما جُبِلت عليه نفوسُ البشر من الشهوة فيهن، وسُلِّط عليهم الشيطانُ بواسطتهن، ولأنهن لحم على وَضَم[الوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو باريّة يوقى به من الأرض. مختار الصحاح (ص302)] إلا ما ذُبّ عنه، وعورةٌ مضطرة إلى صيانة وحفظٍ وذِي غيرة يحميها ويصونها، وطبع الله في ذوي المحارم من الغيرة على محارمهم والذبِّ عنهن ما يؤمَن عليهن في السفر معهم ما يُخشى"[ إكمال المعلم (4/448)].
8- التحذير من الدخول على النساء لغير المحارم:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت)[ أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة (5232)، ومسلم في الأدب (2083)].
قال القرطبي: "قوله: (الحمو الموت) أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموتَ في الاستقباح والمفسدة، أي: فهو محرَّم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبَّهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفِهم ذلك، حتى كأنه ليس بأجنبيٍّ من المرأة عادة، وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه"[ المفهم (5/501)].
9- الابتعاد عن مخالطة الرجال حتى في أماكن العبادة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أوله)[ أخرجه مسلم في الصلاة (349)].
قال القرطبي: "فأما الصفُّ الأول من صفوف النساء فإنما كان شرًا من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء، فقد يخاف أن تشوّش المرأة على الرجل والرجل على المرأة"[ المفهم ()].
قال النووي: "وإنما فضَّل آخرَ صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذمَّ أوَّل صفوفهن لعكس ذلك"[ شرح صحيح مسلم (4/159-160)].
قال الشيخ ابن باز: "وكان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة علماءَ الأمة إلى التحذير منه حذرًا من فتنته، بل كان النساء في مسجده -صلى الله عليه وسلم-يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أوله) حذرًا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء، وكان الرجال في عهده -صلى الله عليه وسلم-يؤمرون بالتريُّث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهنَّ الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعًا رجالًا ونساء من الإيمان والتقوى، فكيف بحال مَن بعدهم؟! وكانت النساء يُنهَين أن يتحقَّقن الطريقَ ويُؤمَرن بلزوم حافّات الطريق حذرًا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسَّة بعضهم بعضًا عند السير في الطريق"[ حكم الاختلاط في التعليم، نشر مجلة البحوث الإسلامية. العدد 15/ 1406ه].
10- التشديد في خروج المرأة متعطِّرة:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية)[ أخرجه أبو داود في الترجل، باب: في طيب المرأة للخروج (4167)، والترمذي في الاستئذان، باب:ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة (2937)، والنسائي في الزينة، باب: ما يكره للنساء من الطيب (5126) واللفظ له، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في اية المرام (84)].
قال المباركفوري: "لأنها هيَّجت شهوةَ الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنا العين، فهي آثمة"[ تحفة الأحوذي (8/58)].
11- الغيرة على النساء:(14/267)
قال الشيخ محمد أحمد المقدم: "إن من آثار تكريم الإسلام للمرأة ما غرسه في نفوس المسلمين من الغيرة، ويقصد بالغيرة تلك العاطفة التي تدفع الرجل لصيانة المرأة عن كل محرَّم وشين وعار، ويعدُّ الإسلام الدفاعَ عن العرض والغيرةَ على الحريم جهادًا يبذل من أجله الدم، ويضحَّى في سبيله بالنفس، ويجازي فاعلَه بدرجة الشهيد في الجنة، فعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد)[ أخرجه أحمد (1/190)، وأبو داود في السنة، باب: في قتل اللصوص (4772)، والترمذي في الديات، باب: ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (1418)، وابن ماجه في الحدود، باب: من قتل دون ماله فهو شهيد (2580)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3/119)، والألباني في إرواء الغليل (708)]، بل يعدُّ الإسلام الغيرةَ من صميم أخلاق الإيمان، فمن لا غيرة له لا إيمان له، ولهذا كان رسول الله صلى الله -صلى الله عليه وسلم-أغيرَ الخلق على الأمة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غيرَ مصفح، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: (تعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ، لأنا أغير منه، واللهُ أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) الحديث[رواه البخاري في المحاربين، باب: من رأى مع امرأته رجلًا فقتله (6846)، ومسلم في اللعان (1499)]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)[ رواه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5223)، ومسلم في التوبة (2761)].
وإن من ضروب الغيرة المحمودة أنَفَةَ المحب وحميَّته أن يشاركه في محبوبه غيرُه، ومن هنا كانت الغيرة نوعًا من أنواع الأثرة لا بد منه لحياطة الشرف وصيانة العرض، وكانت أيضًا مثارَ الحمية والحفيظة فيمن لا حميةَ له ولا حفيظة.
وضدُّ الغيور الديُّوث، وهو الذي يقرُّ الخبثَ في أهله أو يشتغل بالقيادة، قال العلماء: الديوث الذي لا غيرةَ له على أهل بيته، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) الحديث[أخرجه أحمد (2/134)، والنسائي في الزكاة، باب: المنان بما أعطى (2561)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (9/34)، والألباني في صحيح سنن النسائي (2402)].
إن الغيرةَ على حرمة العفَّة ركنُ العروبة وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام؛ لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية، ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية"[ عودة الحجاب (3/114-115)].
خامسًا: المرأة في المجتمع:
للمرأة في المجتمع المسلم مكانة عظيمة وحقوق تتمتّع بها، ومن ذلك:
1- تحريم عقوق الأمَّهات:
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات ووأد البنات ومنعَ وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرةَ السؤال وإضاعة المال) [ رواه البخاري في الاستقراض، باب: ما ينهى من إضاعة المال (2408)، ومسلم في الأقصية (1715)].
قال ابن حجر: "قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبِّه على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك" [ فتح الباري (5/83)].
2- تقديم الأم في البر على الأب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك) [ أخرجه البخاري في الأدب، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة؟ (597)، ومسلم في البر (2548)].
قال النووي: "وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرةُ تعبها عليه وشفقتها وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك" [ شرح صحيح مسلم (16/102)].
3- تحريم وأد البنات:
عن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات...) الحديث [رواه البخاري في الاستقراض، باب: ما ينهى من إضاعة المال (2408)، ومسلم في الأقصية (1715)].
قال النووي: "وأما وأد البنات فهو دفنهنَّ في حياتهن فيمُتن تحت التراب، وهو من الكبائر الموبقات؛ لأنه قتل نفس بغير حق، ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم، وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله" [ شرح صحيح مسلم (12/12)].
4- الحثّ على تربية البنات وفضله:(14/268)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار) [ أخرجه البخاري في الأدب، باب: رحمة الولد (5995)، ومسلم في البر (2629)].
قال ابن حجر: "وفي الحديث تأكيد حقِّ البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بصالح أنفسهن، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال" [ فتح الباري (10/443)].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو) وضمَّ أصابعه [رواه مسلم في البر (2631)].
قال النووي: "فيه فضل الإحسان إلى البنات والنفقة عليهن والصبر عليهن وعلى سائر أمورهن" [ شرح صحيح مسلم (16/179)].
5- حقّ المرأة في التعلُّم:
أ- فضل تعليم الرجلِ أهلَه:
قال البخاري في صحيحه: "باب تعليم الرجل أمته وأهله".
وأخرج عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران) [ صحيح البخاري: كتاب العلم (97)].
قال ابن حجر: "مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء" [ فتح الباري (1/229)].
ب- الإمام الأعظم يعظ النساء ويعلمهن:
قال البخاري في صحيحه: "باب عظة الإمام النساء وتعليمهن".
ثم أخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم-خرج ومعه بلال، فظنَّ أنه لم يُسمع، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرطَ والخاتمَ، وبلال يأخذ في طرف ثوبه [صحيح البخاري: كتاب العلم (98)، ومسلم في صلاة العيدين (884)].
قال ابن حجر: "نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصًا بأهلهن، بل ذلك مندوب للإمام الأعظم ومن ينوب عنه، واستُفيد التعليم من قوله: (وأمرهن بالصدقة) كأنه أعلمهن أن في الصدقة تكفيرًا لخطاياهن" [ فتح الباري (1/232)].
قال ابن بطال: "فيه أنه يجب على الإمام افتقاد أمور رعيته وتعليمهم ووعظهم، الرجال والنساء في ذلك سواء، لقوله عليه السلام: (الإمام راع ومسئول عن رعيته) [ صحيح البخاري: الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (893)، ومسلم في الامارة (1829) عن ابن عمر رضي الله عنهم]، فدخل في ذلك الرجال والنساء" [ شرح صحيح البخاري (1/175)].
ج- الحائض يرغَّب لها تعلُّم أمور دينها:
عن أم عطية قالت: أُمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيَّض عن مصلاهن [أخرجه البخاري في الصلاة، باب: وجوب الصلاة في الثياب (351)، ومسلم في صلاة العيدين (890)].
قال الحافظ: "فيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد" [ فتح الباري (1/505)].
د- تخصيص النساء بأيام خاصة لتعليمهن:
قال البخاري: "باب: هل يُجعل للنساء يومٌ على حدة في العلم؟".
ثم أخرج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: (ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار)، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: (واثنين) [ صحيح البخاري: كتاب العلم (101)، ومسلم في البر (2633)].
قال ابن بطال: "وفيه سؤال النساء عن أمور دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك فيما لهن الحاجة إليه، وقد أخذ العلم عن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-وعن غيرهن من نساء السلف" [ شرح صحيح البخاري (1/178)].
قال ابن الجوزي: "المرأة شخص مكلَّف كالرجل، فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها لتكون من أدائها على يقين. فإن كان لها أب أو أخ أو زوج أو محرَم يعلِّمها الفرائض ويعرِّفها كيف تؤدي الواجبات كفاها ذلك، وإن لم تكن سألت وتعلَّمت، فإن قدرت على امرأة تعلمت ذلك وتعرفت منها، وإلا تعلمت من الأشياخ وذوي الأسنان من غير خلوة بها، وتقتصد على قدر اللازم، ومتى حدثت لها حادثة في دينها سألت ولم تستحي؛ فإن الله لا يستحيي من الحق" [ انظر: أحكام النساء (ص25)].(14/269)
وقال الشيخ عبد الله آل محمود: "إن المرأة كالرجل في تعلُّم الكتابة والقراءة والمطالعة في كتب الدين والأخلاق وقوانين الصحة والتدبير وتربية العيال ومبادئ العلوم والفنون من العقائد الصحيحة والتفاسير والسير والتاريخ وكتب الحديث والفقه، كل هذا حسن في حقها تخرج به عن حضيض جهلها، ولا يجادل في حُسنه عاقلٌ، مع الالتزام بالحشمة والصيانة وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب" [ انظر: المرأة المسلمة أمام التحديات لأحمد الحصين (ص 64-65)].
وقال الشيخ أحمد الحصين: "إن الله لم يحرم تعليم الفتاة، إنما حثَّ على تعليمها، ولكن نجد اليوم بنات المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي يدرُسن موادَّ لا تصلح لأنوثتهن وطبيعتهن التي خلقها الله، فهي تخالف تكوينها الجسمي مثل الجيولوجيا والكيمياء والتنقيب عن البترول، والطامة الكبرى أننا نرى الفتيات المسلمات يسافرن إلى بلاد أوروبا أو بلاد الشيوعية للدراسة والتعليم، وهذا يكون محرّمًا عليهن، ومن ثم نرى التعليم اليوم في أغلب بلاد العالم العربي والإسلامي بعيدًا كل البعد عن الدين وشئون المرأة الذي يسير مع تكوينها الجسمي والعقلي، ومن ثم المنهج التعليمي التربوي أكثره تضعه هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة التي لا تعرف عن ديننا إلا ما تتلقاه من المستشرقين والمبشرين، فحين أمرنا الإسلام بتعليم الإناث أمرَ بتعليمهن الأشياء التي تصلح لمقوِّمات الحياة التي تليق بالمرأة والتي تحتاج إليها كربَّة بيتٍ مشرفة على شئون منزلها مثل التطريز والخياطة والطهي وتربية الأولاد وتعليمهن الدين من عقائد وعبادات وتهذيب وسيرة وغيرها من العلوم النافعة التي تنفعها في الدنيا والآخرة، ولكن الأيدي الخفية لا ترى هذا، إنها تريد تدميرها وانحرافها عن طريق الحق إلى طريق الهاوية" [ المرأة المسلمة أمام التحديات (ص 66-67)].
6- المرأة والعمل:
أ- الأصل في المرأة قرارها في البيت:
قال الله تعالى: ?وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنٌَّ? [الأحزاب:33].
قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم-فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة" [ الجامع لأحكام القرآن (14/ 176)].
ب- واجب المرأة في بيتها:
إن واجب المرأة في بيتها هو القيام بأعمال البيت وما تتطلبه الحياة الزوجية والوفاء بحق الزوج عليها، وقيامها بشؤون أولادها وتربيتهم وخدمتهم. وهذه الواجبات كثيرة جدًا ومتعِبة، وتحتاج إلى تفرغ المرأة لها، وبالتالي لا يمكنها عادةً وغالبًا القيامُ بالعمل المباح لها خارجَ البيت إلا على حساب التفريط بهذه الواجبات والتقصير في أدائها إن لم نقل إهمالها، وحيث إن من أصول الحقوق والواجبات عدمَ جواز مزاحمة ما هو حق للإنسان لما هو واجب عليه فلا يجوز أن يزاحمَ عملُ المرأة المباحُ لها واجباتِ المرأة في البيت [المفصل في أحكام المرأة (4/265)].
ج- ضمان النفقة للمرأة:
قال تعالى: ?لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ اللَّهٌُ? [الطلاق:7].
قال القرطبي: "أي: لينفق الزوج على زوجته وعلى ولده الصغير على قدر وُسعه حتى يوسِّع عليهما إذا كان موسَّعًا عليه، ومن كان فقيرًا فعلى قدر ذلك" [ الجامع لأحكام القرآن (18/170)].
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال في خطبة عرفة: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [ رواه مسلم في الحج (1218)].
قال النووي: "فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع" [ شرح صحيح مسلم (8/184)].
قال ابن قدامة: "وفيه ضربٌ من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب، فلا بد من أن ينفق عليها كالعبد مع سيده" [ المغني (11/348)].
قال الدكتور عبد الله الطريقي: "المرأة باعتبارات شرعية اقتضتها متطلبات حالها الملزمة للستر والعفاف مُنعت من مخالطة الرجال لأجل كسب القوت، وجُعل الإنفاق عليها حقًا على الغير من زوج أو قريب لكونها زوجًا أو أمًا أو بنتًا أو قريبة ذات رحم محرم عليها، فلها حق الرعاية والإنفاق متى ما كانت مستحقة لذلك" [ نفقة المرأة الواجبة على زوجها، نشر مجلة البحوث الإسلامية، عدد 19، 1407ه].
د- الضرورة تبيح العمل للمرأة:
قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "وإذا كان الأصل في عمل المرأة خارجَ البيت هو المنع والحظر فإن الجواز هو الاستثناء إذا اقتضت الضرورة ذلك؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، وهي من القواعد الثابتة في الشريعة الإسلامية التي لا خلاف فيها، فإذا اقتضت ضرورةٌ اكتسابَ المرأة عن طريق العمل المشروع ما تسدُّ به متطلَّبات معيشتها جاز لها هذا العمل" [ المفصل في أحكام المرأة (4/267-268)].
ومن أدلة ذلك:(14/270)
1- قول الله تعالى: ?وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌٌ? [القصص:22].
قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "ووجه الدلالة بالآية الكريمة أن شعيبًا عليه السلام أذن لابنتيه أن تسقيا الأغنام خارج البيت من ماء مدين؛ لأنه في حالة عجز عن القيام بمهمة السقي، فهو إذًا في حالة ضرورة أباحت له أن يأذن لابنتيه بالقيام بهذا العمل" [ المفصل في أحكام المرأة].
2- عن أسماء بنت أبي بكر رض الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرِزُ غَربَه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صِدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ... الحديث [أخرجه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5224)].
بين ابن حجر أن السبب الحامل لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على الصبر على هذه الأعمال الشاقّة التي جاءت في هذا الحديث وسكوت زوجها وأبيها على ذلك هو انشغالهما بالجهاد وغيره مما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الزبير رضي الله عنه لا يتفرغ للقيام بهذه الأعمال التي كانت تقوم بها، وأيضًا لم يكن باستطاعته أن يستأجر من يقوم له بهذه الأعمال، ولم يكن عنده مملوك يقوم له بهذه الأعمال، فانحصر الأمر في زوجته [انظر: فتح الباري (9/235)].
قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "وفي قصة أسماء وحملها النوى من أرض بعيدة عن بيتها لحاجة زوجها لهذا العمل واطلاع النبي -صلى الله عليه وسلم-على حالها وفعلها وسكوته -صلى الله عليه وسلم-دليل واضح على جواز عمل المرأة خارج البيت إذا كان هناك ضرورة لعملها" [ المفصل في أحكام المرأة (4/270)].
هـ- شروط عمل المرأة:
1- الالتزام بالحجاب الشرعي.
2- الأمن من الفتنة كالاختلاط بالرجال أو الخلوة بهم.
3- إذن الولي.
4- أن لا يستغرق العمل وقتها أو يتنافى مع طبيعتها.
5- أن لا يكون في العمل تسلّط على الرجال.
والهدف من اشتراط هذه الشروط هو بناء مجتمع متكامل مترابط، وتهذيب الأمة وتربيتها على المثل العليا والخلق الحميد، ووقاية الأفراد من الأمراض الاجتماعية والنفسية والخلقية [انظر: عمل المرأة وموقف الإسلام منه للدكتور عبد الرب نواب الدين (ص 182-196)].
سادسًا: حق المرأة في المال:
1- حق المرأة في المال كحق الرجل:
تتمتع المرأة بالحقوق الخاصة المالية كالرجل، فلها أن تكتسب المال بأسباب كسبه المشروعة كالإرث، قال تعالى: ?لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًٌ? [النساء:7] [ المفصل في أحكام المرأة (4/291)].
2- مباشرة المعاملات المختلفة:
للمرأة أن تباشر المعاملات المختلفة لكسب المال كالإجارة، قال تعالى في استئجار الظئر لإرضاع الطفل: ?وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمٌْ? [البقرة:233].
قال الكاساني: "نفى الله سبحانه وتعالى الجناح عمّن يسترضع ولدَه، والمراد منه الاسترضاع بالأجرة بدليل قوله تعالى: ?إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءاتَيْتُم بِالْمَعْرُوفٌِ? [البقرة:233] بعد قوله: ?فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمٌْ? [البقرة:233]" [ انظر: المفصل في أحكام المرأة (4/291)].
3- التوكيل في المعاملات:
وللمرأة أن توكِّل من تشاء في سائر ما تملكه من تصرُّفات كالبيع والشراء وغير ذلك كما يجوز لها أن تتوكَّل على غيرها.
قال ابن قدامة: "وكل من صحَّ تصرُّفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صحَّ أن يوكَّل فيه رجلًا كان أو امرأة حرًا كان أو عبدًا" [ المغني (7/197)].
وقال أيضًا: "لا نعلم خلافًا في جواز التوكيل في البيع والشراء، وقد ذكرنا الدليل عليه من الآية والخبر، ولأن الحاجة داعية إلى التوكيل فيه؛ لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق، وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه، وقد يحسن ولا يتفرغ، وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة" [ المغني (7/198)].
سابعًا: حقوق المرأة الزوجية:
1- استئذانها في التزويج:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت) [ أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما (5136)].(14/271)
قال ابن تيمية: "المرأة لا ينبغي لأحد أن يزوِّجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهن ذلك لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوِّجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين، وأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها: هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب" [ مجموع الفتاوى (32/39-40)].
2- المهر:
قال تعالى: ?وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةًٌ? [النساء:4].
قال القرطبي: "هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه" [ الجامع لأحكام القرآن (5/24)].
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري: "ومن محاسن النكاح أن لم يشرع في حق النساء إلا بصداق، قال الله تعالى: ?وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوالِكُمٌْ? [النساء:24]، فإنها لو حلَّت بغير بدل لكان في ذلك ذلّ وضاعت بأسرع الأوقات، فلم يشرع عقد النكاح إلا ببدل يلزمه ليكون خوفُ المطالبة بالصداق مانعًا له عن الطلاق فيدوم، وإذا دام حصل مقصود البقاء والتوالد" [ محاسن الإسلام (ص46)].
3- وجوب النفقة والكسوة:
في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال في خطبة عرفة: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [ رواه مسلم في الحج (1218)].
قال النووي: "فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع" [ شرح صحيح مسلم (8/184)].
4- وجوب السكنى:
قال تعالى: ?أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمٌْ? [الطلاق:6].
قال الماوردي: "يعني سكن الزوجة مستحَقّ على زوجها مدَّةَ نكاحها وفي عدَّة طلاقها بائنًا كان أو رجعيًا" [ النكت والعيون (6/32)].
5- حفظ دين الزوجة:
قال تعالى: ?ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةٌُ? الآية [التحريم:6].
قال قتادة: "يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتَهم وزجرتهم عنها" [ انظر: جامع البيان (12/157)].
6- المعاشرة بالمعروف:
قال الله تعالى: ?وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفٌِ? [النساء:19].
قال ابن كثير: "أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفٌِ?، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [ رواه الترمذي في المناقب، باب: فضل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-(3895 ) وقال: "حسن غريب صحيح"، وابن ماجة في النكاح، باب: حسن معاشرة النساء (1977)، والدارمي في النكاح، باب: في حسن معاشرة النساء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285)]، وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-أنه جميل العشرة دائمَ البشر، يداعب أهلَه ويتلطَّف بهم ويوسعهم نفقةً، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها يتودَّد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملتُ اللحم فسبقني فقال: (هذه بتلك) [ رواه أحمد (6/264)، وأبو داود في الجهاد، باب: في السبق على الرجل (2578)، وابن حبان في صحيحه: كتاب السير، ذكر إباحة المسابقة بالأقدام (4691)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السبق والرمي باب: ما جاء في المسابقة بالعدو، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (131)]، ويجمع نساءه كلَّ ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلَّى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك -صلى الله عليه وسلم-وقد قال الله تعالى: ?لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌٌ? [الأحزاب:21]" [ تفسير ابن كثير (1/477)].
7- العدل بين الزوجات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [ رواه أبو داود في النكاح، باب: في القسم بين النساء (2133)، والترمذي في النكاح، باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141)، وابن ماجه في النكاح، باب: القسمة بين النساء (1969)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/400)].
قال شمس الحق أبادي: "والحديث دليل على أنه يجب على الزوج التسوية بين الزوجات ويحرم عليه الميل إلى إحداهن" [ عون المعبود (6/112)].
8- الوفاء للزوجة بعد موتها:(14/272)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غِرت على أحدٍ من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاةَ ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!! فيقول: (إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد) [ رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم-خديجة وفضلها (3818)، ومسلم في الفضائل (2437)].
قال النووي: "في هذا دليل لحسن العهد وحفظ الودِّ ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب" [ شرح صحيح مسلم (15/202)].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
================
ظلم المرأة في ظل الحضارة الغربية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد / فتعاني المرأة الغربية من الويلات في ظل الحضارة الغربية المعاصرة ومن تلك الويلات التي فتكت بالمرأة الغربية ظواهر وعلامات نحاول أن نبينها في هذه المقالة:
أولاً : استخدام المرأة في الدعاية والإعلان
لا يخفى على المتأمل في واقع المرأة الغربية أنها استغلت استغلالا سيئاً من خلال الإغراء بها في وسائل الدعاية والإعلان لمنتجات مختلفة، بعضها متعلق بالمرأة والآخر لا علاقة لها بالمرأة ..ففي مجال الأفلام تستخدم المرأة استغلالا تجاوز كل الحدود الشرعية والإنسانية في عرض المرأة عرضا فاتنا صارخاً ، والمجلات الهابطة لا يمشي سوقها إلا إذا ملئت المجلة بصور النساء الجميلات ..ففتاة الغلاف تختار بعناية لجذب الزبائن ..وهناك في الغرب ..فئات كثيرة من التجار يضعون في محلاتهم التجارية نساء جميلات تقف عند أبواب متجارهم لجذب الزبائن والتأثير عليهم، والتلطف معهم حتى يدخل المحل .
وهكذا فالمرأة تبتز بشكل بشع في المجتمعات الغربية .(وحسب بحث الماجستير للباحثة جيهان البيطار(حول أخلاقيات الإعلان) فقد جاء فيها :
* 93% تستخدم السيدات .
* 73% منها يتم تقديمها من خلال حركة المرأة .
* أكثر من النصف يحتوي إثارة في المضمون [1]
ثانياً : فتح مجالات عمل لا تتناسب مع طبيعة المرأة .
فبناء على نظرية المساواة المزعومة في العالم الغربي طالبوا بأن تعمل المرأة كما يعمل الرجل، فهي تعمل في المناجم وصناعة المواد الثقيلة وتنظيف الشوارع وقيادة الشاحنات وحمل السلاح وحراسة الأمن وغيرها من الأعمال التي لا تليق إلا بالرجال، وهذا من ظلم المرأة، والتي سببت لها آثاراً عظيمة على أنوثتها وعفافها وصحتها الجسدية والنفسية.
ثالثاً: العنف والاعتداء على المرأة .
وصور الاعتداء على المرأة إما أن يكون بالضرب أو التحرشات الجنسية أو الاغتصاب وأخيرا القتل .
الاعتداء عليها بالتحرشات الجنسية :
لقد كشف مسح استطلاعي أعدته وزارة الداخلية البريطانية أن 80% ( نعم.. ثمانون في المائة) من ضابطات الشرطة ، أي بنسبة أربعة إلى خمسة ، يتعرضن للمضايقات الجنسية خلال نوبات العمل الرسمية .
شارك في الاستطلاع 1800 ضابطة في عشر مديريات أمن في إنكلترا وويلز ، وأشرفت عليه الدكتورة (جنيفر بروان) وهي باحثة اجتماعية في الوحدة الملحقة في مديرية أمن (نيوهامبشاير) أليست نسبة مفزعة ؟ أربعة أخماس الشرطيات ـ عفوا ضابطات الشرطة ـ يتعرضن للمضايقات الجنسية ، ومتى ؟ خلال نوبات العمل الرسمية !! خلال العمل على حفظ الأمن !! [2]
هذا في حق حامية الأمن، أما في حق الساهرات على مصلحة المرضى فهناك أفعال يندى لها الجبين .
أشارت دراسة صدرت عن جمعية علم النفس البريطانية إلى أن 60 % من الممرضات اللاتي تم استطلاع آرائهن قد عانين من التحرش الجنسي من مرضاهن الرجال .
وأوضحت الدراسة أن أشكال التحرش الجنسي تمثلت في ممازحات صفيقة ، واقتراحات تتضمن الدعوة إلى ممارسة الجنس، بالإضافة إلى الملامسة الجسدية مباشرة، واتضح أن معظم الممرضات يعانين في صمت، ويفضلن عدم الإبلاغ عن تلك الحوادث بنسبة 76% .
وقد دعت الباحثة النفسية البريطانية سارة فينيز خلال مؤتمر لجمعية علم النفس البريطانية عقد في لندن ، إلى ضرورة صياغة توجيهات ولوائح داخلية تلزم الممرضة بالإبلاغ عن جميع حالات التحرش الجنسي التي تعاني منها خلال العمل ، على أمل أن يؤدي ذلك إلى الحد من تلك الظاهرة المسيئة لمهنة التمريض ومؤامرة الصمت التي تحيط بها .
وقد أشارت الدراسة إلى أن الرجال (المرضى) لا يتورعون عن الإتيان بأفعال يندى لها الجبين خلال قيام الممرضات بمساعدتهم [3].
هل رأيتم وتأملتم لا آلام المرضى ،ولا اقتراب الموت ، ولا أجواء المستشفى ؛ جميعها لم يمنع هؤلاء المرضى من القيام بتلك الأفعال التي وصفتها الدراسة بـ ( يندى لها الجبين) .
علماً أن الدراسة لم تتحدث عن الأطباء والممرضين ، واكتفت بالمرضى ، ولا ندري كم تبلغ النسبة حين تضاف إليها اعتداءات أولئك ؟!!
الاعتداء عليها بالاغتصاب :(14/273)
أعلن مركز الضحايا الوطني الذي يناصر حقوق ضحايا جرائم العنف : أن معدل الاغتصاب في الولايات المتحدة أصبح يبلغ 1.3 امرأة بالغة في الدقيقة الواحدة ؛ أي 68000 امرأة في العام .
وأضاف المركز أن واحدة من كل ثماني بالغات في الولايات المتحدة تعرضت للاغتصاب ليكون إجمالي من اغتصبن اثني عشر مليونا ومائة ألف امرأة على الأقل .
ويشير المسح إلى أن 61 % من حالات الاغتصاب تمت لفتيات تقل أعمارهن عن 18 عاماً ، وأن 29 % من كل حالات الاغتصاب تمت ضد أطفال تقل أعمارهم عن 11 عاما.
وأظهرت الأرقام زيادة معدل الاغتصاب عن العام الذي سبقه بنسبة 59 % !! [4]
وتقول دراسة أمريكية : إن جرائم الاغتصاب شأن هجمات واعتداءات الغرباء ، تنخفض خلال الشتاء ؛ لأن الناس لا يخرجون كثيراً ... وبالتالي فإن فرص الالتقاء تكون أقل [5].
ولو أردنا أن نترجم هذا الكلام إلى نتيجة علمية فإننا نقول : عندما يقل الاختلاط .. يقل الاغتصاب .
أي أن الإسلام العظيم حين يحد من الاختلاط، ويضيق من فرصه ومجالاته فإنه يحد من جرائم الاغتصاب ، ويحد من فرصها ومجالاتها .. وهذه مجتمعاتنا المسلمة ، رغم عدم التزامها التام بالإسلام تنخفض فيها نسب جرائم الاغتصاب ..وإذا كانت بعض مجتمعات المسلمين بدأت تعاني من تزايد جرائم الاغتصاب فيها ، فإنما هذا بقدر بعدها عن الإسلام والتزامها بأوامره [6].
رابعاً: استغلال المرأة في التجارة الجسدية .
لقد استغلت المرأة هناك جسدياً حتى ظهرت ظاهرة تسمى بتجارة الرقيق الأبيض بلغت أرباحها بالملايين وإليك بعض الأرقام :
ألقت الشرطة التشيكية القبض على أربعة رجال وامرأة كانوا يشكلون عصابة لاستدراج الفتيات التشيكيات إلى الغرب عن طريق وعدهن بالعمل في الغناء والرقص في النوادي الليلية مقابل رواتب مغرية فيما كان الهدف من ذلك إجبارهن على ممارسة الدعارة أو المشاركة في تمثيل أفلام جنسية.
وذكرت بلانكا كوسينوفا المتحدثة الصحافية باسم رئاسة الشرطة التشيكية أن العصابة استدرجت 25 فتاة تشيكية، وأن أحد أفرادها أجنبي من دولة من جنوب شرق أوروبا غير أنه انتحر قبل إلقاء الشرطة القبض عليه، أما زعيم العصابة فألقت الإنتربول القبض عليه في برشلونه وسيسلم إلى القضاء التشيكي لاحقا. ورغم هذا النجاح للشرطة التشيكية إلا أن ظاهرة استدراج أو "تصدير" الفتيات من تشيكيا ومن دول أوروبا الشرقية الاخرى بمختلف الأساليب لا تزال تعتبر من الظواهر المقلقة التي تعيشها هذه الدول منذ سقوط الأنظمة الشيوعية فيها، وما أعقب ذلك من تراجع مستويات المعيشة وسهولة الانتقال عبر الحدود واللهث وراء المال بأي ثمن كان.
ويؤكد تقرير حديث لمنظمة الهجرة الدولية أنه يجري سنويا بيع نصف مليون امرأة إلى شبكات الدعارة في العالم، وأن النساء من دول أوروبا الشرقية يشكلن ثلثي هذا العدد، أما أعمارهن فتتراوح بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين
وتعترف منظمة الشرطة الأوروبية "أوروبول" بأن تجارة الرقيق الأبيض منظمة بشكل جيد أما المنظمات غير الحكومية المهتمة بهذه المسألة وبعض الأجهزة الأمنية في أوروبا الشرقية فتؤكد أن الكثير من النساء يقعن في فخ الاستدراج الذي يجري عادة عن طريق نشر إعلانات مكثفة في مختلف الصحف في دول أوروبا الشرقية عن الحاجة إلى مربيات أو نادلات في المطاعم أو مغنيات أو راقصات أو عارضات أزياء للعمل في الغرب أو في بعض الدول البلقانية بعروض مغرية. وبعد وصول الفتيات إلى (أماكن العمل) تصادر جوازات سفرهن ويحتجزن لعدة أسابيع يتعرضن خلالها للإهانات والتعذيب ثم يجبرن على ممارسة الجنس مع كثير من الرجال إلى أن يروضن تماماً ثم يبيعهن القوادون إلى عصابات مختلفة الأمر الذي يجعل عودتهن إلى بلدانهن أو الوصول إلى الشرطة صعبا.
وتؤكد العديد من المصادر المتابعة لتجارة الرقيق الأبيض في أوروبا أن العديد من الدول والمناطق في البلقان غدت مفترق طرق بالنسبة للكثير من النساء ولاسيما اللواتي يستدرجن من جمهوريات رابطة الدول المستقلة كأوكرانيا أوملدوفيا وروسيا البيضاء، فالنساء الأكثر جمالاً يرسلن إلى أوروبا الغربية ولاسيما إلى المانيا وفرنسا وإيطاليا ، في حين أن الأقل جمالا وجاذبية يرسلن إلى تركيا واليونان والشرق الأوسط.
ويؤكد الكسندر لوناس الجنرال في الشرطة الرومانية الذي يترأس المركز الإقليمي لمكافحة الجريمة المنظمة أن مدينة برتشكو الواقعة في البوسنه والهرسك واقليم كوسوفو أصبحا من المعاقل الرئيسية لتجارة الرقيق الابيض، وأن أغلب الفتيات اللواتي يجري الاتجار بأجسادهن تتراوح أعمارهن بين 18-24 عاماً.(14/274)
وكمثال حي على الطريقة التي تتبع للاستدراج يورد الجنرال قصة بطلة ملدوفيا السابقة في القفز سفيتلانا البالغة من العمر 28 عاما التي استجابت لإعلان نشر في إحدى صحف بلادها طلب فتيات للعمل في يوغوسلافيا السابقة في جني الخضار وبدلا من أن تمارس بهذا العمل انتهى مطاف هذه الفتاة الشقراء القادمة من كوسوفو في مكان قريب من الحدود مع ألبانيا وهناك باعها واشتراها ستة من أصحاب بيوت الدعارة وعندما تمردت على ذلك دفعت ثمنا كان سبعة كسور في أضلاعها ثم نقلت بعد ذلك ومن المستشفى مباشرة إلى منزل معاون النائب العام السابق في جمهورية الجبل الأسود زوران، غير أن الأخير لم يساعدها لأنه هو نفسه كان ينظم حفلات الجنس الصاخبة لمسؤولين كبار في هذه الجمهورية البلقانية الصغيرة ولم تتمكن من الهرب إلا بعد إلقاء القبض عليه وسجنه.
وفي دليل على الحجم الخطير الذي وصلت إليه هذه التجارة يقول تقرير حديث للمجلس الأوروبي إن أرباح القوادين ومجموعات المافيا التي تعمل في هذا المجال في دول الاتحاد الأوروبي ارتفعت في الأعوام العشرة الماضية بنسبة 400% وإن شبكات الدعارة هذه تعرض الآن نصف مليون امرأة للبيع يبلغ الدخل الذي تحققه النساء فيها للقوادين ومزوري الوثائق ومهربي البشر وغيرهم 13 مليار يورو سنويا.
وتعيد الدراسات الاجتماعية هنا سبب تفشي ظاهرة تجارة الرقيق الأبيض في دول أوروبا الشرقية باحجام كبيرة إلى تفشي الفقر وانتشار الفساد على نطاق واسع لدى أجهزة الأمن والقضاء وسهولة الانتقال عبر الحدود ووجود طلب كبير في الغرب على الفتيات الأوروبيات الشرقيات ورخص أسعارهن إضافة الى تعاون المافيات المحلية مع المافيات الغربية في ظل ضعف أداء أجهزة الأمن. ويسود اعتقاد لدى المنظمات غير الحكومية المتابعة لهذه المسألة بأن العديد من دول أوروبا الشرقية ستظل ولسنوات طويلة أخرى مراكز رئيسية في أوروبا لتجارة الرقيق الأبيض.)
وصدر عن منظمة الهجرة العالمية عام 1997 أن نحو 175 ألف امرأة تم الاتجار بهن عبر البلقان استقدمن من آسيا الوسطى إلى دول الاتحاد الأوروبي. 1000 ألف امرأة ألبانية وقعن فريسة لهذه التجارة.
(و أكد خبراء في الأمم المتحدة، أن تجارة الرقيق الأبيض، أصبحت تحتل المركز الثالث عالمياً، بين النشاطات غير المشروعة.
وجاء في ندوة عقدها مسؤولون من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات في البرازيل، وشارك فيها خبراء دوليون، ومسؤولون من الإنتربول، وشرطة اسكوتلانديارد، أن هذه التجارة تحقق عوائد بلغت أكثر من سبعة مليارات من الدولارات في العام الواحد، ويبلغ عدد ضحاياها أكثر من أربعة ملايين شخص، يهاجرون من بلادهم بصورة غير مشروعة سنوياً، الأمر الذي دفع وزير العدل البرازيلي إلى وصف الدعارة بأنها "مرض العصر )
خامساً : حرمانها من الحياة الزوجية السعيدة
في « مانهاتن» المدينة الأميريكية التي اخترعت بدعة العزاب المتمايليين تعيش النساء أزمة حادة
فقد تبين من آخر إحصاء؛ أن هنالك امرأتين تعيشان دون زواج ؛ مقابل كل رجل أعزب ،وهذا يعني أن جيلا من النساء يتعرضن لخطر العنوسة
وتذكر الإحصائيات العلمية أن المرأة التي يتراوح عمرها ما بين 35ـ 39 عاماً لا تتوفر لها فرص الزواج إلا بنسبة 38% فقط .
ففي نيويورك - مقصد الشاذين والمتسكعين - أصبح العجز في عدد الرجال الذين يمكن الزواج منهم حادا جداً ..إلى درجة أن آلاف النساء الجميلات والذكيات والناجحات أصبحن يائسات من نجاح محاولاتهن الظفر بأزواج لهن !
ولقد جعل هذا الوضع النساء الأخريات - الأقل جمالا ونجاحا - يقتنصن كل فرصة سانحة للقاء رجال ، وإقامة علاقات معهم ، حتى دون زواج ، إلى حد قيام بعضهن بدفع تحويشة العمر للحصول على حصة بيت على الشاطئ تمضي فيه الصيف مع رجل ! كما أن بعضهن يلجأن إلى الإعلان في الصحف والمجلات عن حاجتهن إلى رجال) [7]
العجيب أن المرأة هناك هي التي تبحث عن الزوج وتحاول جاهدة أن تكرم صديقها وخليلها حتى يقبلها زوجة له ، بل وصل الأمر إلى أنها تخشى أن تفاتحه بالزواج فيتركها ويبحث عن أخرى
يقول الدكتور عبد الله الخاطر- رحمه الله - : ( كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على الرجل ، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار ، أو أدخل المطعم ، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه (كرم) وبعد حين زال هذا الاستغراب ، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة ، وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ماأسموه (صديقة) والمرأة تسميه (صديقاً) وليس هو أو هي من الصدق في شيء ، وكم أساءوا لهذه الكلمة النبيلة ، فالصديق يعني: الصدق والمحبة والمروءة والنخوة والكرم والوفاء ، وما إلى ذلك من معان طيبة كريمة .(14/275)
والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنيناً ، ولا ينفق عليها ، بل هي تنفق عليه في معظم الحالات ، وقد يغادر البيت متى شاء ، أو قد يطلب منها مغادرة بيته ، إن كانت تعيش معه في البيت ، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين ، وتخشى أن يرتبط صديقها(!!) بامرأة ثانية ويطردها ، ثم لا تجد صديقاً آخر .!!
وكما يقولون (بالمثال يتضح المقال) فسوف أختار مثالا واحدا من أمثلة كثيرة تبين وضع المرأة عندهم :
رأيت في عيادة الأمراض النفسية امرأة في العشرينات من عمرها وكانت حالتها منهارة ، وبعد حين من الزمن شعرت بشيء من التحسن ، وأصبحت تتحدث عن وعي ، فسألتها عن حياتها فأجابت ؛ والدموع تنهمر من عينيها ، قالت : مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب ، ولا أدري متى سينفصل عني صديقي، ولا أستطيع مطالبته بالزواج مني، لأنني أخشى من موقف يتخذه ، ونُصحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه ، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج ، وبعدها أنت ترى الطفل ، كما أنك تراني لا ينقصني جمال ، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل ؛ من تقديم خدمات ! وإنفاق مال ! ، ولم أنجح في إقناعه بالزواج ، وهذا سر مرضي ، وسبب قهري ، إني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع ، فليس لي زوج يساعدني على أعباء الحياة ، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمهم سواء ، وليتني بقيت بدون طفل لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت ..
وهذه المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي ، بل الشواذ هم الذين يعيشون حياة هادئه ) [8]
سادساً : الضياع النفسي والروحي
المرأة الغربية محرومة من الاستقرار والراحة فهي دائماً في قلق واضطراب وخوف رهيب من المستقبل المجهول ، ( ففي فرنسا وحدها عشرة ملايين أرملة يستشرن منجمات - عرّافات - كل عام ؛ بسبب خوفهن من المستقبل ، تحت وطأة الضياع النفسي والروحي ) هذا ما أكدته مَنْ وُصفت بأنها «المنجمة الفرنسية المعروفة ليليان جرتييه» .
فكم مليوناً من النساء في سائر أوروبا ، وفي أمريكا ، وفي باقي دول العالم ؟ ألسن عشرات من الملايين الأخرى ؟! وحتى لا يقول أحد : إنما تذهب هؤلاء الفرنسيات إلى المنجمات والمنجمين تسلية وليس اعتقادا ؛ فإننا ننقل ما قالته المنجمة الشهيرة نفسها عن النساء اللاتي يقصدنها: «إنهن يعتقدن أنني أمثل المفتاح السحري الذي يحل مشكلاتهن من مرة واحدة وفي زمن قياسي» !! ولهذا فهن « يفرغن جيوبهن من أجل الهدف نفسه » أي إنهن يدفعن بسخاء [9]
سابعاً: تعريضها للأمراض المختلفة
تتعرض المرأة الغربية لأمراض مختلفة ومتنوعة ما بين الأمراض الجنسية إلى أمراض السرطان إلى غيرها من الأمراض كل ذلك بسبب تلك الحضارة الغربية التي أوصلتها إلى هذه المأساة العظيمة
فمن تلك الأمراض :
* سرطان الجلد
(أكدت أبحاث أجريت مؤخراً ؛ أن النساء اللواتي يأخذن حمامات الشمس بالمايوه البيكيني ؛ يتعرضن للإصابة بسرطان الجلد 13 ضعاف عن النساء اللواتي يرتدين المايوه من قطعة واحدة تغطي الظهر ،أفلا يعني هذا أن المرأة المحجبة ..أقل نساء الأرض عرضة للإصابة بسرطان الجلد ..لأنها تستر جسدها كله عن أشعة الشمس ؟!
يقول أحد الأطباء إنه يوجد كل إنسان أوروبي حوالي ثلاثين ندبة ، ويعود سبب وجود الندبات المرضية منها إلى أشعة الشمس ،ويتحول بعضها تلقائيا إلى النوع الخبيث ) [10].
ومن تلك الأمراض وعدد المصابين بها[11]:
* مرض السفلس
(أعلن الدكتور (برك جونز) عام 1974م أن خمسين مليون شخص يصابون بمرض السفلس كل عام ) [12]
_ ( بلغ عدد المصابين المسجلين رسمياً لعام (1418هـ -1998م) – حسب تقرير منظمة الصحة العالمية – فيبلغ حوالي خمسة ملايين شخص. ويبلغ عدد الوفيات – حسب ذات التقرير - ( 159,000 ) تسعة وخمسون ومائة ألف شخص)
* مرض السيلان
(يعتبر هذا المرض من أكثر الأمراض المعدية انتشاراً في الوقت الحاضر، وقد يصاب به 200-500 مليون شخص في كل عام، معظمهم في سن الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15و28 سنة. وغالبيتهم من طلاب المدارس والجامعات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية - مثلاً - يتراوح عدد الإصابات المسجلة رسمياً بالسيلان ما بين 4و5ملايين إصابة.
أما في البرازيل فتسجل يومياً حوالي عشرين ألف إصابة جديدة في العيادات والمستشفيات.
وفي فرنسا يقدر عدد المصابين بالسيلان سنوياً بـ 500 ألف رجل وامرأة وطفل.
وقد بلغ عدد المصابين بالسيلان لعام (1418هـ -1998م) حسب تقرير منظمة الصحة العالمية حوالي خمسة ملايين شخص.
أما الوفيات فيبلغ عددهم حسب ذات التقرير ثمانية آلاف شخص .
* مرض الهربس الزهري
يحتل الهربس الزهري - أو القوباء التناسلية - المرتبة الخامسة من حيث الانتشار في سلسلة الأمراض الجنسية.
وقد تضاعف عدد المصابين في العالم بهذا المرض منذ عام (1390هـ -1970م).
ففي الولايات المتحدة الأمريكية تسجل سنوياً مليون إصابة جديدة، ويقدر عدد المصابين فيها بحوالي 25 مليون شخص.(14/276)
وتشكل هذه الإصابات 15% من مجموعة الأمراض الجنسية.
وفي اليابان يفوق عدد الإصابات الجديدة بالقوباء عدة مرات عدد الإصابات بالسيلان والسفلس.
وفي أوربا الغربية يشكل الهربس التناسلي 20% من مجموع الأمراض المتناقلة عبر الجنس، فقد تم رصد أكثر من عشرة آلاف حالة في بريطانيا وحدها عام (1400هـ -1980م).
وقد ذكر الدكتور (مورس) [13]اختصاصي أمراض الهربس أن نتيجة الدراسة التي قام بها في بريطانيا تشير إلى أن انتشار هذا المرض يزداد يوماً بعد يوم، وأن أكثر الإصابات به تقع بين الشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين 15-30 سنة. وأن هذا المرض يتناسب طردياً مع الجنس وطرق ممارسته وازدياده في المجتمع بطرق غير صحيحة، فيما يقل بالمقابل عند الذين يحبون العفاف ويسعون إليه.
وقد انتقل المرض إلى عواصم عالمية أخرى مثل: بروكسل وأمستردام وكوبنهاجن وستوكهولم وبرلين وباريس وجنوب إفريقية) .
* مرض الإيدز
( إن عدد الإصابات بوباء الإيدز منذ اكتشافه في أوائل الثمانينات حتى يومنا هذا في تصاعد مستمر ومخيف.
فحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية التي كشف النقاب عنها في المؤتمر العالمي الخامس ضد مرض الإيدز المنعقد في مونتريال بكندا عام (1409هـ –1989م)، فإن عدد الإصابات بمرض الإيدز حتى عام (1405هـ -1985م) لم يتجاوز 70,000 إصابة.
ثم ارتفع هذا العدد ما بين عامي (1406و1408هـ -1986و1988م)، ليصبح حوالي 300,000 إصابة.
ويقدر عدد الإصابات ما بين عامي (1409و1410هـ- - 1989و1990م) بأنه يتراوح ما بين 700,000 إصابة ومليون ونصف المليون إصابة.
وقد بينت منظمة الصحة العالمية بأنه إذا لم يستطع الأطباء إيجاد وسيلة فعالة للقضاء على هذا الوباء في السنوات المقبلة، فإن عدد الإصابات سيبلغ في أواخر هذا القرن خمسة ملايين إصابة.
ولكن يبدو أن توقعات منظمة الصحة العالمية عن عدد المصابين بهذا المرض كانت متواضعة جداً. فقد بلغ عدد المصابين بالإيدز بنهاية عام (1418هـ –1998م) 70,930,000 إصابة (35 مليون مصاب من الذكور، و34 مليون مصاب من الإناث تقريباً ).
وبلغ عدد الوفيات 2,285,000 شخص .
وذلك حسب الإحصاءات الصادرة عن المنظمة نفسها عام (1419هـ -1999م). فهذه لمحة خاطفة عن حال المرأة في عصر الحضارة المسماة ( حضارة القرن العشرين) .
وما هي بحضارة ، وإنما هي قذارة وفجارة
إيهِ عصرَ العشرين ظنوك عصراً نيِّرَ الوجه مُسْعِدَ الإنسانِ
لست (نوراً) بل أنت (نارٌ) وظلمٌ مذ جعلت الإنسان كالحيوانِ [14]
وصدق الله تعالى إذ يقول: ? وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ?[طه: 124]
00000000
[1] مجلة البيان عدد ربيع الآخر 1420هـ
[2] جريدة الشرق الأوسط في عددها (5170 ) . نقلا من ( إنهم يتفرجون على اغتصابها ) محمد العويد . ص 23
[3] الوطن الكويتية العدد (5711) . نقلا من ( إنهم يتفرجون على اغتصابها ) محمد العويد . ص 27 .
[4] جريدة صوت الكويت العدد 542 . نقلا من : إنهم يتفرجون على اغتصابها ص 40.
[5] جريدة الشرق الأوسط العدد (5130) .
[6] انظر : ( إنهم يتفرجون على اغتصابها ) محمد العويد . ص 13 .
[7] انظر : وبضدها تتبين المسلمات ، محمد العويد ص 11 .
[8] انظر : مشاهداتي في بريطانيا ص 10 د . عبد الله الخاطر رحمه الله .
[9] انظر : وبضدها تتبين المسلمات ص 7-8 بتصرف . محمد العويد .
[10] انظر : من أجل تحرير حقيقي للمرأة ص 153 بتصرف .
[11] انظر : قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية ص . د . فؤاد آل عبدالكريم ص 673 وما بعدها .
[12] انظر : غضب الله تعالى يلاحق المتمردين ( الأيدز ) لفؤاد بن سيد الرفاعي ص 40 وما بعده .
[13] الدكتور مورس لونقستن، أستاذ الفيروسات الطبية في كلية طب جامعة مانشستر - بريطانيا. انظر: الأمراض الجنسية عقوبة إلهية/عبدالحميد القضاة ص90.
[14] عودة الحجاب (2/56) .
======================
دور المرأة في تربية الأسرة
الشيخ/صالح الفوزان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فحديثنا يتعلق بالمرأة المسلمة، والحديث عنها أحسبه في هذا الوقت هامًّا؛ ذلك لأن المرأة في مجتمعنا تتعرض لهجمة شرسة من أعداء هذا الدين حيث يطرح ما يسمى بقضية أو قضايا المرأة، ويقصدون به إخراج المرأة عن الوضع الذي أراد الله لها...
ونحن لا نعرف للمرأة قضية غير قضية أمتها. إن جهل الأمة بدينها، وضعفها في الأخذ به هو قضية الأمة والمرأة. وهو ما نحاول إيضاح شيء منه في هذه المقالة ولنا مع هذا العنوان وقفات.(14/277)
الأولى: حول مفهوم التربية، حيث نقصد بها المعنى الواسع للبناء وما يلزم له من تعهد الأسرة ورعايتها، حتى لا يظن البعض أن التربية مجرد تهذيب الأخلاق وتقويمها وهذا من مشمولات التربية، والتربية للأسرة أوسع مجالاً من هذا.
والثانية: أنه قد يفهم من العنوان أن للمرأة دورًا في تربية الأسرة ولكنه عمل ثانوي لها، والحقيقة أن عمل المرأة في تربية الأسرة هو عملها الرئيس وما عداه فهو استثناء.
مكان المرأة:
وهذه المسألة بحاجة إلى توضيح وجلاء فنقول: إن مكان المرأة الطبيعي هو البيت وهو مكان عملها، هذا هو الأصل، وهذا ما تدعمه أدلة الشرع، وهو منطق الفطرة التي فطرت المرأة عليها.
أما دلالة الشرع على هذا فالنصوص والوقائع التي تشهد له كثيرة منها:
1 ـ قال تعالى مخاطبًا أمهات المؤمنين: ? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ?(1)، يقول سيد قطب: « فيها إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر، وما عداه استثناءً طارئًا لا يثقلن فيه ولا يستقررن إنما هي الحاجة تقضى وبقدرها »(2) .
2 ـ ويقول تعالى: ? لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ?(3)، وهي وإن كانت في المعتدة فقد قال العلماء: إن الحكم لا يختص بها بل يتعداها. فدلالة الإضافة ?بُيُوتِكُنَّ? ?بُيُوتِهِنَّ? مع أنها في الغالب للأزواج فهي إضافة إسكان لا تمليك، كأن الأصل لها سكنًا.
3 ـ في قصص الأنبياء دروس وعبر. قصة موسى مع المرأتين ?وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ? إلى قوله: ?قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ...?( 4 ) لنتأمل هذه الدروس في الآية. فهذا موسى يجد الرعاة على الماء ومن دونهم امرأتين تذودان غنمهما لئلا تختلط بغنم الناس؟ يسألهما ما شأنكما؟ لماذا لا تسقيان غنمكما مع الناس؟
يأتي الجواب: لا نسقي حتى يصدر الرعاء. إن لديهما تقوى وورعًا يمنعانهما من الاختلاط بالرجال، فكأنه يأتي سؤال آخر، ما الذي أخرجكما؟ ثم يأتي الجواب مباشرة ?وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ? فهي الضرورة والحاجة دعت لذلك، ولما اضطرتا للخروج لزمتا الخلق والأدب، فلم تختلطا بالرجال.
ثم يأتي درس آخر حيث تفكر إحدى المرأتين أن الوقت قد حان لتعود الأمور إلى طبيعتها ? قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ? واقتنع شعيب بالحل فعرض على موسى: ? قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ...? ويقبل موسى العرض وتعود الأمور إلى نصابها فيعمل موسى بالرعي وتعود المرأة زوجة عاملة في بيتها. هكذا يقص علينا القرآن وإن في قصصهم لعبرة.
4 ـ الصلاة في المسجد مشروعة في حق الرجال ومن أفضل الأعمال فكيف إذا كانت في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه، ومع ذلك يحث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة على الصلاة في بيتها. عن امرأة أبي حميد الساعدي، أنها جاءت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. فقال: ( قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ). فأمرت فبُني لها مسجدٌ في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل [5] .
وإيحاء الحديث واضح في أن الأصل قرار المرأة في بيتها، حتى فضل الصلاة في بيتها على الصلاة في مسجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أنه أذن للمرأة في الذهاب للمسجد.
5 ـ واقع المرأة في القرون المفضلة الأولى – التي هي مكان القدوة – يؤيد هذا، حيث نجد أن خروج المرأة وقيامها بعمل خارج البيت يكاد يكون حوادث معدودة لها أسبابها الداعية لها، بل هذا هو فهم الصحابة. ورد أن امرأة ابن مسعود طلبت أن يكسوها جلبابًا فقال: أخشى أن تتركي جلباب الله الذي جلببك، قالت: ما هو؟ قال: بيتك.(14/278)
6 ـ ما جاء به الشرع هو الموافق للفطرة ? أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ?[6] إن قرار المرأة في بيتها هو منطق الفطرة الذي يوافق وظائفها وطبيعتها، ويقيها التشتت والتناقض ولقد أثبتت التجارب العلمية والنفسية ما يؤيد هذا، كما نادى بعض الباحثين المنصفين في الغرب لتلافي خطر تشغيل المرأة بما يخالف فطرتها وطبيعتها، ولكن أصحاب الشهوات صم عن كل داع لذلك بل يتهمونه بأنه يدعو للعودة بالمرأة إلى عهود الرجعية والرق كذا زعموا! ويأتي مزيد بيان لهذا في ثنايا الموضوع.
الموقف حول خروج المرأة:
بقي أن يفهم أن خروج المرأة ليس ممنوعًا على إطلاقه، فقد وردت نصوص تدل على جواز خروج المرأة وعملها خارج المنزل، لكن هذه الحالة ليست هي الأصل بل هي استثناء وضرورة.
ومما ورد في هذا إذن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمرأة في الصلاة بالمسجد مع أنه فضّل الصلاة في بيتها.
ومن ذلك ما ورد من مشاركة بعض النساء في بعض المعارك في السقي ومداواة الجرحى.
وقد تمسك بهذا دعاة تحرير المرأة، بل دعاة إفسادها من أصحاب الأهواء، كما استدل بها بعض الطيبين الذين انهزموا أمام ضغط الحضارة الوافدة دفاعًا عن الإسلام في ظنهم.
وللإجابة على هذا نقول: إن خروج المرأة وعملها خارج البيت ليس ممنوعًا على الإطلاق، بل قد تدعو إليه الحاجة كما خرجت بنتا شعيب، وقد يكون ضرورة للأمة كتعليم المرأة بنات جنسها وتطبيبهن وعليه تحمل أدلة خروج المرأة، وهي حالة استثناء وليست أصلاً، ولهذا نجد الإمام ابن حجر يقول: لعل خروج المرأة مع الجيش قد نسخ، حيث أورد في "الإصابة" ترجمة أم كبشة القضاعية وقال: أخرج حديثها أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني وغيرهما من طريق الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو القرشي أن أم كبشة امرأة من قضاعة قالت: يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا. قال: لا، قالت: يا رسول الله: إني لست أريد أن أقاتل: إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى وأسقي الماء. قال: ( لولا أن تكون سنة، ويقال: فلانة خرجت لأذنت لك، ولكن اجلسي ).وأخرجه ابن سعد، وفي آخره ( اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدًا يغزو بامرأة ) ثم قال: يمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك؛ لأن ذلك كان بخيبر وكان هذا بعد الفتح [7] .
وعلى كل حال فالأدلة ثابتة في خروج بعض النساء والمشاركة في مداواة الجرحى والسقي، ولكنها حالات محدودة تقدر بقدرها ولا تغلّب على الأصل، ومن المهم أن يتضح الفرق بين كون عمل المرأة خارج البيت أصل، وبين كونه استثناء.
فإذا كان استثناء لحالات معينة فلن نعدم الحلول للسلبيات المتوقعة من الخروج.. وليس هذا مجال طرحها، أما إذا كان الخروج أصلاً كما يرى بعض المستغربين حيث يرى أن المرأة ستبقى معطلة إذا عملت في البيت، وأن هذا شلل لنصف المجتمع. أقول: إن سرنا في هذا الاتجاه فستقع سلبيات الخروج وما يترتب عليه، كما حصل في المجتمعات الغربية.
ستقع مفاسد الاختلاط، ومفاسد خلو البيوت من الأم، مهما اتخذنا من إجراءات وكنا صادقين في ذلك، ولو حاول البعض أن يغطيها بالشعار الخادع: «خروج في ظل تعاليم شريعتنا، وحسب تقاليدنا». ثم لابد أن نفهم أنه إذا تقرر لدينا أن الأصل هو عمل المرأة في بيتها، وأن عملها خارج البيت استثناء، وأن هذا مقتضى أدلة الشرع فلسنا بعد ذلك مخيرين بين الالتزام بهذا أو عدمه إن كنا مسلمين حقًّا. ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينً?[8] فالآية وإن نزلت في قضية معينة، فمفهومها عام. ثم هي جاءت بعد الآيات التي أمرت نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقرار في بيوتهن.
ولقد بيّن الله أن ترك شريعته والإعراض عنها سبب حتمي – لا شك – للشقاء كحال أكثر أمم الأرض اليوم ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكً?[9] وإن حال الأمة التي لديها المنهج القويم ثم تتركه وتبحث في زبالة أفكار الرجال كقول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
ما هي الأسرة؟
الوقفة الثالثة مع العنوان عن "الأسرة": ما هي الأسرة التي هي مجال عمل المرأة، ما أهميتها؟
الأسرة أحد المؤسسات التربوية الدائمة التي لا تنفك أبدًا فلا نتصور مجتمعًا بدون أسرة.
وإن وجودها واستمرارها واستقرارها من مقاصد الشرع ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً?[10] .(14/279)
توحي الآية أن أصل البشر أسرة واحدة«نفس واحدة وخلق منها زوجها» ومن الزوجين بث أسرًا كثيرة. ويقول: ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرً?[11] نسبًا بالنسبة للذكور، وصهرًا بالنسبة للإناث.
وقد حثّ الإسلام على تكوينها متى توفرت الإمكانات، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )[12]، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تزوجوا الودود الولود )[13] .
بيّن الإسلام دور الأسرة وأثرها العظيم إذ هي التي تحدد مسار حياته ودينه، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. )[14] .
جاءت تشريعات الإسلام كلها لتنظيم الأسرة وحمايتها من التفكك، ومن ذلك أحكام النكاح والطلاق والعدد وحقوق الآباء والأمهات، وغيرها كثير، كلها تدلّ على تلك المكانة التي أولاها الإسلام للأسرة، لأنها مكان نشوء الأجيال، وعلى قدر ما تكون الأسرة يكون مستقبل الأمة.
وإن المرأة هي العمود الفقري لهذه الأسرة، وكما قيل: وراء كل عظيم امرأة تربى في حجرها.
ألا تستحق هذه الأسرة من المرأة تفرغًا، وهل عمل المرأة فيها جهد ضائع؟ إن رسالة المرأة هي الأمومة بما تحمله، وهي أوسع من مجرد الإنجاب، بل التربية التي تعد الفرد الصالح.
إن عمل المرأة في بيتها إن ظنه البعض صغيرًا فهو كبير تلتقي فيه كثير من التخصصات ويحتاج لما تحتاج له دولة، يحتاج للعلم والفكر، يحتاج الدقة، يحتاج الإدارة، يحتاج الاقتصاد، يحتاج الرقة والإحساس، يحتاج لسمو المبادئ.
إن المرأة التي تنظر لعمل البيت نظرة استصغار لدليل على أنها لم تفهمه حق الفهم، ومن ثم لن تقوم به، كذلك الذين يرون أنها معطلة في بيتها إما أنهم لا يفهمون هذا العمل، أو أنهم يفهمونه ولكن في قلوبهم مرض.
هل يصح أن نقول: إن المرأة إذا تفرغت للعناية بالأسرة تبقى معطلة ويخسر المجتمع نصف طاقاته.
من الضروري أن تفهم المرأة هذا الدور الكبير في ظل العقيدة ?قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?[15] إنه عبادة، فليس عملاً قسريًا، أو عملاً روتينيًا، بل هو عمل فيه روح لمن أدركت أهداف الحياة وسر وجود الإنسان. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت )[16] .
وبعد هذه الوقفات يأتي الحديث عن أعمال المرأة داخل بيتها والتي تمثل دورها الرئيسي في هذه الحياة لتساهم في بناء الأمة، وسوف يتضح لنا أنها أعمال كبيرة وعظيمة إذا أعطيت حقها فإنها تستغرق جل وقتها، وهذه الأعمال:
أعمال المرأة في بيتها:
أولاً: عبادة الله:
لأن ذلك هو الغاية من وجود الإنسان ككل ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ?[17] .
لذا نجد التوجيه الإلهي لأمهات المؤمنين لما أمرن بالقرار في البيوت، قال الله تعالى: ?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...? [18] .
ومفهوم العبادة وإن كان أوسع من أداء الشعائر التعبدية، لكنها جزء كبير من العبادة، وأداء العبادة هو أكبر معين للمرأة على أداء دورها بإتقان في بيتها فالمرأة الصالحة هي التي تؤدي دورها على الوجه المطلوب، كما أن ذلك هو أساس التربية الصالحة بالقدوة، حيث إن قيام المرأة بأداء العبادة بخشوع وطمأنينة له أكبر الأثر على من في البيت من الأطفال وغيرهم، فحينما تحسن المرأة الوضوء، ثم تقف أمام ربها خاشعة خاضعة ستربى في الأطفال هذه المعاني بالقدوة إضافة للبيان والتوجيه بالكلام.
وهذا الجانب وإن كان معلومًا لكن لابد أن تتضح أهدافه وغاياته وأثره ويُفهم بعيدًا عن الروتين القاتل للمعاني السامية.
ثانيًا: المرأة في البيت سكن واستقرار للزوج والبيت:
قال تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ?[19] .
التعبير بـ «سكن» وما يحمله من معنى. إن كلمة «سكن» تحمل معنى عظيمًا للاستقرار والراحة والطمأنينة في البيت، ولو حاولنا أن نوجد لفظًا يعبر عما تحمله ما استطعنا ولن نستطيع، ذلك كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فالمرأة سكن للزوج، سكن للبيت. ثم وصف العلاقة بأنها "مودة ورحمة".(14/280)
وقال: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَ?[20] أي يأنس بها ويأوي إليها، ولنفهم سر التعبير «إليها» في الآيتين حيث أعاد السكن إلى المرأة فهي مكانه وموطنه، فالزوج يسكن إليها، والبيت بمن فيه يسكن إليها ? لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ? ولا تكون المرأة سكنًا لزوجها حتى تفهم حقه ومكانته، ثم تقوم بحقوقه عليها طائعة لربها فرحة راضية.
لذا يحرص الإسلام على تقرير مكانة الزوج لأنها الأساس، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجه )[21]
بل الإشعار بمكانته حتى بعد وفاته ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا... )[22] .
وليفهم أن الإحداد أمر زائد على العدة، ففيه إشعار بحق الزوج على الزوجة. وقد شرع في الإسلام أحكام تكفل أداء حقوق الزوج، ومن ثم يكون البيت سكنًا ويصبح بيئة صالحة.
على أن هذه الأحكام والتشريعات ليست خاصة بالمرأة بل هي على الزوجين، لكن دور المرأة فيها أكبر لأنها العمود كما ذكرنا، وحيث مجال حديثنا عن المرأة وعن دورها في تربية الأسرة، لابد من الإشارة لبعض المسئوليات والوسائل اللازمة لها التي تجعل البيت سكنًا كما أراد الله، ومنها:
1 ـ الطاعة التامة للزوج فيما لا معصية فيه لله:
هذه الطاعة هي أساس الاستقرار، لأن القوامة للرجل ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...?[23] فلا نتصور قوامة بدون طاعة... والبيت مدرسة أو إدارة، فلو أن مديرًا في مؤسسة أو مدرسة لديه موظفون لا يطيعونه، هل يمكن أن يسير العمل، فالبيت كذلك. إن طاعة الزوج واجب شرعي تثاب المرأة على فعله، بل نجد طاعة الزوج مقدمة على عبادة النفل، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ) [24] . وفيه إشارة إلى أهمية طاعة الزوج حتى قدمت على عبادة صيام النفل.
2 ـ القيام بأعمال البيت التي هي قوام حياة الأسرة من طبخ ونظافة وغسيل وغير ذلك:
وحتى يؤدي هذا العمل ثمرته لابد أن يكون بإتقان جيد، وبراحة نفس ورضى وشعور بأن ذلك عبادة.
وإليك أيها الأخت نماذج من السيرة ومن سلف هذه الأمة. أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن أعبد قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أخبرك عني وعن فاطمة رضي الله عنها كانت ابنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت من أكرم أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرَّت بالرحى حتى أثّر الرحى بيدها، وأسقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر، فقدم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسبي أو خدم، قال: فقلت لها: انطلقي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاسأليه خادمًا يقيك حر ما أنت فيه، فانطلقت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوجدت عنده خدمًا أو خدامًا فرجعت ولم تسأله فذكر الحديث فقال: ( ألا أدلكِ على ما هو خير لكِ من خادم إذا أويتِ إلى فراشكِ سبحي ثلاثًا وثلاثين واحمدي ثلاثًا وثلاثين وكبري أربعًا وثلاثين ) فأخرجت رأسها فقالت: رضيت عن الله ورسوله مرتين.. [25] . فلم ينكر قيامها بهذا المجهود، ومن هي في فضلها وشرفها، بل أقرها وأرشدها إلى عبادة تستعين بها على ذلك، وأن ذلك خير لها من خادم.
روى ابن إسحاق بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل عليَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد دبغت أربعين منا، وعجنت عجيني وغسلت بنّى ودهنتهم ونظفتهم. قالت: فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اتيني ببني جعفر ) قالت: فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: ( نعم، أصيبوا هذا اليوم ) ... الحديث [26] .
3 ـ استجابتها لزوجها فيما أحل الله له:
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح )[27] . بل الأولى في حقها أن تتقرب إليه دون الطلب، وأن تتهيأ لذلك وتتجمل. وإنه لمن المؤسف أن بعض النساء تتجمل لخروجها – وقد نُهيت عن ذلك – أكثر مما تتجمل لزوجها – وقد أُمرت به – وكل ذلك يدل على جهل بالمسؤولية، أو عدم اتباع لشرع الله.
إن لقيام المرأة بهذا الأمر، وحسن الأخذ به أثرًا كبيرًا على استقرار البيت، حيث عفة الزوج ورضاه بما عنده وعدم شعوره بالإحباط والحرمان، ومن ثم الاستقرار النفسي.
ما أكثر الرجال الذين يعيشون حياة غير مستقرة بسبب شعورهم بالحرمان، لأن المرأة لم تعر هذا الجانب اهتمامًا، أو لم تعرف كيف تقوم به حق القيام، فلتدرك المرأة دورها في ذلك، ثم لتفكر وتبحث كيف تؤديه.
4 ـ حفظ سره وعرضه:(14/281)
فلا تتعرض للفتنة ولا للتبرج، ولا تتساهل في التعرض للرجال في باب المنزل أو النافذة أو خارج البيت، ولتكن محتشمة عند خروجها.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( فأما حقكم على نسائكم فلا يوطين فرشكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون )[28] .
إن هذا يعطي صيانة أخلاقية للبيت، وثقة للزوج، وتربية للأبناء على العفة، وأن البيت الذي يحصل فيه شيء من التساهل في أي أمر من هذه الأمور لن يكون سكنًا مريحًا، ولا مكان استقرار.
5 ـ حفظ المال:
يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيته )[29] . وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده )[30] .
وقضية المال قضية هامة يتعلق بها أمور منها:
1 ـ الإصلاح في البيوت بحفظ ما فيها.
2 ـ عدم التبذير والإسراف.
3 ـ عدم تحميل الزوج ما لا يطيق من النفقات.
والأمور المالية اليوم أصبح لها نظام وحساب فكم من الوسائل والطرق توفر للأسرة عيشًا هنيئًا مع عدم التكلفة المالية، وقد أصبحت فنًّا يدرس، فهل تعي الزوجة دورها في ذلك.
6 ـ المعاملة الحسنة:
فالزوج له القوامة فلابد من أن تكون المعاملة تنطلق من هذا ومن صور حسن المعاملة.
ـ تحمل خطئه إذا أخطأ.
ـ استرضاؤه إذا غضب.
ـ إشعاره بالحب والتقدير.
ـ الكلمة الطيبة والبسمة الصادقة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة )[31] .
فكيف إذا كانت من زوجة لزوجها.
ـ الانتباه لأموره الخاصة من طعام وشراب ولباس من ناحية النوع والوقت. ولتعلم المرأة أنها حين تقوم بهذه الأمور ليس فيه اعتداء على شخصيتها أو حطّ من مكانتها بل هذا هو طريق السعادة، ولن تكون السعادة إلا في ظل زوج تحسن معاملته وذلك تقدير العزيز العليم ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ?[32] يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجه )[33] .
فلتفهمي مقاصد الشرع ولا تغتري بالدعاية الكاذبة وليكن شعارك سمعنا وأطعنا.
?فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى? [34] .
7 ـ تنظيم الوقت:
احرصي على تنظيم وقتك حتى يكون عملك متعة، واجعلي البيت دائمًا كالروضة نظافة وترتيبًا، فالبيت دليل على صاحبته، وبالنظافة والترتيب يكون البيت بأجمل صورة، ولو كان الأثاث متواضعًا والعكس بالعكس.
إن الزوج والأولاد حينما يعودون من أعمالهم ودراستهم متعبين فيجدون بيتًا منظمًا نظيفًا يخف عنهم العناء والإرهاق، والعكس بالعكس؛ فنظافة السكن ونظامه من أهم الأسباب لكونه سكنًا وراحة.
8 ـ قفي مع زوجك:
في الأحداث والأزمات وما أكثرها في هذه الدنيا! أمدِّيه بالصبر والرأي، اجعليه عند الأزمات يهرب لبيته، لزوجته، لسكنه، لا يهرب عنها، فذلك من أكبر الأسباب للوئام، وبهذا يكون البيت سكنًا.
9 ـ الصدق معه:
كوني صادقة معه في كل شيء وخصوصًا فيما يحدث وهو خارج البيت، وابتعدي عن الكذب والتمويه، فإن الأمر إن انطلى مرة فلن يستمر ثم تفقد الثقة، فإذا فقدت الثقة فلن يكون البيت سكنًا مريحًا، ولا مكانًا للتربية الصالحة.
10 ـ كيف تتصرفين عند حصول الخلاف؟
وأخيرًا اعلمي أننا بشر، فلا بد من الضعف، ولابد من وقوع اختلاف حول بعض الأمور، لكن المهم كيف تعالج الخلافات فإذا كان من الطبيعي حصول بعض الخلاف، فليس من الجائز أن يتحول كل خلاف إلى مشكلة قد تقوض كيان البيت، وإليك بعض التوصيات التي ينبغي الانتباه لها عند حصول خلاف.
1 ـ تجنبي الاستمرار في النقاش حالة الغضب والانسحاب حتى تهدأ الأعصاب.
2 ـ استعملي أسلوب البحث لا الجدال والتعرف على المشكلة وأسبابها.
3 ـ البعد عن المقاطعة والاستماع الجيد.
4 ـ لابد من إعطاء المشاعر الطيبة، وبيان أن كل طرف يحب الآخر، ولكن يريد حل المشكلة.
5 ـ لابد من الاستعداد للتنازل، فإن إصرار كل طرف على ما هو عليه يؤدي إلى تأزم الموقف، وقد ينتهي إلى الطلاق.
هذا بعض ما ينبغي للمرأة أن تسلكه في بيتها حتى تكون قد شاركت في إيجاد السكن الحقيقي، البيت الذي يعيش فيه الزوج هادئًا آمنًا مستقرًا فينتج لأمته، وفيه يتربى الأولاد التربية السليمة فتصلح الأمة بصلاح الأجيال، والزوجان هما أساس الأسرة فإذا كانت العلاقة بينهما سيئة فلا استقرار للبيت.
ثالثًا: جعل الأسرة في إطارها الواسع سكنًا:(14/282)
من الأعمال التي تقوم بها المرأة في بيتها لتؤدي دورها في تربية الأسرة حرصها على جعل الأسرة سكنًا واستقرارًا في إطار الأسرة الواسع، إن الحديث في الفقرة السابقة يمسّ الأسرة في إطارها الضيق الزوج والزوجة والأولاد، لكن هناك إطار للأسرة أوسع من ذلك يشمل الأم والأب والأخوة والأخوات، ولهم حقوق سواء كانوا مع الزوج في البيت أو ليسوا معه. ولابد أن يلتئم شملهم وتصلح العلاقات بينهم، حيث يتعلق بذلك أحكام كثيرة، منها بر الوالدين وصلة الأرحام.
وللمرأة دور خطير في ذلك، فكم من امرأة بوعيها بهذا الجانب وخوفها من الله، كانت سببًا للصلة بين زوجها وأمه وأبيه وإخوته وأرحامه، فأصبحت أداة خير تجمع الأسرة على الخير، وكم من امرأة جاهلة بواجبها في هذا الجانب، أو تعرفه لكنها لا تخاف الله فسببت فرقة الأسرة فكان عقوق الآباء والأمهات، وكان قطيعة الرحم كل ذلك بسبب جهل المرأة بدورها في هذا الجانب وعدم القيام به.
رابعًا: تربية الأولاد:
من المجالات التي يظهر فيها دور المرأة في تربية الأسرة ( تربية الطفل ) وهذا من أهم المجالات وأخطرها لسببين:
الأول: لأنه موجه للطفل ومن الطفل تتكون الأمة، وعلى أي حال كان واقع الطفل وتربيته اليوم سيكون وضع الأمة في المستقبل كذلك، ومن هنا ندرك أنه سيمر عبر مدرسة الأم أفراد الأمة كلهم.
الثاني: ولأن الطفل كثير المجاهيل ينطبق عليه أنه واضح غامض، سهل صعب، لذا فرعايته وتربيته تحتاج لجهد ليس سهلاً، وهذا ما سوف نوضحه فيما يأتي.
إن رعاية الطفل مسؤولية الأبوين معًا، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيته )[35] .
ويقول تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ?[36] .
ولكننا إذا نظرنا إلى واقع الأمر وجدنا أن الرجل لا يقضي في بيته ومع أطفاله إلا جزءًا يسيرًا من الوقت هذا من حيث الكم، ومن حيث الكيف فهذا الوقت يكون فيه منهكًا من العمل، يطلب الراحة، وليس لديه قدرة على التفكير في شأن أولاده. لذا يظهر لنا أن الدور الأكبر في هذا هو دور المرأة ومسؤوليتها، أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: ( هلك أبي وترك سبع بنات، أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبًا فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تزوجت يا جابر فقلت: نعم، فقال: بكرًا أم ثيبًا قلت: بل ثيبًا. قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك قال: قلت له: إن عبد الله هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئَهُنَّ بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: بارك الله لك، أو قال: خيرً )[37] .
الحديث دلّ على مشاركة المرأة زوجها في تربية الأولاد بل إن الدور الأول هو دورها: ( تقوم عليهن وتصلحهن ) .
أيتها الأخت:
إن قيامك بهذه المهمة العظيمة يتطلب فهمك التام لها حتى تؤديها على وجهها المطلوب، إن رعاية الطفل وتربيته التربية الجيدة لابد له من معرفة بعض الجوانب التي تتعلق بالطفل، وأعرض لبعض منها:
أولاً الجانب الصحي: إن الطفل المريض أو المعوق لن يكون فردًا تامًّا مفيدًا للأمة.
لذا فأول أمر تعمله المرأة وتوليه عناية، صحة طفلها، ولقد كتبت في هذا الموضوع كتابات متعددة ومن ذلك كتاب (رعاية الطفل الصحية) للدكتور "نبيه الغبرة" فهو يعرض رعاية الطفل الصحية بأسلوب سهل ميسر تفهمه كل امرأة لديها قدر يسير من الاطلاع، ومن الملاحظات التي تتعلق بصحة الطفل:
1 ـ المرأة الحامل وعنايتها بصحتها، حيث صحتها صحة للجنين، ولابد من عمل اللازم لذلك.
2 ـ ما بعد الولادة يمر الطفل بأدوار، لكل دور حالة خاصة ورعاية صحية خاصة، ونجملها فيما يلي.
ـ الوليد في شهره الأول حيث دقة حساسيته في هذا السن، لابد أن تعرف الأم: ما هي المظاهر الصحية وغير الصحية في تلك الفترة، كيف تعامله، مكان نومه المناسب، الرضاع السليم، اللباس.. إلى غير ذلك.
ـ المرحلة الثانية: ما بعد الوليد وهي الرضيع وفيها يحصل المشي، والنطق وما يلزم لها من رعاية صحية، فعند محاولة الطفل المشي لا يكلف فوق طاقته ولا داعي لإعانته بحاجة يمشي عليها بل يترك لقدرته.
النطق: ألا تعلمين أن اضطرابات النطق سببها تشخيص الأهل لها، أي: قولهم بوجودها واتخاذ الوسائل لمعالجتها.
ـ المرحلة الثالثة: سن ما قبل المدرسة، وفيها يتم إعداده للمدرسة، يراعى قدرة الطفل، جعل المدرسة والقراءة محببة إليه.
ـ ثم تأتي مرحلة الطفولة المتوسطة والمراهقة والتي يكون الجهد التربوي فيها صعبًا.
ثم تذكري بعض القضايا الصحية التي يجب أن يكون لديك خبرة بها.
1 ـ لقاحات الطفل ما هي، أوقاتها.
2 ـ النمو السليم للطفل.
3 ـ مجارات ملكات الطفل.
4 ـ لِعب الطفل ولُعبه.
أهمية اللعب في حياة الطفل ليس مجرد تسلية بل وسيلة للتعليم وتنمية المواهب.(14/283)
لكل سنّ لُعب معيّنة تناسبه، لو أعطي لعبة أقل من مستواه الذهني لم يحفل بها، ولو أعطي لعبة فوق مستواه يحتاج لجهد أكبر من طاقته، وقد يفسدها وهناك لعب ضارة يحذر منها.
ـ السلس أو التبول الليلي أسبابه كيف يعالج بصورة صحيحة.
ـ الطفل الأعسر: البيئة والتوجيه. لهما دور كبير.
ـ الحوادث: السقوط، الابتلاع، التسمم، الحروق، الدهس.. إلخ لكل سن حوادث خطرة كيف تقين طفلك؟[38] .
هذا جانب من جوانب العناية بالطفل، هل لديك فيه الخبرة الكافية؟ لم يكن القصد من ذكرها التفصيل وإعطاء منهج صحي فليس هذا موضعه، وإنما إشارة إلى أن الأمر ليس بالسهولة المتوقعة.
إذا انتقلنا إلى الجانب الآخر وهو جانب تربية الطفل خلقيًّا وبنائه بناءً صالحًا وغرس العادات الطيبة وإبعاده عن العادات السيئة حتى ينشأ ولدًا صالحًا يكون قرّة عين لوالديه، إن هذا الجانب يحتاج لمحاضرات متعددة؛ لأنه موضوع ذو تشعب. إن من يقوم على تربية الطفل لابد أن يعرف ما هي خصائص الطفل حتى يتعامل معه على بيّنة، ثم ما هي الوسائل الجيدة والمجدية للتربية، ولابد أن تدركي أيتها الأخت أن لكل سن في حياة الطفل طبيعة خاصة ولها وسائلها التربوية الخاصة والكتابات في هذا الجانب كثيرة، وإذا كنت تؤمنين بأن هذا جزء هام من دورك العظيم في تربية الأسرة فلا بد أن يكون لديك فيه الإلمام الذي يمكنك من القيام برسالتك العظيمة [39] . وأنا أذكر إشارات بسيطة في هذا:
خصائص الطفل:
وهذه الخصائص لابد أن يعرفها من أراد أن يربي الطفل على منهج تربوي وسليم ومنها:
1 ـ القابلية، فالطفل صفحة بيضاء لم يتعمق لديه أي سلوك أو أفكار، قابل للتعديل والتوجيه. مثل الغصن اللين قابل للتشكيل على أي شكل تريد، إذن فلا بد أن تعي المرأة دورها في هذا الأمر.
2 ـ مادية في التفكير، فلا تقلق الأم إذا لم يفهم بعض الأمور؛ لأنه يربط ما أمامه بالتفكير المادي، فلو قلت له ثلاثة زائد ثلاثة لم يفهم، لكن ضع أمامه ثلاثة أقلام، وثلاثة، يقول: ستة وهكذا.
من أجل هذا فهو لا يكلف إلا بعد البلوغ ولتربيته على الصفات الحميدة لابد أن تربط بآثارها العملية المحسوسة له.
3 ـ الفردية، والأنانية، كل شيء له، دور المربي إخراجه منها حتى يحترم الآخرين.
4 ـ الطفل له حاجات لابد منها إذا لم توفر له تعرقل نموه، أو تنشئ عنده سلوكيات سيئة، منها:
أ ـ الحب والأمن من أبويه.
ب ـ التقدير والثقة فإنه إذا لم يحترم ويعطى الثقة ينشأ عنده عدم الثقة بالنفس.
جـ ـ الرفقة، لابد له من صحبة، فينبغي اختيار الرفقة الذين اعتني بتربيتهم حتى لا يقع التناقض.
كيف نربي الطفل؟
كل ما نعمله من وسائل لتربية الطفل يرجع إلى أحد الطرق الآتية:
1 ـ التلقين وهذا يعتمد فيه على مجرد الأمر وهو غير مجد كثيرًا، وللأسف أنه المستعمل لدى كثير من الناس.
2 ـ يضاف مع التلقين أمر آخر كالنصح أو الترغيب والترهيب، وهذا أجدى من سابقه.
3 ـ بالملاحظة والتقليد، وهذا أهمها وأخطرها وهنا دور القدوة والسلوكيات في البيت وسلوك الأم كيف يكون حال الطفل، فلن تستطيع تعليمه الصدق ونهيه عن الكذب وهي تكذب أمامه.
بعد هذا هناك ملحوظات عامة حول تربية الطفل ومنها:
ـ الضرب وسوء استعماله، لا شك أن الضرب وسيلة تربوية لكن كيف ومتى يستعمل؟ هذا أمر مهم.
ـ تخويف الطفل بالبعبع وآثاره على نفسية الطفل.
ـ التربية بين التدليل والقسوة.
ـ إبعاد الطفل عن الأطفال غير المهذبين.
ـ متابعة الطفل في دراسته.
ـ تربية البنت على الحياء.
ـ التربية بالنظرة وتعويد الطفل على ذلك.
ـ عدم التناقض بين الزوجين في التوجيه فهذا يأمر وهذا ينهى عن نفس الفعل.
ـ عدم التناقض بين القول والفعل.
ـ مراقبة الأطفال في البيت من حيث لا يشعرون.
ـ الدعاء واستعمال الكلمات النابية.
ولا شك أن كل نقطة مما سبق بحاجة إلى شرح وإفاضة، وليس المجال شرح وسائل التربية وطرقها، وإنما ذكرت ذلك لأبيّن أن عمل المرأة في تربية الطفل ليس عملاً يسيرًا بل هو عمل يحتاج للعلم، ويحتاج جهدًا في المتابعة.
خامسًا: أعمال أخرى:
تلك المجالات الأربعة السابقة هي أهم مجالات عمل المرأة في بيتها والتي من خلالها تشارك في إعداد الأسرة إعدادًا سليمًا، ولكن هناك أعمال أخرى فيها نفع للأسرة مادّيًّا أو تربويًّا إن بقي لدى المرأة متسع من الوقت – بعد قيامها بالأعمال الرئيسة السابقة – وهذه الأعمال كثيرة لا تنحصر، وهي متجددة حسب الظروف المادية والاجتماعية للأسرة وحسب جهد المرأة وتفكيرها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ خياطة الملابس، كم تنفق الأسرة من المال في هذا الجانب، إضافة إلى آثارها السلبية الأخرى، حيث تقضي المرأة وقتًا طويلاً أمام هذا الخياط الأجنبي وهي تحاول أن تشرح له ما تريد وهو أعجمي في الغالب يفهم بعض الكلام ولا يدرك أكثره، إضافة لما يجلب للبيوت من الموديلات والموضات المخالفة للشرع وللأخلاق والذوق الاجتماعي.(14/284)
إنه من العجيب أن تخرج المرأة للعمل خارج المنزل لاكتساب بعض الريالات، ثم يصرف هذا الراتب على الخياط، وعلى المربية التي تقوم على الأطفال، ترى لو تفرغت المرأة لتربية أطفالها وما بقي لديها من وقت قضته في خياطة ملابسها كم ستوفر للأمة، ليس مبلغًا من المال إنما حفظ أجيال الأمة وحفظ أخلاقها، وهذا ليس على العموم، فقد مر بنا أن الأمة بحاجة للمرأة العاملة في بعض المجالات التي لا يقوم بها غيرها، لكن فرق أن يكون هذا استثناءً أو هو الحالة العامة.
ـ من الأعمال التي يمكن أن تقوم بها المرأة في البيت صناعة بعض التحف والأشكال الجمالية. إن طلب الجمال أمر مركوز في الفطرة، فحب الإنسان للمناظر الجميلة والأشكال الرائعة أمر مباح، وللإنسان أن يطلبها ويعملها إذا لم يكن فيها إسراف، ولا محذور شرعي كوجود الصور. وإن كثيرًا من تلك الأشكال قد تعملها المرأة. إن بعض الناس مولع بتلك التحف ويبذل كثيرًا من المال لاقتنائها، ماذا لو استغلت المرأة بعض وقتها وعملت شيئًا من تلك التحف ووفرت هذا المال. هذا الجانب من الأعمال ليس ذا أهمية كبيرة، لكن ذكرته لأبين أن أمام المرأة مجالاً للتفكير في استغلال فاضل وقتها فيما ينفعها وينفع أسرتها.
وبعد أن استعرضنا تلك الأعمال الهامة التي تقوم بها المرأة في بيتها وتشارك من خلالها في تربية الأسرة. هل يصح أن نقول: إن المرأة إذا جلست في بيتها وتفرغت لتلك المهمات تبقى معطلة، وهل تصح مقولة الذين يقولون: إن بقاء المرأة في بيتها يجعل نصف المجتمع عاطلاً عن العمل؟
ما هي المقاييس الصحيحة للبطالة؟ تخرج المرأة لتترك أقدس وظيفة وأخطرها لتؤدي دور كاتب صادر أو وارد، أو ناسخ آلة يؤديها أي شاب من الشباب العاطلين! وتترك المرأة بخروجها رعاية أطفالها وتربيتهم للخادمة والحاضنة! ثم تعود لتنفق هذا المال الذي تركت وظيفتها الأساسية من أجله تعود لتنفق هذا المال على تلك الخادمة وعلى السائق وعلى أماكن الخياطة! ولكن مرض النفوس وانتكاس الفطرة.
إنها انتكاسات البشر حين يحيدون عن منهج الله ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى? [40] قد يقول بعض من فرض عليهم الواقع ضغوطه وأصبحوا لا يفكرون إلا من خلال أوضاع اجتماعية معينة يقول هؤلاء: إن هذا كلام عاطفي بعيد عن الواقع العملي.
صور من واقع المرأة في الغرب:
أقول لمثل هؤلاء تعالوا واسمعوا إلى صيحات بعض الغربيين الذين هالهم ما وصلت إليه مجتمعاتهم عندما خرجت المرأة وتركت البيت، إن الغرب وإن تقدّم مادّيًّا لكنه تأخّر اجتماعيًّا وخلقيًّا وأصبحت حضارته معرضة للسقوط، وبدأ المفكرون الغربيون ينذرون بالخطر ويحذرون مما وصلت إليه حالة الأسرة، وحالة المرأة بعد نزولها لميدان العمل خارج المنزل، يقول ( أجوست كونت مؤسس علم الاجتاع ) : ( يجب أن يغذي الرجل المرأة، هذا هو القانون الطبيعي لنوعنا الإنساني، وهو قانون يلائم الحياة الأصلية المنزلية للجنس المحب ( النساء ) ، وهذا الإجبار يشبه ذلك الإجبار الذي يقضي على الطبقة العاملة من الناس بأن تغذي الطبقة المفكرة منهم، لتستطيع هذه أن تتفرغ باستعداد تام لأداء وظيفتها الأصلية، غير أن واجبات الجنس العامل من الجهة المادية ( الرجل ) نحو الجنس المحب ( المرأة ) هي أقدس من تلك تبعًا لكون الوظيفة النسوية تقتضي الحياة المنزلية )[41] .
وهذه كاتبة غربية شهيرة تقول في مقال نشر في جريدة ( الاسترن ميل ) في 10 مايو 1901 تقول: ( لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء، الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء. نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال. فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفه )[42] .
انظر إلى كلام هذه المرأة في أوائل هذه القرن، وقد زاد حال المرأة الغربية سوءًا بعد ذلك، فأين عقول دعاة التحرير أم ران عليها مرض الشهوة.
ويقول جول سيمون: ( المرأة التي تشتغل خارج بيتها تؤدي عمل عامل بسيط ولكنها لا تؤدي عمل امرأة ) [43] .(14/285)
وهذه امرأة تدعى "كاتلين ليند" زوجة رائد الفضاء الأمريكي "د. دون ليزي ليند" فليست أسرة أمية، بل هي أسرة غربية في قمة التقدم العلمي، تقول هذه المرأة: « كربة بيت فإنني أقضي معظم وقتي في البيت. وكامرأة فإنني أرى أن المرأة يجب أن تعطي كل وقتها لبيتها وزوجها وأولادها.. ولازلت أذكر حديثًا لأحد رجال الدين ردًّا على سؤال: إذا كان مصير المرأة بيتها فلماذا إذن تتعلم؟ لقد قال يومها لصاحبة السؤال: إذا علمت رجلاً فإنك تعلم فردًا، وإذا علمت امرأة فأنت تعلم جيلاً أو أمة.».
ثم تقول: « وأنا مسرورة جدًّا من بقائي في البيت إلى جانب زوجي وأطفالي حتى في الأيام العصيبة – وأقصد الأيام التي كنا في حاجة فيها إلى المال – لم يطلب مني زوجي أن أعمل وكانت فلسفته أننا نستطيع أن نوفر احتياجاتنا الضرورية لكننا لا نستطيع أن نربي أولادنا إذا أفلت الزمام من بين أيدينا... » [44] .
إن هذه النصوص واضحة، وليست بحاجة إلى تعليق، بل لسنا بحاجة إليها فإننا نؤمن بأن ما اختار الله للبشر هو الصلاح، وهو ما جاء به دين الإسلام ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينً? [45] .
سؤال أخير:
وبعد هذا يأتي سؤال أخير وهو مهم جدًّا، هل كل امرأة تستطيع القيام بهذه الوظيفة الكبيرة، وهل مجرد جلوس المرأة في بيتها كاف لتتم هذه الوظيفة؟
وجوابًا على هذا السؤال نقول: إن الشرط الأساسي في المرأة التي تستطيع القيام بهذه المهمة هو أن تكون امرأة صالحة كما أرشد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذا بقوله: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )[46] .
بيّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعايير التي يقوّم الناس عليها شريكة الحياة، ثم أمر بتقديم معيار الدين. إن بعض الناس يجعل الميزان هو الجمال ويتفنن الناس في رسمه، وبعضهم يجعل المال هو المعيار سواء كان موجودًا أو مكتسبًا.
وبعضهم يجعل الحسب والنسب معيارًا، ولكن معيار الشرع هو الدين. والمرأة الصالحة هي المؤتمنة للقيام بهذه المهمة العظيمة.
إن الذي يختار المرأة الدينة يكون قد وفر على نفسه جهدًا عظيمًا.
وإذا توفرت المرأة الصالحة فلابد أن يكون لديها قدر من العلم الذي يجعلها مؤهلة للقيام بعملها خير قيام، تعرف ما يجب عليها، واعية ومدركة لرسالتها في الحياة، وبهذا ندرك أن المقصود بالعلم هنا ليس الشهادة والمؤهل، وإنما العلم بوظائفها التي يحب أن تقوم بها والعلم بالوسائل التي تعينها على ذلك.
فيلزم المرأة بعد تعلّم دينها أن تعلم كل ما يلزم لها مما يعينها لتقوم بوظيفتها في البيت، تقوم بمتابعة كل ما يستجد مما يكتب حول الموضوعات التي تهمها كالموضوعات المتعلقة بالطفل سواء ما كان حول صحته أو عن تربيته، والموضوعات المتعلقة بالبيت والتدبير المنزلي، والموضوعات المتعلقة ببعض المواضيع الاجتماعية، والمواضيع التي تكتب حول المرأة وغيرها مما يهم المرأة.
إن وجود المرأة الصالحة مع العلم هو المؤشر على إمكانية أداء المرأة لوظيفتها.
وإن جهل المرأة وعدم صلاحها سبب للضياع حتى ولو كانت المرأة متفرغة غير عاملة فإنها سوف تضيع الوقت في الزيارات الفارغة والقيل والقال وتتبع الموضات، ومثل هذه لا يرجى منها أن تقوم بدور مهم ولا أن تخرج جيلاً صالحًا. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[من محاضرة الشيخ فوزان بتصرف]
----------------
(1) الأحزاب: 33
(2) في ظلال القرآن 59، 28/5 ( ط- العاشرة – الشروق )
(3) الطلاق:1
(4) القصص: [23ـ27]
(5) [الحديث أخرجه أحمد 6/371، وابن خزيمة في صحيحه 3/95، والحديث حسن انظر حاشية الأعظمي على صحيح ابن خزيمة]
(6) [الملك: 14]
(7) [الإصابة 4/463]
(8) [الأحزاب: 36]
(9) [ط: 125]
(10) [النساء: 1]
(11) [الفرقان: 54]
(12) [أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من استطاع الباءة فليتزوج، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة]
(13) [أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب النهي عن تزوج من لم يلد من النساء، والنسائي في كتاب النكاح، باب كراهية تزويج العقيم، والحديث حسن صحيح، انظر صحيح أبي داود. حديث 1805، وصحيح النسائي حديث 3026]
(14) [أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، وباب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، ومسلم في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة]
(15) [الأنعام: 162]
(16) [رواه أحمد 1/191، والحديث في مجمع الزوائد 4/306، وقال: ( وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح ) وقال شاكر: ( إسناده منقطع فيما أرى ) المسند 3/128]
(17) [الذاريات: 56]
(18) [الأحزاب: 33](14/286)
(19) [الروم: 21]
(20) [الأعراف: 189]
(21) [أخرجه الترمذي في أبواب الرضاع، باب في حق الزوج على المرأة، وابن ماجه في كتابه النكاح، باب حق الزوج على المرأة، والحديث صحيح انظر صحيح الترمذي حديث رقم 926]
(22) [أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب حد المرأة على غير زوجها، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة]
(23) [النساء: 34]
(24) متفق عليه [البخاري في كتاب النكاح، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا، ومسلم في كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه]
(25) [مسند الإمام أحمد 1/153، وهو في البخاري أخصر من هذا في كتاب فرض الخمس، باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمساكين. وفي مسلم كتاب الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، وأبو داود في أبواب النوم باب في التسبيح عند النوم، والترمذي في أبواب الدعوات باب في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام]
(26) [سيرة ابن هشام 3/380]
(27) [البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم "آمين". ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجه]
(28) [بهذا اللفظ أخرجه الترمذي في أبواب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها. وهو حديث حسن، انظر صحيح سنن الترمذي 1/341، أخرجه مسلم من حديث جابر في صفة حج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كتاب الحج، باب حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، دون – قوله: ( ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ) ]
(29) [أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل]
(30) [البخاري في كتاب النكاح، باب إلى من ينكح، وأي النساء خير ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل نساء قريش]
(31) [أخرجه الترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في صنائع المعروف، والحديث صحيح انظر صحيح سنن الترمذي 2/186]
(32) [النساء: 34]
(33) [أخرجه أبو داود في كتاب النكاح باب في حق المرأة على زوجها والترمذي في أبواب الرضاع، باب في حق الزوج على المرأة والحديث صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/402]
(34) [طه: 123]
(35) [البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل]
(36) [التحريم: 6]
(37) [البخاري كتاب النفقات، باب عون المرأة زوجها في ولده]
(38) [انظر كتاب "رعاية الطفل الصحية" للدكتور نبيه الغبرة]
(39) [مما أنصح به في هذا الجانب سماع محاضرة مسجلة للدكتور عبد العزيز النغيمشي بعنوان ( واقع الطفل المسلم ) ]
(40) [طه: 125]
(41) [المرأة بين الفقه والقانون ص22]
(42) [المرأة بين الفقه والقانون للسباعي ص178، عن مجلة المنار لرشيد رض]
(43) [المرأة بين الفقه والقانون ص179]
(44) [رسالة إلى حواء ص2/61، نقلاً عن جريدة الأنباء الكويتية]
(45) [الأحزاب: 36]
(46) [الحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة، كتاب النكاح/ باب ( الأكفاء في الدين ) ومسلم كتاب الرضاع، باب ( استحباب نكاح ذات الدين ) ]
=========================
إلى من كتبت عن حرية المرأة
أم معاوية
كتبت إحداهن ـ أو كتب لها ـ في إحدى الصحف اليومية مقالاً تحت عنوان " حرية المرأة .. وقدرها في المجتمع " .. ولم يجئ المقال بجديد .. إنما جاء بقديم ردده ولا يزال يردده من لم يفهم حقيقة هذا الدين "الإسلام"، ومن لم يفهم طبيعة المرأة فهماً سليماً .. بل لم يفهم ـ أيديولوجية ـ قيام المجتمعات الإنسانية وتطور الحضارة فيها .. إنما فقط تشرب بوعي أو بدون وعي ما يريده الغرب الصليبي في بلاد الإسلام ـ حماها الله ـ.
وتكلمت في كلمتها عن وضع المرأة .. وظلم المرأة ! .. وحبس المرأة! .. ولعمر الله كلها شعارات رددها الاحتلال الصليبي في بلاد المسلمين .. وروج لها كل من تربوا على أعينهم من المسلمين المخدوعين.
فقد افتتحت كلمتها بأن كل مجتمع له تقاليده وعاداته ..
* ثم قالت : " لكن تبقى المرأة ضحية العادات والتقاليد في كل مجتمع .. هل المرأة محكوم بالظلم والقهر دائماً " ا.هـ
أية عادات وتقاليد هذه التي تتكلم عنها ؟ .. لم توضحها!! وأي ظلم وقهر؟ .. لم تحدده .. !! لننظر بقية الكلمة.
* تتساءل : " أليست المرأة (إنساناً روحا وكيانا) مثل الرجل تماماً ؟ " ا.هـ
نعم هي روح وكيان .. وهل قال الإسلام إنها غير ذلك؟! .. إنما الذي اجتمع ليقرر هي روح مثل الرجل أم لا .. هو مجمع ماكون النصراني، وكذا عند الحضارات القديمة واليهودية .. أما الإسلام فقد قرر أن " النساء شقائق الرجال " كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وأنها مخلوق مثل الرجل تماما "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف".
* ثم تتساءل قائلة: معنى هذا أن الجنسين روح وكيان، إذاً لماذا التفرقة الظالمة بين الرجل والمرأة ؟" ا.هـ(14/287)
أية تفرقة وأي ظلم ؟ .. لقد قرر الطب الحديث .. طب القرن العشرين! .. أن المرأة مختلفة تماماً من الناحية ـ الفسيولوجية ـ عن الرجل .. وكذا من الناحية النفسية .. ومعنى هذا أن ما يناسب الرجل في بعض الأمور لا يناسب المرأة، وما يناسب المرأة في بعض الأمور لا يناسب الرجل .. فما هذا الادعاء بأنه تفرقة ؟! .. وإذا شذ أحدهما عن طبيعته وتكوينه تعب وشقى .. وهذا هو واقع المرأة الأوروبية والأمريكية اليوم .. ثم أي نوع من التفرقة تقصدين ؟ .. لم توضحي شيئاً !!.
* وتتساءلين : " لماذا يفرض على المرأة (قيوداً) صارمة ولا يفرض على الرجل إلا في حالات نادرة ؟! "
قد فرض الإسلام على الرجل قيوداً .. أو هي على الصحيح واجبات وليست قيوداً .. وكذلك فرض على المرأة واجبات، وأمر كلا منهما بالتزام واجباته التي تتفق مع فطرته وتكوينه بما لا يشق عليه .. ولا يخالف فطرته.
* ثم تقولين: " والرجل في نظرهم لا يعيبه شيء أما المرأة فهي عورة " ا.هـ
لماذا لم تفصحي عما تريدين بالتحديد ؟! .. إن المرأة والرجل أمام أحكام الإسلام وشريعته وحلاله وحرامه سواء " ? مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [النحل:97] .. وهما كذلك في حدود الله ..
? وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ?[المائدة:38] .. ? الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ?[النور:2] .. هكذا إلى آخر حدوده وأحكامه .. فأي شيء محظور على المرأة وهو مباح للرجل في ذلك ؟! .. أما قولك " المرأة عورة " فهو قول رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم : ( المرأة عورة ) فهل تؤمنين أن محمداً رسول الله ؟ .. وهل تفهمين معنى عورة ؟! ..
* ثم تعقبين قائلة : " هذه النظرة السخيفة والتفرقة الظالمة هي التي جعلت الرجل سيداً، والمرأة مملوكة، وجعلت الرجل جلاداً، والمرأة أسيرة، هذا الظلم موجود في مجتمعنا رغم قرب دخولنا أبواب القرن الواحد والعشرين ".
إن الرجل والمرأة إذا فهما دينهما ـ الإسلام ـ والتزما تعاليمه لا يكون بينهما سيد وأمة .. ولا جلاد وأسيرة .. فهذا قول من لم يدرك الإسلام .. ولم يهضم تعاليمه .. فالرجل والمرأة متساويان في الإنسانية والكرامة والأهلية .. كما قال تعالى ? .. أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [آل عمران:195] .. أي الذكر من الأنثى، والأنثى من ذكر .. فكل واحد منهما يؤدي واجباته في حدود فهمه وإدراكه لفطرته وطبيعة تكوينه .. ولماذا خلقه الله تعالى في هذه الحياة الدنيا .. وفي ضوء فهمه لعبادة الله عز وجل يؤدي ما عليه برضى تام .. فالرجل لن يكون امرأة .. والمرأة لن تكون رجلاً ! .. وإذا تمثلت المرأة وتشبهت بالرجل فلن تكون رجلاً ولا امرأة إنما تصبح جنساً ثالثاً شاذاً مخنثاً !! .. ولن يبقى للرجل إليها حاجة .. لأنها ستصبح نمطاً ممسوخاً مشوهاً منه .. وكذا إذا تمثل الرجل بالمرأة فلن يكون رجلاً ولا امرأة وإنما يصبح من هذا الجنس الثالث المخنث، وستزهد فيه المرأة .. فما تعنين بقولك " مملوكة وأسيرة " في مقابل " سيد جلاد " ؟.
إن قوامة الرجل في الإسلام قوامة حق وعدل إن جاءت صحيحة وفقاً لما قضى هذا الدين الحنيف وهي ترضى جميع الأطراف من الجنسين، ولا تتعارض مع فطرة أحدهما .. فأي ظلم تعنين يابنة القرن العشرين .. القرن الذي ظلمت فيه المرأة أشد من ظلمها في الجاهلية !!.
* ثم تقولين : " إذا أرادت الفتاة أن تكمل تعليمها "ماجستيرـ دكتوراه" ؟! وتريد أن تحقق طموحها في سبيل ذلك قوبل ذلك بالسخرية "ا.هـ
أي ماجستير ودكتوراه ؟! .. وأي طموح يمنعها منه المجتمع ، إن المجتمعات كلها لا تقيد هذا، ولكن ليت النساء حقا إن خرجن للعلم يخرجن للعلم لا لشيء آخر ـ أقولها متأسفة .. ليتهن التزمن تعاليم الله في خروجهن .. ولكن الواقع يكذب ذلك فلا تخادعي نفسك .. وإنما خرجت المرأة لتتهرب من مسؤولية بيتها التي أصبحت أضعف من أن تقوم بها .. هذا إلا قلة ـ رحمها الله وعصمها من السقوط ـ .. وهذه القلة عندها من الشعور بثقل مسؤوليتها ما يمنعها من مثل هذه المهاترات .. وعندها من الاعتزاز بدينها والانقياد لشريعتها والفهم لحقيقة دورها ما يمنعها من النظر إلى الرجل بروح الندية والتحدي والعداوة .. وحسبها فخراً أنها هي التي تصنع الرجال وتربي الأجيال .. إن العلاقة بين أمثال هؤلاء النساء الصالحات وبين الرجال دافئة حميمة قائمة على المشاركة والتعاون والاحترام المتبادل والاعتراف بالجميل، وشتان بين من قدوتها خديجة وعائشة وزينب وأم سلمة .. ومن قدوتها هدى شعراوي ونوال السعداوي !!
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح !!(14/288)
* ثم تقولين: " إذا لم تتغير هذه النظرة للمرأة ونحن في هذا العصر المبهر فانتظروا الهلاك "ا.هـ
نعم هو عصر مبهر لكن لمن ؟ .. وهو عصر مظلم، وأيم الله لقد ازداد ظلامه بإفساد أهل الأرض .. واستباحتهم الحرمات وانتهاكهم المحرمات ..
* وتقولين: " فممارسة المرأة لمهنة الطب والتدريس فقط ليست كافية، بل يجب أن يفتح أمامها المجالات دون تقصير لأن المرأة عنصر فعال وحتى تقوم بدور إيجابي إذا فسح لها المجال وعلينا شطب قاموس "العيب" ". ا.هـ
أما قولك "علينا شطب قاموس "العيب" " فسأترك الرد عليه للقارئ اللبيب والقارئة !! .. فرب صمت أبلغ من كلام .. وأدعو أهل الغِيَر والنخوة خاصة للتدبر في هذه الكلمة " علينا بشطب قاموس "العيب" " ..
ثم أي مجالات تريدين المرأة الدخول فيها دون تقصير .. هل تريدينها عاملة بناء تحمل القصعة على رأسها؟ .. وسائقة تاكسي .. وكناسة في الشوارع، وكهربائية، وميكانيكية، وعاملة في المصانع، وفي محطات الوقود، لا تستطيعين تمييزها من الرجال كما حدث في أوروبا وأمريكا؟ .. يا للذلة والمهانة ..
إن هذا من تحقير المرأة وظلمها، وليس من حريتها وتحررها في شيء، بل هذا حقاً هو العبودية .. وكانت الأمة المملوكة في الجاهلية هي التي تقوم بأعمال الرجال مثل هذه التي تتكلمين عنها اليوم !! أما الحرة فهي أصون وأكرم من أن تذل وتبتذل وتمتهن كرامتها على هذا النحو الذي تريدينه للمرأة .. ليتك أردت لها خيراً .. واحسرتاه !
ثم هل انعدم الرجال ؟! .. حتى تترك المرأة مملكتها وأطفالها الذين هم رجال المستقبل ونساؤه .. أرجو أن تنظري نظرة إنصاف في الشوارع والأسواق وكثير من المجالس لتدركي حمى البطالة التي استشرت في الرجال اليوم! .. هذا وأرجو ألا تقترحي على الرجال البقاء في البيوت لأداء مهمة المرأة، فأنت تعرفين أن دور المرأة لا تحسنه إلا المرأة.
* ثم تقولين: " بل العيب والخطأ أن نستخدم هذا المصطلح "العيب" ونحن في هذا العصر ـ عصر التقدم والتكنولوجيا ".
لعمر الله ما نادى أحد بتبذل المرأة وامتهانها إلا وكان جاهلاً بمعنى التقدم والتكنولوجيا .. هل تقدمت أوروبا وأمريكا بانكشاف المرأة وخروجهن يستجدين لقمة عيش تقيم أودهن ؟!.
ثم مرة أخرى تعيبين مصطلح العيب !! هل تريدين للمرأة انخلاعا من الأخلاق .. وبهيمية في سوق الابتذال كما حدث للمرأة التي تشيرين إليها في الشعوب المتطورة .. وهل هذا هو التطور أم العودة إلى "جبلاية" القرود وبدائية ما قبل التاريخ ؟!.
* وتقولين: " إذا أعطوها حريتها فسوف ترون ماذا تفعل ما لم يفعله الرجل ".
ما شاء الله ... ما هذه العنترية الناعمة ؟! .. للرجل يا عزيزتي مجال، وللمرأة مجال، وتصدي أحدهما للآخر لن يقدم شيئاً للمجتمع الذي لا ينفعه إلا انسجام أفراده وتعاون رجاله ونسائه .. ثم أية حرية تريدين ؟ .. هل هي حرية المرأة الغربية المزعومة التي تئن منها الآن ؟! .. ألم تطلعي على مظاهرات النساء هناك .. أعيدونا إلى البيت، العش الآمن الدافي الذي حرمنا منه .. ولا مجيب لهن كأنهن كلاب تعوي !! .. ألم تقرئي نتائج البحوث التي أجريت لاستطلاع رأي المرأة هناك، أعني العاملة التي جاءت تئن ألماً وتقطر دماً وحزناً من سوء أحوالهن النفسية والجسدية والاجتماعية .. لأنهن خالفن فطرتهن وتحملن ما لا يطقن ؟ .. فهل هذه حرية ـ أم هو غاية الظلم والعبودية.
حسبنا هذا .. فتريثي في اندفاعك.
* ثم تقولين: " لكنها مكبوتة لا تستطيع أن تحقق هذه الطموحات في ظل هذه الظروف الصعبة (الذي) "هي كتبتها هكذا والصحيح (التي يفرضها)" يفرضه المجتمع عليها من قيود وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ".
ألم تقرئي قول الله تعالى: ? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ? [الأحزاب:33] .. وألم تقرئي قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان) .. ألم تقرئي قول عائشة ـ رضي الله عنها: " لو رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعته نساء بني إسرائيل "..
وهذا في زمان عائشة ـ رضي الله عنها ـ زمان طيبٌ أهلُه، صالحٌ مسلمُوه .. وليس في فساد القرن العشرين المبهر لكل من ضل عن طريق الحق ! ..
* ثم تقولين: " فالمجتمع يبقى مشلولاً إذا انعدمت مشاركة المرأة " ا.هـ
نعم هو كذلك، ولذلك فالمرأة المسلمة في المجتمع ليست عاطلة كما يتشدق المتشدقون .. ولكن أية مشاركة تعنين ؟! .. هل هي مشاركة متفلتة هوائية ؟! .. أم هي مشاركة وضحها الله عز وجل وبينها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم .. فلا تخلطي الصدق بالكذب ولا تمزجي الطيب بالخبيث ..(14/289)
* ثم تعقبين قائلة: " فالعمل القائم على أسس سليمة وهدفه بناء الوطن ورفاهية الشعب.. أمر يقره الدين بل ويعتبر في حد ذاته عبادة لكن عاداتنا وتقاليدنا هي التي تحرم وتفرض قيوداً غير منطقية على المرأة، وكأن المرأة خلقت فقط لتتزوج وتنجب، ثم تحبس في البيت، فالمرأة ليست حيواناً هدفها فقط الإنجاب ".
نعم أقر الدين للمرأة أن تعمل، ولكن أي عمل تعمله ؟ عليها مسئولية بيتها فإن هي ضيعتها ضاع النسل رجالا ونساء، وهذا هو واقع أكثر بيوت المسلمين اليوم .. والمرأة مصونة عن أن تتبذل لكسب قوتها بنفسها، بل هي مكرمة في ذلك، مكفولة من أبيها وزوجها أو ابنها أو أخيها .. وإن لم يكن فمن بيت مال المسلمين .. والمرأة خلقت لعبادة الله .. ومن ضمن عبادته أن تتزوج وتنجب الأطفال .. وهي ليست حيوانا ولكن الله عز وجل جعل منزلتها كأم أعلى منزلة في المجتمع .. أعلى من منزلة الأب ومن أية منزلة .. فإن هي لم تنجب لم تنل هذه المنزلة الرفيعة .. ولم يجعلها بإنجابها حيواناً .. وإنما هذا قول الكفار .. أرادوا ترويجه بين المسلمين، فافهمي هذا قبل أن تتكلمي يا عزيزتي .. وانظري إلى قول الصحابية الجليلة أسماء بنت يزيد بن السكن ـ رضي الله عنها ـ فقد أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت له " بأبي أنت وأمي يا رسول الله .. أنا وافدة النساء إليك .. إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وصدقناك .. وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من هذا الجهاد في سبيل الله عز وجل .. وإن أحدكم إذا خرج حاجا أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم .. وغزلنا ثيابكم .. وربينا أولادكم .. أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ ..".
سبحان الله ! .. انظري يا عزيزتي إلى ماذا تريد الصحابيات .. وماذا تريد من يردن أباطيل روجها الاحتلال بيننا طويلاً .. تريد الأجر والمثوبة لأنها تنظر إلى قرارها في بيتها التي تسمينه حبساً .. وتنظر إلى إنجاب النشء المسلم الصالح الذي يوحد الله عز وجل ويعبده، والتي تسمينها كالحيوان إن كان هدفها الإنجاب فقط، تنظر إلى هذا كله على أنه عباده الله عز وجل وترجو ثوابه في الجنة ..
ثم انظري ماذا فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .. قد التفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال مثنياً عليها ـ رضي الله عنها (هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه ؟! ) فقالوا: " يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا !" .. فانظري إلى هذه الصحابية التي أثنى عليها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي قد أدركت حقيقة اسلامها وإيمانها .. ورضخت لحكم الله عز وجل وحكم رسوله ..
ثم انظري ماذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها، قال: (افهمي أيتها المرأة وأَعلمي من خلفك من النساء .. إن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته "يعنى في المعروف" يعدل ذلك كله) ..
فلماذا تحقرين وظيفة المرأة التي خلقها الله لها وأمرها بها ورضي لها ذلك .. والتي لا تنجح فيها إلا عاقلة أحسنت الإيمان بالله وبرسوله، والتي تفشل فيها كل ضعيفة تافهة ضالة عن سبيل الله متمردة على حكمه .. ثم لماذا لا تتفانى المرأة في بيتها وتعمل فيه بإخلاص إن كانت حقاً تريد ـ كما تقولين ـ رفعة وطنها وتقدمه .. فلتبدأ بما فرضه الله عليها .. تبدأ بحسن تبعلها لزوجها .. وحسن قيامها على بيتها .. وعلى رعاية أولادها .. فالمرأة التي تكتفي مع أولادها بمجرد أن تنجبهم ثم تمضي لعملها خارج البيت وتتركهم للخادمة .. وهذه امرأة فاشلة فشلت في مهمتها .. وعلى حد تعبير أحد مفكري الغرب من عقلائهم .. " أنها نجحت في عمل يستطيع أن يقوم به أي عامل بسيط .. ولكنها فشلت في عملها كامرأة "! .. فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها .. وهذه التي تترك أولادها لخادمة أو غيرها وترجع من عملها منهكة لا تستطيع أن تمنح شيئاً .. فاقد الشيء لا يعطيه .. سوف تمنحهم اضطرابها النفسي والفكري يا عزيزتي .. سوف تخرب ذريتها رجالاً ونساء .. وسوف يشقى المجتمع ويتأخر بنسلٍ هذه صفته، فتأملي قولك ملياً.
* ثم تقولين : " لا بد أن يأتي "يوم" تتحرر فيه المرأة من القيود التي فرضها المجتمع عليها "ا.هـ
أية قيود وأي تحرر؟! .. قد أتى الإسلام فحرر المرأة فهي ليست بحاجة إلى الحرية المزعومة المكذوبة .. واعلمي أن الله عز وجل ارتضى لها القرار في بيتها وصانها معززة مكرمة فيه .. ولا يعترض على هذا ويرفضه إلا منافق ..(14/290)
ثم كأن المرأة قد علقت لها المشنقة لأن الله عز وجل أمرها بالقرار في بيتها .. وإذا خرجت مصونة محجبة .. هل هذه كل القيود التي تؤرقك وتريدين تحرير المرأة منها ؟! .. وهذه لم يفرضها المجتمع بل فرضها الله عز وجل .. فهل انفلات المرأة وتفسخها عن حكم الله وحكم رسوله يعتبر تحرراً ؟!! .. لبئس ما تنادون به من تحرر .. هذه ليست عزة .. بل هي غاية الذلة .. وهذا ليس تحرراً .. هل هو عودة للغوغائية والجاهلية وبهيمية الغاب.
* ثم تختتمين كلمتك التي كثرت بها الأخطاء اللغوية والنحوية فضلاً عن المفاهيم الشرعية .. قائلة : " ويدرك حينها أن المساواة بين الجنسين أمر هام وضروري لمواكبة التطور والتقدم كالتي وصلت (إليها) المجتمعات الأخرى "ا.هـ
أية مساواة التي تريدينها ؟ .. هل تريدين للمرأة أن تخرج من ثوب أنوثتها وتتحول إلى رجل أم ماذا تريدين ؟! .. كل شيء خلقه الله في الكون جعله ذكراً وأنثى .. فالقطب الموجب لا يشبه القطب السالب ولا يعمل عمله، وإن شابهه خربت الأمور .. وهكذا في كل شيء .. فهل تريدين أن تمسخي جنس المرأة ليصبح صورة مشوهة لجنس الرجل ؟! .. ولن يكون !!
لقد اختلطت عليك الأمور يا عزيزتي .. فتقدم أوروبا وأمريكا العلمي يواكبه أعظم تخلف اجتماعي حدث في تاريخ البشرية .. وأعظم شرخ حدث في شخصية الرجال والنساء وفي صرح الأسرة .. فهل هذا هو التقدم .. والله إنه لنذير بالزوال.
* ثم تقولين: " لكن المجتمع يمنعها من ممارسة هذه الأعمال ومن هنا ينشأ التخلف الاجتماعي بل والاقتصادي وتخلف في جميع المستويات "ا.هـ
ولماذا تعلقين تخلف المجتمع بقرار المرأة في بيتها وصيانتها عن التبذل ؟! .. عجباً لك .. هل أفلحت المرأة في مهمتها وفي تربية أطفالها وفي حسن تبعلها لزوجها .. ولا يغررك زيف الحياة الأوروبية والأمريكية فعقلاؤهم ينادون بعودة المرأة إلى البيت .. وهذا هو الوضع الصحيح ولا يصح إلا الصحيح ولكن قد أفلتت الأمور من أيديهم واتسع الخرق على الراقع.
فهل تريدين لمجتمع المسلمين أن يمضي نحو الهاوية الاجتماعية والسقوط الاجتماعي الذي سقطوا فيه ؟! .. وأن يشرب من نفس الكأس المسموم ؟! أم ماذا تريدين ؟ ..
* ثم هل تقولين هذا مخدوعة بزيف حياتهم لا تدركين حقيقة المظلمة ؟! ..
* أم تقولينه خادعة تريدين أن تضلي غيرك .. فلا تأمني مكر الله فإنه لا يصلح عمل المفسدين
* أم أنك تشعرين أنك مملوكة أسيرة مظلومة مقهورة ؟!
أم انه مجرد إحساس بالضعف والانهزام النفسي .. ألا فاعلمي أن هذا من سمات الضعفاء كما يقرره ابن خلدون في مقدمته .. !!
** وختاماً فاعلمي يا عزيزتي أنه ليس بيني وبينك ثأر! .. وإياك أن يخدعك الشيطان فيزين لك أنني وإياك فرسا رهان .. أو أننا ندان! .. كلا .. بل اعلمي أنني أدعو لك بالهداية والتوفيق.
? ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ? .. مع تمنياتي لك بالتوفيق ..
=================
المضحكات المبكيات
أم معاوية
المرأة .. هذه الإنسانة التي جعلها كل من هب ودب قضيته ! حتى وإن أساؤا إليها ولم يحسنوا .. فأثاروا حولها الشبهات دون شبهات!! .. ونادو بتحريرها من قيود الإسلام التي كبلها بها .. زعموا ... باطلاً وزوراً.
قالوا إن الإسلام لم ينصفها .. واضطهدها وانتقصها حقوقها .. وتشعبت بهم الطرق ... طرق الضلالة .. فذهبوا في كل واد وناد يدعون لتحريرها !! .. تحريرها مماذا ؟! .. مما يصون كرامتها، ويحفظ عزتها، ويدعون الحرص على إعطائها كافة حقوقها ومساواتها بالرجل في كل شيء !! .. فهل حقاً ما ذهبوا إليه ؟! .. لندع التاريخ بحقائقه يرد على شبهاتهم وإفتراءاتهم .. ولننظر ماذا قدم الإسلام للمرأة .. وماذا قدم غيره من المناهج المختلفة والشرائع المتباينة .. وبمقارنةٍ سريعةٍ .. بين حالة المرأة في الشرائع المختلفة، وحالتها في شريعة الإسلام الغراء .. يمكن أن تتضح الصورة وتظهر الحقائق ..
فعند اليونان .. ماذا كانت؟ .. في أول عهدها كانت محتقرة مهينة حتى جعلوها رجساً من عمل الشيطان .. كانت كسقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق ! .. محرومة من حق الميراث والتملك ولا أهلية لها .. يقول فيلسوفهم سقراط: " إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم .. إن المرأة تشبة شجرة مسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً "! ..
ثم في أوج حضارتهم تبدلت المرأة، واختلطت بالرجال، وشاعت الفاحشة .. حتى أصبح الزنا علناً .. واتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن! .. وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً لها عشاق!! .. وأفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد!! .. فماذا كان المصير؟ سقطت اليونان، وانهارت حضارتها، وزالت .. ? وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ?[هود:102].(14/291)
أما عند الرومان .. فلم تكن بأحسن حالاً منها عند اليونان .. إذ كان الشعار عندهم فيما يتعلق بالمرأة " إن قيدها لا ينزع، ونَيْرَها لا يخلع " .. وكان الأب غير ملزم بضم أبنائه إليه .. وله أن يضم لأسرته من الأجانب عنها ما شاء .. ويخرج منها من أبنائه ـ عن طريق البيع ـ ما شاء!. وكانت سلطة رب الأسرة على أبنائه وبناته وزوجته وزوجات أبنائه تشمل البيع والنفى والتعذيب وربما القتل أحياناً ! .. حتى جاء قانون "جوستيان عام 565م" فجعل سلطة الأب تأديبية فقط ..
وليس للمراة عند الرومان أية حقوق أهلية أو مالية بل لم يكن لها التصرف في مالها الخاص .. فهو يخضع لأبيها ثم للوصي الشرعي عليها من بعده .. فهى في حالة رق مدى حياتها .. تنتقل من رق أبيها إلى رق زوجها ..
وعندهم في قوانين الألواح الاثنى عشر أن فقدان الأهلية هي السن والحالة العقلية والجنس ـ أى الأنوثة ـ ولذا كانوا يفرضون الحجر عليها لأنوثتها !!!
هذا في حين أننا نجد المرأة عند الصينيين القدماء مشبهة بالمياه المؤلمة تغسل السعادة والمال وكان للصيني الحق في بيع زوجته أو دفنها حية، وإذا مات تورث لأهله!.
بينما نجدها في قانون حمورابي في عداد الماشية المملوكة .. فمن قتل بنتاً لرجل أعطاه ابنته ليقتلها أو يتملكها.
أما عند اليهود ففي شريعة مانو أن المرأة لا تعرف السلوك السوى ولا الشرف ولا الفضيلة وإنما تحب الشهوات الدنسة والزينة والتمرد والغضب، لذا لم يكن لها الحق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، وهي قاصرة طيلة حياتها، بل لم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها فهي تحرق معه حية على موقد واحد يوم وفاته وإلا .. عادت لاتعامل كإنسانة .. فقد كانوا ينظرون إلى المرأة التي لا زوج لها على أنها منبوذة ومدنسة لكل شيء تمسه .. والمنبوذ عندهم في رتبة الحيوان ! ..
وفي شرائع الهندوس يقولون: ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعى والنار أسوأ من المرأة .. فيا عجباً .. كيف جعلوا المرأة بلية فوق كل بلية .. !
وفي شريعة الفرس أبيح الزواج من المحارم كالأمهات والأخوات والعمات والخالات .. إلى آخره .. وكانت تحت سلطة الرجل المطلقة .. يحق له أن يحكم عليها بالموت .. أو ينعم عليها بالحياة!! .. وكانت تُنْفى أيام الحيض إلى مكان بعيد، لا يجوز لأحد مخالطتها! ..
ثم نادى " مزدك " فيهم باقتسام الأموال والنساء والمتعة، فشاعت الفوضى وعم الدمار .. وأصبح الرجل يدخل على نساء غيره .. حتى صار لا يَعْرفُ الرجل منهم ولده .. ولا المولود يعرف أباه فماذا عنها ؟ .. انهارت وسقطت ? فَهَلْ تَرَى لهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ? [الحاقة ـ آية :8]
وعند اليهود كانت تعتبرها بعض الطوائف في مرتبة الخادم .. ! وكان لأبيها الحق في بيعها قاصرة، وهي لا ترث إذا كان لأبيها بنون ..
واليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم .. جاء في التوراة (المحرفة): " المرأة أمرّ من الموت ".
وعندما يصيبها الحيض لا يجالسونها ولا يؤاكلونها، بل يعتبرونها نجسة، وكل ما تلمسه من طعام أو إنسان أو حيوان نجساً .. فبعضهم يطردها خارج البيت حتى تطهر .. وبعضهم ينصب لها خيمة يجعلها فيها ويضع أمامها خبزاً وماءً .. !!
فتأمل مدى القسوة التي كانت تعامل بها في أيام تكون فيها مضطربة النفس .. ومحتاجة إلى شيء من العطف والرفق ..
وفي النصرانية هال رجال المسيحية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش وما آل إليه حالهم من انحلال أخلاقي شنيع، فاعتبروا المرأة باباً للشيطان، وأنها مسئولة عن هذا كله لاختلاطها بالرجال في فوضي شديدة .. فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه .. وأن العلاقة بالمرأة رجس في ذاتها .. !
قال أحد قديسيهم ويسمى ترتوليان: " إنها مدخل الشيطان إلىالنفس، ناقضة لنواميس الله .. مشوهة للرجل " .. !
وقال آخر ويُسمى سوستام: " إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة ".
وكان من المضحكات المبكيات أن يجتمع مجمع " ماكون " ليبحث فيما إذا كانت المرأة مجرد جسم لا روح فيه أم لها روح ؟!!
ثم انتهوا إلى أنها خلو من الروح الناجية " أى من عذاب القبر " .. عدا مريم أم المسيح عليهما السلام ..
ثم عقد الفرنسيون عام 586 للميلاد مؤتمر للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟! .. وأخيراً قرروا أنها إنسان خُلق لخدمة الرجل فحسب !
ثم أصدر البرلمان الإنجليزى في عصر هنري الثامن قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ " العهد الجديد " لأنها تعتبر نجسة .. !!
وفي سنة 1500 للميلاد شُكل مجلس إجتماعي في بريطانيا خصيصاً لتعذيب النساء .. وكان ضمن مواده .. تعذيبهن وهن أحياء بالنار !!.. وذلك في القرن الخامس عشر!
ومن الظريف أ ن القانون الإنجليزي عام 1805 للميلاد وكان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات ـ يعنى نصف شلن ـ فما أرخص المرأة عندهم ! ..(14/292)
أما القانون الفرنسي الذي وُضِع عقب الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثاني عشر والتي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة، فقد نص على أن المرأة ليست أهلاً للتعاقد ! .. كما نص على أن القاصرين الذين يحجر عليهم هم: الصبى المجنون والمرأة .. واستمر الحال كذلك حتى عام 1938 حتى عُدل ! ..
وإذا نظرنا إلى حالة المرأة عند العرب قبل الإسلام فسنراها مهضومة في كثير من حقوقها ، ليس لها حق الإِرث .. فقد كانوا يقولون: " لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمى البيضة " .. ولم يكن لها على زوجها أى حق ، وليس للطلاق عدد معين .. ولا لتعدد الزوجات عدد محدود ..
وإن مات الرجل عن زوجته وله أولاد من غيرها .. كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه " نكاح المقت " ويعتبرها إرثاً كبقية أموال أبيه، إن شاء ألقى عليها ثوباً؛ إظهاراً لرغبته في زواجها .. أو يتركها لأهلها، أو يحبسها حتى تفتدى نفسها، أو تموت فيذهب بمالها ..
أما بعض القبائل فكانت تتشاءم من ولادة الأنثى فتئذها؛ إما خشية العار أو خشية الفقر .. وكانت هذه العادة منتشرة في "بعض" القبائل فقط ، منها ربيعة وكِندة وتميم وطييء .. ومنهم من دفن في الجاهلية إحدى عشرة بنتاً موؤودة ! ..
وكان عندهم أنواع من الزواج بغيضة فاسدة .. أبطلها الإسلام جميعاً ما عدا الزواج الراقي التي كانت تُعرف به قريش من خطبة ومهر وعقد فقد أقره الإسلام مع إبطال بعض العادات الظالمة للنساء فيه من استبداد في تزويجهن كرهاً أو عضلهن أو أكل مهورهن ..
وما كانت المرأة العربية تفتخر بشيء قبل الإسلام على أخواتها في العالم كله سوى حماية الرجل لها، والدفاع عن شرفها، والثأر لامتهان كرامتها .. وهذا لم يكن عند كل العرب ؛ وإنما كان من بعض القبائل دون غيرها.
أما المرأة في الإسلام .. فما أجلَّ الإسلام .. وما أجلَّ شريعته وأحكامه .. فلم يعتبرها جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون ـ ولكنه قرر أنها بين يدى الإسلام قسيمة الرجل ..
وبداية .. قرر أنها والرجل في الإنسانية والكرامة والأهلية سواءّ بسواء .. قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ?[النساء:1] .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنما النساء شقائق الرجال] رواه أحمد و الترمذي وأبو داود عن عائشة.
وقد وردت آيات كثيرة تساوى الرجال بالنساء في الإنسانية .. كما وردت الآيات تساويهن بالرجال في الإيمان .. والجزاء والمثوبة، قال تعالى: ? فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ?[آل عمران:195] .. ? وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَ ?[التوبة:72].
ثم إن الإسلام كرمها وليدةً .. وصبية ً .. وأختاً .. وزوجاً .. وأمّاً. والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة .. ولو ذهبنا نعدد الآيات والآحاديث التي جاءت توصي بالمرأة خيراً منذ ولادتها حتى مماتها .. ومن ترغيب الأب في رحمتها وحسن رعايتها وتأديبها ابنة .. وحفاظا على كرامتها وصونها أختا ًوحسن عشرتها والإحسان إليها زوجة .. والشفقة بها والحنو عليها والتلطف والتأدب معها أمّاً .. لفاض الكلام واتسع .. ولكن حسبنا التنويه بالحقائق والثوابت ..
فمن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة ابنةَ ابنته زينب وهو يصلى .. والصلاة من أجلّ العبادات .. ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم: [ استوصوا بالنساء خيراً ] (متفق عليه)، وعن عائشة رضى الله عنها قالت: [ ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً قط ولا امرأة ] (رواه مسلم) .. فأين هذا من إهانتها وتعذيبها وضربها في الشرائع السابقة التي أوردتها ..
ثم إن الإسلام جعل لها الحق في الميراث .. خلافاً للشرائع الأخرى، وجعل لها الأهلية الكاملة في التعامل والبيع والشراء والتصرف في أموالها، ولها حق التملك ولم يحجر عليها كما في الشرائع الأخرى ..
ثم جعل كرامتها مثل كرامة الرجل سواءً بسواء .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لأم هانيء بنت أبي طالب ـ وقد أجارت رجلين من أحمائها قد استوجبا القتل ـ [ قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء، وأمّنّا من أمّنت ](رواه البخارى بنحوه).
أما مراعاته لمشاعرها ونفسيتها ففي هذا يفيض الكلام فانظر كيف كان يعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض .. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:[ كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله للنبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ](رواه مسلم).(14/293)
وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم [ كان يتكيء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن ](متفق عليه) .. وهذا خلافا لمن يعدونها نجسة .. ويطردونها من البيت إن حاضت .. فتأمل .. حتى في آخر خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أوصى بالنساء خيراً .. وكان آخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كلمات، ظل يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه صلى الله عليه وسلم جعل يقول:[ الصلاة الصلاة .. وما ملكت أيمانكم، لاتكلفوهم مالا يطيقون .. الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم ](رواه النسائي وابن ماجه).
فهل هناك مقارنة بين ما أكرمها به الإسلام وبين ما كانت عليه من امتهانٍ وضعة ؟!
ألم ترى أن السيف يصغر قدرُه إذا قيل: إن السيف خيرّ من العصا ؟!
===================
دور المرأة في الإصلاح
الشيخ/محمد حسين يعقوب
أهمية الوقت لدى المرأة وأضرار إضاعته :
لقد جرت العادة في أكثر بلاد المسلمين أن تخصص المرأة فترةً بعد العصر لاستقبال صديقاتها ،أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ ، وأياً كانت الحال فلا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها. فاستعدادات فوق العادة، تستنزف الجهد ، وتضيع الوقت ، وتبعثر المال. وتحول يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف ، وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله.
ولو سُئلتْ غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة؟ لكان أحسن ما يفصحن به إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه ؟ ومتى السؤال؟ إنه يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله.
عن أبي بردة - رضي الله عنه - أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟ ) .
ومن السائل؟ إنه رب العالمين الذي خلق الجن والإنس لعبادته لا للهو ولا للتسلية؛ ? لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ ? [الأنبياء:17 ].
فماذا نقول لرب العالمين؟ إذا سألنا عن الوقت المهدور الذي إن لم يخل من المحرمات فلا يخلو من لغو الكلام والثرثرة التي ذمها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون المتشدقون والمتفيهقون ) .
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءاً لا يعوض من حياته، وجديرٌ أن تطول عليه حسرته ، وهل الوقت للمرأة وحدها؟! أين حق الزوج والأولاد؟ ومتى تؤدي حقوق مجتمعها وأمتها الإسلامية؟
لمن تترك مهمتها إذا كان همها الخروج من البيت واللهو الفارغ؟ وقد تقول إحداهن: إنها أدت واجباتها، ظناً منها أن مهمتها محصورة في التنظيف وإرضاء الزوج والإنجاب ، وإن التفتت إلى تربية من أنجبتهم فقد لا يتعدى اهتمامها إطعامهم وكسوتهم المناسبة ودراستهم المتفوقة.
لا يا أختاه ، فأنت مربية الأجيال ، وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال ، إن واجبي وواجبك التربية الرشيدة لأبنائنا ، وإعدادهم إعداداً إسلامياً يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود.
فإن تركتُ وإياكِ أبناءنا والتفتنا للتسلية فقد خلفنا أبناءً هم الأيتام حقاً رغم وجود أبويهم ،إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً ، بل من فقد والديه بالموت قد يجد من يشفق عليه ويرعاه ويحنو عليه،أما من فقدهما في اللهو عنه فأنى يجد من يرحمه ويفطن لمأساته ، فالمرأة المشغولة بنفسها دائماً لن تجد الوقت الكافي للإشراف على فلذات كبدها وتوجيههم ومتابعتهم والأنس بهم ، مما يساعدها على أداء رسالتها وإرضاء ربها.
صحيحٌ أن الدنيا - هي دار الامتحان - مليئة بالمتاعب والصعاب وفي اللقاء تسلية ومؤانسة... لكن هل التسلية غاية من تشعر أنها على ثغر من ثغور الإسلام ، فلا يؤتى من قبلها؟ أم هي غاية العابثات؟ أما وإن الترويح ضروري بين الفينة والأخرى فليكن على غير حساب الأخريات وأوقاتهن...!!
كثيراً ما نشكوا من غزو أعدائنا الفكري ... وأننا مستهدفون محاربون، فهل أعددنا العدة لمجابهتهم، أو على الأقل هل حصَّنا أنفسنا ضدهم روحياً وثقافياً لنطالب بالتسلية؟ ولا تنصر الدعوات وتنتشر بالتشكي والأسى.
إن ما نعانيه يوجب علينا أن نراعي واقعنا على أسس إسلامية لنستطيع النهوض من كبوتنا ، وإلا ستبقى آمالنا سراباً وأمانينا حلماً نرجوا أن يتحقق ، وهيهات أن يتحقق بدون عمل وجهد وجهاد. ? والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ? [العنكبوت:69 ].(14/294)
إن العقوبات التي يوقعها الله في أمتنا ما هي إلا لتخاذلنا عن نصرة ديننا وعدم القيام بواجبنا ، والانهزامات التي أصابتنا قد ساهمت بها المرأة من حيث لا تدري ، يوم بدأ دورها ينحسر وتخلت عن القيام بواجبها كما ينبغي في التربية والتنشئة والتعليم.
وهذه الحقيقة المؤلمة التي تدمي القلب وتحز في النفس ، تدفعنا في الوقت نفسه إلى الاستفادة من أوقاتنا للقيام بمهمتنا التي سنسأل عنها: ( المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ) .
فلنقم بواجبنا في تربية رجال وأمهات المستقبل ثم لنلتفت إلى التسلية. هذا وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم- دلنا على طريقة لإبعاد الهم عن النفس ألا وهى توثيق الصلة بالله ، نقبل عليه بالطاعات، ونجعل همنا الدار الآخرة، فما الهم إلا نتيجة الحرص على الفانية.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له ).
ولقد قال تعالى مبيناً مدى الضيق والضنك ، والعيش النكد الذي يكون فيه الغافل المعرض عن ذكر الله، وذلك في الدنيا قبل الآخرة: ? ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ?124? قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وقَدْ كُنتُ بَصِيراً ?125? قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى ? [طه:124 ـ 126 ]
فلنجعل غايتنا رضا الله تعالى، وسبيلنا اتباع شريعته، عندها نشعر أنه لا فراغ يثقل على النفس ويجلب الهم والحزن، بل أوقاتنا معمورة بذكر الله وطاعته، والحياة كلها تصبح عبادة وقُربة، واستفادة من كل لحظة في حياة الإنسان عملاً بقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك ).
وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال: « رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فَهُمْ في تعبئة الزاد للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة » .
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا؟! وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة أكثرهم ، والتبرم بالحياة سبباً في أمراض نفسية غريبة ، وصار الضيق والهلع من المجهول شبحاً يطارد ضعاف النفوس والإيمان؟!
إن أساليبهم في اللهو وإضاعة الأوقات تفوق الخيال: فبعد السهر والسحر - على شتى البرامج في وسائل اللهو الحديثة المحرمة والمباحة- النوم حتى الضحى ، واللهاث بقية النهار للدنيا فقط ، وفي أعمال الدنيا.. وكثرة النوم والتناوم هو شأن الخاملين اللاهين. أما الجادون فيحرصون على أوقاتهم حرص الشحيح على ماله أو أشد حرصاً. حقاً: « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ » .
أيهما أفضل المخالطة أم الانفراد؟
وكأني بك أختي المسلمة تتساءلين: وهل هذا يعني البعد عن الناس وعدم الاختلاط بهم؟
إن اختيار المخالطة مطلقاً خطأ ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ ، والإسلام دين تجمع وألفة ، والاختلاط بالناس والتعارف بينهم من تعاليمه الأساسية ، وقد فضل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ- المسلم الذي يخالط الناس على ذلك الذي هجرهم ونأى عنهم: « المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم » وكيف يكون الإحسان للجيران والأقارب إلا بمواصلتهم ومعرفة أحوالهم؟(14/295)
فكم من زيارة دلت على خير في الدنيا والآخرة مسحت بها المسلمة آلام أختها المصابة، تقوي عزيمتها، تشد أزرها وتدفعها إلى الصبر ، تحس عندها حسن الظن بالله وقرب الفرج، تشاركها أفراحها، تعلمها ما تجهله من أمور الدنيا والدين ، تتناصح وإياها وتتشاور لما فيه خيرها وخير المسلمين. أما المخالطة العشوائية التي لا يأبه لها كثير من النساء فما هي إلا مظهر من مظاهر انهزام المرأة وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأسرية، وهروب من التبعات المنزلية لتمضي مع صويحباتها فترة لهو ولغو. وهى حالة مرضية من حيث الهدف والمضمون. فحري بنا أن نسعى حثيثاً للعلاج قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله. ? ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ?27? يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ?28? لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُول ? [الفرقان:27-29 ].
ولما للمرأة من مكانة عظيمة في توجيه الناشئة وغرس العقيدة الصافية في نفوس الأبناء، أجيال المستقبل، كان لابد من محاولة جادة للاستفادة من وقتها وعدم إضاعته سدى في مجاملات تافهة ، ومظاهر فارغة.
لقد كانت المرأة أماً وزوجة خير عون على الخير لما تطلعت نحوه ، وشر دافع نحو الخراب والدمار لما سعت إليه. كانت مطية للأفكار الهدامة في القرن العشرين ، وستكون مشعل نور للأجيال إن تمسكت بعقيدتها ودينها.
واللهَ أسأل أن يجعل هذه المحاولة لبنة تعين الأسرة المسلمة على إكمال رسالتها ،وأن يلهم مسلمة عصرنا رشدها لتعود كسالفتها الصالحة مرشدة لكل خير وفضيلة.
استئذان الزوج في الخروج :
إن الإسلام يأمر بالنظام في كل الحالات، في العادات والمعاملات، في السفر والحضر، فإذا خرج ثلاثة في سفر دعا إلى تأمير أحدهم ؛ لذلك وتنظيماً للمجتمع فقد جعل قوامة الأسرة للرجل ، فهو أقدر على القيام بهذا الاختصاص من المرأة ، إذ جعل مجالها الطبيعي يتناسب مع فطرتها النفسية وتكوينها الجسمي، وهو إمداد المجتمع المسلم بالأجيال المؤمنة المهيأة لحمل رسالة هذا الدين.
ولا أحد ينكر فضل الاختصاص من حيث قلة الجهد ، وجودة المردود ، سواء في النواحي المادية أو الإنسانية، هذه الرئاسة والقوامة تقتضي وجوب طاعة المرأة لزوجها، وقد جاء في الفتاوى لابن تيمية: « والمرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها ، وطاعة زوجها أوجب، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ، إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسك و مالك ) .
وفى الترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة ) وقال الترمذي: حديث حسن.
وقد ورد أيضاً في المسند وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان عن ابن أبى أوفى قال : لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذا يا معاذ ؟ قال: أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: ( لاتفعلوا ذلك، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه ) .
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبواها عن طاعته في ذلك فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها.
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله أو أمرها بما نهى الله عنه لم يكن لها أن تطيعه في ذلك ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
هذا: وطاعة الزوج ليست تسلطاً منه، ولا امتهاناً للمرأة، وانتقاصاً لشخصيتها، إنما هي من طاعة الله والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز بها ... وهذا ما يميز المسلمة الواقفة عند حدود الله عن العابثة المتسيبة، التي لا أب يردها ولا زوج يمنعها، تخرج من البيت متى تشاء وحيث تشاء ، فتزرع هذا الشر لتحصد الندامة فيما بعد بمشاكل لا تنتهي ، واتهامات كثيرة ، وواقع مرير ، ونتائج وخيمة ، ولا ينجي من ذلك إلا العودة إلى تحكيم شرع الله : ? ولَهُنَّ مِثْلُ الَذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ?[البقرة:228]، وهذه الدرجة هي قوامة الأسرة.
ولا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها ، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً أو لكونها قابلة أو غير ذلك من الصناعات ، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزاً عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة.(14/296)
وهكذا فخروجها للعمل بغير إذن زوجها نشوز عن طاعة زوجها وعصيان لله ولرسوله فكيف إذا خرجت للتزاور أياً كان السبب ؟!! ولو كان ذلك لزيارة والديها المريضين.
للزوج منعها من الخروج من منزلها إلى ما لها منه بد ، سواء أرادت زيارة والديها ، أو عيادتهما ، أو حضور جنازة أحدهما. قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها ، إلا أن يأذن لها .
وحتى الخروج للعبادة تحتاج معه إلى إذنه فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد للعبادة فأذنوا لهن ).
وعن ابن حبان من حديث زيد بن خالد : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) قال القسطلاني : أي إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن ، وذلك هو الأغلب في ذلك الزمان ، بخلاف زماننا هذا الكثير الفساد والمفسدين وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ: ( لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن )، وحديث عائشة - رضى الله عنها- في منع النساء علقته على شرط ( لو رأى رسول الله ما أحدثته النساء ).
وفى رواية عند البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما- مرفوعاً : ( إذا استأذنت امرأة أحدكم ـ أي أن تخرج إلى المسجد أو ما في معناه كشهود العيد وعيادة المريض ـ فلا يمنعها ).
قال القسطلاني: وليس في الحديث التقييد بالمسجد ، إنما هو مطلق يشمل مواضع العبادة وغيرها.
ومقتضى الحديث : أن جواز خروج المرأة يحتاج إلى إذن الزوج .
أما قول القائل : إنهن لا يخرجن من بيوتهن مطلقاً لقوله تعالى :? وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ? فليس بحجة له بدليل قوله تعالى بعدها : ? ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ? والمقصود به عند خروجهن.
ومعنى هذه الآية : الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى . هذا لو لم يرد دليل يخصص جميع النساء ، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة .
وليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقاً ، وإنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن وهو المقر وما عداه استثناءً طارئاً لا يثقلن فيه ولا يستقررن وإنما هي الحاجة وتقضى بقدرها .
وقد عرف عن أمهات المؤمنين والصحابيات أنهن كن يخرجن في حوائجهن وللمشاركة في الغزو.
فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى .
وفيه خروج للنساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة لمحارمهن وأزواجهن وغيرهم مما لا يكون فيه مس بشرة إلا موضع الحاجة.
وهذه أم عمارة تحدثنا حديثها يوم أحد : (خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والريح والدولة للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون ، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسيف وأرمى بالقوس حتى خلصت إلّى الجراحة ).
وعن عمر - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا ورأيتها تقاتل دوني ) .
وتستأذنه - صلى الله عليه وسلم- أم سنان الأسلمية في الخروج إلى خيبر للسقيا ومداواة الجرحى فقال لها عليه الصلاة والسلام: ( فإن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك ومن غيرهم فكوني مع أم سلمة ).
وفي خيبر أيضاً عن امرأة من بني غفار قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار فقلنا : يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال : ( على بركة الله ) فخرجنا معه.
حتى المقعدة فلها الخروج في حوائجها نهاراً ، سواء كانت مطلقة ، أو متوفى عنها ، لما روى جابر قال: طُلقتْ خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا ).
وروى مجاهد قال : استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم : ( تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها ) .
ويدخل الرسول - صلى الله عليه وسلم- على عائشة - رضى الله عنها- وعندها امرأة قال: ( من هذه ؟ قالت: فلانة ، تذكر من صلاتها، قال: ( مه ، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا، فكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه ) [أخرجه البخاري في كتاب الإيمان].(14/297)
كما طلب من الشفاء – وهى من المهاجرات الأول وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم- وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن – قال لها صلى الله عليه وسلم : « علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة».
وكيف يكون تعليمها إلا بلقائها معها وخروجها إليها ؟!!.
فهذه كلها حالات تخرج فيها المرأة بمعرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم- وإقراره بخروجها أو أمره وإذنه الصريح به ، فلو كان المقصود بالقرار في البيت عدم الخروج المطلق لنهى عن الخروج ولما أذن به.
ثم إن الحبس الدائم للمرأة في البيت ما هو إلا عقوبة شرعية - كان قبل أن يشرع حد الزنا فنسخت هذه العقوبة بالحد الشرعي – أقول: كان الحبس في البيوت للمرأة التي تأتي الفاحشة وذلك لقوله تعالى : ? واللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيل ? [ النساء:15 ].
أما المرأة العفيفة الملتزمة بأحكام دينها ، والتي تراقب الله تعالى في حركاتها وسكناتها فهي تقدر شرف مهمتها وعظم مسئوليتها : إنها إن قرت في بيتها فهي في عمل واعٍ يقظ ، لا فراغ اللاهيات ولا تفاهة العابثات من ربات الفيديو والأزياء والسينما...
إنها تعد لأمتها الإسلامية أبطالها الذين يستعيدون مجدها فتربيهم على الاعتزاز بقيم الإسلام ليفدوه بأنفسهم إن واجههم الخصوم ، ويعملون وسعهم لإعلاء كلمة الله.
وإن أرادت الخروج من بيتها فلن يكون ذلك إلا إن كانت المصلحة الشرعية في الخروج راجحة عنها في البقاء.
وإن خرجت : فبالحدود المشروعة وبالطريقة المشروعة ، تستأذن الزوج المسلم ولا تخرج بغير إذنه ، وإلا اعتبرت عاصية لمله ولرسوله ، وبالمقابل فزوجها المسلم يرعى الله فيما ائتمنه ، فيحرص على أن يبعدها عن الشبهات ومواطن الزلل. ويأخذ بيدها إلى كل خير ، ليشاركها أجرها سواء كان زيارة أقاربها وصلتهم أو بر والديها ، أو صلة أخواتها في الله ، أو العلم المشروع.
أصل بناء البيت:
ثم إن الأصل أن ينبني البيت المسلم على المودة والرحمة ، لا الغلظة والتسلط. فالزوج والزوجة كلاهما يحكم الشرع ويزن الأمور بمقياسه ، فلا يتعسف الرجل في استعمال حقه الذي منحه الله إياه ويحفظ وصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالمرأة : ( استوصوا بالنساء خيراً ) وبالمقابل لا يجمح الهوى بالمرأة ولا تستكبر عن طاعة زوجها فتكون في عداد النواشز .
أما عند عدم الزوج لوفاته ، أو لعدم زواج المرأة. فتستأذن أبويها وهذا من برهما وحسن صحبتهما فهما أحرص الناس على حسن سمعتها وجلب الخير لها.
إن المؤمنة حيثما جالست غيرها تحرص على أن لا تقذف بكلامها دون تمحيص ، فهي تسعى لتكون أقوالها فضلاً عن أفعالها في ميزان حسناتها.
لذا تتواصى مع أخواتها المؤمنات بكل ما فيه خير وصلاح ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وإن لمست نفوراً وشقاقاً بين البعض منهن فهي تعمل على إصلاح ذات البين ، وإطفاء نار العداوة ، تتمثل قوله تعالى : ? لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ? [النساء 114].
المتأمل في هذه الآية يجد أن غالبية النجوى لا خير فيها إلا هذه الثلاث :
1- الأمر بالصدقة.
2- الأمر بالمعروف ، ونجمعهما تحت عنوان الدلالة على الخير.
3- الإصلاح بين الناس.
ومن تكلم بها أو بأحدها فهو في قربة إلى الله تعالى ، بل وكلامه من أفضل الذكر، فقد قال ابن تيمية رحمه الله:
” إن كل ما تكلم به اللسان، وتصوره القلب ، مما يقرب إلى الله ، من تعلم علم ، وتعليمه ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، فهو من ذكر الله ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع ، بعد أداء الفرائض ، أو جلس مجلساً يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهاً فهذا أيضاً من أفضل ذكر الله “ .
1
- الدلالة على الخير :
فإذا رزقك الله فهماً وعلماً ، أو قوة وعافية ؛ فاستخدميها لمعاونة المسلمين وتسهيل حاجاتهم ، سواء بعملها بيدك ؛ أو بتعليمها غيرك ، فما ذلك إلا زكاة الصحة التي حباك الله إياها.
( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) .
إن كثيراً من بلادنا المسلمة مليئة بالأزمات الاقتصادية بسبب القحط أو الحروب. وتنشط المؤسسات التبشيرية والشيوعية للاستفادة من تقصيرنا جميعاً ، فتستغل آلام المكلومين لتقدم لهم الغذاء واللباس والدواء طعماً لجذبهم به لمصيدتها ، وتعمل جاهدة بكل الوسائل لجلبهم لساحتها ، بتربية أبنائهم أو تعليمهم أو تطبيبهم...(14/298)
فهلا استفدنا من زياراتنا ووقتنا الضائع؟! فتدارسنا أحوال أمتنا ، وعلمنا بعضنا أن نخيط الثياب التي تستر عورات أخواتنا المسلمات المحتاجات.
ولنصنع من الطعام ما يمكن أن يرسل لهن. ولنثبت أننا المسلمات اللاتي يهمهن أمر الأمة المسلمة. لا الدمى المتحركة التي تُزين لتلهي من حولها وتبعد عن جادة الصواب.. فهل النصرانيات أقدر منا؟؟ أم أنهن أكثر تضحية وإيماناً؟ نحن حفيدات عائشة وخديجة وأسماء ، أولسنا أجدر أن نضحي من أجل حقنا الأكيد أكثر من تضحيتهن من أجل باطلهن؟.
ويتامى المسلمين؟! من ينجينا من الإثم إذ يُحملون إلى البلاد الشيوعية أو النصرانية ليربوهم على دينهم؟.
ماذا نقول غداً لرب العالمين إن سألنا عنهم وعن تفريطنا وتقصيرنا في حقهم؟
أفلا يجدر بنا أن نتكفلهم؟ وماذا لو ضمت الأسرة إليها فرداً أو اثنين لتنشئتهم (لا تبنيهم فهو محرم ) وتربيتهم؟.
أو إن عملت الجمعيات الخيرية المسلمة لرعايتهم ، وساهمت المرأة المسلمة بما تستطيع ، سواء بالمادة أو بالجهد الذي تقدر عليه ، من عمل يدوي أو تعليمي أو توجيهي؟!
قد يقال : إن هذه أعمال ضخمة لا تقدر عليها جهود فردية قليلة المورد.
? إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ? [الرعد 11] فهذه الفكرة إن اقتنعت وإياي بها وأقنعت في زيارتك صديقتَك المؤمنةَ وجارتَك المسلمةَ لابد وأن نحقق خيراً كثيراً للمسلمين ، ونكون قد ساهمنا معاً في النهضة الإسلامية.
ولاشك أن ذلك مطلب شرعي بدلاً من أن تظل المسلمة مجال تنافس الدول لتلهيها عن رسالتها بمستحضرات التجميل ، وأدوات الترهل والترفيه.
وبذلك نكون قد ارتقينا بزياراتنا عن اللغو إلى التناصح لما فيه خيرنا وخير المسلمين ، وفي عملك ذلك أجر الصدقة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: ( الإيمان بالله، والجهاد في سبيله. قال: قلت: ثم أي الرقاب أفضل؟ قال : أنفسها ثمناً عند أهلها وأكثرها نفعاً. قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال : تعين صانعاً أو تصنع لأخرق ) .
فلك في معاونتك لأختك المسلمة أياً كانت تلك المعاونة الثواب الجزيل فعملك من أفضل القربات.
فإن كانت مريضة أعجزها المرض عن أداء مهمتها تساعدينها في تعليم أولادها الصغار ، أو عمل طعام لهم، أو ترتيب بيتها وتنسيقه بدل أن تكون زيارتها للكلام والتسلية فحسب.
وإن كانت نفساء أمضَّها ألم الولادة : تقومين على رعايتها ورعاية وليدها. فهذا أجر قد ساقه الله إليك، ولا يقدر عليه غيرك، وإن كانت جاهلة بفنون المنزل، أو حتى في التعامل الاجتماعى تعلمينها وتنصحينها فالدين النصيحة، ولك في كل ذلك أجر الصدقة، ولنذكر معاً حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) .
فلنكن في حاجة أخواتنا المسلمات، والله معنا في قضاء حاجاتنا وتفريج كرباتنا. وأينا تستغني عن غيرها؟! وإن استغنت الواحدة عن غيرها بأعمالها ، فلابد أن تحتاج إلى التناصح والمشاورة معهن.
فما أجدرنا نحن المسلمات الحريصات على حسن تنشئة أبنائنا ونراقب الله في تربيتهم ما أجدرنا أن نستفيد من فترة زياراتنا للتناصح في تربيتهم، وحل مشكلاتهم ليحل العمل والتوجيه محل الشكوى والأسى الذي لا يصحح خطأ ولا يغير واقعاً.
فإن أقلقنا أن نجد بعضاً من أبناء المسلمين يفوتهم الفكر الديني الواعي، أو لا يلتزم آخرون بالتعاليم الشرعية، أو لا يجيد الكثير منهم التعامل مع الآخرين ... فعلينا نحن المسلمات أن نسعى إلى تصحيح هذا الواقع المرير بكل ما نستطيع وبصبر وجلد.
ذلك أن التربية ليست أن تلقي الكلمة والتوجيه على أبنائنا ثم ننتظر الاستجابة، فالمغريات كثيرة لا تنتهي... والتربية طويلة وشاقة تبدأ من نعومة أظفارهم.
فلابد من الرعاية الدؤوب لهم دون ملل. نتابعهم باستمرار في جدهم وهزلهم، لعبهم ومذاكرتهم.
وبعد أن نعمل جهدنا لنكون القدوة الحسنة لهم في كل خلق فاضل كريم، نتناصح مع أخواتنا المؤمنات في حسن اختيار القصص المفيدة التي تثقف الطفل وتعده لحياته المستقبلة، وتربي وجدانه فيعرف كيف يعطي كل ذي حق حقه. ونبعده عن القصص الخرافية والبوليسية وكذلك عن البرامج الإعلامية التي لا تليق، ونسعى بالتشاور مع بعضنا لنحيط أبناءنا بالصحبة الطيبة التي تعينهم على الخير.
فالشر كالداء المعدي، سرعان ما ينتشر بالمخالطة. فنبعدهم عنه لنحفظ عليهم دينهم وخلقهم.
وهكذا نشحذ هممنا لتكون زياراتنا هادفة لما يرضي الله وينفع المسلمين.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله. أي الناس أحب إلى الله؟ قال: ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على قلب مسلم ) .(14/299)
فلنحرص على نفع المسلمات وإدخال المسرة على قلوبهن ، ولا نبخل بنعمة حبانا الله إياها أن نخدم بها مسلمة فنفرج بها كربتها ونعمل ما فيه مصلحتها ، وندعوها إلى اتباع الخير الذي نريده لأنفسنا، قال تعالى: ? والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [التوبة 71].
ولا تَقُلْ المسلمة: مالي وللناس، فإني أدعهم وشأنهم ولا أتدخل في خصوصياتهم . نعم ذلك في أمور الدنيا المباحة التي يستوي فيها عملها وتركها »فمن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه« أما ما فيه خطر محقق وحتى لو كان ذلك في أمور الدنيا، فالواجب النصح فالدين النصيحة.
إن المؤمنة عليها مهمة النصح والدعوة إلى دينها على قدر ما تستطيع، ومن روائع ما روته لنا السيرة ، قصة الصحابية الجليلة أم سليم.
(كانت أم سليم أم أنس بن مالك من السابقات للإسلام من الأنصار خطبها أبو طلحة قبل أن يسلم وبعد وفاة زوجها فقالت : يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده نبت من الأرض ؟ قال: بلى. قالت : فلا تستحي أن تعبد شجرة؟! إن أسلمت فإني لا أريد صداقاً غيره. قال: حتى أنظر في أمري. فذهب ثم جاء. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالت : يا أنس زوج أبا طلحة. فزوجه ).
إنه مهر كريم لامرأة داعية كريمة ، دعته إلى عبادة الله وحده ، والبعد عن الشرك به ، فشرح الله صدره وآمن فأكرِمْ به من مهر.
وما هلك بنو إسرائيل إلا لتركهم فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ? كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ? أما اعتزال الناس اعتقاداً بعدم صلاحهم، فهو كما يقال : آخر الدواء الكي ذلك أننا حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً أو أطيب منهم قلباً ، أو أرحب منهم نفساً ، أو أذكى منهم عقلاً لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً. لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة.
إن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروحِ الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع.
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العالية ، ومثلنا السامية ، أو أن نتملق هؤلاء الناس ، ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً. إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يطلبه هذا التوفيق من جهد هو العظمة الحقيقية .
وهكذا ... فبعد أن تتعهد المسلمة نفسها بالإصلاح فتلتزم السنة وتعض عليها بالنواجذ، تساهم بالدعوة إلى الخير بين النساء. وهذا واجب ديني تأثم إن قصرت به، مهما كان مستواها الثقافي، فتعمل بقدر طاقاتها وإمكانياتها، تأمر بالمعروف بلفظ لين وقول لطيف، والله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم: ? ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ? [آل عمران 159] ، ترفق بمن حولها، توقر الكبيرة وترحم الصغيرة ، ولا تنسى أنها صاحبة هدف جليل تسعى لتحقيقه بأسلوب يرضي الله تعالى ويؤدي للنتيجة التي ترجوها.
فكما يسعى أصحاب الأهداف الدنيوية لتحقيق أهدافهم، فيتحسسون مداخل نفوس من يتعاملون معهم، ليعرفوا كيف الوصول لغايتهم، يجب أن نكون نحن المسلمات أكثر اهتماماً بمعرفة من ندعوهن لتكون دعوتنا كما أراد الله تعالى:? ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? [النحل 125].
2- الإصلاح بين المؤمنات :
كما نجعل من زياراتنا مجالاً خصباً للإصلاح بين الناس ، فإن عمل الشيطان على إثارة العداوة بين المسلمات نزيلها بالإصلاح بينهن، فإن إزالة الخصام دليل سمو النفس التي تعمل على إشاعة المودة بين الآخرين، ليحل الوفاق محل الشقاق، والصلة مكان القطيعة، لذا كانت درجة من يصلح بين الناس أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة التطوع لا الواجبة .
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا : بلى. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) . ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( هي الحالقة: لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ).
ذلك أن الإفساد بين الآخرين يؤدي إلى القطيعة التي حرمها الشرع كما جاء في الحديث الشريف: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) .(14/300)
وقال - صلى الله عليه وسلم- منفراً من الشحناء والقطيعة ومبيناً سخط الله تعالى على المتقاطعين حتى يصطلحا: ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا ثلاثاً ).
فإن حصلت جفوة بين المسلمات نسارع إلى الإصلاح بينهن للتغاضي عن هفوة المخطئة، فإذا بالعيش صافياً بعد كدر ، والوداد عاد بعد الجفاء.
والواجب أن تقبل عذر من تعتذر، لا أن تشيح بوجهها بعيداً عن أختها ، إصراراً على مواصلة القطيعة، وعدم قبول العذر: إذ من شرار الناس من لا يقبل عثرة، ولا يقبل معذرة كما بين الرسول - صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ : ( ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله، قال: إن شراركم الذي ينزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رفده. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: من يبغض الناس ويبغضونه، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: الذين لا يقبلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغتفرون ذنباً، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا : بلى يا رسول الله : قال : من لا يرجى خيره ولا يؤمن شر5 ) .
وهكذا أختي المسلمة يتلخص دورك في الإصلاح في :
• إصلاح نفسك برفع الجهل عنها وتزكيتها بالعبادات والنوافل ، والزيادة في الطاعات يوماً بعد يوم .
• إصلاح شأن بيتك وتربية أولادك على الدين .
• إصلاح أخواتك المسلمات بأمرين :
• الدلالة على الخير .
• الربط بينهن بالصلح والزيارة .
وأخيراً .... اعلمي أنك مهمة جداً ولك شأن في هذه الأمة ، فلست على هامش الحياة أبداً ، بل أنت نصف الأمة وتلدين لنا النصف الآخر ، فأنت أمة بأسرها ، فبصلاحك وإصلاحك تنصلح الأمة ويتغير واقعنا ؛ فكوني - رعاك الله - على قدر المسئولية ؛ والجنة في انتظارك بإذن الله ..
=======================
دية المرأة نصف دية الرجل .. لماذا؟
كتبه : * عابدة فضيل المؤيد ...
تعلمين أن دية المرأة نصف دية الرجل، وتعرفين السبب بالتأكيد وهو: أن الدية ليست تقديراً لقيمة المقتول الإنسانية إنما هي تعويض مادي لا معنوي لأهل القتيل جزاء ما لحق بهم من ضرر مادي. ونظراً لأن الرجل هو المعيل والمنفق على الأسرة تضاعف ديته عن دية المرأة. فهل تعلمين ما يلي:
1 ـ هل تعلمين أن الدية لا تغني عن العقوبة الدنيوية شيئاً؟ فلابد من موت مَن تعمد القتل: «رضّ يهودي رأس جارية بين حجرين ... فلم يزل به النبي (ص) حتى أقره فرض رأسه بالحجارة». وهل تعلمين أن عقوبة القتل هذه نافذة في قتل الرجل والمرأة على السواء؟ فتقتل المرأة بالرجل، ويقتل الرجل بالمرأة مع أنها امرأة وهو رجل! قال بهذا أهل العلم ومنهم مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور، وذهب الجمهور إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة، وقد بسط الشوكاني البحث في نيل الأوطار، وعلق الحافظ ابن حجر: «أراد بأهل العلم الجمهور، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الرجل يقتل بالمرأة»، وذلك لأن المسلمين ـ ذكوراً وإناثاً ـ سواء في الإنسانية ولهذا تتكافأ دماؤهم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم على يد مَن سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، الا لا يقتل مؤمن بكافر».
وهل تعلمين ـ بمناسبة الكلام عن «القتل» ـ ما خصت به المرأة وما امتازت به عن الرجل (وإن كان هذا خارجاً عن موضوع الدية)؟ لقد كرم الإسلام المرأة ـ مشركة ومسلمة ـ وكان ذلك حين منع إهدار دمها، وأمر بعدم التعرض لها، إذ جاء النهي عن قتلها عند الغزو، قال بهذا مالك وأصحاب الرأي مستدلين بأحاديث منها: «وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله (ص) فنهى عن قتل النساء والصبيان»، وقال (ع): «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا امرأة». وذلك لعظم حرمة دماء المسلمين والمسلمات، وإن قتل مسلم واحد (ظلماً وعدواناً) يعدل عند الله قتل الناس جميعاً: (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) المائدة: 32. وقد بالغ الإسلام في حفظ حياة المرأة وإن كانت مشركة: «حتى قال مالك والأوزاعي: لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان، أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم. وعلق محمد رشيد العويد على هذا بقوله: أليس للمرأة غير المسلمة، بعد هذا، أن تفخر على قومها بأنها سبب لحمايتهم وحفظهم؟ وإذا كان الإسلام يحفظ حياتها ويحميها، وهي غير مسلمة، فإنه أكثر حفظاً لها وحماية لحياتها وهي مسلمة».(14/301)
2 ـ وهل تعلمين أن المرأة لا تكلف ـ مقابل تنصيف ديتها ـ بالمساهمة في أداء الدية إلى أهل القتيل، بل يكلف به العاقلة من الرجال، والغريب من هذا الحكم يسري ولو كانت هي القاتلة: «لا تدخل (المرأة) مع العاقلة فلا شيء عليها من الدية لو قتلت خطأ بخلاف الرجل فإن القاتل كأحدهم».
3 ـ وهل تعلمين أن المرأة التي أعفيت من أداء الدية تتشارك مع العاقلة في الإرث! فترث من دية قريبها المقتول.
4 ـ وهل تعلمين أنه لا توجد قيمة معينة موحدة للدية؟ وذلك لأنها ـ وكما مر ـ تعويض مادي، والتعويض المادي يقدر بقدره فتفرضه الظروف وتغيره أحوال الناس، وهذا ما قيل: «ومما يؤكد هذا المعنى أن قوانيننا الحاضرة جعلت للدية حداً أعلى وحداً أدنى، وتركت للقاضي تقدير الدية بما لا يقل عن الأدنى ولا يزيد عن الأعلى، وما ذلك إلا لتفسح المجال لتقدير الأضرار التي لحقت بالأسرة من خسارتها بالقتيل، وهي تتفاوت بين كثير من الناس ممن يعملون ويكدحون فكيف لا تتفاوت بين مَن يعمل وينفق على أسرته، وبين مَن يعمل ولا يكلف بالإنفاق على أحد، بل كان ممن ينفق عليه؟».
وهل تعلمين ماذا ينبني على تلك المقدمة؟ يتابع المؤلف السابق كلامه ليبين أمراً مهماً جداً: «أما في المجتمعات التي تقوم فلسفتها على عدم إعفاء المرأة من العمل لتعيل نفسها وتسهم في الإنفاق على بيتها وأطفالها، فإن من العدالة حينئذ أن تكون ديتها إذا قتلت معادلة على العموم لدية الرجل القتيل».(14/302)
5 ـ وهل تعلمين ما توصل إليه الباحث مصطفى عيد الصياصنة، ومن ثم ألف كتاباً سماه «دية المرأة، في ضوء الكتاب والسنة (تمام دية المرأة، وتهافت دعوى التنصيف) »؟ لقد توصل هذا الباحث في الصفحة 145 وما بعدها إلى ما يلي: «من دراستنا الموسعة والمستفيضة، لمسألة دية المرأة في الكتاب والسنة، والآثار الواردة عن بعض أفراد الصحابة والتابعين، إضافة إلى معالجتنا لطبيعة دعوى الإجماع والقياس، بخصوص هذه المسألة، فإننا نستطيع القول ـ وبكل الاطمئنان والثقة ـ : إن دية المرأة على مثل دية الرجل سواء بسواء وذلك لتضافر الأدلة والمرجحات، التي تؤكد هذه الحقيقة، وهي مجموعة أدلة ومرجحات يمكن إجمالها في الآتي: (1) إن الآية التي أثبتت مشروعية الدية في القرآن الكريم، شملت بإجماع الفقهاء والمفسرين الرجل والمرأة على حد سواء، ولم تفرق بينهما بشيء: (ودية مسلمة إلى أهله) ... لم يثبت ـ في السنة المطهرة ـ حديث واحد صحيح صريح، يدل على تنصيف دية المرأة .. فقد احتجوا بحديث معاذ بن جبل (رض)، الذي يقول: «دية المرأة على النصف من دية الرجل»، وقد حكم العلماء بضعفه (وذكر حديثين آخرين ثم تابع)، فتبين من ذلك كله، أن قولهم بتنصيف دية المرأة، لا يعتمد على حديث صحيح بالمرة، وهذه كتب السنة بين أيديهم فإن وجدوا فيها حديثاً صحيحاً صريحاً ـ واحداً فقط ـ يقول بتنصيف دية المرأة، رجعنا إلى قولهم، وإن لم يجدوا ـ ونحن متأكدون أنهم لن يجدوا ـ فالحق أولى أن يتبع، والدليل أجدر وأحق أن يقتفى .. ليس في الآثار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، أثر واحد صحيح صريح، ينص على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل ... وقد وقفنا عليها واحداً واحداً، وعالجنا أسانيدها، ولمسنا ما هي عليه من الضعف والوهي، وما قاله العلماء المحققون في توهينها والحكم بردها .. فتبين لنا من ذلك كله، أن القول بتنصيف دية المرأة لا يعتمد ولو على أثر واحد صحيح منقول عن الصحابة، فكيف بعامتهم ينسب إليهم انهم قضوا بنحو ذلك؟! إن ادعاء الإجماع علي تنصيف دية المرأة، إنما هو مجرد دعوى لا أكثر، إذ هو منقوض بالآتي: أ ـ عدم وجود نقل صحيح ثابت عن حصول مثل هذا الإجماع، ومتى كان وممن كان؟؟ .. ب ـ تعذر إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ـ بعد وفاة النبي (ص) وفي أواخر العصر الأول ـ على شيء من ذلك، لكثرتهم أولاً ولتفرقهم في الأمصار المتباعدة ثانياً، ولصعوبة الاتصال بهم ثالثاً .. لقد تبين لنا أنه لم يثبت عن بعض أفراد الصحابة أنهم قالوا بذلك، فكيف يمكن إذن أن يقال باجتماعهم جميعاً عليه؟؟.. ج ـ نقض دعوى انعقاد إجماع العلماء على تنصيف دية المرأة، بوجود المخالف، الذي يعتد بمخالفته، ويرجع إلى اجتهاده ... وابن حزم ومن ورائه المدرسة الظاهرية .. فقد قال هؤلاء بمساواة دية المرأة بدية الرجل في النفس والأعضاء ... إن الأحاديث الصحيحة التي وردت في الدية، إنما جاءت شاملة للرجال والنساء دون تمييز، وكذلك الأحاديث الواردة في الجراحات ... : «وفي النفس المؤمنة مئة من الإبل، وفي العين خمسون وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون» ... فإذا كان الرجل يقتل بالمرأة، ويقاد بها عيناً بعين، وأذناً بأذن، وسناً بسن، ويقتص لها منه في كل الجراحات فما الذي يمنع من أن تكون ديتها كديته؟؟ ... قلت: ومن الغريب أن النصوص صريحة في عدم قتل المسلم بالكافر، وفيج عل دية الكافر الكتابي على النصف من دية المسلم، ومع ذلك لم يأخذوا بها وقالوا بخلافها، في حين لم يثبت حديث واحد صحيح يصرح بتنصيف دية المرأة، ومع ذلك تمسكوا بهذا القول ولا دليل معه».
وقد أكد القرضاوي ما توصل إليه هذا الباحث فقال: «وأما الدية فليس فيها حديث متفق على صحته، ولا إجماع مستيقن ... وإذا لم يصح حديث في القضية يحتج به، فكذلك لم يثبت فيها إجماع ... بل ذهب ابن علية والأصم ـ من فقهاء السلف ـ إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية، وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة وإطلاقها. ولو ذهب إلى ذلك ذاهب اليوم، ما كان عليه من حرج ... وهو ما ذهب إليه شيخنا الشيخ محمود شلتوت في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة». قال تحت عنوان «دية الرجل والمرأة سواء»: «وإذا كانت إنسانية المرأة من إنسانية الرجل، ودمعها من دمه، والرجل من المرأة والمرأة من الرجل، وكان «القصاص» هو الحكم بينهما في الاعتداء على النفس، وكانت جهنم والخلود فيها، وغضب الله ولعنته، هو الجزاء الأخروي في قتل الرجل، فإن الآية في قتل المرأة خطأ، هي الآية في قتل الرجل خطأ. ونحن ما دمنا نستقي الأحكام أولاً من القرآن، فعبارة القرآن في الدية عامة مطلقة لم تخص الرجل بشيء منها عن المرأة: (ومَن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) النساء: 92. وهو واضح في أنه لا فرق في وجوب الدية بالقتل الخطأ بين الذكر والأنثى».(14/303)
6 ـ ولكن هل تعلمين أهم شيء في الأمر كله؟: إن تنصيف دية المرأة لا ينصف أجرها، ولا ينقص من حسناتها شيئاً، ولا يقلل من ثوابها مثقال ذرة عن ثواب الرجل في مثل وضعها وظروفها (أي عندما تقتل)، فهي شهيدة إن ماتت دون نفسها أو مالها ... ولها ثواب وأجر الشهادة كاملاً كالرجل سواء بسواء، ولها منزلة الشهيد في الجنة ولها ما وعد به من الدرجات والمغفرة ...
فهل ترين بعد هذا في قضية «الدية» ظلماً أو هضماً؟!
المصدر: موقع مؤسسة البلاغ
===================
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام حول ميراث المرأة
كتبه : رفعت مرسي طاحون
بدأت في أوروبا خلال الفترة الأخيرة هجمة شرسة ضد الإسلام ، فقد صدر أخيرًا آلاف الكتب التي تهاجم الدين الإسلامي ، وسبب هذه الهجوم أن عدد الذين يعتنقون الإسلام في دول أوروبا زاد زيادة كبيرة ، وشعرت أوروبا بنوع من الخطر تجاه هذه الزيادة
أدلة العدوان على الإسلام :
ومن الأدلة على العدوانية الغربية التي تستهدف الإسلام وأهله قديمًا وحديثًا ، ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" في كتابه الأخير "اقتناص اللحظة " ص : 195 " : " يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يكون قوة جغرافية متعصبة ومتراصة ، وأن نمو عدد أتباعه ، ونمو قوته المالية سوف يفرضان تحديًا رئيسيًا ، وأن الغرب سوف يضطر لتشكيل حلف جديد مع موسكو من أجل مواجهة عالم إسلامي معاد وعنيف " .. ويضيف نيكسون : " إن الإسلام و الغرب على تضاد ، وأن المسلمين ينظرون إلى العالم على أنه يتألف من معسكرين لا يمكن الجمع بينهما ، دار الإسلام ودار الحرب " . ، وأنه بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي ، وانحلال حلف "وارسو " جرى تصعيد متعمد للعدوانية الغربية ضد الإسلام ، حتى إن مدير معهد " بروكنغر " في واشنطون " هيلموت سونفيل " يقول : " إن ملف شمال الأطلسي سوف يعيش ، وأن حلف الغرب سيبقى مجموعة دول لها قيم أساسية مشتركة ، وستبقى هذه المجموعة متماسكة معًا من خلال الشعور بخطر خارجي من الفوضى أو التطرف الإسلامي " .
ويقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "هنري كيسنجر" في إبريل سنة "1990م "في خطابه أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الدولية : " إن الجبهة الجديدة التي على الغرب مواجهتها هي العالم الإسلامي ، باعتبار هذا العالم العدو الجديد للغرب ، وأن حلف الأطلسي باقٍ رغم انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب في أوروبا ، ذلك أن أكثر الأخطار المهددة للغرب في السنوات القادمة آتية من خارج أوروبا ، وفي نهاية التسعينيات فإن أخطر التحديات للغرب ستأتي من ناحية الجنوب ـ أي المغرب العربي ـ والشرق الأوسط " .
سلاح العدوان على الإسلام :
وهنا أخذت أوروبا بتجنيد المستشرقين ليكتبوا ضد الإسلام ، فالإستشراق لم يكن في أي وقت من الأوقات مجرد بحث علمي كما ينظر إليه بعض المتساهلين ، بل يخدم بدرجة أولى ونهائية موقف التعبئة الشاملة لدراسة " العدو الإسلامي " ، والنفاذ إليه " فالقلم والفكر والسلاح " كلها مداخل أساسية اعتمد عليها الاستعمار التقليدي والجديد على حد سواء لتطويق العالم الإسلامي ، وفرض الهيمنة عليه ، ولذلك ما إن انتهت مرحلة الاستعمار القديم وأنماطه حتى ظهر نجم الإستشراق الذي لا يعيش إلا في ظل الحرب ، ولكنه تحول إلى قطاعات ووسائل أخرى تتصل بميادين التبشير والإعلام ، وهذا ما يفسر لنا الحملات الشعواء التي يرفعها الإعلام الغربي باستمرار على الإسلام والمسلمين ، أو المطبوعات الغزيرة التي تنهض بها الجامعات بنية إثارة الشكوك والتشويه .
وتركيز المستشرقين في الهجوم على الإسلام يتم من ناحية المرأة في كثير من النواحي ، فقد حاول أعداء الإسلام النيل من نظام الإرث ومهاجمته ، واستدلوا في هجومهم على أن المرأة ظلت فيه مظلومة ؛ لأن للذكر مثل حظ الأنثيين ، واستغلوا هذه القسمة وادعوا على الله كذبًا أنها قسمة غير عادلة ، وأن الإسلام قد فضل فيها الإبن على حساب حق البنت ، وأن ذلك يتنافى مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام ، ولذلك ظهرت في عالمنا الإسلامي حركات التحرر والسفور ، تريد بها المرأة رفع ما وقع عليها من ظلم ، سواءً أكان ذلك حقيقة أو شعورًا خاصًا بها ، وتسعى لنيل ما حُرمت منه من حقوق ، إما أن يكون الدين قد كفلها لها ، وإما أن تكون حقوقًا رأت غيرها من النساء نالتها ، أو تسعى لنيلها بصرف النظر عن مشروعيتها ، وتبغي بحركتها هذه المساواة مع الرجل في كل ما يتمتع به من حقوق أو في أغلبها على حسب ما تراه هي .
ومن المؤسف أن بعض الدول الإسلامية الحاضرة جرت وراء التقليد واستجابت لصيحات النساء المتحررات ، فقضت بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث ، وهو خروج على أمر الله ليس له فيما أعلم أية شبهة يمكن الاستناد إليها ، وقد مرت قرون طويلة على المسلمين ، وهم لا يبغون بشرع الله بديلاً .
مهاجمة نظام المواريث الإسلامي :(14/304)
إن أعداء الإسلام الذين يهاجمون نظام الإرث في الإسلام ، ويدعون أن المرأة مظلومة ؛ لأن للذكر مثل حظ الانثيين ، فهذا ادعاء باطل ومردود عليه ، ولم يقصد به إلا الهجوم غير القائم على أساس من منطق أو تفكير ، فنظام الإرث في الإسلام نظام مثالي ، فهو إذ يقرر للمرأة نصف نصيب الرجل ، فإنه قد حقق العدالة الاجتماعية بينهما .
فالمرأة قديمًا كانت تباع وتشترى ، فلا إرث لها ولا ملك ، وإن بعض الطوائف اليهودية كانت تمنع المرأة من الميراث مع إخوتها الذكور ، وإن الزوجة كانت تباع في إنجلترا حتى القرن الحادي عشر ، وفي سنة " 1567م " صدر قرار من البرلمان الاسكتلندي يحظر على المرأة أن يكون لها سلطة على شيء من الأشياء .
أما عرب الجاهلية فقد وضعوا المرأة في أخس وأحقر مكان في المجتمع ، فكانت توأد طفلة وتُورَث المرأة كما يورث المتاع ، وكانوا لا يورثون النساء والأطفال ، حيث كان أساس التوريث عندهم الرجولة والفحولة والقوة ، فورثوا الأقوى والأقدر من الرجال على الذود عن الديار ؛ لأنهم كانوا يميلون إلى الفروسية والحرب ، وكانوا أهل كر وفر وغارات من أجل الغنائم .
نظام الإرث في الإسلام مثالي
إن الإسلام عامل المرأة معاملة كريمة وأنصفها بما لا تجد له مثيلاً في القديم ولا الحديث ؛ حيث حدد لها نصيبًا في الميراث سواءً قل الإرث أو كثر ، حسب درجة قرابتها للميت ، فالأم والزوجة والإبنة ، والأخوات الشقيقات والأخوات لأب وبنات الإبن والجدة ، لهنَّ نصيب مفروض من التركة .
قال تعالى : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)[النساء/7] ، وبهذا المبدأ أعطى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً حق النساء في الإرث كالرجال ، أعطاهنَّ نصيبًا مفروضًا ، وكفى هذا إنصافًا للمرأة حين قرر مبدأ المساواة في الاستحقاق ، والإسلام لم يكن جائرًا أو مجاوزًا لحدود العدالة ، ولا يحابي جنسًا على حساب جنس آخر حينما جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ، كما في قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)[النساء/11] .
فالتشريع الإسلامي وضعه رب العالمين الذي خلق الرجل والمرأة ، وهو العليم الخبير بما يصلح شأنهم من تشريعات ، وليس لله مصلحة في تمييز الرجل على المرأة أو المرأة على الرجل ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر/15] .
فقد حفظ الإسلام حق المرأة على أساس من العدل والإنصاف والموازنة ، فنظر إلى واجبات المرأة والتزامات الرجل ، وقارن بينهما ، ثم بين نصيب كل واحدٍ من العدل أن يأخذ الابن " الرجل " ضعف الإبنة " المرأة " للأسباب التالية :
1- فالرجل عليه أعباء مالية ليست على المرأة مطلقًا .
فالرجل يدفع المهر ، يقول تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء/4] ، [ نحلة : أي فريضة مسماة يمنحها الرجل المرأة عن طيب نفس كما يمنح المنحة ويعطي النحلة طيبة بها نفسه ] ، والمهر حق خالص للزوجة وحدها لا يشاركها فيه أحد فتتصرف فيه كما تتصرف في أموالها الأخرى كما تشاء متى كانت بالغة عاقلة رشيدة .
2- والرجل مكلف بالنفقة على زوجته وأولاده ؛ لأن الإسلام لم يوجب على المرأة أن تنفق على الرجل ولا على البيت حتى ولو كانت غنية إلا أن تتطوع بمالها عن طيب نفس
يقول الله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا…)[الطلاق/7] ، وقوله تعالى : (…وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …)[البقرة/233] .
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع عن جابر رضي الله عنه : " اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم أخذتموهنَّ بكلمة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف " .(14/305)
والرجل مكلف أيضًا بجانب النفقة على الأهل بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقته ، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورث باعتباره جزءًا منه أو امتدادًا له أو عاصبًا من عصبته ، ولذلك حينما تتخلف هذه الاعتبارات كما هي الحال في شأن توريث الإخوة والأخوات لأم ، نجد أن الشارع الحكيم قد سوَّى بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى منهم في الميراث قال تعالى : (…وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ…)[النساء/12] .
فالتسوية هنا بين الذكور والإناث في الميراث ، لأنهم يدلون إلى الميت بالأم ، فأصل توريثهم هنا الرحم ، وليسوا عصبةً لمورثهم حتى يكون الرجل إمتدادًا له من دون المرأة ، فليست هناك مسؤوليات ولا أعباء تقع على كاهله .
بينما المرأة مكفية المؤونة والحاجة ، فنفقتها واجبة على ابنها أو أبيها أو أخيها شريكها في الميراث أو عمِّها أو غيرهم من الأقارب .
مما سبق نستنتج أن المرأة غمرت برحمة الإسلام وفضله فوق ما كانت تتصور بالرغم من أن الإسلام أعطى الذكر ضعف الأنثى ـ فهي مرفهة ومنعمة أكثر من الرجل ، لأنها تشاركه في الإرث دون أن تتحمل تبعات ، فهي تأخذ ولا تعطي وتغنم ولا تغرم ، وتدخر المال دون أن تدفع شيئًا من النفقات أو تشارك الرجل في تكاليف العيش ومتطلبات الحياة ، ولربما تقوم بتنمية مالها في حين أن ما ينفقه أخوها وفاءً بالالتزامات الشرعية قد يستغرق الجزء الأكبر من نصيبه في الميراث.
وهنا يجب أن يكون السؤال : لماذا أنصف الله المرأة ؟
والإجابة : لأن المرأة عرض فصانها ، إن لم تتزوج تجد ما تنفقه ، وإن تزوجت فهذا فضل من الله .
وتفوق الرجل على المرأة في الميراث ليس في كل الأحوال ، ففي بعض الأحوال تساويه ، وفي بعض الأحيان قد تتفوق المرأة على الرجل في الميراث ، وقد ترث الأنثى والذكر لا يرث .
متى تحصل المرأة على نصف نصيب الرجل ؟
المرأة لا تحصل على نصف نصيب الرجل إلا إذا كانا متساويين في الدرجة ، والسبب الذي يتصل به كل منهما إلى الميت .
فمثلاً : الإبن والبنت … والأخ والأخت ، يكون نصيب الرجل هنا ضعف نصيب المرأة ، قال تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن…)[النساء/11] .
وقال تعالى : (…وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء/176] .
متى تتساوى المرأة والرجل في الميراث
1ـ في ميراث الأب والأم فإن لكل واحد منهما السدس ، إن كان للميت فرع وإرث مذكر وهو الابن وإبن الإبن وإن سفل .
كما في قوله تعالى : (…وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد…)[النساء/11]
مثال : مات شخص وترك " أب ، وأم ، وإبن " فما نصيب كل منهم ؟
الحل : الأب : 6/1 فرضًا لوجود النوع الوارث المذكر .
الأم : 6/1 فرضًا لوجود الفرع الوارث .
الإبن : : الباقي تعصيبًا ، لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر " .
2ـ ويكون ميراث الأخوة لأم ـ ذكرهم وأنثاهم ـ سواءٌ في الميراث ، فالذكر يأخذ مثل نصيب الأنثى في حالة إذا لم يكن للميت فرع وارث مذكر ذكراً أو مؤنثاً ، أو أصل وارث مذكراً " الأب أو الجد وإن علا " ، كما قال تعالى : ( …وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ…)[النساء/12] .
مثال : مات شخص عن " أخت شقيقة ، وأم ، وأخ وأخت لأم " فما نصيب كل منهم ؟
الحل : الأخت الشقيقة : 2/1 فرضًا ، لانفرادها ولعدم وجود أعلا منها درجة ، ولعدم وجود من يعصبها .
الأم : 6/1 فرضًا ، لوجود عدد من الأخوة .
الأخ والأخت لأم : 3/1 فرضًا بالتساوي بينهما .
متى تتفوق المرأة على الرجل في الميراث
- هناك صور من الميراث تأخذ فيه المرأة أضعاف الرجل ، كما في قوله تعالى : (…فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ )[النساء/11] .
فهنا الأب يأخذ السدس ، وهو أقل بكثير مما أخذت البنت أو البنات ، ومع ذلك لم يقل أحد إن كرامة الأب منقوصة بهذا الميراث .
وقد تتفوق المرأة على الرجل في الميراث إذا كانت في درجة متقدمة كـ " البنت مع الأخوة الأشقاء ، أو الأب والبنت مع الأعمام " .(14/306)
مثال : مات شخص عن " بنت وأخوين شقيقين " ، فما نصيب كل منهم ؟
الحل : البنت : 2/1 فرضًا لانفرادها ، ولعدم وجود من يعصبها .
الأخوان الشقيقان : الباقي تعصيبًا بالتساوي بينهما ، فيكون نصيب كل أخ شقيق 4/1 ، وهنا يكون نصيب أقل من الأنثى .
مثال آخر : مات شخص عن بنتين ، وعمين شقيقين ، فما نصيب كل منهم ؟
الحل : البنتان : 3/2 فرضًا لتعددهنَّ ، ولعدم وجود من يعصبهنَّ بالتساوي بينهما ، فيكون نصيب كل بنت = 3/1 فرضًا .
العمان الشقيقان : الباقي تعصبًا ، فيكون نصيب كل عم = 6/1 ، وهنا يكون نصيب الذكر أقل من الأنثى .
متى ترث الأنثى ولايرث الذكر ؟
وقد ترث الأنثى والذكر لا يرث في بعض الصور :
مثال : مات شخص عن ابن ، وبنت ، وأخوين شقيقين ، فما نصيب كل منهم ؟
الحل : الابن والبنت : لهما التركة كلها للذكر مثل حظ الأثنيين .
الأخوان الشقيقان : لا شيء لهما لحجبهما بالفرع الوارث المذكر ، وهنا نجد أن الأنثى " البنت " ترث ، والذكر " الأخ الشقيق " لا يرث .
المصدر : الشبكة الإسلامية
=================
شبهات حول المرأة القيادة والولاية
الشبهة الأولى: دعاة التحرير وموقعة الجمل:
يقول دعاة تحرير المرأة: إن عائشة رضي الله عنها قادت الجيش الإسلامي في موقعة الجمل، وهذا دليل شرعي على أن المرأة يجوز لها قيادة الجيوش والجهاد كالرجل، ومن ثم احتج دعاة التخريب وطبلوا وزمروا بهذه الحادثة داعين إلى اشتغال المرأة بالسياسة والإدارة وغيرها[1].
الجواب:
1- إن عائشة رضي الله عنها لم يرها أحد، لأنها كانت في هودج وهو الستار الذي يوضع فوق الجمل، فهي لا تُرى ولا يسمع صوتها من داخل الهودج[2].
2- إن عائشة رضي الله عنها لم تقصد بفعلها هذا الاشتغال بالسياسة وأن تتزعم فئة سياسية، ولم تخرج محاربة ولا قائدة جيش تحارب، وإنما خرجت رضي الله عنها لتصلح بين فئتين متحاربتين، وفعل عائشة رضي الله عنها ليس فيه دليل شرعي يصح الاستناد عليه، ففعلها هذا اجتهاد منها رضي الله عنها[3].
3- وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج، وفي مقدمتهم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وكتبت إليها كتابًا بذلك[4].
وكذلك سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، فقد نصحا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعدم خروجها من بيتها، وأن الرجوع إلى بيتها خير لها من خروجها هذا.
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما نصح أم المؤمنين وأمرها بالتزام بيتها وترك الخروج لثأر الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكذلك أبو بكرة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما[5].
4- إذا وجد في التاريخ نساء قدن الجيوش وخضن المعارك فإنهن من الندرة والقلة بجانب الرجال ما لا يصح أن يتناسى معه طبيعة الجمهرة الغالبة من النساء في جميع عصور التاريخ وفي جميع الشعوب[6].
الشبهة الثانية: دعوى أن عمر بن الخطاب ولى امرأة:
ادعى المنادون بجواز تولي المرأة الحكم والقضاء بما نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استعمل امرأة ـ وهي الشفاء ـ على حسبة السوق[7].
الجواب:
قال ابن العربي في هذا الخبر: "لم يصح، فلا تلتفتو إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"[8].
وحاشا عمر أن يعمل عملاً يخالف فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فإن صح الخبر فربما كان الأمر متعلق بالنساء[9].
الشبهة الثالثة: اعتبار النهي للتنزيه:
اعتقد البعض أن النهي عن تولي المرأة للإمامة والقضاء نهي تنزيه، ويعتقد أن توليتها تنفي عمن ولاها الفلاح فقط، وهذا في نظر البعض مسألة سهلة وهينة[10].
الجواب:
هذا من المكابرات العظيمة والأخطاء الجسيمة، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)) نفي لكل الفلاح عمّن اتصف بهذه الصفة، ومعنى الفلاح الفوز بالجنة والبقاء فيها ورضا الرب سبحانه وتعالى عن العبد، هذا من الناحية الدينية، أما في الأمور المعاشية فمعناه الظفر المطلوب والنجاة من المرهوب. فأيّ خسارة للأشقياء الذين نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم الفلاح؟! وأي نجاح بعد هذا يؤملون؟! ولو لم يكن في ذلك خسران إلا مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى محذرًا عن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلْيَحْذَرِ ?لَّذِينَ يُخَـ?لِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63][11].
-----------------------
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[2] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[3] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[4] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[5] انظر تفصيل ذلك في المرأة المسلمة أمام التحديات (109-111).
[6] المرأة بين الفقه والقانون (41).
[7] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، الأمين الحاج محمد أحمد (48).
[8] الجامع لأحكام القرآن (13/183).(14/307)
[9] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (48).
[10] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49).
[11] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49-50).
المصدر : موقع المنبر
=====================
متى تنزل المرأة إلى ميدان العمل وكيف؟
مريم فضل الله
إن الفتاة لها أن تعمل وتكسب، والمرأة المتزوجة أيضاً، ولكن المتزوجة يجب عليها أن تحافظ على مهمتها الأساسية، وهي بناء المجتمع الصالح والمحافظة على بيتها وأطفالها.
ومن أجل أن تتفرغ لعملها الأساسي، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى النفقة لها على الزوج حتى لاتضطر إلى ترك بيتها، وتعريض أطفالها إلى الحرمان العاطفي، والجفاف النفسي الذي لايتوفر إلا بحنان الأم.
ما بقاء الكون إلا بحنان الأبوين)
لاتستطيع دور الحضانة أو المربيات أو الخادمات، أن تعوض على الطفل حنان أمه وعطفها.
إن دور الحضانة قد تربي أطفالاً أصحاء جسدياً، ولكن الأطفال ربما يعاني أكثرهم، من اضطرابات نفسية نتيجة فقدان رعاية الأم الكافية.
أما إذا اضطرت المرأة للعمل، وذلك لإعالة نفسها، أو إعانة زوجها أو مساعدة أولادها، فلا حرج عليها من أن تخرج إلى العمل الشريف مع اعتبار رضى الزوج وأذنه إذا كانت متزوجة.
لم يحرم التشريع الإسلامي المرأة من ثمرة أتعابها، فإن المال الذي تجنيه من عملها هو ملك لها وليس لزوجها أو أبيها أو أحد من الناس. فالمال الذي جنته من أتعابها بالوجه الشرعي هو لها، تتصرف به كيف تشاء.
(الناس مسلطون على أموالهم).
إن كثيراً من الناس من يستثمر جهود المرأة وثمرة أتعابها كأبيها أو زوجها أو أخيها، فهذا الاستثمار لايقره الضمير والوجدان، وحتى الدين إذا كان بغير رضى منها، إلا إذا سمحت بالعطاء.
وقد روي عن النبي (ص) (عندما جاءت إليه الصحابية السيدة ريطة بنت عبدالله بن معاوية الثقفية. وكانت ريطة امرأة ذات صنعة تبيع منها، وليس لها ولا لزوجها ولا لولدها شيء من حطام الدنيا.
فسألت النبي (ص) عن النفقة عليهم، فقال: (لك في ذلك أجر ما أنفقت عيهم).
المصدر: موقع البلاغ
==================
المرأة العربية والإعلام
ورقة عمل مقدمة من الدكتورة شعلة شكيب، في المؤتمر الثالث للاتحاد النسائي الإسلامي العالمي/مارس 2003
** أولاً: مقدمة
إن دور أجهزة الأعلام المختلفة وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون المتوفرين في كل بيت واللذين اصبحا يبثان على مدار الساعة لهو دور شمولي يتعدى مداه وسرعة الاستجابة إليه ما يمكن أن يتم بثه من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة، هذه الأجهزة والتي تطورت بسرعة مذهلة خلال النصف الآخر من القرن الماضي أصبحت قادرة على أداء أدوارها في فترات قياسية.
ما يميز الأجهزة الإعلامية أمران، هما قدرتها على المخاطبة عن بعد بالصوت والصورة فهي قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية وبهذا تستطيع مخاطبة جموع هائلة في آن واحد، أيضا استطاعتها مخاطبة جميع فئات المجتمع المختلفة حتى أولئك الذين يجهلون القراءة والكتابة.
أصبح الإعلام علما يدرس وله موئسات ومعاهد متخصصة وأصبحت وسائله ذات تقنية عالية وأصبح للإعلام اليوم بجانب دورة الترفيهي والترويحي أدواراً أخرى واضحة تعمل على صياغة المجتمعات وتشكيل الرأي العام العالمي وإيجاد نمط حياتي جديد للمجتمع العالمي فالأعلام اليوم يوظف الترفيه والتسلية لاداء رسالة وإيصال فكرة وتشكيل عقل وصناعة ذوق عام وزراعة اهتمامات معينة حتى أنه لم يكتف برصد الحدث وإيصال المعلومة بل أصبح بما يمتلك من قوة وعوامل تأثير وضغط وتحكم يقوم بصنع الحدث والتحضير له في نفس الوقت.
أن هذه الروية الإعلامية الجديدة تقوم بها المؤسسات الإعلامية الضخمة في الدول الغربية وهى تملك أساسيات التقنية المتقدمة وتحتكر المعلومات وتنتج المادة الإعلامية وتهيمن على عمليات البث والتوزيع في العالم، وأما الجانب الآخر، العالم العربي فهو مستهلك للمادة الإعلامية الغربية ولا يملك وسائل التقنية الحديثة وليس لدية البديل المنافس للمادة الإعلامية, لذا خضع الإعلام العربي لمطلوبات الإعلام الغربي.
** ثانياً: الإستعمار الغربي وآثاره على الإعلام العربي
أن الاستعمار الإستراتيجي كان له دور في تغيير معالم الحضارة العربية والإسلامية في الوطن العربي فطيلة فترة الاحتلال عمل المستعمر على إنشاء النظم السياسية والأجهزة التشريعية والمؤسسات التعليمية والإعلامية على النمط الغربي وكانت له في هذا أهداف واضحة فعمل على استبدال الاستعمار العسكري بالاستعمار الثقافي والفكري فالأول ينتهي برحيل العسكر وأما الثاني فله الديمومة والاستمرارية ويعمل على استيعاب الشعوب في منهج الثقافة الغربية.(14/308)
من أخطر وسائل واليات التغيير الثقافي التي لجأ لها المستعمر هي الإعلام بكل أنواعه وجميع مستوياته، هذه السياسات التغريبية الاستيعابية قد نجحت وساعد على نجاحها الانفتاح العالمي والتقدم المذهل في وسائل الاتصال حيث تساقطت الحدود الجغرافية والسياسية وتسابق أصحاب الأيدلوجيات في ميدان الإعلام مستخدمين أحدث الوسائل للوصول إلى قلوب الجماهير وعقول الناس.
أهم المرتكزات التي استند عليها الإعلام الغربي في نجاحه هو المشاركة الفاعلة للمرأة بنمط معين ومنهج مدروس ونتائج محسوبة وفقاً لفلسفة الحياة العصرية في المجتمع الغربي معتمدة على رفع شعارات مثل الحرية والمساواة لذلك نرى أن أصحاب الحاجات من سياسيين واقتصاديين وتجار وأصحاب المذاهب والعقائد المختلفة في خضم المنافسة لأجل الربح السريع والعائد المادي عملوا على توظيف خصائص الجمال والفتنة لدى المرأة وأهملوا خواصها الإنسانية الأخرى وأصبحت صورتها في الإعلام مرهونة بالفائدة المادية ففي مجال الدعاية والإعلان تصور النساء أما ربات بيوت ينحصر اهتمامهن في الاحتياجات المنزلية أو عنصر أغراء جنسي يضفي على البضاعة المعروضة جاذبية أكثر للإيحاء باقتنائها، وتكونت لدى المرأة بالتالي قناعات عملت على صياغة شخصيتها وتركيبتها النفسية وتعتمد أساسا على مقاييس الشكل والجمال.
** ثالثاً: إنعكاس المرأة في الإعلام
أ- صورة المرأة في الإعلام العربي
إن مكانة المرأة في المجتمعات العربية تتباين من بلد عربي لآخر، أن معظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة تتناقض تماماً مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فتجد بعضها يعلن انحيازه المطلق لكافة حقوق المرأة ثم تفاجأ بها تأتي سلوكيات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع، مواقف مؤسسات الإعلام العربية تتباين بدورها في النظرة للمرأة، فهناك من ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضاً مع تقاليدها وربما مع التعاليم الإسلامية غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنيناً بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية.
إن صورة المرأة العربية وحقوقها أصبحت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر سلاحاً في يد بعض وسائل الإعلام الغربية التي تنشر الأفكار المغلوطة عن المرأة لتشويه أمة بأكملها، وبالتالي فإن أية محاولة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين لا بد أن تبدأ من الصورة المغلوطة المرسخة في أذهان الغرب وعبر تقديم نموذج للمرأة الواعية المتحضرة كاملة الحقوق دون الإخلال بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية.
ب- صورة المرأة في الإعلام عامة
يمكن تصنيف صورة المرأة في الإعلانات إلى أربعة نماذج هي: المرأة التقليدية، والمرأة الجسد، والمرأة الشيء، والمرأة السطحية، هزة النماذج الأربعة تعمل على تشويه صورة المرأة وتنتقص من قيمتها كإنسان فاعل له دور في الحياة غير الدور الترويجي المؤسف، كما تساهم في تعزيز النزعة الاستهلاكية لديها على حساب الروح الإنتاجية الواجب أن تسود عقل ووجدان المرأة وتحكم سلوكياتها، وتقدم هذه النماذج قدوة سيئة للمراهقات في المجتمع وتكرس مفاهيم خاطئة عن الأعمال المميزة التي يمكن أن تمارسها المرأة وتكسب من ورائها المال الكثير خاصة أن العاملات في الإعلان يحققن ثروات طائلة من هذا العمل.
هذا الاختلاف في صور المرأة لم يمنع من تشكيل ملامح وسمات عامة لصورة المرأة في الإعلاميين المرئي والمسموع في العالم العربي، فمن السمات الغالبة على صورة المرأة أن جميع وسائل الإعلام تركز على المرأة في الفئات الاجتماعية الميسورة أو المرأة في المدن وبعض المهن كالطبيبة أو حتى البائعة في المحال التجارية، وذلك دون التطرق لبعض الشرائح النسائية المشاركة بفاعلية في مناقشة قضايا مجتمعها أو حتى المرأة التي تقطن الأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى ومناقشة همومها وقضاياها الخاصة.
ج- صورة المرأة كإعلامية
المرأة الإعلامية العربية تتأخر كثيراً عن مسيرة الرجل الإعلامي العربي رغم أنها قد بدأت في هذا المجال مبكرا ولكنها لم تتقدم بخطوات كبيرة, وتحتل عدد بسيط من النساء مواقع قيادية في أجهزتنا الإعلامية العربية واثنتان أو ثلاث ويترأسن قنوات تلفازيه لكن دون أن نلحظ تغيير أو تأثير فيما تبثه هذه القنوات ويصل الأمر إن تصبح القيادية الإعلامية رجل أكثر من الرجل في تناوله التجاري للمرأة.(14/309)
كما إن ظهورها على أجهزة الإعلام المختلفة أنما هو وفقا لتقاليد الثقافة الغربية شكلاً ومضموناً، فالمعايير التي يتم بموجبها اختيار المرأة للعمل في مجال الإعلام لا تقوم على قيم ومبادئ المجتمع العربي وليست مستوحاة من البيئة العربية بل خاضعة للمعايير الغربية ويتم اختيار النساء المتمدنات أكثر من نساء الريف، وذلك ربما يرجع إلى إبراز نساء يرتدين أزياء أنيقة ولا يتقيدن بالذي الإسلامي المحتشم ولا بأسلوب المخاطبة الوقور الذي يلائم المرأة المسلمة، حتى المواضيع المطروحة تهمل القطاع الأعظم من النساء العربيات في الريف والبادية.
** رابعاً: التحديات التي تواجه إنخراط المرأة العربية في العمل الإعلامي
من المؤكد أن مشاركة المرأة في العمل الإعلامي تصطدم بالعديد من المعوقات، من جملة ذلك ما يلي:
أ- المعوقات الاجتماعية
أن المجتمعات العربية ما زالت مجتمعات ذكورية تمنع على المرأة ممارسة أعمال بعينها وتراها الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى حماية ورعاية من الرجل الزوج أو الأب الذي يحدد مساحة مشاركة المرأة في الحياة العامة، المجتمعات الذكورية تنظر لمسألة أمن المرأة باعتباره مسؤولية الرجل رغم أن الواقع يؤكد أن أمن المجتمع كله مسؤولية الطرفين.
ب- المعوقات السياسية
أن تدني مشاركة المرأة في العمل الإعلامي يعود إلى أن المؤسسات الإعلامية تعمل وفق السياسات الإعلامية للدول فهي لا تُقْدم على توظيف غير النساء المتمدينات من سكان المدن على وجه الخصوص معتبرة أن ذلك يرجع إلى أن الصور التي تريد هذه المؤسسات أن تعكسها عن المرأة هي صورة المرأة التي ترتدي الثياب الأنيقة المتحضرة بالمفاهيم الغربية المتعارضة في أحيان كثيرة مع التقاليد والمبادئ الإسلامية.
أن المرأة برغم كل ما اكتسبته من حقوق على مر التاريخ ما زالت مهمشة في مشاريع التنمية البشرية التي تنهض بها الدول العربية، فما زالت المرأة غير متساوية تماماً مع الرجل في الفرص المتاحة أمام الطرفين على أرضية الكفاءة والقدرة وما زالت منقوصة في الحقوق السياسية فهي بعيدة عن مراكز القيادة وصنع القرار، إن تقرير التنمية البشرية الصادر عام 1995 والذي أكد أن المرأة في مختلف دول العالم لا تحظى بنفس الفرص المتاحة أمام الرجل وهو ما ينعكس على ممارستها لحقوقها السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص حيث تشغل المرأة نحو 12% من المقاعد البرلمانية و14% من المناصب الإدارية والتنظيمية.
ج-المعوقات الإقتصادية
المرأة هي الأفقر في العالم حيث تمثل 75% من فقراء العالم البالغ عددهم 1,3 مليار، لندرة الفرص المتاحة أمامها وبذلها أعمالاً غير مأجورة تستنزف ما يزيد على 75% من وقتها.
** خامساً: كيف نعزز دور المرأة الإعلامي؟
أ- على المستوى الفردي
بداية لابد من التسليم بأن جزء من الغبن الواقع على المرأة إعلامياً تساهم فيه شخصياً بتساهلها في حقوقها وتباطئها في رد فعلها واكتفائها بمقعد المتفرج السلبي بدلاً من المشاركة الفاعلة، فمن أجل أنسنة صورتها عليها أن تضحى ربما بقليل من وقتها لتدفع بعجلة التنمية والتغيير. وقبل هذا على المرأة أن تؤمن بقدراتها وإمكاناتها وتعتز بخصوصيتها الجميلة كامرأة ولا تتنكر لها كخصوصية منتقصة، فإعلائها لقيم الحب والخير والجمال لانتقص من رجاحة عقل المرأة وخفضها لجناح الذل والرحمة هو مصدر تحليق الجنس البشرى، كما أن على المرأة أن تؤمن بأنها من خلال أي موقع يمكنها أن تسهم في التغيير.
ب- على المستوى الأهلي
يجب أن تعني الجمعيات الأهلية وخاصة النسائية بهموم وقضايا المرأة وتشكل أوراقاً ضاغطة على الحكومات لتغيير سياساتها الإعلامية، وعليها خلق شبكة معلومات جيده حول كل المنظمات والجمعيات الأهلية المعنية بشئون المرأة أو تدرجها ضمن اهتماماتها.
-تكوين رابطة للإعلاميات العربيات.
-منظمة المرأة العربية يجب أن ترفع التوصيات التالية إلى مجلس وزراء الإعلام العرب:
1- توفير مساحة لبرامج توعية جادة للمرأة حول حقوقها القانونية والمدنية وتشجيع إشراكها في الحوارات والمناقشات.
2- إعطاء المرأة الفرص لتولي مناصب قيادية إعلامية.
3- إشراك المرأة في صياغة الاستراتيجية الإعلامية.
4- تشجيع المرأة على الانخراط في برامج التدريب والتأهيل الإعلامي.
ج- على المستوى الحكومي
على الحكومات أن تهتم بالتنمية الشاملة لشعوبها، وذلك في المجالات التالية:
1- في مجال تنمية الموارد البشرية
إحداث أي تغيير في أي نمط من أنماط السلوك الاجتماعي يتطلب ذلك إحداث تغيير مواز في مفاهيم أفراد المجتمع، وذلك يتطلب إحداث تغيير جوهري وأساسي في أدوار المؤسسات التربوية في المقام الأول ثم المؤسسات الإعلامية اللتان تتكاملان مع بعضهما في غرس المفاهيم والثقافات الإنسانية.(14/310)
لذا يجب الاهتمام بالتأهيل والتدريب للكادر الإعلامي من النساء لكي لا ينحصر دورهن في الربط والتقديم والدور الإعلاني فقط وهذا يشكل الخطوة الأولى في دمجها في خطة التنمية.
2- في مجال التنمية الاقتصادية
وذلك بإحداث تغييرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية للمجتمع بهدف إحداث معدلات نمو متزايدة للاقتصاد القومي إلى جانب التغييرات اللازمة للنمو الاقتصادي.
** سادساً: وضع إستراتيجية إعلامية في ظل شريعتنا السمحاء
إن المجتمع العربي والمجتمع المسلم مجتمع رسالي يحتاج لوضع فقه للعمل الإعلامي مستمد من القران الكريم ومن تراث الحضارة العربية والإسلامية ويكون في نفس الوقت أنموذجا يستوعب فلسفة الحياة العصرية ويلبى حاجات المجتمع، وقد أرسى القران الكريم مبادئ وقيم تخدم المصلحة العامة للمجتمع وتدخل في صميم العمل الإعلامي وهى الأمانة وتحرى الدقة في نقل المعلومة والصدق في الحديث والبعد عن الابتذال في المظهر والحديث والمقال.
يجب أعادة النظر في الاستراتيجية الإعلامية لدولنا, ماذا نريد كأمة عربية أعلاما متطورا يلعب دوره كسلطة رابعة أم نريد أعلاما خاضعا يستخدم لتخدير الشعوب وأشغالها عن قضاياها المصيرية، إننا عندما نطرح إشكالية المرأة العربية والإعلام تطرح علينا تساؤلات عديدة ومتعددة هل أعلامنا يطرح ويتناول حقيقة أوضاع النساء ببلدنا بما يكفى من الجرأة والموضوعية من قبيل / العنف ضد النساء / الاستغلال الجنسي / البطالة المؤنثة / الفقر والأمية / الخ.
إن استراتيجية الإعلام العربي يجب أن تتجه نحو الأسرة العربية التي أصبحت تعيش في زمن العولمة ولا ينبغي أن تقتصر على مجرد تحسين صورة المرأة أو إتاحة مساحة لا بأس بها لصوتها أو تقديم هامش يعبر عن قضاياها ويطالب بحقوقها، بل لا بد أن تقوم هذه الإستراتيجية على مبدأ أن المرأة تمتلك قدرة على التأثير الخلاق في بناء المجتمع المتطور الذي ننشده وهي الأقدر على تفهم واستيعاب القضايا التربوية التي يقوم عليها بناء الأجيال القادمة.
** ختاماً
تحية إجلال وإكبار للمرأة الفلسطينية في نضالها من أجل الحرية والاستقلال؛ وصمودها وكفاحها ضد الممارسات الإسرائيلية الظالمة ونؤكد وقوفنا إلى جوارها ودعم نضالها وكفاحها حتى تقام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
شكرا لاستماعكم،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: أمان - المركز العربي للمصادر والمعلومات
===================
العائلة العربية هرمية على أساس الجنس والعمر
"ظاهرتي اضطهاد المرأة والطفل"
نتناول هنا ظاهرتي اضطهاد المرأة والطفل، فالعائلة العربية منظمة في بنيتها تنظيماً طبقياً هرمياً على أساس دونية النساء والصغار وسيطرة الرجال والكبار.
** دونية النساء
يتفق الباحثون والمراقبون العاديون على أن المرأة تحتل موقعاً دونياً في بنية العائلة العربية القديمة منها والمعاصرة، أما في ما يتعلق بتفسير هذه الدونية وموقف الباحثين منها، فإن هناك تيارات محافظة وتحررية: هناك أولاً، تيار يقول إن الدين، أو الاسلام بكلام أدق، سوّى بين الرجل والمرأة، وإن دونية المرأة تعود لأسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية أخرى أو لسوء تفسير الدين، تؤكد الكاتبة المصرية أمينة السعيد أن الاسلام جاء (بمثابة أضخم ثورة اجتماعية في تاريخ الأوضاع النسائية، لا عندنا وحدنا بل في الدنيا بكاملها، فقبل مجيئه... لم تكن المرأة، في أي ركن من العالم، أكثر من كائن حي، لا حقوق لها ولا احترام لآدميتها، ثمّ إذا بالدين الذي ظهر في منطقة صحراوية جرداء يسكنها قوم خشنون على الفطرة، يقلب الوضع رأساً على عقب، ويعترف للمرأة بكامل آدميتها، ويسلّحها بالاستقلال الاقتصادي على أوسع معانيه، ويحررها من ولاية الرجل عليها فيما يتصل بجواهر الحقوق، مثل التعليم والبيع والشراء والعمل والتجارة، بل واشراكها أيضاً في تدبير شؤون الدين والسياسة).
ويذكّرنا دعاة هذا التيار، عادة، بظاهرة وأد البنات من قبل بعض القبائل في عصر الجاهلية الأول، ويذهب البعض إلى تفسير هذه الظاهرة تفسيراً أخلاقياً فيعتبر الوأد وسيلة (لتجنب سبي النساء) يقتضيها مفهوم العرض أو الشرف في حالات الغزو والسبي بين القبائل.(14/311)
ويفسر البعض ظاهرة وأد البنات في الجاهلية تفسيراً واقعياً، فيقال مثلاً إن الوأد قصد به حرمان القبائل الغازية من سبي نساء القبائل المغزوة كي لايستعملن (أدوات انجاب وقوة... فوأد البنات في الجاهلية يساوي إذن عدم تمكين الخصم من ان يزيد من قوّته عن طريق استيلاد الأبناء من نساء يمكنه سبيهن)، وقد يذهب بعض أصحاب التفسير الواقعي إلى أن منزلة الزوجة في بيت زوجها كانت في الجاهلية (تتوقف إلى حد بعيد على منزلة أهلها وقوتها بين القبائل... فإذا كانت الزوجة صاحبة منزلة عالية في بيتها، شاورها الزوج في الأمور البيتية والمعيشية وقدر لها رأيها... أما إذا كانت منزلتها وضيعة، فلم يكترث الزوج لشأنها ولرغباتها وقل احترامه لها).
ونجد بين أصحاب التيار الذي يقول بمساواة المرأة بالرجل في الاسلام من يعترفون ببعض الفروقات، ولكنهم يسوغونها أو يجدون مبررات لها، فقد اعتبر الشيخ محمد عبده (1849 ـ 1905) إن الاسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ولكنه قدّمه عليها درجة، وعرف (درجة) بأنها تعني القيادة أو الرياسة التي تقتضيها ضرورات توزيع العمل في الحياة الاجتماعية، إذ (لابد لكل اجتماع من رئيس... والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف)، في ضوء هذا التعريف يفسر محمد عبده الآية القرآنية (الرجال قوامون على النساء) يقوله أن (المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بارادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الارادة لايعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن ارشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه،... أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن).
إنطلاقاً من هذا المفهوم يتحدث محمد عبده عن (ان المرأة أضعف من الرجل) مستعيناً بمفاهيم الدين و(الفطرة)، وعن ضرورة (تعليم المرأة أمور دينها، أولاً، وقبل كل شيء، ثم بعضاً من أمور الدنيا) مما يطلبه منها (نظام بيتها وتربية أولادها).
وترى مجلة الفكر الاسلامي الصادرة عن دار الفتوى في لبنان (1975) ان النساء صنو الرجال، فهن الأمهات والأخوات والأزواج والبنات، والحاضنات، والمربيات، وان الاسلام كرّم المرأة (وسوّى بينها وبين الرجل فيما يمكن التسوية فيه فقال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف...) وقد فاضل بينهما فيما لايمكن التسوية فيه فقال تعالى: (الرجال قوامون على لانساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فأوجب على الرجال الجهاد... والسعي على العيال. وخفف عن المرأة في ذلك مراعاة لامكاناتها الجسدية وظروفها الشخصية وتكاليفها العائلية.
وترى زاهية قدورة في العدد نفسه من المجلة ان الاسلام جعل الرجل والمرأة من نفس واحدة، ولكنها تورد قولاً للرسول (ص) جاء فيه: (إنما المرأة خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على اقامتها تكسرها فدارها تعش بها).
ويتناول أحمد شلبي موضوع الإرث موضحاً أن الاسلام يجعل للذكر مثل حظ الانثيين لأنه (يرفع التكاليف المالية عن المرأة في مختلف مراحل حياتها، فالأب يحمل مسؤوليتها قبل زواجها، والزوج يحمل هذه المسؤولية بعد الزواج، والأبناء يحملونها لو مات الزوج... ومن هنا فالرجل بمسؤولياته عن المرأة والبيت أخذ ضعف المرأة ولهذا فمن الواضح أن خمس أوراق نقدية من دون مسؤوليات اثمن وأبقى من عشرة بمسؤوليات جسام).
ويطرح الشيخ حمزة شكر في عدد المجلة نفسه مسألة مسؤولية المرأة، فيذهب إلى أن الاسلام حمّل المرأة (مسؤولية تتوافق وتكوينها الجسماني) وان حق (القوامة مستمد من التفوق الطبيعي في استعداد ارجل، ومستمد من نهوضه بأعباء المجتمع وتكاليف الحياة، أليس هو أقدر من المرأة على الكفاح في خضم الحياة... ولكن في عرف الحياة قليلات من هن في مستوى ا لرجال عقلاً وجسماً وارادة وامكانية جسمانية).(14/312)
ينعكس هذا التيار التقليدي في القول الأخير وفي مقولات وعبارات وتعميمات لاتحصى، ترد دائماً في الكتب والأحاديث العابرة، تضمن كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي فصلاً خاصاً حول (آداب النكاح) ورد فيه أن على الزوج أن يكون حسن الخلق مع النساء (واحتمال الأذي منهن ترحماً عليهن لقصور عقلهن)، وعدم التبسط (في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها... قال الحسن: والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيها تهوى إلا كبه الله في النار. وقال عمر (رض): خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة، وقد قيل شاوروهن وخالفوهن... إذ حق الرجل أن يكون متبوعاً لا تابعاً، وقد سمى الله الرجال قوامين على النساء وسمى الزوج سيداً... قال الشافعي (رض): ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك: المرأة، والخادم، والنبطي.
وفي العصر الحديث يقدم الكاتب المصري عباس محمود العقاد موقفاً رجعياً مشابهاً في كتابه المرأة في القرآن، فيؤكد على قوامة الرجال على النساء ويعمم (ان الواقع المتكرر في المجتمعات الانسانية كافة، أن المرأة تتلقى عرفها من الرجال، حتى فيما يخصها من خلائق الحياة والحنان والنظافة... فهي إنما تستحي لأنها تتلقى خليقة الحياء من الطبيعة أنها تخجل من مفاتحة الرجل بدوافعها الجنسية، وتنتظر المفاتحة من جانبه، وإن سبقته إلى الحب والرغبة. وشأنها في ذلك شأن جميع الإناث في جميع أنواع الحيوان، فأنها تنتظر ولا تتقدم، أو تتعرض ولا تهجم، ويمنعها أن تفعل ذلك مانع من تركيب الوظيفة لايصدر عن وازع أخلاقي، ولا عن أدب من آداب السلوك... فإنما خلق تركيب الأنثى للاستجابة ولم يخلق للابتداء والارغام.
(... والصق من الحياة بالمرأة حنانها المشهور، ولا سيما الحنان للأطفال من أبنائها وغير أبنائها، وهذه صفة من صفات الغرائز، توجد في أناث الأحياء، ولا تمتاز فيها أنثى الانسان إلى على قدر امتياز العاقل على غير العاقل...).
(... أما النظافة فليست هي من خصائص الانوثة إلا لاتصالها بالزينة، وحب الحظوة في أعين الجنس الآخر).
وهناك مقابل هذا التيار المحافظ، تيارات اصلاحية تحررية منها ما هو ليبرالي غربي ومنها ما هو راديكالي ثوري. وكثيراً ما يعود الباحثون إلى قاسم أمين (1865 ـ 1908) الذي نشر سنة 1899 كتاباً في تحرير المرأة، ربط فيه بين دور المرأة في المجتمع و(اصلاح أخلاق الأمة). رأى في هذا الكتاب إن النظام القائم يقوم على احتقار القوي للضعيف وامتهان الرجل للمرأة، ففقدت حقوقها الضرورية للقيام بدورها في المجتمع، وقد اعتبر قاسم أمين أن مركزة المرأة يتحسن بالتربية التي تشمل اعداد المرأة لكسب الرزق بالاضافة إلى القراءة والكتابة والعناية بتدبير المنزل، وقبل أن تتمكن المرأة من إعالة نفسها، تظل رهينة باستبداد الرجل وتحت رحمته، يجردها من مزاياها الانسانية ويحصر وظيفتها بالإنجاب والتمتع بجسدها وتدبير المنزل، وتقوم علاقته بها على عدم الثقة بها، وقد سخر أمين من المعتقدات السائدة حول المرأة واقترح أن يتحجب الرجال أنفسهم طالما يظنون أن المرأة تستسلم بسهولة لجاذبيتهم التي لا تقاوم، وأن يكون لها حق الرجل في الطلاق.
ونزّه قاسم أمين الاسلام عن امتهان حقوق المرأة في هذا الكتاب واعتبر أن الشريعة ساوت المرأة بالرجل إلا في حالة تعدد الزوجات، وكان حذراً فلم يقل بمنح المرأة حقوقها السياسية، واعتبر أن المرة بحاجة إلى وقت طويل من التثقيف قبل أن تصبح جديرة بالاشتراك في الحياة العامة، رغم ذلك آثار كتابه هذا عاصفة من التهجم والتأييد، فرد على نقاده بكتاب ثان حول المرأة الجديدة تجاوز فيه موقفه الأول معتمداً على العلوم الاجتماعية بدلاً من النصوص والمراجع الدينية، ومصراً على استقلال الانسان في التفكير والارادة والفعل، وعلى اعتبار حرية المرأة أساساً لجميع الحريات الأخرى. ثم انه في هذا الكتاب أظهر العلاقة بين اضطهاد المرأة والاضطهادات الأخرى في المجتمع فقال: (فانظر إلى البلاد الشرقية، تجد أن المرأة في رق الرجل، والرجل في رق الحاكم، فهو ظالم في بيته، مظلوم إذا خرج منه)، وهو اضافة إلى ذلك يرفض (تحري الكمال في الماضي، حتى في الماضي الاسلامي، وإذا كان له أن يوجد، فسيوجد فقط في المستقبل البعيد).
ويتمثل هذا التيار التحرري أيضاً في اعمال سلامة موسى وخاصة في كتابه المرأة ليست لعبة الرجل، وفي أعمال نساء معاصرات بينهن الكاتبة الجزائرية فاضلة مرابط في كتاب لها حول المرأة الجزائرية، والكاتبة المغربية فاطمة مرنيسي في كتاب لها بالانكليزية حول ديناميكية علاقة الرجل ـ المرأة في مجتمع اسلامي، وخالدة سعيد في بعض مقالاتها، ونوال السعداوي في مجموعة من الكتب وغيرهن.(14/313)
ترى خالدة سعيد ان المرأة العربية كائن بغيره لا بذاته، إذ تحدد هويتها بكونها (زوجة فلان أو بنت فلان أو أم فلان أو أخته... هي أنثى الرجل، هي الأم، هي الزوجة، وهي باختصار تعرف بالنسبة إلى الرجل، إذ ليس لها وجود مستقل، إنها الكائن بغيره لا بذاته، ولأنها كائن بغيره فلا يمكنها، في إطار الأوضاع التقليدية، أن تعيش بذاتها، لا هي تشعر الاكتمال بذاتها، ولا المجتمع يقبلها ككائن بذاته، إنها المثال النموذجي للاغتراب، ذلك ان واحداً من أبعاد شخصيتها يطغى على سائر الأبعاد، أو على انسانيتها كلها، وما دامت كائناً موجوداً بغيره، فهي تسعى بكل الوسائل إلى الدخول في آلة مهما صار إليه وضعها في هذه الآلة، والآلة التقليدية هي مؤسسة الزواج)، ضمن هذا الاطار التقليدي ترتبط قضية المرأة بالنظام الطبقي، فحيث تكون العلاقات علاقات (بين سيد ومسود، يصعب أن تجد فيه المرأة الحرية الحقيقية، وأن تستعيد فيه انسانيتها) فتعاني المرأة من (اغترابين: اغتراب طبقي واغتراب على صعيد البنية التحتية في نطاق الأسرة، فهي عبدة العبد، حتى لقد رأي ماركس في علاقة الرجل بالمرأة خلاصة اضطهادات الانسان واغتراباته، وليس مؤكداً أن تتحرر بتحرر البروليتاريا، فقد لايرفعها هذا إلا درجة واحدة في سلم العبودية، إذ ان استغلال المرأة لاينتفي بالضرورة بانتفاء الاستغلال الاقتصادي وإن كانت الأسباب الاقتصادية في أصل استعباد الرجل للمرأة)، وضمن هذا الاطار الطبقي لايعني التخلص من (الحجاب) ولبس (الميني جوب) أن المرأة قد تحررت حقاً، فكلاهما (في مستوى واحد باعتبار الحالين اقراراً بأن المرأة أولاً وآخراً جسد يمتلك ويصان ويخبأ أو يعرض).
وتفضح الطبيبة المصرية نوال السعداوي الازدواجية الأخلاقية في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع العربي المعاصر، (فالأب الذي يضرب ابنته لأنها حادثت زميلاً لها يخون زوجته في معظم الأحيان، والأخ الذي يتظاهر بالتدين بالنهار يمد يده في الليل ليلمس جسد أخته الصغيرة)، وتتجلى هذه الازدواجية أيضاً من خلال القيم التجارية السائدة التي تشجع (عرض أفلام الجنس والرقصات العارية وأجساد النساء وتأوهات المطربين والمطربات ليل نهار في الراديو والتلفزيون وعرض الأفخاذ والنهود العارية في صفحات المجلات، ويصبح علي البنت المصرية أن تحل وحدها المعادلة الصعبة، عليها أن تتشبع بهذه الأفلام والصور والأصوات الصارخة بالجنس والشبق، وعليها في الوقت نفسه إلا تتأثر بها)، وتعتبر السعداوي أن علاقة الزوج بالزوجة تشبه علاقة السيد بالعبد فلا تختلف (ملكية الرجل للمرأة كثيراً عن ملكية السيد للعبد، فالرجل يشتري المرأة بمقدم الصداق، وينص عقد الزواج في أول بنوجه على أن الزوجة ملك لزوجها واجبها الطاعة المطلقة، وتخدم الزوجة في بيت زوجها بغير أجر فإن عصيت أو تذمرت أو مرضت أو وهنت باعها الرجل بحقه المطلق في الطلاق)، وتدعم السعداوي استنتاجها هذا بالعودة إلى نص المادة (67) من مواد قانون الزواج في مصر الذي يقول (لاتجب النفقة للزوجة إذا امتنعت مختارة عن تسليم نفسها بدون حق، أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج. كما لاتستحق النفقة إذا حبست ولو بغير حق، أو اعتقلت، أو غصبت، أو ارتدت، أو منعها أولياؤها، أو كانت في حالاة لايمكن الانتفاع بها كزوجة)، كذلك تذكر السعداوي انه كما كان العبيد يخصون لتفرض عليهم العفة فقد كانت الإناث في المجتمع المصري تجرى لهن عملية الختان التي هي أشبه ما تكون بالاخصاء لفرض العفة عليهن، ولأن (الرجل يشتري المرأة بالزواج لتخدمه وتكون أداة أمتاعه ووعاء ينجب أطفاله فهو يختار تلك الفتاة التي تصغره في السن بأعوام كثيرة ليظل جسدها شاباً قادراً على الخدمة والانجاب طوال حياتها معه)، وفيما يتعلق بتغيير وضع المرأة وتحريرها ترى السعداوي (إن تحرير المرأة لا يمكن أن يحدث في مجتمع رأسمالي، وان مساواة المرأة بالرجل لايمكن أن تحدث في مجتمع يفرق بين فرد وفرد، وبين طبقة وطبقة، ولهذا، فإن أول ما يجب أن تدركه المرأة أن تحريرها إنما هو جزء من تحرير المجتمع كله من النظام الرأسمالي).
إن التيار التحرري يرفض ادعاء المساواة والتسويغات التي يلجأ إليها بعض الذين يعترفون بعدم وجود مساواة، ويرفض التفسيرات التقليدية التي تنسب تخلف المرأة لعوامل طبيعية وليس للعوامل الاجتماعية التي تربط بين التخلف وبين عزل المرأة عن المشاركة في الحياة العامة وتجريدها من مسؤولياتها.
ان أوضاع المرأة الاجتماعية والاقتصادية وليس طبيعتها الجسمانية هي التي تحيلها إلى كائن مغترب، ويسبب الأوضاع السائدة التقليدية تتحول المرأة إلى كائن يتصف بما يلي:
ـ انها مضطرة أن تعتمد على الزواج، وبدونه يعتبرها المجتمع عانساً (وليس للرجل الذي يظل عازباً مثل هذا اللقب السلبي) وعالة وموضوع سخرية أو شفقة أو كليهما معاً.(14/314)
ـ يقدّر المجتمع في المرأة تلك الصفات التي تتعلق بالأنوثة والأمومة والزوجية والمهارة في الشؤون المنزلية، وبكونها موضوعاً جنسياً فيكون جمالها رأسمالها الأهم، ولابد للمرأة أن تفرض وجودها كانسان قبل كل شيء، وليس لكونها مجرد دور (أم، أخت، زوجة، بنت... الخ) فتعرف بالنسبة للرجل وليس بالنسبة لكونها كائناً مستقلاً.
ـ تعتبر المرأة في المجتمع التقليدي مسؤولة ليس عن انحرافها وحسب، بل عن انحراف الرجل أيضاً، فهي في نظر التقاليد أصل الغواية والفتنة والشر والتعاسة، ولذلك عرف المجتمع جرائم الشرف ضد المرأة، وليس ضد الرجل.
ـ ينتظر المجتمع التقليدي من المرأة أن تكون مطيعة ومخلصة وأمينة لزوجها وتدبر شؤون منزلها، وتحترم أهل الزوج وأقربائه وراضية بمعيشتها ما دام يؤمن لهاه حاجاتها المادية. مقابل ذلك، لايلزم الزوج بواجبات أخلاقية مماثلة تجاه زوجته، من هنا الازدواجية التي يمارسها المجتمع وخاصة كما يظهر في أمور الزواج والطلاق والإرث والالتزامات الأخلاقية.
إن الموقف التحرري في المجتمع العربي يرفض شرعية الأوضاع القائمة ويدعو إلى إلغاء الازدواجية في المجالات المذكورة سابقاً، وفي مجالات الانتخابات والعمل والتعلم والإرث وادلاء الشهادة وفي التصرف الجنسي، ان قيماً جديدة تنبثق وتفرض نفسها في المجتمع العربي، ولذلك نلمس مزيداً من تحرر المرأة واقبالها على العلم والعمل خارج المنزل والمشاركة في الانتاج الاقتصادي والعمل السياسي والدفاع عن البلاد، وبقدر ما تتعلم وتعمل وتنتج وتستقل اقتصادياً وتسهم في صنع مصيرها ومصير المجتمع، يصبح أمر مساواتها بالرجل واقعاً حقيقيا، وحتى يتحقق هذا الأمر، ومهما كان تقديرنا للانجازات التي تحققت حتى الآن، فإن المرأة لاتزال مغتربة تعاني من مشكلات أساسية، بما في ذلك موضوع الحجاب (رمز الانفصام بين عالم المرأة وعالم الرجال) الذي لايزال سائداً في عدد من البلدان العربية ومنتشراً في بعضها الآخر.
ان هرمية العائلة هي جزء من هرمية المجتمع، فلا يتم تحرير المرأة بمعزل عن عملية تحرير المجتمع نفسه، هذا لايعني أن تؤجل مسألة تحرير المرأة حتى يتحرر المجتمع، إن هناك علاقة تفاعلية جدلية بين عمليتي التحرر، وتكون البداية بالنسبة للمرأة بمزيد من مشاركتها في قوة العمل والحصول على الاستقلال الاقتصادي، وحتى الآن كانت نسبة مشاركة المرأة في العمل الاقتصادي الانتاجي متدنية جداً في البلدان العربية، حتى بالمقارنة مع دول العالم الثالث الأقل نموا، صحيح ان المرأة العربية تسهم بالانتاج الاقتصادي وبنسبة أعلى من النسب الضئيلة التي توردها الإحصاءات، ولكن هذا الانتاج لم يكن مستقلاً عن سيطرة الرجل واشرافه وملكيته لوسائل الانتاج ومن ضمن نشاطاتها المنزلية الغالبة. وما زال النظام العام يضع الحواجز في طريق اشتراك المرأة في قوة العمل متسلحاً بمسوغات عدة غير التسويغات الغيبية التي أشرنا إليها، كالقول ان اشتراكها سيؤدي إلى زيادة حدة مشكلة البطالة وإلى نتائج سلبية في حياة الأسرة.
** دونية الصغار
وتقوم بنية العائلة الهرمية على أساس العمر كما تقوم على أساس الجنس، فالصغار تقليدياً عيال على الكبار وتوجب عليهم الطاعة شبه المطلقة في علاقة سلطوية، ويتم التواصل تقليدياً بين الكبار والصغار ليس أفقياً بل عمودياً، فيتخذ من فوق إلى تحت طابع الأوامر والتبليغ وتوجيه التعليمات والتلقين والمنع والتحذير والتخويف والتهديد والتوبيخ والتنديد والتخجيل والاستهزاء والاذلال والشتم والتحريم وتوليد الشعور بالذنب والقلق... الخ. وقد يقترن هذا التواصل من فوق إلى تحت بالعقاب والحرمان والغضب والصفع والاخضاع وكسر (الأنف) أو (الشوكة) أو العنفوان، أما التواصل من تحت إلى فوق فيتخذ طابع الترجي والاصغاء ورفع التقارير والانصياع والاسترحام والتذلل والاستعلام والترديد والتجاوب والاستجابة مقترناً بالبكاء والكتب والصمت والانسحاب واحناء الرأس والمراقبة الذاتية واخفاء الأسرار والمشاكل والتكتم والتخفي والتحجج والمكر والمسايرة والاستغابة والحذر والاحساس بالذنب والقلق والخوف والرضوخ... الخ، ويتي كل ذلك نتيجة لعلاقات الاستبداد التي تعتمد فلسفة تربوية تقوم على الترهيب والترغيب وليس على الاقناع.(14/315)
في بحثه حول أثر طرق تربية الطفل في العائلة البرجوازية، يرى شرابي أن الأب يضطهد الصبي فيما تسحق الأم شخصيته عن طريق الافراط في حمايته، أما البنت فتدفعها العائلة منذ طفولتها المبكرة إلى الشعور بأنها عبء وغير مرغوب فيها، ان هذا الافراط في الحماية وهذه السلطوية في العقاب يؤديان إلى شعور الأبناء بالعجز، والاتكالية، والتهرب من المسؤولية، ويرى شرابي انه (خلافاً لما يعتقده الكثيرون، فإن نظام العائلة عندنا ـ على ما فيه من حسنات كاحترام الكبار وحماية أفراد العائلة بعضهم بعضاً في الملمات يقوم على التنابذ والخلاف أكثر مما يقوم على التعاون والوثام، إن الغيرة والحسد يسودان علاقات أفراد العائلة أكثر مما تسودها المحبة والتسامح، وهكذا الحال تماماً في علاقات أعضاء المجتمع بعضهم ببعض، أن أولادنا يتعلمون منذ الصغر كيف يجري اغتياب الأصدقاء والأقرباء وكيف يجهر الانسان بما لايضمره ومن أين تؤكل الكتف، وفي تنافسهم على محبة الأم وعطفها يتعلمون بشكل تلقائي كراهية الأشقاء واعتبارهم منافسين ومنافسات يجب التحسب لهم، كذلك فإن الوالدين ينميان روحاً لغيرة في نفوس أطفالهما وذلك بتصرفاتهما اللاواعية نحوهم، فإذا ميزت الأم، ولو بكلمة واحدة، بين ولد وآخر فإنها قد تسبب عند الواحد أو الآخر نقمة أو شعوراً بالنقص يصبح جزءاً من تركيب شخصيته فيؤثر في سلوكه تجاه نفسه وتجاه الآخرين).
ويظهر واضحاً ان الأبناء في العائلات التقليدية نادراً ما يشاركون أهلهم أسرارهم أو يستشيرونهم في حل مشاكلهم، وكثيراً ما يلجأون إلى أترابهم بدل أن يلجأوا إلى أهلهم، وبقدر ما تتصف العلاقات بالسلطوية، يمارس الأبناء والبنات الرقابة على تصرفاتهم ومشاعرهم في حضور الأهل، كذلك يمارس الأهل بدورهم نوعاً من الرقابة فيمتنعون عن بعض التصرفات أو عن بحث الأمور بحضور أبنائهم وبناتهم، ونلحظ أن المشاركة والاستشارة والتعبير العفوي تزداد بازدياد العلاقات الديمقراطية ضمن العائلة.
كذلك يظهر الأهل، تقليدياً، تحذيراً لبعض الأبناء والبنات حسب العمر والجنس، وأحياناً حسب الجمال والذكاء وطاعة الأهل ومسايرتهم، وقد عرف المجتمع العربي عادة تفضيل الأهل للابن الأكبر ومنحه حقوقاً وامتيازات لا تمنح لغيره، ورغم اضمحلال عادة حصر الإرث والسلطة بالابن الأكبر، فإن الكثير من آثار هذه المفاضلة لاتزال تعكس نفسها بشكل أو بآخر في الحياة اليومية، وتحدث المفاضلة أكثر ما تحدث على أساس الجنس وخاصة بالنسبة للإرث وتوفير فرص التعليم، وليس من النادر أن نصدف في الوقت الحاضر عائلة أصبح ابناؤها أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة فيما ظلت البنات دون علم أو مهنة، بل كثيراً ما تتخذ الأخوات دور الأم، فيخدمن إخوتهن منذ الصغر، وقد تستمر هذه العلاقة حتى بعد الزواج.
وقد ينشأ لدى بعض الأبناء إحساس بأن الامتيازات التي يتمتعون بها على حساب الأخوات والاخوة الصغار إنما هي حقوق طبيعية نادراً ما يتساءلون حولها، كذلك قد ينشأ عند بعض الأخوات احساس بأن هذه الامتيازات حقوق طبيعية للاخوة وانهن عندما يخدمن اخوتهن إنما يفعلن واجباتهن ليس إلا، فيظهرن استعداداً هائلاً للتضحية. وكثيرً ما تتخلى بعض الأخوات عن حقوقهن بارث العائلة، وقد يرتبط ذلك بحس المرأة بعد زواجها أن بيت أهلها هو بيتها الحقيقي وان الزواج نفي اختياري اضطراري معاً، ربما لذلك تبكي عندما تخرج عروساً من بيت أهلها. ولذا قد لايشكل الطلاق صدمة عاطفية، إذ بامكانها أن تعود إلى أهلها إذا شاءت أو اضطرت إلى ذلك.
وليس التنظيم العائلي الهرمي هو وحده المسؤول عن هذه النتائج السلبية، فللمؤسسات الاجتماعية الأخرى أنظمتها الهرمية الخاصة التي تعزز واقع التنشئة هذا في العائلة، ثم ان بعض هذه الأوصاف لاتنطبق على جميع العائلات العربية، إن تعميمات شرابي نفسها تقتصر على ذلك النموذج العائلي الذي يجسد (القيم والمواقف السائدة في وسط اسلامي مدني، وفي طبقة اجتماعية وسطى أو أقرب إلى الوسطي، هذا مع العلم أن بعض التعميمات يمكن أن تنطبق على المجتمع العربي ككل بما فيه البدو والفلاحون، إن نزعة الاتكالية، مثلاً، قد لاتنطبق على أطفال العائلات الفقيرة الذين يضطرون للعمل الشاق والكفاح منذ صغرهم.
ان محور العلاقات في العائلة العربية ليس الفرد بل الجماعة، ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بكونها عائلة ممتدة بالاضافة إلى أنها وحدة إنتاجية اجتماعية معاً.
المصدر: أمان - المركز العربي للمصادر والمعلومات
=====================
حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون.. نصاً ومقارنة وتطبيقاً
كتبه : المحامي محمد عنجريني ...
** المبادئ الأساسية لتكريم المرأة في الإسلام
(تتلخّص المبادئ الإصلاحية التي أعلنها الإسلام على لسان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالمرأة في المبادئ التالية:(14/316)
أ - إن المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء قال الله تعالى: ؟ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة؟(174) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)(175).
ب - دفع الإسلام عن المرأة اللعنة التي كان يصفها بها رجال الديانات السابقة، فلم يجعل عقوبة آدم بالخروج من الجنة ناشئاً منها وحدها بل منهما معاً قال تعالى:؟ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه(176) ثم قرر مبدأ آخر يعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء وهو يشمل المرأة والرجل على السواء، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم(177).
جـ – إن المرأة أهل للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت، أما إذا أساءت فمعاقبتها كالرجل سواء بسواء قال الله تعالى:؟ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون؟ (178).
د – حارب الإسلام التشاؤم بها والحزن لولادتها كما كان شأن العرب، ولا يزال شأن كثير من الأمم، فقال الله تعالى منكراً هذه العادة السيئة: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون؟(179).
هـ - أمر إكرامها: بنتاً، وزوجاً، وأماً، قال تعالى:؟ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة؟(180).
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحبتي؟ (قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك)(181).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من عال جاريتين (أي بنتين) حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه(182).
و - رغب في تعليمها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(183) ولفظ مسلم هنا يشمل الذكر والأنثى.
ز- أعطاها حقها في الإرث: أماً، وزوجة، وبنتاً، كبيرة كانت أم صغيرة أم حملاً في بطن أمها.
ح - نظم حقوق الزوجين وجعل لها حقوقاً كحقوق الرجل مع رئاسة الرجل لشؤون البيت، وهي رئاسة غير مستبدة، ولا ظالمة، قال الله تعالى:؟ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة؟(184).
ومن هذا يتبين أن الإسلام أحل المرأة المكانة اللائقة بها في مجالات ثلاثة:
(1) المجال الإنساني: فقد إعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شك، أو إنكار الأمم المتحدثة السابقة.
(2) المجال الإجتماعي: فقد فتح أمامهما مجال التعليم، وأسبغ عليها مكاناً اجتماعياً كريماً في مختلف مراحل حياتها منذ طفولتها حتى نهاية حياتها، بل إن هذه الكرامة تنمو كلما تقدمت في العمر من طفلة، إلى زوجة، إلى أم، حيث تكون في سن الشيخوخة التي تحتاج معها إلى مزيد من الحب، والحنو، والإكرام.
(3) المجال الحقوقي: فقد أعطاها الأهلية المالية الكاملة في جميع التصرفات حين تبلغ سن الرشد، ولم يجعل لأحد عليها ولاية من أب أو زوج، أو رب أسرة) (185).
** الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة في الشؤون الإجتماعية
أ - حق التعليم
حثّ الإسلام على العلم ورغب به الرجال والنساء على السواء وليس فيه نص واحد صحيح يحرم على المرأة أن تتعلم، وإن في التاريخ الإسلامي مئات العاملات والأديبات، والمحدثات ممن اشتهرن بذلك ودونت سيرتهن في كتب التراجم.
ب - حق المرأة في العمل والوظيفة
لا يوجد في الإسلام ما يمنع من تولي المرأة الوظائف لكمال أهليتها، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق مبادئ الإسلام وأخلاقه، فلا يصح أن تكون الوظيفة معطلة لعمل الأم في بيتها وإشرافها على شؤون عائلتها(186).
قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة:
أما تمكين المرأة من العمل فقد قررنا أن الشريعة لا تعارضه، لكن على أساس أن عمل المرأة في الحياة هو أن تكون ربة أسرة، فهي التي تظلها بعطفها، وحنانها، ترعى أم أولادها، وتغذيهم بأعلى الأحاسيس الاجتماعية وهي التي تربي فيهم روح الائتلاف مع المجتمع حتى يخرجوا إليه وهم يألفون ويُؤلفون.
إن الغذاء الروحي الذي تقدمه الأم لأولادها يربي أجسامه وينميهم فقد أثبتت التجارب العملية التي أجريت لاختبار نمو الأطفال الذين يتربون بين آبائهم وأمهاتهم أنه بعد تجاوز السنة الأولى من أعمارهم يكون نمو الطفل بين أبويه أوضح وأكثر لأنه يحتاج بعد السنة الأولى إلى غذاء من العواطف كما يحتاج إلى غذاء من المادة، بل ثبت أن غذاء العاطفة ينميه ولو لم تكن الرعاية الصحية كاملة من كل الوجوه.. أما النمو النفسي، والعقلي، والتهذيب، والسيطرة على الغرائز، فإنه يكون كاملاً في الطفل بين أبويه بينما يكون دون ذلك بكثير في الملجأ أو دار الحضانة.
ولا يمكن تنظيم الأسرة من غير ربة بيت راعية كاملة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)(187).(14/317)
وذلك ليس هو النظام الشرعي الاجتماعي فقط بل هو النظام الطبيعي، ولهذا قلنا: إن عمل المرأة لا يكون من الناحية الإجتماعية أصلاً بل يكون استثنائياً وذلك في الأحوال التالية:
الأولى: أن تكون المرأة ذات نبوغ خاص يندر في الرجال والنساء معاً، والمصلحة الاجتماعية توجب في هذه الحالة أن تعمل ليعود ذلك النبوغ على المجتمع بنفع عام، وفي هذا تترك جزء من أمومتها في سبيل المصلحة العامة.
الثانية: أن تتولى المرأة عملاً هو أليق بالنساء كتربية الأطفال وتعليمهم فيكون الطفل في حضانة أمه داخل البيت، وفي عطف المرأة ورعايتها في المدرسة، ومثل تعليم الأطفال تطبيب النساء، ولقد قرر الفقهاء أن بعض هذه الأعمال فرض كفاية كالقابلات فإن عملهن من فروض الكفاية ولذلك قرر أحد كبار فقهاء الحنفية وهو كمال الدين ابن همام أن الزوج ليس له منع امرأته من الخروج إذا كانت تحترف عملاً من فروض الكفاية الخاصة بالمرأة، ولكنه نصح هذه المحترفة بألا تخرج متبرجة غير كاملة في تصرفاتها.
الثالثة: أن تعين زوجها في ذات عمله، وهذا كثير في الريف، فالمرأة الريفية إذا كان زوجها عاملاً زراعياً، أو مالكاً غيراً، أو مستأجراً لمساحة ضئيلة تعاونه امرأته في عمله، فهو يخرج من داره حاملاً فأسه، وهي معه حاملة وعاء البذر، وحولهما أولادهما يتعلقون بثيابها، ويحملان بعضهما على أذرعهما ولو كان للمرأة صورة مثالية في مجتمعنا لكانت صورة تلك المرأة الكادحة العاملة العاطفة، لا هؤلاء النساء اللاتي يغشين الأندية والملاهي ودور الغناء.
الرابعة: أن تكون في حاجة إلى العمل لقوتها، وقوت عيالها إذا فقدت العائل هي وهم، فكان لا بد أن تعمل هذه الضرورة أو تلك الحاجة الملحة. ونقرر هنا أن المبادئ الإسلامية ما كانت لتجعل مثل هذه المرأة في حاجة لأن تعمل، لأن بيت المال كان يتولى الإنفاق عليها ويجري لها رزقاً منتظماً من بيت مال الذكوات أو بيت مال الخراج والجزية إن لم تكن مسلمة وذلك تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً وعيالاً فإلي وعلي) (188، 189)
** حق المرأة في النفقة
هناك فلسفتان في هذا الموضوع ولكل منها آثارهما الواضحة في المجتمع.
الأولى - فلسفة الإسلام في أن البنت والمرأة بوجه عام لا يصح أن تكلف بالعمل لتنفق على نفسها، بل إنَّ على أبيها، أو زوجها أو أخيها مثلاً أن يقوم بالإنفاق عليها، لتتفرغ لحياة الزوجية والأمومة وآثار ذلك جلية واضحة في انتظام شؤون البيت، والإشراف على تربية الأولاد، وصيانة المرأة من عبث الرجال، وإغرائهم، وكيدهم، لتظل لها سمعتها الكريمة النظيفة في المجتمع.
الثانية - فلسفة الغربيين في أن البنت متى بلغت سناً معينة وهو الغالب سبعة عشر عاماً، لا يجب على أبيها أو أقربائها الإنفاق عليها، بل يجب أن تفتش عن عمل لها تعيش منه، وتدخر ما تقدمه بائنة (دوطه) لزوجها المرتقب.
فإذا تزوجت كان عليها أن تسهم مع زوجها في نفقات البيت، والأولاد، فإذا شاخت، وكانت لا تزال قادرة على الكسب وجب عليها أن تستمر في العمل لكسب قوتها ولو كان ابنها من أغنى الناس، إن أهم آثار هذه الفلسفة المادية أنها خالية من كل تقدير لرسالة المرأة الخطيرة في الحياة، وأنها تلقى في أتون شهوات الرجال وشرهم الجنسي لقاء لقمة العيش، وأنها ترهق المرأة من أمرها عسراً فوق إرهاقها الطبيعي بالحمل والولادة، وأنها تودي إلى تفكك الأسرة، وتشتت شملها ونشوء الأولاد بعيدين عن مراقبة آبائهم وأمهاتهم.(190)
** الحقوق السياسية للمرأة
(1) حق الانتخاب
(الانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب شخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته لمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي، يتكلمون باسمه، ويدافعون عن حقوقه، والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع)(191).
(2) حق النيابة
إن النيابة عن الأمة لا تخلو من ثلاثة أعمال رئيسة:التشريع، والمراقبة، والشورى.
الأول: التشريع: تشريع القوانين والأنظمة، فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة لأن التشريع يحتاج قبل كل شيء إلى العلم مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لا بد منها، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء.
والثاني في المراقبة: وأما في مراقبة السلطة التنفيذية فإنه لا يخلو من أن يكون أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الإسلام قال الله تعالى في القرآن الكريم: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(192).(14/318)
ففي السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية أي السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم قدم لديه خمسة وسبعون مسلماً من المدينة منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وبايعوه جميعاً بيعة العقبة الثانية، وهي بيعة حرب وقتال، وبيعة سياسية، وبعد أن فرغوا من بيعته قال لهم جميعاً: (أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء (193) وهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع، ولم يخصص الرجل، ولم يستثن النساء، لا فيمن يَنتخب ولا فيمن يُنتخب، والمطلق يجرى على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، كما أن العام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص.
وهنا جاء الكلام عاماً ومطلقاً، ولم يرد دليل التقيد أو التخصيص فيدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء وجعل لكل من المرأتين حق انتخابها من المسلمين نقيبتين.
الثالث: الشورى
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية ولقي مقاومة عنيفة من المسلمين لشروطها، وأمرهم أن ينحروا، ويحلقوا، فرفض المسلمون جميعاً ذلك، فدخل على زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وأخبرها بما صنعه المسلمون فأشارت عليه أن يخرج، وينحر، ويحلق، فأخذ برأيها، وفعل كما قالت له، فهبّ المسلمون ينحرون ويحلقون حتى كادوا يتذابحون؟ لسرعتهم في التقيد بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم(194) وهذا يدل على حق المرأة في الشورى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور النساء، ويأخذ برأيهن، فيجوز أن تكون عضواً في مجلس الشورى لتعطي رأيها كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(195).
(3) حق تولي المناصب الحكومية
يرى أكثر الفقهاء على أن المناصب الحكومية ليست ممنوعة على المرأة سوى رئاسة الدولة العليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الفرس ولوا الرئاسة عليهم إحدى بنات كسرى بعد موته فقال: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). وإن أبا حنيفة النعمان يجيز أن تتولى القضاء في بعض الأحيان. ويرى الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المرأة بين الفقه والقانون بأن منع المرأة من تولي رئاسة الدولة العليا لا علاقة له بموقف الإسلام من إنسانية المرأة، وكرامتها، وأهليتها، وإنما هو وثيق الصلة بمصلحة الأمة وبحالة المرأة النفسية ورسالتها الاجتماعية، ويقول: (إن رئيس الدولة في الإسلام ليس صورة رمزية للزينة والتوقيع، وإنما هو قائد المجتمع، ورأسه المفكر، ووجه البارز فهو الذي يعلن الحرب على الأعداء، ويقود جيش الأمة في ميادين الكفاح، ويقرر السلم والمهادنة إن كانت المصلحة فيها، أو الحرب والاستمرار فيها إن كانت المصلحة تقتضيها، وطبيعي أن يكون ذلك كله بعد استشارة أهل الحل والعقد في الأمة عملاً بقول الله تعالى: وشاورهم في الأمر؟ (196) ولكنه هو الذي يعلن قرارهم، ويرجع ما اختلفوا فيه عملاً بقول الله تعالى بعد ذلك: فإذا عزمت فتوكل على الله(197).
ورئيس الدولة في الإسلام يتولى خطابة الجمعة في المسجد الجامع، وإمامة الناس في الصلوات، والفقهاء بين الناس في الخصومات إذا اتسع وقته لذلك.
ومما لا ينكر أن هذه الوظائف الخطيرة لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي، والعاطفي، وبخاصة ما يتعلق بالحروب وقيادة الجيوش فإن ذلك يقتضي من قوة الأعصاب، وتغليب العقل على العاطفة والشجاعة في حوض المعارك، ورؤية الدماء ما نحمد الله على أن المرأة ليست كذلك وإلا فقدت الحياة أجمل ما فيها من رحمة ووداعة وحنان، ويرى الدكتور محمد سليم العوا: إن الفقهاء حين تحدثوا عن منع المرأة من تولي رئاسة الدولة كان المقصود منها دولة الخلافة، أما الدولة المعاصرة فهي دولة دستورية فيها قوانين محددة لكل سلطة، وفيها فصل بين السلطات ولا يمكن أن يكون فيها اختصاصات الرئيس يعفي منها اختصاص الخليفة، فهناك منعت المرأة لماذا؟ يقول الدكتور محمد سليم العوا: لأنها لا تستطع أن تؤم الرجال بالصلاة، ورئيس الدولة الآن غير مطلوب منه أن يؤم الصلاة، وهي لا تستطيع تولي القضاء العام لأنها كانت من مهمات الخليفة أما اليوم فرئيس الدولة ليس قاضيا،ً هناك سلطة قضائية مستقلة، والخليفة كان مشرعاً، واليوم هناك فصل بين السلطات، فرئيس الدولة لا يشرع وإنما البرلمان الذي يشرع وفيه رجال ونساء، وينتهي الدكتور عوا إلى القول بأنه لا يرى مانعاً يحول دون أن تتولى المرأة أي منصب كان بما في ذلك رئاسة الدولة، ودولة الخلافة هي التي لن يصلح فيها قوم ولوا أمرهم امرأة، ونحن لا نتبنى رأي الدكتور محمد سليم العوا وإنما نورد رأيه إغناءً للبحث.
الباب الثاني: حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الفصل الثالث: حقوق الإنسان الاجتماعية
ثالثاً - حقوق المرأة
1 - التطور التاريخي لحقوق المرأة
أ - حقوق المرأة عند اليونان:(14/319)
كانت المرأة في المجتمع اليوناني في أول عهده بالحضارة محصنة وعفيفة لا تغادر البيت، وتقوم فيه بكل ما يحتاج إليه من رعاية، وكانت محرومة من الثقافة لا تسهم في الحياة العامة بقليل ولا كثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، وكان الحجاب شائعاً عندهم في البيوتات العالية، أما من الوجهة القانونية فقد كانت المرأة عندهم كسقط المتاع، تباع وتشترى بالأسواق، وهي مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلى حقوقها المدنية، ولم يعطوها حقاً في الميراث، وأبقوها طيلة حياتها خاضعة لسلطة الرجل، ووكلوا إليه أمر رزقها، فهو يستطيع أن يفرض عليها من يشاء زوجاً، وعهدوا إليه بالإشراف عليها في إدارة أموالها، فهي لا تستطيع أن تبرم عقداً دون موافقته، وجعلوا للرجل الحق المطلق في فصل عرى الزوجية، بينما لم يمنحوا للمرأة حق طلب الطلاق إلا في حالات استثنائية، بل وضعوا العراقيل في سبيل الوصول إلى هذا الحق، ومن ذلك أن المرأة إذا أرادت أن تذهب إلى المحكمة لطلب الطلاق، تربص بها الرجل في الطريق فأسرها وأعادها قسراً إلى البيت.
أما في (إسبارطة) فقد توسعوا في إعطائها شيئاً من الحقوق المدنية، فأعطوها شيئاً من الحق في الإرث والبائنة (الدوطة) وأهلية التعامل، وما كان ذلك عن سماحة منهم واعتراف بأهلية المرأة، وإنما كان لوضع المدينة الحربي حيث كان أهلها في حرب وقتال، فكان الرجال يشتغلون بالحرب دائماً، ويتركون التصرف في حال غيبتهم للنساء ومن هنا كانت المرأة أكثر خروجاً إلى الشارع وأوسع حرفة من أختها في أثينا وسائر مدن اليونان.
ومع هذا فقد كان أرسطو يعيب على أهل إسبارطة هذه الحرية والحقوق التي أعطوها للمرأة، ويعزو سقوط إسبارطة وانحلالها إلى هذه الحرية والحقوق.
وفي أوج حضارة اليونان تعدلت أوضاع المرأة واختلطت بالرجال في الأندية، والمجتمعات، فشاعت الفاحشة حتى أصبح الزنا أمراً غير منكر، وحتى غدت دور البغايا مراكز للسياسة والأدب، ثم اتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن، ثم اعترفت ديانتهم بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة، فمنهم آلهتهم (أفروديت) التي خانت مع ثلاثة آلهة وهي زوجة إله واحد، وكان من أخدانها رجل من عامة البشر فولدت (كيوبيد) إله الحب عندهم.
ولم يشبع ذلك غرائزهم حتى انتشر عندهم الاتصال الجنسي الشاذ بين الرجل والرجل، وأقاموا لذلك تمثال (هرموديس) و (وارستوجنتين) وهما في علاقة آثمة، وكان ذلك خاتمة المطاف في حضارتهم فانهارت وزالوا.
ب - حقوق المرأة عند الرومان:
أما عند الرومان فقد كان لأمر عندهم في العصر القديم أن الأب ليس ملزماً بقبول ضم ولده منه إلى أسرته ذكراً كان أم أنثى، بل كان يوضع الطفل بعد ولادته عند قدميه، فإذا رفعه وأخذه كان دليلاً على أنه ضمه إلى أسرته، وإلا فإنه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد إلى الساحة العامة أو إلى باحات هياكل العبادة فيطرح هناك، فمن شاء أخذه إذا كان ذكراً، وإلا فإنه يموت جوعاً وعطشاً وتأثراً من حرارة الشمس أو برودة الشتاء.
وكان لرب الأسرة أن يدخل في أسرته من الأجانب من يشاء ويخرج منها من أبنائه من يشاء، عن طريق البيع، وكانت سلطته على أبنائه وبناته تمتد حتى وفاته مهما بلغ سن الأبناء والبنات، كما كانت له سلطة على زوجته وزوجات أبنائه وأبناء أبنائه، وكانت هذه السلطة تشمل البيع والنفي والتعذيب والقتل، فكانت سلطته سلطة ملك لا حماية، ولم يلغ ذلك إلا في عهد جوشنياف (المتوفى عام 565م) فإن سلطة الأب لم تعد تتجاوز التأديب.
وكان رب الأسرة هو مالك كل أموالها، فليس لفرد فيها حق التملك، وإنما هو الذي يقوم بتزويج الأبناء والبنات دون إرادتهم.
أما الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك وإذا اكتسبت مالاً أضيف إلى أموال الأسرة، ولا يؤثر على ذلك بلوغها ولا زواجها، وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين تقرر أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تتميز عن أموال أبيها، ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها، وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين.
وفي عهد جوستثيان قرر أنه كلما تكتسبه البنت بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر غير رب أسرتها يعتبر ملكاً لها، أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكاً له، على أنها وإن أعطيت حق تملك تلك الأموال فإنها لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة. وإذا مات رب الأسرة يتحرر الابن إذا كان بالغاً، أما الفتاة فتنتقل الولاية عليها إلى الوصي ما دامت على قيد الحياة، ثم عدّل ذلك أخيراً بحيلة للتخلص من ولاية الوصي الشرعي بأن تبيع المرأة نفسها لولي تختاره، فيكون متفقاً فيما بينهما أن هذا البيع لتحريرها من قيود الولاية، فلا يعارضها الولي الذي اشتراها في أي تصرف تقوم به.
وإذا تزوجت الفتاة أبرمت مع زوجها عقداً يسمى (اتفاق السيادة) أي بسيادة الزوج عليها بإحدى ثلاث طرق:(14/320)
1 - في حفلة دينية على يد الكاهن.
2 - بالشراء الرمزي أي يشتري الزوج زوجته.
3 - بالمعاشرة الممتدة بعد الزواج إلى سنة كاملة.
وبذلك يفقد رب الأسرة سلطته الأبوية على ابنته، وتنتقل السلطة إلى الزوج، وقد تحولت السلطة على المرأة في عهد الازدهار العلمي للقانون الروماني من سلطة ملك إلى سلطة حماية، ولكنها مع ذلك بقيت قاصرة الأهلية.
كانت قوانين الألواح الاثني عشر تعتبر الأسباب الثلاثة الآتية أسباباً لعدم ممارسة الأهلية وهي: السن، الحالة العقلية، الجنس أي الأنوثة، وكان الفقهاء الرومان القدامى يعللون فرض الحجر على النساء بقولهم:
لطيش عقولهن، جاء قانون جوستنيان ينص على أنه يشترط لصحة التعاقد أهلية حقوقية وأهلية فعلية واقعية.
أما الأهلية الحقوقية فيعتبر فاقداً لها:
1 - الرقيق، 2- الأجانب في العقود الوطنية، 3- الخاضعات لسلطة رئيس الأسرة، وهن البنات والزوجات.
وأما الأهلية الفعلية الواقعية فيعتبر فاقداً لها:
1 - الأولاد الصغار والمعتوهون.
2 - السفهاء في الحالة التي يصبحون فيها مدينين.
3 - البنات والسيدات البالغات الخاضعات لسلطة رئيس أسرة (أب أو زوج).
4 - النساء البالغات المستقلات، وذلك في الحالة التي يصبحن فيها مدينات دون إذن من الوصي عليهن.
جـ - حقوق المرأة في شريعة حمورابي:
كانت المرأة في شريعة حمورابي تحسب في عداد الماشية المملوكة، فمن قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يسلّم ابنته ليقتلها أو يمتلكها.
د - حقوق المرأة في شريعة مانو الهندية:
لم يكن للمرأة في شريعة مانو الحق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها، وهي قاصرة طيلة حياتها، ولم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها بل يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد.
واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر حيث أبطلت على كره من رجال الدين الهنود.
وكانت تقدم قرباناً للآلهة لترضى، أو تأمر بالمطر أو الرزق، وفي مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يقدم لها أهل المنطقة فتاة تأكلها كل سنة.
وجاء في شرائع الهندوس: ليس الصبر المقدر والريح ، والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة.
د - حقوق المرأة عند اليهود:
كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق في أن يبيعها قاصرة، وما كانت ترث إلا إذا لم يكن لأبيها ذرية من البنين، وإلا ما كان يتبرع بها لها أبوها في حياته.
وحين تحرم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر، يثبت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج إذا كان الأب قد ترك عقاراً فيعطيها من العقار، أما إذا ترك مالاً فلا شيء لها من النفقة والمهر ولو ترك القناطير المقنطرة، واليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم، وقد جاء في توراتهم: (المرأة من الموت، وإن الصالح أمام الله ينجو منها -رجلاً واحداً بين ألف وجدت، أما المرأة فبين كل أولئك لم أجد).
هـ- حقوق المرأة عند المسيحيين:
لقد هال رجال المسيحية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش والمنكرات، وما آل إليه من انحلال أخلاقي شنيع، فاعتبروا المرأة مسؤولة عن هذا كله لأنها كانت تخرج إلى المجتمعات، وتتمتع بما تشاء من اللهو، وتختلط بمن تشاء من الرجال كما تشاء، فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وإن الأعزب عند الله أكرم من المتزوج، وأعلنوا أن المرأة باب الشيطان، وأنها يجب أن تسخر من جمالها لأنه سلاح إبليس للفتنة والإغراء.
وقال القديس سوستان: إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة.
وفي القرن الخامس الميلادي اجتمع مجمع (ماكون) للبحث في المسألة التالية: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟
وأخيراً قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم ماعدا أم المسيح.
ولما دخلت أمم الغرب في المسيحية كانت آراء رجال الدين قد أثرت في نظرتهم إلى المرأة، فعقد الفرنسيون مؤتمراً في عام 586 للميلاد (أي أيام شباب النبي محمد صلى الله عليه وسلم) للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وأخيراً قرروا أنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب.(14/321)
واستمر الغرب في احتقار المرأة وحرمانها لحقوقها طوال القرون الوسطى حتى إن عهد الفروسية الذي كان يظن فيه أن المرأة احتلت شيئاً من المكانة الاجتماعية، حيث كان الفرسان يتغزلون بها ويرفعون من شأنها، لم يكن عهد خير لها بالنسبة لوضعها القانوني والاجتماعي، فقد ظلت تعتبر قاصرة لاحق لها في التصرف بأموالها دون إذن زوجها. ومن الطريف بالذكر أن القانون الإنجليزي حتى عام 1805 كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات، فقد حدث أن باع إنجليزي زوجته بمبلغ قدره خمسمائة جنيه وقال محاميه في الدفاع عنه: إن القانون الإنجليزي قبل مئة عام كان يبيح للزوج أن يبيع زوجته بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغي عام 1805 بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر.
ولما قامت الثورة الفرنسية وأعلنت تحرير الإنسان لم تشمل بحنوها المرأة، فنص القانون المدني الفرنسي على أنها ليست أهلاً للتعاقد دون رضا وليها إن كانت غير متزوجة.
وقد جاء النص على أن القاصرين هم: الصبي، والمجنون، والمرأة، واستمر ذلك حتى عام 1938 حيث عدلت هذه النصوص لمصلحة المرأة، ولا تزال فيها بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة(163).
2 - الحقوق التي حصلت عليها المرأة عن طريق الأمم المتحدة:
لقد تبيّن لنا من التطور التاريخي لحقوق المرأة أن العالم دخل الثورة الصناعية، والمرأة مضطهدة، وقد تخلى الرجل عن إعالتها وحرمت من التعليم، ومن حق التصرف في مالها، ومن حق الاختيار في الزواج، وأمام حاجتها لإعالة نفسها، وحاجة المصانع الجديدة لأيدي عاملة رخيصة، اضطر لإخراج المرأة من البيت، وانتهز حاجتها واستغل فرصة زيادة العرض ليرخص من أجورها، واستغنى أصحب الأعمال بالمرأة الرخيصة الأجر عن العامل الذي يرفع رأسه ويطالب بأجر كريم. وحين طالبت المرأة بالمساواة، كانت تعني أولاً وبالذات المساواة في الأجور لتأكل وتعيش، ولما لم تتمكن من تحقيق هذه المساواة طالبت بحق الانتخاب، ليكون لها صوت يحسب حسابه، ثم طالبت بدخول البرلمانات ليكون لها صوت إيجابي في تقرير المساواة لأن القوانين التي تحكم لجميع يسنّها الرجل وحده.
ويجب أن نذكر أن فرنسا حتى عهد الجمهورية الرابعة بعد الحرب العالمية الثانية، لم تمنح المرأة حق التصرف في مالها إلا بإذن من وليها في حين منحتها حق ممارسة الدعارة العلنية.
أ - المساواة بين الرجل والمرأة:
لقد جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ما يلي:
(نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقيمته، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية).
كما أن أحد أهداف الأمم المتحدة، كما هو مبيّن بالمادة الأولى من الميثاق هو (تحقيق التعاون الدولي على حلّ المشكلات العالمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والإنسانية، والعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته دون تمييز).
وتعلن المادة الثانية أنه: (لا تفرض الأمم المتحدة قيوداً تحدّ بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأية صفة، وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسة والثانوية).
والعهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان يحظران التمييز على أساس الجنس.
ب - الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة:
في تاريخ 7/11/1967 أعلنت الجمعية العامة قرارها (2263) وهو الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة.
وقد جاء في ديباجة هذا الإعلان ما يعكس قلق الجمعية العامة على استمرار التمييز ضد المرأة، وقد جاء فيها:
(رغم ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيتين الدوليتين الخاصتين بحقوق الإنسان، والوثائق الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة -ورغم التقدم الذي تمّ إحرازه في ميدان المساواة في الحقوق، فإنه لا يزال هناك قدر كبير من التمييز ضد المرأة).
ويبيّن الإعلان في مادته الأولى:
1 - أنّ التمييز ضد المرأة بإنكار أو تقييد تساويها في الحقوق مع الرجل، يمثل إجحافاً أساسياً، ويعدّ جريمة مخلّة بالكرامة الإنسانية.
ويدعو في مواد أخرى إلى اتخاذ التدابير لضمان الاعتراف العالمي قانوناً وواقعاً بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ومن هذه التدابير:
- إلغاء القوانين والعادات والأنظمة والممارسات القائمة المنطوية على أي تمييز ضد المرأة.
- توفير الحماية القانونية الكافية لتأمين تساوي حقوق الرجل والمرأة.
- الإهابة بالحكومات والمنظمات غير الحكومية، والأفراد لتعزيز تنفيذ المبادئ الواردة بهذا الإعلان.
ويتناول مواد أخرى: الحقوق السياسية، وحق الجنسية، والحقوق في القانون المدني، والبنود القائمة على التمييز في قانون العقوبات، والاتجار في المرأة، وحقوق التعليم، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
جـ - معاهدة القضاء على التمييز ضد المرأة:(14/322)
منذ عام 1974 والأجهزة المختصة بالأمم المتحدة مشغولة بإعداد معاهدة دولية بشأن القضاء على التمييز ضد المرأة. وفي عام 1976 استطاعت الموافقة على مسودة لمعاهدة وضعت على أساس مواد قامت مجموعة العمل بصياغتها، وتمّ إقرارها عام 1978.
د - حق المرأة في الانتخاب
ابتداء من عام 1977 اعترفت (139) من الدول الأعضاء البالغ عددها الإجمالي (147) بحق المرأة في الانتخاب.
هـ - المعاهدة الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة
لقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها رقم (11) عام 1957، بالقرار رقم (104) المعاهدة الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة، وحددت المعاهدة الالتزامات التالية بالنسبة لكل دولة موقعة:
(1) يراعى ألا يؤثّر الارتباط بالزواج، أو حدوث الطلاق بين إحدى رعاياها، وأي أجنبي أو تغيير جنسية الزوج خلال الزواج على جنسية الزوجة بصورة آلية.
(2) يراعى ألاّ يحول الحصول الاختياري على جنسية دولة أخرى، أو تخلي أحد رعاياها عن جنسيته دون احتفاظ هذا المواطن بجنسيتها.
(3) يجوز لأي زوجة أجنبية أن تحصل بناء على طلبها على جنسية زوجها عن طريق إجراءات خاصة وتفصيلية لمنح الجنسية، ويجوز أن يخضع منح هذه الجنسية للقيود التي قد تفرضها مصالح الأمن القومي، والسياسة العامة.
(4) يراعى ألا تؤول هذه المعاهدة على أنها تؤثر على أي تشريع، أو ممارسة قضائية يجوز بمقتضاها أن تحصل الزوجة الأجنبية لأحد مواطنيها بناء على طلبه للحصول على جنسية زوجها. كحق من الحقوق المسلم به.
و - المعاهدة الخاصة بحظر الاتجار في الأشخاص والبغاء التي وافقت عليها الجمعية العامة عام 1949.
ووفق هذه المعاهدة توافق الدول الأطراف على معاقبة أي شخص يقوم من أجل إشباع الرغبات الجنسية للآخرين: بجلب أو غواية أو قوادة شخص آخر بغرض البغاء حتى لو تمّ هذا بموافقة ذلك الشخص، أو يقوم باستغلال شخص آخر للبغاء، ولو كان برضا هذا الشخص أو بامتلاك أو إدارة أو تمويل ماخور عن علم، أو السماح بتأخير مبنى أو مكان آخر، أو جزء من ذلك المكان بغرض البغاء.
ز - المعاهدة التكميلية بإلغاء العبودية وتجارة الرقيق والعادات والممارسات التي تمثل العبودية.
تعدد هذه المعاهدات التي أقرها مؤتمر للمبعوثين السياسيين عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1956 العادات والممارسات التي تماثل العبودية وهي أي عادة، أو ممارسة بمقتضاها:
(1) توعد أي امرأة بالزواج، أو تزوجها دون منحها حق الرفض مقابل مال يدفع نقداً أو عيناً لوالديها، أو للوصي، أو للأسرة أو أي شخص أو مجموعة أشخاص آخرين.
(2) يكون لزوج امرأة ما أو لأسرته، أو عشيرته الحق في نقلها إلى شخص آخر مقابل قيمة يتلقّاها أو خلاف ذلك.
(3) تتعرض أي امرأة بعد زواجها لأن يتوارثها شخص آخر.
ح - السن الأدنى للزواج.
إن التوجه التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1965 بالقرار رقم 2018 دورة 20:
إن السن الأدنى للزواج لا يجوز أن يقل بأي حال عن /15/ عاماً.
ط - المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق في حالة حل الزواج، أو إلغائه أو الانفصال القانوني.
لقد أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بأن تتخذ الحكومات جميع التدابير الممكنة لضمان المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة في حالة حل الزواج أو إلغائه أو الانفصال القانوني المبادئ التالية:
(1) توفير تسهيلات التصالح.
(2) يراعي عدم منح الطلاق أو الانفصال القانون إلا عن طريق السلطة القضائية المختصة ويراعي تسجيله قانونياً.
(3) يراعي تمتع كلا الزوجين بالقواعد القانونية نفسها والدفاع القانوني عن إجراءات الطلاق أو إلغاء الزواج أو الانفصال القانوني.
(4) يراعي أن يكفل القانون لكلا الزوجين الحق في تقديم الموافقة الكاملة والحرة، أو الإمساك عنها في حالة الطلاق على أساس الموافقة المشتركة في البلاد التي تكون الموافقة المشتركة فيها شرطاً للطلاق.
(5) في الإجراءات القضائية المتصلة بحضانة الأطفال يراعي أن يعطى لمصلحة الأطفال الاعتبار الأكبر.
(6) يراعي ألا يحدث نتيجة للطلاق، أو إلغاء الزواج، أو الانفصال القانوني، أو حل الزواج بالوفاة عدم مساواة بين الرجل والمرأة في الوضع والأهلية القانونيتين.
ي - حرية وصول المرأة إلى التعليم والتدريب.
لقد اهتم عدد من أجهزة الأمم المتحدة على مرّ السنين بصياغة تدابير لتحسين حرية وصول المرأة والفتاة إلى التعليم والتدريب. وكانت هذه الأجهزة تهتدي في هذا الشأن بما ورد في الإعلان العالمي، والمعاهدات الدولية وقرار الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان.(14/323)
وفي عام 1960 أقر المؤتمر العام لليونسكو معاهدة وتوصية اليونسكو للقضاء على التميز في التعليم. والآن تقوم اليونسكو على فترات منتظمة بتقديم تقارير إلى اللجنة الخاصة بوضع المرأة بشأن مختلف أوجه حرية وصول الفتاة والمرأة إلى التعليم والتدريب وتقارير بشأن أنشطتها ذات الاهتمام الخاص بالمرأة وعلى أساس هذه المعلومات وغيرها من المعلومات المتاحة أقرت اللجنة وأجهزة الأمم المتحدة الأخرى المعينة قرارات ومقررات استهدفت ضمان المساواة في المعاملة على المستويات كافة وفي جميع المجالات وفي التدريب التقني والمهني وكذا في التدريب النظري.
وفيما يتصل بالتعليم الابتدائي قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بناء على مبادرة اللجنة الخاصة بمركز المرأة بالتوصية في عام 1962 بمراعاة تقديم التعليم الأولي المجاني والإلزامي والشامل للأطفال من كلا الجنسين، وأن تتخذ التدابير لزيادة حضور الفتيات في التعليم الأولي، وأن تطور أشكال خاصة من تعليم الكبار للمرأة.
وفيما يتصل بالتعليم الثانوي اقترح المجلس في عام 1965 أن تراعى الدول عند التخطيط لنظامها التربوي اتخاذ تدابير من شأنها أن تضمن للفتيات على قدم المساواة التامة مع الأولاد حرية الوصول إلى التعليم الثانوي سواء العادي منه أو الخاص بإعداد المعلمين المهني أو التقني.
وفي عام 1966 أقرت اليونسكو برنامجاً طويل المدى من أجل تقديم المرأة من خلال حرية الوصول إلي التعليم والعلوم والثقافة، وطبقاً لهذا البرنامج يقوم منذ ذلك الوقت بتنفيذ عدد من المشروعات التجريبية لتشجيع تكافؤ الفرص للمرأة والفتاة في التعليم مع التركيز على محور الأمية والتعليم المهني والتقني والتعليم في إطار التنمية الريفية باعتبارها مجالات ذات أولوية.
وفي السنوات الأخيرة اتسعت جهود اليونسكو التي لا تزال تشتمل على عنصر تربوي كبير، بحيث اشتملت على اهتمامات أخرى وعلى وجه الخصوص تعزيز دور المرأة في عمليات صنع القرار وتعزيز السلام، وتدريس أوضاع المرأة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من تدريس حقوق الإنسان وحرية وصول المرأة إلى العلوم والتكنولوجيا، ودراسة هيكل وسائل الاتصال الجماهيرية في المجتمع وعلاقتها بوضع المرأة.
ك- تحسين الوضع والدور الاقتصادي للمرأة والفتاة:
على مرّ السنين كانت أجهزة الأمم المتحدة تسعى لإقرار تدابير لتحسين الوضع، والدور الاقتصادي للمرأة والفتاة، وكانت هذه الجهود تهتدي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولوائح حقوق الإنسان، وبمعاهدة منظمة العمل الدولية الخاصة بالأجر المتكافئ التي تكفل أجراً متساوياً عن نفس العمل للعمال من الرجال والنساء، والمعاهدة المنقحة للعمل الليلي للمرأة والمعاهدة المنقحة للعمل تحت الأرض.
على أنّ المشكلات التي تصادف المرأة والفتاة فيما يتصل بوضعهما ودورهما في الحياة الاقتصادية لمجتمعاتها المحلية تنشأ عن الممارسة أكثر منها نتيجة للقانون.
ل - معاهدة وتوصية منظمة العمل الدولية بشأن المكافأة المتساوية.
لقد أقر المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 29 حزيران 1951 المعاهدة والتوصية بشأن المكافأة المتساوية للعامل والعاملة عن العمل ذي القيمة (المتكافئة).
وفي المعاهدة عرفت كلمة (متكافئة) بأنها تتضمن (الأجر والراتب العادي أو الأساسي أو الأدنى، وأي مبالغ إضافية أياً كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة نقداً أو عيناً إلى العامل نتيجة لاستخدامه.
الباب الثاني: حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الفصل الرابع: حقوق الإنسان الاجتماعية في الشريعة الإسلامية
ثالثاً - حقوق المرأة في الإسلام
1 - المبادئ الأساسية لتكريم المرأة في الإسلام
(تتلخّص المبادئ الإصلاحية التي أعلنها الإسلام على لسان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالمرأة في المبادئ التالية:
أ - إن المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء قال الله تعالى: ?يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة?(174) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)(175).
ب - دفع الإسلام عن المرأة اللعنة التي كان يصفها بها رجال الديانات السابقة، فلم يجعل عقوبة آدم بالخروج من الجنة ناشئاً منها وحدها بل منهما معاً قال تعالى: ?فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه?(176) ثم قرر مبدأ آخر يعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء وهو يشمل المرأة والرجل على السواء ?تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم?.(177).
جـ - إن المرأة أهل للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت، أما إذا أساءت فمعاقبتها كالرجل سواء بسواء قال الله تعالى: ?من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون?. (178).(14/324)
د - حارب الإسلام التشاؤم بها والحزن لولادتها كما كان شأن العرب، ولا يزال شأن كثير من الأمم، فقال الله تعالى منكراً هذه العادة السيئة: ?وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون?(179).
هـ - أمر إكرامها: بنتاً، وزوجاً، وأماً، قال تعالى: ?ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة?(180).
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحبتي؟ (قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك)(181).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من عال جاريتين (أي بنتين) حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه(182).
و - رغب في تعليمها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(183) ولفظ مسلم هنا يشمل الذكر والأنثى.
ز- أعطاها حقها في الإرث: أماً، وزوجة، وبنتاً، كبيرة كانت أم صغيرة أم حملاً في بطن أمها.
ح - نظم حقوق الزوجين وجعل لها حقوقاً كحقوق الرجل مع رئاسة الرجل لشؤون البيت، وهي رئاسة غير مستبدة، ولا ظالمة، قال الله تعالى: ?ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة?(184).
ومن هذا يتبين أن الإسلام أحل المرأة المكانة اللائقة بها في مجالات ثلاثة:
(1) المجال الإنساني: فقد اعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شك، أو إنكار الأمم المتحدثة السابقة.
(2) المجال الاجتماعي: فقد فتح أمامهما مجال التعليم، وأسبغ عليها مكاناً اجتماعياً كريماً في مختلف مراحل حياتها منذ طفولتها حتى نهاية حياتها، بل إن هذه الكرامة تنمو كلما تقدمت في العمر من طفلة، إلى زوجة، إلى أم، حيث تكون في سن الشيخوخة التي تحتاج معها إلى مزيد من الحب، والحنو، والإكرام.
(3) المجال الحقوقي: فقد أعطاها الأهلية المالية الكاملة في جميع التصرفات حين تبلغ سن الرشد، ولم يجعل لأحد عليها ولاية من أب أو زوج، أو رب أسرة) (185).
2 - الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة في الشؤون الاجتماعية
أ - حق التعليم:
حثّ الإسلام على العلم ورغب به الرجال والنساء على السواء وليس فيه نص واحد صحيح يحرم على المرأة أن تتعلم، وإن في التاريخ الإسلامي مئات العاملات والأديبات، والمحدثات ممن اشتهرن بذلك ودونت سيرتهن في كتب التراجم.
ب - حق المرأة في العمل والوظيفة:
لا يوجد في الإسلام ما يمنع من تولي المرأة الوظائف لكمال أهليتها، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق مبادئ الإسلام وأخلاقه، فلا يصح أن تكون الوظيفة معطلة لعمل الأم في بيتها وإشرافها على شؤون عائلتها(186).
قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة:
أما تمكين المرأة من العمل فقد قررنا أن الشريعة لا تعارضه، لكن على أساس أن عمل المرأة في الحياة هو أن تكون ربة أسرة، فهي التي تظلها بعطفها، وحنانها، ترعى أم أولادها، وتغذيهم بأعلى الأحاسيس الاجتماعية وهي التي تربي فيهم روح الائتلاف مع المجتمع حتى يخرجوا إليه وهم يألفون ويُؤلفون.
إن الغذاء الروحي الذي تقدمه الأم لأولادها يربي أجسامه وينميهم فقد أثبتت التجارب العملية التي أجريت لاختبار نمو الأطفال الذين يتربون بين آبائهم وأمهاتهم أنه بعد تجاوز السنة الأولى من أعمارهم يكون نمو الطفل بين أبويه أوضح وأكثر لأنه يحتاج بعد السنة الأولى إلى غذاء من العواطف كما يحتاج إلى غذاء من المادة، بل ثبت أن غذاء العاطفة ينميه ولو لم تكن الرعاية الصحية كاملة من كل الوجوه.. أما النمو النفسي، والعقلي، والتهذيب، والسيطرة على الغرائز. فإنه يكون كاملاً في الطفل بين أبويه بينما يكون دون ذلك بكثير في الملجأ أو دار الحضانة.
ولا يمكن تنظيم الأسرة من غير ربة بيت راعية كاملة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)(187).
وذلك ليس هو النظام الشرعي الاجتماعي فقط بل هو النظام الطبيعي، ولهذا قلنا: إن عمل المرأة لا يكون من الناحية الاجتماعية أصلاً بل يكون استثنائياً وذلك في الأحوال التالية:
الأولى: أن تكون المرأة ذات نبوغ خاص يندر في الرجال والنساء معاً، والمصلحة الاجتماعية توجب في هذه الحالة أن تعمل ليعود ذلك النبوغ على المجتمع بنفع عام، وفي هذا تترك جزء من أمومتها في سبيل المصلحة العامة.
الثانية: أن تتولى المرأة عملاً هو أليق بالنساء كتربية الأطفال وتعليمهم فيكون الطفل في حضانة أمه داخل البيت، وفي عطف المرأة ورعايتها في المدرسة، ومثل تعليم الأطفال تطبيب النساء، ولقد قرر الفقهاء أن بعض هذه الأعمال فرض كفاية كالقابلات فإن عملهن من فروض الكفاية ولذلك قرر أحد كبار فقهاء الحنفية وهو كمال الدين ابن همام أن الزوج ليس له منع امرأته من الخروج إذا كانت تحترف عملاً من فروض الكفاية الخاصة بالمرأة، ولكنه نصح هذه المحترفة بألا تخرج متبرجة غير كاملة في تصرفاتها.(14/325)
الثالثة: أن تعين زوجها في ذات عمله، وهذا كثير في الريف، فالمرأة الريفية إذا كان زوجها عاملاً زراعياً، أو مالكاً غيراً، أو مستأجراً لمساحة ضئيلة تعاونه امرأته في عمله، فهو يخرج من داره حاملاً فأسه، وهي معه حاملة وعاء البذر، وحولهما أولادهما يتعلقون بثيابها، ويحملان بعضهما على أذرعهما ولو كان للمرأة صورة مثالية في مجتمعنا لكانت صورة تلك المرأة الكادحة العاملة العاطفة، لا هؤلاء النساء اللاتي يغشين الأندية والملاهي ودور الغناء.
الرابعة: أن تكون في حاجة إلى العمل لقوتها، وقوت عيالها إذا فقدت العائل هي وهم، فكان لا بد أن تعمل هذه الضرورة أو تلك الحاجة الملحة. ونقرر هنا أن المبادئ الإسلامية ما كانت لتجعل مثل هذه المرأة في حاجة لأن تعمل، لأن بيت المال كان يتولى الإنفاق عليها ويجري لها رزقاً منتظماً من بيت مال الذكوات أو بيت مال الخراج والجزية إن لم تكن مسلمة وذلك تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً وعيالاً فإلي وعلي) (188، 189)
جـ - حق المرأة في النفقة:
هناك فلسفتان في هذا الموضوع ولكل منها آثارهما الواضحة في المجتمع.
الأولى - فلسفة الإسلام في أن البنت والمرأة بوجه عام لا يصح أن تكلف بالعمل لتنفق على نفسها، بل إنَّ على أبيها، أو زوجها أو أخيها مثلاً أن يقوم بالإنفاق عليها، لتتفرغ لحياة الزوجية والأمومة وآثار ذلك جلية واضحة في انتظام شؤون البيت، والإشراف على تربية الأولاد، وصيانة المرأة من عبث الرجال، وإغرائهم، وكيدهم، لتظل لها سمعتها الكريمة النظيفة في المجتمع.
الثانية - فلسفة الغربيين في أن البنت متى بلغت سناً معينة وهو الغالب سبعة عشر عاماً، لا يجب على أبيها أو أقربائها الإنفاق عليها، بل يجب أن تفتش عن عمل لها تعيش منه، وتدخر ما تقدمه بائنة (دوطه) لزوجها المرتقب.
فإذا تزوجت كان عليها أن تسهم مع زوجها في نفقات البيت، والأولاد، فإذا شاخت، وكانت لا تزال قادرة على الكسب وجب عليها أن تستمر في العمل لكسب قوتها ولو كان ابنها من أغنى الناس. إن أهم آثار هذه الفلسفة المادية أنها خالية من كل تقدير لرسالة المرأة الخطيرة في الحياة، وأنها تلقى في أتون شهوات الرجال وشرهم الجنسي لقاء لقمة العيش، وأنها ترهق المرأة من أمرها عسراً فوق إرهاقها الطبيعي بالحمل والولادة، وأنها تودي إلى تفكك الأسرة، وتشتت شملها ونشوء الأولاد بعيدين عن مراقبة آبائهم وأمهاتهم.(190)
د - الحقوق السياسية للمرأة
(1) حق الانتخاب:
(الانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب شخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته لمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي، يتكلمون باسمه، ويدافعون عن حقوقه، والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع)(191).
(2) حق النيابة:
إن النيابة عن الأمة لا تخلو من ثلاثة أعمال رئيسة:
التشريع، والمراقبة، والشورى.
الأول : التشريع: تشريع القوانين والأنظمة، فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة لأن التشريع يحتاج قبل كل شيء إلى العلم مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لا بد منها، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء.
والثاني في المراقبة: وأما في مراقبة السلطة التنفيذية فإنه لا يخلو من أن يكون أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الإسلام قال الله تعالى في القرآن الكريم: ?والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر?(192).
ففي السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية أي السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم قدم لديه خمسة وسبعون مسلماً من المدينة منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وبايعوه جميعاً بيعة العقبة الثانية، وهي بيعة حرب وقتال، وبيعة سياسية، وبعد أن فرغوا من بيعته قال لهم جميعاً: (أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء (193) وهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع، ولم يخصص الرجل، ولم يستثن النساء، لا فيمن يَنتخب ولا فيمن يُنتخب، والمطلق يجرى على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، كما أن العام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص.
وهنا جاء الكلام عاماً ومطلقاً، ولم يرد دليل التقيد أو التخصيص فيدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء وجعل لكل من المرأتين حق انتخابها من المسلمين نقيبتين.
الثالث: الشورى:(14/326)
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية ولقي مقاومة عنيفة من المسلمين لشروطها، وأمرهم أن ينحروا، ويحلقوا، فرفض المسلمون جميعاً ذلك، فدخل على زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وأخبرها بما صنعه المسلمون فأشارت عليه أن يخرج، وينحر، ويحلق، فأخذ برأيها، وفعل كما قالت له، فهبّ المسلمون ينحرون ويحلقون حتى كادوا يتذابحون؟ لسرعتهم في التقيد بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم(194) وهذا يدل على حق المرأة في الشورى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور النساء، ويأخذ برأيهن، فيجوز أن تكون عضواً في مجلس الشورى لتعطي رأيها كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(195).
(3) حق تولي المناصب الحكومية:
يرى أكثر الفقهاء على أن المناصب الحكومية ليست ممنوعة على المرأة سوى رئاسة الدولة العليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الفرس ولوا الرئاسة عليهم إحدى بنات كسرى بعد موته فقال: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). وإن أبا حنيفة النعمان يجيز أن تتولى القضاء في بعض الأحيان. ويرى الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المرأة بين الفقه والقانون بأن منع المرأة من تولي رئاسة الدولة العليا لا علاقة له بموقف الإسلام من إنسانية المرأة، وكرامتها، وأهليتها، وإنما هو وثيق الصلة بمصلحة الأمة وبحالة المرأة النفسية ورسالتها الاجتماعية، ويقول: (إن رئيس الدولة في الإسلام ليس صورة رمزية للزينة والتوقيع، وإنما هو قائد المجتمع، ورأسه المفكر، ووجه البارز فهو الذي يعلن الحرب على الأعداء، ويقود جيش الأمة في ميادين الكفاح، ويقرر السلم والمهادنة إن كانت المصلحة فيها، أو الحرب والاستمرار فيها إن كانت المصلحة تقتضيها، وطبيعي أن يكون ذلك كله بعد استشارة أهل الحل والعقد في الأمة عملاً بقول الله تعالى: ?وشاورهم في الأمر? (196) ولكنه هو الذي يعلن قرارهم، ويرجع ما اختلفوا فيه عملاً بقول الله تعالى بعد ذلك: ?فإذا عزمت فتوكل على الله?(197).
ورئيس الدولة في الإسلام يتولى خطابة الجمعة في المسجد الجامع، وإمامة الناس في الصلوات، والفقهاء بين الناس في الخصومات إذا اتسع وقته لذلك.
ومما لا ينكر أن هذه الوظائف الخطيرة لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي، والعاطفي، وبخاصة ما يتعلق بالحروب وقيادة الجيوش فإن ذلك يقتضي من قوة الأعصاب، وتغليب العقل على العاطفة والشجاعة في حوض المعارك، ورؤية الدماء ما نحمد الله على أن المرأة ليست كذلك وإلا فقدت الحياة أجمل ما فيها من رحمة ووداعة وحنان، ويرى الدكتور محمد سليم العوا: إن الفقهاء حين تحدثوا عن منع المرأة من تولي رئاسة الدولة كان المقصود منها دولة الخلافة، أما الدولة المعاصرة فهي دولة دستورية فيها قوانين محددة لكل سلطة، وفيها فصل بين السلطات ولا يمكن أن يكون فيها اختصاصات الرئيس يعفي منها اختصاص الخليفة، فهناك منعت المرأة لماذا؟ يقول الدكتور محمد سليم العوا: لأنها لا تستطع أن تؤم الرجال بالصلاة، ورئيس الدولة الآن غير مطلوب منه أن يؤم الصلاة، وهي لا تستطيع تولي القضاء العام لأنها كانت من مهمات الخليفة أما اليوم فرئيس الدولة ليس قاضيا،ً هناك سلطة قضائية مستقلة. والخليفة كان مشرعاً، واليوم هناك فصل بين السلطات، فرئيس الدولة لا يشرع وإنما البرلمان الذي يشرع وفيه رجال ونساء، وينتهي الدكتور عوا إلى القول بأنه لا يرى مانعاً يحول دون أن تتولى المرأة أي منصب كان بما في ذلك رئاسة الدولة، ودولة الخلافة هي التي لن يصلح فيها قوم ولوا أمرهم امرأة، ونحن لا نتبنى رأي الدكتور محمد سليم العوا وإنما نورد رأيه إغناءً للبحث.
==================
حق الطلاق بين الرجل والمرأة
الرد على شبهات المجتمع
- إنكم فرقتم بين الرجل والمرأة في حق الطلاق ، وجعلتم الطلاق بيد الرجل لعدم ثقتكم بقدرات المرأة وكفائتها ، وأردتم أن يكون استقرار بيتها وسعادتها مرهونان بيد الرجل ،فإن شاء طلقها ، وإن شاء أبقاها وهي مهددة في الحالتين.
الرد على شببهة عدم مساواة المرأة بالرجل في حق الطلاق:
1-لا بد أن نفرق أولاً ما بين جمال النظام وعدالته وبين سوء استخدامه والتعسف في تطبيقه ، فإذا أساء الرجال أو النساء استخدام الحق فلا يعني ذلك سوء النظام وظلمه ، وإنما يعني ذلك سوء النفس الإنسانية التي تعسفت في استخدامه.
2-إن هناك نوعين من الطلاق: الأول يقع بإرادة الطرفين ، وهو مايسمى (بالإرادة المشتركة ) ، والثاني يتم بإرادة منفردة أما بإرادة الزوج والزوجة غير راغبة ،أو بإرادة الزوجة والزوج غير راغب ، وهذان النظامان كلاهما موجود في شريعتنا ، فإذن نحن لم نجعل الطلاق بيد الرجل فقط و إنما راعت الشريعة جميعالحالات والظروف .
3-إن دعاة المساواة ليس لديهم تحفظ على الطلاق الذي يقع بإرادة منفردة ، لذا نحتاج أن نفصل في ذلك قليلاً:(14/327)
فلو وقع الطلاق من الرجل ، فالشريعة تعطي للمرأة تعويضاً نفسياً ومالياً وهو نفقة للعدة ونفقة للمتعة ويكون لها المهر ولا يستثنى من ذلك إلا حالة النشوز ولو وقع الطلاق بطلب المرأة فالقاضي يوقع الطلاق وتأخذ حقوقها المالية إذا كان الزوج ناشزاً ، وأما إن كان طلبها للطلاق مزاجياً فتعطي الرجل تعويضاً مالياً وهذا ما يسمى ( بالمخالعة ) .
4-إن المتتبع للأيان والمذاهب في موضوع الطلاق يرى أن منها من يحرم الطلاق والفراق بين الزوجين ، وتكون علاقتهما أبدية ، ومنها من لا يرى للطلاق قيمة ولا لعقد الزواج قدسية ، فالباب مفتوح دائماً ، ولكن الإسلام دين الوسطية والاعتدال ، قد شرع الطلاق وحدد له شروطاً وضوابط ، حتى لا يكون أداة هدم لأهم مؤسسة في الكون ، فهو أي الطلاق رحمة للأسرة تستخدمه متى احتاجت إليه.
5-من الخطأ عن مالقانونين أن نحكم على نص من غير النظر في الدستور كله وفهم العلاقة بين نصوصه ، وهذا ما نريد أن نقوله في موضوع الطلاق ، فالإسلام تعامل مع نص الطلاق بين الطرفين كما يتعامل الصائغ مع كفتي الميزان ، فجعل كفة بيد الرجل ( في بعض الحالات ) وأعطى ( المهر والنفقة الشهرية ) للمرأة ، فلكل طرف حق مربوط بالطرف الآخر ( فهو مغرم ومغنم لكل طرف ) .
6-من المفارقات كما يقول الشيخ الغزالي: " في الوقت الذي تحتج فيه المرأة المصرية على الطلاق " تحتج المرأة الإنجليزية على أبدية الزواج ، وقد تقمت النائبة الانجليزية ( مسز هوايت ) إلى مجلس العموم البريطاني بمشروع يقضي بإقرار الطلاق بين كل زوجين انفصلا أكثر من سبع
سنوات .
7-إن الإسلام عندما أقر الطلاق حدد له وقتاً وعين له مراحل ، فلا يطلق الرجل وهو غضبان أو مكره أو وزوجته حائض وقسم بين الطلاق السني والبدعي وأعطى مجالاً للصلح بل وحدد عدداً للطلقات:
الطلقة الأولى: محك وتجربة .
الطلقة الثانية:امتحان أخير للعلاقة .
الطلقة الثالثة:دليل على فساد العلاقة ، فالمسألة ليست عبثاً .
8- لقد أبدعت الشريعة الإسلامية وانفردت في موضوع " المراجعة " دون الشرائع الأنظمة الأخرى لأن الإنسان معرض للخطأ والتقصير ، كما وأن في المراجعة حفظ لحقوق المرأة وحريتها وكرامتها ، وجعل الشارع ضابطها انقضاء العدة حتى لا تكون المرأة لعبة بيد الرجل متى ومتى شاء طلقها ومتى شاء أرجعها ، فلو انتهت العدة فلا يستطيع أن يرجعها إلا بعقد ومهر جديدين ، وللمرأة هنا أن تشترط ما يضمن حققها لوكان الرجل هو المتسبب في الطلاق وأرادت أن ترجع إليه.
9- لا يختلف اثنان اليوم على استخدا م اكثر الرجال للجانب الأيسر من المخ ، وأقوى ما فيه الواقعية والعقلانية ، واستخدام اكثر النساء الجانب الأيمن وأقوى ما فيه الخيال والإبداع والعاطفة ، فالشارع راعى الفروق الفردية بين الجنسين عندما جعل قرار الطلاق بيد الرجل ، ومع ذلك أعطى للمرأة حقها بطرق ووسائل تتناسب وطبيعتها العاطفية .
10- حدث في تونس أن أعطيت المرأة حق الطلاق بنفس وسائل الرجل وطرقه ، فإزدادت نسب الطلاق في تلك السنة أضعافاً مضاعفة،ثم تم تعديل القانون ، وتبين أن أكثر النساء اللاتي أوقعن الطلاق كان تطليقهن لأزواجهن بسبب ردة فعل عاطفية تجاه موقف من الزوج فتلفظن بالطلاق ، ثم ندم الكثير منهن على هذا التصرف .
11- في بعض الولايات المتحدة بأمريكا إذا حصل طلاق بين الطرفين فللمرأة نصف ممتلكات الزوج ، وفي ذلك ظلم للطرفين ، فالمرأة يدخل في ملكيتها مال ليس ملكاً لها وهذا ظلم ، والرجل يسلب منه ما يملك من غير رضاه ، وهذا ظلم آخر ، وإني أعرف رجلاً يملك عقارات وأسهم بالملايين ، وعندما طلق زوجته باع كل ما يملك بمائة دولار، فأعطى لزوجته خمسين دولاراً وأخذ هو خمسين دولار اً نكاية فيها حتى لا تستفيد من ماله وكان ذلك بحكم المحكمة .
12- مع كل ماسبق فإن الشريعة اعطت المرأة الحق في أن تجعل الطلاق بيدها دون وساطة القاضي ، وفي هذه الحالة تكون العصمة بيدها إذا وافق الزوج ، فتستوي معه في التمكن من هذا الحق ، ولكن عليها أن تشترط ذلك في عقد الزواج .
13- أدركت بعض الدول الغربية والتي كانت تحرم الطلاق وتمنعه خطأها فيسرت الحصول على الطلاق ، وكانت آخر هذه الدول ايطاليا ، حيث أباحته عام 1971م ويكفي أن نعلم إنه ما إن أقر الطلاق في إيطاليا حتى قدم إلى المحاكم أكثر من مليون طلب طلاق .
كما نشرت مجلة الأسبوع العربي ، العدد(681 )- ص 65: بدأت صناعة بطاقات التهنئة في العالم ، تتجه إلى قضايا الطلاق بإعتبارها أمراً واقعاً فظهرت في بعض أسواق الدول الغربية بطاقات مخصصة للأشخاص الذين أنهوا علاقاتهم الزوجية ، وللأشخاص الذين يودون تهنئتهم بذلك ، فقد حوت بعض البطاقات عبارات مثل " تهانينا لطلاقكم " " ونحسدكم على حريتكم " و " وما أجمل ما صنعتم .. حظاً سعيداً ".(14/328)
14- أعطت الشريعة للمرأة الحق في طلب الطلاق في حالة غياب زوجها عنها أكثر من سنة أو امتناعه عن الإنفاق ، أو إن كان به علة كمرض البرص والعنة وغيرهما ، أو للضرر ، سواء كان الضرر مادياً ،أو نفسياً ، وقد اطلعت على حكم صدر في مصر بتطليق زوجة للضرر وكان الضرر في هذه القضية هو " صمت الزوج " وقد تم تأييد الحكم بالاستئناف والتمييز .
15- إن مشاهير النساء في الغرب إذا تزوجن فإنهن يكتبن ورقة على أزواجهن في حالة حدوث الطلاق فلا يأخذ المطلق أكثر من ( 100 ) ألف دولار مثلاً ، وهذا ما حصل مع " مادونا " عندما تزوجت ممثل مشهور ولم يستمر زواجهما أكثر من سنة هل هذه العدالة المطلوبة .
===============
الرد على شبهات المجتمع
عدم مساواة المرأة بالرجل في توزيع التركة؟
الرد على شبهات المجتمع
يعلق الكثير من المشككين على الآية الكريمة: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " فيقولون : إنكم فرقتم بين الرجل والمرأة في توزيع الإرث ، فأعطيتم للرجل ضعف المرأة ، وإن كان هذا الأمر مقبولاً في القديم لأن وظيفة المرأة بيتية ، واليوم المرأة شريكة الرجل في جميع الأعمال وتتحمل معه المصاريف ، فلماذا فرقتم بينهما بالميراث ؟.
1- قبل أن نخوض في الرد لنتعرف على أهداف نظام الإرث :
- يقوي العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فالأبناء يرثون من والديهم ويشعرون أنهما أصحاب فضل عليهم .
- نظام الإرث يساعد على إلغاء التضخم المالي فتوزع الثروة التي كان يملكها شخص على مجموعة أفراد .
- يشجع الأفراد على العمل ، فالفرد الذي علم أن أحب الناس إليه سيرثه سيزداد في الإنتاج حباً له .
2- لنأخذ فكرة عن نظام الإرث عند بعض المذاهب والأديان :
فعند الفرس كان الزوج يورث أحب الزوجات إليه وتحرم الباقيات كما تحرم الأم والأخت والبنت عندهم ، أما اليهود فيعتبرون الابن الذكر الوارث الوحيد لوالده ، أما عرب الجاهلية فيرون أن المرأة لا تستحق الإرث من أقاربها .
3- أن المدقق في الآية الكريمة يجد أن الله أوصى بالأولاد ، ثم بين أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، فقال تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) فالأصل الوصية بالأولاد ، وأما للذكر مثل حظ الأنثيين فهي حالة من حالات الميراث الأربع والعشرين ، ولا ينطبق هذه التقسيم على كل حالات الميراث .
4- ولنضرب ثلاث أمثلة من حالات " تساوي المرأة بالرجل في قسمة الميراث ، والأمثلة غيرها كثيرة :
- إذا ترك الميت أولاداً وأباًَ وأماً ، ورث كل من أبويه سدس التركة ، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم لقوله تعالى: ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس ) .
- إذا ترك الميت أخاً لأمه ، ولم يكن ثمة من يحجبها من الميراث فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس ، وذلك عملاً بقوله تعالى ( وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ).
- إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم ، اثنين فصاعداً ، وعدداً من الأخوات للأم ، اثنتين فصاعداً فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة ، والأخوات أيضاً يرثن الثلث مشاركة ، دون تفريق بين الإناث والذكور ، وذلك بموجب قوله عز وجل : ( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) .
5- ولنضرب مثالين آخرين من حالات أخذ المرأة أضعاف الرجل من قسمة الميراث والأمثلة غيرها كثيرة:
-إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها ، فإن ابنتها ترث النصف ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة الربع ، أي أن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر .
-إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له ، فإن الزوجة ترث ثمن المال ، وترث الإبنتان الثلثين ، وما بقى فهو لعمهما ، وهو شقيق الميت ، وبذلك يرث كل من البنتين أكثر من عمهما ، إذ إن نصيب كل منهما يساوي ( 8/24) بينهما نصيب عمهما يساوي(5/24 ).
6- يتبين لنا أن قسمة الميراث في الشريعة ليست بسبب الذكورة والأنوثة ، وإنما بسبب الوظائف التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة ، ومراعاً لمدى حاجة الوارث ، ونوع العلاقة بينه وبين مورثه ، فالقضية اقتصادية بحتة ، ولهذا لاحظنا سابقاً أن هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل ، وحالات أخرى ترث أضعاف الرجل .
7- أما الحالات التي أعطى الشرع فيها الذكر أكثر من الأنثى فليس ذلك عبثاً وإنما بسبب مكانته في الإنفاق العائلي ، فرب الأسرة يتولى الإنفاق على إخوته وأهله ، ولو كان أعزباً وعند زواجه يدفع المهر ويأمن المسكن والأثاث ، وعليه تقع مسؤولية نفقة الزوجة والأولاد ، وكذلك يتحمل دية القتل الخطأ ومصاريف الجهاد ، والمحكمة تلزمه بذلك كله كما لا يحق للمحكمة إلزام المرأة بكل هذه المصاريف ، فلو حسبنا ماأخذه الرجل بنظام محاسبي بعد إنفاقه لتبين أنه مساو لما أخذته المرأة إن لم يكن أقل .(14/329)
8- إن النظام الغربي وبالأخص الأمريكي ، يقسم الميراث على حسب الاتفاق الحاصل بين الزوجين قبل الوفاة ، وفي هذا النظام ظلم كبير فهو لم يراع الوظائف الفردية للجنسين ، وقد يحرم من التركة من هو أحق بها وقد لا يكون هناك اتفاق أصلاً بين الطرفين فيتعرى هذه النظام مشاكل كبيرة .
9- أما من يقول أن الوضع اختلف وأن المرأة بعد أن كانت بيتية في الماضي، أصبحت اليوم موظفة ، فنقول : مهما تغيرت أوضاع المرأة فإنها تبقى غير ملزمة بالإنفاق على أولادها وزوجه وبيتها ، وإن أرادت المشاركة والمساهمة فإن ذلك تطوع منها .
ولأن ذلك أدعى لحفظ كرامتها واحترام حريتها ، فقد جعل الشارع من هو مسؤول عن الإنفاق عليها من يوم ولادتها وحتى وفاتها .
10- لو تخيلناأن الشارع الزم المرأة بالإنفاق على البيت فإنه يتبع ذلك إلزامها بالخروج لكسب الرزق مما يجر الأسرة إلى الوقوع في المشكلات التي وقعت فيها المرأة الغربية ، ولكن الشريعة أرادت أن تحترم المرأة وكرمتها من خلال تأمين رزقها لتكون مطمئنة فتبدع في صناعة الأجيال ورعاية البيت ، وفي الوقت نفسه وفرت لها الحرية الاقتصادية عندما فتحت لها مجال العمل واعتبرته اختيارياً لها بينما ألزمت بذلك الرجل ، لو كسبت المرأة مالاً فإن ذمتها المالية منفصلة عن غيرها ، ولا يحق لأحد أن يأخذ منها إلا برضاها .
11- إن مسألة التركة مسألة حسابية لا مسألة عواطف وإدعاء ، وتأخذ المرأة ، ثلث الثروة المورثة لتنفقها على نفسها ، بينما يأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجته – أي إمرأة – وثانياً على أسرته وأولاده فأيهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام ؟ وإذا كانت هناك حالات شاذة لرجل ينفقون كل ثرواتهم على انفسهم ولا يتزوجون ولا يبنون أسرة ، فتلك أمثلة نادرة .
على أن هذه النسبة من الميراث إنما تكون في المال الموروث بلا تعب ، فهو يقسم بمقتضى العدل الرباني الذي يعطي " لكل حسب حاجته " ومقياس الحاجة هنا التكاليف المنوطة بكل من الرجل والمرأة .
أما المال المكتسب بكافة أنواعه كالأجر على العمل والربح في التجارة وربع الأرض ، فلا تفرقة فيه بين رجل وامرأة لأنه يتبع مقاساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء .
12- إن أخذ المرأة نصف ما يأخذه الرجل في التركة في بعض الحالات هو عين العدالة ، لأن مال الرجل سيزول بالمهر والإنفاق العائلي وماليها سيزيد بالمهر والاستثمار لو استثمرته.
13-إن البلاد الاسكندنافية لا يزال كثير منها يميز حتى الآن بين الذكور والإناث في الميراث ، فيعطي الذكر أكثر من الأنثى رغم تساويهما في الواجبات والأعباء المالية .
14- طرفة : توفى انكليزي بعد أن أوصى بكل أملاكه وعقاراته وسياراته لسكرتيرته ، ولم يترك لزوجته قرشاً واحداً ، لأنها كانت سبباً في نكده ، فهل هذه مساواة ؟ .
15- إن المرأة في الإسلام حصلت على حقها في الميراث دون مؤتمرات وثورات .. بينما النساء في العالم حصلن عليه نتيجة الإضرابات والمؤتمرات .
16- مثال: لو كان في الشركة مدير يتقاضى ( 1000 ) دينار ونائبه يتقاضى ( 800 ) دينار ، وكان المدير ذكراً بينما النائب أنثى لكانت القسمة صحيحة ، وكذلك لو كانت المدير انثى والنائب ذكراً فإن القسمة صحيحة لأن المال يوزع على حسب الجهد والمسؤولية ، فالقضية ليس لها علاقة بجنس الذكورة والأنوثة وإنما بحسب موقع الشخص والمسؤوليات التي على عاتقه وكذلك الحالة التي ناقشناها .
يعلق الكثيرون على الآية الكريمة: " الرجال قوامون على النساء " فيقولون:
•انتم فرقتم بين الرجل والمرأة في إدارة البيت وجعلتم القوامة بيد الرجل وأجحفتم في حق المرأة، وهذا ينافي المساواة بين الجنسين، كما وأن واقعنا اليوم تغير وأصبحت المرأة
في كثير من الأحيان هي سيدة البيت، بل وأحياناً تدير الرجل
الرد على شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل بجعل القوامة بيد الرجل:
1- قبل أن نرد على الشبهة لنتعرف على معنى القوامة..فالقوامة معناها الإدارة والإمارة، نقول فلان قائم على الدار، أي مديرها.
ومعروف في علم الإدارة أن المدير ليس بالضرورة أفضل ممن يديرهم فالمراد بالقوامة هنا قوامة رعاية وإدارة، وليست قوامة هيمنة وتسلط.
2- إن المتبع للنظام العام للشريعة يجد أن مفهوم الإدارة نظام معتمد في جميع المشاريع، وحتى في السفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) ، ونلاحظ إن النص يقول: ( فليؤمروا أحدهم ) ، وهذا يدل على أن الأمير ليس بالضرورة أفضلهم ، إنما المهم أن يكون على مستوى تحمل المسؤولية ، فإذا كان الشارع يحرص على أن لا يسير ثلاثة في طريق إلا ويحددوا مديرهم فهو بالتأكيد أشد حرصاً على تحديد المدير في مسيرة الأسرة.(14/330)
3- ولنناقش احتمالات الإدارة في البيت ، طالما إننا متفقون على أنه لا بد من وجود رئيس في المؤسسة ، فالاحتمال الأول: أن يكون الرجل هو المدير ، والثاني : المرأة ، والثالث: هما معاً ، فأما الثالث فهو مستبعد لأنه لا يصلح أن يكون للسفينة ربانان ، كما أن علم النفس يؤكد اختلال عواطف الأبناء واضطراب نفوسهم عند تنازع الوالدين على السيادة، وأما احتمال المرأة فنحن نعرف الجانب العاطفي عند المرأة ، وأن الإدارة تحتاج إلى زيادة في الحزم والعقلانية ، وهو ما يميز الرجل بالإضافة إلى الجانب المالي الملزم به ، مما يترجح معه اتجاه إعطاء الإدارة للرجل .
4- إن الدراسات الحديثة تؤكد رغبة المرأة بالعمل تحت إمرأة شخص آخر وهو ما أكدته العالمة النفسية " كليف دالسون" وتبين لها من الدراسة أن المرأة تفضل أن تكون مرؤوسة وبإشراف رئيس، وقد نقلت ذلك مجلة " مرآة اليوم" عدد رقم (101) كما أن المرأة تحب أن تشعر بأنها محمية ، وبأن هناك رجل حام ، فهما شعوران طبيعيان فيها.
5- إن تحميل المرأة مسؤولية نفقتها على نفسها وتأمين دخل لها تلبي به حاجاتها المستمرة يشكل قيداً قاسياً عليها، كما أن حرمانها من الحماية يحرمها الأمن وحرمانها من الأمن ينشىء عليها قيود الخوف والقلق وعدم الاستقرار.
ولذلك كان من مستلزمات القوامة أن يوفر الرجل للمرأة " كفاية الرزق ، ونعمة الأمن" فيحميها من ( الجوع والخوف)، فالقوامة إذن مسألة ذي شقين حق للرجل وواجب عليه ، فهي ليست امتيازاً ولا تشرفاً له بل تكليفاً يتبعه شدة محاسبة الرب جل وعلا .
6- إن القوامة التي دعى إليها الإسلام هي قوامة رحيمة تقوم على التفاهم والتشاور ، وليست قوامة تسلط وهيمنة ، أساسها " وعاشروهن بالمعروف" كما قال تعالى: ( وخيركم خيركم لأهله ) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
والرجل لا في كل حين وإنما عند اختلاف وجهات النظر، ولكن الأصل أن يعرف كل طرف مسؤوليته ودوره في الأسرة ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
7- نلاحظ أن النص القرآني: ( الرجال قوامون على النساء) ولم يقل ( الرجال سادة على النساء) ، ففي القوامة معنى الإصلاح والعدل ، وليس الاستبداد والسيادة والظلم ، فهي قوامة فيما لايمس كرامة المرأة وكيانها .
ونضيف على ذلك بأن الإسلام أعطى للمرأة حق التدخل في اختيار زوجها ، ولهذا فهي
تختار القيم عليها .
8- إن النظام العالمي في الإدارة يقول: ( من ينفق يشرف )، وهذا معموله به حتى في الشركات ، فأكثر المساهمين مالاً يحق لهم الإشراف والمساءلة ، ومن أمثلة الشركات العالمية المطبقة لهذا النص شركة مايكروسوفت والتي يملكها " بلجيت" فعندما طرح اسهمها للبيع للجمهور حرص أن يبيع من اسهمها ما نسبته(49 %) وأبقى له (51 %) من الأسهم حتى يبقى هو صاحب القرار فيها والقيم عليها .
ولو طبقنا هذا على الواقع وفي الأسرة فإن الرجل يدفع المهر وينفق على زوجته وأولاده كما أنه مكلف بإطعامهم وإلباسهم وشراء الدواء لهم، لذا فإن له حق الإشراف لأنه
" من ينفق يشرف" .
9- من الطرائف في وضع الأسرة بالغرب أن الزوجين إذا دخلا في مطعم لتناول العشاء مثلاً ، فإن كل واحد منهما يحاسب عن نفسه، وذلك لأن النظام الغربي في الإدارة يختلف عن النظام الرباني في جعل الرجل مكلفاً بحماية المرأة من الجوع والخوف.
ولهذا فقد الرجل صلاحيته هناك، ففي كل اثنى عشرة ثانية تحصل حادثة ضرب من زوج لزوجته في أمريكا، ولعل هذا مؤشر على تنازع السلطات.
ومع هذا نقول لو تنازل الزوج عن تأمين حماية الجوع والخوف فلا قوامة له .
10- مهم جداً أن نتفق على أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة من حيث الذات، وإنما راعي الفروق الفردية في المهمات، وهنا نذكر بعض النصوص في المساواة:
•قال تعالى: ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم
من بعض ).• ويقول: أيضاً :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) .
•ويقول عزوجل: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) ، ثم أن البيان يعود فيزيد هذه الحقيقة تأكيداً ، إذ يبرزها فيما يشبه الصياغة المحددة القانونية، فيقول: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير ).
11- قد يعترض قائل بأن الله تعالى قال: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) ، فأنتم تفضلون الرجل على المرأة !
وهنا نقول: بأن الأفضلية هنا للتناسب المصلحي وليس الجنس .
فالرجل من أهم وظائفه الاجتماعية توفير المسكن والعيش الكريم، والمرأة من أهم وظائفها الاجتماعية الرضاعة والحضانة ورعاية الأطفال ، وكل واحد منهما أفضل من الآخر(14/331)
بموقعه ، وهذا معنى " بما فضل الله بعضهم على بعض" فهو تفضيل بما يتناسب وقدرات الإنسان ،وإلا فنحن متفقون أن القوامة " رعاية وإدارة " وليست تفضيلاً .
12- لو أسقطنا عن الرجل قوامته وجعلناها للمرأة ، فإننا نكون قد أسقطنا عنه مسؤولية النفقة، وهنا تلزم المرأة بتأمين الحماية المستقبلية للأسرة وتوفير الأمن والطعام مما سيؤثر على أولوياتها الاجتماعية من حفظ البيت ورعاية الأبناء .
من أجل ذلك حرر الإسلام المرأة من مسؤولية العمل في الوقت الذي لم يمنعها منه،
حتى تختار ما يناسبها .
13- إن القانون الإنجليزي حتى عام 1805 كان يجيز بيع الرجل لزوجته، بما أنه قيم عليها، وبقيت عملية البيع قائمة حتى بداية القرن العشرين، كما أن البرلمان الإنجليزي في عهد هنري الثامن أصدر حظراً على المرأة يمنعها من قراءة الإنجيل .
بينما عندنا نحن حفظت النسخة الوحيدة لأفضل كتاب على وجه الأرض بيد إمرأة ألا وهي السيدة " حفصة بنت عمر " رضي الله عنها .
14- إن مما تقوله المرأة في قسم الزواج عند النصارى " وأقسم أن أكون مطيعة لزوجي" بينما عندنا في الإسلام تقول: " قبلت هذا الزوج " .
15- يجوز في الإسلام أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصي الأهلية ، وأن تكون وكيلة عن أي شخص حتى عن والديها أو زوجها في أعمالهم وتصريف أموالهم إذن القوامة كما ذكرنا رعاية وإدارة وليست رئاسة وتسلط .
شبهة ( 6 )
•إنكم فرقتم بين الرجل والمرأة في موضع التعدد، وأجزتم للرجل أن يعدد ولم تسمحوا للمرأة بذلك على الرغم من أن كلا الطرفين له حاجات نفسية وجنسية، وهذا يتنافى مع مبدأ حرية المرأة ومساواتها بالرجل .
وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ).
الرد على شبهة مساواة المرأة بالرجل في قضية التعدد
1-إن الإسلام يتعامل مع المجتمعات الإنسانية بواقعية لا بمثل ونظريات ، ومن الحلول الواقعية لعلاج كثير من المشاكل العائلية " نظام التعدد" وإن كان هذا النظام ليس بجديد، فالتعدد معروف منذ القديم، ولكن الإضافة كانت في تقنينه ووضع ضوابطه له.
فالتعدد معروف عند الصينية والهنود والبابليين والآشوريين والمصريين وإلا أنه لم يكن عندهم حد معين، لعدد الزوجات فقد سمحت شريعة " ليكي" الصينية بالتعدد إلى (130) إمرأة ، أما الشريعة اليهودية فليس فيها حد للتعدد، وكما أن التعدد كان موجوداً في أوربا حتى القرن 17 م.
2-إن الأصل أن يكتفي كل زوج بزوجة فيسعدا جميعاً، ولكن الشريعة راعت بعض الظروف العائلية القسرية في عدم الاكتفاء بواحدة ، فما الحل عند وقوع هذه المشكلة؟
هناك حلان: إما أن يصبر الزوج ويتحمل المعاناة أو أن ينزلق في ارتكاب الفاحشة ، ونظراً لأن الزوج بشر ومعرض للإنحراف وهو ليس ملاكاً ، رجحت الشريعة الاحتمال الثاني ولكنها قننته بعقد الزواج ليكون شرعياً،وألزمت الزوج بالتزامات مالية على الزوجة الثانية ليتحقق قانون العدالة.
3- إن تشريع التعدد " للطواريء" وليس هوالأصل ، فالأصل هو وحدانية الزواج ولكن
هناك حالات تكون الوحدانية فيها ظلماً، وعندها يلجأ الرجل إلى تشريع الضرورة مع
العلم أن العدالة المطلقة فيه غير مضمونة ، ولكن يضطر لذلك حتى يتقي ضرراً أكبر
بضرر أخف.
4- كنت في مجلس نسائي مرة أتحدث عن قضية التعدد فقالت إحدى النساء معترضة: ولكن
الإسلام لم يراع عواطف الزوجة الأولى ومشاعرها؟ فردت إحدى الحاضرات قائلة:
وماذا عن عواطف ومشاعر الزوجة الثانية والتي تحلم بالزواج، أليس من العدالة أن يفكر
بها الإسلام كذلك ؟!
فقلت: أشكركما على هذا الحوار، وهذا ما نؤكده دائماً من أن النظام الإسلامي يراعي
المصلحة العامة .
5. وهناك حالات فردية معروفة لدى الفقهاء يكون التعدد فيها ضرورة منها: الطاقة الجنسية
الحادة، وعقم الزوجة، وحالات المرض الدائم الذي يمنع الاتصال ، وحالات النفور التي
لا يملك الإنسان دفعها، وفي جميع هذه الحالات يبقى الزوج على زوجته الأولى وفاءً
لعشرتها ، وهو شعور كريم مع زواجه من أخرى لتحقيق الهدف المنشود من الزواج
في الاستقرار.
6- إن مثل هذا التشريع قد لا يكون مقبولاً في مجتمع، ولكنه مقبول في مجتمع آخر، فلا
يعني ذلك ظلم النظام أو سوءه ، بل إن وجوده ضرورة حتى يعمل به عند الحاجة، فعلى
سبيل المثال في دول جنوب أفريقيا الأصل عندهم في الزواج هو التعدد، وأذكر أنه
حدثني صديق من موريتانيا يقول: الأصل عندنا الزواج من أربع.
7- إن الشريعة فتحت باب التعدد بمقدار وشروط ولكنهم في الغرب يفتحون باب التعدد دون
الاقتصار على أربع بل يمتد التعدد عندهم إلى مالا نهاية، ولم يضعوا له ضوابط كما أنهم
لم يحملوا الرجل المسؤولية نحو النساء اللاتي يتصل بهن ويلوث سمعتهن ثم يتركهن
يتحملن آلام الحمل والولادة فيخرج نتيجة هذه العلاقات أبناء غير شرعيين حتى وصلت
نسبتهم في بعض البلدان الغربية إلى ( 60 % ).(14/332)
8- إن الفوضى الجنسية التي يعيشها الناس في الغرب فتحت أمامهم مجالاً للشذوذ الجنسي
( اللواط ،والسحاق)، لو شرع التعدد عندهم لضبط المسألة، وقد نشرت مجلة التايم عدد
ديسمبر 1998 هذه الأرقام (12) طفل غير شرعي في أمريكا، و(250) مليون مصاب
بالسيلان سنوياً في العالم و (50) مليون بالزهري ، و(75 % ) من الأزواج يخونون
زوجاتهم في أوربا ، و(17) مليون شاذ جنسياً في أمريكا ، و (8) ملايين إمرأة بالغة
غير متزوجة في بريطانيا، (90 % ) منهن يمارسن الجنس ، وكل أسرة من (10) أسر
أمريكا تمارس نكاح المحارم ، وازداد حتى أصبح من كل خمس أسر أسرة ، فمن يفكر
بهذه النتائج لا شك أنه يعجب بالنظام الإسلامي وكيفية معالجته للأمور.
9- إن الباحثين والكتاب الغربيين يستغربون من وجود (15) مليون شخص مصاب
بالأمراض التناسلية في أمريكا ومن الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الأمراض الاتصال
الجنسي خارج نطاق الزوجية ، علماً بأن من يصاب بالإيدز وحده يومياً حسب تقرير
منظمة الصحة العالمية لعام 1998م نحو (700 ) شخص ، فأيهما أفضل؟ هذه النتائج
المدمرة أم تشريع تعدد الزوجات مع ضوابطه ؟!
10- إن الإسلام عندما شرع التعدد وضع له ضوابط وشروط منها: أن يفرد الزوج للزوجة
الثانية سكناً مستقلاً ، وأن يساوي بين الزوجين بالإنفاق والميت، وكذلك في
المعاملة والمحادثة.
11- ومع هذا كله نجد أن نسبة تعدد الزوجات في سائر البلاد العربية في السنوات العشر
الماضية حسب إحصائية جامعة الدول العربية من ( 7- 10 ) حالة تعدد لكل ألف زيجة.
12- لا ننسى أن ألمانيا لجأت إلى إباحة تعدد الزوجات حلاً لمشكلة الزيادة في عدد النساء
بعد الحرب العالمية الثانية ولوضع حد لتزايد نسبة الأولاد غير الشرعيين ، قد تقدم
أهالي مدينة " بون " عام 1949م إلى السلطات يطالبون بإضافة نص الدستور الألماني
يبيح التعدد ، وقد أرسلت الحكومة الألمانية إلى مشيخة الأزهر تطلب منه شرحاً لنظام
التعدد في الإسلام لتستفيد منه.
13- لو تخيلنا أن عدد النساء يساوي عدد الرجال أو أقل منهم فإن هذا التشريع سيختفي
من تلقاء نفسه، وسيكتفي كل إمريء بما عنده.
أما إذا كان عدد النساء أكثر فنحن أمام احتمالات ثلاثة:
- إما أن نقضي على بعضهم بالحرمان حتى الموت.
- أو نبيح اتخاذ الخليلات ونقر بجريمة الزنا.
- وإما أن نسمح بتعدد الزوجات.
فماذا يختار العقلاء ؟!
14- ومع هذا كله فإن الإسلام أوجد حلاً للزوجة التي تريد الزواج من آخر لعلاقة عاطفية
أو لضرورة المتعة الجنسية، وذلك بأن تطلب الفراق من زوجها ، ولو رفض ، فإن
القضاء الشرعي سيؤيدها في طلبها، وبذلك ترعى المرأة حقها المشروع.
15- أن تتزوج المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد ، فهذا يتعارض مع نظام الرئاسة،
ففي جميع الشرائع رئاسة الأسرة تكون للرجل ، فإذا أبحنا للمرأة تعدد الأزواج فلمن
ستكون الرئاسة ؟! أتخضع لأزواجها جميعاً ، وهذا مستحيل ، أو تفضل أحدهم وهذا
بالطبع سيسخط الآخرين؟ كما أننا لو أبحنا لها التعدد فإن نظام النسب سيتخلخل،
فلو حملت المرأة المعددة فمن أي الرجال يكون المولود؟! وحتى لو كانت المرأة عقيماً
ولا يضرها الزواج بأكثر من رجل ، فإن التشريع كما ذكرنا يشرع للمصلحة الكلية
وليس لحالات استثنائية.
16- يؤكد علماء النفس أن المرأة أحادية العاطفة، بينما الرجل يستطيع أن يعدد عاطفياً.
17- إن الزواج في الإسلام لا يتم بالإكراه ، وتستطيع أي كارهة للتعدد أن ترفضه،
فذلك حق لها ، فالإسلام لم يجبرها على التعدد.
18- كما أن الإسلام أعطى للمرأة التي تخشى من زوجها أن يعدد عليها أن تشترط ألا تكون
لها ضرة ، وعلى الزوج أن يلتزم ويوفي بالشروط وإلا طلقت زوجته منه.
19- من فوائد نظام التعدد: تقليل نسبة العنوسة في المجتمعات ، وبقاء النوع الإنساني ،
وكثرة التناسل ، وتأمين العفة وتيسيرها ، كما أنه يقوي أواصر الرحم ويقلل من نسبة
المطلقات والأرامل ، ويحقق التكافل الاجتماعي.
20- نقول لمنكري التعدد: ما هو الحل الذي تقدمونه لزيادة نسبة الإناث إلى الذكور على
مستوى العالم؟! ونقدم دليلاً على ذلك هذه الإحصائية التي نشرت في مجلة المجتمع
العدد( 847 )، عن نسب الذكور مقابل الإناث حول العالم وهي: السويد (1) ذكر مقابل
(4) إناث ، وكذلك أمريكا ، وأما روسيا (1) مقابل (5) ، وكذلك في أفريقيا ، أما في
الخليج (1) مقابل (3) ، وفي بعض مناطق الصين كل (1) ذكر مقابل ( 10 ) إناث
أما اليابان فكل ذكر تقابله (6) أنثى.
شبهة ( 5 )
•أنتم تفرقون بين الرجل والمرأة في علاج النشوز، فأعطيتم الرجل ثلاث وسائل لعلاج المرأة الناشز وهي النصيحة ثم الهجر في المضجع وأخيراً الضرب، وأما المرأة إذا نشز زوجها فليس لها إلا وسيلة واحدة معه وهي النصح والإرشاد ، وهذا فيه ظلم للمرأة ،
فلماذا الرجل يضرب ويهجر وليس للمرأة هذا الحق ؟(14/333)
وقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله" ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) .
الرد على شبهة مساواة المرأة بالرجل في علاج النشوز بالضرب:
1- لنتفق أولاً على أن تساوي الرجل والمرأة في الكرامة لا يستلزم وحدة السبل التي ينبغي أن تتخذ لرعاية هذه الكرامة، فلكل جنس طريقته في التعامل.
2- إن الضرب الذي ورد في الآية لا يحق للرجل استخدامه في كل الظروف والحالات، وإنما في حالة واحدة فقط، هي نشوز الزوجة، ولا يستخدم هذه الطريقة على سبيل الإلزام، وإنما على باختياره، كما أنها لا تكون أول وسيلة للعلاج، وإنما هي الأخيرة.
3- مع تشريع الضرب تم تحديد نوعيته وماهيته فهو ليس ضرب انتقام وتشفي ،
وإنما الحكمة منه توصيل رسالة بعدم الرضى.
وقال ابن عباس وعطاء: " الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد".
4- مع تشريع الضرب كوسيل إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أما يستحي أحدكم أن يضرب إمرأته كما يضرب العبد؟ يضربها أول الليل ثم يجامعها آخره " – رواه البخاري.
وقال عندما سئل: ما حق زوجة أحدنا عليه ؟
" إن تطعمها إذا أطعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولاتقبح ولا تهجر
إلا في البيت " . رواه أبوداود.
5- وفي بعض حالات الإنحراف السيكولوجي لا تجدي مع المصاب إلا وسيلة الضرب، ويطلق علماء النفس على هذا الإنحراف اسم " الماسوشزم، وصاحب هذا المرض لا يتعدل مزاجه إلا بعد معاملة قاسية حسياً ومعنوياً، وهذا النوع من الإنحراف كما يقرر علم النفس أكثر ما يصيب النساء، إذ يصاب الرجل بانحراف " السادزم" وهو التمتع باستعمال العنف أما في الحالات الأخرى التي لا تصل إلى مرتبة المرض، فلا يجوز استعمال الضرب،
إذ لا ضرورة له ولا يجوز المبادرة إليه.
ولعل ذلك يصلح مع بعض حالات الناس.
6- إن عطاء المرأة وسيلة النصح والإرشاد في حالة نشوز زوجها ليس قاصراً على هذه الوسيلة فقط في علاج المشكلة، ولكن لها أن تبتكر ما تشاء من الوسائل لإصلاح زوجها
مع ابتعادها عن ضربة لأن الرجل لو ضربته المرأة لتحول إلى وحش كاسر
يؤذيها ويحطمها.
7- إن الشريعة راعت خصائص كل طرف وإمكانياته وقدراته ، ومع ذلك فإنها أعطت المرأة حق الضرب ، ولكن بشخص ينوب عنها فيه ويكون رجلاً حتى يتحمل ما يلاقيه من الرجل ، وتكون المعركة بينهما ولا تدخل المرأة طرفاً في المعركة القتالية ، وهذا الشخص هو وليها أو القاضي فهما ينوبان عنها في أخذ حقها.
8- وكذلك الهجر في المضجع فهو ليس خاص في الرجل في حالة نشوز زوجته،
وإنما للزوجة كذلك في بعض الحالات منها: أن يلزمها زوجها بجماعها أثناء المحيض
أو من الدبر .
9- إن وجود حق الضرب أو الهجر لا يستلزم تنفيذه فالمرأة العاقلة يكفيها الحوار والنقاش لعلاج النشوز الصادر منها، ولكن إذا لم ينفع الحوار بوسائله المختلفة، هنا يحتاج الرجل إلى استخدام الوسائل الأخرى .
10- إن تنفيذ الوسائل العلاجية يجب فيه التدرج والمرحلية ، ونلاحظ أن الوسيلة الأولى"عقلانية" من خلال الحوار والنصح، والثانية" عاطفية" من خلال هجر المضاجع ، فإذا لم ينفع مع المرأة الوسائل العقلانية والعاطفية، هنا سمح بالضرب وفق شروطه وحدوده الواردة، وكما قلنا فهو الحق للإثنين معاً .
11- الغريب في الأمر أن في الغرب من يعترض على الإسلام في حلوله لمسألة النشوزعلى الرغم من أنه لم تسجل حالات كثيرة عندنا في الهجر والضرب المشروع ، بينما في أمريكا مثلاً في كل اثنى عشر ثانية تضرب إمرأة من زوجها وبعضهن يقتل من شدة الضرب.
12- نحن لا نقول ما يقوله المثل الإيطالي: العصا للمرأة الصالحة والطالحة، وإنما الشريعة حددت الضرب في حالة خاصة، وهو آخر الدواء ، كما أن الشريعة لا تجيز أن يكون الضرب بالعصا ، ولو نفدت كل وسائل الإصلاح ولم يبق أمام الرجل إلا الضرب ، وعلم مسبقاًَ بأن الضرب غير المبرح لن يردع زوجته فإنه يؤثم لو ضربها.
13- إن مبدأ التأديب لأرباب الشذوذ والإنحراف تدعو إليه الفطرة السليمة ويقضي به نظام المجتمع، وهذا المبدأ يعتمد على مستوى الإنسانية حتى بين الشعوب وحكامها، ولولاه لما بقيت أسرة ولما صلحت أمة.
14- رغم أن المشرع أجاز الضرب، إلا أن الضرب لم يرد عن كبار الصحابة ولا تابعيهم ولا حتى صغارهم ، وإنما ورد عن الجهال من العامة في كل زمان ومكان، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أحد الصحابة يضرب عبداً فقال له: يافلان إن الله أقدر عليك من قدرتك على عبدك، فقال: يارسول الله: هو حر لوجه الله .
15-إن المرأة التي ارتضت رئاسة الرجل وقوامته، عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف حين نشوزها.
16-إن الإسلام حين وضع نظاماً للنشوز، فقد سبقه بأنظمة كثيرة لعدم حصول النشوز ومنها دعمه لحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف والرفق في التعامل مع الزوجة ، وخير الناس من كان خيراً لزوجته.
•شبهة ( 2 )(14/334)
•إنكم تتعاملون مع المرأة وكأنها سلعة تباع وتشتري ، وذلك يتحقق جلياً عندما يدفع الرجل المهر للمرأة في عقد الزواج وكأنه قد اشتراها بهذا المبلغ من المال.
- الرد على شبهة التعامل مع المرأة وكأنها سلعة من خلال المهر المقدم لها:
1-إن المهر هو عبارة عن قيمة مضافة في عقد الزواج، ومعنى القيمة هذه، هو إعطاء معنى الجدية من قبل الرجل في الارتباط بالمرأة، فهو قيمة رمزية أكثر منها قيمة حقيقية مادية.
2-إن الإسلام لا يقبل أن يُشترى الإنسان أو يباع، وإنما للإنسان كرامة والناس يتفاضلون بالتقوى، وليس للمال أي إعتبار في تقييم الإنسان، فهذا هو النظام الأساسي في الإسلام ولهذا فإن المهر ليس الهدف منه شراء رقبة المرأة، وإنما هو هدية تقدم لها لتعينها على تسهيل أمورها واحتياجاتها.
3-أكثر النصوص الشرعية تحث الرجال على عدم المغالاة بالمهور،وأكثر النساء بركة أقلهن مهراً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فالموضوع إذن ليس له علاقة بالبيع والشراء، وإنما تعامل الإسلام مع ( المهر ) مثلما تتعامل القوانين مع مفهوم ( التأمين ) في العقد ليكون أكثر جدية واستمرارية.
4-من الخطأ أن نرى ما يدفعه الرجل من مهر أو ما يعطيه من هدايا أيام الخطبة والزواج على أنه ( شراء رقبة المرأة ) ، فهذا نظر قاصر، وهناك فرق شاسع بين من يشتري العلاقة ومن يشتري الرقبة.فالطالب عندما يدفع المال للمدرسة هل يمتلك المدرسة؟ أم أنه يشتري الخدمة والعلم؟ ولم نسمع يوماً أن ذلك مناف لكرامة العلم، فالرجل بالمهر يشتري مودة المرأة لا رقبتها.
5-لقد راعت الشريعة طريقة تفكير كل جنس، فالرجل يهتم بالمال ويسعى لكسبه ويفكر كثيراً قبل اتخاذ أي قرار لو كان القرار له متعلق مالي، وإلزام الشريعة للرجل بدفع المهر وتوفير المسكن وتأثيثه والنفقة الشهرية من الوسائل المعينة على طول عمر الزواج، فالرجل يفكر ألف مرة بالخسائر المالية التي ستترتب على قرار الطلاق قبل اتخاذه، ومنها مصاريف الزواج والمهر.
6-يجعل المهر الرجل يفكر بشكل أكبر قبل اتخاذ قرار الطلاق، لأنه سيتزوج ثانية وهو ملزم بدفع مهر جديد آخر وكذلك باقي مصاريف الزواج الثاني مما يدعوه
إلى التريث في قرار الطلاق ومحاولة علاج الأمور والإصلاح ما استطاع لتحقيق الهدف السامي للشريعة، وهو استقرار البيت .
7- في بعض البلدان والمذاهب ومنها أمريكا ، تلزم المرأة بدفع المهر للزوج! فهل نقول
بأن الرجل أصبح بضاعة يشتري ويباع ؟
8- من المهم أن نعلم أن المرجع في المهر هو الزوجة،فلها أن تقرر إذا إرادت المهر مبلغاً
من المال أم حاجة عينية أخرى ، ولها أن تقرر مقدار المبلغ على حسب ما ترى من ثبات واستقرار الحياة الزوجية المقبلة عليها فالمهر صمام أمان لها.ولو كان المهر من حق الأب لقلنا أن الأب زوج ابنته مقابل مبلغ من المال، ولكن المهر من حق الفتاة ولها ، فهل معنى هذا أنها باعت نفسها؟ وهل هي تملك نفسها حتى تبيعها؟!
9- إن فكرة المهمر قائمة على اسلوب التقديم اللطيف للمشروع الأهم ، وهذه عادة الأعمال الجليلة والكبيرة مثل: المقبلات قبل الوجبة الرئيسية، ومقدمات الجماع قبله، وكذلك الخطبة قبل
الزواج، وهذا الأسلوب الراقي هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان.
10- قال تعالى:"وأتوا النساء صدقتهن نحلة فإن طبن لكم عن شي منه نفساً فكلوه هنيئاً
مريئاً" ( وهذا يعني أن المهر هبة وليس صيغة للأجر ) .
11- لو كان المهر عبارة عن أجر تشترى به المرأة ومتعتها طوال الحياة، لما استطاع
الرجل أن يدفع القيمة الحقيقية لهذا الاتفاق لأن ثمنه سيكون غالياً، فكيف وقد حث
النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً على عدم المغالاة بالمهور، بل وزوج ابنته فاطمة من
على رضي الله عنه على درع، وهي بنت سيد الخلق وسيدة نساء العالمين في زمانها.
12- لقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة على خاتم من حديد،
والبعض بسورة البقرة، فلا يشترط أن يكون المهر مالاً، وكما ذكرنا سابقاً فالقرار هنا بيد المرأة
=================
مكانة المرأة في الإسلام
كانة المرأة في الإسلام - د محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
أرسل يوم 26-7-1426 هـ بواسطة rudood.com
مقالات إسلامية متنوعةزائر المراسل "
د محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
بلغت المرأة في الإسلام مكانة عالية , لم تبلغها ملة ماضية , ولم تدركها أمة تالية , إذ إن تكريم الإسلام
للإنسان تشترك فيه المرأة و الرجل على حد سواء , فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء, كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء , قال تعالى :(14/335)
(( ولقد كرمنا بني آدم )) سورة الإسراء : 70 , وقال عز من قائل : (( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون )) سورة النساء : 7, وقال جل ثناؤه (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة : 228, وقال سبحانه : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) سورة التوبة : 71 , وقال تعالى (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً )) سورة الإسراء : 23 ,24 .
وقال تعالى : (( فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى )) سورة آل عمران : 195, وقال جل ثناؤه : (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) سورة النحل : 97 , وقال عز من قائل : (( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً )) سورة النساء/124 .
وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أي ديانة أو ملة أو قانون فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل , ولا حقوق لها على الإطلاق , واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفْس له , وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية , وأنها رجس .
وكانت المرأة في أثينا تعد من سقط المتاع , فكانت تباع وتشترى , وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان .
وقررت شرائع الهند القديمة : أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة , وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها - الذي هو سيدها - فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه , وإلا حاقت عليها اللعنة .
أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي : ( درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً , ولأعرف الشر أنه جهالة , والحماقة أنها جنون ؛ فوجدت أمرّاً من الموت : المرأة التي هي شباك , وقلبها شراك , ويدها قيود ) سفر الجامعة , الإصحاح 7 : 25 , 26 , ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى .
تلك هي المرأة في العصور القديمة , أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية :
شرح الكاتب الدانمركي wieth kordsten اتجاه الكنيسة الكالوثوليكية نحو المرأة بقوله : ( خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدوداً جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية ) , وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً ؟ وبعد النقاش : قرر المجتمعون أن المرأة إنسان , ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل .
وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي : ( المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب , ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن , ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية ) .
وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850 م غير معدودات من المواطنين , وظللن حتى عام 1882 م ليس لهن حقوق شخصية , سلسلة مقارنة الأديان , تأليف د . أحمد شلبي , ج3 , ص: 210 - 213 .
أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية , إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية , بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها و عرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها , فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته , وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية .
قارن هذا - ولا سواء - بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : (( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) سورة التوبة/71 , وقوله جل ثناؤه : (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة / 228 . وقوله عز وجل : (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً )) سورة الإسراء / 23, 24 .
وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً , وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل .(14/336)
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف : د محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. (www.islam-qa.com)
================
موقف القرآن من حقوق الإنسان والمرأة
د. البوطى
إلى الذي كتب يهذي حول موقف القرآن من حقوق الإنسان والمرأة في جريدة اللوفيغارو ـ الفرنسية
د. محمد سعيد رمضان البوطى
إن أحكام الشريعة الإسلامية تؤخذ من مصدرين اثنين : القرآن الذي هو كالدستور الجامع ، والسنة النبوية التي هي شرح وبيان .
والشريعة الإسلامية تقرر ، بناء على هذين المصدرين ، أن المرأة كالرجل تماماً في الحقوق والواجبات . ويقول كلام الله تعالى في بيان ذلك : {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران : 3 / 195] .
وتقرر الشريعة الإسلامية مبدأ الولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة، أي إنها تقرر أن للمرأة ولاية على الرجل ترعاه وتهتم به بموجبها، وأن للرجل ولاية على المرأة يرعاها ويهتم بها بموجبها. والنص القرآني الذي يقرر هذه الولاية هو قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [التوبة: 9/71]. والقوانين الغربية لا تعلم إلى اليوم في نطاق مساواة الرجل مع المرأة هذا الذي تسميه الشريعة الإسلامية ((الولاية المتبادلة)).
أمّا مسألة ضرب المرأة، فإن القرآن إنما تحدث عن ذلك في مجال الحديث عن العقوبات المشروعة لدى ارتكاب الجرائم أو الجنح، تماماً كما يتحدث القانون الفرنسي أو غيره عن العقوبات التي يجوز للقضاء أن يعتمدها في مجال الردع، لكل من الرجل والمرأة.. ولم يتحدث القرآن عن ذلك في مجال رسم العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة في الظروف العادية.
إن النظام الاجتماعي الذي يرسم علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الإسلامي يتمثل في قول الله تعالى في القرآن الذي يقرر كرامة الإنسان ومساواة الرجل والمرأة في ميزان هذه الكرامة قائلاً: {يا أَيُّها النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} [الحجرات: 49/13].
ويتمثل في هذا النص القرآني الذي يأمر الرجل بأن يعاشر المرأة بالاحترام والتكريم، حتى ولو كرهها لأسباب نفسية {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 4/19].ويتمثل في هذا النص من كلام رسول الله
: ((النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلاّ كريم، وما أهانهن إلاّ لئيم)) وفي هذا النص الثاني: ((أقربكم مني مجالس يوم القيامة، ألطفكم بأهله)).
وبناء على هذه النصوص وغيرها، فقد قررت الشريعة الإسلامية أن للمرأة أن تشترك مع الرجل في الوظائف المشروعة كلها، تقود الجيوش، وترأس المنظمات، وتشترك في مجالس الشورى تَنْتخِب وتُنْتَخب، وتتقلد الوزارات بمجرد شرط الكفاء والأهلية، وتمارس القضاء، مع ضمانة الشريعة الإسلامية حمايتها ضدّ الاستغلال الجنسي (شبكات النخاسة لتصيدّ الفتيات كما هو في الغرب)، ومع ضمانة الشريعة لكفايتها المالية عن طريق الأب قبل الزواج، وعن طريق الزوج بعد الزواج، كي لا تضطرها الفاقة إلى أن تزج نفسها في أعمال لا تتفق مع كرامتها أو مع أنوثتها، كما هو الحاصل في الغرب.
وفي ظل هذه الأحكام، فإن المرأة في البيت الإسلامي، تزداد احتراماً وتقديساً من قبل أقاربها ومجتمعها كلما تقدم بها السن، فالمرأة المسنة في الدار (ستّ البيت) لا يُقْطع دونها بأمر، والكل في المنزل خدم لها. (تماماً كما هو الحال اليوم في الغرب)؟!!!..
وفي ظل هذه الأحكام، لم يسمع التاريخ الإسلامي، أنّ امرأة مسلمة ضُرِبَتْ في بيت مسلم في عصر الصحابة وفي العصر الذي يليه والذي يليه، لا من قبل زوج ولا من قبل أب. اللهم إلا ما يتعلق بالجنايات أو الجنح التي ترتفع إلى القضاء، فذلك شيء يستوي فيه الرجال والنساء.
هذا الذي يتحدث عنه الكاتب (مشكلة ضرب المرأة) هي مشكلة الغرب الأمريكي والأوربي، وليس مشكلة الشريعة الإسلامية في العصور التي طبق فيها الإسلام، بل في عصرنا الذي نعيش فيه أيضاً.
ولقد ذكَّر الكاتب في هذا الذي يقوله عن القرآن والإسلام، بحال ذلك الذي يعاني من عادية جرب في جسمه، وبدلاً من أن يحكّ أماكن الجرب من جسده تمتدّ يده دون شعور منه إلى جسد جاره السليم فيمعن فيه حكاً؟!..
ألم يسمع الكاتب بالملاجئ الكثيرة التي تنتشر اليوم في أوربا وأمريكا، لاستقبال النساء اللاتي أتيح لهن الفرار من وابل الضرب من قبل أزواج أو أصدقاء؟
ألم يسمع بالندوات والمقالات الكثيرة التي يقوم ويقعد بها الغرب اليوم، للبحث عن علاج ما لمشكلة ضرب النساء؟(14/337)
كتب Richard F. Jones الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا، مقالاً عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة في المجلة العائدة لهذا المعهد في عدد يناير عام 1992 بعنوان:
Domestic Violence: Let our voices be heard
أي: فلندع أصواتنا ترفع الاغتصاب العائلي أو المنزلي.
افتتحه بقوله:
((هنالك وباء يجتاح بلادنا! إنه لَشنيع!.. وإنه غير قابل للتجاوز عنه أو التساهل في أمره.. إنه يجب أن يوقف، وإنه لمرض يبعث على الاشمئزاز)) ثم قال الكاتب: ((إنه في كل 12ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع امرأة للضرب إلى درجة القتل أو التحطيم من قبل زوج أو صديق)).
والدنيا كلها تعلم أن أوربا اليوم تمارس سباقاً مع أمريكا في هذا المضمار.
لعل الكاتب يراجع طبيب العيون، ويعيد النظر في صلاحية نظارته الطبية، كي لاينظر إلى الدنيا التي من حوله على طريقة صاحب العين الحولاء.
وإنا لنتمنى له من كل قلوبنا الشفاء
المصدر : موقع الشيخ
===============
ما الحكمة من تعدد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ..سؤال وجواب
كيف تجيبي على الإفتراء "الأسئلة"على رسولنا الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ..حبيبنا المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه ...
إخوتى وأخواتى فى الله سلام الله عليكم جميعا ورحمته وبركاته ...
كثيرٌ ما نجد من المقالات التى تتحدث عن شبهة تعدد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم وتوضيحها والرد على ذلك الافتراء وادعاء أن ذلك كان لشهوة أو دونها- حاشاه الحبيب صلوات رى وسلامه عليه ..
وحقيقةً...لم أجد من الردود والدلائل فى السرد والدقة والحجة البينة أجمل من ذلك المقال .. أضعه بين ايديكم ..وأسأل الله العلى العظيم أن ينفع بذلك النفع العظيم ... وأن يوفقنا ويوفق بنا إلى سُبُلِ الهُدى والرشاد.. اللهم آمين يارب العالمين ..
ما الحكمة من كثرة زواج الرسول؟ ماذا ستجيب؟
إذا جاءك أحد وسألك بنية غير سليمة وفهمت منها نية الإحراج والتشكيك في نوايا الرسول -صلى الله عليه وسلم - من تعدد زواجه....
فهل تعرف الإجابة؟
وهل تملك دفع هذا الحرج الذي سببه عدم معرفتك معرفة تامة بظروف وحقيقة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم من عدة نساء؟
أولا : لنتسائل بداية كم هن عدد زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
عددهن 12 زوجة
والرسول - عليه الصلاة والسلام - توفي وعنده عشر زوجات
حيث توفيت في حياته السيدة خديجة والسيدة زينب بنت خزيمة ...
رضي الله عنهما ...
ثانيا: هل تحفظون إخوتي أسماء أمهاتكم ...أمهات المؤمنين ...؟؟
عفى الله عني وعنكم
سنذكر الآن أسماء الزوجات :
-1خديجة بنت خويلد
-2سودة بنت زمعة
-3عائشة بنت ابي بكر
-4حفصة بنت عمر
-5زينب بنت خزيمة
-6أم سلمة هند بنت عتبة
-7زينب بنت جحش
-8جويرية بنت الحارث
-9صفية بنت حيي بن أخطب
-10أم حبيبة رملة بنت ابي سفيان
-11 ماريا بنت شمعون المصرية
-12ميمونة بنت الحارث
لنسأل السؤال التالي بعد ذكر أسماء زوجاته -عليه الصلاة والسلام - :
كم واحدة بكر وكم واحدة كانت متزوجة من قبل؟
واحدة بكر وهي السيدة عائشة -رضي الله عنها - والباقي ثيبات
هل كن عربيات؟
كلهن عربيات باستثناء السيدة (ماريا )فقد كانت من خارج الجزيرة العربية وكانت من ارض مصر
هل كن مسلمات كلهن؟
نعم إلا اثنتين : السيدة صفية كانت يهودية والسيدة ماريا كانت مسيحية , رضي الله عنهن جميعا.
والآن ...
لنجيب على السؤال التالي :
هل كان سبب تعدد الزواج من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهوة؟
إذا تأملنا مراحل حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزوجية نجد أن الشهوة اختفت من حياته
والدليل عقلي هذه المرة ,لنتأمل :
-1 الرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ نشأته و حتى سن 25 كان أعزبا
-2الرسول - صلى الله عليه وسلم من سن 25 إلى 50 (وهي فورة الشباب)
متزوج سيدة أكبر منه ب15 سنة ومتزوجة من قبله برجلين ولها اولاد
-3الرسول - صلى الله عليه وسلم - من سن 50 إلى 52 سنة
من غير زواج حزنا ووفاء لزوجته الأولى
-4الرسول - صلى الله علسه وسلم - من سن 52 إلى 60
تزوج عدة زوجات لأسباب سياسية ودينية واجتماعية سنأتي على تفصيلها فيما بعد
إذا ...
هل من المعقول أن الشهوة ظهرت فجأة من سن 52 سنة؟
وهل من المعقول للرجل المحب للزواج أن يتزوج في فورة شبابه من ثيب تزوجت مرتين قبله ويمكث معها 25 سنة من غير أن يتزوج بغيرها
ثم يمكث سنتين من غير زواج وفاء وتكريما لها!
ثم إنه عليه الصلاة والسلام عند زواجه بعد السيدة خديجة تزوج السيدة سودة وكان عمرها (80) سنة حيث كانت اول أرملة في الإسلام - واراد عليه الصلاة والسلام أن يكرمها ويكرم النساء اللواتي مثلها حيث ابتدا بنفسه ولم يأمر صحابته بزواجها , بل هو عليه الصلاة والسلام قام بتكريمها بنفسه ليكون هذا العمل الإنساني قدوة من بعده(14/338)
بعد ما قلناه نخلص إلى النتيجة التالية :
الرسول -صلى الله عليه وسلم - تزوج بطريقتين :
-1 محمد الرجل (تزوج بالسيدة خديجة(
-2 محمد الرسول (تزوج باقي نسوته(
ولنسأل السؤال التالي :
هل الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الوحيد الذي عدد أم أن هنالك انبياء عددوا أيضا؟
الجواب نعم
لقد عدد المرسلون والأنبياء - صلى الله عليه وسلم كسيدنا إبراهيم وسيدنا داود وسليمان - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وهذا مكتوب في الكتب السماوية كلها , فلماذا يهاجمنا بها الغرب , وهم معترفون أصلا ومكتوبة عندهم!
نأتي الآن لذكر الدواعي السياسية والإجتماعية والدينية التي دعت الرسول لتعديد زوجاته
أولا : توريث الإسلام والدعوة بدقة تفاصيلهما وخصوصياتهما (كالصلاة وحركاتها ) فلا بد من دخول ناس لبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم- لنقل التفاصيل المطلوبة لتعليم الأمة ...
فأراد الله - عزوجل - بزواج الرسول من السيدة عائشة حيث كانت صغيرة تتعلم منه الكثير بحكم سنها (والعلم في الصغر كالنقش على الحجر ) وعاشت بعده 42 سنة تنشر العلم ..
والحديث في علم السيدة عائشة يطول حيث أنها كانت أعلم الناس بالفرائض والنوافل ...
وإجمالي عدد الأحاديث المروية عن زوجات الرسول - علسه الصلاة والسلام - 3000 حديث
أما شبهة زواج السيدة عائشة وهي صغيرة فقد كانت طبيعة البيئة الصحراوية أن الفتاة تبلغ بسرعة وكان متعارفعلى تزويج الصغيرات ليس عند العرب فحسب بل عن الروم والفرس ....
ثانيا : تأصيل العلاقة بين الصحابة وتشبيكها مما يؤدي إلى تماسك الامة
فها هو عليه السلام يتزوج بابنة أبي بكر وأخت عمر بن الخطاب
ويزوج ابنتيه لسيدنا عثمان
والبنت الثالثة لسيدنا علي
رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم .
ثالثا : الرحمة بالارامل حيث تزوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأرامل (السيدة سودة وأم سلمة وأم حبيبة )
رابعا: استكمال تشريع الإسلام حيث يقوم الرسول بالفعل بنفسه ليكون قدوة واسوة للمسلمين من بعده
سواء كان بتكريم الأرامل أو الرحمة بمن اسلم من غير المسلمين كزواجه بصفية بعدما أسلم أبوها
ورفعة لشأنه عند حاسديه من اليهود
خامسا : محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعقد الصلة والرابطة بين أقطار الأرض كلها حيث أراد بزواجه من السيدة ماريا المصرية أن يؤلف بلدا بأكمله والرسول عليه الصلاة والسلام تزوج السيدة جويرية حتى يسلم بنو المصطلق حيث كانوا أسرى بيد المسلمين بعد غزوة بني المصطلق والقصة معروفة
بعد هذا العرض نأتي للخاتمة ...
مشروعية التعدد بهذا العدد (فوق أربع زوجات ) كانت خصوصية من خصوصيات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كخاصية وصال الصيام والقيام ...
فلماذا نترك كل خصوصيات الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نطبقها ...
ونأتي لهذه الخاصية ونطبقها ...؟؟؟؟
وإن أحب أحد أن يعدد ويقتدي بالنبي - صلوات الله وسلامه عليه - فليكمل الإقتداء ولتكن دواعي زواجه كدواعي زواج الرسول ليكتمل الاجر!!!!! وينتفي الإثم الذي حذر منه الله عزوجل(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما( سورة النساء 129)
==================
شبهة أن التشريع الإسلامي يحدد عدد الزوجات بأربعة فقط , بينما رسول الله تزوج بأكثر من أربع
بعض المشككيين يثيرون شبهة أن التشريع الإسلامي يحدد عدد الزوجات بأربعة فقط , بينما رسول الله تزوج بأكثر من ذلك
و للرد على هذه الشبهه
يجب ترتيب الأفكار كالتالي :
1 - تعدد الزوجات كان موجود قبل الإسلام و لم يبتدعه , والفرق أنه كان بلا عدد محدد بل كان على إطلاقه
2 - الرسول منع من التزوج بأكثر مما لديه في آية كريمة , جاءت و لم يكن تشريع الأربعة زوجات نزل بعد
3 - و عليه فقد منع الرسول من الزواج بأكثر من تسعة بينما كان مباح لباقي المسلمين
4 - نزل تشريع بتحريم الزواج بزوجات الرسول , لذلك تجد الرسول لم يطلق طوال حياته لأنه كان طلاق أمهات المؤمنين يعني تدمير حياتهن الإجتماعة تدمير شامل
5 - نزل تشريع الحد الأقصى من الزوجات بأربعة للمسلمين
6 - طلق المسلمين زوجاتهم اللائي يزدن عن الحد المسموح فمن له خمسة طلق واحدة و من له عشرة طلق ستة منهن
7 - لم يطلق الرسول ما زاد على أربعة بسبب النقطة رقم 4 , و كان إبقائهن رحمة بهن
و الله أعلم
الصلاة و السلام عليك يا سيد الخلق يا سيدي يا رسول الله
==============
شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل في علاج النشوز بالضرب
نص الشبهة:
أنتم تفرقون بين الرجل والمرأة في علاج النشوز، فأعطيتم الرجل ثلاث وسائل لعلاج المرأة الناشز وهي النصيحة ثم الهجر في المضجع وأخيراً الضرب، وأما المرأة إذا نشز زوجها فليس لها إلا وسيلة واحدة معه وهي النصح والإرشاد ، وهذا فيه ظلم للمرأة ،فلماذا الرجل يضرب ويهجر وليس للمرأة هذا الحق ؟(14/339)
وقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله" ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) .
الرد على شبهة مساواة المرأة بالرجل في علاج النشوز بالضرب:
- لنتفق أولاً على أن تساوي الرجل والمرأة في الكرامة لا يستلزم وحدة السبل التي ينبغي أن تتخذ لرعاية هذه الكرامة، فلكل جنس طريقته في التعامل.
2- إن الضرب الذي ورد في الآية لا يحق للرجل استخدامه في كل الظروف والحالات، وإنما في حالة واحدة فقط، هي نشوز الزوجة، ولا يستخدم هذه الطريقة على سبيل الإلزام، وإنما على باختياره، كما أنها لا تكون أول وسيلة للعلاج، وإنما هي الأخيرة.
3- مع تشريع الضرب تم تحديد نوعيته وماهيته فهو ليس ضرب انتقام وتشفي ،
وإنما الحكمة منه توصيل رسالة بعدم الرضى.
وقال ابن عباس وعطاء: " الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد".
4- مع تشريع الضرب كوسيل إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أما يستحي أحدكم أن يضرب إمرأته كما يضرب العبد؟ يضربها أول الليل ثم يجامعها آخره " – رواه البخاري.
وقال عندما سئل: ما حق زوجة أحدنا عليه ؟
" إن تطعمها إذا أطعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولاتقبح ولا تهجر
إلا في البيت " . رواه أبوداود.
5- وفي بعض حالات الإنحراف السيكولوجي لا تجدي مع المصاب إلا وسيلة الضرب، ويطلق علماء النفس على هذا الإنحراف اسم " الماسوشزم، وصاحب هذا المرض لا يتعدل مزاجه إلا بعد معاملة قاسية حسياً ومعنوياً، وهذا النوع من الإنحراف كما يقرر علم النفس أكثر ما يصيب النساء، إذ يصاب الرجل بانحراف " السادزم" وهو التمتع باستعمال العنف أما في الحالات الأخرى التي لا تصل إلى مرتبة المرض، فلا يجوز استعمال الضرب،
إذ لا ضرورة له ولا يجوز المبادرة إليه.
ولعل ذلك يصلح مع بعض حالات الناس.
6- إن عطاء المرأة وسيلة النصح والإرشاد في حالة نشوز زوجها ليس قاصراً على هذه الوسيلة فقط في علاج المشكلة، ولكن لها أن تبتكر ما تشاء من الوسائل لإصلاح زوجها
مع ابتعادها عن ضربة لأن الرجل لو ضربته المرأة لتحول إلى وحش كاسر يؤذيها ويحطمها.
7- إن الشريعة راعت خصائص كل طرف وإمكانياته وقدراته ، ومع ذلك فإنها أعطت المرأة حق الضرب ، ولكن بشخص ينوب عنها فيه ويكون رجلاً حتى يتحمل ما يلاقيه من الرجل ، وتكون المعركة بينهما ولا تدخل المرأة طرفاً في المعركة القتالية ، وهذا الشخص هو وليها أو القاضي فهما ينوبان عنها في أخذ حقها.
8- وكذلك الهجر في المضجع فهو ليس خاص في الرجل في حالة نشوز زوجته،
وإنما للزوجة كذلك في بعض الحالات منها: أن يلزمها زوجها بجماعها أثناء المحيض أو من الدبر .
9- إن وجود حق الضرب أو الهجر لا يستلزم تنفيذه فالمرأة العاقلة يكفيها الحوار والنقاش لعلاج النشوز الصادر منها، ولكن إذا لم ينفع الحوار بوسائله المختلفة، هنا يحتاج الرجل إلى استخدام الوسائل الأخرى .
10- إن تنفيذ الوسائل العلاجية يجب فيه التدرج والمرحلية ، ونلاحظ أن الوسيلة الأولى"عقلانية" من خلال الحوار والنصح، والثانية" عاطفية" من خلال هجر المضاجع ، فإذا لم ينفع مع المرأة الوسائل العقلانية والعاطفية، هنا سمح بالضرب وفق شروطه وحدوده الواردة، وكما قلنا فهو الحق للإثنين معاً .
11- الغريب في الأمر أن في الغرب من يعترض على الإسلام في حلوله لمسألة النشوزعلى الرغم من أنه لم تسجل حالات كثيرة عندنا في الهجر والضرب المشروع ، بينما في أمريكا مثلاً في كل اثنى عشر ثانية تضرب إمرأة من زوجها وبعضهن يقتل من شدة الضرب.
12- نحن لا نقول ما يقوله المثل الإيطالي: العصا للمرأة الصالحة والطالحة، وإنما الشريعة حددت الضرب في حالة خاصة، وهو آخر الدواء ، كما أن الشريعة لا تجيز أن يكون الضرب بالعصا ، ولو نفدت كل وسائل الإصلاح ولم يبق أمام الرجل إلا الضرب ، وعلم مسبقاًَ بأن الضرب غير المبرح لن يردع زوجته فإنه يؤثم لو ضربها.
13- إن مبدأ التأديب لأرباب الشذوذ والإنحراف تدعو إليه الفطرة السليمة ويقضي به نظام المجتمع، وهذا المبدأ يعتمد على مستوى الإنسانية حتى بين الشعوب وحكامها، ولولاه لما بقيت أسرة ولما صلحت أمة.
14- رغم أن المشرع أجاز الضرب، إلا أن الضرب لم يرد عن كبار الصحابة ولا تابعيهم ولا حتى صغارهم ، وإنما ورد عن الجهال من العامة في كل زمان ومكان، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أحد الصحابة يضرب عبداً فقال له: يافلان إن الله أقدر عليك من قدرتك على عبدك، فقال: يارسول الله: هو حر لوجه الله .
15-إن المرأة التي ارتضت رئاسة الرجل وقوامته، عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف حين نشوزها.
16-إن الإسلام حين وضع نظاماً للنشوز، فقد سبقه بأنظمة كثيرة لعدم حصول النشوز ومنها دعمه لحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف والرفق في التعامل مع الزوجة ، وخير الناس من كان خيراً لزوجته.
==========================(14/340)
شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل يجعل القوامة بيد الرجل
نص الشبهة:يعلق الكثيرون على الآية الكريمة: " الرجال قوامون على النساء " فيقولون:
•انتم فرقتم بين الرجل والمرأة في إدارة البيت وجعلتم القوامة بيد الرجل وأجحفتم في حق المرأة، وهذا ينافي المساواة بين الجنسين، كما وأن واقعنا اليوم تغير وأصبحت المرأة
في كثير من الأحيان هي سيدة البيت، بل وأحياناً تدير الرجل
الرد على شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل بجعل القوامة بيد الرجل:
1- قبل أن نرد على الشبهة لنتعرف على معنى القوامة..فالقوامة معناها الإدارة والإمارة، نقول فلان قائم على الدار، أي مديرها.
ومعروف في علم الإدارة أن المدير ليس بالضرورة أفضل ممن يديرهم فالمراد بالقوامة هنا قوامة رعاية وإدارة، وليست قوامة هيمنة وتسلط.
2- إن المتبع للنظام العام للشريعة يجد أن مفهوم الإدارة نظام معتمد في جميع المشاريع، وحتى في السفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) ، ونلاحظ إن النص يقول: ( فليؤمروا أحدهم ) ، وهذا يدل على أن الأمير ليس بالضرورة أفضلهم ، إنما المهم أن يكون على مستوى تحمل المسؤولية ، فإذا كان الشارع يحرص على أن لا يسير ثلاثة في طريق إلا ويحددوا مديرهم فهو بالتأكيد أشد حرصاً على تحديد المدير في مسيرة الأسرة.
3- ولنناقش احتمالات الإدارة في البيت ، طالما إننا متفقون على أنه لا بد من وجود رئيس في المؤسسة ، فالاحتمال الأول: أن يكون الرجل هو المدير ، والثاني : المرأة ، والثالث: هما معاً ، فأما الثالث فهو مستبعد لأنه لا يصلح أن يكون للسفينة ربانان ، كما أن علم النفس يؤكد اختلال عواطف الأبناء واضطراب نفوسهم عند تنازع الوالدين على السيادة، وأما احتمال المرأة فنحن نعرف الجانب العاطفي عند المرأة ، وأن الإدارة تحتاج إلى زيادة في الحزم والعقلانية ، وهو ما يميز الرجل بالإضافة إلى الجانب المالي الملزم به ، مما يترجح معه اتجاه إعطاء الإدارة للرجل .
4- إن الدراسات الحديثة تؤكد رغبة المرأة بالعمل تحت إمرأة شخص آخر وهو ما أكدته العالمة النفسية " كليف دالسون" وتبين لها من الدراسة أن المرأة تفضل أن تكون مرؤوسة وبإشراف رئيس، وقد نقلت ذلك مجلة " مرآة اليوم" عدد رقم (101) كما أن المرأة تحب أن تشعر بأنها محمية ، وبأن هناك رجل حام ، فهما شعوران طبيعيان فيها.
5- إن تحميل المرأة مسؤولية نفقتها على نفسها وتأمين دخل لها تلبي به حاجاتها المستمرة يشكل قيداً قاسياً عليها، كما أن حرمانها من الحماية يحرمها الأمن وحرمانها من الأمن ينشىء عليها قيود الخوف والقلق وعدم الاستقرار.
ولذلك كان من مستلزمات القوامة أن يوفر الرجل للمرأة " كفاية الرزق ، ونعمة الأمن" فيحميها من ( الجوع والخوف)، فالقوامة إذن مسألة ذي شقين حق للرجل وواجب عليه ، فهي ليست امتيازاً ولا تشرفاً له بل تكليفاً يتبعه شدة محاسبة الرب جل وعلا .
6- إن القوامة التي دعى إليها الإسلام هي قوامة رحيمة تقوم على التفاهم والتشاور ، وليست قوامة تسلط وهيمنة ، أساسها " وعاشروهن بالمعروف" كما قال تعالى: ( وخيركم خيركم لأهله ) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
والرجل لا في كل حين وإنما عند اختلاف وجهات النظر، ولكن الأصل أن يعرف كل طرف مسؤوليته ودوره في الأسرة ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
7- نلاحظ أن النص القرآني: ( الرجال قوامون على النساء) ولم يقل ( الرجال سادة على النساء) ، ففي القوامة معنى الإصلاح والعدل ، وليس الاستبداد والسيادة والظلم ، فهي قوامة فيما لايمس كرامة المرأة وكيانها .
ونضيف على ذلك بأن الإسلام أعطى للمرأة حق التدخل في اختيار زوجها ، ولهذا فهي تختار القيم عليها .
8- إن النظام العالمي في الإدارة يقول: ( من ينفق يشرف )، وهذا معموله به حتى في الشركات ، فأكثر المساهمين مالاً يحق لهم الإشراف والمساءلة ، ومن أمثلة الشركات العالمية المطبقة لهذا النص شركة مايكروسوفت والتي يملكها " بلجيتس" فعندما طرح اسهمها للبيع للجمهور حرص أن يبيع من اسهمها ما نسبته(49 %) وأبقى له (51 %) من الأسهم حتى يبقى هو صاحب القرار فيها والقيم عليها .
ولو طبقنا هذا على الواقع وفي الأسرة فإن الرجل يدفع المهر وينفق على زوجته وأولاده كما أنه مكلف بإطعامهم وإلباسهم وشراء الدواء لهم، لذا فإن له حق الإشراف لأنه " من ينفق يشرف" .
9- من الطرائف في وضع الأسرة بالغرب أن الزوجين إذا دخلا في مطعم لتناول العشاء مثلاً ، فإن كل واحد منهما يحاسب عن نفسه، وذلك لأن النظام الغربي في الإدارة يختلف عن النظام الرباني في جعل الرجل مكلفاً بحماية المرأة من الجوع والخوف.
ولهذا فقد الرجل صلاحيته هناك، ففي كل اثنى عشرة ثانية تحصل حادثة ضرب من زوج لزوجته في أمريكا، ولعل هذا مؤشر على تنازع السلطات.ومع هذا نقول لو تنازل الزوج عن تأمين حماية الجوع والخوف فلا قوامة له .(14/341)
10- مهم جداً أن نتفق على أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة من حيث الذات، وإنما راعي الفروق الفردية في المهمات، وهنا نذكر بعض النصوص في المساواة:
•قال تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم
من بعض ).• ويقول: أيضاً : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) .
•ويقول عزوجل: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) ، ثم أن البيان يعود فيزيد هذه الحقيقة تأكيداً ، إذ يبرزها فيما يشبه الصياغة المحددة القانونية، فيقول: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير ).
11- قد يعترض قائل بأن الله تعالى قال: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) ، فأنتم تفضلون الرجل على المرأة !
وهنا نقول: بأن الأفضلية هنا للتناسب المصلحي وليس الجنس .
فالرجل من أهم وظائفه الاجتماعية توفير المسكن والعيش الكريم، والمرأة من أهم وظائفها الاجتماعية الرضاعة والحضانة ورعاية الأطفال ، وكل واحد منهما أفضل من الآخر
بموقعه ، وهذا معنى " بما فضل الله بعضهم على بعض" فهو تفضيل بما يتناسب وقدرات الإنسان ،وإلا فنحن متفقون أن القوامة " رعاية وإدارة " وليست تفضيلاً .
12- لو أسقطنا عن الرجل قوامته وجعلناها للمرأة ، فإننا نكون قد أسقطنا عنه مسؤولية النفقة، وهنا تلزم المرأة بتأمين الحماية المستقبلية للأسرة وتوفير الأمن والطعام مما سيؤثر على أولوياتها الاجتماعية من حفظ البيت ورعاية الأبناء .
من أجل ذلك حرر الإسلام المرأة من مسؤولية العمل في الوقت الذي لم يمنعها منه، حتى تختار ما يناسبها .
13- إن القانون الإنجليزي حتى عام 1805 كان يجيز بيع الرجل لزوجته، بما أنه قيم عليها، وبقيت عملية البيع قائمة حتى بداية القرن العشرين، كما أن البرلمان الإنجليزي في عهد هنري الثامن أصدر حظراً على المرأة يمنعها من قراءة الإنجيل .
بينما عندنا نحن حفظت النسخة الوحيدة لأفضل كتاب على وجه الأرض بيد إمرأة ألا وهي السيدة " حفصة بنت عمر " رضي الله عنها .
14- إن مما تقوله المرأة في قسم الزواج عند النصارى " وأقسم أن أكون مطيعة لزوجي" بينما عندنا في الإسلام تقول: " قبلت هذا الزوج " .
15- يجوز في الإسلام أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصي الأهلية ، وأن تكون وكيلة عن أي شخص حتى عن والديها أو زوجها في أعمالهم وتصريف أموالهم إذن القوامة كما ذكرنا رعاية وإدارة وليست رئاسة وتسلط .
====================
الرد على شبهة ان الإسلام جحد حق المرأة بأن جعل شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل
والذين يظنون أن آية سورة البقرة:
(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئًا فإن كان الذى عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم * وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدِّ الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ) .
الذين يظنون أن هذه الآية ـ282ـ تجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل بإطلاق ، وفى كل الحالات مخطئون وواهمون.. فهذه الآية تتحدث عن دَين خاص.. فى وقت خاص ، يحتاج إلى كاتب خاص ، وإملاء خاص ، وإشهاد خاص..
وهذه الآية ـ فى نصها ـ استثناء:
(.. إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها).
ثم إنها تستثنى من هذه الحالة الخاصة الإشهاد على البيوع ، فلا تقيدها بما قيدت به حالة هذا الدين الخاص.. ثم إنها تتحدث ، مخاطبة ، لصاحب الدين ، الذى يريد أن يستوثق لدينه الخاص هذا بأعلى درجات الاستيثاق.. ولا تخاطب الحاكم ـ القاضى ـ الذى له أن يحكم بالبينة واليمين ، بصرف النظر عن جنس الشاهد وعدد الشهود الذين تقوم بهم البينة.. فللحاكم ـ القاضى ـ أن يحكم بشهادة رجلين.. أو امرأتين.. أو رجل وامرأة.. أو رجل واحد.. أو امرأة واحدة.. طالما قامت البينة بهذه الشهادة..(14/342)
ومن يرد الاستزادة من الفقه الإسلامى فى هذه القضية ـ التى يجهلها الكثيرون ـ فعليه أن يرجع إلى آراء شيخ الإسلام ابن تيمية [ 661ـ728هـ/1263ـ1328م] وتلميذه العظيم ابن قيم الجوزية [691ـ751هـ/1262ـ1350م] فى كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] .. ففيه ـ وفق نص ابن تيمية ـ أن ماجاء عن شهادة المرأة فى آية سورة البقرة ، ليس حصرًا لطرق الشهادة وطرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر لنوعين من البينات فى الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه.. فالآية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شىء وما يحكم به الحاكم شىء ، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين.
ولقد قال الإمام أحمد بن حنبل [164ـ241هـ/780ـ855م] إن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو أكثر خبرة فيه ، وأن شهادة المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هى أكثر خبرة فيه من الرجل.. فالباب مفتوح أمام الخبرة التى هى معيار درجة الشهادة ، فإذا تخلفت خبرة الرجل فى الميدان تراجع مستوى شهادته فيه.. وإذا تقدمت وزادت خبرة المرأة فى الميدان ارتفع مستوى شهادتها فيه.. وليس هناك فى الفقه الإسلامى تعميم وإطلاق فى هذا الموضوع ، إذ الشهادة سبيل للبينة التى يحكم الحاكم ـ القاضى ـ بناء عليها ، بصرف النظر عن جنس الشهود وعددهم.
==================
شبهات النصارى حول وضع المرأة في شرائع المجتمع المسلم
وردودها من كتابهم المقدس
يلمز النصارى وضع المرأة في المجتمع المسلم، و يرون في بعض شرائعه انتقاصاً لها ، و من ذلك تعدد الزوجات حيث يقول القس شروش:" يسوع أعلن أن الذي خلقهم من البدء خلقهم رجلاً و امرأة ، و لو أراد الله الرجل أن تكون له أربع زوجات لخلق من البدء أكثر من حواء " .
و يقول القس سويجارت مفاخراً بتشريع الكنيسة في قصر الزواج على واحدة : " المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط ، و لذلك ارتضي أفضلهن من أول قذيفة " .
و تقول منظمة الآباء البيض في رسالتها لرابطة العالم الإسلامي و هي تعتب القول بتفوق الرجال على النساء فتقول :" لماذا يقبل تفوق جنس على آخر؟
و هو مانراه من خلال النقاط التالية
1- قبول تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج.
2- إمكانية هجر الرجل لزوجته دون أن يقدم تبريراً لعمله (يقصد الطلاق).
3- الأب حق الوصاية أو الولاية على الأبناء دائماً و إن كان الأطفال في حضانة الأم…
4- بالنسبة للمواريث نجد أن نصيب المرأة و في أغلب الأحيان هو أقل من نصف حصة الرجل "
ويمضي القس أنيس شروش في عرضه لما يراه مثالب ارتكبها الإسلام بحق المرأة فيقول:"بإمكان الرجل المسلم أن يطلق زوجته دون أن يعطي لذلك سبباً واحداً و من غير إشعار ، فالزوج له السلطة المطلقة الفورية في الطلاق غير القابلة للنقاش ، و يمكنه أن يعلن أمام زوجته أنه يطلقها ثلاث مرات ، فترحل ، ليس هناك امتيازات و لا ترابط شعوري " ، ثم يعرض فيذكر آية القوامة و ما تضمنته من جواز ضرب الناشز ، ثم آية توريث الذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم يقول:" على العكس من ذلك فإن الرب يوصي المسيحيين بحب الزوج للزوجة مثلما أحب المسيح الكنيسة " .
و في الإجابة عن هذه الشبهات أوضح المسلمون موقف الإسلام المكرم للمرأة ، و بينوا ما تعرضت له من انتقاص على يد الجاهليات المختلفة و منها النصرانية المحرفة ، فالوثنيات القديمة العربية و اليونانية و سواها ظلمت المرأة ظلماً كبيراً ، فقد جعلت منها سلعة تباع كسائر المتاع ، و تورث أيضاً إذا مات زوجها كسائر متاع بيتها ، و حرمتها الجاهلية الوثنية من حق الحياة بوأدها طفلة أو تقديمها قرباناً للآلهة إلى غير ذلك من الصور المستبشعة
المرأة في النصرانية :
أما في النصرانية و المجتمع النصراني فكانت الإساءة للمرأة أكبر حيث أكدت النصوص التوراتية على بعض التشريعات التي تحط من قدر المرأة و من ذلك أن النصوص تقر بيعها ، فقد جاء في سفر الخروج " و إذا باع رجل ابنته أمةً لا تخرج كما يخرج العبيد" (الخروج 21/7) ، و في أيام القضاة اشترى بوعز جميع أملاك أليمالك و مالكليون و محلون ،و من ضمن ما اشتراه راعوث المؤابية امرأة محلون (انظر راعوث 4/9-10) ، وتقول التوراة أيضاً " فوجدت أمرّ من الموت : المرأة التي هي شباك ، و قلبها أشراك ، و يداها قيود ، الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها…رجلاً واحداً بين ألف وجدت ، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد " ( الجامعة 7/26-28 ).
و يقرن سفر اللاويين المطلقة و الأرملة بالزانية ، فيعتبرهن دناياً يحرم على الكاهن الزواج منهن (انظر اللاويين 21/10-15) كما يفرض السفر أحكاماً غاية في القسوة على المرأة حال حيضتها حتى أن مجرد مسها ينجس الماس إلى المساء كما ينجس كل من مس فراشها أو شيئاً من متاعها ( انظر اللاويين 15/19-32 ).(14/343)
و في النصرانية يحمل بولس المرأة خطيئة آدم ، ثم يحتقر المرأة تبعاً لذلك فيقول :" لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ، و لكن لست آذن للمرأة أن تعلّم ، و لا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت، لأن المرأة أغويت ، فحصلت في التعدي " (تيموثاوس(1) 2/11-14) ، و يقول مؤكداً ما يكنه من ازدراء للمرأة "الرجل ليس من المرأة ، بل المرأة من الرجل ، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة ، بل المرأة أجل الرجل " (كورنثوس(1) 11/8-9)
و منذ ألبس بولس المرأة خطيئة الأبوين ، والفكر النصراني يضطهد المرأة و يعتبرها باباً للشيطان ، و يرها مسئولة عن انحلال الأخلاق و تردي المجتمعات البشرية ، و من ذلك يقول القديس ترتليان (ق3) : " إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة لصورة الله (الرجل) "، و يقول أيضاً بعد حديثه عن دور حواء في الخطيئة الأولى:" ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء ؟!…أنتن المدخل الذي يلجه الشيطان..لقد دمرتن بمثل هذه السهولة الرجل صورةَ الله " .
و يقول القديس سوستام عن المرأة : " إنها شر لا بد منه ، و آفة مرغوب فيها ، و خطر على الأسرة و البيت ، و محبوبة فتاكة ، و مصيبة مطلية مموهة "، و يقول القديس جيروم (ق5) في نصيحته لامرأة طلبت منه النصح : " المرأة إذن هي ألد أعداء الرجل ، فهي المومس التي تغوي الرجل إلى هلاكه الأبدي ، لأنها حواء ، لأنها مثيرة جنسياً ".
و يتساءل القديس أوغسطين (ق 5) لماذا خلق الله النساء ؟. ثم يقول " إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطبية، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان كصديقين بدلاً من رجل و امرأة "، ثم تبين له أن العلة من خلقها هي فقط إنجاب الأولاد ، و منه استوحى لوثر فقال: " إذا تعبت النساء أو حتى ماتت فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن في عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك ".
و عقدت الكنيسة مؤتمرات غريبة لبحث أمر هذا الكائن ( المرأة ) ، ففي القرن الخامس عقد مؤتمر ماكون للنظر هل للمرأة روح أم لا ؟ و قرر المؤتمر خلو المرأة عن الروح الناجية . و قال القديس جيروم: " المرأة عندما تكون صالحة تكون رجلاً ".أي شذت عن مثيلاتها الإناث فكانت مثل الرجال .
و في عام 586م عقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة ، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل . و بعد ظهور البروتستانت في القرن السادس عشر عقد اللوثريون مؤتمراً في وتنبرج لبحث إنسانية المرأة .
و قد انعكست هذه الصورة القاتمة للمرأة على القوانين المدنية و التي كانت تفرض غير بعيد عن رأي القسس و الأساقفة ، فقد بقيت المرأة في القانون الإنجليزي تباع من زوجها لآخر بست بنسات ، و استمر هذا القانون سارياً حتى عام 1805م ، فيما اعتبر قانون الثورة الفرنسية المرأة قاصراً كالصبي و المجنون ، و استمر ذلك حتى عام 1938م .
و كان قمة الاضطهاد الذي تعرضت له المرأة في ظل سيطرة الكنيسة في القرن السادس عشر و السابع عشر حيث انعكست الصورة السوداوية التي تنظر بها الكنيسة إلى المرأة بظهور فكرة اجتاحت أوربا و هي وجود نساء متشيطنات أي تلبسهن روح شيطانية، فهن يعادين الله ، و يعادين المجتمع ، تقول كارن ارمسترنج في كتابها " إنجيل المرأة " : " لقد كان تعقب المتشيطنات بدعة مسيحية ، و كان ينظر إليها على أنها واحدة من أخطر أنواع الهرطقات…و من الصعب الآن معرفة عدد النساء اللائي قتلن خلال الجنون الذي استمر مائتي عام ، و إن كان بعض العلماء يؤكد أنه مات في موجات تعقب المتشيطنات بقدر ما مات في جميع الحروب الأوربية حتى عام 1914م…يبدو أن الأعداد كانت كبيرة بدرجة مفزعة " .
إذن كان هذا هو موقف النصرانية من المرأة ، و هو صورة قاتمة مغايرة كل المغايرة لصورة المرأة في المجتمع المسلم.
المرأة في المجتمع المسلم :
فالإسلام يقرر إنسانية المرأة إذ هي أصل الإنسان { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى } و يقرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :" إنما النساء شقائق الرجال " و يقرر القرآن أهلية المرأة للإيمان و التكليف و العبادة ، و من ثم المحاسبة و الجزاء { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة * و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } و يقول تعالى { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } .(14/344)
و يجعل القرآن الكريم آدم و زوجته شريكين في الخطيئة الأولى و التوبة منها، شريكين في جزائها { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكون من الخاسرين } و رغم ذلك فإن أحداً سواهما لن يحاسب على فعلهما { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون } و قد نعى الله على الجاهلية كرهها لميلاد البنت { و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً و هو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه بالتراب ألا ساء ما يحكمون }.
و قد أوصى الإسلام بالمرأة مولوداً فحذر من وأدها { و إذا المؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت } ، و أمر بالإحسان إليها بنتاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من بلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" و ذكر ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر منهم " الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ، و يؤدبها فيحسن أدبها ، ثم يعتقها فيتزوجها ، فله أجران " .
كما أمر الله و رسوله بالإحسان إلى الأم في نصوص كثيرة خصت في بعضها بمزيد تأكيد عن الأب.
و أما كون المرأة زوجاً فذاك عقد منح القرآن المرأة فيه أهلية التعاقد ، فجعلها صاحبة الحق في أمر نكاحها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد تنكح زوجاً غيره } و يقول { و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .
و قد جعل الله عز و جل مهرها حقاً لها تتصرف فيه وفق مشيئتها لكمال أهليتها في التصرف { و آتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي دفع المهر إليها من الكرامة ما لا يخفى ، و جعل الله لها من الحقوق على زوجها ما يناسب دورها { و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة } ، و هذه الدرجة ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال ، بل هي لما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته و دوره في المجتمع كما قال تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } .
و يحث القرآن على الإحسان إلى الزوجة و حسن العشرة لها حتى عند كراهيتها { و عاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً } .
و هكذا يظهر الفرق جلياً بين مكانة المرأة في الإسلام و مكانتها في النصرانية
قوامة الرجل على المرأة :
يشغب النصارى بإثارة بعض المسائل يريدون منها لمز مكانة المرأة في الإسلام و المجتمع الإسلامي، و من هذه المسائل قوامة الرجل على المرأة في عصر يتنادى المتنادون فيه إلى مساواتها بالرجال.
و قد تجاهل هؤلاء وجود فرق في الاستعدادات الفطرية بين الرجال و النساء ، فكل أعطي من الخصائص ما يتناسب و دوره في الحياة .
فقد جعل الله من المرأة مربية في بيتها لأبنائها تعمل في صناعة الإنسان ، فيما أوكل إلى الرجل أمر ولايتها و الإنفاق عليها ، سواء أكانت فقيرة أم غنية ، و ولايته عليها ولاية رعاية لا ولاية استبداد أو تملك.
و قد أشار بولس إلى هذا التفوق الفطري المستلزم للقوامة فقال: " يا أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب ، لأن الرجل هو رأس المرأة في كل شيء " (أفسس 5/22-24) ، و لم يبين بولس سبب هذا الامتياز للرجال. و يقول: " أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح ، و أما رأس المرأة فهو الرجل " ( كورنثوس(1) 11/3 )
و لا يستطيع أحد أن ينكر تمايز كلٍ من الجنسين عن الآخر بخصائص خلقه الله عليها ، و حتى أدعياء المساواة لا يدعون أن قدرات الرجال و النساء واحدة ، و إلا فما تزال دول المساواة تحكم بالرجال دون النساء في سائر مستوياتها السياسية و الاجتماعية من رؤساء و وزراء و برلمانيين و….
ما جاء في ضرب النساء :
و أما ما جاء في إباحة ضرب النساء في قوله { و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } .
فإن ذلك خاص بالمرأة الناشز التي تستخف بحقوق زوجها والعاصية له ، فإنها ان لم تستجيب للنصح أولاً و لا للهجر ثانياً ، فالضرب غير المبرح هو آخر أسلوب في معالجة نشوزها ، و هو بكل حال أهون من الوصول إلى حال الطلاق الذي يحرمه النصارى .(14/345)
هذا و لم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه قط ، بل إنه لما بلغه أن قوماً يضربون نسائهم غضب و قال:" لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها آخر اليوم " ، و لما أتته امرأة تستشيره في أمر زواجها أبان لها علة في أحد خاطبيها فقال: " و أما أبو الجهم فإنه ضراب للنساء " ، وقد أخرج الترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، عن عمرو بن الأحوص : أنه شهد خطبة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم « ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هنّ عوار عندكم ليس تملكون منهنّ شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن، فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضرباً غير مبرح {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}». وقوله عليه الصلاة والسلام : (( ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن )) وهكذا فإن الضرب المأذون به في شريعتنا ليس لحرائر النساء الكريمات ، و إنما هو دواء يلجأ إليه عندما يستفحل الداء . فهو ضرب المربي المؤدب لا ضرب المعتدى الآثم ...
حل الطلاق وكونه من حقوق الرجل :
و مما يشعب به النصارى على مكانة المرأة في الإسلام إباحته للطلاق، و جعله في يد الرجال دون النساء.
و في الإجابة عن هذه الشبهة أكد علماؤنا أن حل الطلاق شرعية توراتية ، فقد أبيح الطلاق إلا في حالة واحدة ، و هي زواج رجل من فتاة قد زنى بها ، فيعطي لأبيها خمسين من الفضة ، و تكون له زوجة " لا يقدر أن يطلقها كل أيامه " ( التثنية 22/ 28 ).
و أما في العهد الجديد فيفترض أن يبقى التشريع قائماً حتى لا ينقض الناموس ، لكن متى يقول : " و جاء إليه ( أي المسيح ) الفريسيون ليجربوه قائلين له: هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب ؟ فأجاب و قال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً و أنثى…فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا: فلماذا أوصى موسى أن يعطي كتاب طلاق فتطلق ؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ، و لكن من البدء لم يكن هكذا ، و أقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا ، و تزوج بأخرى يزني…ليس الجميع يقبلون هذا الكلام " ، ثم حدثهم عن الخصيان الذين خصوا أنفسهم ابتغاء الملكوت فقال:" من استطاع أن يقبل فليقبل " (متى 19/3-12) ، و قد فهمت الكنيسة من هذا النص تحريم الطلاق.
و يرى أحمد عبد الوهاب أن النص الإنجيلي ما هو إلا إضافة أخلاقية ، ولم يجره المسيح مجر الإلزام والتشريع بدليل قوله:" من استطاع أن يقبل فليقبل "، وكان قبل قد ذكر أن ليس كل أحد يطيق كلامه هذا.
ويرى أحمد عبد الوهاب أيضاً أن الاستثناء في قوله " إلا بسبب الزنا " قول دخيل على الإنجيل ، وأنه بشهادة العلماء من وضع الكنيسة ، بدليل أن حد المرأة المتزوجة - في التوراة - إذا زنت : القتل ( انظر التثنية 22/22 ) .
ولم يكن لهذا النص الإنجيلي أن يغير سنة جارية في الحياة ، يلجأ إليها الزوجان عندما تستحيل بينهما الحياة،لذلك سنت دول النصرانية في العصور الحديثة قوانين تسمح بالطلاق لأسباب مختلفة ، كالرضا من الزوجين أو سوء المعاملة أو الغياب الطويل …وكل ذلك إقرار بضرورة وجود هذا التشريع
كما بين علماؤنا النظم التي وضعها الإسلام لتشريع الطلاق والتي يجهلها الذين ينكرون على الإسلام إباحته،فقد رغب الإسلام في إمساك الرجل زوجته على كراهته لها ، ثم أذن له بطلاقها مرتين من غير أن يخرجها من بيتها قبل انتهاء عدتها ، و أن يكون طلاقه لها في طهر لم يجامعها فيه ، ثم { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ، و للزوج رد زوجته حال عدتها ، فإن انقضت فلا بد من عقد و مهر جديدين ، فإن طلقها الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
و يفرض القرآن للمطلقة حقاً على زوجها ، و هو المتعة { و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } ، ويقول تعالى عن مقدار المتعة { و متعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين } .
و قد وضع الإسلام - كما الشرائع السابقة - الطلاق بيد الرجل لحكمة لا تخفى إذ رأينا من عاطفية المرأة ما يؤدي إلى تسرعها في الأمور، بينما الرجل بعقليته الغالبة أقدر على تحمل مثل هذا القرار.
كما أن المرأة يجوز لها أن تطلب من القاضي أن يطلقها من زوجها بعد أن تبدي لذلك الأسباب الموجبة ، و يجيز فقهاء الإسلام لها أن تشترط في عقدها حقها في طلاق نفسها إن شاءت. و في كل ذلك ما يبرئ ساحة شريعة الإسلام من الغبن الذي ألحقه النصارى بها ، و يؤكد واقعية هذه الشريعة و مثاليتها في آن واحد .
حقوق المرأة والميراث :
و يرى النصارى أن الإسلام يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل ، كما يجعل شهادتها نصف شهادة الرجل.(14/346)
و بداية فلئن كان القرآن يجعل للمرأة من الميراث نصف ما للرجل فإن التوراة تحرم المرأة من الميراث كلية حال وجود أشقاء لها " فكلم الرب موسى قائلاً…أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته " (العدد 27/6-8) ، و يفهم من السياق أن وجود الابن يمنع توريث الابنة.
أما في شريعة الإسلام فإن الذكر و الأنثى قد يتساويان في الميراث كما في مسألة الكلالة { و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } و قضى عمر بالتساوي بين الأخوة لأم ، قال الزهري: "و لا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
و مرة أخرى ساوت الشريعة بين الوالدين في إرثهما من ولدهما { و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
و قضى الشارع الحكيم بتوريث الذكر ضعف الأنثى كما في التوارث بين الزوجين و توراث أولاد المتوفى ، لكن ذلك يتناسب مع المسئولية المالية الملقاة على عاتق الزوج أو الأخ ، إذ كل منهما ملزم بالإنفاق على زوجته أو أخته، و هذا غرم يستحق غنماً .
كما أن شرائع الإسلام تلزم الرجل نفقات لاتلزم المرأة كالمهر والدية التي يتحملها العصبة من الرجال دون النساء .
وهكذا حين جعل الله للذكر مثل حظ انثيين من الميراث لم يقض بهوان النساء ، إنما قسم المال تقسيماً مادياً بحتاً يتناسب والمسئوليات المنوطة بكل منهما .
شهادة المرأة :
و أما جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد فذلك ليس مطرداً في سائر الشهادات ، فشهاداتها الأربع في اللعان تعدل شهادات زوجها.
و قد يجعل الشارع شهادة المرأة معتبرة في بعض المسائل و لا يقبل فيها شهادة الرجال كالأمور النسائية التي لا يطلع عليها الرجال عادة كحيضة المطلقة و طهرها في قوله { و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر } .
فيما جعل القرآن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في المسائل التي لا تضبطها النساء عادة كما في بعض المعاملات المالية و التجارية كحفظ الدين الذي نصت عليه آية الدين.
و عليه فإن جعل شهادتها بنصف شهادة الرجل ليس إجحافاً بحقها أو استهانة بمقامها و إنسانيتها ، و إنما هو مراعاة لقدراتها و مواهبها. و إلا فإن أهليتها كأهلية الرجل تماماً في كثير من المعاملات كالبيع و الشفعة و الإجارة و الوكالة و الشركة و الوقف و العتق…..
تعدد الزوجات :
و قد تعلق النصارى طويلاً في شبهة تعدد الزوجات في الإسلام ، و تساءلت منظمة الآباء البيض التبشيرية لم لا يسمح الإسلام للمرأة بتعدد الأزواج .
و في بيان و دفع هذه الشبهة نقل علماؤنا نصوصاً مطولة من التوراة تتحدث عن تعداد الأنبياء و غيرهم للزوجات ، كما أنه أمر معتاد عند سائر المجتمعات البشرية ، و لا يوجد في العهد الجديد ما يمنع تعدد الزوجات ، فتحريم التعدد نقض للناموس ، و المسيح يقول : " ما جئت لأنقض بل لأكمل ، فإن الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء و الأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " (متى 5/17-18).
و ثمة إشارات من المسيح يستنبط من دراستها جواز التعدد ، ففي المثال الذي ضربه المسيح للملكوت شبه الملكوت بعشر عذارى أخذن مصابيحهن و خرجن للقاء العريس ، و قد أخذت خمس منهن معها زيتاً للمصباح ، فلما مر العريس "المستعدات (الخمس) دخلن معه إلى العريس ، و أغلقن الباب"(متى 25/10).
و في كلام بولس ما يفهم منه جواز التعدد لغير الكاهن حيث يقول:" فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة …ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة" (تيموثاوس (1) 3/2،12).
و يرى أحمد بن عبد الوهاب أن ليس من حجة صحيحة في قول المسيح عن الزوجين : "يترك أباه و أمه ، و يلتصق بامرأته ، و يكون الاثنان جسداً واحداً ، إذاً ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد " (متى 19/5-6) فليس في النص ما يمنع تعدد الزوجات ، فهذه الوحدة المجازية يجوز أن يشترك بها أكثر من اثنين كما جاء في يوحنا في قول المسيح عن تلاميذه " ليكونوا هم أيضاً فينا " (يوحنا 17/21) .
و قد بقيت قضية تعدد الزوجات صيحة تنادي بها فرق مسيحية شتى مثل "الأناببشيت" في ألمانيا في أواسط القرن السادس عشر للميلاد ، وكان القس فونستير(1531) يقول :من يريد أن يكون مسيحياً حقيقياً فعليه أن يتزوج عدة زوجات. و بمثله نادت فرقة " اللاممعدانيين " في نفس القرن ، و نادى به الألمان بقوة بعد الحرب العالمية الثانية ، و يجدر بالذكر هنا أن إرساليات التبشير في أفريقيا لا تمانع من بقاء الأفريقي المتنصر متزوجاً بأكثر من زوجة .
و قد أباح الإسلام تعدد الزوجات الذي أباحته النبوات السابقة ، و شرط الشارع على الزوج العدل بين زوجاته فيما يقدر عليه ، و عفى عما لا يتعلق بقدرته كالمحبة ، كما حدد التعدد بأربع حسماً للفوضى والعبث .(14/347)
وقد كانت إباحة الشارع لتعدد الزوجات شيئاً من حكمة الله الحكيم ، إذ واقع الأرض لا يصلح إلا بمثل هذا التشريع ، فعدد نساء البشر اليوم يربو على رجالها بأربعمائة مليون امرأة ، مما يجعل تعدد الزوجات ضرورة ملحة لكل مجتمع يخشى الفساد و الانحلال.
و قد تنبأ إشعيا بزيادة عدد النساء على الرجال فقال و هو يتحدث عن آثار الحروب:" فتمسك سبع نساء برجل واحد في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا ، و نلبس ثيابنا ، ليدع فقط اسمك علينا. انزع عارنا "(إشعيا 4/1).
كما أن تعدد الزوجات ينسجم مع ما جاء في التوراة من أمر آدم وذريته بكثرة التوالد والذرية ، فقد قال لآدم :" أثمروا واكثروا واملأوا الأرض " (التكوين 1/28) ، فتعدد الزوجات سبب في كثرة النسل،فيما القصر على زوجة واحدة يمنع الزوج من الاستمتاع بنعمة الإنجاب لضعف المرأة ثم عجزها عن الإنجاب في سن مبكرة عن الرجل.
كما أن تعدد الزوجات يعين الرجل على العفة والفضيلة ، إذ من طبيعة الرجل أن يميل إلى التعدد لأسباب مختلفة كعقم الزوجة أو طمثها أو مرضها ، و قصر الزواج على زوجة واحدة يدفع إلى البغاء ، و هذا القس سويجارت يقول في مناظرته لديدات: " المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط ، و لذلك أرتضي أفضلهن من أول قذيفة". و ما هي إلا شهور حتى ظهر على شاشات التلفاز يعتذر لشعب الكنيسة عن فعله البغاء طوال سنين مع إحدى المومسات ، و يعلن اعتزاله العمل الكنسي ، ليكون دليلاً على حكمة الإسلام البالغة حين أباحت تعدد الزوجات.
و القس سويجارت ليس بدعاً بين أقرانه و أهل دينه ففضائح الرهبان تدوي بين اليوم و آخر ، و أصبح الأصل في المجتمعات النصرانية الاقتصار على زوجة مع تعدد العشيقات.
و صدق لوثر في نقده المرير لواقع الكنيسة و المجتمع النصراني حين قال: " إن نبضة الجنس قوية لدرجة أنه لا يقدر على العفة إلا القليل…من أجل ذلك الرجل المتزوج أكثر عفة من الراهب…بل إن الزواج بامرأتين قد يسمح به أيضاً، كعلاج لاقتراف الإثم ، كبديل عن الاتصال الجنسي غير المشروع " .
و من ذلك ندرك الحكمة التي من أجلها شرع تعدد الزوجات ، و لم يشرع تعدد الأزواج فذلك ضد فطرة الإنسان ، و هو مفض إلى اختلاط الأنساب التي هي من أجلّ ما يصونه الإنسان
====================
الرد على التبرج
تنساق كثير من الفتيات وراء أهوائهن، ليتملصن من الالتزام بالمظهر الإسلامي، ويتذرعن بحجج واهية، لا يقرها شرع اللَّه تعالى، وليس لصاحبتها إلا غضب اللَّه وعذابه. إن الفتاة المؤمنة تقبل على أمر ربها، إقبال من لا تجد حرجاً في نفسها، مما قضى اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتسلّم تسليماً.
ومن هذه الحجج:
الحجة الأولى: من تدّعي أن طهارة القلب، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن قولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا زكت، لا محالة يكون السلوك وفق ما أمر اللَّه تعالى بشأنه، ولا محالة أن تخضع جوارحه للاستسلام، وتنقاد أعضاؤه لامتثال أوامر اللَّه واجتناب نواهيه، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرةً كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحتُ قلبي، وطهرت روحي، وصفّيت باطني، ومع ذلك يخالف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذبٌ في قوله، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه؛ لأن هذين الأمرين لا يجتمعان
فكيف أيتها المتبرجة! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضا اللَّه بينما ترفضين الانقياد للَّه الذي أمرك بعدم التبرج. قال جل شأنه: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى[ [الأحزاب/33].
الحجة الثانية:
من تدّعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن الصلاة تهذب الخلق، وتستر العورة، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور، فيستحي أن يراه اللَّه في موضعٍ نهاه عنه، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاءٍ ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضِلّة؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف؛ لما توعّد اللَّه المتبرجات بالحرمان من الجنة، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة، والمتبرجة الفاسقة، ولو كان مظهراً أجوف؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر، منشغل الضمير، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه، أو بسمة من تلك؟! وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر اللَّه، وتترك بعضها هي من ذمهم اللَّه تعالى بقوله: ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون[ [البقرة].
الحجة الثالثة:
من تدّعي أن حبها للَّه ولرسوله كفيلان برضا اللَّه عنها بدون عمل.
أما الرد عليها فهو:(14/348)
قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) [آل عمران].
لو انتسبت إلى معهد أو مدرسة، أليس المطلوب منك أن تحضري الدروس، وتداومي وتعملي كل ما تأمرك به إدارة ذلك المعهد أو تلك المدرسة، فإذا عصيت أمر الإدارة، ولم تسمعي لها قولاً، وخالفت قوانين وأنظمة المدرسة أو المعهد، فهل تبقين منتسبةً إليه أو تفصلين منه. لا شك أنك تفصل، ولا ينفعك هذا الانتساب شيئاً. فكيف تدعين حب اللَّه ورسوله، وتنتسبين إلى الإسلام في البطاقات الشخصية، وشهادات الميلاد، وسائر الأوراق الرسمية، وتأبَين إلا الابتعاد عن شرع اللَّه، ثم ادعاء محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فأي سفاهة أبلغ من ذلك؟!
الحجة الرابعة:
من تدّعي أن الحجاب تزمّت وتحتج بأن الدين يسر.
أما الرد عليها فهو:
إن تعاليم الدين الإسلامي، وتكاليفه الشرعية جميعها يسر، لا عسر فيها، وكلها في متناول يد المسلم المكلف بها، وفي استطاعته تنفيذها، إلا من كان من أصحاب الأعذار، فإن اللَّه عز وجل قد جعل لهم أمراً خاصاً. يقول تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة/185].
وإن يسر الدين لا يعني إلغاء أوامره، وإلا فما الفائدة من فرضيتها؟ وإنما تخفف لدى الضرورة فقط وبالكيفية التي رخّص لنا بها اللَّه ورسوله، فمثلاً يجب على المصلي أن يصلي قائماً، ولكن إن لم يستطع القيام فليصلّ قاعداً، فإن لم يستطع فبالكيفية التي يقدر عليها، كما أن الصائم يرخّص له الإفطار في رمضان إن كان مسافراً، أو مريضاً، ولكن لا بد من القضاء، أو الفدية في بعض الحالات، أو الفدية والقضاء في حالات أخرى، وكل ذلك من يسر الإسلام وسماحته، أما أن نترك الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما من التكاليف الشرعية جملةً واحدة ونقول: إن الدين يسر، وما جعل اللَّه علينا في الدين من حرج، فإن ذلك لا يجوز، ومثل ذلك الحجاب؛ فإن تركه لا يجوز، علماً بأن له رخصة كغيره من أوامر الشرع وهي أن اللَّه تعالى وضع الجلباب عن القواعد من النساء، وحتى في هذه الحالة اشترط عليهن عدم التبرج.
وقد جهلت هذه أن اللَّه أمر به على الوجوب، وأن الأحاديث النبوية فرضته، ومعلوم أن الأحاديث والآيات القرآنية حافلة بذمه واعتباره من الذنوب الموجبة لدخول النار، فهل بعد ذلك كله تجادل النساء في وجوبه وفرضيته؟!
الحجة الخامسة:
من تدّعي أن التبرج أمر عادي لا يلفت النظر.
أما الرد عليها فهو:
كيف يكون التبرج أمراً عادياً ونحن نرى أن الأزواج (على سبيل المثال) تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزيّنّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة على الطعام كلما كان منسقاً، متنوعاً، جميلاً في ترتيبه، حتى ولو لم يكن لذيذ الطعم؟
ولو كان التزيين أمراً عادياً لما تنافس الناس في تزيين البيوت وزخرفتها وفرشها بأفخر المفروشات، وكل ذلك لتتمتع أنظارهم، ولما تكبّد الناس مشاق السفر، وتكاليفه الباهظة في الرحلات إلى مختلف بلاد العالم، وكل ذلك للمتعة والتغيير، ويزداد سرورهم كلما شاهدوا في رحلاتهم مناظر جميلة وأشكالاً متنوعة.
بل لو كان التبرج أمراً عادياً لما نهى اللَّه عنه، لأن اللَّه هو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، ولولا أن الفساد الحاصل من التبرج كبير لما نهى اللَّه عنه، ولما جعله اللَّه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الذنوب.
وإليكم شهادة من طبيب يكذب الزعم القائل بأن التبرج أمرٌ عادي:
«أودع اللَّه الشبق الجنسي في النفس البشرية سراً من أسراره، وحكمةً من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الحسية من أعظم ما نزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأةٌ حاسرة سافرة على جمالٍ باهر، وحسنٍ ظاهر، واستهواءٍ بالغ، ولم يخف إليها، وينزع إلى جمالها، يحكم عليه الطب بأنه غير سويّ وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية_ في عرف الطب_ مرض يستوجب العلاج والتداوي، ناهيكم عن انعدام الرغبة تماماً... وهذا بدوره مرضٌ عضال».(14/349)
أقول: هذه الشهادة من طبيب حجة على من يزعمون أن خروج المرأة كاسية عارية بدون حجاب لا يثير الشهوات ولا يحرك النفوس، ويكذبون ويعتبرونه أمراً عادياً، فإن أعلى نسبة من الفجور، والإباحية، والشذوذ الجنسي، وضياع الأعراض، واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء متبرجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسباً طردياً مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إننا نجد أعلى نسبة من الأمراض الجنسية، ومنها: مرض الإيدز القاتل الذي انتشر حديثاً في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلتاً، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى! ناهيك عن الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الاخلاق، وأعظمها إباحية وفوضى كالسويد، وغيرها من دول الغرب!
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته، فالنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم
الحجة السادسة:
من تدّعي أن الحجاب عادات جاهلية أو رجعية
أما الرد عليها فهو:
إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ اللَّه تعالى تبرج نساء الجاهلية، فوجّه نساء المسلمين إلى عدم التبرج مثلهن، فقال جلّ شأنه: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى[ [الأحزاب/33].
صحيح إن الإسلام أبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات حميدة أقرّها الإسلام، فلم يبطلها، كإكرام الضيف، وغير ذلك، وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرجات كاشفات الوجوه والأعناق... باديات الزينة، ففرض اللَّه الحجاب على المرأة بعد الإسلام، ليرتقي بها، ويصون كرامتها، ويمنع عنها أذى الفساق والمغرضين، وإننا ونحن نتحدث عن العرب في جاهليتهم أقول: إن العصر الحديث شهد جاهليةً كبرى وانتكاسةً عظمى لم تشهدها العصور السابقة، ولا حتى العرب في جاهليتهم، إننا مسلمون نؤمن بديننا، ونقدس تعاليمه، ونحب ربنا ونبينا أكثر من حبنا لأنفسنا، ولن نتأثر بدعاوى الجاهلية الحديثة التي هي أشد من جاهلية أبي جهل، فإذا كان التبرج في الجاهلية الأولى يتضمن إظهار المرأة لوجهها وعنقها وحليها فقط، وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة، فإنه في الجاهلية المعاصرة أصبحنا نرى المرأة تكاد لا تغطي شيئاً من حرمات اللَّه، ونسيت أنها في حد ذاتها حرمةٌ من حرمات اللَّه، وحد من حدوده، لا يجوز أن يقربها أحد إلا أن يكون زوجها، ولا أن يرى زينتها أحد إلا أن يكون ممن بيّنهم اللَّه عزّ وجلّ في هذه الآية الكريمة:
]وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ [النور].
ولست أدري كيف تسوّل لإنسان نفسه أن يتبجّح على خالقه، ويرمي ما أمر به من سترٍ وصيانة وعفةٍ وطهارة بأنه رجعية؟ ولماذا هذه الحملة المسعورة على الحجاب الإسلامي بالذات ولا يتكلم أحد عن حدائق العراة، وبيوت الدعارة في كثيرٍ من ديار المسلمين؟
إن الرجعية الحقيقية هي ما عليه هؤلاء التقدميين من إلحاد وإنكار للبعث والحساب، بل لوجود الخالق، وتأليههم للطبيعة والأفراد، وكل هذه الأمور، والأفكار الوثنية كانت قبل الإسلام، ولما كان كل ما بعد الإسلام هو في نظرهم رجعي، إذ إنهم يعتبرون أن التمسك بتعاليم الأديان، (ومن أبرزها تعاليم الإسلام) رجعية، فلنكن رجعيين، لكنهم أشد منا تأخراً ورجعية؛ لأن ما هم عليه من رجعية سبقت ما نحن عليه من رجعية، وأكرم برجعيتنا من رجعية فنحن رجعنا إلى الشرف والعفة والفضيلة، وهم رجعوا إلى الفساد والطغيان والرذيلة.
الحجة السابعة: من تحتج بأنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً.
أما الرد عليها فهو:(14/350)
قضية الاقتناع التي تطرحها المرأة اليوم في أمر الحجاب قولٌ فيه جهلٌ وغرور، فمن أين يأتي الاقتناع؟ هل سيأتي من بحثٍ ودراسة وتحليل آيات اللَّه وحديث رسوله؟ أم أن المرأة تنتظر أن تنزل عليها آيةٌ من السماء؟ أو أن يوحى إليها، فيترتب على ذلك اقتناعها بأمر اللَّه؟
ونقول لها: إن لم تقنعك آيات اللَّه وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم فلن تقتنعي إذاً أبداً، فإن أطعت وهو أحرى بك فإنك من المؤمنات الطائعات الحييات من اللَّه، وإن لججت في القول فهو الضلال المبين.
وأقول: هل كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تنزل من لدن حكيمٍ خبير، أو أن أقوال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى رأي المتبرجة القاصر وجهلها المركب؟ إن اللَّه لغنيٌّ عنها وعن اقتناعها، أتحسب أن أوامر الدين ونواهيه بضاعة تقتنع بشراء بعضها، وترك البعض الآخر؟! ألا تستحي هذه أن ترفض أوامر اللَّه بحجة أنها لم تقتنع بها بعد؟
إن في آيات اللَّه الشفاء لك من جميع الآفات الاجتماعية والنفسية وغيرها، هبي أن طبيباً وصف لك دواءً وأمرك بشربه، هل ستقولين له: لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيني؟... إنني لواثقة أنك لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضموناً أن يشفيك من المرض، ولكنك لم تشككي، ولم تترددي؛ لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق، وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفاءك، فكيف باللَّه تترددين في قبول أمر من خلقك وخلق الطبيب، ولم تصدقي أن في أمره الخير والفلاح والصلاح؟!
========================
شبهات مثارة حول (الحجاب الكامل للمرأة المسلمة)
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى / الشيخ العلامة أمد الله في عمره :عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
شيخنا الجليل : بعد الاحتلال الأمريكي صدر كتاب اسمه : ( قضايا مثارة حول المرأة المسلمة ) لكاتب معروف بدرجة أستاذ دكتور - رئيس ما يسمى بالحزب الإسلامي العراقي - وقد تضمن هذا الكتاب الكثير من الآراء التي فاجأتنا نرجو من سيادتكم الإجابة عليها
وقال في ص 49 من الكتاب :
فالنقاب لا يدخل في أصل الحجاب ولا في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها )
والحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
إلى أن قال : ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه منفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن .
الاجابه عن الشبهوالحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
أقول : هذا خطأ في فهم الآية ، إذ قال الله في آية الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) ) .
فماذا يُفهَم من قوله تعالى : (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) ؟
لا يُفهَم منه إلا ذِكر نساء المؤمنين بعد ذِكر أمهات المؤمنين .
قال الإمام الشنقيطي في التفسير : ومِن أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على بُطلان ذلك القول ... ومِن أمثلته :
قول كثير من الناس : " إن آية الحجاب ، أعني قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الآية – خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم " فإن تعليله لهذا الْحُكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرِّجال والنساء من الريبة في قوله : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على قصد تعميم الْحُكم ، إذ لم يَقُل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى طهارة قلوبهن ، ولا إلى طهارة قلوب الرِّجال من الرِّيبة منهن ، وقد تقرر في الأصول أن العِلّة قد تُعمم مَعلولها
وأقول : لو افترضنا اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، وهُنّ بمنْزِلة الأمهات ، بل هُنّ أمهات للمؤمنين بِنَصّ قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) ، فغيرهنّ من باب أولى وأولى أن يَدخلن في هذا الخطاب .
ويَلزم من القول باختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب اختصاصهن بعدم الخضوع بالقول ، وجوازه لغيرهن من النساء ! وهذا لا يُقول به عاقل !(14/351)
كما أن قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الخطاب فيه مُوجّه لأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ، إلا أن الْحُكم عام .
فتحريم الخضوع بالقول ليس خاصاً بأمهات المؤمنين ، بل هو عام لكل مؤمنة تُؤمن بالله واليوم الآخر
وكذلك النهي عن التبرّج .
والأمر بالصلاة والزكاة ، كل هذا عام لكل مؤمنة ، ولم يَقُل أحد باختصاص أمهات المؤمنين به
ومن قال باختصاص أمهات المؤمنين بالحجاب لزِمه أن يقول باختصاص أمهات المؤمنين بهذه المنهيّات وبهذه الأوامر
وقوله : ( ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه مُنفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن ) .أقول : ما هو الضابط للتنفير ؟
ثم ما هو الضابط في الأخذ بالأيسر ؟
أما التنفير ، فلم يَقُل أحد من المسلمين ذوي الفِطر السليمة بأنه مُنفِّر ، لا من السَّلَف ولا مِن الخَلَف
وإنما قد يقول به من لا يرتضي دِين الله وشِرعته .
والمشاهد أن الكفّار في بلادهم – شرقاً أو غَرباً – يَحترمون من يتمسّك بِمبادئه ، ويلتزم بشخصيته ، بينما يَكرهون من يكون مُتلوِّناً مُتَقلِّباً .
وكم كان حجاب المرأة المسلمة في أوربا أو في أمريكا دعوة صامتة ، ومظهراً مُثيراً للسؤال : لماذا تلبس هذه هذا اللباس ؟
فإذا أُجيبتْ بأن هذا مِن دِين المرأة المسلمة ، كان سببا في البحث عن هذا الدِّين ، ومن ثمّ دخوله .
بل قد صرّحت غير واحدة أنه ما دعاها إلى الإسلام إلا حجاب المرأة المسلمة .
وصرّحتْ كاتبة بريطانية قبل أكثر من مائة عام بأن مظاهر التعرِّي عار على بلادها !
تقول الكاتبة الشهيرة " آتي رود " - في مقالة نُشِرت عام 1901م - : لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم ، خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تُصبح البنت ملوثة بأدرانٍ تَذهَب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيها الحِشمة والعفاف والطهارة … نعم ! إنه لَعَارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثَلاً
للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يُوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها . اهـ .
وقد ذَكَرَ الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – أنه كان في رحلة علمية من ميناء " دوفر " إلى ميناء " أوستن " فالْتَقَى فتاة إيطالية تَدْرس الحقوق في جامعة أكسفورد وتحدّث مع تلك الفتاة عن المرأة المسلمة وحقوقها ، وكيف تعيش . قالت الفتاة : إنني أغبط المرأة المسلمة ، وأتمنّى أن لو كنت مولودة في بلادكم
ولما قام إمبراطور ألمانيا " غليوم " بزيارة لِتركيا أحبّ أعضاء جمعية الاتحاد والتّرقي التركية أن يُظهروا له تمدّنهم ! فأخرجوا بعض بنات المدارس وهُنّ متبرجات لاستقباله ، واستغرب الإمبراطور ، وقال للمسؤولين : إني كنت آمل أن أشاهد في تركيا الحشمة والحجاب بحكم دينكم الإسلامي ، وإذا بي أشاهد التبرج الذي نشكو منه في أوربا ، ويقودنا إلى ضياع الأسرة ، وخراب الأوطان ، وتشريد الأطفال !!
أقول : وها نحن نُدعى لخوض غمار تجربة فاشلة ! بحجة أن الحجاب غير لائق بعصرنا ، وأنه مُنفِّر !
وإظهار المرأة لوجهها فيه فتنة له ولغيرها ، فإنها إذا كانت جميلة طاردتها العيون ، وإن كانت غير ذلك احتُقِرت وازدُريتْ ، وفي كلا لحالتين هذا الفِعل له أثر نفسي بالغ على المرأة .
وأما معرفة المرأة فلا مصلحة فيها ، أعني معرفة شخصها وعينها ، وإنما المصلحة أن تُعرف المحجّبة أنها حُرّة عفيفة فلا يَتعرّض لها أحد بسوء .
قال تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال ابن جُزي الكلبي في التفسير : أي ذلك أقرب إلى أن يُعرف الحرائر من الإماء ، فإذا عُرِف أن المرأة حُرة لم تُعارض بما تُعارض به الأمَة ، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يُعلم من هي ، إنما المراد أن يُفرّق بينها وبين الأمة ، لأنه كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء ، وربما تعرض لهن السفهاء
=====================
حجاب ولباس النساء بين القرآن والكتاب المقدس(14/352)
هناك بعض من النصارى الحاقدين يحاولون مهاجمة المرأة المسلمة من خلال حديثهم عن لباسها المحتشم وحجابها الذي أوجبه الاسلام عليها . ولهؤلاء الحاقدين نقول :
ان اللباس المحتشم الذي لا يظهر تفاصيل جسد المرأة ولا يتسبب بفتنة الرجال وإغوائهم لا شك بأنه مطلب وأمر إلهي ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ . . . . وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ سورة النور : 31 ]
ولكن السؤال الأبرز هل يوافق كتابكم المقدس على هذا اللباس المحتشم الذي تهاجمون المرأة المسلمة من خلاله ؟ الجواب : لنقرأ ما جاء في رسالة بطرس الأولى [ 3 : 1 ] :
(( كَذَلِكَ، أَيَّتُهَا النساء، اخْضَعْنَ لأَزْوَاجِكُنَّ. حَتَّى وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِالْكَلِمَةِ، تَجْذِبُهُ زَوْجَتُهُ إِلَى الإِيمَانِ، بِتَصَرُّفِهَا اللاَّئِقِ دُونَ كَلاَمٍ، 2وَذَلِكَ حِينَ يُلاَحِظُ سُلُوكَهَا الطَّاهِرَ وَوَقَارَهَا. 3وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَلاَّ تَعْتَمِدَ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ لإِظْهَارِ جَمَالِهَا، بِضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ. وَإِنَّمَا لِتَعْتَمِدِ الزِّينَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، لِيَكُونَ قَلْبُهَا مُتَزَيِّناً بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ وَالْهُدُوءِ. هَذِهِ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي لاَ تَفْنَى، وَهِيَ غَالِيَةُ الثَّمَنِ فِي نَظَرِ اللهِ! 5وَبِهَا كَانَتْ تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ التَّقِيَّاتُ قَدِيماً، فَكَانَتِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ تَتَّكِلُ عَلَى اللهِ وَتَخْضَعُ لِزَوْجِهَا. )) [ ترجمة كتاب الحياة ]
نعم فلا يجوز للمؤمنات من أتباع الكتاب المقدس بأن يتزينوا لغير أزواجهن ويرتدون اللباس الكاشف ليتسببن بفتنة وإغواء الرجال وقد جاء شبيه هذا التحذير في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس [ 2 : 9 ] :
(( كَمَا أُرِيدُ أَيْضاً، أَنْ تَظْهَرَ النِّسَاءُ بِمَظْهَرٍ لاَئِقٍ مَحْشُومِ اللِّبَاسِ، مُتَزَيِّنَاتٍ بِالْحَيَاءِ وَالرَّزَانَةِ، غَيْرَ مُتَحَلِّيَاتٍ بِالْجَدَائِلِ وَالذَّهَبِ وَاللَّالِيءِ وَالْحُلَلِ الْغَالِيَةِ الثَّمَنِ، 10بَلْ بِمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ يَعْتَرِفْنَ عَلَناً بِأَنَّهُنَّ يَعِشْنَ فِي تَقْوَى اللهِ، بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ! )) [ ترجمة كتاب الحياة ]
السؤال هو ماذا تكسب المرأة المسيحية التي تظهر محاسنها ومفاتنها للآخرين ؟
وهل تصيبها خسارة ما إذا أخفت هذه المحاسن والمفاتن ؟
قطعاً لا . بل انها تكسب الانصياع لمشيئة الله المدونه في كتابها المقدس ، ولكن قد تقول إحداهن أنا أريد أن يمدح الآخرين جمالي . نقول : جمال المرأة الذي يستحق المدح ليس في جسدها حيث نقرأ في سفر الأمثال [ 31 : 30 ] :
(( الْحُسْنُ غِشٌّ وَالْجَمَالُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَّةُ الرَّبَّ فَهِيَ الَّتِي تُمْدَحُ. أَعْطُوهَا مِنْ ثَمَرِ يَدَيْهَا، وَلْتَكُنْ أَعْمَالُهَا مَصْدَرَ الثَّنَاءِ عَلَيْهَا )) [ ترجمة كتاب الحياة ]
وعليه فإننا نقول لهؤلاء الحاقدين ان كتابكم يوافق الإسلام وكتابه في هذه المسألة (اللباس المحتشم) .
وإليكم هذه النصوص أيضاً والتي تأمر المرأة بأن تغطي رأسها :
جاء في الرسالة الأولى إلى كورنثس [ 11 : 1 ] ما يلي :
(( وأما كل إمرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيىء واحد بعينه . إذ المرأة إن كانت لا تتغطى : فليقص شعرها . ))
وجاء في نفس الرسالة أيضاَ [ 11 : 13 ] :
(( أحكموا في أنفسكم : هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاه ؟! ))
ووكما مر في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس [ 2 : 9 ] :
(( النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة ، مع ورع وتعقل ، لا بضفائر أو ذهب أو لآلىء أو ملابس كثيرة الثمن ))
إن المرأة المسلمة المحجبة هي أقرب في حجابها إلى مريم العذراء من النصارى الذين يكرهون المسلمة المحجبة في حين تمتلىء بيوتهم وكنائسهم بصور مريم وهي تبدو في الصورة محجبة بنفس الحجاب الذي تلبسه المسلمة .
لقد تمسك أحد المتعصبين بأن النص يأمر بالحجاب في الكنيسة وليس في غيرها من الأماكن . ولكن : هل العفة مطلوبة في الكنيسة فقط ؟ أم أن الحاجة إلى العفة والحجاب أولى في أماكن أخرى غير الكنيسة كالسوق والشارع . ثم أليس من النفاق أن تغطي رأسها في الكنيسة ثم إذا خرجت كشفت عن أفخاذها وصدرها ؟!(14/353)
ها هو الحجاب واللباس المحتشم الذي يعيرنا به بعض المبشرين الحاقدين نجده معترف به في العهد الجديد بل وفي العهد القديم أيضاً ففي الاصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين العدد 63 : (( وَخَرَجَ إِسْحَاقُ لِيَتَأَمَّلَ فِي الْحَقْلِ عِنْدَ إِقْبَالِ الْمَسَاءِ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا جِمَالٌ مُقْبِلَةٌ. 64وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ عَيْنَيْهَا فَرَأَتْ إِسْحَاقَ فَنَزَلَتْ عَنِ الْجَمَلِ. 65وَقَالَتْ لِلْعَبْدِ: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَأَخَذَتِ الْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ. ))
لقد جاء الاسلام والحجاب موجود في كل مكان فتصرف معه كما تصرف في غيره من التقاليد والعادات بما يلائم مصلحة الانسان والمثل العليا فلم يجعله عنواناً لإتهام المرأة ، أو عنواناً لسيطرة الرجل واعتبارها جزءاً من ممتلكاته يتصرف فيها كما يشاء تبعاً لهواه ومصلحته . بل جعله أدباً خلقياً واجب الاحترام والالتزام .
وعليه نقول :
انه ينبغي على المرأة المسيحية أن تغطي رأسها بحجاب يخفي شعرها وبلباس محتشم لا يظهر تفاصيل جسدها بحيث لا يتسبب هذا اللباس بفتنة الرجال الغرباء وليس هذا تخلفاً كما يزعم هؤلاء الجهلة بل امتثال للأوامر المدونة في كتابها المقدس . وأي محاولة للهروب من هذا الواقع يعتبر تهربا وتقصيراً تجاه الدين .
والواجب على هؤلاء المسيحيين الحاقدون أن ينشروا هذا التعليم بين النساء المسيحيات لا أن يهاجموا المرأة المسلمة من خلاله .
====================
نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسان
وضع المرأة في الاسلام وبعبارة أخرى نظرة الاسلام الى المرأة كانسان منطلقين فيها من قول رسول الله انما النساء شقائق الرجال وفي هذا القول الوجيز منتهى الوضوح في وحدة بني الانسان بنوعيه من ذكور واناث في حقوق الانسان
ولولا شبهات حول حقوق المرأة في الاسلام لا تقوم على أساس من العلم بحقائق الاسلام لكان من الواجب علينا أن نكتفي بما نقلناه من النص النبوي الصريح في مساواة المرأة للرجل في انسانيتها وفي حقوقها والتي تدعمه النصوص القرآنية الكثيرة بصراحتها معلنة
أولا وحدة خلق الانسان بنوعيه من نفس واحدة كما جاء في مطالع سورة النساء من القرآن الكريم يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساءا
ثانيا وحدة ما على النساء من حقوق نحو الرجال وما على الرجال من حقوق نحو النساء الا ما جعل للرجال من حق في رئاسة الأسرة وتحمل مسئولياتها في الانفاق لما بني عليه تكوين الرجال من خصائص تجعلهم في الأصل أرجح في حمل هذه المسئولية الاجتماعية الثقيلة عملا بقول القرآن الكريم ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف أي من الحقوق وللرجال عليهم درجة وعملا بقوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقو من أموالهم
نظرة الاسلام الى المرأة لا تدرك أبعادها الا بالاشارة الى وضع المرأة قبل الاسلام
:ولا بد لنا من التأكيد على أن نظرة الاسلام الى المرأة
في اعلان مساواتها للرجل في الحقوق-
في اعلان مساواتها للرجل في الانسانية-
فيما قد حققه الاسلام للمرأة من معاني الكرامة والحرية-
فيما قد حققه للمرأة من انجازات تاريخية تشريعية جذرية كاملةلا يمكن ادراك ابعاد هذه الانجازات كلها الا بالاشارة الوجيزة الى ما كان عليه وضع المرأة قبل الاسلام وفي عالم حضارات الانسان في تلك الأزمان ولسنا في حاجة الا الى وقفات سريعة
أولا على ما كان عليه وضع المرأة في شريعة الرومان وأثارها حتى الأن
ثانيا على ما وصل اليه وضع المرأة في بعض الندوات الدينية في القرون الوسطى من شكوك حتى في انسانيتها وطبيعة روحها
ثالثا على ما كانت عليه أوضاع المرأة في كثير من قبائل جزيرة العرب من تقزز وامتهان الى ظهور دعوة محمد الى الاسلام
وضع المرأة في شريعة الرومان وآثارها حتى اليوم
أما فيما يتعلق بوضع المرأة في شريعة الرومان مما كان شائعا ومتعارفا عليه في معظم عالم الحضارة القديم فقد كان قائما
أولا على عدم الاعتراف بأية أهلية حقوقية للمرأة
ثانيا على وضعها بسبب جنسها تحت الوصاية الدائمة لا فرق في المرأة بين ضغرها أو بلوغها سن الرشد فهي تحت وصاية الأب اولا والزوج ثانيا ولا تملك أي حرية في تصرفاتها وهي في ذلك في الجملة موروثة لا وارثة
وبالنتيجة فان المرأة في الشريعة الرومانية كانت شيئا من الأشياء التابعة للرجل وهي لذلك فاقدة لكل شخصية لها محرومة من كل اعتبار لحرية تصرفاتها
وضع المرأة في بعض الندوات الدينية في القرون الوسطى(14/354)
واما فيما يتعلق بما وصل اليه وضع المرأة في بعض الندوات الدينية في القرون الوسطى من شكوك حتى في انسانيتها وطبيعة روحها فقد حدثنا التاريخ بأن مؤتمرات عقدت في روما للبحث حول المرأة وحول روحها وهل هي تتمتع بروح كروح الرجل أو أن روحها كروح الحيوانات مثل الثعابين والكلاب
بل ان أحد هذه الاجتماعات في روما قرر أنه لا روح لها على الاطلاق وانها لن تبعث في الحياة الأخرى
وضع المرأة في جزيرة العرب قبل الاسلام
وأما فيما يتعلق بما كانت عليه أوضاع المرأة في كثير من قبائل جزيرة العرب من تقزز وامتهان حين ظهور دعوة محمد الى الاسلام فكانت شرا من كل ذلك فقد كانت المرأة العربية في الجملة قبل الاسلام عارا يحرص أولياؤها الذكور على التخلص منها ووأدها حية ساعة ولادتها وذلك لعوامل مختلفة أهمها ضعف بنيتها في الشدائد وضآلة كسب الرجل في الحياة ولقد وقفت دعوة محمد عليه الصلاة والسلام منذ ظهورها الى التنديد بهذا الوضع الآليم وجاهر به القرآن في أيات متعددة وفي ظروف مختلفة فقال مرة واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى مع القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب الاساء ما يحكمون وقال مرة في اعلان مسئولية الرجل عن وأد الوليدة وهي حية ساعة ولادتها واذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت وقال مرة أخرى ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقكم واياهم
كيف عالج الاسلام هذا الوضع الشائن قبل منظمات الأمم ومواثيق حقوق الانسان
وبعد أيها السادة فهذا مجمل وضع المرأة قبل ظهور الاسلام في بلاد العرب ومعظم بلاد العالم من وضع في منتهى المهانة وفقدان الكرامة واذا بدعوة محمد تسبق منظمات الامم ومواثيق حقوق الانسان منذ أربعة عشر قرنا وفي قلب تلك الظلمات من الأيام وتظع مشكلة المرأة في مقدمة مشاكل الانسان التي عالجها الاسلام بمنتهى الجرأة والحزم والايمان معلنا
أولا كامل انسانيتها الى جانب الرجال ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك النساء شقائق الرجال وذلك في جميع ما نادى به الاسلام من حقوق للانسان مما قد سبقت الاشارة اليه في مطلع حديثنا الأن
ثانيا كامل أهليتها في جميع حقوقها وتصرفاتها تملكا وبيعا وشراءا وزواجا من غير وصاية عليها أو تحديد في تصرفاتها خلافا للكثير من أوضاع المرأة التى لا تزال قائمة في بعض قوانين العالم الحديث
بل ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع شأن المرأة الى أبعد من ذلك فقد الأم في الكرامة والبر على الأب حين سأل سائل يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وفي حديث آخر عن رسول الله ان الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب وقال أيضا الجنة تحت أقدام الأمهات
شبهات على حقوق المرأة في الاسلام والرد عليها
وأخيرا وتأكيدا لهذه المفاهيم السامية في انسانية المرأة وحقوقها في الاسلام سو نتناول فيما يلى بكل ايجاز جميع ما أورده بعض الملاحظين من الشبهات على مساواة المرأة في الحقوق للرجال في شريعة القرآن وهذه الشبهات تنحصر في الأمور التالية
أولا عدم مساواة المرأة للرجل في الميراث
ثانيا عدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة
ثالثا استئثار الرجل بايقاع الطلاق
رابعا تعدد الزوجات
خامسا الحجاب
سادسا العقوبات الجسدية في حالات السرقة والزنا وهو على السواء للرجال والنساء
حول عدم مساواة المرأة للرجل في الميراث في الاسلام
أما فيما يتعلق بالزعم بعدم مساواة المرأة للرجل في الميراث فهو زعم يتناقض المبدأ الأصلي في المساواة الثابت في الاسلام فيما بين حقوق النساء والرجال والذي نقلنا فيه من قبل قول القرآن ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف أي من الحقوق وللرجال عليهن درجة وقد حدد القرآن بنفسه هذه الدرجة وذلك بنصوص صريحة في رئاسة الأسرة وتحمل مسئولياتها في الانفاق تبعا لما بني عليه تكوين الرجل من خصائص تجعله في الأصل أرجح في حمل هذه المسئولية الاجتماعية الثقيلة وليس في ذلك كما ترون الا عبء ثقيل وضع على عاتق الرجل وحررت منه المرأة من دون أن يكون في ذلك مساس في مساواة المرأة للرجل في الكرامة وفي الحقوق وفي ذلك منتهى العدل والابتعاد عن الظلم بين النوعين من الذكور والاناث وقد جاء في القرآن في ذلك ما كنا نقلناه من قبل الرجال قوامون عاى النساء أي بالرئاسة والانفاق وذلك بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من اموالهم
أما القول بعد ذلك بعدم مساواة المرأة للرجل اعتمادا على ما جاء في القرآن الكريم من الجهر بأن للذكر مثل حظ الأنثيين فهو أولا ليس مطلقا في جميع الحالات وانما يجري في بعض الحالات لأسباب أساسية تتعلق باقامة العدل نفسه بين الذكور والاناث وقد نص القرآن الكريم
أولا على المساواة في الارث بين الأم والأب من ولدهما فيما اذا كان لولدهما أولاد ذكور(14/355)
ثانيا على المساواة في الارث بين الأخت والأخ لأم اذا لم يكن لأخيهما أصل من الذكور ولا فرع وارث وفي ذلك كما نرى مساواة في الارث بين الرجال والنساء
غير أن هذا المبدأ قد يعدل عنه كما أشرنا اليه من قبل تحقيقا للعدالة أيضا وفي حالات حددها القرأن وذلك كما يلي
أولا في حالة وجود أولاد للمتوفي فتكون القاعدة عندئذ بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ويلحق بها حالات أخرى مشابهة
ثانيا في حالة الزوجين فالزوج يرث من زوجته ضعف ما ترثه هي منه
أما العلة في الحالة الأولى وهي عدم المساواة في الارث بين أولاد المتوفي وفي أمثالهم من الحالات المشابهة لها من حالات التعصيب فهي مسئولية الانفاق عند الاقتضاء على من تبقى من أسرة المتوفي ونحو ذلك وهذه المسئولية تقع على عاتق الذكور دون الاناث ولذلك يرث الذكور عند ئذ على أساس قاعدة للذكر مثل حظ الانثيين وليس من العدل ان تعطى الأنثى مثل حصة الذكر وهو يتحمل الانفاق مالا تتحمله الأنثى
وعلى هذا الأساس أيضا من العدالة يجري التوارث بين الزوجين حيث أن الزوج يرث من زوجته ضعف ما ترثه الزوجة منه وذلك لأن الزوج يكون مسئولا عن الاستمرار في الانفاق على الأولاد بينما حين ترث الزوجة زوجها فهي غير مسئولة عن الانفاق على الأولاد بل تكون نفقتها عند الاقتضاء قائمة على مسئولية الأولاد الذكور فيما ملكوه أو ورثوه من أبيهم
ويتضح من كل ذلك أنه ليس من الصحيح الزعم القائل بعدم مساواة المرأة للرجل في الميراث مطلقا وأن هذا المبدأ اذا لم يعمل به مباشرة أحيانا فذلك عملا بمبدأ العدالة والمساواة في حالات المسئولية في الانفاق الملقاة على عاتق الذكور دون الاناث وفقا للقاعدة الشرعية الغنم بالغرم أو الغرم بالغنم أي أن الانسان انما يعطي على حسب مسئوليته
حول عدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة
أما فيما يتعلق بالزعم بعدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة عملا بما جاء في القرآن الكريم واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى فليس ذلك من موضوع حقوق الانسان وانما هو من موضوع الأعباء التي يدعى لتحملها الانسان ويتوجب عليه أداؤها عملا بقول القرآن أيضا ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه أثم قلبه وقد أوجبت أحكام القرآن ان يزاد في نصاب الشهادة من النساء وهذا ما يدعوا أصحاب الحاجة عندئذ الى التماس الشهداء من الرجال دون النساء وأن يضعوا بذلك عبء الشهادة الثقيل على الرجال ما استطاعوا خاصة وان الانسان بنوعيه عرضة للنسيان وللضعف في الانتباه لدقائق الشهادة والمرأة معرضة لذلك اكثر من الرجال وهو ما أشارت اليه الآية الكريمة دون ان تنفيه عن الرجال وليس في ذلك كما نرى شيء مما يمس اعتبار المرأة
هذا ولا بد من الاشارة أيضا الى ان الشريعة الاسلامية اتجهت الى تعزيز الشهادة حتى لا تكون عرضة للاتهام ولذلك عززت شهادة الرجل الواحد نفسه بشهادة رجل آخر ولم يعتبر ذلك ماسا بكرامة الرجل ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الانسان وبناء عليه فاذا لم يكن هناك الا شاهد من الرجال واحتيج في الشهادة الى المرأة كان تعزيز شهادة المرأة بشهادة امرأة ثانية جاريا على نفس الأصل الذي يجري على تعزيز شهادة الرجل الواحد بشهادة رجل آخر فضلا عما ذكرناه من اسباب اعلاه وخاصة ما قلنا من ان الموضوع ليس من مواضيع حقوق الانسان وانما يتعلق بموضوع الأعباء التى يدعى لتحملها الانسان وكان من الخير صرف أصحاب الحاجة عن تحميل هذه الأعباء للنساء
حول القول باستئثار الرجل بالطلاق في الاسلام
وأما فيما يتعلق بالقول باستئثار الرجل بالطلاق وقصر هذا الحق عليه دون المرأة فلا بد من لفت النظر الى أن الزواج في الاسلام من ناحيته العقدية هو عقد رضائي علني يقوم على العطاء المتبادل بين الزوجين في شخصيهما وفقا للاحكام الشرعية ليتمتع كل منهما بشخص الآخر تمتعا كان محرما عليهما لولا هذا العقد
غير أن المرأة في عطائها امتازت على الرجل في استحقاقها المهر حسب شروطها وأما عطاء الرجل فكان هدرا بدون عوض من هذه الناحية ولذلك كان العقد هنا قائما فقط على عطاء المرأة الذي قبظت عليه المهر وان فسح العقد من قبلها في هذه الحالة يعتبر اقالة للعقد ضارة بالطرف الآخر مثل اقالة العقد في أي موضوع آخر من العقود اللازمة ومن المعلوم في علم الحقوق ان مثل هذه الاقالة للعقود اللازمة لا تصح
حول القول في تعدد الزوجات في الاسلام(14/356)
وأما فيما يتعلق بتعدد الزوجات فلم يكن الاسلام الباديء لفتح بابه بل ان هذا الباب كان مفتوحا من غير حد ولا شرط ومنذ الديانة اليهودية التي هي أصل الديانة المسيحية ومن المعلوم لدى الديانتين ان تعدد الزوجات كان قائما بين انبياء العهد القديم منذ ابراهيم أبي الأنبياء لدى العرب ولدى اليهود ولدى المسلمين وهو لا يزال قائما فعلا بطرق غير مشروعة لدى المانعين كما هو معلوم وبشكل يضر ضررا فاحشا ماديا ومعنويا واجتماعيا بكل من الزوج والزوجات والأولاد
ولذلك عالج الاسلام هذه الأوضاع وحرم أولا ما فوق الأربع زوجات واغلق بذلك الباب المفتوح سابقا من غير تحديد وكان في ذلك اصلاحه الأول
أما اصلاحه الثاني فقد اشترط فيه على الزوج العدالة بين الزوجات في الحقوق وجعل للزوجة في ذلك حق مراجعة القضاء عند عدم العدل طلبا للعدالة أو فسخا للزواج
هذا وان تعدد الزوجات بالنسبة للزوجة الجديدة هو تعدد برضائها لتكون زوجة شرعية تتمتع بالحقوق الزوجية عوصا من ان تكون خليلة غير محترمة في الحياة الاجتماعية وهي صاحبة الحق في هذا الاختبار انقاذا لنفسها من الدعارة ولزوجها من الخيانة وان منعها من ذلك فيه عدوان صارخ على حقها في الزوجية الشرعية
غير أن التعدد للزوجة الأولى فالغالب فيه ألا يكون برضائها ولذلك كان لها الحق عند عقد الزواج ان تشترط لنفسها حق الطلاق في حالة اقدام زوجها على التعدد بدون موافقتها وهذا هو الاصلاح الثالث في موضوع تعدد الزوجات في الإسلام دين السلام
====================
فقه المرأة المسلمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الآمين وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ، فيكثر السؤال عن وضع المرأة في الإسلام، وهذا يجعلنا نرجع إلى مصادره وإلى نتاج المسلمين الفكري وإلى واقعهم التاريخي وإلى واقعهم المعيشي، والمرأة أحد نوعي الجنس البشري، وقد كرمه الله على كثير من خلقه قال تعالى : "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" [الإسراء :70]، ولا شك أن هذا التكريم يشمل الذكر والأنثى، فالرجل مكرم باعتباره إنسان، والمرأة مكرمة باعتبارها إنسان كذلك، كرم الله المرأة ولم يظلمها فيما تستحقه من حقوق، ولم يحمّلها ما لا تطيق لأنه سبحانه خالقها وهو أعلم بما يناسبها من حقوق وما يتوافق معها من واجبات قال سبحانه :"أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ" [الملك :14]، فقضية العدل والإنصاف مع المرأة ينبغي أن تكون متكاملة، فلا ينظر لها من جانب الحقوق فحسب، بل يمتد النظر ليشمل جانب الواجبات؛ فإن الله لم يخلق الإنسان ـ أرقى مخلوقاته ـ عبثاً ليمتعه بمجموعة من الحقوق دون أن يطلب منه واجبات يقول الله تعالى : "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ" [المؤمنون :115]. وهناك حقائق لابد أن تكون مستقرة في عقل وقلب كل مسلم والتي عبر عنها القرآن بقوله تعالى : " وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف :49]، "وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا" [النساء :49] ، "وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ" [الحج :10] ، "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ" [العنكبوت :40] ، " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ" [النساء :40] ، "وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" [النساء :124] ، "فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ"[التوبة :70] .
فكل هذه الآيات وغيرها كثير تؤكد على حقيقة مهمة يجب أن تكون راسخة في عقيدة كل مسلم شهد رسول الله وهي أن عدل الله مطلق وليس- صلى الله عليه وسلم -أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه، والله لا يوزن حكمه بموازين البشر بل المقياس الإلهي هو الذي ينبغي أن تقاس به أفعال العباد.
وإن المشكلة التي نواجهها في أيامنا هذه هي أن قضية المرأة وحقوقها في الشريعة الإسلامية سارت موضع نقاش وجدل بين من لا يعرف المرأة وحقيقتها، ولا يعرف الشريعة الإسلامية وحقيقتها، وأصبح الحوار أشبه بحوار الطرشان، وقد دفعني هذا الواقع المؤلم إلى أن أجمع بحثًا عن المرأة المسلمة في مصادر الشريعة والواقع التاريخي لها وسميته : « المرأة المسلمة في مصادر الشريعة والواقع التاريخي » وقد قسمته لعدة فصول وهي :
الباب الأول : المرأة في نصوص الشرع الشريف، وفيه فصلان :
الفصل الأول : المرأة في القرآن الكريم.
الفصل الثاني : المرأة في السنة النبوية.
الباب الثاني : المرأة المسلمة في التراث الفقهي، وفيه ثمانية فصول :
الفصل الأول : ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات.
الفصل الثاني : شهادة المرأة المسلمة ورد الشبه حولها.
الفصل الثالث : تعدد الزوجات وحقيقته.
الفصل الرابع : حق المرأة في اختيار زوجها.(14/357)
الفصل الخامس : إمامة المرأة في الصلاة.
الفصل السادس : ختان الإناث.
الفصل السابع : حقوق المرأة السياسية.
الفصل الثامن : ضرب النساء في الإسلام.
الباب الثالث : المرأة المسلمة في الواقع التاريخي، وفيه خمسة فصول :
الفصل الأول : نساء حاكمات.
الفصل الثاني : نساء قاضيات.
الفصل الثالث : نساء محاربات.
الفصل الرابع : نساء مفتيات وعالمات.
الفصل الخامس : نساء تولين الحسبة (السلطة التنفيذية).
خاتمة : في أوضاع المرأة غير المسلمة قديماً وحديثاً.
عورة المرأة في الصلاة
شرع الله الصلاة وجعل لها شرائط لصحتها تنبيها للعبد على خطورة وعظمة موقفه بين يدي الله جل وعلا، ومن هذه الشرائط ستر العورة، وقد أشار الله تعالى إليه في كتابه العزيز بقوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ]الأعراف:31[ أي ما يستر عورتكم عند الصلاة والطواف. كما في الجلالين.
والعورة في اللغة: كل شيء يستره الإنسان أَنَفَةً وحياء فهو عورة . وهي في الاصطلاح: ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرجل أو المرأة , أو هي ما يجب ستره وعدم إظهاره من الجسم , وحَدُّها يختلف باختلاف الجنس وباختلاف العمر , كما يختلف من المرأة بالنسبة للمحرم وغير المحرم على التفصيل الذي يأتي , وقال الشربيني الخطيب : هي ما يحرم النظر إليه . والسِّتْر لغة : ما يُستر به , والسُّتْرة بالضم مثله , والصلة بين العورة والستر أن الستر مطلوب لتغطية العورة.اهـ موسوعة الفقه بتصرف.
وملخص أقوال أهل العلم في حكم ستر العورة في الصلاة ما قاله ابن قدامة: ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب , وشرط لصحة الصلاة . وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك : سترها واجب , وليس بشرط لصحة الصلاة . وقال بعضهم : هي شرط مع الذكر دون السهو . احتجوا على أنها ليست شرطا بأن وجوبها لا يختص بالصلاة , فلم يكن شرطا , كاجتناب الصلاة في الدار المغصوبة . ولنا ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن , وقال سلمة بن الأكوع: قلت يا رسول الله , إني أكون في الصيد في القميص الواحد ؟ قال :" نعم , وازرره ولو بشوكة".حديث حسن. وما ذكروه ينتقض بالإيمان والطهارة, فإنها تجب لمس المصحف , والمسألة ممنوعة , قال ابن عبد البر : احتج من قال الستر من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عُريانا , قال : وهذا أجمعوا عليه كلهم. المغني (1/336) بتصرف.
والمرأة البالغة إذا صلت يجب عليها ستر بدنها كله إلا الوجه والكفين، وبهذا صرح أهل العلم، قال الشيرازي: الحرة جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } [ النور : 31 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما : وجهها وكفيها. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة في الإحرام عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما في الإحرام، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه في البيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ و الإعطاء فلم يجعل ذلك عورة. المهذب (1/123).
وقال ابن قدامة: لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة , ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم . وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها , وفي الكفين روايتان . واختلف أهل العلم ; فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه , وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت , وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة. وقال مالك , والأوزاعي , والشافعي : جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها, وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة. المغني (1/349).
ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع بلا حاجة. قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. ولأن ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف , ويغطي الفم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلَ عنه. فإن كان لحاجة كحضور أجانب , فلا كراهة. كشاف القناع (1/268).
واختلفوا في ظهور قدميها، فقال مالك والليث بن سعد: تستر قدميها في الصلاة.قال مالك: فإن لم تفعل أعادت ما دامت في الوقت، وعند الليث تعيد أبدا. وقال الشافعي: ما عدا وجهها وكفيها عورة فإن انكشف ذلك منها في الصلاة أعادت ـ ولا إعادة عنده مقصورة على الوقت في شيء من الصلاة وكل ما قال فيه عليه الإعادة وذلك عنده في الوقت وبعده ـ وقال أبو حنيفة والثوري: قدم المرأة ليست بعورة إن صلت وقدمها مكشوفة لم تعد. قال أبو عمر: لا خلاف علمته بين الصحابة في ستر ظهور قدمي المرأة في الصلاة وحسبك بما جاء في ذلك عن أمهات المسلمين رضي الله عنهن. الاستذكار (2/194).(14/358)
قال ابن قدامة: والدليل على وجوب تغطية القدمين ما روت أم سلمة , قالت : قلت : يا رسول الله , أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ قال:" نعم , إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها". رواه أبو داود وقال : وَقَفَه جماعة على أم سلمة, ورفعه عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار. وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا ينظر الله إلى مَنْ جَرَّ ذيله خُيلاء". فقالت أم سلمة: كيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال: "يرخين شبرا ". فقالت : إذن تنكشف أقدامهن. قال :"فيرخينه ذراعا، لا يزدن عليه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.. وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين , ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام فلم يجب كشفه في الصلاة, كالساقين. المغني (1/349).
ومال ابن تيمية إلى الرخصة فقال: وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم، وأم سلمة قالت: تصلى المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهر قدميها. فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم. وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها وإنْ رُؤي وجهها ويداها وقدماها كما كُنَّ يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة فى الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا. مجموع الفتاوى (22/115).
ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة من ثوب صَفيق أو جلد أو ورق , فإن ستر بما يظهر منه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز ; لأن الستر لا يحصل بذلك.اهـ من المهذب للشيرازي.
قال النووي في الشرح: قال أصحابنا : يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة , فلا يكفي ثوب رقيق يشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها , ولا يكفي أيضا الغليظ المهلهل النسج الذي يظهر العورة من خلله , فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوهما صحت الصلاة فيه لوجود الستر , وحكى الدارمي وصاحب البيان وجها أنه لا يصح إذا وصف الحجم, وهو غلط ظاهر. ويكفي الستر بجميع أنواع الثياب والجلود والورق والحشيش المنسوج وغير ذلك مما يستر لون البشرة , وهذا لا خلاف فيه , ولو ستر بعض عورته بشيء من زجاج بحيث ترى البشرة منه لم تصح صلاته بلا خلاف , ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته إلا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء , فإن انغمس إلى عنقه ومنعت الخضرة رؤية لون البشرة أو وقف في ماء كَدِر صحت على الأصح. وصورة الصلاة في الماء أن يصلي على جنازة , ولو طَيَّن عورته فاستتر اللون أجزأه على الصحيح وبه قطع الأصحاب سواء وجد ثوبا أم لا , وفيه وجه حكاه الرافعي أنه لا يصح، وهو شاذ مردود . قال أصحابنا : ويشترط ستر العورة من أعلى ومن الجوانب, ولا يشترط من أسفل الذيل والإزار. ويشترط في الساتر أن يشمل المستور، إما باللُّبْس كالثوب والجلد ونحوهما , وإما بغيره كالتطين , فأما الخيمة الضيقة ونحوها فإذا دخل إنسان وصلى مكشوف العورة لم تصح صلاته ; لأنها ليست سترة ولا يسمى مستترا . المجموع (3/176).
وقال ابن قدامة: الواجب الستر بما يستر لون البشرة , فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه , فيُعلم بياضه أو حمرته , لم تجز الصلاة فيه ; لأن الستر لا يحصل بذلك . وإن كان يستر لونها , ويصف الخِلْقة , جازت الصلاة ; لأن هذا لا يمكن التحرز منه , وإن كان الساتر صَفِيقا. المغني (1/804).
فإنْ وصف الساتر الحجم مع إمكان التحرز كُره.
قال الخطيب الشربيني: (وشرطه) أي: الساتر ( ما ) أي: جزم ( منع إدراك لون البشرة ) لا حجمها، فلا يكفي ثوب رقيق ولا مهلهل لا يمنع إدراك اللون،ولا زجاج يحكي اللون؛ لأن مقصود الستر لا يحصل بذلك . أما إدراك الحجم فلا يضر ، لكنه للمرأة مكروه ، وللرجل خلاف الأَوْلَى . مغني المحتاج (1/398).
والله ولي التوفيق،
المرأة في القرآن الكريم(14/359)
ساوى الله بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة، فأخبر سبحانه بوحدة الأصل الإنساني الذي خلق منه الرجال والنساء في أكثر من موضع من القرآن الكريم قال تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [ [النساء :1] ، وقال سبحانه : "وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ" [الأنعام :98] ، وقال عز من قائل : "هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف :189] ، وقال تعالى : "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" [الزمر :6] . كما ساوى ربنا بينهما في أصل العبودية له وحده والتكاليف الشرعية، ولم يفضل جنساً على آخر، بل جعل مقياس التفضيل التقوى والصلاح والإصلاح قال تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات :13] ، ويتساوى الرجال والنساء بل الإنسان وجميع خلق الله في أصل العبودية قال تعالى : "إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا" [مريم :93] .
وساوى الله بين الرجال والنساء في أصل التكاليف الشرعية، والثواب والعقاب على فعلها وتركها ، قال تعالى : "مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ" [غافر :40] ، وقال سبحانه : "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ" [آل عمران :195] ، وقال تعالى : "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" [النساء :124] ، وقال سبحانه وتعالى : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النحل :97] .
كما ساوى ربنا بينهما في أصل الحقوق والواجبات "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [البقرة :228] ، وقال تعالى: "لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا" [النساء :7] ، وجرم سبحانه وتعالى ما كان يفعله العرب قبل الإسلام من كراهية أن يرزقه الله بالأنثى، حيث قال تعال : "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [النحل : 58 ، 59]
ولم تقتصر نصوص الشرع الشريف على المساواة في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة ؛ وذلك لرقة طبعها وخجلها أن تطالب بحقوقها، فأوصى الرجال بهن خيراً وأن يتعاملوا معهن بالمعروف في أكثر من موضع في القرآن الكريم. قال تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" [النساء :19] ،وقوله "وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى المُحْسِنِينَ" [البقرة :236] ، وقوله سبحانه : "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ" [الطلاق :6] ، وقوله تعالى: "فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" [النساء :24] ، وقال عز وجل : "وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ" [النور :33] ، وقوله تعالى : "فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا" [النساء :34] ، وقوله سبحانه وتعالى : "َإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا" [البقرة :229] .(14/360)
كما ساوى ربنا بينهما في أصل العبودية له وحده والتكاليف الشرعية، ولم يفضل جنساً على آخر، بل جعل مقياس التفضيل التقوى والصلاح والإصلاح قال تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات :13] ، ويتساوى الرجال والنساء بل الإنسان وجميع خلق الله في أصل العبودية قال تعالى : "إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا" [مريم :93] . وساوى الله بين الرجال والنساء في أصل التكاليف الشرعية، والثواب والعقاب على فعلها وتركها ، قال تعالى : "مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ" [غافر :40] ، وقال سبحانه : "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ" [آل عمران :195] ، وقال تعالى : "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" [النساء :124] ، وقال سبحانه وتعالى : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النحل :97] . كما ساوى ربنا بينهما في أصل الحقوق والواجبات "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [البقرة :228] ، وقال تعالى: "لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا" [النساء :7] ، وجرم سبحانه وتعالى ما كان يفعله العرب قبل الإسلام من كراهية أن يرزقه الله بالأنثى، حيث قال تعال : "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [النحل : 58 ، 59] ولم تقتصر نصوص الشرع الشريف على المساواة في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة ؛ وذلك لرقة طبعها وخجلها أن تطالب بحقوقها، فأوصى الرجال بهن خيراً وأن يتعاملوا معهن بالمعروف في أكثر من موضع في القرآن الكريم. قال تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" [النساء :19] ،وقوله "وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى المُحْسِنِينَ" [البقرة :236] ، وقوله سبحانه : "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ" [الطلاق :6] ، وقوله تعالى: "فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" [النساء :24] ، وقال عز وجل : "وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ" [النور :33] ، وقوله تعالى : "فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا" [النساء :34] ، وقوله سبحانه وتعالى : "َإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا" [البقرة :229] .
المرأة في السنة النبوية
ومن السنة النبوية الغراء أحاديث كثيرة نذكر منها ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في إجابة لسؤال سأله أحد أصحابه y حيث قال له صلى الله عليه وسلم : من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة([1])) رضي الله عنها. وكذلك في رواية أخرى إجابة منه صلى الله عليه وسلم عن نفس السؤال قال : فاطمة رضي الله عنها.([2])) ففي هذين الخبرين إشارة إلى تكريم المرأة باعتبارها زوجًا وباعتبارها ابنة، فعندما يعلم المسلم أن أحب الناس إلى نبيه وقائده الأعظم صلى الله عليه وسلم كانت امرأة يعلم حينئذ قدر المرأة ويجل كل امرأة تأسيًا بنبيه r.
بل كان من كمال خلقه صلى الله عليه وسلم أن يصل بالهدايا صديقات زوجه خديجة رضي الله عنها فعن أنس قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أتي بالهدية. قال : اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة »([3])).(14/361)
وقوله صلى الله عليه وسلم : « استوصوا بالنساء خيرًا »([4])) بما يشير بالاهتمام بأمر النساء عامة زوجة وأُما وابنة وكل الصلات التي تربط بين الرجال والنساء.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر »([5])، بل اعتبر النبي )، بل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم مقياس أفضلية الرجال بحسن معاملة للمرأة والزوجة بصفة خاصة لأنها أكثر امرأة لصيقة بالرجل فقال صلى الله عليه وسلم : « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي »([6]).).
ورغب النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة بالتوسعة عليها في النفقة فعن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك »([7]).).
وفي دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لإحسان معاملة الزوجة بالإنفاق والسلوك يقول صلى الله عليه وسلم : «مهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك»([8]).).
ولم يكتف الشرع الشريف بتلك النصوص التي توضح تلك المساواة في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة؛ وذلك لأن المرأة أضعف من الرجل واحتمال بغي الرجل عليها وارد، فأوصى الشرع الشريف بها في كتابه العزيز وفي سنة نبيه المصطفى r.
وتنقسم النصوص التي كرمت المرأة وأعلت منزلتها إلى نوعين من النصوص، النوع الأول: هي النصوص التي ساوت بين الرجال والنساء في أصل التكليف والحقوق والواجبات، والنوع الثاني : هي النصوص التي أوصت الرجال بالنساء، وهي مرحلة أعلى من النوع الأولى فالنوع الأول إقرار بحق المرأة ومساواتها للرجل في أصل التكليف، أما النوع الثاني فهو توصية للرجال على النساء، مراعاة لضعف المرأة ورقة طبعها وخجلها فسبحانه من الله حكيم عليم لطيف، وفيما يلي النوع الأول من النصوص.
تصرح النصوص السابقة بأن المرأة كالرجل في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات وأن الاختلاف الذي بينهما في ظاهر الحقوق والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص، فلا يسمى أبدا اختلاف الوظائف والخصائص انتقاصًا لنوع من جنس البشر أو تميز نوع على آخر، فمثلا إذا وعد أب أن يكسو أبنائه في العيد فالظلم هنا أو الانتقاص هو أن يكسو الأبناء دون البنات ولكن ليس من الظلم أن يفرق بين نوع الملابس التي يلبسها ابنه الذكر عن الملابس التي تلبسها ابنته الأنثى طبقا لاختلاف الوظائف والخصائص.
والعجيب أن هذه البديهية الواضحة سارت محل جدل عند الآخر، فذهب الآخرون للتسوية بين الذكر والأنثى في الأزياء وفي أنواع الرياضات العنيفة كحمل الأثقال مثلًا، والحمد لله رب العالمين حيث أظهروا مفهوم العدل الذي يطالبونا به، مما يوجب على أبناء ثقافتنا وحضارتنا أن يكفوا عن اتباعهم والسير ورائهم وترديد كلامهم دون فهم أبعاده.
كل ما سبق من نصوص الشرع من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد وتدلل على علو مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، وأنه لا يوجد تشريع سماوي ولا أرضي سابق ولا لاحق كرم المرأة وأنصفها وحماها وحرسها مثل ذلك التشريع الإسلامي.
وعلى الرغم من وضوح صورة المرأة في نصوص الشريعة الإسلامية سواء في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة إلا أن بعضهم يتعمدون إلقاء الشبه وما في نفوسهم من موروث العادات القديمة على بعض النصوص النبوية، في محاولة منهم للتضليل والتحريف لمقاصد الشرع، ومن ذلك ما ثار حول حديث «ناقصات عقل ودين»، فالحديث يفيد معنى جمال المرأة، وقدرتها على التأثير على عقل الرجل؛ لهن حيث قال صلى الله عليه وسلم :
« ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت : يا رسول الله؛ وما نقصان ديننا وعقلنا ؟ قال : أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين »([9])). فكان الحديث في بدايته تدليل وتعجب من قدرة المرأة على التأثير على عقل أحكم الرجال، ثم عندما ظنت إحدى النساء أن المعنى فيه إساءة للنساء سألت النبي عن معنى ذلك النقصان الذي أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم في بداية حديثه، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا النقصان لا يعني دنو منزلة المرأة في العقل والدين عن الرجل، وإنما يعني ضعف ذاكرة المرأة غالبًا في الشهادة ولذا احتاجت من يذكرها، ويعني أيضا ما يحدث للمرأة من أمور فسيولوجية خاصة بطبيعتها الأنثوية مما خفف الشرع عليها أثناء هذه المتاعب الصحية في ترك الصيام والصلاة.(14/362)
فعندما فهمت المرأة قصد الشرع من نقصان العقل والدين، وأنه ليس إهانة للمرأة ولا إنقاص من قدر عقلها ودينها سكتت، وكيف تكون كل النساء أنقص في الدين من كل الرجال، وكانت سيدة نساء العالمين مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله r، وخديجة رضي الله عنها، وآسية كلهن يعجز أغلب الرجال أن يقتربوا من درجتهن في العبادة والدين.
فينبغي أن يفهم ذلك النص النبوي في سياقه، وينبغي كذلك أن يفسر كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حدود ما فسره هو بنفسه لا نزيد ولا ننقص، فليس في هذا الحديث ذم لعقل المرأة أبدا، وإنما هو إقرار لما قد يطرأ على كثير من النساء في نقطة واحدة وهي النسيان، فلا داعي أن نحمل الحديث ما لا يحمله رسول الله r.
_________________________________
([1]) الحاكم في المستدرك4/13 .
([2]) الحاكم في المستدرك 3/239.
([3]) الطبراني في الكبير 23/12 وابن عبد البر في الاستيعاب 4/1811.
([4]) البخاري في صحيحه 3/1212، ومسلم في صحيحه 2/1091.
([5]) مسند أحمد 2/329 ، والنسائي في الكبرى 7/295.
([6]) صحيح ابن حبان 9/484، والمستدرك للحاكم 3/352.
([7]) أحمد في مسنده 2/473، ومسلم في صحيحه 2/692.
([8]) البخاري في صحيحه 5/2047، والترمذي في جامعه 4/430.
([9]) أخرجه أحمد في مسنده، ج2 ص 66، والبخاري في صحيحه، ج 1 ص 116، ومسلم في صحيحه، ج1 ص 86.
* جماعة النساء في الصلاة
رغَّب الشرع الحنيف في صلاة الجماعة وعظَّم أجرها، فقول الله تعالى: {واركعوا مع الراكعين} البقرة:43 فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة والخروج إلى المساجد. كما في فتح القدير. ووردت الأحاديث الكثيرة بفضل صلاة الجماعة منها عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". أخرجه البخاري (619) ومسلم (650) عن ابن عمر. وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصلاة في الجمع". رواه أحمد (2/50) بإسناد حسن كما في الترغيب. والنصوص بذلك عامة يدخل فيها النساء، وتواتر أن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرائض والأعياد بل وغير ذلك كالكسوف والتنفل المطلق.
هذا ؛ وإن كان الشرع قد ندب المرأة أن تصلي في بيتها زيادة في سترها فإنه لم يمنعها من الجماعة، بل قال :" لاتمنعوا إماء الله مساجد الله". أخرجه البخاري (858) ومسلم (442) عن ابن عمر. فالقول بمشروعية بل واستحباب صلاة النساء وحدهن جماعة هو القول الراجح إن شاء الله؛ إذ فيه درء المفسدة وهي البروز والاختلاط، وجلب المصلحة وهي صلاة الجماعة. وهو مذهب الشافعية والصحيح في مذهب الحنابلة. ويستدل لهم بحديث أم ورقة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" انطلقوا بنا نزور الشهيدة" وأذن لها أن يؤذن لها وأن تؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن. أخرجه أبو داود (591) وابن خزيمة (1676) واللفظ له. وبهذا وردت الآثار عن السلف الصالح وفعلته أم المؤمنين عائشة وأم سلمة كما عند البيهقي (3/131) وغيره وبسط تخريجها ابن حجر في التلخيص (2/42). قال ابن حزم في المحلى (3/126) : فإن صلين جماعة وأمتهن امرأة منهن فحسن.اهـ ونقل آثارا عن الصحابة منها عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس، ثم قال: ومن التابعين رُوِّينا عن ابن جُريج عن عطاء وعن ابن مجاهد عن أبيه وعن سفيان الثوري عن إبراهيم النَّخَعي والشَّعْبي وعن وَكيع عن الربيع عن الحسن البصري قالوا كلهم بإجازة إمامة المرأة للنساء وتقوم وسطهن. قال عطاء ومُجاهد والحسن: في الفريضة والتطوع. ولم يمنع من ذلك غيرهم، وهو قول قَتادة والأوزاعي وسفيان الثوري وإسحاق وأبي ثَوْر وجمهور أصحاب الحديث، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وداود وأصحابهم. وقال سليمان بن يسار ومالك بن أنس: لا تؤم المرأة النساء في فرض ولا نافلة. وهذا قول لا دليل على صحته وخلاف لطائفة من الصحابة لا يعلم لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف. بل صلاة المرأة بالنساء داخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".اهـ
وساق الشافعي طرفا من الآثار المتقدمة في الأم (1/164) ثم قال: وتؤم المرأة النساء في المكتوبة وغيرها، وآمرها أن تقوم في وسط الصف، وإن كان معها نساء كثير أمرت أن يقوم الصف الثاني خلف صفها وكذلك الصفوف, وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن لا يخالفن الرجال في شيء من صفوفهن؛ إلا أن تقوم المرأة وسطا وتخفض صوتها بالتكبير والذكر الذي يجهر به في الصلاة من القرآن وغيره، فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن.اهـ(14/363)
مذهب من قال بالكراهة, والرد عليه: قال الزيلعي الحنفي: كُره جماعة النساء وحدهن لقوله عليه الصلاة والسلام :"صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها"; ولأنه يلزمهن أحد المحظورين: إما قيام الإمام وسط الصف وهو مكروه، أو تقدم الإمام وهو أيضا مكروه في حقهن فصرن كالعراة لم يُشرع في حقهن الجماعة أصلا، ولهذا لم يُشرع لهن الأذان وهو دعاء إلى الجماعة ولولا كراهية جماعتهن لشرع.اهـ تبيين الحقائق (1/135).
والرد:
بالنسبة للأمر بالترغيب في الصلاة في البيوت: قد أجبنا عليه سابقا.
بالنسبة لادعاء الكراهة بسبب قيام الإمام وسط الصف: أننا لا نسلم بالكراهة في هذه الحالة ، فالاثنان يصليان بدون تقدم الإمام، وإذا ضاق المسجد وقف بعض المأمومين بجانب الإمام، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بجانب أبي بكر في مرضه الأخير وأحدهما إمام قطعا ، فارتفعت الكراهة بالحاجة.
بالنسبة لادعاء الكراهة بسبب تقدم إحداهن: أننا لا نقول بالتقدم استحبابا بل على سبيل الجواز كما تقدم في كلام الشافعي، قال ابن قدامة: فإن صلت بين أيديهن احتمل أن يصح ; لأنه موقف في الجملة , ولهذا كان موقفا للرجل.المغني (2/17). كذلك فالمرأة تصلي خلف الصف منفردة في المسجد وقد يكون ليس هناك مقصورة كما هو الحال في العصر الأول ولم تكن تمنع من ذلك، فلإن انفردت مع جماعة النساء لم تمنع من باب أَوْلَى. ثم لو أننا لو لم نلتفت إلى الآثار الواردة كما فعل الخصم لاحتججنا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي". وهو ما فعله ابن حزم كما تقدم.
بالنسبة لادعاء عدم مشروعية الجماعة لعدم مشروعية الأذان: أنه لا تلازم بينهما؛ لأن أمر المرأة مبني على الستر فلا تؤذن ولو لجماعة الرجال المشروعة بالاتفاق وإذا نابها شئ في الصلاة صفقت ولا تسبح، قال ابن قدامة: وإنما كُره لهن الأذان لما فيه من رفع الصوت, ولسن من أهله.
مذهب من قال بالمنع، والرد عليه: قال النفراوي المالكي: (ولا) يصح أن ( تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساء ) لخبر:"لن يفلح قوم وَلَّوْا أمرَهم امرأةً". وسواء عُدمت الرجال أو وجدت ; لأن الإمامة خطة شريفة في الدين ومن شرائع المسلمين.اهـ الفواكه الدواني (1/205).
والرد:
أن دليلهم عام وأدلتنا خاصة فلها التقديم، ومعنا جمهرة الآثار المتقدمة وفيها من فقهاء الصحابة من أهل المدينة، وهو حجة عندهم ، خاصة أنه لا مخالف لهم.
ونختم بكلام ابن القيم: المثال الخامس والخمسون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات، كما في المسند والسنن من حديث عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا كان يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها. قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا. وقال الوليد بن جميل حدثتني جدتي عن أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أو أذن لها أن تؤم أهل دارها وكانت قد قرأت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن ميسرة أبي حازم عن رائطة الحنفية: أن عائشة أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطا. تابعه ليث عن عطاء عن عائشة. وروى الشافعي عن أم سلمة أنها أمت نساء فقامت وسطهن. ولو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله صلى الله عليه وسلم :"تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". لكفى. وروى البيهقي من حديث يحيى بن يحيى أنا ابن لهيعة عن الوليد ابن أبي الوليد عن القاسم بن محمد عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا خير في جماعة النساء إلا في صلاة أو جنازة". والاعتماد على ما تقدم فردت هذه السنن بالمتشابه من قوله:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". وهذا إنما هو في الولاية والإمامة العظمى والقضاء، وأما الرواية والشهادة والفتيا والإمامة فلا تدخل في هذا، ومن العجب أن من خالف هذه السنة جوز للمرأة أن تكون قاضية تلي أمور المسلمين فكيف أفلحوا وهي حاكمة عليهم ولم يفلح أخواتها من النساء إذا أمتهن. إعلام الموقعين (2/377).
والله ولي التوفيق،
* ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات
ولابد علينا أن نعلم ما هو الإرث ؟ وماذا تعني هذه الكلمة في اللغة وفي الشرع فالإرث في اللغة : الأصل, والأمر القديم توارثه الآخر عن الأول, والبقية من كل شيء. وهمزته أصلها واو . ويطلق الإرث ويراد منه انتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين. ويطلق ويراد منه الموروث. ويقاربه على هذا الإطلاق في المعنى التركة. والإرث اصطلاحا : عرفه الشافعية والقاضي أفضل الدين الخونجي من الحنابلة : أنه حق قابل للتجزؤ يثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها.(14/364)
ومن الأمور المهمة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن المسلم الواعي أن مساحة الاجتهاد في فقه المواريث خاصة ضيقة، وأحكام المواريث في أغلبها ليست إلا تطبيقًا لنصوص الشارع الحكيم، فالذي قسم تلك الأنصبة هو الله سبحانه وتعالى وعندما استقرء العلماء هذه التقسيمات زاد يقينهم بالله وسبحوا ربهم على حكمة التشريع الرباني وقالوا صدق ربنا : "مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" [الأنعام :38] .
يتردد كثيرًا قول بعضهم : « إن الإسلام ظلم المرأة؛ حيث جعل نصيبها في الميراث نصف نصيب الرجل »، ونحن المسلمون نؤمن بثوابت راسخة من صفات الله تعالى، تجعل تلك الشبهة لا تطرأ على قلب أي مسلم أو مسلمة، وتتمثل تلك الثوابت في أن الله سبحانه حكم عدل، وعدله مطلق، وليس في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه : "وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف :49] ، "وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا" [النساء :49] ، "وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ" [الحج :10] ، "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ"[العنكبوت :40] ، "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ" [النساء :40] ، "وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" [النساء :124] ، "فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ" [التوبة :70] .
وإن الفروق في أنصبة المواريث هي أساس قضية المواريث في الفقه الإسلامي، ولا تختلف الأنصبة في المواريث طبقًا للنوع؛ وإنما تختلف الأنصبة طبقًا لثلاثة معايير :
الأول : درجة القرابة بين الوارث والمورث : ذكرًا كان أو أنثى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين، فترى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها (وهي أنثى) بينما يرث أبوها ربع التركة (وهو ذكر) وذلك لأن الابنة أقرب من الزوج فزاد الميراث لهذا السبب.
الثاني : موقع الجيل الوارث : فالأجيال التي تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها، بل تصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها.
الثالث : العبء المالي : وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضى إلى أي ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح.
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في العاملين الأولين (درجة القرابة، وموقع الجيل) - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات، والحكمة في هذا التفاوت، في هذه الحالة بالذات، هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما، بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.
فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها، أكثر حظًّا وامتيازًا منه في الميراث؛ فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوى، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين، ومن أعباء الرجل المالية نذكر منها :
1- الرجل عليه أعباء مالية في بداية حياته الزوجية وارتباطه بزوجته، فيدفع المهر ، يقول تعالى: "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً" [النساء :4] ، والمهر التزام مالي يدفعه الرجل للمرأة من تشريعات بداية الحياة الزوجية، والمرأة تتميز عن الرجل؛ حيث ليس من حقه أن يطالب بمهر من المرأة إذا ما أرادت أن تتزوج منه.
2- الرجل بعد الزواج ينفق على المرأة وإن كانت تمتلك من الأموال ما لا يمتلكه هو، فليس من حقه أن يطالبها بالنفقة على نفسها فضلًا عن أن يطالبها بالنفقة عليه؛ لأن الإسلام ميزها وحفظ مالها، ولم يوجب عليها أن تنفق منه. 3- الرجل مكلف كذلك بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقته، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورث باعتباره جزءًا منه، أو امتدادًا له، أو عاصبًا من عصبته.
هذه الأسباب وغيرها تجعلنا ننظر إلى المال أو الثروة نظرة أكثر موضوعية، وهي أن الثروة والمال أو الملك مفهوم أعم من مفهوم الدخل، فالدخل هو المال الوارد إلى الثروة، وليس هو نفس الثروة؛ حيث تمثل الثروة المقدار المتبقي من الواردات والنفقات.(14/365)
وبهذا الاعتبار نجد أن الإسلام أعطى المرأة نصف الرجل في الدخل الوارد، وكفل لها الاحتفاظ بهذا الدخل دون أن ينقص سوى من حق الله كالزكاة، أما الرجل فأعطاه الله الدخل الأكبر وطلب منه أن ينفق على زوجته وأبنائه ووالديه إن كبرا في السن، ومن تلزمه نفقته من قريب وخادم وما استحدث في عصرنا هذا من الإيجارات والفواتير المختلفة؛ مما يجعلنا نجزم أن الله فضل المرأة على الرجل في الثروة؛ حيث كفل لها حفظ مالها، ولم يطالبها بأي شكل من أشكال النفقات. ولذلك حينما تتخلف قضية العبء المالي كما هي الحال في شأن توريث الإخوة والأخوات لأم؛ نجد أن الشارع الحكيم قد سوَّى بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى منهم في الميراث، قال تعالى : "وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثُّلُثِ"[النساء :12]. فالتسوية هنا بين الذكور والإناث في الميراث؛ لأن أصل توريثهم هنا الرحم، وليسوا عصبةً لمورثهم حتى يكون الرجل امتدادا له من دون المرأة، فليست هناك مسئوليات ولا أعباء تقع على كاهله بهذا الاعتبار.
وباستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين؛ حيث ظهر التالي :
أولًا : أن هناك أربع حالات فقط ترث المرأة نصف الرجل.
ثانيًا : أن أضعاف هذه الحالات ترث المرأة مثل الرجل.
ثالثًا : هناك حالات كثيرة جدًا ترث المرأة أكثر من الرجل.
رابعًا : هناك حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
وتفصيل تلك الحالات فيما يلي :
أولًا : الحالات التي ترث المرأة نصف الرجل :
1- البنت مع إخوانها الذكور، وبنت الابن مع ابن الابن.
2- الأب والأم ولا يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة .
3- الأخت الشقيقة مع إخوانها الذكور.
4- الأخت لأب مع إخوانها الذكور.
ثانيا : الحالات التي ترث المرأة مثل الرجل :
1- الأب والأم في حالة وجود ابن الابن.
2- الأخ والأخت لأم.
3- أخوات مع الإخوة والأخوات لأم.
4- البنت مع عمها أو أقرب عصبة للأب (مع عدم وجود الحاجب).
5- الأب مع أم الأم وابن الابن.
6- زوج وأم وأختين لأم وأخ شقيق على قضاء سيدنا عمر ، فإن الأختين لأم والأخ الشقيق شركاء في الثلث.
7- انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًا. وذلك لو ترك أبا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبا، ولو ترك أما فسترث الثلث فرضا والباقي رضا عليها.
8- زوج مع الأخت الشقيقة؛ فإنها ستأخذ ما لو كانت ذكرا، بمعنى لو تركت المرأة زوجا وأخا شقيقا فسيأخذ الزوج النصف، والباقي للأخ تعصيبا. ولو تركت زوجاً وأختاً فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك.
9- الأخت لأم مع الأخ الشقيق ، وهذا إذا تركت المرأة زوجًا، وأمًا، وأختًا لأم، وأخًا شقيقًا؛ فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأم السدس، والباقي للأخ الشقيق تعصيبا وهو السدس.
10- ذوو الأرحام في مذهب أهل الرحم، وهو المعمول به في القانون المصري في المادة 31 من القانون رقم 77 لسنة 1943، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصابات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى (بنت بنت، وابن بنت، وخال، وخالة) فكلهم يرثون نفس الأنصبة.
11- هناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبداً وهم ثلاثة من الرجال، وثلاثة من النساء، فمن الرجال (الزوج، والابن، والأب)، ومن النساء (الزوجة، والبنت، والأم).
ثالثا : حالات ترث المرأة أكثر من الرجل :
1- الزوج مع ابنته الوحيدة.
2- الزوج مع ابنتيه.
3- البنت مع أعمامها.
4- إذا ماتت امرأة عن ستين فدانًا، والورثة هم (زوج، وأب، وأم، وبنتان) فإن نصيب البنتين سيكون 32 فدانًا بما يعني أن نصيب كل بنت 16 فداناً، في حين أنها لو تركت ابنان بدلًا من البنتان لورث كل ابن 12.5 فداناً؛ حيث إن نصيب البنتين ثلثي التركة، ونصيب الابنين باقي التركة تعصيبا بعد أصحاب الفروض.
5- لو ماتت امرأة عن 48 فدانًا، والورثة (زوج، وأختان شقيقتان، وأم) ترث الأختان ثلثي التركة بما يعني أن نصيب الأخت الواحدة 12 فداناً، في حين لو أنها تركت أخوين بدلًا من الأختين لورث كل أخ 8 أفدنة لأنهما يرثان باقي التركة تعصيبا بعد نصيب الزوج والأم.
6- ونفس المسألة لو تركت أختين لأب؛ حيث يرثان أكثر من الأخوين لأب.
7- لو ماتت امرأة وتركت (زوجًا، وأبًا، أمًا، بنتًا)، وكانت تركتها 156 فدانًا فإن البنت سترث نصف التركة وهو ما يساوي 72 فداناً، أما لو أنها تركت ابنًا بدلًا من البنت فكان سيرث 65 فدانًا؛ لأنه يرث الباقي تعصيبا بعد فروض (الزوج والأب والأم).(14/366)
8- إذا ماتت امرأة وتركت (زوجًا، وأمًا، وأختًا شقيقة)، وتركتها 48 فدانًا مثلا فإن الأخت الشقيقة سترث 18 فدانًا، في حين أنها لو تركت أخًا شقيقًا بدلًا من الأخت سيرث 8 أفدنة فقط؛ لأنه سيرث الباقي تعصيبا بعد نصيب الزوج والأم، ففي هذه الحالة ورثت الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نصيب الأخ الشقيق.
9- لو ترك رجل (زوجة، وأمًا، وأختين لأم، وأخوين شقيقين)و وكانت تركته 48 فداناً، ترث الأختان لأم وهما الأبعد قرابة 16 فداناً فنصيب الواحدة 8 أفدنة، في حين يورث الأخوان الشقيقان 12 فدانًا، بما يعني أن نصيب الواحد 6 أفدنة.
10- لو تركت امرأة (زوجًا، وأختًا لأم، أخوين شقيقين)، وكانت التركة 120 فدانًا، ترث الأخت لأم ثلث التركة، وهو ما يساوي 40 فدانًا، ويرث الأخوان الشقيقان 20 فدانًا، بما يعني أن الأخت لأم وهي الأبعد قرابة أخذت أربعة أضعاف الأخ الشقيق.
11- الأم في حالة فقد الفرع الوارث، ووجود الزوج في مذهب ابن عباس ، فلو مات رجل وترك (أبًا، وأمًا، وزوجًا) فللزوج النصف، وللأم الثلث ، والباقي للأب، وهو السدس أي ما يساوي نصف نصيب زوجته.
12- لو تركت امرأة (زوجًا، وأمًا، وأختًا لأم، أخوين شقيقين) وكانت التركة 60 فدانًا، فسترث الأخت لأم 10 أفدنة في حين سيرث كل أخ 5 أفدنة؛ مما يعني أن الأخت لأم نصيبها ضعف الأخ الشقيق، وهي أبعد منه قرابة.
13- ولو ترك رجل (زوجة، وأبًا، وأمًا، وبنتًا، بنت ابن)، وكانت التركة 576 فدانًا، فإن نصيب بنت الابن سيكون 96 فدانًا، في حين لو ترك ابنَ ابنٍ لكان نصيبه 27 فدانًا فقط.
14- لو ترك المتوفى (أم، وأم أم، وأم أب) وكانت التركة 60 فدانًا مثلًا، فسوف ترث الأم السدس فرضا والباقي ردًا، أما لو ترك المتوفى أبًا بدلًا من أم بمعنى أنه ترك (أبًا، وأم أم، أم أب) فسوف ترث أم الأم، ولن تحجب السدس وهو 10 أفدنة، والباقي للأب 50 فداناً، مما يعني أن الأم ورثت كل التركة 60 فدانًا، والأب لو كان مكانها لورث 50 فداناً فقط.
رابعا : حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال :
1- لو ماتت امرأة وتركت (زوجًا، وأبًا، أمًا، بنتًا، بنت ابن)، وتركت تركة قدرها 195 فداناً مثلاً، فإن بنت الابن سترث السدس وهو 26 فدانًا، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيبا ولا باقي، وهذا التقسيم على خلاف قانون الوصية الواجبة الذي أخذ به القانون المصري رقم 71 لسنة 1946، وهو خلاف المذاهب، ونحن نتكلم عن المذاهب المعتمدة، وكيف أنها أعطت المرأة، ولم تعط نظيرها من الرجال. 2- لو تركت امرأة (زوجًا، وأختًا شقيقة، أختًا لأب)، وكانت التركة 84 فدانًا مثلًا، فإن الأخت لأب سترث السدس، وهو ما يساوي 12 فدانًا، في حين لو كان الأخ لأب بدلا من الأخت لم يرث؛ لأن النصف للزوج، والنصف للأخت الشقيقة والباقي للأخ لأب ولا باقي. 3- ميراث الجدة : فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد، وبالاطلاع على قاعدة ميراث الجد والجدة نجد الآتي : الجد الصحيح (أي الوارث) هو الذي لا تدخل في نسبته إلى الميت أم مثل أب الأب أو أب أب الأب وإن علا، أما أب الأم أو أب أم الأم فهو جد فاسد (أي غير وارث) على خلاف في اللفظ لدى الفقهاء، أما الجدة الصحيحة هي التي لا يدخل في نسبتها إلى الميت جد غير صحيح، أو هي كل جدة لا يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين، وعليه تكون أم أب الأم جدة فاسدة لكن أم الأم، وأم أم الأب جدات صحيحات ويرثن. 4- لو مات شخص وترك (أب أم، وأم أم) في هذه الحالة ترث أم الأم التركة كلها، حيث تأخذ السدس فرضًا والباقي ردًا، وأب الأم لا شيء له؛ لأنه جد غير وارث.
5- كذلك ولو مات شخص وترك (أب أم أم، وأم أم أم) تأخذ أم أم الأم التركة كلها، فتأخذ السدس فرضًا والباقي ردًا عليها ولا شيء لأب أم الأم؛ لأنه جد غير وارث.
إذن فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث في علم الفرائض (المواريث)، فأرى أن الشبهة قد زالت بعد هذه الإيضاحات لكل منصف صادق مع نفسه، نسأل الله العناية والرعاية والحمد لله رب العالمين.
* شهادة المرأة المسلمة ورد الشبه حولها(14/367)
الشهادة في اللغة تعني : الخبر القاطع, والحضور والمعاينة والعلانية, والقسم, والإقرار, وكلمة التوحيد, والموت في سبيل الله. وفي الاصطلاح الفقهي : استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على النفس, واستعملوا اللفظ في الموت في سبيل الله، واستعملوه في القسم كما في اللعان, كما استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على الغير في مجلس القضاء , وهو موضوع البحث في هذا المصطلح، واختلفوا في تعريف الشهادة بهذا المعنى على النحو التالي : فعرفها الكمال من الحنفية بأنها : إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء. وعرفها الدردير من المالكية : بأنها إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه . وعرفها الجمل من الشافعية بأنها : إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد . وعرفها الشيباني من الحنابلة بأنها : الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت . وتسميتها بالشهادة إشارة إلى أنها مأخوذة من المشاهدة المتيقنة, لأن الشاهد يخبر عن ما شاهده، وهي إحدى الحجج التي تثبت بها الدعوى.
ويتعلق بقضية الشهادة الشبهة الثانية التي يكررها الآخرون؛ محاولة منهم لاتهام التشريع الإسلامي بانتقاص المرأة وبظلمه لها، حيث يرددون : « إن الإسلام ظلم المرأة بأن جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ». في البداية يجب أن نعلم أن الشهادة تكليف ومسئولية، وعندما يخفف الله عن المرأة في الشهادة فهذا إكرام لها، وليس العكس، كما علينا أن نعلم كذلك أن الشروط التي تراعى في الشهادة، ليست عائدة إلى وصف الذكورة والأنوثة في الشاهد، ولكنها عائدة إلى أمرين : الأول : عدالة الشاهد وضبطه. الثاني : أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها، صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها، ومن المعلوم أنه إذا ثبت لدى القاضي اتصاف هذا (الشاهد) بهذه الصفات (أي رقة المشاعر والعاطفة) فإن شهادته تصبح غير مقبولة؛ إذ لابد أن يقوم من ذلك دليل على أن صلته بالمسائل الجرمية وقدرته على معاينتها ضعيفة أو معدومة، وهو الأمر الذي يفقده أهليته للشهادة على تلك المسائل .
ومن الحقائق التي يجب أن نعلمها في قضية الشهادة ما يلي :
1) شهادة المرأة وحدها تقبل في هلال رمضان شأنها شأن الرجل.
2) تستوي شهادة المرأة بشهادة الرجل في الملاعنة.
3) شهادة المرأة قبلت في الأمور الخاصة بالنساء ؟ قال ابن قدامة في المغني: ((ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاعة والولادة والحيض والعدة وما أشبهها شهادة امرأة عدل. ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة))، ويوضح الحكم في موضع آخر فيقول: ((تقبل شهادة النساء وحدهن ـ منفردات عن الرجال ـ في خمسة أشياء: 1 ـ الولادة، 2 ـ الاستهلال، 3 ـ الرضاع، 4 ـ العيوب التي تحت الثوب كالرتق، والقرن، والبكارة، والثيبوبة، والبرص، 5 ـ انقضاء العدة.
4) تقبل شهادة المرأة الواحدة. قال ابن قدامة: ((وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فإنه تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة)). وجاء في الحديث: ((سأل عقبة بن الحارث النبي (ص) فقال: إني تزوجت امرأة. فجاءت أمة سوداء فقالت: إنها أرضعتنا؟ فأمره بفراق امرأته. فقال: إنها كاذبة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : دعها عنك))، وقد علق ابن القيم فقال: ((ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة، وإن كانت أمة وشهادتها على فعل نفسها))، وقد علق معروف الدواليبي بكلام جميل على هذا فقال: ((إن الشريعة الإسلامية اتجهت إلى تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر، إلى جانب الرجل الأول، حتى لا تكون الشهادة عرضة للاتهام. ولم يعتبر أحد تنصيف شهادة الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر ماساً بكرامته ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس. وزيادة على ذلك فإن شهادة الرجل لم تقبل قط ((وحده)) حتى في أتفه القضايا المالية. غير أن المرأة قد امتازت على الرجل في سماع شهادتها ((وحدها))، دون الرجل، فيما هو أخطر من الشهادة على الأمور التافهة، وذلك كما هو معلم في الشهادة على الولادة وما يلحقها من نسب وإرث، بينما لم تقبل شهادة الرجل ((وحده)) في أتفه القضايا المالية وفي هذا رد بليغ على مَن يتهم الإسلام بتمييز الرجل على المرأة في الشهادة)).
5) شهادة المرأة تقدم أحياناً على شهادة الرجل بعد سماع الشهادتين: ((يثبت خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه ... وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة، فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة)).(14/368)
6) الشهادة تختلف عن الرواية؟ وقد قُبلت رواية المرأة الواحدة ـ وما تزال ـ في كل أمر حتى في الحديث: ((فالحديث النبوي الذي روته لنا امرأة عن رسول الله (ص)، له حجية الحديث نفسه الذي يرويه رجل)). ولم يرد أحد قول امرأة لمجرد أنها امرأة، ونقل الدين وما فيه من تشريع أخطر من الشهادة في حكم قضائي، قال الشوكاني: ((لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة. فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة)). وقال ابن القيم: ((الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لم يرد خبر العدل قط، لا في رواية ولا في شهادة، بل قبل خبر العدل الواحد في كل موضع أخبر به ... وقبل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة)). بعد هذه الحقائق نجد أن مصدر الشبهة التي حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: "بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" [البقرة :282] . هو الخلط بين « الشهادة » وبين «الإشهاد» الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة، فالشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس على البينة، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها، ومن ثم قبولها أو رفضها؛ وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة بصرف النظر عن جنس الشاهد، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود. فالقاضي إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين، أو امرأتين، أو رجل وامرأة، أو رجل وامرأتين، أو امرأة ورجلين، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة في الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات.
أما الآية فإنها تتحدث عن أمر آخر غير «الشهادة» أمام القضاء؛ حيث تتحدث عن «الإشهاد» الذي يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه، وليس عن «الشهادة» التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين.. فهي - الآية - موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضي الحاكم في النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود في كل حالات الدَّيْن. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفي حالات خاصة من الديون، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب. ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" في دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضى الحاكم في المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون..(14/369)
ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده والإمام الشيخ محمود شلتوت من المُحْدَثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم: قال عن «البينة»( ) التي يحكم القاضي بناء عليها، والتي وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه »( ) إن البينة في الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً( )، ويمينًا، و خمسين يميناً أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال، فقوله - صلى الله عليه وسلم - :« البينة على المدعى » ، أي عليه أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له. اهـ فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر، وفق معيار البينة التي يطمئن إليها ضمير الحاكم - القاضي - ، وبعد ذلك بقليل علق ابن القيم قائلًا : « قلت : وليس في القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ،أو شاهد وامرأتين، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول، واليمين المردودة، والمرأة الواحدة، والنساء المنفردات لا رجل معهن وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد. ( ) وقد علل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين تعدلان شهادة الرجل الواحد، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات، لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها، كانت شهادتها حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال : « ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدد هى في التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها في مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين ، وهو قول مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد »( ) ونفس هذا المعنى ذكره الإمام محمد عبده، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذي تحدثت عنه الآية على شهادة النساء ، إلى كون النساء في ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات، ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات في هذه الميادين، وهو واقع تاريخي خاضع للتطور والتغير، وليس طبيعة ولا جبلة في جنس النساء على مر العصور، فقال : « تكلم المفسرون في هذا، وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها » ( ). ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذي استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق، مضيفاً إلى هذه الاجتهادات علماً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل في « اللعان » فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها، وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذي يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول : إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (ليس وارداً في مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم ، وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(الآية) فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم، وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل ، لايثبت بها الحق، ولا يحكم بها القاضى ، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو «البينة».(14/370)
وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة في الشرع أعم من الشهادة ، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية ، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها، واعتبار المرأتين في الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها ، الذي يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثراً له ، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها، ويكثر اشتغالهم بها. والآية جاءت على ما كان مألوفاً في شأن المرأة ، ولا يزال أكثر النساء كذلك ، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات ، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافي هذا الأصل الذي تقضى به طبيعتها في الحياة. إلى هذا الحد من النقل والتحليل نكون قد رددنا على من حاول إلصاق تهم إلى هذا التشريع الحكيم، ونحن نرى في إلقاء تلك التهم على فروعنا شرعنا الحنيف تخبط في الآخرين يؤكد لنا أن هذا الشرع متين، وأنه من لدن حكيم خبير والحمد لله رب العالمين.
* تعدد الزوجات وحقيقته
من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون، فعن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي : « اختر منهن أربعا ». من هذا الحديث يظهر لنا أن الإسلام نص على الحد من كثرة عدد الزوجات، وفي المقابل لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى؛ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة. فلم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، فالله عز وجل قال : "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" [النساء :3] ، فالذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي يفسرونها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلَت لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل؛ إذ إن التعدد ورد مقرونا باليتامى؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى: "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ" دون القول السابق، والذي صيغ بأسلوب الشرط "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى" وكذلك دون القول اللاحق، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل حيث قال : "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً". فمن ذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء، وبين أن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء. فإنّ نظام تعدّد الزوجات كان شائعًا قبل الإسلام بين العرب، وكذلك بين اليهود والفرس، والتاريخ يحدّثنا عن الملوك والسلاطين بأنّهم كانوا يبنون بيوتًا كبيرة تسع أحيانًا لأكثر من ألف شخص ، لسكن نسائهم من الجواري ، وفي بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين، ويأتون بنساء جديدات، كما أنه في شريعة اليهود وفي قوانينهم - حتى الآن- يبيحون تعدد الزوجات، ولا يجرؤ أحد أن يهاجمهم في عقيدتهم ودينهم وشرعهم. والغريب أن الذين يحاربون نظام الإسلام في السماح للرجل بالزواج مرة أخرى في ظروف معينة يعانون من تفكك أسري، وانتشار الفاحشة، وإباحة تعدد الخليلات (العشيقات) بلا عدد ولا حد، فالخليلة لا تتمتع بحقوق الزوجة، إضافة إلى ما يترتب على الأمر من خيانة الزوجة، وإسقاط حقوقها، وعدم الاعتراف بها وبأولادها. فهي وحدها التي تتحمل ثمن أجرة الإجهاض أو تعيش غير متزوجة (الأم العازبة) لترعى طفلها غير الشرعي "فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" [الأنعام :81] . التعدد المباح في الغرب هو التعدد في غير إطار، وهو التعدد الذي لا يكفل للمرأة أي حق، بل يستعبدها الرجل، ويقيم معها علاقة غير رسمية ويسلب زهرة حياتها، ثم يرمي بها خارج قلبه وحياته، وقد يتسبب لأسرته في أمراض جنسية خطيرة إلى جانب أطفال السفاح الذين لا يعترف بهم في أكثر الأحيان، ولكثرة الأرقام وكثرة الأحصائيات نكتفي بأخذ نموذج من الدول الغربية، وليكن الولايات المتحدة الأمريكية ولندع الأرقام تتحدث :
* في عام 1980م (1.553000) حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عامًا من أعمارهن، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.(14/371)
* في عام 1982 م (80%) من المتزوجات منذ 15 عامًا أصبحن مطلقات.
* وفي عام 1984م (8 ملايين) امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن دون أية مساعدة خارجية.
* وفي عام 1986م (27%) من المواطنين يعيشون على حساب النساء.
* وفي عام 1982م (65) حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة.
* وفي عام 1995م (82) ألف جريمة اغتصاب؛ 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة : إن الرقم الحقيقي 35 ضعفًا.
* وفي عام 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة : اغتصبت امرأة كل 3 ثوان، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!
* 74% من العجائز الفقراء هم من النساء؛ 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
* ومن 1979 إلى 1985: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر، وذلك دون علمهن.
* ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
* وفي عام 1995: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار.
كل هذه الأرقام هي نتائج طبيعية لأن نستبدل بنظام الزواج واحترام المرأة في الشريعة الإسلامية، نظام الانفلات وتعدد الصديقات والعشيقات عند من يهاجم التشريع الإسلامي.
ولننظر آراء المنصفين من الغربيين في تلك القضية، تقول إحداهن : « لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، ودل الباحثون عن أسباب ذلك؛ وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات، وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحب،ا وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعا؛ إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة. ويرى العالم (توس)، أن الدواء الكافل للشفاء من هذا الداء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة. أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلًا وعالةً وعارًا في المجتمع الإنسان،ي فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن. فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين»
وعن كاتبة أخرى تقول : « لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة حيث الخادمة والرقيق ينعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء. نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها».
وهذا الفيلسوف الألماني الشهير «شوبنهور» يقول : « إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى، بمساواتها المرأة بالرجل؛ فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا، وضاعفت علينا واجباتنا ... إلى أن قال : ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجا يتكفل بشئونها، والمتزوجات عندنا قليل، وغيرهن لا يحصين عددًا، تَرَاهُن بغير كفيل : بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة، ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلى، يتجشمن الصعاب، ويتحملن مشاق الأعمال، وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار، ففي مدينة لندن وحدها ثمانون ألف بنت عمومية، سفك دم شرفهن على مذبح الزواج، ضحية الاقتصار على زوجة واحدة، ونتيجة تعنت السيدة الأوروبية، وما تدعيه لنفسها من الأباطيل، أما آن لنا أن نعد بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره».
وقالت «أني بيزانت» زعيمة التيصوفية العالمية في كتابها «الأديان المنتشرة في الهند» : «ومتى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم، ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي ـ الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء ـ أرجح وزنًا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره». قال غوستاف لوبون : « إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطًا، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تجدهما في أوروبا ».(14/372)
ما سبق يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة للظروف والأوضاع التي نص عليها الشرع الإسلامي ليس منقوضًا عند كل المفكرين الغربيين، وقد رأينا شهادة المنصفين منهم. وفي الختام نؤكد أن الإسلام أباح للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة لكل هذه الفوائد التي ذكرناها وجاءت تلك الإباحة مقيدة في القرآن قال تعالى : "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" [النساء :3] كما أشار سبحانه إلى صعوبة العدل بين النساء فقال تعالى : "وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ" [النساء :129] .
ورأينا كذلك في السنة النبوية الغراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر في حديث من أحاديثه من تزوج بواحدة أن يتزوج مرة أخرى، وإنما جاءت السنة بعكس ذلك، وهي أن من تزوج بنساء كثيرات أن يطلق عنه حتى يبقى عددًا محصورًا كما ذكرنا في حديث سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي : « اختر منهن أربعًا » وأرى أن الأمر قد اتضح، والشبهة قد زالت، وتبين أن الزواج بأكثر من واحدة من خلال النظام التشريعي الإسلامي هو في الحقيقة تكريم للمرأة؛ لأن الإنسان لابد أن تكون نظرته متكاملة؛ فالنظر للمرأة التي يتزوج الرجل عليها وحده ليس إنصافًا، فإن الذي سوف يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك، وكرمها الشرع بأن سمح للرجل أن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية. نسأل الله أن يبصرنا بأمور دنيانا وديننا، والله من وراء القصد.
* حق المرأة في اختيار زوجها
ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق اختيار كل منهما للآخر، ولم يجعل للوالدين سلطة الإجبار عليهما؛ فدور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكورا وإناثا – على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء.
فالزواج يعتبر من خصوصيات المرء، وإن إجبار أحد الوالدين ابنته على الزواج بمن لا تريد محرم شرعًا؛ لأنه ظلم وتعدٍ على حقوق الآخرين، فللمرأة في الإسلام حريتها الكاملة في قبول - أو رد - من يأتي لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريد؛ لأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم على القسر والإكراه، وهذا يتناقض مع ما جعله الله بين الزوجين من مودة ورحمة. وهذا الحكم المستقر دلت عليه نصوص كثيرة من شرعنا الحنيف، ووقائع فعلية تبين للعالم كله كيف تعامل الرحمة المهداة، إمام العالمين مع المرأة ووليها في تحد واضح لكل نظم الجاهلية التي تظلم المرأة، وأثبت حقها في اختيار زوجها، وأبطل زواج من حاول إجبارها حتى وإن كان ذلك الشخص هو الأب، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة لعادات العرب وقتها، فكان ذلك امتحانًا لقلوب المؤمنين بأن يرضوا بالشرع الحنيف الذي يكرم المرأة، ويحترم إرادتها واختيارها، ويتبرءوا من كل النظم التي تهين المرأة وتحتقرها وتظلمها. فجاءت النصوص النبوية الشريفة في هذا الباب كلها تؤكد على هذا الحق، ومن ذلك قول النبي : « لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن » . قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : « أن تسكت ». كما كان ينصف من تأتي تشكي إجبار أبيها لها على الزواج كما ثبت ذلك في سنته حيث روي : «أن جارية بكرا أتت النبي فذكرت له أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي ».
ورُوي : «أن رجلا زوج ابنة له وهي كارهة؛ فأتت رسول الله فقالت : إن، وذكرت كلمة معناها أبي زوجني رجلًا وأنا كارهة، وقد خطبني ابن عم لي. فقال : لا نكاح له انكحي من شئت».(14/373)
وعن خنساء بنت خذام قالت : « أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر، فشكوت ذلك للنبي فقال : لا تنكحها وهي كارهة »، وروي أنه : «كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد، فخطبها عم ولدها ورجل إلى أبيها، فأنكح الرجل وترك عم ولدها، فأتت النبي فقالت : أنكحني أبي رجلًا لا أريده، وترك عم ولدي، فيؤخذ مني ولدي، فدعا النبي أباها فقال : أنكحت فلانًا فلانة ؟ قال : نعم. قال : أنت الذي لا نكاح لك. اذهبي فانكحي عم ولدك». ويقول ابن القيم عن حديث النبي : « وسألته عائشة رضي الله عنها عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا ؟ فقال : نعم تستأمر. قالت عائشة رضي الله عنها : فإنها تستحي، فقال : فذاك إذنها إذا هي سكتت » متفق عليه. وبهذه الفتوى نأخذ، وأنه لا بد من استئمار البكر، وقد صح عنه :« الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها. وفي لفظ : والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها » وفي الصحيحين عنه : «لا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت » . « وسألته جارية بكر، فقالت : إن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي ؛ فقد أمر باستئذان البكر، ونهى عن إنكاحها بدون إذنها ، وخير من نكحت ، ولم تستأذن » ، فكيف بالعدول عن ذلك كله ومخالفته». واهتمام الإسلام بقضية الاختيار بين الزوجين هو في الحقيقة اهتمام بالنواة الأساسية المكونة للأسرة، فبداية الأسرة برجل وامرأة اجتمعا على قدر كبير من التفاهم، مما يؤثر في الأسرة عندما تكبر وتتعدد أطرافها، والأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وعلى هذا الأساس السليم تنشأ الحضارات وتعلو القيم.
ويشهد لأهمية المرأة في تكوين المجتمع المسلم قول أمير الشعراء أحمد شوقي :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق وكما أعطى الإسلام المرأة الحق في اختيار زوجها أعطاها الخيار في البقاء معه أو فراقه عندما تسوء العشرة بينهما ولا يمكن التوفيق والصلح ولهذا شرع الطلاق لمصلحة المرأة والرجل على السواء.
فمن المفاهيم الشائعة عن الإسلام ونظامه في الأسرة أن الرجل وحده هو الذي يملك حق إنهاء العلاقة الزوجية، وهو وحده صاحب قرار الطلاق، وأن المرأة لا تملك هذا الحق، والحقيقة غير ذلك تمامًا.
فإن التشريع الإسلامي في نظامه الفريد أعطى المرأة حق إنهاء العلاقة الزوجية كما أعطى للرجل ذلك، وجعل لإنهاء العلاقة الزوجية من قبل المرأة عدة أشكال؛ فللمرأة الحق في أن تشترط على زوجها أن تكون العصمة بيدها ـ بمعنى أن أمر الطلاق لها فتطلق نفسها وقت ما تشاء ـ وفي هذه الحالة تطلق المرأة نفسها وتستحق جميع حقوقها، وكأن الزوج هو الذي طلقها، فلا ينقص من حقها شيء، ولها كذلك أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها للضرر، إذا لحقها منه ضرر بالغ فيفرق بينهما القاضي، وتستحق كذلك جميع حقوقها دون أي نقصان، ولها كذلك أن تختلع ،وفي هذه الحالة فقط تنفصل المرأة عن الرجل، ولكنها تتنازل عن حقوقها لعدم وجود سبب لإنهاء العلاقة الزوجية؛ فليس من العدل حينئذ تغريم الرجل بالمستحقات، وهو متمسك بالعشرة بينهما. وقد دل على هذه صور تخيير المرأة في قرار الانفصال نصوص كثيرة منها، ما روي عن ابن عباس : «أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث : كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي لعباس يا عباس ألا تعجب من حب مغيث ببريرة ومن بغض بريرة مغيثا ؟ فقال النبي :«لو أرجعته ؟ قالت : «يا رسول الله أتأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت : فلا حاجة لي فيه»، وذلك لما علمت أن كلامه ليس أمرًا، وإنما هو مشورة تخيرت تركه، حيث كان من حقها تركه بعد أن أصبحت حرة. وجاءت امرأة ثابت ابن قيس إلى النبي فقالت : «يا رسول الله، ما أنقم على ثابث في دين ولا خلق إلا أني لا أحبه، فقال : فتردين عليه حديقته ؟ فقالت: نعم، فردت عليه حديقته وأمره ففارقها ». هذا في إيضاح موجز لمسألة اختيار المرأة لزوجها واحترام إرادتها إذا أرادت فراق زوجها.
وعليه فلا يجوز للأب أو لأي أحد من باب أولى أن يجبر ابنه أو ابنته على الزواج بمن يكرهان، وللمرأة إنهاء العلاقة الزوجية بالأشكال المذكورة والله تعالى أعلى وأعلم.
* إمامة المرأة في الصلاة
الصلاة عبادة شرعها الله بكيفيتها وهيئتها لم يجتهد في رسمها أحد، وجعل الله لها شروط صحة، وجعل كون الإمام ذكرًا شرطًا لصحة صلاة الجماعة، وليس حقًا للرجل، ولا انتقاصًا للمرأة، بل هذا أمر تعبدي في المقام الأول.(14/374)
واتفق المسلمون على تكريم المرأة، ورأوا أن منعها من إمامة الرجال من باب التكريم لا من باب الإهانة والانتقاص، ومن أوامر الإسلام لهذا الغرض أيضًا أن الله تعالى أمر النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال؛ لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود، فكان ذلك من قبيل قول العرب : «إنما أخرك ليقدمك»، فتأخير النساء في صفوف الصلاة ليس نوعًا من أنواع الحط من كرامتهن، بل ذلك إعلاء لشأنهن، ومراعاة للأدب العالي، وللحياء، وللتعاون بين المؤمنين ذكورًا وإناثًا على الامتثال للأمر بغض البصر. وفي الحقيقة فإن مسألة «إمامة المرأة للرجال في الصلاة» ينظر إليها من زاويتين؛ الزاوية الأولى : هي زاوية الواقع العملي للمسلمين، وتطبيقهم الفعلي على مر العصور والدهور، والثانية: هي التراث الفقهي، والواقع النظري المعتمد لديهم. أما عن الواقع العملي فقد رأينا المسلمين شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا قد أجمعوا فعليا على عدم تولي المرأة للأذان، ولا توليها لإمامة جماعات الصلاة، ولا توليها لإمامة الجمعة، فلم يعرف تاريخ المسلمين خلال أربعة عشر قرنًا : أن امرأة خطبت الجمعة وأمت الرجال، حتى في بعض العصور التي حكمتهم امرأة مثل «شجرة الدر» في مصر المملوكية، لم تكن تخطب الجمعة، أو تؤم الرجال. وبخصوص الواقع النظري من خلال النظر في نصوص الشرع والتراث الفقهي للمسلمين؛ فإننا نجد الفقهاء قد عرفوا الإمامة بأنها : ارتباط صلاة المصلي بمصل آخر بشروط بينها الشرع. فالإمام لم يصر إمامًا إلا إذا ربط المقتدي صلاته بصلاته، وهذا الارتباط هو حقيقة الإمامة، وهو غاية الاقتداء.
أما ما ورد في هذه المسألة من نصوص الشرع الشريف فقد ورد حديثان؛ الأول : حديث ورقة بنت عبد الله بن الحارث : «أن النبي جعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تَؤم أهل دارها»، والثاني : حديث جابر بن عبد الله في روايته لخطبة من خطب النبي حيث قال خطبنا رسول الله ... إلى أن قال عنه : « ألا لا تؤمن امرأة رجلا، ولا يؤم أعرابي مهاجرًا ولا يؤم فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه ».
وقد ضعف بعض الحفاظ الحديث الأول كالحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال فيه: « في إسناده عبد الرحمن بن خلاد، وفيه جهالة »، أما الحديث الثاني فقد ضعفه أكثر الحفاظ، فهو أضعف من الأول، وقد ذكر فيه الحافظ أن في إسناده عبد الله بن محمد العدوي وقال : اتهمه وكيع بوضع الحديث، وشيخه علي بن زيد بن جدعان ضعيف.
أما عن تراث المسلمين الفقهي في هذه المسألة ـ وهو ما يمثل فهمًا صحيحًا للأصول العامة للشريعة خاصة إذا ما كان هناك إجماع عليه ـ فقد أجمع أهل العلم من المذاهب الأربعة، بل المذاهب الثمانية، وفقهاء المدينة السبعة على منع إمامة المرأة في صلاة الفريضة، وأن صلاة من صلى خلفها باطلة، وشذ أبو ثور، والمزني، وابن جرير، إلى صحة صلاة الرجال وراء المرأة في الفرائض. ، وإلى هذا القول الشاذ ذهب كذلك محيي الدين بن العربي من الظاهرية.
وأما في النوافل وصلاة التروايح فجمهور الأمة كذلك على المنع، وخالف بعض الحنابلة وقالوا بجواز إمامة المرأة للرجال في النفل والتراويح، ومن ذلك ما ذكره ابن مفلح عن إمامة المرأة في الصلاة، فقال : «تصح في نفل، وعنه : في التراويح، وقيل : إن كانت أقرأ، وقيل : قارئة دونهم، وقيل : ذا رحم، وقيل : أو عجوزا، وتقف خلفهم لأنه أستر، وعنه : تقتدي بهم في غير القراءة، فينوي الإمامة أحدهم ، واختار الأكثر الصحة في الجملة، لخبر أم ورقة العام والخاص» .
ولذا فنرى ونفتي بما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، قولًا وعملًا؛ لقوة الأدلة، ولعمق النظر، وإنما نقلنا ذلك القول الشاذ من التراث الفقهي؛ لأمانة العلم وليس لجعله هو المعمول به، والدعوة للعمل بهذا القول الشاذ فيه اتهام للأمة سلفًا وخلفًا، ولا تجتمع أمة المسلمين على ضلالة أبدًا، فالإجماع حجة، وبه ضبطت المسائل الفقهية الواردة في النصوص الشرعية.
والحكمة من إبعاد المرأة في «مسألة إمامة الصلاة»؛ حتى تنسجم مع أمر الإسلام بالعفة والعفاف، وأمر غض البصر للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء، وأمر ستر العورة والمرأة، وعورتها في كل بدنها إلا الوجه والكفين؛ ولذلك كله أمر الله النساء أن يقفن خلف صفوف الرجال؛ لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود الذي به قد يتحدد جسد المرأة ويتكشف.(14/375)
أمَّا ما يحدث في العالم الآن مما نراه ويراه كل أحد، من الخلط بين مسألتي إمامة الجماعة ومسألة خطبة الجمعة، فالأخيرة لم يجزها أحد، فهؤلاء المخلطون ممن ينتمون إلى مدرسة المنشقين، وهي تشتمل على تيارات عدة : بعضها ينكر السنة والإجماع، وبعضها يتلاعب بدلالات الألفاظ في لغة العرب، وبعضها يدعو إلى إباحة الشذوذ الجنسي، والزنا، والخمر، وإلى الإجهاض، وإلى تغيير أنصبة الميراث، ونحو ذلك مما نراه يبرز كل قرن تقريبًا، ثم يخبو ويسير المسلمون في طريقهم الذي أمرهم الله به حاملين رسالة سعادة الدارين للعالمين ؛ "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" [الرعد :17] . ولعل هذا العرض الموجز قد أوضح حكم الشرع في تلك المسألة والله تعالى أعلى وأعلم.
* ختان الإناث
علينا أن نعلم أولًا أن قضية «ختان الإناث» ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، وإنما هي قضية طبية عادية ـ أي من قبيل موروث العادات والاعتماد على أقوال الأطباء ونصائحهم ـ وانتشرت هذه العادة بين دول حوض النيل قديما، فكان المصريون القدماء يختنون الإناث وغيرهم من الشعوب حوض النيل، وقد انتقلت هذه العادة إلى بعض العرب، كما كان في المدينة المنورة، أما في مكة فلم تكن هذه العادة منتشرة؛ ولذلك عندما ذهب النبي إلى المدينة ووجد أن العادة هناك مستقرة عندهم نصح من تختن الإناث بألا تنهك في الختان كما في حديث أم عطية : « أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل».
والختان كما يصفه الأطباء في عصرنا الحديث على أربعة مراحل؛ الأول منها : هو نوع من أنواع عمليات التجميل التي ينصح بها الأطباء عند الحاجة إليها، وهذا هو الختان في مفهوم المسلمين، أما المراحل الأخرى وإن اشتهر أن اسمها ختان عند الأطباء إلا أنها في حقيقتها تعد عدوانا في مفهوم الشرع الشريف؛ لما فيه من التجني على عضو هو من أكثر الأعضاء حساسية، حتى إن هذا العدوان يستوجب العقوبة والدية الكاملة (كدية النفس) إذا أدى إلى إفساده، كما مقرر في أحكام الشريعة الغراء. وعلى الرغم من ذلك،فم يرد عن النبي أنه ختن بناته، وترك النبي ختان بناته مع انتشاره في المدينة، وهو أسوتنا يبين المسلك القويم في تلك القضية؛ كما إنه لم يرد نص شرعي صحيح صريح يأمر المسلمين بأن يختنوا بناتهم حتى بمفهوم المرحلة الأولى التي ينصح بها الأطباء في بعض الحالات، فكان استمرار تلك العادة من باب المباح عند عدم ظهور الأضرار، أما مع ظهور تلك الأضرار البالغة التي قد تصل إلى الموت بما قرره أهل الطب في المراحل الثلاثة الأخرى فيكون منعه حينئذ واجبًا، وحدوث تلك الأضرار قد تكون لاختلاف الزمان والغذاء والهواء، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد تعامل المسلمون مع هذا الواقع الجديد بمنتهى الفهم الحضاري في نظامهم القانوني والأخلاقي.
وبإلقاء نظرة إلى ذلك التطور القانوني والتشريعي في مصر مثلًا عن هذه القضية نجد أن أوّل نص صدر في مصر حول ختان الإناث هو القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959. ويتضمّن هذا القرار في مادته الأولى كشفًا بأسماء لجنة مكوّنة من 15 عضوًا من رجال الدين المسلمين والطب من بينهم وكيل وزارة الصحّة مصطفى عبد الخالق، ومفتي الديار المصريّة حسن مأمون، ومفتي الديار المصريّة سابقًا حسنين محمّد مخلوف. وقد جاء في المادّة الثانية أن تلك اللجنة قد قرّرت ما يلي :
- أن يحرّم بتاتًا على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيًّا لا كليًّا لمن أراد.
- منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.
- غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي، ومنها ختان الإناث.
- الختان بالطريقة المتّبعة الآن له ضرر صحّي ونفسي على الإناث سواء قَبل الزواج أو بعده.
وعندما كثرت حالات الختان وتسببت في تلك الأضرار البالغة بصحة الإناث؛ أصدر وزير الصحة المصري قرارًا وزاريًا بتاريخ 8/7/1996 القرار رقم 261 لسنة 1996 الذي يقول: «يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث، سواء بالمستشفيات، أو العيادات العامّة، أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على اقتراح الطبيب المعالج».(14/376)
ولقد ظن بعض المسلمين ممن لم تتسع آفاقهم أن هذا القرار يعد مخالفة للشريعة الإسلامية، وبالتالي فيعتبر مخالفًا للدستور المصري، فقاموا برفع دعوى قضائية لدى المحكمة القضاء الإداري، وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها ما نصه : « وخلصت محكمة القضاء الإداري إلى أن المستفاد من استعراض الآراء الفقهيّة المتقدّمة : أن الشريعة الإسلاميّة لم تتضمّن حُكمًا فاصلاً أو نصًّا قطعيًّا يوجب ختان الإناث أو يحظره، ومن ثم فإن الأحكام التي وردت في هذا الشأن كلّها ظنّية، وحيث إن الطب لم يُجمع أيضًا على رأي واحد. وإنّما ذهب البعض إلى أن ختان الإناث يحقّق مصلحة طبّية بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه يلحق بهن أشد الأضرار النفسيّة والطبّية، وحيث إن لولي الأمر أن ينظّم الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي قطعي في كتاب الله أو سُنّة رسوله ولم يرد فيها إجماع، وكذلك المسائل الخلافيّة التي لم يستقر فيها الفقه على رأي واحد.
وبصفة عامّة جميع المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد، وأن مسلك ولي الأمر في ذلك ليس مطلقاً، وإنّما يجب أن يكون مستهدفًا بتنظيمه تلك المسائل تحقيق مصلحة عامّة للناس أو رفع ضرر عنهم بما لا يناهض نصًّا شرعيًّا ولا يعاند حُكمًا قطعيًّا ». وجاء قرار محكمة القضاء الإداري سنة 1997 بأنه : لا يمكن اعتبار قرار الوزير مخالفاً للدستور. و«طالما أن الختان عمل جراحي خلت أحكام الشريعة الإسلاميّة من حُكم يوجبه، فالأصل ألاّ يتم بغير قصد العلاج». «فالجراحة أيّاً كانت طبيعتها وجسامتها التي تجرى دون توافر سبب الإباحة بشروطه كاملة تعتبر فعلًا محرّمًا شرعًا وقانونًا التزامًا بالأصل العام الذي يقوم عليه حق الإنسان في سلامة جسمه، وتجريم كل فعل لم يبحه المشرّع يؤدّي إلى المساس بهذه السلامة».
هذا بالنسبة لمصر، أما في أغلب الدول الإسلامية الأخرى فهي لا تختن النساء، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية مثلًا، ولعل هذا الرد الموجز على تلك الشبهة قد أزال اللبس، وصحح الفهم في تلك القضية التي تستخدم للدعاية أكثر ما تستخدم للإنصاف، وعلى كل حال فإن النبي لم يختن بناته الكرام عليهن السلا
* حقوق المرأة السياسية
لم يعرف المسلمون في تاريخهم قضية اسمها «قضية المرأة» لا من ناحية عملها ولا من ناحية مشاركتها السياسية ولا من أي ناحية، سواء أكان ذلك في شدة مجد الأمة الإسلامية، أم في أزمنة ضعفها؛ وعندما نقل الغرب أمراضه ومعاناته على البشر جميعاً -بمن فيهم المسلمين-، ظهر ما يسمى بـ « قضية المرأة»، حيث لا قضية، ونودي بتحريرها ـ وهي أصلا محررة ـ في معظم مجتمعات المسلمين، وأرادوا أن ينقلوا المفاهيم الغربية الحديثة التي كانت رد فعلا لعصور الظلام التي عاشتها أوروبا إلينا، ويحاكمونا على أساسها، وأرادوا فرض المفهوم العلماني الغربي للتحرير. هناك إجماع بين علماء الأصول والتفسير والفقه والحديث على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء، بل قالوا بأن النصوص الشرعية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي في ذات الوقت موجهة للنساء ايضاً، في كل الأحكام والتكاليف والعظات، ما لم يأت ما يقيد الخطاب مما يتعلق بالخصائص التكوينية للرجال أو للنساء، ومما لم يصرح به الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس.
ولعل أم سلمة رضي الله تعد مثالاً واضحاً لهذا الفهم، فعن عبد الله بن رافع قال كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي يقول على المنبر وهي تمتشط: «أيها الناس» فقالت للجارية : استأخري عني. قالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء. فقالت : إني من الناس.» .
وبالنسبة للقانون المصري ـ مثالاً لقانون إحدى الدول الإسلامية ـ تعتبر الحقوق السياسية فيه هي تلك الحقوق التي يقرها القانون، ويعترف بها للشخص على أساس الانتماء الوطني. ويربط المشرع غالبا بين التمتع بهذه الحقوق، وشرط الجنسية. بمعنى أن هذه الحقوق لا تقرر إلا للوطني دون الأجنبي. ومثال ذلك نص المادة الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر رقم 73 لسنة 1957 والتي تنص على : «أن كل مصري وكل مصرية بلغ ثماني عشرة سنة ميلادية يباشر بنفسه الحقوق السياسية» كما تنص المادة الخامسة من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 المعدة بالقانون رقم 109 لسنة 1976 والمادة السادسة من قانون مجلس الشورى رقم 120 لسنة 1980 والمادة 75 من قانون الحكم المحلي 43 لسنة 1979 على «أن يشترط للترشيخ أو للتعين في هذه المجالس أن يكون الشخص متمتعا بالجنسية المصرية» كما ينص الدستور الحالي في مادته الخامسة والسبعين على «أنه يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون جنسية والديه مصرية».
ويمكن إجمال مظاهر الحقوق السياسية للمجتمع المسلم عامة فيما يلي :
1) اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي «بالبيعة».
2) المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة، وهو مبدأ الشورى الذي حث عليه الإسلام.(14/377)
3) تولي المناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة.
4) نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
فلم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في كل هذه الحقوق المذكورة وبيان ذلك ما يلي : أولا : اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي «بالبيعة» : ذكر الله البيعة عامة دون تخصيص الرجال والنساء في أكثر من موضع فقال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" [الفتح :10] ، كما ذكر الله أمر النساء في البيعة فقال تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [الممتحنة :12] ، فأثبت القرآن الكريم حق المرأة في مبايعة الحكم كالرجال تماماً، واعتبار صوتها بصوت الرجل دون تمييز بينهما.
ثانيا : المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة، وهو مبدأ الشورى.
وقد حث الإسلام على مبدأ الشورى بين الحاكم والرعية، ولم يفرق بين الرجل والمرأة في ذلك، وقد أرشد إليها ربنا في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فقال تعالى في ذكر محاسن المسلمين : "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" [الشورى :38] ، وقال تعالى في أمره لنبيه والذي يمثل ولي أمر المسلمين وقتها :"فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ" [آل عمران :159] .
واستشار النبي زوجته أم سلمة رضي الله عنه في موقف عصيب، في صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين، وبعدها أمر المسلمين بأن يقوموا ينحروا هديهم ويحلقوا فإنهم لا يذهبوا إلى مكة في هذا العام فلم يقم منهم أحد، فيروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك فيقول : «فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال : فوالله ما قام منهم رجل. حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس. قالت له أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، فخرج النبي فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا» وفي عصرنا الحديث لم يعترض علماء الإسلام على ترشيح المرأة في المجالس النيابية، وتمثيل فئة عريضة من الشعب والمشاركة في سن القوانين التنظيمية، ولقد أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم 852 لسنة 1997 عن حكم جواز أن تكون المرأة عضوا بمجلس النواب أو الشعب خلصت فيها بأنه : لا مانع شرعا من أن تكون المرأة عضوا بالمجالس النيابية والشعبية إذا رضى الناس أن تكون نائبة عنهم تمثلهم فى تلك المجالس وتكون مواصفات هذه المجالس تتفق وطبيعتها التي ميزها الله بها وأن تكون فيها ملتزمة بحدود الله وشرعه كما بين الله وأمر فى شريعة الإسلام.
ثالثا : تولي المناصب المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة :
جاءت آثار في تولي المرأة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي «الحسبة»، وكان ذلك في القرن الأول، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب القيادي الحساس في الدولة الإسلامية، حيث جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه : «وأجاز توليتها آخرون لما ثبت من أن سمراء بنت شهيك الأسدية كانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها »
وخبر سمراء رواه أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال : «رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ».
كما يجوز للمرأة أن تتولى القضاء على قول بعض أهل العلم من علماء المسلمين المعتبرين، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه : يجوز أن تلي النساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرجال ؛ لأن في الشهادة معنى الولاية، وقد ذكر ابن حجر ذلك فقال : « والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور وأجازه الطبري ، وهي رواية عن مالك ، وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء.» .(14/378)
فما مر يبين وضع تولي المرأة مناصب مهمة في الحكومة في الواقع الفعلي للمسلمين، وفي التراث الفقهي لهم، أما في عصرنا هذا فتشارك المرأة الرجل ـ في أغلب الدول الإسلامية والعربية ـ في جميع وظائف الدولة والحياة السياسية والعلمية، فالمرأة سفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية وقاضية منذ سنوات عديدة، وهي تتساوى مع الرجل من ناحية الأجر والمسمى الوظيفي لكل تلك الوظائف. رابعا : نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر :
بدأ نصح النساء لولي الأمر وقول الحق عنده مبكراً، في القرن الأول في تلك القرون الخيرة ففي خلافة عمر رضي الله عنه يروي لنا قتادة ذلك فيقول : « خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي، فإذا بامرأة برزت على ظهر، فسلم عليها عمر فردت عليه السلام، وقالت : هيهات يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشى عليه الفوت».
وعن أبي نوفل قال:...دخل الحجاج ابن يوسف الثقفي بعد مقتل عبد الله بن الزبير على أسماء بنت أبي بكر فقال: «كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت:رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك أما إن رسول الله حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا ،فأما الكذاب فرأيناه و أما المبير فلا أخالك إلا إياه. قال : فقام عنها ولم يراجعها ». هذه نماذج قليلة والتاريخ الإسلامي ممتلئ بالكثير من الصور كهذه، أما الآن فالمرأة يتاح لها هذا الحق كالرجل من خلال القنوات المشروعة، كالصحافة، أو عضوية مجلس الشعب، أو غيره من القنوات المشروعة لنصح الحكومة وإنكار الأخطاء في تصرفاتها وإقرار الصواب فيها.
ولعلنا في تلك العناصر الأربعة نكون قد أوضحنا في إيجاز غير مخل حقوق المرأة السياسية وأن متساوية مع الرجل فيها، والله ولي التوفيق.
* ضرب المرأة في الإسلام
ورد ضرب النساء في القرآن في موضع واحد في قوله تعالى : "وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" [النساء :34] ، والنشوز هو مخالفة اجتماعية وأخلاقية، حيث تمتنع المرأة عن أداء واجباتها، وتلك الواجبات هي حقوق الزوج، كما أن واجبات الزوج تعتبر حقوقًا للزوجة.
وفي تلك المخالفة الاجتماعية والأخلاقية أرشد الله الرجال لتقويم نسائهن بالوعظ، وهو لين الكلام وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها، ثم أباح له أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها، وأباح الله له إظهار عدم رضاه وغضبه بأن يضربها ضربة خفيفة لا تترك أثرًا، وكأنه يقول لها : «إني غاضب» ولم يلزم الرجل بذلك، ولكنه أباح تلك الضربة الخفيفة في هذه الحالة، وأمر كل الفقهاء أن يُبتعد عن الضرب قدر الإمكان ويحاول إظهار غضبه بأي شكل آخر.
كما أن الرجل يُضرب ويُؤدب كذلك إذا أخطأ في حق المرأة، ولنضرب مثالاً يضرب فيه الرجل لأنه أخطأ في أداء وظيفته مع المرأة، فإذا قام الرجل بإزالة بكارة زوجته بأصبعه فقد قال الفقهاء : «وإزالة البكارة بالأصبع حرام، ويؤدب الزوج عليه». وعندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن النبي ذهبن للشكوى إلى رسول الله ، فعنف النبي أصحابه، وغضب منهم، وقال لهم : « لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم ».
فسنة النبي التي نحث المسلمين عليها، هي عدم الضرب، فلم يضرب النبي نساءه قط؛ وإنما أبيح الضرب بالسواك (كفرشة الأسنان)؛ ليظهر لها غضبه، وعدم الرضى بإصرارها على ترك واجباتها، وفي بعض البيئات الثقافية التي تحتاج المرأة إلى ذلك وتراه بنفسها دلالة على رجولة زوجها، وهذه البيئات الثقافية لا يعرفها الغرب، ولم يطلع عليها، ولكن القرآن جاء لكل البشر، ولكل زمان ومكان، ولكل الأشخاص إلى يوم الدين، فشملت خصائصه كل أنواع البيئات والثقافات المختلفة التي إذا لم تراع أدى إلى اختلال ميزان الاستقرار في الأسرة، وهدد بفشلها وانهيارها، فكان هذا للتقويم والإصلاح.(14/379)
ونحن الآن لسنا بصدد قضية نظرية بقدر ما هي واقعية، فلو كانت المصادر التشريعية للمسلمين تحثهم وتدعوهم لضرب النساء وظلمهن لظهر ذلك في واقعهم، وإن كانت المصادر التشريعية تحثهم للرحمة والمودة لظهر ذلك أيضا يقول الله تعالى : "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا" [الأعراف :58] ، ودعونا نتذكر قول المسيح عليه السلام حينما يقول : « من ثمارهم تعرفهم، هل تجني من الشوك عنبًا، أم من العوسج تينًا »، إذا وقفنا عند قضية «ضرب النساء بالسواك إظهارًا لعدم الرضا»، فلننظر في المجتمعات الإسلامية مدى وجود شكوى العنف ضد النساء، أو التعذيب ضدهن أو ضربهن، فلو وجدنا ذلك لوجدناه في حالات معدودة وقليلة ناتجة عن عدم التزام تلك الحالات بتعاليم دينهم الحنيف. فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف والضرب والتعذيب ضد النساء، ويصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن.
وفي المقابل إذا أردنا أن نقرأ واقع الغرب وضرب النساء الظالم الشائع فيه نجد الإحصائيات الموثقة من المصادر الغربية نفسها تشهد بما يلي :
* 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدي إلى عاهة.
* 17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة...والذي كتب ذلك هو الدكتور (جون بيريه) أستاذ مساعد في مادة علم النفس في جامعة (كارولينا).
* حسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكية للفحص والتحقيق FPT هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا. * كتبت صحيفة أمريكية أن امرأة من كل 10 نساء يضربها زوجها، فعقبت عليها صحيفة Family Relation إن امرأة من كل امرأتين يضربها زوجها وتتعرض للظلم والعدوان
* أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضة للضرب سنويًا...أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشيل اندريه) قالت : حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء، فلو أن رجلًا ضرب كلبًا في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا.
* 92% من عمليات الضرب تقع في المدن، و 60% من الشكاوى الليلية التي تتلاقاها شرطة النجدة في باريس هي استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
* في بريطانيا يفيد تقرير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن دون أن يكون هناك سبب لذلك.
* وفي بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف سنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئًا إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات، والركلات، والرفسات، وضرب الرأس بعرض الحائط ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد. وأحيانًا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات طويلة. إن مفهوم الضرب بهذه الصفة لا شك أنه مصيبة يجب على جميع البشر الوقوف ضدها، وفقهاء المسلمين يقفون ضد هذا الضرب، والنبي يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المودة والرحمة وهذا يتنافى مع الضرب والإيذاء؛ ولذلك يستنكر النبي ذلك استنكارًا شديدًا فيقول : « أيضرب أحدكم امرأته كما يُضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم ؟ »، فذلك الرد على من زعم أن الإسلام أهان المرأة بإباحة الرجل ضربه
المرأة المسلمة في الواقع التاريخي
* نساء حاكمات
لا نقصد بحكم النساء للبلاد أن يكن لهن التأثير والنفوذ وتسيير الأمور عن طريق زوجها الحاكم أو ابنها أو سيدها، فهذا الشكل لا يحصى وقد كثر في الدولة العباسية خاصة بشكل كبير بداية من الخزيران بنت عطاء زوجة المهدي العباسي وأم بنيه الهادي وهارون وقد توفيت سنة 173 هـ؛ مروراً بقبيحة أم المعتز بالله (ت 264)، وفاطمة القهرمانة (ت 299)، وأم موسى الهاشمية قهرمانة دار المقتدر بالله، وأم المقتدر بالله شغب (ت 321) ...... وغيرهن الكثير مما لا يحصى ولا يعد، إنما نعني من حكمن البلاد وبعض الأقطار الإسلامية بطريقة مباشرة وواضحة.(14/380)
فلقد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة ، وإن كانت لم تلقب امرأة في الإسلام باللقب «الخليفة»، ولكنها لقبت بألقاب دون ذلك منها : السلطانة، والملكة، والحرة وخاتون. ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثر من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مر التاريخ بداية من ست الملك إحدى ملكات الفاطميين بمصر، والتي حكمت في بداية القرن الخامس الهجري؛ مروراً بالملكة أسماء والملكة أروى اللتين حكمتا صنعاء في نهاية القرن الخامس الهجري، وزينب النفزاوية في الأندلس، والسلطانة رضية التي تولت الحكم بدلهي في منتصف القرن السابع الهجري، وشجرة الدر التي تولت حكم مصر في القرن السابع كذلك، وعائشة الحرة في الأندلس، وست العرب، وست العجم، وست الوزراء، والشريفة الفاطمية، والغالية الوهابية، والخاتون ختلع تاركان، والخاتون بادشاه، وغزالة الشبيبة، وغيرهن كثير. وحتى لا نطيل ثم نتخير نماذج من النساء اللاتي حكمن البلاد، نتكلم عنهن بشكل أكثر تفصيلاً، ولنبدأ بست الملك:
1- ست الملك ملكة الفاطميين :
إحدى ملكات الفاطميين بمصر ست الملك (ولدت سنة 359هـ )، وقد استحوذت على السلطة بعد أن نظمت عملية (اختفاء) أخيها الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي السادس سنة 411هـ ، ويذكر أنه قتله قال الذهبي : « وتحالفت مع الأمير ابن دواس فذهبت إليه سرا فقبل قدمها، فقالت : جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال أنا مملوكك قالت أنت ونحن على خطر من هذا وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل ما لا يصبر عليه مسلم وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء قال صدقت فما الرأي قالت تحلف لي وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا على قتله ». وكانت لها دوافعها إلى ذلك؛ إذ أن تجاوزات أخيها فاقت الحد، فبعد أن كان يسلط قهره على الضعاف والكلاب التي قرر القضاء عليها، والنساء اللائي منعهن من الخروج، فحرق القاهرة ومنع سكانها من العمل في النهار وأمرهم بالعمل في الليل حتى يخرج بموكبه إلى الشوارع ليلاً فيراها تضج بالحركة، استفاق ذات يوم ليعلن ألوهيته ويطالب جماهير القاهرة وضمنهم ست الملك بعبادته. 2- الملكة أروى ملكة صنعاء :
هي أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحية ملكة حازمة مدبرة يمانية، ولدت في حراز باليمن عام 440 هـ، ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية، وتزوجها ابنها.
وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر المذهب الفاطمي في آسيا، وبصورة خاصة في بومباي بالهند، عن طريق الدعاة الفاطميين الذين انطلقوا من اليمن في فترة حكمها.
فبعد وفاة الملكة أسماء (1087م/480هـ) عهد ابنها الملك المشلول إدارة البلاد رسمياً إلى زوجته أروى، التي استطاعت تأمين استمرار السلطة بأيدي الصليحيين في اليمن، . وبعد استتباب الأمن والاستقرار، قررت الانتقام من سعيد الزبيدي قاتل عمها، فنقلت عاصمتها إلى جبالة المحصنة بالجبال، وأخذت تضيق الخناق على سعيد الزبيدي. وبعد أن تحالفت مع البلدان الأخرى استطاعت سحق جيش سعيد وقتله وأخذ زوجته أسيرة.
وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم سنة 484 هـ، وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد، فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء، وتحكم من وراء حجاب، وكان يدعى لها على منابر اليمن، فيخطب أولا للمستنصر، ثم للصليحي، ثم للحرة، ومات سبأ سنة 492 هـ وضعف ملك الصليحيين، فتحصنت بذي جبلة واستولت على ما حوله من الأعمال والحصون، وأقامت لها وزراء وعمالا، وامتدت أيامها بعد ذلك أربعين سنة، توفيت سنة 532 هـ بذي جبلة ودفنت في جامعها ولها مآثر وسبل وأوقاف كثيرة، وهي آخر ملوك الصليحيين.
3- تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت خاجنكش زوجة السلطان تكش بن آيل رسلان، كانت ذا مهابة ورأي، تحكمت في البلاد سنة 628 وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان، وتنتصف للمظلومة من الظالم، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل، ولها خيرات ومسبلات ومبرات في أنحاء بلادها، وكان لها من كتاب الإنشاء سبعة من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر، وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان في قضية واحدة لم تنظر إلى في التاريخ فيعمل بالتوقيع الأخير بكافة الأقاليم، وكان توقيعها « عصمة الدنيا والدين الغ تركان ملكة نساء العالمين» وعلامتها «اعتصمت بالله واحده»، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها.
4- رضية بنت التمش سلطانة الهند :(14/381)
رضية الدنيا والدين تتحدر السلطانة رضية من أسرة تركية من المماليك. تولت السلطة في دلهي عام (1236م الموافق 634هـ) بعد وفاة والدها السلطان إيلتوتمش خان، وهو أحد القادة العسكريين الذين أرسوا دعائم الدولة الإسلامية في الهند. كان والدها السلطان قد اختارها بدل أخويها؛ لذكائها وقوتها ومواهبها في إدارة شؤون البلاد، وعدم قدرة أخويها، وكان أول قرار ملكي أصدرته، سك النقود باسمها واختيار لقب لها هو (رضية الدنيا والدين). وعندما حاول أمراء الحاشية والجيش إبعادها عن العرش، مترافقاً مع قيام أخيها الأكبر بقتل أخيها الأصغر، باءت محاولاتهم بالفشل حيث اعتمدت على الشعب الذي ثار ضد أخيها وأمرت بقتله.
فهي ملكة من ملوك الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة، استقلت بالحكم أربع سنين، وقتلت في 25 ربيع أول سنة 637 وقبرها على شاطئ نهر جمن بالقرب من دلهي.
5- شجرة الدر ملكة مصر والشام :
وهي من شهيرات الملكات في الإسلام، ذات إدارة وحزم وعقل ودهاءن وبر وإحسان، ملكها الملك الصالح في أيام والده، واستولدها ولده خليل ثم تزوجها، وصحبته ببلاد الشرق ثم قدمت معه إلى البلاد المصرية، فعظم أمرها في الدولة الصالحية، وصار إليها غالب التدبير في أيام زوجها ثم في مرضه، وكانت تكتب خط يشبه خط الملك الصالح فتعلم على التواقيع، ولقد باشرت الحكم، وأخذت توقع عن السلطان مراسيم الدولة إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة، فأرسل إليها يهددها ويطالبها بالأموال، فعملت على قتله فقتل في 7 محرم 648، ولما قتل وقع الاتفاق على تولية شجرة الدر السلطنة فتولتها، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء الحجاب، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة أيوب وكان ذلك في 2 صفر سنة 648، وجعلوا عز الدين أيبك الصالحي التركماني أتابك عسكرها، وساست الرعية أحسن سياسة، فرضي الناس عن حكمها خير رضاء، وكانت تصدر المراسيم وعليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل وخطب في أيام الجمع باسمها على منابر مصر والشام، وضرب السكة باسمها ونقش عليها : «السكة المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل»، وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور، وأحكمت إدارة شئون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد، وإدارة مفاوضات معه، انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط، وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله، والباقي بعد وصوله إلى عكا، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى، وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر، معروفة بها وقد قتلت في نهاية ربيع أول سنة 655 هـ.
6- السلطانة خديجة سلطانة الهند :
هي السلطانة خديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي من سلطانات الهند، نشأت وترعرت في بلاط أبيها، وتلقت من العلم والثقافة ما جعلها من أندر نساء زمانها أدبا وكمالا ومعرفة، ولما توفى والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين فكان سيء السيرة فخلعه الشعب سنة 740 هـ ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها، وولى زوجها خطيب الدولة جمال الدين الوزارة فاعتمد عليه السلطانة في مهام الأمور وراقبت شئون الدولة مراقبة الخبير، وتوفيت سنة 770 هـ.
* نساء قاضيات
رغم أن فقهاء المسلمين اختلفوا في حكم تولي المرأة القضاء، وذهب الجمهور إلى عدم جواز توليها القضاء مطلقاً، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاء فيما تصح شهادتها فيه من الأحكام، وذهب آخرون إلى الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام وهم الإمام محمد بن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري وابن طراز الشافعي وابن القاسم ورواية عن الإمام مالك. إلا أن المصادر التاريخية لم تسجل لنا إلا حالة واحدة تولت فيه القضاء امرأة، وهي ثمل قهرمانة شغب أم المقتدر. ثمل القهرمانة القاضية :
وكانت من ربات النفوذ والسلطان في الدولة العباسية أيام المقتدر، فكانت الساعد الأيمن لأم المقتدر، تلي شئون الدولة وسياستها، وبلغ من اعتماد أم المقتدر على ثمل أن أمرتها تجلس بالرصافة سنة 306 هـ للمظالم، وتنظر في كتب الناس يوما في كل جمعة، فأنكر الناس ذلك واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه، فجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل، ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي أبا الحسن ابن الأشناني فحسن أمرها وأصلح عليها، وخرجت التوقيات وعليها خطها على سداد، فانتفع بذلك المظلومون، وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها، وكان يحضر في مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان، توفيت سنة 317.(14/382)
وهكذا لم يسجل غير تلك الحالة في النساء اللواتي تولين القضاء، وإن كان حالات تولي السلطة العليا والحكم والملك أعلى من القضاء، وقد كانت بعض تلك الملكات تقضي بين الناس في المظالم كذلك مثل تركان خاتون السلطان، وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان، وتنتصف للمظلوم من الظالم، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل، وكان توقيعها « عصمة الدنيا والدين الغ تركان ملكة نساء العالمين» وعلامتها «اعتصمت بالله واحده»، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامته
* نساء محاربات وقائدات جيوش
بدأ دور المرأة في الجهاد في نفس الوقت الذي بدأ فيه دور الرجل، بل إن دور المرأة الفعلي سابق له، فأول من استشهد في سبيل الله كان امرأة هي السيدة سيمة زوج ياسر، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أولى الفدائيات التي أمن وصول الطعام إلى النبي وصحابه أبي بكر الصديق ، كما أنها تلقت الأذى من أبي جهل في سبيل كتمان خبرهما. فإن الدين الإسلامي طلب من المرأة الدفاع عن وطنها، وأرضها، وشعبها، كما طلب ذلك من الرجل، وقد أقر النبي مشاركة النساء في الجهاد والغزوات، بل غزت المرأة مع رسول الله كأم سليم بن ملحان، وأم حرام بنت ملحان، وأم الحارث الأنصارية، والربيع بنت معوذ عفراء، وأم سنان الأسلمية، وأم سليط، ليلى الغفارية، كعيبة بنت سعيد الأسلمية، وحمنة بنت جحش، ورفيدة الأنصارية، وأم زياد الأشجعية.
1- أم سليم بنت ملحان الأنصارية :
الغميصاء، ويقال : الرميصاء، ويقال : سهلة، ويقال : أنيفة، ويقال : رميثة، بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية، أم خادم النبي أنس بن مالك. مات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، فولدت له أبا عمير، وعبد الله، شهدت أحد وأبلت فيها بلاء حسنا، وشهدت حنيناً مع رسول الله ومعها خنجر فقال أبو طلحة يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر. فقالت : يا رسول الله أتخذه إذا دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فتبسم رسول الله .
2- أم حرام بن ملحان
أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، الأنصارية، النجارية، المدنية، أخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، وزوجة عبادة بن الصامت، حديثها في جميع الدواوين سوى جامع أبي عيسى، كانت من علية النساء، حدث عنها أنس بن مالك وغيره.
قال في بيتها يوما فاستيقظ وهو يضحك فقلت يا رسول الله ما أضحكك ؟ قال : عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة, قلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأولين. فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر، فحملها معه، فلما رجعوا، قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فدقت عنقها فماتت رضي الله عنها، قلت يقال هذه غزوة قبرس في خلافة عثمان رضي الله عنه. فنالت الشهادة وغزت في سبيل الله رضي الله عنها.
3- الربيع بنت معوذ :
هي الربيع بنت معوذبن عفراء الأنصارية، من بني النجار، … وقد زارها النبي صبيحة عرسها صلة؛ لرحمها، عمرت دهرا وروت أحاديث، حدث عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبادة ابن الوليد بن عبادة، وعمرو بن شعيب، وخالد بن ذكوان، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون وأبوها من كبار البدريين، قتل أبا جهل، توفيت في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين رضي الله عنها. بايعت النبي وهي من الصحابيات الجليلات وجاهدت مع المجاهدين، وخطبها إياس بن البكير الليثي، ثم خرج هو وأخواه، وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس فجاء النبي فدخل عليها غداة بنى بها. فجملت جويرات لها يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائها يوم بدر، شهدت الربيع أحدا مع أم عمارة وعائشة رضي الله عنهن.
4- أم سنان الأسلمية :
صحابية جليلة، روت عن النبيّ ، وروى عنها ابن عباس، وروت عنها ابنتها ثُبيتة بنت حنظلة الأسلميّة. كانت من الصحابيات المجاهدات، حيث تتصف بالشجاعة والهمة العالية. أتت رسولَ الله عندما أراد التوجّه إلى خيبر وقالت له : يا رسول الله، اُحبُّ أن أخرج معك، أخرز السقاء ، واُداوي الجرحى ، وأنصر المجاهدين ، واحفظ لهم أمتعتهم ، وأسقي عطشاهم . فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لها : « تعالي معنا وكوني مع اُم سلمة »، حيث كانت أكثر أوقاتها معه .
5- ليلى الغفارية :
وهي صحابية جليلة من فضيلات الصحابيات، كانت تغزو مع رسول الله ، قالت كنت أغزو مع النبي فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى فلما خرج علي إلى البصرة خرجت معه. وتوفيت سنة 40 هـ رضي الله عنها.
6- كعيبة بنت سعيد الأسلمية :
من كريمات النساء، وفضيلات الصاحبيات المجاهدات، شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لها سهم رجل فيما رواه الواقدي.
7- رفيدة الأنصارية :(14/383)
قال عنها ابن حجر : « رفيدة الأنصارية، أو الأسلمية، ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق، فقال : رسول الله اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب، وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على رحمة من كانت به ضيعة من المسلمين». وظلت المرأة منذ العهد الأول تشارك في الحروب، وتقوم بدورها في حماية الأمة الإسلامية والدفاع عن الحق والأوطان، وقد تطورت تطلعات المرأة إلى أن وصل إلى قيادة الجيش المسلم الذي يقاتل في سبيل الله، ونذكر من ذلك هذه المرأة التي قادت جيشًا مسلمًا. قائدة الجيش تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت طغراج الملكة الجلالية صاحبة أصبهان، زوجة السلطان ملكشاه، وهي سيدة جليلة من ربات العقل والرأي والدين والصلاح والنفوذ والسلطان، من نسل أفراسياب ملك الفرس، شاركت زوجها في الملك، وبعد وفاته دبرت الأمور فاتخذت المستشارين والوزراء، وقادت الجيوش، وحفظت أموال التجار، وأثرت تأثيراً عظيما في بلاد فارس، فأصحلت كثيرا من عادات البلاد وأخلاق أهلها، فبذلت لهم العطايا والإقطاعات، فأحبتها الأمراء والرعية، وصاهرت الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله حيث تزوج بابنتها، وماتت رحمها الله سنة 487 هـ.
ما ذكر قليل من كثير من إسهامات المرأة في الحروب والجيوش المسلمة، ولكنه يعد سابقة حضارية على الاعتراف بدور المرأة في كل نواحي الحياة، بل يعد أمرًا فريدًا لم يحققه الغرب بعد الذي يتغنى بالحريات والديمقراطية.
* نساء مفتيات وعالمات
نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات المبرّزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة»، لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات. وذكر كل من الإمام النووي في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات»، والخطيب البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد»، والسخاوي في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»، وعمر رضا كحالة في «معجم أعلام النساء»، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم، تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير وأديبات وشاعرات.
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل في جوانب في كثيرة في علوم الحضارة الإسلامية، وخاصة في جانب علم الحديث ومعرفة رواته، ويسجل تلك الشهادة أئمة علم الحديث والمصطلح، فيقول الإمام الذهبي : «وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها». ويؤكد هذا الحكم على تزكية النساء في علم الحديث الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث يقول : «لا اعلم في النساء من اتهمت ولا تركت» وكان حرص النساء على طلب العلم الشرعي والاهتمام به منذ عهد النبي ، فقد روى أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن النساء قلن لرسول الله : « اجعل لنا يوما كما جعلته للرجال قال فجاء إلى النساء فوعظهن وعلمهن ». وقد كان عطاء بن رباح رحمه الله يقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : « كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً ».
وكذلك كل أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم جميعا، وأغلب نساء الصحابة أيضا، فتلك الأعداد الهائلة من النساء اللواتي ساهمن في الحركة العلمية في الحضارة الإسلامية ليس بوسعنا أن نستوعبها جميعها في ذلك الكتاب، ويمكن للمستزيد الرجوع إلى تلك الكتب، وإنما سوف نذكر نماذج قليلة وتراجم يسيرة عليها، من النساء العالمات من بعد عهد الصحابة رضوان .
1- نفيسة العلم :
قال الذهبي عنها : السيدة المكرمة، الصالحة، ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد بن السيد، سبط النبي الحسن بن علي رضي الله عنهما، العلوية الحسنية، صاحبة المشهد الكبير المعمول بين مصر والقاهرة. ولي أبوها المدينة للمنصور، ثم عزله وسجنه مدة، فلما ولي المهدي أطلقه وأكرمه ورد عليه أمواله، وحج معه...(14/384)
وتحولت هي من المدينة إلى مصر مع زوجها الشريف إسحاق بن جعفر بن محمد الصادق فيما قيل، توفيت بمصر في شهر رمضان سنة ثمان ومئتين، ولم يبلغنا كبير شيء من أخبارها... وقيل كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مستجاب عند قبرها. وقد ولدت يوم الأربعاء 11 ربيع الأول سنة 145هـ بمكة المكرمة وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى حصلت على لقب «نفيسة العلم» قبل أن تصل لسن الزواج، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت، فكان أبوها يردهم ردًا جميلاً إلى أن أتاها "إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق رضي الله عنه، وتزوجا في بيت أبيه، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم. كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدها المصطفى ، وكانت زاهدة دون مبالغة، فلم تكن تقاطع الحياة، وإنما كان هجرها للدنيا واقعًا على كل ما يعوق عن العبادة والتزوّد، وكانت الآخرة نصب عينيها، حتى أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تحفظ القرآن وتفسره ويؤمها الناس ليسمعوا تفسيرها، وكانت تدعو الله قائلة: «إلهي يسر لي زيارة قبر خليلك إبراهيم» فاستجاب الله لها، وزارت هي وزوجها «إسحاق المؤتمن» قبر الخليل.
ثم رحلا إلى مصر في رمضان عام 193 هجرية في عهد هارون الرشيد، وفي العريش -بأقصى شمال مصر الشرقي- استقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول تحوطها وزوجها، حتى نزلا بدار كبير التجار وقتها «جمال الدين عبد الله الجصاص». وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى "أم هانئ" وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: «إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى» ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالي «السري بن الحكم» وقال لها: «يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه» ووهبها دارًا واسعة، ثم حدد موعدًا -يومين أسبوعيًا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.
وكان الأمراء يعرفون قدرها وقدرتها على توجيه عامة الناس، بل دفعهم للثورة في الحق إن احتاج الأمر، حتى أن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم، مرّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها، فدعت له بالخلاص قائلة: «حجب الله عنك أبصار الظالمين» ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير، قالوا له: إنه مرّ بالسيدة نفيسة فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت له بخلاصه، فقال الأمير: «أو بلغ من ظلمي هذا يا رب، إني تائب إليك واستغفرك؛ وصرف الأمير الرجل، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين». ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقات - أن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: «ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون»!
يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته!. ولمَّا وفد الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرئها السلام ويقول لها: "إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء". وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها، حين وفاته عام 204 هجرية وصلّت عليها إنفاذًا لوصيته.(14/385)
كانت كثيرة البكاء ، تديم قيام الليل وصيام النهار ، ولا تأكل إلاّ في كل ثلاث ليال أكلة واحدة، ولا تأكل من غير زوجها شيئاً. حجّت ثلاثين حجّة، وكانت تبكي بكاءً شديداً وتتعلّق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي ومولاي متّعني وفرّحني برضاك عنّي . وقالت زينب بنت يحيى المتوّج : خدمتُ عمتي نفيسة أربعين سنة ، فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار ، فقلت لها : أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعها الفائزون . ومرضت نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً، وحفرت قبرها بيدها في بيتها، فكانت تنزل فيه وتصلّي كثيراً، فقرأت فيه مائة وتسعين ختمة، وما برحت تنزل فيه وتصلّي كثيراً وتقرأ وكثيراً وتبكي بكاءً عظيماً، حتى احتضرت سنة 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا، فقالت : واعجباً منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقه وأنا صائمة أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ، فلمّا وصلت إلى قوله تعالى : ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله.
2- كريمة راوية البخاري :
الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسندة ، أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية ، المجاورة بحرم الله . سمعت من أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري، وسمعتْ من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني . وكانت إذا روت قابلت بأصلها، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد . روت "الصحيح" مرات كثيرة ; مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم ، وماتت بكرا لم تتزوج أبدا . حدث عنها : الخطيب ، وأبو الغنائم النرسي ، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ، ومحمد بن بركات السعيدي ، وعلي بن الحسين الفراء ، وعبد الله بن محمد بن صدقة بن الغزال ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب ، وأبو المظفر منصور بن السمعاني ، وآخرون .
قال أبو الغنائم النرسي : أخرجت كريمة إلي النسخة "بالصحيح" ، فقعدت بحذائها ، وكتبت سبع أوراق ، وقرأتها ، وكنت أريد أن أعارض وحدي ، فقالت : لا حتى تعارض معي . فعارضت معها . قال : وقرأت عليها من حديث زاهر . وقال أبو بكر بن منصور السمعاني : سمعت الوالد يذكر كريمة ، ويقول : وهل رأى إنسان مثل كريمة ؟ . قال أبو بكر : وسمعت بنت أخي كريمة تقول : لم تتزوج كريمة قط ، وكان أبوها من كشميهن ، وأمها من أولاد السياري ، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس ، وعاد بها إلى مكة ، وكانت قد بلغت المائة . قال ابن نقطة : نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مائة . قلت : الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين . قال هبة الله بن الأكفاني سنة ثلاث حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال : سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة . وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني : حججت سنة ثلاث وستين فنعيت إلينا كريمة في الطريق ، ولم أدركها.
3- أمة الواحد :
هي ستيتة بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي، العالمة الفقهية المفتية، تفقهت بأبيها وروت عنه، وحفظت القرآن والفقه للشافعي، وأتقنت الفرائض ومسائل العربية وغير ذلك، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة، وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، توفيت في رضمان سنة 377 هـ.
4- شهدة الأبري :
بنت المحدِّث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي الإبري الجهة، المعمرة، الكاتبة، مسندة العراق ، فخر النساء. ولدت بعد الثمانين وأربع مائة . وسمعت من : أبي الفوارس طراد الزينبي ، وابن طلحة النعالي ، وأبي الحسن بن أيوب ، وأبي الخطاب بن البطر ، وعبد الواحد بن علوان ، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي ، وثابت بن بندار ، ومنصور بن حيد ، وجعفر السراج ، وعدة. ولها مشيخة سمعناها.(14/386)
حدث عنها : ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وابن الأخضر، والشيخ المفق، والشيخ العماد، والشهاب بن راجح، والبهاء عبد الرحمن، والناصح، والفخر الإربلي، وتاج الدين عبد الله بن حمويه، وأعز بن العليق، وإبراهيم بن الخير، وبهاء الدين بن الجميزي، ومحمد بن المني، وأبو القاسم بن قميرة، وخلق كثير. قال ابن الجوزي : قرأت عليها ، وكان لها خط حسن ، وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة ، وخالطت الدور والعلماء ، ولها بر وخير ، وعمرت حتى قاربت المائة ، توفيت في رابع عشر المحرم سنة أربع وسبعين وخمس مائة وحضرها خلق كثير وعامة العلماء. وقال الشيخ الموفق : انتهى إليها إسناد بغداد، وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار، وكانت تكتب خطا جدا، لكنه تغير لكبرها. ومات معها أحمد بن علي بن الناعم الوكيل، وأسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء البواب، والأمير شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي الشاعر الحَيْص بَيْص، وأبو صالح سعد الله بن نجا بن الوادي الدلال، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، وعمر بن محمد العليمي، وأبو عبد الله بن المجاهد الإشبيلي الزاهد، ومحمد بن نسيم العيشوني.
5- زين العرب بنت عبد الرحمن :
هي زين العرب بنت عبد الرحمن بن عمر بن الحسين المعروفة ببنت الخزيراني، محدثة تولت مشيخة رباط بنت السقلاطوني، جاورت مكة وتقلدت مشيخة رباط الحرمين في أواخر أيامها، توفيت في أوائل صر 704 ولها بضع وسبعون سنة .
6- دهماء بنت يحيى :
هي دهماء بنت يحيى بن المرتضى الشريفة، العاملة الفاضلة، أخذت العلم عن أخيها الإمام المهدي، وبرعت في النحو والأصول والمنطق والنجوم والرمل والسيمياء والشعر، فألفت شرحا للأزهار في أربع مجلدات، وشرحا لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض، وشرحا لمختصر المنتهى، وأخذ عنها الطلبة بمدينة تلا، وتوفيت بمدينة تلا في ذي القعدة 837 .
7- فاطمة بنت أحمد :
هي فاطمة بنت أحمد بن يحيى، عالمة فاضلة متفقهة، كانت تستنبط الأحكام الشرعية وتتباحث مع والدها في مسائل فقهية مشهورة بالعلم، ولها مع والدها مراجعات في مسائل كمسألة الخضاب بالعصفر، فإنه قال إن فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام وهذه المقالة تدل على أنها كانت مبرزة في العلم، فإن الإمام لا يقول مثل هذه المقالة إلا لمن هو حقيق بها، وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يشكل عليه من مسائل وإذا ضايقه التلامذة في بحث دخل إليها فتفيده الصواب، فيخرج بذلك إليهم فيقولون ليس هذا منك هو من خلف الحجاب، وماتت قبل والدها رحمهما الله سنة 840 هـ.
8- أسماء المهروانيّة :
أسماء بنت عبد الله بن محمد المهروانيّة محدّثة، كاتبة، ذات دين وصلاح .سمعت على الكمال محمد بن محمد بن نصر بن النحّاس، والشهاب أحمد بن عبد الغالب بن محمد الماكسيني رواية الآباء عن الأبناء للخطيب . أجازها ستة وعشرون شيخاً؛ منهم : رسلان الذهني، وأبوبكر بن محمد المزّي، وخرّج لها الشهاب بن الليودي في مشيخته، وقرأ عليها السخاوي. ماتت بدمشق في صفر سنة 867هـ ، ودفنت بمقبرة باب توما بالقرب من تربة الشيخ رسلان.
9- زاهدة الطاهري :
زاهدة بنت محمد بن عبد الله الطاهري. محدثّة، أجازها ابن الجميزي، والشاوي، وغيرهما. وسمعت من إبراهيم بن خليل، وحدّثت، وخرّج لها المقاتلي مشيخته، وقرأ عليها الواني. توفيت في القرن الثامن للهجرة.
10- زينب الجرجانية :
زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني ، تعرف بابنة الشعرى ، وتدعى حرة . عالمة ، فاضلة ، محدّثة ، جليلة. ولدت بنيسابور سنة 524 هـ ، فأدركت جماعة من أعيان العلماء ، فأخذت عنهم الرواية والإجازة . سمعت من أبي محمد اسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر النيسابوري القارئ وأبي القاسم زاهر ، وأبي المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازان القشيري، وأبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياضي، وأبي البركات محمد بن الفضل الفزاري، وغيرهم. أجازها الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، والعلاّمة الخُرقي، وغيره من الحفّاظ والعلماء. أخبر عنها علي المقدسي ، وسمع عنها الحسن بن محمد بن محمد البكري جزءاً فيه أحاديث أبي عمر واسماعيل بن محمد بن أحمد السلمي ، وعثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح . وسمع عنها جميع الجزء الثالث من كتاب الزهد لوكيع بن الجرّاح، وكتاب الأربعين بروايتها عن فاطمة بنت البغدادي سماعاً، وعن الصاعدين إجازةً، والجزء العاشر من فوائد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري بروايتها، وسماعها من أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي .وقُرئ عليها جميع الجزء الاّول والثاني من حديث علي بن حرب بالإجازة. توفيت بنيسابور في جمادى الآخر سنة 615هـ.
* نساء تولين الحسبة (السلطة التنفيذية)(14/387)
وردت آثار في تولي المرأة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي «الحسبة»، وكان ذلك في القرن الأول، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب القيادي الحساس في الدولة الإسلامية. كما ذكر ابن حزم ذلك أيضا مستشهدا بخبر الشفاء فقال : « مسألة وجائز أن تلي المرأة الحكم وهو قول أبي حنيفة وقد روي عمر بن الخطاب أنه ولى الشفاء امرأة من قومه السوق، فإن قيل قد قال رسول الله : «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة.» قلنا : إنما قال ذلك رسول الله في الأمر العام الذي هو الخلافة. برهان ذلك قوله « المرأة راعية على مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها »، وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأت نص من منعها أن تلي بعض الأمور وبالله تعالى التوفيق » روى أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال : «رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ».
الخاتمة
* المرأة عند غير المسلمين قديما وحديث
كانت المرأة قبل مجيء الإسلام مظلومة ومهانة من كل الحضارات القديمة سواء حضارات أوروبا القديمة أو الرومان أو حضارات الفرس أو العرب قبل الإسلام، فلم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر، فعند الإغريقيين : هي شجرة مسمومة، وقالوا : هي رجس من عمل الشيطان، وقال عنها الرومان : ليس لها روح ، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار ، وتسحب بالخيول حتى الموت، وعند الصينيين قالوا عنها : مياه مؤلمة تغسل السعادة ، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية ، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها، وعند الهنود قالوا عنها : ليس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار ، أسوأ من المرأة ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه، وعند الفرس : أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت، وعند اليهود : قالوا عنها : لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها.
ولم يكن الحال عند المسيحيين بأفضل مما سبق حيث عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب". وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة، وعند العرب قبل الإسلام وصل الحال إلى وأدها (أي دفنها حية) أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب. وقد يقول قائل : إن ما ذكر كان في الماضي، وهو الذي دفع من يزعمون المطالبة بحقوق المرأة لهذه الحملات المتتابعة غير المفهومة، ولكن العجيب أن تجد المرأة في الحضارات الأخرى غير الإسلامية تهان حتى الآن وبمقاييس الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان، فمثلًا قضية العنف ضد المرأة وإيذائها البدني وطبقًا للإحصائيات الخاصة بالعنف ضد المرأة الغربية ـ وقد أشرنا إليها متفرقة في
البحث ـ حيث عبرت عن النتائج التالية :
* 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة.
* 17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة....والذي كتب ذلك هو الدكتور (جون بيريه) استاذ مساعد في مادة علم النفس في جامعة (كارولينا).
* حسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكية للفحص والتحقيق FPT هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا.
* كتبت صحيفة أمريكية أن امرأة من كل 10 نساء يضربها زوجها، فعقبت عليها صحيفة Family Relation إن امرأة من كل امرأتين يضربها زوجها وتتعرض للظلم والعدوان.
* صرح الدكتور «جون كيشلر» أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو : أن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي وأن 40% من الرجال مصابون بالعقم ، وقال الدكتور إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي.
* أما في فرنسا فهناك مليونين امرأة معرضة للضرب سنوياً....أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشيل اندريه) قالت : حتى الحيوانات تعامل أحياناً أفضل من النساء، فلو إن رجلاً ضرب كلب في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا.
* 92% من عمليات الضرب تقع في المدن و 60% من الشكاوى الليلية التي تتلاقاها شرطة النجدة في باريس هي استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
* في بريطانيا يفيد تقرير ان 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن دون أن يكون هناك سبب لذلك.(14/388)
* وفي بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف سنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئًا إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات والركلات والرفسات، وضرب الرأس بعرض الحائط ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد.وأحيانًا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات طويلة.
نستخلص من العرض الموجز السابق لكيفية معاملة المرأة عند غير المسلمين سواء في الحضارات الغابرة أو في عصرنا الحديث حقيقة مهمة وهي أن الغرب أو غيرهم من الحضارات بما فيهم من سلوكيات شاذة تنقص من قدر المرأة ـ كما مر ـ لا يصلح أن يكون نموذجًا لنا أو حتى مُقيمًا لغيره من المجتمعات، وإنما نتكلم في هذا الموضوع من باب الذب عن قيمنا النبيلة وشرعنا الحنيف والله الموفق الهادي لسواء السبيل.
******************
الفهرس العام :
شبهات حول المرأة المسلمة ... 1
الذمه المالية للمرأة في أوربا المسيحية ... 1
هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة عنصرية ؟ ... 4
حقها في الميراث ... 6
مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة ... 8
أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر ... 10
قضية الحِجاب ... 13
شبهات حول الحجاب ... 15
مواجهات بين الإسلام وأعداء المرأة ... 36
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام ... 73
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة ... 94
شبهة : تعدد الزوجات ... 109
ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة ... 126
شُبهات حول حديث : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " وردّها ... 135
حجاب المرأة ليس في الإسلام فقط ... 146
عمل المرأة في الميزان ... 150
قوامة الرجل على المرأة لا يسلبها حريتها ... 156
القوامة.. دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟ ... 159
القوامة ... 172
أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ... 184
حفظ الإسلام حقوق المرأة ... 197
اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة ... 245
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟ ... 249
وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل ... 260
معنى نقص العقل والدين عند النساء ... 264
المرأة ليست ناقصة عقل ! ... 266
هل المرأة ناقصة عقل ودين أو الرجل ؟؟!! ... 273
هذه القضايا تهم المرأة ... 281
لماذا لا يتحجب الرجل ... 291
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن ... 295
المعاشرة بالمعروف ... 300
ختان النساء ... 302
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا ... 312
الشبهة(2) : قولهم بالمساواة ( التامة )بين الرجل والمرأة ... 320
الشبهة(1):تركيب المرأة الجسدي يعارض دعوتهم للمساواة التامة ... 343
رياسة الرجل ليس ظلماً للمرأة ... 373
المرأة..قبل وبعد الإسلام ... 376
حفظ الإسلام حقوق المرأة" ... 386
ثانيًا: المساواة ... 434
ثالثًا: تعليم ... 444
رابعًا: العمل ... 448
خامسًا: الولاية والقيادة ... 457
سادسًا: الاختلاط ... 459
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام حول ميراث المرأة ... 468
هذه القضايا تهم المرأة ... 470
شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ... 481
شبهات مُثارة حول : حول قضايا مُتعلقة بالمرأة المسلمة ... 500
الحرية المفترى عليها ... 528
شبهة تتعلق بحديث (الشؤم في ثلاث وذكر المرأة) ... 531
هل تستطيع المرأة أن تعيش بلا رجل ؟؟ ... 535
باب المرأة في الإسلام ... 539
لماذا لا يتحجب الرجل؟ ... 568
1 • ... لماذا الاهتمام بالحجاب وهو ليس من أركان الإسلام ... 572
2 • ... هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة ... 573
3 • ... إذا جاز للمرأة أن تسكن بمفردها فلم لا تسافر دون محرم؟ ... 579
4 • ... شبهات من نصراني حائر ... 581
5 • ... لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر ؟ ... 585
6 • ... لماذا لا يدخل صدر الرجل في حدود عورته لأنه يفتن النساء ؟ ... 588
7 • ... الفرق بين الحرائر والإماء في الحجاب ... 590
8 • ... أختها مهتمة بالإسلام وتسأل عن الروح والإرث ... 591
9 • ... السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده ... 593
10 • ... عندها إشكالات في حق المرأة في الإسلام ... 596
شبهات دعاة تغريب المرأة ... 604
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن ... 657
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا ... 661(14/389)
الرد على افتراء لعنة الملائكة للمرأة التى ترفض دعوة زوجها للفراش ... 667
سلب أو تقييد حق الرجل في الطلاق ... 670
جعل الطلاق بيد الرجل لا ينقص من شأن المرأة ... 674
عناية الإسلام بالمرأة (1) ... 676
ظلم المرأة في ظل الحضارة الغربية ... 702
دور المرأة في تربية الأسرة ... 715
إلى من كتبت عن حرية المرأة ... 742
المضحكات المبكيات ... 752
دور المرأة في الإصلاح ... 759
دية المرأة نصف دية الرجل .. لماذا؟ ... 777
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام حول ميراث المرأة ... 781
شبهات حول المرأة القيادة والولاية ... 790
متى تنزل المرأة إلى ميدان العمل وكيف؟ ... 792
المرأة العربية والإعلام ... 794
العائلة العربية هرمية على أساس الجنس والعمر ... 801
حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون.. نصاً ومقارنة وتطبيقاً ... 813
حق الطلاق بين الرجل والمرأة ... 842
الرد على شبهات المجتمع ... 846
مكانة المرأة في الإسلام ... 865
موقف القرآن من حقوق الإنسان والمرأة ... 868
ما الحكمة من تعدد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ..سؤال وجواب ... 871
شبهة أن التشريع الإسلامي يحدد عدد الزوجات بأربعة فقط , بينما رسول الله تزوج بأكثر من أربع ... 876
شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل في علاج النشوز بالضرب ... 877
شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل يجعل القوامة بيد الرجل ... 881
الرد على شبهة ان الإسلام جحد حق المرأة بأن جعل شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل ... 885
شبهات النصارى حول وضع المرأة في شرائع المجتمع المسلم ... 887
الرد على التبرج ... 900
شبهات مثارة حول (الحجاب الكامل للمرأة المسلمة) ... 907
حجاب ولباس النساء بين القرآن والكتاب المقدس ... 911
نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسان ... 914
فقه المرأة المسلمة ... 922
عورة المرأة في الصلاة ... 924
المرأة في القرآن الكريم ... 928
المرأة في السنة النبوية ... 931
* جماعة النساء في الصلاة ... 935
* ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات ... 939
* شهادة المرأة المسلمة ورد الشبه حولها ... 947
* تعدد الزوجات وحقيقته ... 953
* حق المرأة في اختيار زوجها ... 957
* إمامة المرأة في الصلاة ... 961
* ختان الإناث ... 963
* حقوق المرأة السياسية ... 966
* ضرب المرأة في الإسلام ... 971
المرأة المسلمة في الواقع التاريخي ... 974
* نساء تولين الحسبة (السلطة التنفيذية) ... 990
* المرأة عند غير المسلمين قديما وحديث ... 991(14/390)