يقول التيجاني (قرأت الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ص) (افترقت بنو إسرائيل إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى إثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمّتي إلى ثلاثةٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة واحدة ..... والغريب أن كل فرقة تدّعي أنها هي وحدها الناجية وقد جاء في ذيل الحديث: (قالوا من هم يا رسول الله؟ قال من هم على ما أنا عليه وأصحابي) فهل هناك فرقة إلاّ وهي متمسّكة بالكتاب والسنة، وهل هناك فرقة إسلامية تدّعي غير هذا؟ فلو سئل الإمام مالك أو أبوحنيفة أو الإمام الشافعي أو أحمد بن حنبل فهل يدّعي أي واحد منهم إلا التمسك بالقرآن والسنّة الصحيحة؟ فهذه المذاهب السنية وإذا أضفنا إليها الفرق الشيعية التي كنت اعتقد بفاسدها وانحرافها، فها هي الاخرى تدّعي أيضاً أنها متمسّكة بالقرآن والسنّة الصحيحة المنقولة عن أهل البيت الطاهرين، وأهل البيت أدرى بما فيه كما يقولون. فهل يمكن أن يكون كلهم على حق كما يدّعون؟ وهذا غير ممكن لأنّ الحديث الشريف يفيد العكس، اللهمّ إلاّ إذا كان الحديث موضوع، مكذوب، وهذا لا سبيل إليه لأن الحديث متواتر عند السنّة والشيعة، أم أنّ الحديث لا معنى له ولا مدلول؟ وحاشى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ص) أن يقول شيئاً لا معنى له ولا مدلول وهو الذي لا ينطق عن الهوى وكل أحاديثه حكمة وعبر. إذا لم يبق أمامنا إلاّ الإعتراف بأن هناك فرقة واحدة على الحق وما بقي فهو باطل)، أقول:
1 بالنسبة لاختلاف الأئمة الأربعة فهو ليس أختلافاً في أصول الدين فهم متفقون على ذلك ولكن اختلافهم هو في فروع الدين وذلك راجع لأسباب منها تفاوت فهمهم للنصوص الحديثية إضافة إلى وجودهم في أزمان متفرقة فأبو حنيفة توفي سنة (150) ه ومالك توفي سنة (179) ه والشافعي توفي سنة (204) ه وأحمد توفي سنة (241) ه وكل منهم كان يفتي بحسب ما يصله من نصوص، لذلك كان أبو حنيفة من أكثر الأئمة فتوى لقربه من عهد الصحابة وقلة توفر الأحاديث، أما أحمد فكان غالب فتواه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتقادم زمانه ووصول الأحاديث إليه بعكس الباقين، ومن هنا كان اختلاف الفتوى بينهم، لذلك كان كل واحد منهم يشدد على الرجوع للحديث ويدعو اتباعه لذلك، والافتراق الذي يشير إليه الحديث هو في الأصول وليس في الفروع.
2 الفرقة الوحيد المتمسكة بالكتاب والسنة هي فرقة أهل السنة والجماعة، لان الحديث يقول (ما أنا عليه وأصحابي) ولا توجد فرقة متمسكة بما كان عليه، إلا أهل السنة ولهذا السبب بالذات يفتح الرافضة النار على أهل السنة، وكتاب التيجاني نفسه من أوله إلى آخره طعن في الصحابة، وهجوم على أهل السنة بسبب توليهم للصحابة، فبالطبع والحال كذلك أن يكون الرافضة من أبعد الناس عن الفرقة الناجية!؟
تحريفه لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... واسمحوا لي أن أروي لكم قصّة ذلك الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله بحضرته وبحضرة أصحابه بدون حياء ولا خجل، ولمّا قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه، ونهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ص) ومنعهم وقال (دعوة ولا تزرموه وهريقوا على بوله دَلْوا من الماء، إنّما بعثتم لتيسروا لا لتعسروا، لتبشّروا لا لتنفّروا) وما كان من الصحابة إلاّ أن امتثلوا أمره، ونادى رسول الله الأعرابي وأجلسه إلى جانبه ورحّب به ولاطفه وأفهمه أن ذلك المكان هو بيت الله ولا يمكن تنجيسه فأسلم الأعرابي ولم يّر بعد ذلك إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله { ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك }).
فأقول: الحديث لم يرو بهذا اللفظ مطلقاً وإنما بألفاظ متقاربة فرواه البخاري عن أبي هريرة قال (قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجْلاً من ماء، أو ذنوباً من ماءٍ، فإنَّما بعثُم ميسِّرين، لم تبعثوا معسِّرين)، ولكن التيجاني أراد أن يخفف عن بعض جروحه النفسية تجاه الصحابة فحرّف الرواية وقال (ولما قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه)!؟ مع أن كل الروايات تخالف هذا الكذب فقد جاءت هذه الجملة بعدة سياقات مثل (قام عليه بعض الناس)، (صاح به الناس)، (فاسرع الناس إليه)، (فتناوله الناس)، (فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مَهْ مَهْ)، ولكن هذه الروايات لم تعجب التيجاني فعمد لتحريف سياق الحديث ليثبت أن الصحابة أغلاظ ليس همهم سوى القتل والفتك بالناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.(13/327)
ثم يهذي فيقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاطف الأعرابي فأسلم (!!) ولم ير بعد إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها! سبحان الله وهل الأعرابي كافر حتى يسلم؟! جاء في رواية أبي داود عن أبي هريرة (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لقد تحجَّرت واسِعاً. ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسّرين، صُبُّوا عليه سجْلاً من ماء، أو قال ذنوباً من ماء)، وفي رواية لأحمد زاد فيها (فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما بُنيَ هذا البيت لذكر الله والصلاة، وإنّه لا يبال فيه، ثم دعا بسجل من ماء فأفرغ عليه، قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه: فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأبي هو وامي فلم يسب ولم يؤنب ولم يضرب)، فكيف يدّعي التيجاني أنه أسلم؟!؟ ومن أين عرف أن الأعرابي أصبح يأتي المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها؟! يا الله ويقولون دكتور!
طعنه بعبد الله بن عمر والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... أو عن عبد الله بن عمر وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية يعني هذا الحديث أن عبد الله بن عمر جعل الإمام علي من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة. فأين عبد الله بن عمر من الحقائق التي ذكرها أعلام الأمة وأئمتها بأنه لم يرد في أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي بن أبي طالب، وهل أن عبد الله بن عمر لم يسمع بفضيلة واحدة لعلي؟ بلى والله لقد سمع ووعى ولكنّ السياسة وما أدراك ما السياسة فهي تقلب الحقائق وتصنع الاعاجيب)(14). فأقول:
1 التيجاني يشنّع على الصحابي ابن عمر لمجرد روايته هذه الرواية التي اعتبرها طعناً في عليّ، ولم ينتبه لنفسه وهو يحرّف أحاديث ويحلل اخرى! لمجرد أنها تمدح بعض الصحابة، ولا شك انّ هدفه نبيل وقصده شريف، أما الصحابي ابن عمر فقصده الطعن في عليّ ووضع أحاديث مكذوبة في فضائل أبي بكر فمرحى بالضلالة!
2 لم يقصد ابن عمر أبداً الطعن في عليّ أو جعله بدون فضيلة ولكنه في الحديث المذكورة قيّده (الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال (إنكم لتعلمون أنّا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، يعني في الخلافة) وكذا في أصل الحديث. ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يكون أولى الناس بهذا الأمر؟ فنقول أبو بكر ثم عمر)(15)، وإلا إذا كان لا يرى له فضيلة فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)(16)، إضافة إلى ما أخرجه البخاري عن سعد بن عبيدة قال (جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله أنف، ثم سأله عن عليّ فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجْهَد عَلَيَّ جّهْدك)(17)، ووقع في رواية عطاء المذكورة (قال: فقال الرجل: فإني أبغضه، فقال له ابن عمر: أبغضك الله تعالى)(18)! وقول عمر أن بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أي أحسنها بناء(19)، فهل مثل هذه الروايات تدل على أن ابن عمر لا يرى الفضائل لعلي؟! ولكن التيجاني لا ينظر إلا بعين واحدة فلا يرى إلا المطاعن!
3 وللتدليل على فضل ابن عمر ومكانته وتقواه فقد ذكره محدث الإمامية عباسي القمي في كتابه الكنى والألقاب معرّفاً به فقال (عبد الله ابن عمر صحابي معروف قال ابن عبد البر في الاستيعاب كان (رض) أي رضي الله عنه! من أهل الورع والعلم وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه وكل ما يأخذ به نفسه، وكان بعد موته مولعاً بالحج وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجه حفصة بنت عمر إن اخاك عبد الله رجل صالح لوكان يقوم من الليل فما ترك ابن عمر قيام الليل...)(20) ، وهذا الإمام إبن بابويه القمي يحتج بروايات ابن عمر في كتابه (الخصال)(21) مسلماً به وكذلك المحقق، فهذا هو ابن عمر في نظر الإمامية الإثني عشرية!؟
ادعاؤه استبدال الصحابة المنقلبين بالصحابة الشاكرين والرد عليه في ذلك:(13/328)
يقول التيجاني (وأبدلت الصحابة المنقلبين على أعقابهم أمثال معاوية وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وعكرمة وكعب الأحبار وغيرهم بالصحابة الشاكرين الذين لم ينقضوا عهد النبي أمثال عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأُبي بن كعب وغيرهم والحمد لله على هذا الإستبصار)؟؟
فأقول: ماهو ذنب معاوية حتى يصبح منقلباً على عقبيه؟ وهو الذي صالحه الحسن الإمام المعصوم وسلّمه الخلافة! وما هو ذنب عمرو بن العاص أيضاً؟ فإن كان بسبب وقوفه بجانب معاوية فهو الذي أصبح الخليفة المرشح من قبل الحسن والحسين، فما يلحق معاوية يلحق عمرو، وفي الحقيقة لست أدري ما سبب انقلاب المغيرة بن شعبة وعكرمة وكعب الأحبار؟! فإن التيجاني لم يذكر قدح في هؤلاء الثلاثة ولكن على مايبدو انه جعل من حديث الإنقلاب باباً يلقي فيه من لا يعجبه من الصحابة! ولا يذكر سبب إنقلاب هؤلاء الصحابة ليكشف حقيقة تحامله على خير الناس، وأما أبو هريرة فذنبه الوحيد أنه يروي فضائل أبو بكر وعمر، وهذا وحده كافٍ لانقلابه، وأترك للقارئ التعليق على ماسبق ليقرر بنفسه حقيقة الهداية التيجانية!
تعريف التيجاني لمصطلح أهل السنة والجماعة ب(معاوية) والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... من أطلق مصطلح أهل السنة والجماعة؟! لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلا أنهم اتفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة وذلك أن الأمة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين شيعة علي وأتباع معاوية ولما استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين سُمِّيَ ذلك العام بعام الجماعة، إذاً فالتسمية بأهل السنة والجماعة دالّة على اتباع سنة معاوية والإجتماع عليه وليست تعني اتباع سنة رسول الله)، فأقول:
السنة تعرّف باللغة: بأنها الطريقة والسيرة، وأما الجماعة فتعرّف: بأنها ضد التفرقة، فهذا هو التعريف اللغوي لمصطلح السنة والجماعة، وأما التعريف الاصطلاحي، فالسنة: هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتقاداً واقتصاداً، وقولاً وعملاً(3)، ويعرفها ابن حزم فيقول (وأهل السنة أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم)،إذن فأهل السنة هم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما معنى الجماعة الاصطلاحي: هي الجماعة المتابعة للحق والمقصود بها جماعة الصحابة، كما بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة حينما سئل عن الفرقة الناجية فقال (ما أنا عليه وأصحابي)وجاءت صريحة في الرواية الأخرى بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (هي الجماعة)، لذلك قال أبو شامة رحمه الله صلى الله عليه وسلم وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم)، فالجماعة هو اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من الحق فمن اتبعها فهو على الحق ولو كان وحده لذلك قال ابن مسعود (... إن الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك)، إذن فالسنة : هي اتباع الكتاب والسنة والجماعة: هي ماأجمع عليه الصحابة (فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة) فهذا هو تعريف أهل السنة لمصطلح أهل السنة والجماعة، فادعاء التيجاني أن السنة المتبعة هي سنة معاوية التي سنّها لسب عليّ يدل على كذبه الفاضح وجهله الناضح!
=============
ادعاء التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة الاثني عشرية بعددهم وأسمائهم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (كيف تقلدون أئمة نصّبتهم الدولة الأموية أو الدولة العباسية لأمور سياسية وتتركون الأئمة الذين نص عليهم رسول الله بعددهم وبأسمائهم. كيف تقلدون من لم يعرف النبي حق معرفته وتتركون باب مدينة العلم ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ثم يشير بالهامش إلى البخاري وينابيع المودة)، فأقول:(13/329)
1 يشير التيجاني بتعيينه العدد إلى ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش)، والعجيب أن يستدل التيجاني بهذا الحديث الذي هو من أعظم الأدلة ضده!؟ لأنه يقصد بالأئمة الاثني عشرة أولاد عليّ، والمعلوم المتفق عليه أنه لم يصبح أحداً من هؤلاء أميراً، اللهم إلا علي بن أبي طالب، وحتى الحسن تنازل عن الإمارة لمعاوية، وبقية الانثي عشرة توفّوا قبل أن يصبح أحدٌ منهم أميراً! فكيف يجعل التيجاني من هذا الحديث دليلاً له؟ بل هو دليل لأهل السنة فإن الامراء وأولهم الخلفاء الأربعة كانوا من قريش وقد تولى غيرهم الإمارة وهم أيضاً من قريش، مثل معاوية، وعلى أقل تقدير نقول أنه لا بد أن يلي الإمارة إثنا عشر أميراً كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن من الاستحالة أن يقصد بهم الأئمة الذين يتشبث بهم الرافضة، لأنهمجميعاً توفّوا اللهم إلا آخرهم وهو محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب وهو ابن الخمس سنوات، وسيخرج في وقت معلوم كما يزعم أهل الرفض ثم لو أردنا أن نحدد العدد بإثني عشرة أميراً فهذا لا يتوافق مع اعتقاد الرافضة الذين يدعون أن أول الأئمة الاثنا عشر هو عليّ، وعلى ذلك سيصبح العدد ثلاثة عشر أميراً!؟ وليس إثني عشر وهذا ما يؤكده إمامهم الطبرسي الذي يروي في كتابه الحجة لدى الامامية (إعلام الورى بأعلام الهدى) (عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثنى عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم عليّ)(3)، ويروي عن زرارة قال (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من آل محمد اثنا عشر كلّهم محدّث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام فرسول الله وعليّ هما الوالدان)!؟ وعلى ذلك فأوصي الرافضة أن يغيّروا التسمية، فيسمّون أنفسهم الإمامية الثلاث عشرية؟؟!! بدلاً من الاثني عشرية وإلا سيصبح منهجهم بخلاف معتقدهم!؟
2 أما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نص على الأئمة وعين أسماءهم فكذب ظاهر فلم يثبت ذلك بدليل صحيح، أما عزوه إلى ينابيع المودة فهذا كتاب للرافضة وهو ليس حجة عندنا لأن الرافضة يأتون بأدلة ما أنزل الله بها من سلطان، فيجعلونها أدلة لا تقبل الرد إضافة إلى أنه يلزم من تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعددهم من طرق أهل السنة أن يعين أسماءهم أيضاً، وكتب أهل السنة منتشرة فاتونا بدليل واحد يعين هذه الأسماء، فإن لم تجدوا فاعلموا أن هذه الدعوى باطلة ثم أقول أنتم أيها الشيعة مختلفون في تعيين أسماء الأئمة فقسم منكم يجعلونها في أولاد الحسين إلى جعفر، ثم ينقسمون ففرقة تجعل الإمامة في موسى بن جعفر وهي الإمامية وفرقة تنقل الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر وهي الاسماعيلية، وفرقة أخرى تجعلها في محمد بن الحنيفية وهلم جرا، ويكفي القارئ الرجوع إلى كتاب (فرق الشيعة) للنوبختي ليعلم مدى تخبّطهم في ذلك، فادعاء التيجاني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة بأسمائهم حجة متهافته.
ادعاء التيجاني بأن الصحابة قتلوا علياً والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (فإذا كان اصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد بإسمه)!؟
فأقول: هل يوجد كتاب يذكر بأن الصحابة قتلوا علياً؟! سبحان الله كيف يصل الجهل بأصحابه إلى أن يخالفوا الواقع والتاريخ، المعروف عند الشيعة والسنة أن الذين قتلوا علياً هم طائفة الخوارج وعلى يد ابن ملجم، فهل الخوارج أصبحوا جزء من الصحابة في نظر التيجاني؟! أما قوله بأنهم منعوا أن يتسمى أحد باسمه فمن أكثر أقواله طرباً، ولا أستطيع القول تعليقاً على ذلك إلا طلب السلامة من الهداية التيجانية المزعومة!!(13/330)
تحريفه لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيان ذلك: يقول التيجاني (وإذا كان بعض الصحابة الأولين غير ثقات في نقل الأحاديث النبوية الشريفة فيبطلون منها ما لا يتماشى وأهواءهم وخصوصاً إذا كانت هذه الأحاديث من الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ص) عند وفاته فقد اخرج البخاري ومسلم بأن رسول الله أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب اجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ... ثم يقول الراوي: ونسيت الثالثة، فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصية الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف على بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي)، فأقول:
1 هذا الحديث هو جزء من الحديث الذي يسميه التيجاني رزية يوم الخميس، ونقْل هذا الجزء هنا وعدم ذكره في البحث المذكور يظهر بوضوح تلاعب هذا التيجاني بالحديث إذ أن هذا الجزء المذكور هنا يبين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يطرد الصحابة من عنده، والأهم من ذلك أنه أوصى الصحابة بهذه الوصايا بعدما توقف عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، وهذا من أوضح الدلائل على أن الكتاب الذي أراد كتابته ليس على سبيل الإلزام، إنما على سبيل الاختيار وهو موافق لرأي عمر.
2 القائل (ونسيت الثالثة) هو سعيد بن جبير، وفي رواية (وسكت عن الثالثة أو قالها فانسيتها)، والساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير وهو ليس من الصحابة كما هو معلوم فقوله (فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة) لا تدل إلا على جهله لأن الصحابة لم ينسوا الحديث إنما الذي روى الحديث عن الصحابة هو الذي نسيها فكيف يحمِّل الصحابة مسؤولية نسيان أحد الرواة لجزء من الحديث، ثم لو فرضنا أن أحداً من الصحابة نسي جزءاً من الحديث أو حتى حديثاً فهل هذا أمر مستغرب؟ فالصحابي مثل أي إنسان يتذكّر الامر وينساه، وليس هو في عصمة من ذلك، ولكن كما قلت سابقاً، العصمة التي أوقعها التيجاني على عليّ وبنيه، جعلته يظن أنّ كل خطأ أو نسيان أو حتى هفوة تقع من صحابي على أنها جريمة وقدح، فنسأل الله النقمة لعقدة العصمة لدى الرافضة!
ادعاء التيجاني بأن اختلاف الأئمة الأربعة يدل على مخالفتهم للقرآن والسنة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (وبما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله ولا من عند رسوله لأن الرسول لا يناقض القرآن)، أقول: لا أريد الدفاع عن الأئمة الأربعة رحمهم الله، وإظهار سبب إختلافاتهم الفقهية هنا، ولكني أريد التعليق على قوله أن اختلافات الأئمة يدل على أنها ليست من عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟ فأقول للتيجاني إذا كان الأمر كذلك فسأضطر لنقل كلام شيخ الطائفة الاثني عشرية أبو جعفر الطوسي، والذي يثبت فيه أن الاختلاف في مذهب الاثني عشرية فاق اختلاف الأئمة الأربعة أنفسهم فيقول في كتابه (عدة الأصول) ما نصّه (... وقد ذكرت ما ورد عنهم أي الأئمة عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار، وفي كتابي تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى حتى أنك لو تأملت اختلافهم في الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك)!!؟ فأهنئ التيجاني لهدايته إلى مذهب ليس من عند الله ولا من عند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حسب فهمه المتفلسف للإختلاف الفقهي.
وأخيراً الرد عليه في مبحث (هدى الحق): يذكر التيجاني في هذا المبحث قصة طويلة ملخصها أن عشيرتان تكتشفان أن أحد أفرادها تزوج امرأة من العشيرة الأخرى قد أرضعتهما مرضعة واحدة؟ فأحدث ذلك الأمر صدمة، وبحث الأهالي عن حلٍّ لهذه المصيبة، فذهبوا إلى الكثير من الفقهاء الذين أفتوهم بحرمة هذا الزواج حتى وقعوا على (العلاّمة) التيجاني، الذي حل هذا الاشكال بفتوى لعليّ بن أبي طالب زعم فيها أن علياً يحرّم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة!؟ وبعدها تعرض لمحاكمة القضاة بسبب هذه الفتوى، ثم أظهر لهم الأدلة على صدق دعواه من كتب الشيعة، ومن كتب السنة أيضاً! فحل هذه المعضلة، وخرج منها ظافراً منتصراً، ودون الخوض في صدق هذه القصة أو كذبها، أقول:(13/331)
1 اختلف فقهاء أهل السنة في عدد الرضعات التي تحرّم ذلك فقالت طائفة، التحريم بخمس رضعات وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وفتوى عائشة وعبد الله بن الزبير واسحاق وابن مسعود وعطاء وطاووس، وقسم حرّم قليل الرضاع وكثيره ولم يفرّق بينهما، وهو قول عليّ بن أبي طالب (!) وابن عباس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري والليث، وقسم يرى التحريم إلا بثلاث رضعات وهو وقل أبو ثور وأبو عبيد وداود ورواية عن وغيرهم، والصحيح إن شاء الله أنه لا يحرم الرضاع إلا فوق خمس رضعات لما ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحِّرمنَ، ثم نُسخْنَ بخمس معلومات، فتُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهُنَّ فيما يُقرأُ من القرآن)(3).
2 أما ادعاؤه أن الإمام مالك يفتي بما يلائم أهواء السلطة الحاكمة فهذا كذب فلم يأت بدليل واحد على ذلك وأنّى له ذلك، ولو قلد أحد الإمام مالك فلا يعتبر هذا قدح فيه لأنه لم يأمر أحداً بتقليده وثبت عنه أنه قال (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
3 أما ادعاؤه أن علياً يحرم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة فكذب على عليِّ، لأن الثابت أن علياً يري أن قليل الرضاع مثل كثيره في التحريم، وهذا القول الشاذ لم يقل به احد من أهل العلم إطلاقاً، ولكن الرافضة الاثني عشرية تخبّطوا في هذا تخبّطاً عجيباً، فيروي الطوسي في كتابه (تهذيب الأحكام) وهو أحد الكتب الأربعة التي تمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية روايات متناقضة فيروي جواز العشر رضعات، فعن عبيد بن زرارة قال (قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع): إنا أهل بيت كثير، فربما كان الفرح والحزن يجتمع فيه الرجال والنساء، فربما استحيت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع، وربما استحيا الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم والدم، فقلت: فما الذي يُنبت اللحم والدم؟ فقال: كان يقال: عشرُ رضعات، قلت: فهل يحرم بعشر رضعات؟ فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع)، ويروى عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) قال (لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشراً إذا كنَّ متفرقات فلا بأس)، ثم يروي أن العشر لا تحرم، بل الخمس عشر لا تحرم أيضاً، فعن أبي عبد الله قال (سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم)، ويروى عن عمر بن يزيد قال (سمعت أبا عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرم)، ثم يحاول الطوسي التوفيق بين هذه الروايات المتضاربة، فيقول (فهذه الأخبار كلّها وما في معناها، محمولة على أنه إذا كانت الرضعات متفرقات، فأما إذا كانت متوالية فإنها تحرم، وقد تضمن ذلك الخبر الذي قدمناه وهو خبر هارون بن مسلم، عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) وهو قوله لمّا ذكر العشر رضعات قال: لا بأس به إذا كنّ متفرقات، فدلّ على أنها كانت متوالية فإنها تحرّم)، فشيخ الطائفة يقرر أن العشر رضعات المتواليات تحرِّم والتيجاني يقرر أن الخمس عشرة رضعة مشبعات ومتواليات تحرِّم فانظر إلى هذا التضارب والتناقض!؟
4 أما قوله أنه فتح البخاري وفيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم من الرضعات إلا خمسة فما فوق فكذب لأن البخاري لم يرو مثل هذه الرواية إنما الذي روى مثلها هو مسلم وقد ذكر الحديث في الفقرة السابقة.
5 لقد استشهد التيجاني على صحة زواج الرجل والمرأة في هذه القضية من كتب أهل السنة كمسلم وابن رشد وفتاوي شلتوت، والتي اعتمدها القضاة، فلست أدري ما هي الحجة لشيعته في هذه الحادثة.
6 لا أكاد أصدق أنّ كل هؤلاء العلماء والقضاة لم يعرف واحداً منهم أن الأدلة الصحيحة تظهر أن دون الخمس رضعات لا تحرّم الزواج، وعلى كل حال فإن كان هناك جهل يعتري كل هؤلاء الناس! فالسبب بسيط وهو ابتعادهم عن منهج أهل السنة والجماعة الذي يوجب اتباع الكتاب والسنة، وليس التقليد المذموم، وهو المنهج الذي استدل به التيجاني على صدق دعواه عندما استشهد بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأي عيب أو قدح يصيب أهل السنة بعد ذلك؟!
=====================
الرد على شبهات الشيعة في رسالة أرسلتها أحد الأخوات المسلمات
التاريخ: 2-5-1424 هـ
الموضوع: زاوية خاصة بالمجاهد تشمل كافة المواضيع
أولاً رسالة الأخت (( بنت الإسلام ))
بالبحث لا بالوراثة(13/332)
قد يرث الإنسان مالا أو بيتا ولكنه لا يرث دينا أو عقيدة فالدين والعقيدة لابد أن يكونا بالبحث والدليل حتى ولو كان الفرد يؤمن بمعتقده فالبحث لن يزيده إلا تمسكا ويقينا ، فمن هذا كان مبدأي الذي دعاني إلى البحث ليس في معتقدي فحسب وإنما في معتقدات غيري أيضا ، صرت أبحث في معتقدي كي ازداد يقينا وأبحث في غيره كي أعرف من حولي و حتى لا نصبح ككفار قريش عندما حذروا الناس من الاستماع والحديث إلى الرسول بحجة إن له سحرا يسحر الناس كي يدخلوا في دينه .
فلست ممن يصدق التهم التي تنسب لغيرنا من المعتقدات لمجرد التكذيب فقط وإنما الدليل هو الحجة والبرهان ، فماذا سنخسر لو بحثنا وناقشنا واستدللنا فمن كانت الحجة معه لا أظنه يتهرب من النقاش والحوار وإقامة مناظرات لبيان الحق والحقيقة. فليس كل من قام بالهجوم على غيره واتهامه بتهم لا بداية ولا نهاية لها يكون على حق وليس هذا هو الأسلوب الأمثل لحل مثل هذه المواضيع وكما قلت إن الدليل هو الفاصل بين كل هذه النزاعات .
وقد قمت مؤخرا بقراءة بعض المقالات المنشورة في موقعكم والذي أسعدني حقيقة أن أكون عضوة فيه اتهامات لمذهب الرافضه ولكي أكون منصفة وبعد بحثي الشخصي في مذهبهم وجدت أن بعضا منها لاوجود له ليس معنا كلامي أنني أشجعهم ولكن الإنصاف مطلوب ، وبعد بحثي المستفيض في كتبنا الموثقة من صحاح وتاريخ اتضحت لي أشياء كثيرة كانت تتخذ الغموض سترا لها مما جعلني استفيض في بحثي عن المذهب الجعفري في صحاحنا طبعا ، ومما وجدت فيه أشياء وددت لو أني أناقشها أو أن يثبت لي أحد عدم صدقها : أولا : في الصواعق المحرقة لابن حجر الباب 11 الفصل الأول الآية الحادية عشر.
عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه و سلم ) لعلي : " هم أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي عدوك غضابا مقمحين " فكيف نفسر خروج عائشة زوجة النبي ضد الخليفة علي في واقعة الجمل وتحريضها المسلمين على قتاله . ثانيا : قول الرسول (صلى الله عليه و سلم ) : "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" صحيح الترمذي ج5 ص633 حديث 3713
وكذلك رواه ابن ماجه في سننه ج1 ص45 حديث 121 فكيف نفسر خروج المسلمين على وليهم الذي نصبه الرسول لهم قبل وفاته أو ليس للولاية حق الطاعة الذي قرنه الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه و سلم ) بولايته فمن هو علي بن أبي طالب حتى يقارن النبي ويربط بين ولايته وولاية علي . ألا يدعونا هذا للتفكر قليلا.
في الحقيقة قد لا أرغب في إطالة الحديث ولكن أطلب منكم الوقوف والتفكر قليلا والبحث ولا يبقى لنا أخيرا إلا الدليل واني حقا أرغب في حوار ونقاش علمي يستند على حقائق علميه لا اتهامات غوغائيه ولا ننسى الإنصاف حتى ولو لم يكن لصالحنا أو لمعتقدنا.
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
أختي المسلمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد :-
رداً على رسالتك والتي وصلتني بتاريخ 6-10-2001م والتي تأخرت حقيقة بالرد عليها.. وسبب ذلك يعود إلى انشغالي في بعض الأمور فأرجو المعذرة .
• بداية أرحب بك أن تكوني عضوة في موقعنا المتواضع والذي أسئله سبحانه أن يجعل فيه الخير الكثير بما ينفع الإسلام والمسلمين .
أختي المسلمة أخالف قولك بإطلاقه على((( أن الإنسان قد يرث مالاً ولكن لا يرث ديناً وعقيدة، فالدين والعقيدة لابد أن يكون بالبحث والدليل ))).
فإذا كان الأمر كذلك إذا لكان لكل إنسان أن يأخذ دينه وحياً من ربه ولا حاجة إذا أن يبعث الله الأنبياء والرسل، الصحيح نأخذ ديننا وراثة وبالتتالي بسلسلة من الرجال الموثوقين العدول حتى ينتهي الأمر بالصحابة، الذين تلقوا الدين والعلم، من فم خير البرية أجمعين المصطفى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين الذي أخذ هذا الدين وحياً من رب العالمين وذلك بقوله تعالى:* " وأنه لتنزيل رب العالمين " نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين الشعراء 192-194 .
وحجتي في هذا قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب " الآية الأعراف 169
وكذلك قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني في الجامع للسيوطي .(13/333)
نعم أوافقك القول أن كان القصد بذلك أننا لا نأخذ بكل ما يفعله آبائنا من العادات والتقاليد والتي ألصقوها بالدين وهي مخالفة له فهذا ما أنكره الله على كفار قريش عندما بعث الله نبيه ورسوله إليهم قال تعالى: " بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإن على آشرهم مهدون " الزخرف 22"
فديننا دين الإسلام الذي ارتضاه الله لنا حيث قال جل وعلا ان الدين عند الله الإسلام آل عمران ".ومن أراد ان يبتغي غير دين الإسلام فهو من الخاسرين ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران 85
ودين الإسلام هو الأصل وهو حقيقة الأمر الذي يبني على خمس أركان الشهادتين وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً وهذا هو المحكم في كتاب الله والذي لا يقبل إسلام أحد إلا الإقرار بهن وهذا ما أخذ الله به الميثاق على بني إسرائيل فكذبوا وتولوا حيث قال جل وعلا " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في الثوراة والإنجيل بأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " الإسراف 157 .فأهل الكتاب من يهود ونصارى يعملون هذا على حقيقته ولكن جحدوا وكفروا بعد ما جاءهم البينات بغيابهم فقال تعالى عنهم " قد نعلم إنه ليعجزنك الذين يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " الأنعام 33 وخلاصه القول نحن أصحاب الحق لأن ديننا دين الحق والبحث في دينا نعلم ما عقائد غيرنا وليس بكتبهم وهذا ما حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغضب عندما رأى عمر بن الخطاب حاملاً لبعض صفحات من الثوراة يقرأ بها قال له " أمتهوكون أنتم يا عمر لو أن موسى بن عمران حياً ما كان بوسعه إلا أن يتبعني " ولا يجوز لنا بقراءة كتبهم والبحث فيها إلا بإقامة الحجة عليهم من خلالها وكذلك عقائد الآخرين الذين انتسبوا لهذا الدين لتخضع تحت البحث والدليل ترد قياساً على العقيدة الصحيحة وهي العقيدة الأم فإن وافقتها فهي منها وإن خالفها فهي مردودة على أصحابها والعقيدة الصحيحة الذي أخذناها بالتلقي من الثقاة من الرجال العدول أصحاب الصنعة الذي بهم حفظ الله هذا الدين لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها " رواه أبو داود والحاكم والبيهيقي عن أبي هريرة وهو صحيح انظر الجامع لليوطي فتعلوا لنا هذه العقيدة بالتلقي حتى انتهى الأمر بالصحابة الذين تلقوا العقيدة الصحيحة من المصطفي وتتأهل العقيدة الصحيحة ببعض الأمور نذكر منها .
1. توحيد الربوبية : الاعتقادات الله سبحانه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومسميتهم .
2. توحيد الألوهية : أفراد الله بسائر العبادات المشروعة والتي لا تصرف لا لنبي مرسل ولا ملك مقرب فضلاً من غيرهما ومجمله أنه ولا معبود بحق إلا الله .
3. توحيد الأسماء والصفات : وهو الإيمان بكل ما ورد في القرآن والسنة والحديث الصحيح من صفات الله تعالى والتي وصف بها نفسه ووصفه بها رسول الله كل الحقيقة من غير تأويل وتكييف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تفويض كالاستوار والنزول واليد والمجيء وغيرهما من الصفات .
ويدرج على هذا المنهج الأخذ بالسنة كما نأخذ بالقرآن لقوله تعالى " من يطع الرسول فقد أطاع الله وقوله تعالى إن كنتم كنتم تحبون الله فأتبعوني يحبكم الله " ونأخذ بما جاء من سنة الخلفاء الراشدين المهدين لقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي " الترمذي باسناد صحيح(13/334)
ومن العقيدة الصحيحة الأشراف بجميع الصحابة من غير تفريق بينهما وإن كان بعضهم يفضل بعضا ولكنهم كلهم عدول ورتبتهم اسمى مراتب العدالة والتوثيق ونقصد بالصحابي تعريف الذي لقي صلى الله عليه وسلم بعد بعثته قبل موته مؤمناً ومات على ذلك ومن العقيدة الصحيحة عدم التعصب لمذهب معين أو فقيه في بعض الأفرع الفقهية وهذا ما أوصى به أئمة المذاهب الأربعة أبو حنيفة وأحمد والشافعي والأمام مالك فقالوا " إنما نحن بشر نصيب ونخطأ فإذا قلنا قولاً وافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم فخذوه وإن خالفه فالقول قول الرسول وهو قولنا وقالوا : " إذا صح الحديث فهو مذهبنا " إذا بيننا وبين من خالفنا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما الاصلان والنبعان الصافيان وما دونهما يخضعان بالبحث والدليل ومن خالف هذه العقيدة الصحيحة فهو تحت وعيد الله بما جاء من قوله سبحانه " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً " النساء215 وسبيل المؤمنين هي طريق الصحابة لقوله عليه صلاة والسلام عندما سؤل عن الطائفة الناجية أو الجماعة قال ما أنا عليه وأصحابي أختي المسلمة قبل الانتقال إلى صلب الموضوع لي نصيحة أقدمها لك وهي أنك لوحدك بمجرد القراءة في بعض الكتب قد يلبس عليك أقوال بعض الذين يلحنون في كتاباتهم بتحريمهم وتزويرهم لبعض الحقائق فتعتقدين أن ذلك هو الحق فتعتقدي عند ذلك كل البعد عن الصواب وطريقة وتقعي في طريق التهلكة فإنه قياساً على قولي هذا فإن الله قد حذر عباده المؤمنين من فريق من أهل الكتاب وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه لتغطية الحقائق ومقصدهم بذلك اضلال الناس عن الحقيقة حيث قال جل وعلا محذراً " وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " 78/ آل عمران وكذلك هذا ما صرح به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم محذراً بقوله " إن أخوف ما أخاف على أحقي كل منافق عليم اللسان " وكذلك حذر أهل العلم بنحو من هذا قالوا " من كان شيخه كتابه غلب خطأه صوابه ، أي وجب الرجوع إلى أهل الصنعة والخبرة بذلك والآن نأتي إلى صلب الموضوع .
أولاً : نسبة لتفسير الآية من قوله تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " وما ذكرته من الحديث بخصوص تفسيرها استناداً إلى أدلة صاحب كتاب الصواعق المحرقة باستناده إلى الحافظ جمال الدين الذرندي لا أعلم أحد من أهل العلم صححه وإذا ثبت لنا صحته فالقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولنا وقد ذكر هذا الحديث أيضاً الطبري مختصراً وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعلي " هو أنت وشيعتك " أما كبار علماء المفسرين أمثال ابن كثير والقرطبي وغيرهم فسروا هذه الآية بقولهم " الأبرار الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بأبدانهم بأنهم خير البرية ونقول قولاً لأبي هريرة أن المؤمنين من البرية أفضل من بعض الملائكة استدلالاً بهذه الآية لعموم الخلق الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعلى رأسهم خير البرية من أنبياء ورسل بتقدمهم حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم فهم خير البرية على الإطلاق .(13/335)
والحديث الذي ذكرتيه مختصراً عن الذي أورده صاحب كتاب الصواعق المحرقة لظني أنك لم تأخذيه من هذا الكتاب بل قرأتيه عن بعض كتب الشيعة فذكروا جانب من الحديث الذي يريدون وأخفوا ما يدينهم وإن صدق ظني بذلك يكونوا قد تأسوا بأهل الكتاب عندما حرفوا الكلم عن مواضعه وأظهروا بذلك الذي يريدون وأخفوا ما يريدون ستره يريدون بذلك التلبيس على عوام الناس أنهم يدينوننا بشهادة كتبنا فالله يحول بينهم وبين ما يشتهون وها أنا أبين لك الحديث بطولة والله من وراء القصد يقول الحديث هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضيت مرضيت ويأتي عدوك غضابا مقموحين " قال : ومن عدوى قال من تبرأ منك ولعنك " وفي رواية أخرى " يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة " وإن قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغرون الأسلام ثم يلفظونه يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية لهم لهم بنز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فقاتلهم انهم مشركون " قال الدار ارقطني لهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ثم أخرج حديثا عن أم سلمة رضي الله عنها " قالت : كانت ليلتي وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي فأتته فاطمة فتبعها علي رضي الله عنهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا علي أنت وأصحابك في الجنة وأنت وشيعتك في الجنة إلا انه ممن بحبك أقوام يصغرون الاسلام يلفظونه يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم لهم نبذ يق4ال لهم الرافضة فجاهدوهم ، فانهم مشركون قالوا يا رسول الله ما العلاقة فيهم قال : لا يشهدون جمعة ولا جماعة ويطعنون في السلف " افهمي أختي المسلمة قد وقعت في زلل كبير واسال الله لنا ولك العفو والمغفرة حيث عقبتي الحديث بقولك ما تفسرون خروج عائشة على علي أولا دون أن تذكروا الرضا عليهم اجمعين ثانيا زعمت أن عائشة رضي الله عنها حرضت الناس للخروج على علي رضي الله عنه فهذا بهتان عظيم فبتعقيبك بذكر عائشة بعد الحديث وكأنك نصبتيها إنها هي العدو الأول لعلي ومن نهجوا منهجها وأنها ومن معها يأتون قوم القيامة غضابا مقموحين هذا ما فهمته ضمنا من تفسيرك للحديث .
أختي المسلمة أسألك بالله هل يكون من العدل والانصاف ان يقال هذا بحق زوجة خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وهم أم المؤمنين بما نصه الله في محكم كتابه العزيز " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " الأحزاب آية 6
عائشة رضي الله عنها التي نالت شرفا بتزويج الله لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيحاء منه سبحانه لرسوله وهل يرضى الله لخير خلقه وأفضل رسله إلا الطيب لان الله سبحانه تعالى طيب ولا يقبل لنبيه ورسوله إلا الطيب فقالت رضي الله عنهما فيما تروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيتك في المنام قبل أن أتزوجك مرتين رأيت الملك يحمل في سرقة من حرير فقلت له أكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت أن يكون هنا من عند الله يمضه رواه البخاري ومسلم وهما أصح كتابان بعد القرآن وكذلك رواه الترمذي وأحمد والملك قال الحافظ بن حجر في فتح الباري هو جبريل .
والشاهد لنا في هذا الحديث " ان يك هذا من عند الله يمضه " فهل أمضاه الله أم لا ؟!
إذا رؤيا الأنبياء حق وقد شاء جل وعلا أن تكون عائشة رضي الله عنها زوجة نبي في الدنيا والاخرة والتي هي احب زوجاته اليه حيث اجاب بهذا عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي الناس احب اليك قال عائشة " رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اسية امراة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة عن النساء كفضل الشريد على باقي الطعام " رواه البخاري عائشة رضي الله عنها هي الوحيدة من نسائه صلى الله عليه وسلم التي شرفها الله بنزول الوحي على الرسول في هجرتها لقوله عليه الصلاة السلام " يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فانه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امراة منكن غيرها " رواه البخاري .
عائشة رضي الله عنها هي الوحيدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم التي خطيت برعايته عليه الصلاة والسلام وهو مريض حيث لم يمرض إلا في بيتها .
عائشة رضي الله عنها التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأته في حجرها ودفن في حجرتها .
عائشة رضي الله عنها والتي هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وذكر الحديث بلسان عمار بن ياسر بحضرة الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين حيث قال عن عائشة " والله إنها لزوجة بينكم في الدنيا والآخرة " رواه البخاري وسنرد الحديث بأكمل مني حينه أن شاء الله .
عائشة رضي الله عنها والتي ذكرت وكأنها عدوة لعلي رضي الله عنه قالت راحم الله عليها رضي الله عنه انه كان من كلامه لا يرى شيئا يعجبه الا قال صدق الله ورسوله فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث " رواه أحمد.(13/336)
وهذه الأحاديث عن مناقب عائشة رضي الله عنها غيض من فيض فإذا ردت المزيد انظري الى الصحاح البخاري وسلم ويجزهما من كتب السنن عن مناقب عائشة رضي الله عنها فتجدي المزيد .
أختي المسلمة ورغم تحذير العلماء من ذكر الفتنة التي كانت بين عائشة وعلي ومعاوية رضي الله نهم وسبب التحذير لئلا يحمل أحد الجهلاء في نفسه حقدا أو غضبا على أحد الصحابة فيؤدي به ذلك الى التهلكة رغم ذلك سأذكر لك عن بعض ما حصل بين عائشة وعلي رضي الله عنهما وحتى يمتلأ قلبك إيمانا بالله ورسوله وحبا للصحابة أجمعين دون التغريق بينهم مع ثقتي الكاملة بك أنك على هذا المنهج ولا أزكيكي على الله .
عائشة رضي الله عنها التي من اللله عليها بأنها أكثر النساء العالمين راوية الأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكثر القوم بعد أبوهريرة رضي الله عنه والذي قال في حقها أبو موسى الأشعري ما اختلف في شيء ( أي انه ما من احر فقهي يختلف عليه بين الصحابة إلا ودنا حلة عند عائشة رضي الله عنها .
عائشة رضي الله عنها لاتي زكاها ابن عباس حبر هذه الأمة عندما دخل عليها وهي في فراش الموت قال لها مهونا عليها ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمدا أو الأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد كننت أحب نساء رسول الله إلى رسول الله ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا وسقطت فلا ذلك فاصبح رسول الله وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله _ فتيمموا صعيدا طيبا ) فكان ذلك في سبيل الله وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء به الروح الأمين فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا يثلى فيه إناء الليل وإناء النهار فقالت يا ابن عباس إليك عني والذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا " انه لما عثمان رضي الله عنه جاء الناس يهرعون الى علي رضي الله عنه فقالوا له نبايعك فمد يدك فلا بد من أمير لملك زمام الأمر واقامه حد الله في قتلة عثمان فقال علي ليس ذلك إليكم إنما ذلك الى اهل بدر فمن رضي به اهل بدر فهو خليفة فلم يب أحد من اهل بدر إلا أتى عليا فقالوا ما نرى أحدا أحق بها منك مد يدك نبايعك فبايعوه وجاء علي بعد بيعته إلى إمرأة عثمان فقال لها من قتل عثمان قالت لا أدري دخل عليه رجلان لا أعرفهما فلم يتبين لعلي رضي الله عنه من هم القتلة فترك القصاص حتى تبين من هم القتلة وقال ابن سعد وكانت مبايعة على الخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة ويقال إن طلحة والزبير بايعا كارهين غير طائفين والصحيح كما روي المغيرة عن لأشقر قال رأيت طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين ولما رأى طلحة والزبير أن عليا لم يأخذ القصاص من قتلة عثمان أستاذا عليا في العمرة ثم خرج إلى مكة فلقيا عائشة رضي الله عنها فأخبروها بمقتل عثمان واتفقوا معها بالمطالبة بدم عثمان حتى يقتلوا قتله فأجتمع رأيهم على التوجه الى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه جمع الناس وقال لهم أتدرون بمن بليت ؟ أطوع الناس في الناس عائشة ، واشد الناس الزبير وأدهى الناس طلحة وأيسر الناس بعلي بن أمية " هذا قول علي فيهم رضي الله عنه أجمعين فما ظننا تحت وتنجرا بخوض الحديث والتشرق بالقول عنهم " .
فعندها بعث علي عمارا ولحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمارا فقال وفي رواية فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن قال عمار : أن عائشة قد سارت الى البصرة ، والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي " قال الحافظ بن حجر في الفتح فلعل عمارا سمع من المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث والذي رواه ابن حبان من طريق سعيد بن كثير عن أبيه قال حدثتنا عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة .
وقوله ليعلم إياه تطيعون أم هي أي المراد طاعة الله أي اتباع حكمه الشرعي وهو بالسمع والطاعة للأمام وعدم الخروج عليهوتابع ابن حجر قوله وكان عذر عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير أن مرادهم ايقاع الاصلاح بين الناس والفتنة التي حدثت بمقتل عثمان وأخذ القصاص من قتلته ويؤيد هذا أن عائشة رضي الله عنها لما أقبلت بلغت مياه بني ليلا نبحت الكلاب قالت أي ماء هذا قالوا ماء الحواب قالت : ما أظنني ألا وأنا راجعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا دوأيتكن تنتج عليها الكلاب الحواب فقال لها الزبير ترجعيت _( وهو متعجب ) عسى الله عز وجل أن يصلح بك الناس وفي رواية فقال بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم " روه أحمد وأبو هيلي وابن حيان وصحيحه الألباني .(13/337)
وقال الحافظ في الفتح في بيان قصة أصحاب الجمل ( 8/128 ) ومحصلها ان عثمان لما قتل وبويع علي الخلافة خرج طلحة والزبير الى مكة فوجدوا عائشة وكانت قد حجت فاجتمع رأيهم على التوجه الى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فخرج اليهم فكانت وقعة الجمل ونسبت الى الجمل الذي كانت عائشة ركبته وهي في هودجها تدعو الناس للإصلاح ونقل أيضاعن ابن بطال عن المهلب ان مذهب ابي بكرة وهو صحابي جليل انه كان على رأي عائشة رضي الله عنها في طلب الاصلاح بين الناي ولم يكن قصدهم القتال ولكن لما انتشيت الحرب لم يكن لمن معها من بدون المقاتلة وقال أيضا ويدل ذلك ان أحدا لم ينقل ان عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ولا دعوا الى احد منهم ليولوه الخلافة وامنا انكرت هي ومن معها على علي منعه من قتله عثمان وترك الاقتصاص لامنهم " وهذا ما كان لخروج عائشة رضي الله عنها من هدفها الاصلاح واخذ بدم عثمان من قتلتها وتابع ابن حجر قوله وكان علي رضي الله عنه ينظر من أولياء عثمان ان يتحاكموا اليه فاذا بت على احد بعينه انه فمن قتل عثمان اقتص منه فاختلفوا بحسب ذلك وخشي القتل خافوا لو ان عائشة رضي الله عنها وعلي رضي الله عنه اصطلحوا على امر واحد وهو البحث عن القتلة ؟ والتحري عنهم ومعرفتهم لادى ذلك الى قتلهم فحقي لا يكون ذلك الامر قام القتلة بإشعال فتيل الحرب ) فانشبوا فتيل الحرب فكان ما كان انظري فتح الباري تفسير صحيح البخاري (13/56 ) وقال الألباني وجوانبا على ذلك ولا نشك ان الخروج ام المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع حيث علمت بتحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عند الجواب ولكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله " عسى الله ان يصلح بك بين الناس " ولا نشك انه كان مخطئا في ذلك ولا نشك انه كان مخطئا في ذلك أيضا .
وتابع الألباني قوله ولا شك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة وتبينت من خطئها انها ندمت على خروجها وذلك هو اللائق بفضلها وكما لها " وهذه بشهادة علي رضي الله عنه أطوع الناس بالناس عائشة " وذلك مما يدل على أن خطئها من الخطأ المغفور بل المأجور وقال أيضا وقد أظهرت عائشة رضي الله عنها الندم كما أخرجه ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال قالت عائشة رضي الله عنها لابن عمر يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال رأيت رجلا غلب عليك يعني ابن الزبير فقالت أما والله لو نهيتني ما خرجت " انتهى فخروج عائشة رضي الله عنها ومن معها اذن لم يكن خروجهم بقصد ولكن للاصلاح وعاهدت فهو بغير قصد والذي تسبب في ذلك خطة خبيثة خطط اليها قتلة عثمان كما أسفلنا ذكره فأوقعت القتال بين الطرفين وكان بدأ القتال ان صبيان العسكرين أي عسكر علي وعسكر عائشة رضي الله عنها تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشبت الحرب وغلب أصحاب علي رضي الله عنه فأمر علي مناديه وهذا من كرمه وأخلاقه لا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا جريحاً ولا تدخلوا دار أحد وارجع عائشة سالمة آمنة إلى بيت أهلها كيف لا وهذا ما أوصاه به حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله لعلي " أنه سيكون نبيك وبيت عائشة أمراً " قال فأنا أشفاهم يا رسول الله ، قال " ولكن إذا كان ذلك فأردوها إلى مأمنها " رواه أحمد والبزار وقال حسن انتهت الفقرة الأولى ونتحول الآن إلى الفقرة الأخرى والتي أشرت فيها لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فهذا علي مولاه والحديث وارد دون ذكر " فهذا " والحديث قال عنه الترمذي حديث حسن غريب ورواه أيضاً أحمد وابن ماجه عن البراء وأحمد عن بريدة والترمذي والنسائي والضياء عن زيد بن أرقم والحديث ليس حسن بل صحيح صححه الألباني في السلسلة الصحيحة والروض النفير والمشكاه . وله للفظ أخر رواه أحمد والنسائي والحاكم عن بريدة " من كنت وليه ، فعلي وليه " ورواه الطبراني في الصغير أيضاً .
تم تتساءلين ما تسفير خروج المسلمون على وليهم الذي نصبه الرسول لهم قبل وفاته أو ليس للولاية حق الطاعة إلى غير ذلك .(13/338)
أختي المسلمة سؤالك هذا فيه بعض التلبيس والغموض ولم تبيني حقيقة مرادك منه وإن كان ليستشف منه ما المقصود . إن كان القصد من السؤال بما أن علي مولى المؤمنين لماذا لم يبايعوه على الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كان هو المراد وأسأل الله ألا يكون كذلك وإلا فبئس ما فهمت من الحديث لما ، لأنك تزعمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب علياً مولى للمؤمنين قبل وفاته وأخذت معنى مولى أي والي أمرهم وذكرت أن الوصية كانت قبل وفاته عليه الصلاة والسلام ، فإن كان هذا المراد لقد اتهمت أشرف الخلق بعد الأنبياء والرسل بالخيانة لمخالفتهم لوصاية الرسول وعصيان أخره وهذا بالطبع لا يليق بالصحابة لأنهم تعلموا مما علمهم رسول الله من كتاب الله تعالى قوله سبحانه " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرأ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا " الأحزاب 36 ، وقوله تعالى " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " النور 51.
فالتزموا أوامر الله ورسوله وانتهوا عن نهيهما فكانوا أعبد الناس بعد الأنبياء بعد الأنبياء والرسل ولهذا امتدحهم الله بمواطن كثيرة في كتابه العزيز ومنَّ عليهم سبحانه بالمغفرة والرضوان فهل يرضى الله عن أناس عصوا رسوله وخالفوا أمره وقال لهم سبحانه " من يطع الرسول فقد أطاع الله " حاشا لله أن يكون هذا من صحابة رسول الله ولهذا منَّ الله عليهم بالرضوان والجنات بعد أن امتدحهم بقوله سبحانه " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات بجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم " التوبة 100 .
وشهد الله جل وعلا على صدق الصحابة مع الله ورسوله وهدفهم مع أنفسهم فساهم الصادقون وذلك بقوله تعالى " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " . الحشر 8
ولو أطلعت إلى تغير الحديث في تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي لتبين لك معناه والسبب في قوله عليه الصلاة والسلام لهذا الحديث فمعناه من كنت أتولاه فعلي يتولاه من الولي ضد العدو أي من كنت أحبه فعلي يحبه وهنا مداخله حيث يكون هذا في الولاء والبراء فكل من والى الله ورسوله نواليه ومن عصاهم نعاديه أما قال تعالى دويا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " الممتحنة آيه واحد وقوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " .(13/339)
ومن يقول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " المائدة آية 54 -55 . وقوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا آباءكم وأخوانكم أولياء أن تستحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فلولئك هم الظالمون " التوبة آيه 23 " إلى غيرها من آيات الولاء والبراء وقال الشافعي رحمه الله تفسيره لهذا الحديث يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لها مولى لهم " محمد آيه " وسبب الحديث كما قيل أن أسامة قال لعلي لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام " من كنت مولاة فعلي مولاه " وهذا ما ذكرناه ويندرج تحت قوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " فيدرج علي رضي الله عنه تحت كلمة آمنوا وهذا هو الولاء والبراء من الشيء تندرج تحت قوله تعالى " وأن الكافرين لا مولى لهم " وفي شرح المصابيح للقاضي أودد ما قالته الشيعة وهوات علي هو المتصرف في كل ما يستحق الرسول صلى الله عليه وسلم التصرف منه ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون أمامهم فقال الطيبي في المرقاة رداً عليهم " لا يستقيم أن تحمل الولاية على الأمانة التي هئ التصرف في أمور المؤمنين لأن المتصرف المستقل في حياته صلى الله عليه وسلم هو لا غيره فيجب أن يحمل على المحبة والحديث الثاني الذي ذكرناه بلفظ آخر يعطي هذا المعنى وهو " من كنت وليه فعلي وليه " وهذا ليس لعلي رضي الله عنه فقط وحقيقة الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى ضمنياً بالخلافة من بعده لأبي بكر الصديق وهذا ما لا تؤمن به الرافضة علماً أنه من رد حديثاً صحيحاً عن رسول الله فهو على شفي هلكة وكذلك من لم يرضى بحكم الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً " واليك بعض الأحاديث التي تشير إلى ذكره صلى الله عليه وسلم فضيلة بعض الصحابة وأولاهم بالذكر أبو بكر الصديق فقال " صلى الله عليه وسلم " لو كنت متخذاً من أخي خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي " أحمد والبخاري عن ابن عباس . انظري قوله عليه الصلاة والسلام دون ربي أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أبا البكر بالذكر من المخلوقين بعد الخالق جل وعلا انتبهي . وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي فقال أي الناس أحب إليك قال : عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها فقلت ثم من قال عمر بن الخطاب "
وروى البخاري في صحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما : كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك الصحابة لا تفاضل بينهم وفي روايه له أيضاً في أبي داود كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي : أفضل أمنه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره وفي البخاري أيضاً عن محمد بن الحنفية قلت لأبي يعني علياً رضي الله عنهما : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر فقلت ثم من قال عمر وخشيت أن يقول ثم أنت قال : ما أنا إلا واحد من المسلمين وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر : كنا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضوان الله عليهم أجمعين
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " لو كان نبي بعدي لكان عمر " رواه أحمد والترمذي والحاكم والضبلابي عقبة بن نافع .
ولقوله صلى الله عليه وسلم في حق عثمان " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " رواه البخاري ومسلم .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في علي " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي " رواه البخاري والمسلم وهكذا جاءت أحاديث كثير بفضل الصحابة وعلى رأسهم هؤلاء الصحابة العظام رضوان الله عليهم أجمعين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
إذا امتداح رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته وذكر بعض فضائلهم ومن ضمن ذلك قوله من كنت مولاه فعلي مولاه لا يعني ذلك الوصاية له بالولاية أو الخلافة من بعده بل كما ذكرت مسبقاً جاءت أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير ضمنيا إلى أنه أوصى بالخلافة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وإليك بعض تلك الأحاديث .
1. الحديث الأول في البخاري ومسلم وهما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من اعتديه " أن عمر رضي الله عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته قد بلغني أن أن فلاناً منكم يقول لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة " والحديث طويل والشاهد لنا في هذا الحديث كلمة فلتة أي عبث أي لم يكن خلافته هكذا بل بوصاية وأمر مسبق من رسول الله صلى الله عليه وسلم .(13/340)
2. الحديث الثاني : رواه النسائي وأبو يعلي والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر بن الخطاب فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر " أن يؤم الناس " وأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار ونعوذ بالله أن تتقدم أبا بكر .
3. الحديث الثالث رواه البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال : أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال : إن لم تجديني فأت أبا بكر " وفي رواية أخرى لابن عساكر عن ابن عباس قال لها إن جئت فلم تجديني فأت أبا بكر الخليفة من بعدي " .
4. الحديث الرابع أخرج أبو القاسم البغوي بن حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلاً قال الأئمة ، صدر هذا الحديث مجمع على صحته وأردمت طرق عدة أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما " .
5. الحديث الخامس رواه أحمد وحسنه وابن صاحبه والحاكم وصححه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
6. الحديث السادس روي البخاري أن البني صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في الناس أحد أمن علي في نفسي ومالي من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخه في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر " قال العلماء في هذه الحديث إثارة أيضاً إلى خلافة الصديق رضي الله عنه لأن الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدة احتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها .
7. الحديث السابع رواه الحاكم وصححه عن أنس قال بعثني بنو مصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيت فسألته فقال : إلى أبي بكر " ومن لازم دفع الصدقة إليه كونه خليفة إذ هو المتولي قبض الصدقات .
8. الحديث الثامن : رواه مسلم عن عائشة قالت لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أرعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولي ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وفي رواية أخرى لا حمد من طريق آخر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أدعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه أحد ثم قال دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي يكر وفي راوية عن عبد الله بن أحمد : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر .
9. الحديث التاسع رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الاشعري قال مرض النبي صلى الله عليه وسلم واشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس فقال مرى أبا بكر فليصل بالناس عددها ثلاثا " وهذا الحديث مثواثر فإنه ورد من حديث عائشة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن زمعة وأبي سعيد وعلي من أبي طالب ومغصة .
10. الحديث العاشر : من رواية عبد الله بن زمعة أنه قال له صلى الله عليه وسلم أخرج لأبي بكر يصلي بالناس فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر : صل بالناس فلما كبر وكان صبياً وسمع صلى الله عليه وسلم صوته قال يا أبي الله والمسلمون إلا أبا بكر يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يا أبى الله والمسلمون إلا أبا بكر " .
وهذه الأحاديث غيض من فيض من الأحاديث التي تبين أحقية أبو بكر الصديق بالخلافة .
ثم نأتي إلى شوا لك ما تفسرون خروج المسلمون بعد ما تبين لك أن مبايعة أبا بكر الصديق ليس خروجاً على علي وكان رضي الله عنه من ضمن المبايعين والمزكين له وذكرهم بأفضل الناس فهل يعد أن علي خرج على نفسه بعد هذا التبيان يأتي إلى الأمر وهو خروج عائشة رضي الله عنها على علي في خلافته وقد استفضنا في تبيانه ولا بعد ذلك خروج فهل تعد عائشة رضي الله عنها من الخوارج الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم "كلاب أهل النار" والعباد بالله أكرمها الله وجل وعلا في الدنيا الآخرة فهي التي أوصت أحد الصحابة وهو عبد الله بن بديل عند مقتل عثمان بلزوم علي رضي الله عنهم لما أخرجه ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن ابري قال انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج فقال يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت ما تأمريني فقلت الزم علياً . وأما الفتنة بعين عبي ومعاوية رضي الله عنهما قد أجمع أهل العلم أن اجتهاد معاوية كان مخطئاً حيث أن معاوية راسل علي بأن يقيم الحد على قتلة عثمان فرفض علي إلا بعد قيام دعوى من ولى الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه ، وكان هذا هو الصحيح في رأي علي .(13/341)
ويكفينا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي نبأ صحابته عن المقتلة التي تكون بين علي ومعاوية قال " لا تقوم الساعة الساعة حتى يقتتل فئتان ( فيكون بينهما مقتلة عظيمة ) دعواهما واحدة " . رواه البخاري . ومعنا دعواهما واحدة إما أن يكون كلاهما على حق حيث علي يدعو إلى عدم الانشقاق عنه وعن مبايعته ومعاوية يدعو إلى إقامة الحد على قتلة عثمان قبل مبايعته ، والأصح أن تغيير الحديث هو أن كل واحد منهما يدعي أنه المحق ، ولا شك أن علياً هو المحق إذ كان إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السنة . وفي هذا لا يعد خروج معاوية كالخوارج الذين كفروا علياً والعياذ بالله ، فكلاهما صحابيان جليلان وكان من الصحيح ألا نعمل أي بغض أو كره لأي صحابي .
وهنا لنا وقفة بسيطة ونصيحة أقدمها لك وهو عدم الخوض في الأمور التي كانت بين الصحابة وهذا ما وصى به أهل العلم خشية أن يقذف الشيطان في قلبك بغضاً لصحابي فيؤوي بك إلى التهلكة ، فما هو علمي وعلمك نسبة لعلم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخص الصحابة الذين وقفوا جانباً من هذه الفتنة أمثال ابن عمر وابن عباس وأبي بكرة وأبو ذر وغيرهم وكذلك من جاء بعدهم من العلماء التابعين وغيرهم وما كان قول أهل العلم في هذه المسألة إلا كلمة واحدة وهي أنهم - أي علي وعائشة ومعاوية - رضي الله عنهم أجمعين اجتهدوا وهم صحابة أجلاء فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ ، والمخطئ في الاجتهاد مأجوراً أجراً واحداً والمصيب في اجتهاده مأجور أجرين اثنين والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول وعدالة الصحابة مذهب أهل السنة والجماعة وذلك لما أثنى الله تعالى عليهم في كتابه ولما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم ولما بذلوه من الأرواح والأموال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وذلك كان منهم لنصرة هذا الدين و لإعلاء كلمة التوحيد حتى أصبح كل من أتى بعدهم من أمة الإسلام حسنة من حسناتهم فنحن جميعاً ومن سبقنا ومن سيأتي بعدنا أعمالنا في ميزان حسناتهم إن شاء الله تعالى وأما ما حصل بينهم فلا تخلو من أمرين الأول أن يكون من غير قصد وهذا ما أسلفنا ذكره ما كان بين عائشة وعلي رضي الله عنهما والثاني أن يكون خطأ مثل القتال يوم صفين بين علي وبين معاوية رضي الله عنهما ولكنه كان مجتهداً كما ذكرنا ولا يخلو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفتنة من أن يكون أحدهم مأجوراً أجراً واحداً أو أن يكون مأجوراً أجرين ولا بد أن نعلم أن الصحابة ليسوا بمعصومين وإنما هم بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم وأن ما صدر من بعضهم ولو كان فيه ما فيه فهو إلى جانب شرف الصحبة وفضلهما مغتفر ومعفو عن صاحبه ومن المعلوم أن الحسنات يذهبن السيئات ومقام أحد الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم لحظة من اللحظات في سبيل هذا الدين لا يعد لها شئ ثم ما وضع في ميزانهم من أعمال المسلمين الذين كانوا حسنة من حسنات تلك اللحظة كلها في ميزان حسناتهم فماذا تعمل الغلطة والغلطتان حيث وكما هو معلوم وكما ثبت في الصحيح قد أطلع على أهل بدر فقال " اعملوا ما شئتم ، إني قد غفرت لكم ، وتجاوز الله سبحانه وتعلى عمن تولى يوم أحد من الصحبة وذكر ذلك في كتابه في آية تتلى إلى يوم الدين ، قال سبحانه " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا عنهم إن الله غفور رحيم " . آل عمران أية 100
وكذلك مسألة أخذ الفداء نص القرآن أن الله سبحانه وتعالى سامحهم في ذلك فقال تعالى " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم " . الأنفال 68+69
وكذلك قصة ماعز وقصة الفامدية وقد وقع كل منهما في فاحشة الزنا ولكن إيمانهم جعل كل واحد منهما يأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يطهره من تلك المعصية وقد تاب كل واحد منهما توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم ولا يعرف في أهل العلم من الصحابة ورواه هذا الدين وقع في معصية عامدأ وقاصداً لها تطعن في عدالته بل كلهم والحمد لله قد ذكروا بالثناء الحسن والذكر الجميل والطاعة الكاملة لهذا الدين وأما الخطأ والنسيان الذين لا يخلو منه بشر فهذا وقع ولكنه قليل .
فهؤلاء هم الصحابة أصحاب بيعة العقبة وأصحاب بيعة الرضوان وهم الصحابة الذين فدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية العطرة وأموالهم فدوه بآبائهم وأبنائهم وبكل ما يملكون كيف لا وقد علموا مما علمهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا إيمان لأحدهم حتى يكون نبيهم صلى الله عليه وسلم أحب شيء إليه للحديث الذي رواه البخاري وسلم قال صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .(13/342)
هؤلاء هم الصحابة الذين من الله الله عليهم بالمغفرة والرضوان الذين قال فيهم الحق جلا وعلا " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، ذلك الفوز العظيم " . التوبة أية 100
فهؤلاء هم الصحابة الذين لو أننا شككنا بإيماهم ولو للحظة واحدة لكنا شككنا بإيمان رسول الله وهديه وحاشا لله ، حيث أن الصحابة كانوا بمثابة الجوارح للرسول صلى الله عليه وسلم ينعكس عليهم هديه وخلقه وسيرته وأقواله وأفعاله .
هؤلاء هم الصحابة ويا للعجب من أناس التين ينتسبون إلى هذا الدين بزعمهم يتجرؤون على أشرف الخلق بعد الأنبياء والرسل فيسبوهم ويلعنوهم ويقذفونهم ويقولون عنهم ما ليس فيهم وقد أتوا بهذا ببهتان عظيم وسيسأل كلهم عمن افتروه عندما يقفون بين يدي ملك الملوك وجبار السموات والأرض وأعنوا بهذا الرافضة الذين تجرؤا على الله بسب ولعن وشتم أولياءه ولو قرءوا كتاب الله وفهموا نصوص آياته لخشوا على أنفسهم من الكفر لأن لا يحد في قلبه غضب أو غيظ على الصحابة إلا يخشى عليه أن يكون من الكفار وهذا استناداً لما جاء في قوله تعالى " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوهم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة والأنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً " . الفتح 29
قال ابن الجوزي رحمه الله " وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور ، وقال القرطبي رحمه الله " قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا) أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة (مغفرة وأجراً عظيماً) أي ثواباً لا ينقطع وهو الجنة وليست " من " في قوله تعالى " منهم " مبغضة لقوم من الصحابة دون قوم ولكنها عامة مجنسة مثل قوله تعالى " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " . الحج 3
لا يقصد للتبغيض لكنه يذهب إلى الجنس أي فاجتنبوا الرجس من الأوثان " الحج 30 لا يقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس أي فاجتنبوا الرجس من جنسي الأوثان .
وكذا منهم " أي : من هذا الجنس ، يعني جنس الصحابة وقال ابن إدريس رحمه الله لا آمن أن يكونوا قد ضارعوا الكفر يعني الرافضة لأن الله تعالى يقول ليقبظ بهم الكفار " وهذا تفسير ابن الجوزي .
وقال أبو عروة الزبيري رحمه الله " كنا عند الإمام مالك فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبظ بهم الكفار " الآية فقال مالك : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد عليه السلام فقد أصابته الآية رواه الخلال وأبو نعيم وذكره ابن الجوزي مختصراً في تفسيره .
ونقل القرطبي هذا الأثر وغراه للخطيب ثم قال " لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب تأويله فمن نقص أحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائح المسلمين .(13/343)
قال ابن أبي العز رحمه الله " فمن أضل ممن يكون في قلبه غل من على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد البنين بل قد فضلهم اليهود والنصاري بخصلة ، قيل لليهود من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى ، وقيل للنصاري : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب عيسى ، وقيل للرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب محمد !! لم يستثنوا منهم إلا القليل ، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم أضعاف مضاعفة " شرح العقيدة الطحاوية قال الشوكاني رحمه الله " أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار في نص هذه الآية من قوله تعالى " والذين جاء ومن بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم " الحشر 8-10 " حيث ذكر سبحانه الا تبين التي قبل بمدح المهاجرين والأنصار أمرهم سبحانه أن يطلبوا منه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق فيدخل في ذلك الصحابة دخولاً أولياً لكونهم أشرف المؤمنين ولكون السياق فيهم ، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم خالف ما أمره الله به في هذه الآية فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزع من الشيطان وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه صلى الله عليه وسلم وانفتح له باب الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والاستغاثة به فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم إنقاذ للشيطان بزمام ووقع في غضب الله سخطه وما زل الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة ومن رتبة إلى رتبة حتى صاروا أعداء كتاب الله وسنة رسوله وخير أمنه وصالحي عباده وسائر المؤمنين ، وأهملوا فرائض الله وهجروا شعائر الدين وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ورموا الدين وأهله بكل حجر ومدر والله من ورائهم محيط " وهذا ما آلت إليه الرافضة الذي وصل بهم الحال أن رفضوا دين الله .
وقال الزبير بن بكار : حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قدامة اللخمي عن أبيه عن جده عن محمد بن علي عن أبيه قال : جلس قوم من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما ثم إبتدأوا في عثمان فقال لهم : أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين " الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله " الحشر 8 . قالوا لا ، قال : فأنتم من الذين " تبوء والدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم " الحشر 9 قالوا : لا ، فقال لهم : أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم " والذين جاء وأمن بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا الحشر 10 .
قدموا : عني لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم أنتم مستهزئون بالإسلام ولستم من أهل " ذكره ابن كثير في البداية والنهاية .
واكتفى بهذا القدر واختم بوعيد الله على لسان رسول الله لكل من تجرأ وسب أو لعن صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام " من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " رواه الطبراني وحسن اسناده الألباني . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابي فوالله لو أن أحدكم انفق مثل جبل أحد ذهب ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وأختم بقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ذكر أصحابي فامسكوا " والحديث صحيح أي لا نتكلم عنهم إلا خيراً .(13/344)
هذا أوردته لك يا أختي المسلمة حتى يتبين لك ليس الصحابة هم الخارجين أو خرجوا على وليهم وإنما الخارجين عنه نوعان الأول من عاداه معاداة عظيمة واتهموه بالكفر وهم الخوارج والخوارج عنهم روي البخاري عن أبي سعيد الخوري رضي الله عنه قال " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال رسول الله " ويلك ومن يعدل إذ لم اعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل " فقال عمر يا رسول الله إذن لي فيه فأضرب عنقه فقال " دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقبهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نصيبه وهو قدمه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد منه شيء قد سبق الفرش والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضوية مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در ويخرجون على حين فرقة من المسلمين " قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته وفي رواية أخرى ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأينما لقتسيموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة " .
وفي رواية قال فيها عليه الصلاة والسلام عن الخوارج " هم كلب أهل النار " ونذكر هذا الحديث الذي يبين فيها ما سبب خروجهم على علي رضي الله عنه .
روى النسائي وأبو يعلي في مسنده والحديث اسناده حسن عن ابن عباس قال " لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف فقلت لعلي رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر : لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلهم قال : إني أخاف عليك قلت : كلا . قال : فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون فسلمت عليهم فقالوا مرحباً بك يا ابن عباس فما جاء بك ؟ قلت لهم : أتيتكم من عند " أصحاب النبي " وصهره وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد " لا بلغكم ما يقولون وتخبرون بما تقولون قلت : أخبروني بماذا نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه ؟ قالوا : ثلاث قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وقال الله تعالى " إن الحكم إلا لله " ما شأن الرجال والحكم ؟ فقلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم فإن كانوا كفاراً سلبهم وإن كانوا مؤمنين ما أحل قتالهم قلت هذه اثنان فما الثالثة ؟ قالوا : إنه محى نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا حسبنا هذا .(13/345)
قلت : أرأيتم أن قرأت عليكم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولكم أترضون قالوا : نعم قلت أما قولكم حكم الرجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم فأمر الرجال أن يحكموا فيه قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " الآية فأنشدتكم بالله تعالى أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم وأنتم تعلمون أن الله تعالى لو شاء لحكم ولم يصير ذلك للرجال ؟ قالوا : بل هذا أفضل . وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما " فأنشدتكم بالله حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في امرأة أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم قلت : وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون أمكم عائشة وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ف وهي أمكم فإن قلتم : إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ، ولئن قلتم ليست بأمناً فقد كفرتم لأن الله تعالى يقول " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " فأنتم تدورون بين ضلا لتين فأتوا منهما بمخرج قلت : فخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم وأما قولكم : محى اسمه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون وأراكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبة صالح المشركين فقال لعلي رضي الله عنه " أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك فاكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امسح يا علي رسول الله ، اللهم إنك تعلم أني رسولك امسح يا علي وأكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " فوالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي وقدما نفسه ولم يكن محوه ذلك يمحوه من النبوة خرجت من هذه ؟ قالوا نعم فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا على ضلا لتهم فقتلهم المهاجرون والأنصار " .
والنوع الآخر هم الذين غالبوا فيه وعظموه أشد التعظيم فخرجوا عنه وهم الرافضة وللاطلاع على معتقداتهم وما هم عليه ارشدك على موقع في شاشة الإنترنت اسمه فيه الجواب الشافي وليس هناك ما يقتري عليهم به ضحضهم والرد عليهم من كتبهم .
وأخيراً أختي المسلمة ما قصدت من هذا التبيان إلا بيان الحقيقة والتي أمرنا بإتباعها اللهم أسأل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلما ما ينفعنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الشيخ / ابو محمود رزوق
=====================
هل التحسين يكون بالعقل أم بالشرع؟
ليس بإطلاق. فقد ورد أن الله حرم لحوم الحمر الأهلية من أجل ظهولاها.
ما هو نظام الحكم في الاسلام إن كان شورى فلماذا وصى أبو بكر لعمر.
أولا: الذي صرح بأنها حصلت شورى هو علي بن أبي طالب وفي أهم مصادركم.
ثانيا: وسواء أوصى أو لم يوص المهم أن عليا أقر ما تثير الشبهة حوله الآن. ولا أظن أسد أسد الله يقر باطلا.
ثالثا: أنت تحتج علينا بافتراض عقلاني بحت ولا تدري أنك تعارض ما قاله أمير المؤمنين. وهذا عيب في المنهجية.
رابعا: روينا بالأسانيد الصحيحة عن نبينا أنه قال: ويأبى والمؤمنون إلا أبا بكر» وقد تحقق ما قاله. وأنتم زعمتم أن الله أوصى ووعد فلم تثبتوا صحة ما زعمتموه ولم يتحقق.
هل تعتبر تقديم أبي بكر للصلاة دليلا على أفضلية أبي بكر وأنتم تقبلون إمامة الفاسق.
• لسنا نحن الذين نقبل إمامة الفاسق. إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم . واقتدى به علي. وكتبكم تشهد بذلك فقال: » وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن . ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الاجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر (نهج البلاغة 92).
• وقد روت كتبكم أنه تولى ليس فقط الفاسق. بل تولى الجبت والطاغوت. وتنازل الحسن عنها لمن تصفونه بالفاسق الفاجر بل الكافر. فهلا اعترضتم على المعصومين قبل أن تعترضوا علينا؟
• نعم امامة الفاسق مباحة لكن عندما يختار النبي اماما فيختار الامام الامثل. واختياره الأمثل فضيلة وأيما فضيلة.
• تقديم أبي بكر إماما ليصلي بالناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة احتج بها علي على أولوية أبي بكر في الإمامة.
• وأبو بكر لم تثبت فضيلته لمجرد تقديمه للصلاة. وإنما لاقتران فضائل كثيرة غيرها مثل صحبته النبي صلى الله عليه وسلم في الغار. وكونه أحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم تأتي قرينة الصلاة.
من هم الخلفاء الإثنا عشر؟
أتقصد حديث لا يزال الدين عزيزا؟(13/346)
ما سماهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسميهم. لو سماهم لسميتهم. ولو كان في تسميتهم مصلحة لفعل الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
عليك أن توافق مبدئيا على الثلاثة الأول على أقل تقدير موافقة منك لأمير المؤمنين الذي تولاهم.
وعليك أن توافق على معاوية الذي بايعه الحسن بن علي.
لا شك أن الحسين لم يكن منهم لأنه لم يتول كذلك جعفر الصادق والكاظم والباقر.
لا شك أن الدين كان عزيزا في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية. تمت الفتوحات في عهودهم. ولكن لم تقم إمامة لأهل البيت سوى علي وجزءا يسيرا من خلافة الحسن رضي الله عنهما.
لا شك أن مهديكم المنتظر ليس من بين الاثني عشر لأن الدين يكون عزيزا وأي عزة تقوم بمتوار عن الانظار؟
وكيف يكون من الاثني عشر وقد دب خلاف كبير بين الشيعة انقسموا معه إلى عشرات الفرق. منهم من أنكره ومنهم أقر به. ومنهم من كان ينتظر عودة أبيه لا هو. وروى كافيكم أنهم لم يجدوا للحسن العسكري مولودا حتى قسموا ميراثه بين أمه وبين أخيه جعفر.
هل نظام الحكم عندكم بالشورى أم بالنص؟
• بالشورى تم تداول أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ونصوصه المفهومة لا المنطوقة أو ما يطلق عليه وصف النص الخفي على أن أكثرهم استحقاقا للخلافة هو أبو بكر. ولا يقال أنه لم تكن شورى. وهذا فيه تعليم مهم وهو أن بعض الثعالب قد يتقلد المنصب بالشورى المحضة ولا يكون فاضلا في صفاته مشهورا بدينه فتكون حتى الشورى وبالا على الأمة كما يحصل في العالم اليوم.
• النبي صرح بأن الخلافة من بعده تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة.
• علي أقر بالنظام الذي تنتقدونه وبايع. فما كان من طعن بالنظام يكون طعنا بمن أقر به.
• علي صرح بأن الأمر كان شورى من كتبكم:
• قال علي لمعاوية « إنما الشورى للمهاجرين والأنصار. فإذا اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه ( إماماً ) كان ذلك لله رضاً » (نهج البلاغة 7:3).
• قال علي لمعاويةً « بايعني القوم الذين أبا وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يختار،، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين » (نهج البلاغة 7:3، وانظر كتاب الإرشاد للمفيد 31 ط: الأعلمي. أو 143 طبعة حيدرية).
• أنتم ترون الخلافة بالنص وترونها ملكية يتوارثها الابن عن أبيه ولا دخل لأحد بها. فلماذا إثارة خلاف لمجرد التشويش.
لماذا سارع الصحابة إلى السقيفة وانشغلوا بذلك عن دفن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
كان هناك منافقون يتربصون بالمسلمين الدوائر (النساء141) شرقوا بالإسلام وقالوا للذين كفروا سنطيعكم في بعض الأمر (محمد26) وقالوا لهم: ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين (النساء141).
فكيف لا يسارع الصحابة إلى ملأ الفراغ الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فرحمهم الله على هذه المسارعة لتجنيب الأمة الفتنة التي تترتب على إهمال هذا الأمر.
هل أهل السنة يقولون عن ابن ملجم إنه متأول مأجور
أهل السنة يلعنون ابن ملجم لما فعله بعلي رضي الله عنه. فهذا الهيثمي إذا ذكره (مجمع الزوائد6/249) كذلك الحافظ المنذري (الترغيب والترهيب3/24) والطبراني في (المعجم الكبير 1/97) وانظر معجم البلدان لياقوت الحموي (1/93) والشوكاني في (نيل الأوطار7/43).
قال الحافظ «ولم يذكره أحد في الصحابة إلا القاضي حسين بن محمد الشافعي شيخ المراوزة وذكر أبياتا لعمران بن حطان يرثي فيها ابن ملجم لقتله عليا قائلا:
يا ضربة من تقي ما ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش سلطانا
فرد عليه أبو الطيب الطبري قائلا:
... إني لأبرأ مما تذكره ... عن ابن ملجم الملعون بهتانا
(ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة5/303).
وذكر أهل السنة بأنه من رؤوس الخوارج (سير أعلام النبلاء4/214).
بل وصفوه بأنه من أهل الأهواء (التاريخ الكبير للبخاري6/413) وقالوا: ليس في الأهواء ثقة مثل عمران.
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم. فكيف يكون ثقة بعد ذلك عندانا.
ولله الحكمة البالغة فقد كان هذا القتل ردا على الكذابين القائلين بأن الأئمة عندهم علم ما كان وما يكون.
هل البسملة من القرآن؟
• منشأ الخلاف هو هل يبدأ ترقيم الآيات من البسملة أم من أول آية في السورة؟ وليس الخلاف حول هل نترك البسملة في القرآن أم نزيلها؟ كيف يمكن ذلك والبسملة ثابتة في النسخة الأصل؟ فلم يشكك أحد في كونها ثابتة في الأصل. ولا دعا أحد إلى إزالتها من القرآن.
• والدليل على ذلك أن البسملة مثبتة في كل السور ما عدا سورة التوبة ولم يخالف أحد في ذلك.
• ويمكن للبسملة أن تثبت في القرآن ولا تكون آية منه مثلما أن الله أمرنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن فهل تصير الاستعاذة آية أم لا؟(13/347)
• هذه الشبهة أطلقها الرافضة الذين ثبت عندهم تصريح كبار أئمتهم بالإجماع الرافضي على وقوع التحريف في القرآن إلا من شذ كالمرتضى والصدوق والطبرسي لمصلحة سد باب الطعن على القرآن حتى لا يقال كيف يجوز أخذ القواعد والأحكام من كتاب محرف؟ (الأنوار النعمانية2/357).
• فسارعوا إلى القول بأن الخلاف حول البسملة يلزم منه التحريف للحاجة الماسة عندهم للحصول على أية ذريعة تشغل أهل السنة وتصرفهم عن اتهام تصريح علماء الرافضة بأن القرآن محرف.
• كبار علماء الرافضة لم يقولوا بأن القرآن محرف بناء على قضية البسملة. وإنما زعموا أن الصحابة حذفوا منه الآيات التي تنص على إمامة علي وأهل بيته.
• لماذا لم يتهم علماء أهل السنة المختلفين حول الآية بأنهم قالوا بتخريف القرآن ولم يقل ذلك إلا الشيعة؟ ألأنهم يغارون على القرآن؟
• إن الشيعة الذين صرحوا بأن القرآن وقع فيه التحريف هم الذين يأتون اليوم بهذا الاتهام الجديد الذي ما وجدنا أسلافهم قد تكلموا عنه حسب علمي.
• إن هذا الطعن الجديد إنما يبين تعصبهم للمذهب والدفاع عنه ولو كان على حساب القرآن والطعن فيه. حتى لو أدى ذلك إلى تجسس النصارى واستفادتهم من هذه الشبهة ليلقوها على المسلمين ويقولوا: الشبعة إخوانكم وهم قد احتجوا بالاختلاف على
• لم توجد فرقة من فرق المسلمين على تفاوت انحرافها تطعن في القرآن وتصرح بوقوع التحريف فيه مثل الرافضة الذين فتحوا بقولهم القرآن محرف فتحوا بابا في الطعن على الإسلام يدخل منه اليهود والنصارى.
• هل يعقل أن يجمع الصحابة القرآن ثم يختلفوا فيه بعد جمعه؟ هذا ما يريده أن يقوله لنا الرافضة. الذين يحتجون علينا في عدم تضمن مصحف ابن مسعود المعوذتين أو دخول الداجن على منزل عائشة وأكلها صحيفة من القرآن.
• إننا نجد أن الاختلاف وقع في عهد عثمان على كيفية التلفظ بالقرآن مما استدعاه إلى أن يجمع القرآن على لهجة قريش حسما لمادة الخلاف. مما يؤكد على أن الخلاف لم يقع على إثبات آية أو حذفها بعد الجمع. ولم ينقل إلا الاختلاف على قراءة القرآن لغة من اللغات.
• إن الذي يوهم الناس أن الخلاف الذي نجد نماذج منه في كتب الحديث كان قبل جمع القرآن إنما هو زنديق طاعن في القرآن أو جاهل متعصب لا يدري حقيقة ما يقول سوى محاولة تلقف الحجج للدفاع عن المذهب الرافضي الردي.
مذهب الرافضة جواز القراءة وعدمها
عن محمد بن مسلم قال سألت أبي عبدالله عن الرجل يكون إماماً يستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال: لا يضره ولا بأس عليه» تهذيب الأحكام (2/288) وسائل الشيعة 62).
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبدالله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرأ الحمد لله ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (تهذيب الأحكام2/288 وسائل الشيعة6/62).
وعن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال نعم، إن شاء سراً وإن شاء جهراً. فقيل، أفيقرأها من السورة الأخرى، قال لا» الاستبصار1/132 ووسائل الشيعة 6/61 ) وقال الحر العاملي « ذكر الشيخ: يعني الطوسي وغيره ، أن هذه الأحاديث محمولة على التقية.
قال الرافضة
البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة ما عدا براءة (مستدرك الوسائل4/164).
وبينوا أن أبا حنيفة خالف في أنها آية من القرآن محتجا بالروايات الآحادية وتمسك به مع أنه خطأ (كتاب نهج الحق 6).
وقد أجازوا ترك البسملة للتقية (وسائل الشيعة6/60).
قال المجلسي في الذكرى «وقد خالف ابن الجنيد من الشيعة وذهب على أنها في غير الفاتحة افتتاح وهو متروك. انتهى. وما ورد من تجويز تركها في السورة إما مبني على عدم وجوب السورة كاملة أو محمول على التقية لقول بعض المخالفين بالتفصيل» (بحار الأنوار82/21).
الضحى والانشراح والفيل ولايلاف عند الرافضة سورتان فقط
قال الحلي « روى أصحابنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل ولإيلاف، فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كل ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر» (شرائع الإسلام1/66).
وقال بأن « الضحى والإنشراح سورة، والفيل ولإيلاف سورة: ولا بسملة بينهما» (الجامع للشرائع ص81 يحيى بن سعيد الحلي).
وقال « والضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذلك الفيل ولايلاف وتجب البسملة بينهما على رأي» (قواعد الأحكام 1/273 للحلي).
نقل الحلي عن الاستبصار أن سورتي الضحى والإنشراح عند آل محمد سورة واحدة وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا لا يفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم» (). نعم وجدنا الحلي يخالف قول علمائه في ذلك ولكن مخالفته لهم تفيد على الأقل إختلافهم على ثبوت البسملة. فكيف يتناسى الرافضة ذلك؟
وأكد الحلي أن جاحد البسملة لا يكفر لوجود شبهة عنده. (تذكرة الفقهاء1/114).(13/348)
وقال الحلي بأنه لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح وسورة الفيل ولايلاف. وهل تعاد البسملة بينهما؟ أجاب الحلي: الأقرب ذلك لأنها ثابتة في المصحف، وقال الشيخ في التبيان: لا تعاد لأنها سورة واحدةوالاجماع على أنها ليست آيتين من سورة واحدة » (تذكرة الفقهاء1/116 و4/150).
واعترف البهائي العاملي على أن الأكثر من علماء الشيعة على وحدة السورتين (الضحى والانشراح) (الاثنا عشرية للبهائي العاملي ص 63).
وتساءل الخوئي: سورتا الضحى والانشراح وكذلك لايلاف والفيل: هل هما سورتان أم سورة ة واحدة؟
فأجاب بأن « المعروف بل المتسالم عليه عند الأصحاب هو الثاني» وبعد أن أطال في مناقشة هذه المسألة ووقع في تخبط كبير ودوران قال ما يلي:
إلى ما يلي « بعدما عرفت من وجب الجمع بين السورتين عملا بقاعدة الاشتغال: فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة أو يؤتى بهما موصولة؟ فيه خلاف بين الأعلام، بل ينسب الثاني إلى الأكثر، بل عن التهذيب عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة، وعن التبيان ومجمع البيان أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها» (كتاب الصلاة للخوئي 3/354-359).
نقل المجلسي عن الشيخ في الاستبصار أن سورة الضحى والانشراح هما سورة واحدة عند آل محمد وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل بينهما بالبسملة. وحكى المجلسي الاختلاف على ذلك والاكثر على ترك البسملة (بحار الأنوار82/46).
=====================
استنكار عبد الحسين حديث" سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
10- (ص 92) أورد عبد الحسين حديث :"سهو النبي عن ركعتين" : أخرج الشيخان فيما جاء في السهو من صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى النَّبِيُّ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ! قَال:َ بَلَى قَدْ نَسِيتَ! فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ! ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّر!َ فَسَجَدَ الحديث .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في الحديث قائلاً ( أحدها أن مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممن فرّغ للصلاة شيئاً من قلبه أو أقبل عليها بشيئ من لبه، وإنما يكون من الساهين عن صلاتهم، اللاّهين عن مناجاتهم، وحاشا أنبياء الله من أحوال الغافلين ، وتقدّسوا عن أقوال الجاهلين، فإن أنبياء الله عزوجل ولا سيما سيدهم وخاتمهم أفضل مما يظنون على أنه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه إلا ممن بمثل حال القائل :
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ؟
وأما وسيد النبيين وتقلبه في الساجدين ، إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء الله أبداً ...) الخ .
قلت: أولاً: أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة في القرآن الكريم. يقول الله تعالىلنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال عزوجل : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ فىِ ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فىِ حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوم الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال عزوجل : { وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /24 ] . وقال عزوجل : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بينِهِمَا نَسِيَا حُوتهُمَا فَاتخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبا فلَمَّا جاوَزَا قالَ لِفَتَهُ ءَاتنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم .
ثانياً : أن الحديث رواه غير أبي هريرة كابن مسعود وعمران رضي الله عنهم .
وأما إنكار عبد الحسين سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا من مذهب الغلاة الذين ينفون السهو.
وسوف أثبت لهذا المؤلف وغيره أن إنكار السهو من إمامه الذي يعتقد أنهم لا يخطئون ولا ينسون وأنهم حجج الله على خلقه .
وعن أبي صلت الهروي قال: قلت للرضا (ع) إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاهو .(13/349)
وقال شيخهم الصدوق : ( ليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسهونا لأن سهوه من الله عزوجل اسهاه ليعلم أنه بشر فلا يتخذ معبوداً دونه وسهونا من الشيطان ...) .
والحقيقة أن الشيعة اختلفت عقائدها في " مسألة سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ، فكانت عقيدتهم في أول الأمر في عصر القمي الملقب عندهم بالصدوق - كما مرّ قوله - وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد كان عقيدتهما وعقيدة جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشيعة الغلاة !!وأظن أن عبد الحسين وشيعته من الغلاة كما هو واضح .
بل اعتبر القمي أن الذين ينفون السهو عن الأئمة من المفوضة لعنهم الله على حد تعبيره ، وأنهم ليسوا من الشيعة في نظرهم .
يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وذكر أن شيخه بن الوليد يقول:( أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعني لجاز أن نرد جميع الأخبار و في ردها إبطال الدين و الشريعة، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرد على منكريه ) .
قلت: ولكن تبدّلت الحال بعد ذلك وأصبح نفي السهو عن الأئمة وليس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ضرورات مذهب التشيع !!!
يقول شيخهم المامقاني وهو في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240):( أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) .
ونقول: مع أنهم نقلوا بأنفسهم في دواوينهم الحديثية أخباراً عن أئمتهم تنفي عن أئمتهم السهو والنسيان .ومن يتتبع أخبارهم وأحاديثهم يجد مجموعة كبيرة منها تناقض دعواهم في عدم سهو أئمتهم وقد احتار فخرهم المجلسي بوجود كثير من الأخبار في كتبهم تناقض دعوى نفي السهو عن الأئمة، ولذا اعترف المجلسي فقال في "البحار" (25/351) ما نصه: ( المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم وإطباق الأصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز ) .
ثالثاً: حديث السهو لم ينفرد به أبا هريرة رضي الله عنه ، بل وافقه وشاركه عظماء وسادات من علماء أهل البيت رضي الله عنهم ، وأثبته علماء القوم في مصادرهم .
ففي" البحار"( 17/101): عن علي(ع) قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر خمس ركعات، ثم انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك ؟ قال: صلّيت بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس، ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلّم، وكان يقول: هما المرغمتان .
وعن الباقر(ع) قال:صلّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال لأصحابه : هل أسقطت شيئاً في القرآن ؟ قال: فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أفيكم أبي بن كعب ؟ فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطت فيها شيء ؟ قال: نعم يا رسول الله أنه كان كذا وكذا00الحديث .
وفي " الوسائل"( 5/307): عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبدالله(ع): إنما صلّينا المغرب فسها الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، فقال : ولم أعدتم ، أليس قد انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ركعتين فأتم بركعتين ؟ ألا أتممتم .
فأين قول عبد الحسين عندما قال:(... إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على أنبياء الله أبداً ... .
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ) ؟
فما رأي عبد الحسين فيما رواه أئمته رضي الله عنهم في اثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!! و هل يتهم أئمته كما اتهم أبو هريرة رضي الله عنه ؟!!
استنكار عبد الحسين حديث" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلد ويغضب ..."
11- وفي (ص 97) أورد عبد الحسين حديث :"كان النبي يؤذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق" :أخرج الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ الحديث.
ثم أخذ يصول ويجول مفنداً الحديث بقوله :( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، بلى لا يمكن أن يغضبوا بغير حق ...) .(13/350)
قلت : إن هذا الحديث قد رواه غير أبو هريرة ..فقد رواه جابر بن عبد الله وعائشة وأنس ومن أهل البيت رضي الله عنهم .
وفسوف نورد أحاديث أصحاب الحجج و العصمة من أهل البيت كما يعتقد .
فعن علا عن محمد عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أنا بشر أغضب وأرضى، وأيما مؤمن حرمته وأقصيته او دعوت عليه فاجعله كفّارة وطهوراً ، وأيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له ولا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذاباً ووبالا .
قلت: وإذا كان سائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، فكيف يروي إمامك المعصوم ذلك !
فقد روى الكليني عن أبي عبدالله(ع) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد من اليمن وفيهم رجل كان أعظمهم كلاما وأشدهم استقصاء في محاجة النبي فغضب النبي حتى التوى عرق الغضب بين عينيه وتربد وجهه وأطرق إلى الأرض فأتاه جبريل (ع) فقال: ربك يقرئك السلام ويقول لك: هذا رجل سخي يطعم الطعام فسكن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغضب ورفع رأسه وقال له: لولا أن جبريل أخبرني عن الله عزوجل إنك سخي تطعم الطعام لشردت بك وجعلت حديثا لمن خلفك فقال له الرجل : وإن ربك يحب السخاء ؟ فقال: نعم فقال: إني اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله والذي بعثك بالحق لارددت من مالي أحدا .
استنكار عبد الحسين حديث" عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة "
12- وفي (ص104) أورد عبد الحسين حديث :"عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة:" أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:صلّى رَسُولُ اللَّهِ صلاة فقال(ص): إِنَّ الشيطان عرض لي فشدّ عَلَيَّ ِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فأمْكَنَنِي الله مِنْهُ فَذَعَتُّهُ - أي فخنقته - ولَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَوثقه إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فتَنْظُرُوا إِلَيْهِ فذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي }.
ثم أخذ يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث بقوله :( وفيه أن أنبياء الله وخيرته من خلقه يجب أن يكونوا في نجوة من هذا وفي منتزح فإنه ينافي عصمتهم ويضع من قدرهم ومعاذ الله أن يشد الشيطان عليهم أو يعرض لهم أو تسوّل له نفسه الطمع فيهم... إلى أن قال في (ص113) فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث ابي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ...؟ الخ ) .
قلت : لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (63/297 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة .
كما عقد فخرك أيضاً في بحاره في كتاب النبوة باباً سماه " في معنى قوله: {وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ }" وأورد فيه هذا الحديث من رواية الشيخين والذي أنكرته من الصحيحين أيها العلامة !
فانظروا إلى مدى جهل " عبد الحسين " يثبت فخره حديث أبي هريرة في حين ينكره على رواية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه ، فما هذا الحقد والتضليل ؟ !!
كما وأن فخره أيضاً عقد في بحاره (18/82 )كتاب في كتاب تاريخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم باباً سماه " معجزاته في استيلائه على الجن والشياطين " وأورد فيه هذا الحديث وهو من طريق ابن مسعود قال المجلسي: " وقال القاضي في الشفا: رأى عبدالله بن مسعود الجن ليلة الجن وسمع لامهم وشبههم برجال الزطّ وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :إن شيطاناً تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد .. .
وأما من طريق إمامك المعصوم ، فقد روى الحميري في قرب الاسناد عن أبي جميلة عن أبي عبدالله(ع) في قول سليمان: { وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ } قلت : فاعطيه الذي دعا به ؟ قال: نعم ، ولم يعط بعده إنسان
ما اعطي نبي الله عليه السلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى اسطوانة حتى أصاب بلسانه يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لولا ما دعا به سليمان عليه السلام لأريتكموه " .
فدل هذا الحديث الذي رواه جعفر الصادق على مدى جهلك بأحاديث أهل البيت رضي الله عنهم .
وأما قوله :( فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث أبي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ؟ )(13/351)
أقول: عبد الحسين ينكر ويتعجب من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك الشيطان وربطه ..، ولكن لا يتعجب إن إمامه المعصوم ! أمسك بإبليس وحاول أن يقتله ، ولكن حينما اعترف ابليس إنه محب يؤمن بالولاية !! تركه وخلى سبيله !
ففي الأنوار النعمانية (2/168 ): روى عن الصدوق بإسناده إلى علي(ع) قال: قد كنت جالساً عند الكعبة فإذا شيخ محدودب، فقال يا رسول الله أدع لي بالمغفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاب سعيك يا شيخ وضل عملك، فلما ولّى الشيخ سألته عنه ، فقال ذلك اللعين ابليس قال علي عدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره !! ووضعت يدي على حلقه لأخنقه !! ، فقال لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، والله يا علي أني لأحبك جداً وما أبغضك !! أحد إلاّ شركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت !! وخلّيت سبيله .
علي رضي الله عنه يقتل ثمانين ألف من الجن !!
عبد الحسين يستنكر ويتعجب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وكذلك من معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثابت عند الفريقين .
ولكن هل تعجب من معجزة ومن حديث إمامه المعصوم؟!! وهل استنكر ذلك المعجزة الصادرة من إمامه المعصوم حسب اعتقاده؟! إليك الرواية بإختصار .
أورد هاشم البحراني في كتابه " مدينة معاجز" باب معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) (1/147-151 حديث 88) باب " التاسع والعشرون خبر عطرفة الجنّي " .
السيد المرتضى " في عيون المعجزات" قال: ومن دلائل أمير المؤمنين ومعجزاته وخبره مع عطرفة الجنّي وهو خبر معروف عند علماء الشيعة، وقد وجدت هنا الخبر في كتاب الأنوار، وفي حديث طويل عن زاذان ، عن سلمان، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ جالساً بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت، فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول الله إني وافد قومي، وقد استجرنا بك فاجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا ، فإن بعضهم قد بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه وخذ عليّ العهود والمواثيق ....فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنت ومن قومك ؟ قال: أنا عطرفة ابن شمراخ، أحد بن نجاح وأنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع، فلما منعنا من ذلك آمنّا، ولما بعثك الله نبياً آمنّا بك .... وقد خالفنا بعض القوم ...فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منّا عدداً وقوة ... فابعث معي من يحكم بيننا وبينهم بالحق .... ثم استدعى - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعلي (ع) وقال له : يا علي سِر مع أخينا عطرفة ، وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه ، وتحكم بينهم بالحق - فقام أمير المؤمنين(ع) مع عطرفة وقد تقلّد سيفه ، قال سلمان رضي الله عنه فتبعتهما إلى أن صار إلى الوادي فوقفت أنظر إليهما، فانشقّت الأرض ودخلا فيها!! - إلى أن قال - وقد انشق الصفا!! وطلع أمير المؤمنين(ع) وسيفه يقطر دماً !!! ومعه عطرفة .... قال له - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما الذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟ فقال (ع): صِرتُ إلى جنٍ كثيرٍ قد بغوا علىعطرفة وقومه من المنافقين فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ... فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم زهاء ثمانين ألفاً !!! ... الخ .
وفي (2/284 رواية 553) " الذي تخبّطه الشيطان لمّا ادّعى ما قاله (ع) " .
فعن أبي يحيى قال: شهدت علياً (ع) يقول على منبر الكوفة: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ص) - إلى أن قال- فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان، فجرّ برجله إلى باب المسجد .
ففي (ص309 رواية 573) " أنّه (ع) هرب عنه إبليس يوم بدر " .
وخلاصة الحديث: قال ابن مسعود: والله ما هرب إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين(ع) فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس فهرب .
وسوف أحيلك أيها القارئ إلى أبواب وعنواين معاجز أئمتهم بإختصار .
ففي (ص21 رواية 365) " أنّه (ع) كان معه جبرائيل وميكائيل(ع) حين تعرض له إبليس، وأنّه (ع) قتل ياغوث " .
وفي(ص446 رواية 672) " أنّه (ع) ولّى أربعين ألف ملك وقتل أربعين ألف عفريت " .
وفي (ص 445 رواية 671) " مخافة الجنّي منه (ع) " .
فليسمح لي القمي والمجلسي وغيرهما ممن يعتبرون حديث أهل البيت كما يزعمون لأسألهما هل للشيطان والجن جسم لكي يصرعه و يجلس على صدره ويضع يديه في حلقه ليخنقه أو يقتلهم؟!، والعجيب أن هذا المؤلف أنكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعجزة ، ولم ينكر على إمامه فاعتبروا يا أولي الألباب !!
استنكار عبد الحسين حديث" نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح "(13/352)
13- وفي (ص 114) أورد كعادته حديث :"نوم النبي عن صلاة الصبح": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ واللفظ لمسلم قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَره الشَّيْطَانُ، قَالَ: أَبو هُرَيْرَةَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ
ثم أخذ عبد الحسين يدلس ويصول ويجول كعادته مفنداً هذا الحديث وملخصه: ( وهذا مما يبرأ منه هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...أتراه صلى الله عليه وسلم يحض الناس على الصلاة هذا الحض ، ويهتم بصلاة الفجر هذا الاهتمام ويهدد بالتحريق !! على من لا يخرج إليها ثم ينام عنها ؟ حاشا لله ومعاذ الله أن يكون كذلك .....وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم ..ولعل هذا من خوارق أبي هريرة !.... كلمة تقضّ مضاجع المؤمنين وتقلقهم فلا ينامون بعدها عن نافلة الليل لو أنصفوا أنفسهم .... وما كان وهو سيد الحكماء ليندد بمن نام عن صلاة الليل هذا التنديد ثم ينام هو بمنظر من أصحابه عن صلاة الصبح، سبحانك هذا بهتان عظيم...وقد عقد البخاري في صحيحه باباً لتهجده في الليل وباباً لطول سجوده في صلاة الليل.... هذا دأبه في قيام الليل، فما ظنك به في أقامة الفرائض الخمس وهي أحد الأركان التي بني الإسلام عليها أيجوز عليه أن ينام عليها ؟! معاذ الله وحاشا لله...).
وقال في حاشيته (ص119)مانصه:( وهذا الحديث ممّا انفرد به أبو هريرة فلم يثبت عن غيره،ولكن الجمهور أخذوا به اعتمادا على أبي هريرة كما هي طريقتهم ....)
قلت: سبحان الله كيف بلغه الجهل، أليس تزعم أن الأئمة حجج الله على خلقه، فلماذا لا تسألهم هذا السؤال ؟! ونحن لا نسعنا إلا أن نورد أجوبة هؤلاء الذين اعتقد فيهم العصمة لكي يتبين مدى جهله وتدلسيه وتشكيكه وطعنه حول راوية الإسلام رضي الله عنه ومرويًاته .
وإليك روايات أهل البيت حجج الله على خلقه كما يزعمون . ويكون ذلك حسرة على عبد الحسين، وتكون عبرة لأتباعه، إلى يوم القيامة، وأن لا يطاولوا على أبي هريرة رضي الله عنه بالتكذيب والتشكيك والطعن فيه رضي الله عنه .
فعن سماعة ابن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتى طلعت الشمس، قال:يصليها حين يذكرها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صلاها حين استيقظ ولكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلّى .
و عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) قال : إن الله أمر بالصلاة والصوم فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك... .
وفي الفقيه عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلّى الفجر وأسهاه في صلاته ، فسلّم في الركعتين ، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين ، وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فقال: قد أصاب ذلك رسول الله .
فلماذا لا تكذّب ولا تستغرب ما يروي الكليني والقمي والطوسي وغيرهم وأثبت لهم نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق الأئمة(ع) ؟،لم تجاهلت هذه الروايات أيها المدلس؟!لم أعرضت عنها في بحثك العلمي! وذوقك الفني ! أنسيت أنك تقول:( بأنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب ) فبالله عليك متى كان التضليل بحثاً علمياً ؟ ومتى كان الاعراض عن الحق ذوقاً فنياً ؟!، ومن هنا ترى أيها القارئ الكريم الفرق بين العلماء و أصحاب الأهواء والبدع !!
وفي الكافي عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصبح والله عزوجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه، وكان ذلك رحمة من ربك للناس ، ألا ترى لو أن رجلا نام حتى طلعت الشمس لعيره الناس وقالوا: لا تتورع لصلاتك ، فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل : نمت عن الصلاة ، قال: قد نام رسول فصارت أسوة ورحمة ، رحم الله سبحانه بها هذه الأمة .
فهل علمت " يا عبدالحسين " لماذا نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة ؟! ومن الحكمة من ذلك ، أم مازلت في جهلك ؟! فإن لم تعلم فسيأتي شرح ذلك من كلام الشهيد أيضاً .(13/353)
وهذا فخرك المجلسي يثب هذه الرواية في بحاره عن الكازروني في حوادث سنة سبع: وفيها نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس بالإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قفل من غزوة خيبر صار حتى إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليل ، فصلّى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما تقارب لفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عينه وهو مستند إلى راحتله ، فلم يستقيظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بلال ولا أحد من الصحابة حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أي بلال ، فقال: بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اقتادوا ، فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة وصلّى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : {أقم الصلاة لذكرى }.
ثم قال المجلسي: أقول: قد مضى الكلام فيه في باب سهوه .
و نقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح !! عن زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (ع) فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرس في بعض أسفاره فقال: من يكلؤنا ؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال وناموا حتى طلعب الشمس فقال: يا بلال ما أرقدك ؟ فقال : يا رسول الله أخذ بنفس الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن فأذن فصلّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلّى بهم الصبح ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله عزوجل يقول : { وأقم الصلاة لذكرى } قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال: نقضت حديثك الأول . فقدمت على أبي جعفر(ع) فأخبرته بما قال القوم ، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال المجلسي في تعليقه على هذا الخبر :( قال الشهيد في هذا الخبر فوائد : منها استحباب أن يكون للقوم حافظ إذا ناموا .) .
ومنها أن الله تعالى أنام نبيه لتعليم أمته، ولئلا يعّير بعض الأمة بذلك، ولم أقف على راد لهذا الخبر ، لتوهم القدح في العصمة .
وذكر المجلسي عن أبي جحيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس ، ثم قال: إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم .
فلماذا لا تسأل أئمتك هذه الأسئلة: هل نام الحرس أيضا كما نام المؤذنون ؟
ولماذا لا تسألهم : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم . ولماذا لا تسألهم هذه الأسئلة السخيفة ! ، فهل هذا الحديث من خوارق إمامك المعصوم أيضاً ؟ !
والعجب أن أولياء عبد الحسين يقولون أن الشمس ردت لكي يصلّي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صلاة العصر التي فاتته عندما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائماً في حجر علي رضي الله عنه !!
نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التعصب والضلال!
استنكار واستغراب عبد الحسين "أن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين "
14- وفي (ص120) عبد الحسين حديث :"بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين": أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْث! فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تتَكَلَّمُ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! قَالَ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ.(13/354)
ثم أخذ يصول ويجول بقوله :( أن أبا هريرة نزوع إلى الغرائب تواق إلى العجائب قد استخفته الى خوارق العادات نزية من الشوق والهيام فتراه طروبا إلى التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية ، كفرار الحجر بثياب موسى ، وكضرب موسى ملك الموت حتى فقأ عينه ، ونزول جراد الذهب على أيوب وأمثال ذلك من المستحيلات عادة
وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئبا يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعا ولن يقع أبدا وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة وبرهانا على الاتصال بالله عز سلطانه ومقام الرجل حيث ساق بقرته إلى الحقل وركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلى القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فإن المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثا بإجماع العقلاء ).
.قلت: لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (65/79 )كتاب السماء والعالم باباً سماه "باب الثعلب والأرنب والذئب والأسد " أثبت هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة رضي الله عنه من الصحيحين.
فانظروا إلى مدى تدليس هذا العالم الكبير يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة ؟ وما بعد الحق إلا الضلال .
كما عقد أيضاً في(19/129 ) كتاب تاريخ نبينا في باب " نزوله المدينة وبناؤه المسجد والبيوت " وأورد فيه حديث أبي هريرة .
قال المجلسي :( وفي هذه السنة تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما روي عن أبي هريرة ) .
نقل أيضاً في(17/394 ) كتاب تاريخ نبينا باب" ما ظهر من إعجازه في الحيوانات" عن فخرك " المفيد " في أماليه بإسناده عن شهر ين حوشب عن أبي سعيد الخدري .
وقال المجلسي في البحار( 65/78) نقلا عن ابن عبد البر وغيره : كلّم الذئب من الصحابة ثلاثة : رافع بن عميرة ، وسلمة بن الأكوع ، واهبان بن أوس الأسلمي ، قال : ولذلك تقول العرب : هو كذئب اهبان ، يتعجبون منه ....".
فهذا الحديث ليس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، فماذا تقول "يا أيها المؤلف الأمين"؟
فانظروا إلى مدى جهله بأحاديث أهل البيت رضي الله عنهم !!
ثم أن أبا هريرة لم يرو من الأحاديث مثل ما رواه أئمتك من الغرائب والعجائب التي تقشعر لها الأبدان ، فإن كنت تريد الإنكار فأولى أن تنكر على معصومينك لأنهم هم الذين يحبون التحدث مع أصحابهم بما فوق النواميس الطبيعية ، ويكفي في إثبات ذلك الرجوع إلى عناوين الأبواب .
ففي (مدينة معاجز ) (1/151-159 رواية 98)" حديث الجام " .
و(ص255 رواية 161) " إحياء الإسرائيلين الحوتين " .
و(ص266 رواية 169) " كلام الذئب " "كلام الذئبين وسلامهما عليه (ع) .
و(ص 273 رواية 170) " كلام الجمال والثياب " .
و(ص 275 رواية 171) " تسليم الأسد عليه (ع) " .
و(ص 281 رواية 177) " كلام البقرة بإسمه (ع) " .
و(ص282 رواية 178) " كلام الفيلة " .
و(ص 284 رواية 179) " كلام الوزّ " .
و(ص285 رواية 180 ) " كلام الدّراج " .
و(ص 288 رواية 182) " كلام الفرس " .
و(ص297 رواية 184) " إنطاق الجبال والأحجار والأشجار بإسمه (ع) " .
و(ص299 رواية 185) " كلام الحية " .
و(ص398 رواية 262) " كلام النخيل بإسم النبي والوصي " .
و(ص 409 رواية 272) " إنطاق الأسد بالنبي وأمير المؤمنين (ع) " .
و(ص 412 رواية 273) " كلام الجمل بالثناء عليه (ع) " .
و(ص415 رواية 275) " كلام البساط، وكلام السوط، وكلام الحمار" .
و(ص418 رواية 278) " شهادة الباذنجان له (ع) بالولاية " .
و(ص419 رواية 279) " إقرار الأرز له (ع) بالوصية " .
و(ص 442 رواية 297 ) " إنطاق الثياب والخفاف " .
وفي (2/20 رواية 20363)" إنطاق الناقة بأنّه (ع) أمير المؤمنين " .
و(ص 28 رواية 371) " إنطاق حوت يونس بولايته و ولاية أهل البيت (ع) "
وفي (5/505 رواية 1021) " كلامه (ع) مع فرسه " .
و(ص528 رواية 1037) " كلام الظبية بفضله (ع) " .
فأين قول عبد الحسين عندما قال: (الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) .
فانظر أيها القارئ مدى كذب وتدليس عبد الحسين فيما قاله!!
أقول: إن كنت تجهل بأن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين ، وتنكر أن مثل هذا الأمر بأنه "( الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) كما تزعم ، فما عليك إلا الاصغاء إلى هذه الأحاديث الملتوية من طرق أهل البيت رضي الله عنهم لكي يتبين للقاريء مدى تدلسيه وتقيته وجهله أمثال هذه الأحاديث في الكتب الأربعة وغيرها.(13/355)
فعن علي (ع) قال:" كلّم الذئب أبا الاشعث ابن قيس الخزاعي ، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثم قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئبا أصفق وجها منك . فقال له الذئب: بل أصفق وجها مني من تولى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، ولا أنور نوراً، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً ، يملك شرقها وغربها ، يقول: لا إله إلاّ الله، فيتركونه ، ومن أصفق وجها: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم ، رسول رب العالمين " .
وفي والخرائج : قال أبو عبد الله صلى الله عليه وسلم ع): إن ثلاثة من البهائم أنطقها الله على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الجمل وكلامه شكوى أربابه وغير ذلك . والذئب فقد جاء إلى النبي فشكا إليه الجوع ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرباب الغنم ، فقال : افرضوا للذئب شيئا فشحوا . فذهب .... وأما البقرة فإنها أذنت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلت عليه وكانت في نخل لبني سالم من الأنصار، وقالت: يا ذريح أعمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح ،بأن لا إله إلاّ الله رب العالمين ،ومحمد رسول الله سيد النبيين ، وعلي وصيه سيد الوصيين .!! .
استنكار عبد الحسين حديث" تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة "
15- وفي( 143) أورد عبد الحسين حديث :" تركة النبي صدقة": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ص) قَال:َ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا ولاَ دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ .
ثم أخذ يفند هذا الحديث بقوله : ( هذا مضمون الحديث الذي انفرد أبو بكر بروايته عن رسول الله محتجا به على عدم توريث الزهراء ....وقد انفرد الخليفة به ولم يروه على عهده احد سواه ، وربما قيل بأنه قد رواه معه مالك بن أوس الحدثان ).
قلت: تصحيحاً لمعلومات لهذا المؤلف، فإن هذا الحديث لم ينفرد به أبو بكر، بل رواه كل من عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص والعباس وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبي هريرة وعائشة وطلحة وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم .
فهل هذا الحديث انفرد به أبو بكر رضي الله عنه ؟!! أم انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ؟! ، ألا تخجل من اتباع هذا الأسلوب الملتوي ..وبدون خجل أو وجل تحاول أن تقنعنا بصحة ما تدلس !! أين الأمانة العلمية ؟ أين الذوق الفني الذي ادعيته !
ثم إن هذا الحديث رواه ثقتك من طرق أهل البيت !!
فقد روى الكليني في "الكافي"(1/34)- باب ثواب العالم والمتعلم- عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله(ع) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يرثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.
استنكار عبد الحسين: كون أبي طالب مات مشركاً :
16- وفي (ص150) أورد عبد الحسين حديث:" أبي طالب أبى الشهادتين" قال أَبو هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ص) لِعَمِّهِ قُلْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَال:َ لَولا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأ قْرَرْتُ بِهَا عَيْنَيكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } .
ثم أخذ يفند هذا الحديث بعصبيته المذهبية المقيتة :( أين كان أبو هريرة عن النبي وعمه (ع)؟!! وهما يتبادلان الكلام الذي أرسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه ؟ ....أن هذا الحديث مما ارتجله المبطلون تزلفا لأعداء آل أبي طالب ، وعملت لدولة الأموية في نشره أعمالها ، وقد كفانا السلف الصالح !! من أعلامنا مؤنة الاهتمام بتزييفه ....) .
قلت: إن هذا الطعن مردود إذ مبني على التعصب والهوى المذهبي ، وعلى عدم الأمانة العلمية وإذا اجتمع التعصب وعدم الأمانة في النقد أصبح البحث أو النقد مردودا لا قيمة له ، وأنت أيها القاريء عرفت الآن موقف "المؤلف " من أبي هريرة رضي الله عنه فهو لا ينشد سوى اشفاء غليله من هذا الصحابي الجليل .وإلا فإن موت أبي طالب مشركاً ورفضه بنطق الشهادتين لم يكن من رواية أبي هريرة وحده ، فقد رواه غيره من الصحابة كالعباس وأبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهم .
وإن هذا الحديث قد رواه قومك .(13/356)
ففي تفسير القمي : علي بن ابراهيم في تفسيره قوله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [ القصص/56 ] ، قال: نزلت في أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ياعم قل لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة ، فيقول يابن أخي أنا أعلم بنفسي فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تكلم بها عند الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما أنا فلم أسمعها منه وأرجوا انفعه يوم القيامة .
وقال فضل الله الراوندي (الشيعي) في كتابه "نوادر الراوندي" (ص10):( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهون أهل النار عذاباً عمي أخرجه من أصل الجحيم حتى أبلغ به الضحضاح عليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه .
وقال المجلسي نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في اسلام أبي طالب فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم : الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويرون في ذلك حديثاً مشهوراً : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: قل ياعم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أباطالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبدالمطلب وقيل غير ذلك .
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى:{ مَاكَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلىِ قُرْبَى مِنمبَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ الْجَحِيم وَ مَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبِيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لّلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [ التوبة/113-114]، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفرله بعد موته .
ورووا أن قوله تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب .
ورووا أن علياً(ع) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! بعد موت أبي طالب فقال له: إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا .
ورروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه في ضحضاح من نار . ورووا عنه أيضاً إنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ مالم يصنعا ،و أن عبدالله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم . ( انظر البحار35/155 ) .
قلت: والأدهى والأمر إنهم لم يفعلوا ذلك في آباء الأنبياء كآزر الذي ذكره القرآن بأنه كافر، بينما عقيدة القوم زعمت بأنه ليس كافر وأن الآية نزلت في عمه !!
استنكار عبد الحسين حديث" أمة مسخت فأراً "
17- وفي (ص157) أورد عبد الحسين حديث:" أمة مسخت فأراً" أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قال: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لا أرَاهَا إِلا الْفَارَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ إلاِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ .
ثم أخذ يجول معربداً :( هذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة الوكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل، ولكن الشيخين بمثابة يلبسان هذا المخرّف على غيثة- أي فساد عقله- ويحتجان به على سخافته ولو أن هذا لا يعود على الإسلام بوصمة لقلدناه حبله لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة .....فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ) .
قلت: ِلنُخرج لهذا المؤلف بعض سخافاته إن كان يعتبر هذا الحديث من السخافات .(13/357)
ففي "مدينة معاجز" ( 2/42 رواية 387): عن زيد الشحّام، عن الأصبغ بن نباته أن أمير المؤمنين(ع) جاءه نفر من المنافقين ، فقالوا: أنت الذي تقول أن هذا الجريّ: مسخ حرام ؟ فقال: نعم، فقالوا: أرنا برهانه، فجاء بهم إلى الفرات، ونادى هناس هناس ، فاجابه الجريّ لبيك . فقال له أمير المؤمنين: من أنت ؟ فقال: ممّن عرضت ولايتك! عليه فأبى فمسخ!، وإنّ في من معك من يمسخ كما مسخنا!!، ويصير كما صرنا، فقال أمير المؤمنين: بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم، فقال: نعم كنّا أربع وعشرين قبيلة!! من بني اسرائيل!!، وكنّا قد تمّردنا وعصينا!، وعرضت علينا ولايتك! فأبينا!!، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد، فجاءنا آتٍ أنت أعلم به والله منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعاً واحداً ... ثم صاح صيحة أخرى وقال: كونوا مسوخاً بقدرة الله تعالى، فمسخنا أجناساً مختلفة ... وصرنا مسوخاً كما ترى
قلت: فهذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة ...لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة..فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ! فأين أنت يا هذا من هذا التخريف في أصل الدعوى وفي دليلها ؟!
و عن الكاظم(ع) أنه قال عن المسوخ : بأنها اثنا عشر صنفاً ولها علل ، فأما الفيل فانه مسخ كان ملكاً زناء لوطياً ، ومسخ الدب لأنه كان أعرابياً ديوثاً ، ومسخت الأرنب لأنها كانت أمرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض ولا جنابة ، ومسخ الوطواط لأنه كان يسرق تمور الناس ، ومسخ سهيل لأنه كان عشارا باليمن ، ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وأما القردة والخنازير فانهم قوم من بني اسرائيل اعتدوا في السبت ، وأما الجري والضب ففرقة من بني اسرئيل حين نزلت المائدة على عيسى عليه السلام لم يؤمنوا به فتاهوا فوقعت فرقة في البحر
وفرقة في البر، وأما العقرب فانه كان رجلا نماما ، وأما الزنبور فكان لحاما يسرق في الميزان .
وإختصاراً للرويات سوف أحيلك أيها القارئ إلى تلك العناوين والأبواب، التي بوّبها هاشم البحراني في كتابه (مدينة معاجز ) والتي اعتبرها ذلك من معجزات! الأئمة !
ففي (1/308 رواية 193) " الرّجل الذي مسخ كلباً بدعائه (ع) "
و(1/310 رواية 194) " رجل مسخ كلباً "
و(1/311 رواية 195) " رجل مسخ رأسه رأس خنزير " و" الرجل الذي صار رأسه رأس خنزير ووجهه وجه خنزير "
و (1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غراباً بدعائه (ع) "
و(1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غُراباً بدعائه (ع) "
وفي (2/66) باب السابع والسبعون ومائتان "مسخ رجل سلحفاة "
و(2/288 رواية 558 ) " مسخ الرجل الذي يشتمه (ع) كلباً "
و(2/297 رواية560)" الرجل الذي قال له (ع) اخسأ فصار رأسه رأس كلب"
وفي(3/260 رواية 880) " انقلاب الرّجل أنثى وبالعكس وردّهما إلى حالهما"
أقول: وهذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات !
نسأل الله العفو والعافية والسلامة في العقل والدين ، والبعد عن الهوى والضلال .
استنكار عبد الحسين حديث" من أدركه الفجر جنباً فلا يصُم "
18- وفي(ص 157) أورد عبد الحسين حديث:" المكروه عليه فاعتذر بسماعه من الفضل" أخرج المسلم من طريق عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَال:َ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُصُّ من قَصَصِهِ : مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فلا يَصُمْ قال: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لأبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ وهو والي المدينة من قبل معاوية فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ عَزَمْتُ عَلَيْكَ إلا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ قَالَ فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ له ذلك فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَهُمَا قَالَتَاهُ لَك؟َ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ ،ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاس:ِ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ الحديث .
ثم أخذ يصول قائلا :( لو كان الفضل حياً ما اجترأ عليه ) .
وقال في الهامش(ص158) :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأفضل وأكمل مما يظنون وحاشاه أن يصبح جنباً ولاسيما في أيام الصوم والأنبياء لا يجوز عليهم الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه ) .(13/358)
قلت: العجيب أن عبد الحسين الذي ينكر على أبي هريرة رضي الله عنه هذا يفعل ما يقتضيه حديث أبي هريرة ، إذ هو شيعي إمامي ، والفقه الشيعي يقول بافطار الذي يصبح جنباً ، أفليس هذا من العجب العجاب ؟ وإليك أقوال أئمته أهل البيت الذي يعتقد فيهم العصمة ! وهو مذهبه وسوف أذكر بعض رواياته وفقهه !
ثم إن هذا الحديث رواه إمامك المعصوم الموافق لأبي هريرة رضي الله عنه .
فعن حبيب الخثعمي في الصحيح عن الصادق(ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي الليل في شهر رمضان ثم يجنب !! ثم يؤخر الغسل !! متعمداً !! حتى يطلع الفجر .
وفي " التهذيب" (6/15 ) :عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال: لا، ولكن يمر فيه الاّ المسجد الحرام ومسجد المدينة قال: وروى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا ينام في مسجدي أحد ولا يجنب فيه أحد ولا يجنب فيه أحد وقال: إن الله أوحى إليّ أن اتخذ مسجداً طهورا لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلاّ أنا وعلي الحسن والحسين .
وعن محمد بن عيسى قال: حدثني سليمان بن جعفر المروزي عن الفقيه(ع) قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع الصوم ذلك اليوم ولايدرك فضل يومه .
و عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمداً حتى أصبح قال: يعتق رقبة أويصوم شهرين متتابعين أويطعم ستين مسكينا قال: وقال إنه لخليق ألا أراه يدركه أبداً .
وفي" مسند الرضا"(2/194 باب من أصبح جنبا ( :عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابه ، ثم ينام حتى يصبح متعمداً قال: يتم ذلك اليوم عليه قضاؤه .
وفي" مرآة العقول " (16/278 ح 1 باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان ): عن الحلبي ، عن أبي عبدالله(ع) أنه قال: في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهل ثم نام متعمداً في شهر رمضان حتى أصبح ،قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .
قال المحقق الحلي في " شرائع الإسلام" (1/192 ):( من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثه ناوياً حتى طلع الفجر، لزمته الكفّارة على قول مشهور وفيه تردد).
وقال المجلسي في "مرآة العقول" (16/278): ( المشهور بين الاصحاب بل ادعى عليه الاجماع انه يحرم البقاء على الجنابة متعمداً حتى يطلع الفجر ويجب به القضاء والكفّارة . ونسب إلى الصدوق: القول بعدم التحريم . وذهب ابن أبي عقيل والسيد إلى وجوب القضاء خاصة، وكذا المشهور وجوب القضاء لو نام غير ناوٍ للغسل أو كان ناوياً وكان غير معتاد ..) .
أقول: فلم تنكر على أبي هريرة رضي الله عنه ما هو أصل مذهبك و عليه الفتيا من أئمتك وعلماء مذهبك المعتبرين .
فأين علم عبد الحسين من روايات أهل البيت رضي الله عنهم ، فبهذا الأسلوب التي اتخذه عبد الحسين في طعن روايات أبا هريرة رضي الله عنه يعود الطعن على أئمتة المعصومين من أهل البيت !!
ومن المعلوم أن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة أن الرجل قد يحتلم نهاراً ويؤخر الغسل ولا يفسد بذلك صومه .
وقد اعترف شيخهم المرتضى بذلك وسلّمْ ، قال في "الانتصار"( ص64) ما نصه: ( إنا لا نوجب على المتعمد البقاء على الجنابة إلى الصباح الغسل لا لأجل المنافاة بين الجنابة والصوم ، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنباً في نهار الصوم ) .
استنكار عبد الحسين حديث" لا عدوى ولا صفر ولا هامة "
19- وفي(ص 159) قال عبد الحسين تحت عنوان:" حديثان متناقضان": أخرج البخاري من طريق أبي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ قال فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ .
ثم أخذ كعادته يشكك ويدلس في الحديث قائلاً:( أورد البخاري هذا الحديث ثم روى بعده بلا فصل وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فيما بَعْدُ يحدث فيَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ(ص): لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فقال أبو سلمة يا أبا هُرَيْرَةَ أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لا عَدْوَى قال فأنكر حديثه الأول وَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ
( قلت: هذا شأن من لا تتساير خيلاه وكفى بهذا بلاغا ) .(13/359)
أقول: أن هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن أنس بن مالك رضي الله عنهم ، وثبت أيضاً عن عائشةرضي الله عنها عند الطبري وعن سعد بن أبي وقاص ورواه مسلم عن أبي هريرة وعن السائب بن يزيد وعن جابر وعن أنس وعن ابن عمر رضي الله عنهم ، فالحديث لم ينفرد به أبو هريرة ، بل وافقه عليه بضعة من الصحابة رضي الله عنهم .
إن هذا الحديث قد أثبته شيخك النوري في مستدركه(8/278-279): فقد عقد باباً سماه "كراهة الحذر من العدوى وكراهة الصفر للدابة وغيرها" من طريق أبي هريرة رضي الله عنه الذي أنكرته أيها الفطن .
وإن كان عبد الحسين يعتقد أن الحديث الذي رواه أبا هريرة رضي الله عنه (حديثان متناقضان ) كما يدّعي ويزعم ذلك كذباً وبهتاناً !! فإليك تناقضات أهل البيت رضي الله عنهم الذين رووا هذا الحديث أيضاً يا صاحب ( التقية ) .
فعن النظر بن قرواش الجمال ، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من ابلي مخافة أن يعديها جربها ، والدابة ربما صفرت لها حتى تشرب الماء ، فقال أبوعبد الله صلى الله عليه وسلم ع): إن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله أني أصيب الشاة والبقرة بالثمن اليسير وبها جرب ، فأكره شرائها مخافة أن يعدي ذلك الجرب ابلي وغنمي فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أعرابي فمن أعدى الأول ؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا عدوى ولا طيرة ولا شوم ولاصفر ولارضاع بعد فصال .
وفي "الفقيه"( 4/258)عن الصادق(ع) قال : فر من المجذوم فرارك من الاسد .
وقال الجزائري في "الأنوار النعمانية" (2/145 ):" وروى عنه إنه قال: " لا يورد ممرض على مصح وقال فر من المجذوم فرارك من الأسد" .
فلماذا هذا الحقد والهجوم والطعون في أبي هريرة رضي الله عنه راوية الإسلام ؟ وكل الطعون في أبي هريرة يكون قد طعنت في أئمتك من أهل البيت رضي الله عنهم .
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" مولودان يتكلّمان بالغيبيّات "
20- وفي(ص 159) أورد عبد الحسين حديث:" مولودان يتكلمان بالمغيبات": أخرجه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً من حديث قال فيه: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي فجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ أمه اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ قال وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلامُ؟ فقَالَ الْغُلام إن أبي لهو الرَّاعِي! قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لا إلا مِنْ طِينٍ (قال أبو هريرة )وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَال:َ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ ( قال أبو هريرة ) كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إِصْبَعَهُ! ثُمَّ مُرَّت أَمَ الْغُلام فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ الْغُلامَ ثَدْيَ أمه فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ لها الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْت وَلَمْ تَفْعَلْ ! .
ثم أخذ يفند هذا الحديث طبقاً لهواه :( قلت: لم يكن جريج من الأنبياء وكذلك هذان الطفلان ، فلا يمكن أن تصدر على أيديهم خوارق العادات ، فإن الخوارق إنما تكون من النبيين في مقام تعجيز البشر اثباتا لنبوتهم كما هو مقرر في محله وكلام هذين المولودين وأخبارهما بالمغيبات مما تأباه فطرة الله التي فطر الناس عليها ...) .
قلت: وقد ادعيتم مثل ذلك بل أكثر في أئمتكم، وادعيتم بأنها من معجزات الأئمة ، بأنهم كانوا يتكلّمون بالغيبيات وهم في المهد!، بل كانوا يقرأون القرآن وجميع صحف الأنبياء ، وقد جمع أمثال تلك المعجزات علاّمتكم هاشم البحراني في كتابه "مدينة المعاجز" !!
ولو أردنا بيان منزلة هؤلاء الأئمة ومعجزاتهم لاحتاج الأمر إلى مجلدات ضخمة .
واختصاراً للروايات ما عليك إلا الرجوع إلى هذه الأبواب في كتاب: "مدينة معاجز" !!
ففي (1/45-48 رواية1): الباب الأوّل في معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) الأّوّل " معاجز ميلاده (ع) " .
و(1/414 رواية 274) " كلام الطفل بإمرة المؤمنين له (ع) وهو ابن ستة أشهر!!، وكلام الطفل آخر!! " .(13/360)
وفي (3/135 رواية 794) " إنطاق الصبي بأنّه (ع) ولي الله " .
و(3/500 رواية 1015) معاجز الإمام الحسين(ع) " كلام الغلام الرّضيع " .
وفي (6/224 رواية 1965 ) معاجز الإمام الكاظم " مسارّه أباه (ع) في المهد".
أولاد الأئمة يتكلّمون في المهد وفي بطون أمهاتهم ويقرأون الصحف ...!!
وإليك روايات أهل البيت أن الأئمة عند ولادتهم يتكلّمون بلسان فصيح! وكانوا يقرأون صحف الأنبياء !!... وغير ذلك .
واختصر الروايات لطولها .
نقل شيخهم الملقب أيضاً " بآية الله"الحسين الشيرازي في كتابه "الفقه" :
(99/13) عن حالات مواليد أئمة حيث قال:( وكذلك دلّ العقل على ذلك ، إذا ما لاحظ حالاتهم من أول الولادة ، بل قبل الولادة ، فقد كانت فاطمة (ع) تكلم أمها وهي في الرحم ) .
وفي المحجة عن أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري قال : في حديث طويل وفيه - دخلت على أبي محمد الحسن العسكري(ع) فقلت له: يا مولاي فهل من علامة - أي المهدي - يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام !!بلسان عربي فصيح!! فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه!! ... .
وعن يعفوب بن السراج قال دخلت على أبي عبدالله(ع) وهو واقف على رأس موسى (ع) وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال لي أُدن من مولاك فسلّم فدنوت فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام بلسان فصيح... !!
. فهؤلاء أئمتكم تصدر على أيديهم خوارق لم تصدر حتى من الأنبياء ، وهي دعاوى فارغة . فكيف تزعم إن الخوارق إنما تكون من النبيين ؟ !!
وفي " المحجة "(4/278) : عن زكريا بن آدم قال: سمعت الرضا يقول: كان أبي (ع) ممن تكلّم في المهد .
وأورد القزويني في كتابه "علي(ع) من المهد إلى اللحد" (ص 23) باب "علي (ع) يقرأن القرآن قبل نزوله " !! وإليك هذه الرواية بإختصار .
وخلاصة القصة هي:( استقبل سيدنا أبو طالب السيدة فاطمة بنت أسد مهنئاً وأخذ أبو طالب وليده الحبيب وضمّه إلى صدره ثم ردّه إلى أمه، وأقبل رسول الله وذلك قبل أن يبعث فلمّا رآه علي جعل يهش ويضحك كأنه ابن سنة!!، ... فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقبّله حمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم أنه سيكون له أحسن وزير وخير أخ وأول مؤمن به، ... فسلّم علي على رسول الله ثم قرأ هذه الآيات :
{ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فىِ صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }[ المؤمنون /1-2] .
والحديث الذي أراد عبد الحسين إنكاره قد رواه الأئمة أيضاً !!
ففي قصص الراوندي بإسناده إلى أبي جعفر (ع) قال: كان في بني اسرائيل عابد يقال له جريج وكان يتعبد في صومعته ، فجائته أمه وهو يصلّي فدعته فلم يجيبها فانصرفت ، ثم أتته ودعته فلم يجيبها ولم يكلمها ، فانصرفت وهي تقول اسأل له بني اسرئيل أن يخذلك ، فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته فأخذها الطلق فاعدت أن الولد من جريح ففشا في بني اسرئيل ان من كان يلوم الناس على الزنا ، فقد زنا ، وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمه اليه تلطم وجهها ، فقال لها : اسكني ،إنما هذا لدعوتك ، فقال الناس لما سمعوا بذلك منه : وكيف لنا بذلك ؟ قال: هاتوا الصبي فجاؤا به فأخذه ، فقال من أبوك ؟ فقال فلان الراعي لبين فلان .
استغراب عبد الحسين حديث" توكيل أبي هريرة بحفظ زكاة الفطرة ومجيء الشيطان ليسرق منها "(13/361)
21- وفي(ص 161) أورد عبد الحسين حديث:" توكيله بحفظ زكاة الفطرة ومجئ الشيطان في ثلاث ليال ليسرق منها" : أخرج البخاري بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ وَكَّلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ص) بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَال:َ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَال(ص): أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ قال فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البارحة قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ! قَالَ (ص):أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، قال: فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ:لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَلما أَصْبَحْتُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فحكيت له القصة قال أتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ منذ ثلاثة أيام يا أبا هريرة ؟ قلت لا قَالَ(ص): ذَاكَ شَيْطَانٌ . [ أخرجه البخاري في الوكالة ].
ثم أخذ ينكر متعجباً من هذا الحديث قائلا:( هذه خرافة لا يصغي إلا من رك عقله، وطفئت شعلة دهنه ...-إلى أن قال - وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم انهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان ...الى غير ذلك من القصص التي يربأ أولو العقول الوافرة والأذهان النيرة عن سماعها،نعوذ بالله من سبات العقل وضعف التمييز).
قلت: إذا كان كذلك كما تزعم وتدّعي ذلك زوراً وبهتاناً فإليك مارووا أئمتك وعلمائك عن شياطينهم !!
فقد عقد فخرك المجلسي في "البحار " (63/297 )في كتاب السماء والعالم باب "ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته أيها الحاقد من طريق أبي هريرة من صحيح البخاري .
فانظروا إلى مدى جهل عبد الحسين، بل وحقده على هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة، فما هذا التقية والتضليل ؟!!
سوف أختصر الرواية لطولها التي أثبتها المجلسي .
كما أورد المجلسي في " البحار" ( 63/316 -317 باب ذكر ابليس وقصصه) و (63/112- 113كتاب السماء و باب حقيقة الجن وأحوالهم ) ، عدة روايات في هذا الباب
فعن أيوب الانصاري أنه قال: كانت لي سهوة فيها تمر فكانت تجيئ الغول كهيئة النور فتأخذ منه ، فشكونا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأخذتها فحلفت أن لاتعود، فأرسلها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : إني ذاكرة لك شيئا : آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:ما فعل أسيرك ؟ فأخبره بما قال، قال: صدقك وهو كذوب .
وأما قوله :( وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم أنهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان...) .
قلت: هذا الحديث لا إشكال فيه عند من يؤمن بالقرآن والسنة، وقد أورد هذا الحديث الذي أنكرته حسب هواك ومزاجك فخرك المجلسي فعقد في"بحاره" (63/315 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " باب ذكر ابليس وقصصه "
قال المجلسي : روى مسلم عن سهل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثه ومعي غلام لنا، أوصاحب لنا ، فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئاً فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر .(13/362)
وفي رواية :عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا تغوّلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص أي ضراط .
كما أخرجه أيضاً المحقق الاحسائي في كتابه العوالي (1/409) قال: روي في الخبر عنه أنه:" إذا أذن المؤذن ، أدبر الشيطان وله ضراط" .
وأورد النوري في كتابه" المستدرك"( 4/73) في أبواب الأذان والإقامة " .
وهل لنا أن نقول: وما أجهل عبد الحسين بمذهبه ؟
استنكار عبد الحسين اسلام أم أبي هريرة بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما:
22- وفي (ص162) أورد "عبد الحسين" حديث:" اسلام أمه بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما":أخرج مسلم بسنده إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ص) مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْمَعَتْنِي أمي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَها فَقَالَ (ص): اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا فَلَمَّا بلغت الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي وطء قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ فقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ فهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي .
ثم أخذ يصول ويجول قائلا :( في هذا الحديث نظر من وجوه : أنه لم يروه عن رسول الله سوى أبي هريرة فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به ...- إلى أن قال- خامسها: و لو صح ما زعمه أبو هريرة من دعاء النبي له ولأمه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويحبب المؤمنين إليهما لأحبه أهل بيت النبوة وموضع الرسالة فإنهم سادة المؤمنين وقادة أهل الملة والدين فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم برذلّونه ويسقطون حديثه ؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتى قال أمير المؤمنين(ع):ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبو هريرة الدوسي ) .
وقال في حاشية الصفحة:( في هذا المعنى أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أميرالمؤمنين(ع) بالخصوص إمام المعتزلة أبو جعفر الاسكافي كما في (ص360) من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي .
ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله ألخ . فيكف يكون عدو الله وعدو كتابه محباً للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعا ؟ وقد ضربه عمر على عهد رسول الله ..) .
قلت: لو أردنا أن ننظر إلى أحاديث الفضائل بنفس عقليتك لخرجنا بنتيجة أن فضائل رواتك ممن مدحتهم في مراجعاتك كزرارة لم يروه عن إمامه سواه، فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به .
فمثلا روى الكشي في " الرجال”( 2/133 رقم 208): بإسناده عن ابن بكير عن زرارة ، قال: قال أبو عبد الله صلى الله عليه وسلم ع): يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف ، قلت نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكنى لقبت بزرارة .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة ! .
وروى أيضاً: بإسناده إلى زرارة قال : اسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد من الفتيا فازداد به إيماناً .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة فهو معطوف على سائر ما انفرد به .
وروى أيضاً:( 2/141رقم222 ): عن الحسين بن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك جعلني الله فداك أنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران إنك ذكرتني وقلت فيّ فقال أقرأ أباك السلام وقل له أنا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة وأنا والله عنك راض فما تبالي ما قال الناس بعد ذلك .(13/363)
هذا الحديث لم يروه إلا ابن زرارة ! ، كما أن والده لم يعرف عنه شئ البتة وأما جده فكان راهبا ولم يسلم كما ذكر ذلك الطوسي .
فماذا يقول أولياء زرارة في الجواب عن هذا ؟ وليخبروني هل لديهم عن زرارة شىء يسند إلى غير زرارة من إسلامه وعن إسلام أبيه أو جده؟ ، فقد كان انتشار الإسلام عظيماً في ذلك الحين فلم يكونوا في زمن الجاهلية فليس لهم عذر ....فإن كان أولياء زرارة عندهم شىء من ذلك فليرشدونا إليه وإني ، وأُشهد الله إني لم أجد رغم والتحري فيمن كانت له صحبة أحداً ذكر والد زرارة أو والدته بشئ ....
وأما قوله :( ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله... ) .
وأما قوله:( فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم يرذلونه ويسقطون حديثه..)
أقول: قد فصل الأستاذ عبد المنعم صالح في كتابه " دفاع عن أبي هريرة " رواية أبناء علي وفرسانه وأصحابه ومواليه وجماهير الشيعة الأوائل الذين رووا عن أبي هريرة فقال : كذب النّظام وأبو جعفر الاسكافي ، المعتزليان ، على الإمام علي رضي الله عنه ورويا دون سند تكذيباً لأبي هريرة زعما أن الإمام علي تفوه به ، فأوهما متأخري الشيعة ، وحملاهم على الاعتقاد بأن أبا هريرة كذّاب .
إن هذه الكلمة المزعومة لا تقبل، ولا يمكن لأحد الاعتداد بها ، لورودها بلا سند، والعلماء النقاد رفضوا كل الأخبار العارية عن الأسانيد . لكننا مع ذلك، سنثبت في هذا الفصل بالدلائل القطعية الكافية اعتداد أبناء علي رضي الله عنهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروايتهم عنه ، ورواية كبار فرسان علي رضي الله عنه وأمراء جنده، الذين قاتلوا معه في معارك الجمل وصفين والنهروان ، عن أبي هريرة ، ورواية جمهرة من التابعين رضي الله عنهم ممن لاقوا علياً رضي الله عنه ورووا عنه ، إضافة إلى رواية بعض موالي أبناء علي رضي الله عنهم، ورواية عدد كبير آخر من جماهير الشيعة والكوفيين ومحبي ذرية علي رضي الله عنهم من طبقة أتباع التابعين والطبقة التي تليهم لحديث أبي هريرة ،واستعمالهم له ، واستدلالهم به ، وتدوينه في كتبهم .
إن اجتماع هذه الروايات ، وإثباتنا تداول كل هؤلاء لحديث أبي هريرة، ليعطينا الدليل الواضح على أن هذا التكذيب المنسوب للإمام علي رضي الله عنه، لم يعلم به أبناؤه ولا مواليهم ولا جنوده ولا سامعو الرواة عنه ، ولا الصدر الأول من الشيعة ، ولا أهل
الكوفة ، عاصمة الإمام وقلعة التشيع ، ولو كانت هذه المقالة المفتراه صحيحة غير موضوعة لاشتهرت عند هؤلاء ، ولتركوا أبا هريرة ، ولما رووا عنه ، ولا حرصوا على تدوين حديثه وجمعه ممن سمعوه .
ومن هنا فإن هذا الفصل هو من أهم فصول في كتابي هذا، إذ لم يسبق أن كتب فيه أحد .
وفي الفصل الذي بعده سنثبت سكوت جموع الهاشميين الأفاضل عن نقل هذه الكلمة :
وكم من رواة عن علي بكوفة تروي بفخر عنه أيضاً وتحمل
روى جعفر الصدق الهمام حديثه على نحو ما ألفى أباه يسجّل
كذلك زين العابدين وصحبهم فيا عجباً من آخر لا يعوّل
أبا جعفر مبسط اللثام ولم يعد بخاف عواج في قصود تزمل
فإن كنت تروي عن علي مقالة توهمت أنّا عن فراها نغفل
وإن كنت عمداً قد وضعت لها فقد فضحت ونكثنا الذي كنت تغزل
لماذا إذن صدر التشيع ساكت وأبناؤه طرا لها لم يدولوا ؟
فهم أطبقوا سكتا ،وعف لسانهم وسكت جموع الهاشميين يكمل
وسأعتمد في التعريف بهؤلاء أولاّ على مصادرنا الحديثية غير الشيعية، كطبقات ابن سعد والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، والثقات لابن حبان، وتهذيب التهذيب لابن حجر ، وميزان الاعتدال للذهبي، ثم أثبت صحة كونهم من الشيعة من المصادرالشيعية المهمة نفسها،وقد اعتمدت على جملة كتب عليها التعويل عن الشيعة
قلت:وسوف أثبت بعض النماذج من مرويات أبي هريرة رضي الله عنه بأسانيد الشيعة في كتبهم، بأن الشيعة الأوائل كانوا يروون عن أبي هريرة رضي الله عنه ويحتجون بأحاديثه ، حتى أن شيخك النوري لم يجد في الأبواب التي عقدها في مستدركه باباً يعقد به إلا وفيه حديث من أحاديث أبي هريرة ، مثال باب " كراهة استعمال الأجير قبل تعيين أجرته، وعدم جواز منع الأجير من الجمعة ، واستحباب إحكام الأعمال واتقانها "، وباب " استحباب دفع الأجرة إلى الأجير بعد الفراغ من العمل من غير تأخير قبل أن يجف عرقه ، وجواز اشتراط التقديم والتأخير ، وكذا كل ما يشترط في الاجارة " .
بل نقل هاشم البحراني أن علي بن الحسين رضي الله عنه اعتق أحد غلمانه لما سمع حديث أبي هريرة رضي الله عنه .(13/364)
ففي "حلية الأبرار"(2/23-24 ) قال : وقال سعيد بن مرجانة يوماً عند علي بن الحسين سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل ارب منها أرباً منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج فقال علي(ع) سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد: نعم فقال: لغلام له افره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد اعطاه بهذا الغلام ألف درهم فلم يبتعه أنت حر لوجه الله
فانظركيف صدّق علي بن الحسين رضي الله عنه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وعمل بحديثه بدون تكذيب أو تردد .
فكيف يرذلونه أئمتكم وعلمائكم ويسقطون حديثه أيها المفتري !!
سوف أذكر بعض النماذج من مرويات أبي هريرة رضي الله عنه بأسانيد مشايخ الشيعة .
روايات أبي هريرة رضي الله عنه من طرق الشيعة :
فمن هؤلاء : شيخهم المفيد المتوفي سنة (413 ه ) .
محمد بن- علي بن الحسين بن بابوبه القمي الملقب بالصدوق المتوفى سنة(381ه) .
محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة المتوفى سنة (460 ه ) .
محمد بن علي بن عثمان الكراجكي المتوفى سنة(449 ه ) .
قطب الدين الرواندي المتوفى سنة (573 ه ) .
محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات .
جعفر بن أحمد القمي .
الشريف الزاهد محمد بن علي الحسيني .
محي الدين أبي حامد بن علي بن زهرة الحسيني وغيرهم .
وإليك بعض هذه الروايات التي رووها بأسانيدهم الخاصة :
أولاً : أسانيد الشيخ المفيد :
1- المفيد ففي " أمالي" (ص111) : عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم، عن موسى بن محمد الخياط، عن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، عن شريك عن عبد الله بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:...الحديث( والبحار 18/ 5 ).
2- المفيد في" أمالي"(ص 317) :حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا أبوجعفر محمد بن صالح القاضي قال:حدثنا مسروق ابن المرزبان قال: حدثنا حفص عن عاصم بن أبي بعثمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث .
3- المفيد في " أمالي"(ص 111-112) : حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا محمد ين يحيى بن سليمان بن زياد المروزي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث .
ثانياً : أسانيد الشيخ الصدوق :
1 - الصدوق :عن عبد الله بن حامد ، عن الحسن بن محمد بن إسحاق عن الحسين بن إسحاق الدقاق عن عمر بن خالد عن عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال .....الحديث.[البحار 18/106-107]
2 - الصدوق في " معاني الأخبار"( ص 80و 98) : القاسم بن محمد بن أحمد الهمداني عن أحمد بن حسين عن إبراهيم ابن أحمد البغدادي عن أبيه عن عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال .... الحديث ( بحار الأنوار 22/238) .
3- الصدوق في " اكمال الدين"( ص136): محمد بن عمر البغدادي عن محمد بن الحسن بن حفص عن محمد بن عبيد عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث . (و البحار 23/132 ) .
4- الصدوق : إبراهيم بن هارون عن أبي بكر احمد بن محمد عن محمد بن يزيد القاضي عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد وإسماعيل بن جعفر عن أبيه عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 27/5 ) .
5- الصدوق في الخصال: الخليل بن أحمد عن ابن منيع عن مصعب عن مالك عن أبي عبدالرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة قال.
6 الصدوق في الخصال : الخليل عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن رشيد بن سعد البصري عن شراحيل بن يزيد عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة ... الحديث .
7- الصدوق في الخصال : الخليل بن احمد عن معاذ عن الحسين المروزي عن محمد بن عبيد عن داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .... الحديث .
8 الصدوق في الخصال : عن الخليل عن ابن صاعد عن اسحاق بن شاهين عن خالد ابن عبدالله عن يوسف بن موسى عن حريز بن سهيل عن صفوان عن أبي يزيد عن القعقاع بن اللجلاج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .... الحديث .
9 - الصدوق في الخصال : عن الخليل بن أحمد عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن بكر بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث .
10 - الصدوق في الخصال: ابن بندار عن جعفر بن محمد بن نوح عن عبدالله بن أحمد بن حماد عن الحسن بن علي الحلواني عن بشير بن عمر عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي المقبري عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/68) .
11- الصدوق في الخصال : عن الخليل عن محمد بن معاذ عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن أبي معمر عن سعيد الغنوي عن أبي هريرة... الحديث .(13/365)
12- الصدوق في الخصال : عن محمد بن عبدالله الشافعي عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن محمد بن ادريس عن محمد بن عبدالله الانصاري عن محمد بن عمربن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/98 ).
13- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن معاذ عن الحسين المروزي عن عبدالله عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث .
14 - الصدوق في الخصال: الخليل عن ابن منيع عن أبي بكر بن أبي شيبة عن معوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال . ...الحديث .
15- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن صاعد عن حمزة بن العباس عن يحيى بن نصر عن ورقاء بن عمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة... الحديث .
16- الصدوق في الخصال: محمد بن أبي عبدالله الفرغاني عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن عن أبي حاتم عن محمدبن عبدالله عن ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن تيهان عن أبي هريرة ..... الحديث ( البحار 104/102).
17- الصدوق في الخصال: القاسم بن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد ابن عثمان عن عبيدالله بن موسى عن شبيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 104/253 ) .
18- الصدوق في ثواب الأعمال : ابن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن حماد بن عمرو النصيبي عن أبي الحسن الخراساني عن ميسرة بن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبدالعزيز عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس قال.... الحديث .
19- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران بإسناده عن أبي هريرة وابن عباس قالا... الحديث .
20- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن الحسين بن يزيد عن حماد عن عمرو عن أبي الحسن الخراساني عن ميسر عن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس... الحديث.
21- الصدوق في ثواب الأعمال: ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي هاشم عن أبي جبير عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 96/253) .
22 - الصدوق في اماليه : عن الحسن بن عبدالله بن سعيد عن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم عن محمد بن عبدالرحمن عن عمرو بن أبي بسلمة عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ...( البحار 72/36 و 75/143) .
23 - الصدوق في العلل: عن أبي الهيثم عبدالله بن محمد عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 83/15 ) .
24- الصدوق في العلل: ابن ادريس عن أبيه عن الأشعري عن الجاموراني عن الحسن بن علي عن أبي عثمان عن حفص بن غياث عن ليث عن سعد عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 103/142 ) .
25- الصدوق في "التوحيد"(التوحيد ص26 ح 25 ) : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمدبن أحمد بن غالب الأنماطي قال: أخبرنا أبوعمرو أحمد بن الحسن بن غزوان ، قال: حدثنا ابراهيم بن أحمد قال: حدثنا دواد بن عمرو، قال: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن زيد بن أسلم ، عن عطار بن يسار عن أبي هريرة قال.... الحديث .
ثالثاً: أسانيد الكراجكي في كنز الفوائد :
1- ففي :( 1/148 ): حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان عن محمد بن أحمد الشاشي عن أحمد بن زياد القطان عن يحيى بن أبي طالب عن عمرو بن عبدالغفار عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال.. الحديث
.2- وفي (1/207):حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال: حدثنا أبو أيوب قال : حدثنا أحمد بن الحجاج قال: حدثنا ثوبان ابن ابراهيم عن مالك بن مسلم عن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث .
رابعاً: أسانيد الشيخ الطوسي :
1- الطوسي في أماليه: أبو عمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن عن أبيه ، عن أبي معشر، عن سعيد ، عن أبي هريرة... الحديث.
2- الطوسي : المفيد ، عن محمد بن الحسن المقري ، عن محمد بن سهل العطار ، عن أحمد بن عمر الدهقان ، عن محمد بن كثير ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 41/34 ) .
3- الطوسي في اماليه : أباعمرو، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ، عن أرطأة بن حيدر، عن أبوب بن واقد، عن يونس بن حباب، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 43/264) .
4 - الطوسي في أماليه: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جرير الطبري،
عن عمرو بن علي عن عمرو بن خليفة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة : قال. .(13/366)
5 - الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن محمد بن عمرو بن البختري عن محمد بن أحمد بن أبي العوام عن عبدالوهاب بن عطا عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 71/389-390 ) .
6- الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن المظفر عن محمد بن عبد ربه عن عصام بن يوسف عن أبي بكر بن عياش عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار72/64 ) .
7 - الطوسي في اماليه: جماعة عن أبي المفضل عن الحسين بن موسى عن عبدالرحمن ابن خالد عن زيد بن حباب عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار74/368 )
8- الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد بن صالح القاضي عن مسروق ابن المرزبان عن حفص عن عاصم بن أبي عثمان عن أبي هريرة قال... الحديث .
9- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عبدالواحد بن محمد بن عبدالله بن مهدي عن يحيى بن أبي طالب عن عبدالرحمن ابن علقمة عن عبدالله بن المبارك عن سفيان عن اسماعيل بن أبي خالد عن زياد عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 80/267 ) .
10- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك عن أحمد بن علي بن الخزاز عن يحيى بن عمران عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 81/313 ) .
11 - الطوسي في اماليه: المفيد عن التمار عن علي بن ماهان عن الحارث بن محمد بن داهر عن داود بن المخبر عن عباد بن كثير عن سهيل بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 75/100 ) .
12 - الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن الحسين البزوفري عن أبيه عن الحسين بن ابراهيم عن علي بن داود عن آدم العقلاني عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبي هريرة ...الحديث ( البحار 75/100 ) .
13- الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن الرزاز عن العباس بن حاتم عن يعلي بن عبيد عن يحيى بن عبيدالله عن أبيه عن أبي هريرة قال....الحديث(البحار 75/189) .
14- الطوسي في أماليه: محمد بن عبد الغني بن سعيد بن عثمان بن محمد السمرقندي عن محمد بن حماد الطهراني عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث ( البحار 75/310 )
15- الطوسي في أماليه: عن المفيد عن الحسين بن علي التمار عن أحمد بن محمد عن لعنزي عن علي بن الصباح عن أبي المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة .....
16 - الطوسي في أماليه: عن المفيد عن ا لحسين بن علي التمار عن محمد بن يحيى بن سليمان عن داود عن جعفر بن اسماعيل عن عمرو بن أبي عمرو عن المقيري عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 87/207 ) .
17 - الطوسي في أماليه: عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد الدقاق عن عبيد بن عبد الواحد عن ابن أبي مريم عن نافع بن يزيد عن يحيى ابن أبي سليمان المدني عن يريد بن أبي القتاة وابن المقبري عن أبي هريرة قال....الحديث.
18- الطوسي في أماليه: بالإسناد إلى الرقاشي عن أبيه عن محمد بن مروان عن المعارك أن عباد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.... الحديث.
19- الطوسي في أماليه: ابن بشران عن اسماعيل بن محمد الصفار عن الحسن بن عرفة عن حريز بن عبد الحميد عن عمارة ابن القعاقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 96/178 ) .
20 - الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد ين يحيى بن سليمان المروزي عن عبيد الله بن محمد العبسي عن حماد بن سلمة عن أبوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 96/366 و 97/17 ) .
21 - الطوسي في أماليه: بالإاسناد المتقدم إلى حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 96/366 ) .
22- الطوسي في أماليه: الحفار عن أبي القاسم الدعبلي عن محمد بن غالب عن أبي عمير الحوصي عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 104/253- 254) .
23- الطوسي في أماليه : عن محمد بن محمد بن مخلد عن محمد بن يونس القرشي عن سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال...الحديث ( البحار 66/231 ، المستدرك 16/421 - 424 ).
خامساً : أسانيد الشيخ ابن الراوندي :
1- ابن الرواندي في كتاب النوادر : عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي بكر محمد عن محمد بن عمرو بن مذعورة عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار96/346، المستدرك 7/481-482 ) .
2- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن عبد الجبار بن أحمد عن الحاكم أبي الفضل الترمذي عن عبدالله بن صالح عن محمد بن أحمد عن اسماعيل بن اسحاق عن ابراهيم بن حمزة عن عبدالعزيز بن محمد عن سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال..الحديث ( البحار 96/348 ، المستدرك 7/426 ) .(13/367)
3- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن الوراق عن أبي محمد عن عماد بن أحمد عن الحسين ابن علي عن محمد بن العلا عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث ( البحار 96/350 ، المستدرك7/429 ) .
4- ابن الراوندي في كتاب النوادر: عن أحمد بن عمران بن موسى عن أحمد بن هشام عن أحمد بن عبدالله بن أبي نصر عن يزيد بن هارون عن هشام بن أبي هشام عن محمد بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال....الحديث( المستدرك 7/428 ).
سادساً : أسانيد اسماعيل بن موسى :
1- اسماعيل بن موسى بن جعفر في الجعفريات : أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبد الصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط حدثنا الأبهري حدثنا عبدالله بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة... الحديث .
2- الجعفريات: عن محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 8/210 ) .
3 - الجعفريات: قال محمد بن الأشعث أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبدالصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط قال : أخبرنا أبوبكر محمدبن عبدالله الأبهري الفقيه المالكي حدثنا أبو عبدالله بكر بن محمد بن ابراهيم الضرير بن المصيص الزاهد، وكان ثقة، قال: حدثنا ابراهيم بن ربيعة عن أبي هريرة.... الحديث.
4 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث قال: وحدثني الزبير محمد بن خلف بن عمر بن عبدالله بن الوليد بن عثمان بن عفان قال: حدثني علي بن عبدالله بن الجبار قال: حدثني محمد بن عبدالرحمن المزني عن محمد بن عجلان عن عجلان عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 12/339 - 340 ) .
5- الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة....
6- الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري الفقيه المالكي عن أحمد بن عميرعن ادريس عن أسباط عن العلاء بن هارون ع موسى بن اسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 13/281 - 282) .
7 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة ....
8 - الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري عن عبدالله بن محمد بن وهب الدينوري الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان العبدي قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال.. الحديث ( المستدرك 16/ 237 ) .
سابعاً : أسانيد جعفر بن أحمد القمي :
1- جعفر بن أحمد القمي في الأخبار المسلسلات :حدثنا محمد بن علي الحسين وشبك بيدي قال:شبك بيدي عتاب بن محمد بن عتاب أبوالقاسم قال: شبك بيبدي أحمد بن محمد بن عمار ببغداد وقال لنا: شبك بيدي محمد بن همام العراقي قال: شبك بيدي اسماعيل بن ابراهيم قال:شبك بيدي عبدالكريم بن هشام قال شبك بيدي ابراهيم بن أبي يحيى قال: شبك بيبدي صفوان بن سليمان قال: شبك بيدي أبوب بن خالد قال: شبك بيدي عبيد الله بن رافع قال: شبك بيدي أبو هريرة قال: شبك بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: .... الحديث ( البحار 57/ 104 ) .
ثامناً :أسانيد الشيخ محمد بن علي الحسيني:
1 - الشيخ محمد بن علي الحسيني في كتاب التعازي بإسناده : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 2/246) .
تاسعاً: أسانيد الشيخ محي الدين ابن أخي ابن أبي زهرة :
1 - ابن زهرة في أربعينه : عن أبي المحاسن يوسف بن رافع ، عن القاشي أبي الرضا سعيد بن عبدالله الشهرزوري ، عن أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب ، عن أبي القاسم هبة الله بن عبدالوارث ، عن أبي زرعة أحمد بن يحيى ، عن أبي محمد الحسن بن ابراهيم ، عن جعفر بن درستويه ، عن محمد بن عبدالله بن عمار عن المعافي عن محمد بن أبي حميد الأنصاري ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة .....
2 - ابن زهرة في أربعينه : أخبرنا القاضي الإمام شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، بقراءتي عليه في الرابع عشر من جمادي الآخرة من سنة ثماني عشرة وستمائة ، قال: أخبرنا القاضي الإمام فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبدالله بن القاسم الشهرزوري ، سماعا عليه في جمادي الآخرة سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الفتح محمد بن عبدالرحمن الخطيب الكشمهيني ، بقراءتي عليه يوم السبت سابع عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ(13/368)
أبوالقاسم هبة الله بن عبد الوراث بن علي بن أحمد الشيرازي، كتبه لي بخطه في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربعمائة ، قال: أخبرنا أبو القاسم الحسين بن أحمد بن
الحسين التميمي قال: أخبرنا أبوبكر أحمد بن يعقوب الطابشي قال: حدثنا : أبو محمد المنتصر بن نصر بن المنتصر بن تميم قال: حدثنا أبوحفص عمر بن مدرك القاضي قال: حدثنا أبو عبدالرحمن العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان ، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 10/375 ) .
3- ابن زهرة في أربعينه : أخبرني القاضي الإمام بهاء الدين شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم - بقرائتي عليه - قال: أخبرنا الإمام أبوالفضل عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم عبدالله بن الحسين بن محمد الأسدي قال: أخبرنا الشيخ الإمام الأديب الثقة أبو محمد كامكار بن عبدالرزاق قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو صالح أحمد بن عبدالملك بن علي المؤذن قال: أخبرنا الشيخ أبو زكريا يحيى بن ابراهيم بن محمد المزكي قال: حدثنا أبو بكر عبدالله بن يحيى الطلحي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا محمد بن الحسن الحضرمي قال: حدثنا اسحاق بن نجيح ، عن أبي جريح ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 17/290) .
وإلى غير ذلك من الأسانيد التي رووها، وقد إختصرنا كثيراً أمثال هذه الأسانيد، بل وهناك أسانيد كثيرة رواها الحر العاملي في كتابه " وسائل الشيعة" ولكن خوفاً من الإطالة لم نذكرها حتى لا يطيل المقام .
و أمثال هذه الأسانيد و الأحاديث التي رواها الشيعة في كتبهم الحديثية وغيرها، بل ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا استشهدوا واستدلّوا من روايات أبى هريرة رضي الله عنه ، وقد شملت مروياته معظم أبواب الفقه : في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير ، والمناقب ، والتفسير ، والطلاق ، والنكاح ، والأدب ، والدعوات ، والرقاق، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
فإذا عرفنا هذا وأضفنا إلى الصحابة و التابعين رضي الله عنهم الذين رووا عنه وقد بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .فما معنى هذا ؟ معناه أن الحضارة الإسلامية بعلمائها وفقهائها ودعاتها وأئمتها أخذوا عن أبي هريرة رضي الله عنه كثيراً مما أسسوا علمهم وفقههم ودعوتهم ! وهذه الأحاديث أساس في كل علم وفقه ومن حيث أن هذه الأمة غنية بعلمائها وفقهائها وأن هؤلاء جميعا أخذوا من الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة واجتهدوا على أساسها...يعتمدون في كل ذلك على ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ..أينما ذهبت من التوحيد أو المعاملات أو الأخلاق أو الفضائل أو الغيبيات أو غير ذلك من أمور هذا الدين وجدت شيئاً من أحاديث رواها أبو هريرة رضي الله عنه .
هذا من الناحية العلمية النظرية ، فماذا من الناحية التطبيقية السلوكية ؟! ، اعجب واعجب " يا عبد الحسين " !! ما من مسلم ..ما من مسلمة منذ أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى إلى يومنا هذا إلى أن تقوم الساعة ..ما من مسلم أو مسلمة عبدالله أو تخلق بخلق يحبه الله أو اعتقد عقيدة دعا إليها الإسلام إلا تجد عبادة هذا العابد وخلق هذا الفاضل وعقيدة هذا المعتقد تقوم على شيء مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فأبو هريرة أعظم القنوات الموصلة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسلمين والمسلمات ، فهو أعظم الرواة أثراً في سلوك الناس إلى يوم القيامة ليس ذاك لشيء ذاتي فيه كلا وإنما لأن الله شرفه بشرف عظيم شرف تبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس ...وإنما دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لما في ذلك الحب من قوة دافعة تدفع المؤمنين إلى استيعاب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه ، لأن السامع أنصت ما يكون إلى المتحدث إذا كانت هناك عاطفة حب بين المتحدث والمستمع فإنك إذا كرهت خطيبا كرهت أن تسمع إليه ولو كان يتحدث في خير وإذا أحببته أحببت أن تستمع إليه بكل حواسك ويكفي أن علماء الشيعة رووا روايات كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه .
مرويّات أبي هريرة في كتب الشيعة:
وإليك أيها القارئ نماذج بعض كتب الشيعة التي استدل واستشهدوا بها القوم في مصاردهم ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا وذكروا مروياته أبي هريرة رضي الله عنه واستشهدوا بها سواءاً كانت تلك الأحاديث صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة ... عليه رضي الله عنه .
وسوف أذكر بعض من تلك المصادر التي استدلوا بها، سواءاً كانت تلك الكتب فقية أو حديثية أو تفاسير أو تاريخ أو موعظة أو فضائل إلى آخر.
وسوف أختصر على بعض مصادرهم على سبيل مثال ومنها :(13/369)
(( فروع الكافي، موسوعة بحار الأنوار، ، مستدرك الوسائل، وسائل الشيعة، ملاذ الإخيار، كنز الدقائق، الأنوار النعمانية، اثبات الهدى، ميزان الحكمة، دار السلام، مدينة معاجز، حياة القلوب، الخرائج والجرائح، كشف الغمة، أمالي الطوسي، أمالي الشيخ المفيد، حلية الأبرار، كتاب السرائر، كتاب الخلاف، . عوالي اللئالي، منافب آل أبي طالب، ميكال المكارم ، سلوني قبل أن تفقدوني، الروضة البهية ، معالي السبطين، صحيفة الأبرار، علم اليقين في أصول الدين، الفرحة الأنسية ، قلائد الدرر، احقاق الحق، تفسير البرهان، وتفسير التبيان، تفسير المجمع، تفسير الكنز، تأويل
الآيات، تفسير الميزان ، تفسير الميزان، تفسير نور الثقلين، تفسير مرآة الأنوار ، جامع الأخبار، الامام المهدي ، ثواب الأعمال، التوحيد، مشارق أنوار اليقين، كمال الدين ، الفصول المهمة، مصباح الهداية ، الثاقب في المناقب ، الجواهر السنية ، أمالي الصدوق ، قرب الاسناد، الايقاظ من الهجعة ، معاني الأخبار ، اعلام الوري ، سعد السعود ، كتاب الخصال ، اعلام الوري ، أمالي للطوسي، عصر الظهور ، علي في القرآن ، اللوامع النورانية، بغية الطالب ، نوادر المعجزات، روضة الواعظين، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، تأويل الآيات الطاهرة ، شواهد التنزيل، سيد المرسلين، تفسير نور الثقلين، القطرة من بحار مناقب النبي والعترة، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، المبسوط في فقه الإمامية ، الغدير في الكتاب والسنة، الحدائق الناضرة، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، علي في القرآن والسنة، جواهر الكلام، مرآة العقول ، حياة الإمام العسكري )) .
تلك كانت قلّة قليلة من المراجع التي كانت بين أيدينا، وعند اطلاعي على مصادرهم المختلفة و أصولهم الأربعة عندهم كالكافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وتهذيب الأحكام ، رأيت العجب إذ أن كُلّ رواية أوردوها على لسان إمامهم جعفر الصادق رضي الله عنه حسب زعمهم هي بعينها التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه
استنكار عبد الحسين حديث" امرأة دخلت النار في هرّة "
23- وفي (ص171) أورد عبدالحسين تحت عنوان": خيالية رابعة ترمى إلى سوء عاقبة الظلم": أخرج الشيخان بسندههما إلى أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً : قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلا هِيَ تَطْعَمْهَا ولم تدعها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ حتى ماتت هزلا .
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ) .
قلت: إن هذا الحديث رواه غير أبو هريرة من الصحابة كابن عمر رضي الله عنهم .
ثم أن هذا الحديث رواه أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .
فعن حفص بن البختري عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) قال : إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشاً .
ونقل المجلسي عن نوادر الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلها ، ورأيت في النار صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج بمحجنه ، ورأيت في النار صاحبة الهرة نتهشها مقبلة ومدبرة كانت أوثقها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض .
فهل روابة موسى بن جعفر من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ؟ !! نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن الهوى والضلال !
استنكار عبد الحسين حديث" غفرت لامرأة سقت لكلب"
14- وفي (ص172) أورد عبد الحسين حديثين:" خيالية خامسة ترمى إلى حسن عواقب الرحمة ": أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ برفعه قَال:َ غُفِرَ لامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ .
واستنكاره حديث" سقى رجل الماء لكلب فغفر له "
15- وفي (172) أورد عبد الحسين تحت عنوان :"رواية خيالية هدفها هدف سابقتها": وأخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يرفعه قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في ِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَش!ِ قَالَ فَنَزَلَ الرَّجُلُ البئرفَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ بذلك.
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخلية أبي هريرة يمثل بهما حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ) .
قلت: عبد الحسين يستغرب من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ولا يستغرب ما رواه أئمته أمثال هذه الروايات . فاستمع أخي القارئ إلى هذه الروايات .(13/370)
فقد أورد علامتهم آية الله ملا زين العابدين الكلبايكاني في كتابه "أنوار الولاية" (ص 338) هذا الحديث:(وفي الآثار: أن امراة زانية من جيران أهل المعصية وتعزية الحسين(ع) ذهبت تقتبس ناراً من مجلس العزاء فوجدتها قد خمدت فاشتعلتها وقدتها فدمعت عيناها من الدخان فغفر الله!! لها وتابت .
وعن أبي الاحوص عن أبيه عن عمار الساباطي قال : قدم أميرالمؤمنين (ع) المداين فنزل أيوان كسرى ! وكان معه دلف بن بحير كسرى فلما صلّى قام وقال لدلف قم معي وكان معه جماعة من أهل ساباط فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف كان لكسرى في هذا المكان كذاوكذا ويقول دلف والله ذلك فما زال كذلك حتى طاف الموضع بجميع من كان عنده ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة ثم نظر(ع) جمجمة نخرة ! فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة ثم جاء (ع) إلى الأيوان وجلس فيه ودعا بطست فيه ماء فقال للرجل : دع هذه الجمجمة في الطست ثم قال أقسمت عليك لتخبرني من أنا ومن أنت ؟ فقال الجمجمة بلسان فصيح !: أما أنت فأمير المؤمنين !! ،وسيد الوصيين وإمام المتقين !! ، وأما أنا فعبدك وابن أمتك !! كسرى أوشيروان فقال أميرالمؤمنين (ع) كيف حالك فقال يا أمير المؤمنين إني كنت ملكاً عادلا شفيقاً على الرعايا رحيماً لا أرضى بظلم ولكن كنت على دين المجوس !! وقد ولد محمد في زمان ملكي وسقط من شرفات قصري ثلثة وعشرون شرفة في ليلة ولد فهممت أن أومن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفة وفضله ومرتبته عزه في السموات والارض ومن شرف أهل بيته ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيها لها من نعمة ومنزلة ذهبت منت حيث لم أومن به !! فأنا محروم بعدم إيماني به !! ولكني مع هذا الكفر!!! خلصني الله تعالى من عذاب النار!! ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية فأنا في النار والنار محرمة عليّ!!! فواحسرتاه لو أمنت به لكنت معكم يا سيد أهل بيت محمد ويا أميرالمؤمنين!!! .
قال التوسيركاني في كتابه" اللئالي"( 4/ 217 - 218 و304 ) ما نصه : (وتأتي في لؤلؤ ولنذكر لك قصصاً ليطمئن قلبك!! بما مرّ قصة شريفة من رجل كان يلوط بالصبيان !!! وكان يحبه !!! ) .
هل قرأ عبد الحسين أمثال هذه الزندقة في كتب أبناء جلدته ؟ فأين روايات أبو هريرة رضي الله عنه من أمثال رواياتكم و أقوال علمائكم الذين ذكرنا منها أمثال هذه الطامات ؟!! فاعتبروا يا ألوا الألباب .
أقول: لِنُخرج لهذا المؤلف وأمثاله بعض الروايات التي وردت من طريق أهل البيت رضي الله عنهم الموافقة لروايات أبو هريرة رضي الله عنه .
فعن موسى ابن اسماعيل بن موسى عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفرعن آبائه(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلّها ...
ورأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة، وكانت أوثقتها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض ودخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء .
فهل هذا الحديث من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟ !!.
كما نقل نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (4/66) قال:( من الأخبار المروّحة للبال ما ورى من أنه كان رجل في بني اسرائيل منهمكاً في المعاصي فأتى في بعض اسفاره على بئر فإذا كلب قد لهت من العطش فرقّ له فأخذ عمامته وشدّ بخفّه واستقى الماء وأروى الكلب فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قد شكرت له سيعه وغفرت له ذنبه لشفقته على خلق من خلقي ، فسمع ذلك فتاب من المعاصي وصار ذلك سببا لتوبته وخلاصه من العقاب) .
فهل هذا الحديث أيضاً من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟!.
=====================
99 شبهة رافضية والرد عليها ...
لقد قام بعض الرافضة بعمل شريط يمثل فيه أحدهم دور السني والأخر دور الرافضي , وقد دار في هذا الحوار الكثير من الأكاذيب والتلبيسات , والتي لا يكاد يخلوا منها أي عمل رافضي , ونبدأ بعون الله تعالى هذه الردود : ((بحث للأخ جلال حفظه الله ))
(1) قوله أن المسلمين افترقوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .(13/371)
نقول أن هذا من الكذب الواضح , والذي يريد أن يبدأ به موضوعه المتهالك , فقد أختلف الصحابة في من هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اختلفوا في أشياء أخرى عديدة , ولكن كان دينهم ومذهبهم وطريقتهم واحدة وليست متضاربة كما هو الحال الآن بين المسلمين الأصليين والذين هم أهل السنة وبين غيرهم ممن خرج وأنحرف عن الإسلام كالرافضة بفرقها والخوارج بفرقهم وغير ذلك , ففرقة الرافضة مثلاً لم تظهر إلا بعد ( 25 ) من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد أن أعلن أبن سبأ اليهودي اليمني الذي اتخذ من الإسلام ومحبة أهل البيت ستاراً له عن عقيدته الخبيثة , لذلك يقول إمامهم المتكلم الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الحجة عند الإمامية ( فرق الشيعة ) (( وحكى جماعة من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البرآءة من أعدائه وكاشَفَ مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية !!!! )) فرق الشيعة ص (22). بل ونجد أن الإمام عليّ يؤكد على حقيقة أنه هو والصحابة على مذهب واحد حيث قال : ((وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء )) نهج البلاغة جـ3 ص (648).
(2) قوله حزن النبي صلى الله عليه وسلم على الحسين .
نقول إن الحزن والبكاء شيء , والنياحة والتي هي بكاء مع صوت والتطبير وشق الرؤوس بالفؤوس , وضرب الوجه بالسلاسل والموس واللطم وشق الجيوب ولبس السواد شيء آخر , فلم يجرأ الرافضة ولو كذباً كعادتهم أن يرووا حديثاً واحداً على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يفعل هذه الأمور أو أمر بها والعياذ بالله , بل لم يأت حديث عن أئمتهم يأمرهم بذلك كما روي عنهم بعكس هذا , ثم كيف يقيسون الحزن والبكاء بهذه الأشياء مع أنه قياس فاسد ؟؟! بالإضافة إلى أن القياس أصلاً محرم وباطل في مذهبهم ؟؟! وهذا شيخهم محمد بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عند الشيعة بالصدوق قال: من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم يسبق إليها: " النياحة من عمل الجاهلية " رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 4/271 – 272 كما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة 2/915، ويوسف البحراني في الحدائق الناضرة 4/167 والحاج حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة 3/488.
(3) قوله نزول آية ( إنما وليكم ) في علي بن أبي طالب .
فنقول أن الروايات التي رويت في هذا الباب كلها من الأكاذيب فمنها : أن الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا مَن أعطى الزكاة في حال الركوع فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة . ومنها : أنَّ المدح إنما يكون بعمل واجبٍ أو مستحبٍ ، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة ، فإن في الصلاة شغلاً . ومنها : أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرقٌ بين حال الركوع وغير حال الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن . ومنها : أن "عليّاً" لم يكن عليه زكاةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ومنها : أنه لم يكن له أيضا خاتمٌ ولا كانوا يلبسون الخواتم حتى كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى كسرى فقيل له إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ خاتماً مِن ورِق ونقش فيها (محمَّدٌ رسولُ الله). ومنها : أنَّ إيتاءَ غيرِ الخاتم في الزكاة خيرٌ مِن إيتاء الخاتم فإنَّ أكثر الفقهاء يقولون لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة . ومنها : أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل ، والمدح في الزكاة أنْ يخرجها ابتداءً ، ويخرجها على الفور لا ينتظر أن يسأله سائلٌ . ومنها : أنَّ الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين كما يدل عليه سياق الكلام .
(4) قوله بأن أصحاب الكتب الستة أجمعوا على نزول الآية في عليّ .
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة وبعد أن ذكر بعض أحاديث التي تذكر أن علياً تصدق بخاتمه قال : (( وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها )) تفسير ابن كثير جـ 2 ص ( 598 ) فهذا قول أمام من كبار المفسرين يعرض أسانيد تلك الروايات ويفندها , وهذا دليل قاطع على عدم وجود ذلك الإجماع المزعوم .
(5) قوله بأن هناك صحاح ستة .(13/372)
يقول الإمام الألباني : (( فمن الخطأ أيضاً إطلاق بعض المتأخرين على الكتب الستة : "الصحاح الستة" , أي الصحيحين والسنن الأربعة , لأن أصحاب السنن لم يلتزموا الصحة , ومنهم الترمذي , وهو ما بينه علماء المصطلح كابن الصلاح , وابن كثير , والعراقي وغيرهم , ولهذا قال السيوطي في " ألفيته ص 17" : يروي أبو داود أقوى ما وجد ثم الضعيف حيث غيره فقد والنسائي من لم يكونوا اتفقوا تركا له , والآخرون ألحقوا بالخمسة ابن ماجة , قيل : ومن ماز بهم فإن وهن تساهل الذي عليه أطلقا صحيحة والدرامي والمنتقي " . ضعيف سنن الترمذي ص ( 22 ) .
(6) قوله ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) نزلت في عليّ .
نقول أن هذا من الكذب الذي تعود عليه القوم , ففي الحديث أن بني عبد المطلب ( هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد أنهم لم يبلغوا العشرين رجلاً فضلاً عن الأربعين! كما إن هذه الرواية معارضة برواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحّتها وثبوتها والتي رواها البخاري وسلم , والرافضة طالما ادعوا النص الصريح على خلافة عليّ وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب , وهذا الحديث يدحض مزاعمهم , ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته فسيصبح أخوه ووصيه وخليفته من بعده ولم يخص عليّ بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات , ثم كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقومٍ رفضوا مؤازرته ونصرته بل وحاربوه، هذا خليفتي فاسمعوا له وأطيعوا؟! هم أنفسهم لم يطيعوا النبي المرسل فهل سيطيعون صبياً صغيراً ؟! كما أن الحديث ضعيف ففيه عبد الغفار بن القاسم قال عنه الذهبي (( أبو مريم الأنصاري رافضي، ليس بثقة )) ميزان الاعتدال للذهبي جـ2 ص (640).
(7) قوله ( والنجم إذا هوى ) نزلت في عليّ .
نقول أنه لم تأت رواية واحدة صحيحة السند في ذلك , وحسبك الاضطراب حتى في كتب الرافضة في وقت نزول النجم ، ففي رواية : مع طلوع الفجر ، وفي رواية : بعد طلوع الفجر ، وفي رواية : أن وقت نزوله ضحوة حتى غلب على ضوء الشمس . وأيضا الاضطراب بين كون القصة في أوائل العهد المكي ، وبين كونها في المدينة بعد الهجرة . وبعيدا عن هذا كله فمن المعلوم حتى لدى الصغير أن النجم عبارة عن كتلة مستديرة من غازات شديدة الحرارة وأن هناك فرقا بين الكواكب والنجوم ، حيث إن النجوم ذات إضاءة ذاتية ، بينما الكواكب تعكس ضوء النجوم ، ولا ينبغي أن يكون النازل في أو على دار علي رضي الله عنه والذي غلب ضوءه ضوء الدنيا ، أو الشمس ، لا ينبغي أن يكون كوكبا كما في بعض الروايات السابقة ، لأنه كتلة حجرية غير مضيئة ، إنما المضيء هو النجم ، ولو افترضنا أن أصغر نجم هو بحجم الأرض ، فأين يكون دار علي في مكة أو المدينة من ذلك . فضلا عن أن النجوم والكواكب لا تزول عن مستقرها ومداراتها ، وإنما قيل بانفصال شهب من الكواكب تكون رجوما للشياطين ، وليست فضيلة أو كرامة لأحد . بل ذهب بعضهم إلى التهكم بهذه الرواية قائلا: إن أصغر النجوم هو أكبر من الأرض ..فكيف يعقل استيعاب دار علي لنجم لا تستوعبه الأرض بأكملها . الأخبار الدخيلة ، للتستري ، 217 الموضوعات في الآثار والأخبار ، لهاشم معروف ، 151
(8) قوله ( أن الله بعث لكم طالوت ملكاً ) تعبر عن حال المسلمين .
نقول لا أدري كيف يشبه هذا الرافضي الصحابة الكرام الذين قال الله تعالى فيهم (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) وقوله (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) ببني إسرائيل الذين قال تعالى فيهم (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل )) وقوله (( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )) وقد جعل منهم القردة والخنازير !! فحتى ولو كان الصحابة كبني إسرائيل فلا يجوز لكم القياس لأنه ممنوع في دينكم , فكيف إذن بقياس فاسد بني شر الخلق وخير الخلق !!؟
(9) قوله إن الإمامة منصب ألهي(13/373)
نقول كيف يكون منصب ألهي وعلي بن أبي طالب نفسه يقول : (( دعوني والتمسوا غيري ؟؟! )) نهج البلاغة جـ 1 ص ( 181 ) بل وقال أيضاً : (( وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم , وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أمير !!! )) نهج البلاغة جـ 1 ص ( 182 ) . أما استدلالهم بالآية الكريمة : (( إني جاعلك للناس إماما )) البقرة : 124 فنقول كيف تفسرون إذن قوله تعالى (( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت )) فهل الله تعالى جعل عبادة الطاغوت منصب ألهي ؟؟! أو قوله تعالى ((وجعلنا قلوبهم قاسية )) فهل قسوة القلوب أمر ألهي !؟ ألا قبح الله الجهل ! ثم إذا كان معنى "الإتيان" أي النبوة فكيف تفسير قوله تعالى { سل بني إسرائيل كم أتيناهم من آية بينة } البقرة : 11 وقوله : { واتل عليهم نبا الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها } الأعراف : 175 فهذا يعني أن بني إسرائيل الملعونين أخوة القردة والخنازير أصبحوا أنبياء بمقياسكم العجيب !! وإذا كان "الاصطفاء" يعني النبوة فكيف تفسر قوله : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين ) آل عمران : 33 وبعد ذلك قال ( فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ) النساء : 54 - 55 فهذا يعني أن هناك من الأنبياء من آمن ومنهم من صد عنه أي كفر !! ويقول ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) فاطر : 32 .. وهذه الآيات لو أنزلنا على الأنبياء أو الأئمة فلأتضح لنا أن منهم ظالم ومنهم مقتصد ومن سابق !!؟؟ فهل يقول بذلك عاقل ؟؟!
(10) قوله أن المقصود ( وأمرهم شورى بينهم ) هي في الأمور الدنيوية .
نقول أن هذه الآية جاءت مخاطبة للنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه , وكان الأمر بأن يشاورهم في الأمور الدنيوية كالحروب مثلاً , فهذا لا خلاف فيه إطلاقاً , فلا يمكن أن يكون التشاور في أمور الدين !! كأن يقول صلى الله عليه وسلم : ما رأيكم هل نجعل صلاة الظهر أربعة ركعات أم ستة ؟؟! أو يقول : ما هو الأنسب لكم أن تصوموا شهر رمضان أم شعبان !!؟ ولكن هناك شيء يجب التنبه عليه وهو أن الرافضة جعلوا من منصب الخلافة أمراً دينياً وليس دنيوياً !! ولنترك الإمام علي يرد عليهم من أصح كتبهم وهو نهج البلاغة حيث يقول : (( وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنِ اجتمعوا على رجُلٍ، وسَمُّوْهُ إماماً، كانَ ذلك لله رِضي، فإن خرج من أمرِهِم خارجٌ بِطَعْنٍ، أو بِدعةٍ، رَدُّوه إلى ما خَرَجَ منه، فإنْ أبَى قاتلوهُ على اتِّباعهِ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه الله ما تولَّى )) نهج البلاغة ص ( 137 ) فقد أثبت الإمام علي أن الإمامة هي منصب دنيوي ومن يقوم باختيار صاحبه هم الناس أنفسهم والذين كانوا في ذاك الوقت هم المهاجرين والأنصار .
(11) قوله إن الإمامة امتداد للنبوة .
نقول أن دين الله تعالى قد أكتمل , ودليل ذلك قوله تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم )) فما هي الحاجة للإمام بعد ذلك ؟؟! وإن كان القصد من هذا الامتداد أن الإمام يأتِ هو أيضاً بتشريع وينزل الوحي على الإمام , فهذا كفر بواح , بل إن لم يكن هذا هو الكفر فلا نعلم أن في الوجود أي كفر !! فهذا هو عين قول القاديانية الذين قالوا بوجود أنبياء بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم , ولكن الاختلاف فقط في اللفظ !! فأولئك يقولون أنه نبي والرافضة يقولون أنه إمام !! ثم أين هو هذا الأمام الذي لابد من وجوده هاديا ومبشرا ومرشدا للبشرية ؟؟! وما هي الحكمة من اختفاءه لأكثر من ألف سنة ؟! ولماذا لا يخرج ويهدي الناس ويقوم بمباشرة أعماله !!؟ وهل من المعقول أن يكون مرشد النصارى يباشر أعماله في حين مرشد المسلمين مختبئ في سردابه ؟؟! وإذا كان الأمر مقتصر على الإرشاد فما الفرق بينه وبين العلماء ؟! فوالله لست أدري كيف يبقى البعض يؤمن بعقيدة تخالف النقول وتهين العقول؟!
(12) قوله أن حديث الغدير يعني الإمامة .(13/374)
وقوفه في الحر الذي لا يطاق ليس دليلاً على أن علياً خليفة، فهذا لا يحتج به إلا مفلس ولعل هذه الحجة تقبل عقلاً في حال جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأمرهم بالذهاب لغدير خُم ثم ذكر لهم الحديث، ولكنه عندما قال ما قال كان عائداً من حجة الوداع وفي الطريق عند الغدير ذكر موالاة عليّ فلو كان يقصد بالموالاة الإمامة لذكرها في حجة الوداع التي خطبهم فيها بأهم ما يجب أن يعرفوه، وكان يقول ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ولكن لما لم يكن هذا بلاغاً للناس فلم يذكره , ولتأكيد مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بموالاة عليّ على أنها الحب والنصرة هو ما رواه احمد في الفضائل عن ابن بريدة عن أبيه قال (( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل علينا علياً، فلما رجعنا سأَلنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا إما شكاه غيري فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة، وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليه فعليّ وليه )) خصائص أمير المؤمنين برقم (77) وأحمد في الفضائل برقم (947) وقال المحققان: صحيح. ومن هنا نعلم أن المولاة المقصودة هي الحب والنصرة.
(13) قوله أن الإمام مسلم أخرج حديث الغدير في صحيحه .
نقول أن هذا من الكذب الذي تعود عليه القوم , فقد أخرج مسلم في حديث رقم ( 2408 ) ونصه : وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه . ثم قال : وأهل بيتي . أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي . فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكنْ أهل بيته من حرم الصّدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال : كلّ هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم . )) وليس في هذا الحديث أي دليل على التمسك وأتباع أهل البيت , إنما فيه الحث على برهم ومعرفة حقهم , فالحث على الأخذ والتمسك بالقرآن الكريم دونما سواه .
(14) قوله أن نزول آية ( يا أيها النبي بلغ ) كان بعد حادثة الغدير .
يقول الرافضة أن تعيين علي بن أبي طالب كان من تمام الدين إذ لم يتفرق الناس حتى نزل قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ، و ساقوا على ذلك أحاديث ضعيفة رواها مطر الوراق و هو ضعيف . تقريب التهذيب (2/256) ، وبالإضافة إلى ضعف الأسانيد فإن هذه الروايات تخالف الأحاديث الصحاح التي أثبتت أن الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } نزلت في حجة الوداع . راجع البخاري (5/285) . أما عن الآية الكريمة فيقول العلماء : أنها نزلت في حجة الوداع لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم فإفرادهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين جامع البيان للطبري (4/51 ) . فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمرٌ بشرع نزل إذ ذاك ، لا في حق علي ولا في غيره ، أما النسبة لحادثة الغدير فقد كانت بعد حجة الوداع و بالتحديد يوم الثامن عشر من ذي الحجة . انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية لمهدي رزق ( ص 678 ). كما روي الحديث في صحيح مسلم كذلك . و بما أنها حدثت بعد حجة الوداع فالأهمية تكمن في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يبلغ بشرع جديد أو بالوصية لعلي ، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة لاجتماع الناس ولم يؤجله إلى بعد الحج ، كما أن ميقات أهل المدينة هو ذا الحليفة ، والحجفة تقع على بعد أميال كثيرة من الميقات والغدير يقع في الجحفة ، و ليس هناك أي شيء يستدل به الرافضة ليتمسكوا به كدليل لهم ، فإن الحج قد انتهى و الوفود قد انطلقت إلى بلادها ومن بقي من أهل المدينة هم الذين سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدث الناس بهذا الخبر فإنه لم يؤجله إلى نهاية الحج ، و لو أنه أراد فعلاً أن يبلغ هذا الأمر لفعل في الموسم لأن الناس كانوا يأخذون عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم ، فكانت فرصة كبيرة ليبلغ هذه الوصية .
(15) قوله أن تلك القصة ذكرها كل المفسرين !
نقول ليس هذا بغريب عن من يقول إلهي ومعبودي هو الكذب !! فلو فتحنا تفسير الطبري والقرطبي والجلالين وابن الجوزي ومجاهد والصنعاني والثوري والتي تُعد من أشهر تفاسير المسلمين لما وجدنا فيها حرفاً من ذلك !! إنما فقط ذكرها ابن كثير في تفسيره وقال : (( عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم غدير خم حين قال لعلي " من كنت مولاه فعلي مولاه " ثم رواه عن أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه - عليه السلام - من حجة الوداع ولا يصح لا هذا ولا هذا بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة !! )) تفسير ابن كثير جـ 2 ص ( 15 ) فمرحى بالصدق !! وقديماً قيل في الأمثال : أكذب من رافضي !!(13/375)
(16) قوله ( سأل سائل بعذاب واقع ) نزلت في من أنكر ولاية عليّ .
نقول هذه القصة المكذوبة ذكرها الثعلبي في تفسيره ومنها نقلها بقية المفسرين , وسوف نبين حال الثعلبي هذا وتفسيره التالف بعد قليل بإذن الله , أجمع الناس كلهم علي أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم كان مرجعه من حجة , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة وفي هذا الحديث يذكر انه بعد أن قال هذا بغدير خم و شاع في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة فهذا لم يعلم متى كانت قصة غدير خم (!!)كما أن هذا الرجل لا يُعرف في الصحابة (!!) وأيضا فان هذه السورة مكية نزلت بمكة قبل الهجرة فهذه نزلت قبل غدير خم قبل بعشر سنين أو أكثر من ذلك فكيف تكون نزلت بعده !!؟ و أيضا قوله { وإذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك } في سورة الأنفال و قد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي صلى الله عليه سلم قبل الهجرة كأبي جهل و أمثاله وأن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه بقوله { وإذ قالوا الله أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } أي اذكر قولهم كقوله { وإذ قال ربك للملائكة } أو قوله { وإذ غدوت من أهلك } و نحو ذلك يأمره بان يذكر كل ما تقدم فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة .
(17) قوله " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " تعني خلافة عليّ .
أن لقول النبي صلى الله عليه وسلم سبب وهو أنه استخلف علياً في غزوة تبوك، وهي الغزوة التي لم يأذن لأحد في التخلف عنها فقال المنافقون إنما استخلفه لأنه يبغضه , كما جاء في خصائص أمير المؤمنين للنسائي برقم (43) وقال المحقق: إسناده صحيح , ولهذا خرج عليّ إلى النبي وقال ما قال، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيب قلب عليّ وأبان له أن الاستخلاف لا يوجب نقصاً له، لأن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يعدّ ذلك نقصاً، فرضي علي بذلك ( فقال: رضيت رضيت ) كما جاء في رواية ابن المسيب عند أحمد راجع الفتح جـ7 ص (92) فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا لترضية عليّ ليس إلا. ومعنى ذلك أن عليّ لو لم يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم لما خصه بذلك , الثابت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف في كل مرة يغزو أو يسافر فيها ولكنه لم يقل لأحد ممن استخلفه أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وسبب ذلك أن كل من استخلفه لم يظن أن في استخلافه نوع نقص، فلم يحتج أن يقول له هذه الجملة .
(18) استدلاله بآية براءة في إمامة علي .
نقول أنه كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك السيد أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم , ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف بعلي ليؤذن ببراءة فقد جعله تابعاً مأموراً تحت أبي بكر، لأن أبا بكر كان أميراً على الحج في ذلك الوقت فليس إرداف عليّ مأموراً من قبل أبي بكر دليل على أحقيته للخلافة بل على العكس، فالأحق هو أبو بكر لأنه كان الأمير على الحج.
(19) قوله ( أنفسنا وأنفسكم ) تعني أن علي هو نفس النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول أن هذه الآية مثل قوله { لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها في الإفك فإن الواحد من المؤمنين من أنفس المؤمنين والمؤمنات وكذلك قوله تعالى { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم أي يقتل بعضكم بعضا } ومنه قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } أي لا يخرج بعضكم بعضا فالمراد بالأنفس الإخوان إما في النسب أو في الدين .
(20) عدم إكماله لحديث الفرقة الناجية .
نقول أن نهاية حديث الفرقة الناجية يبين أوله , فقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الفرقة الناجية من بين الفرق الهالكة : (( من كان على ما أنا عليه وأصحابي )) وقد نقله المجلسي في بحار الأنوار جـ 28 ص ( 30 ) والطباطبائي في تفسيره جـ 3 ص ( 380 ) , وقد روي من طرق الرافضة أن الفرقة الناجية هم أتباع أهل البيت , ونحن أهل السنة نتبع أهل البيت والصحابة أيضاً , أما هم فيزعمون أنهم أتباع طرف واحد فقط , فإن صحّ حديث أتباع أهل البيت فهو يشمل أهل السنة , وإن صحّ حديث الصحابة فهو يشمل أهل السنة كذلك , ولكنه لن يشمل الرافضة بكل تأكيد , فثبت نجاة أهل السنة على كل حال . (21) تكذيبه لحديث " كتاب الله وسنتي " وقوله أنه غير موجود في صحاحكم .(13/376)
نقول ليس كل ما لم يروا في الصحاح ضعيف , فهنالك أحاديث كثيرة لم ترو في الصحاح وهي صحيحة , وحديث كتاب الله وسنتي صحيح وثابت , فهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك جـ1 كتاب العلم ص (93) وصحح إسناده الألباني في صحيح الجامع برقم ( 3232 ) وكذلك (2937) عن أبي هريرة , وصححه ابن حزم في الأحكام جـ 6 ص ( 810 ) كما صححه السيوطي في الجامع برقم ( 3932 ) .
(22) قوله " كتاب الله وعترتي " تعني إمامة أهل البيت .
أن المقصود بهم هم أهل العلم والصلاح المتمسكون بالكتاب والسنة من أهل البيت , وإلا لدخل أبو لهب في أهل البيت أيضاً !! و يجب أن نعرف من هم (أهل البيت) أولاً , يقول الفيروز آبادي في تعرف معنى أهل بيت الرجل : (( ... أهل الأمر: ولاته وللبيت : سكانه وللمذهب : من يدين به، وللرجل : زوجته كأهلَتِه وللنبي صلى الله عليه وسلم : أزواجه وبناته وصهرُه علي رضي الله عنه ... ) القاموس المحيط ص (1245). ويقول ابن منظور (( ... أهل البيت : سكانه، وأهل الرجل : أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم : أزواجه وبناته وصهره، أعني علياً عليه السلام، وقيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ... )) لسان العرب ص (290). كما أن الاستعمال اللفظي في القرآن لكلمة ( الأهل ) تبين أن المقصود بها الزوجات كما في قوله تعالى { إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر } ( النمل 7 ) ومعلوم أن زوجته هي التي كانت معه، وقوله تعالى { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن ... } ( يوسف 25) قائل هذه الجملة هي زليخا زوجة العزيز باتفاق المفسرين وقوله تعالى { فأنجيناه وأهله إلا امرأته ...} ( النمل 57) و( إلا ) أداة إستثناء بمعنى أنها من أهله ولكنها إستثنيت للسبب المعلوم , كما أخرج البخاري في جزء من الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه (( ... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال : ( السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله )، فقالت : وعليك السلام ورحمة الله ) فتقَرَّى حجر نسائه كلِّهنَّ، يقول لهن كما يقول لعائشة … )) صحيح البخاري (4515).
(23) قوله أن الإجماع على أبي بكر باطل بسبب عدم مبايعة عليّ .
نقول أنه حتى ولو لم يبايع علي فذلك لا يقدح في خلاقة أبي بكر , ويمكن الجمع بين رواية أن علي لم يبايع إلا بعد ستة أشهر على أن علي بايع بيعتين، بيعة في أول الأمر وبيعة بعد ستة أشهر أمام الناس فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (( عن أبي نضرة قال: لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: مالي لا أرى علياً؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال له: يا علي: قلت ابن عم رسول الله وختن رسول الله؟ فقال علي رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال أبو بكر: مالي لا أرى الزبير؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال: يا زبير قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله، فقال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله.. ابسط يدك فبسط يده فبايعه )) كتاب السنة جـ2 رقم (1292) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(24) قوله بأن سلمان والمقداد وأبو ذر وغيرهم لم يبايعوا .
نقول ولو فرضنا جدلاً أن هؤلاء الصحابة المذكورون لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة، فهذا أيضاً لا يقدح في البيعة لأنها لا تحتاج إلى إجماع كل الناس، ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة، وهذا ما اتفق عليه أهل العلم، يقول النووي (( أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحّتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس )) مسلم مع الشرح جـ12 ص (112 ـ 113). ويقول علي بن أبي طالب في كتب الرافضة (( لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامَّة الناس فما إلى ذلك سبيل (!!)، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، وليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار )) نهج البلاغة جـ2 ص (368) .
(25) قوله " الحق مع علي " دليل على بطلان واقعة السقيفة .
نقول أن هذا الحديث باطل , فقد قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث وغيره (( وفي كل منهما نظر !! )) البداية والنهاية جـ 7 ص ( 389 ) ويقول الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( 12031) : (( رواه البزار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه )) وقد حاول الأميني الكذاب في كتابه الغدير أن يوهم القارئ بأن سعد بن شعيب صدوق وثقة وأنه جاءت ترجمته في تهذيب التهذيب !! وكل هذا من الأكاذيب , فلم تأت ترجمة له في أي من كتب أهل السنة .
(26) قوله ( وأكثرهم للحق كارهون ) دليل على ضلال الأكثرية .(13/377)
نقول أن هذا يمكن أن ينطبق على الرافضة أيضاً , فيمكن أن نقول أن أغلب الرافضة أيضاً على ضلال ونحمل تلك الآيات عليهم كذلك !! فهذه الآيات تتحدث عن أغلب الناس , ولا تتحدث عن المسلمين لا من قريب ولا من بعيد , ومن تأمل في حال الناس وجد أغلبهم يتبع غير الإسلام , وأهل الإسلام يتمثلون قلة من مجموع البشر , وصدقت الآية الكريمة .
(27) قوله ( وقليل من عبادي الشكور ) دليل على صواب القلة .
نقول أن هذه الحجة يمكن أيضاً ردها على الرافضة , ونفسرها كما يفسروها بأن القلة من الرافضة فقط هم أهل الحق , وهذا سوف يخرج الجعفرية لأن أغلب الرافضة ينتهجون منهجها !! ونقول أن الزيدية أو النصيرية هي التي على حق !! فما رد الرافضة الجعفرية الآن ؟؟!
(28) استدلاله بتفسير الثعلبي .
أولاً تفسير الثعلبي ليس من التفاسير المعتبرة , يقول عنه ابن كثير : (( وهو كتاب حافل بالإسرائيليات دون التنبيه عليها )) تفسيره جـ 1 ص ( 20 ) ويقول أيضاً : (( وكان كثير الحديث واسع السماع , ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير )) . البداية والنهاية جـ 12 ص ( 40 ) ويقول الفتني : (( الثعلبي في نفسه كان ذا خيرا ودين لكن كان حاطب ليل )) تذكرة الموضوعات ص ( 84 ) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث )) . منهاج السُنة جـ 7 ص ( 34 ) . ويقول كذلك في مقدمة أصول التفسير : (( كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع )) . ويقول ابن الجوزي : (( ليس فيه – أي في تفسيره الثعلبي – ما يعاب به إلا ما ضمنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية )) هامش سير أعلام النبلاء جـ 17 ص ( 436 ) تحقيق : شعيب الأرنؤوط .
(29) قوله ( إلا المودة في القربى ) دليل على فضل أهل البيت .
قوله في إيجاب المودة لهم غلط فقد ثبت عن سعيد بن جيبر أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } قال فقلت إلا أن تودوا ذوي قربى محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس عجلت إنه لم يكن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرابة فقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تؤدوني في القرابة التي بيني وبينكم . راجع صحيح البخاري جـ 4 ص ( 154 ) فابن عباس كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القران وهذا تفسيره الثابت عنه ويدل على ذلك أنه لم يقل إلا المودة لذوي القربى ولكن قال إلا المودة في القربى ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى } ولا يقال المودة في ذوي القربى وإنما يقال المودة لذوي القربى فكيف وقد قال { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } ويبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسأل أجرا أصلا إنما أجره على الله وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي صلى الله عليه وسلم في شيء وأيضا فإن هذه الآية مكية ولم يكن على بعد قد تزوج بفاطمة ولا ولد له أولاد .
(30) قوله أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت .
أن هذه الآية من باب المناقب لا من باب الفضائل وكل صحابي اختص بمنقبة لا توجد في غيره ، كما لا يخفى على من تتبع كتب السير, وأيضاً إن القرآن نزل على أسلوب كلام العرب ، وطرز محاوراتهم ، ولو فرض أن كبيرين من عشيرتين وقع بينهما حرب وجدال ، يقول أحدهما للآخر : ابرز أنت وخاصة عشيرتك وأبرز أنا وخاصة عشيرتي فنتقابل و لا يكون معنا من الأجانب أحد ، فهذا لا يدل على أنه لم يوجد مع الكبيرين أشجع من خاصتهما وأيضاً الدعاء بحضور الأقارب يقتضي الخشوع المقتضي لسرعة الإجابة, ولا ينشأ الخشوع إلا من كثرة المحبة والتي مرجعها إلى الجبلة والطبيعة، كمحبة الإنسان نفسه وولده أكثر ممن هو أفضل منه ومن ولده بطبقات فلا يقتضي وزراً ولا أجراً إنما المحبة المحدودة التي تقتضي أحد الأمرين المتقدمين إنما هي المحبة الإختيارية.
(31) قوله ( فسئلوا أهل الذكر ) نزلت في أهل البيت .
نقول أنه لا يوجد دليل على أن هذه الآية نزلت في أهل البيت , بل حتى الأقوال الأربعة التي ذكرها المفسرون لم يكن من ضمنها أهل البيت , ولكن يقول ابن كثير في تفسيره : (( وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم )) تفسيره جـ 2 ص ( 592 ) , فهل يجرأ أحد بعد هذا الكلام لشيخ مفسري أهل السنة أن يصف أهل السنة بالنصب أو ببغض أهل البيت ؟؟!
(32) تدليسه في حديث زيد عن آل البيت .(13/378)
حيث ذكر الحديث وحذف منه الجزء المهم , قال (( فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فرغب في كتاب الله وحث عليه, ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات. فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ [ وحذف : فقال زيد: إن نساءه من أهل بيته ] ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قيل: ومن هم؟ قال: هم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل، قيل: أكل هؤلاء يحرم الصدقة؟ قال: نعم )) فانظروا بالله عليكم هذا التدليس وفي القرن الحادي والعشرين !! لأن هذا الجزء (( نساءه من أهل بيته )) سوف يهدم كل التُرهات التي بناها هذا الرافضي من قعرها !!
(33) قوله " يكون أثنى عشر أميراً " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ليس متواتر , إذ لم تصح إلا الروايات عن طريق صحابي واحد وهو جابر بن سمرة، أما الروايتان عن ابن مسعود وأنس ففيهما كلام ولما كان الحديث غير متواتر فإننا لا ندري كيف يِحتج به الرافضة في العقائد وأصول الدين !!؟ كما أن هذا الحديث هو من الإخبار عن الغيبيات، وليس متضمناً لأحكام شرعية، إذ السنة ليست فقط الإخبار عن الحكم الشرعي، بل فيها إخبار عن الغيبيات كوصف حال القيامة وغيرها , ثم ما هو الحكم الشرعي الذي تضمنه هذا الحديث؟ هل تضمن طلباً بعمل أو بإيمان؟ ثم أين النص على أسماء هؤلاء الأئمة ؟؟! ومتى كان الإسلام عزيزاً بهم ؟؟! فهل الإسلام الآن عزيز بتلك الشخصية المهدية الخيالية والذي تزعمون أنه مختبئ ؟؟! كما أن الحديث ليس تحديداً لعدد الأئمة الذين سيلون أمر هذه الأمة، بل فيه إخبار كما هو ظاهر في الروايات بأن الدين عزيز ومنيع بهؤلاء الاثني عشر , وهو شبيه لحديث الفرق وتعدادها بثلاث وسبعين فرقة، إذ اختلف العلماء كثيراً بتحديد هؤلاء الثلاث وسبعين فرقة , وليس هناك إشكال في اختلاف أهل السنة في هذا الحديث , فالرافضة أنفسهم قد اختلفوا فيه أيما اختلاف في تعيين أسماء الأئمة فقسم منكم يجعلونها في أولاد الحسين إلى جعفر، ثم ينقسمون فـ ( الإمامية ) يدّعون أن المراد بأهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر من ولد علي بن أبي طالب إلى جعفر الصادق، ثم جعلوا الإمامة من بعده في موسى بن جعفر الكاظم، ويخالفهم في ذلك ( الإسماعلية )، الذين يجعلون الإمامة من بعد جعفر لابنه إسماعيل بن جعفر، ثم خرجت فرقة أخري ( الكيسانية ) التي لفظت أولاد عليّ من فاطمة، وقالت بإمامة محمد بن الحنفية بن عليّ، وتبعتها فرقة قالت بأن أهل البيت هم العباس وولده وهي فرقة ( الرواندية ) وتختلف عنها ( الزيدية ) وهلم جرا , ويكفي القارئ الرجوع إلى كتاب ( فرق الشيعة ) للنوبختي ليعلم مدى تخبّطهم في ذلك، فالإدعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على الأئمة بأسمائهم حجة متهافته.
(34) قوله " سفينة نوح " دليل على إمامة أهل البيت .
مدار هذا الحديث على مجموعة من الضعفاء والمتروكين، ففي سندها: الحسن بن أبي جعفر وهو متروك،وعلي بن زيد ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهو متروك راجع معجم الطبراني الكبير الأحاديث رقم (2636)، (2637)، (2638)، (12388).، وقال عنه الألباني في ( المشكاة ): إسناده واهٍ . مشكاة المصابيح للتبريزي حديث رقم (6183) ، وأقره محقق فضائل الصحابة لأحمد لأن في سنده مفضل بن صالح النحاس الأسدي وقد ضعفه أهل التحقيق، وقال عنه الذهبي: مفضل واه . فضائل الصحابة جـ2 برقم (1402). وقد ضعف الحافظ الهيثمي كل أسانيد هذه الرواية في مجمع الزوائد جـ 9 ص (168).
(35) قوله " أهل بيتي أمان لأمتي " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ضعيف , قال عنه الهيثمي : رواه الطبراني وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو متروك . حديث رقم ( 15025 ) . وأهل البيت لا تعني علي وأولاده , كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث رأس المنافقين ابن سلول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : من يعذرنا في رجل بلغي آذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت من أهلي إلا خيراً . صحيح البخاري جـ 3 ص ( 47 ) . وبالإضافة إلى أمهات المؤمنين فيدخل في أهل البيت أيضاً آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس , والمقصود هم العلماء من أهل البيت والمشهود لهم بالصلاح , وليس كل أهل البيت , وإلا لدخل أبي لهب في ذلك المصطلح أيضاً !!
(36) قوله " من أحب أن يحي حياتي " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول هذا الحديث أورده الهندي في كنز العمال رقم ( 32960 ) وقال : مطير والباوردي وابن شاهين وابن منده عن زياد بن مطرف وهو واه , وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 108 ) وقال رواه الطبراني وفيه يحيى ابن يعلى الأسلمي وهو ضعيف .
(37) قوله " معرفة آل محمد براءة من النار " دليل على إمامة أهل البيت .(13/379)
نقول أن هذا الحديث موجود في كتاب الشفاء للقاضي عياض بلا إسناد !! أي أن هذا الحديث المكذوب لا يساوي فلساً!! كما أن متنه مخالف لأصوال الدين الإسلامي ,وهو أشبه بكلام النصارى الذين يؤمنون بعقيدة الفداء !!
(38) قوله " من مات على حب آل محمد مات شهيداً " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ذكره الثعالبي في تفسيره , وقد تبينا حال هذا الثعالبي في ما سبق مما يغني عن الإعادة , ولا أدري ما هو وجه الاستدلال بهذه الأحاديث في إثبات إمامة أثنى عشر شخص ؟؟!!
(39) قوله أن حب أهل البيت ليس بكاف .
هذا صحيح , فبعد أن بينّا من هم أهل البيت نقول هل يجب التمسك بالصالحين من أهل البيت فقط؟ الجواب بالطبع لا، لأنه ليس من المعقول أن يلم بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كلها كعليّ مثلاً لأنه لا يمكن أن يحصل العلم بالقرآن والسنة له وحده، فلا بد أن يشاركه الصحابة الذين استأنسوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وشاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وتعلموا منه صلى الله عليه وسلم , ويقابل حديث العترة من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (( … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ )) صحيح الترمذي (2157). وقوله صلى الله عليه وسلم (( إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) صحيح الترمذي برقم (2896). ففي هاذين الحديثين، حض بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين وخصوصاً أبو بكر وعمر فحديث العترة ليس على إطلاقه. وهذا ما يعترف به الرافضة الإمامية أيضاً وهو أن اتباع العترة هو بما وافق السنة وليس أن كل ما يقولونه حق، وما سواهم من الصحابة قولهم باطل، لذلك يروي الكليني في كتاب ( أصول الكافي ) ـ مثل البخاري عند السنة ـ عن أيوب بن الحر قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )) الكافي جـ 1 ص ( 55 ) .
(40) تحريفه لحديث كتاب الله وعترتي .
نقول أن حديث أهل بيتي الذي في مسلم جاء لفظه ( ما أن تمسكتم "به" فلن تضلوا ) ولكن الرافضة يحرفون الحديث ويقولون ( ما أن تمسكتم "بهما" فلن تضلوا !!) ولم يأتِ حديث واحد صحيح ولا حتى ضعيف ولا موضوع حتى فيه لفظ ( بهما ) !! والتمسك هو فقط بكتاب الله , وفي لفظ مسلم يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل، هو كتاب الله وجاء في غير هذا الحديث عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. صحيح مسلم (2941).
(41) قوله أن أهل البيت أمان يعني أن غيرهم ليس بأمان .
نقول لقد تبين لنا في ما سبق ضعف هذا الحديث فهو ليس بحجة , ثم حتى ولو صحّ ( وهو غير صحيح كما قلنا ) فكيف فسرت هذا التفسير العجيب ؟! فإذا كان القرآن الكريم أمان للعالمين فهل يلزم من ذلك أن السُنة النبوية وكل ما عادا القرآن ليس بأمان !!؟ فأي استخفاف بعقول البشرية أعظم من هذا ؟؟!!
(42) قوله ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) تعني أن الصلوات ثلاثة .
قال تعالى { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } الآية وهو وقت المغرب والعشاء وكذلك قال الله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } والدلوك هو الزوال وغسق الليل هو اجتماع ظلمة الليل وهذا يكون بعد مغيب الشفق فأمر الله بالصلاة من الدلوك إلى الغسق فرض في ذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء ودل ذلك على أن هذا كله وقت الصلاة فمن الدلوك إلى المغرب وقت الصلاة ومن المغرب إلى غسق الليل وقت الصلاة وقال { وقرآن الفجر } لأن الفجر خصت بطول القراءة فيها ولهذا جعلت ركعتين في الحضر والسفر فلا تقصر ولا تجمع إلى غيرها فإنه عوض بطول القراءة فيها عن كثرة العدد .
(43) قوله " جمع رسول الله بين الظهر والعصر " يعني أنه يجوز الجمع .
أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر ولكن كان بن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر بل للحاجة تعرض له كما قال ( أراد أن لا يحرج أمته ) , كما أن الجمع الذي ذكره ابن عباس هو الجمع الصوري، وهو أن يصلي المصلي صلاة الظهر في آخر جزء من وقتها أي القدر الذي يؤدي فيه أربع ركعات مثلا ثم يصلي صلاة العصر في أول جزء من وقتها فيظنه من رآه جمعاً وهو في الواقع ليس بجمع، لأن كل صلاة صليت في وقتها. ومن هنا سماه الفقهاء الجمع الصوري. وليس الجمع الحقيقي الذي تقدم فيه صلاة عن وقتها إلى وقت أخرى أو تأخر صلاة إلى وقت أخرى.
(44) قوله أن هناك قراءة في القرآن .(13/380)
نقول أن هذا القول لا تؤمن به الرافضة , وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد . الكافي جـ 2 ص ( 630 ) أما بالنسبة لأهل السنة أهل الحق والوسطية فهم يؤمنون بذلك , وقول جعفر الصادق أو المنسوب إليه ( من عند واحد ) فهذا صحيح , فالله تعالى واحد أحد , ولكن قوله ( على حرف واحد ) فهذا فيه تكذيب للحقيقة , حيث ثبت بالأدلة القطعية النقلية منها والعقلية وقوع تعدد القراءات , وأن القرآن نزل على سبعة أحرف , والاختلاف هو اختلاف تعددي وسردي , وليس اختلاف تضاد وتناقض , فروايات نزل القرآن على سبعة أحرف إنما تعني فقط التوسعة على الناس بقراءة القرآن بمترادفات من اللفظ الواحد من ملاحظة أن جميع هذه المترادفات قد نزلت فعلاً من عند الله تعالى , وليس في ذاك أي انتقاص كيف يتوهم الرافضة من الذات الإلهية , لأن الذي أنزل الحرف الواحد هو نفسه جل جلاله الذي أنزل بقية الأحرف .
(45) قوله لا دليل على غسل الأرجل في الوضوء .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : غسل القدمين في الوضوء منقول عن النبي نقلا متواترا كحديث " ويل للأعقاب من النار " وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين ونقل عنه المسح على القدمين في موضع الحاجة مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما وأما مسح القدمين مع ظهورهما جميعا فلم ينقله أحد عن النبي وهو مخالف للكتاب والسنة أما مخالفته للسنة فظاهر متواتر وأما مخالفته للقرآن فلأن قوله تعالى (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )) فيه قراءتان مشهورتان النصب والخفض فمن قرأ بالنصب فإنه معطوف على الوجه واليدين والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ومن قرأ بالخفض فليس معناه وامسحوا أرجلكم كما يظنه بعض الناس لأوجه : أحدها إن الذين قرأوا ذلك من السلف قالوا عاد الأمر إلى الغسل , الثاني أنه لو كان عطفا على الرؤوس لكان المأمور به مسح الأرجل لا المسح بها والله إنما أمر في الوضوء والتيمم بالمسح بالعضو لا مسح العضو فقال تعالى (( وامسحوا برؤوسكم )) وقال (( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه )) ولم يقرأ القراء المعروفون في آية التيمم وأيديكم بالنصب كما قرأوا في آية الوضوء فلو كان عطفا لكان الموضعان سواء وذلك أن قوله (( وامسحوا برؤوسكم )) وقوله (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) يقتضي إلصاق الممسوح لأن الباء للإلصاق وهذا يقتضي إيصال الماء والصعيد إلى أعضاء الطهارة وإذا قيل امسح رأسك ورجلك لم يقتض إيصال الماء إلى العضو وهذا يبين أن الباء حرف جاء لمعنى لا زائدة كما يظنه بعض الناس .. والمسح اسم جنس يدل على إلصاق الممسوح به بالممسوح ولا يدل لفظه على جريانه لا بنفي ولا إثبات قال أبو زيد الأنصاري وغيره العرب تقول تمسحت للصلاة فتسمى الوضوء كله مسحا ولكن من عادة العرب وغيرهم إذا كان الاسم عاما تحته نوعان خصوا أحد نوعيه باسم خاص وأبقوا الاسم العام للنوع الآخر كما في لفظ الدابة فإنه عام للإنسان وغيره من الدواب لكن للإنسان اسم يخصه فصاروا يطلقونه على غيره .
(46) قوله ( إلى غسق الليل ) الغسق يعني الظلمة وهو دليل وقت صلاة المغرب .(13/381)
أما الوقت فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان وقت اختيار ورفاهية ووقت حاجة وضرورة , أما الأول فالأوقات خمسة وأما الثاني فالأوقات ثلاثة فصلاتا الليل وصلاتا النهار وهما اللتان فيهما الجمع والقصر بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر لكل منهما وقت مختص وقت الرفاهية والاختيار والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل ولا صلاة ليل إلى نهار , وقد دل على هذا الأصل إن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة وتارة خمسة , أما الثلاثة ففي قوله { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } وفى قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } وقوله { فسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم } , وأما الخمس فقد ذكرها أربعة في قوله { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون } وقوله { فأصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } وقوله { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته , وذلك أنه قد ثبت بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يصلى الصلوات الخمس في خمس مواقيت في حال مقامه بالمدينة وفى غالب أسفاره ) وقريب منه سؤال اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس صلوات . ذكره الجزائري في قصص الأنبياء ص ( 44 ) وفلاح السائل ص ( 125 ) لابن طاووس الحسني .
(47) قوله أن أهل البيت هم أناس لهم جاه عند الله ولهذا ندعوهم .
نقول أن هذه نفس حجة المشركين الأوائل , إذ قالوا عن أصنامهم (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) !! كما أن الله تعالى لم يأمرنا باتخاذ وسائط بيننا وبينه !! حتى أنه أخرج رسول الله من الآية الكريمة (( وإذا سألك عبادي عني فأني قريب )) ولم يقل له "فقل لهم أني قريب" كما حدث في الآيات الأخرى !! ويقول صلى الله عليه وآله : وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله . من لا يحضره الفقيه جـ 4 ص ( 413 ) وسائل الشيعة للحر العاملي جـ 7 ص ( 43 ) وميزان الحكمة للريشهري جـ 2 ص ( 1223 ) وفيه قول : الإمام علي عليه السلام : من سأل غير الله أستحق الحرمان . وكذا قوله : لا تسألوا إلا الله سبحانه , فإنه إن أعطاكم أكرمكم , وإن منعكم خار لكم . ويقول الخوئي : الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحدا سواه , ولا يسأل حاجته إلا منه, ولا يتكل إلا عليه , ولا يستعين إلا به , وإلا فقد أشرك بالله . البيان ص ( 460 ) .
(48) قوله أن في تركيا وباكستان وتونس يقدس الناس فيها الأضرحة .
ونقول أن في تركيا وباكستان وتونس أناس يشربون الخمر !! ويتعاطون المخدرات !! ويفعلون المحرمات !! بل وهذا في كل بلاد العالم !! فهل يعني هذا أن الخمر والمخدرات وكل المحرمات أصبحت حلالاً زلالاً بسبب ممارسة بعض المسلمين لها ؟؟! فوالله أظنه أنه لو نطق الجهل والحمق وسفه لتبرأ من قائل هذه الكلمات !!
(49) استدلاله بتقبيل على جواز تقبيل والتبرك بالقبور .
نقول أن هذا قياس , وهو في دينكم الرافضي باطل !! بل وقد شبه أمامهم الصادق من قاس بإبليس !! فكيف تقيس الآن ؟؟! كما أن الحجر الأسود نزل من الجنة والله تعالى هو من أمرنا وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتقبيله , ويوضح ذلك قول عمر الفاروق رضي الله عنه : إني لأعلمُ إنك حجر لا تضر ولا تنفع , فلولا أني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . صحيح الترغيب جـ 1 ص ( 94, 41 ) ثم نحن نوجه نفس الكلام لمن يقبلون المصحف , والذي لا شك أنه بدعة , ونقول له : لماذا تقبل المصحف ؟! فإن قال أنا أعظم القرآن ! فنقول : وهل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعظم القرآن ؟! لا شك أنه كان يعظم القرآن ومع هذا لم يقبله , ثم هل كان هذا التعظيم والتبجيل كان خافياً على الصحابة وأهل البيت والسلف الصالح بأجمعه ؟؟! فلو كان في هذا حسنة أو خير لسبقونا إليه بلا شك .
(50) استدلاله بتبرك الصحابة بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم .
أقول أن عجبي من هؤلاء الروافض لا ينقضي !!؟ فلم أرَ مذهب أول من يخالف تعاليمه هم أصحابه كما رأيت ذلك في مذهب الرافضة !! فجعفر الصادق يقول لهم أن القياس باطل وهم لا يكفون عن القياس !! ثم أن هذا القياس فاسد , لأنه قاس النبي صلى الله عليه وسلم بغيره من البشر , والنبي الكريم لا يُقاس بأحد , كما أن وضوئه وفضلاته الشريفة شيء وقبره الشريف شيء آخر , فالقبر ليس من آثاره ولا من فضلاته حتى نقول بجواز التبرك به , وهذا على قبره الشريف فما بالك بقبر غيره من الناس حتى ولو كانوا من سلالته .
(51) قوله ( ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله ) دليل على حياة النبي وأهل بيته .(13/382)
نقول أن هؤلاء أحياء عند ربهم , وأموات عندنا نحن , ولا أدري كيف يفسرون قوله تعالى ( إنك مت وأنهم ميتون ) ؟؟! أو قوله ( كل نفس ذائقة الموت ) ؟؟! وعلى فرض أنهم أحياء وهذا باطل كما تبين , نقول ما الدليل على أنهم يسمعوننا ؟؟! ولو سمعوا ما الدليل على أن لديهم القدرة على أستجابة الدعاء ؟؟! وصدق الله تعالى القائل في محكم تنزيله (( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) فاطر : 13 , 14
(52) قوله ( وابتغوا إليه الوسيلة ) دليل على جواز التوسل بالأولياء .
نقول أن الوسيلة تعني العمل الصالح , يقول المجلسي : ( أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي ) بحار الأنوار جـ 67 ص ( 271 ) ويقول الطبرسي : ( الوسيلة كل ما يتوسل به إليه من الطاعات وترك المقبحات ) جوامع الجامع جـ 1 ص ( 496 ) وكذا في تفسير الصافي للكاشاني جـ 2 ص ( 33 ) بل أن الله تعالى يقول ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ولم يقل كما في كل الآيات الأخرى : فقل أني قريب !! كما أننا نقرا في كتب سير عن خلفاء كأمثال عمر الفاروق الذي كان متواضعاً ولا يتكبر ولا يتجبر , وكان يتمكن أضعف الناس من مخاطبته !! فهل عمر الفاروق وغيره من الخلفاء أفضل من آلهكم الذي تزعمون أنه لا يمكن الوصول إليه إلا بالواسطة ؟؟! وما الفرق بينكم وبين المشركين الذين قالوا عن أصنامهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ؟؟! وصدق الله تعالى إذ قال ( وما أموالكم ولا أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً ) سبأ : 37
(53) قوله بأن الله أمر بإتمام الصيام إلى الليل .
نقول أن مثل هذه الآيات يرجع تفسيرها للسنة النبوية الشريفة , وقد حدث نفس هذا التفسير لبعض أصحاب النبي صلى الله وسلم , حيث كانوا يظنون أن الليل لا يتحقق بعد غروب الشمس فوراً , فأُفهموا بأنه يكفي أول الظلام من جهة المشرق بعد اختفاء قرص الشمس مباشرة , راجع حديث عبد الله بن أبي أوفى في البخاري جـ 4 ص ( 199 ) وقد ثبت أيضاً أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بقوله فوافق فعلهم قوله صلى الله عليه وسلم , فقد كان أبو سعيد الخُدري يُفطر حين يغيبُ قرصُ الشمس . انظر المصنف جـ 3 ص ( 12 ) والفتح للحافظ جـ 4 ص ( 196 ) ويقول المؤسس الثاني لمذهب الرافضة المفيد : حد دخول الليل مغيب قرص الشمس . راجع المقنعة ص ( 300 ) ووسائل الشيعة للعاملي جـ 10 ص ( 125 ) .
(54) قوله أن النبي نهي عن الصلاة البتراء .
نقول أن حديث ( لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء ) غير موجود في كتب السنة على الإطلاق , وهو موجود بكل تأكيد في عقول الكذابين الذين يتخذون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً يتعبدون الله به!!
(55) قوله " قولوا اللهم صلّ على محمد وآل محمد " دليل على لزوم الصلاة على الآل .
نقول لقد وردت أحاديث أخرى تبين أن الصلاة على الآل ليس واجبة , منها قوله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ورواه ابن ماجة من حديث شعبة به . مسند أحمد (( 15126 )) وكذلك قوله أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة. سنن الترمذي (( 446 )) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك إن الله عز وجل يقول من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه . مسند أحمد (( 1574 )) وكل هذه الأحاديث وغيرها لم يُذكر فيها الصلاة على الآل .
(56) قوله أنه لا دليل على جواز الصلاة على الصحابة .
نقول اختلف أهل السنة في حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم فقال بالمنع مالك والشافعي والمجد ابن تيمية، وحجتهم في ذلك أن ابن عباس قال (( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار )) وقال بالجواز أحمد بن حنبل واختاره أكثر أصحابه كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر واحتجوا بما روى عن على أنه قال لعمر: صلى الله عليك .. راجع مجموع الفتاوى جـ22 ص (472 ـ 474). واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة فيقال (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً )) الأذكار للإمام النووي ص (177) وانظر مسائل من فقه الكتاب والسنة لعمر الأشقر ص (62 ـ 63).
(57) قوله أن الصحابي هو من رأى النبي وسمع حديثه !(13/383)
نقول أن تعريف الصحابي في الاصطلاح: (( الصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن به ومات على ذلك )) لمعة الإعتقاد لابن قدامة ص (140)، وهذا التعريف يقتضي أنه من رأى النبي غير مؤمن به ومات على ذلك لا يدخل في مسمى الصحبة له . إذا كان المنافقون جزءاً من الصحابة ( زعموا ) فمعنى ذلك أن كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي لعدم اشتراط الإيمان به والموت على ذلك ولأن المنافق من جملة الكافرين فليس صحابياً ولكن الرافضة لا يشترطون الإيمان فيدخلونه في مسمى الصحابي ومعنى ذلك أن اليهود والنصارى والمشركين الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم سيدخلون في مسمى الصحابة لأنه لا يشترط الإيمان في الصحبة وهذا الكلام لا يقوله إلا من تشبع بالغباء فضلاً عن العقلاء، فإذا اعترف الرافضة بأن الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك فقد أبطلوا الادعاء بأن المنافق صحابي لأنه ليس من أهل الإيمان بالاتفاق.
(58) قوله ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) دليل على أن في الصحابة منافقين .
يقول ابن القيم (( المنافق الذي يظهر الإسلام ومتابعة الرسول ويبطن الكفر ومعاداة الله ورسوله )) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية ص (662). وبعد هذا البيان التعريفي لكلمتي ( الصحابي والمنافق) نخلص إلى أنهما لا يتفقان لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الاصطلاحية فالصحابي هو الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، فلا يتوافق أن يكون الصحابي منافقاً ولا المنافق صحابياً.
(59) قوله ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك رسول الله ) دليل على ذلك أيضاً .
نقول لاشك أن علياً وبقية الصحابة الذين تترضون عنهم سيدخلون في باب المنافقين لأنكم فتحتم الباب على مصراعيه ولم تحددوا من هم الصحابة ومن هم المنافقون!! ونحيل الرافضة إلى كتاب ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) للإمام الطبرسي ـ وهو من أكابر علمائهم ـ فقد أورد سبب نزول سورة المنافقين في ابن أبي سلول فقال (( نزلت الآيات في عبد الله بن أبي ـ المنافق ـ وأصحابه ... )) مجمع البيان ص ( 85 ) ويقول الإمام الحسن العسكري ، وهو الإمام الحادي عشر عند القوم ـ في تفسيره مبيناً منزلة الصحابة الكرام عندما سأل موسى عليه السلام الله بضع أسئلة منها قوله ((..هل في صحابة الأنبياء أكرم عندك من صحابتي قال الله عز وجل: يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبييين وكفضل محمد على جميع المرسلين )) تفسير الحسن العسكري ص (11) .
(60) قوله أن حديث الحوض دليل على دخول بعض الصحابة النار !(13/384)
نقول أن المذكورين في الحديث هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر، وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قومٌ من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين , يقول الفضل الطبرسي ( وهو من أكابر علماء الشيعة ) في تفسيره ( مجمع البيان ) عند تفسير قوله تعالى { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } ...اختلف فيمن عنوا به على أقوال فذكر أربعة أقوال وذكر في آخرها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة ثم استدل على ذلك من حديث ( الارتداد ) فقال (( ورابعها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (ع) ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتي إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم ارتدوا على أعقابهم القهقري، ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج ويروي عن النبي أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...)) مجمع البيان جـ2 ص (162) . أما بالنسبة للصحبة فإنها إسم جنس ليس له حد في الشرع ولا في اللغة، والعرف فيها مختلف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدّرها بقدْرٍ بل علّق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية , فقد جاء في رواية (( ليردن عليّ الحوض رجالٌ ممن صحبني ورآني )) فتح الباري جـ11 ص (393) بالإضافة إلى أنه ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة التصغير فقد روى أنس بن مالك فيما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ليردن عليّ الحوض ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولنّ أى ربي أُصَيْحابي أُصَيْحابي فَلَيقالنّ لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )) شرح مسلم (2304) والبخاري (6211). بالإضافة إلى أنه قد جاء في بعض الروايات ( أنهم من أمتي ) ومرة ( رجال منكم ) ومرة ( زمرة ) فلا يصح أن يحمل المعنى على نص واحد فقط هو في حد ذاته ليس دليلاً على ذم الصحابة فبات ظاهراً لدينا أن الأمر لا يعدو أن يكون من خزعبلات الرافضة. أما قوله في الحديث أنه عرفهم ليس بالضرورة أنه عرفهم بأعيانهم بل بمميزات خاصة كما يوضحها حديث مسلم (( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليُصدَّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يارب هؤلاء من أصحابي فيجبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟)) شرح مسلم جـ3 ص برقم (247) . (61) قوله أن من سب صحابياً فقد كفر .
نقول أن من سبهم بالجملة فهو كافر , لأنه من شكك في الناقل فقد شكك في المنقول , وهذا فيه طعن في الإسلام ، وكذلك من سب واحداً منهم تواترت النصوص بفضله ، فيطعن فيه بما يقدح في دينه وعدالته ، وذلك لما فيه من تكذيب لتلك النصوص المتواترة والإنكار والمخالفة لحكم معلوم من الدين بالضرورة . ونقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين فقال: ما أراه على الإسلام . وأما من سب من تواترت النصوص بفضله بما لا يقدح في دينه وعدالته، كأن يصفه بالبخل أو الجبن ، أو سب بعض من لم تتواتر النصوص بفضله ، فلا يكفر بمجرد ذلك السب، لعدم إنكاره ما علم من الدين بالضرورة ، ولكنه يكون قد أتى ما يوجب تأديبه وتعزيره . وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة وكان هؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وهؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وقيل إن كل طائفة كانت تقنت على الأخرى والقتال باليد أعظم من التلاعن باللسان وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك , ثم من العجب أن الرافضة تنكر سب علي وهم يسبون أبا بكر وعمر وعثمان .
(62) قوله أن الصحابة سبوا بعضهم وقتلوا بعضهم .(13/385)
يقول الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويْكُم } ( الحجرات 9ـ 10 ) فأثبت لهم الإيمان والأخوة مع أنهم قاتلوا بعضهم بعضاً وإذا كانت هذه الآية يدخل فيها المؤمنين فالأولى دخول الصحابة فيها , ، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين , ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، فليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين !!؟ فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال .
(63) قوله أن الصحابة اجتهدوا وهو أيضاً يجتهد !
نقول إن الاجتهاد لا يكون في الثوابت , كما أنه لا يكون في النصوص القطيعة الثبوت والقطعية الدلالة , فهناك مناطق لا يجوز فيها الاجتهاد , كما يمكن الاجتهاد في غيرها إذا أمتلك المرء أدوات الاجتهاد وأصبح مجتهداً , ولكن الذي لا نفهمه هو كيف يقارن هذا الرافضي نفسه بأولئك الصحابة الأجلاء والذين زكاهم الله تعالى في القرآن الكريم !!؟ فهل وردت تزكيتكم أنتم أيضاً في كتابه الحكيم ؟؟!
(64) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء هو انتقاص منهم .
نقول لقد أجمع العلماء على أنه يقع من النبي أخطاء ، ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى . فقد تعْرِض له المسألة، وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين، وإن أخطأ نال أجراً واحداً .
(65) قوله أن الإمام السارق لا تجوز الصلاة وراءه .
نقول كل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره , ولكن الصلاة خلف المنحرفين مكروهة ، فجمهور أهل السنة يرون أن العاصي تصح إمامته إن توافرت فيه شروط الإمامة ، مع القول بكراهة إمامته ، فالأولى أن يصلي بالناس رجل صالح , أما مخالفة الرافضة فلا لا تقوم على أي دليل اللهم إلا الهوى .
(66) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء لا يجعل منهم قدوة .
نقول بل أن العكس هو الصحيح , فكيف يأمرنا الله تعالى أن نتخذهم قدوة وهم يختلفون عنا ؟؟! فهذا أشبه بأن يأمرنا الله بأن نتخذ من الملائكة قدوة لنا !! وهذا تكليف لا يطيقه البشر , كما أنه مخالف للعدل الإلهي , ولهذا فإن الله عصمهم من الكبائر فلا تقع منهم بحال من الأحوال، وهم معصومون من الذنوب الظاهرة والباطنة، أما الأخطاء التي تصدر عن اجتهاد دون سبق نص فيجوز أن تصدر عنهم، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم ، ويوفقهم للتوبة والأوبة إليه والاستغفار بعد ذلك , إذن فالعبرة بما أستقر عليه الأمر , وهو تبيين الخطأ .
(67) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء جعل هنالك شك في التنزيل .
نقول أن من قرأ القرآن الكريم وجد عشرات الآيات التي تتحدث عن أخطاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وهذه الآيات تفيد أن ابن آدم جميعهم يخطئون حتى الأنبياء ، فليس لأحد أن يخلو من الذنب في حياته الدنيوية ، وتلك الأخطاء إنما هي خارجه عن نطاق التبليغ برسالات الله , فلا عصمه إلا بالتبليغ , وهذا ما أكده صلى الله عليه وسلم حيث قال : إنما أنا بشر مثلكم , وإن الظن يخطئ ويصيب , ولكن ما قلت لكم قال الله , فلن أكذب على الله. كنز العمال ( 32181 ) ونقله الريشهري الرافضي في ميزان الحكمة جـ 4 ص ( 3203 ) .
(68) قوله " أن النبي بال قائماً " ينتقص من النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول وما هو هذا الانتقاص المزعوم ؟؟! وسوف نترك جعفر الصادق يرد عليهم حيث جاء عن رجل عنه ( عليه السلام ) قال سألته عن الرجل يطلي فيتبول وهو قائم قال لا بأس به . الكافي جـ 6 ص ( 500 ) . قال ابن قتيبة : ونحن نقول ليس ههنا بحمد الله اختلاف , ولم يبل قائماً قط في منزله والموضع الذي كانت تحضره فيه عائشة رضي الله عنها , وبال قائماً في المواضع التي لا يمكن أن يطمئن فيها , أما للثق ( الندى ) في الأرض وطين أو قذر . وكذلك الموضع الذي رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة يبول قائماً , كان مزبلة لقوم , فلم يمكنه العقود فيه , وحكم الضرورة خلاف حكم الاختيار . تأويل مختلف الحديث ص ( 92 ) .
(69) قوله " أن موسى صك ملك الموت " ينتقص من موسى عليه السلام .(13/386)
يقول الإمام ابن حجر : ( أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ،وإنما بعثه إليه اختيارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ، ....وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه ) فتح الباري جـ 6 ص ( 510 ) وثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال ، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام ، واقرأ من سورة هود الآيات 69-80 ، وقال في مريم عليها السلام { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } [مريم /17] .
(70) قوله أن حديث الجاريتان ينتقص من النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول وهذان الحديثان لا يوجد ما يقدح بهما فالجاريتان اللتان ذكرتا هما فتاتان لم تبلغا الحلم، وكانتا تغنّيان في يوم عيد وبالطبع ليس كالغناء المعروف الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن ويثير الغريزة من الغناء المحرّم، وهذا ظاهر بقول عائشة ( وليستا بمغنّيتين ) وأما انتهار أبو بكر لهما وإضافة الضرب بالدف لمزمار الشيطان فلأنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر، ولكن صلى الله عليه وسلم قال له: دعهما وعلل ذلك بقوله ( إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا ) والحديث الآخر فيه أن جارية سوداء قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أنها نذرت إن رجع سالماً أن تضرب بالدف فقال لها ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ) فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب لايفاء النذر وإلا فلا , ثم بعد ذلك دخل أبو بكر ثم عليّ ثم عثمان وعندما دخل عمر ألقت الجارية بالدف ثم قعدت عليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان ليخاف منك ياعمر ) فهل بعد هذا المدح من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر من مديح.
(71) قوله نزول ( عبس وتولى ) في النبي صلى الله عليه وسلم ينتقص منه .
نقول ليس في ذلك أي انتقاص , وقد تبين لنا مما سبق أن عصمة الأنبياء عليهم السلام هي في التنزيل , كما أنهم معصومون من الكبائر , وليس في ذلك أي انتقاص منهم .
(72) قوله أن ( عبس وتولى ) نزلت في عثمان بن عفان .
نقول وكيف تنزل سورة كاملة مكملة على رجل غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ فهذا من أعجب من سمعت !! أيعقل أن تنزل سور كاملة على عثمان بسبب خطأ أرتكبه !!؟ ولماذا لم تنزل على بقية الصحابة الذين أخطئوا أيضاً !! ولا أدري كيف يسفر قول أمامه الذي يعتبره معصوماً وهو الصادق أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال: "مرحبا مرحبا! لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا" وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يفعل به." المجمع جـ 5 ص ( 437 ) . وبحار الأنوار جـ 17 ص ( 77 ) ونور الثقلين للحويزي جـ 5 ص ( 509 ) وتفسير الميزان للطباطبائي جـ 20 ص ( 204 ) وتفسير البرهان جـ 3 ص ( 161 ) ومجمع البحرين للطريحي جـ 3 ص ( 112 ) .
(73) قوله " يضع الرب قدمه على جهنم " تنقص من الذات الإلهية .
فقوله سبحانه وتعالى ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) [سورة القلم : الآية 42] هو بيان لبعض ما يكون يوم القيامة ، وأن الله سبحانه يكشف عن ساقه فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع ذلك المنافقون . وفي هذه الآية إثبات لصفة الساق لله سبحانه كغيرها من الصفات التي تليق بجلاله ، نؤمن بها لفظاً ومعنىً ونفوض كيفيتها إلى الله سبحانه القائل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )[ الشورى: 11] والقائل ( ولا يحيطون به علماً )[ طه: 110] , وإذا كان إثبات الصفات يلزم منه ( حسب قولكم ) تشبيه الله بالموجودات , فليزم من ذلك أن تعطيل صفات الله يلزم منه تشبيه الله بالمعدومات , فقد وقعتم في نفس شرك الذين حاولتم الهروب منه , وكما قال العلماء : المجسم يعبد صنماً , والمعطل يعبد عدماً , ودين الله بين هذا وذاك , يقول تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فـ "ليس كمثله شيء" رد على المجسمة , و "هو السميع البصير" رد على المعطلة .
(74) قوله أن القول بأن الله يضحك تنقص من الذات الإلهية .(13/387)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن قول القائل ( الضحك خفة الروح ) إن أراد به وصفا مذموما فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني ولهذا قال النبي : ( " ينظر إليكم الرب قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " فقال له أبو رزين العقيلي يا رسول الله أو يضحك الرب قال : " نعم " قال لن نعدم من رب يضحك خيرا ) فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وانه من صفات الكمال والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك وقد قيل في اليوم الشديد العذاب انه { يوما عبوسا قمطريرا } [الإنسان/10] وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال فكما إن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال فمن يتكلم اكمل ممن لا يتكلم ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك وإذا كان الضحك فينا مستلزما لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك وذلك الأكثر مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقا مقرونة بالنقص كما إن ذواتنا وصفاتنا ووجودنا مقرون بالنقص ولا يلزم أن يكون الرب موجدا وان لا تكون له ذات .
(75) قول الذي يمثل دور سني أن الشفاعة تدل على عدم العدل الإلهي .
نقول أن الشافعة ثابتة بالكتاب والسنة , ونحن أهل السنة لا ننكرها على الإطلاق , فهي ثابتة للأنبياء والرسل والملائكة والشهداء والصالحين على اختلاف مراتبهم عند الله تعالى، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: ما في مسند الإمام أحمد ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين: ربيعة ومضر. وهذا القدر من هذا الحديث قال الأرناؤوط: صحيح بطرقه وشواهده. ومنها: ما ثبت في مسند أحمد والترمذي وابن ماجه من أن الشهيد يشفع في سبعين ألفا من أقاربه. والشفاعة أنواع, ومن أهمها وهي أعظمها على الإطلاق: شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف لفصل القضاء، وهي المقام المحمود الذي وعده الله تعالى يوم القيامة. ومنها: الشفاعة لتخفيف العذاب عن بعض الكفار، وهذه أيضاً خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: الشفاعة فيمن استوجبوا النار بأعمالهم فلم يدخلوها بسبب الشفاعة. ومنها: الشفاعة في رفع درجات المشفوع لهم. (76) قوله " أن النبي كان يصلي على الخمرة " دليل على جواز الصلاة على التربة .
يقول الملا علي القاري : (( قد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن المغيرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الحصيرة والفروة المدبوغة، وروى ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بساط، وفيه رد على الرافضة حيث لا يجوزون الصلاة والسجدة إلا على الأرض، وجنسها وإن كان هو الأفضل اتفاقاً )) . شرح مسند أبي حنيفة ص ( 42 ) . وقال الشوكاني في النيل : (( والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كان من الخرق و الخوص أو غير ذلك، سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة. وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح: يا أفلح ترب وجهك أي في سجوده. قال العراقي: والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه )) نيل الأوطار جـ 2 ص ( 130 ) .أما من حمله على الكراهة فيحمل على كراهة التنزيه كما قال الحافظ.
(77) قوله " وجعلت لي الأرض مسجداً " دليل على جواز الصلاة على التربة .
قال العراقي: أراد بالطيبة الطاهرة وبالطهور المطهر لغيره فلو كان معنى طهوراً طاهراً لزم تحصيل الحاصل وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة وإن غلب ظن النجاسة وأن الصلاة بالمسجد لا تجب وإن أمكن بسهولة وكان جاراً بالمسجد وخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لم يثبت وبفرضه المراد لا صلاة كاملة وهذا الخبر وما بعده قد احتجت به الحنفية على جواز التيمم بسائر ما على وجه الأرض ولو غير تراب وأخذ منه بعض المجتهدين أنه يصح التيمم بنية الطهارة المجردة لأنه لو لم يكن طهارة لم تجز الصلاة به وخالف الشافعي وردَّ ذلك بأنه مجاز لتبادر غيره والأحكام تناط باسم الحقيقة دون المجاز وبأنه لا يلزم من نفي الطهارة الحقيقية نفي المجازية.
(78) قوله أن الصحابة كانوا يأخذون الحصى ويصلون عليها .(13/388)
أقول سوف أنقل الرواية كاملة حتى تتبين لنا الأمانة التي ألتزم بها القوم !! جاء في سنن أبي داود وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: كنت أصلِّي الظهر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فآخذ قبضةً من الحصى لتبرد في كفي، أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر (!!) وعند البيهقي عن أنس في شدّة الحرّ فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه (!) فهذه الأحاديث واضحة بفضل الله ولا تحتاج إلى شرح طويل , فصحابة الكرام لم يفعلوا ذلك تقرباً إلى الله كما يفعل الرافضة المبطلة, إنما فعلوا ذلك لأجل حاجة والتي هي شّدة الحّر .
(79) قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المتعة .
نقول إن زواج المتعة كان مباحاً في أول الإسلام ثم حُرِّم ثم أبيح ثم حُرم إلى يوم القيامة، والذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرمه عمر ولا علي رضي الله عنهما، إنما شدد عمر في النكير على من لم يبلغه التحريم والذي روى حديث التحريم المؤبد هو علي رضي الله عنه. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". صحيح البخاري جـ 6 ص ( 129 ) وفي رواية: "عن متعة النساء زمن خيبر" ص ( 230 ) ولا يصح زواج المتعة حضرا ولا سفرا فإنها حرام إلى يوم القيامة. وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر قال: "إنما أحلت لنا أصحاب محمد متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وجاء النسخ المؤبد بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنها حرام إلى يوم القيامة . السنن الكبرى جـ 7 ص ( 203 ) . ومن كتب الرافضة . الاستبصار جـ 3 ص ( 142 ) والتهذيب جـ 7 ص ( 251 ) ووسائل الشيعة جـ 21 ص ( 12 ).
(80) قوله أن عمر بن الخطاب هو من حرم المتعة .
نقول أن عمر شدد في تحريهما , وأن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ منهم جابر رضي الله عنه نفسه , وليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به , وأنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها , ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر المسلمين كافة كأبي بكر .
(81) قوله أن قول عمران بن حصين " لم ينزل قرآن يحرم المتعة " دليل على حليتها .
نقول أن هذا عن متعة الحج , والحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير " تفسير سورة البقرة " باب { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج }. وأورده مسلم أيضاً في كتاب ( الحج ) !! وأطبق شراح صحيح البخاري كالعسقلاني والعيني و القسطلاني وشراح صحيح مسلم كالنووي والمازري وغيرهم على تفسير المتعة هنا " بمتعة الحج" .
(82) قوله أن قول جابر " حتى نهي عمر عن المتعة " دليل على حليتها .
نقول أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ , ومنهم جابر رضي الله عنه نفسه , كما ليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به ، كما أن كتب السنة لم تذكر رأي أبي بكر رضي الله عنه في المتعة والظاهر أن موقفه وهو الملازم لرسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم في جميع غزواته وأغلب حالاته التحريم لها ، والذي نقصده في هذه السطور أنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها , ولو اطلع الصديق على فاعلها في خلافته لوقف منها موقف الفاروق عمر رضي الله عنه لأن الفاروق فعلت في عهده ولم يطلع عليها كما يدل عليه حديث جابر الثاني ثم اطلع بعد ذلك ، فنهى عنها وقال فيها أشد القول ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر الناس كافة كأبي بكر .
(83) قول عفان تمتعنا في عهد أبي بكر .
نقول نحن لا ننكر أبدا أن المتعة قد أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا ما أثبته جابر ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة بعد ذلك ، ولم يعلم بذلك جابر . وهذا ليس بغريب ، وذلك أنه يستحيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كلما أمر بأمر أو نهى عن شيء ، أنه يجمع جميع الصحابة يخبرهم . بل يخبر ، ثم يبلغ الحاضر الغائب . فكان النهي مما غاب عن جابر ، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فظل على الأصل وهو الإباحة حتى علم عن طريق عمر أنها حرام ، فقال بتحريمها .
(84) تفسير شعبة عن الحكم " فما استمتعتم به منهن " أنها ليست منسوخة .(13/389)
قال تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) فالكلام كله في النكاح الصحيح ، وليس من المتعة في شيء ، ولذلك ذلك قال تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن الله كان عليما حكيما } . وقال : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } وقف عند قوله تعالى : { محصنين } فلو كانت الآية في المتعة لما قال الله : {محصنين } لأن المتعة لا تحصن ، فلو كانت الآية في المتعة ما قال : { محصنين } لأنها لا تدخل في الإحصان . ولذلك هذه الرواية عندهم عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام (موسى الكاظم) عن الجل إذا هو زنا وعنده الأمة يطأها ، تحصنه الأمة ، قال : نعم . قال : فأن كانت عنده امرأة متعة أتحصِّنُهُ ، قال : لا ، إنما هو على الشيء الدائم عنده . وهذا في وسائل الشيعة جـ 28 ص ( 68 ). فالآية إذن ليست في المتعة ، وإنما هي في النكاح الصحيح ، بدلالة ما قبلها ، أنها ذكرت في المحرمات ، فذكر الله تبارك وتعالى ما يحل ، ثم بدلالة قول الله تبارك وتعالى : { محصنين } ، والمتعة كما قلنا لا تحصن إنما الذي يحصن هو النكاح الشرعي بدلالة قولهم هم .
(85) قوله أن الأجر واجب في الآية حتى بدون استمتاع وهذا بخلاف المهر .
قال الزجاج : إن هذه الآية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله فما استمتعتم به منهن من المتعة التي قد اجمع أهل العلم أنها حرام ، وإنما معنى فما استمتعتم به منهن أي فما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان ، أن تبتغوا بأموالكم محصنين أي عاقدين التزويج ، فآتوهن أجورهن فريضة أي مهورهن . لسان العرب جـ 8 ص ( 329 ), وقد ذكر الله تبارك وتعالى التمتع في غير النكاح في مواضع من كتابه الكريم كما قال جل ذكره : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وقال جل ذكره : { فاستمتعتم بخلاقكم } فلا يلزم من ذكر كلمة متعة أنها تكون دائما على هذا الذي زعموه وهو نكاح المتعة . وأما الأجر أنه ذكر الأجر في الآية : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } ، قالوا اذكر الأجر دليلا على ذكر المتعة . وهذا غير صحيح وذلك أن الأجر أيضا يذكر ويراد به المهر كما قال الله جل وعلى : { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وقال جل ذكره : { فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } والمتعة ليس فيها إذن الأهل . وقال جل ذكره : { يا أيها إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت أجورهن } أي مهورهن . وقال سبحانه : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } . فالأجر يذكر ويراد به المهر الذي هو النكاح الصحيح .
(86) قوله أن السيوطي ذكر في تاريخ الخلفاء أنه أول من حرم المتعة عمر .
نقول لقد أثبتنا تحريم رسول الله عليه الصلاة والسلام لها حتى من كتب الرافضة , فكلمات السيوطي أو غيره لم تعد ذات قيمة .
(87) قوله أن أبي موسى الأشعري كان يفتى بالمتعة .
نقول أن أحاديث أبي موسى الأشعري تتحدث عن متعة حج وليس غيرها , وعمر لم يحرم متعة الحج و مما يدل على ذلك أيضا علاوة على ما سبق ما رواه أصحاب السنن : فروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم . أخرجه الحميدي 18 وأحمد 1 / 14 وأبو داود 1798 وابن ماجه 2970 .
(88) قوله ( لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ) نزلت في زواج المتعة .
نقول لا يوجد سند ثابت وصحيح في ذلك , كما أنه مخالف لما جاء في الصحيحين عن سعد قال : رد النبي صلى الله عليه و سلم على عثمان بن مظعون التبتل و لو أذن له لاختصينا وعن عكرمة أن علي بن أبى طالب و ابن مسعود وعثمان بن مظعون و المقداد و سالما مولى أبي حذيفة في أصحاب لهم تبتلوا فجلسوا في البيوت و اعتزلوا النساء و لبسوا المسوح و حرموا الطيبات من الطعام و اللباس إلا ما يأكل و يلبس أهل السياحة من بني إسرائيل و هموا بالإختصاء واجمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت هذه الآية و كذلك ذكر المفسرين ما يشبه هذا المعنى .
(89) قوله أن هناك قراءة " إلى أجل مسمى " وهي قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد .
نقول إن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة ، لا هي من السبع ولا هي من العشر , ثم أن الرافضة أصلا لا يعترفون بالقراءات حتى تستدل بهذه القراءة , فعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد . الكافي جـ 2 ص ( 630 ) .
(90) استدلاله برواية : متعتان كانتا على عهد رسول الله .(13/390)
نقول أن الفاروق رضي الله عنه لم يحرم متعة الحج , وغير خارجة عن موضوعنا , وأما متعة النساء فإن أهل السنة يقولون إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أباحها وهو الذي حرّمها تحريما أبدياً إلى يوم القيامة كما سبق ذكر أحاديث التحريم . ومما يدل على أن عمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ما رواه البيهقي في السنن من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ألا و إني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته .السنن الكبرى 7/206 وقال البيهقي في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : " فهذا إن صح يبين أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عن نكاح المتعة لأنه علم نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه .
(91) قوله أنه يشترط في المتعة أذن الولي .
أما الولي فعن أبي عبد الله قال : وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود . وهذا في الوسائل جـ 21 ص ( 64 )
(92) قوله أنه يشترط في المتعة العدة .
أما العدة فعن أبي عبد الله قال : لا نفقة ولا عدة عليها . وهذا في الوسائل جـ 21 ص ( 79 ) . فقد أثبت أبي عبد الله جعفر الصادق أنه ليس للمتمتع بها عدة ولا يشترط في العقد ولي !
(93) قوله " لولا أن نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي " دليل على حليتها .
نقول لقد تبث في ما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من حرمها , أما حديث ( لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي ) نقول أن هذه الرواية باطلة , فهي من روايات المفضل بن عمر والذي هو ضعيف عند الجميع . قال النجاشي: المفضل بن عمر أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجعفي الكوفي ، فاسد المذهب ! مضطرب الرواية لا يعبأ به و قيل : أنه كان خطابيا و قد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها و إنما ذكره للشرط الذي قدمناه له . رجال النجاشي 2/359 -360 . وقال ابن الغضائري كما نقل عنه صاحب مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 : المفضل بن عمر الجعفي أبو عبد الله ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ولا يجوز أن يكتب حديثه . مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 . وقال الأردبيلي: وروى روايات غير نقية الطريق في مدحه وأورد الكشي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية كلها ، وأحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه وهي أقرب إلى الصحة فالأولى عدم الاعتماد والله أعلم . جامع الرواة 2/258 - 259
(94) قوله أن السني يعمل بالتقية لأنه لا ينهي عن مظاهر الفجور .
نقول حتى ولو ترك السُني الصلاة والصيام والدين كله فلا يغير ذلك من الحق قيد أنملة , فعمل أهل السنة ليس تشريعاً, إنما مصادر التشريع هي القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع والقياس , وليس في ذلك أعمال أفراد المسلمين , فما يقوم به العامة من المسلمين والذين هم أهل السنة لا يُعد من التشريع .
(95) محاولة التهرب من تعريف التقية عند الرافضة !
ويجب أولاً وقبل الخوض في هذا أن نُعرف التقية عند الرافضة , فيقول ابن بابويه : (اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة ) [الاعتقادات : ص114] . بل جعلوا هذا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وهو منه براء , فقالوا على لسان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام : ( تارك التقية كتارك الصلاة ) [جامع الأخبار: ص110، وبحار الأنوار: 75/412] وعن جعفر قال : (إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له ) [أصول الكافي: 2/217، بحار الأنوار: 75/423، و وسائل الشيعة : 11/460] ؛ بل وتارك التقية ذنباً لا يغفر كالشرك ، فقد جاء في أخبارهم : ( يغفر الله للمؤمن كل ذنب، يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان ) [تفسير الحسن العسكري: ص130، وسائل الشيعة 11/474، بحار الأنوار: 75/415].
(96) قوله أن الله أمر بالتقية في قوله ( إلا أن تتقوا منهم تقاتاً ) .
وبعد هذا التعريف التي يعتبر أرضية للمسألة نُعرف التقية عند المسلمين والتي ذكرها الله تعالى في كتابه فالتقية في دين الله التي جاءت في كتابه هي تقية حال الاضطرار، وهي مع الكفار خاصة لا المسلمين، ففي قوله تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال ابن جرير الطبري : ( التقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم ) [تفسير الطبري : 6/316] فليت شعري كيف يتفق هذا المعنى القرآني العظيم مع تلك التقية التي يؤمن بها الرافضة !! فالتقية في الإسلام رخصة عند الاضطرار , وهي عند الرافضة عزيمة يجب العمل بها في كل حال , ولا تشترك تقية الإسلام وتقية الرافضة إلا في الاسم فقط .(13/391)
(97) قوله أن ما فعله عمار بن ياسر كان تقية .
إن التقية في الإسلام أشد حرمة من أكل لحم الخنزير، إذ يجوز للمضطر أكل لحم الخنزير عند الشدة، وكذلك التقية تجوز في مثل تلك الحالة فقط فلو أن إنسانا تنزه عن أكل لحم الخنزير في حالة الاضطرار أيضا ومات فإنه آثم عند الله، وهذا بخلاف التقية فإنه إذا لم يلجأ إليها عند في حالة الاضطرار ومات فإن له درجة وثوابا عند الله، فكأن رخصة أكل لحم الخنزير تنتقل إلى العزيمة لكن لا تنتقل رخصة التقية إلى العزيمة بل إنه إن مات لدين الله ولم يحتم بالتقية فإنه سيؤجر على موته هذا أجراً عظيماً والعزيمة فيها على كل حال أفضل من التقية، والتاريخ الإسلامي من تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم إيذاء المشركين وكذا الصديق وبلال وغيرهما وشهادة سمية أم عمار وشهادة خبيب وغيرهم رضي الله عنهم كلها وإلى غير ذلك من وقائع وقصص نادرة في البطولة والعزيمة في مسيرة هذه الأمة الطويلة لخير دليل على أن العزيمة هي الأصل والأفضل والأحسن.
(98) قوله " لولا قومكِ حديثوا عهد بالكفر " أن رسول الله قد فعل التقية !
نقول لقد عرفنا التقية وقلنا أنها تستخدم عند الضرورة فقط , والتقية لا تكون إلا في حال الضعف وخوف العدو الكافر، أما مع الأمن والعزة والقوة فلا تقية حينئذ، يقول معاذ بن جبل ومجاهد رضي الله عن الجميع : (كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين، أما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوا منهم تقاة ) [انظر : تفسير القرطبي: 4/57، وكذا فتح القدير للشوكاني : 1/331] .
(99) قوله أن سرية دعوة النبوة تقية !
نقول كما قلنا سابقاً أن هناك فرق كبير بين تقية في دين الله وبين التقية في دين الرافضة , فالتقية عند الرافضة تسع أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له , وهي في الإسلام رخصة عند الضرورة , وهي كأكل لحم الخنزير بل أشد, ومن قارن هذه بتلك كمن قال: أكل لحم الخنزير تسع أعشار الدين , ولا دين لمن لم يأكل لحم الخنزير !!
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها واغفر لوالديهما واهليهما وذريتهما واحشرهم مع سيد المرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
=====================
الفهرس العام
قبر فاطمة عليها السلام ... 1
البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان ... 2
استنكار عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته " ... 17
عقائد الأشاعرة - شبهات وردود ... 22
آيات يحتج بها الشيعة ... 38
دعوى الرافضي أن الصحابة ردوا نص:(الغدير) وأبعدوا علياً عن الخلافة والرد عليه في ذلك ... 60
شبهات وردود ... 65
الصحابة يشهدون على أنفسهم ... 75
شبهات حول عصر الصحابة (6) : ماذا بين أبي بكر الصديق وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما!! ... 89
فدك بين أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة - مناقشة علمية ... 91
فدك ... 110
تقسيم الصحابة بين أهل السنة والجماعة والرافضة الاثني عشرية ... 122
أم المؤمنين عائشة تحت مجهر مسلم والبخاري ... 184
شبهات حول عصر الصحابة (4): ماذا فعلت عائشة رضي الله عنها عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ... 188
مفهوم عدالة الصحابة ... 198
الرد على من زعم أن الصحابة تركوا إنفاذ جيش أسامة ... 212
الرد على من زعم أن اختلاف الصحابة هو الذي حرم الأمة العصمة وأدى إلى تفرقها وتمزقها ... 225
زعم الرافضي أن الصحابة غيروا حتى في الصلاة والرد عليه ... 252
شبهة المفيد على آية ثاني اثنين .. و الرد عليها ... 264
زعم الرافضة أن الشيخين وعثمان رضي الله عنهم قد خالفوا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... 268
موقف علي بن أبي طالب من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ... 274
طعن المؤلف في خالد بن الوليد بقتله مالك بن نويرة وطعنه في أبي بكر لعدم الاقتصاص من خالد والرد عليه في ذلك ... 276
فدك -إتهام الرافضي أبا بكر بالظلم بمنعه فاطمة من الميراث ... 282
شبهات حول عصر الصحابة (7) : هل أمر الفاروق رضي الله عنه بقتل بعض أهل الشورى؟! ... 301
صلاة التراويح ... 304
الرد على التيجاني بادعائه أن القرآن يذم الصحابة: ... 308
سادساً إدعاء التيجاني أن أبا بكر خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله لما نعى الزكاة والرد عليه في ذلك: ... 362
زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص ... 385
موقف أم المؤمنين عائشة من مقتل عثمان بن عفان ... 391
عمر رضي الله عنه ورزية الخميس ... 396
الرد على كذب الشيعة ان سيدنا عمر انهزم في غزوة حنين ... 408
مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ... 419
المطاعن الثانية في حق الفروق رضي الله عنه . ... 430
بطلان استشهاد الرافضة ببيت شعر الشافعي رحمة الله عليه ... 449
رزية الخميس ... 450
مبحث مطاعن التيجاني في طلحة والزبير والرد عليه في ذلك ... 504
سيرة أبي هريرة رضي الله عنه ... 534(13/392)
طعن الشيعة في ابن عمر رضي الله عنهما والرد على ذلك ... 552
تدوين الحديث ... 560
تفسير ابن كثير واحد من عشرات الكتب التي حرفها النواصب ... 565
دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم ... 568
القول : (إن الشيعة يأخذون الإسلام أصولاً وفروعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار لا غير) ... 571
استنكار عبد الحسين " رؤية الله يوم القيامة " ... 596
استنكار عبد الحسين حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها " ... 604
استنكار عبد الحسين حديث نزول الربّ كل ليلة إلى سماء الدنيا : ... 611
استنكار عبد الحسين حديث لطم نبي الله موسى عين ملك الموت : ... 624
استنكار عبد الحسين حديث فرار الحجر بثياب موسى عليه السلام : ... 629
استنكار عبد الحسين حديث" طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة " ... 631
استنكار عبد الحسين حديث" تساقط جراد الذهب على نبي الله أيوب " ... 634
استنكار عبد الحسين حديث التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها : ... 636
تقليد الأئمة عند أهل السنة ... 638
تطاير الأساور في فضح أكاذيب ليالي بيشاور ... 652
ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب اتباع علي والرد عليه في ذلك: ... 665
1. الشبهة الله عز وجل يهرول والعياذ بالله ... 694
2.الشبهة كتاب الدرر الكامنة لابن حجر .. يقول ابن تيمية : ان علي بن ابي طالب كان مخذولا حيث ما توجه وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة وان علي اسلم صبياً والصبي لايصح اسلامه ... 696
4.الشبهة الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء . في كل الأيام حتى الأيام العادية ... 697
5.الشبهة إن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا إستسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون ... 700
6.الشبهة أم المؤمنين عائشة تطلب من الناس التوسل بقبر الرسول وهو ميت... هل يعني هذا ان عائشة مشركة ؟؟ ... 705
7. الشبهة قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هنا الفتنة ثلاثاُ من حيث يطلع قرن الشيطان. ... 706
8.الشبهة الطبري يصرح بكفر معاوية ويزيد علنا ؟؟؟ ... 708
9.الشبهة الرسول يقيم عزاء الحسين , راجع الحديث في مسند أحمد ... 708
15.الشبهة كلام الامام علي عليه السلام وهو يقول لأبي بكر لقد استبددت علينا بالامر وكنا نحن نرى لنا حقاً , راجع الحديث في صحيح البخاري ... 709
شبهة حول حروب الردة والفتوحات الإسلامية ... 710
إنكار الرافضة لوجود فرقة من الشيعة تدّعي أن الرسالة نزلت لعلي وليس لمحمد، وفرقة تدّعي أُلوهية عليّ والرد عليهم في ذلك: ... 732
ادعاء التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة الاثني عشرية بعددهم وأسمائهم والرد عليه في ذلك: ... 755
بالبحث لا بالوراثة ... 762
هل التحسين يكون بالعقل أم بالشرع؟ ... 789
استنكار عبد الحسين حديث" سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ... 797
استنكار عبد الحسين حديث" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلد ويغضب ..." ... 801
استنكار عبد الحسين حديث" عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة " ... 802
استنكار عبد الحسين حديث" نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح " ... 806
استنكار عبد الحسين حديث" تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة " ... 814
استنكار عبد الحسين حديث" أمة مسخت فأراً " ... 817
استنكار عبد الحسين حديث" من أدركه الفجر جنباً فلا يصُم " ... 819
استنكار عبد الحسين حديث" لا عدوى ولا صفر ولا هامة " ... 822
استنكار عبد الحسين اسلام أم أبي هريرة بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما: ... 829
استنكار عبد الحسين حديث" امرأة دخلت النار في هرّة " ... 848
استنكار عبد الحسين حديث" غفرت لامرأة سقت لكلب" ... 849
99 شبهة رافضية والرد عليها ... ... 852(13/393)
الباب السابع-شبهات حول المرأة المسلمة
الذمه المالية للمرأة في أوربا المسيحية
هذه المقالة منشورة في مجلة الأزهر عام 1938 أهديها لأخواتي المسلمات ومن حق المسلمة أن تفتخر بأن الإسلام أعطاكي الحرية الكاملة والاستقلال التام في الذمه المالية فلا أحد يتحكم فيما تملكية
الحرية الديمقراطية للمرأة الأوربية
تحت هذا العنوان قرأت اليوم (21 فبراير سنة 1938م) في جريدة ألمانية Zeitung am Mittag Hamburgerهذا الخبر:
" نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية للقوانين في يوم الأحد 20 فبراير سنة 1938 بإلغاء القانون الخاص بمنع المرأة المتزوجة :
(ا)من توقيع أذونات الصرف المالية (الشيكات)
(ب) من فتحها حسابا جاريا في أي بنك من البنوك
(ج) من توقيع أي عقد مالي
(د) من استيلائها على الإرث مباشرة بدون إذن القاضي في ذلك كله
لم يدهشني هذا الخبر دهشتي لو بقيت بمصر ولم تسنح لي الفرصة لتعرف أحوال البلاد الغربية ودراسة الحالة الاجتماعية للمرأة الأوربية على الخصوص ، لأن الصورة التي في ذهن الشرق عن أوربا صورة مبالغ فيها نحو ناحية الكمال والرقي الإنساني ، بفضل الدعاية الثقافية والأدبية التي تقوم بها الأفلام السينمائية ، ومدارس الإرساليات الأجنبية ، والنشرات والكتب التي تحمل طابع البحث العلمي .
عن هذا التصوير المبالغ فيه يود كل شرقي أن يكون أوربيا ، أو على الأقل يحاول أن يظهر بمظهر أوربي كما ترغب المرأة الشرقية وخصوصا المصرية في أن تحمل طابع المرأة الغربية مهما كلفها ذلك من مجافاة لعادات وطنها ، وإسراف في تقليد " مثالها " Ideai
عن هذا التصور يتجلى الخضوع الأعمى في الشرق لسيادة الأوربي ، وتبين بوضوح تكلف العناء والتضحية بالقومية في إتباع مشورة الوصي الغربي
إن منية أوربا مرتكزة على المادة وثقافتها ، للوصول إلى المادة . فمدنيتها تتمثل في المخترعات الهندسية والكمياوية ، وثقافتها في تعلم بسطة السلطان وسياسة الاستعمار .
مدنيتها القوة الحربية ، وثقافتها التبشير الروحي ، وأبحاثها العلمية تصوير الأمم الضعيفة بصورة مشوهة كي يكون هناك محل للنداء " بوجوب تمدين الشعوب غير الناضجة في السياسة والإدارة ".
وهذه المدنية المادية من أكبر عوامل انتشار المذهب الخلقي النفعي ، وتربية الشعور الأناني (Egoism) ليس فقط تجاه الشعوب غير الأوربية ، وإنما فيما بين أمم الغرب أنفسها ، بل فيما بين أفراد الأمة الواحدة منها وكلما تمكنت المادية من هذه المدنية وقوي هذا الشعور الأناني ، ضعفت القضايا الخلقية الروحية ، وقلت قيمتها العلمية ، وأصبحت فقط أداة للدعاية بين الشعوب الضعيفة أو الفطرية باسم " الإنسانية" وحملها على الاستسلام باسم " الأخوة في الإنسانية" ولذلك كان أضعف الشعوب وأزهدها في السلطان ، كالشعوب الهندية ، هو المعتنق لهذه المذاهب الروحية بأمانة وإخلاص .
عن هذا الشعور الأناني تأسست علاقة الرجل بالمرأة في أوربا ، وهي أقرب إلى علاقة مادية منها إلى علاقة نفسية روحية . ففي انكلترا إلى الآن ، وفي فرنسا لغاية تاريخ 20 فبراير سنة 1938 تمنع المرأة المتزوجة من التصرف في شئونها المالية الخاصة بها ، ويمتد سلطان الرجل وقوامته عليها إلى ناحيتها الاقتصادية المادية، بينما لا يحرم القانون ، بل قد تمنعه العادة حسبما يكون منشأ المرأة في الحياة الاجتماعية ، أن تتخذ الزوجة صديقا لها ، كما يتخذ الزوج صديقة له.
لا تمنع المرأة فقط من التصرف في أمورها الاقتصادية ، بل عليها بحكم العرف ، والعرف قانون ، أن تؤسس لخطيبها بيت الأسرة المقبلة التي ستتكون منها مبدئيا . ولهذا لا يفهم الأوربي المادي ما فرضه الإسلام على الرجل من صداق لزوجته ، ويحاول أن يصور المرأة المسلمة بالسلعة القابلة للبيع والشراء ، ولا يستحي حتى فيما يسميه أبحاثا علمية ، أو فيما تطلع به الجرائد اليومية على الرأي العام ، من تسمية المهر في الإسلام " ثمن شراء" (Kaufpreis)
لا يود أن يفهم الأوربي أن المهر هو نصيب الرجل في بناء الحياة البيتية ، وأن هذا الالتزام من جانبه وحده ، لما فرض له من قوامته على المرأة ، ولما فرض فيه بحكم الطبيعية من أنه المكافح في الحياة . فكون المرأة في أوربا هي التي تتحمل تأسيس الأسرة وحدها، قلب للوضع الطبيعي ، وأشبه شيء بوسيلة مغرية للرجل على زواجها ، كأن طبيعة الأنوثة فيها غير كافية للإغراء ، وكأن الرجل لا يشعر في طبيعته بالحاجة الملحة إلى المرأة لسد هذا النقص فيه حتى تستمر سنة الكون في البناء والتجديد في حياة البشر الاجتماعية ولكنه المذهب المادي الذي قارب أن يحول ما بقى في نفوسهم من شعور إلى غرائز لا يكون للإرادة عليها سبيل .
الإسلام حجر على المرأة ولكن في التصرف في عفتها وخلقها ، وأباح لها في جانب ذلك التصرف في مالها .
هو لم يحجر عليها في الواقع وإنما ألزمها برعاية حقوق قرينها فيما كان سبب الزواج ، وفيما المحافظة عليه سبب سعادة الحياة الزوجية .(14/1)
لم يبح لها وإنما اعتد باستقلالها ، وأكد لها هذا الاستقلال فيما بعد اقترانها ، في الوقت الذي هو مظنة التبعية ، والذي هو في الواقع مبدأ التبعية في حياة المرأة الزوجية في الأمم التي تدعي أنها منبع الديمقراطية ، وأنها رسل الحرية في الشعوب التي تبيح الاتجار بالرقيق ، أو تبيح الأسر والرق باعتبار أنه تدبير من تدبير الحرب المشروعة .
إذا كان إطلاق التصرف المالي للمرأة هو الحرية الديمقراطية النسوية في القرن العشرين ، فللمرأة المسلمة أن تعتز بتمتعها بهذه الديمقراطية منذ القرن السابع الميلادي وإذا كانت قوامة الرجل الأوربي على المرأة ، في شئونها المالية ، فليفخر الرجل المسلم بأن قوامته على زوجته فيما يصون عليها شرفها وكرامتها . وإذا عدت أوربا مبدأ التبعية والحجر على المرأة في تصرفها المالي ظاهرة من ظواهر المدنية ، فليعتز الشرق الإسلامي بجعل مبدأ الأسر في الحرب من أسباب ضمان الظفر والنصر الذي لا يلبث أن يتبعه الترغيب في العتق ثانية ، وجعله غاية أنواع للكفارة عن ارتكاب أشد أنواع الإجرام مقتا عند الله وعند الناس .
المادية والروحية مذهبان متقابلان، وكلما غلت أوربا في المادية تراءى لها الحق في القوة وتمثل لها الظلم عدلا . كذلك كلما غلا الشرق في الروحية تراءت له الحياة الحقة في الزهد والتواكل والاستسلام .
أما المذهب الخيار فهو مذهب الاعتداد بالنفس ، والمحافظة على السلطان وأتباع العدل فيه ، هو المذهب القائل
(أ?) " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ....." والقائل أيضا
(ب?) " ولا يظلم ربك أحدا....."
محمد البهي
مجله الأزهر المجلد 9 ص135
=====================
هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة عنصرية ؟
الرد على شبهة تحريم زواج المسلمة بغير المسلم وهل يُعد نزعة عنصرية ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ صحيح إن الإسلام يجيز زواج المسلم من غير المسلمة (مسيحية أو يهودية) ولا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم. وللوهلة الأولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة ، ولكن إذا عرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ، وزال وَهْمُ انعدام المساواة. فهناك وجهة نظر إسلامية فى هذا الصدد توضح الحكمة فى ذلك. وكل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف.
2 ـ الزواج فى الإسلام يقوم على " المودة والرحمة " والسكن النفسى. ويحرص الإسلام على أن تبنى الأسرة على أسس سليمة تضمن الاستمرار للعلاقة الزوجية. و الإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعًا جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. وإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ، ولا يجوز له ـ من وجهة النظر الإسلامية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد. وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها. وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.
3 ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا. فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة ، وبأنبياء الله السابقين ، ويحترمهم ويوقرهم ، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبى الإسلام ولا يعترف به ، بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَيُصَدِّق ـ فى العادة ـ كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبى الإسلام من افتراءات وأكاذيب ، وما أكثر ما يشاع.
وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها. وهذا أمر لا تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة. فالقضية قضية مبدأ. وعنصر الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة أساس لاستمرار العلاقة الزوجية.
4 ـ وقد كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه حين حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ، وذلك لنفس السبب الذى من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم.
فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا بشرية. فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ بعيدًا عن المجاملات ـ يكون مفقودًا. وهذا يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية ، ولا يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلاقة الزوجية
=====================
حقها في الميراث
كانت المرأة في الجاهلية ، تابعاً للرجل في كل شيء ، مسلوبة الحق والإرادة ، حتى قال عمر بن الخطاب: (والله أن كنا في الجاهلية لا نعد للنساء أمراً ، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ، وقسم لهن ما قسم) ، ووصل الأمر في بعض القبائل إلى حد جعلها كالمتاع ، تورث كما يورث ، وتنتقل إلى الورثة كما ينتقل ، وكانوا يحرمونها من كثير من الحقوق ، ويرون أنها ليست أهلاً لتلك الحقوق.(14/2)
ومما سلبته الجاهلية المرأة الميراث ، فقد كانوا يرون أنها لا تستحق أن ترث من أقاربها شيئاً ، لأنها لا تحمل السيف ، ولا تحمي البيضة ، ولا تحوز الغنيمة ، لذا كان الميراث وقفاً على ذوي البلاء في الحروب ، من الأولاد الذكور وحدهم ، يأخذه الأكبر فالأكبر ، ولأن المال الذي يعطى لها يذهب إلى الغرماء الذين تزوجت إليهم ، وقد يكونون من الأعداء ، وهم حريصون على أن يبقى مالهم في أسرهم ، فكانوا يحرمونها من الميراث ، ومن أي حق مالي آخر كالمهر والوصية وغيرهما.
ومن أجل ذلك:
جاء الإسلام والمرأة تعامل هذه المعاملة الجائرة ، فأزال عنها ذلك الحيف وأبعد الظلم ، وقرر لها نصيباً من الميراث ، حقاً مفروضاً ، خالصاً لها ، لا منَّة فيه لأحد ولا فضل ، ونزل القرآن يقرر مبدأ حقها في الميراث: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر ، نصيباً مفروضاً) ، فكان هذا قلباً كاملاً للأوضاع السائدة ، وتغييراً جذرياً لمألوفات الأحقاب والقرون ، وتحطيماً لشرع البيئة ، وتقاليدها القائمة على الفروسية وحماية الذمار ، صار للمرأة نصيب في الميراث ، بعد أن كانت هي نصيباً من الميراث ، وأصبحت تملك وتتصرف في ملكها بعد أن كانت هي مملوكة.
وتوالت الآيات تفصل نصيب كل وارث ، وتبين مقداره ، وقد كان لهذا التغيير الجذري للموروثات والتقاليد أثره في المجتمع المسلم ، حتى إن بعضاً من المسلين دهشوا لهذا التكريم البالغ ، والعطاء السخي للمرأة ، ووقع الأمر من نفوس بعضهم موقع الاستغراب والتساؤل ، فقالوا: (تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة؟) ، وبذلوا محاولات لعله يكون تغيير أو رجوع ، ولكن ما أمضاه الله لن يرجع عنه ، وما حكم به لن يغير.
عن ابن عباس في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها للولد الذكر ، والأنثى ، والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة؟!! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيُغيّر ، فقالوا: يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ، ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئاً ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر ..
وبهذا قضى الإسلام على ظُلامة من ظُلامات الجاهلية للمرأة ، عاشت أسيرة لها قروناً طويلاً ، عانت بسببها كثيراً من تبعيتها للرجل وتسلطه عليها وتحكمه بها.
وقد بنى الإسلام توزيع الأنصاب على الورثة على قاعدة: (للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وهو عادل في ذلك ومنصف كل الإنصاف ، وهذا متفق مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات ، فهو يلزم الرجل في مقابل ذلك بأعباء ، وواجبات مالية ، لا تلزم بمثلها المرأة: (فالرجل يتزوج ويدفع المهر ، ويؤثث البيت ويعد السكن ، والمرأة تتزوج ويدفع لها المهر ، ويؤثث لها البيت ويعد السكن ، والرجل يتزوج فيعول امرأة (زوجته) وأولاداً.
والبنت تتزوج فيعولها الرجل ، ولا تعوله ولا تكلف بشيء من ذلك: ولو كانت ثرية وهو فقير.
البنت في حال الصغر نفقتها على أبيها أو أخيها أو قريبها الذكر ، وفي الكبر على زوجها ، والابن في حال الكبر ، يعول نفسه وأسرته ، ومن لا عائل له من أهله وذويه.
نفقة أولادها بعد الزواج على أبيهم ، بخلاف نفقة أولاد الابن فإنها عليه.
الرجل يتحمل نفقات الضيافة والعقل ، والجهاد والمغارم ، والمرأة لا تتحمل شيئاً من ذلك.
فقد وضع الإسلام في اعتباره تلك الأعباء والتكاليف والالتزامات التي كلف بها الرجل حين أعطاه ضعف نصيب الأنثى في الميراث ، ولو دقق النظر في مقدار ما يخسره الرجل من المال ، للقيام بتلك الأعباء والتكاليف ، لعرفنا إن الإسلام كان كريماً متسامحاً مع المرأة حين طرح عنها كل تلك الأعباء وألقاها على كاهل الرجل ، ثم أعطاها نصف ما يأخذ.
والمرأة بهذا التشريع الكريم ربحت من جانبين:
الأول: قرر لها حقاً في الميراث ، ولم يكن لها شيء من ذلك في الجاهلية.
الثاني: قدر لها هذا الحق بنصف نصيب الذكر ، مع طرح كافة الأعباء والالتزامات المالية عنها.
ومن هنا يظهر مقدار تكريم الإسلام لها ، وتقديره إياها وفضله عليها.
=====================
مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة(14/3)
إن التصرف المتطرف الخاطئ للحرية ، الذي غذاه الحقد الأسود والثورة الجامحة على النظام الاجتماعي الفاسد الذي كان يحكم المجتمع الأوربي ، نبع منه مفهوم الحرية الشخصية ، عند المنادين بالحرية والتحرر في بلاد الإسلام ، فيتصورونها – كما هي عند الغربيين – بأنها الانطلاق بلا قيد ، والتحرر من كل ضابط ، والتخلص من كل رقابة ، حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو ، من ضميره ، فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج الأمر ، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة ، وحتى لا تفسد عليه نشوة اللذة ، ومعنى هذا ترك الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ، وهكذا بدون قيود ولا ضوابط ، ولا رقابة ، وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق ، وعلى الحكومة أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها.
هذا هو مفهوم الحرية عندهم ، صورة طبق الأصل من مفهوم الحرية في الغرب ، فلا دين يحكم النفوس ، ويكبح جماحها ، ولا أخلاق تهذب طباعها ، وتوقظ مشاعرها ، وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء ، ولا مثل ، ولا فضائل ، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها ، ولا حياء يمنع ارتكاب الشطط ، والمجاهرة بالمنكر لا ينبغي أن يكون شيء من ذلك ، لأنه من الماضي ، وكل ما هو من الماضي فهو عقبة في طريق التصور والتقدم فلينبذ وليحطم.
وهكذا قال دعاة الحرية في الغرب ، وهكذا يقول دعاتها في الشرق ، وهم إن لم يستطيعوا التصريح بذلك ، إلا أن مفهوم كلمة الحرية كما يتصورونه ينبئ عن ذلك ، كما أن رائحته تفوح مما يطلقونه من شعارات باسم الحرية ، بل إن التطبيق الجاري الآن في البلاد الإسلامية لمفهوم الحرية سيوصل حتماً إلى ذلك إذا استمر سائراً في ذلك الطريق.
ولما كانت المرأة عاملاً أساسياً وعنصراً هاماً في تحقيق مفهوم الحرية هذا ، فقد وجهوا جل اهتمامهم إليها ، وعملوا على تكييفها للدور الذي يريدون أن تقوم به.
فأخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرر .. وأقحموها في مجالات العمل المختلفة البعيدة عن اختصاصها والمتنافرة مع خصائصها ، فقضوا بذلك على أنوثتها ، وعلى الأسرة والبيت باسم الحرية والتحرر.
خلعوا عنها حجابها ، وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها ، ليشبعوا بذلك نهمهم الجنسي باسم الحرية والتحرر.
انتزعوها من حمى حاميها وراعيها وحافظها (الرجل) بتحريضهم لها على التمرد على قوامته ليسهل لهم غوايتها وتحقيق مآربهم منها.
تركوها تختلط بل أرغموها على الاختلاط بالرجال ، والخلوة بهم ، فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحيائها ، باسم الحرية والتحرر.
وقضوا على رسالتها الأساسية في الوجود ، وهي الزوجية والأمومة فجنوا بذلك على الإنسانية ، والحضارة والمدنية ، فعلوا ذلك باسم الحرية.
أخذوا منها كل شيء باسم الحرية ولم يعطوها إلا أقل القليل.
فهل هذه حرية حقاً؟ ، هل الحرية الانطلاق بل قيود ولا ضوابط؟ ، هل الحرية الخروج على الدين والمثل والفضائل؟
هل تكون الحياة بهذا المفهوم ، حياة إنسانية راقية ، تتفق مع مركز الإنسان في هذا الوجود ، ومع رسالته التي أعده الله لها ، وهي عمارة الكون ، والخلافة في الأرض.
إن الحرية بمفهومها الصحيح براء من ذلك ، وإن الحياة الإنسانية الراقية لا تقبل ذلك المفهوم ، بل إن الحرية الحقة هي التحرر من كل ما سموه حرية.
=====================
أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر
الرد على الشبهة:
صحيح وحق أن آيات الميراث فى القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) (1) ؛ لكن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام ، متخذين من التمايز فى الميراث سبيلاً إلى ذلك لا يفقهون أن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة فى توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث. فالقرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله فى المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة فى كل حالات الميراث ، وإنما هو فى حالات خاصة ، بل ومحدودة من بين حالات الميراث.
بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية فى التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب فى الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين..(14/4)
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال.. فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن ، والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور..
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين !..
وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق..
وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.. بل ربما كان العكس هو الصحيح !..
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين ، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت ، فى هذه الحالة بالذات ، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذى ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوى ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..
وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ، الدينى واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث ، يقول لنا:
1 ـ إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2 ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3 ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4 ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.. (2) "!!.
تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض (المواريث) ، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث.. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون !..
وبذلك نرى سقوط الشبهة الأولى من الشبهات الخمس المثارة حول أهلية المرأة ، كما قررها الإسلام.
------------------------
(1) النساء: 11.
(2) د. صلاح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص10 ، 46 ، طبعة القاهرة ، دار نهضة مصر سنة 1999م ـ " سلسلة فى التنوير الإسلامى ".
=====================
قضية الحِجاب
الرد على الشبهة:
السياق القرآنى لآية الخمار يبين أن العلة هى العفاف وحفظ الفروج ، حيث يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن الخبيثين والخبيثات.. وعن آداب دخول بيوت الآخرين ، المأهول منها وغير المأهول.. وعن غض البصر.. وحفظ الفروج ، لمطلق المؤمنين والمؤمنات..وعن فريضة الاختمار ، حتى لا تبدو زينة المرأة ـ مطلق المرأة ـ إلا لمحارم حددتهم الآية تفصيلاً. فالحديث عن الاختمار حتى فى البيوت ، إذا حضر غير المحارم.. ثم يواصل السياق القرآنى الحديث عن الإحصان بالنكاح (الزواج) وبالاستعفاف للذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله:(14/5)
(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم * يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تَذكَّرون * فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم * وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (1).
فنحن أمام نظام إسلامى ، وتشريع إلهى مفصل ، فى العفة وعلاقتها بستر العورات عن غير المحارم. وهو تشريع عام ، فى كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم.
بل إن ذات السورة ـ (النور) تستأنف التشريع لستر العورات داخل البيوت ـ نصاً وتحديداً ـ فتقول آياتها الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاثُ عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (2).
فنحن أمام تشريع لستر العورات ، حتى داخل البيوت ، عن غير المحارم ـ الذين حددتهم الآيات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم.. فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية التعدد فكان لابد لكمال التشريع من الأمر بدرء ما يوصل إلى عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو أَمْرٌ له سبحانه فى كل دين.
(1) النور: 26- 33.
(2) النور: 68: 70.
=================
شبهات حول الحجاب
الشبهة الأولى: الحجاب تزمّت والدين يسر:
يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأنّ الحجاب تزمّت في الدين، والدين يسر لا تزمّتَ فيه ولا تشدّد، وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[1].
الجواب:
1- إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر لا عسرَ فيها، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:232]. فهذه الآيات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[2]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا))[3].
فالشارع لا يقصد أبدًا إعنات المكلَّفين أو تكليفهم بما لا تطيقه أنفسهم، فكلّ ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخلٌ في مقدورهم وطاقتهم[4].
2- ثم لا بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب مراعاتها وهي:
أ- أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ولا شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.(14/6)
ب- أن لا تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح، فلا تعارض القرآن الكريم؛ لأن معرفة المقاصد الشرعية إنما تمّ استنادًا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلّها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتابَ الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلولُ دليله، وهو باطل. وكذلك بالنسبة للسنة، فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمومًا. ولا يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج- أن لا تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
د- أن لا تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أهمّ منها أو مساوية لها.
3- قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير" معناها: أنّ المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن لا تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف أن لا يكون مخالفًا لكتابٍ ولا سنّة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نصّ على حُكمة الكتاب والسنة كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نصّ الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه. فالصلاة مثلا شرِعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسّرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة من جلوس. والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصةُ الفطر بالسفر والمرض. والطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الاحتراز منه. وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجابَ على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخّص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخِطبة والعلاج، والتقاضي والإشهاد.
إذًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخلّ بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلومٌ أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إنّ مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلاة عنهم، أو يقال: إن مشقة التحرّز عن الربا في هذا العصر تقتضي جوازَ التعامل به، أو يقال: إنّ مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي أن يباحَ للمرأة التبرّج بدعوى عموم البلوى به[5].
الشبهة الثانية: الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:
قالوا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية، لأنّ العرب طبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمّها وإبطالها، حتى إنّه أبطل الحجاب[6]، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
1- إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ الله تعالى تبرّج نساء الجاهلية، فوجه نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى لا يتشبهن بنساء الجاهلية، فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب:33].
كما أن الأحاديث الحافلة بذمّ تغيير خلق الله أوضحت أنّ وصلَ الشعر والتنمّص كان شائعًا في نساء اليهود قبل الإسلام، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرّجات.
صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقرّها الإسلام فلم يبطلها، كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرّجات كاشفات الوجوه والأعناق، باديات الزينة، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ليرتقي بها ويصونَ كرامتها، ويمنع عنها أذى الفسّاق والمغرضين[7].
2- إذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن الذي لا يجعلهن في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في ذلك؟! وإذا كنّ يلبسن الحجاب ولا يتأفّفن منه فما الذي حشر التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسّها أحد، ثم هم يتدخّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا من الثياب[8].
3- إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره[9].
الشبهة الثالثة: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية:
يقول بعضهم: إنّ الحجابَ يسهّل عملية إخفاء الشخصية، فقد يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[10].
الجواب:(14/7)
1- يشرع للمرأة في الإسلام أن تستر وجهها لأن ذلك أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات. وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها لا تبدي وجهًا ولا كفا ـ فضلاً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، وكل عاقل يعلم أيضًا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها وقلة حيائها وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأَولى أن يُساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة، فتجرّ على نفسها وصمة خُبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب البشرية[11].
2- إنّ من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا الزمان تذوق الويلات من الأجهزة الحكومية والإدارات الجامعية والحملات الإعلامية والسفاهات من المنافقين في كل مكان، ثم هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة، فإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن الأعين بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذًا؟!
إن الاستثناء يؤيد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكلّ ذي عقل، مع أنّ نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الأراجيف قد بلغت من الانحدار والتردّي في مهاوي التبرّج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر، ولا يحوِجهنّ إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأنّ في هذا خطرًا على ما يسمّونه الأمن فليبينوا كيف يهتزّ الأمن ويختلّ بسبب المتحجبات المتسترات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات والمتبرجات!![12].
3- لو أن رجلاً انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بزته، وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز للعسكريين مثلاً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس الفتوّ، وزيّ الرياضة، فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل: إنّ على الأمة أن تحارب شعارَ العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![13].
4- إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول لها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر تكون كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلاء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب مخطرة محتملة إلا أن المخطرة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل[14].
الشبهة الرابعة: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها:
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها[15].
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!(14/8)
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم[16].
الشبهة الخامسة: دعوى أن الحجاب من وضع الإسلام:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية[17].
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[18].
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت[19].
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا *** فاليوم حين برزن للنظار
فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة[20].
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها
وجعلت من شعر صدارها
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[21].
النقاب: قال أبو عبيد: "النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستوره"[22].
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، قال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا
البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[23]
الشبهة السادسة: الاحتجاج بقاعدة: "تبدل الأحكام بتبدّل الزمان":
فهم أعداء الحجاب من قاعدة: "تبدل الأحكام بتبدل الزمان" وقاعدة: "العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك[24].
الجواب:(14/9)
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم لا يخلو من حالات:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له كحكم القسامة والديه والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: "العادة محكَّمة".
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: "العادة محكمة"، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: "لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان"، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره. يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[25].
الشبهة السابعة: نساء خيِّرات كنّ سافرات:
احتجّ أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرًا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن الاختلاط بالرجال.
وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلاء النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته الأخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج[26].
الجواب:
1- من المعلوم والمتقرر شرعا أن الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فضمن أيّ مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأنّ أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟![27].
2- وإذا علِم أن أحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم لم يصحّ حينئذ الاستدلال بالتصرّفات الفردية من آحاد الناس أو ما يسمّيه الأصوليون بـ"وقائع الأحوال"، فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلاً شرعيًا لأيّ حكم شرعيّ حتى لو كان أصحابها من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!
بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي توزن ـ صحة وبطلانًا ـ بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: لا تعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله[28].
3- ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرّضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، وإلاّ فما بالنا لا نقول مثلاً: يحل شرب الخمر فقد وجِد فيمن سلف في القرون الخيِّرة من شربها؟![29].(14/10)
4- وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم وجمع غفير من النساء المتحجّبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة ولم يجعلها حجة بدلاً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[30]، ويقول ابن رسلان: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات"[31].
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلاً راسخًا من أصول البنية الاجتماعية؟![32].
الشبهة الثامنة: الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
قالوا: إنّ الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطّي جمالها، وبالتالي فإنّ الشباب يظلون في كتب جنسيّ يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقلّ طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق[33].
الجواب:
1- لو كان هذا الكلام صحيحًا لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرّش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية، ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا بحجة الحرية الشخصية، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على الانفلات والإباحية؟ هل قلّت حوادث الاغتصاب؟ هل حدث التشبّع الذي يتحدّثون عنه؟ وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا": إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[34]. ويعني بالقوة: أي تحت تأثير السلاح.
وقد بلغ عدد حالات الاغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة وسبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين حالة، لتصل في عام 1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين حالة. فهذه الإحصائيات تكذّب هذه الدعوى[35].
2- إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سرّ أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة لحِكَم كثيرة، منها استمرار النسل. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعرّي دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة[36].
3- إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرّج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية من فئة المخصيّين، فانقطعت شهوتهم، فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.
الثانية: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم العورات الظاهرة من الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![37].
الشبهة التاسعة: الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا: إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع، إذ إن الإسلام يأمرها أن تبقى في بيتها[38].
الجواب:
1- إن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب:33]. ولا يعني هذا الأمر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها، بل هو التوظيف الأمثل لطاقاتها[39].
2- وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات، وما يُسمح لها به من الأعمال، ولا يحول بينها وبين اكتساب المعارف والعلوم، بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قصب السبق في مضمار الامتحان، وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب[40].
3- بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها الأعمال التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف المجتمع، بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد وانتشار الجرائم وانفكاك الأسَر، لأن مهمة رعاية النشء وتربيتهم والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ أضحت بلا عائل ولا رقيب.
الشبهة العاشرة: التبرج أمر عادي لا يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية لا يثير انتباه الرجال، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجابًا كاملاً يستر جسدها كله، فيريدون التعرّف على شخصيتها ومتابعتها؛ لأنّ كلَّ ممنوع مرغوب[41].
الجواب:(14/11)
1- ما دام التبرج أمر عادي لا يلفت الأنظار ولا يستهوي القلوب فلماذا تبرّجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تحمّلت أدوات التجميل وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![42].
2- وكيف يكون التبرج أمرًا عاديًا ونرى أن الأزواج ـ مثلاً ـ تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزينّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقًا متنوعًا جميلاً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ الطعم؟![43].
3- إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية، لا تتغير مدى الدهر، وهي شيء يجري في عروقهما، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها، بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر؛ ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان، ولن تتغير حتى تقوم الساعة[44].
4- أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سرًّا من أسراره، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي[45].
5- إن أعلى نسبة من الفجور والإباحية والشذوذ الجنسي وضياع الأعراض واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء مترجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إن أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ـ كالأيدز وغيره ـ في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى، بالإضافة إلى الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب والفتيات للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق[46].
6- أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا، لا تعلم محتوياته وعدد صفحات وما يحمله من أفكار، فطالما كان الأمر كذلك، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم محتوياته، ولن نعرفها، بل ولن نتأثر بها، وبما تحمله من أفكار، وهكذا المتحجبة غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة، لم تظفر بِشَروَى[47] نقير ولا بأقلّ القليل.
أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتوحًا تتصفّحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطرًا سطرًا، وصفحة صفحة، وتتأثّر بمحتوياته العقول، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه، فتثنت بل تمزق بعضها، إنه يصبح كتابًا قديمًا لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![48].
الشبهة الحادية عشرة: السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة، سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت، ويرون أن الحجاب ظلم لها وسلب لحقها[49].
الجواب:
1- لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وَضعُ القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36][50].
2- إن الحجابَ في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفذ في عهد، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه، لأنه كان قائمًا في خير القرون على الإطلاق، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله[51].
الشبهة الثانية عشرة: الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف والغلو، وعلامة من علامات التنطع والتشدد، مما يسبب تنافرا في المجتمع وتصادما بين الفئتين، وهذا قد يؤول إلى الإخلال بالأمن والاستقرار.
الجواب:(14/12)
1- هذه الدعوى مرفوضة من أساسها، فالحجاب ليس رمزا لتلك الأمور، بل ولا رمزا من الرموز بحال، لأن الرمز ما ليس له وظيفة إلا التعبير عن الانتماء الديني لصاحبه، مثل الصليب على صدر المسيحي أو المسيحية، والقلنسوة الصغيرة على رأس اليهودي، فلا وظيفة لهما إلا الإعلان عن الهوية. أما الحجاب فإن له وظيفة معروفة وحِكَما نبيلة، هي الستر والحشمة والطهر والعفاف، ولا يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن نفسها وعن دينها، لكنها تطيع أمر ربها، فهو شعيرة دينية، وليس رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا: إن حجابَ اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز الطائفي؟! لماذا لم يقولوا: إن تعليق الصليب رمز من رموز التطرف الديني وهو الذي جرّ ويلات الحروب الصليبية؟! لماذا لم يقولوا: إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر والإرهاب في فلسطين المحتلة؟!
2- إن هذه الفرية يكذّبها التاريخ والواقع، فأين هذه المفاسد المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
3- إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية، فهي لم تلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، ولم تدعُ غيرها إلى الحجاب إلا بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية، بل عكس القضية هو الصحيح، وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
-----------------
شبهات حول المرأة :
أولاً : الحجاب
[1] عودة الحجاب: محمد أحمد إسماعيل المقدم (3/391).
[2] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر (39).
[3] أخرجه مسلم في الجهاد (1732).
[4] عودة الحجاب (3/393).
[5] انظر: عودة الحجاب (3/395-396).
[6] المتبرجات للزهراء فاطمة بنت عبد الله (122).
[7] انظر: المتبرجات (122).
[8] المتبرجات (124) بتصرف.
[9] المترجات (124-125).
[10] عودة الحجاب (3/412).
[11] عودة الحجاب (3/412-413) باختصار.
[12] عودة الحجاب (3/412-413).
[13] إلى كل أب غيور يؤمن بالله لعبد الله ناصح علوان (44)، انظر: عودة الحجاب (3/414).
[14] عودة الحجاب (3/415).
[15] إلى كل فتاة تؤمن بالله. د.محمد سعيد البوطي (97).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (97-99).
[17] يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي للشيخ صالح البليهي (124).
[18] يا فتاة الإسلام (128-126) باختصار.
[19] يا فتاة الإسلام (126).
[20] المرأة بين الجاهلية والإسلام، محمد الناصر وخولة درويش (169، 170).
[21] المرأة بين الجاهلية والإسلام (171).
[22] غريب الحديث (2/440-441)، عند شرح قول ابن سيرين: "النقاب محدث".
[23] انظر: المرأة بين الجاهلية والإسلام (171-172)..
[24] عودة الحجاب (3/403).
[25] عودة الحجاب (3/403-404). ... [26] عودة الحجاب (3/409).
[27] عودة الحجاب (3/409).
[28] عودة الحجاب (3/409-410).
[29] عودة الحجاب (3/410).
[30] إحياء علوم الدين (2/74).
[31] انظر: عون المعبود (4/106).
[32] عودة الحجاب (3/410-411).
[33] أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد البلالي (7).
[34] هذا بالنسبة لعام (1988م) على ما في الكتاب.
[35] أختي غير المحجبة (8، 10) بتصرف.
[36] أختي غير المحجبة (12).
[37] أختي غير المحجبة (12-13).
[38] أختي غير المحجبة (64).
[39] أختي غير المحجبة (64).
[40] يا فتاة الإسلام اقرئي (39-40).
[41] المتبرجات (117).
[42] المتبرجات (117).
[43] المتبرجات (117).
[44] التبرج لنعمت صافي (23-24).
[45] الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة: د.السيد الجميلي. انظر: المتبرحات (119-120)
[46] المتبرجات (120) وللمزيد من ذلك انظر: المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة لعبد الله التليدي (12-25).
[47] الشَّروى كجدوى: المثل. (القاموس المحيط، مادة: شرى).
[48] المتبرجات (118).
[49] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (21).
[50] قضية تحرير المرأة (19).
[51] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (19-20).
=====================
مواجهات بين الإسلام وأعداء المرأة
بسم الله الرحمن الرحيم
درج اعداء الإسلام منذ قيامه على مهاجمته و محاولة الصاق تهم به هو منها براء .... و لعل من اطرف وسائلهم فى ابتكار الاكاذيب : نزع جلودهم القذرة و الصاقها ب الإسلام ثم مهاجمتها ...!!!
و فى هذا الموضوع نناقش احدى تلك القضايا التى اثارها اعداء الإسلام بهذه الطريقة ذرا للرماد فى العيون عن حقيقة عقائدهم الوثنية و عاداتهم التى اختلط فيها عهر النساء بدياثة الرجال .
ذلك هو : قضية المرأة و حقوقها(14/13)
ادعى اعداؤنا إن الإسلام قد سلب من المراة كل ما لها من حقوق و الغى ادميتها و جعل منها اداة للمتعة و غيرها من الاتهامات التى القيت جزافا .
لكن بداية و قبل ان ابدا موضوعى و مناقشتى فقد حددت هدفه موجها اياه الى طرفين : المسلمون ثم الطرف الاخر هو ( اليهود و النصارى ) .
فالموضوع لم اكتبه لمناقشة العلمانيين او الملحدين .
ذلك اننا لو قبلنا هجوما من هؤلاء الملحدين على موقف الإسلام من المراة فمن المستحيل ان نتقبله من اليهود و النصارى .
ذلك ان العلمانى الذى لا دين له ليس له فكرة محددة او تصور مسبق ثابت يمكننا مناقشته من خلاله فى وجهة نظره فى الحقوق المفترضة للمراة .
اما اليهود و النصارى : فبين ايدينا كتبهم التى يؤمنون بها و احتوت على ما يرون انه امر الله فى التعامل مع النساء .
و فى هذا الموضوع مناقشتنا ستكون حول : المقارنة بين وضع المرأة فى الإسلام ووضعها فى اليهودية و النصرانية .
بماذا نبدأ ؟؟؟؟
فلنبدأ من اكثر النقاط شهرة ... المرأة ... انسان ام اداة للهو و المتعة ؟؟؟ بين الإسلام و اليهودية و النصرانية .
و لنبدأ بموقف الإسلام من المراة ....
و كما يعلم الجميع : ان مصدر المسلمين و معينهم هو القران و السنة ... و سيكونان مرجعنا فى المناقشة عن موقف الإسلام و قد نضيف بعض الحوادث التاريخية .
فماذا يقول القران فى تلك المسألة ؟؟؟
نجد فى سورة النساء :
الآية: 124 {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.
و فى سورة النحل :
الآية: 97 {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
و فى سورة غافر :
{ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب }
فيا سبحان الله ...!!! هذا هو قول القران الفصل .
مقياس التفاضل بين البشر جميعا رجالا او نساءا على قدم المساواة هو : الايمان و العمل الصالح .
فاذا اتجهنا الى سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدنا المزيد ...
يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم : ( إنما النساء شقائق الرجال) و فسر العلماء كلمة ( شقائق ) بالامثال ... فالنساء فى التكاليف و فى الحساب و العقاب و الثواب سواء مع الرجال .
و انطلاقا من هذه المفاهيم الإسلامية الاصيلة شهد التاريخ اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنها تلك الفتاة المسلمة التى تربت على يد خير خلق الله - محمد صلى الله عليه و سلم - تقف ثابتة الجنان امام الطاغية الكافر ابو جهل و هو يعنفها و يسالها عن مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصفعها صفعة تنشق لها اذنها و يسقط قرطها لشدة الصفعة فلا تهتز تلك الفتاة و لا تضطرب .... ثم يشهدها التاريخ و هى تحمل الطعام فى غفلة من الكفار الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه فى الغار .
و يشهد التاريخ تلك المسلمة : نسيبة بنت كعب ...
تلك المراة التى حملت السيف و قاتلت فى غزوة احد و فاقت بطولتها شجاعة صناديد قريش من المشركين ... تلك المراة التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم و شهد لها الفاروق عمر رضى الله عنه...
و يذكر القران بالتعظيم و التوقير نماذجا لنساء ارتقين بطاعتهن لله فيقول عز وجل فى سورة التحريم :
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {11} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12 )
ذلك هو مقياس الافضلية فى الإسلام ... التقوى و الطاعة ... و ليس الجنس .
فاذا كان هذا هو موقف الإسلام و صور لنساء تربين على الإسلام ... فما موقف اعدائه ؟؟؟ و ما هى صورة المراة التى افرزها و يفرزها العهد القديم و العهد الجديد ؟؟؟
لنقرا عن تلك الصورة للمراة كما تراها كتب اليهود و النصارى المقدسة .... لنقرا عن المرأة - البطلة - او بطولة المرأة كما تصفها كتب اليهود و النصارى .
يبدأ موقف اليهودية و النصرانية من المرأة من لدن امنا حواء .... فقد حملها العهد القديم وزر الخطيئة الاولى بالكامل .
و لنقرأ من العهد القديم سفر التكوين ذلك الحوار بين اله الكتاب المقدس و بين ادم ( الرجل الاول ) و حواء ( المرأة الاولى ) و الحية ( الشيطان ) :
11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.
12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.
13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.(14/14)
14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.
15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.
16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.
17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.
18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.
19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود
نقرا بوضوح من هذا النص من العهد القديم ان خطأ ادم كان بسبب حواء ..!!! و ما عوقب ادم الا ل( سماعه لقول امرأته )...!!! فالشيطان اغوى المراة و المراة اغوت ادم ...!!!
و هكذا صار حمل المرأة وولادتها عقابا لها على اغوائها لادم ...!!! و هكذا يرينا النص نقطة مهمة من نظرة اليهود و النصارى الى المراة .
انها فى نظرهم ( عميل الشيطان ) لاغواء الرجل ...!!! فهى السبب فى اخراج الرجل الاول ( ادم ) من الجنة .
و لنقارن ايها الاخوة بين هذا النص و بين ما ورد فى القران الكريم الذى اكد المسئولية الفردية عن الخطأ و لم يجعل الذنب ذنب حواء ...
لنقرا من سورة طه :
( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {115} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {116} فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121})
و السؤال ... ايهما اكرم المراة ؟؟؟
اليهود و النصارى الذين ( لبسوا الخطيئة ) بالكامل لحواء و بناتها ...!!! اما القران الذى نفى عنها هذه التهمة و جعل المسئولية و الامانة و التكليف مشتركة ؟؟
ثمة ملاحظة اخرى فى نفس النص ...
ان الكتاب ( المقدس ؟؟!!!) يعلن بوضوح ان الحمل و الولادة و الامهما عقاب للمرأة على اغوائها لادم ...!!! و على هذا فكلما حملت امرأة او اشتاقت الى رجلها فعليها ان تتذكر ان هذا عقاب لها على ذنبها و جرمها فى حق الرجل الذى اخرجته من الجنة ...!!!
فاين هذا من القران الذى جعل هذه الالام فضيلة لها و سببا لاكرامها ؟؟
يقول القران الكريم فى سورة لقمان :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15})
و بهذا الوهن و الضعف و الام الحمل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حسن صحبتها على حسن صحبة الوالد .
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك قال : ثم مَنْ قال : أمك قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك قال ثم مَنْ قال : أبوك }
و لا زال السؤال ساريا ... من انصف المرأة ؟؟؟
و العجيب ان اضطهاد المرأة و قهرها ليس فقط باشعارها ان حملها وولادتها و الامها عقابا على خطيئتها بل يمتد هذا الاضطهاد الى حالة ما اذا انجبت انثى ...!!!
و لنرى من الكتاب المقدس ما يحدث للمراة التى تنجب انثى و نقارنه بتلك التى تنجب ذكرا ....!!!
يقول الكتاب ( المقدس ) فى سفر اللاويين :
2 كلم بني اسرائيل قائلا.اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام.كما في ايام طمث علتها تكون نجسة.
3 وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته
4 ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها.كل شيء مقدس لا تمسّ والى المقدس لا تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها.
5 وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها.ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها.
6 ومتى كملت ايام تطهيرها لاجل ابن او ابنة تأتي بخروف حولي محرقة وفرخ حمامة او يمامة ذبيحة خطية الى باب خيمة الاجتماع الى الكاهن
هكذا ...!!! المرأة ( نجسة ) طوال ايام طمثها ثم عندما تلد تصير ( نجسة ) ...!!!
فاين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا ينجس المؤمن حيا و لا ميتا ) ...؟؟؟؟(14/15)
و الاغرب : كون المراة التى تلد انثى ( نجسة ) ضعف الفترة التى تبقى فيها ( نجسة ) حال ولادتها ذكرا ...!!!
لا زال السؤال يلح بقوة ... ايهما انصف المرأة ؟؟؟
فاذا كنا قد ذكرنا امثلة حية من التاريخ الإسلامى لنساء تربين فى مدرسة القران و السنة ففى المقابل دعونا نبحث عن امثلة لنساء افتخرت بهن كتب اليهود و النصارى و جعلت منهن بطلات و امثلة تحتذى لجميع نسائهم .
فلنبدأ بامرأة خلدتها التوراة - العهد القديم - فى سفر كامل افرد لها و باسمها ليحكى قصتها ...
يهوديت .... تلك المرأة اليهودية التى نجحت فى سطر اسمها فى الكتاب المقدس ... تلك المراة التى يردد ملايين اليهود و النصارى قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة ... بل و يتعبدون بتلك القراءة ...
ترى من هى تلك البطلة ؟؟؟ و ما هى جلائل الاعمال التى قامت بها لتستحق كل هذا التقدير ؟؟؟
لنقرا قصتها من ذلك السفر المسجل باسمها ... يصفها ذلك السفر قائلا :
4 و كانت يهوديت قد بقيت ارملة منذ ثلاث سنين و ستة اشهر
5 و كانت قد هيات لها في اعلى بيتها غرفة سرية و كانت تقيم فيها مع جواريها و تغلقها
6 و كان على حقويها مسح و كانت تصوم جميع ايام حياتها ما خلا السبوت و رؤوس الشهور و اعياد ال اسرائيل
ثم يقول :
8 و كانت لها شهرة بين جميع الناس من اجل انها كانت تتقي الرب جدا و لم يكن احد يقول عليها كلمة سوء
و لا ينسى ذلك السفر ان يصف جمالها الاخاذ فيقول :
7 و كانت جميلة المنظر جدا و قد ترك لها بعلها ثروة واسعة و حشما كثيرين و املاكا مملوءة باصورة البقر و قطعان الغنم
الى هنا نجد ان تلك المراة امرأة مثالية ... فهى تتقى الله و لا يشوب سمعتها شائبة و ليس للناس اى مأخذ عليها .
فما هى حقيقة تلك التقوى و تلك الاوصاف الجليلة ؟؟؟ و ما هو العمل العظيم الذى جعل من تلك المرأة تحوذ سفرا كاملا من اسفار العهد القديم ؟؟؟ الواقع ان تلك المرأة ظهرت فى ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتها الى الاشوريين ... فغضبت و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بشعب الله المختار ... و يمضى ذلك السفر فيصف صلاتها و تضرعها لكى توفق فيما هى مقبلة عليه من عمل بطولى ... فماذا كان ذلك العمل و تلك البطولة التى قامت بها يهوديت ؟؟؟
لنقرا من سفرها :
2 و دعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و القت عنها المسح و نزعت عنها ثياب ارمالها
3 و استحمت و ادهنت باطياب نفيسة و فرقت شعرها و جعلت تاجا على راسها و لبست ثياب فرحها و احتذت بحذاء و لبست الدمالج و السواسن و القرطة و الخواتم و تزينت بكل زينتها
4 و زادها الرب ايضا بهاء من اجل ان تزينها هذا لم يكن عن شهوة بل عن فضيلة و لذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل
5 و حملت وصيفتها زق خمر و اناء زيت و دقيقا و تينا يابسا و خبزا و جبنا و انطلقت
6 فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا و شيوخ المدينة منتظرين
7 فلما راوها اندهشوا و تعجبوا جدا من جمالها
فيؤيدها شيوخ اليهود فيما علموا انها مقبلة عليه ...!!!
8 (غير انهم لم يسالوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين اله ابائنا يمنحك نعمة و يؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك اورشليم و يكون اسمك محصى في عداد القديسين و الابرار...!!!!)
ثم يمضى ذلك السفر فى وصف العمل البطولى الذى حملته تلك المراة على عاتقها ....!!! فهو يصف خداعها لقائد جيوش الاشوريين بجمالها و بالخمر حتى تستدرجه بهاتين الوسيلتين الرخيصتين الى الفراش ...!!! و حين يصيبه الضعف و ينام تقوم بالاجهاز عليه ...!!!
لنقرأ :
12 فدخل حينئذ بوغا على يهوديت و قال لا تحتشمي ايتها الفتاة الصالحة ان تدخلي على سيدي و تكرمي امام وجهه و تاكلي معه و تشربي خمرا بفرح
13 فاجابته يهوديت من انا حتى اخالف سيدي
14 كل ما حسن و جاد في عينيه فانا اصنعه و كل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل ايام حياتي
15 ثم قامت و تزينت بملابسها و دخلت فوقفت امامه
16 فاضطرب قلب اليفانا لانه كان قد اشتدت شهوته
17 و قال لها اليفانا اشربي الان و اتكئي بفرح فانك قد ظفرت امامي بحظوة
18 فقالت يهوديت اشرب يا سيدي من اجل انها قد عظمت نفسي اليوم اكثر من جميع ايام حياتي
19 ثم اخذت و اكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هياته لها جاريتها
20 ففرح اليفانا بازائها و شرب من الخمر شيئا كثيرا جدا اكثر مما شرب في جميع حياته
1 و لما امسوا اسرع عبيده الى منازلهم و اغلق بوغا ابواب المخدع و مضى
2 و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر
3 و كانت يهوديت وحدها في المخدع
4 و اليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره
5 فامرت يهوديت جاريتها ان تقف خارجا امام المخدع و تترصد
6 و وقفت يهوديت امام السرير و كانت تصلي بالدموع و تحرك شفتيها و هي ساكتة
7 و تقول ايدني ايها الرب اله اسرائيل و انظر في هذه الساعة الى عمل يدي حتى تنهض اورشليم مدينتك كما وعدت و انا اتم ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك(14/16)
8 و بعد ان قالت هذا دنت من العمود الذي في راس سريره فحلت خنجره المعلق به مربوطا
9 و استلته ثم اخذت بشعر راسه و قالت ايدني ايها الرب الاله في هذه الساعة
10 ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت راسه و نزعت خيمة سريره عن العمد و دحرجت جثته عن السرير
و هكذا صارت هذه العاهرة القديسة نموذجا يحتذى لبطولة المرأة فى الكتاب المقدس ...!!! و هذا هو دور المرأة كما يراه اليهود و النصارى ...!!!
اداة للجنس و المتعه لهم .... ووسيلة رخيصة للحرب و التسلل الى فراش اعدائهم ...!!!
و لعل البعض يظن ان يهوديت كانت العاهرة الوحيدة التى دخلت الكتاب المقدس من اوسع ابوابه ... باب الجنس و العهر .... الا ان هذا غير حقيقى ... توجد اخرى نجحت فى انتزاع سفر اخر من اسفار الكتاب المقدس باسمها ...!!! حتى لكأن الكتاب المقدس صار كتابا يتتبع اخبار الساقطات و قصص الشذوذ و العهر ...!!!
و تلك الاخرى هى استير ... تلك المرأة ( البطلة ) التى نجحت فى انقاذ شعب الله المختار من اعدائه مستفيدة بمواهبها ( الجنسية ) الخارقة ...!!!! و منعا للتطويل فاننا نحيل القارئ مباشرة الى سفر استير ليقرأ قصة تلك العاهرة البطلة ....
و لمن لا يملك ذلك الكتاب ( المقدس ) يمكنه قراءة قصة العاهرة فى اى رواية من روايات ( الف ليلة و ليله ) مع ابدال اسم ( شهرزاد ) باسم ( استير ) ...!!! سفران من اسفار الكتاب المقدس تم تسميتهما باسماء عاهرتين ...!!!
و مع هذا ظل اسمه ( الكتاب المقدس ) ....!!!
ثم بطلة اخرى من بطلات الكتاب المقدس تم تكريمها فى العهد القديم و نجحت فى انتزاع الحظوة لدى بولس - كبير محرفى دين المسيح -
راحاب الزانية الجاسوسة ...!!!
اعطاها العهد القديم التكريم و حق الحياة بعد ابادة اهل مدينتها بالكامل :
يشوع 6:17 فتكون المدينة وكل ما فيها محرّما للرب.راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لانها قد خبأت المرسلين اللذين ارسلناهما.
يشوع 6:23 فدخل الغلامان الجاسوسان واخرجا راحاب واباها وامها واخوتها وكل ما لها واخرجا كل عشائرها وتركاهم خارج محلّة اسرائيل.
يشوع 6:25 واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت ابيها وكل ما لها.وسكنت في وسط اسرائيل الى هذا اليوم.لانها خبأت المرسلين اللذين ارسلهما يشوع لكي يتجسّسا اريحا
ثم يجدد بولس - القديس ؟؟!!!- تكريمها فيقول :
عبرانيين 11:31 بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ قبلت الجاسوسين بسلام..!!!!!
هذا هو دور المرأة عند اليهود و النصارى ...!!! عاهرة و اداة متعة و جاسوسة ...!!!
و لا عزاء لنساء اليهود و النصارى لانشغالهن بالتدريب على فنون الدعارة المقدسة ....!!!
دعونا بعد هذا نستمر فى مقارنة وضع المرأة فى الإسلام بوضعها فى كتب اليهود و النصارى المقدسة ....
و لنبدأ بالميراث ..
يقول المولى عز وجل فى سورة النساء :
الآية: 7 {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}.
فجعل الله عز وجل للمرأة حقا معلوما فى الميراث كما ان للرجل حقا ...
يقول الامام القرطبى فى مناسبة نزول هذه الاية :
( لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أم كجة وثلاث بنات له منها؛ فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الحيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا. فقال عليه السلام: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن). فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم؛ فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم. )
ارايتم دفاعا عن المرأة و حقوقها كهذا ؟؟؟ تلك المراة لم تجد ناصرا و لا حاميا لها الا شرع الله عز وجل .
و يقول ايضا فى سورة النساء :
{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.
و حدد الله عز وجل نصيب كل من الرجل و المرأة فى الميراث :
يقول عز وجل فى سورة النساء :(14/17)
{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم، تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}
فجعل الله للمرأة حقا معلوما محددا فلا يعتدى عليه فهو ظالم جعل الله عقابه نار جهنم و العذاب المهين .
و مع هذا النصيب المفروض للمرأة فى الميراث لم يكلفها الله بنفقة بل جعل الانفاق وظيفة الرجل .
فالرجل مسئول عن نفقات ما تحته من النساء .
يقول عز وجل :
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت)
و فى عطايا الاباء لابنائهم يقول صلى الله عليه و سلم :
(ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)
و اعطى الإسلام للمرأة الحرية المالية الكاملة و جعلها مستقلة بمالها عن زوجها فان شاءت اعطته و ان شاءت منعته
قال عز وجل : ( وَآتُواْالنَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {4})
و من المواقف التى تؤكد هذه الاستقلالية المالية الكاملة هذا الموقف :
عن حَفْصُ بنُ عُمَرَ أخبرنا شُعْبَةُ وأخبرنا ابنُ كَثِيرٍ أنْبأنَا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن عَطَاءِ قال: "أشْهَدُ عَلَى ابنِ عَبّاسٍ وَشَهِدَ ابنُ عَبّاسٍ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلّى ثُمّ خَطَبَ ثُمّ أتَى النّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ـ قال ابنُ كَثِيرٍ: أكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ ـ فأمَرَهُنّ بالصّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ"
فالمرأة فى نظر الإسلام عاقلة رشيدة لا تحتاج وصاية مالية عليها ... بل هى قادرة على التصرف فى اموالها بمعرفتها و لها مطلق الحرية و مطلق الاهلية فى هذه المسالة .
هذا موقف الإسلام رايناه فى القران و السنة .
فما موقف كتب اليهود و النصارى فى المقابل ؟؟؟
هنا يمكننا ان نقول ان موقف النصارى ملخص فى هذه الجملة من انجيل متى : ( متى 5:17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل.)
و عليه فوجهة النصارى تابعة لوجهة اليهود و مستمدة من شرائع العهد القديم .
فلننظر الى كتاب اليهود و النصارى المقدس لنتعرف على وجهة نظرهم فى تلك المسالة كجزأ من نظرتهم الى المرأة .
فالمراة فى كتبهم لا ميراث لها و لا حق .... فلا يحق لها ان ترث الا فى حال واحد : الا يكون لها اخوة ذكور .
و لنقرأ هذا من سفر العدد :
8 وتكلم بني اسرائيل قائلا أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه الى ابنته.
9 وان لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لاخوته.
10 وان لم يكن له اخوة تعطوا ملكه لاخوة ابيه.
11 وان لم يكن لابيه اخوة تعطوا ملكه لنسيبه الاقرب اليه من عشيرته فيرثه.فصارت لبني اسرائيل فريضة قضاء كما امر الرب موسى
هكذا نرى ان كتابهم المقدس جعل الميراث كاملا للابن الذكر ... فان لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط : ترث الانثى .
بل الاسوا للانثى انها ليست فقط محرومة من الميراث ... بل انها ايضا محرومة من المهر ذلك الحق الذى اعطاه لها الإسلام ... بل و الاسوا و الانكى انها مطالبة بدفع بائنة ( دوطة ) لمن يتقدم لها للزواج ... فهى تدفع حتى يرضى الرجل بالزواج منها و الا كانت العنوسة مصيرها .
و الواقع اننى حينما اتحدث عن قضية ميراث المراة فى كتب اليهود و النصارى المقدسة انما اتحدث عنه من نافلة القول ... ذلك ان المراة ذاتها جزء من الميراث عند اليهود و النصارى .
فالمرأة التى يموت عنها زوجها جزء من ميراث اخو الزوج ..... يتزوجها و ان لم ترض به و ان كانت كارهة له .
و الواقع ان هذه العملية لا تعتبر زواجا بالمعنى المفهوم بل هى ( ميراث ) او بالادق ( اغتصاب ) .
لنقرا هذا من كتابهم المقدس فى سفر التثنية :(14/18)
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
ان هؤلاء جعلوا المراة مجرد حيوان يرثه اهل المتوفى و لهم مطلق الحرية فى التصرف فيه .
هل راى احد القراء او سمع او تخيل امتهان للمراة و انسانيتها و انوثتها بل و عفتها ابشع من ذلك ؟؟؟
فان كان النص السابق من سفر التثنية هو القانون او القاعدة فدعونا نقرا من سفر التكوين تطبيق هذه النظرية :
6 واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار.
7 وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب.فأماته الرب.
8 فقال يهوذا لأونان ( ادخل على امرأة اخيك وتزوج بها واقم نسلا لاخيك.)
9 فعلم أونان (ان النسل لا يكون له).فكان اذ دخل على امرأة اخيه انه افسد على الارض لكيلا يعطي نسلا لاخيه.
10 فقبح في عيني الرب ما فعله.فاماته ايضا.
11 فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر شيلة ابني.لانه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه.فمضت ثامار وقعدت في بيت ابيها
يحكى النص هنا عن تطبيق نظرية ميراث اخو المتوفى لارملة اخيه ....
و المثال هنا هو : ان ( عير) ابن ( يهوذا ) توفى عن امراته ( ثامار ) فامر ( يهوذا ) ابنه ( اونان ) اخو ( عير) ان يدخل على امراة اخيه حتى تلد ابنا يحمل اسم ( عير ) .
ارايتم انحلالا اشد من هذا ؟؟؟
لكن دعونا نستكمل فالبقية اشد و انكى ...
فلما علم اونان ان ابناءه من ثامار لن يكونوا باسمه بل باسم اخيه المتوفى لم يقرب ثامار .... فغضب ( اله الكتاب المقدس ) على اونان فاماته ...
فامر يهوذا امراة ابنه ثامار ان تعود لبيت ابيها حتى يكبر ابنه الثالث فيرثها هو الاخر .
ثم نتابع بقية القصة من سفر التكوين :
12 ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا.ثم تعزّى يهوذا فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي.
13 فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجزّ غنمه.
14 فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلفّفت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة.لانها رأت ان شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة.
15 فنظرها يهوذا وحسبها زانية.لانها كانت قد غطت وجهها.
16 فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك.لانه لم يعلم انها كنته.فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عليّ.
17 فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم.فقالت هل تعطيني رهنا حتى ترسله.
18 فقال ما الرهن الذي اعطيك.فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك.فاعطاها ودخل عليها.فحبلت منه.
19 ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها
20 فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة.فلم يجدها.
21 فسأل اهل مكانها قائلا اين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق.فقالوا لم تكن ههنا زانية.
22 فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها.واهل المكان ايضا قالوا لم تكن ههنا زانية.
23 فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئلا نصير اهانة.اني قد ارسلت هذا الجدي وانت لم تجدها
24 ولما كان نحو ثلاثة اشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك.وها هي حبلى ايضا من الزنى.فقال يهوذا اخرجوها فتحرق.
25 اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل الذي هذه له انا حبلى.وقالت حقّق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه.
26 فتحققها يهوذا وقال هي ابرّ مني لاني لم أعطها لشيلة ابني.فلم يعد يعرفها ايضا
و العجيب انه من نسل هذا الزنا ( زنا المحارم ) ولد شخص له شأن على حسب الاناجيل ... انه اله النصارى يسوع المسيح .
مرة اخرى و ليست اخيرة ... من انصف المرأة ؟؟؟ و من ظلمها ؟؟؟
و مرة اخرى .... هنيئا للمسلمات اسلامهن .
و مرة اخرى ... لا عزاء لنساء اليهود و النصارى .
ناقشنا حتى الان ثلاث حلقات من موقف الإسلام ثم من موقف اليهود و النصارى من المرأة .
دعونا بعد ذلك نرى بعضا من اوصاف النساء لدى كل من الطرفين .
يقول الله عز وجل فى وصف حال المؤمنين و المؤمنات :
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [التوبة: 71]
و يصفهن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفا رقيقاو يحنو عليهن عندما يسرع حادى الجمال فى السير فى احدى الاسفار فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم للحادى : (رويدك يا أنجشة، لا تكسر القوارير) قال قتادة: يعني ضعفة النساء.
فهذا هو الإسلام ... يكرم المرأة و يرعاها و يحنو عليها و يعاملها بما يليق بها ... فماذا عن كتب اليهود و النصارى المقدسة ؟؟؟
لنقرأ هذه المجموعة من الاوصاف فى سفر الجامعة ... يقول الحكيم فى وصف المرأة :
23 كل هذا امتحنته بالحكمة.قلت اكون حكيما.اما هي فبعيدة عني.(14/19)
24 بعيد ما كان بعيدا والعميق العميق من يجده.
25 درت انا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا ولاعرف الشر انه جهالة والحماقة انها جنون.
26 فوجدت امرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها اشراك ويداها قيود.الصالح قدام الله ينجو منها.اما الخاطئ فيؤخذ بها.
انظروا ...!!! فى جملة واحدة من العهد القديم وصفت المرأة بعدد من الصفات يشيب له الوليد ...!!!
فهى امر من الموت ....!!!! و هى شباك ...!!!! و قلبها اشراك ....!!! و يداها قيود ....!!!
و على هذا فان علامة الصالح : النجاة من شرها ...!!!
و لعل هذه الفقرة تكون من الطرائف ... فهى عن الرحم ... رحم المرأة .
فقد اكرم الإسلام هذا الرحم ... و جعل وصله فريضة ... و جعل قطعه كبيرة .
يقول الله عز وجل :
{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}
و يقول صلى الله عليه و سلم :
"إن الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".
و يقول عن الرحم :
قال الله تبارك وتعالى للرحم: ( خلقتك بيدي وشققت لك من اسمي، وقرنت مكانك مني، وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك، ولا أرضى حتى ترضى.)
فها هو الإسلام يجعل اسم الرحم مشتقا من اسم الله ( الرحمن ) ... فيصل الله من وصل رحمه ... و يقطع من قطع هذا الرحم ...
و بهذا جعل الإسلام الصلة بين الاقارب موصولة بالرحم ... رحم المرأة ...!!! فماذا كان نصيب هذا الرحم من الغرب النصرانى ؟؟؟!!!
لقد اطلقوا اسمه اللاتينى ( هستيريا ) على الخلل النفسى ...!!! فصار الرحم عندهم مرتبطا بالمرض النفسى ....!!!!!!
و لعل هذا يجلى لنا مكانة المرأة لدى الغرب النصرانى ...!!!
و لنقارن بين اية من القران و جملة من الاناجيل .....
يقول الله عز وجل فى سورة الاسراء :
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
حرم الله عز وجل ان ينطق الابن امام ابيه او امه باقل كلمة يبدو منها التضجر : أف ....
اهذا خير ام هذا الموقف الذى يحكيه يوحنا فى انجيله بين المسيح و امه قائلا :
3 ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر.
4 قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد.!!!!
فلو ان يوحنا كان يكتب انجيله بالعاميه لكان قد قال على لسان المسيح : انت مالك ياوليه مالكيش دعوه ...!!!
فايهما خير ؟؟؟ و ايهما انصف المرأة ؟؟؟
قارنوا هذا الموقف الذى ادعاه يوحنا فى انجيله بهذا الموقف لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
عن ابنِ عُمَر: "أَنّ رَجُلاً أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنّي أَصَبْتُ ذَنْبَاً عَظِيماً فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ هَلْ لَكَ مِن أُمّ؟ قالَ: لا، قال: هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ: نعم قال: فَبِرّها".
ايهما خير للمرأة ؟؟؟
و لننطلق الى كيفية معاملة الرجل لزوجته .... كيف تصور الإسلام هذه المعاملة ؟؟؟
بداية حافظ الإسلام على المرأة المسلمة ووقاها من الفتنة فى دينها فمنع زواجها من كافر ...بل و فرق بين من تدخل الإسلام و بين زوجها الكافر .
يقول الله عز وجل فى سورة البقرة :
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
فجعل زوج المسلمة لابد و ان يكون مسلما مثلها .... ثم بعد ذلك حدد صفات هذا الزوج المقبول للمسلمة
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
هذه صفات الزوج الذى ارتضاه الإسلام للمرأة .... فهو مسلم ... و هو ملتزم بدينه ... و هو متين الخلق .
فلكأن الإسلام اب حنون للمرأة يحنو عليها و هو يختار لها زوجا يعينها فى دينها و دنياها .
فماذا عن اعداء الإسلام ؟؟
لقد جعل اعداء الإسلام كما اسلفنا من قبل المرأة حيوانا يباع و يشترى ... فهم يتاجرون بعرضها ... و هم يدفعون بها الى فرش اعدائهم لتحقيق مصالحهم و اهوائهم ... و على هذا فقد كان طبيعيا ان يتركوا تلك المراة نهبا لكل طامع و فاسق و كافر .
اقرأوا موقف بولس من الزوج الكافر للمرأة المؤمنة :
كورنثوس 7:13 والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي ان يسكن معها فلا تتركه.
و هكذا يترك بولس القديس المرأة المؤمنة تحت وصاية زوجها و لو كان كافرا ... فالامر يرجع لرغبة هذا الزوج ... ان اراد ان يحبسها على نفسه فواجب المراة ان تطيعه ...!! و ان لم يكن له غرض منها فليلقيها فى الطريق ...!!!(14/20)
و هكذا تردت المرأة فى نظر كتاب ( الكتاب المقدس ) الى هاوية لم تتردى اليها حتى الحيوانات ....!!!
راينا كيف حرص الإسلام على المراة عند زواجها فحدد صفات الزوج المناسب لها : دينه و خلقه .
فلنرى الان : هل للمراة حق فى تقرير مصيرها فى الارتباط بشخص معين ام لا ....
و السؤال : هل كفل الإسلام للمراة حق رفض او قبول الزوج المتقدم لها ؟؟؟
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(آمروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تعرب عن نفسها. وإذن البكر صمتها)
و يقول : ( احملوا النساء على أهوائهن ) [أي زوجوهن من يرتضينه، إن كان كفؤا] .
و يقول صلى الله عليه و سلم :
«لاَ تُنْكَحُ الأَيّمُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»
هذا هو قول الإسلام و موقفه ...
بل إن الإسلام وصل لدرجة ابعد من هذا الى ابطال و رد عقد الزواج الذى تكره عليه الفتاة و يتم بغير رضاها .
فعن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه .
بل إن الإسلام اعطى لام الفتاة الحق فى ابداء رايها فى قبول او رفض زوج ابنتها المستقبلى بحكم معرفتها بميول هذه الابنة و رغباتها .
يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم : (آمروا النساء في بناتهن)
بل و يصل الى ان يعطى المرأة الحق فى ان تطلب الزواج لمن ترى فيه الصلاح ....
فأن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله زوجنيها، فقال: (ما عندك). قال: ما عندي شيء، قال: (اذهب فالتمس ولوخاتم من حديد). فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه، قال سهل: ما له رداء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء). فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أودعي له، فقال له: (ماذا معك من القرآن). فقال: معي سورة كذا وسورة كذا، لسور يعددها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أمكناكها بما معك من القرآن)....
فاذا كان الإسلام قد اعطى هذه الحرية للمرأة فماذا اعطاها اعداؤه ؟؟؟
هل يجد اعداء الإسلام من اليهود و النصارى فى كتبهم مثل تلك الحقوق التى مكن الإسلام المرأة منها ؟؟؟
هل اعطاها دينهم حق الموافقة على زوجها او حق اختياره و جعل هذا شرطا لصحة الزواج ؟؟
لا نملك هنا سوى تكرار عرض هذا النص من سفر العدد :
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
والواقع ان اعداء الإسلام اعطوا المرأة حريات زائفة مخادعة ....
اعطوها حرية الانحلال ... اعطوها حرية هدم القيم .... اعطوها حرية العرى و العهر ... و منعوها حقوقها الفطرية التى اعطاها لها الله .
انها الفوضى تلك التى يسعى اليها اليهود و النصارى .... انها الشيوعية الجنسية .... لا الحرية
انها المتعة الاثمة .... لا الكرامة .
ان الحرية تعنى الالتزام بالواجبات لا التمرد عليها مع الحصول على الحقوق لا الفوضى .
ثم لننظر بعد هذا الى كيفية معاملة الرجل و المراة كل منهما للاخر بعد الزواج .
ما هى الضوابط التى وضعها الإسلام ثم اعداؤه للتعامل بين طرفى هذا الرباط المقدس او الميثاق الغليظ ؟؟؟
بداية يحدد الإسلام حقوق كل طرف من طرفى هذه العلاقة وواجباته .... فواجب الرجل و حق المرأة حدده رسول الله صلى الله عليه و سلم فى هذا الحديث :
( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت )
و يقول صلى الله عليه و سلم :
( أى رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة من نار جهنم )
بل و ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اعطى المراة خصوصية كبيرة : فنهى عن تتبع عثرات النساء .... فليس للرجل ان يصير رقيبا على زوجته يتسقط لها الاخطاء و يعاتبها و يشتد فى عتابها و لومها .
هل رايتم خيرا من هذا ؟؟؟
وواجب المرأة و حق الرجل يقول فيه صلى الله عليه و سلم :
(خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)
فهل تجدون اكثر عدلا فى معاملة المراة من تحديد واجباتها و حقوقها فلا يعتد على هذه الحقوق الا ظالم معاقب ؟؟؟
هل يجد اليهود او النصارى فى دينهم شيئا كهذا او قريبا منه فى معاملة المرأة ؟؟
كتبه الاخ / ابو جهاد
عودة(14/21)
لماذا شرع الإسلام الطلاق ؟؟
يأخذ الكثير من الغربيين على الإسلام أنه أباح الطلاق ، ويعتبرون ذلك دليلاً على استهانة الإسلام بقدر المرأة ، وبقدسية الزواج ، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات الغربية ، وجهلوا أحكام شريعتهم ، مع إن الإسلام ، لم يكن أول من شرع الطلاق ، فقد جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ، وعرفه العالم قديماً.
وقد نظر هؤلاء العائبون إلى الأمر من زاوية واحدة فقط ، هي تضرر المرأة به ، ولم ينظروا إلى الموضوع من جميع جوانبه ، وحَكّموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ، وغير المدركة للحكمة منه ولأسبابه ودواعيه.
إن الإسلام يفترض أولاً ، أن يكون عقد الزواج دائماً ، وأن تستمر الزوجية قائمة بين الزوجين ، حتى يفرق الموت بينهما ، ولذلك لا يجوز في الإسلام تأقيت عقد الزواج بوقت معين.
غير إن الإسلام وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبداً يعلم أنه إنما يشرع لأناس يعيشون على الأرض ، لهم خصائصهم ، وطباعهم البشرية ، لذا شرع لهم كيفية الخلاص من هذا العقد ، إذا تعثر العيش ، وضاقت السبل ، وفشلت الوسائل للإصلاح ، وهو في هذا واقعي كل الواقعية ، ومنصف كل الإنصاف لكل من الرجل والمرأة.
فكثيراً ما يحدث بين الزوجين من الأسباب والدواعي ، ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة ، ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ، والاستقرار العائلي والاجتماعي لكل منهما ، فقد يتزوج الرجل والمرأة ، ثم يتبين أن بينهما تبايناً في الأخلاق ، وتنافراً في الطباع ، فيرى كل من الزوجين نفسه غريباً عن الآخر ، نافراً منه ، وقد يطّلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما لا يحب ، ولا يرضى من سلوك شخصي ، أو عيب خفي ، وقد يظهر أن المرأة عقيم لا يتحقق معها أسمى مقاصد الزواج ، وهو لا يرغب التعدد ، أولا يستطيعه ، إلى غير ذلك من الأسباب والدواعي ، التي لا تتوفر معها المحبة بين الزوجين ولا يتحقق معها التعاون على شؤون الحياة ، والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ،
فيكون الطلاق لذلك أمراً لا بد منه للخلاص من رابطة الزواج التي أصبحت لا تحقق المقصود منها ، والتي لو ألزم الزوجان بالبقاء عليها ، لأكلت الضغينة قلبيهما ، ولكاد كل منهما لصاحبه ، وسعى للخلاص منه بما يتهيأ له من وسائل ، وقد يكون ذلك سبباً في انحراف كل منهما ، ومنفذاً لكثير من الشرور والآثام،
لهذا شُرع الطلاق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد ، وللتخلص من تلك الشرور ، وليستبدل كل منهما بزوجه زوجاً آخر ، قد يجد معه ما افتقده مع الأول ، فيتحقق قول الله تعالى: ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ، وكان الله واسعاً حكيماً ).
وهذا هو الحل لتلك المشكلات المستحكمة المتفق مع منطق العقل والضرورة ، وطبائع البشر وظروف الحياة.
ولا بأس أن نورد ما قاله ( بيتام ) رجل القانون الإنجليزي ، لندلل للاهثين خلف الحضارة الغربية ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك الحضارة ، يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ، والذين يعشون نتائجها.
يقول ( بيتام ):
( لو وضع مشروع قانوناً يحرم فض الشركات ، ويمنع رفع ولاية الأوصياء ، وعزل الوكلاء ، ومفارقة الرفقاء ، لصاح الناس أجمعون: أنه غاية الظلم ، واعتقدوا صدوره من معتوه أو مجنون ، فيا عجباً أن هذا الأمر الذي يخالف الفطرة ، ويجافي الحكمة ، وتأباه المصلحة ، ولا يستقيم مع أصول التشريع ، تقرره القوانين بمجرد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلاد المتمدنة ، وكأنها تحاول إبعاد الناس عن الزواج ، فإن النهي عن الخروج من الشيء نهي عن الدخول فيه ، وإذا كان وقوع النفرة واستحكام الشقاق والعداء ، ليس بعيد الوقوع ، فأيهما خير؟ .. ربط الزوجين بحبل متين ، لتأكل الضغينة قلوبهما ، ويكيد كل منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط ، وتمكين كل منهما من بناء بيت جديد على دعائم قوية؟ ، أو ليس استبدال زوج بآخر ، خيراً من ضم خليلة إلى زوجة مهملة أو عشيق إلى زوج بغيض ).
و الإسلام عندما أباح الطلاق ، لم يغفل عما يترتب على وقوعه من الأضرار التي تصيب الأسرة ، خصوصاً الأطفال ، إلا أنه لاحظ أن هذا أقل خطراً ، إذا قورن بالضرر الأكبر ، الذي تصاب به الأسرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ، والعلائق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ، فآثر أخف الضررين ، وأهون الشرين.(14/22)
وفي الوقت نفسه ، شرع من التشريعات ما يكون علاجاً لآثاره ونتائجه ، فأثبت للأم حضانة أولادها الصغار ، ولقريباتها من بعدها ، حتى يكبروا ، وأوجب على الأب نفقة أولاده ، وأجور حضانتهم ورضاعتهم ، ولو كانت الأم هي التي تقوم بذلك ، ومن جانب آخر ، نفّر من الطلاق وبغضه إلى النفوس فقال صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة ) ، وحذر من التهاون بشأنه فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما بال أحدكم يلعب بحدود الله ، يقول: قد طلقت ، قد راجعت) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم) ، قاله في رجل طلق زوجته بغير ما أحل الله.
واعتبر الطلاق آخر العلاج ، بحيث لا يصار إليه إلا عند تفاقم الأمر ، واشتداد الداء ، وحين لا يجدي علاج سواه ، وأرشد إلى اتخاذ الكثير من الوسائل قبل أن يصار إليه ، فرغب الزوج في الصبر والتحمل على الزوجات ، وإن كانوا يكرهون منهن بعض الأمور ، إبقاء للحياة الزوجية ، ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ).
وأرشد الزوج إذا لاحظ من زوجته نشوزاً إلى ما يعالجها به من التأديب المتدرج: الوعظ ثم الهجر ، ثم الضرب غير المبرح ، (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتوراً في العلاقة الزوجية ، وميل زوجها إليها إلى ما تحفظ به هذه العلاقة ، ويكون له الأثر الحسن في عودة النفوس إلى صفائها ، بأن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية ، أو المالية ، ترغيباً له بها وإصلاحاً لما بينهما.
وشرع التحكيم بينهما ، إذا عجزا عن إصلاح ما بينهما ، بوسائلهما الخاص.
كل هذه الإجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى الطلاق ، ومن هذا يتضح ما للعلائق والحياة الزوجية من شأن عظيم عند الله.
فلا ينبغي فصم ما وصل الله وأحكمه ، ما لم يكن ثَمَّ من الدواعي الجادة الخطيرة الموجبة للافتراق ، ولا يصار إلى ذلك إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح.
ومن هدي الإسلام في الطلاق ، ومن تتبع الدواعي والأسباب الداعية إلى الطلاق يتضح أنه كما يكون الطلاق لصالح الزوج ، فإنه أيضاً يكون لصالح الزوجة في كثير من الأمور ، فقد تكون هي الطالبة للطلاق ، الراغبة فيه ، فلا يقف الإسلام في وجه رغبتها وفي هذا رفع لشأنها ، وتقدير لها ، لا استهانة بقدرها ، كما يدّعي المدّعون ، وإنما الاستهانة بقدرها ، بإغفال رغبتها ، وإجبارها على الارتباط برباط تكرهه وتتأذى منه.
وليس هو استهانة بقدسية الزواج كما يزعمون ، بل هو وسيلة لإيجاد الزواج الصحيح السليم ، الذي يحقق معنى الزوجية وأهدافها السامية ، لا الزواج الصوري الخالي من كل معاني الزوجية ومقاصدها.
إذ ليس مقصود الإسلام الإبقاء على رباط الزوجية كيفما كان ، ولكن الإسلام جعل لهذا الرباط أهدافاً ومقاصد ، لا بد أن تتحقق منه ، وإلا فليلغ ، ليحل محله ما يحقق تلك المقاصد والأهداف.
ويثار كذلك عن الحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل ؟؟ واليس في ذلك ما ينقص من شأن المرأة ؟؟
وفي ذلك نقول : إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير ، يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والفرد والمجتمع ، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك ، وإنهاء الرابطة تلك ، إلا لمن يدرك خطورته ، ويقدر العواقب التي تترب عليه حق قدرها ، ويزن الأمور بميزان العقل ، قبل أن يقدم على الإنفاذ ، بعيداً عن النزوات الطائشة ، والعواطف المندفعة ، والرغبة الطارئة.
والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل أكثر إدراكاً وتقديراً لعواقب هذا الأمر ، وأقدر على ضبط أعصابه ، وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة ، وذلك لأن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثراً ، وأسرع انقياداً لحكم العاطفة من الرجل ، لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك ، فهي إذا أحبت أو كرهت ، وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة ، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج ولا تتدبر عاقبة ما تفعل ، فلو جعل الطلاق بيدها ، لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأتفه الأسباب ، وأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية ، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى.
وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك ، بل إن من النساء من هن ذوات عقل وأناة ، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من بعض الرجال ، كما أن من الرجال من هو أشد تأثراً وأسرع انفعالاً من بعض النساء ، ولكن الأعم الأغلب والأصل أن المرأة كما ذكرنا ، والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء ، ولا يعتبر النوادر والشواذ ، وهناك سبب آخر لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية.(14/23)
إن إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية ، يُلزم بها الأزواج: فيه يحل المؤجل من الصداق إن وجد ، وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة ، وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات ، كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر ، وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج ، وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء زوجية جديدة ، ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق ، من شأنها أن تحمل الأزواج على التروي ، وضبط النفس ، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق ، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه.
أما الزوجة فإنه لا يصيبها من مغارم الطلاق المالية شيء ، حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه – إن استطاعت – بل هي تربح من ورائه مهراً جديداً ، وبيتاً جديداً ، وعريساً جديداً.
فمن الخير للحياة الزوجية ، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها.
والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق ، فقد منحتها الحق في الطلاق ، إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطاً صحيحاً ، ولم يف الزوج به ، وأباحت لها الشريعة الطلاق بالاتفاق بينها وبين زوجها ، ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئاً من المال ، يتراضيان عليه ، ويسمى هذا بالخلع أو الطلاق على مال ، ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة معه ، وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه ، وهذا ما بينه الله تعالى في قوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
ولها طلب التفريق بينها وبينه ، إذا أُعسر ولم يقدر على الإنفاق عليها ، وكذا لو وجدت بالزوج عيباً ، يفوت معه أغراض الزوجية ، ولا يمكن المقام معه مع وجوده ، إلا بضرر يلحق الزوجة ، ولا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن طويل ، وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها ، وآذاها بما لا يليق بأمثالها ، أو إذا غاب عنها غيبة طويلة.
كل تلك الأمور وغيرها ، تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها ، صيانة لها أن تقع في المحظور ، وضناً بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها ، وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للضيم والتعسف.
منقول من موقع islamunveiled
عودة
تعدد الزوجات قبل الإسلام
تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في الإسلام العظيم و رسوله الأمين (صلى الله عليه وسلم) .
والحملة على التعدد بدأها اليهود مبكرا في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام .
عن عمر مولى غفرة : (( قالت اليهود لما رأت الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتزوج النساء : انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله ماله همة إلا النساء )) ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك .. وقالوا – لعنهم الله – (( لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ، فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله سبحانه : {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } – يعنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } (1) يعني سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوج كلاهما أكثر مما تزوج نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكان لكل منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام .
وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج يحاولون الانتقاص من مبدأ التعدد ، واتخاذه ذريعة للتشكيك في القرآن الكريم والرسول العظيم والشريعة الغراء .
ووصل الأمر بإحدى الدول الإسلامية إلى حظر تعدد الزوجات واعتباره جريمة يعاقب عليها ، على غرار الدول الغربية !! وفي مصر.. حاولت جيهان زوج الرئيس الراحل أنور السادات استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ، لكن رجال الأزهر الشريف والتيار الإسلامي الجارف نجحوا في إحباط المحاولة ، وإن كانت جيهان قد نجحت في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى إضرارا بالزوجة الأولى يعطيها الحق في طلب الطلاق !! وبعد مقتل السادات وانهيار سطوة جيهان تم إلغاء هذه المادة المخالفة للشريعة الغراء .
ولكن وسائل الإعلام المختلفة لم تتوقف عن مهاجمة التعدد الشرعي والسخرية منه ، والتندر على معددي الزوجات في الأفلام والمسلسلات الساقطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين الفواحش ، وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر كوميدي للتسلية والفكاهة والتبسيط !!! وخرجت امرأة علمانية على شاشة محطة دولية تهاجم التعدد في الإسلام ..!!
ووصل البعض إلى غاية السفه والضلال عندما نشر في صحيفة أسبوعية قاهرية سلسلة مقالات عنوانها (( تعدد الزوجات حرام )) !! هكذا بكل بساطة يحاول جاهل مغمور إلغاء نصوص القرآن والسنة بجرة قلم أحمق مخبول !!!(14/24)
ووصل تضليل الرأي العام في البلاد الإسلامية حدا جعل النساء في ريف مصر يتداولون قولا شائعا عن الرجل : (( جنازته ولا جوازته )) ، أي موته أفضل من زواجه بأخرى !!
لكل هذه الأسباب وغيرها جاء هذا (الكتاب) .. وهو محاولة متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد الأمور إلى نصابها ، والله المستعان على ما يصفون ..
تعدد الزوجات قبل الإسلام
لم يبتكر الإسلام نظام التعدد .. فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور .. كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة .. وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا .. وأسماء زوجاته ومحظياته وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم ..
وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى .. وتليها في المكانة و الترتيب الملكة (( أيسه نفر )) أو (( إيزيس نفر )) وهى والدة ابنه الملك (( مرنبتاح )) الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه وإخوته الأكبر سنا .
ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة (( آسيا )) عليها السلام ، وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل : { قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } .(2)
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة هاجر الذبيح (( إسماعيل )) جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من (( سارة )) بسيدنا (( إسحاق )) عليه السلام .
وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لابان – هما (( ليا )) و (( راحيل )) (3) وجاريتين لهما ، فكانت له أربع حلائل في وقت واحد ..
وأنجب عليه السلام منهما الأسباط ( أحد عشر ولدا ) بالإضافة إلى سيدنا يوسف – عليه السلام .. وأمه هي (( راحيل )) التي كانت أحب حليلات النبي يعقوب إلى قلبه ، وأنجبت له (( بنيامين )) بعد يوسف – عليه السلام .
***
وكانت لسيدنا داود – عليه السلام – عدة زوجات والعديد من الجواري .. وكذلك كانت لابنه سليمان زوجات وجواري عديدات .
ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثه اليهود – قاتلهم الله – من شائعات قبيحة ، وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود – عليه السلام – فقد زعم أعداء الله أن داود – عليه السلام – افتتن بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج داود من أرملته التي يريدها !! وهى فرية دنيئة أكد المفسرون الكبار – ومنهم الإمام ابن كثير رضي الله عنه – أنها مكذوبة ، ومن الإسرائيليات التي يجب طرحها وعدم الالتفاف إليها . (4)
والإيماء بعصمة الأنبياء عليهم السلام من ثوابت العقيدة ، والطعن عمدا في طهارة المرسلين ونبل أخلاقهم هو كفر صريح يخرج من الملة – والعياذ بالله ..
لقد كان لداود وسليمان زوجات كثيرات وعشرات من الجواري ( ملك اليمين ) ، ومن ثم لا يتصور أن تبقى لأي منهما حاجة إلى غيرهن .. وليس نبي الله داود الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من أرملته !!..
***
وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل الإسلام أيضا ..
روى الإمام البخاري – رضي الله عنه – بإسناده أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر منهن أربعا ) .
وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة الأسدى قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ( اختر منهن أربعا ) .
وقال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : أخبرني من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر أربعا أيتهن شئت ، وفارق الأخرى ) .
وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف الأنصاري ، وعند الأنصاري امرأتان ، فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : (( بارك الله لك في أهلك ومالك .. دلني على السوق .. )) .
***
وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الأصل (( السلافى )) ..
وهى التي تسمى الآن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك .. وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا ..
وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا ..(14/25)
ويلاحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى لا تدين ب الإسلام .. ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند والصين واليابان
ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا .
***
ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي : (( إن الكنيسة ظلت حتى القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات )).(5)
ولا يوجد نص صريح في أي من الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات ، وكل ما حدث هو أن تقاليد بعض الشعوب الأوروبية الوثنية كانت تمنع تعدد الزوجات ( ونقول بعض الشعوب ، لأن أغلبها- كما ذكرنا – كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع نطاق ) ، فلما اعتنقت هذه الأقلية التي تمنع التعدد النصرانية فرضت تقاليدها السابقة على النصرانيين ، وبمرور الزمن ظن الناس أن تحريم التعدد هو من صلب النصرانية ، بينما هو تقليد قديم فرضه البعض على الآخرين على مر السنين ..
ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد في أي إنجيل من الأربعة التي تمثل العهد الجديد ..
أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وشريعة داود وسليمان ، وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ..
بل إن علماء الاجتماع والمؤرخين ، ومنهم وستر مارك و هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ، يلاحظون أن التعدد لم ينتشر إلا بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة .. وهى الشعوب التي استقرت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة ، وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدلا من الصيد وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية .. ففي المرحلة البدائية من عمر المجتمعات كان السائد هو نظام وحدة الأسرة ، ووحدة الزوجة ..
ويرى هؤلاء المؤرخون وعلماء الاجتماع أن نظام التعدد سوف يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ، واتسع نطاق الحضارة في العالم .
وشهادة هؤلاء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي أقوى رد على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه قد انقضى زمانه وانتهى عصره !!
***
لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء العالم قبل أن يبعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين ..
وكان التعدد مطلقا بلا أية حدود أو ضوابط أو قيود .. لم يكن هناك كما يتضح من الأمثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو المحظيات ..
ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ، أو يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك الإسلام ..
أفإذا أمر الإسلام العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين الزوجات ، وتحديد الحد الأقصى بأربع زوجات ، وحظر التعدد إذا خشي الزوج ألا يعدل – يأتي نفر من الجهلة والمتنطعين ليعترضوا ؟! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء فنردها على الرحمن الرحيم ؟!
لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل الإسلام – تموج بألوان شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ..
وكانت المرأة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام ، وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان صاحبات الرايات الحمراء ، ولا يعود إلى بيته إلا مكدودا منهك القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!
وما كانت المرأة تجرؤ على الإنكار أو الاعتراض عليه !! وكان آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ، ويؤثر أولاده منها بالهدايا والأموال الطائلة ، ولا تجرؤ الأخرى أو الأخريات ولا أولادهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ..
فهل إذا جاء الإسلام واشترط تحقيق العدالة والرحمة و البر والإكرام لكل الزوجات والأولاد على قدم المساواة .. هل إذا جاءت مثل هذه الضوابط نرفضها ، ونتطاول على التشريع الإلهي وعلى النبي وعلى الدين كله ؟!
إنها حقا لا تعمى الأبصار .. ولكن تعمى القلوب التي في الصدور السوداء !!
............
(1) سورة النساء الآية 54.
(2) سورة القصص الآية 9
(3) كان الجمع بين الأختين جائزا حتى ذلك الوقت ثم منعه القرآن بعد ذلك بنص صريح .
(4) ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة ص الآيات 21 – 25.
(5) ( كان نصرانيا وأسلم ) كتاب الأديان في كفة الميزان ص 109 .
==============
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام
حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين ..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..(14/26)
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 .. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (( الميدان )) الأسبوعية (1) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج ( الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط !! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين ، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما (2) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
***
وتقول إحصائية رسمية أمريكية : إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ] ، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا .
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ) .. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة !! نعم 1 إلى 27 !!! ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟!!
***
وفى تحقيق ساخن عن (( انفجار العوانس )) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت ، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ) .
***
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة .. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي .. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها .. (3)
$ يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد :
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة ، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية .. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة ، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت (( إنها قرأت إحصائية تقول : إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ..(14/27)
وتقول الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع .
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي .. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج .(4)
و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة ، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته ، أو علاج آثاره المدمرة .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948 ، بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، لأنه لا حل آخر سواه .. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5) وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!
***
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات .. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا !! وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938 ، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957 ، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958 .. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات !! والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات .. وما خفي كان أعظم !!
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه : (( هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟! ويجيب بنفسه : إن هذا الأمر مشكوك فيه .. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة ، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة ، على غرار البلاد التي تحظر التعدد . (6)
ضوابط التعدد
قال الله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . (7)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه . (8)
وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الآية فقالت : ( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط [ يعدل ] في صداقها [ مهرها ] فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الأولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق [ أي يعطوهن أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن ] ، وأمروا [ وفى حالة خشية عدم العدل ] أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن [ من غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلاء ] ).(14/28)
وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية ، قال تعالى عن اليتامى : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا .. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين : انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ، فإن خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فتزوجوا منهن واحدة فقط ، أو ما ملكت أيمانكم .. وقال آخرون : بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء ، وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى عن ذلك . (9)
وقال الإمام النسفى في تفسيره : (( قيل : كانوا – في الجاهلية – لا يتحرجون من الزنا ، ويتحرجون من ولاية اليتامى ، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات .. أو أنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ، فكأنما يقال لهم : إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات ، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء [ الجواري ] بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا .. (10)
وأما معنى { خفتم } فهو : إذا غلب على الظن عدم القسط [ عدم العدل ] في اليتيمة فاعدلوا عنها [ اتركوها إلى غيرها ] .. وليس القيد هنا لازما ، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة [ اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ] مثل من يخاف الظلم تماما (11) فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه .
أما معنى قوله تعالى : { ذلك أدنى ألا تعولوا } أي أقرب إلى ألا تظلموا ، وليس كما ذهب إليه البعض : (أدنى ألا تكثر عيالكم ) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور [ الظلم ] ، والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك أدنى ألا تفتقروا ، فالمعنى لا يستقيم بذلك ، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا ولا تميلوا عن الحق .
عدم الزيادة على أربع
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع .. فلا تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط .
وكذلك إذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنين .. وإذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط .
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها .. ف الإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال .
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات (12) وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد جمع بين تسع زوجات ، فهذا حكم خاص به عليه السلام ، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه .
وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلام بكل زوجة وظروف كل زيجة ، لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد ..
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : (( وقد دلت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) المبينة عن الله تعالى أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة )) .. وذهب بعض الشيعة إلى جواز الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ( مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا ) !!
وفى رأى أخر شاذ ، بل يجوز الجمع بين 18 زوجة ( على أساس مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3 ، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة ) !!!
ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط ، كما أجمع علماء أهل السنة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) الزيادة على أربع زوجات . ونشير هنا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ومنها حديث الإمام البخاري – رضي الله عنه – [ كما رواه مالك والنسائي والدارقطنى ] ، أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ) .
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ( اختر منهن أربعا) .(13)(14/29)
وقال ابن كثير موضحا معنى { مثنى وثلاث ورباع } : انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : { جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع } (14) أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة .. والمقام هنا كما يقول ابن عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره تعالى . (15)
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا : (( قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن (( الواو )) في الآية جامعة ، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر . وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة ، وهذا كله جهل باللسان [ اللغة ] والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع )) .
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ، أكد القرطبى (16) أن ما أبيح للرسول (صلى الله عليه وسلم) من الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته (صلى الله عليه وسلم) ثم قال القرطبى : الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا ، وكذلك تستقبح من يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر . وإنما الواو في الآية الكريمة { مثنى وثلاث ورباع } ، هي بدل انحكوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباعا بدلا من ثلاث )) .. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك .. وقيل ولماذا لم يستخدم الله تعالى لفظ ( أو ) في الآية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ( أو ) لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة ، بينما هذا مباح له .
القدرة على التعديد
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات .. وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية .. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد .
وذلك بديهي ، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة . وزوج الاثنين عليه الاكتفاء بهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات والاستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات ، لأن واجب الزوج أن يلبى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة والطهارة .. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يتصور السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ، لأن في ذلك ظلما فادحا لها ..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها ، ويفوت مصلحتها من الزواج ، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة ، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس ، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة .. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة ..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها ، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه ..
فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز تعديد الزوجات مطلقا .
العدل بين الزوجات
يقول الله تبارك وتعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .. } (17)
ويقول عز من قائل : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) (18) فكيف يمكن التوفيق بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟
يقول الإمام القرطبى : (( أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض .
ولهذا كان (صلى الله عليه وسلم) يقسم بين زوجاته [ في النفقات ] ، فيعدل ثم يقول : ( اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) .. ثم نهى الله تعالى عن المبالغة في الميل فقال : { فلا تميلوا كل الميل } أي لا تتعمدوا الإساءة – كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع )) .(19)(14/30)
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) (20) . والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب ، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب ). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري : { كالمُعَلقة } أي تتركونها لا هي مطلقة [ فتبتغى زوجا آخر ] ولا هي ذات زوج [ يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها ] ، وقال قتادة { كالمعلقة } أي كالمسجونة .. وكان أبى بن كعب – رضي الله عنه – يقرأ الآية هكذا : { فتذروها كالمسجونة } ..
وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – { فتذروها كأنها معلقة } وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ..
يقول الشيخ السيد سابق : (( فإن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس هو العدل في المحبة و المودة و الجماع )) . (21)
قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – (( سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : العدل المنفى في الحب والجماع )) . وقال أبو بكر بن العربي [ عن الحب ] : ذلك لا يملكه أحد إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف )) .
وقال الإمام الخطابي : (( يجب القسم بين الحرائر الضرائر ، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق [ المادية ] دون ميل القلوب )) ،ويقول الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه : (( المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة .. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بنى الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان ، وهو العدل الذي قال الله عنه { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد ، والأمر ليس كذلك .. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى .. ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال !!
فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة ، ويدونه يتعين عدم التعدد ، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا ينقص زوجة شيئا منها ، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشيء من نفقة أو معاشرة أو مباشرة ، وذلك على النحو الذي كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله ويقوم به ، في الوقت الذي كان الجميع لا يجهلون أنه عليه السلام كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها في القسم أو النفقة .(22)
***
والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها ..
ونحن أولا وأخيرا بشر ولسنا ملائكة ، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع ، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله تعالى الذي لا يظلم عنده أحد .. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس ..
والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها ، سوف يعوضها إن صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والآخرة .. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله ، ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها وتمتعها بقدر منقوص من حبه ، مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها ، خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك .. فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في النهاية ، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست الأرض ..
وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد [ لأنها كما زعموا : قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل ] نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه السلام وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية ويكتفي كل منهم بواحدة ، لكنهم لم يفعلوا ، وحاشا لله أن يخالف النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو غيرها ..
ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة .. خاصة وأن من علامات الساعة أن ( تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم [ رجل ] واحد ) حديث شريف (23)
القسم بين الزوجات
القَسم – بفتح القاف وسكون السين – لغةً هو : توزيع الأنصاب على عدد من الناس .. أما القِسم – بكسر القاف – فهو النصيب ذاته والجمع أقسام .(14/31)
وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها (24) والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت [ عند كل واحدة مثل الأخرى ] ، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنية وفقيرة أو عظيمة وحقيرة ، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن . (25)
والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الأحناف – هي بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات . وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن ..
لأن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهن ، وهم أولاد رجل واحد .
ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية . كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الأب لإخفاء مشاعره ومحبته لإحدى زوجاته عن الأخريات ، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات ..
وضع الفقهاء شروطا للقسم ... أولها العقل : إذ لا يجب القسم على المجنون ، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ، وإلا فلا قسم لها .
والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ، فإن الإثم يقع على وليه ، لأنه هو الذي زوجه ، وهو الذي احتمل مسئولية ذلك ، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن .(26)
والشرط الثالث للقسم : ألا تكون المرأة ناشزا .. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم .. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ، لأن الوطء ليس لازما للقسم ، فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة .. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها .. وذلك مأخوذ من فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه ..
ولا يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها ، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد .. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق ، ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ، ويبدله زوجا خيرا له منها .
وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع .. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ، وله أن يتعبد الثلاث ليال الباقيات ..
وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره .. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر ، بما يراه القاضي كافيا لإعفافها وإحصانها ..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر .. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فنه يأثم بذلك ، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة .. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل ، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا [ مثل الحارس وغيره ] ، قسم بينهن بالنهار .. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا ، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان .. ويجوز أن يقسم بينهن : لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب .(27)
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ، ولا أن يُقبّل ضرتها .. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية .
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ، بحيث لا تزيد عن ذلك إلا بالتراضي عليه .. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها .. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى ، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها [ إلا إذا رضيت بذلك ] .(14/32)
ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو : أنه لا يجوز للزوج الدخول على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة ، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب .. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها ، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة [ أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها ] خلافا لرأى الشافعية .
وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الأحناف الذي لا يعطى لأي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب [ من سبق لها الزواج ] ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها : سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيبا ، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات .. وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تدل على التسوية في القسم ، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ..
ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل .. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع . (28)
وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله عنها – لما تعلمه من حب النبي (صلى الله عليه وسلم) لها .. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة ، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وكفى بها نعمة .
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه [ مثل من يسافر من الريف للاستقرار بمدينة معينة ، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى ] ، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته .
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى ، وهكذا .. فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا ، فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر ، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الآخر إلا برضا الجميع ، وهو يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة ، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر . (29)
أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها ، فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه .. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر .. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها .. أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول ..
وأخيرا : هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق [ دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة ] فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن ، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات . (30)
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا .. وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة [ مثل السفر للحج مثلا ] فيجوز في هذه الحالة برضاهن أو بدون رضاهن في حالة الضرورة [ مثل تكدس الخيام في منى وعرفات ] .
وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام ، وليس مكروها ، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا (31)... ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية ، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات ، وإثارة سخيفة للغريزة والأحقاد فيما بينهن .. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات ..(14/33)
والإنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ، ولهذا ترفض الفطرة الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات .. بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ، أو حتى يقف قريبا منها ، ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ...
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة ، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات .
فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة .. بل هذا هو صميم العدل ، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا .. وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج . وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية ، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة .
***
وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج ألا يتزوج عليها ، فإن على الزوج احترام العقد وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط .. ففي الحديث الشريف : ( إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ) [رواه البخاري ومسلم] .. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام .
...
(1) عدد الثلاثاء 6 مايو 1997 .
(2) أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
(3) مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997 .
(4) صندوق الدنيا – الأهرام – عدد 13 مايو 1997 م .
(5) السيد سابق – فقه السنة – نظام الأسرة – المجلد الثاني – ط مكتبة المسلم – ص 104.
(6) كتاب محمد رسول الله ، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق
(7) الآية 3 من سورة النساء .
(8) ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير الآية 3 من سورة النساء .
(9) راجع جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري تفسير سورة النساء .
(10) تفسير النسفى – سورة النساء .
(11) السيد سابق - فقه السنة – المجلد الثاني نظام الأسرة – ط مكتبة المسلم ص 95 الهامش .
(12) السيد سابق – المرجع السابق .
(13) راجع الفصل الأول "التعدد قبل الإسلام" من هذا الكتاب.
(14) الآية الأولى من سورة فاطر
(15) ابن كثير... المرجع المشار إليه من قبل
(16) الجامع لأحكام القرآن – القرطبى – ط الريان – ص 1578 .
(17) الآية 3 من سورة النساء .
(18) الآية 129 من سورة النساء .
(19) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى – الآية 129 من سورة النساء .
(20) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي .
(21) فقه السنة – المجلد الثاني – نظام الأسرة ص 99 .
(22) سيد قطب – في ظلال القرآن – الجزء الأول – ط دار الشروق – ص 582 .
(23) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
(24) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – قسم الأحوال الشخصية – ط الريان – ص 213 وما بعدها .
(25) السيد سابق – فقه السنة – ط مكتبة المسلم – المجلد الثاني ص 98 .
(26) الفقه على المذاهب الأربعة .
(27) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع ص 216 وما بعدها ..
(28) المرجع السابق ص 219
(29) لمرجع السابق ص 220 .
(30) راجع التفاصيل في المرجع السابق ص 223 .
(31) المرجع السابق ص 224 .
====================
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة .. ( نصرانية ترى التعدد ضرورة ) !!!
[ موضوع طويل ولكن أرجو قراءته حتى نهايته ، فقد تضمّن حقائق و.. و ... ]
أولاً :
هذه القضية أجلب عليها أعداء الإسلام بخيلهم ورَجِلِهم زاعمين أن هذا الفعل – أي التعدد – وحشية لا ترتضى وشهوانية غير مقبولة ، وانتقاص لحقِّ المرأة لا يُستساغ ، و ظُلْمٌ لها ، و … إلخ تلك الافتراءات .
ثانياً : التعدد من منظور عصري !
"كيف يجوز أن يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعاً في بلادهم ؟ … فلا يَصحّ أن يُقال عن بيئة : أن أهلها ( موحِّدون للزوجة ) ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية خدينات من وراء ستار!
ومتى وَزَنَّا الأمور بقسطاس مستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي
يَحفظ
ويَحمي
ويُغذي
ويَكسو النساء
أرجح وَزْناً من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يَتّخِذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته ، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره "
[ ليس هذا من قول أحد دعاة الإسلام !!
إنما هو من قول ( أني بيزانت ) زعيمة التيوصوفية العالمية ، وذلك في كتابها : الأديان المنتشرة في الهند فاعتبروا يا أولي الأبصار ! ]
قال ( اليوتنان كولونيل كادي ) :
إن تعدد الزوجات تُجيزه الشريعة الإسلامية بشروط محدودة ، وبالفعل نرى العالم كله يستعمله .
وقال أيضا :(14/34)
من الواضح أن الفرنسوي الثري الذي يُمكنه أن يتزوّج باثنتين فأكثر ، هو أقل حالاً من المسلم الذي لا يحتاج إلى الاختفاء إذا أراد أن يعيش مع اثنتين فأكثر وينتج عن ذلك هذا الفرق : أن أولاد المسلم الذي تعدّدت زوجاته متساوون ومُعْتَرَف بهم ، ويعيشون مع آبائهم جهرة بخلاف أولاد الفرنسوي الذين يُولدون في فِراشٍ مُخْتَفٍ فهم خارجون عن القانون .
وهذا ما دعا ( الصِّين ) أن تعتزم إدخال تعديلات على قوانين الزواج الحالية في محاولة للحدّ من ظاهرتي
: ( تنامي العلاقات غير الشرعية ، والعنف بين المتزوّجين ) .
ولذا يقول المسؤول البرلماني الصيني (هو كانج شينج ) : إن التشريع الحالي بحاجة إلى تحديث … وأن هناك حاجة إلى إجراء تغييرات لتسهيل إيجاد علاقة زواج ونظام أسري أكثر تحضّراً في الأمة .
[ نظام أسري أكثر تحضّراً ] !!!!
ويُفيد الدّارِسُون لوضع المجتمع الصيني أن نسبة الطلاق المرتفعة في الصين قد حَفَزَتْ السلطات على اقتراح [ تجريم ! ] إقامة أي علاقة خارج الزواج ، وإرغام مرتكبي الزنا على دفع تعويضات لشركائهم في الزواج ، وإلزامهم بقضاء ثلاث سنوات منفصلين قبل إيقاع الطلاق .
نشرت صحيفة الحياة في العدد (13099) أن أستاذة " لاهوت " في جنوب أفريقيا دَعَتْ إلى السماح للبيض بتعدد الزوجات ، لمواجهة ارتفاع معدل الطلاق في البلاد ، وهو من أعلى المعدلات في العالم .
وتقول الأستاذة " لاندمان " :
ليس هناك سوى عدد محدود للغاية من الرجال في العالم ، فقد قُتِل بعضهم في الحروب ، والآن حان الوقت كي تختار المرأة زوجاً من بين الرجال المتزوجين ، وأن تتفاوض مع زوجته على أن تُصبح فرداً من أفراد أسرته … ( بتصرّف عن الصحيفة ) .
ها نحن تراهم يعتبرون التعدد حَلاًّ لارتفاع معدل الطلاق ، وقلّة الرجال !!
فأحكام الجاهلية المعاصرة مبنيّة على الفساد !
وصدق الله الذي سمّى حُكم غيره حكماً جاهلياً
فقال : ( أَفَحُكم الجاهليةيبغون ) ؟؟ ( ومن أحسن من الله حُكماً لقوم يوقنون ) ؟ [المائدة:50]
فما خالف حُكم الله فهو حُكمٌ جاهلي أيّاً كان .
ثالثاً : الإسلام والتعدد
كلمة حق في موضوع التّعدد سمعتها من أحد دعاة الإسلام
حيث قال :
الإسلام لم يُنشئ التعدد ، وإنما حَدَّده .
ولم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب ، وإنما رخّص فيه وقيَّدَه . اهـ .
نعم . لقد جاء الإسلام والرجل يتزوج بما شاء مِنْ النساء ، حتى أسلم بعض أهل الجاهلية وعنده عشر نسوة !!
فحدد الإسلام العدد بأربع نسوة فقط .
ولما حدد الله التعدد بأربع لم يُوجبه على عباده بل أباحه لهم بشروطه من العدل والاستطاعة .
إذا لم يكتفِ الرجل بزوجة واحدة ، أو كانت زوجته عقيم لا تُنجب ، إلى غير ذلك ، فإن الشريعة الإسلامية توجد له مخرجاً وتفتح له أفاقاً ، فَلَهُ أن يتزوّج أخرى تُناسبه دون أن يلجأ للوقوع في أعراض الآخرين ، وما يلي ذلك من غشّ للمجتمع ، واختلاط في الأنساب ، وما يعقب ذلك من حسرة الضمير ، وتأنيب النفس اللوامة .
أو يلجأ للتخلّص من زوجته لتتاح له الفرصة بالزواج بأخرى
أيريدون أن تكون الحياة الزوجية جحيم لا يُطاق ؟؟
فيلجأ الأزواج حينئذٍ إلى قتل زوجاتهم غيلة ؟؟
وقد حدث هذا في بلاد الحضارة المادية !!
[ في تقرير لمكتب البحث الفيدرالي الأمريكي عام 1979م قدّر أن (40% ) من النساء اللاتي يتعرضن للموت يقتلهن أزواجهن ! ]
[ وتقرير للوكالة الأمريكية المركزية للفحص والتحقيق : هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكيا ]
أيريدون ضرب وقتل الزوجات أم يُريدون أن يبقى عدد من النساء بلا أزواج ؟
فمن المعلوم أن النساء أكثر من الرجال
وأن الحروب والحوادث تطحن الرجال فتترمّل النساء
فمن للأرامل والمطلقات ؟
إن لم تكن قضية التعدد حلاً من الحلول ؟؟
ولذا لما توفِّيَ زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب جاء عمر يعرضها على أبي بكر وعثمان حتى تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .
وهذا باب واسع للمواساة في الإسلام ، وحكمة بالغة في مشروعية التعدد .
وإن غضبت النساء !
أو زمجر أعداء دين الله !
أليست المرأة يسوؤها أن تبقى مطلقة ؟
ويَشُقّ عليها أن تظل أرملة ؟
ويعييها أن تطول أيمتها ؟
ولكنها عاطفة المرأة التي تسبق عقلها في كثير من الأحيان ، والإنصاف عزيز !
فما دام الأمركذلك إذا تأيّمت أو ترمّلت أو طُلّقت
فلماذا لا ترضى بالتعدد كحلٍّ لمشكلة اجتماعية قد تقع هي فيها يوماً من الأيام ؟
وقد تكون ضحيّتها هي فليس أحد من البشر مخلّد .
وقد قيل لِخَيْرِهم : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) [الأنبياء:34] .
إذاً لتفترض المرأة أن زوجها مات أو قُتل أو أنها طُلّقت .. فكيف يكون مصيرها ؟
أترضى أن تكون قعيدة بيتها ؟
أم يكون عرضها عرضة لكلّ لائك ؟
عندها تصيح - وقد لا تُسمع - المجتمع ظالم ظالم ظَلَمَ المُطلّقة ، ما ذَنْبُها ؟
ألا ترحمون !(14/35)
ونسبة النساء أعلى من نسبة الرجال ، وسوف يأتي زمان يُصبح الرجل الواحد في مقابل خمسين امرأة .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي سمعه منه ؟ : إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويفشو الزنا ويُشرب الخمر ، ويذهب الرجال ، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيّم واحد . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أبي موسى : ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلُذْنَ به من قِلّةِ الرجال وكثرة النساء . متفق عليه .
إذاً هذه نتيجة حتمية للحروب وكثرة القتل التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، والتي عبّر عنها بالهَرْج ، حتى لا يدري القاتل فيما قَتَل ، ولا المقتول فيما قُتِل !
جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتَل ، ولا المقتول فيم قُتِل ، فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : الهرج . القاتل والمقتول في النار .
وقد حدث ما يُشبه هذا قبل أكثر من ثلاثمائة سنة !
فقد نقص عدد رجال الألمان بعد حرب الثلاثين سنة كثيراً ، فقرّر مجلس حكومة ( فرانكونيا ) إجازةَ أن يتزوّج الرجل بامرأتين !!
[ إنه لم يَقُم الدليل حتى الآن بأي طريقة مُطْلَقَة على أن تعدد الزوجات هو بالضرورة شرّ اجتماعي وعقبة في طريق التّقدّم … وفي استطاعتنا أيضا أن نُصرّ على أنه في بعض مراحل التّطور الاجتماعي عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها – كأن يُقتل عدد من الذكور ضخم إلى حدّ استثنائي في الحرب مثلاً – يُصبح تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية ، وعلى أيّة حال فليس ينبغي أن نَحْكم على هذه الظاهرة بمفاهيم العصور القديمة المتأخرة ، لأنها كانت في أيام محمد صلى الله عليه وسلم مقبولة قبولاً كاملاً ، وكانت مُعتَرفاً بها من وجهة النظر الشرعية ، لا بَيْنَ العرب فحسب ، بل بين كثير من شعوب المنطقة أيضا ]
(هذا نص ترجمة ما قالته الكاتبة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري " فَلِمَ لَم تُشنّ عليها الغارات !! وتُوصم بالتّخلّف والرجعية ؟! أَلأَنَّها إيطالية ؟! ذات دمٍ أزرق وعيون زرقاء !! )
[ وإذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ، ولم يكن لكل رجل في الباقين إلا زوجة واحدة ، وبَقيَتْ نساء عديدات بلا أزواج ، ينتج عن ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة ، ولا يكون عددهم مساوياً لعدد الوفيات … وتكون النتيجة أن الأمة " الموحِّدة للزوجات " تفنى أمام الأمة المعددة للزوجات ]
[هذا ما قاله الفيلسوف الإنجليزي " سبنسر " في كتابه : أصول الاجتماع ]
فإذا كان الأمر كذلك ، فَمَنْ لامرأةِ المقتول ، خاصة إن كانت حديثة عهد بعرس !
وقد حدث هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
في قصة غسيل الملائكة ، وفي قصة الشاب الأنصاري
وإليك بيانهما :
أما قصة غسيل الملائكة حنظلة ، فقد روى الحاكم في المستدرك أن حنظلة بن أبي عامر تزوج فدخل بأهله الليلة التي كانت صبيحتها يوم أحد ، فلما صلى الصبح لَزِمَتْهُ " جميلة " فَعَادَ فكان معها ، فأجنب منها ثم أنه لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقُتِل يوم أحد وغسّلته الملائكة
وأما قصة الشاب الأنصاري فقد رواها الإمام مسلم في صحيحه من طريق أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال : فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حيّة فوثبت لأقتلها فأشار إليّ أن اجلس ، فجلست ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم ، قال : كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة .
فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف عليك رُمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بِحَيّةٍ عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه ، فما يُدرى أيهما كان أسرع موتاً الحيّة أم الفتى ؟ قال : فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا ، فقال : استغفروا لصاحبكم ثم قال : إن بالمدينة جِنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان .
فهذه من الشواهد على أن هناك من ترمّلت في أوج سعادتها ، وأول أيامها ، وعزّ شبابها ، فَلَمْ تبقَ مع زوجها سوى ليلة أو ليالٍ
فمن لها بعد ذلك ؟؟(14/36)
ماذا لو كانت ابنتك ؟
أو أختك ؟
أو قريبتك ؟
ماذا كنت تتمنّى لها ؟
ألست تطلب لها الستر ، ولو في ظل رجل مُعدِّد ؟
بلى والله .
فلماذا الاعتراض على حُكم أحكم الحاكمين ؟؟؟
وأنتِ أيّتها المرأة ماذا لو كنت أنت المترمّلة ؟
أما كنت تبحثين عن ستر الله ، ولو مع مُسنٍّ معدِّد ؟
إن لسان حال كثيرات ممن فاتهن قطار الزواج ونعق الشيب بمفارق رؤوسهن يقول مرحباً بزوج أيّاً كان ذلك الزوج ، بل إننا نسمع آهات الكثيرات منهن وقد فاتهن الزواج وهُنَّ يتحسرن على ردِّ من تقدّم إليهن ، ويشتكين هجران الناس لأبواب آبائهن ، فلا أحد يطرق الباب ولا أحد يخطبهن .
فيا ضيعة الأعمار لا تتعوّض !
ويَنْقِمن بلسان الحال أو المقال على من تتشبّث بزوجها !! ولا ترضى أن يُشاركها فيه غيرها .
فَعَلامَ عدم الرضا عن حُكمٍ شُرع لمصلحتك ، بل ولمصلحة بنات جنسك ؟؟
أمّا الغربيون فسُنّتهم التعدد ، ولكن مع العشيقات والخليلات ، فيتّخذ أحدهم عشرات الخليلات ، وربما لم يُعاشر زوجته زمَناً طويلاً فتلجأ هي الأخرى إلى تعديد الأخدان .
[ حدّثني طبيب مسلم يُقيم في فرنسا أن دار حوار بينه وبين طبيبة فرنسية حول الخيانات الزوجية ، فسألها : لو كنتِ مع زوجك فأغمضتِ عينيك ، هل تأمنيه ألاّ يخونك ؟!! فقالت : لا ، ولا هو يأمنني !! ]
فمباح لهم اتّخاذ العشرات
وحرام علينا تزوّج ثانية أو ثالثة أو رابعة !!
وهناك طائفة من الأمريكان يُسمّون "شيعة المورمون "
وهم نصارى ، ويقولون بتعدد الزوجات
ومن منسوبي تلك الطائفة من يتزوّج عشر نساء !!
بل كان لقائدهم " يونج " عشـ 20 ـرون زوجة !!!
وللرجل منهم أن يجمع بين الأخوات ، وبين الأم وابنتها …
والسؤال : لِمَ لَمْ نسمع يوماً من الأيام مَنْ ينتقد تلك الطائفة ، أو يُشنّع عليها ؟؟؟
لِتُعلم حقيقة الهجوم الصارخ على التعدد ، وأنه جزء من الهجمة الشرسة على دين الإسلام ، لا على التعدد نفسه .
حلال للنصارى من كل جنس ، حرام على بني الإسلام !!
أو قُل : هو الكيل بمكيالين ، والوزن بميزانين .
ولا لوم على من كان أعشى البصيرة أنْ سقط في حُفَر الضلال ، أو تردّى في هوّة التّبعية ، أو خنق نفسه بِرِبقة التقليد الأعمى !
وما على العنبر الفوّاح مِن حرجٍ **أنْ مات مِن شَمِّه الزبّال والجُعَل !
طُرفة :
حدثني أخي وقد ألقى محاضرة تعريفية عن الإسلام في جامعة في فنزويلا فسألته فتاة عن الحجاب فأجابها
ثم سألته أخرى عن تعدد الزوجات ، ولماذا يكون للرجال دون النساء ؟
فأجابها على الفور : لِمَن يكون الولد ؟
فطأطأت رأسها ، وضحك عليها زملاؤها وزميلاتها !
(( فاتني التنبيه إلى أمر مهم
وفاتتني الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية
ذلكم هو مناقشة قضية التعدد
لا يجوز مناقشة قضية التعدد هل تؤيد أو تُعارض ؟
بل ذلك كفر بالله العظيم إذ هو متضمن لردّ ما شرعه الله العليم الحكيم
ولكن يجوز أن نُناقش هل يُناسب التعدد فلان من الناس
أي قضية شخص بعينه
فقد لا يُناسب التعدد شخصاً بعينه ، إما لعدم استطاعته القيام بحق الزوجات ، أو لعدم القدرة على العدل
وأذكر ان إحدى الأخوات سألتني سؤالاً حول هذه القضية قالت فيه :
مع علمنا ان الله سبحانه وتعالى عادل واحكم الحاكمين أود ان اقرا رأيك في التعدد بالزوجات بعد ان كنت اعلم انه لا يحق للزوج ان يتزوج بامراة أخرى الا اذا كان له سبب الإباحة وهي أسباب مختلفة اذكر منها ما التذكرة وأرجو ان تعدل علي وتخبرني الباقي :
المرض
النشوز
حال النساء المؤمنات وان زاد تعدادهم عن الرجال في زمن معين
عدم قدرة المراة على أداء واجباتها الزوجية (يتبع المرض )
اما اذا كانت المراة من اختيار الزوج ولا تقصر في واجباتها وليس بها ما بنفر فهل يحق للرجل التعدد في زمننا هذا وبالطريقة التي بات الرجال يتبعونها فلا ترى المراة الا وان أصبحت الزوجة الأخرى ويقال ان الرجل اشتهى أخرى فأين غض البصر وأين واجب الزوج في ان يقضي شهواته في بيته حتى ان غلبه الأمر ان يعود إلى بيته ....
فأجبتها :
ولا شك أن هذا خطأ في التصور وفي معرفة أحكام الشريعة
فكان أن أجبتها آنذاك
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك ورزقنا وإياك الفقه في الدِّين
قضية التعدد أختي الفاضلة ليست بالصورة التي تصورتيها ، وهي تحتاج إلى تفصيل
أولاً :
ليُعلم أن هذه قضية محسومة بكتاب الله ، فلا يجوز أن يُقال : ما رأيك بقضية التعدد . هل تصلح أولا ؟
وهناك فرق بين التعدد كقضية عامة وتشريع رباني ، وبين التعدد ومناسبته لشخص بعينه .
فالأول عرضه ومناقشته كفر بالله ؛ لأنه ردّ للتشريع الرباني .
والثاني وارد ؛ إذ لا يصلح التعدد لكل إنسان
وفرق بين القضيتين .
ثانياً :
التعدد كان ولا يزال معروفاً عند أمم الأرض
وقد سمعت أحد دعاة الإسلام يقول : الإسلام لم يُنشئ التعدد ، وإنما حَدَّده ، ولم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب ، وإنما رخّص فيه وقيَّدَه . انتهى كلامه .(14/37)
نعم . لقد جاء الإسلام والرجل يتزوج بما شاء مِنْ النساء ، حتى أسلم بعض أهل الجاهلية وعنده عشر نسوة !! فحدد الإسلام العدد ، ولما حدد الله التعدد بأربع لم يُوجبه على عباده بل أباحه لهم بشروطه من العدل والاستطاعة .
إذا لم يكتفِ الرجل بزوجة واحدة لقضاء وطره ، أو كانت زوجته عقيم لا تُنجب ، أو اراد تكثير سواد الأمة ، إلى غير ذلك .
فإذا احتاج الإنسان إلى هذا الزواج الثاني أو الثالث أو الرابع فإن الشريعة الإسلامية توجد له مخرجاً وتفتح له أفاقاً ، فَلَهُ أن يتزوّج أخرى تُناسبه دون أن يلجأ للوقوع في أعراض الآخرين ، وما يلي ذلك من غشّ للمجتمع ، واختلاط في الأنساب ، وما يعقب ذلك من حسرة الضمير ، وتأنيب النفس اللوامة .
ودون أن يلجأ للتخلّص من زوجته لتتاح له الفرصة بالزواج بأخرى ، كما هو الحال عند النصارى .
بالإضافة إلى أن عدد النساء أكثر من الرجال في حالات الحروب – مثلاً – وفي آخر الزمان ، فإن النبي صلى الله عليه على آله وسلم أخبر النبي صلى الله عليه على آله وسلم عن ذلك بقوله : إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويفشو الزنا ويُشرب الخمر ، ويذهب الرجال ، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيّم واحد . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أبي موسى : ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلُذْنَ به من قِلّةِ الرجال وكثرة النساء . متفق عليه .
فالله لم يشرع التعدد عبثاً بل شرعه لعباده لحكمة ومصلحة
وليس رخصة يُلجأ إليها عند الضرورة أو الحاجة .
ولذا قال سبحانه : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )
لتتصور المرأة أنها ترمّلت أو طُلّقت . فمن لها ؟
الشاب – غالباً – يُريد شابة مثله
والمتزوّج لا تُريده زوجته يتزوّج عليها !
فمن للمطلقة ؟
ومن للأرملة ؟
وماذا لو كانت هي المطلقة أو الأرملة ؟
أليست تعتبر تمسّك الزوجات بأزواجهن أنانية ؟؟؟
إذاً فلننظر إلى التعدد من عدة جوانب .
ولا يُعكّر على قضية التعدد أن أساء استخدامها بعض أو كثير من الناس
فبعض الناس يتزوّج بأخرى ليُأدّب الأولى !
إذاً صارت الزوجة الثانية ( عصا ) !!!
وما أن تنتهي مرحلة التأديب والتلويح بالزوجة الثانية يُطلقها وتعود إلى بيت أهلها مطلقة !
أو يتزوّج ليتباهى بذلك
أو يتزوّج لمصلحة شخصية أو مقاصد مادية
أو غير ذلك من مقاصد الناس اليوم
إن مقاصد الشريعة أعظم من ذلك
إنه يجب على من أراد التعدد أن يُحسن النيّة في هذا الزواج سواء كانت الثانية أو الثالثة أو الرابعة
بأن يكون قصده :
إعفاف نفسه وأعفاف زوجاته
وتكثير سواد أمة محمد صلى الله عليه على آله وسلم القائل : تزوجوا الودود الولود فإني مُكاثر بكم الأمم .
وستر عورة
وكفالة أيتام في حجر أرملة
ونحو ذلك
فقد تزوّج النبي صلى الله عليه على آله وسلم لهذه المقاصد .
فلم يتزوّج بكراً سوى عائشة – رضي الله عنها – ولم يتزوّجها لكونها بكر ، بل جاءه الملك بصورتها في قطعة حرير ، كما في صحيح البخاري ومسلم .
فإذا تزوّج الرجل زوجة ثانية أو ثالثة فلا ينبغي للمرأة أن تُقيم الدنيا وتُقعدها على زوجها ، وإنما عليها الصبر والاحتساب .
لأن الزوج لم يرتكب أمراً مُحرّما ، بل مارس حق من حقوقه المشروعة .
وبعض النساء إن لم يكن كثير منهن تعلم بوقوع زوجها في فاحشة الزنا وربما تحمّلت وسكتت ، لكن أن يتزوّج عليها زوجها فهذه قضية لا تُغتفر !
إنه يجب أن تتحمّل وتسكت في قضية التعدد
وتُقيم الدنيا ولا تقعدها في قضية الفاحشة
وواجب على الزوج إذا عدّد العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت .
وأما من تزوّج عليها زوجها فإنها تُنصح بالصبر
فقد تزوّج النبي صلى الله عليه على آله وسلم على زوجاته وصبرن
حتى أن سودة – رضي الله عنها – وهبت ليلتها لعائشة خشية أن تُطلّق هي – رضي الله عنها – وطمعاً أن تبقى أُمّاً للمؤمنين وزوجة للنبي صلى الله عليه على آله وسلم في الدنيا والآخرة .
وعلى هذه الزوجة التي تزوّج عليها زوجها أن تؤدي الواجبات التي عليها ، وتسأل الحقوق التي لها
والغالب أن الزوج لا يتزوّج إلا إذا كان هناك تقصير أو نقص
وقد تقول بعض النساء :
ماذا ينقصه ؟
ما قصّرت في شيء !
ونحو ذلك .
فهل كانت تتعاهد مواضع عينه أن لا تقع على قبيح ؟
وهل كانت تتعاهد مواضع أنفه فلا يشمنّ منها إلا أطيب ريح ؟
وهل كانت تتعاهد جوعه ونومه ؟
فإن الجوع مَلهَبة … وتنغيص النوم مَغضبة !
كما قالت تلك المرأة الحكيمة لابنتها ليلة زفافها .
والمُلاحظ أن الزوجة بعد الأطفال – خاصة مع كثرتهم – تتغيرّ ، وربما انصرفت إلى أطفالها والاهتمام بهم عن الاهتمام بنفسها أو بزوجها
والذي كان ينبغي أن توازن بين الأمور
فلا تُهمل نفسها
ولا تُهمل زوجها(14/38)
ولا تُهمل أطفالها
فتُعطي كل ذي حق حقّه .
وإنما أطلت للفائدة . ))
لمصدر : http://saaid.net/Doat/assuhaim/index.htm
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
======================
شبهة : تعدد الزوجات
مقدمة :
إن بناء الأسرة يستغرق جهوداً عظيمة ابتداء بالبناء العقدي والأخلاقي ، ومن المعروف أن موقف الإسلام من المرأة يعد رائداً متميزاً مقارنة بالأمم الأخرى قديماً وحديثاً ، ومن الواضح أن الأسرة المسلمة يتربى أفرادها أولاً تربية عقدية أخلاقية ، ثم لا يكون تأسيسها لأسرة جديدة عشوائياً بل يخض لاختبارات من قبل أهل الفتاة ، وكذلك عند أهل الزوج حتى إذا تكونت الأسرة واكبها الإسلام بالتوجيهات والنصح وأحاطها بالأهداف السامية العظيمة .
لهذا كله لما جاء الإسلام ووجد أن التعدد موجد ولكن لاينتظمه نظام ولا حدود ولا قيود ما كان منه إلا أن وضع له نظاماً تشريعياً . ونود أن نشير هنا إلى أن الكتابة عن التعدد لم تكن تحتل مستحة كبيرة في تراثنا الإسلامي أيام عظمة المسلمين وحضاراتهم ، فما كان الأمر يتعدى كتاب النكاح والعدل بين الزوجات دون إطالة زائدة أو حديث حول الأصل في الزواج هل هو التعدد أو الزوج الواحدة ، وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله : (أن الإسلام لم ينشئ التعدد بل حدده ، ولم يامر بالتعدد بل رخص فيه وقيده وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية ، وضرورات الفطر الإنسانية … فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتنا في ك لتشريع إلهي سواء أدركها البشر أم لم يدركوها في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود) ( ).
وفي هذا الفصل نتناول الزواج بأكثر من زوجة بالحديث أولاً عن التعدد عند اليهود وعند النصارى وفي الواقع الأليم ثم نتناول حكمة الزواج بأكثر من زوجة في الإسلام ونحاول بعد ذلك التعرف على حكم هذا الزواج ، هل هو للضرورة أو للحاجة أو هل هو مباح وغير ذلك من المصطلحات الفقهية ، ويكون خاتمة البحث الحديث عن ضوابط الزواج بأكثر من زوجة .
1) : التعدد عند اليهود :
هل تعدد الزوجات نظام جديد على البشرية ؟! الحقيقة أنه نظام قديم جداً لكنه لم يعرف التنظيم والضوابط إلا في التشريع الإسلامي ؛ فاليهود عرفوا تعدد الزوجات وكان لهم أمراً طبيعياً فقد كثر ذكر زوجات الأنبياء من بني إسرائيل كما وردت عبارات في كتابهم (المحرف) حول مسائل التعدد من مثل "إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة الخ"( ).
ومن الدواعي للتعدد عند اليهود دعوة كتابهم (المقدس) لهم أن يكثروا من التناسل ليملؤا الأرض "خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وخلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض واخضعوها" ( )، وقد دعا هذا علماء اليهود أن يسنوا القوانين الداعية للزواج كما جاء في كتاب الأحكام العبرية :
"النكاح بنية التناسل ودوام حفظ النوع الإنساني فرض على كل يهودي ، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل" ( ).
ولما كان دأب اليهود والنصارى أن يخضعوا لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعون من دون الله فقد رأى هؤلاء الزعماء الدينيين أن يحدثوا تغييرات في شرع تعدد الزوجات ، فقد ذكر عبدالناصر العطار بعد استقرائه لتشريعات اليهود أن "أحبارهم كرهوا تعدد الزوجات فحاولوا التضييق منه وذلك لتحديد عدد الزوجات بأربع واشتراط وجود مبرر شرعي عند الزواج بأخرى واشتراط قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته واستطاعته العدل بينهن" ( ).
2) التعدد عند النصارى :
من المعلوم أن عيسى عليه السلام صرح لأتباعه وفقاً لما جاء في الإنجيل أنه لم يأت بتشريع جديد "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقص بل لأكمل" ( ).
ومن أبرز النصوص التي زعم النصارى أنها تمنع تعدد الزوجات ما جاء على لسان المسيح عند سؤاله عن الطلاق قوله : "من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله ، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد ، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان" ( ).
وقد وردت تفسيرات عديدة لهذه العبارة أبرزها أنه لمنع الطلاق منعاً باتاً وليس لمنع التعدد ، ذلك أ، التعدد كان شائعاً عند اليهود ولم يأت المسيح عليه السلام إلا مكملاً وليس ناقضاً ، وفي ذلك يقول أحمد عبدالوهاب : (إن الحديث عن الرجل والمرأة كجسد واحد ليس إذن حديثاً عن نظام الزوجة الوحدة لكنه حديث عن استمرارية العلاقة بينهما ومن ثم فهو حديث يتعلق بالطلاق وليس بتعدد الزوجات) ( ).(14/39)
لكن هذا الموقف لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة ، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة ، ومن هؤلاء فرقة الان نابتست Ananabaptistes، والمورمون Mormons ، وهؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر ( )، بل ظهرت دعوات من مفكرين وعلمائهم تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل ( )، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou ، وفردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus ، و بن لندسي Ben Lindsey ، وغيرهم .
3) التعدد الأثيم في الواقع الأليم :
ظن اليهود والنصارى أنهم بإصرارهم على منع التعدد وإجبار الرجل على الزواج بزوجة واحدة قد بلغوا قمة العقل والرشد في التشريع . مع أن حقيقة دينهم وكتبهم ـ مهما دخلها من تحريف ـ لا تمنع التعدد مطلقاً وإلا كيف ينظرون إلى أنبيائهم الذين تزوجوا العديد من النساء وكان لبعضهم السراري الكثر ؟ أليس النبي قدوة لمن آمن به ، لكنهم قوم يجهلون .
ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية ، أما تعدد النساء فإنه مازال محرماً وإن نظرت إليه طائفة أو طائفتان على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الإمريكية .
هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات الجاهلة ؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر ، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة .
قد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها ، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي ، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا ، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشئ ذاته ( ).
وينقل المودودي رحمه الله تعالى عن بول بيورد عن انتشار الزنى بين المتزوجين والمتزوجات قوله: "وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا ، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال" ( ).
أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فمنها ازدياد الأطفال غير الشرعيين زيادة كبيرة جداً ، ففي إحدى الإحصائيات أن عدد هؤلاء الأطفال يفوق المليون سنوياً في أمريكا وحدها وقد كان هذا عام 1979م ، أما الآن فقد يكون الرقم أكثر من هذا ( ).
ولن تكون هذه النتائج السيئة قاصرة على المجتمعات الغربية ، فإن البلاد الإسلامية التي تأثرت بالغرب ابتداء من إخراج المرأة وسفورها ، واختلاطها بالرجال بالإضافة إلى دفعها للعمل تحت شتى المبررات ومن التشريعات المختلفة للحد من الزواج بأكثر من زوجة أو تحريمه مطلقاً ، فلا بد أن تكون قد جنت الثمار الخبيثة لذلك كله .
4) الزواج مثنى وثلاث ورباع :
لا شك أن الذين كتبوا عن المرأة وأفردوا فصولاً للحديث عن تعدد الزوجات قد تناولوا أسباب الزواج بأكثر من واحدة ، ولكن هل يحتاج الأمر حقاً إلى إجهاد الفكر للبحث عن أسباب التعدد وحكمته؟ هل التعدد قضية ينبغي أن تنفرد بالكتابة حولها ؟ يبدو أن احتكاك العالم الإسلامي بالغرب الأوروبي النصراني واليهودي والملحد زمناً طويلاً وتحول المسلمون من وضع الأمة الغالبة إلى وضع المغلوب (المولع دائماً بتقليد الغالب) قد فرض على الكتاب الإسلاميين والكتاب المتغربين أن يتناولوا هذه المسألة كل من وجهة النظر التي يعتنقها .
فالإسلاميون يرون أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حريتها وكرامتها واعترف بها إنساناً كامل الإنسانية ونظر إلى طبيعتها وطبيعة الرجل فحدد نظاماً اجتماعياً يكفل مشاركة الجميع مشاركة فعالة، بينما يرى المتغربون ـ المغلوبون حقاً ـ أن الإسلام لم يعترف للمرأة بكيان مستقل وأنها في وضع أدنى من الرجل وحرمها من المساواة التي يتطلع إليها هؤلاء .
ومن اللافت للانتباه أن الدراسات الغربية (باللغات الأوروبية المختلفة) حول المرأة في العالم الإسلامي تفوق بوضوح حجم الكتابات التي كتبها الإسلاميون ، كما تفوقها في الانتشار ، ولعل من أبرز الدلائل على هذا العدد الكبير من المجلات الأسوعية النسائية وغير النسائية المنتشرة بلغات المسلمين وهي تحمل الفكر المتغرب بصراحة ( ).(14/40)
وما زالت الكتب الداعية إلى خروج المرأة وسفورها تصدر تباعاً منذ كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" وكتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في المجتمع والشريعة" حيث دعا كلاهما إلى خروج المرأة وسفورها وحارب الزواج بأكثر من زوجة . وبين يدي كتاب تولت اليونسكو نشره باللغة الإنجليزية أولاً ثم مولت ترجمته ونشره إلى اللغة العربية بعنوان "الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي" وفي هذا الكتاب تكرار لدعوة قاسم أمين ولكن بأسلوب أكثر تطوراً باستخدام معطيات عن الاجتماع ومصطلحاته .
لهذا يبدوا أن لابد من الاستمرار في الكتابة في هذا الموضوع وإجراء البحوث والدراسات الاجتماعية حول قضايا الأمة المختلفة وبخاصة موضوع المرأة ، ولابد من أخذ زمام المبادرة من دعاة التغريب ، ولقد أصبح القارئ من كثرة ما يجد من هذه الدراسات التي تزعم لنفسها العلمية والمنهجية أن يقع فريسة لطروحاتها .
أما الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام ، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية ؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجورمهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)( )
لا شك أن التربية العقدية والأخلاقية للمسلم تجعله ينفر من الزنا والخنا والفجور لأنه يسأل ربه دائماً أن يرزقه العفاف والغنى، كما أن التربية العقدية في الإسلام لا تركز على الجانب الفردي على حساب الجماعة بل المسلم بطبيعته صاحب نظرة شاملة يهمه دائماً أمر الإسلام والمسلمين. بالرغم من هذا الوضوح في تشريعات الإسلام العقدية والأخلاقية إلاّ أنه ظهر من المسلمين وغير المسلمين من أثار الشبهات حول إباحة التعدد ، وفيما يأتي بعض هذه ان تلك الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها ، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها. وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر "النهضة الحديثة" حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن رجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها . وتحول الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة ورضي أن يكون في وضع ((المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب)) . وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها .وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كم يستهجنونه ، وأن نأكل الربا كما يأكلونه ، وأن نستخف بالزنى والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله . اعلم أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية ، فثمة عشرات الكتب التي تناولته ، لمنها اختلفت مس بالإنفاق على العديد من أولاده وزوجاته في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية ( ).
الرد على هذه الشبهات :
إن معرفة الإسلام صحيحة كفيلة بالرد على هذه الشبهات فالزعم بأن التعدد كان في بداية الإسلام منتشر في العالم حيث كان ينظر إلى المرأة نظرة دونية . فإذا كان الإسلام قد جاء في القرن السادس الميلادي فلماذا استمر نظام التعدد معمولاً به في جميع أنحاء العالم حتى القرن السادس عشر ؟ فأي مغالطة هذه ؟ أما المغالطة الثانية فهي ربط التعدد باحتقار المرأة ، ألا يكفيه أن يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) ( )، وحديث (إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً …) ( )، أو حديث (من كان عنده ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) ( )، بالإضافة إلى التشريعات الإسلامية كلها التي تساوي بين المرأة والرجل في التكاليف والأجر والثواب إلا ما كان من اختلاف في الخلقة والتكوين بين المرأة والرجل لا شك أن إباحة الزواج بأكثر من زوجة سيعطي الفرصة للكثير من النساء للنجاة من براثن العنوسة بل ولعله يعطيهن الفرصة ليصبحن أمهات ويجدن من يبرهن حين نعلم توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن سأله : أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له : (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ..) ( ).(14/41)
أما الإدعاء بالمحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها فأمر نرد عليه بأن نسأل هؤلاء : هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة ذات خلق إسلامي أو ترضى لنفسها أن تستقبل زوجاً يعاشر الساقطات ؟ إن المرأة تقبل راضية أو كارهة أن ينشغل عنها زوجها بأعماله الكثيرة وسفره المتواصل والتقائه مع النساء سواء في محيط عمله أو خارجه ولا ترضى أن يكون لها ضرة . ويبدو لي أن كثيراً من النساء يفضلن زوجة أخرى على مثل هذا العمل الذي يساوي أكثر من عشرات النساء ! .
وحين يزعمون بوجود الخصومة والشقاق بين أبناء الرجل من زوجات مختلفات ، فنذكر هؤلاء بأن الإسلام حريص جداً على تماسك المجتمع الإسلامي الأباعد منهم والأقارب ، وفيما ياتي بعض التوجيهات القرآنية التي تؤكد ذلك ]إنما المؤمنون اخوة[ ( ) ، وقوله تعالى ]واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا[ ( )، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[ ( )وقوله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ( )، هذا بين من تجمعهم كذلك أخوة النسب بانتمائهم إلى أب واحد . إن المغالاة في تصوير النزاعات المتوهمة بين أبناء العلات قد سيقت للتشكيك في إباحة تعدد الزوجات ، بل جعلهم ذلك يركبون الصعب للعبث بالشريعة الإسلامية . فماذا عليهم لو حكموا عقولهم ونظروا في أحوال البلاد التي قيدت الزواج وقيدت الطلاق كيف أصبح حال شبابها ونسائها ، إن الدعاة قد أصبحت في هذه البلاد مؤسسة ضخمة تدر مئات الملايين من الدولارات شهرياً أو سنوياً ، وأصبح عدد اللقطاء قريباً من عدد الأبناء الشرعيين ، بل إن الأبناء الشرعيين توشك شرعيتهم أن تضيع لما أصاب النساء والرجال من الانحراف والفساد .
ويمكن أن نضيف التساؤل حول الأرامل والمطلقات ولا سيما ذوات الأبناء هل يحرمون من الزواج من رجل متزوج من أجل هذه النزاعات والشقاقات المتوهمة أو المتوقعة ؟ أما التاريخ فيقول عن أبناء الرجال الذين تزوجوا زوجتين وأكثر هؤلاء هم الذين فتحوا الدنيا وأناروها بالإسلام فلو كانوا حقاً في شقاق ونزاع لما خرجوا من جزيرة العرب بل هم لم يخرجوا من الجزيرة حينما كانوا يعددون الزوجات بلا حدود ولا قيود وكانوا لايقيمون للمرأة وزنا .
وللرد على مسألة الاحتياجات الاقتصادية فنقول بأن الأرض لم تضق يوماً برزق من عليها والله عز وجل يقول : ]وفي السماء رزقكم وما توعدون[ ( ) ويقول سبحانه ]وما من دابة إلا على الله رزقها[( ) وقد قسمت الكرة الأرضية بعد سيطرة الغرب وهيمنته إلى قسمين ؛ مجتمعات الوفرة والفائض التي تحارب التعدد ، ومجتمعات الجوع والفقر ، وليس سبب هذا التقسيم أن الفقراء لا يملكون بل هم يملكون ولا يعرفون كيف يستغلون ما عندهم فيقعون ضحية لقوة الغرب الذي يأخذ ما عندهم، ألا ترى الدول الصناعية تأخذ الخامات من الدول الفقيرة لتصنيعها فإذا ما صنعتها أعدتها منتجات (أوهموا العالم بأنها ضرورية) وبيعت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة عشرات المرات بل بلغ من جشع هذه الدول أنها تلقي بفائض إنتاجها في البحر أو تحرقه أو تتلفه بأي وسيلة حتى لايتدنى سعره في الأسواق فأي حضارة هذه تموت فيها الملايين من أجل ترف المترفين . ولابد أن نذكر أن المرأة حين تتزوج بصفتها ثانية أو ثالثة فهي تأتي برزقها ذلك أن كل مولود يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قبل أن يولد . فهي من مخلوقات الله التي تكفل برزقها كما أن هذه المرأة قد تكون صاحبة فكر وتدبير أو صنعة أو مهن قد تعين الرجل في عمله فينتقل من حالة الفقر والعوز إلى الغنى .
ويزعمون أيضاً أن التعدد برهان على تمكن الغريزة البهيمية من الرجل ، فهل يقولون هذا من علم وبينة ؟ ]قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين[ ( )، هل الدين الذي يأمر بالعفة وغض البصر وحفظ الفرج ويعاقب على الزنا ـ متى توفرت شروط العقوبة ـ بالجلد أو الرجم هل مثل هذا الدين يسمح بالبهيمية ؟ أم أن البهيمية تتمثل في الاختلاط والتبرج والسفور ووسائل الفن الداعية إلى الرذيلة بما تعرضه من مفاتن المرأة ؟ .(14/42)
ولكن لنرد بأسلوب آخر فالمسلم يتحمل أضخم مسؤولية عرفها الإنسان لأن أمته هي الأمة الوسط وهو المسؤول عن دعوة البشرية جمعا إلى الدين الحق وإقامة شرع الله فيها فالرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة وهم يتحملون مسؤولية الدعوة جميعها ، أما أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمروا أن يبلغوا فيشاركوا الرسول في مهمته ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني[ ( )، وجاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ( )، فكيف لمن حمل هذه الدعوة والمسؤولية أن يكون بهيمياً ؟ كيف لمن حثه الإسلام على قيام الليل والغزو في سبيل الله ، ولمن دعاه الإسلام إلى التقلل من متع الدنيا (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)( ) أن يكون بهيميناً ؟ كيف لمن يؤمن بالإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل القائل في كتابه ]زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب[ ( ) كيف لهذا أن يكون بهيميناً ؟ المسلم الحق لا تسيطر عليه الشهوانية والبهيمية إن سيطرت على غيره ، فهذه الصفة لو لم تكن حقاً مسيطرة على المجتمعات الغربية لما امتهنت المرأة هناك امتهاناً مزرياً بها وأصبحت تمتهن البغاء أو تمارسه دون أن تمتهن غيره من عشرات المجالات . ثم متى كانت المرأة محترمة إذا أوقفت في شباك زجاجي لتتلوى كالثعبان تعرض الأزياء ؟ أو تظهر في شتى الصور المثيرة التي تعرض فيها منتجات هذه الحضارة من الأحذية إلى الإطارات إلى الخطوط الجوية إلى أغلفة المجلات والكتب وغيرها .
وثمة جانب آخر فالإسلام حين أباح التعدد راعى أن للمرأة غريزة مثل الرجل ، وفي ذلك يقول محمد قطب : "ولكن حاجتها الطبيعية كيف تقضيها ؟ ومالم تكن معصومة فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار ؟ ثم حاجتها إلى الأولاد … كيف تشبعها ؟ والنسل رغبة لا ينجو منها أحد" ( )، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير من الرجل ، إلى أن يقول : "فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات بالنسبة للمرأة بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي كان لها دور في التاريخ ـ هل من سبيل إلى ذلك غير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد علانية وبتصريح من الشرع) ( ).
إن شرع الله لا يسأل فيه البشر أيرضونه أ/ لا ؟ أيحبونه أم لا ؟ ولكن متى كان دعاة ما يسمى بتحرير المرأة والنساء القاصرات النظر اللاتي تطغى عليهن غريزة حب التملك أو المتغربون الذين باعوا عقولهم للغرب يسألون عن شرع الله ؟ إن الغرب نفسه كما ذكرنا يشكو من مشكلة اللقطاء والبغا وبيع الأطفال وقتل الأطفال المتسكعين بلا مأوى ، هذا الغرب لا يمكن أن ينظر إلى رأيه ، ثم هل درسنا التاريخ الإسلامي دراسة اجتماعية ؟ هل سألنا النساء اللاتي شاركن غيرهن في رجل يلتزم بقيم الإسلام وأخلاق ؟ لا شك أننا لو استقرأنا التاريخ استقراء صادقا ولو التزم المسلمون بالاسلام لما ظهرت مشكلة يطلق عليها تعدد الزوجات .
7) الأسباب الداعية إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع :
وإتماماً للحديث عن هذه القضية نورد فيما يأتي الأسباب الداعية للزواج بأكثر من زوجة كما أوردها بعض من سبق إلى درساة هذا الموضوع ، هناك أسباب عامة وأخرى خاصة ، ولنبدأ بالأسباب العامة .
أولاً : زيادة عدد العوانس والمطلقات ( ):
يزداد عدد العوانس في أي مجتمع يعزف الشباب فيه عن الزواج لأسباب عديدة قد يكون منها توفر الفرص للالتقاء بالنساء خارج إطار الزواج ومسؤولياته ، أو قد تكون مسؤوليات الزواج وتكاليفه مما تنوء به ظهور الشباب عندما لايجد المسكن المناسب ، وإن وجده لاي جد ما يدفع مهراً ، إلى غير ذلك من تكاليف تجعله يعزف عن الزواج . وقد يزداد عدد العوانس لأسباب اجتماعية كأن لا يقبل الأب زوجاً لابنته إلا من طبقة اجتماعية أو انتماء قبلي معين .
أما زيادة الأرامل والمطلقات فيمكن أن تحدث لأسباب منها : أن مؤسسة الزواج أو الأسرة لم تعد لها احترامها ومكانتها فيكثر الطلاق ، أما الترمل فهو نتيجة الأحداث والحوادث من حروب وغيرها ، ويتعجب المرء حين يقرأ في تاريخنا الإسلامي أن امرأة مات زوجها فتزوجها آخر بسرعة ، أ إن طلقها أحدهم تزوجها الآخر . هل كانت النساء قلة أو أن المرأة كانت شخصيتها في ذلك الزمن أكثر جاذبية وأوقى مما وصلنا إليه في هذا الزمن . لا شك أن في هذا الأمر بعض الصحة . ومن أسباب الترمل أيضاً أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجل لما يتعرض له الرجل من مخاطر في حياته .
ثانياً : نقص عدد الرجال نقصاً كبيراً نتيجة الحروب :(14/43)
من الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات ، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق .
الأسباب الخاصة للتعدد( ) .. :
1) العقم :
من أبرز أهداف الزواج الذرية ، فلو ثبت أن المرأة لا تجنب وعاش الرجل معها أعواماً أينكر العشرة والمودة بينهما فيطلقها ويتزوج أخرى أم يبقيها معززة مكرمة ؟ إن الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة الأخرى سيصبحون كأنهم أطفالها لصلتها بوالدهم ، والواقع يصدق ذلك كثيراً ، كذلك سيكون بيت المرأة التي ليس عندها أطفال مكانا لراحته وهدوئه فتكسبه مرتين . أما إذا كان الرجل عقيماً فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق .
2) العجز عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه
وهذا إكرام آخر للمرأة فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج والزواج بامرأة أخرى .
3)(رغبة الرجل في الاقتران بامرأة أحبها
ثمة مناسبات تجعل الرجل يتعرف إلى امرأة ما وبخاصة المجتمعات التي فيها قدر من الاختلاط أو سمع بمزاياها وقد لا تكون لزوجته مثل هذه المزايا فيرغب في الزواج منها . فحرصاً على عفافه والتزامه الطريق السليم يتقدم للأخرى . فهل يكون من الإنصاف للأولى أن يطلقها أو أن يحاول الوصول إلى المرأة الأخرى خارج نطاق الزواج .
4) كره الرجل لزوجته
(القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) ( )، فمن كان حبيب اليوم لقد تغير نحوه غداً وقد تشتد الكراهية وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين ، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى ، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي بل وربما عودة الحب من جديد ، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين ، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى .
5) كثرة أسفار الزوج وإقامته في بلد آخر
قد تطول فهل يتخذ زوجة يعيش معها بطريقة مشروعة أو يترك الرجل ليقع في الخطأ ؟ إن بعض الرجال ينتقل عمله من بلد إلى آخر فتأبى زوجته الانتقال معه وهو لا يريد مفارقتها فهل يتركها وأطفالها بالطلاق أو تبقى على ذمته يزورها ويؤدي واجبه نحوها.
6) الدافع الجنسي
سبق أن أوردنا الآية ]زين للناس حب الشهوات[ ( ) وبعض الرجال أصحاب طاقة تفوق المعدل بل إن طاقة الرجل حتى في الأحوال العادية تستطيع أن توفي بحق أكثر من زوجة والدليل على ذلك أن المجتمعات الغربية (أو الشرقية) المنفتحة جداً قليلاً ما تجد رجلاً يكتفي بزوجته الوحيدة ، ويمكن أن نضيف أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست دائماً على نموذج قيس وليلى أو روميو وجوليت أي رومانس (غرام) لامرأة واحدة .
7) نظرة المرأة إلى الرجل
قد يكون الرجل من أهل الصلاح والورع أو صاحب شخصية جذابة وذا مكانة اجتماعية مرموقة فترى كثير من النساء أنه مما يشرفهن الارتباط بمثل هذا الرجل والمثل الأعلى للمسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وهبت بعض النساء أنفسهن له وقد كان معروفاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه خير من تزوج وخير من طلق .
8) زوجة واحدة أم تعدد ؟
يقول مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ : (فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب للفطرة وأحق للأسرة وأدعى لتماسكها وتحاب أفرادها ، ومن أجل ذلك كان هذا النظام الطبيعي الذي لا يفكر الإنسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن وتضفي عليه الحسنات) ( ).
ويقول محمد قطب : "أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام" ( ).
والحقيقة أ، تشريع التعدد يستجيب للفطرة ويحقق العفة للرجل والمرأة على السواء ، لذا بدأ القرآن بالتعدد وجعل الإفراد هو الاستثناء [ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة[ ( )، والقول بأن الخوف من عدم العدل متحقق دائماً يتعارض مع شرع التعدد مما لايتصور فيه أن الشارع الحكيم قصد إليه ومن ثم فالأولى هو القول بأن الخوف من عدم العدل هو الاستثناء وهو ما نتبينه من صياغة الآية الكريمة ، أما الاحتجاج بالآية الأخرى ]ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم[ ( )، فمردود بأن العدل المقصود هنا هو العدل القلبي وهو غير مطلوب في القسمة بين النساء لأنه غير مقدور عليه ، أما العدل المقصود فهو العدل الظاهر في القسمة بين النساء وهو عدل ممكن إذا تمسك الرجال بمبادئ الإسلام وأخلاقه ( ).
الضوابط :(14/44)
ونأتي هنا للضوابط التي وضعها الإسلام للزواج مثنى وثلاث ورباع ولعل أبرز هذه الضوابط أن لايتجاوز عدد النساء أربعة والعدل بينهن ، ويضيف بعض الكتاب مسألة القدرة على الإنفاق ، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يضمن ذلك ولو كان عنده زوجة واحدة فقط ، وفي الغالب أن الرجل لا يقدم على الزواج إلا وهو يأنس من نفسه القدرة على الإنفاق ، أما اشتراط امتلاك الرجل للمال الوفير للزوج فلم يجعله الإسلام شرطاً ، وإلا كيف تفسر تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل بأن قال له : (التمس ولو خاتماً من حديد) ( )، وزوج الرجل نفسه بما معه من القرآن الكريم أن يحفظ تلك السور زوجته ( )، والزوجة الأولى أو غيرها هي من عباد الله الذين تكفل الله لهم برزقهم كما جاء في الآية الكريمة ]وفي السماء رزقكم وما توعدون[ ( ) وورد في الحديث الشريف أيضاً أن كل نفس يكتب رزقها وأجلها قبل أن تولد .
أما ضابط العدد فقد وردت الأحاديث الشريفة أو السنة الفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما يأتي :
1)
روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اختر منهن أربعاً) ( ).
ومسألة العدل مسألة جوهرية في تربية المسلم وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تأمر بالعدل ]إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون[ ( )، ومن أروع الآيات التي تأمر بالعدل وإن كان معناها جاء حول البيع ]ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون[ ( )، وجاءت التوجيهات النبوية الكريمة تأمر بالعدل كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) ( )، ومن صور العدل "المساواة بين الزوجات في المعاملة" وذلك في نفقتها الخاصة بمأكلها وملبسها بحيث لا تزيد واحدة عن أخرى ، وكذلك العدل في المسكن حيث يكون لكل زوجة مسكن مستقل ، ومنذ لك أيضاً المساواة في المبيت ، أما الجانب الذي يصعب العدل فيه فيكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته عائشة وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ( ).
وكان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل حتى لما كان في مرضه الذي مات فيه كان يسأل أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث يشاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ( ).
ومن عدله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ( ) وكيف لا يكون المسلم عادلاً ؟ وإن لم يكون المسلم عادلاً فمن يكون ؟ وفي هذا يقول مصطفى السباعي (رحمه الله تعالى): (وكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج على خوف الله ومراقبته ورغبته إن نفذ أوامره وخشيته من عذابه إن خالفها)( )
وثمة قيد آخر هو تحريم الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها أو ابنتها والعلة واضحة في ذلك وهي الحفاظ على المجتمع الإسلامي من التمزق بسبب الغيرة التي يمكن أن تحدث بين الضرائر.
الخاتمة
الزواج بأكثر من زوجة واحدة حتى أربع رخصة أو أمر أباحه الإسلام للرجل الذي تربى عقدياً وأخلاقياً على مائدة القرآن ، يعيش بضمير حي يراقب الله عز وجل فيما يفعل أو يترك . هذا المسلم يعتقد أن "النساء شقائق الرجال" وأنهن كيان مستقل يتحملن التكليف ويترقين في درجات التقوى حتى كانت منهن مثلين للذين آمنوا كما جاء عن امرأة فرعون ومريم عليها السلام والمرأة المسلمة تعتقد بقوامة الرجل عليها لأنه مكلف بالإنفاق عليها زوجاً أو أماً أو أختاً ، ومن تكاليف الرجل أن أوصي بإكرام المرأة أماً و زوجة (أمك ثم أمك ثم أمك تم أبوك)و(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)وبنتاً وأختاً (من كان عنده أختان أو ابنتان …..)
من هذه المنطلقات تبنى الأسرة المسلمة : اختيار للمرأة ذات الدين، وللرجل المرضى في دينه وخلقه وبعد ذلك حدد الشرع الكريم حقوق كل طرف.
وتناول البحث بإيجاز تعدد الزوجات تجنبنا فيه الخوض في القضايا الفقهية التي لها أهلها ولكنت أوضحنا أن المجتمع المسلم حين لم تكن قضية الزواج بأكثر من واحدة سوى مسألة فرعية كان مشتغلاً بالدعوة إلى الله وكان همه إنقاذ البشرية مما وصلت إليه من انحراف وفساد وزيغ وضلال، كانت قضية المسلمين الأولى أن يحكم شرع الله وهنا ساد أبناء الرجال الذين تزوجوا بأكثر من واحدة ، وساروا على نهج آبائهم .(14/45)
ويهدف هذا الكتاب إلى وضع مسألة التعدد في وضعها الصحيح بأن نخرج من دائرة النفوذ التغريبي الذي يستهجن الزواج بأكثر من واحدة ، وليؤكد على أ، القضية الأكبر هي طهارة المجتمع المسلم أولاً ثم المجتمع الإنساني ثانياً من العقائد الفاسدة والأخلاق المنحرفة وأن مسؤولية المسلمين في هذا الزمن أكبر وأشد إلحاحاً لتقدم وسائل المواصلات والاتصالات فلم يعد ما يحدث في أي بلد بعيد عنا مهما كانت المسافات .
وقد أوضح هذا البحث كيف عانى الغرب ويعاني من منع التعدد ومن غير ذلك من مثل التحلل من المثل والقيم ، وتجدر الإشارة إلى أ، هؤلاء سرعان ما ينتقدون التعدد في الإسلام رغم ماتعج به مجتمعاتهم من مشكلات ونحن في هذا نلتزم بالمنهج القرآني في دعوة الكفار حيث يوضح القرآن الكريم عيوب مجتمعاتهم وعيوب نظمهم بدلاً من الوقوف موقف الدفاع .
والحقيقة أن تكون المرأة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خير بألف مرة من أن تكون زوجة وحيدة عند أوروبي أو غيره بنى بها نتيجة قصة غرام فما هو إلا عنصر لوقت وتنطفئ شعلة الحب ثم لا تجد منه المعروف والإحسان وأنى له ذلك وهو لا يرجو الله ولا اليوم الآخر . نرجوا الله أن يبصرنا بطريق الحق وأن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً ، ونسأله سبحانه أن يغفر زلاتنا إنه سميع مجيب .
=====================
ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة
الرد على الشبهة:
إن " الولاية " بكسر الواو وفتحها هى " النُّصْرَة ".. وكل من ولى أمر الآخر فهو وليه(1)(الله ولىُّ الذين آمنوا ) (2) (إن وَلِيِّىَ الله ) (3) (والله ولىُّ المؤمنين) (4) (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لِلَّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (5) (ما لكم من وَلايتهم من شىء ) (6).
وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولاية " ، فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً ، أى ولاية ، فى كثير من ميادين الحياة..
فالمسلمون مجمعون على إن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطانا على أموالها ، ملكا وتنمية واستثمارا وإنفاقاً ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء.. والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات فى المجتمعات الإنسانية ، على مر تاريخ تلك المجتمعات.. وفى استثمار الأموال ولاية وسلطان يتجاوز الإطار الخاص إلى النطاق العام.. والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون فى الاقتران بها ، وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص والولى العام لأمر أمة الإسلام..
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً فى بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها.. وهى ولاية نص على تميزها بها وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى فصّل أنواع وميادين الولايات:
[ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذى على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (7).
لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة " ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التى تلى فيها أمر غيرها من الناس ، خارج الأسرة وشئونها..
ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الأول من هذه الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءاً من الشورى فى الأمور العامة.. والمشاركة فى تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات ، التى ولاّها عمر بن الخطاب رضى الله عنه " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس [ 20 هجرية /641م ].. وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى.. وأيضًا ما أوردناه من الآيات القرآنية الدالة على أن الموالاة والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر ميادين العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (8).
نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية - قضية ولاية المرأة ومشاركتها مع الرجل فى ولايات العمل العام كاف وواف فى الردِّ على الذين يمارون فى ولاية المرأة للعمل العام.
أما الإضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث النبوى الشريف: [ ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ].. إذ هو الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحرّمون مشاركة المرأة فى الولايات العامة والعمل العام..(14/46)
ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ، منها: [ لن يفلح قوم تملكهم امرأة ].. [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ].. [ ولن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] رواها: البخارى والترمذى والنسائى والإمام أحمد..
وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة لا شبهة فيها.. فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية " بمعناه الحقيقى مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام..
ذلك أن ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول: إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- " من يلى أمر فارس " ؟ - " قال [ أحدهم ]: امرأة.
- فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسى العام..
ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة الأمة..
فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية ، التى كانت تمثل إحدى القوتين الأعظم فى النظام العالمى لذلك التاريخ.. ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل فى ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية ، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق..
فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الولايات الجزئية والخاصة بالإمامة العظمى والولاية العامة لدار الإسلام وأمته وهى الولاية التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها.. ولا حديث للفقه المعاصر عن ولاية المرأة لهذه الإمامة العظمى ، لأن هذه الولاية قد غابت عن متناول الرجال ، فضلاً عن النساء ، منذ سقوط الخلافة العثمانية [ 1342 هجرية 1924م ] وحتى الآن !..
وأمر آخر لابد من الإشارة إليه ، ونحن نزيل هذه الشبهة عن ولاية المرأة للعمل العام ، وهو تغير مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث ، وذلك بانتقاله من:" سلطان الفرد " إلى " سلطان المؤسسة " ، والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص..
لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء مؤسسى ، يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة..
فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء ، بالمعنى الذى كان وارداً فى فقه القدماء ، لأن الولاية هنا الآن لمؤسسة وجمع ، وليست لفرد من الأفراد ، رجلاً كان أو امرأة.. بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة فى ولاية القضاء ، بتشريعها القوانين التى ينفذها القضاة.. فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى استنباط الحكم واستخلاص القانون ، وإنما أصبح " المنفذ " للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ، تمثل الاجتهاد الجماعى والمؤسسى لا الفردى فى صياغة القانون..
وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين..
فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم لولاية التشريع..
وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات المشاركة فى الإعداد لصناعة القرار.. فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذه السلطات والولايات ، بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الولايات ، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة ، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات..
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية (قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) (9).. وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار(قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) (10).. فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة فى الولاية العامة حتى الولاية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فردياً مطلقاً " ؟ أما ولاية المرأة للقضاء.. والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال أهلية المرأة فى الرؤية الإسلامية..
فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من النقاط:(14/47)
أولها: أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو " فكر إسلامى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت " أحكاماً فقهية ".. وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن الكريم لم يعرض لهذه القضية ، كما لم تعرض لها السنة النبوية ، لأن القضية لم تكن مطروحة على الحياة الاجتماعية والواقع العملى لمجتمع صدر الإسلام ، فليس لدينا فيها نصوص دينية أصلاً ، ومن ثم فإنها من مواطن ومسائل الاجتهاد..
ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملات " وليست من " شعائر العبادات ".. وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من النص وتقف عند الوارد فيه ، فإن " المعاملات " تحكمها المقاصد الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة..والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها.. ويكفى فى " المعاملات " أن لا تخالف ما ورد فى النص ، لا أن يكون قد ورد فيها نص..
ومعلوم أن " الأحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ، مثلها كمثل الفتاوى ، تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح الشرعية المعتبرة..
فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ، لم ولن يُغْلَق فيها باب الاجتهاد الفقهى الإسلامى..
وثانيها: أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلاف وتعدد مذاهبهم واجتهاداتهم فى هذه المسألة ، ولقد امتد زمن اختلافهم فيها جيلاً بعد جيل..
ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ، وذلك فضلاً عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع.. ناهيكم عن أن قضية إمكانية تحقق الإجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما لا يُتَصَوَّر حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع فى مثل هذه الفروع أصلاً.
ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل [ 164 241 هجرية 780 855 م ] الذى قال: " من ادعى الإجماع فقد كذب ! ".
فباب الاجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة وغيرها من فقه الفروع مفتوح.. لأنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب الأمة ولا الفِطر السليمة لعلماء وعقلاء الإسلام..
وثالثها: أن جريان " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، على عدم ولاية المرأة لمنصب القضاء لا يعنى " تحريم " الدين لولايتها هذا المنصب ، فدعوة المرأة للقتال ، وانخراطها فى معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب والجهاد القتالى عند الحاجة والاستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد القتالى على كل مسلم ومسلمة.. فهى قد مارست هذا القتال وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلافة الراشدة.. من غزوة أُحد [ 3 هجرية 625م ] إلى موقعة اليمامة [ 12 هجرية 633 م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ 12 هجرية 633 م ].. وفى " العادة " مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف والملابسات ، وليست هى مصدر الحلال والحرام..
رابعها: أن علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب القضاء ، فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى تتناول هذه القضية ، كانت اختلاف هؤلاء الفقهاء فى الحكم الذى " قاسوا " عليه توليها للقضاء. فالذين " قاسوا " القضاء على: "الإمامة العظمى " التى هى الخلافة العامة على أمة الإسلام ودار الإسلام مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها للقضاء ، لاتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل " الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والإمام ، فاشترطوا هذا الشرط " الذكورة " – فى القاضى ، قياساً على الخلافة والإمامة العظمى.
ويظل هذا " القياس " قياساً على " حكم فقهى " – ليس عليه إجماع وليس " قياساً " على نص قطعى الدلالة والثبوت..
والذين أجازوا توليها القضاء ، فيما عدا قضاء " القصاص والحدود " مثل أبى حنفية " [ 80 150 هجرية / 699 767 م ] وفقهاء مذهبه قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ، أى فيما عدا " القصاص والحدود ".
فالقياس هنا أيضاً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى الدلالة والثبوت..وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة المرأة فى القصاص والحدود.. أى فى الدماء ليس موضع إجماع.. فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى الدماء ، وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء..(14/48)
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل الإمام محمد بن جرير الطبرى [ 224310 هجرية / 839 923م ] فقد حكموا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا ".. فالمسلمون قد أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الإفتاء الدينى أى التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر المناصب الدينية وفى توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس هؤلاء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها ، وحكموا بجواز توليها كل أنواع القضاء ، لممارستها الإفتاء فى مختلف الأحكام.
وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ، وهو: ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين.. وبعبارة أبى الوليد بن رشد الحفيد [ 520595 هجرية / 1126 1198م ]: فإن " من رأى حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال: إن الأصل هو أن كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى " (11).
وخامسها: أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء..
فهم مثلا اختلفوا فى شرط " الاجتهاد " فأوجب الشافعى [ 150204 هجرية / 767820م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى مجتهداً.. على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ، بل وأجاز قضاء " العامى " أى الأمى فى القراءة والكتابة وهو غير الجاهل ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله عليه وسلم (12).
واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عاملا " وليس مجرد " عالم " بأصول الشرع الأربعة: الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس.. فاشترطه الشافعى ، وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (13).
كما اشترط أبو حنيفة ، دون سواه أن يكون القاضى عربيا من قريش (14).
فشرط " الذكورة " فى القاضى ، هو واحد من الشروط التى اختلف فيها الفقهاء ، حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا دون البعض الآخر ، وليس فيه إجماع.. كما أنه ليس فيه نصوص دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين..
وسادسها: أن منصب القضاء وولايته قد أصابها هى الأخرى ما أصاب الولايات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل بها من " الولاية الفردية " إلى ولاية " المؤسسة " فلم تعد " ولاية رجل " أو " ولاية امرأة " ، وإنما أصبح " الرجل " جزءاً من المؤسسة والمجموع ، وأصبحت " المرأة " جزءاً من المؤسسة والمجموع.. ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج إلى " تكييف جديد " يقدمه الاجتهاد الجديد لهذا الطور المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الولايات.. ومنها ولاية المرأة للقضاء..
(1) الراغب الأصفهانى ، أبو القاسم الحسين بن محمد [ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ، القاهرة 1991م.
(2) البقرة: 257.
(3) الأعراف: 196.
(4) آل عمران: 68.
(5) الجمعة: 6.
(6) الأنفال: 72.
(7) رواه البخارى ومسلم والإمام أحمد..
(8) التوبة: 71.
(9) النمل: 32.
(10) غافر: 29.
(11) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 494. طبعة القاهرة سنة 1974م. والماوردى [ أدب القاضى ] ج1 ص 625-628 طبعة بغداد سنة 1971م. والأحكام السلطانية ص65 طبعة القاهرة سنة 1973م.
(12) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 493،494.
(13)[ أدب القاضى ] ج 1 ص 643.
(14) محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب الإمام مالك ] ص 190 طبعة القاهرة سنة 1923 م.
الكاتب: أ.د محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف
===================
شُبهات حول حديث : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " وردّها
روى البخاري – بإسناده - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم - قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :(14/49)
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث : لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان .
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره ابرويز لياتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .(14/50)
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ .
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه : قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي – .
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(14/51)
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش - قال سفيان كان حليفا لهم - ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُفر ؟
كما في قوله تعالى : (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ)
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْلٍ أو بِعَقْلٍ يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .(14/52)
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
" وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير "
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّد أن الدعاوى في وادٍ والواقع في وادٍ آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّة الْحُكْم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
كتبه / عبد الرحمن السحيم
الرياض – 15/8/1425 هـ .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
=====================
حجاب المرأة ليس في الإسلام فقط
1 كورنت 11: 1) قال بولس: وأمّا كلّ امرأة تصلّي أو تتنبّأ ورأسها غير مغطّى فتشين رأسها لأنّها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطّى: فليُقص شعرُها.
(1كورنث 11: 30) احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلّي إلى الله وهي غير مغطّاة؟!
(1تيمو 2: 9) النّساء يزيِن ذواتهن بلباس الحشمة لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثّمن
=====================
لماذا تنكرون التعدد في الزوجات في الإسلام وكتابكم المقدس
يقول :
زوجات إبراهيم هن :
1- سارة أخته لأبيه (تكوين 20: 12)
2- هاجر (تكوين 16: 15)
3- قطورة (تكوين 25: 1)
4- حجور (الطبرى ج1 ص 311)
5- يقول سفر التكوين : (( وَأَمَّا بَنُو السَّرَارِيِّ اللَّوَاتِي كَانَتْ لإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِهِ شَرْقاً إِلَى أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ.)) تكوين 25: 6
ومعنى ذلك أنه كان سيدنا إبراهيم يجمع على الأقل ثلاث زوجات بالإضافة إلى السرارى التي ذكرها الكتاب بالجمع.
وإذا علمنا أن سليمان كلن عنده 300 من السرارى ، وداود ترك جزء من سراريه لحفظ البيت ، ويبلغ عددهن 10 سرارى (صموئيل الثاني 15: 16).
فإذا ما افترضنا بالقياس أن سيدنا إبراهيم كان عنده 10 سرارى فقط بالإضافة إلى زوجاته، يكون قد جمع تحته 13 زوجة وسريرة.
وزوجات يعقوب هن :
1- ليئة
2- راحيل
3- زلفة
4- بلهة
وبذلك يكون سيدنا يعقوب قد جمع 4 زوجات في وقت واحد.
وزوجات موسى هن:
1- صفورة (خروج 2: 11-22)
2- امرأة كوشية (وهو في سن التسعين) عدد 12: 1-15
وبذلك يكون نبي الله موسى قد تزوج من اثنتين (يؤخذ في الإعتبار أن اسم حمى موسى جاء مختلفاً: فقد أتى رعوئيل (خروج 2: 28) ويثرون (خروج 3: 1) وحوباب القينى قضاة 1: 16) وقد يشير هذا إلى وجود زوجة ثالثة لموسى عليه السلام ؛ إلا إذا اعترفنا بخطأ الكتاب في تحديد اسم حمى موسى عليه السلام.
وزوجات جدعون هن : (( كان لجدعون سبعون ولداً خارجون من صلبه ، لأن كانت له نساء كثيرات )) قضاة 8: 30-31
وإذا ما حاولنا استقراء عدد زوجاته عن طريق عدد أولاده ، نقول: أنجب إبراهيم 13 ولداً من 4 نساء. فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
وكذلك أنجب يعقوب 12 ولداً من 4 نساء ، فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
ولما كان جدعون قد أنجب 70 ولداً: فيكون عدد نسائه إذن لا يقل عن 23 امرأة.
وزوجات داود هن:
1- ميكال ابنة شاول (صموئيل الأول 18: 20-27)
2- أبيجال أرملة نابال (صموئيل الأول 25: 42)
3- أخينوعيم اليزرعيلية (صموئيل الأول 25: 43)
4- معكة ابنت تلماى ملك جشور (صموئيل الثاني 3: 2-5)
5- حجيث (صموئيل الثاني 3: 2-5)
6- أبيطال (صموئيل الثاني 3: 2-5)
7- عجلة (صموئيل الثاني 3: 2-5)
8- بثشبع أرملة أوريا الحثى (صموئيل الثاني 11: 27)
9- أبيشج الشونمية (ملوك الأول 1: 1-4)
وجدير بالذكر أن زوجة نبي الله (أبيشج الشونمية) كانت في عُمر يتراوح بين الخامسة عشر والثامنة عشر ، وكان داود قد شاخ ، أى يتراوح عمره بين 65 و 70 سنة. أى أن العمر بينه وبين آخر زوجة له كان بين 45 و 50 سنة.
وكذلك كان عمر إبراهيم عندما تزوج هاجر 85 (أنجب إسماعيل وعمره 86 سنة [تكوين 16: 16]). وكان عمر هاجر عندما تزوجها إبراهيم حوالى 25 إلى 30 سنة (فقد أُعطِيت لسارة من ضمن هدايا فرعون له ، وتزوجها بعد هذا الموعد بعشر سنوات هى مدة إقامته في أرض كنعان. فمتوسط عمرها عندما أُهدِيت لسارة بين 15 - 20 سنة).
وبذلك يكون الفرق في العمر بين إبراهيم وهاجر بين 55 و 60 سنة.(14/53)
(( وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ قَدْ رَفَّعَ مُلْكَهُ مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. 13وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضاً سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضاً لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ.)) صموئيل الثاني 5: 12-13
ويمكن استقراء عدد نساء داود في أورشليم كالآتى:
ملك داود في حبرون على سبط يهوذا نحو 7 سنين ، تزوج فيها ست زوجات ، أى بمعدل زوجة جديدة كل سنة.
ولما نتقل داود إلى أورشليم ملكاً على إسرائيل ، كان عمره 37 سنة ، وقد بدأت المملكة تستقر. فمن المتوقع أن يستمر معدل إضافة الزوجات الجدد كما كان سلفاً، أى زوجة جديدة كل سنة.
وإذا أخذنا عامل السن في الاعتبار ، فإننا يمكننا تقسيم مدة حياته في أورشليم ، التي بلغت 33 سنة إلى ثلاث فترات ، تبلغ كل منها احدى عشر سنة ، ويكون المعدل المقبول في الفترة الأولى زوجة جديدة كل سنة ، وفى الفترة الثانية زوجة جديدة كل سنتين ، وفى الفترة الثالثة زوجة جديدة كل ثلاث سنوات.
وبذلك يكون عدد زوجات داود الجدد الائى أخذهن في أورشليم 20 زوجة على الأقل.
أما بالنسبة للسرارى فيقدرها العلماء ب 40 امرأة على الأقل. فقد هرب داود خوفاً من الثورة التي شنها عليه ابنه أبشالوم مع زوجاته وسراريه وترك عشر نساء من سراريه لحفظ البيت (صموئيل الثاني 15: 12-16).
وبذلك يكون لداود 29 زوجة و 40 سرية ، أى 69 امرأة على الأقل. وهذا رقم متواضع إذا قورن بحجم نساء ابنه سليمان الذي وصل إلى 1000 امرأة.
نساء رحبعام هن:
(( وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْناً وَسِتِّينَ ابْنَةً.)) أخبار الأيام الثاني 11: 21
نساء هوشع هن :
زوجتين (هوشع 1: 2-3 و هوشع 3: 1-2
=====================
عمل المرأة في الميزان
إن الأصل في عمل المرأة في الإسلام أن تكون في البيت راعية لمال زوجها ، مدبرة لأمره ، قائمة على شؤون بيتها ، عاملة لتحقيق أهداف الزوجية ، والأمومة النبيلة بكل صدق وإخلاص ، فإذا كان على زوجها كسب المال ، فإن عليها إنفاق ذلك لتدبير شؤون المنزل ، قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).
وقد ألزم الإسلام الزوج بالإنفاق عليها ، مهما كان مستواه المادي ، هذا إذا كانت ذات زوج ، وإذا لم تكن ذات زوج فقد ألزم الإسلام أقاربها: أباها ، أو أخاها ، أو غيرهما ممن تلزمها إعالتها ، ألزمهم بالإنفاق عليها ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ، وهي فقيرة ، فقد جعل الإسلام حق الإنفاق عليها وكفالتها ، على ولي أمر المسلمين من بيت المال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، فأيما مؤمن ترك مالاً فلورثته ، وإن ترك ديناً أو ضياعاً ، فليأتني ، فأنا مولاه).
كل ذلك حرصاً من الإسلام على أن تبقى المرأة في مكانها الطبيعي (البيت) لا تبرحه ، تكريماً لها ، وتقديراً لرسالتها في الحياة وصوناً لها من الابتذال في زحمة الحياة ، ومتاهات البحث عن مصدر للرزق ، لكن قد لا يتيسر للمرأة من يقوم بإعالتها ممن ذكرنا ، أو تضطرها بعض الظروف إلى العمل مع وجود العائل مثل خصاصة قيّم الأسرة أو ضآلة معاشه أو مرضه أو عجزه أو سبب آخر من هذا القبيل ، حينئذ يكون الخروج من البيت ضرورة لا بد منها.
وقد راعى الإسلام هذه الضرورات ، فأباح لذلك خروجها من البيت ، والبحث عن مصدر للرزق ، تقضي به حاجتها وتسد عوزها ، على أن يكون في مجال الأعمال المشروعة التي تحسن أداءها.
ولا تتنافر مع طبيعتها ، وأن تؤديه وهي في وقار وحشمة ، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة ، وأن لا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي ، أو خلقي ، أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى ، نحو زوجها ، وأولادها ، وبيتها ، ويكلفها ما لا تطيقه ، ولا تخرج في زيها وزينتها ، وستر أعضاء جسمها ، واختلاطها بغيرها أثناء أدائها لعملها في الخارج عما سنته الشريعة الإسلامية في هذه الشؤون.
هذا هو هدي الإسلام في عمل المرأة ، أما إتاحة الفرصة للمرأة للعمل ، وإباحته لها مطلقاً ، لضرورة ولغيرها ، فذلك مما يتنافى مع الشريعة ، ومع الفطرة السليمة ، التي فطر الله عليها المرأة ، ويتنافى مع رسالتها الأساسية في الحياة ، ومعطل لأسمى خصائص المرأة من ووظائفها الطبيعية ، والاجتماعية ، ومعطل لقوامة الرجل على المرأة.
وقد برر دعاة عمل المرأة مطلقاً في أي حال بمبررات أعتقد أنها لا تصمد أمام البحث والمناقشة ،(14/54)
فمما قالوا: إن عمل المرأة يقيها السأم القاتل الذي يورثها إياه بقاؤها الطويل الذي تقضيه بين جدران البيت!!
ونقول:
إن قيام المرأة في بيت زوجها ، راعية لماله ، مدبرة لأمره ، مدركة لأهداف زوجيتها ، وأمومتها ، عاملة لها في وعي ، وصدق ، وإخلاص ، كاف لملء فراغ قلبها وعقلها ووقتها ، الذي يدّعون أنها تشكو منه ، وكفيل بأن يملأ عليها بيتها بهجة ، ويحوله إلى جنة وارفة ، فيها من أنواع المتع النفسية ، والعقلية ، ما يُذهب عنها السأم والملل الذي يدّعونه ، ويملأ نفسها بشعور السعادة والارتياح ، إن حققت رسالتها كاملة وقامت بواجبها كما ينبغي.
وقد شهدت بذلك واحدة ممن نصّبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة: (فيليس ماكجنلي) كاتبة أمريكية ، قالت في مقال لها بعنوان: (البيت مملكة المرأة بدون منازع):
(وهل نُعَدّ – نحن النساء – بعد أن نلنا حريتنا أخيراً ، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها:
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة ، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ، وإنني أقدر مهنتنا ، وأهميتها في الحقل البشري ، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
إنه تقرير امرأة مثقفة ، غربية ، بإملاء واقعها وتجربتها ، وهي أدرى بمهام الأنثى وفطرتها من غيرها من غير جنسها.
وقالوا أيضاً:
إن مجد الأمة بكثرة الأيدي العاملة ، وأن المرأة نصف المجتمع ، وليس مما يتحقق به هذا المجد أن يكون نصف المجتمع عاطلاً.
ونقول:
لا تعطيل لهذا النصف كما تدّعون ، بل إنه موكول إليه من المهام ما هو أصعب ، وأشق ، وأهم من المهام الموكولة إلى الرجال ، فإذا كان بناء مجد الأمة في حاجة إلى الأيدي العاملة ، والأدمغة المفكرة ، وينشئها ويتعهدها بالرعاية والتوجيه حتى تخرج إلى معترك الحياة سوية قوية ، تخدم الأمة ، وتبني المجد ، ثم يؤمن لها العش الدافئ ، والسكن النفسي ، عند أوبتها من معترك الحياة متعبة ، مرهقة الأعصاب ، فيجد في عشه ما ينسّيه ومن ينسيه ذلك التعب ، بل ويهبه العزم ، والتصميم على مواصلة السير.
لا شك أنه عمل شاق ، ومهمة صعبة ، ورسالة سامية ، ومن لهذا كله سوى المرأة.
فلا تعطيل لهذا النصف إذاً ، بل هو قائم برسالته التي أوجد من أجلها ، وفي اليوم الذي حدث في هذه الرسالة تقصير وإهمال ، ظهرت نتائج ذلك على الأبناء ، بُناة المجد: انحرافاً في الأخلاق ، وتشرداً في الآفاق ، وتفككاً في الأسرة ، وانحلالاً وتدهوراً في المجتمعات ، وبالتالي تهدماً وسقوطاً للمجد الذي بُني.
فما هو العمل في رأي هؤلاء إن لم يكن ذلك منه ، بل أهمه وأشقه وإذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج للحياة ، فإن عمل المرأة – من حيث ذلك – هو المقدم ، أما أن يكون عمل الرجل هو كل شيء ، وعمل المرأة لا شيء ، فذلك الظلم بعينه لها ولرسالتها الجليلة في الحياة.
وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأناً ، ولا بأخطر عاقبة من سياسة البيت ، لأنهما عدلان متقاربان ، عالم العراك والجهاد ، يقابله عالم السكينة والاطمئنان ، وتدبير الجيل الحاضر ، يقابله تدبير الجيل المقبل ، وكلاهما في اللزوم ، وجلالة الخطر سواء ، ولولا مركب النقص في المرأة لكان لها فخر بمملكة البيت وتنشئة المستقبل فيه ، ولا يقل عن فخر الرجال بسياسة الحاضر ، وحسن القيام على مشكلات المجتمع ، وإنما كانت الآفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة.
فلكلٍّ من الرجل والمرأة مسؤولية ، واختصاصه في بناء هذا المجد ، كما قسمه الله بينهما ، وكل من هذين الاختصاصين مهم ، ولا يمكن أن يحقِّر منه ، أو يهون من شأنه ، أو يستغني عنه ، فالرجل إلى الإنتاج ، وتنمية الثروة ، وكسب الرزق ، وحماية العرين ، والمرأة إلى الأسرة ، إلى عمل أشق: تحمل الجنين ، وتلد وترضع ، وتربي ، وترعى الزوج والولد ، وتُمرِّض ، وتدبر شؤون المنزل ، وتثمر السكن ، والمودة والرحمة ، وتبذل من ذات نفسها ، وجهدها الحسي ما تبذل ، لتوفر للزوجية والأمومة ظروف عملها الملائمة.
وهذا الافتراق في العمل والمهام ، الذي هو مقتضى ما أُهِّل به كل منهما ، هو عين التقائهما على الإسهام ، بأدنى ما يكون ، في بناء الأمة ومجدها ، فإذا أدى كل منهما ما وجه إليه بحق ، استقامت مصلحة الأمة على أكمل وجه.
ومما قالوا أي أيضاً:
قد تكون المرأة لا عائل لها ، وقد يتوفى عنها زوجها ، ويترك لها أطفالاً صغاراً ، ولا شيء لها ولا لهم ، فتجد في العمل عصمة لها ولأولادها من الضياع.
ونقول:
إن الإسلام قد أوجب على أقارب المرأة الفقيرة إعالتها ، والنفقة عليها ، كما أوجب على أقارب أطفالها ذلك ، وإن لم يوجد لها ولأطفالها أقارب ، فقد أوجب لهما حقاً في بيت مال المسلمين ، فيقوم الحاكم بإعالتها ، والنفقة عليها ، وعلى أولادها الصغار الفقراء ، حتى يشبوا ويقدروا على العمل ، هذا هو الأصل في الإسلام.(14/55)
وإذا لم يحصل لها ذلك فقد أبيح لها القيام بعمل تقيم به أودها ، وأود أطفالها ، في حدود ما شرعه الإسلام ، وضمن آدابه وتعاليمه.
على أن ثمة عوارض أخرى طبيعية ، تشترك في تقرير عجز المرأة عن عمل التكسب في الخارج ، تلك هي ما يعتور المرأة من العادة الشهرية ، والحمل تسعة أشهر ، والولادة وما تتركه من الآثار النفسية والعقلية والبدنية ، في كيان المرأة العام كما يقرر ذلك علم الطب.
وتدل مشاهدات أساطين علمي الأحياء والتشريح ، على أن المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات الآتية:
1- تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة ، فتنخفض حرارتها.
2- يبطئ النبض ، وينقص ضغط الدم ، ويقل عدد خلاياه.
3- وتصاب الغدد الصماء واللوزتان ، والغدد اللمفاوية بالتغير.
4- ويختل الهضم ، وتضعف قوة التنفس.
5- يتلبد الحس ، فتتكاسل الأعضاء ، وتتخلف الفطنة ، وقوة تركيز الفكر.
وكل هذه التغيرات ، تدني المرأة الصحيحة إلى حالة المرض إدناء يستحيل معه التمييز بين صحتها ومرضها.
وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل ، فيكتب الطبيب (ريبريت):
(لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال ، وأن عوارض الحامل لو عرضت لرجل ، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك ، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة ، ويضطرب فيها الاتزان الذهني ، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة).
أما عقب وضع الحمل ، فتكون المرأة عرضة لأمراض متعددة إذ تكون جراح نفاسها مستعدة أبداً للتسمم ، وتصبح أعضاؤها الجنسية في حركة لتقلصها إلى حالتها الطبيعية قبل الحمل ، مما يختل به نظام جسمها كله ، ويستغرق بضعة أسابيع في عودته إلى نصابه.
وبذلك تبقى المرأة سكناً للرجل ، ولا يمكن أن يجد ذلك السكن لدى امرأة ، يحضر فلا يجدها ، لأنها في عملها ، أو يجدها ، ولكنها – مثله – مثقلة بتعب الفكر والنفس والجسم ، وقد أفقدها العمل رهافة الحس ، ورقة الأنوثة ، بسبب قسوة العمل ومسؤولياته ، واعتبرت نفسها أنها صنوه ، ومساوية له في الكسب ، وفي تبعات البيت ولوازمه ، وفقد الرجل لذلك قوة البأس ، الذي كان يمارسه ، ولذة الرضا منها بذلك البأس ، والاستسلام لرجولته والشعور بحمايته ، وفقد تبعاً لذلك القوامة عليها ، والله يقول: (الرجال قوامون على النساء) ، وإذا فقد الرجل هذا الحق اختل نظام الأسرة ، والمجتمع ، لأنه من القوانين التي لا تنعقد روابط الأسرة إلا بها
ثم إن عمل المرأة خارج البيت مدعاة لإثارة المشاكل في البيت ، مما ينتج عنه تفكك الأسرة ، فكثيراً ما تثور المشكلات بين الزوجين بسبب العمل ، فمثلاً قد ترغب الزوجة في العمل والزوج لا يرغب ، أو العكس ، وقد تقصِّر المرأة بحق الزوجية ، والبيت بسبب عملها بدون رضى زوجها ، وقد ينشأ الخلاف على مدى مساهمة الزوجة المادية ، بمتطلبات البيت ، ومدى التزامات الرجل المادية نحو زوجته وبيته ، إلى غير ذلك ، هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تنشأ بين الزوجين بسبب احتكاكها واختلاطها بالرجال الآخرين في العمل.
=====================
قوامة الرجل على المرأة لا يسلبها حريتها
يقول المتقولون على الإسلام: إن الإسلام يجعل الرجل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) ، قد فرض وصايته عليها ، وسلبها بذلك حريتها وأه]ليتها ، وثقتها بنفسها.
ونقول: ليس الأمر كما يرون ويفهمون من القوامة ، فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد ، ولكنها قوامة التبعات ، والالتزامات والمسؤوليات ، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ، وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ، تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة ، بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى ، تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ، وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.
فهو أقوم منها في الجسم ، وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته وعرضه ، لا شك في ذلك ، وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، وحل معضلات الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ، والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً ، والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية ، في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ، والإحساس المرهف ، لتضفي على البيت روح الحنان والحب ، وتغمر أولادها بالعطف والشفقة.(14/56)
وإذا سألنا هؤلاء المدعين: أيهما أجدر أن تكون له القوامة بما فيها من تبعات: الفكر والعقل ، أم العاطفة والانفعال؟ لا شك أنهم يوافقوننا أن الفكر هو الأجدر ، لأنه هو الذي يستطيع تدبير الأمور ، بعيداً عن الانفعال الحاد الذي كثيراً ما يلتوي بالتفكير ، فيحيد به عن الصراط المستقيم ، فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة ، وبما هيأه الله له من قدرة على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته ، أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت ، بل إن المرأة نفسها ، لا تحترم الرجل الذي تسيّره ، فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ، ولا تقيم له أي اعتبار.
والرجل أيضاً أب الأولاد ، وإليه ينتسبون ، وهو المسؤول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم ، وهو صاحب المسكن ، عليه إيجاده وحمايته ونفقته.
ونسأل هؤلاء أيضاً ، أليس من الإنصاف والعدل أن يكون من حُمّل هذه التبعات وكُلف هذه التكاليف من أمور البيت وشئونه ، أحق بالقوامة والرياسة ، ممن كُفلت لها جميع أمورها ، وجعلت في حل من جميع الالتزامات؟ لا شك أن المنطق وبداهة الأمور ، يؤيدان ذلك.
فرياسة الرجل إذاً ، إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف بها ، وما وهبه الله من ميزات فطرية ، تجعله مستعداً للقوامة.
ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل ، لا استبداد فيها ، ولا استعباد للمرأة ، بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين.
وقد نبه الإسلام الرجال لذلك ، ووجههم إلى تحقيق معنى القوامة التي يعنيها قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيرك خيركم لأهله) ، ويُشعر الرجال أن النساء بحاجة إلى الرعاية ، لا إلى التسلط والتشدد: (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم) ، قال هذا في حجة الوداع ، وهو من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم عن النساء ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم ، خياركم لنسائهم) ، ويوصيهم بالصبر والاحتمال ، والصبر والاحتمال من مقومات القوامة (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً ، رضي منها آخر).
وجماع القول: أن نظرية الإسلام في المرأة أنها إنسان قبل كل شيء ، والإنسان له حقوقه الإنسانية ، وأنها شقيقة الرجل ، خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ، فهو وهي سيان في الإنسانية ، (إنما النساء شقائق الرجال) ، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً).
وإذا استشعر الزوج ذلك ، وامتثل ما أمره الله ، وأمره رسوله به ، لا شك أنه سينصف المرأة ، ومن شذ عن ذلك ، واستبد ، وتعالى ، وجار على المرأة ، فإن الإسلام لا يرضى منه ذلك ، ولا يؤخذ الإسلام بجريرة الشواذ ، العاصين لأوامره ولا يمكن أن يحكم على الإسلام وصلاحه بأفعالهم.
===================
القوامة.. دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
ما هي القوامة؟
سبب قوامة الرجل على المرأة
هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
استجابة المرأة الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟
الحمد لله رب العالمين على نعمه وآلائه المتوالية، وأصلي وأسلم على نبيه الأمين الذي هدى البشرية والإنسانية لدين رب العالمين، وبعد:
فقد خلق الله ـ عز وجل ـ الإنسان، وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وحثنا على التعارف، فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}،وبيَّن تعالى أنَّ ميزان كرامة الإنسان لديه، ذكراً وأنثى، هو التقوى، فقال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...} [الحجرات/13].
وكتاب الله تعالى جاء بتحقيق مصالح الناس، ودرء المفاسد عنهم، في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}41{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:43،42].
وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ..} [النحل:90].
وقال جلَّ في علاه: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ...} [الأنعام:38].(14/57)
ومن هذه الأمور التي جاء الشرع المطهر ببيانها بياناً وافياً (في القرآن والسنة)، ثم أفاض علماء الأمة في شرحها وتفسير مجملها للناس: أمر" القوامة"، فقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}34{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء/ 35،34].
ماهي القوامة؟
إذاً كان الله ـ عز وجل ـ ذكر أنَّ الرجل قوَّام على المرأة ـ وهذا لا يجادل فيه عاقل ـ ولكن الجدال والنقاش مع الذين يدورون في رحى الخلاف: التحديد لماهية القوامة، وكيف يقوم الرجل على امرأته؟ وما معنى القوامة هذه؟
إنَّ أهل العلم السابقين تكلموا عن ذلك ، وشرحوا النصوص الربانية القرآنية بكل تحقيق وتدقيق، فأحسنوا وأبدعوا في إيصال معانيها وفوائدها النفيسة.
وهم أعلم بمقصود الآية منَّا؛ لأنهم قريبون من عهد النبوة، ولأنَّ كثيراً منهم تلقى العلم عن الصحابة والتابعين، فسألوهم عن مراد الله ورسوله في كل آية، ثم إنَّ الرسول تكلم عن القرون التي عاشوا فيها فمدحها وأثنى عليها، فقال: "خير أمتي القرن الذي بُعثتُ فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم يحبون السَّما، يشهدون قبل أن يُستشهدوا" (1)
وقد تكلم المفسرون في شرح آية القوامة السابقة كلاماً بديعاً، وها أنذا ألتقط شيئاً من درر كلامهم في شرحهم لماهية القوامة وكيفيتها:
قال ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}: يعني: أمراء: عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك.. وقال الشعبي في هذه الآية: ) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء( قال: "الصداق الذي أعطاها... (2)
وقال الشوكاني في تفسيره عن هذه الآية الكريمة:
"والمراد: أنَّهم يقومون بالذب عنهن، كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً يقومون بما يحتجن إليه من النفقة، والكسوة، والمسكن، وجاء بصيغة المبالغة قوله: {قَوَّامُونَ} ليدل على أصالتهم في هذا الأمر" اهـ.
وقال أبوبكر العربي في كتابه "أحكام القرآن":
"قوله: {قَوَّامُونَ} يقال: قوَّام وقيِّم، وهو فعال وفيعل من قام، المعنى هو أمين عليها، يتولى أمرها، ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة.. ثم قال عندما ذكر القوامة: "فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين، وعليها الحفظ لماله، والإحسان إلى أهله، والالتزام لأمره في الحجة وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات" اهـ.
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره:
"يخبر الله تعالى أنَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهم بذلك، وقوَّامون عليهن أيضاً، بالإنفاق عليهن،والكسوة، والمسكن" اهـ.
وبمجموع كلام هؤلاء المفسرين نستنتج أنَّ معنى القوامة يدور على خمسة أشياء:
• أنَّ الرجل كالرئيس على المرأة والحاكم عليها والأمير.
• مؤدبها إذا اعوجت وأخطأت وضلَّت طريق الهدى.
• أنَّ الرجل يبذل لها المهر والصداق.
• أنَّ الرجل يتولى أمرها ويصلح حالها، ويحسن عشرتها، ويأمرها بالاحتجاب عن الأجانب وأهل الشر والفتنة.
• إلزامهن بحقوق الله تعالى، بالمحافظة على فرائضه، والكف عما نهى عنه.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن:
سبب قوامة الرجل على المرأة
ذكر أبوبكر ابن العربي ـ رحمه الله ـ فيتفسيره أحكام القرآن(3) أنَّ سبب تفضيل الرجل على المرأة في القوامة ثلاثة أشياء ، فقال: "وذلك لثلاثة أشياء:
الأول: كمال العقل والتمييز.(14/58)
الثاني: كمال الدين والطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك، وهذا الذي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للبّ الرجل الحازم منكن. قلن: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم، فذلك من نقصان عقلها". وقد نصَّ الله سبحانه على ذلك بالنقص، فقال: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }.
الثالث: بذلهُ لها المال من الصداق والنفقة، وقد نصَّ الله عليها ها هنا" اهـ.
قال الشوكاني (4) في قوله تعالى: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } قال: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } للسببية، والضمير في قوله: { بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } للرجال والنساء، أي: إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضَّلهمبه من كون فيهم الخلفاء، والسلاطين، والحكام، والأمراء، والغزاة، وغير ذلك من الأمور.
قوله: ){ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم، وما مصدرية، أو موصولة، وكذلك هي في قوله: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } ومن تبعيضية، والمراد: ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد، وما يلزمهم في العقل".
وقال الشيخ محمد رشيد رضا (5) : "وسبب ذلك أنَّ الله تعالى فضَّل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد، ومن ثم سبب آخر كسبي، يدعم السبب الفطري، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإنَّ في المهور تعويضاً للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال، فالشريعة كرَّمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيِّماً عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع النَّاس عليها بالعقود لأجل المصلحة، كأنَّ المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة وسمحت له بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هي درجة القوامة والرياسة، ورضت بعوض مالي عنها... ".
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره عن آية { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }: "أي: بسبب فضل الرجال على النساء، وإفضالهم عليهم.. فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة؛ من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات، كالجهاد،والأعياد، والجمع، وبما خصَّهم الله به من العقل، والرزانة، والصبر، والجَلَد، الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصَّهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء. (6)
ولعلّ هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنفَقُواْ } وحذف المفعول، ليدلّ على عموم النفقة، فعلم من هذا كله أنَّ الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة، فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به..." اهـ.
وبعد هذا التتبع والاستقراء، نستنبط من كلام هؤلاء العلماء سبب قوامة الرجل على المرأة:
• كمال عقل الرجل وتمييزه.
• كمال دينه كله ؛فطبيعة التي خلق عليها جعلت تكليفه أكثر من المرأة .
• إعطاء المرأة صداقها ومهرها، والنفقة عليها.
• أن الرجال عادة يكون منهم الأنبياء والرسل والخلفاء والغزاة والأمراء.
• أنَّ الرجل بطبيعته أقوى من المرأة قوة بدنية، ونفسية، فهو يتحمَّل المشاق والمتاعب والأعباء.
هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: "ينبغي أن نقول: إنَّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني.. وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله"(7)
القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
يسيء بعض الناس فهم آية { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} فهذا الرجل تجده يشتم ويلطم ويضرب زوجته المسكينة، ثم إذا اعترضت عليه يقول:قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وقد يكون لا يحفظ من القرآن إلا القليل، وهذه الآية؛ لأنَّها ـ على زعمه ـ آية واضحة في أنَّ الرجل قوَّام على زوجته فليفعل بها ما شاء.
وهذا فهم سقيم، وتأويل فاسد؛ فإنَّ معنى الآية ليس هكذا، بل المعنى هو ما سبق بيانه في تفاسير العلماء.(14/59)
لذلك بعض النساء قد تحصل لهن ردة فعل أمام هذه التأويلات الخاطئة، فلا يثبتن للرجل القوامة، بل قد نجد نساء بدورهن يؤولن هذه الآية تأويلاً مضحكاً وغريباً، كأن يرين أنَّ هذه الآية مناسبة للعصر الذي كان يعيشه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، أمَّا الآن (في عصر العولمة) فإنَّ النساء يستطعن أن يستظللن ببيوتهن وآرائهن.
وقد حدَّثني أحد الإخوة الذين ذهبوا للدراسة في "باكستان" وقال لي: توجد بعض المناطق هناك.. المرأة فيها هي التي تدفع المهر للرجل، وهي التي تقود به في السيارة، وهي التي تحاسب عند محل "البنزين" وعند السوق ونحوها.. فالله المستعان!
وعود على بدء: إنَّ قوامة الرجل على المرأة تعني تهذيبها وأمرها بما تطيق وتستطيع ، وليس من القوامة: الظلم والتسلط.
وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...} [التحريم:6] فالقوامة هنا تعليم الرجل امرأته وأولاده دين الله؛ حتى يقيهم نار يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" وقال صلى الله عليه وسلم: "خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".(8)
وقال صلى الله عليه وسلم كما رواه عنه ابن عمر: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيِّته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".(9)
ففي هذا الحديث أنَّ الرجل راع، وكذلك أنَّ المرأة راعية فهي ترعى الأبناء وترعى زوجها وتحفظ بيتها من كل سوء ومنكر.
وقالصلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنَّ المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"(10). ففي هذا الحديث ما يدل على أنَّ القوامة تعني الأمر بالمعروف بمحبة وألفة، والنهي عن المنكر برفق وتلطف، لا بغلظة وتعسف.
إن المرأة بطبيعة الحال والخلقة التي ركبها الله فيها ضعيفة، ولذا فإنَّ الله أسقط عنها الجهاد والقضاء وسائر الولايات، كالولاية في النكاح، وقد خصَّ الدين الإسلامي الرجال بفروض وأسقطها عن النساء، مثل الجمع والجماعات والأذان والإقامة، وجعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها.
بل إنَّ الميراث جعل الله الرجل له حظ الأنثيين، وليس ذلك ظلم في الإسلام للمرأة ومصادرة حقوقها، بل هو العدل والإنصاف؛ لأنَّه تدبير من عزيز عدل رحيم رؤوف حكيم ـ سبحانه وبحمده ـ، ومن الحكم التي نلتمسها في أن الله جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين أنَّ الرجل صاحبنفقات، فهو الذي ينفق على أهله، والمرأة لا تنفق في بيت زوجها ـ إلا برضا الطرفين ـ والرجل مشاغله كثيرة، والمرأة ليست كذلك، بل إنَّ الله أمرها بالقرار في البيت، فقال:{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } إلى غير ذلك من الحكم. وقد تكون الحكمة في ذلك تعبدية، ولذا فإنَّ سبب نزول قول الله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء/32].
وسبب نزولها ما رواه مجاهد(11) قال: قالت أم سلمة: أي رسول الله: أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: { ولا تتمنوا ما فضَّل الله }
كما أن المرأة - بحكم ضعفها التكويني الطبيعي- تحتاج لمن يقوم عليها ويكرمها بهذا القيام،حتى بلغ ببعض النساء في الغرب إلى أن تعطي الرجل المهر حتى تكن-هي- تحت رئاسته!، فهل هذا إلا بدافع الفطرة التي جُبل عليها الإنسان؟!
استسلام الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هذا عنوان كتاب ألَّفته امرأة أمريكية تبلغ من العمر (32) سنة، اسمها "لوردا دويل"،يقول الأستاذ "جاسم المطوع" (في مجلة المجتمع (12) بمقالٍ لهُ بعنوان: "القوامة على الطريقة الأمريكية" :
".. وفكرة هذا الكتاب أنَّها عرضت فيه تجربتها الشخصية مع زوجها، وكيف كانت متسلطة تريد أن تتحكَّم في كل شيء وباستمرار، إلى أن بدت تشعر بأنَّ زوجها في طريقه إلى الفشل، واكتشفت ذلك عندما شعرت بأنَّ زوجها بدأ يتهرَّب منها، ثم غيَّرت منهجها في الحياة إلى الحوار الهادئ معه وعدم التدخل في كل شؤونه وعدم مضايقته، والمسارعة إلى السمع والطاعة في كل ما يطلبه، وتقول للزوجات: كفوا عن التحكم في حياة أزواجكن..!"
إنَّ هذا الكلام قد ذكره الله من قبل (1400) سنة، ولكن الكفار لا يعلمون { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [الروم/7]. وقد قيل قديماً: "والحق ما شهدت به الأعداء".(14/60)
ويقول الدكتور "عبدالله وكيل الشيخ" في كتابه "المرأة وكيد الأعداء":
"أمَّا قوامة الرجل، فالمرأة أحوج إليها من الرجل؛ لأنَّ المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل تساويه أو تستعلي عليه، حتى لقد ذهبت إحداهن إلى القاضي تطلب طلاقها من زوجها، وحجتها في ذلك أنَّها سئمت من نمط الحياة مع هذا الرجل الذي لم تسمع له رأياً مستقلاً، ولم يقل لها يوماً من الأيام كلمة: "لا"، أو "هكذا يجب أن تفعلي"، فقال لها القاضي مستغرباً: أليس في هذا الموقف من زوجك ما يعزز دعوة المرأة إلى الحرية والمساواة؟ فصرخت قائلة: كلا.. كلا.. أنا لا أريد منافساً، بل أريد زوجاً يحكمني ويقودني"(13)اهـ.
فيا سبحان الله! من هذه المرأة التي تعرف حق قوامة الزوج على زوجته وإن لم يفعل معها زوجها تلك القوامة؟
وهكذا المرأة الصالحة التي تستسلم لأوامر زوجها إن كانت بطاعة الله عز وجل ولا تحاول أن تعصيه، وقد ورد عن الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(14)
ومن اللطيف الظريف ما ذكره الشيخ "مازن الفريح" في كتابه أسرة بلا مشاكل: (قال الزوج لصاحبه: من عشرين لم أرَ ما يغضبني من أهلي.. فقال صاحبه متعجباً: وكيف ذلك؟ قال الزوج: من أول ليلة دخلت على امرأتي، قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية.. كما أنت، ثم قالت: الحمد لله وصلاة على رسول الله.. إني لامرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيِّن لي ما تحبه فآتيه، وما تكره فأتركه، ثم قالت: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال الزوج لصاحبه: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد:
فإنك قلتِ كلاماً إن ثَبَتِّ عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجةً عليك.. أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا.. وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قال: ما أحب أن يملني أصهاري.. (يعني لا يريدها أن تكثر من الزيارة) فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قومٌ صالحون، وبنو فلان قوم سوء.. قال الزوج لصاحبه: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب.. فلما كان رأس الحول.. جئت من عملي.. وإذا بأمَّ الزوجة في بيتي فقالت أم الزوجة لي: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة.. قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة.. فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب.. قال الزوج: فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً).
قال الشيخ مازن الفريح: "ما أسعدها من حياة.. والله لا أدري أأعجب من الزوجة وكياستها، أم من الأم وتربيتها، أم من الزوج وحكمته؟! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟
أي: هل قوامة الرجل على المرأة مقتصرة على الحياة العائلية فقط أم على غيرها من أمور الخلافة والقضاء والسلطة وغيرها.
والجواب على ذلك أن يُقال: إنَّ قوامة الرجل على المرأة ليست مقتصرة على الحياة العائلية، بل على كل شيء، فمثلاً الخلافة لا يجوز للمرأة أن تتولاها، وقد قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ما نصَّه: "ولا خلاف بين أحد أنَّهالا تجوز للمرأة".(15)
يقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي -رحمه الله-في قوله تعالى: { وللرجال عليهن درجة }: "فالدرجة هي القوامة، وهي ليست مقصورة على الحياة العائلية، لأنَّ قوامة الدولة أخطر شأناً من قوامة البيت، ولأنَّ النص القرآني لم يقيد هذه القوامة بالبيوت".
ثم قال: "إنَّ قوامة الرجال على النساء لا تقتصر على البيوت بدليل أنَّه لم يذكر البيوت في الآية، فهي إذاً قوامة عامة لسائر البيوت كذلك، ثمَّ إذا جعل الله قوامة على المرأة المفردة في بيتها فهل يظن بالله أن يجعل قوامة على ملايين في حين أنه لم يجعلها لها على بيت هو بيتها" (16)
وإن أقوى الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبيصلى الله عليه وسلمحين علم أنَ أهل فارس قد ملِّكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(17)
والعجب من أناس يقولون عن هذا الحديث: هذا مقيَّد بزمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان الحكم فيه لأبي جهل استبدادياً أمَّا الآن فلا. والله المستعان.
بل إن الهدهد (الغيور على التوحيد) عندما رأى الملكة بلقيس تحكم قوماً جاء عند سليمان عليه السلام وقال له: { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم..} فبعد ذلك جاء سليمان وأبطل حكمها ودخلت تحت ولايته وقالت:{أسلمت مع سليمان لله رب العالمين} بعد أن قال سليمان: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.(14/61)
ولذا فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ المرأة في حياته ولا أوصى بعد مماته بأن تتولى المرأة أي منصب رفيع.
ولذا يتبين لنا،أنَّ من ينادي بتحرير المرأة وأنَّ لها أن تتولى مناصب في الدولة ويكون تحتها أناس من الرجال تدير شؤونهم قد أخطؤوا خطأً بيناً، وخالفوا هذه النصوص الواردة في ذلك
ولقد ألف أحد المفكرين العالميين وهو"بليرداجو" ـ رئيس مدرسة التحليل النفسي العلمي، ومقرها سويسرا ـ كتاباً اسمه "المرأة: بحث في سيكولوجيا الأعماق" وذكر في هذا الكتاب أنَّ أهم خدعة خدعت بها المرأة في هذا العصر هي التحرر والحرية، وفي الواقع أنَّ المرأة، ولو علت وادعي أنَّها متحررة وتمارس شؤونها بنفسها إنَّما هي قد سقطت أكثر في عبودية الرجل.
فتأملي ـ أختاه ـ رعاك الله، واعلمي أنَّ الخير كل الخير في إخلاص الوجه والعبادة لله وحده، واتباع نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم، والرضا بأحكام الله تعالى وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52،51]
ولنحذر جميعاً من دعاة السوء والفتنة والشر والرذيلة { ولتعرفنهم في لحن القول }.
لا يخدعنك عن دين الهدى نفر *** لم يرزقوا في التماس الحق تأييدا
عمي القول عروا عن كل قائدة *** لأنهم قد كفروا بالله تقليدا
وابتعدي عن كل ما يمسُّ عرضك من الدعوة إلى التبرج،أو الاختلاط، أو تنكر لفطرتكِ التي فُطرتي عليها، وذودي حن حريتك وحقك بقلمك ولسانك، ورُدِّي عليهم في الجرائد والمجلات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإنَّ دين الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
من الدين كشف الستر عن كل كاذب *** وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولولا رجال مؤمنون لهدمت *** صوامع دين الله من كل جانب
وأقول لكل من قرأ ماكتبت ـ رجلاً كان أو امرأة ـ: ليؤدِّ كل منكم حقوق الله عزّ وجل التي فرضها ؛ فمن الرجل القوامة والأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر بلا غضب ومنكر، ومن المرأة أداء حقوق زوجها عليها.
وأختم بكلام للإمام ابن باز رحمه الله،هذا نصه:
"ومعلوم أنَّ الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عزّ وجل في قوله تعالى في سورة النساء: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ(. فالطعن في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله عزّ وجل، وطعن في كتابه الكريم وفي شريعته الحكيمة، وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام، كما نصَّ على ذلك غير واحد من أهل العلم..) اهـ(18)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
------------------------
(1) (رواه مسلم). (انظر صحيح الجامع الصغير:1/622 ـ 624 فقد ذكر روايات عدة في هذا الموضوع).
(2) من تفسير ابن كثير
(3) (ذكرها في مجلد 1/416)
(4) "فتح القدير" (1/414)
(5) "تفسير المنار" 5/67
(6) ص142
(7) في ظلال القرآن2/652.
(8) رواه الترمذي وصححه الألباني
(9) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
(10) متفق عليه
(11) رواه الطبري، والإمام أحمد، والحاكم، وغيرهم
(12) العدد: 14/10/1422
(13) ص25
(14) حديثٌ صحيح صححه الإمام الألباني وغيره ، ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم:3366
(15)4/129 ، وذكر الإمام الماوردي نحو هذا الكلام في كتابه (الأحكام السلطانية ص46).
(16) ذكره في كتابه (نظرية الإسلام وهديه ص319)
(17) (فتح الباري 8/159 حديث 4425).
(18)[مجلة البحوث العلمية، العدد 32 سنة 1412هـ]
خباب بن مروان الحمد
=====================
القوامة
إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره ، ونسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) .
و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .
وقال جل جلاله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )(14/62)
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71) .
أما بعد :
فإن أحسن الكلام كلام الله ، عز و جل ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .[1]
و بعد :
حاول الكثير من أعداء الإسلام التشنيع على الدين الإسلامي من خلال آية القوامة كدليل على التمييز ضد المرأة , و لعل أطرف ما قيل [2]:
1- أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها ، و أهليتها و ثقتها بنفسها إذ جعل الرجل قواما على المرأة .
2- أن القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة و إذلالها , يوم أن كانت المرأة كما مهملا في البيت , و فكرة مجهولة في المجتمع و أماً ذليلة مهينة للزوج .
3- ليس من المستساغ ، و لا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ، و رياسة الأسرة من دون المرأة ، و هي قد حطمت أغلال الرق ، و الاستعباد ، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق ، و الالتزامات .
و للرد على هذه الشبهات والمغالطات , نرى أن نبسط القول في قوامة الرجل على المرأة في الشريعة الإسلامية :
قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
إن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل ، و المرأة و ما ينتج عنهما من نسل طيب ، و ما تستتبعه من تبعات .
و في شأن القوامة ما بين الرجل و المرأة هناك فروض ثلاثة : فإما أن يكون الرجل هو القيم ، أو تكون المرأة هي القيم ، أو يكونا معا قيمين .
و حيث إن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد , لذلك سنستبعد هذا الفرض منذ البدء .
قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .
و الفرض الثاني - أن تعطى المرأة القوامة ، و رئاسة الأسرة :
و الأم –كقاعدة عامة- عاطفية انفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها هي ، أو أحد أفراد أسرتها , و الذي يدبر أموره ، و أمور غيره بالانفعال كثيرا ما يحيد عن الطريق المستقيم ، و يعرض نفسه ، وغيره لأزمات كان بالإمكان تخطيها ، و عدم الوقوع بها .
و العاقل الذي لا يحكمه هواه يستبعد هذا الفرض الذي لا يصلح لقوامة ، و رياسة الأسرة .
قال الشيخ محمد قطب ، حفظه الله : ( أن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغبتها بل تحتقره لفطرتها ، و لا تقيم له أي اعتبار ، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة ، و صار لها كيان ذاتي مستقل عادت فاستعبدت نفسها للرجل فأصبحت هي التي تغازله ، وتتلطف له ليرضى ! و تتحسس عضلاته المفتولة ، و صدره العريض ، ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حيث تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها [3].
و حيث إننا استبعدنا الفرض الأول والثاني لم يبق إلا الفرض الذي حكم به الإسلام لسببين :
1- أن الرجل بناء على طبيعته التي خلقها الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية ، و عقلية أكبر بكثير على - وجه العموم - من المرأة التي تكون عادة أقل حجما وقوة ، و يتحكم بانفعالاتها و أفعالها ، العواطف الإيجابية و السلبية أكثر من حكمة العقل ورجحانه .
( و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه ) [4] .
2- الإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف , كما كلفه بدفع المهر ، و غيره من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة ، و الإشراف و التربية .
و قد ذكر الله سبحانه و تعالى إلى هذين السببين الرئيسيين لاختيار الإسلام الرجل للقوامة .(14/63)
بقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله : ( أي هو رئيسها ، وكبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذ اعوجت , بما فضل الله بعضهم على بعض أي لأن الرجال أفضل من النساء و الرجل خير من المرأة ، و لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : (لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ...)[5]. و كذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، ( و بما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور ، و النفقات و الكلف التي أوجبها الله عليهن في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، و له الفضل عليها ، والإفضال , فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : ( و للرجال عليهن درجة ).
و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم : ( الرجال قوامون على النساء ) (( يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، و طاعته أن تكون محسنة لأهلها حافظة لماله ))[6]
و قال الإمام البغوي عليه رحمة الله : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) , يعني الرجال على النساء بزيادة العقل ، و الدين و الولاية , و قيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : (فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان , و قيل بالجهاد و قيل بالعبادات من الجمعة و الجماعة ، و قيل هو الرجل ينكح أربعا . و لا يحل للمرأة إلا زوج واحد , و قيل : بأن الطلاق بيده , و قيل : بالميراث , و قيل : بالدية ، و قيل , بالنبوة ) [7].
و قال البيضاوي عليه رحمة الله : ( الرجال قوامون على النساء : ( يقومون عليهن قيام الولاية على الرعية وعلل ذلك بأمرين , و هبي ، وكسبي , فقال : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) , بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل , و حسن التدبير , و مزيد القوة في الأعمال و الطاعات , و لذلك خصوا بالنبوة و الإمامة و الولاية , و إقامة الشعائر و الشهادة في المجامع القضايا ، و وجوب الجهاد و الجمعة و نحوها ، و زيادة السهم في الميراث ، و بأن الطلاق بيده ( و بما أنفقوا من أموالهم في نكاحهن كالمهر ، و النفقة ) [8].
فالإسلام إذا جعل القوامة للرجل على المرأة , لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة , و لا بإرادة الأسرة , ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيف مسلط على المرأة , و إنما شرع القوامة القائمة على الشورى ، و التعاون و التفاهم ، و التعاطف المستمر بين الزوج و زوجته .
قال تعالى (( و عاشروهن بالمعروف ))[9] سورة النساء من الآية 19.
و لقوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خير للنساء ولبناته))[10]
و لقوله صلى الله عليه و سلم (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفه بأهله ))[11].
و لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصلاة الصلاة , و ما ملكت إيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله في النساء , فإنهن عوان بين أيديكم أخذتموهن بأمانة الله , و استحللتم فروجهم بكلمة الله ) [12] .
و لا يمكننا أن ننسى قول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم (رفقا بالقوارير ) [13] .
ضوابط القوامة :
إن القوامة في الشريعة الإسلامية لها مدى تقف عنده ، و تنتهي إليه ، فهي لا تمتد إلى حرية الدين ، و المعتقد ، فليس للزوج أن يكره زوجته على تغير دينها إذا كانت كتابية و لا أن يجبرها على اتباع مذهب معين ، أو اجتهاد محدد من الاجتهادات الفقهية إذا كانت من أهل القبلة مادام هذا الرأي لا يعتبر بدعة مضلة ، و لا يخالف الحق و أهله .
كما لا تمتد القوامة إلى حرية المرأة في أموالها الخاصة ، و لا في المساواة بينها و الرجل في الحقوق التي أراد الله فيها المساواة ، و ليس لها طاعته إذا ارتكب معصية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك و تعالى ) .[14]
فإذا كانت قوامة الرجل لا تمتد إلى الحقوق الأساسية للإنسان فما الذي يخيف دعاة ما يسمى بتحرير المرأة في قوامة الرجل ؟
فماذا يريدون للمرأة افضل ، و أكرم من تلك المكانة المرموقة التي بوأها الإسلام إياها إن كانوا حقا ينشدون خيرا للمرأة – كما يزعمون ؟ .
الحقيقة أنهم لا يريدون ذلك بل يريدون تحطيم ذلك الحصن المنيع للمرأة المسلمة المتمثل ( في قوامة الرجل ) الذي جعله الإسلام قلعة لحماية المرأة من عاديات الزمان وتقلباته ، و رجاله .(14/64)
ذلك أن موضوع تشريع الحقوق ، و الواجبات لو أوكل إلى الإنسان لشرع من الحقوق ما لا يناسبه ، و قد يأتي تشريعه تسلطا على الآخرين هذا من جانب ، و من جانب آخر لا توجد الضمانات التي تحمل الآخرين على قبول رأيه , و تشريعه للحقوق , و هو إنسان مثلهم ، و خاصة مثل هذه التشريعات قد تأتي وسيلة للتحكم ، و استغلال الآخرين .
أما عندما تكون من عند الله تعالى , يتساوى أمامها الجميع وتبرأ من الشهوة و الهوى ، و تحقق الاستقرار ، و تنسخ فكرة أن يتخذ الناس بعضهم أربابا من دون الله إلى جانب ما يمتاز به الحق الذي شرعه الله ، و منحه من القدسية الثواب والعقاب في الدنيا و الآخرة .
( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286) .
الفصل الثالث -كيف تقاوم هذه البدع
(( بدعة ما يسمى بالقضاء على التمييز ضد المرأة ))
كيف تقاوم هذه البدع التي تريد هلاك النسل ، و الحرث ، وخصوصاً أن دعاتها كثيراً ما ينفذون ما يريدون ، وفقاً لخطة مدروسة ومرسومة ، فنراهم يحددون أهدافهم و يجيدون صناعة ، و صياغة المبررات للإقناع البسطاء ، و من في قلبه هوى .
قال الإمام الشاطبي عليه رحمة الله : ( و لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا و هو يستشهد على بدعته بدليل شرعي ، فينزله على ما وافق عقله ، و شهوته )) [15]
كما نراهم يثيرون هذه البدع في فترات محددة بتكاتف ، و تجمع مع كل أهل البدع و الأهواء ، و ضعاف الدين و العقل .
فحقيق على أهل العلم ، و الفضل ، أن يقابلوا هؤلاء بخطط مضادة ، مدروسة وفق منهج علمي سليم يجمع ما بين الاستدلال الشرعي الصحيح ، و العقلي السليم مستفيدين من التجارب السابقة لمقاومة ، و مقارعة أمثال هؤلاء ، لأن أكبر أسباب انتشار و قبول بعض القوم لهذه البدع هو تعدد أساليبهم الإقناعية الخبيثة ، و ضعف طرقنا و أساليبنا ، و تشتتها مقارنة مع ، وسائل هؤلاء و طرقهم .
و كي لا تتكرر الأخطاء ، و الإخفاقات بحقنا و نجاحات أهل البدع و الأهواء نضع هذا المنهج البسيط وفقاً لما يلي :
1- تحديد أهداف أهل البدع ( دعاة التغريب و تحرير المرأة و مساواتها بالرجل ) بدقة متناهية ، و معرفة جميع الوسائل التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم .
2- معرفة حقيقة موقفهم الحالي وفق ما تحقق ، و ما لم يتحقق .
3- وضع الحلول المناسبة لصد تلك الهجمات .
4 – التحصين داخليا وذلك بنشر العلم الشرعي وخاصة بين نسائنا فلإنسان عدو ما يجهل
أولاً : تحديد أهداف أهل البدع ، والأهواء :
لعل أوضح أهداف دعاة تحرير المرأة ودعاة القضاء على كافة أشكال التمييز بحسب زعمهم بما يلي :
1- نزع حجاب الوجه كهدف قريب ، ثم القضاء عليه كله كهدف بعيد ، وتشريع قوانين موجبة لهذا الإجراء ، بحيث تصبح أي معارضة لنزع حجاب المرأة مخالفة للقوانين والنظم المرعية . كما حدث في الكثير من البلدان مثل تركيا وفرنسا وتونس وكان تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السنوي عن عام 2002 قد تحدث عن الحملات الأمنية والإدارية ضد المحجبات التونسيات، وجاء فيه أن العديد من المحجبات تعرضن إلى المضايقات في الشوارع أو أماكن العمل، وتم تجريد العديد منهن من الحجاب عنوة في بعض مراكز الأمن بالعاصمة، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى ارتداء الحجاب .
كما أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت قد ذكرت في 28-5-2003 أن عددًا من طالبات التعليم الثانوي مُنعن من اجتياز امتحانات نهاية العام بسبب ارتدائهن للحجاب. يذكر أنه في عام 1981 أصدرت السلطات التونسية قانونا يعتبر الحجاب زيا طائفيا. ومنذ ذلك الحين والحكومة تلتزم بهذا القانون ، إلا أنه تم التشديد على منع المحجبات من دخول الجامعات والإدارات الحكومية منذ مطلع العقد الماضي، وهو ما أثار انتقادات واسعة في الداخل والخارج، خصوصا من جانب المنظمات الحقوقية التي ترى في منع الحجاب والتضييق على المحجبات تدخلا في الحرية الشخصية للمواطنين.
2- تشجيع الاختلاط في كل مراحل التعليم ، وخصوصاً المرحلة الابتدائية كهدف قريب ، ثم فرض الاختلاط في كل مراحل التعليم وغير التعليم كهدف بعيد .
3- تشجيع المرأة على العمل بالنشاطات المختلفة كالإعلام ، و المهرجانات ، و غرف التجارة و الصناعة ، و جعل هذه المشاركة مقبولة ، و مرغوبة من كل طبقات المجتمع كهدف قريب ، ثم ترسيخ هذا العمل رسمياً كهدف بعيد .(14/65)
4- تشجيع المرأة على الخوض في غمار العمل السياسي ، و إقرار حق الانتخاب كخطوة أولى ، ثم إقرار حق الترشيح لمجالس النواب و الشعب ... الخ كهدف قريب ، ثم السماح لها للعمل بالقضاء ، و المحاماة ، و تولي الوزارات ، و غيرها من المناصب و الولايات السياسية و الاقتصادية ، و الاجتماعية كهدف بعيد .
5- الترويج لفكرة المساواة ما بين المرأة ، و الرجل في كل شؤون الحياة كهدف قريب ، ثم رفع القوامة ، قوامة الرجل عن المرأة ، و منحها حقوقاً و التزامات تساوي حقوق و التزاماته بعيداً عن أية ضوابط شرعية صحيحة كهدف بعيد .
ومن أجل تنفيذ خططهم الخبيثة نراهم كثيراً ما ينسبون تغطية الوجه و الرأس و منع الاختلاط و القوامة ، إلى العادات و التقاليد و الثقافة السائدة بحسب زعمهم ، و اتهام كل من يعارضهم ، أو يقف بوجههم بالجهل ، و التخلق ،و عدم الفهم الصحيح للإسلام ،و أنه لا يريد مصلحة البلاد ، و لا العباد ولا يريد التقدم الاقتصادي والرفاهية للمجتمع .
فهؤلاء يعزفون على وتر الاقتصاد و الفقر و الحاجة ، مستغلين حاجة الناس إلى المال ، و العمل ، وحرص بعض المسؤولين على تحسين الأداء الاقتصادي ، وكل هذا لا يمكن أن يكون بحسب زعمهم إلا بنزع الحجاب ، و مشاركة المرأة للرجل في كل أصناف العمل و ألوانه و تدرجاته .
ثانياً - وضع الحلول المناسبة ، لصد ووقف تلك الدعوات ، ثم القضاء على هذه الأفكار ، و الهجمات التي يشنها الغرب ، و من يسير بركبهم من دعاة تحرير المرأة و تغريبها و مساواتها بالرجل :
أهم الأسلحة التي يجب استعمالها لمحاربة بدع هؤلاء ، و أفكارهم :
1- نشر الدعوة السلفية القائمة على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، و لن يفترقا حتى يردا على الحوض )) [16] .
و قوله صلى الله عليه وسلم : (( من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها ، و عضوا عليها بالنواجذ ، و إياكم و محدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة )) [17] .
2- تفعيل الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي ، لأن كل شر يقع على هذه الأمة لا بد أن يكون بسبب ذنب جنته فعاقبها الله تعالى بذنبها .
قال الله تعالى : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)
وقال تعالى : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير ٍ) (الشورى:30) .
مقاطعة بضائع الدول التي تروج لهذه البدع ، وتدعم أهل الأهواء :
فاللمقاطعة الأثر الحسن إذا ما استمرت و عممت في ردع هؤلاء و مناصريهم .
3- نشر و دعم التعليم الشرعي بكل مراحله لتخريج دعاة يحبون الله و رسوله ومتسلحين بالعلوم القرآنية و النبوية ، وغيرها من المعارف العصرية التي تساعدهم على نشر الدعوة السلفية ، و مقارعة أهل البدع و الأهواء و مناصريهم .
وأخيراً أختم هذا المبحث بقوله تبارك تعالى :
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214)
وقوله تعالى : (( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)
العبد الفقير إلى الله تعالى
مسلم بن محمد جودت اليوسف
abokotaiba@hotmail.com
moslem@scs-net.org
00963212262346
00963212268436
--------------------
[1] -هذه خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبته ، و يعلمها أصحابه ، و روى هذه الخطبة ستة من الصحابة – رضوان الله عليهم – و قد أخرجها جمع من الأئمة في مصنفاتهم مثل : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6/153-156-157 ، وأبو داود في السنن ج 1/287.برقم 1097.و النسائي في المجتبى ،ج3/104-105-والحاكم في المستدرك ج2/182-183 والطيالسي في المسند برقم 338. والبيهقي في السنن الكبرى ،ج7/146و ج3/214. وابن ماجه في السنن ج1/585.
2- شبهات حول الاسلام , محمد قطب , دار الشروق , بيروت , ص 121- وانظر قوامة الرجل على المراة موقع is lamunveileol .
3- شبهات حول الاسلام , محمد قطب ,ص 122.
4- عمل المراة في الميزان , د. على البار , موقع صيد الفوائد.(14/66)
5- وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري ج6/2600 برقم 6686 (عن أبي بكرة , قال : لقد نفعني الله بكلمة أيام الحمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى , قال : لم يفلح قوم ولوا أمرهم .
6- تفسير ابن كثير , ج1 /492.
7- تفسير البغوي , ج2/206.
8- تفسير البيضاوي , ج2 / 184 .
9- شعب الايمان , ج6 / 415, برقم 8720 .
10- شعب الإيمان ، ج 6/415، برقم 8720.
11- صحيح ابن حيان , ج2/ 76 , برقم 361 المستدرك على الصحيحين , ج1/43 , برقم 1 مجمع الحوادث , ج1/ 58 , باب في كمال الايمان.
12- صحيح مسلم , ج2 / 889 , برقم 1216 . المنتقى لابن الجارود , ج1 / 125 صحيح ابن حزيمة. ج4 / 251 . صحيح ابن حيان , ج4 / 251 .
13- فتح الباري , ج10 / 594 بالاستيعاب لابن عبد البر, ج1 / 140 تهذيب الاسماء , ج136 .
14- مجمع الوائد , ج5/225, باب لا طاعة في معصية .
15- الاعتصام ، للشاطبي ج1 / 134 .
16- سنن الدارمي ، ج4 / 245 ، برقم 149 ، سنن الدارقطني ، ج10 / 114 المستدرك على الصحيحين / ج1 / 172 ، برقم 319 .
17- صحيح ابن حبان ج 1 / 179 ، برقم 5 .
الدكتور مسلم اليوسف
=====================
أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
الرد على الشبهة:
أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف الإسلام من شهادة المرأة.. التى يقول مثيروها: إن الإسلام قد جعل المرأة نصف إنسان ، وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ، مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة:(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دُعُوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم) (1).
ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها إن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: [ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ] هو الخلط بين " الشهادة " وبين " الإشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الآية الكريمة.. فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد ، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين ، أو امرأتين ، أو رجل وامرأة ، أو رجل وامرأتين ، أو امرأة ورجلين ، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات..
أما آية سورة البقرة ، والتى قالت: [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى] فإنها تتحدث عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء.. تتحدث عن " الإشهاد " الذى يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين المتنازعين.. فهى - الآية - موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضى الحاكم فى النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود فى كل حالات الدَّيْن.. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفى حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب. ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة..ولابد من إملاء الذى عليه الحق.. وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل.. والإشهاد لا بد أن يكون من رجلين من المؤمنين.. أو رجل وامرأتين من المؤمنين.. وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم الجماعة.. ولا يصح امتناع الشهود عن الشهادة.. وليست هذه الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة.. ولا فى المبايعات..
ثم إن الآية ترى فى هذا المستوى من الإشهاد الوضع الأقسط والأقوم.. وذلك لا ينفى المستوى الأدنى من القسط..(14/67)
ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" فى دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضى الحاكم فى المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون..
ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية [661728 هجرية /1263 1328] وتلميذه العلامة ابن القيم [691751 هجرية / 1292 1350م ] من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده [ 12651323 هجرية ] والإمام الشيخ محمود شلتوت [13101383 هجرية /18931963م] من المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم:
قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها.. والتى وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه " رواه البخارى والترمذى وابن ماجه:
" إن البينة فى الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص فى بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً (2) ، ويمينًا، أو خمسين يميناً أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال.
فقوله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى " ، أى عليه أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له.. " (3) فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر، وفق معيار البينة التى يطمئن إليها ضمير الحاكم - القاضى -..
ولقد فصّل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ، التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الإشهاد - الآية 282 من سورة البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق البينة ، التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها.. وأورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ].. فقال:
" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ، والرجل والمرأتين فى طرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر النوعين من البينات فى الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ، فقال تعالى: ??(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (4).. فأمرهم ، سبحانه ، بحفظ حقوقهم بالكتاب (5) ، وأمر من عليه الحق أن يملى الكاتب ، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه ، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ، فإن لم يجد فرجل وامرأتان ، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ، ثم رخّص لهم فى التجارة الحاضرة ألا يكتبوها ، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع ، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً ، أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم ، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ] شئ ، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ، فإن الحاكم يحكم بالنكول ، واليمين المردودة ولا ذكر لهما فى القرآن وأيضاً: فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة.. ويحكم بالقافة (6) بالسنة الصريحة الصحيحة التى لا معارض لها ويحكم بالقامة (7) بالسنة الصحيحة الصريحة ، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان ، ويحكم ، عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين بوجود الآجر فى الحائط ، فيجعله للمدعى إذا كان جهته وهذا كله ليس فى القرآن ، ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه..
فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدلٌ عن الشاهدين ، وأنه لا يُقْضَى بهما إلا عند عدم الشاهدين.
قيل: القرآن لا يدل على ذلك ، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم ، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم ، وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ، وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (8)..(14/68)
وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقلاً عن شيخه وشيخ الإسلام ابن تيمية علق عليها ، مؤكداً إياها ، فقال: " قلت [ أى ابن القيم ]: وليس فى القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ،أو شاهد وامرأتين ، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ، واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن ، وبمعاقد القُمُط (9) ، ووجوه الآجرّ ، وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى القرآن..فطرق الحكم شئ ، وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ، وليس بينهما تلازم ، فتُحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ، ولا خطر على باله.. " (10).
فطرق الإشهاد ، فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّين ذى الطبيعة الخاصة -.. وليست التشريع الموجه إلى الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات.. وهى أيضاً خاصة بدَيْن له مواصفاته وملابساته ، وليست التشريع العام فى البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة..
* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد.. أخذ ابن تيمية يعدد حالات البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها.. فقال: " إنه يجوز للحاكم ? [ القاضى ] ? الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ، ولم يوجب الله على الحاكم ألا يحكم إلا بشاهدين أصلاً ، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، وهذا لا يدل علىأن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك ، بل قد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالشاهد واليمين ، وبالشاهد فقط ، وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه ، ولا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف.. وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابى وحده على رؤية هلال رمضان ، وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخباراً ، لا شهادة ، أمر لفظى لا يقدح فى الاستدلال ، ولفظ الحديث يردّ قوله ، وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد الواحد فى قضية السَّلَب (11) ، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ، واستحلفه ، وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى ذلك.. وقد صرح الأصحاب: أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة ، وهو الذى نقله الخِرَقى [334 هجرية 945م ] فى مختصره ،فقال: وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (12) إذا لم يقدر على طبيبين ، وكذلك البيطار فى داء الدابة.." (13).
* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود.. وكما تجوز شهادة الرجال وحدهم في الحدود ، تجوز عند البعض شهادة النساء وحدهن فى الحدود.. وعن ذلك يقول ابن تيمية ، فيما نقله ابن القيم: " وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع ، وقد شهدت على فعل نفسها ، ففى الصحيحين عن عقبة ابن الحارث: " أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ، فجاءت أَمَةٌ سوداء ، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرتُ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنى ، قال: فتنحيتُ فذكرتُ ذلك له ، قال: فكيف ؟ وقد زعمتْ أنْ قد أرضعتكما ! ".
وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ، قال: فى المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبى (14)، وفى الحمّام يدخله النساء ، فتكون بينهن جراحات.
وقال إسحاق بن منصور: قلتُ لأحمد فى شهادة الاستدلال: " تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والحمّام ، وكل مالا يطلع عليه إلا النساء ".
فقال: "تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ، ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخَلَف والسلف ". وعن عطاء [27-114 هجرية /647 732م ] أنه أجاز شهادة النساء فى النكاح. وعن شريح [78 هجرية / 697م ] أنه أجاز شهادة النساء فى الطلاق. وقال بعض الناس: تجوز شهادة النساء فى الحدود. وقال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها ، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (15).
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكراً كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة "بمعرفة أهل الخبرة " (16).
* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الإشهاد الذى تحدثت عنه آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ، ومن ثم حاجتها إلى أخرى تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(ليس طبعًا ولا جبلة فى كل النساء ، وليس حتمًا فى كل أنواع الشهادات.. وإنما هو أمر له علاقة بالخبرة والمران ، أى أنه مما يلحقه التطور والتغيير.. وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال:(14/69)
" قال شيخنا ابن تيمية ، رحمه الله تعالى: قوله تعالى::(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى ، إذا ضلت ، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة ، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.." (17).
فحتى فى الإشهاد ، يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ، أو امرأتين ، وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الإشهاد.. فهى فى هذا الإشهاد ليست شهادتها دائماً على النصف من شهادة الرجل..
ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ، فى غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى كتابه " إعلام الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن " البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى واليمين على من أنكر " خلال شرحه لخطاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى [ 21ق هجرية 44 هجرية 602- 665م ] فى قواعد القضاء وآدابه - قال: " إن البينة فى كلام الله ورسوله ، وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق.. ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين.. وقال الله فى آية الدَّيْن: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا فى طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شئ وهذا شئ ، فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود ، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك.. فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق.. وقال سبحانه:(ممن ترضون من الشهداء (لأن صاحب الحق هو الذى يحفظ ماله بمن يرضاه.. ".
وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة تعدلان شهادة الرجل الواحد ، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها ، كانت شهادتها حتى فى الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال:
" ولا ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها فى مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى أصح القولين ، وهو قول مالك [ 93-179 هجرية 712-795م ] وأحد الوجهين فى مذهب أحمد.. "
والمقصود أن الشارع لم يَقِف الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ، لا فى الدماء ولا فى الأموال ولا فى الفروج ولا فى الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ، فالخبر الصادق لا تأتى الشريعة برده أبداً.
وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة البقرة هو الذى ذكره الإمام محمد عبده ، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الآية على شهادة النساء ، إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات ، ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات فى هذه الميادين.. وهو واقع تاريخى خاضع للتطور والتغير ، وليس طبيعة ولا جبلة فى جنس النساء على مر العصور.. ولو عاش الإمام محمد عبده إلى زمننا هذا ، الذى زخر ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والاقتصاد وإدارة الأعمال ، وب " سيدات الأعمال " اللائى ينافسن " رجال الأعمال " لأفاض وتوسع فيما قال ، ومع ذلك ، فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من الزمان فى تفسيره لآية سورة البقرة هذه رافضاً أن يكون نسيان المرأة جبلة فيها وعامًّا فى كل موضوعات الشهادات ، فقال:
" تكلم المفسرون فى هذا ، وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ،ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (18).
ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ، مضيفاً إلى هذه الاجتهادات علماً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل فى " اللعان ".. فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها ، وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول:(14/70)
إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (ليس وارداً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم ، وإنما هو فى مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولايأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (19).
فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذى تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم.
وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل ، لايثبت بها الحق ، ولا يحكم بها القاضى ، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة ".
وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من الشهادة ، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية ، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
واعتبار المرأتين فى الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها ، الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثراً له ، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها ، ويكثر اشتغالهم بها.
والآية جاءت على ما كان مألوفاً فى شأن المرأة ، ولا يزال أكثر النساء كذلك ، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات ، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافى هذا الأصل الذى تقضى به طبيعتها فى الحياة.
وإذا كانت الآية ترشد إلى أكمل وجوه الاستيثاق ، وكان المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات ، كان لهم الحق فى الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها ، وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلاع الرجال على موضوعاتها ، كالولادة والبكارة ، وعيوب النساء والقضايا الباطنية.
وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ، وهى القضايا التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها ، على أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضى إليها. وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً.
ومالنا نذهب بعيداً ، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل سواء بسواء فى شهادات اللعان ، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) (20).
أربع شهادات من الرجل ، يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويقابلها ويبطل عملها ، أربع شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. فهذه عدالة الإسلام فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ، وهى عدالة تحقق أنهما فى الإنسانية سواء.. (21).
هكذا وضحت صفحة الإسلام.. وصفحات الاجتهاد الإسلامى فى قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ، طالما امتلك الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلات وخبرة هذه الشهادة.. لأن الأهلية الإنسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ، ونابعة من وحدة الخلق ، والمساواة فى التكاليف ، والتناصر فى المشاركة بحمل الأمانة التى حملها الإنسان ، أمانة استعمار وعمران هذه الحياة.
*وأخيراً وليس آخراً فإن ابن القيم يستدل بالآية القرآنية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) (22). على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية.. فالمرأة كالرجل فى " رواية الحديث " ، التى هى شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه الأمة ، ومارسته راويات الحديث النبوى جيلاً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقبل على واحد من الناس ؟.. إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق والأمانة والديانة (23).(14/71)
ذلكم هو منطق شريعة الإسلام وكلها منطق وهذا هوعدلها بين النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم:" وما أثبت الله ورسوله قط حكماً من الأحكام يُقطع ببطلان سببه حسًّا أو عقلاً ، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ، فإنه لا أحسن حكمًا منه سبحانه وتعالى ولا أعدل. ولا يحكم حكماً يقول العقل: ليته حكم بخلافه ، بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ، ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ، وأنه لا يصلح فى موضعها سواها " (24).
هذا.. ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران:
أولهما: أن ندع نصوص أئمة الاجتهاد الإسلامى هى التى تبدد غيوم هذه الشبهة ، لا نصوصنا نحن.. وذلك حتى لا ندع سبيلاً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !
وثانيهما: أن تكون هذه النصوص للأئمة المبرزين فى إطار السلف والسلفيين.. وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين الإسلام ، فاستبدلوا هذه العادات بشريعة الإسلام !.. وحتى نقطع الطريق كذلك على غلاة العلمانيين والعلمانيات ، الذين استبدلوا البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة الإسلام ، والذين يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين !..
فإنصاف المرأة ، وكمال واكتمال أهليتها هو موقف الإسلام ، الذى نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين.. وهو موقف كل تيارات الاجتهاد الإسلامى ، على امتداد تاريخ الإسلام.
(1) البقرة: 282.
(2) النكول: هو الامتناع عن اليمين.
(3) ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص34. تحقيق محمد جميل غازى. طبعة القاهرة سنة 1977م.
(4) سورة البقرة: 282.
(5) أى الكتابة.
(6) القافة: مفردها قائف هو الذى يعرف الآثار آثار الأقدام ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه..
(7) القامة: الأيمان ، تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول فيهم.
(8) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص 103-105 ، 219،236.
(9) مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم: ما تشد به الإخصاص ومكونات البناء ولبناته.
(10) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 198.
(11) السَّلب بفتح السين مشددة ، وفتح اللام -: هو متاع القتيل وعدته ، يأخذه قاتله.. وفى الحديث: " من قتل قتيلاً فله سَلَبُهُ ".
(12) الموضحة: هى الجراحات التى هى دون قتل النفس.
(13) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 98 ، 113 ، 123.
(14) استهلال الصبى: هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة الولادة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ، وهو شرط لتمتعه بحقوق الأحياء.
(15) [الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 115-117.
(16) المصدر السابق. ص 188 ، 193.
(17) [ إعلام الموقعين عن رب العالمين ] ج1 ص 90-92، 94-95 ،103،104. طبعة بيروت سنة 1973م.
(18) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص732. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1993م.
(19) البقرة: 282.
(20) النور:69.
(21) [ الإسلام عقيدة وشريعة ] ص 239- 241. طبعة القاهرة سنة 1400 هجرية سنة 1980م.
(22) البقرة: 143.
(23) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص236، 244.
(24) المصدر السابق ، ص329.
=====================
حفظ الإسلام حقوق المرأة
بقلم الأستاذ علاء أبوبكر
حقوق المرأة قبل الإسلام:
المرأة عند الشعوب البدائية:
كانت الفتاة فى الشعوب البدائية حين تبلغ طور المراهقة، تُعزَل فلا تكلم أحداً غير أمها، ولا تكلمها إلا بصوت خفيض ، كما أن الولد إذا وصل إلى مرحلة البلوغ يأخذونه ليغتسل فى بعض العيون المقدسة ، وذلك لكى يخلص من روائح الأنوثة التى علقت به من مصاحبته لأمه.
المرأة عند الهنود القدماء:
كانت المرأة عند الهنود القدماء تعتبر مخلوقاً نجساً ، ولم يكن للمرأة فى شريعة مانو حق فى الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها ، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمى إلى رجل من أقارب زوجها ، وهى بذلك قاصرة طيلة حياتها ، ولم يكن لها حق فى الحياة بعد وفاة زوجها ، وكانت إذا مات عنها زوجها تُحرَق مع جثته بالنار المقدسة ، بل إن بعض القبائل الهندية القديمة كانت لا تراها أهلاً لتُحرَق مع جثة زوجها باعتبارها المخلوق النجس، ولذلك كانوا يرون دفنها حية أو حرقها بعد موت زوجها. فإذا كان للرجل أكثر من زوجة دُفِنَّ جميعاً أو حُرِقْنَ جميعاً.
وفى حياة الزوج كان له أن يُطلِّق الزوجة متى شاء وكيف شاء ، أما هى فليس لها الحق فى أن تطلب الطلاق من زوجها مهما يكن من أمر الزوج ، حتى لو أصيب بأمراض تمنع من أهليته للحياة الزوجية.
وقد لقيت الحكومات الهندية أشد الفتن من مجتمعاتها ، خاصة من رجال الدين الهنود، حين حاولت القضاء على مثل هذه العادات المسترذلة والتى استمرت تهضم حقوق المرأة وكيانها حتى القرن السابع عشر.
وفى شرائع الهندوس أنه: (ليس الصبر المقدر ، والريح ، والموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعى ، والنار، أسوأ من المرأة)(14/72)
(ويذكر جوستاف لوبون أن المرأة فى الهند (تُعِّد بعلها ممثلاً للآلهة فى الأرض ، وتُعَدُّ المرأة العزب، والمرأة الأيم، على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسى، والمنبوذ عندهم فى رتبة الحيوان، والمرأة الهندوسية إذا فقدت زوجها ظلت فى الحداد بقية حياتها، وعادت لا تُعامَل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكل شؤم على ما تنظر إليه، وعدت مدنسة لكل شىء تلمسه، وأفضل شىء لها أن تقذف نفسها
فى النار التى يحرق بها جثمان زوجها ، وإلا لقيت الهوان الذى يفوق عذاب النار.)
المرأة فى الصين:
كانت المرأة فى الصين لا تقل مهانة أو مأساة عن بقية المجتمعات ، فكانت النظرة إليها واحدة ، ويظهر مدى امتهان المرأة فى المثل الصينى الذى يقول: إن المرأة كالكرة ، كلما ركلتها برجلك ارتفعت إلى أعلى.
وشبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التى تغسل السعادة والمال ، وللصينى الحق فى أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كإرث، وللصينى الحق فى أن يدفن زوجته حية.
المرأة عند المصريين القدماء:
إن البلاد الوحيدة التى نالت فيها المرأة بعض الحقوق قديماً هى مصر الفرعونية ، إذ كان لها أن تملك ، وأن ترث ، وأن تقوم على شئون الأسرة فى غيبة الزوج ، ولكن مع ذلك فقد كان الرجل سيداً على المرأة خاصة زوجته ، ولكن ليس بالفهوم الذى رأيناه أنه يملكها وله الحق فى بيعها أو قتلها ، ولكن بمعنى أنه قيِّمٌ عليها وعلى بيته.
المرأة الكلدانية:
كانت المرأة الكلدانية خاضعة خضوعاً تاماً لرب الأسرة ، وكان للوالد الحق فى أن يبذل زوجته أو ابنته لسداد دينه ، وكانت المرأة تحتمل وحدها الأعباء المنزلية ، فتذهب كل يوم لجلب الماء من النهر أو البئر ، وتقوم وحدها بطحن الحبوب بالرحى وإعداد الخبز ، كما تقوم بغزل ونسج وحياكة الملابس. وهذا كان حالها فى الطبقات الفقيرة.
أما فى الطبقات الموسرة فكانت المرأة لا تخرج من منزلها ، بل يقوم على خدمتها فى المنزل خدم وحشم. وأما نساء الملوك الكلدانيين فكان لا يُسمَح لأحد برؤيتهن ولا التحدث إليهن أو حتى التحدث عنهن.
وكان من حق الرجل طلاق زوجته متى أراد أما المرأة فإذا أبدت رغبة فى الطلاق
من زوجها طُرِحَت فى النهر لتغرق ، أو طردَت فى الشوارع نصف عارية لتتعرض للمهانة والفجور.
وقد روى هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أن كل امرأة كلدانية كان عليها فى مدينة بابل أن تذهب إلى الزهرة الإلهة (مليتا) ليواقعها أجنبى حتى ترضى عنها الإلهة. ولم يكن من حقها أن ترد من يطلبها كائناً من كان ، ما دام أول رجل يرمى إليها بالجعالة [المال المبذول والذى كان يُعتبر حينئذ مالاً مقدساً] ثم ترجع بعد ذلك إلى منزلها لتنتظر الزوج.
وكانت إذا تزوجت ولم تحمل لفترة طويلة اعتبرت أنها أصابتها لعنة الآلهة أو أصابها مس من الشيطان فتصبح فى حاجة إلى الرقى والطلاسم ، فإذا ضلت عاقراً بعد ذلك فلابد من موتها للتخلص منها.
وهذا أقرب ما يكون للقانون اليهودى عند إصابة أحد بالمس فإنه يُقتَل رجلاً كان أم امرأة: (27«وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ».) لاويين 20: 27
وكان معبد الإلهة (عشتروت) فى بابل القديمة يمتلىء من العاهرات اللائى يتقدمن إلى زائرى المعبد. كما كان على كل امرأة أن تتقدم مرة على الأقل إلى معبد فينوس ليواقعها أى زائر فى المعبد. وكانت الفتيات من الصين واليابان وغيرهما من بلاد العالم يتقدمن إلى الكهنة فى المعابد ، وكان من الشرف الكبير أن يواقعها الكاهن الذى هو ممثل الإلهة على الأرض. وكان هذا النوع من البغاء يُعرَف بالبغاء الدينى.
وهو قريب من قول نيكولاوس فون كليمانجيس Nikolaus von Clemanges (أحد علماء اللاهوت وعميد جامعة باريس سابقا: (أن تترهبن المرأة اليوم فمعنى هذا أنها أسلمت نفسها للعهارة).
وقد سبقه فى مثل هذا القول دومبريديجر جايلر فون قيصربرج Domprediger Geiler von Kayserberg (إن المرأة فى الدير ليست إلا عاهرة)
وقد شاع المثل الشعبى فى العصور الوسطى القائل: (من لفت رأسها ، عرت بطنها ، وهذه عادة كل الراهبات)
وقد اقترح أوجستين عام 388 قانون يمنع أن يدخل شاب على الراهبات أما العجائز
المُسنَّات فيسمح لهم بالدخول حتى البهو الأمامى فقط من الدير، ولأن الراهبات كُنَّ فى حاجة إلى قسيس للصلاة بهن ، فقد سمح القيصر جوستنيان فقط للرجال الطاعنين فى السن أو المخصيين بالدخول إليهن والصلاة بهن. حتى الطبيب لم يُسمَح له بالدخول إلى الراهبات وعلاجهن إلا إذا كان طاعناً فى السن أو من المخصيين. وحتى المخصصين فقدوا الثقة فيهم، لذلك قالت القديسة باولا: على الراهبات الهرب ليس فقط من الرجال، ولكن من المخصيين أيضاً. (ص 136 لديشنر)(14/73)
وكان من يقتل بنتاً يُفرَض عليه أن يقدم ابنته لأهل القتيلة يقتلونها أو يملكونها. وإذا لم يُثمر الزواج مولوداً خلال عشر سنين يُعتبر العقد فيه مفسوخاً. وكان للرجل حق قتل أولاده وبيعهم. ولم يحرَّم ذلك إلا فى القرن الخامس قبل الميلاد. ولم تكن المرأة لترث، فإذا لم يكن هناك ذكور من أسرة الموروث ورثوا الذكور من أسرة زوجته ولكن زوجته لا ترث.
المرأة عند اليونان:
كانت اليونان فى قديم الزمان أكثر الأمم حضارة ومدنية. وكانت أثينا مدينة الحكمة والفلسفة والطب والعلم ، ومع هذا كانت المرأة عندهم مُحتقرة مهينة ، مثل أى سلعة تباع وتُشترى ، مسلوبة الحقوق ، محرومة من حق الميراث وحق التصرف فى المال ، بل أكثر فقد سموها رجساً من عمل الشيطان ، ولم يسمحوا لها إلا بتدبير شئون البيت وتربية الأطفال. وكان الرجل فى أثينا يُسمَح له أن يتزوج أى عدد يريده من النساء ، بلا قيد ولا شرط.
ومما يُذكر عن فيلسوفهم سقراط قوله: (إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار فى العالم ، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة ، حيث يكون ظاهرها جميلاً ، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت من فورها.)
كما كان لزوجها الحق فى بيعها وأن تظل عند المشترى فترة تحت التجربة ، كما كان لزوجها الحق فى قتلها إذا اتهمت ولو بمجرد النظر إلى شخص غريب ولا مسئولية عليه فى ذلك. ومع هذا فإن له الحق فى أن يزنى فى منزل الزوجية ، وليس لزوجته حق الاعتراض ، كما أن حق الطلاق مكفول له متى شاء وكيف شاء. ومع ذلك فإنها تظل بعد طلاقها منه مقيدة برأيه فى زواجها لمن يريده. ويوصى عند موته بزواجها ممن يرتضيه هو وليس لها أو لأحد من أهلها حق الاعتراض.
وتذكر الأساطير اليونانية أن المرأة هى سبب الأوجاع والآلام للعالم كله ، وذلك لأن الناس فى اعتقادهم كانوا يعيشون فى أفراح ولا يعرفون معنى الألم ولا الحزن ، ولكن حدث أن الآلهة أودعت أحد الناس صندوقاً وأمرته ألا يفتحه ، وكان له زوجة تُسمَّى (باندورا) مازالت تغريه بفتحه حتى فتحه فانطلقت منه الحشرات. ومنذ تلك اللحظة أُصيب الناس بالآلام والأحزان. فلهذا كانت المرأة سبباً فى الكوارث التى حلت بالبشرية كلها نتيجة لفضول المرأة وإغراء زوجها بالعصيان.
ولعلنا نلحظ شبهاً فى هذه الرواية بما تحدث عنه سفر التكوين من إغواء حواء لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة بعد أن أغوتها الحية: (6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ. .. .. .. 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 6-12
وكان أرسطو يعيب على أهل إسبرطة التهاون مع النساء ومنحهن بعض الحقوق ، بل إن سقراط كان يعزو سقوط إسبرطة إلى منحها الحرية للنساء. على الرغم من أن هذه الحرية لم تنالها النساء إلا لإنشغال الرجال الدائم فى الحروب.
أما المرأة فى إسبرطة فكانت تستمتع بحرية لا يُسمَح بها للرجل ، ولكن حرية هى إلى الدعارة أقرب ، فكان لها أن تتزوج أكثر من رجل واحد فى القوت الذى كان يُحرَّم فيه على الرجل أن يتزوج من امرأة واحدة إلا فى الحالات الضرورية جداً.
ومن الغريب أن يرى الفيلسوف اليونانى أفلاطون شيوعية النساء ، وإلغاء نظام الأسرة على أن تتكفل الدولة بتربية الأبناء.
(ويحدثنا التاريخ عن اليونان فى إدبار دولتهم كيف فشت فيهم الفواحش والفجور ، وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً ، وأن يكون لها عُشَّاق ، ونصبوا التماثيل للغوانى والفاجرات ، وقد أفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد ، حيث اتخذ البغاء صفة التقرب إلى آلهتهم ، ومن ذلك أنهم اتخذوا إلهاً أسموه (كيوبيد) أى (ابن الحب) ، واعتقدوا أن هذا الإله المزعوم ثمرة خيانة إحدى آلهتهم (أفروديت) لزوجها مع رجل من البشر)
ولم يكن يُسمَح بتعليم المرأة اليونانية الحرة ، إنما كان التعليم قاصراً على البغايا. حتى كان الرجل الذى يكره الجهل فى المرأة يلجأ إلى البغى.
المرأة عند البابليين:
كانت المرأة تُحسَب فى قانون حمورابى من عِداد الماشية المملوكة ، وكان تشريع بابل يعطى رب الأسرة حق بيع أسرته أو هبتهم إلى غيره مدة من الزمن ، وإذا طلق الزوج زوجته تُلقى فى النهر ، فإذا أراد عدم قتلها نزع عنها ثيابها وطردها من منزله عارية ، إعلاناً منه بأنها أصبحت شيئاً مُباحاً لكل إنسان. وقضت المادة 143 من قانون حامورابى أنها إذا أهملت زوجها أو تسببت فى خراب بيتها تُلقَى فى الماء. ومن قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يُسلِم ابنته ليقتلها أو يمتلكها أو يبيعها إن شاء.(14/74)
وقد أعطى تشريع حمورابى للمرأة بعض الحقوق ، وإن كان هذا التشريع لم يمنع اتخاذ الخليلات إلى جانب الزوجات فى الوقت الذى يقرر قيه إفرادية الزوجة. وقد ظل هذا القانون يمنح الرجل السيادة المطلقة على المرأة ، وإن كان قد منح الزوجة حق الطلاق إذا ثبت إلحاق الضرر بها. أما إذا طلبت الطلاق ، ولم يثبت الضرر فتُطرَح فى النهر ، أو يُقضى عليها بالحرق. كما أنها إذا نشزت عن زوجها بدون إشارة منه تُغرَق ، والمرأة المسرفة تُطلَّق أو يستعبدها زوجها.
المرأة عند الفرس:
وكانت المرأة عند الفرس قبل الإسلام يُنظر إليها نظرة كلها احتقار. وقد استمرت مهضومة الحق ، مجهولة القدر ، مظلومة فى المعاملة ، حتى أنقذها الإسلام.
وقد ذكر هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أنه كان من آلهة الفرس القديمة إلهة تُسمى (عشتار) ، وهى عندهم بمثابة إلهة الحب والجمال والشهوة والأنسال ، وكانت تُسمِّى نفسها إلهة العهر أو العاهر الرحيمة. وكان القربان الذى يُقدَّم لها هو الفتيات الأبكار ، فكنَّ يذهبن إلى معبد الإلهة ، وكان كل رجل تعجبه فتاة يلقى فى حجرها قطعة من فضة ، ثم يقوم بفض بكارتها.
وقد أُبيح للرجل الفارسى (الزواج بالأمهات والأخوات والعمَّات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت تُنفى الأنثى فى فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدام الذين يقدمون لها الطعام ، وفضلاً عن هذا كله فقد كانت المرأة الفارسية تحت سيطرة الرجل المطلقة ، يحق له أن يحكم عليها بالموت ، أو يُنعم عليها بالحياة.)
فقد تزوج يزدجرد الثانى ، الذى حكم أواسط القرن الخامس الميلادى ، ابنته ثم قتلها.
وقد تزوج بهرام جوبين ، الذى تملك فى القرن السادس ، بأخته. وقد برر هؤلاء تلك
الأعمال المشينة بأنها قربى إلى الله تعالى ، وأن الآلهة أباحت لهم الزواج بغير استثناء.
المرأة عند الرومان:
أما المرأة الرومانية فقد كانت تقاسى انتشار تعدد الزوجات عند الرومان فى العرف لا فى القانون ، ولكن (فالنتْيَان الثانى) العاهل الرومانى قد أصدر أمرأ رسمياً أجازَ فيه لكل رومانى أن يتزوج أكثر من امرأة إذا شاء. الأمر الذى لم يستنكره رؤساء الدين من الأساقفة ، وقد حذا حذو (فالنتْيَان الثانى) كل من أتى بعده.
واستمر تعدد الزوجات منتشراً بين الرومانيين حتى أتى (جوستنيان) ، فسنَّ قوانين تمنع تعدد الزوجات. إلا أن الرجال من الرومانيين استمروا على عاداتهم فى التزوج بأكثر من امرأة ، واستمر الرؤساء والحكام يرضون شهواتهم بالإكثار من الزوجات.
وتساهل رجال الدين ، وسمحوا للراغبين فى التزوج بأكثر من واحدة بتحقيق رغباتهم ومطالبهم. فكان الرئيس الدينى يعطى ترخيصاً بذلك لمن يريد. واستمر تعدد الزوجات عندهم أسوة بأنبيائهم وكتابهم المقدس (العهد القديم) ، واستمر رجال الكنيسة يُجيزون تعدد الزوجات حتى منتصف القرن الثامن عشر ، ولم يمنعوا التعدد إلا بعد هذا القرن .
وكانت المرأة عندهم تُبَاع وتُشتَرى كأى سلعة من السلع ، كما أن زواجها كان يتم أيضاً عن طريق بيعها لزوجها. وكان لهذا الزوج بعد ذلك السيادة المطلقة عليها. ولم يكن يُنظَر إلى المرأة كأنها ذو روح بل كانت تُعتَبر مخلوقاً بغير روح ، ولهذا كان يُحرم عليها الضحك والكلام إلا بإذن. كما كان بعضهم يُغالى أحياناً فيضع فى فمها قفلاً من حديد ، كانوا يسمونه الموسيلير Moselier ، وكانوا يحرمون عليها أحيانا أكل اللحوم كما كانت تتعرض لأشد العقوبات البدنية باعتبارها أداة للغواية وأحبولة من حبائل الشيطان. وكان للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء ويتخذ من الخليلات ما يريد.
وكانت الزوجة تكلف بأعمال قاسية وكان من حق الزوج بيعها أو التنازل عنها للغير أو تأجيرها ، ولما اعتنق الرومان المسيحية أصبح للزوجة الأولى بعض الميراث ـ أما بقية الزوجات فكنَّ يُعتَبرن رفيقات. والأبناء منهن يُعاملن معاملة أبناء الزنا اللقطاء ، ولذلك لا يرثون ويُعتبرون منبوذين فى المجتمع.
ومن عجيب ما ذكرته بعض المصادر أن ما لاقته المرأة فى العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف "ليس للمرأة روح" تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها ، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ، ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت.
المرأة العربية فى الجاهلية قبل الإسلام:(14/75)
كانت المرأة عند بعض العرب فى الجاهلية تعدُّ جزءاً من ثروة أبيها أو زوجها. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، وكان ابن الرجل يرث أرملة أبيه بعد وفاتها. وكان العرب قبل الإسلام يرثون النساء كرهاً ، بأن يأتى الوارث ويلقى ثوبه على زوجة أبيه ، ثم يقول: ورثتها كما ورثت مال أبى ، إلا إذا سبقت ابنها أو ابن زوجها بالهرب إلى بيت أبيها ، فليس له أن يرثها. فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر ، أو زوجها لأحد عنده وتسلَّمَ مهرها ممن تزوجها ، أو حرَّمَ عليها أن تتزوج كى يرثها بعد موتها.
فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم / وهذا الإرث ، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) النساء 19
فهذه الآية نهت عن عادة الجاهلية من إرث الرجل نساء أقربائه.
وكان العرب فى الجاهلية يمنعون النساء من الزواج ، فالابن الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج ، كى تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه ، والأب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه ، والرجل الذى يُطلِّق زوجته يمنع مطلقته من الزواج حتى يأخذ منها ما يشاء ، والزوج المبغض لزوجته يسىء عشرتها ولا يطلقها حتى ترد إليه مهرها. فحرم الإسلام هذه الأمور كلها بقوله جل شأنه:
(وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ) النساء 19
وكانوا لا يعدلون بين النساء فى النفقة ولا المعاشرة ، فأوجب الإسلام العدالة بينهن:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء 19
ومنع تعدد الزوجات إذا لم يتأكد الرجل من إقامة العدل بينهن، فقال تعالى:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء 3
وكان الرجل قبل الإسلام إذا تزوج بأخرى ، رمى زوجته الأولى فى عرضها ، وأنفق ما أخذه منها على زوجته الثانية ، أو المرأة الأخرى التى يريد أن يتزوجها ، فحرم الإسلام على الرجل الظلم والبغى فى قوله عز وجل:
(وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) النساء 20
وكانت المرأة قبل الإسلام تُعَد متاعاً من الأمتعة ، يتصرف فيها الزوج كما يشاء ، فيتنازل الزوج عن زوجته لغيره إذا أراد ، بمقابل أو بغير مقابل ، سواء أقبلت أم لم تقبل. كما كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى ، وكانوا يدفنونهن عند ولادتهن أحياء، خوفاً من العار أو الفقر ، فقال الرحمن الرحيم:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ)النحل58-59
وكان أحدهم إذا أراد نجابة الولد حمل امرأته ـ بعد طهرها من الحيض ـ إلى الرجل النجيب كالشاعر والفارس ، وتركها عنده حتى يستبين حملها منه ، ثم عاد بها إلى بيته، وقد حملت بنجيب!
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (كما كانوا يُكرهون إماءهم على الزنا ، ويأخذون أُجورهم.)
وكان من المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرَّم على الإناث.
عيسى عليه السلام والناموس (الشريعة):
كان عيسى يعمل بناموس موسى عليهما السلام ، وكان اليهود يستفتونه ويختبرونه فى الناموس ، بل كان يُعلِّم أتباع موسى عليه السلام الناموس داخل معبدهم ، فقد كان هو الذى يقوم بتدريس التوراة لليهود كافة من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين إلى عامة الشعب. فمن المستحيل أن يأتى بدين جديد ، ثم يذهب إلى أماكن العبادة الخاصة بأتباع دين آخر لينشر دعوته هناك.
ألم يأمر من سأله عما يفعل ليرث الخلود فى الجنَّةU بالإلتزام بالناموس قائلاً:
(34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ أَبْكَمَ الصَّدُّوقِيِّينَ اجْتَمَعُوا مَعاً 35وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ نَامُوسِيٌّ لِيُجَرِّبَهُ: 36«يَا مُعَلِّمُ أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».) متى 22: 34-40
وها هو هنا يشتمU الكتبة والفريسيين ويتهمهم بالنفاق والرياء دفاعاً عن الناموس:(14/76)
(23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.) متى 23: 23
وكان يُعلِّم جميع الشعب اليهودىU الشريعة والناموس ، إذ لا يُعقل أن يأتى صاحب ديانة أخرى ويدرسها فى مكان العبادة الخاصة بطائفة أخرى غير طائفته:
(2ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ 4قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ 5وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ.) يوحنا 8: 2-6
ولم يجدوا ما يتهمونه به ، إذاً فقد كان حافظاً للناموس متبعاً له.
وكذلك التزمت أمه مريم البتول بالناموس:U
(22وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ 23كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ. 24وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.) لوقا 2: 22-24
وأمر من أتى ليجربه أنU يتبع ما هو مكتوب فى الناموس:
(25وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27فَأَجَابَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا».) لوقا 10: 25-28
وأمر الرجل الأبرص أن يتطهَّر على شريعةU موسى:
(12وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 13فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. 14فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «امْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ») لوقا 5: 12-14
وأكد صراحة أنه لم يأت إلا متبعاً للناموس:U
(17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.) متى 5: 17-19
يقول كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس (إنجيل متى) بقلم ر. ت. فرانس (صفحة 117): إن معنى كلمة plerosia (يكمل) الناموس أى (أنجز أو حقق أو أطاع أو أظهر المعنى الكامل للناموس. ومعنى ذلك أن عيسى عليه السلام لم يأت بتشريع جديد ، وأنه جاء مفسراً للناموس ، شارحاً له ، متبعاً تعاليمه ، مطيعاً لها.
وقال يعقوب رئيس الحواريين من بعده:U
(10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11(14/77)
كذلك لفظ معلم الذى كان ينادى به ، وطالبU أتباعه أن يُنادوه به فهو نفس اللفظ الذى اتخذه أبناء هارون بنى لاوى ، الذين كانوا مخصصين لتدريس الدين ولشرح العقيدة فى المعبد. فهو إذن كان ملتزم بالناموس والشريعة لأنه كان شارحاً لها: (8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ.) متى 23: 8-10
كذلك قميصه غير المخاط المذكور عند يوحنا لم يكن يلبسه إلا الكهنةU اللاويّون الذين كانوا يدرسون الشريعة والناموس فى المعبد:
(23ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ.) يوحنا 19: 23
وكذلك مناداة مريم له بكلمة (ربونى) ، فلم يأخذ هذا الإسم إلاU اللاويون:
(16قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ!» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي» الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا مُعَلِّمُ.) يوحنا 20: 16
بل لعن من لا يفهم الناموس:U
(49وَلَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ».) يوحنا 7: 49
ألم يسأله أحدU الناس أن يُقسِّم الميراث بينه وبين أخيه (تبعاً للشريعة الموسوية)؟
ألمU يطالبه اليهود برجم المرأة (تبعاً للشريعة الموسوية) التى ادعوا عليها الزنى؟
ألم يحتفل عيسى عليه السلام بعيد الفصح (تبعاً للشريعةU الموسوية)؟
ملاك الرب يسب امرأةويسميها (الشرّ):
(وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
من البديهى أن ملاك الرب لا يتحرك بدافع من نفسه ، بل هو رسول من عند الله ، ينفذ رغبة الله ، ويبلغ رسالته. فتُرى مَن الذى أرسل ملاك الرب ليصف المرأة بالشر نفسه؟ وهل بعد ذلك تبقى للمرأة كرامة إذا كان رب العزِّة سبها ووصفها بالشر نفسه؟ وماذا تنتظر من عباد الله المؤمنين أن يكون موقفهم حيال المرأة التى وصفها الرب وملاكه بالشر ، كما وصفها الكتاب من بعد أنه سبب الخطية ، وسبب خروج البشر من الجنة ، وسبب شقاء البشرية جمعاء ، وحليف الشيطان الأول ضد البشرية ، وسبب قتل الإله؟
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
(وآدم لم يُغْوَ لكنَّ المرأة أُغوِيَت فحصلت فى التعدى) تيموثاوس الأولى 2: 14
(بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.) رومية 5: 12
(18فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ) رومية 5: 18
(وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا) هكذا يعذِّب الرب المرأة ، فقط لأنها أنثى! يا لها من دعوة لاحترام المرأة ، ودورها فى الحياة!
الكتاب المقدس يفرض على المرأة أن تتزوج أخى زوجها إذا مات زوجها وتُكتب الأولاد باسم أخى زوجها:
(5«إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا تَصِرِ امْرَأَةُ المَيِّتِ إِلى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 6وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل. 7«وَإِنْ لمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلى البَابِ إِلى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْماً فِي إِسْرَائِيل. لمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 8فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَال: لا أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا 9تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِليْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ وَتَخْلعُ نَعْلهُ مِنْ رِجْلِهِ وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الذِي لا يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. 10فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيل «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ».) (تثنية 25: 5-10)
وبسبب كل هذه النصوص ، وهذا الفهم الخاطىء، اعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله، فلولا المرأة ماخرج آدم من الجنة ، فقرروا:
أن الزواج دنس يجبç الابتعاد عنه
وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوجç(14/78)
وأن السمو فى علاقةç الإنسان بربه لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
وأن الحمل والولادة ، والشهوة ،ç واشتياق الرجل لإمرأته ، واشتياق المرأة لزوجها من الآثام، التى جلبت على المرأة الويل والعار على مدى التاريخ كله ، وهى عقوبة الرب لحواء على خطيئتها الأزلية.
وأعلنوا أنها باب الشيطان.ç
لذلك سأهتم هنا بذكر ما يتعلق بالجنس والمرأة والزواج بين آباء الكنيسة ومفكرى الغرب المتأثرين بتعاليم الكتاب المقدس والكنيسة:
فبالنسبة للجسد:
كان الجسد شراً ، فقد كان القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) يعظ فى أمر الروح كنقيض للجسد الذى هو شر. ولقد كانت تلك الفكرة مصدر إلهام لتلميذه الكبير القديس أوغسطين ، الذى أصبح فيما بعد أسقفاً لمدينة هبو فى شمال أفريقيا. فلقد كتب امبروز يقول: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد ، ونبذت الانغماس فى الشهوات ومتع اللذات الجسدية ، وتخلصت من اهتمامها بهذه الحياة الدنيوية).
فالنسبة لأمبروز كان الجسد مجرد خرقة بالية ملطخة بالأقذار ، تُطرَح جانباً عندما يتحد الانسان بالله الروحانى بالكلية. لقد كان أوغسطين يردد هذه الفكرة باستمرار ، فكم صلى قائلاً: (آه! خذ منى هذا الجسد ، وعندئذ أبارك الرب).
وفى سير حياة القديسين المسيحيين الكبار نجد مثل هذا الارتياب فى الجسد. لقد اعتاد فرانسيس الأسيزى أن ينادى جسده قائلاً: (أخى الحمار)! كما لو كان الجسد مجرد بهيمة غبية شهوانية ، تستخدم لحمل الأثقال ، وكثيرا ما كان القديسون يتعهدون أجسادهم باعتداء يومى من أجل إماتتها بالتعذيب الذاتى بطرق تقشعر من هولها
الأبدان. (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 225)
ومن الرهبان من قضى حياته عارياً ، ومنهم من كان يمشى على يديه ورجليه كالأنعام ، ومنهم من كان يعتبر طهارة الجسم منافية لطهارة الروح. وكان أتقى الرهبان عندهم أكثرهم نجاسة وقذارة. حتى أن أحدهم يتباهى بأنه لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وآخر يقسم أن الماء لم يمس وجهه ولا يديه ولا رجليه مدى خمسين عاماً ، وكان الكثير منهم لا يسكنون إلا فى المقابر والآبار المنزوحة والمغارات والكهوف.
وقد روى بعض المؤرخين من ذلك العجائب:
فذكروا أن الراهب (مكاريوس) نام فى مستنقع آسن ستة أشهر ، ليعرض جسمه للدغ البعوض والذباب والحشرات ، وكان يحمل دائماً قنطاراً من الحديد.
وكان آخر يحمل قنطارين من الحديد ، وهو مقيم فى بئر مهجورة مدة ثلاثة أعوام قائماً على رجل واحدة ، فإذا أنهكه التعب أسند ظهره إلى صخرة. (نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية والتبشير صفحة 71-72)
لا بد أن تتخلص المرأة فى المسيحية من أنوثتها ليتم خلاصها فى الآخرة:
يقول اللواء أحمد عبد الوهاب: (على الرغم من أن الكنيسة فى الغرب قد لا تسمح لعذاراها بالقيام بأعمال الرجال ، فقد كان اللاهوتيون واضحين فى أن العذراء البتول قد أصبحت رجلاً شرفياً. لقد كتب جيروم يقول: "بما أن المرأة خُلِقَت للولادة والأطفال ، فهى تختلف عن الرجل ، كما يختلف الجسد عن الروح. ولكن عندما ترغب المرأة فى خدمة المسيح أكثر من العالم ، فعندئذ سوف تكف عن أن تكون امرأة ، وستسمى رجلاً" (تعليق جيروم على رسالة بولس إلى أهل أفسس)
وقد قرأنا أيضاً ما قاله القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) فهو يعتبر أن (الروح نقيض للجسد) وأن (الجسد شر).
ويطالب امبروز بالتخلص من الجسد لسمو الروح: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد).
الأمر الذى جعلهم يتخلصون من المرأة ، لأنها الجسد الشرير ، ومصدر متاعب الحياة وغضب الرب: لذلك "تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا فى عام 1500 لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
ولذلك: (ظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
ولذلك: (نص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.) (عودة الحجاب الجزء الثانى ص 46)
ولذلك: كان شائعاً فى بريطانيا حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
ولذلك: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م وحتى عام 1805 حدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة)
لذلك: أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "(14/79)
لذلك: قال شوبنهاور (المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه)
لذلك قال لوثر: (المرأة كمسمار يُدَّق فى الحائط)
لذلك قال أرسطو: (الذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
لذلك قال الفيلسوف نتشه: (إنها ليست أهلاً للصداقة ، فما هى إلا هرَّة ، وقد تكون عصفوراً ، وإذا هى ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر ، وهى لغز يصعب حله ، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لذلك قال لوثر: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن
فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك) (تعدد نساء الأنبياء ص 235)
لذلك قال جيروم ممتهنا المرأة وحقوقها: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى فإننا نكرم زوجاتنا ، أما إذا لم نمتنع: حسناً فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)
ومن عجب العجاب أن تسمع لليوم عن رجال فى أمريكا وفرنسا يقومون بتبادل الزوجات ، كما لو كانت المرأة عندهم من الدواب!
وبالنسبة للجنس:
تقول الكاتبة كارين أرمسترونج: (فى القرن الثالث عشر الميلادى قال الفيلسوف اللاهوتى القديس توما الاكوينى ، الذى ساد الفكر الكاثوليكى حتى عهد قريب ، أن الجنس كان دائماً شراً .. .. وعلى أى حال ، فإن هذا الموقف السلبى لم يكن محصوراً فى الكاثوليك ، فلقد كان لوثر وكالفين متأثرين إلى أقصى حد بآراء أوغسطين ، وحملا مواقفه السلبية تجاه الجنس والزواج إلى قلب حركة الإصلاح الدينى مباشرة. لقد كره لوثر الجنس بشكل خاص ، على الرغم من أنه قد تزوج ومحا البتولية فى حركته المسيحية. لقد كان يرى أن كل ما يستطيع الزواج عمله هو أن يقدم علاجاً متواضعاً لشهوة الانسان التى لا يمكن السيطرة عليها. فكم صرخ قائلاً: (كم هو شىء مرعب وأحمق تلك الخطيئة! إن الشهوة هى الشىء الوحيد الذى لا يمكن شفاؤه بأى دواء ، ولو كان حتى الزواج الذى رُسِمِ لنا خصيصاً من أجل هذه النقيصة التى تكمن فى طبيعتنا.) (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 226)
(لقد سلم أوغسطين [القرن الرابع الميلادى] إلى الغرب تراث الخوف من الخطيئة ، كقوة لا يمكن السيطرة عليها ، فهناك فى لب كل تشكيل للعقيدة ، توجد المرأة حواء ، سبب كل هذه التعاسة ، وكل هذا الثقل من الذنب والشر ، وكل الانغماس البشرى فى الخطيئة. لقد ارتبطت الخطيئة والجنس والمرأة معاً فى ثالوث غير مقدس. فبالنسبة لذكر متبتل مثل أوغسطين ، لا يمكن فصل هذه العناصر الثلاثة. وفى الغرب بقيت المرأة هى حواء إلى الأبد ، هى إغراء الرجل إلى قدره المشئوم. بل إن إنجاب الأولاد الذى تعتبره ثقافات أخرى فخر المرأة الرئيسى وينبوع القدرات التى تمتلكها ، نجده فى المسيحية قد غلفه الشر باعتباره الوسيلة التى تنتقل بها الخطيئة)
(ويقول القديس جيروم: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى ، فإننا نكرم زوجاتنا. أما إذا لم نمتنع: حسناً! فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)
وتواصل الراهبة كارين أرمسترونج: (إن المسيحية خلقت أتعس جو جنسى فى أوروبا وأمريكا بدرجة قد تصيب بالدهشة كلا من يسوع والقديس بولس. ومن الواضح كيف كان لهذا تأثيره على النساء. فبالنسبة لأوغسطين الذى كان يناضل من أجل البتولية ، كانت النساء تعنى مجرد اغراء يريد أن يوقعه فى شرك ، بعيداً عن الأمان والإماتة المقدسة لشهوته الجنسية. أما كون العصاب الجنسى للمسيحية قد أثر بعمق فى وضع النساء ، فهذا ما يُرى بوضوح من حقيقة أن النساء اللاتى التحقن بالجماعات الهرطيقية المعادية للجنس ، وصرن بتولات ، قد تمتعن بمكانة واحترام كان من المستحيل أن يحظين بهما فى ظل المسيحية التقليدية)
(لقد كانت المسيحية مشغولة طيلة مئات السنين بجعل النساء يخجلن من أمورهن الجنسية ، ولقد عرفت النساء جيداً كما قال أوغسطين ولوثر قبل عدة قرون ، أن تشريع الزواج كان مجرد دواء ضعيف المفعول لمعالجة شرور الجنس)
(لقد كان يُنظر إلى جسد المرأة باشمئزاز على نحو خاص ، كما كان مصدر إرباك لآباء الكنيسة أن يسوع ولد من امرأة. فكم ضغطوا بشدة فى موعظة تلو موعظة ، وفى رسالة تلو رسالة على أن مريم بقيت عذراء ، ليس فقط قبل ميلاد المسيح بل وبعده أيضاً ....)
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
لقد كانت الأحشاء الخفية للمرأة ، والتى تتسم بالقذارة ، مع رحمها الذى لا يشبع ، موضع استقذار وفحش بشكل خاص. وكان الآباء راغبين فى التأكيد على أن يسوع لم يكن له إلا أقل القليل من الاتصال بذلك الجسد البغيض)
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب البنديكتى برنار دى موريكس دون مواربة فى أشعاره: إنه لا توجد امرأة طيبة على وجه الأرض)(14/80)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل)
اغتيال شخصية المرأة:
فقد عانت المرأة الويلات من جراء أقوال بولس هذه وغيرها لمدة قرون من الزمان، فقد اعتبر رجال هذا الدين المنسوب للمسيح "أن المرأة دنس يجب الإبتعاد عنه، وأن جمالها سلاح إبليس.
وحرص آباء الكنيسة على التوكيد على أن المرأة مصدر الخطيئة والشر فى هذا العالم، ومن ثم يجب قهرها إلى أقصى حد واستهلاكها نفسيا تحت وطأة الشعور بالخزى والعار من طبيعتها وكيانها البشرى.
وهذا الإعتقاد تسرب إلى النصرانية من بين معتقدات وعادات كثيرة انتقلت إليها من الديانات الوثنية القديمة، التى كانت تعتبر المرأة تجسيداً للأرواح الخبيثة، والتى كانت متفقة على تحقير النساء وإذلالهن، بل وإبادتهن بأفظع الطرق والوسائل الوحشية، ومن بينها إلزام المرأة التى يموت زوجها أن تحرق نفسها بعد موته وإحراق جثته مباشرة "
يقول كارل هاينتس ديشنر فى كتابه (الصليب ذو الكنيسة ـ قصة الحياة الجنسية للمسيحية) فى الفصل التاسع عشر ص 230:
(قال سيمون دى بوفوارSimone de Beauvoir : لقد أسهمت العقيدة النصرانية فى اضطهاد المرأة ولم تقم بدور بسيط فى هذا)
كما قال ماركوس Marcuse : (إن فكرة أن تكون المرأة حاملة للخطيئة الأزلية ، والتى تتعلق بها عقائد الديانة النصرانية تعلقاً لا تكاد تنفك منه أبداً ، هى التى أثرت أسوأ تأثيراً على الناحية الإجتماعية والقانونية للمرأة)
وقال دينس ديديروت Denis Diderot: (إن فى كل عادات وتقاليد الحياة اتحد بطش القانون الشعبى مع بطش الطبيعة ضد المرأة ، فقد عوملت المرأة فى ظل هذه القوانين ككائن فقد عقله)
لقد صنع تاريخ المرأة رجال كانوا يتخذون المرأة عدوا لهم منذ العصور الأولى للبابوية. وكان الرجل يعتبرها فى العصور المنصرمة للإمبراطورية الرومانية كأحد مواشيه ، وله أن يتصرف فيها بالبيع أو القتل إن شاء. ولو قتل ابنة رجل آخر أسلم لهم ابنته فيقتلونها أو يبيعونها أو يتملكونها فلهم الحرية فى ذلك.
وقد ساد الرجل المرأة فى عصر الجيرمان ، وسُمِحَ له أن يؤدب زوجته بالضرب كما سُمِحَ له بقتل زوجته إذا خانته دون وقوع أدنى عقوبة عليه.
كما كانت مخلوق ثانوى وشريكة للشيطان فى الخطيئة الأزلية، وهذا يجعلها تأتى دائما فى المرتبة الثانية بعد الرجل حتى على المستوى الكنسى.
فأهل الكتاب يرون أن المرأة هى ينبوع المعاصى ، وأصل السيئة والفجور ، ويرى أن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم من حيث هى مصدر تحركه وحمله على الآثام ، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء.
لذلك اغتنموا كل فرصة تتعلق بالمرأة لبث روح الاحباط فيها ، ولو كانت تتعلق بزى ترتديه. فقد متب ترتليان فى القرن الثالث رسالة تعالج زى المرأة ، قال فيها: (لقد كان حريا بها [بالمرأة] أن تخرج فى زى حقير ، وتسير مثل حواء ، ترثى لحالها ، نادمة على ما كان ، حتى يكون زيها الذى يتسم بالحزن ، مكفراً عما ورثته من حواء: العار ، وأقصد بذلك الخطيئة الأولى ، ثم الخزى من الهلاك الأبدى للانسانية. فلقد قال الرب للمرأة: («تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».) تكوين 3: 16 ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هى حواء؟)
لذلك قال القديس برنارد الذى فعل كل ما استطاع لنشر عبادة العذراء فى الكنيسة عن أخته بعد زيارتها إياه فى الدير الذى يقيم فيه مرتدية زياً جديداً: (مومس قذرة ، وكتلة من الروث)
مجمع باكون
وفى القرن الخامس الميلادى اجتمع مجمع باكون وكانوا يتباحثون: (هل المرأة جثمان بحت أم هى جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟) وقرر أن المرأة خالية من الروح الناجية ، التى تنجيها من جهنم ، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم عليها السلام:
كما قرر مجمع آخر، أن المرأة حيوان نجس ، يجب الأبتعاد عنه ، وأنه لاروح لها ولا خلود ، ولاتُلقن مبادئ الدين لأنها لاتقبل عبادتها ، ولاتدخل الجنة ، والملكوت ، ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة، وأن يكمم فمها كالبعير، أو كالكلب العقور، لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان ".
رائحة مركز البابا تزكم الأنوف:(14/81)
يقول الدكتور لويس عوض فى كتابه "ثورة الفكر": (كانت الفضائح فى روما ، مركز البابوية ، تزكم الأنوف. فالأصل فى العقيدة الكاثوليكية أن رجال الدين لا يتزوجون ، وأن الرهبان ومنهم الكرادلة والباباوات ، ينذرون لله ثلاثة نذور يوم يدخلون باب الدير: نذر العفة ، ونذر الفقر ، ونذر الطاعة. وها نحن نرى البابا اسكندر السادس (1431 - 1503) جهاراً نهاراً، له ثلاثة أولاد غير شرعيين هم: سيزار بورجيا دوق أوربينو (1475 - 1507)، ولوكريس بورجيا (1480 - 1519)، ودون كانديا.
وكانت خلافة البابا اينوتشنتو الثامن (الذى اعتلى الكرسى البابوى من 1484 إلى 1492) فاقعة الفساد ، كولاية خلفه زير النساء البابا اسكندر السادس. فقد اشتهر اينوتشنتو الثامن بأنه كان رجل المحسوبية وخراب الذمة ، كما أنه كان أول بابا يعترف علناً بأبنائه غير الشرعيين ، وكان دأبه توسيع أملاك أسرته.)
ناهيك عن بيع صكوك الغفران ، وإرهاب مخالفيهم بقرارات الحرمان ، وكذلك كان رجال الدين من رأس الكنيسة إلى أصغر كاهن يكنزون المال ويقتنون الضياع. فلقد كانت ممارسات رجال الإكليروس للتسرى مشاهدة فى كل مكان ، باعتباره شرعاً مقبولاً ، كما كان يُتغاضى عن الشذوذ الجنسى ، دون أدنى مبالاة.)
لماذا خلق الله المرأة؟
يقول أوغسطين: (إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة ، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان معاً كصديقين ، بدلاً من رجل وامرأة)
وقد كان توما الأكوينى متحيراً تماماً مثل سلفه أوغسطين فى سبب خلق الله للمرأة، فكتب يقول: فبما يختص بطبيعة الفرد ، فإن المرأة مخلوق معيب وجدير بالإزدراء ، ذلك أن القوة الفعَّالة فى منى الذكر تنزع إلى انتاج مماثلة كاملة فى الجنس الذكرى ، بينما تتولد المرأة عن معيب تلك القوة الفعَّالة ، أو حدوث توعك جسدى ، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجى.)
(إن القول بأن طبيعة الفرد فى النساء معيبة ، إنما هى فكرة التقطها من آراء أرسطو فى علم الأحياء. فالذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
وهانت عليهم المرأة فكتب لوثر يقول: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك)
هل المرأة إنسان ولها روح مثل الرجل؟
(وفى فرنسا عقد الفرنسيون فى عام 586 م ـ أى فى زمن شباب النبى محمد صلى الله عليه وسلم ـ مؤتمراً (مجمع باسون) لبحث: هل تُعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح فهل هى روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانياً ، فهل هى على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً: قرروا أنها إنسان ، ولكنها خُلِقَت لخدمة الرجل فحسب.)
المرأة فاقدة الأهلية:
(ونص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.)
وبالتالى لم يكن لها الحق فى امتلاك العقارات أو المنقولات ، ولم يكن لها الحق فى أن تفتح حساباً فى البنك باسمها ، وبعد أن سمحوا أن يكون لها حساب ، لم يكن لها الحق أن تسحب منه ، فعلى زوجها أن يأتى ليسحب لها نقودا من حسابها ، الأمر الذى لا يتم إلا مع الأولاد القُصَّر والمجانين.
بيع الزوجة أو إعارتها عملاً مشروعاً:
وفى بريطانيا كان شائعاً حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
هل تعرفون أن الفلاح يأبى أن يُعير بقرته للفلاح زميله؟ فما بالكم بمن يُعير زوجته لآخر؟ فهل هانت المرأة عندهم لدرجة أنهم أنزلوها منزلة أقل من الحيوان؟ وهل كان يقصد القانون أن يُحوِّل الرجل إلى ديُّوث والمرأة إلى عاهرة؟ وهل هذا قانون احترم المرأة؟ هل هذا قانون ميَّزَ المرأة على الحيوان أو الجماد؟ فأى حياة هذه التى يطالب بها القانون مجتمعه؟ وأية محبة وجدتها الكنيسة فى هذا القانون؟
صب الزيت المغلى على النساء عملاً مشروعاً للتسلية:
"وفى عام 1500 تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
لا تعليق غير سؤال أطرحه للتفكير: تُرى كيف كان وضع هذه المرأة التى يتسلى الرجال بسكب الزيت المغلى على أجسادهن؟
يُحرَّم على المرأة قراءة الكتاب المقدس:
(وأصدر البرلمان الإنجليزى قراراً فى عصر هنرى الثامن ملك إنجلترا يُحظِّر على المرأة أن تقرأ كتاب "العهد الجديد" أى الإنجيل ، لأنها تعتبر نجسة.)(14/82)
فإذا كانت المرأة نجسة نصف عمرها بسبب فترات الحيض ، وبعد الطمث لمدة سبعة أيام أخرى ، وحرَّموا عليها مسك الكتاب المقدس والقراءة فيه ، فما بال الرب (يسوع) كان يدخل الخلاء ، ويتبول ويتبرز ، كما كان من قبل يتبول ويتبرز فى ملابسه ، أيام طفولته المبكرة؟ فهل كانت المرأة أكثر نجاسة من البول والبراز؟
ليس للمرأة حق المواطنة:
(وظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن الماضى تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
وفى عام 1567 م صدر قرار من البرلمان الاسكوتلاندى بأن المرأة لا يجوز أن تُمنَح أى سلطة على أى شىء من الأشياء.
ثمن الزوجة نصف شلن:
بل إن القانون الإنجليزى حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات (نصف شلن). وقد حدث أن باع إنجليزى زوجته عام 1931 م بخمسمائة جنيه ، وقال محاميه فى الدفاع عنه: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة) ، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد أُلغِىَ عام 1805 م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن ، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة سنوات.)
(وجاء فى مجلة "حضارة الإسلام" السنة الثانية صفحة 1078: حدث العام الماضى أن باع إيطالى زوجته لآخر على أقساط ، فلما امتنع المشترى عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع.)
طائفة من أقوال آباء الكنيسة وأدبائهم:
أفضِّلE الإجتماع بالشيطان على الإجتماع بالمرأة
المرأة باب جهنم ، وطريق الفسادE وإبرة العقرب ، وحليفة الشيطان
وأعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فىE براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
ومن أقوالE فلاسفة أوربا ومشاهيرها فى عصر ما بعد النهضة
(إذا رأيتم امرأة ، فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشرياً ، بل ولاكائناً وحشياً وإنما الذى ترونه هو الشيطان بذاته، والذى تسمعونه هو صفير الثعبان) (من
وصايات سان بول فانتير - لتلاميذه)
(المرأة خلقت لكى تخضع للرجل ، بل لكى تتحمل ظلمه) (أعترافاتE جان جاك روسو)
(المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه)E (شوبنهاور)
(لايوجد رجل فكر فى المرأة ثم احترمها ، فهو إما أن يحتقرهاE وإما أنه لم يفكر فيها بصورة جدية) (أوتو فيننجر)
(الرجل يمكن أن يتصورE نفسه بدون المرأة - أما المرأة فإنها لاتتصور نفسها بدون رجل) جوليان بندا
E (المرأة آلة للإبتسام . تمثال حى للغباء) (الأديب الفرنسى - لامنيه)
E (المرأة كائن نسبى) (المؤرخ ميشليه)
(وكانوا يُعدُّون اختطاف الأطفالE لتربيتهم على الرهبنة من القربات. وكانوا يفرون من النساء ولو كانوا أقاربهم لاعتقادهم أن مجرد النظر إلى المرأة مُحبِط للأعمال.)- نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية وفى التبشير إبراهيم سليمان الجبهان ص 72-75]
(يجبE على المرأة أن تغطى شعرها لأنها ليست صورة الله) أمبروزيوس القرن الرابع الميلادى (ديشنر صفحة 379)
مشوهة لصورة الرجل
وقد قال تروتوليان – أحد أقطاب المسيحية الأولى وأئمتها يبين للبشرية نظرة المسيحية فى المرأة: (إنها مدخل الشيطان الى نفس الإنسان، وإنها دافعة الى الشجرة الممنوعة ناقضة لقانون الله ومشوهة لصورة الله – أي الرجل -) مستندا إلى قول الكتاب المقدس (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول الكتاب المقدس على لسان موسى أنه بسبب خيانتهن للرب حلَّ الوباء على الجماعة: (وَقَال لهُمْ مُوسَى: «هَل أَبْقَيْتُمْ كُل أُنْثَى حَيَّةً؟ إِنَّ هَؤُلاءِ كُنَّ لِبَنِي إِسْرَائِيل حَسَبَ كَلامِ بَلعَامَ سَبَبَ خِيَانَةٍ لِلرَّبِّ فِي أَمْرِ فَغُورَ فَكَانَ الوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.) سفر العدد 31 :15-18
وقال سوستام الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة: (هي شر لا بد منه ، ووسوسة جبلية، وآفة مرغوب فيها وخطر على الأسرة والبيت ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة) مستندا إلى قول الرب الذى أرسل ملاكه ليقول عنها إنها الشر بعينه: (7وَإِذَا بِوَزْنَةِ رَصَاصٍ رُفِعَتْ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 7-8(14/83)
انظروا لقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه المكنون ، الذى لا يأتيه الباطل ، يعلن للعالم أجمع حرية المرأة وإنسانيتها ويرد لها كرامتها ، وأنها للرجل سكناً ومودةً ورحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم:21
فإذا كان الكتاب المقدس بجزئيه جعل المرأة سبباً فى خطيئة آدم، وسبب فى خروجها من الجنة للعمل والشقاء، حتى إنجابها للأولاد جعله تكفيراً عن هذه الخطيئة، فماذا تنتظر من أتباع هذا الدين أن يُحسنوا به إليها؟
حفظ الإسلام حقوق المرأة:
رأى الإسلام فى الأنثى وولادتها:
لم يكرم دين أو كتاب سماوى أو قانون وضعى المرأة كما كرمها الإسلام. فمن وقت أن أعلن الرب لملائكته أنه سيخلق فى الأرض بشراً ، جعلها خليفة لله ممثلة له على الأرض وشريكة للرجل فى استخلافها. لذلك رفع عنها الأغلال التى وضعتها الكتب الأخرى فى عنقها ، وكرمها إذ سفهها الناس وأصحاب الأديان الأخرى ، ورفعها إذ وضعها الناس والفلاسفة النصارى واليهود ، فكرمها بنتاً وأماً وزوجة وأختاً. ولك أن تتخيل أن الله جعل هدف كل العبَّاد والنسَّاك والزهَّاد تحت أقدام امرأة: فقد ربط الجنة بأسفل أقدام الأم ، امرأة.
وزاد فى تكريمها فجعل الدنيا مؤنثة ، والرجال يخدمونها ، والذكور يعبِّدونها ، ويعملون من أجلها ، والأرض مؤنثة ، ومنها خلق آدم ، وخلقت البرية ، وفيها كثرت الذرية ، وأُمِروا بتعميرها ، والحفاظ عليها ، والقتال من أجل خلود شريعة الله عليها، كما أُمِرُوا بالسجود لله عليها ، والسماء مؤنثة ، وقد زينت بالكواكب، وحُلِّيَت بالنجوم، التى تهدى الرجال فى طريقهم إلى بر الأمان، والنفس مؤنثة، وهى قوام الأبدان ، وملاك الحيوان ، والحياة مؤنثة ، ولولاها لم تتصرف الأجسام ، ولا عرف الأنام ، والجنة مؤنثة ، وبها وعد المتقون ، وفيها ينعم المرسلون والشهداء والصالحون.
انظروا إلى تكريم الله للأب الذى أنجب بنتاً:
وعن عبد الله يعني ابن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها وأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعم الله التي أوسع عليه كانت له منعة وسترا من النار) رواه الطبراني
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن وجبت له الجنة قلنا وبنتين قال وبنتين قلنا وواحدة قال وواحدة) رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد ج: 8 ص: 158)
ولم تشمل هذه الرعاية والعناية بنات الرجل فقط ، بل أكثر من ذلك فقد قرر الله أن الجنة مضير من أدب جاريته وأحسن إليها: (عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران) صحيح البخاري ج: 2 ص: 899
فهذا شرف لم يعطيه الله للأب الذى أنجب ولداً!! لقد أدخله الله مسابقة الفوز بالجنة! فقط لأنه أب لإبنة! فليفرح وليتفاخر الأب ذو البنات على الأب ذو البنين!
تقول زيجريد هونكه: (إن الحلى التى يقدمها الأوروبى لحبيبته أو لزوجة صديقه أو رئيسه ، سواء أكانت ماساً أصلياً أو زجاجاً مصقولاً ، هى عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ، ولا يعرفون لها مصدراً.)
فى الحقيقة لا يعرف الإسلام التفرقة بين الرجل والمرأة على أساس أفضلية أحدهم على الآخر، ولكن تبعاً لطبيعة كل منهما أو الواجبات المُناطة بهما. فقد ساوى الإسلام بينهما فى الإنسانية ، وفى الواجبات ، وفى الحقوق ، بل أولى المرأة اهتماماً ورعاية لم يشملها الكتاب المقدس ولا تاريخ الشعوب اليهودية أو النصرانية أو حتى الوثنية. ولا أى قانون وضعى أنصف المرأة ورفعها ، بل جعلها تاجاً على رؤوس الرجال والمجتمع ، كما فعل الإسلام.
فقد جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً .. وبذلك حرر الإسلام المرأة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى: فقد حررها فى كل الجوانب النفسية والجسدية والعقلية والأمنية والعلمية.
فجاء الإسلام ليقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف)
وجاء ليقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وجاء ليقول: (فَلا تَعْضُلوهُنَّ)
وجاء ليقول: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)
وجاء ليقول: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
وجاء ليقول: (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)
وجاء ليقول: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)(14/84)
وجاء ليقول: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)
وجاء ليقول: (وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)
وجاء ليقول: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)
وجاء ليقول: (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)
وجاء ليقول: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً)
وجاء ليقول: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن)
وجاء ليقول: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : "عائشة" .. وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول: " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة" .
وهو القائل : (استوصوابالنساء خيراً)
وهو القائل : (لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر)
وهو القائل : (إنما النساء شقائق الرجال)
وهو القائل : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)
وهو القائل : (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وهو القائل : (أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك)
وهو القائل : (من سعادة بن آدم المرأة الصالحة)
ومن هديه: (عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)
وهو القائل: (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)
ومن مشكاته : (أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك)
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على إن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تقابل ربها
1- حفظ الإسلام حق المرأة قبل أن تولد ،فجعلها الله خليفة فى الأرض ، وأشركها فى التكليف مع آدم، فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30
- حفظ الإسلام إنسانيتها وساواها بالرجل: فقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)
3- حفظها الإسلام بأن جعلها آية من آياته، التى تتطلب شكر الله عليها ، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21
4- حفظها الإسلام بأن جعلها هبة الله للبشرية ، فقال تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ) الشورى 49
5- حفظ الإسلام كيانها فى المجتمع بأن اعتبرها مسئولة عن قيام الفضيلة والقضاء على الرذيلة فى الأرض ، عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، مثلها مثل الرجل. وبذلك حمَّلها مسئولية الدين والدعوة إليه ، وجعله أمانة فى عنقها وعنق الرجل:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71
6- حفظ الإسلام الأنثى وجعل الإعتداء عليها من السفه بل اعتبره من الآثام وجعل البيت المسلم يبتهج لمقدمها:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ%كَظِيمٌ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل 58-59
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) الأنعام 140
- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل قتلها قتل للبشر جميعاً ، وهى تتساوى فى هذا مع الرجل ، فقد قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32
8- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن)(14/85)
9- حفظ الإسلام حق المرأة بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك)
10- حفظ الإسلام حق المرأة راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)
11- حفظ الإسلام حق المرأة مولودة من حيث النفقة والكسوة (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف)
12- حفظ الإسلام حق المرأة في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الزوج النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
13- حفظ الإسلام حق المرأة في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)
14- حفظها الإسلام نفسياً ومعنوياً وإجتماعياً بأن ساوى بينها وبين الرجل فى أغلب التكاليف:
(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ا للّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) النساء 36
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي% مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا%فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت 7-9%الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى %عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)النحل 90-91(14/86)
(لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ%آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ%تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا %الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ%كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ%وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا وَإِمَّا%إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ%قَوْلاً مَّيْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ%تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ%بَصِيرًا وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى%وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي%إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا %لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى %يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ%خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً وَلاَ%السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ % كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا%الْجِبَالَ طُولاً ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ) الإسراء%اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا 22-40
15- حفظ لإسلام المرأة بأن دافع عنها الله بنفسه وتوعد الذين يؤذونهن ، وهى تشترك فى ذلك مع الرجل:
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) الأحزاب 58
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) البروج 10
16- حفظ الإسلام المرأة بأن أمر رسوله أن يستغفر الله لها:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) محمَّد 19
17- حفظ الإسلام أيضاً المشركات بأن منع قتلهن فى الحروب:
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (وُجِدَت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلي الله عليه وسلم فنهى عن قتل النساء والصبيان) [الشيخان وغيرهما]
18- حفظ الإسلام المرأة وحرَّمَ وأدها صغيرة، وفرض حسن تربيتها وتعليمها:
قال الله تعالى: (وإذا الموءودة سُئلت بأى ذنب قتلت)
وقال صلي الله عليه وسلم: (من كانت له أنثى ، فلم يئدها ، ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها ، أدخله الله الجنة)
19- حفظ الإسلام المرأة بأن اعتبرها من المكونات الأساسية لخيرات الدنيا والآخرة:
قال صلي الله عليه وسلم: (أربع من أعطيهنَّ فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: (قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وبدناً على البلاء صابراً ، وزوجة لا تبغيه خوفاً فى نفسها ولا ماله)
20- حفظ الإسلام المرأة بأن جعلها خير ما فى الدنيا كلها:
قال صلي الله عليه وسلم: (الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة).
21- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل الجنة غاية حياة كل مؤمن تحت أقدامها ، فأى شرف هذا الذى نالته المرأة فى الإسلام؟ وقال صلي الله عليه وسلم: (الجنة تحت أقدام الأمهات)
فقد روى أن رجلاً جاء إلى النبى صلي الله عليه وسلم فسأله النبى: (هل لك من أم)؟ قال: نعم. فقال صلي الله عليه وسلم: (الزمها ، فإن الجنة تحت رجلها).(14/87)
22- حفظ الإسلام المرأة بأن نزع عنها لعنة الخطيئة الأبدية التى وصمتها بها الأديان السابقة ، واعتبرها وزوجها قد أذنبا ثم منحهما التوبة والغفران ، فقال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) البقرة 36 ، وقال: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) الأعراف 20
وعندما أدان شخصاً بمفرده ، أدان آدم فقط ، فقال تعالىفَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) طه 120
23- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل لها نصيباً فى الميراث ، بعد أن كات جزءاً منه فقال تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَا نَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء 11-12
24- حفظ الإسلام المرأة بأن وهبها جميع حقوقها المدنية: فلها الحق فى عقد العقود من بيع وشراء وإجازة وشركة وقرض ورهن وهبة.
25- حفظ الإسلام المرأة بأن أزال عنها القصر الدائم ، فأقر أهليتها الكاملة ، مانحاً إياها حق الولاية على مالها وشئونها.
26- حفظ الإسلام المرأة بأن ذكرها الله تعالى فقط عندما تكلم عن العمل الصالح فقال تعالى بالعموم: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) ، أما فى الخير فقد جاء بالذكر والأنثى(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
27- حفظ الإسلام حق المرأة في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تنكح الأيم حتى تستأمر)
28- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا تنكح البكر حتى تستأذن)
29- حفظ الإسلام حق المرأة في صداقها ، وأوجب لها المهر (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)
0- حفظ الإسلام حق المرأة مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (أقبل الحديقة وطلقها)
31- حفظ الإسلام حق المرأة مطلقة: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)
32- حفظ الإسلام حق المرأة أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها: قال الله تعالي (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)
33- حفظ الإسلام حق المرأة في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)(14/88)
34- حفظ الإسلام حق المرأة يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في القسمة نصيباً (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في النفقة نصيباً (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى)
35- حفظ الإسلام حق المرأة في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
36- حفظ الإسلام حق المرأة في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
37- حفظ الإسلام حق المرأة في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
38- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها ، بل جعل دخول الجنة متوقفاً على رضاها.
39- حفظ الإسلام حق المرأة مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
40- حفظ الإسلام حق المرأة حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
41- حفظ الإسلام حق المرأة في السكنى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
42- حفظ الإسلام حق المرأة في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
43- حفظ الإسلام حق المرأة في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
44- حفظ الإسلام حق المرأة في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حيا)
45- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر)
46- حفظ الإسلام حق المرأة فى الحساب أمام رب العالمين ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة: وبذلك ساوى بينهما فى الثواب والعقاب فى الآخرة:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل 97
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء 124
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران 195
(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 72
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) الفتح 5
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)الحديد 12(14/89)
فلم ينتقص الإسلام حق المرأة، أو يُهنْهَا، بل على النقيض من ذلك ، فقد رفع شأنها، وحسبنا أن نعرف أن الله خَلَّدَهُا فى كتابه الكريم، وجعل لها ثلاث سور من القرآن الكريم، وهما سورة النساء وسورة مريم، وسورة الطلاق، وليس هناك سورة باسم الرجال.
بل من جميل صنع الله بالمرأة أن جعل الرجل يتعامل مع الأجناس الدنيا من الوجود ، فإنه إما زارع يتعامل مع التربة والمواشى والحيوانات ، وإما صانع يتعامل مع المادة الصماء .. ولكن المرأة تتعامل مع أشرف شىء فى الوجود وهو الإنسان ، والمرأة التى لا تريد الإقتناع بهذه المهمة تكون امرأة فاشلة.
بل خلَّدَ القرآن امرأة فى سورة المجادلة ، واحترم الإسلام رأيها، وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول، وجمعها وإياه فى خطاب واحد (والله يسمع تحاوركما) المجادلة: 1. وقرر رأيها ، وجعله تشريعاً عامًّا خالداً.. فكانت سورة المجادلة أثراً من آثار الفكر النسائى ، وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام الإسلام لرأى المرأة ، ف الإسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة ، ينعم الرجل بشم رائحتها ، وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ، له رأى ، وللرأى قيمته ووزنه.
وكان النبى صلي الله عليه وسلم يقول عن نفسه: (أنا ابن العواتك من قريش). والعواتك هنَّ نساء من قريش ، كانت كل منهن تُسمَّى عاتكة.
وقال صلي الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) ، أى جزء أو شق منهم.
وقال صلي الله عليه وسلم: (من سعى على ثلاث بنات فهو فى الجنة ، وكان له أجر المجاهدين صائماً قائماً.)
وقال صلي الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائى).
وحتى لا يشقُّ الرجال على نسائهم ، فقد قال صلي الله عليه وسلم عنهن: (أنهن خُلِقنَ من ضلع أعوج ، إذا حاولت أن تقيمه كسرته ، فسايسوهن تستمتعوا بهن).
وعن أسماء بنت أبى بكر قالت: (قدمت على أمى وهى مشركة في عهد قريش ، إذ عاهدوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومدتهم مع أبيها، فاستفتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت له: (يا رسول الله ، إن أمي قدمت علىّ وهي راغبة؟ أفأصلها؟ قال: (نعم، صليها).
جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وقال صلي الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلى الجنة من أىِّ الأبواب شئت.)
ويكفى النساء المسلمات شرفاً على الرجال أن أول من آمن بالرسول صلي الله عليه وسلم هى زوجته السيدة خديجة، وأول شهيدة فى الإسلام هى سُميَّة أم عمَّار بن ياسر، وأول من أؤتُمِنَ على حفظ كتاب الله بعد جمعه هى أم المؤمنين حفصة بنت عمر.
وقال صلي الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً ، وخياركم لنسائهم خلقاً)
وقال صلي الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلى ، ما أكرم النساء إلا كريم ، وما أهانهنَّ إلا لئيم)
قارن هذا التكريم للمرأة بقول الكتاب المقدس وآراء آباء وفلاسفة المسيحية:
الرب يرسل ملاكه ليسب المرأة ويُكمِّم فمها بثقل من الرصاص: (وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
(25وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: 26«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً.) لوقا 14: 25-26
(14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول توماس الإكوينى: (المرأة أرذل من العبد بدليل أن عبودية العبد ليست فطرية بينما المرأة مأمورة فطرياً من قبل الأب والابن والزوج)
أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
وقال الفيلسوف نتشه: (إن المرأة إذا ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر، وهى لغز يصعب حله، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل).(14/90)
وهى منبوذة مثل الشيطان ، لأنها المتسببة فى غواية آدم وسبب إخراجه وذريته من الجنة ، وقد كانت أشد من الشيطان على البشرية ، فلم يقدر الشيطان على آدم ، ولكن تمكنت حواء حليفة الشيطان من غواية آدم: (11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 11-13
وما هى هذه الشجرة التى أكل منها آدم وحواء؟ إنها شجرة معرفة الخير من الشر: (16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ».) تكوين 2: 16-17
وهل صدق الرب؟ لا. بل كان الشيطان أصدق منه: (1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».) تكوين 3: 1-5
وهذا ما اعترف به الرب فيما بعد ، مما اضطره لفرض حراسة على شرقى جنة عدن لحراسة طريق شجرة الحياة ، فقال: (22وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالْآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.) تكوين 3: 22-24
وفى الحقيقة يتساءل المرء ذو العقل الطبيعى هنا: ما حكمة الرب فى الإبقاء على آدم وحواء فى سواد الجهل ، لا يعلمان الخير من الشر؟ ولو لم يكون آدم قد عرف قبل الأكل من الشجرة الخير من الشر فكيف يحاسبه على خطئه وأكله من الشجرة؟ وهل بعد أن أصبح عارفا للخير من الشر ينتقم منه الرب ويطيح به خارج الجنة؟ وهل كان ينتظر هذا الإله تعمير الأرض بأناس لا تعرف الخير من الشر؟ وما هى المبادىء التى كان يتوقع الرب أن يعلمها آدم زريته لو لم يعلم الخير من الشر؟
ويقول فولتير تعليقاً على الفقرة التوراتية السابقة: (إننا نعتقد أنه كان ينبغى على السيد الرب أن يأمر الإنسان ، مخلوقه ، بأن يأكل من شجرة معفة الخير من الشر ، قدر ما يستطيع ؛ لأنه بما أن الله منحه رأساً تفكر ، فقد كان من الضرورى تعليمه ، وكان أكثر ضرورة إرغامه على إدراك الخير والشر ، كى يستطيع القيام بالتزاماته على أكمل وجه. لذلك كان ذاك التحريم غبياً وقاسياً! لقد كان أسوأ بألف مرة من منح الإنسان معدة لا تهضم الطعام) نقلا عن (محمد صلى الله عليه وسلم فى الترجوم والتلمود والتوراة ص 169 ، المأخوذة بدورها من (ليوتاكسل) التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ص 21)
ووقف الرب إلى جانب الرجل ، ولم يحقق فى الأمر ، فصدق كلام آدم ، وكان عنده من الأبرياء: (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي) تيموثاوس الأولى 2: 14
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
وإذا كان آدم لم يغو ، فيكون حكم الرب على آدم بالطرد من الجنة ظلماً ، ولم يكن هذا إلا بسبب حواء، ويكون انتقامه من المرأة بطردها من الجنة وموقفه هذا منها تشجيعاً للمؤمنين ، المحبين لله ، على اضطهادها ، وضربها ، وحرقها ، وقتلها.(14/91)
كما أنها نجسة فى أيام حيضها ، وفى أيام طمسها، أو إذا جاءها نزيف مهما كان سببه، لا يقربها إنسان أو حيوان وإلا لكان نجساً هو الآخر إلى المساء وعليه أن يستحم ليطهر: (19«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِساً وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً. 21وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ.) لا ويين 15: 19-23
فقد كانوا يعتبرون المرأة لعنة ، لأنها أغوت آدم ، وعندما يصيبها الحيض لا يُجالسونها ولا يؤاكلونها ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس. وكان بعضهم ينصب للحائض خيمة ، ويضع أمامها خبزاً وماءً ، ويجعلها فى هذه الخيمة حتى تطهر. أى كانت كالمنبوذة ، أو كالمصابة بالجرب أو الجزام. وهى فى هذا الوضع لا تصلح أن تعيش فى المجتمع، ولا يجوز لها أن تعمل، لأنها بهذا التفكير إما ستتقاعد عن العمل وقت حيضها، وبذلك تعلن على العالم أجمع أنها حائض ، وإما ستخالط المجتمع وتسبب نجاسة كل من تتعامل معه سواء فى مجال العمل أو المواصلات.
(وكانت بعض الطوائف اليهودية تعتبر البنت فى مرتبة الأَمَة، وكان لأبيها الحق فى أن يبيعها قاصرة، وما كانت ترث مع وجود أخ لها، أو ما كان يتبرع لها به أبوها فى حياته، فقد كان الميراث للذكر فقط، وحين تُحرَم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر ، يُثبَت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج ، وإذا كان الأب قد ترك عقاراً فيعطيها من العقار ، أما إذا ترك مالاً منقولاً فلا شىء لها من النفقة والمهر ، ولو ترك القناطير المقنطرة.)
وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها ، لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر ، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها. أى تكون راعية له فقط (هذا إن جاز لنا استخدام هذا اللفظ) ، وليست مالكة له.
وإذا اتُهِمَت بالزنا تتحقق براءتها بطريقة غريبة فيها من المهانة والذل ما لم تبحه شريعة ما ، فعليها أن تشرب ماءً ممزوجاً بالتراب ، وتثبت عليها التهمة إذا تورمت بطنها وتسقط فخذها: (17وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّساً فِي إِنَاءِ خَزَفٍ وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنَ الغُبَارِ الذِي فِي أَرْضِ المَسْكَنِ وَيَجْعَلُ فِي المَاءِ 18وَيُوقِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَكْشِفُ رَأْسَ المَرْأَةِ وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التِّذْكَارِ التِي هِيَ تَقْدِمَةُ الغَيْرَةِ وَفِي يَدِ الكَاهِنِ يَكُونُ مَاءُ اللعْنَةِ المُرُّ. .. .. .. 24وَيَسْقِي المَرْأَةَ مَاءَ اللعْنَةِ المُرَّ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ. 25وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ يَدِ المَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الغَيْرَةِ وَيُرَدِّدُ التَّقْدِمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقَدِّمُهَا إِلى المَذْبَحِ. 26وَيَقْبِضُ الكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تِذْكَارَهَا وَيُوقِدُهُ عَلى المَذْبَحِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي المَرْأَةَ المَاءَ. 27وَمَتَى سَقَاهَا المَاءَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ رَجُلهَا يَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ فَيَرِمُ بَطْنُهَا وَتَسْقُطُ فَخْذُهَا فَتَصِيرُ المَرْأَةُ لعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا.) عدد 5: 17-27
ففى كلا الحالتين ستتورم بطنها ، إن لم يصبها مرض يقضى عليها. وبذلك تكون فى كلا الحالتين زانية وتثبت عليها تهمة الزنا!! وفى كلا الحالتين لن يسقط فخذها ، فلن تجنى إذن من جرَّاء هذا العمل إلا المرض أو الموت وإثبات تهمة الزنا عليها ظلما وزورا. وقد يكون هذا التحليل هو الذى أوصل بعض علمائهم لاعتبار المرأة عاهرة بغض النظر عن أخلاقها أو دينها أو حسبها أو نسبها: لقد كتب جيروم يقول:
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)(14/92)
وقانون اختبار عفة المرأة هذا قريب مما جاء فى قانون (حامورابى) مادة 129 ، إذ كانت المرأة تُختَبَر فى سلوكها بأن تُلقَى فى النهر ، فإن عامت على وجه الماء تكون بريئة ، وإن غطست تكون آثمة!!
قارن هذا بالملاعنة المذكورة فى القرآن فى سورة النور: إذ تحلف المرأة وكذلك الرجل خمس مرات على صدقهما من تهمة الخيانة الزوجية. وإن أصرت المرأة على براءتها لم يمسسها سوء ، يتم فقط التفريق بينهما.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فنجاسة المرأة التى ضربت عليها جعلت البرلمان الإنجليزى يصدر قراراً فى عصر الملك هنرى الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ العهد الجديد. قارن هذا بإئتمان المسلمين السيدة حفصة على كتاب الله القرآن الكريم!!!
بل إنه لما استخدم التخدير فى حالات الوضع عام 1847م عارضته الكنيسة ؛ لأن الله فى الكتاب المقدس ـ حسب زعمهم ـ قال لحواء بعد سقوطهما فى الخطيئة وأكلهما من الشجرة المحرمة عليهما: (تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً) تكوين 3: 13 ، فكأن لسان حالهم يقول: كيف نرحم النساء من الألم ، طالما أن الرب قد قرر تألمها أثناء الولادة؟ فعلينا إذن أن نساعد الرب فى انتقامه من النساء!!
=====================
اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة
من الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام ، ويقولون بأنها تنافي حرية المرأة في اختيار من ترضاه زوجاً لها ، اشتراط الولي في النكاح ، فيقولون: إن وجود الولي واشتراطه ، يمنع الفتاة من أن تختار من تريده زوجاً لها بحرية تامة ، بل كثيراً ما يفرض عليها الولي من يرضاه هو ، ويختاره لها زوجاً ، وهذا ينافي أبسط الحقوق.
هذا ملخص الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام ، ويظنون أنهم وجهوا طعنة لا ترد ، ووجدوا ثغرة وثلماً في الإسلام – زعموا – يستطيعون من خلالهما الطعن في عدالته في حق المرأة ، والنيل منه.
ونقول: إن ما زعموه من تحكم الولي بموليته في النكاح ، ليس من الإسلام في شيء ، بل هو تقاليد لبعض المجتمعات الإسلامية ، توارثوها عن آبائهم ، وأعراف تعارفوا عليها ، وبمرور الزمن ، وتعاقب الأجيال وبسبب الجهل بالدين ، أخذت تلك الأعراف والتقاليد طابع الاحترام والتقديس ، وأخيراً أُلصقت بالدين ، والدين منها براء ، وقد أسلفنا الكلام على (رأي المرأة في اختيار زوجها) وأوضحنا هدي الإسلام في هذا الموضوع ، ودور الولي في هذا الشأن ، وذكرنا ما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وما فهمه السلف منه وطبقوه.
إن الإسلام أعطى للمرأة البالغة العاقلة: بكراً ، أو ثيباً ، كامل الحرية في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها ، ولم يجعل لأبيها ، وهو أقرب الناس إليها ، ولا لولي غيره أن يجبرها على من لا ترضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيِّم حتى تُستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن).
بل وصل الأمر إلى رد الزواج ، وإبطال العقد ، إذا جرى بدون رضاها ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح خنساء بنت خدام ، حين زوَّجها أبوها وهي ثيب من شخص لا تريده ، حيث رد نكاحه.
وخيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة بكراً ، زوَّجها أبوها من ابن أخيه ، وهي غير راضية ، خيرها بالإمضاء أو الرد.
ولم يجعل الإسلام للولي حقاً في تزويج موليته ، بغير إذنها ، إلا الأب بالنسبة لابنته الصغيرة غير البالغة ، فقد أجمع أهل العلم من المسلمين على أن للأب – فقط – تزويجها بغير إذنها ، لما روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين) ، على أن يكون الزوج كفئاً ، لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظراً لها فيما فيه الحظ لنفسها ، فلا يجوز له أن يفعل ما لا حظ لها فيه ، ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حظ لها فيه ، ففي نفسها أولى.
وقد جاز للأب فقط تزويج الصغيرة غير البالغة ، لأن عطف الأب وحبه لابنته يدعوانه إلى اختيار الأصلح لها.
لما كانت المرأة عاطفية بطبعها ، مندفعة في تصرفاتها ، يغرّها المظهر ، ولا تسعى إلى معرفة المخبر من الرجل غالباً ، فقد جعل الإسلام للولي حق منع الزواج إذا اختارت لنفسها زوجاً غير كفء لها ولأسرتها ، وذلك لأن المرأة وأسرتها يعيران بالزوج غير الكفء ، ويلحقهما بسببه مذلة وعار ، وليس في هذا ما ينافي حرية المرأة في اختيار من ترضاه ، لكن لكل حرية حدود تنتهي إليها ، فليس لأحد كائناً من كان مطلق الحرية في كل ما يفعل ، بل هناك اعتبارات تجب مراعاتها ، وحدود يُنتهى إليها.
وأيضاً: صيانة المرأة ، وتكريماً لها ، ولما طبعها الله عليه من الحياء ، فقد جعل الإسلام حق تولي العقد ومباشرته للولي ، فلا يصح أن تتولى المرأة مباشرة عقد نكاحها ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) ، وقوله: (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها).(14/93)
وروى عكرمة بن خالد قال: جمعت الطريق ركباً ، فجعلت امرأة منهم ثيب أمرها بيد رجل غير ولي ، فأنكحها ، فبلغ ذلك عمر ، فجلد الناكح والمنكح ، ورد نكاحها.
وقد أجيب على من اعترض بالأحاديث الأخرى ، التي يفهم منها أن للمرأة تولي عقد نكاحها بنفسها ، مثل: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، وغيره ، بأن المراد اعتبار الرضى منها ، أما مباشرة العقد ، فهي للولي ، جمعاً بين الأحاديث.
وليس في هذا أيضاً ما يؤثر على حريتها في اختيار زوجها ، ولا ما يمس كرامتها بل العكس هو الصحيح ، ف الإسلام ينظر إلى المرأة على أن لها من الكرامة والمنزلة وشفافية الشعور ، ورهافة الحس ، ما جعله ينأى بها عن كل ما يخدش حياءها ، أو يجرح مشاعرها وإحساسها ، لذلك جعل مباشرة عقد النكاح للولي.
فمن مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر بنفسها ما يشعر بوقاحتها ، ورعونتها ، وميلها إلى الرجال ، مما ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة.
كما أن المرأة لقلة تجربتها في المجتمع ، وعدم معرفتها شئون الرجال وخفايا أمورهم ، غير مأمونة حين تستبد بالأمر لسرعة انخداعها ، وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون ترَوٍّ وتفكير في العواقب ، وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها لأنه أبعد نظراً ، وأوسع خبرة ، وأسلم تقديراً ، وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى ، بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحاً ، وأحسن عشرة.
وكيف لا يكون لوليها سلطان في زواجها وهو الذي سيكون – شاءت أم أبت ، بل شاء هو أو أبى – المرجع في حالة الاختلاف ، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل ، ويجني ثمرات خطأ فتاته التي تمردت عليه ، وانفردت بتزويج نفسها؟!
إن الهدف من رقابة الولي على اختيار الزوج ليس فقط تسهيل الزواج ، وإنما أيضاً تأمينه وتوفير عوامل الاستقرار له ، ورعاية مصالح الفتاة التي ائتمنه الله عليها ، وإن قصر نظرها عن إدراكها ، ومن هنا كان مبنى الولاية على حسن النظر ، والشفقة ، وذلك معتبر بمظنته ، وهي القرابة ، فأقربهم منها أشفقهم عليها ، وهذا أغلب ما يكون في العَصَبة.
وأيضاً يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها منه ، وأن يراعي خصال الزوج ، فلا يزوجها ممن ساء خَلقُه أو خُلُقه ، أو ضعف دينه ، أو قصَّر عن القيام بحقها ، فإن النكاح يشبه الرق ، والاحتياط في حقها أهم ، لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها ، والزوج قادر على الطلاق بكل حال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وإذا رضيت رجلاً ، وكان كفؤاً لها ، وجب على وليها – كالأخ ثم العم – أن يزوجها به ، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوَّجها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء ، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه ، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤاً باتفاق الأئمة ، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض ، لا لمصلحة المرأة ، ويكرهونها على ذلك ، أو يُخجلونها حتى تفعل ، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤاً لها لعداوة أو غرض ، وهذا كله من عمل الجاهلية ، والظلم والعدوان ، وهو مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفق المسلمون على تحريمه ، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة ، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره ، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له ، لا يقصد هواه ، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
ومما سبق يتضح أن الولي في النكاح في الشريعة الإسلامية ، ليس له منع المرأة من أن تختار لنفسها من ترضاه زوجاً لها ، إذا كان كفئاً ، وليس للولي إجبارها على من يرضاه هو ، ولا ترضاه هي.
و الإسلام في هذا الباب ، قد أعطى المرأة من الحقوق والتكريم ما لم تعطه امرأة من قبل في الديانات السماوية ، والنظم الاجتماعية ، ولن تعطى مثله أيضاً مستقبلاً
=====================
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟
إليكم أسئلة عده حول هذه الشبهات
قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) فهل المقصود أن الله خلق الرجل ليعبده ويكون خليفته في الأرض وخلقت المرأة ليسكن إليها الرجل أم أن خلافة الأرض للنساء والرجال ليكملا بعضهما حيث تحتاج المرأة للرجل ليحميها ويحتاج الرجل للمرأة ليسكن إليها وتقوم هي بتربيه الأولاد ويقوم هو بالأعمال الشاقه فتكتمل خلافتهما أم أن خلافه الأرض للرجال فقط؟
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(14/94)
فإن الإسلام وضع المرأة في موضعها اللائق بها، كما هو شأنه في كل ما جاء به من هداية، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التي كانت مأخوذة عنها في الفلسفات القديمة، وفي كلام من ينتمون إلى الأديان وردَّ لها اعتبارها، وكرمها غاية التكريم، واعتبرها كاملة المسؤولية والأهلية كالرجل، وإن أول تكليف إلهي صدر للإنسان كان للرجل والمرأة جميعا، حيث قال الله للإنسان الأول آدم وزوجه: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ البقرة: 35}.
وهي قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضا من الواجبات ما يلائم فطرتها وتكوينها، وعلى الرجل بما اختص به من شرف الرجولة وقوة الجلد أن يلي رئاستها، فهو بذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده. قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 228}.
وجعلها الله سكنا للرجل تكريما لهما بما ينشأ عن ذلك من المودة والرحمة. قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21} وقوله تعالى: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: معناه لتميلوا إليها وتألفوا بها، فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. راجع كتب التفسير عند تفسير الآية المذكورة.
والحاصل أن خلافة الأرض قد جعلها الله للرجال والنساء جميعا، فساوى بينهما في أصل التكليف، وخص كلا منهما بما يليق به، وجعل للرجل درجة على المرأة بما له من القوامة.
والله أعلم.
مسائل تتعلق بالمرأة في الإسلام
السؤال
لماذا خلق الله النساء، وما هو دور المرأة المسلمة في الحياة، وهل عمل المرأة بخلاف الشروط التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد منح الإسلام المرأة مكانة سامية، وكرمها أنثى وبنتا وأختا وزوجة وأماً، ووضعها في موضعها اللائق بها، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في الفتوى رقم: 16441.
وأما حكم عمل المرأة، فإن الأصل فيه الإباحة بشرط خلو العمل من المحاذير الشرعية، وقد سبق الإجابة على ذلك في عدة مواضع، فانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31817، 44756، 46908.
وأما لماذا خلق الله عز وجل النساء؟ فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا لحكمة، لكننا قد نعلم هذه الحكم وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها دون البعض الآخر، وقد يعلمها بعض الناس دون بعض، حسب ما يعطيهم الله تعالى من العلم والفهم.
وأما بخصوص المرأة، فإنها شقيقة الرجل، وهي إنسان كامل الإنسانية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. صحيح رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
فالرجال والنساء من جنس واحد، لا قوام للإنسانية ولا استمرار للبشرية إلا بهما.
والله أعلم.
حكم من ادعى بأن الإسلام قد حطَّ من منزلة المرأة
السؤال
ما حكم من قال : .. لماذا لا يقف القانون في السماء والأرض مع المرأة ..؟ هل تجب عليها التوبة .؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يسلم لما قضى الله به وحكم، وينقاد له ظاهرا وباطنا، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{الأحزاب: 36}. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. رواه أبن أبي عاصم في السنة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وقد ضعفه بعض أهل الحديث ولكن له شواهد تقوية.
ثم إن المرأة لم تحظ بشيء من التكريم والتقدير مثلما حظيت به في ظل الإسلام، فقد كرمها الله تعالى أماً وبنتا وأختا وزوجة، ورغب الشرع الحكيم في تربية البنات والإحسان إليهن.(14/95)
وعليه؛ فقائل هذا الكلام الذي سألت عنه لا علم له بما كانت عليه المرأة قبل الإسلام، ولا بما هي عليه الآن في المجتمعات غير المسلمة، ثم إنه أعظم القول فيما قاله. وليبادر إلى التوبة، فإن الله هو العدل الحكم اللطيف الخبير. و{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
والله أعلم.
الموارد المالية للمرأة في الإسلام
وهذا العنوان يلزمني أن أكتب تفصيلاً لتلك الموارد بلا إجمال لأمرها ، مع بيان لسندها الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه تشريع الحكيم الحميد - سبحانه وتعالى - وحتى نحسم شبهات الطاعنين الذين يحلو لهم اتخاذ شؤون المرأة هدفًا لسهامهم الكليلة التي لن تنال من شرعة الله - تعالى - بحال .
وهذا جانب - من جوانب حقوق المرأة في الإسلام - له تحديه الصارم أمام قوانين الأرض جميعًا ليعلم ذو نَصَفَةٍ من الناس أن شرعة الله غالية ، وأنها منصفة ذات عدل ورحمة ، وتلك صورة لما حضرني من موارد المرأة المالية في الإسلام .
1. حقها في النفقة عليها : سكنًا وكسوةً ومطعمًا ومشربًا وعلاجًا ، أي ما يغطي حاجاتها جميعًا بالمعروف .
هذا الحق كفله لها الشرع ، الشريف فألزم به أبويها ، أو عصبتها ، (نشأةً إلى الدخول بها ) ، فلم يُضيعْها 0 كما تفعل القوانين الغربية إذا بلغت الفتاة بينهم سن السادسة عشرة ؛ فإنها لا تُلزم والديها بإيوائها ولا بكفالتها ، وهذا أمر معروف لا يَعْضَى له الكاتبون ضد الإسلام .
إن الأبوين ، فالعصبة ملزمون بأداء هذا الحق من حقوقها حتى تنتقل بالدخول بها إلى بيت زوجها ؛ فيكون ملزمًا بأداء هذا الحق لها ؛ فإذا فقدت الزوج - لوفاة أو طلاق - كان لهذه الحقوق عودة إلزام إلى الأبوين أو العصبة في حال افتقارها .
وهذا الجانب مَنْ الحق المالي بجواره إلزام من يتعلق به هذا الحق بالمحافظة عليها ، وصيانتها ، وتوفير كرامتها . وقد تكفلت مصادر الفقه الإسلامي بتفصيل هذا الحق .
2. وللمرأة نصيب مالي محدد - من "الميراث" حدده الكتاب العزيز على أي حال كان وضعها : زوجة ، أو جدةً ، أو أمًا ، أو بنتًا ، أو أختًا ، وفي سورة النساء الآيات الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة ، ثم آخر آياتها تفصيل لنصيبها في أي أحوالها قال تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مِثلُ حظ الأنثيين ، فإن كنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ، ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولدٌ وَوَرِثَهُ أبواه فلأمهِ الثلث ، فإن كان له إخوةٌ فلأمِه السدسُ من بعد وصية يوصِى بها أو دين ، أباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله ، إن الله كان عليمًا حكيمًا ، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ ، فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ ، فإن كان لكم ولدٌ فلهن الثمنُ مما تركتم ، من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين ، وإن كان رجلٌ يُورَثُ كلالةً أو امرأةٌ وله أخ أو أختُ فلكل واحدٍ منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك بهم شركاء في الثلث ، من بعد وصيةٍ يُوصَى بها أو دينٍ غير مُضار ، وصيةً من الله والله عليم حليم ، تلك حدود الله ، ومن يطع الله ورسوله يُدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. (النساء ، آية : 11 - 12).
ولا يفوتني - عقب الحديث عن حقها في الميراث - أن أبين هنا أمرين :
أولها : أن المرأة ليست ملزمة بنفقة شرعية قِبلَ نفسها ، أو قِبَلَ أحد .
ثانيهما : أنها - باعتبار ما كفل لها الشرع الشريف من (ذمة مالية مستقلة) لها أن تستغل مالها بطرق مشروعة ، مما يجعل نصيبها المالي يتضاعف دون أن تنتقصه واجبة عكس الحال في الرجال .
3. "المهر " وهو حق مالي ثابت لها قلَّ أو كثُر ، ليس لوليها أن يغفله أو يتنازل عنه ، وليس له نهاية مالية محددة ، قال تعال : (وأتوا النساء صدقاتهن نِحلةً) سورة النساء ، : الآية: 4) ، أي : آتو النساء مهورهن وجوبًا ، فالمهر ملك خالص لها ، مال تقدم منه وما تأخر . قال تعالى : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا ) (سورة النساء : آية: 20)..
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك .. قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ثم قال : ما إكثاركم في صداق النساء !! وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ، فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم .(14/96)
قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا) الآية ، قال : اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب .
قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل.
إسناده جيد قوي.
وينبغي ألا يفوتنا في هذا المقام أن هذا الحق المالي في المهر ليس خاصًا بالزوجة إذا كانت مسلمة فقط ، فهو حقها مسلمةً كانت أو كتابيةً .
والمهر واجب - أيضًا - للإماء المؤمنات قال تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف ) (سورة النساء ، آية : 25). (أُجورهن: مهورهن) .
4. وتعمل المرأة ، ولا خلاف في عملها عند حاجتها هي ، أو حاجة المجتمع نفسه إليها ؛ كطبيبة أو مدرسة لبنات جنسها ، وقد تعمل في مهنة تخص النساء داخل بيتها ، أو لا تخص النساء كأن تكون أديبة تعكف على التأليف أو كتابة المقالات المفيدة .
ذلك كله وما شابهه ، للمرأة أن تمارس العمل بها موفورة الكرامة حريصة عليها لا ابتذال لشخصها في هذا العمل ، ولا تفريط في واجبها الأُسري ، ولقد دلت الشريعة الغراء على ما للشخص الذي نيط به أكثر من واجب - فاستوفاه بإحسان وأمانة - من أجر عظيم عند الله تعالى .
فأما ما كان لها من مال من هذا العمل ، فهو ملكها الخالص ، كما نص عليه أكثر الفقهاء ، وقد استشهد بعض العلماء - في هذا المقام - بقوله تعالى : ( وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن) . (سورة النساء ، آية : 32).
على أن ما تقدم بشأن عملها أمر لا خلاف فيه.
5. وبما للمرأة من ذمة مالية مستقلة ، فإنها تستطيع أن (تضارب) بمالها مع أمين يحسن التجارة ، ويقوم عنها بالعمل ، وقد اشترط بعض الفقهاء إِذْنَ وليها : أبًا ، أو زوجًا في هذا المقام ليس للحكر عليها ، بل صونًا لها من القيل والقال ، ومالها وربحه حق لها .
وبعد .. فذلك شيء مما كفله الإسلام للمسلمة من موارد مالية ، وحسبي أن ألفت النظر - هنا - إلى مقال الأستاذ الذكتورة إسمت غنيم - بنفس هذا العدد لنتبين ما فعله الإسلام للمرأة .. وما فعله الغرب بها .. ولا تزال - إلى يومنا هذا - عرضة للتشرد والضياع بالرغم مما نسمعه من حديث الغوغاء .
ذلك - إذن - ما قدمه الإسلام ، أي ما فعله تشريعًا لا يمكن النيل منه منذ كان الإسلام من خمسة عشر قرنًا إلى يومنا هذا .. إلى يوم يبعثون .
تشريع سماوي .. وليس تشريعًا وضعيًا كهذا الذي اكتسبت به المرأة شيئًا من حقها في الغرب ، يمكن - فيما بعد - أن ينصل فيحول ، بل لقد نَصَلَ في الحرب العالمية الثانية حيث أعدت المرأة للترفيه عن الجنود .
فأما لدى أهل الكتاب فتلك هي المرأة فيما يرون : " إنها أدنى من الرجل لأنها هي التي أغوت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة ، ولذلك فالمرأة بطبعها خاطئة" ومن هنا نشأ مفهوم الخطيئة الأصلية وجُعلت حواء متسببة فيها . ولذا يشكر اليهودي ربه صباح كل يوم على أنه لم يخلقه امرأة . كذلك فإننا نجد بعض آبائهم الأوائل أدانوا المرأة باعتبارها أقوى مصادر الخطيئة والغواية ، ويوضح "ترتوليات الأول " نظرته قائلا : ":إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة ، ناقضة لقانون الله " .
ولقد حدث أن قرر أحد المجامع في رومية أن المرأة حيوان نجس لا روح له ولا خلود ، ولكن يجب عليها العبادة والخدمة ، وأن يكمم فمها كالبعير لمنعها من الضحك والكلام ، لأنها أحبولة الشيطان ، وما زالت تلك النظرة ضاربة بجذورها حتى اليوم وليس أدل على ذلك من أن بعض الأديرة في اليونان - على سبيل المثال - ما زالت حتى الآن تحرم دخول النساء إليها .
وحينما نصل إلى طلائع العصر الحديث فإننا نجد المرأة الغربية في مكانة متدهورة للغاية . ففي سنة 1790م ، بيعت امرأة في أسواق انجلترا "بشلنين" لأنها ثقلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها . وظلت المرأة إلى سنة 1882م ، محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة .. وكان تعليم المرأة يجلب لها العار ! حدث - حينما كانت (اليصابات بلاكويل) تتعلم في جامعة جنيف سنة 1849م - أن النسوة المقيمات معها قاطعنها وزوين ذيولهن من طريقها احتقارًا لها كأنها دنس . فأين حقوقها المالية فضلاً
كمال الإسلام وسبقه في تكريم المرأة
السؤال(14/97)
هناك العديد من النساء الغربيات يستغربن عدم مصافحة بعض المسلمين لهن وبعضهن لا يتقبلنه ويرين أن هذا انتقاص لهن، أو الذي رفض مصافحتهن متشدد أو ما إلى ذلك، خصوصاً أنه يحدث أمامهن أن بعض المسلمين يصافحهن والبعض الآخر يرفض في نفس المجلس، فأرجو من حضرتكم بيان عظمة الإسلام في الحفاظ على المرأة بعدم السماح للرجال الأجانب بمصافحتها، وبيان أن هذا ليس انتقاصاً لها أو أنها أدنى من الرجل.... الرجاء توضيح ذلك وما يتعلق به بطريقة منطقية يسهل معها إقناعهن أو على الأقل بيان ذلك لهن، آخذين بعين الاعتبار أن هؤلاء النساء غربيات يعشن في بلاد - في نظرهم- تدعي الحرية أو بعضهن يتمتعن بحقوق أمام القانون أفضل من الرجال كما في البلد الأوروبي الذي أنا فيه حالياً؟ وجزاكم الله خيراً.
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يثار على ألسنة بعض الغربيين وأتباعهم من شتى البلاد عن الإسلام إنما هو طنطنة وجعجعة يُقصد بها التشويش على صورة الإسلام الزاهية، وإدخال الشبهات على أهله، وتخويف غير المسلمين منه، وقد تصدى العلماء قديماً وحديثاً للرد على إفكهم، والذب عن دينهم، وبيان عوار أفكارهم وسفاهة أحلامهم، ومن أهم الكتب في ذلك كتاب المرأة بين الفقه والقانون للدكتور/ مصطفى السباعي رحمه الله، فليراجع هذا الكتاب فإنه مفيد في موضوعه، وقد بينا حكم المصافحة في الفتوى رقم: 29380، والفتوى رقم: 32160.
كما بينا الرد على بعض الشبهات المثارة حول مكانة المرأة في الإسلام وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5729، 3661، 16441.
علماً بأن المسلم يجب عليه اليقين بصحة دين الإسلام وكمال عدله مع المرأة وغيرها، فقد راعى الإسلام حقوق الأحياء والأموات، والكبار والصغار، حتى أثبت حقوقاً للأجنة في بطون أمهاتهم، بل وأثبت حقوقاً للإنسانية كلها كافرهم ومسلمهم، فأمر بالقسط مع جميع الناس ولو كانوا كفاراً، قال الله تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [التوبة:6].
والله أعلم.
الحكمة من جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل
السؤال
لي قريبة ألمانية غير مسلمة تريد أن تستفسر لماذا شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين.... أرجو أن تكون إجابة مقنعة لغير المسلمين؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنا ننصحك بتجنب مخالطة هذه المرأة إلا بقدر ما تتطلبه دعوتها إلى الإسلام، إذ لا تجوز الخلوة بها ولا الدخول عليها إلا مع محرم، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.~~ ذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ثم عن سؤالك، فاعلم أن المسلم يكفيه من تبرير الحكم أي حكم أنه ورد في كتاب الله وأن عليه إجماع الأمة الإسلامية، وقد ورد في القرآن الكريم أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، قال الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن ما تتميز به المرأة من عواطف وانفعالات ووجدان وميوعة في المواقف وميل إلى السكينة والراحة والخلود، كلها أمور تجعلها في رتبة دون رتبة الرجل، وخاصة في مجال الشهادة والأحكام التي تترتب عليها نقل الأملاك وسائر أنواع الحقوق. وقد ثبت عملياً عن طريق تشريح الدماغ أن مخ الرجل يحتوي على خلايا عصبية تزيد بنسبة 16 في المائة عن مخ المرأة، وهناك دراسات كثيرة أثبتت فروقاً حقيقية بين الرجل والمرأة في المجال الذهني، نحيلك فيها على الفتوى رقم: 21357. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=====================
وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل
عزيز محمد أبو خلف
باحث إسلامي
amkhalaf@ksu.edu.sa
كثيرا ما يُتهم الإسلام بأنه ينتقص من حق المرأة في الحياة والوجود والحقوق . وتُعقد لأجل هذا البرامج والندوات والمناظرات في أماكن مختلفة . واكثر ما يجري عليه التركيز هو عقل المرأة وان الإسلام يعتبرها ناقصة عقل ، ويستشهدون بالحديث الوارد في الصحيحين من أن النساء ناقصات عقل . فهل ما يقولونه حق وصحيح ، وهل المرأة فعلا ناقصة عقل ، وهل الرسول وصفها بذلك حقا وقصد ما فهموه هم من الحديث ، أم يا ترى أن الأمر هو خلاف ذلك؟
حديث ناقصات عقل(14/98)
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : { يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي ، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين } . ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة ، وذلك في قوله تعالى : { واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى } البقرة 282 .
الفهم الخاطئ والمتناقض للحديث
يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحاً وطرباً باتهام الإسلام انه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه وسلم : "وما رأيت من ناقصات عقل" . فاستنتج هؤلاء أن النساء ناقصات عقل ، وان نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية ، أي أن قدرات النساء على التفكير هي اقل من قدرات الرجال . بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي اقل منه وانقص ، أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند الرجل . ولو انهم تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي ، وانه يتناقض مع واقع الحديث نفسه ، وذلك للملاحظات التالية :
• ذكر الحديث أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول . والجزلة ، كما قال العلماء ، هي ذات العقل والرأي والوقار ، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت ؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟
• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وان الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا . فكيف تغلب ناقصة العقل رجلا ذكيا جدا؟
• أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات ، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي نصاب الشهادة والصلاة والصوم . فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية وأسلمت ، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟!
فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث بالكامل ، أي لم يربط أجزاءه ببعض ، كما لم يربطه مع الآية الكريمة . فالحديث يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، والآية تعلل ذلك بالضلال والتذكير . ولم تصرح الآية بان النساء ناقصات عقل ، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لأجل أن تفكير المرأة اقل من تفكير الرجل .
فما هو التفكير وما هو العقل؟
أنا اعرف التفكير كالتالي :
التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع .
حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه ؛ أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع ، ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه ؛ وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة . ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه ، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به .
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة ، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء . ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم . كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء ، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ ، ولا في طرق اكتساب المعرفة . معنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير ، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية .
وعليه فان التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء ، بل هو أوسع من ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر في مراحل متعددة ، فهو عملية معقدة وليست بالبسيطة . كما أن العقل في مفهوم القرآن والسنة هو أوسع من مجرد التفكير ، إذ هو لفت انتباه للتفكير من اجل العمل . ولهذا فسوف نلاحظ دقة التعبير في الحديث ، فهو عبر بناقصات عقل مما يعني أن النقص هو في عوامل أخرى تؤثر في التفكير وليس في نفس القدرات الفطرية إلى ليس في قدرات الدماغ ، كما يتوهم كثيرون .
أين الإعجاز في هذا؟(14/99)
يكمن الإعجاز في الحديث عن نقصان عقل المرأة بهذه الطريقة ، فهذا لا يمكن أن يحيط به بشر . فنصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل ، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة . هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة . فإذا كان لم يثبت علميا أي اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال ، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا ، فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية . فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية ، ويدخل فيها عوامل أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة .
وإذا نظرنا إلى الآية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة المذكور بالضلال والتذكير ، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي وبالدوافع والموانع . وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث أنها تمر في حالات وتتعرض لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها . هذا بالإضافة إلى أن الحديث يجري عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم ، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها اقل من الرجال إجمالا لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيه . إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام وكيل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح . وقد آن الأوان لهؤلاء أن يتراجعوا وان ينصفوا الإسلام حق الإنصاف ، وعلى المرأة إلا تنجرف وراءهم وان تثق بربها ودينها وتفاخر بذلك .
ملاحظة
هذه المقالة جزء من بحث أوسع و أكمل حول هذا الموضوع تقدمنا به إلى مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن . ومن اجل التمكن من متابعة الموضوع يرجى مطالعة المقالات التالية :
تنمية مهارات التفكير
http://www.islamway.com/bindex.php?section=articles&article_id=269
مواجهة المشاكل والتغلب عليها
http://www.islamway.com/bindex?section=articles&article_id=340
كيف واجهت أم المؤمنين عائشة حادثة الإفك؟
http://www.lahaonline.com/Daawa/DaawaObsta/a2-30-02-1424.doc_cvt.htm
=================
معنى نقص العقل والدين عند النساء
س5: دائماً نسمع الحديث الشريف (( النساء ناقصات عقل ودين )) ويأتي به بعض الرجال للإساءة للمرأة. نرجو من فضيلتكم توضيح معنى هذا الحديث؟
جـ : توضيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من إكمال بقيته حيث قال : ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقيل يا رسول الله ما نقصان عقلها؟ قال: أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل ؟ قيل يا رسول الله ما
نقصان دينها ؟ قال : أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟!)) فقد بين ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى . وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى أو قد تزيد في الشهادة ، وأما نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة ، فهذا من نقصان الدين . ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله ـ عز وجل ـ هو الذي شرعه ـ سبحانه وتعالى ـ رفقاً بها وتيسيراً عليها لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك . فمن رحمة الله أن شرع لها ترك الصيام ثم تقضيه، وأما الصلاة ، فلأنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة . فمن رحمة الله ـ عز وعلا ـ أن شرع لها ترك الصلاة ، وهكذا في النفاس ثم شرع لها ألا تقضي الصلاة ، لأن في القضاء مشقة كبيرة ، لأن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات . والحيض قد تكثر أيامه . تبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام ، وأكثر النفاس قد يبلغ أربعين يوماً . فكان من رحمة الله عليها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداءً وقضاءً ، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء ، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس .
ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجال في كل شيء ، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء ، نعم جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة ، لأسباب كثيرة كما قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}سورة النساء . لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم من امرأة فاقت كثيراً من الرجال في عقلها ودينها وضبطها.(14/100)
وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله ـ عز وجل ـ وفي منزلتها في الآخرة ، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور ، فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها ، فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة ، وهذا وأضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك، وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية ، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضاً تقواها لله وكونها من خيرة إماء الله ، إذا استقامت في دينها ، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء ، وضعف الدين في كل شيء ، وإنما هو ضعف خاص في دينها ، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك . فينبغي إنصافها وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على خير المحامل وأحسنه . والله تعالى أعلم .
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله
===================
المرأة ليست ناقصة عقل !
تعرَّض الإسلام ، ولا يزال ، لحملات عدائية شتى ، منها موقفه من المرأة ، ولا سيما من ناحية عقلها ، حيث يُتَّهم الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة وقدراتها ، وانه يحط منها بالمقارنة مع الرجال . هذا في الوقت الذي اثبت فيه العلم عدم وجود أي اختلاف في قدرات التفكير عند المرأة والرجل . كما أن الواقع يشهد بغير ذلك ، حيث وصلت المرأة إلى أعلى المراتب والمناصب ، وحققت إنجازات وإبداعات فكرية عديدة لا سيما في العالم الغربي . مما يعني ببساطة ، كما يزعمون ، أن الإسلام يخالف العلم والواقع المحسوس ، وان أفكاره تتعارض وتتناقض مع هذه المعطيات المحسوسة المشهودة على ارض الواقع .
غير أن هناك من يقول بان المرأة قد أتيحت لها فرصة عظيمة من حيث حرية العمل وإبراز إمكاناتها ، ولكنها لم تُثبت أنها على قدم وساق مع الرجل . فالرجل هو الذي فسح لها هذا المجال من الحرية ، ومع ذلك لم تصل إلى كثير من المناصب العالية التي لا يزال يتربع عليها الرجل . كما انه هو الذي أتى بالأفكار العظيمة والمبادئ والنظريات والاختراعات وغير ذلك مما له شان يذكر .
أساس هذه الاتهامات هو حديث صحيح يُعرف بحديث ناقصات عقل . وسوف نستعرض في هذه المقالة نص الحديث والقراءات السريعة الخاطئة له ، ونبين أن وصف النساء بأنهن ناقصات عقل لا يحط من قدر عقولهن ولا من مكانتهن ، لا سيما إذا تبين لنا أن هذا الوصف ينطبق أيضا على الرجال . كما أن أية امرأة مسلمة سوف تفخر بكونها كذلك إذا ما جرت المقارنة بينها وبين كثير من العظماء والزعماء والعلماء من الكفار الذين نفى الله عنهم العقل بالكلية ، وان عقلوهم ومكانتهم لا تغني عنهم من الله شيئا إذ لم يتوصلوا بها إلى أن ينالوا رضوان الله وجنته . بل يمكن القول أن أية امرأة مسلمة هي اعقل من اينشتاين الذي يضرب بذكائه المثل ، ولكنه لم يوصله إلى الدخول في الإسلام ولا نيل الجنة .
حديث ناقصات عقل
هذا الحديث رواه الشيخان (البخاري ومسلم) وأصحاب السنن ، وهو صحيح الإسناد والمتن . وسوف نكتفي برواية مسلم ، فقد روى رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : { يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي ، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين } . ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة ، وذلك في قوله تعالى : { واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى } البقرة 282 . فالعلاقة بين هذه الآية والحديث وثيقة الصلة ، بل يكاد الحديث يُحيلنا إلى الآية صراحة .
الفهم الخاطئ للحديث والمناقض للواقع
من الواضح أن الذين يتهمون الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة قد بنوا أفكارهم على الحديث السابق . فقد فهموا منه أن النساء ناقصات عقل ، أي أن قدرات النساء على التفكير هي اقل من قدرات الرجال . وهذا جرياً على المعنى الدارج للعقل من انه عضو التفكير ، ولسان حالهم يقول بان جهاز التفكير عند المرأة اضعف من جهاز التفكير عند الرجل ، وان هذا ينطبق على أية امرأة وعلى أي رجل في الدنيا .(14/101)
ولكن الحديث نفسه ، وجرياً على هذا المفهوم ، يبين أن المرأة لا تقل في عقلها عن الرجل من حيث أنها ناقشت الرسول ، وأنها جزلة أي ذات عقل وافر ، ومن حيث أن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب أي الوافر العقل . فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه أو انه ناقص عقل على اقل الاحتمالات؟ .
بالإضافة إلى ذلك فان الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة ، فلو كانت المرأة ناقصة عقل ، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل ، فهذا ينافي العدل الذي يتصف به الله وينادي به الإسلام . فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو اكمل منه عقلاً ، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به ، على فرض أن الرجل اكمل عقلاً من المرأة .
ما هو التفكير؟
التفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم ، ومع ذلك فهو من اكثر المفاهيم غموضاً وأشدِّها استعصاءً على التعريف . ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أن التفكير لا يقتصر أمرُه على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها ، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات ، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها . فهو نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معيَّن ، مما يؤدي إلى تفاعلٍ ذهنيٍّ ما بين قُدُرات الدماغ وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر ، ويحصل ذلك بناءً على دافعٍ لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير المعوقات أو الموانع .
وعلى الرغم من تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة في التفكير والمتأثرة به ، فان الأبحاث المستفيضة والكتابات الكثيرة حول الموضوع تؤكد أن عناصر التفكير الأساسية هي الإدراك الحسي والمعالجة والإنتاج . حيث يقوم الدماغ باستكشاف الخبرة وربطها مع الإدراك الحسي للخروج بالفكرة . وهذا ما تؤكد عليه أبحاث علم النفس والأعصاب والفلسفة والفكر الإسلامي ، بالإضافة إلى البرامج العملية حول تنمية مهارات التفكير وتعليمه . وليس أدل على صدق هذا التصور من التطبيقات العملية التي نقوم بها في مجال تنمية وتطوير وتحسين مهارات التفكير بطريقة عملية تطبيقية .
علاقة العقل بالتفكير
ما يتبادر إلى الذهن ، أو ما هو دارج على السنة الناس ، هو أن العقل اسم لعضو التفكير ، وليس الأمر كذلك ، فليس في جسم الإنسان عضو اسمه العقل يمكن أن يُشار إليه بالبَنان . فالتفكير كما بيّنا سابقاً عملية متعددة الخطوات والمراحل ، وليس يختص بها عضو معين واحد يصفها وصفاً شاملاً . وإنما هناك اكثر من عضو يمكن أن يشترك في عملية التفكير أو يخدمها ، مثل العين والأذن وباقي الحواس والدماغ وما يرتبط به من الذاكرة والتخيل وغير ذلك .
ولم تُستخدم كلمة العقل في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة لتشير إلى عضو التفكير مطلقاً ، كما لم ترد كلمة العقل على المصدرية في القرآن الكريم . وإنما استُخدمت هذه الكلمة بصيغة الجمع على : يعقلون وتعقلون ونعقل وعقلوه ويعقلها ، وذلك في تسع وأربعين موضعا . ولم ترد بصيغة الماضي إلا مرة واحدة ، ووردت في باقي المواضع بصيغة الحاضر أو المستقبل . والمعنى المستفاد من هذه الصيغ غالبا هو لفت الانتباه للتفكير من اجل إدراك العاقبة واتخاذ خطوة نحو العمل . وهو بذلك يكون في معناه أوسع من مجرد التفكير ؛ فنحن إذا فكرنا ننتج الفكرة ، أما إذا عقلنا فندرك ما وراء هذه الفكرة من أبعاد متعلقة بالتصديق والعمل . فالسمة الأساسية للعقل وفق اصطلاح الكتاب والسنة هي إدراك العاقبة المنشودة والعمل لها والثبات على ذلك .
وقد لخص ابن تيمية رحمه الله المعنى اللغوي والشرعي للعقل احسن تلخيص فقال في الفتاوى : "العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً ، يراد به القوة التي يعقل بها ، وعلوم وأعمال تحصل بذلك . وهو علم يعمل بموجبه ، فلا يسمى عاقلا من عرف الشر فطلبه والخير فتركه" . أما الأحاديث المتعلقة بالعقل فلم يصح منها شيء ، فقد قال ابن حبان البستي : " لست احفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خيرا صحيحا في العقل " . وقال ابن تيمية :" أما حديث العقل فهو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث ليس هو في شيء من كتب الإسلام المعتمدة"
التفكير عند المرأة والرجل(14/102)
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة ، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء . ولذلك فان برامج تنمية وتعليم التفكير لا تميز بين الجنسين في هذه الناحية . ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم . كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء ، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ ، ولا في طرق اكتساب المعرفة . فلم تظهر الأبحاث المتعلقة بالدماغ فروقا جوهرية ، إلا في حدود ضيقة لا تتجاوز ربع انحراف معياري واحد . فقد أكدت كثير من الأبحاث تماثل نصفي الدماغ عند النساء بشكل اكبر منه عند الرجال ، لكن لم يتأكد أي شيء يدل على اختلاف في التفكير بناء على ذلك . معنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير ، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية ، أي في مستوى الذكاء ودرجته وليس في نوعيته .
التغيرات الجسدية والنفسية التي تتعرض لها المرأة
تتعرض المرأة لتغيرات جسدية كثيرة ومتكررة ، وهذا لا يخفى على المرأة ولا على غيرها ، ويمكن ملاحظته دون عناء . كما أن الأبحاث العلمية المستفيضة قد أظهرت التأثيرات النفسية التي تتعرض لها المرأة نتيجة مرورها بهذه الأحوال الجسدية . فالمرأة تأتيها الدورة الشهرية ، وإذا حملت فإنها تمر في فترات ما قبل الحمل وما بعده وما بعد الولادة ، وإذا أسقطت جنينها أو أجهضته تعرض جسدها لكثير من التغيرات . كما يمكن أن تعاني من عدم الخصوبة ، أو العقم ، والمرور بفترة اليأس وما يترتب على ذلك من تغيرات قبلها وبعدها . وهكذا فالمرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية قد تعاني منها كثيرا ، وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها ، وطريقة تعاملها مع الناس ، وكذلك على طريقة تفكيرها .
فقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية أن التغيرات الجسدية التي تمر بها المرأة تؤثر على نفسيتها فتعرضها للإصابة بالإحباط وقلة التركيز والكسل وتأثر الذاكرة قصيرة المدى عندها . كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها ، وتصيبها بالقلق والوهن وتغير المزاج والتوتر والشعور بالوحدة والبلادة وثقل الجسم . هذا بالإضافة إلى التغيرات التي تحصل في العوامل المؤثرة في الحركة والعمل والنشاط الذهني كدرجة الحرارة والضغط وزيادة الإفرازات الهرمونية المختلفة .
ماذا نستنتج من كل ذلك؟
• ليس في الآية ولا في الحديث ما يدل على أن قدرات التفكير عند المرأة اقل من قدرات الرجل ، ولا أن الرجل يفكر بالنيابة عن المرأة . وهذا عام في باقي نصوص الكتاب والسنة بدليل الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة ، مما يؤكد على الوحدة الإنسانية في العقل والغرائز والحاجات العضوية عند كل منهما . هذا بالإضافة إلى العديد من النصوص التي تدلل على قدرة المرأة على التفكير والتصرف في احلك المواقف ، وهذا كثير في كل من الكتاب والسنة . وأما النصوص التي تجعل للرجل قوامة وميزات أخرى ، فهي أحكام شرعية تتناسب مع طبيعة المجتمع الإسلامي ، وليس لها علاقة بالقدرات العقلية .
• يشير الحديث إلى أن النساء ناقصات عقل ، لكنه يعلل ذلك بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد . وفي هذا إحالة إلى آية الدّيْن ، والتي تعلل الحاجة إلى امرأتين بالضلال والتذكير . والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم ، ومنه النسيان ، وقد يؤدي إليه . والتذكير فيه لفت الانتباه ، ويتأثر بالحالة النفسية وقد تحجبه كليا عن رؤية الحق والواقع . فالذي لا يرى إلا جانباً معيناً من الواقع ولا يرى غيره يكون تفكيره ناقصا سواء كان رجلاً أو امرأة .
• الكلام في كل من الآية والحديث هو عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم ، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها اقل من الرجال إجمالاً أي من حيث المعلومات وتعلقها بالواقع المعين ، لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيه . لذلك كان لا بد من الاستيثاق في الشهادة ليرتاح صاحب المعاملة المالية من حيث ضمان حقه .
• إذا ما أخذنا في الحسبان كل هذه الحقائق والوقائع ثم قابلنا بينها وبين واقع العقل والتفكير وواقع الآية والحديث ، فإننا نخلص إلى أن نقص العقل ليس هو في قدرات التفكير ولا في تركيبة الدماغ ، وانما في العوامل المؤثرة في التفكير والعقل . وهو ينحصر على وجه التحديد في الخبرة ومنها المعلومات وفي موانع التفكير ؛ فان كون المرأة المسلمة بعيدة عن واقع المجتمع والمعاملات المالية بالذات ، فلا بد أن خبرتها اقل من الرجال المنخرطين في هذه المعاملات . كما أن المرأة تمر في تغيرات جسمانية تؤثر على حالتها النفسية ، هذا بالإضافة إلى عاطفتها الزائدة والتي يمكن أن تجعلها تنحاز في تفكيرها وفي قراراتها ، كما لو كان المعني بالأمر ابنها مثلا فلا بد أنها ستميل إليه .(14/103)
• إذن فالحديث عن أن المرأة ناقصة عقل جاء بالإشارة إلى آية الدين ، ولا يعني أن الرجل لا يمكن أن يوصف بمثل هذا الوصف . بل هناك آيات قرآنية تنفي العقل عن كبراء القوم وعظمائهم من الكفار والمنافقين وأهل الكتاب . وهذا يعني أن الأمر طبيعي وليس فيه أن قدرات المرأة على التفكير اقل من قدرات الرجل ولا أنها ناقصة عقل بالمفهوم الشائع . فليس في نصوص الكتاب والسنة ما يشين المرأة من هذه الناحية ولا ما يحط من قدرها أبدا .
مواضيع ذات صلة بالموضوع
• دلائل الإعجاز في حديث ناقصات عقل
http://islamonline.net/arabic/adam/2003/07/article11.shtml
• الإعجاز الفكري في القرآن والسنة
http://www.lahaonline.com/Studies/DesertedSu/a1-11-07- 2003.doc_cvt.htm
• التفكير ومهارات التفكير
http://www.islamway.com/bindex.php?section=articles&article_id=269
• حاجة الأمة إلى التفكير
http://www.saaid.net/arabic/ar108.htm
عزيز محمد أبوخلف
باحث إسلامي
amkhalaf@ksu.edu.sa
====================
هل المرأة ناقصة عقل ودين أو الرجل ؟؟!!
ينعق بعض بني قومي ممن طمس الله بصائرهم
ينعقون بما لا يفقهون
ويهرِفون بما لا يعرفون
ويُردّدون كترديد الببغاوات
فيتبجّحون بملء أفواههم – فض الله أفواههم –
بما ردّده أسيادهم من الغرب أو الشرق
بأن الإسلام ظلم المرأة وأهانها وانتقصها
قلنا : ومتى ؟؟
قالوا : عندما قال عنها : ناقصة عقل ودين !
قلنا : كيف ؟؟
قالوا : بقوله : خُلِقت من ضِلَع !
قلنا : فض الله أفواهاً تنطق بما لا تفقه
قالوا : كعادتكم أيها المتزمّتون ... لا تجيدون سوى الدعاء على خصومكم !
قلنا : إذاً اسمعوا وعُوا .
اسمعوا شهادة أسيادكم ، ومأوى أفئدتكم !
أيها المتعالمون :
لقد عَلِمَ الغربيون أنفسهم أن الإسلام كرّم المرأة .
حتى قال أحد علماء الإنجليز ، وهو ( هلمتن ) قال : إن أحكام الإسلام في شأن المرأة صريحة في وفرة العناية بوقايتها من كل ما يؤذيها ويُشين سمعتها .
وقالت جريدة ( المونيتور ) الفرنسية :
قد أوجد الإسلام إصلاحاً عظيماً في حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية ، ومما يجب التنويه به أن الحقوق الشرعية التي منحها الإسلام للمرأة تفوق كثيراً الحقوق الممنوحة للمرأة الفرنسية . انتهى .
----------
غير أن الطاعنين في دين الإسلام يعتمدون في دعاواهم والحطّ من قيمة المرأة ومكانتها في الإسلام يعتمدون على فهم قاصر لبعض الآيات أو الأحاديث التي يظنون – ظنّاً كاذباً – أن فيها انتقاصاً للمرأة ، وليس الأمر كما ظنُّوا أو توهّموا
والطعن يكون إما نتيجة جهل أو تجاهل ، وكلاهما مُرّ .
ومن الأمور التي يَعُدّها بعضهم انتقاصاً للمرأة ، وآخرون يَظُنُّون أن فيه احتقاراً وازدراء لها ، وليس الأمر كما يظنون ، ولا هو كما يزعمون .
هو قوله عليه الصلاة والسلام عن النساء - : ناقصات عقل ودين . كما في صحيح البخاري ومسلم .
هكذا يبترون النصوص ليستدلوا استدلالاً سقيماً !
أو استدلال بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة : خُلِقت من ضِلَع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه . متفق عليه .
فهذه طبيعة خِلْقَتِها ، وأصل تركيبتها ، خُلِقت لطيفة لتتودد إلى زوجها ، وتحنو على أولادها ، وهي خُلِقت من ضلع ، وطبيعة الضلع التقوّس لحماية التجويف الصدري بل لحماية ملك الأعضاء ، أعني القلب ، ثم هي ضعيفة لا تحتمل الشدائد :
( أَوَمَن يُنَشَّؤا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ )
وتلك حكمة بالغة أن جَعَلَ الله الشدّة في الرجال والرقّة في النساء ، رقّة تُزين المرأة لا تعيبها ، فقد شبهها المعصوم صلى الله عليه وسلم بشفافية الزجاج الذي يؤثّر فيه أدنى خدش ، ويكسره السقوط ولو كان يسيراً .
أَلَمْ يقل النبي صلى الله عليه وسلم لِحَادِيهِ – الذي يحدو ويُنشد بصوت حسَن- : ويحك يا أنجشة ! رويدك سوقك بالقوارير . قال أبو قلابة : فتكلّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلّم بها بعضكم لَعِبْتُمُوها عليه ، قوله : سوقك بالقوارير . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم قال أنس : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حَادٍ حسن الصوت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : رويداً يا أنجشة لا تكسر القوارير . يعني ضعفة النساء
فهذا من باب الوصية بالنساء لا من باب عيبهن أو تنقّصهن
قال النووي : قال العلماء : سمّى النساء قوارير لضعف عزائمهن ، تشبيهاً بقارورة الزجاج لضعفها وإسراع الانكسار إليها .
وقال الرامهرمزي : كنّىعن النساء بالقوارير لِرِقّتهن وضعفهن عن الحركة ، والنساء يُشَبَّهْنَ بالقوارير في الرِّقّة واللطافة وضعف البنية .( نقله عنه ابن حجر في فتح الباري )
يا بني قومي ألا تفقهون ؟؟
ما بالكم تبترون النصوص وتستدلّون ببعضها دون بعض ؟؟(14/104)
إن نص الحديث – كما في الصحيحين – : استوصوا بالنساء ، فإن المرأة خُلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء .
أين أنتم من هذه الوصية بالنساء ؟؟
افتتح الحديث بقوله : استوصوا بالنساء
واختتم الحديث بقوله : فاستوصوا بالنساء
فأين أنتم من هذا ؟؟
--------------
ومن الكُتّاب من يَصِم النساء – إما نتيجة جهل أو تجاهل – بأنهن ناقصات عقل ودين على سبيل الإزراء والاحتقار ، وسمعت أحدهم يقول ذلك في مجمع فيه رجال ونساء ثم وصف النساء بضعف العقل ، وزاد الأمر سوءاً أن اعتذر عن قوله بأن هذا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم ! ثم أورد الحديث : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن . رواه البخاري ومسلم .
وقد بوّب عليه الإمام النووي : باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات .
وهذا القول له جوابان أجاب بهما من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
أما الأول :
فهو إجابته صلى الله عليه وسلم على سؤال النساء حين سألنه : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟
فقال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟
قلن : بلى ، قال : فذلك نقصان مِنْ عقلها .
أليس إذا حاضت لم تُصل ولم تَصُم ؟
قلن : بلى .
قال : فذلك من نقصان دينها .والحديث في الصحيحين .
فهذه العلّة التي عللّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نقصان الدين والعقل ، فلا يجوز العُدول عنها إلى غيرها ، كما لا يجوز تحميل كلامه صلى الله عليه وسلم ما لا يحتمل أو تقويله ما لم يَقُل .
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية :
فيجب أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير فلا يحمّل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يُقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد ، والله المستعان .
[ وأصل الكلام لابن القيم في كتاب الروح ]
أما نقصان الدِّين ؛ فلأنها تمكث أياماً لا تصوم فيها ولا تصلّي ، وهذا بالنسبة للمرأة يُعدّ كمالاً !
كيف ذلك ؟
من المعلوم أن التي لا تحيض تكون – غالباً – عقيماً لا تحمل ولا تلد ؛ وقد جعل الله الدم غذاءً للجنين .
قال ابن القيم : خروج دم الحيض من المرأة هو عين مصلحتها وكمالها ، ولهذا يكون احتباسه لفساد في الطبيعة ونقص فيها . اهـ .
ثم إن نقص الدين ليس مختصا بالمرأة وحدها .
فالإيمان ينقص بالمعصية وبترك الطاعة – كما بوّب عليه الإمام النووي في ترجمة هذا الحديث –
ثم إننا لا نرى الناس يعيبون أصحاب المعاصي الذين يَعملون على إنقاص إيمانهم – بِطَوْعِهم وإرادتهم – عن طريق زيادة معاصيهم وعن طريق التفريط في الطاعات ، ولسنا نراهم يعيبون من تعمّد إذهاب عقله بما يُخامره من خمرةٍ وعشق ونحو ذلك فشارب الخمر – مثلا – إيمانه ناقص ، والمُسبل إزاره في إيمانه نقص ، وكذا المُدخّن ، وغيرهم من أصحاب المعاصي ؛ ومع ذلك لم نسمعهم يوماً من الأيام يقولون عن شارب الخمر : إنه ناقص دين !
بل ربما وُصِف الزاني – الذي يُسافر إلى دول الكفر والعهر لأجل الزنا – بأنه بطل صاحب مغامرات ومقامرات !!
وهذا شيءٌ يُلامون عليه ، بينما لا تُلام المرأة على شيءٍ كَتَبَهُ الله عليها ، ولا يَدَ لها فيه .
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء :
فتأمل هذه الكلمة الجامعة وهي قوله صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة " فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامّة كان ناقص الدين ، وأنت لو دُعِيْتَ : يا ناقص الدين ؛ لَغَضِبْتَ . اهـ .
وأما نقصان عقل المرأة ؛ فلأن المرأة تغلب عليها العاطفة ورقّة الطبع - الذي هو زينة لها - فشهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل ، وذلك حُكم الله وعذرٌ لها .
ثم إن في هذا الحديث بيان أن المرأة ربما سَبَتْ وسَلَبَتْ عقل الرجل ، وليس أي رجل ، بل الرجل الحازم الذي يستشيره قومه في الملمات ، ويستأنسون برأيه إذا ادلهمّت الخطوب .
وكما قيل :
يَصْرَعْنَ ذا اللبّ حتى لا حراك به *** وهنّ أضعف خلق الله إنسانا
وكما أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل
فإن الرجل أحياناً يكون على أقل من النصف من شهادة
المرأة ، فقد تُردّ شهادته إذا كان فاسقاً أو كان مُتّهماً في دينه .
وأما الثاني
من أجوبته عليه الصلاة والسلام
فهو قوله لعائشة - لما حاضت في طريقها للحجّ فعزّاها قائلاً - : هذا شيء كَتَبَه الله على بنات آدم .
وفي رواية : هذا أمرٌ كَتَبَه الله على بنات آدم . رواه البخاري ومسلم .(14/105)
فما حيلة المرأة في أمرٍ مكتوب عليها لا حول لها فيه ولا طول ، فلا يُعاب الرجل بأنه يأكل ويشرب ويحتاج إلى قضاء الحاجة ، وقد عاب المشركون رسل الله بأنهم بَشَرٌ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق . تأمّل ما حكاه الله عنهم بقوله :
( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ )
فَردّ عليهم رب العزة بقوله : ( وَما?أَرْسَلْنَا?قَبْلَكَ?مِنَ?الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ?إِنَّهُمْ?لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ?فِي?الأَسْوَاقِ ) [الفرقان:20] .
وقال سبحانه وتعالى عن رسله:
( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ )
وكان أبلغ ردّ على من زعموا ألوهية عيسى أن أثبت الله أنه يأكل الطعام ، وبالتالي يحتاج إلى ما يحتاجه سائر البشر ، قال تبارك وتعالى : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ) [المائدة:75] .
أخلُص من هذا كلِّه إلى أن المرأة لا تُعاب بشيء لا يَدَ لها فيه ، بل هو أمرٌ مكتوب عليها وعلى بنات جنسها ، أمرٌ قد فُرِغ منه ، وكما لا يُعاب الطويل بطوله ، ولا القصير بِقِصَرِه ، إذ أن الكل من خلق الله ومسبّة الخِلقة من مَسَبَّة الخالق ، فلا يستطيع أحد أن يكون كما يريد إلا في الأشياء المكتسبة ، وذلك بتوفيق الله وحده .
إذا تأملت هذا ، وتأملت ما سبق من أقوال أهل العلم حول هذه المسألة ، فإني أدعوك لتقف مرة أخرى على شيء من أقوال أهل هذا العصر من الغربيين وغيرهم .
وأذكّرك – أخيراً – بأن رقّة المرأة وأنوثتها ولُطفها وشفافية معدنها يُكسبها جمالاً وأنوثة تزينها ولا تعيبها
قال جول سيمون : يجب أن تبقى المرأة امرأة فإنها بهذه الصفة تستطيع أن تجد سعادتها ، وأن تهبها لسواها .اهـ .
ومعنى أن تبقى المرأة امرأة ، أن تبقى كما خلقها الله ، ولأجل المهمة التي وُجِدت من أجلها .
ويعني أيضا أن لا تتدرج المرأة في أعمال الرجل ، فإنها بذلك تفقد أنوثتها ورقّتها التي هي زينة لها .
ولذا لما أُجريَ استفتاء في إنجلترا عن المرأة العاملة كان من نتائجه :
أن الفتاة الهادئة هي الأكثر أنوثة ، لأنها تُوحي بالضعف ، والضعف هو الأنوثة !
أن الأنوثة لا يتمتّع بها إلا المرأة التي تقعد في بيتها .
فقولهم : الضعف هو الأنوثة .
هذا لا يُعدّ انتقاصاً لأنه ... made in England !!!
لأنه نتاج بريطاني !!
أمَا لو قال هذا الكلمة رجل مسلم أو داعية مصلح ، لعُدّ هذا تجنّياً على المرأة وانتقاصاً لها ، فإلى الله المشتكى .
وختاماً :
لا بد أن يُعلم أنه لا يجوز أن يُطلق هذا اللفظ على إطلاقه
أعني قول بعضهم : المرأة ناقصة عقل ودين .
هكذا على إطلاقه .
إذ أن هذا القول مرتبط بخلفية المتكلّم الذي ينتقص المرأة بهذا القول ، ويتعالى عليها بمقالته تلك .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما النساء شقائق الرجال . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث حسن .
كما أنه لا يجوز لإنسان أن يقرأ ( ولا تقربوا الصلاة ) ويسكت
أو يقرأ ( ويل للمصلين ) ويسكت !
فلا يجوز أن يُطلق هذا القول على عواهنه
إذ قد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب قوله ، فلا يُعدل عن بيانه صلى الله عليه وسلم إلى فهم غيره .
وأعتذر أخيراً عن الإطالة
لمصدر : http://saaid.net/Doat/assuhaim/index.htm
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
=====================
هذه القضايا تهم المرأة
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم أمَّا بعد:
فهذا عرض يسير لبعض القضايا التي يحصل اللبس في فهمها من الرجل أو المرأة على السواء ، والتي تحتاج لتوضيح ، ودفع الفهم الخاطئ لها، حاولت الاختصار في عرضها ونقاشها ، لتكون سهلة المنال ، ميسرة للفهم ، واضحة المعنى ، سائلاً ربي التوفيق والسداد ، وإليه الاستناد ، وعليه الاعتماد.
* هل المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟(14/106)
والجواب عن ذلك : أنَّ المرأة مساوية للرجل في الإنسانية وفي أغلب تكاليف الإسلام وفي جزاء الآخرة كما قال تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}وكذا في الموالاة والتناصر؛ ولذا قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(النساء شقائق الرجال)أخرجه أحمد(6/256)وأبوداود في الطهارة(236) من حديث عائشة، وصحَّحه الألباني في الصحيحة(2863). ولكن الإسلام مع ذلك نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها كالجهاد في سبيل الله، أو لعدم ملاءمتها للمرأة كملابس الإحرام، فأسقطها عنها. ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة للمناصب العامة كالخلافة والقضاء ؛ لذا يقول رسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ (لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة)، وأمَّا ما يورده بعضهم إن الإسلام ظلم المرأة في إعطاء الذكر من الميراث ضعفيها ، فإنَّه يقال لهؤلاء: مادام أنَّه تعالى قد شرع ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ولا يعترض عليه كما قال تعالى:(ويسلِّموا تسليما) ثمَّ إنَّ الله مادام قد خلقنا فلا اعتراض عليه لقوله تعالى (لا يُسئل عمَّا يفعل وهم يسألون)وقد قال تعالى:(ألا له الخلق والأمر)فما دام الشرع من عنده تعالى فينبغي على عبيده الاستسلام والخضوع لأمره، ويقال كذلك : إنَّ الشريعة الإسلامية لم تعط المرأة أقل من الرجل في جميع المورايث ، فإنَّه في العصبات قد تستحقُّ المرأة نصف الميراث أو أكثر ، فليست المواريث مطَّردة في إعطاء المرأة أقلَّ من الرجل ، ومما يجاب على ذلك بأنَّ الشريعة فرضت للذكر مثل حظِّ الأنثيين ؛ لأن الرجل هو القوَّام على المرأة ، والمتولي شؤونها فيما تحتاجه، فالقضية ليست للتفضيل الذي لا يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين المسؤوليات.
ولقد بان حقاً أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة الفكرية ، أو المخزون المعلوماتي ، فللفطرة التي ركَّبها الله فيها جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الإدارات لها ؛ فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل ، ولكنَّهنَّ يطالبن بإجازات وضع الحمل ، ورعاية أطفالهنَّ ، فأين إذاً دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!
إنَّ المرأة خُلقت من نفس واحدة ، إذ كان وجودها الأول مستنداً لوجود آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى ذلك فقال: { خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(الزمر:6).
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قوَّاماً عليها ، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، كما قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء:34).
فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير متحققة؛ لأنَّ الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً، وشرعاً منزلاً ثانياً، تمنع من ذلك منعاً باتاً ، ولهذا يقول تعالى في محكم التنزيل :{وللرجال عليهنَّ درجة} يعني في الحقوق الزوجية ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لعن المتشبه من النوعين بالآخر. ولا شك أنَّ سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية التي لا يمكن أن تتحطَّم.
كما نص القرآن على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، في قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...} (البقرة:82)، فالله الذي خلقهما لا شك أنَّه أعلم بحقيقتهما، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة.
قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..} (النساء:32)(وانظر بتوسع:أضواء البيان للشنقيطي5/169)
ومن جميل ما أختم به هذه القضيَّة ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ للمرأة المسلمة:(احذري تهوُّس الأوربية في طلب المساواة بالرجل ، لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاَّق ، ولكنَّ الحلاَّق لم يجد اللحية!) وحي القلم(1/264)
* هل النساء ناقصات عقل ودين ؟(14/107)
قبل البدء بمناقشة هذه القضيَّة يحسن عرض حديث من أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ في الموضوع ذاته ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ، أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار ، فقالت امرأة جزلة منهنَّ: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍّ منكنَّ . قالت: يا رسول الله ! وما نقصان العقل والدين؟قال: أمَّا نقصان العقل ؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين).
[معنى الجزلة:أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتكفرن العشير: أي تنكرنَ فضله]
وقد اختلف كثير من المعاصرين خصوصاً حيال توضيح نقص العقل والدين ، وكان منهم من خضع للروح الغربية ، فسرت في نفسه مظاهر الهزيمة الداخلية ، وبدأ يفسِّر الحديث على حسب ما يفهم ، من خلال الروح الانهزامية الدخيلة ، وبعضهم ادَّعى زوراً على رسول الله بأنَّ مقصده من ذلك الممازحة للنساء اللواتي كان يمازحهن في حديثه هذا ، فكان ذلك من قبيل المباسطة والمداعبة لهنَّ ليس إلاَّ ! وهذا زعمٌ غير لائقٍ في حقِّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو في مقام التبليغ والنصح للأمَّة.
أمَّا الذين هداهم الله ووفقهم لذكر الصواب في هذه القضية فهم السواد الأعظم ـ ولله الحمد ـ من أهل العلم، وقد كانت تفسيراتهم موافقة لمراد رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في إيراده لهذا الحديث، أمَّا من حاول المناكفة والجدل في ذلك على غير الفهم الصحيح ، وبخاصَّة من النساء المتحررات من ربقة العبودية لله ، فيحلو لي أن أذكر قصَّة حدثت قبل فترة في مجلس حاشد جمع أكابر أهل العلم والثقافة ؛ حيث إنَّ الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ كان في أحد المؤتمرات يحاضر حول بعض قضايا الإسلام ، وبعد أن انتهى من ذلك ، قامت امرأة معترضة عليه وقد كانت تحمل شهادة عالية في أحد التخصصات النادرة ، حيث قالت: أوضح لي يا سيدي كيف قال الرسول:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين..) وأنت ترى بأمِّ عينيك إلى المستويات التي وصلنا لها من التخصصات الصعبة والنادرة ، وسنصل فيما بعد إلى أعلى من ذلك ، فأجابها الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ :صدقت ! لكن حين قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(ما رأيت من ناقصات عقل ودين) كان بخطابه ذاك يقصد نساء الصحابة أما أنت وأمثالك ؛ فلا عقل ولا دين!!
أمَّا عن تفسيرات العلماء لهذا النص النبوي فقد جاءت على عدة معانٍ مختلفة ، واختلافها من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ومن ذلك:
1ـ أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بيَّن في الحديث أنَّ نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها ، وأنَّ شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنَّها قد تنسى أو تزيد في الشهادة ، ولهذا قال تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والضلال هنا فسَّره أهل العلم بأنَّه النسيان ، والمرأة معروفة بطبيعة الحال بأنَّها في التفكير والإبداع قد تكون أقوى من الرجل لأنَّها تستغل التفكير بالعقل الأيمن المتجه للإبداع والمهارات الابتكارية ، ولكنَّها في الحفظ واستذكار المعلومات فهي قليلة الضبط لها ، وأكثر نسياناً من الرجل ؛ وذلك لطبيعة الفطرة التي ركَّبها الله فيها، ولذا قال تعالى :( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).وأمَّا سبب نقصان دينها فلأنَّها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم، ولا تقضي الصلاة (فهذا من نقصان الدين). ومما ينبغي التنبيه إليه أنَّ المرأة غير مؤاخذة على هذا النقصان ؛ لأنَّ ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم ، وفطرهنَّ عليه ، رفقاً بهن وتيسيراً لأمرهن
2ـ وقال بعضهم إنَّ ممَّا يُفهم من هذا الحديث أنْ تكون المرأة ، بطبيعتها الأنثوية أنقص عقلاً من زوجها ، لتستطيع أن تخلب لبَّه ، وقد جاء في حديث آخر:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ) ولذا فقد تفعل المرأة بعض الأشياء ، لتحبِّب زوجها فيها من حسن تبعلها له ، وحسن تدللها، لينجذب لها ، ويميل لحبها ، وقد وصف العرب النساء بهذه الخاصِّيَّة فقال شاعرهم:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا(14/108)
لهذا فالمرأة طَبَعَهَا الله على ذلك لتؤدي دورها في الحياة الزوجية ، كما أنَّ الرجل جبله الله على الخشونة والقيام بأمور زوجه ، لتتعادل الحياة الزوجية ما بين الخشونة والنعومة ، ويؤدي كلٌّ من الزوجين دوره تجاه الآخر، لهذا كانت المرأة تحبُّ الزينة والتجمل والحلي ، ومن كانت هذه غالب اهتماماته الدنيوية ، فإنَّه سيكون عقله منشغلاً بها عن غيرها من الاهتمامات الأخرى، للتصدر للناس في الدعوة والتربية والتعليم ؛ ومما يدلُّ على ذلك قوله تعالى :(أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) فطبيعة من نشأ في الجو المخملي والمترف ، ومن يبحث عن الأزياء و(الموضة)وأدوات التجميل ،أن يكون أكثر تفكيره وطلبه متَّجهاً لذاك الشيء ، ولا يعير اهتماماً لهموم أخرى إلاَّ ما رحم الله ، وإن كان قد ذكر التأريخ الإسلامي قديماً وحديثاً من النساء اللواتي سطَّرن بأقلامهنَّ ، أو بدعوتهن وتوجيههن ، أو بدمائهن ، ما يفتخر المسلمون به ، ويفاخرون به الأمم ،ولا ريب أنَّ المرأة المسلمة لعبت دوراً كبيراً في الدعوة إلى الإسلام والتعلم ، والجهاد من أجله.
3ـ أنَّ المرأة تمرُّ بفترات وتغيُّرات جسدية قد تعاني منها كثيراً،وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها ، وقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية هذا ، وأنَّ له تأثيراً شديداً على نفسية المرأة ، ممَّا يعرِّضها للإصابة بالإحباط ، وقلَّة التركيز والكسل ، واضطراب الذاكرة ، كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها ، وتصيبها بالقلق ، والوهن ، وتغير المزاج ، والتوتر ، والشعور بالوحدة ، وثقل الجسم.
4 ـ العقل جاء لعرض الآراء ، واختيار الرأي الأفضل ، وآفة الاختيار الهوى والعاطفة ، والمرأة بطبعها تتحيز إلى العاطفة وتتميز بها ، فهي معرضة للحمل ، واحتضان الوليد ، فالصفة الغالبة عليها العاطفة وهذا مفسد للرأي ؛ ولهذا فهي تحكم على الأشياء متأثرة بعواطفها التي جُبلت عليها،فكانت النساء ناقصات عقل ؛لأنَّ عاطفتهنَّ أزيد . وأكبر دليل على عاطفة المرأة تحمُّلها لمتاعب الحمل والولادة ، وصبرها على رعاية طفلها، ويصعب على الرجل أن يتحمل ما تتحمله المرأة في ذلك.
ولهذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يأمر بمراعاة مشاعر المرأة ؛ لأنَّها رقيقة ، وعاطفتها تجيش بسرعة وتندفع بقوة ، وحين كان حادي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يحدو في سفره وهو يسوق ليروِّح عن الناس تعبهم وعن الإبل جهدها ، ناداه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً له: (يا أنجشة رفقاً بالقوارير) فشبَّه رسول الله ـ صلّىَ الله عليه وسلَّم ـ النساء بأنَّهن قوارير، مراعاة لعواطفهنَّ ومشاعرهنَّ.
أمَّا عن نقصان دينها ؛ فلأنَّ المرأة تُعفى من فروض وواجبات لا يعفى منها الرجل ، فهي تعفى من الصلاة في دورتها الشهرية ، وتعفى كذلك من الصيام وقت حيضها ، أو حملها ورضاعها ، وتعفى من الجهاد ، وصلاة الجمعة ، والجماعة في المسجد، فصارت تكاليف المرأة الدينية أقلَّ من تكاليف الرجل الدينية ، وذلك تقدير من الله لجِبِلَّتِها التي فُطِرَت عليها، وصدق الله حين قال:(للرجال نصيب ممَّا اكتسبوا وللنساء نصيب ممَّا اكتسبن)النساء(32)
وممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ وصف المرأة بهذا الوصف لا يعني ذلك نفيه عن بعض الرجال ، وأنَّهم لا يمكن أن يوصفوا به ، فهناك الكثير من الآيات القرآنية التي نفت العقل عن كبراء القوم ، وعظمائهم من المنافقين والكفار، لتنكبهم صراط الله المستقيم ، وإيثارهم الزائلة الفانية ، على الدائمة الباقية، فهم ناقصو عقول ، ومنعدمو دين ـ عياذا بالله من ذلك ـ
* هل الإسلام يدعو إلى ضرب المرأة وانتهاك كرامتها؟!
والجواب عن ذلك إن الإسلام لمَّا بيَّن حقوق الزوجين ، وما يراعيه كلٌّ منهما في حقِّ الآخر، بيَّن أنَّ المرأة إذا بدأت منها علامات النشوز ، فليكن موقف الزوج تجاهها عادلاً ، فلا تأخذه الأهواء أو النزعات الانفعالية ، فإنَّ هذا موكل لترتيبات الشارع الحكيم ، في علاج تلك المشكلة ، فلا يكون الضرب أو الطلاق أولها ، ولذا كانت مراتب التأديب كما يلي:
1ـ الوعظ بلا هجر ولا ضرب : قال تعالى : (واللاَّتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ...) أي فَيُذَكَّرن بكتاب الله ، وحقوقهنَّ على أزواجهنَّ ، فإن أبت الزوجة ، ولم ينفع معها الوعظ والتذكير ، فينتقل إلى المرتبة الثانية.
2ـ الهجر في المضاجع : قال تعالى:(واهجروهنَّ في المضاجع...) وذلك بأن يولِّيها ظهره في المضجع ، أو ينفرد عنها في فراش يخصه ، كما يجوز له أن يهجرها فترة طويلة ؛ فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه هجر نساءه شهراً ، ولهذا جوَّز أهل العلم هجر الزوج لزوجه أكثر من ثلاثة أيام بسبب عذره الشرعي لنشوز المرأة ، وترفعها عنه كما ذكره الإمام الخطابي في معالم السنن ، وغيره من أهل العلم.(14/109)
وهذا يخص من أحاديث النهي العامة التي تنهى عن هجر المسلم لأخيه المسلم أكثر من ثلاث ، كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) أخرجه البخاري.
3ـ الضرب: كما قال الله تعالى:(واضربوهنَّ) ولا يكنْ ذلك بداية علاج الداء ، وليكن هو آخره ؛ فإنَّ آخر العلاج الكي، ولذا كان القول الحقُّ من أقوال العلماء أن لا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها ، كما هو مذهب الإمام أحمد ، وقول ابن عبَّاس ، وغيرهم كثير من أهل العلم .
ثمَّ إنَّ الضرب للزوجة ، ليس على إطلاقه بل له عدَّة شروط:
أ ـ أن تصرَّ المرأة على النشوز والعصيان.
ب ـ أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير.
ج ـ أن يراعي الرجل ، مقصوده من الضرب ، وأنَّه للعلاج والتأديب لا غير ، فينبغي التخفيف منه بقدر الإمكان ، ويتحقق ذلك كما ذكره أهل العلم (باللكزة ونحوها أو بالسواك) ولهذا وصَّى رسول الرحمة محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أمَّته في حجة الوداع قائلاً:(...اتَّقوا الله في النساء ، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله ، وإنَّ لكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهنَّ ضرباً غير مبرح) وقد عدَّ الألوسي الضرب غير المبرح بأنَّه(الذي لا يقطع لحماً ، ولا يكسر عظماً) روح المعاني(5/562)
ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه ، ولم يكن لها علاج إلا الضرب ، بأن يتقي الله في ضربه . قال عطاء : قلت لابن عبَّاس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال: السواك ونحوه.ويتجنَّب المواضع المخوفة كالرأس والبطن ، وكذا الوجه ؛ فإنَّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن ضرب الوجه نهياً عاماً، ولذا ذكر المحققون من أهل العلم ، كالنووي بأنَّ الرجل لو ابتلي بضرب زوجه ، وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها ، بأنَّ زوجها يجب عليه الغرم ؛ لأنَّه كما قال النووي تبيَّن بأنَّ ذلك منه للإتلاف لا للإصلاح.
وقد أخرج أبو داود من حديث معاوية بن حيدة القشيري ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ! ما حقُّ زوجة أحدنا عليه ؟ قال:(أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبِّح ، ولا تهجر إلاَّ في البيت)أخرجه أبو داود وصحَّحه ابن الملقن في البدر المنير(8/289) وكذا قال الألباني:(حسن صحيح) في صحيح سنن أبي داود/صـ402.
فهذا هو موقف الإسلام من قضية ضرب المرأة ، وليس كما يمثِّله العلمانيين ، والذين يقولون إن الإسلام يأمر بضرب المرأة وإهانتها ، أو المنهزمون الذين ينفون ذلك عن الإسلام بروح الهزيمة لقلَّة تضلعهم بعلم الشريعة ، واطَّلاعهم على النصوص التي تعرضت لذلك ، آخذين نصَّا مبتسراً من عدة نصوص من الكتاب والسنة ، مع عدم ذكر سباق النص ولحاقه ، ليتضح المعنى ، وتبين الصورة .
ولا يعني ذلك أنَّ الرجل إذا استخدم هذا العلاج الأخير مع زوجه أنَّه يكرهها ، أو يكنُّ لها حقداً ؛ كلاَّ...فالرجل قد يضرب ابنه على معصية ارتكبها ، وابنه من أحبِّ الناس إليه ، لكنه فعل ذلك لأجل حبِّه لابنه ، فيكون رجلاً مستقيماً على دينه ، ومرضياً عند ربه.
* هل من المعقول أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان،لأنَّ الله يقول عن النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم) ويقول عن الشيطان (إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)؟!
والحقُّ أنَّ هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على قولين:
1ـ أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان لظاهر نصِّ الآية؛ وممن اختار هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ؛ حيث يقول في كتابه المذكور(2/217):(كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ، والآية المذكورة هي قوله:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)فقوله في النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم)وقوله في الشيطان(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)يدلَّ على أنَّ كيدهن أعظم من كيده.
ويضيف الشيخ ـ رحمه الله ـ : قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة قال : قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(إنَّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ؛ لأنَّ الله تعالى يقول:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ) وقال تعالى:(إن كيدكن عظيم) ا.هـ وقال الأديب الحسن بن آية الحسني الشنقيطي:
ما استعظم الإله كيدهنه إلاَّ لأنهن هنَّ هنه)ا.هـ
2ـ الرأي الآخر يرى أنَّ المسألة تحتاج لتوضيح، وتبيين ما في الآيتين من فروق ومن ذلك:
أ ـ أنَّ الظاهر لا مقابلة بين العظيم والضعيف.
ب ـ الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسهنَّ ، وبالنسبة للشيطان للعموم.
ج ـ كيد الشيطان كان ضعيفاً ؛ لأنَّه يمكن دحره والتخلص منه بالاستعاذة ، أو الأذان ، أو ذكر الله عموماً، وكيد النساء عظيم ؛ لأنه من الصعب طردها!(14/110)
دـ أنَّ قوله تعالى:(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفا) فالآية تقابل بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان ، فمن الذي سيكون كيده ضعيفاً؟لا شكَّ أنَّه الشيطان ، فكيد الشيطان بالنسبة لأولياء الله الصادقين ضعيف لا يقدر عليهم، كما أخبر الله تعالى (إنَّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فمن كان يسنده القوي فأنَّى يضعف؟!
أمَّا ما ورد في سورة يوسف ، فالمقابلة بين كيد المرأة وكيد الرجل، ولا شكَّ أنَّ كيدهنَّ أعظم من كيد الرجل ـ والقصص في ذلك كثيرة جداً ـ وجاء وصف كيدهنَّ على العظمة المطلقة مبالغة في تحقيق ذلك الوصف فيهنَّ، وقد نبَّه على هذه النقطة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في بعض دروسه وشروحاته والله أعلم .
فيتبين أن الراجح ـ والله أعلم ـ أنَّ كيد المرأة ليس أقوى من كيد الشيطان ، فقد وصف الله كيد المرأة في سياق معين ، ووصف كيد الشيطان في سياق معين ، وكيد الشيطان أعظم من كيد المرأة ، لأنَّ كيد المرأة جزء من كيد الشيطان ، ولكن ذكر بعض أهل العلم أنّ كيد الشيطان عن طريق الوسوسة ، بينما كيد المرأة عن طريق المباشرة ، والمواجهة وهذا يكون له أعظم الدور في التأثير على المقابل.
وليس يعني ذلك أنَّ هذا الكيد يعدُّ مظهراً من مظاهر القوَّة ، بل هو من مظاهر الضعف كما بيَّنه الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي ؛ فكيد المرأة لا علاقة له بكيد الشيطان بحال من الأحوال ، لأنَّه أسلوب الضعيف الذي يحاول أن ينال حقَّاً ، لا يستطيع الوصول إليه صراحة .
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
=====================
لماذا لا يتحجب الرجل
عزيز محمد أبو خلف
باحث إسلامي
amakhalaf@gawab.com
تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم ، وذلك من اجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه . ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية ، لان الإسلام دين مؤثر عملياً ، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة ، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى .
تتركز المحاولات بشراسة من اجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة ؛ فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها ، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها . كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب ، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة . لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه ، وعلى الحجاب ، وعلى التعدد ، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية .
فلسفة الإسلام في النظرة إلى الرجل والمرأة
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة ، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة ؛ فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك ، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة . وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً ، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف ، في حين إن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود ، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف .
الإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه ، ويحث على تكثير النسل . كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب ، ويمنع التبرج والخلوة ، ويدعو إلى ستر العورات ، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها .
كما إن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية ، ويراعى الفروق بينهما . فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان ، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت ، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها ، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن ، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة . ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود ، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه . كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف . وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم ، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها ، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور .(14/111)
وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر ، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا . ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر . وبناء عليه فان للرجل أن يطلب اكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة ، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه . فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة ، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها .
لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل ، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدْعُ صاحبته إلى ذلك ، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه . فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته . وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه ، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة . وبما انهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام ، فانهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة . والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل ، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس . فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك ، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك .
لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة ، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر ؛ فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين ، وما بين السرة والركبة عند الرجل . كما يُشترط في اللباس ألا يصف ، ولا يشف ما تحته ، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر ، مع مطالبة الطرفين بغض البصر . فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى ، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك ، فأين الفرق؟
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة ، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى . فالمرأة مطلوبة ، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره ، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء . فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة ، وقد يلجا إلى العنف ، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها . لكن لننظر إلى العكس ، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته ، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً ، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها . أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا ، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة .
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى ، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب ؛ فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة . أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح ، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة ، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى .
شبهات أخرى
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم ، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن . نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه ، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا ، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة .
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال . الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته . لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب ، وهذا غير صحيح ، بل لان الله فرضه وهذا دائم . ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث ، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا ، وسواء فتنت الرجال أم لا ، وسواء افتتن بها الرجال أم لا .
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية ، وان المقصود هو حماية الرجل . وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وان الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر ، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته ، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية . والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء ، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة ، فمصير ذلك القلق الدائم .
هل لنا أن نتساءل؟(14/112)
هناك من يتساءل : إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به ، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك ، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع . فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق ؛ ف الإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه . وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة ، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل . أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية ، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن ، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها ، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر
=====================
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .
ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .
وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .(14/113)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .
وبالجملة ؛ ف الإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .
ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .
ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام .
وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب .
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة .
والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .
وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها !
ينظر : "عودة الحجاب" (2/47- 56) .
فكيف يقارن هذا ب الإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها ، والإنفاق عليها ؟!
ثانياً : وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري ، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم ، ومن أحكام هذه الشريعة : بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة . وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها ، وتطبق شريعة ربها ، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها .
ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها ، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا ، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس ، وكل مسئول عن نفسه .
الإسلام سؤال وجواب
====================
المعاشرة بالمعروف(14/114)
إن الزواج مبني على التفاهم والمحبة والتراحم والمعاشرة الحسنة بالمعروف وإعطاء كل من الزوجين للآخر حقه.... قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
وينبغي لكلا الزوجين أن يكون ستراً ولباساً لصاحبه يعفه عن التطلع إلى ما حرم الله تعالى، وأن يقيما حياتهما على طاعة الله ومن ذلك تشاورهما في برامجهما، ولكن شرع الله حاكم عليهما ويجب التسليم له دائماً، ولا شك أن امتناع الزوجة عن موافقة زوجها في طلب الفراش معصية خطيرة يجب الحذر منها، لما توجبه من سخط الله ولعن الملائكة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها.
ومحل هذا إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك، فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً، كأن كانت مريضة لا تطيق الجماع مثلاً، فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك، بل قد يحرم عليها إجابته إلى الجماع أحياناً، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك.
ولكن مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضاً، وبما تطيقه إن كانت مريضة، قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا من الاستمتاع بما فوق الإزار. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قوله: "فبات غضبان عليها" المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة، إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك. انتهى.
كما يجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن الاعتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت فيه نصوص الوحي، فقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36}، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}، وقال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}.
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
وقال عز وجل في كتابه مبينا أن السخط من أحكامه وعدم الرضا بها كفر: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:28}، وذكر العلماء سبعة شروط لـ (لا إله إلا الله) حتى ينتفع بها قائلها، ومنها: الانقياد والقبول لما دلت عليه لا إله إلا الله من: إفراده تعالى بالعبادة والطاعة، ثم إن الله تعالى جعل للمرأة حقوقا على الرجل يجب عليه أن يسلمها لها، وأوجب عليها مقابل ذلك طاعته وتسليم نفسها له إن أرادها للفراش وكانت مستطيعة، لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عن ما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، فمتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، ولا يخفى أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
الريحانه
================
ختان النساء
أولا مشروعية الختان
أخرج الإمام احمد و ابن ماجة و الترمذى و اللفظ لأحمد قال(14/115)
حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ
و فى صحيح مسلم و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا هشام بن حسان حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري ح و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى وهذا حديثه حدثنا هشام عن حميد بن هلال قال ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي موسى قال اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط فقد وجب الغسل قال قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل
قال العسقلانى: الختان اى الموضع الذى يختن
قلت فهذا يدل على ان النساء فى عهد النبى كن يختتن
فقد اشار الى فرج الانثى بلفظ الختان
و اخرج ابو داوود فى سننه قال
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ
أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
قال العلامة الالبانى " حديث صحيح"
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=16216
قلت : و لعل قول النبى لا تنهى اى لا تبالغى فى ازاله الغلفة
و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف الديك( الغلفة) او بعضها
وَفِي النِّهَايَة فِي مَادَّة شَمَمَ . وَفِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة : " أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي " شَبَّهَ الْقَطْع الْيَسِير بِإِشْمَامِ الرَّائِحَة وَالنَّهْك الْمُبَالَغَة فِيهِ/ عون المعبود شرح سنن أبى داوود
و قال الامام ابن تيمية: نَعَمْ تَخْتَتِنُ" اى المرأة" وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ
و قال ابن القيم: قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و النواة هى نفس العضو clitoris الذى تغشاه الغلفةprepuce "ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها
http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book=95&id=191
و قال الامام تقى الدين ابن تيمية
عندما سئل هل تختتن المراة؟
نَعَمْ تَخْتَتِنُ وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ {و تلك الجلدة هى القلفة prepuce او clitoralhood
http://en.wikipedia.org/wiki/Image:C...er_anatomy.gif }
}قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَافِضَةِ - وَهِيَ الْخَاتِنَةُ - : { أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَبْهَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى لَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ } يَعْنِي : لَا تُبَالِغِي فِي الْقَطْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِخِتَانِ الرَّجُلِ تَطْهِيرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي الْقُلْفَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ تَعْدِيلُ شَهْوَتِهَا فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ قلفاء كَانَتْ مُغْتَلِمَةً شَدِيدَةَ الشَّهْوَةِ . وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُشَاتَمَةِ : يَا ابْنَ القلفاء!!! فَإِنَّ القلفاء تَتَطَلَّعُ إلَى الرِّجَالِ أَكْثَرَ وَلِهَذَا يُوجَدُ مِنْ الْفَوَاحِشِ فِي نِسَاءِ التتر وَنِسَاءِ الْإِفْرِنْجِ مَا لَا يُوجَدُ فِي نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا حَصَلَتْ الْمُبَالَغَةُ فِي الْخِتَانِ ضَعُفَتْ الشَّهْوَةُ فَلَا يَكْمُلُ مَقْصُودُ الرَّجُلِ فَإِذَا قُطِعَ مِنْ غَيْرِ مُبَالِغَةٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِاعْتِدَالِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قلت: فالختان المشروع هو ازالة القلفة التى تحيط ببظر الفتاة removal or splitting of the clitoral hood.
و هذا يوازى فى ختان الذكور ازالة القلفة التى فى مقدمة ذكر الصبى(14/116)
و ليس ازلة البظر clitoris او حتى جزء منه فهذا مما نهى عنه النبى صلى الله عليه و سلم بقوله للخافضة
أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي
ووضح العلة من ذلك بقوله
فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
اراء المذاهب
حُكْمُ الْخِتَانِ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْخِتَانِ عَلَى أَقْوَالٍ : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : 2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ : إلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَهُوَ مِنْ الْفِطْرَةِ وَمِنْ شَعَائِرِ الإسلام ، فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ ، كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ . وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ خِتَانُهَا مَكْرُمَةً وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِنَّ كَذَلِكَ ، وَفِي ثَالِثٍ : إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ . وَاسْتَدَلُّوا لِلسُّنِّيَّةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا : { الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ } وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ } . وَقَدْ قُرِنَ الْخِتَانُ فِي الْحَدِيثِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْجَسَدِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى قَصِّ الْأَظْفَارِ . الْقَوْلُ الثَّانِي : 3 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : إلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَاسْتَدَلُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ } وَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ لَنَا بِفِعْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فَكَانَتْ مِنْ شَرْعِنَا . وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ : { أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ } قَالُوا : وَلِأَنَّ الْخِتَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَجْلِهِ ، وَلَمَّا جَازَ نَظَرُ الْخَاتِنِ إلَيْهَا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ شِعَارِهِمْ . وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْتَتِنَّ ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ فَضْلَةً فَوَجَبَ إزَالَتُهَا كَالرَّجُلِ . وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَنَّ بَقَاءَ الْقُلْفَةِ يَحْبِسُ النَّجَاسَةَ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا . الْقَوْلُ الثَّالِثُ : 4 - هَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي ، وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ .
http://feqh.al-islam.com/Display.asp...23%23%23%23%23
قلت و خلاصة القول
وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ
الأسباب الطبية لجراحة الختان الشرعى:
أسباب عضوية:
ـ حجم القلفة وزيادة طولها.
ـ وجود التهابات بينها وبين البظر مما يؤدي إلى شدة حساسية البظر والألم عند لمسه.
ـ تراكم اللخن مما يزيد من تكاثر البكتريا والتهابات الجهاز البولي الصاعد.
ـ الالتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه الالتهابات، والتي تؤدي إلى قفل المجرى البولي والتناسلي خاصة في الأطفال قبل سن البلوغ وفي مرحلة الكبر في سن اليأس (نسبة لقلة هرمون الإستروجين).
أسباب جنسية:
ـ قلة الإرتواء الجنسي نسبة لضيق القلفة للالتصاقات أو كبر حجمها، وبعد البظر إلى داخل الجسم.
ـ شدة الشبق الجنسي نتيجة للالتصاقات والحكة وكثرة الانشغال بالمنطقة وملامستها.
أسباب نفسية:(14/117)
البرود الجنسي، الهستريا، التبول اللاإرادي، بعض حالات الاكتئاب النفسي، حالة النيمفومينيا " الهوس الجنسى"
و يؤيد ذلك ما ورد فى دائرة المعارف المجانية
http://en.wikipedia.org/wiki/Female_circumcision
Clitoridotomy
"Clitoridotomy" (also called "hoodectomy" as a slang term) involves the removal or splitting of the clitoral hood. The United Nations Population Fund states that this is comparable to male circumcision.[1] In the United States and other Western countries, clitoridotomy is usually performed on adult women rather than on children. (Sunna circumcision, named after the Arabic word for anything approved by Islamic law and centred in Islamic tradition: in fact, there is no genuine approval for this, and some Muslim clergy oppose all forms of FGC
و فى نفس المصدر السابق
Through the 1950s, some doctors continued to advocate clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40 patients who needed this attention." The author describes symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation, frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing "dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-year old was no longer masturbating so frequently after the procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S., the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl, reportedly to stop her from masturbating.
medical discussion of the topic of female sunna circumcision
this message deals with the topic of female circumcision it's mostly written in English so it will be difficult for those who dont have medical background to cope with
I apologize for any scientific mistakes that may be encountered. in fact the data on the web are some what controversial ,contradicting and some times misleading
medical indications of female circumcision" hoodectomy"
Two Common Abnormalities
The two common problems that make the highly sensitive area of the clitoris unable to be stimulated are phimosis and redundancy. Sebaceous glands about the clitoris attempt to prevent adhesions of the prepuce to it. This sometimes fails and the clitoris is tightly adherent to the prepuce. This defect is recorded as 1 plus or 25 per cent of the normal surface adherent, to 4 plus or complete coverage. A prepuce for the protection of the clitoris is normal and useful, but if it is excessive and extends past the eminence of clitoris it can prevent contact and is harmful : said doctor W.G. Rathmann, M.D and He added :
Additional Indications
The following situations would indicate the need for circumcision although less phimosis or redundancy is present.
1. If the patient is quite adipose, a circumcision could be indicated although she has less anatomic defect. Obstruction by the adjacent tissues adds to her problem. This operation may help cure her adiposity by relieving psychosomatic factors.
2. If the husband is unusually awkward or difficult to educate, one should at times make the clitoris easier to find.
3. If the clitoris is quite small and is difficult to contact, a circumcision might help by making it more accessible
dr. Rathmann made a Questionnaire on a groupe of women on which he perfomed the surgical procedure " hoodectomy" and received 112 Questionnaires
the results:
in
73"women" had never experienced an orgasm:
9 Not Successful (12.4%)
64 Successful (87.6%)
in
39"women" had experienced an orgasm with difficulty:
5 Not Improved (12.5%)
34 improved (87.5%)
http://www.noharmm.org/femcirctech.htm
in an article published on scientific American .com :(14/118)
Why do so many women have difficulty reaching orgasm? A new study suggests that, for some, an anatomical disorder may be to blame. Researchers at Boston University School of Medicine report that roughly one quarter of the women they have treated for sexual dysfunction have clitoral phimosis, which means the hood of skin surrounding their clitoris is too tight or there is no opening in the skin for the glans of the clitoris to protrude for stimulation. The scientists, who were led by Irwin Goldstein, presented their findings at the Female Sexual Function Forum, a four-day meeting in Boston of physicians and therapists that ended Sunday.
The analysis was based on photographs taken of the vulvas of roughly 200 women who have been evaluated at Boston University's Woman's Sexual Health Clinic since its opening in 1998.
It adds:
Goldstein and his co-workers found that women with the highest degrees of phimosis were the most likely to report problems experiencing orgasm. Clitoral phimosis is roughly equivalent to an uncircumcised man with an extremely tight foreskin.
http://www.sciam.com/article.cfm?art...D9F&sc=I100322
on wikipedia .org :
Through the 1950s, some doctors continued to advocate clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40 patients who needed this attention." The author describes symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation, frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing "dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-year old was no longer masturbating so frequently after the procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S., the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl, reportedly to stop her from masturbating. Justification of the procedure on hygienic grounds, or to reduce masturbation, has since declined. The view that masturbation is a cause of mental and physical illness has dissipated since the mid-20th century
http://en.wikipedia.org/wiki/Clitoridotomy
i say:
so justification of the procedure on hygienic grounds or to reduce masturbation has declined as the view that masturbation causes mental or physical illness has dissipated!!!! Ofcourse they" infidels"don’t care if the girl is a chronic maturbator
, sexually hyperactive or not.
The part to be taken during hoodectomy:
I say just what makes the clitoris easier to find.!!
Just to expose part of the clitoris like the glans or more to make the clitoris accessible
This procedure is to be performed only if the clitoris is redundant or tight
مقدار ما يؤخذ فى الختان
قال صلى الله عليه و سلم فى الحديث الذى رواه ابو داوود قال:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ
أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
قال العلامة الالبانى " حديث صحيح"
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=16216
قلت : و لعل قول النبى لا تنهى اى لا تبالغى فى ازاله الغلفة
و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف الديك( الغلفة) او بعضها
وَفِي النِّهَايَة فِي مَادَّة شَمَمَ . وَفِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة : " أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي " شَبَّهَ الْقَطْع الْيَسِير بِإِشْمَامِ الرَّائِحَة وَالنَّهْك الْمُبَالَغَة فِيهِ/ عون المعبود شرح سنن أبى داوود(14/119)
و قال الامام ابن تيمية: نَعَمْ تَخْتَتِنُ" اى المرأة" وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ
و قال ابن القيم: قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و النواة هى نفس العضو clitoris الذى تغشاه الغلفةprepuce "ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها
http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book=95&id=191
But some argue that the prepuce covers the clitoris and prevents any painful tactile stimulation of it
i say: this occur in some not all women whose clitorises are too sensitive after orgasm, making additional stimulation painful; they are probably not able to experience multiple orgasms. " as said by the article published on psychcentral.com"
http://psychcentral.com/psypsych/Org..._female_orgasm
But during the preceding phases of orgasm " namely excitation, plateau and orgasmic phases" stimulation of clitoris is beneficial for optimum sexual pleasure and the woman " whose clitoris is too sensitive and had hoodectomy"can already have a successful orgasm but those who argue talk about the miracle called multiple orgasms!! Namely successive orgasms
They want to say, seemingly, ahusband should leave the clitoris untouched during intercourse definitely after the woman first orgasm so lets the woman to have multiple orgasms and that comes when the prepuce covers the clitoris so if she loses her prepuce the clitoris will be exposed" i say: this can be avoided by chosing a sexual position with which its impossible to the clitoris to be touched by the husband "
So the uncircumcised woman can experience what is called multiple orgasms and she knows when to stimulate manually her clitoris and when not to ;of course if her clitoris is too sensitive she avoid s touching it after orgasm in order to attain additional ones! Adding the view that women can attain orgasms even without direct stimulation of their clitorises what is called vaginal orgasm " but this is controversial"
Vaginal Orgasms
A vaginal orgasm is achieved via stimulation of the interior of the vagina, which includes the G-Spot, the interior walls and the cervix. Vaginal orgasms are usually described as "deep" and "relaxing", and can be followed by a profound sense of calm. There is a difference in physiological response between the two types of orgasms as well. Masters & Johnson, who began their human sexuality studies in the 1950's and who are considered to be pioneers in the filed of human physiology, reported that "during a vaginal orgasm the internal organs are pushed downward, contracting the upper half of the vagina".
Clitoral Orgasms
The clitoral orgasm is achieved by direct stimulation of the clitoris. This can be achieved either manually, orally, during intercourse or with the aid of sex toys. The clitoral orgasm is probably the most common form of orgasm among women. In fact, the clitoris is actually very similar in structure to the penis. It is made up of the same type of tissue, and is lined with the same sensitive nerve endings. Clitoral orgasms are typically described as "higher" and "intense" and can be accompanied by a sense of over stimulation. Many women report that their clitoris is too sensitive to be touched directly following an orgasm. Masters & Johnson also discovered that there are physiological changes during clitoral orgasms that do not exist during a vaginal orgasm. They described the response to clitoral stimulation as "tenting", which means that the internal organs, for example the bladder and the uterus, are "pulled up towards the breast, expanding the top of the vagina".
So if the woman is to or should!! have multiple orgasms and her clitoris is too sensitive and even painful to touch after orgasm she must depend on or shift to what is called vaginal orgasm!! so just she lets her husband's copulatory organ in and out without touching the clitoris
بن مريم(14/120)
=====================
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا
1- في الحضارات السابقة للإسلام :
كانت المرأة, في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الإرث حتى لا ينتقل المال بزواج البنت من بيت الأب الى بيت الزوج, وكان ينحصر الإرث في الابن الأكبر البالغ القوي القادر على حمل السلاح والدفاع عن القبيلة0
2- في الشريعة الإسلامية :
لقد تناولت الشريعة الإسلامية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل وتحديد شمل جميع حالات التوارث وسببه وموانعه وترتيبه0
أ - (حق المرأة في الأرث) :
أعطى الإسلام المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله نصيباً مفروضاً لها لقوله تعالى :( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)النساء)0
ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الآية تقرر قاعدة عامة في تثبيت شرعية الإرث الذي يحق للجنسين -الرجال والنساء- كما يرون فيه تشريعاً حقوقياً لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي توريث المرأة0
وتنحصر أسباب الإرث في الشريعة الإسلامية في ثلاثة : الزوجية والقرابة والتعصيب0 وأنواعه بثلاثة أيضاً : { الإرث بالفرض و الإرث بالتعصيب و الإرث بالرحم }
1- {الإرث بالفرض} :
والفرض "لغة " معناه التقدير, وقد أطلق الفقهاء على بحث المواريث " علم الفرائض " لأن أنصباء الورثة محدودة
مقطوعة0 فالتوريث بالفرض يعتبر, بمثابة ميراث بالتخصيص أي أن أصحاب الفروض يأخذون فرضهم أو حصتهم المحفوظة من التركة قبل أي وارث آخر نزولاً عند حديث الرسول الشريف : " الحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فهي لأولى رجل ذكر "0
ترث المرأة بالفرض في ثمانية حالات في حين لا يرث الرجل بالفرض إلا في أربعة حالات فقط0
وهذه الحالات التي ترث فيها المرأة بالفرض هي :
*الزوجة : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12)النساء)
*الأم : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)النساء)
*البنت : فرض لها النصف إذا لم يكن معها أخ أو أخت : (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (11) النساء )
*بنت الابن : ترث بالفرض إذا لم يكن يحجبها فرع وارث أعلى منها لا من الذكور ولا من الإناث0
*الأخت الشقيقة : ترث أخاها المتوفي النصف فرضاً إن كانت واحدة أي ليس لها أخ أو أخت شقيقة وألا ترث وفق (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء)0
*الأخت لأب : إذا لم يكن معها أخت شقيقة للمتوفي تخضع لنفس أحكام الأخت الشقيقة0
*الجدة الصحيحة : وهي أم لأب أو أم أب الأب , أو أم الأب وكذلك أم الأم, وهي ترث بواقع السدس إن كانت واحدة0
2- {الإرث بالتعصيب}:
ترث المرأة بالتعصيب إذا كانت تشترك في جهة القرابة بدرجة واحدة كالأخ مع أخته الشقيقة أو أخوته, وكبنت الابن مع ابن مساو لها في الدرجة ولم يحجبهم من هو أقرب منهم درجة0 ففي هذه الحالات ترث الأنثى نصف ما
يرثه الذكر طبقاً للقاعدة الإسلامية واستناداً إلى الآية :
( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)النساء)0
والحالات التي ترث فيها الأنثى بالتعصيب هي : البنت, بنت الابن, الأخت لأبوين, والأخت لأب0
3- {الإرث بالرحم} :
يعرف الفقهاء ذوي الأرحام, بالأقارب من غير أصحاب الفروض أو الأعصاب مثل : أولاد البنت, والجد غير الصحيح (وهو أبو الأم وأبو أم الأب) والجدة غير الصحيحة وأبناء الإخوة لأم وأولاد الأخوات وبنات الأخوة0
والشريعة الإسلامية لم تورد نصاً صريحاً في تأريث ذوي الأرحام ولكن جمهور الفقهاء يرى تأريثهم بترتيبهم في الإرث, وفي حال لم يترك المتوفي أحداً من أصحاب الفروض ولا من العصبة من أقاربه
ب - (الانتقادات)(14/121)
على الرغم من كل هذه الحقوق المتعددة التي منحتها الشريعة الإسلامية للمرأة في الميادين المختلفة جميعها وعلى الرغم من أن معظم هذه الحقوق لم تنلها " المرأة العالمية " اليوم في مختلف دول العالم إلا بعد جهود كبيرة ومتتابعة وظلت في أكثرها بشكل مطالب تسعى إلى تنفيذها الأمم المتحدة, فإن بعض المتحاملين على الإسلام , تذرعوا " بقاعدة الإرث " عند المسلمين التي تقول : " للذكر مثل حظ الأنثيين " ليوجهوا انتقاداتهم اللاذعة فيقولون :
" إن هذه القاعدة تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة وهي تلحق بها الجور والضرر على أعتبار أن الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت من الأبوين0 ومن هذه الانتقادات ما جاء على لسان " جبريال بير " من قوله :" إن قضية الإرث ونصيب المرأة منه نصف نصيب الرجل لهو بدون شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة العربية المسلمة"0
وقد لقى هؤلاء المتحاملين على الإسلام , صدى ليس فقط عند غير المسلمين بل عند بعض الفئات المسلمة الجاهلة جهلاً مطبقاً لأحكام الشريعة والغاية النبيلة التي وضعت من أجلها, فطالبت هي الأخرى بتعديل هذه القاعدة حتى يتساوى نصيب الذكر و الأنثى في الميراث0
فلهؤلاء نقول :
إن قاعدة " التنصيف " هذه ليست قاعدة مطردة وثابتة في جميع أنصبة الإرث التي تتعلق بالنساء فهناك حالات :
1- يتساوى فيها الذكر مع الأنثى في نصيبهما من الإرث0 فقد تساوى نصيب الأب وهو مذكر , مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث أبنهما0 وكذلك يتعادل نصيب الأخ والأخت في الميراث إذا كان رجل يورث كلالة (أي ليس له والد ولا ولد)0 فلكل واحد منهما السدس0
2- إن قاعدة التنصيف مفروضة فقط في أنصبة الإرث وليس على مال التركة كله0 إذ قد تزيد حصة الإناث على حصة الذكور في مجموع مال التركة0 مثلاً : إذا توفي رجل وله زوجة وأم وثلاث بنات ومولود ذكر , فإن مجموع ما ترثه الإناث يفوق ما يرثه الذكر0
3- إن هذه القاعدة لا تطبق في المال الموهوب, إذ للبنت أن تتساوى مع أخيها في الهبة أي في العطاء الأبوي الممنوح وهو على قيد الحياة بل يحظر تفضيل الابن على البنت لقوله( ) : " سووٌا بين أولادكم في العطية , فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء "0
4- كذلك الأمر في الوصية0 وهي بتعريف الفقهاء : تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق الشرع0 فإنه يجوز للموصي أن يطبق قاعدة المساواة في الوصية بين الذكور والإناث, أو أن يراعي قاعدة التنصيف إن أراد ذلك0
5- وأخيراً إن قاعدة التنصيف مستثناة في الأراضي الاميرية التي يراعى فيها مبدأ التساوي بين الذكور والإناث في إنتقال الأراضي الاميرية من شخص إلى آخر0
* * * * *
الحكمة الشرعية من هذه القاعدة :
إن التمييز الحاصل في الميراث بين الذكور والإناث من الأولاد , لا يقصد منه أبداً " التهوين " أو التقليل من اعتبارهن كونهن " إناث " كما يدعي البعض0 لأن هذا النصاب قد حدد من وجهة الشرع الإسلامي على أساس المهام بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة العائلية , وبين أعباء المرأة0
لذا يرى رجال الدين الإسلامي أن جعل نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل " ينبغي ألا ينفك عن تحديد مسؤوليات الرجل الشرعية, مادية ومعنوية ومنها إلتزام الإنفاق على المرأة التي هي في ولايته زوجة وبنتاً, أماً أو أختاً, أو قريبة تلزمه النفقة عليها0
فالتفاوت في التبعات المالية هو الذي أدى إلى تفاوت في أنصبة الميراث0
والتزام الرجل بها شرعاً بلا منة ولا تمنين, هو الذي حدا بالشرع الإسلامي إلى أن يحكم للمرأة نصف نصيب الرجل في الإرث0 وأننا لو ألقينا نظرة سريعة على وجوه وجوب الإنفاق المكلف بها الرجل شرعاً لآدركنا في نهاية المطاف أن المرأة هي الرابحة مادياً, لأن الرجل مطلوب منه شرعاً وباختصار :
1- أن يتكفل أمه وأباه , واخنه وأخاه, وأقاربه الأدنى فالأدنى إن كانوا معسرين0 والمرأة معفاة من هذا الواجب لقوله تعالى :
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (215) البقرة)0
كذلك لابد من التنويه بأن الشرع الإسلامي هو أول شرع قرر للمرأة حقها في الإرث منذ 1400سنة ونيف0 وقد خطا خطوة كبيرة في مجال القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة, إذ منحها من الحقوق المالية أكثر بكثير مما تطمح إليه " المرأة العالمية " اليوم في تحقيق ما تصبو اليه في مجال المساواة في الحقوق المالية والاقتصادية والأسرية كماورد في المادة الثالثة عشر, وفي البند " ح " من المادة السادسة عشرة من أتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة0
وأن ما ترثه المرأة المسلمة تدخره لتتمكن من الإنفاق على نفسها في حال عدم زواجها , أو في حال وفاة الزوج إذا لم يترك لهاما يقوم بأودها0 فيكون المال الذي ورثته بمثابة مال أحتياطي تنفقه عند الضرورة على نفسها أو على أسرتها0(14/122)
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إن قدر للمرأة أن تساعد في عملية الإنفاق بسبب ضيق حال الزوج, أو بسبب إعساره, أو بسبب أرتفاع مستوى المعيشة, أو لآي سبب أخر فإنها تقوم بعملها هذا متطوعة ومحتسبة في عملها هذا أجراً وثواباً من الله تعالى0
جاء في حديث للرسول ( ) عن أم سلمة أنها قالت : " يا رسول الله, هل لي في بني أبي سلمة أجر أن أنفق عليهم, ولست بتاركتهم هكذا, ولا هكذا (أي يتفرقون في طلب القوت يميناً وشمالاً) إنا هم بني0
فقال النبي ( ) : " لك أجر ما أنفقت عليهم "0
2- أن يعول زوجه وأولاده , ويؤمن لهم المسكن والمأكل والمشرب والملبس وسائر مصاريف تكاليف الحياة المعيشية من تطبيب وتعليم وترفيه, والمرأة معفاة من ذلك0
3- أن يؤمن نفقة الزوجة إذاما طلقت حتى تنتهي مدة عدتها, وقد تمتد فترة النفقة إذا ما كانت حاملاً إلى أن تضع حملها0 كما يطلب من الرجل أن يؤمن أجرة الرضاعة إذا أمتنعت الأم عن إرضاع رضيعها0 والمرأة معفاة من ذلك0
يقول تعالى : ( وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا (233) البقرة)0
( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (6)الطلاق)
( وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)الطلاق )0
4- أن يقدم المهر لعروسه قل أو كثر و لا تتكلف المرأة شيئاً لقوله تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)النساء)0
إذن هذه الأعباء المالية الملقاة على عاتق الرجل شرعاً, هي التي أدت الى هذا التفاوت في أنصبة الإرث بينه وبين المرأة0
وعليه يمكن القول بأن الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصروف, فليس هناك من غبن أو ظلم- كما يتوهم المغرضون - في قضية الميراث عند المسلمين بتطبيق قاعدة التنصيف0 ومقارنة سريعة وبسيطة بين ما يمكن أن تملكه النساء المسلمات عن طريق الإرث وما يمكن أن تحصل عليه النساء غير المسلمات في العالم من أموال معتمدين على ماجاء في تقرير برنامج :
" خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980 "
لأدركنا بطلان التعرض لهذه القاعدة موضوع الانتقادات0
يقول التقرير : " فبينما تمثل المرأة 50% من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية , فإنها تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي, وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم "0
بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33.33 بالمائة رغم قاعدة التنصيف0 فالدعوة إلى تغير " قاعدة التنصيف " في قضية الإرث دعوة لا يمكن أن تعطي ثماراً مقنعة للداعين لها, هذا فضلاً عن أنها حكم شرعي إلهي لا يقبل التعديل ولا التبديل ومن أعلم بمصلحة الخلق إلا هو سبحانه وتعالى ؟0
5- رأي المنصفين بنظام التوريث عند الإسلام :
جاء على لسان " أنا بيزنت " في كتابها : " الأديان المنتشرة في الهند " ما يلي :
" إن قاعدة الإرث في الإسلام للمرأة, أكثر عدلاً وأوسع حرية من ناحية الاستقلال الذي يمنحه إياه القانون المسيحي الإنكليزي0 وما سنه الإسلام للمرأة يعتبر قانوناً نموذجاً إذ تكفل بحمايتها في كل ما تملكه عن أقاربها أو زوجها أو أبيها "0
كما جاء على لسان " غوستاف لوبون " في هذا الموضوع ما يلي :
" منح القرآن المرأة حقوقاً إرثية بأحسن مما في قوانيننا الأوروبية0 وإن قوانين الميراث التي نص عليهاالقرآن على جانب كبير من العدل والأنصاف0 وأن الشريعة الإسلامية منحت الزوجان حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا "0
-----------------------------
منقول عن: ( حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان )
================
الشبهة(2) : قولهم بالمساواة ( التامة )بين الرجل والمرأة
والجواب أن يقال : ما هي الأمورُ التي سَوَّى فيها الإسلام بين الرجل والمرأةِ؟ وما هي الأمورُ التي فَرَّق فيها بينهما؟ لا شك أن الجوابِ عن هذَينِ السؤالين ضرورِيٌّ حتى لا يُؤدِي عدمُ الفصلِ في هذهِ المسألةِ إلى ظلمِ المرأةِ. وفيما يأتي عرْضٌ لِنَوعَينِ من الأحكامِ دونَ الدخولِ في تِبْيان الِحكمةِ والمْغْزَى وراء التفريقاتِ انْسجامًا مع منهجِ البحث ِفي اجتنابِ أسلوبِ التبريرِ والدفاعِ عن أحكامِ شرعِ اللهِ:
أ- الأحكام التي تَحقَّقت فيها المساواةُ بين الرجل والمرأة وهي كثيرةٌ منها:(14/123)
1- العباداتُ من طَهارةٍ وصلاةٍ وصومٍ وحجٍ وزكاةٍ مع اختلافاتٍ يسيرة. فَفَي الصَّومِ تُفطر المرأةُ وُجوبا إذا حاضَتْ أو نفَسَت. أما في الصلاةِ فلا اختلاف بينها وبين الرجل إطلاقًا إلا في اللباسِ، وفي كونِ صلاتِها في بيتِها أفضلُ من صلاتِها في المسجدِ، وكونِ خيرِ صفوفِ النساء في الجماعةِ آخرَها بِخِلافِ صُفوفِ الرجالِ، وفي تَنْبيهِهَا الإمامَ إذا سَهَا بالتَّصْفِيقِ لا بالتسبيحِ كالرجالِ، وفي عدم جوازِ إمامتِها للرجال، وفي جَهْرِها بالقراءةِ في الصلاةِ الجهرية أمامَ الرجالِ الأجانبِ فَتَرْفعُ صوتَها بِقَدْرٍ يؤمن معه الفتنةُ.
أما ما ذهب إليه بعضُ الفقهاء من أنها لا تَرْفَعُ يدَيْها حِذاء أُذُنيهَا بل حذاءَ مِنْكَبَيْها فهذِه هي السُّنة للرجلِ والمرأةِ. وذهب آخرون إلى أنها تَضُمُّ فَخْدَيْهَا في رُكوعِها وسجودِها؛ ولا يَصِح في هذا دليلٌ، وكذلك القولُ بأنها لا تفرج أصابِعَها في الركوعِ، وبأنها تضع يمينَها على شِمالِها تحت قدَمَيْها أو أنها تضع يدَيْهَا في التشهدِ على فخديها حتى تبْلُغَ رُؤوسُ أَصَابعها رُكْبتيها. أما القولُ بأنها تتورك في حالِ جُلُوسِها للتشهدِ فإنْ قَصَدَ التشهدَ الأخيرَ فالسُّنةُ فيهِ الجلوسُ مُتوركا بالنسبةِ للرجل والمرأة على السواء، وكذلك لا يصح القول إنه يُكْرَهُ حضورُها جماعةَ الصلاة في المسجدِ.
قال الشيخُ الألباني في نهايةِ كتابه «صفةُ صلاةِ النبيِّ كأنك تراها من التكبيرِ إلى التسليمِ» ما نصه: كلُ ما تقدم من صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجالُ والنساءُ، ولم يَرِدْ في السُّنةِ ما يَقْتَضِي استثناءً مِن بعضِ ذلك، بل إن عمومَ قولِه صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوِني أُصَلِّي» يشملهن، وهو قول إبراهيم النَّخَعِيِّ قال:« تفعَلُ المرأةُ في اَلصلاةِ كما يفعل الرجلُ»(583)، وروى البخاري بسنَدٍ صحيحٍ عن أمِّ الدَّرْدَاءَ «أنها كانت تجلِسُ في صلاتِها جِلْسةَ الرجلِ وكانت فقِيهَةً (584) أما حديثُ انضمامِ المرأة في السجود وأنها ليست في ذلك كالرجل، فهو مُرْسَلٌ ولا يَصِحُّ. رواه أبو داود في «المراسيل» عن يزيدِ بن أبي حبيبٍ. وأما ما رواه الإمام أحمد عن ابنِ عمرَ أنه كان يأمرُ نِساءَهُ يَتَرَبَّعْن في الصلاة فلا يصحُّ إسنادُهُ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف» (585) .
وفي الحَجِ فإن المرأةَ لا تختلفُ عن الرجلِ إلا في أمورٍ معدودةٍ قليلةٍ هي: أنَّها لا تَنْزِعُ شيئاً مِن لباسِها المشروعِ، وأنها تُقَصِّر ولا تَحْلِق لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ على النساءِ حَلْقٌ، إنَّما على النساء التقصيرُ» (586) ، فَتَجْمَعُ شَعْرَها فَتقص منه قَدْر الأُنْمُلَة، وأنها إن حاضت فلا تنتظر لِتَطُوفَ طوافَ الوَداع إذا كانت قد طافتْ طَوافَ الإفَاضةِ. وطوافُ النساءِ حولَ البيتِ وسَعْيُهُنَّ بين الصفا والمروةِ كُلُّهُ مَشْيٌ، فلا رَمَلَ عليهِنَّ حَولَ البيتِ ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضْطِّباعٌ (587) .
أما القولُ بأنها لا تُلَبِّي جَهْرًا فَيُجاب عنه أن عائشة رضي الله عنها كانت ترفع صوتَها حتى يسمَعَها الرجالُ، قال أبو عطيةَ: سمِعْتُ عائشة تقول: إني لأَعْلَمُ كيف كانت تَلْبِيةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُم سمعها تُلبِّي بَعْدَ ذلك (588). وعلى هذا فإن المرأة تُلَبي وترفعُ صوتَها ما لم تَخْشَ الفِتْنَة.
وأما القولُ بأنها تقِفُ في حاشيةِ المَوقِفِ في عَرَفَةَ لا عند َالصَّخَراتِ وتقْعُدُ في حين أن الرجلَ يكون راكباً، فهذا مما لا أعرِفُ له دليلاً.
والحائِضُ في الحَج تفعل كلَّ ما يفْعلُه الرجلَ عدا الطوافَ لأنه صلاةٌ قال صلى الله عليه وسلم لعائشةَ لما حاضَتْ:«افْعَلِي ما يفعَلُ الحاجُ، غَيْرَ ألا تَطُوفي بالبيتِ حتى تَطْهُرِي» (589) .
2- المعاملات: لا تشترط الذكورة في عقود البيع والتجارة والقرض والهبة والوقف والحوالة والضمان والقراض والشركة والإجارة والجعالة والمساقاة والمزارعة والرهن والشفعة وغيرها من العقود، ولذا فإن الرجل والمرأة في الأنشطة المالية والاقتصادية المختلفة سواء.
3- الحدود والقصاص: تستوي المرأة والرجل في كل ما يتعلق بالحدود والقصاص إلا فيما يخص رجْم الزانية فإنها تُرْجَم بلباسها الشرعي، وتُجلد جالسةً والرجل قائمًا وهذا اجتهادٌ فقهي وليس حكمًا يَعتمد على نص، فما رُوِي من أنه «تُضرَب المرأة جالسةً والرجل قائمًا» لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (590). ولا تُنْفَى الزانية غير المُحْصَنة ويُنْفَى الزاني غير المُحْصَن، ولا تدخل مع العاقلة فلا شئ عليها من الدية. ولا يصح القول: إن المرأة إذا ارتَّدَّت لا تقتل اعتمادًا على حديث «لا تُقْتَلُ المرأةُ إذا ارتدت» قال الدارَقطني: لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (591) .(14/124)
ولا تستوى المرأة مع الرجل في الدِّية، وقد حَكى بعض أهل الإجماع على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل منهم ابن المنذر وابن عبد البر وابن حزم وغيرهم وهو مَرْوِي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم ولم يُنْقَل عن أحد خلافُه ممن يُعْتَد به سوى الأصم وابن عُلَيَّة من المعتزلة حكاه عنهما الشوكاني في النَّيل نقلاً عن البحر من كُتب الزيدية ومثل هذين لا يُعْتَد بخلافهما» (592).
4- الصيد والذبائح والأيمان والنذور فالرجل والمرأة فيها سواء.
5- الإفتاء: فللمرأة العالمة بالأحكام الشرعية المتمكنة من الإفتاء الشرعي أن تُفْتِي النساء والرجال على حد سواء ضمن حدود الشريعة.
ب- الأحكام والمسائل التي ثبت فيها التفريق بين الرجل والمرأة:
1- الميراث: قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}(593)، وقال تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} (594).
2- الشهادة وفيها تفصيل كما يأتي:
أ- لا تُقْبَل شهادة النساء في القصاص والحدود كافةً كحد الشُّرْب وقطع الطريق والقتل بالرِّدة وكذلك التعزير فلا بد في كل هذه من شهادة رجلين إلا الزنا واللواط وإتيان البهائم فلا يُقْبَل فيها أقلُّ من أربعة رجالٍ لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ }(595).
ب- ما يَطَّلِع عليه الرجال عادة كالنَّسب والطلاق والرَّجْعة والخُلْع والولادة والنكاح والوصية والتوكيل في المال فلابد فيها من شهادة رجلين، وقال أبو حنيفة تُقْبل فيه شهادة النساء ورجَّحَه ابن قيم الجوزية. قال تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(596).
ج- المعاملات المالية كالبيع والقَرْض والإجارة والرهن والوديعة والإقرار والغَصْب والوقْف، وكذلك قتل الخطأ لأن حقًا ماليًا يترتب عليه، فيكفي في هذا كله رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (597) .
د- ما لا يطَّلِعُ عليه الرجال عادةً وتَغْلِب على النساء معرفته والاطلاع عليه فتُقْبل فيه شهادة امرأتين كعُيُوب النساء تحت ثيابهن والولادة والبَكارة والثيوبة والقرْن (انسداد مَحَل الجماع بِعَظْم) والرتق (انسداد محل الجماع بلحم) والبَرَص. ولا يصح ما رُوِي عن حُذَيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها» (598) .
هـ- الرضاعة: وتقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل لقوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه «كَيْفَ وَقَد زَعَمَتْ أنها قد أرْضَعَتْكُما» وتَرجم له البخاري بقوله: «باب شهادة المُرْضِعة» (599) .
و- رؤية هلال رمضان وتُقبل فيه شهادة رجل مسلم واحدٍ عدلٍ أو شهادة مسلمةٍ واحدةٍ على السواء.
3- العقيقة: وهي ما يُذْبح من الأنعام عند الولادة إذ يُعَق عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة. قال صلى الله عليه وسلم «عَنِ الغُلامِ شاتان مُكَافِئتانِ وعن الجارية شاة» (600).
4- الجهاد بالنفس فلا يجب على المرأة، وإنما تُجاهد بِمالها وكذلك بالحج «فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهادٌ؟ قال: نعم عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحَج والعُمرة» (601) .
5- زيارة القُبور ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " لعن الله زائرات القبور " . ولكن لو مرت بقبر أو بسور المقبرة فلا حرج أن تقف وتُسلم على الموتى .
6- العورة: ففي حين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فإن المرأة كلها عورة في النظر. وينشأ عن هذا الفرق تَفْرِقةٌ في اللباس. ذلك أن المرأة مأمورةٌ بسَتر جسدها كله. وفي حين أن الرجل مأمورٌ بألا يتجاوز ثوبه كعبيه والأفضل أن يكون لمنتصف ساقيه فإن للمرأة رخصةً في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهَ خُيَلاء، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إليه يومَ القِيامةِ فَقَالتْ أُمُّ سَلمةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النساءُ بِذِيُولِهِنَّ؟ قال: يُرْخِينَ شِبْرًا، فقالت: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أقْدامُهنَّ، قال: فَيُرْخِيْنَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عَلَيه» (602) .
7- بَول الصبي والصبية: ذلك أن بول الصبي الذي لم يُجاوِز سنَتَين يكفيه النَّضْح. أما بول الصبية فلابد فيه من الغَسل، قال صلى الله عليه وسلم «بول الغُلام يُنْضَح، وبول الجارية يُغْسَل» (603).(14/125)
8- السفر : فلا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا مُعتَبَرًا عُرْفًا إلا بِصُحبَة زَوج أو مَحْرَم حتى لو كان السفر للحج. وما ذهبت إليه بعض المذاهب من جواز سفرها في رِفْقَة النساء فلا يصح، وذلك لمعارضَتِهِ للأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذِي مَحْرَم ٍولا يَدْخُلُ عليها رَجَلٌ إلا ومَعَها مَحْرَم» (604) .
9- ومما تفترق به المرأة عن الرجل اختصاص الأم بقدْرٍ زائدٍ من البِرِّ عن الأبِ. فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال:«جاء رَجَلٌ إلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ صَحابَتي؟ قال أُمُّكْ. قال: ثُم مَن؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك» (605) . وعن المُغِيرة بن شُعْبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عليكُم عُقوقَ الأمهات ووأْدَ البنات» (606) فَخَص الحديثُ بالذكر عقوق الأمهات عِلمًا بأن عقوق الوالدين كليهما مُحَرَّمٌ.
10- ومما تفترق فيه النساء عن الرجال أنه ليس لهن وسَط الطريق، وأنه ينبغي عليهن اجتناب الرجال في الطُّرُقات قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ للنساءِ وَسَطُ الطريق» (607) .
11- اختصاص البنات بقدْرٍ زائدٍ في التربية عن الأنباء. قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاثُ بناتٍ، فَصَبَر علَيهنَّ، وأَطْعَمََُنَّ وسقاهُنَّ وكساهُنَّ من جِدَتِه، كُنَّ له حِجابًا مِنَ النارِ يَومَ القِيامةِ» (608) ، وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ ابْتُلِيَ مِن هذِهِ البناتِ بشئٍ، فأَحْسَنَ إليهِنَّ، كن له سِتْرًا مِن النار» (609) .
12- تقديم النساء على الرجال في الحضانة، ذلك أنه في حالة افتراق الزوجين عن بعضٍ فإن الأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ما لم تتزوج، فعن عمرو بن العاص أن امرأةً قالت: «يا رسولَ اللهِ إنَّ ابْنِي هذا كان بطْنِي له وِعاءً وحِجْري له حِواءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وزَعَم أبوه أن ينْزِعَه مِنِّي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنتِ أحقُّ بِهِ ما لم تُنْكَحي» (610) .
13- الاغتسال في الحمامات العامة : فقد حَرَّمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء. ومن أباحَهُ من الفقهاء للنُّفَساء والمريضة فقد استدل على ذلك بحديثٍ غير صحيح. والصواب أن دخول المسلمة الحمام العمومي لا يصح. ولو بمئزرٍ لما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يدْخُلِ الحَمَّامَ بغيرِ إزارٍ، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخَمْرُ»(611).
14- الملاعنة : فهي خاصة بالرجل دون المرأة. فللرجل أن يَشْهَد أربع شهاداتٍ على زوجته بالزنا. قال تعالي:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (612) .
وبما أنه لم يَرِدْ نَصٌّ بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا فيظل الحكم كما هو أي أنه يُطْلَب منها إحضار ما يَكْمُل به نِصاب الشهادة وإلا جُلِدت حد القذف.
15- الوِلاية في الزواج : فليس للمرأة أن تُزوِّج امرأةً أُخْرى، ولا أن تُزَوِّج نَفْسَها قال صلى الله عليه وسلم:«لا تُزِوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نَفْسها» (613) .
16- وجوب استئذان الزوجة زوجها إن أرادت أن تصوم تَطَوُّعًا في حين لا يجب عليه أن يستأذنها إن أراد أن يفعل ذلك.
17- التعدد في الزواج : فقد أباح الشرع الإسلامي للرجل أن يتزوج أربعاً دون أن يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل. ولا يصح أبدًا التساؤل عن الحكمة في ذلك؛ لأنه أمرٌ واضحٌ لا يحتاج لجواب، فاختلاط ُالأنساب أمرٌ واردٌ في تَعَدُّدِ الأزواج دون تعدد الزوجات.كما أن الفِطرة والذَّوق البشرِيَّين يَسْتهجِنانِ أشد الاستهجان تعدد الأزواج بينما يَقْبلان تعدد الزوجات.
18- ولاية أمور المسلمين ويشمل المنع من السياسة والقضاء قال صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوا أمْرَهُمُ امْرأةً» (614) .
19- التعطُّر خارج المنزل فَيَحْرُم عليها ذلك بخلاف الرجل، قال صلى الله عليه وسلم: «أيُّا امرأةٍ استَعْطَرَت ثم خرجت، فَمَرَّت على قَومٍ لِيجِدوا رِيْحَها فهي زانيةٌ، وكلُّ عَينٍ زانية» (615) .
20- إباحة الذهب والحرير، فهو أمرٌ خاص بالنساء دون الرجال. قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهَبِ على ذُكُورِ أُمَّتِي وأُحِلَّ لإِناثِهِم» (616) .(14/126)
21- الحداد ، فلم يُشْرَع للرجل على زوجته المتوفاة، وشُرِع للمرأة على زوجها المتوفَّى. قال صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أن تَحِدَّ على مَيتٍ فَوقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا الزوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا» (617) .
22- العدة للمُتوفَّى عنها زوجها والمطلقة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (618) ، وقال تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} (619) . وليس على الرجل عِدةٌ لكنه يمُنَع من الزواج حتى تنتهي عدة زوجته الرابعة (620) .
23- اتباع الجنائز، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز وهو نهيُ تنزيهٍ. فقد صح عن أم عطية رضي الله عنها قولها: «نهانا رسول الله عن اتباعِ الجنائز، ولم يَعْزِمْ علينا»(621) . أما الرجال فإن اتباع الجنائز في حقهم مُستَحَبٌ.
24- إنزال الميت في القبر: فهو خاص بالرجال يَتَوَلَّوْنَه، ولو كان الميت أنثى وذلك لما يأتي:
أ – أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
ب– أن الرجال أقوى على ذلك.
ج- لو تَوَلَّتْه النساء لأفْضَى ذلك إلى انْكشافِ شئ من أبدانِهِنَّ أمام الرجال (622) .
25- اقتسام غنائم الحرب: فالمرأة ليست مُكَلفةٌ بالقتال، لكن إذا أَذِن لها الإمام واشتركت في المعركة يُرضَخ لها إن قاتلت؛ بمعني أن الإمام يعطيها عطاءً غير محدد، لكن دون أن تُعْطَي حِصةً كحِصَص المُقاتلين. وما رواه حشرج بن زياد عن جدته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ لهُنَّ يوم خَيْبَر» فهو حديث ضعيف (623) .
26- الختان : ففي حين أن الختان فَرْضٌ على كل مسلمٍ ذكر، فإنه ليس كذلك بالنسبة للنساء فلا يُخْتَن إلا إن ظهرت لختان بعضهن حاجة. أما إن لم تكن حاجة فلا ختان، وذلك يختلف من امرأةٍ لامرأة.
27- وثَقْب الأُذُنِ جائزٌ بحق النساء حرامٌ على الذكور؛ لأنهم ممنوعون من جَعْل الأقراط في آذانهم.
28- وفي حين أن للمرأة خَضْب يَديْها ورِجْليها بالحناء فإنه ليس للرجل أن يفعل ذلك قال صلى الله عليه وسلم «طِيْبُ الرَّجلِ ما ظَهَرَ رِيْحُه وخَفِيَ لَوْنُه، وطِيب النساء ما ظهر لونه وخَفِيَ ريحه» (624).
29- ولا يجوز للمرأة أن تحْلِق رأسها بخلاف الرجل؛ لما في ذلك من المُثْلَة، ولما فيه من التشبُّه بالرجال وكل ذلك مُحرَّم.
30- استحقاقها المهر عند الزواج وليس ذلك للرجل.
وبعد فإن الدارس للفروق آنفةَ الذِكْرِ بين الرجل والمرأة يجد أن تلك الفروق راجعةٌ لأسبابٍ معينةٍ اقتضاها العدل بين الجنسين، وأن المساواة بينهما في مثل هذه الحالات من التفريق تؤدي إلى الظلم. وكما هو معلومٌ أن المساواة في كثيرٍ من الأحيان تؤدي إلى الظلم، وأن العدل كثيرًا ما يقتضي التفرقة والتفريق بإعطاء كلَّ ذِي حقٍ حقَّه، وتكليف كل مُكَلَّفٍ بما يناسب قدراته ويتناسب مع طبيعته. ولذا فإن كل مساواةٍ يقتضيها العدل وتقتضيها الفطرة حققها الإسلام فعلاً بين الجنسين كالمساواة في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف وفي الثواب والعقاب. أما التكاليف الشرعية فقد سَوَّى الإسلام بين الرجل والمرأة في كل ما من شأنه أن لا يُلْحِق ظلمًا بأحدهما بتحميله فوق طاقته. أو بتكليفه بما لا يتناسب مع طبيعته الذَّكَرِية أو الأُنثوية كإعفاء المرأة من الجهاد، والاختلاف في اللباس نظرًا لاختلاف أجساد الجنسين. وأن الفاحص لكثيرٍ من الفروق بين الجنسين في التكاليف يجد أنها من باب التنوع والاختصاص في المهام والوظائف، وليس هناك من يقبل القول: إن التنوع في التخصص والوظيفة بين المهندس والطبيب يعني أن أحدهما أفضل من الآخَر، بل إن ما يقوم به أحدهما لا يقوم به الآخَر. فهما يكملان بعضهما بعضاً والمجتمع بحاجةٍ لكِليهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:«النساء شقائقُ الرجال» (625) .
مالا يُعَدُّ تفريقاً بين الرجل والمرأة:
ما سبق كان عرضًا للمسائل التي تستوي فيها المرأة مع الرجل، والمسائل التي يفرق فيها بينهما. والأصل أن الرجل والمرأة سواء في كل شئ إلا ما ثبت فيه التفرقة.
( المرجع : المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات المسلمين ، ص 123-138بتصرف يسير) . وانظر للزيادة : رسالة " الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ، للأستاذ سعد الحربي " .
الشبهة (3) : دعوتهم لتولية المرأة للمناصب السياسية
روى البخاري – بإسناده - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم - قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة(14/127)
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس ب الإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث: لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :(14/128)
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره أبرويز ليأتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ .
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه: قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي –
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .(14/129)
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن و الإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش - قال سفيان كان حليفا لهم - ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُفر ؟
كما في قوله تعالى : {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْلٍ أو بِعَقْلٍ يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !(14/130)
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
" وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّد أن الدعاوى في وادٍ والواقع في وادٍ آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّة الْحُكْم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
كتبه / عبد الرحمن السحيم
الرياض
---
(583) أخرجه ابن أبي شيبة (1/75/2) بسند صحيح.
(584) رواه البخاري في «التاريخ الصغير» ص95.
(585) صفة صلاة النبي 170.
(586) صحيح أخرجه أبو زرعة في «تاريخ دمشق» ت (88/1) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً به وأخرجه أبو داود (1985) والدارمي (2/64) والدارقطني ص 277 وانظر «السلسلة الصحيحة» (2/605).
(587) انظر: المغني لابن قدامة (3/394).
(588) أخرجه البخاري (769-مختصرة) والطيالسي (1513) وأحمد (6/32-100-180).
(589) صحيح انظر إرواء الغليل (4/1121).
(590) إرواء الغليل (7/2332).
(591) ابن قيم، المنار.
(592) انظر: «موسوعة الإجماع للسعدي» و«فقه عمر بن الخطاب» للدكتور رويعي الرحيلي (3/470).
(593) سورة النساء:11.
(594) سورة النساء: 12.
(595) سورة النور: 4.
(596) سورة الطلاق: 2.
(597) سورة البقرة:282.
(598) ضعيف أخرجه الدارقطني (524) والبيهقي (10/151) وانظر «إرواء الغليل، (8/2684).
(599) وانظر لذلك أيضًا صحيح سنن الترمذي (1/337).
(600) رواه الترمذي (1/286) وأحمد (6/31-158) وابن ماجه (3263) وابن حبان (1058). والبيهقي (9/301) وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(601) رواه أحمد (6/165) وابن ماجه (2901) بإسناد صحيح.
(602) صحيح.أخرجه الترمذي: 22 باب 8 وأحمد (2/9) والبخاري (3665ح 5783) في اللباس ومسلم ك 37ح42-50 عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(603) صحيح. رواه أحمد (1/76-97) وأبو داود (378) والترمذي (1/119) وابن ماجه (525) والطحاوي (1/55) والدارقطني ص47 وانظر إرواء الغليل (166).
(604) رواه أحمد بإسناد صحيح (1/222).
(605) طرف من حديث صحيح رواه البخاري ح5971 ومسلم ك45ح1-4 عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(606) رواه المخلص في «الفوائد المنتقاة (9/5/2) وابن حبان في «صحيحه» (1969) وابن عدي (192/1) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده حسن.وانظر (السلسلة الصحيحة» (1/856).
(607) رواه ابن حبان كما في الموارد 1969، والكامل لابن عدي 192/1) والبيهقي في الشعَب 2/475/2 عن أبي هريرة وصححه الألباني في الصحيحة ح856.
(608) صحيح ابن ماجه (3669) والبخاري في «الأدب المفرد (76) وأحمد (4/154) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وانظر السلسلة الصحيحة (293-1027).
(609) رواه البخاري ومسلم وأحمد 6/27،29، 33،87 عن عائشة رضي الله عنها.
(610) صحيح، وتقدم ص114.
(611) حديث حسن. أخرجه الترمذي والحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ وتقدم تخريجه ص117.
(612) سورة النور: 6.
(613) صحيح. أخرجه ابن ماجه (1882) والدارقطني (384) والبيهقي (7/110) عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر «إرواء الغليل» (6/1841).
(614) حديث صحيح. أخرجه البخاري 4425 ح 7099 في الفتن والترمذي ك 31 باب 75 وأحمد 5/38، 43 عن أبي بكرة رضي الله عنه وانظر الضعيفة (1/436) و «إرواء الغليل» (2613).
(615) حديث حسن. رواه النسائي 8/153ح 5126 والحاكم في المستدرك 2/396 وأحمد في المسند 4/400 عن أبي موسى رضي الله عنه وانظر صحيح الجامع (2701).
(616) صحيح. أخرجه الترمذي(1/321) والنسائي(2/285) والطيالسي(506) وأحمد(4/394) والبيهقي(3/275). وانظر السلسلة الصحيحة 1/662-663
(617) أخرجه البخاري (3/114-9/400-401) عن أم حبيبة رضي الله عنها.
(618) سورة البقرة: 234.
(619) سورة البقرة: 228.
(620) قلت: وكذالك يُمْنَع من الزواج من أخت مطلقته طلاقًا رجعيًا أو عمتها أو خالتها.
(621) أخرجه البخاري (1/328) ومسلم (3/47) والسياق له وأبو داود (2/63) وابن ماجه (1/487) وأحمد (6/408) والبيهقي (4/77).(14/131)
(622) الألباني، أحكام الجنائز ص147.
(623) إرواء الغليل (5/1238).
(624) صحيح أخرجه الترمذي ك 41 باب 35ح2938، 2939 وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(625) سبق في التعليق ص129 بيان صحة الحديث ومخرجيه.
=====================
الشبهة(1):تركيب المرأة الجسدي يعارض دعوتهم للمساواة التامة
أثبتت الدراسات الطبِّية المتعددة أن كِيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله تعالى على هيئةٍ تخالف تكوين الرجل، وقد بُنِي جسم المرأة ليلائم وظيفة الأمومة ملاءمةً كاملةً، كما أن نفسيتها قد هُيِّئَت لتكون ربة أسرةٍ وسيدة البيت وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادحةً في كل مجال. ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي نُشِر في العام الماضي أنَّ كل طفلٍ مولودٍ يحتاج إلى رعاية أُمِّه المتواصلة لمد ة ثلاثِ سنواتٍ على الأقل. وأن فُقْدانَ هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لَدَى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العُنف الذي انتشر بصورةٍ مُرِيعةٍ في المجتمعات الغربية وطالبت هذه الهيئة المُوَقَّرة بتفريغ المرأة للمنزل وطلبت من جميع حكومات العالم أن تُفَرِّغ المرأة وتًدْفع لها راتباً شهرياً إذا لم يكن لها من يَعُولُها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها.
وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المَحاضِن ورَوْضات الأطفال لا تستطيع القيام بدَوْر الأم في التربية ولا في إعطاء الطفل الحنانَ الدافِق الذي تُغذيه به.
الاختلاف على مستوى الخلايا:
إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل، بل إن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل. وإذا دقَّقْنا النظر في المِجْهَر لَهَالَنا أن نجد الفروق واضحةً بين خلية الرجل وخلية المرأة.. ستون مليون خلية في جسم الإنسان ومع هذا فإن نظرةً فاحصةً في المجهر تُنْبِئُك الخَبَر اليقين: هذه خلية رجل وهذه خلية امرأة، كل خليةٍ فيها مَوْسُومَةٌ بِمَيْسِم الذُّكورة أو مَطْبوعةٌ بطابع الأنوثة.
وفي الصورة التالية نرى الفروق واضحةً بين خلية دمٍ بيضاءَ لرجلٍ وأخرى لامرأةٍ كما نرى الفرق جَلِياً بين خلية من فمِ امرأةٍ وخليةٍ من فَم رجلٍ، ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من مستوى الخلايا إلى مستوى الجُسيمات الملونة (الصِّبغيات أو الكروموسومات). هذه الجسميات الملونة موجودةٌ في كل خليةٍ وتُقاسُ بالانجستروم (واحد على بليون من الميليمتر) في ثَخانتها وهي موجودةٌ على هيئة أزواجٍ؛منها واحدٌ مسؤول عن الذكورة والأنوثة.
ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو مُوَضَّح في الصورة على هيئة x y بينما هو في خلية المرأة على هيئة xx والصورة التالية تُوضح هذه الفروق الثلاثة.
إنَّ الجُسَيم المُلَوِّن (صبغ) للذكورة يختلف في شكله المُمَيَّز عن صِبغ الأنوثة، بل ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والمظهر إنما يتعداه إلى الحقيقة والمَخْبَر فصبغ الذكورة قصيرٌ سَميكٌ بالنسبة لِصِبغ الأنوثة ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطاً وأقوى شكِيمةً وأكثر إقداماً مِن شقيقتها الأنثوية.
الاختلاف على مستوى النطفة:
وإذا سِرنا في سُلَّم الفروق وارتفعنا إلى مستوى الخلايا التناسُلية سنجد الفرق شاسِعاً والبَوْنَ هائلاً بين الحيونات المنوية (نُطْفَةُ الرجل) وبين البُوَيضة (نُطفة المرأة).
تُفْرِز الخِصْية مئات الملايين من الحيونات المنوية في كل قَذْفَةِ مَنِيِّ بينما يُفْرِز المِبْيَض بُوَيضة واحدةً في الشهر. ونظرةٌ فاحصةٌ لخصائص الحيوان المَنَويِّ الذي يُقاس بالميكرون (واحد على مليون من المليمتر) تجعلنا. نُوْقِن بأنه يُجَسِّد خصائص الرجولة. بينما نرى البويضة تُجَسد خصائص الأنوثة. فالحيوان المنوي له رأسٌ مُدَبَّبٌ وعليه قُلُنْسُوةٌ مُصَفَّحةٌ وله ذَيْلٌ طويلٌ وهو سريع الحركة قوِيُّ الشَّكيمة لا يَقِرُّ له قَرارٌ حتى يصل إلى هدفه أو يموت. بينما البويضة كبيرة الحجم (1/5، ميليمتر) وتُعْتَبر أكبر خليةٍ في جسم الإنسان الذي يحتوي على ستين مليون خلية. وهي هادئةٌ ساكنةٌ تَسير بِدَلالٍ وتَتَهادَى باختيالٍ وعليها تاجٌ مُشِعٌّ يدعو الراغبين إليها وهي في مكانها لا تَبْرَحُه ولا تُفارقه، فإن أتاها زوجها و إلا ماتت في مكانها ثم قذفها الرحم مع دم الطَّمْثْ.
وإذا دقَّقْنا النظر في قطرةٍ صغيرةٍ من مَنِيِّ الرجل تحت المجهر لهالنا ما نرى.. مئات الملايين من الحيوانات المنوية تَمْخُرُ عُبابَ بَحْرِ الَمِنِّي المُتلاطِم وهي تَضرِب بأذْيالها لِتَجْري في طريقها الشاق الطويل الوَعِر المَحْفُوف بِالمَفَاوِز والمَخاطر حتى تصل إلى البويضة، وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهادِرَة تموت ملايين الحيوانات المنوية ولا يصل إلى البويضة إلا بضع مئات.(14/132)
وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن يُؤْذَن لها بالدخول وتتحرك يَدُ القُدْرة الإلهية المُبْدِعة فَتُبْرِز كُوَّةً في جِدار البويضة أما حيوانٍ مَنَوِيٍّ قداختارته العناية الإلهية لِيُلَقِّحَ تلك الدُّرة المَكْنُونة ويَلِج الحيوان المنوىُّ سريعاً إلى هذه الكُوَّة والفُرْجة لِيَقِف وجهاً لِوجهٍ أما م البويضة.. وهناك يُفْضِي لها بِمَكْنون سِرِّه ويُعْطِيها أسرار الوراثة وتُعْطِيه. ويتَّحِدان لِيُكَوِّنا النُّطفةَ المِشاج التي يَخْلُق الله سبحانه وتعالى منها الإنسان كاملاً.
الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء:
وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات (الكروموسومات) والخلايا إلى مستوى الأنسجة والأعضاء وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل ذي عَيْنَين بين الذكورة والأنوثة.. فَعَضَلات الفَتَى مَشْدودةٌ قويةٌ وهو عَريض المِنْكَبَين واسعُ الصدر ضيِّق البطن صغير الحَوْض نِسْبِياً, لا أرْدافَ له ولا عَجُز كبير.. يَتَوَّزع الدُّهن جِسْمه توزيعاً عادلاً وطَبَقة الدُّهن في الغالب الأعَمِّ محدودةٌ بسيطةٌ.. وينمو شَعْرُ العَانَة مُتَّجِهاً نَحْوَ السُّرَّة كما ينمو شَعْر عُذارِيه وينمو شَعْر ذَقْنِه وشارِبِه ويَغْلُظُ صوتُه ويُصْبُح أَجَشَّ.. بينما نجد عضلات الفتاة «رقيقةً ومَكسوةً بطبقةٍ دُهْنيةٍ تُكْسِبُ الجسم اسْتِدارةً وامتلاءً مَرْغوبًا فيه خالياً من الحُفَر والنُّتُوءات الواضحة المُتعاقِبة التي لا ترتاح العَين لرُؤيتِها» كما يقول أستاذ علم التشريح الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء ويواصل الدكتور شفيق كلامه فيقول:
«و لا تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم وستر ما يَعْتَوِرُه من حُفَرٍ أو نُتُوءاتٍ بل إن بعض المناطق الخاصة تَحْظَى بِنَصيبٍ وافرٍ منها مِثْل: الثدْيَين اللَّذَين يَكْبُران ويستدِيرانِ ويتخذُ كل منهما شكل نِصف كُرة، وكذلك منطقة الزَّهْرة والإِلْيتان وكما يستدير الفَخِدان و غيرهما من مواضعَ خاصة. ويَتَّسع الحَوض مُتَّحِذاً شكلاً مناسباً يتَّفق مع العمل الذي خصِّص له ويكتمل نُمُو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمِبْيض الذي يقوم بعملية الابياض السابقة للطمث وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة كالشَّفَرَين الكبيرين ويتخذ كل منهما شكله وحجمه وقُوامه وبُنْيانه ومَوْضِعه في البالغ ,ويظهر الشَّعر في منطقَة الزهرة والإبطين ويَنْعَم الصوت بعد أن كان مصْبوغاً بصِبغةِ الطفولة.
وغرض كل هذه التغييرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر ورشاقة القَوام ونَضَارة الطَّلْعة مما يتفق مع حُسْن ونُعُومَة ونَضَارة الأنوثة؛وكلها عوامل قويةٌ للإغراء».
وتختلف الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلافاً يعرفه كل إنسان فللمرأة رحِمٌ مَنوطٌ به الحمل فإن لم يكن حملٌ فَدَوْرَةٌ شهريةٌ وطَمْثٌ (حَيْضٌ) حتى تَحْمَل أو تتوقف الحياة الجنسية للمرأة. وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية كما لها وظيفة تَغْذِية الطفل منذ وِلادته إلى فِطامِه بأحسن وأنظف وألْيَق غذاء.. ليس هذا فحسْب ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة في القوة والمتانة وفي الضِّيق والسَّعَة وفي الشكل والزاوية.
وإذا نظرنا لحوض المرأة مثلاً وجدناه يختلف عن حوض الرجل اختلافا كبيراً يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما يلي:
«يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لِقِيامه بوظيفة ٍهامَّةٍ إِضافيةٍ تتَطَلَّب منه بعض الضَّروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل.. فَنُمُو الجنين في الحوض وطُرُق تَغْذِيتِه وحِفْظه ثم مُرورِه بتجويفِ الحوض ومِن مَخْرَجِه وقْتَ الولادة مما يستلْزِم بعض التغييرات والتعديلات التي يَسْهُل معها اتمام الولادة بالنسبة للاُم والطفل, وتنْحَصر كل هذه التغييرات في أن يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقْصَر، وأنْ تكون عِظامه أرَقَّ وأَقَلَّ خُشونةً وأبْسَطَ تَضاريساً ,ثم يَذكر الدكتور 19 فرقاً بين حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها ويَعِيَها، ويَخْتِم ذلك بقوله:
«وإن تكن رِقَّة العِظام ونُعومتها وبساطة تضاريسها وصِغَر شَوْكاتها وقلة غَوْر حُفَرِها ظاهرةً جَلِيةً في أكثر عظام الهيكل في المرأة غير أنها تَتَجَلَّى بأوضح شكلٍ في عظام الحوض للأنثى التي بلا نزاع تُشارك صفات عظام الهيكل الأخرى بقِسْطٍ وافرٍ في صفاتها المُمَيِّزة للأنوثة زيادةً على تَكَيُّفِها @ النَّوْعِيِّ الخاص بما يُناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل».
وخلاصة القول:أن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلاتها وعظامها تختلف إلى حدٍ كبيرٍ عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية كما تختلف عضلاته وعظامه في شدتها وقوةِ تَحَمُّلها.(14/133)
وليس هذا البناء الهَيْكلي والعُضوي المُخْتَلف عَبَثَاً إذ ْليس في جسم الإنسان ولا في الكون شئٌ إلاَّ وله حِكْمَةٌ سَواء علِمناها أم جهِلناها، وما أكثرَ ما نجهل وأقل ما نعلم.
والحكمة في الاختلاف البَيِّن في التركيب التشريحي والوظيفي (الفسيولوجي) بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد بُنِيَ لِيَخْرُج إلى مَيْدان العمل لِيَكْدَح ويكافح وتَبْقَى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها العظيمة التي أناطَها الله بها؛وهي الحمل والولادة, وتربية الأطفال ,وتهيئة عِشِّ الزَّوْجية؛ حتى يَسْكُن إليها الرجل عند عودته من خارج المنزل. +وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".
والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في الحيوان المنوي والبويضة. البويضة ساكنةٌ هادئةٌ لا تتحرك إلا بمقدار ٍوعليها التَّاج المُشِع، والحيوان المنوي صاروخٌ مُصَفَّح وقَذِيفةٌ تَنْطَلِق عَبْر المخاطر والمَفاوِز لِتفوز بِغَرضها وغايتها أو تموت.. ليس ذلك فحسب بل ترى الفرق في كل خليةٍ من خلايا المرأة وفي كل خليةٍ من خلايا الرجل. تراه في الدَّمِ والعظام، تراه في الجهاز التناسلي، تراه في الجهاز العَضَلِي وتراه في اختلاف الهُرمونات هرمونات الذكورة وهرمونات الأنوثة وتراه بعد هذا وذاك في الاختلاف النفسي بين إقدام الرجل وصلابته وخَفَر المرأة ودلالها.
وإذا أردنا أن نَقْلِب الموازين، وكَمْ مِن موازين قد قلبناها، فإننا نُصادِم بذلك الفِطرة التي فَطَرنا الله عليها ,ونُصادِم التكوينَ البَيُولوجي والنفسي الذي خلَقنا الله عليه..
وتكون نتيجة مُصادَمة الفِطرة وتَجَاهُل التكوين النفسي والجسدي للمرأة وبالاً على المرأة وعلى المجتمع, وسُنَّةُ اللهِ ماضيةٌ +وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً".
فروق أخرى جسدية ونفسية بين الذكر والأنثى :
إنَّ الفُروق الفسيولوجية (الوظيفية) والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تُحْصَى وتُعَدُّ.. فَهيَ تَبتدئ بالفروق على مستوي الصِّبْغِيات (الجُسَيمات المُلونة أو الكروموسومات) التي تتحكم في الوراثة.. والتي تَدِقُّ وتَدِقُّ حتى أنَّ ثَخَانَتها تُقاس بالأنجستروم (واحد على بليون من الملميتر)... وترتفع إلى مستوى الخلايا وكل خلية في جسم الإنسان تُوضِح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة.. تتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نُطْفة الذكر (الحيونات المنوية) ونطفة المرأة (البويضة)... ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العَضَلات... وتتجلَّى بِوُضوحٍ في اختلاف الأجهزة التناسلية بين الذكر والأنثى... ولا تقتصر الفروق على الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم.. ولكنها تَدِقُّ وتَدِقُّ في بعض الأجهزة وتتضح في أخرى.. وجهاز الغُدَد الصَّمَّاء هو أحد الأجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون... فهُرْمونات الذُّكورة تختلف عن هُرمونات الأنوثة في تأثيرها اختلافاً كبيراً رغم أن الفرق الكيماوِيَّ بسيطٌ ويتَمثَّل في زِيادةِ ذَرَّةٍ من الكربون وثلاثة ذراتٍ من الهيدروجين cH3 إلى التركيب الجزئي molecular structure في هرمون الأنوثة..
وهذه ملاحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريم " وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ".
فهُرمون الذُّكورة يُساوي هُرمون الأنوثة (مجموعة مثيلية) وكذلك الجهاز التناسلي للرجل يساوي الجهاز التناسلي للمرأة @ أعضاء إضافية.
وفي أثناء تكوين الجنين في مراحله الأولي يكون جنين الذكر مشابهاً في أوَّل الأمر لجنين الأنثى ويَصْعُب التفريق بينهما إلا على مستوى الصِّبغيات (الكروموسومات)... ولكن سُرْعان ما تتميز منطقة في المخ تُدْعَى تحت المِهاد Hypothalamus لَدَى الجنين الذَّكر عن مثيله الجنين الأنثى.. وهذه الإضافة والزيادة فى مُخ جنين الذكر تؤدي إلى الفروق الهائلة فيما بَعْد بين الجهاز التناسلي للذكر والجهاز التناسلى للانثى.. كما يؤدى إلى الفروق الهائلة بين غُدد الذكر الصَّماء وغدد الأنثى..... وتؤثر هذه الغدد على مختلف أنشطة الجسم وعلى هيكله أيضاً.. ومن ثَمَّ يختلف بِناءُ هيكل الذكر عن بناء هيكل الأنثى كما تختلف الوظائف تبعاً لذلك.. والسبب في تَمَايُز منطقةِ تحت المِهاد من المُخ بين جنين الذكر وجنين الأنثى هو هُرمون التستسرون الذي تُفْرِزُه مَشِيمَةُ الجنين الذكر... ثم تنمو الغُدة التناسلية وتؤثر بالتالي على المنطقة المُخِّية تحت المهاد» (578).(14/134)
ومن الغريب حقاً أن هيكل البناء يُصَمَّمُ أساساً على هيكل الأنثى فإذا وجد صبغ الذكورة (كروموسوم الذكورة) فإنه يُضيف إلى ذلك الكِيان إضافاتٍ تجعل النهاية ذكراً. أما إذا اختفى هذا الكروموسوم الهامُّ من تركيب البويضة المُلَقَّحة كما يَحْصُل في بعض الحالات النادرة التي تُرِينا قُدرة المولى عزَّ وجَلّ فإنّ النتيجة النهائية هي جسم امرأةٍ وإنْ كانت ناقصة التكوين ففي حالة ترنر Turner Syndrome فإن البويضة المُلَقَّحة تحتوي فقط على كُرومُوسوم x فلا هي أنثى مُحْتوية على xx ولا ذكرٌ محتويةٌ على xy.. فماذا تكون النتيجة؟
تكون النتيجة أنثى غير أنها لا تَحِيض ولا تَحْمَل ولا تَلِد... أما إذا كانت نتيجة التلقيح مثلاً xxy كما يحْصُل في حالة كلينفلتر Kleinfelter Syndrome فإن الطفل المولود يكون ذكراً رغم وجود صِبغيات الأنوثة بصورةٍ كاملةٍ.. وإنْ كان ذكراً ضعيفَ الهِمَّة بارِد الشَّهْوة خائرَ العزيمة... وذلك لِتَراكُم صِبغ الأنوثة فيه..
أما إذا زاد صِبْغُ الذُّكورة في البويضة المُلَقَّحَة وصار حاصلها الكروموسومي xyy أي أن بها صِبغين (كروموسومين) كاملين من أصباغ الذكورة فإن النتيجة تكون ذكراً قويَّ الشكِيمة شديدَ البأْس كثيرَ العُدْوان.. حتى أن الفُحوصات التي أُجْرِيَت لأعْتَى المُجْرِمين في السجون وأشدِّهم بأساً وإِقداماً أظْهَرَتْ أنَّ كثيراً منهم كانوا ممن لديهم زيادةٌ في صِبغ (كروموسوم) الذكورة!!.
ولعَله لو فُحِص الرجال المشهورون في التاريخ بزيادة الشجاعة والإقدام والرجولة والخشونة لَرُبما وجدنا أن ذلك مَرْجِعُه في كثيرٍ من الحالات إلى زيادة صبغ الذكورة y لدى هؤلاء المَوْصُوفين بزيادة جُرْأتهم وإقدامهم سَواءَ كان ذلك في مجال الخير أو في مجال الشر.
والفرق بين رجلٍ وآخر من حيث الإقدام وصفات الرجولة يرجع في بعض الأحيان إلى زيادة هرمون الرجولة لَدى هذا وقِلَّته النِّسْبية لَدى ذاك.
ونظرةٌ إلى المَخْصِيِّين الذين تَمَّ خَصْيُهُم قَبْل البُلوغ تُرِينا كيف تَتَحَول رجولتهم إلى الأنوثة... ولا ينبت شَعْرٌ عِذارِى المَخْصِيِّ وذَقْنِه وشارِبه.. ويَتَوَزع الدُّهن بنفس الطريقة التي يتوزع فيها في الأنثى... أي في الأرْدافِ والعَجُز... وتَلين عِظامه وتَرِقُّ... ويَبْقَى صوتَه رخيماً على نَبْرة الطفولة دون أن تُصيبَه غِلظة الرجولة وخُشونتها.
أمَّا أولئك الذين أُخْصُوا بَعْد البلوغ فإنَّ علامات الرُّجولة سُرعان ما تَنْدثِر ويسقُط شَعر الذَّقن والشارِب ولا يعود إلى النُّمُوِّ ثانيةً. وتبدأ العضلات في التَّرَهُّل... كما تبدأ الصفات الأنثوية والنفسية في الظهور لأول مرة..
الأبحاث العلمية الحديثة تفضَح دَعْوَى التَّماثُل الفكري بين الجنسين:
وفي مقالٍ نَشَرَتْه مجلة الريدرز دايجست الواسعة الانتشار في عدد ديسمبر 1979 تحت عنوان «لماذا يفكر الأولاد تفكيراً مختلفاً عن البنات» وهو مُلَخَّص لكتاب «الدماغ: آخر الحدود» للدكتور ريتشارد ديستاك «The Brain: The Last Frontier» جاء ما يلي:
«إن الصِّبْيان يفكرون بطريقةٍ مُغَايرةٍ لتفكير البنات رغْم أن هذه الحقيقة الناصِعَة ستصْدُم أنصار المرأة والدَّاعِين إلى المساواة التامَّة بين الجنسين.. ولكن المساواة الاجتماعية في رَأْيِنا تعتمد على مَعْرِفة الفروق في كيفية السلوك ومعرفة الفروق بين مخ الفتى ومخ الفتاة.
وفي الوقت الحاضر فإن الفروق بين الأولاد والبنات التي لاحظها الآباء والمعلمون والباحثون على مدار السنين تتجاهَل تجاهُلاً تامَّاً ويُقَدَم للطلبة والطالبات منهجٌ دِراسيٌّ مُتَمَاثل.
إنَّ طُرَقَ التدريس في المدارس الابتدائية تُلائم البنات ِأكثر مما تلائم الأولاد ولِذا فهُم يُعانون في هذه المرحلة.. أمَّا في المراحل التي تَلِيها حتى الجامعة فَهِي تُلائم الفتيان أكثر مما تلائم الفتيات..
ويعتقد الباحثون الاجتماعيون أن الاختلاف في سلوك الأولاد عن البنات راجعٌ إلى التوجيه والتربية في البيت والمدرسة والمجتمع و التي ترى أن الولد يجب أن يكون مِقداماً كثيرَ الحركة بل وتَقْبَل مِنْه أيَّ سُلوكٍ عُدْوانيٍّ بِهَزِّ الكَتِفَين ,بينما ترى في الفتاة أن تكون رقيقةً هادئةً لطيفةً.
ولكن الأبحاث العلمية تُبَيِّن أن الاختلاف بين الجنسين ليس عائداً فحسْب إلى النَّشْأة والتربية وإنما يَعود أيضاً إلى اختلاف التركيب البيوليجي وإلى اختلاف تكوين المخ لدى الفتى عن الفتاة.
وحتى لو حاول الداعون إلى المساواة المُطْلَقة بين الفتى والفتاة أنْ يُنْشِّئوهما على نفس المنهج حتى لَتُعْطِى لِعَب المُسَدْسات وآلات الحرب للفتيات وتُعطِى العَرائس للأولاد فإن الفروق البيولوجية العميقة الجذور ستفرِضُ نفسها وتؤدي إلى السلوك المُغَايِر بين الفتى والفتاة.(14/135)
ولقد أدرك العلماء والباحثون عُمْق هذه الفروق فوجدوا أنَّ الطفل الرضيع يختلف في سلوكه على حسْب جِنْسه.. فالبِنت بعد ولادتها بأيام تنتبه إلى الأصوات وخاصة صوت الأم بينما الولد لا يكْتَرِث لذلك.. ولهذا فإن َّالرضيعة يمكن إخافَتُها بِإِحْداثِ صوتٍ مُفاجئٍ بأكثر مما يمكن إخافة أخيها..
وتقول الدراسة أن الطفلة تستطيع في الشهر الخامس أن تُمَيِّز بِسَهُولةٍ بين الصُّور المَعْهودة لَدَيْها.. وتبدأ الطفلة مُحاوَلَة الكلام والمُنُاغاة من الشهر الخامس إلى الثامن بينما يفشل أخوها في التفريق بين وجه إنسانٍ ووجه لُعْبَةٍ.. وتبدأ الطفلة في الحديث عادةً قَبْل أخيها.. وتتمكَّن من تَعَلُّم اللغات في الغالب أكثر من أخيها.
ويُظْهِر الأولاد تفوقاً كبيراً على البنات في الأمور البَصَرِية وفي الأشياء التي تتَطَلَّب تَوازُنًا كاملاً في الجسم.. ويقوم الطفل الذَّكر بالاستجابة السريعة لأيِّ جسم متحركٍ أوْ لأيِّ ضَوْءٍ غَمَّاز كما أَنه يَنْتَبِه إلى الأشكال الهندسية بِسُرعة أكبر من أخته وله قدرةٌ فائقةٌ على محاولة التَّعَرُّف عليها وتفكيكها..
وفي سِنِّ الصِّبا فإنَّ الأولاد يتُوقُون إلى التَّعَرُّف على بيئاتهم ويَنْتَقلون بكَثْرةٍ من مكانٍ إلى آخر لاكتشافها بينما تَمِيل البنات إلى البقاء في أماكنهم..
ويستطيع الأولاد التصرف بِمَهارةٍ أكبرَ في كل ما يتعلق بالأشكال الهندسية وفي كل ما له اتجاهاتٌ ثُلاثية «Three Dimensional objects» وعندما يُطْلَب مِن الولد أن يُكَوِّن شكلاً مُعَيَّناً من وَرَقٍ مُقَوّى مَثَلاً فإنه يتفَوَّق على أخته في ذلك تفَوُّقاً كبيراً.
وما يُعْتَبَر اكتشافاً مُذهِلاً هو؛أن تخزين القدُرات والمعلومات في الدِّماغ يختلف في الولد عنه في البنت.. ففي الفتى تتجمَّع القُدُرات الكلامية في مكانٍ مختلفٍ عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودةٌ في كِلا فَصَّي المُخ لَدَى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تَخَصُّصاً مِن مُخ أخته.
ولعل هذه الحقائق المُكْتَشَفَة حديثًا تُفَسِّر ولَو جُزْئِياً؛لماذا نرى أغلب المهندسين المِعْمارِيِّين من الذكور دون الإناث.. وقد كان أول من اكتشف هذه الحقيقة الباحث النفسي لانسدل من المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة عام 1962 ثم أَكَّد هذه الأبحاث كثيرون؛منهم أُستاذة علم النفس في جامعة مكماستر بكندا ,الدكتورة, ساندرا ويلسون.
ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء تُرِينا تساوياً بين الفتى والفتاة ما عدا فَحْصَين منهما... وهما فَحْص ترتيب الصور والفراغات بين الأصابع Picture arrangment and digial span فإنهما يُرِيانا تفوُّقاً كبيراً في صالح الأولاد على البنات.
ولهذا فإن فحْص الذكاء في مجموعةٍ يؤدي دائمًا إلى تَفَوُّق الأولاد على البنات.
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا البروفسور توراناس «إن المساواة بين الجنسين تُشَكِّل عَقَبَةً كَأْداءَ في القدرات الخَلاَّقة. فالقُدرات الخلاَّقة لَدَى الفتاة تحتاج إلى الحساسية والصفات الأنثوية بينما تحتاج في الفتى إلى الاستقلالية وصفات الرجولة».
وتقول الدراسة إنَّ أغلب الأولاد يَمِيلون إلى كثرة الحركة وشئٍ من العُنْف بينما أكثر الفتيات إلى السَّكِينة والهدوء وقِلَّة الحركة.
إن هذه الدراسات احصائية وتتحدث عن الجنسين على صورة العُموم ولكنها ليست شخصيةً: أيْ أنها لا تتحدث عن هذا الشخص أو ذاك وإنما تتحدث عن المجموع والصبغة الغالبة..
وإمْكانِية أنْ يَشُدَّ فردٌ من هذا الجنس أو ذاك عن القاعدة أمرٌ لا يُلْغِي القاعدة في ذاتها.
وعلينا أن لا نتجاهل الحقائق العلمية البيولجية فنحاول أن نجعل تربية الفتى مماثلةً لتربية الفتاة, ودورَ الفتى في الحياة مماثلاً لِدَورِ الفتاة لأننا فقط نرغب في ذلك... فهذا التفكير المَيْنِيُّ على الرغبات Wishful Thinking يُصادِم الحقائق العلمية».
ا ه- مقال الريدرز دايجست
وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة وأن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثيرٍ من تلك الموجودة في مخ المرأة.
وتقول الأبحاث أن المقدرة العقلية والذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ووَزْن المخ وعدد التلافيف الموجودة فيه.
فالإنسان يُعْتَبَر صاحب أكبر دماغ بين جميع الحيوانات بالمُقارَنة مع حجم ووزن جسمه.. وتلافيف مُخِّه أكثر بكثير مما هي عليه في أي من الحيوانات الدنيا أو العليا.
وقد يقال إنَّ وزن وحجم المخ يعتمد على وزن وحجم الشخص.وهذا صحيح فإن مخ الفيل أكبر من مخ الإنسان ولكن مخ الفيل بالنسبة لوزنه وحجمه ضئيلٌ جداً.. وأما مخ الإنسان فإنه كبير بالقياس إلى جسمه ومقارنته ببقية الحيوانات.
وحتى لو أخذنا هذه الحقيقة في الحُسْبان فإن دماغ الرجل سيَظَل أكبر وأثْقَل وأكثر تلافيفاً من دماغ المرأة.(14/136)
ويزيد مخ الرجل في المتوسط عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام... كما يزيد حجمه بمعدل مائتي سنتيمتر مكعب. ونسبة وزن مخ الرجل إلى جسمه هي 1/40 بينما نسبة مخ المرأة إلى جسمها تبلغ 1/44 فحسْب.
ولعل في هذا دليلاً على ما ورد في الحديث النَبَوِيِّ الشَّريف مِن نُقْصان عَقْل المرأة بالنسبة للرجل.
وجعل الله سبحانه شهادة المرأتين مساويةً لشهادة رجلٍ واحدٍ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة 281].
هذه الفروق كلها تؤكد إعجاز الآية{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وليست الدرجة مُقْتَصِرةً فقط على التركيب البيولوجي ولكنها أيضًا تشمل التركيب النفسي... والقدرات العقلية والكلامية.. والفَنِّية ( أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ).
فإذا نَظَرْتَ في التاريخ وجدت النابغين في كل فَرْعٍ من فروع المعرفة والاختراع والحياة من الرجال لا يَكاد يُحْصِيهم مُحْصٍ... بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالات المعرفة أو الاختراع محدودات معدودات وتستطيع أن تَذْكُر المئات من الرجال في كل فنٍّ من فنون المعرفة.. وفي قِيادة الجيوش وفي الاختراعات وفي الصناعة وفي المال والاقتصاد.. ولكنه سيَعْسُر عليك أنْ تَعُدَّ العشرات من النساء في أي من هذه الفنون المختلفة من المعارف الإنسانية والصناعات والاختراعات... وتستطيع أن تعد عشرات الأنبياء والمرسلين وهم صفوة البشر.. ولكنك لا تستطيع أن تَجِدَ واحدةً تَتَّصفُ بصفات النُّبُوة والرسالة... رغم عِظَم بعض هؤلاء النساء من أُمَّهات الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم... فمَرْيَمُ العَذْراءُ سَيِّدَة النساء في زمانها... وفاطمة الزَّهْراء سيدة نساء العالمين... لا يُضَارِعُهُنَّ أحدٌ من النساء.. ونِعالُ الواحدةِ منهن خيرٌ مِن آلافِ الرجال.. لكنَّ الحقيقة تَبْقَى بعد ذلك أنَّه لم تَرْقَ واحدةٌ منهن إلى مَصافِّ النُّبُوة...
وليس هذا قَدْحاً في المرأة... فإن أعظم العباقرة يتَصاغَرُ أمام أبسَطِ الأمهات... ولا يستطيع أعظَمُ قادةِ الدنيا من الرجال أن يفْعَل ما تفعلُه أبسط النساء وأجْهُلُهُنَّ... إنه لا يستطيع أن يُنْجب طفلاً ويَحْمِلَه في بطنه تِسعة أشْهرٍ كما أَنَّه لا يُمْكِنُه إِرْضاعُه وتربيته مهما كان له من العبقرية والنُّبوغ!!
فوظيفة الأُمُومة لا يستطيع أن يقوم بها أيُّ رجلٍ مهما كان حظُّه عظيما من النُّبوغ.. ووظيفة الأمومة تتصاغر أمامها كل الوظائف الأخرى.. حتى يَجْعل الرسول الكريم الجَنَّة تحت أقدامها «الجَنَّةُ تحَتْ أَقْدَامِ الأمَّهاتِ» ويُوْصِي أصحابه وأُمَّتَه بِرِعاية الأُم بأَضْعاف ما يُوْجِبُه لِلأبِ. فعندما سُئِلَ المُصْطفى صَلوَاتُ اللهِ وسلامه عليه مِن أحَدِ أصحابه: مَنْ أحَقُّ الناسِ بِحُسْن صُحْبَتِي وبِرِّي, قال المصطفى: «أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أَبوك ثُمَّ أدْناكَ فأدْناكَ».
وركَّز القُرآنُ الكريم على بِرِّ الوالدين وحثَّ عَلَيْهِما أَيَّمَا حَثٍّ وخَصّ الأُمَّ بِزِيادة ذكرٍ لِيُبَيِّن مَزيدَ فَضْلِها.
قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان] .
وقال عزَ َّمن قائل { وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف] .
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [ الإسراء].
ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل ِ«وللرجال عليهن درجة» «فَلَيْسَت شواهِدُ التاريخ الحاضر المُسْتَفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تُقِيم الفارق بين الجنسين. إذ لا شك أن طبيعة الجنس أدَلُّ من الشواهد التاريخية والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اخْتُصَّ بها الذكورُ من نوع الإنسان إنْ لم نَقُل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القَوامة.. فَكُلُّ ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل التركيب يَدُلُّ على أنه علاقةٌ بين جنسٍ يُريد وجِنْسٍ يَتَقَبَّل وبين رَغْبةٍ داعيةٍ ورغبة مُسْتَجِيبَةٍ تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوانات التي تَمْلِك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتاً من الأوقات.(14/137)
وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والإناث لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة ولا بالعِراك لِلْغلَبة على الجنس الآخر..
وليس هذا مما يَرْجع في أُصوله إلى الحياء الذي تَفْرِضه المجتمعات الدينية ويُزَكِّيه واجبُ الدين والأخلاق؛بل يُشاهَد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثه حيث لا يُعْرَفُ حياءُ الأدب والدين. فلا تُقْدِمُ الإناث على طَلَبِ الذُّكور بل تتَعَرَّض لها لتراها وتَتَّبِعَها وتُسَيِْطِر عليها باختيارها ولا تزال الأنثى بِمَوْقِف المُنْتَظِر لِنَتِيجَةِ العِراك عليها بين الذكور لِيَظْفَر بها أقْدَرُها على انْتِزاعِها.
وأدَلُّ مِن ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أنَّ الاغْتِصابَ إذا حَصَل إِنَّما يَحْصُل من الذكر للأنثى ولا يَتَأَتَّى أنْ يكُونَ هناك اغْتِصابٌ جَسَدِيٌّ من أنثى لِذَكر.. وإن غَلَبَةَ الشَّهوة الجنسية تَنْتَهِي بالرجل إلى الضَّراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغَشْية... وأعْمَقُ من ذلك في الإبانَةِ عَن طبيعة الجنس؛أنَّ عَوَارِضَ الأنوثة تكاد تكون سَلْبِيةَّ مُتَلَقِّية في العلامات التي يُسَمُّونها بالعلامات الثانوية فإذا ضعُفَت هُرمونات الذكورة وقَلَّت إفْرازاتُها بَقِيَت بَعْدَها صفات الأنوثة غالبةً على الكائن الحي كائناً ما كان جنسه (وذلك ما هو مُشاهَدٌ عند إخصاء الذكور فتظهر الصفات الأنثوية وتضْمَحِلُّ صفات الذكورة).. ولكنَ صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعُفَت هرمونات الأنوثة... إنما يَظْهر منها ما كان يَعُوقُه عائق عن الظهور.
ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوينٌ عاطفيٌّ خاصٌّ لا يُشْبِه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد لا تَنْتهي بمناولَتِه الثَدْي وإرْضاعِه.. ولابُد مَعَها من تَعَهُّدٍ دائم ومُجاوَبَةٌ شُعورية تَستدعِي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه.. وبين فهمها وفهمه ومدارج حسه وعطفه.. وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيراً في أطوار حياتها من صِباها الباكِر إلى شيخوختها العالية فلا تخلو من مُشابَهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل والمُجافاةِ ,وفي حُب الوِلاية والحَدْبِ مِمَّن يُعامِلها ولو كان في مِثْل سِنِّها أو سِن أبنائها..
وليس هذا الخُلُق مما تَصْطَنِعُه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت حضانة الأطفال تَتِمَّةً للرضاع تَقْتَرِن فيها أدواته الجسدية ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى. ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتَعَهُّد الأطفال الصِّغار أصْلٌ من أصول اللِّينِ الأُنثوي الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحِسِّ والاستجابة للعاطفة. ويصْعُب عليها ما يسْهُل على الرجل من تحكيمِ العقل وتَقْليب الرأْيِ وصلابة العزيمة... فهما ولا شك مختلفان في هذا المِزاج اختلافاً لا سبيل إلى المُمَاراة فيه».
تتعرَّض المرأة وتنتظرُ والرجل يطلب ويسعى والتَّعَرُّضُ هو الخُطْوَة الأُولى في طَرِيق الإغراء ,فإن لم يَكْفِ فَوَراءَه الإغْواءُ بالتَّنْبِيهِ والحِيْلَة والتَّوَسُّل بالزِّينَةِ والإيْماء. وكل ذلك مَعْناه تَحْرِيكُ إرادة الآخَرِين والانتظار».
« فإرادة المرأة تتحقق بأمرين: النجاح في أن تُرَاد والقدرة على الانتظار. ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية على الأقلِّ إنْ لم نَقُل في جميع الشؤون».
«فالإغواء كافٍ للأنثى ولا حاجة َبها إلى الإرادة القاسِرة بل مِن العَبَثِ تَزْوِيدُها بالإرادة التي تَغْلِب بها الذكر عُنْوة لأنها متى حمَلَت كانت هذه الإرادة مَضْيَعَةٌ طُوال فترة الحمْل بِغير جَدْوَى على حين أن الذكور قادرون إذا أدَّوا مَطْلَب النَّوع مرة أنْ يُؤَدُّوه مراتٍ بلا عائق من التركيب والتكوين... وليس هذا في حالة الأنثى بميسورٍ على وجهٍ من الوجوه».
وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ولا تَعْتَزُّ المرأة بأن تُريدَه؛لأن الإغواء هو مِحْوَرُ المَحاسِن في النساء ,والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال. ولذا زَوَِّدَت الطبيعة المرأة بِعِدَّة الإغواء ,وعَوَّضَتْها عَن عِدَّة الغَلَبة والعزيمة. بل جعلتها حين تُغْلَب هي الغالبة في تحقيق مَشيئة الجنسين على السَّواء».
ا.ه - كلام الأستاذ العقاد
والفروق بين الذكر والأنثى في الجَنين من الشهر الرابع حيث تَتَميز أعضاء الذُّكورة وأعضاء الأنوثة.. وحيث يكون المخ ومنطقة «تحت المهاد» قد تَمَيَّزت كاملاً بين الجنين الذكر والجنين الأنثى.
وقد لاحظ العلماء والأطباء والمرَبُّون الاختلاف الشاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك شقيقته الأنثى ولو كانا تَوْأمين.. فالصَّبي عادةً أكثر عُنفاً ونشاطاً وإدْراكاً من أخته.
وتشكو الأمهات في العادة من نَشاط أولادهِنَّ الزائد وما يُسَبِّبونه لهَنُ من متاعب وتحطيمٍ في أثاث المنزل بينما البنات في العادة هادئاتٌ..(14/138)
وتَمِيل الصَّغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تَسْرِيحِهِن والعناية بهن ويَقُمْن تِلْقائيًا بِدَوْر الأُم بينما يَصْعُب على الصَّبِي فِعْل ذلك وسرعان ما يَلْوِي رَقَبة العروسة إنْ أُعْطِيَت له ويُمَّزقها لِيَنْظر ما في أحشائها؟
ويعرف الآباء والأمهات الذين رزقهم الله ذُرِّيةً من الأولاد والبنات الفروق الشاسعة بين أطفالهم.. وتَقِف البنت الصغيرة أمام المرآة وتَتَدَلَّل تِلقائياً.. وكثيراً ما كنت أسمع من بناتي وهُن لم يُجَاوِزْن بعد سن الثالثة عند لِبْسها ثوباً جديداً واستعدادها للخروج مع أمها: يا بابا شُوف الجمال!!.. أو يا بابا إيه رأيك في الفستان الجميل دَه «أو يا بابا شوف التَّسريحة الحُلوة دي».
ولم يخْطُر بِبال الصبي أن يفْعَل مثل ذلك بل هو مشغولٌ منذ طفولته الباكرة باللعب بالكرة أو بِتَفكيك الألعاب التي تُهْدى له لِيَعْرف ما بداخلها.
وتستمر الفروق تنمو يوماً بعد يوم حتى تَبْلُغ أَوَْجَ اختلافها عند البلوغ عندما تستيقظ الغُدد التناسلية من هَجْعَتِها الطويلة وتَنْشَط فَتُرْسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليُصبح رجلاً فينمو شعر عُذارِيه وذَقْنه وشاربه ويصبح صوته أجَشّ غليظاً... وتنمو عضلاته وعظامه وتَقْوَى.. ويتوزع الدهن في جسمه توزيعاً عادلاً.. ويكون عريض المِنْكَبين قَوِي الساعدَين مفتول الذِّراعين.. أما الفتاة فتنهَمِر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو أثْداؤُها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض.. ويتوزع الدهن في جسمها بحيث يُخْفِي أيَّ نُتُوءٍ أو حُفْرَةٍ لا ترتاح لها العين.. ويزداد الدهن في أرْدافها وعَجُزِها.. ويَنْعُم صوتها ويَصِير رخيماً.. ليس هذا فحسب ,ولكنَّ الهرمونات تُؤَثر في السلوك كما تؤثر في القَوام والمِشْيَة فتَجعلَ الفتى مِقْداماً مُحِباً لِلْمُغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخَفْر والحياء مَيَّالةً إلى الدَّلال والتَّغَنُّج.
وهي فروقٌ تظهر في الحيوان المنويّ والبويضة كما تَظْهر في الفتاة اليافِعَة والشاب الذي طرَّ شارِبُه.
وظائف المرأة الفسيولوجية تَعُوقُها عن العمل خارج المنزل:
وإذا نظرنا فقط إلى ما يَعْتَرِي المرأة في الحَيْض والحمل والولادة لَعَرفْنا أن خروجها إلى مجال العمل إنما هو تعطيل العمل ذاته.. كما أنه مُصادِمٌ لفِطرتها وتكوينها البيولوجي الذي لا مَنْدُوحَةَ عنه ..
(أ ) المحيض:
إِنَّ أنثي الإنسان.. والثدْيِيات العُليا مثل: القِرَدة والأورانج والشمبانزي هي التي تَحِيض ولها دَوْرَة رَحِمِيَّة كاملة.. أما بقيَّة الحيوانات فلا تحيض إناثها رغم ما يُشاع عن حَيْض الأرنب والضَّبع والخُّفاش.. فهذه جميعاً لا تحيض وإن كانت تُنْزِل دماً من أرحامها عند اهْتِياجِها الجنسيِّ الشديد.
وللحيوانات جميعِها فترةٌ محدودة ٌللنشاط الجنسيِّ وعادةً ما يكون في فصْل الربيع بينما النشاط الجنسي للإنسان مُتَّصِلٌ على مَدار العام.. ولا تُفْرِز الإناث من هذه الحيوانات بويضاتها إلا في فترةٍ محدودةٍ من العام بينما تُفرز المرأة بُويضة مرةً في كل شهرٍ منذ البلوغ إلى سِنِّ اليأْس.. أَيْ خلال ما يَزيد على ثلاثين عاماً كاملةً.. وهي طوال هذه المُدة مُعَرَّضَةٌ لِلْحَيض في كل شهر إلا إذا وقع الحَمْل وتَتَعَرض المرأة في أثناء الحيض لآلام ومُعاناةٍ نُلَخِّصُها فيما يلي:
1) تُصاب أكثر النساء بآلام وأوْجاعٍ في أسفل الظَّهر وأسفل البطن.. وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يَسْتَدْعِي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المُسَكِّنة للألم.
2) تُصاب كثيرٌ من النساء بحالةٍ من الكآبة والضِّيق أثناء الحيض وخاصةً عند بدايته.. وتكون المرأة عادةً مُتَقَلِّبة المِزاج سريعة الاهْتِياج قليلةَ الاحتمال.. كما أنَّ حالتها العقلية والفكرية تكون في أدْنى مُستوىً لها.
3) تُصاب بعض النساء بالصُّداع النِّصْفيِّ (الشَّقِيقَة) قُرْبَ بداية الحيض.. وتكون الآلام مُبْرِحَة وتَصْحبها زَغْلَلة في الرؤية وَقَئٌّ.
4) تُقِل الرغبة الجنسية لَدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض.. وتمَيل كثيرٌ من النساء في فَترة الحيض إلى العُزْلة والسَّكِينة. وهذا أمرٌ طبيعيٌ وفسيولوجي؛إذْ أنَّ فترة الحيض هي فترة نَزيف دمَوِيٍّ من قُعْر الرحم.. وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالةٍ شِبْهِ مَرَضية.
5) فَقْر الدم (الأنيميا) الذي ينْتُج عن النزيف الشهريِّ إذْ تَفْقِد المرأة كِمِّية ًمن الدم في أثناء حيضها.. وتختلف الكِمِّية من امرأةٍ إلى أُخْرَي وقد قِيْسَت كِمِّيةُ الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فَوُجِد ما بين أُوقيَِّتَين (60 ميليليتر) وثمان أوقيات (مائتين وأربعين ميليلتر).(14/139)
6) تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجةٍ مِئَوِيةٍ كاملةٍ.. وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تَكُفُّ في جسم الكائن الحيِّ تكون في أدْنَى مستوياتها أثناء الحيض. وتُسَمَّي هذه العمليات بالأَيْض أو الاستقلاب Metabolism ويَقِل إنتاج الطاقة كما تَقِل عمليات التمثيل الغذائي.. وتقل كمية استقلاب المواد النَّشوية والدهون والبروتين..
7) تُصاب الغُدَد الصَّماء بالتَّغَيُّر أثناء الحيض فتَقِل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
نتيجةً للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويُبْطِئ النَّبْض وينخفض ضغط الدم وتُصاب كثير من النساء بالشعور بالدُّوخة والكَسَل والفُتُور أثناء فترة الحيض..
ومِن المعلوم أنَّ الأعمال المُجْهِدَة والخروج خارج المنزل ومُواجهة صِعاب الحياة تحتاج إلى أعْلى قدْرٍ من القوة والنشاط والطاقة.. فكيف يَتَأَتَّى للمرأة ذلك وهي تُواجِه كل شهرٍ هذه التغييرات الفيسيولوجية الطبيعية التي تجعلها شِبْه مريضة.. وفي أدنى حالاتها الجسَدية والفكرية..
ولَو أُصِيب رجلٌ بنَزْفٍ يَفْقِد فيه رُبْع لِتْرٍ من دَمِه لَوَلْوَل ودعا بِالوَيْل والثُّبُور وعَظائِم الأُمور وطلب أجازةً من عمله.. فكيف بالمِسْكينة التي تَنْزِف كل شهرٍ ولا يَلْتَفِتُ إليها أحد..
وانْظُر إلى آثارِ رحْمةِ الله بالمرأة.. كيف خَفَّفَ عنها واجباتها اثناء الحيض فأعْفَاها من الصلاة ولم يُطالبها بقَضَائها.. وأعْفاها من الصوم وطالبها القضاء في أيام أُخَر وأعْفاها من الاتِّصال جِنْسيًا بِزَوْجها وأخْبَرها وأخْبَر زوجها بأنَّ الحيض أذَى وطَلب منهما أن يَعْتَزل كلٌّ منهما الآخر في الحيض قال تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (579).
(ب) الحمل:
لا تَكاد الفتاة تتزوج حتى تنتَظِر اليوم الذي تَحْمِل فيه بفارِغ الصَّبْر وتكاد تَطِير فَرَحًا عندما تَعْلَم بأنها حاملٌ لأوَّل مرَّة. ومع هذه السعادة الغامرة تبدأ الآلام والأوْجاع والوَهْن..
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [ لقمان].
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف]
يَنْقَلِب كِيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الحمل بالغَثَيان والقَئ.. وكثيرًا ما يكون ذلك شديدٍا وخاصة في الأشْهُر الأُوْلى من الحمل.,. وتُعْطِي الأم جَنِينَها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهْضُومةٍ جاهزةٍ حتى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها.. بل إن الأمر أبْعَد من ذلك.. فإنَّ الجنين يحصُل على حاجاته من دَمِ الأم ولو اضْطُّرَت الأم المسكينة أن تُعْطِيه ما يحتاج إليه من عِظامها.. حتى لَتُصاب بِلِينِ العظام وتَسَوُّس الأسنان من جَرَّاء سحْبِ الجنين للكالسيوم وفيتامين «د» من دم الأم وعظامها.
كما أنَّ مُعْظم الأمهات يُصَبْن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النِّصْف الثاني من مدة الحمل.. وذلك لانْتِقال المُواد الهامَّة لِصُنْع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكِنِ خَزْنِها في جسم الأم.
وفقر الدم (الأنيميا) يُنْهِك الأم وإذا زادت درجَتُه فإنه يُؤَدِّي إلى هُبوطِ القلب.
ليس هذا فحسْب ولكنَّ الجنين يَسْحَب كل ما يحتاج إليه من مواد لِبِناءِ جِسْمِه ونُمُوِّه حتى ولو تَرك الأم شَبَحًا هَزيلاً.. يُعاني من لِين العظام ونَقْص الفيتامينات وفقر الدم.. وهي تفعل ذلك راضِيةً مُخْتارة.. كما تقوم الأم بأخْذِ جميع المواد السامَّة التي يُفرزها جسم الجنين وتَطْرُدها بَدَلاً عنه.
ولا تكْتَفِي الأم بكلِّ هذا بل تُعْطِي جنينها مواد المَناعَة ضِدَّ الأمراض وتَمْنع عنه المَشِيمَة كلَّ ما يَضُرُّه من موادٍ موجودةٍ في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها تَصُد عنه دخول الميكروبات إلا فيما نَدُر.
وفي الحمل يتَحَمل القلب أضْعاف أضْعاف ما يتحمَّلُه قُبَيْل الحمل.. فإنَّ عَلَيه أنْ يقوم بِدَوْرَتَيْن دَمَوِيتين كاملتين؛ دورةٌ للأم ودَورةٌ للجنين ويتحَمَّل تَبِعَات هاتين الدَّوْرتَين.. وتزداد كمية الدم التي يضُخُّها قلب الأم إلى ما يَزيد عن ضِعْفَي ما يَضُخه يوميًا (يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يوميًا. أمَّا في أثناء الحمل وخاصةً قُرْبَ نهايته فَتَصِل الكِمية التي يَضُخها القلب إلى 15,000 لتر يوميًا).(14/140)
وتزداد سرعة القلب ونبضاته.. ويكْبُر حجْمُه قليلاً.. وبامْتلاءِ البطْن ونُمُوِّ الجنين يَضغَط الحِجابُ الحاجز على القلب والرئتين فيُصبِح التَّنَفُّس أكثر صُعوبةً وتَشْكو الحامل من ضِيقِ التنفس والنَهَجان (580) وخاصة عندما تَسْتَلْقِي على ظَهرها..
ويَضغَط الرحِمُ على الأوْرِدة العائدة من الساقَين فتمْتلِئُ هذه الأخيرة بالدماء وتنْتَفِخُ مُسَبِّبةً دَوَاليَ الساقَين.. كما تَتَوَّرم القَدَمان قليلاً في أَوَاخِر الحمل..
ويُصاب الجهاز الهضميُّ من أَوَّل الحمل فَيَكْثُر القَئ والغَثَيان.وتَقِل.الشهية, ثُم بعد ذلك تَزداد الحُرْقة واللَّذْع والتهابات المعدة.. كما تُصاب الحامل في العادة بالإمْساك وتَضْطَرب الغُدد الصماء في وظائفها.. وتُصاب بعض النساء بِتَوَرُّم الغدد الدَّرَقِية أثناء الحمل نتيجة نقص اليُود.
كل هذه التغيرات وأكثر منها تحدث في الحمل الطبيعي..
وفي كثيرٍ من الأحيانِ يُضاف إلى هذه المتاعب التهابات المَجَارِي البَوْلِية.. التي تزداد زيادةً كبيرةً أثناء الحمل.. مما يؤدي إلى فُقْدان البروتين (الزُّلال) من البَوْل وتَوَرِّم الأرْجُل والأقدام والوَجْه وارتفاع ضغط الدم..
وهذا الأخير يُعْتَبر أهم عاملٍ في حدوث حالاتِ تسَمُّم ِالحمل الخطيرة. لِذا فإنَّ على الحامل أنْ تَعْرِض نفسها على الطبيب مرةً كل شهر لمِتُابعة حالتها وفي أشْهر الحمل الأخيرة ينبغي أنْ يراها الطبيب مرة كل أُسبوعَين..
ولن نتحدَّث عن حَمْل التَّوائِمِ ومُضاعفاتِه ,ولا عن الحمل خارج الرحِم وخطورته على حياة الأم.. ولا عن أمراض القلب وأمراض الكُلَى وتَسَمُّم الحمل. فَكُل هذه لها مجالٌ آخَر.. ولكننا نُشير فقط إلى ما تُكابِدُه الأم من مَشاقٍّ أثناء الحمل الطبيعي.
وفي أثناء الحمل يزداد وَزْن الأم بِمُعَدَّل كيلو جرام ورُبع, كل شهر حتى إذا بلغ الحمل نِهايته كانت الزيادة عشرة كيلو جرامات؛ سبْعةٌ منها للجنين وأغْشِيته والمَشِيمة.. وثلاثةٌ منها زيادةٌ فِعْلِيةٌ في وَزْن الحامل..
ويقول مجْمُوعةٌ مِن أساتذةِ طِبِّ النساء والولادة في كتاب «الحمل والولادة. والعقم عند الجنسين»:«والطفل يُعْتَبر كالنبات الطُّفَيْلِي الذي يَسْتمد كل ما يحتاج إليه من الشجرة التي يتعلق بها فهو يعيش ويأخذ غذاءه من الأم كاملاً مهما كانت حالتها أو ظروفها حتي لو تركها شَبَحَاً».
وفي موْضِعٍ آخَر يقول «يعْتَبِر مُعظم الأطِباء – وهذا صحيح ٌ– أنَّ الجنين داخل الرحم مُتَطَفِّلٌ على أُمِّه لأنَّ المواد الغذائية كالأحماض الأمِينِة والجلوكوز وكذا الفيتامينات والأملاح ,كالحديد والكالسيوم والفسفور وغيرها تنتقل من الأم إلى الجنين خلال المشيمة.. والمعروف أنَّ طَلَبات الجنين تُلَبَّي بصِفةٍ إلْزامِية حتى وإنْ كان هناك نقْصٌ في كل أو بعض هذه المواد الحيوية عند الأم».
ولا تُعاني الأم من كل هذه المتاعب الجسدية فحسْب ولكنَّ حالتَها النفْسية كذلك تضْطَرِب أيَّما اضْطِرابٍ فهي بين الخوف والرجاء.. الخوف من الحمل ومَتاعبه والولادة ومتاعبها والرجاء والفرح بالمولود الجديد.. وتضطرب نفسيتُها وتُصاب في كثيرٍ من الأحيان بالقلق والكآبَة.. وتَقَلُّب المِزاج.. ويقول كِتاب «الحمْل والولادة» المُشار إليه آنِفاً: «تحتاج (الحامل) إلى عنايةٍ شديدةٍ من المُحِيطِين بها في هذه الفترة بالذات. إذْ تكون أكثر حساسيةً مِن أيِّ فترةٍ مَضَتْ سريعة التأثير والانفعال والمَيْل إلى الهموم والحثزْن لأتْفَهِ الأسباب.. وذلك بسبب التغير الفيسيولوجي في كل أجْزاء الجسم.. لِذا يجب أنْ تُحَاط بِجَوٍّ من الحنان والبُعْد عن الأسباب التي تُؤَدِّي إلى تأثرها وانفعالها وخاصة من ناحية الزوج أو الذين يعيشون ويتعاملون معها»..
وقُلْ لِي باللهِ عليك هل يُمْكِن أنْ تُحاط بِجَوٍِّ من الحنان في المَصْنَع أو المَتْجَر أو في المَكْتَب.. وصاحب العَمَل لا تُهِمُّه حالتُها الفيسيولوجية ولا يَعرف حاجتها البيولوجية إلى الحنان.. إنه يعرف فقط أنَّ عليها أنْ تؤدي عملاً تأْخُذُ مُقابِلَه راتباً مهما كانت ظروفها..
وليس هو مسؤولاً عن حَمْلِها.. (وحتى لو كان المسؤول عن حملها فإنه لا يَهْتم لذلك في الغالب)، كما أنه لم يكن مسؤولاً عن حالتها أثناء الحيض..
لا شك أن حالة الحيض المُتَكَرِّرة وحالات الحمل والولادة تتناقَض ومصلحةَ العمل. وخروجها إلى العمل لِتُنافِس الرجال يُصادِم الفِطرة.. ويُسَبِّب زيادةً مَلحوظةً في أمراض الحيض.. كما يسبب زيادة ملحوظة في مضاعفات الحمل والولادة.. ودائمًا ما يَنْصَح الأطباء الحوامل بالراحة واجتناب الإرْهاق الجسديِّ والنفْسيِّ.. كما ينصحون زوج الحامل وأفراد أُسرتها بأن يُخَفِّفُوا عنها ما استطاعوا وأنْ يُعاملوها بالرِّفْق والحنان وأنْ يَحْتَمِلوا ما قَدْ يَبْدُرُ منها مِن جَفَاءٍ أوْ سُوءِ مُعاملةٍ أو غِلْظَةٍ.. أو سوء خُلُق على غَير عادتها وطبيعتها..(14/141)
وفي الحديث:(إنَّ المرأة قد خُلِقَتْ مْنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فإذا أرَدْتَ أنْ تُقيْمَها كسَرْتَها.. ولكن عليك أن تستمتع بها على ما فيها من عِوَج..) «وخيرُكُم خيرُكُم لأَهْلِهْ وأنا خيرُكُم لأهْلِي».
وصدق الله العظيم حيث يقول: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ).
وحيث يقول {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}.
فهي في وَهْنٍ مِن أوَّل الحمل إلى آخِرِه.. وهي في آلامٍ وأوْجاعٍ ومصاعبَ وأوْصابٍ مِن أوَّل حمْلِه إلى أنْ تَضَعَه.. ثُم تُواجِه بَعْدَ ذلك مَشَقَّةَ الرَّضاعة ومَشقة التربية.أَفَلا تكون بعد هذا كله جَديرَةً بالتكريم والتَّوْقير والاحترام.. وتَوْفير التَّفَرُّغ الكامل لها لِتُؤَديَ هذه الوظيفة العظيمة المَنُوطَة بها.
ألا إنه الجهل المَحْض والكُفْر المَقِيت لِدَوْر الأم العظيم حينما يُطْلَب منها أنْ تَخْرُج من بيتها لِتُنافِس الرِّجال بالمَناكِب والأقْدَام.
(ج) آلام الولادة:
إنَّ آلامَ الطَّلْق تَفُوقُ أيَّ أَلَمٍ آخَرَ.. ومع هذا فلا تَكاد المرأة تَنْتَهي مِن ولادةٍ حتى تَسْتَعِدَّ لِوِلادةٍ أُخْرَى.. ولا يَكاد الطِّفل يَخْرج إلى الدنيا ويُلامِس جسمه جسمها حتى يَفْتَرَّ ثَغْرُها عن ابْتِسامةٍ مُتْعَبَةٍ وهي تُعْطِيه أوَّل رَضْعةٍ له مِن ثَدْيِها.
وفي الماضي كانت الولادة عمَلية شديدة الخطورة وتَنْتَهي كثيرٌ من حالاتها بِوَفاة الأم أَ وَفاة الجنين أو وفاتهما معًا..
كما كانت حُمَّى النِّفاس مُنْتَشِرة بين الوالدات.. والحمد لله فقَدْ أمْكَنَ في العصور الحديثة خَفْضُ مُضاعَفَات الولادة على الأم والجنين ,ولكنَّ الطِّب لمْ يَتَمَكَّن من إِزالةِ جميع مَخَاطِر الولادة.. ولا تَزالُ مَجْموعةٌ من النساء يَلِدْنَ بالعملية القَيْصَرِية.. ومَجُموعة أُخْرى يَلِدْن بالجِفْتِ.. كما أنَّ مجموعةً قليلةً تَفْقِد حياتها أثناء الولادة أو بسبب حُمَّى النِّفاس أو تَمَزُّق الرَّحِم..
أما الأمراض المُزْمِنة الناتجة عن الحمل والولادة فلا تزال ,رغم التَّقَدُّم الطِّبِّي الهائل ,ليست بالقليلة. وأهَمُّها أمْراض الكُلَى وضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الجهاز التناسلي وأمراض الكبد.. كما أن َّالأمراض النفْسية وحالات الكآبة تَكْثُر أثناء الحمل وفي فتْرة النِّفاس..
(د) فترة النفاس:
تَبْقَي الأم في فترة النفاس أشْبَهَ بالمريضة.. وتُعَانِي من الإرْهاق بَعْد المَجْهُود الشاقّ الذي بذَلَتْهُ أثناء الحمل والولادة.
ومِن رحْمَةِ اللهِ أنَّ الرحِم الذي كان يمَلأ تَجْوِيف البطن من عَظم العانة إلى القص يَنزل مُباشرةً بعد الولادة إلى مُستوى السُّرَّة ويَنْخَفِض مُستواه تدريجيًا بِمُعَدَّل سنتيمترين يوميًا.. وفي خلال سِتَّةِ أسابيعَ يَعُودُ أدْرَاجُه إلى ما كان عليه قَبل الحمْل...
ولَكَ أنْ تَتَخَيَّل حالة الرحم في نهاية الحمل وهو يتَّسع لأكثرَ من سبْعةِ آلاف ميليلتر لِيَعود بعد نهاية النفاس إلى عُضْوٍ لا يتَّسِع لأكثرَ مِن ميليلترين فقط.. كما أن وزنه عند نهاية الحمل بمحتوياته تبلغ ستة آلاف جرام منها:
1000جرام وزن الرحم ذاته.
3500جرام وزن الجنين.
1000جرام وزن السائل الأمينوس المحيط بالجنين.
500 جرام وزن المشيمة.
أما في نهاية فترة النفاس فيعود الرحم إلى وزنه الطبيعي وهو خمسون جرامًا وتُعاني النُّفَساء من صُعوبةٍ أثناء التَّبَوُّل وخاصة في الأيام الأُولَى عَقِب الولادة نتيجةً لِتَسَلُّخات جدار المِهْبَل وفَتْحَة الفَرْج ومَجْرَى البَول أثناء الولادة.. ولكن سرعان ما تزول هذه الآلام..
وتُنْصَح النُّفَساء بِعَدم الإجهاد لأنَّ عَضَلَةَ القلب لا تَتَحَمَّل أيَّ مجهودٍ شديدٍ.. ولكن ليس معنى ذلك ألاَّ تتحرَّك النُّفساء؛ بل إنَّ حركَتَها الخفيفة مَطْلوبة لِتَنْشيط الدورة الدموية وخاصة في الساقين.. ولكن الإجهاد ضارٌّ بالأم, وقد تَحْصُل حالات هبوطٍ مُفاجِئٍ نتيجة استعجال الأم في الحركة الشديدة.
والغريب حقًّا أن َّالجِيلَ السابق من الأمهات كُنَّ يَحْرِصْن على الراحة التامَّة أثناء فترة النِّفاس بدرجةٍ مُبَالَغٍ فيها.. أمَّا الجِيْلِ الحاليّ فَعَلَى نَقِيْض ذلك يَحْرِص على الحركة والإجهاد بصورةٍ مُزعجةٍ.. ولا شك أنَّ المُغالاة في أحَدِ الجانبين ليس في مَصْلحة النُّفَساء.. وأنَّ خير الأمور أوسطها.
وأخشى ما تَخْشاه النفساء هو حُمَّى النِّفاس.. والحمد لله بفضل الله, ثُم بفضل التَّعْقيم والمحافظة التامة على النظافة أثناء الولادة وقبلها وبعدها فإن حدوث هذه الحالات أصبح نادرا.. وكم من حياةٍ يانِعةٍ أوْدَت بها حُمَّى النفاس في الماضي فقد كانت غُوْلاً بَشِعًا يَغْتال الوالدات.. ويُيَتِّم الأطفال الرُّضَّع الذين هم أكثر ما يكونون حاجة لأمهاتهم.
(هـ) الرضاعة:
قرَّر الإسلام حقَّ الطفل المولود في الرَّضاعة فقال تعالى:(14/142)
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.
كما قرَّر حق أُمه في النَّفَقَة حتى ولو طُلِّقَت في أثناء الحمل فجعل نهاية عِدَّتها أنْ تَضَع حملها{وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وُّجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.
في هذه الآيات الكريمة يُقَرِّر المَوْلَى ,عز وجل, حقَّ الطفل في الرضاعة كما يُقرر حق أمِّه في النفقة إذا أرْضَعَتْه.. ويُوَجِّه الوالدين كليهما إلى انْ يأْتَمِرا ويتشاوَرا في أمر وَلِيدِهما.. رغم الجَفْوَة والطلاق.. ويَرْبط ذلك كله بتقوى الله ويُرَقِّق مشاعرهما.. ويَطلب من الأبِ أنْ يُنْفِق مِن سَعَتِه دون عَنَتٍ ولا إرْهاق, ودون تقْتِيرٍ ولا بُخْل.. وإنما هي السَّماحة واليُسْر النَّدِيُّ في أمر هذا الدين كله..
وبعد مُضِيِّ أرْبعةَ عشَرَ قرْنًا من نزول هذه الآيات الكريمة فإنَّ الإنسانية لا تزال تَخْبِطُ في الدَّياجِير حتى اليوم.. ولا يَزال الوليد والأم يعانون أشدَّ المُعاناة حتى في عامنا هذا الذي أسْمَوْهُ عام الطفل (1979).. ولا تزال المنَظَّماتُ الدُّوَلِية وهيئة الصِّحة العالمية تُصْدِر البيان تِلْوَ البيان تُنادِي الأمهات أنْ يُرْضِعْن أولادهن.. ولا تزال الهيئات الطبية تصدر النشرات والمقالات حول جَدْوَى الرَّضاعة من الأم وفوائدها التي لا تَكاد تُحْصَر(581).. أما أنْ يَفْرِض القانون الدولي للأم المُرْضِع نَفَقًَةً كاملةً فأَمْرٌ لم تَصِل إليه حضارة القرن العشرين التعِيسة.. بينما قد أَمَرَ الإسلام بذلك منذ أربعةَ عشَرَ قرنًا من الزمان. وفوائد الرضاعة للطفل والأم أكثرُ مِن أنْ تُحْصَي ولكنا نُوْجِزُها هنا فيما يلي:
فوائد الرضاعة للوليد:
1) لبن الأم مُعَقَّّم جاهزٌ.. وتَقِل بذلك النَزَلاتُ المَعَوِية المُتكرِّرة والالتهابات التي تُصيب الأطفال الذين يَرضَعون من القارورَة. وكذلك تقل الالتهابات التي تُصيب الجهاز التنفسيَّ وذلك بسبب وُجود موادٍ مُضادةٍ للميكروبات في لبن الأم.
2) لبن الأم لا يُمَاثِله أيُّ لبنٍ آخَر مُحَضَّر من الجاموس أو الأبقار أو الأغنام فهو قد صُمِّم ورُكِّب لِيَفِي بِحَاجات الطفل يومًا بِيَوم منذ ولادته وحتى يكْبُر إلى سِنِّ الفِطام.. فترْكيب اللبا وهو السائل الأصفر الذي يُفْرِزه الثدْيِ بعد الولادة مُباشرةً ولمدة ثلاثة أو أربعة أيامٍ يحتوي على كِمِّياتٍ مُرَكَّزةٍ من البروتينات المَهْضُومة والمواد المُحْتوية على المُضادات للميكروبات والجراثيم (582).. كما أنها تَنْقُل جهاز المناعة ضِد الأمراض من الأم إلى الطفل..
3) يحتوي لبن الأم على كمية كافيةٍ من البروتين والسُّكَّر وبِنِسَبٍ تُناسِب الطفل تماماً.. بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنسانيِّ كما أنَّ نَوعية البروتينات والسُّكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضْمًا من تلك الموجودة في الألبان الأخرى.
4) تكْثُر لَدَى الأطفال الذين يَرضَعون من القارورة الوفيات المُفاجِئة التي تُدْعَى «Cot Death مَوْتُ المِهاد» وهذا النوع من الوفيات لا يُعْرَف لدَى الأطفال الذين يَلْتَقِمون أثْداء أمهاتهم.
5) نُمُو الأطفال الذين يَرضعون من أمهاتهم أسْرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة.
6) ينمو الطفل الذي يَرضع من أمه نفسيًا نُمُوًّا سليمًا بينما تكثُر الأمراض والعلل النفسية لدَى أولئك الذين يرضعون من القارورة.
7) يتَعرَّض الأطفال الذين يُرضَعون الألبان المُجَفَّفة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجِلدية بأنواعها والرَّبْو وحساسية الجهاز الهضْمِيِّ بالأضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يُرْضَعون من الثدْيِ لا يُعانون من هذه الأمراض إلاَّ نادِراً.
الفوائد للأم:
1) الارتباط النفسىُّ بين الأم وطفلها أثناء الرَّضاعة عاملٌ مُهِمٌّ لِنَفْسِيَّة الأم والطفل.
2) يَعود جِسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا قامت الأم بإرضاع وليدها.(14/143)
3) يعود الرَحِم بسرعةٍ إلى حجمه وَوَضْعه الطبيعي أثناء الرَّضاعة.. وذلك لأنَّ امتصاص الثديِ يُؤدي إلىإفراز هُرمون الاكسوتوسن Oxytocine الذي يُسْرِع بِعَوْدة الرحم إلى حالته الطبيعية..
ولولا ذلك لأُصِيب الرحم بالإنْتان Sepsis والالتهابات المتكررة. كما أنَّ ذلك يساعد على حصول حُمَّى النِّفاس..
مدة الرضاعة:
قرَّر الإسلام حق الوليد في الرَّضاعة , وذَكَرَ أنَّ كَمَال الرَّضاعة حَوْلَيْن كاملين قال تعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وقال تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}
وقال في موضع آخر {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} ومنها استدَّلَّ علِيٌّ رَضي الله عنه, على أنَّ أقَلَّ الحَمْل سِتَّةَ أشْهر. وهذا أيضًا ما يُقَرِّرُه الطب اليوم.وتُطالبُ هيئة الصِّحة العالمية أن تَتَفَرَّغ الأم لكل مولودٍ ثلاثة أعوامٍ كاملةٍ لأهمية الأم في نُمُوِّه النفسيِّ والجسديِّ السليم.
وقد وَجَدت هيئة الصحة العالمية واليُونِيسف أنَّ العالم الثالث يُواجِه أزْمةً حقيقية حيث أنَّ الأمهات اتَجَهْنَ نَحْوَ إِلْقامِ أطفالهن القارورة بدلاً من الثدي. ففي البرازيل كانت نسبة الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم 96 بالمائة سَنَة 1940. وقد انْخَفضت إلى 40 بالمائة عام 1974 وفي تشيلي كانت النسبة 95 بالمائة سنة 1955 وقد انخفضت إلى 20 بالمائة فقط عام 82. ونفس الظاهرة موجودةٌ في بَقِيةِ دُوَل أمريكا اللاتينية وبقية دول العالم الثالث.. والغريب حقاً أن كُلْفَة اللَّبن الصِّناعِيِّ لمدة أسبوع تَسْتَهْلِك أكثر من نِصف دخل العامل في أوْغَنْدا ونَيْجيريا وجامايكا أو نِصف أجْر مُوَظَّفٍ صغيرٍ في إندونسيا أو سيريلانكا، والكاسب الوحيد هو الشركات الاحتكارية الغربية التي تكسب في عامٍ الفَيْ مليون دولار من بَيْع الأغْذِية المُصَنَّعة للأطفال في دول العالم الثالث..
وحقًا يَبْدو أنَّ اسْم «قاتل الأطفال» الذي أطْلَقَتْه الصحة العالمية على هذه الشركات هو الاسم المناسب لها.
ويَحُثُّ الأطباء في كافَّة أصْقاعِ الأرْض الأمهات على أنْ يُرْضِعْن أولادهن لأَطْوَل مُدَّةٍ مُمْكِنة.. وفي أغلب الأحوال لا تَزيد هذه المدة عن سِتَّة أشْهُرٍ نتيجة للحياة النَّكِدَة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين.. بل لا تزال كثيرٌ من الأمهات يُلْقِمْنَ أوْلادهن القارورة بَدَلاً من إِلْقامِهِم أثْدائهنَّ..
والآن بعد أنْ رأيت الفروق الفيسيولوجية والتشريحية بين الرجل والمرأة وكيف أنَّ المرأة مُضْطَّرةٌ لِلْبقاء في البَيْت وخاصةً في فترة الحمل والولادة والرَّضاعة سَيَتَأكَّد لك بما لا يَدَع مَجالاً للشَّك بأنَّ الدَّعوة إلى خروج المرأة إلى مُعْتَرَك الحياة وترْك بيتها وأولادها وزوجها هي دعوةٌ جاهلِيةٌ وبعيدةٌ كل َّالبُعْد عمَّا تُقَرِّره علوم البيولوجيا والطب.. وهي دعوةٌ تُصادِم الفِطْرة مُصادَمةً واضحةً.. وتكون نتائجها وخِيمة ًعلى الأم والطفل والأبِ والأُسرة بل والمجتمع بِأَسْرِه.
( المرجع : " عمل المرأة في الميزان " للدكتور محمد علي البار ، ص 63-105) .
---
(578) من كتاب علم الفيسيولوجيا للدكتورة فلور ستراند طبعة 1978.
Physiology: A Regulatory Systems Approach by Fleur Strand 1978.
(579) انظر المزيد من التفصيل في فصل «المحيض» من كتاب «دورة الأرحام» للمؤلف.
(580) هذا التعبير شائع ولعل الصواب نهج ويعني ذلك صعوبة في التنفس.
(581) نشرت صحيفة Arab News في عددها الصادر في 10 فبراير 1981 تقريرا جديدا عن هيئة الصحة العالمية يهاجم فيه أغذية الأطفال المصنعة ويتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل عام بما قيمته ألفي مليون دولار من أغذية الأطفال بأنها تساهم في قتل الأطفال في البلاد النامية .. وذلك لأن الأغذية المصنعة والألبان المجففة تمنع الأم من الرضاعة.. واستعمال القارورة يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلاد النامية إلى محاربة هذه الأغذية المصنعة وتقول الأبحاث الطبية الحديثة أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم نتيجة استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنوياً.. وذلك نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية وسواء التغذية التي تصاحب استخدام القارورة . وفي تقرير لليونيسف نشرته جريدة المدينة في 10 ديسمبر 1983 جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة لسوء التغذية بثلاثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم وفي مصر أظْهرت دراسات مُماثلة أنَّ نسبة الوفيات هي خمس أضعاف ما هي عليه عند الأطفال الذين يَرضعون الأثْداءَ. ونفس النسبة وُجِدَتْ في الهِند وتْشِيلِي والبرازيل والفيليبين.(14/144)
(582) يحتوي اللبا بصورة خاصة على كميات من البروتيين الواقي ضد الهجوم الميكروبي والذي تصنعه بأمر الله الخلايا اللِّمْفاوية الموجودة أصلاً في أمعاء الأم .. ثم تُهاجر هذه الخلايا إلى الثدي ومن هناك تُفْرَز مع اللِّبا، وأهم هذه البروتينات هو :IgA وهذا البروتين متخصص في الدفاع عن الجسم في الأمعاء والجهاز التنفسي .. وهذان الجهازان هما اللذان يتعرضان للهجوم الميكروبي في الأطفال ... بل وهما السبب الرئيسيُّ في وفيات الأطفال وخاصةً في دول العالم الثالث.
=====================
رياسة الرجل ليس ظلماً للمرأة
كان الرجل في المجتمع العربي الجاهلي هو صاحب السلطان المطلق ، ورب الأسرة المهيمن على جميع أمورها ، ولم يكن هناك نظام يحدد صلاحياته في الأسرة ويبين حقوق زوجه عليه وحقوقه عليها ، ويوضّح الأسس لعلاقاتهما ومعاملة كل منهما للآخر.
وقد كانت الحال كذلك في المجتمعات الأخرى ، التي كانت قائمة قبل ظهور الإسلام ، بل وأسوأ من ذلك.
وجاء الإسلام فأحدث انقلاباً على وضع المرأة السائد آنذاك ، فقلب المفاهيم التي كانت سائدة عن المرأة ، وألغى النظريات التي كانت المرأة تعامل على أساسها ، وأنزل المرأة منزلة رفيعة ، وأعطاها من الحقوق ما كان مثار دهشة وإعجاب الصحابة أنفسهم قبل غيرهم.
ومما جاء به الإسلام في العلاقة بين الزوج وزوجته – وكان الأساس الذي بنى عليه الإسلام علاقة الرجل بالمرأة ، وبموجبه يتم التعامل بينهما – ما أشار إليه سبحانه في قوله:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة) بين لهم أنها مخلوقة من أنفس الرجال ، لا من طينة أخرى أحقر وأقل فتحتقر ، وتمتهن ، وخلقت لتكون زوجاً ، لا لتكون خادماً ، زوجاً يسكن إليها الرجل ، ويجد بجانبها طمأنينة النفس ، وراحة البال ، في جو تسوده المودة ، ويحكمه التراحم ، والتعاطف ، لا التحكم والتسلط: (وجعل بينكم مودة ورحمة).
على تلك الأسس السامية شرع الإسلام علاقة المرأة بالرجل ، وقرر ما للزوج وما للزوجة من حقوق وواجبات كل منهما قِبَل الآخر.
قال الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة)
قررت الآية أن لها من الحقوق قبل الرجل مثلما عليها للرجل ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بعض ما للمرأة من حقوق على الرجل ، وما له عليها ، فقال:
(ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وفي حديث آخر عندما سُئل: ما حق زوجة أحدنا؟ ، قال: (أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت).
فالرجل والمرأة طرفان ، يتبادلان الحقوق والواجبات في شركة الحياة الزوجية ، ولا تعني الآية التماثل الحسي العيني بين حقوق الرجل والمرأة ، إنما هو تماثل التكافؤ في الحق بينهما ، فإن حقوقها لا تماثل عين حقوقه ، وحقوقه لا تماثل عين حقوقها.
فعن ابن عباس ، قال: (إني لأحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي المرأة ، لأن الله يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)).
فهذا تطبيق دقيق لأوامر الله من السلف حتى في مثل هذه الأمور.
ولا شك أن الزينة التي يتزين بها الرجل غير الزينة التي تتزين بها المرأة ، ولكنهما يتماثلان فيما وراء الشكل والصور من أهداف ونتائج.
وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ، ولا يماطله به ، ولا يظهر الكراهة ، بل ببشر وطلاقة ، ولا يتبعه أذى ومنة: (وعاشروهن بالمعروف) وهذا من المعروف.
وقوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة): في هذا تقرير لمبدأ زيادة حق الرجل على حق المرأة ، وهي زيادة اقتضاها العدل ، وفرضتها طبيعة الأشياء ، وأيدها العقل والمنطق ، وقد بين الله هذه الدرجة وسببها في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والأسرة والبيت منظمة اجتماعية ، والحياة الزوجية شركة في هذه الحياة ، فلابد أن يكون لها رئيس ، وطرفا تلك الشركة هما: الزوج والزوجة ، فلابد أن يختار الأنسب والأكفأ منهما لرئاسة وإدارة تلك الشركة ، ولم يترك الاختيار لهما أو لغيرهما من بني البشر ، تحكمه العواطف ، وتسيره المصالح والأهواء ، بل تولى الله سبحانه وتعالى هذا الاختيار ، وبين سبب هذا الاختيار قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
فالرياسة في الأسرة للرجل بأمر الله ، وذلك مقتضى العقل وطبيعة الأشياء ، فالرجل مقدم على المرأة في العقل والدين.(14/145)
وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، والتحكم بالعواطف ، والنظر إلى الأشياء بمنظار الواقع والمنطق والعقل ، كما أنه أبو الأولاد ، إليه ينتسبون ، وهو المسئول عن نفقتهم ، ورعاية سائر شئونهم في الخارج ، وهو صاحب المسكن ، وعليه إعداده ، وحمايته ونفقته.
فرياسته للأسرة إذاً أمر طبيعي لا يحتمل الجدل والمعارضة ، وليس في ذلك ظلم للمرأة ، أو جور على حق من حقوقها ، ورياسة الرجل في الحقيقة إن هي إلا امتياز نشأ للرجل بمقابل التبعات الكثيرة ، والاختصاصات الواسعة المسندة إليه ، وليس فيها ما يعني إلغاء إرادة الزوجة ، ولا إهدار شخصيتها ، فهي رياسة المسئوليات لا التحكم الذي يجور على حقوق العدل ، والمساواة ، والشورى.
وما برح الإسلام ينبه الرجال إلى هذه الحقيقة ، لرياستهم للأسرة والبيت ويحثهم على تطبيقها ، وأخذ أنفسهم بها ، والتقيد بأوامر الشريعة ونواهيها في المعاشرة بين الزوجين بالمعروف في حالة الحب والكره ، والرضا والسخط ، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).
والفرك ضد الحب بين الزوجين ، فالحديث بمعنى الآية ، والقاعدة الشرعية في نظام المنزل التزام كل من الزوجين العمل بإرشاد الشرع ، ومنع الضرر والضرار بينهما ، وعدم تكليف الآخر ما ليس في وسعه.
فالشرع ينبه الزوج إلى طبيعة رياسته في البيت ، ويشعر الزوجين بما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما من حب وتآلف وتعاطف وتراحم ، ليتحقق المعنى السامي للزواج: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة).
=====================
المرأة..قبل وبعد الإسلام
• تمهيد *
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. أما بعد
اخوتي الأعزاء : لقد كلفني هذا البحث وقتاً لا يستهان به ، وكلي رجاء أن ينال حظ القراءة منكم ، حتى يتم لي مناي المتمثل في تعميم الفائدة ، وعند الله كرم الأجر ، وجزيل الثواب
• حقائق *
الحق أن هذه المرأة عانت معاناة كثيرة ، بل كانت ضحية كل نظام ، وحسرة كل زمان ، صفحات الحرمان ، ومنابع الأحزان ، ظلمت ظلماً ، وهضمت هضماً ، لم تشهد البشرية مثله أبداً
• صفحات من العار *
إن من صفحات العار على البشرية ، أن تعامل المرأة على أنها ليست من البشر ، لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت هذه المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر
فعند الإغريق قالوا عنها :شجرة مسمومة ، وقالوا هي رجس من عمل الشيطان ، وتباع كأي سلعة متاع.
وعند الرومان قالوا عنها :ليس لها روح ، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار ، وتسحب بالخيول حتى الموت .
وعند الصينيين قالوا عنها :مياه مؤلمة تغسل السعادة ، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية ، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها .
وعند الهنود قالوا عنها :ليس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار ، أسوأ من المرأة ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه .
وعند الفرس أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت .
وعند اليهود قالوا عنها : لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها .
وعند النصارى عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً" قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب". وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة
وعند العرب قبل الإسلام تبغض بغض الموت ، بل يؤدي الحال إلى وأدها ، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة .
* تحرير المرأة *
ثم جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً ..
جاء الإسلام ليقول (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف ))
جاء الإسلام ليقول ((ٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))
جاء الإسلام ليقول (( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ))
جاء الإسلام ليقول (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة ))(14/146)
جاء الإسلام ليقول (( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ))
جاء الإسلام ليقول(( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم ))
جاء الإسلام ليقول (( وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ ))
جاء الإسلام ليقول (( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ))
جاء الإسلام ليقول (( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن ))
جاء الإسلام ليقول ((ِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ))
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : " عائشة " ..وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول : " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة " .
وهو القائل : (( استوصوا بالنساء خيراً ))
وهو القائل : (( لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر ))
وهو القائل : (( إنما النساء شقائق الرجال ))
وهو القائل : (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ))
وهو القائل : (( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))
وهو القائل : (( أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك ))
وهو القائل : (( من سعادة بن آدم المرأة الصالحة ))
ومن هديه : ((عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ))
وهو القائل : (( وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك ))
ومن مشكاته : (( أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك ))
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على إن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تنزل قبرها
*بيانات وآيات *
1.حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن))
2. حفظ الإسلام حق المرأة :- بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (( ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ))
3. حفظ الإسلام حق المرأة :- راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ))
4. حفظ الإسلام حق المرأة :- مولودة من حيث النفقة والكسوة (( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف ))
5. حفظ الإسلام حق المرأة:- في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الأب النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
6. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ))
7. حفظ الإسلام حق المرأة :- في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ))
8. حفظ الإسلام حق المرأةحفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (( ولا تنكح البكر حتى تستأذن ))
9. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صداقها ، وأوجب لها المهر (( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))
10.حفظ الإسلام حق المرأة :- مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (( أقبل الحديقة وطلقها ))
11. حفظ الإسلام حق المرأة:- مطلقة ، (( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ))
12. حفظ الإسلام حق المرأة :- أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها ، قال الله تعالي (( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ))
13. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ))(14/147)
14. حفظ الإسلام حق المرأة :- يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي(( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)) وجعل لها في القسمة نصيباً (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها في النفقة نصيباً (( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى ))
15. حفظ الإسلام حق المرأة :- في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
16. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ))
17. حفظ الإسلام حق المرأة :- في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ))
18. حفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها
19. حفظ الإسلام حق المرأة :- مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ))
20. حفظ الإسلام حق المرأة:- حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ))
21. حفظ الإسلام حق المرأة :- في السكنى (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ))
22. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
23. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي(( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ))
24. حفظ الإسلام حق المرأة:- في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( كسر عظم الميت ككسره حيا ))
25. حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر ))
والحق أنني لا أستطيع أن أجمل حقوق المرأة في الإسلام فضلاً عن تفصيلها
*الحضارة الغربية *
والسؤال هنا لأي شيءٍ دعت الحضارة المدنية اليوم ؟ وماهي الحقوق التي ضمنتها للمرأة ؟
1. أجمل لك القول أن الحضارة الغربية اليوم هي : ضمان للمارسة قتل هوية المرأة ، وهضم لأدنى حقوقها
2. المرأة الغربية حياتها منذ الصغر نظر إلى مستقبل في صورة شبح قاتل ، لا تقوى على صراعه ، فهي منذ أن تبلغ السادسة عشرة تطرد من بيتها ، لتُسلِم أُنوثتها مخالب الشهوات الباطشة ، وأنياب الاستغلال العابثة ، أوساط الرجال .
3. فما إن تدخل زحمة الأوهام الحضارية ، وإذا بأعين الناس تطاردها بمعاول النظر التي تحبل منها العذارى .
4. تتوجه نحوها الكلمات الفاسدة ، وكأنها لكمات قاتلات ، تبلد من الحياء ، وتفقدها أغلى صفة ميزها الله بها ، هي : " حلاوة أنوثتها " التي هي أخص خصائصها ، ورمز هويتها .
5. تُستغل أحوالها المادية ، فتدعى لكل رذيلة ، حتى تصبح كأي سلعة ، تداولها أيدي تجار الأخلاق ، وبأبخس الأثمان ، فإذا فقدت شرفها ، وهان الإثم عندها ، هان عليها ممارسته .
6. يخلق النظام الأخلاقي الغربي اليوم في المجتمعات ثمرات سامة لكل مقومات الحياة ، أولها الحكم على هوية المرأة بالإعدام السريع ، على بوابة شهوات العالم الليبرالي ، الديمقراطي ، والرأسمالي .
7. فالمرأة اليوم أسوأ حالاً مما مضى ، كانوا من قبل يقتلون المرأة ، فاليوم يجعلون المرأة هي التي تقوم بقتل نفسها.
• شهادات الغرب *
شهد القوم على فساد نهجهم ..
• تقول " هيليسيان ستانسيري "" امنعوا الاختلاط ، وقيِّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا ، وأمريكا ."
• وتقول " بيرية الفرنسية " وهي تخاطب بنات الإسلام " لا تأخذنَّ من العائلة الأوربية مثالاً لكُنَّ ، لأن عائلاتها هي أُنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى .(14/148)
• وتقول الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" التي كتبت قبيل انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها : " احذري المجد …احذري من كل من يخدعك بالأضواء …إنى أتعس امرأة على هذه الأرض… لم أستطع أن أكون أما … إني امرأة أفضل البيت … الحياة العائلية الشريفة على كل شيء … إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية " وتقول في النهاية " لقد ظلمني كل الناس … وأن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة "
• وتقول وتقول الكاتبة " اللادى كوك " أيضا : " إن الاختلاط يألفه الرجال ، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها ، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ، ولا يخفى ما فى هذا من البلاء العظيم عن المرأة ، فيه أيها الآباء لا يغرونكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن فى المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن الابتعاد عن الرجال ، إذا دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء . ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات فى المعامل ومن الخادمات فى البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار .. ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف مما نرى الآن ، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره فى الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات فى بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة ، أعنى عندها أولاد من الزنا ، فينتفع بشغلهم وهذا غاية الهبوط فى المدينة ، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة
• وتقول . تقول الكاتبة الإنجليزية " أنى رود " عن ذلك : " إذا اشتغلت بناتنا فى البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن فى المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ... أياليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء . نعم إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثل للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها
• نشرت صحيفة الأخبار المصرية ( في عددها الصادر في 20/10/1972م ، ص 4) : أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن .. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة ( آن ) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة .. وحصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية وقالت أنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل . وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً . وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة ( آن ) ( كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟! ص 50 ) .
• ومن هذا صرح الدكتور " جون كيشلر " أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو ( أن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي وأن 40% من الرجال مصابون بالعقم ، وقال الدكتور أن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي . ومن شاء المزيد فليرجع الى تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان ( أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة ) . ( المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ، ص 11) .
• خاتمة *
يتضح لنا جلياً مما مضى أن الَّذين يدعون لتحرير المرأة من تعاليم الإسلام ينقسمون إلى ثلاثة أقسام
1- إما أن يكونوا أعداءً للإسلام وأهله ، ممَّن لم يدينوا بالملة السمحة ، ولزموا الكفر ، وهنا ليس بعد الكفر ذنب كما يقال .
2- وإما أن يكونوا تحت مسمى الإسلام من المنافقين ، والعلمانيين ، لكنهم عملاء يتاجرون بالديانة ، ولا يرقبون في مخلوقٍ إلاً ولا ذمة .
3- أن يكون مسلماً لكنه جاهل لا يعرف الإسلام ولا أحكامه ولا يعرف معنى الحضارة القائمة اليوم ملبس عليه .
ولكن كيف يصل هذا البيان إلى نساء أهل الإسلام ، ليعلمنَ أنهنَ أضاعنَ جوهرة الحياة ، ودرة الوجود ، ومنبع السعادة ، وروح السرور ، ونكهة اللذائذ ، عندما تركنَ تعاليم هذا الدين
ومن يخبر المسلمة ان الكافرات يتمنين أن يعشنَ حياتهنَ على منهج أهل الإسلام ؟
من يقنع المسلمات اليوم أن الحضارة الغربية هي :- الحكم السريع بالإعدام على هوية المرأة ..
أخوكم / ابن القرية المعتصم 4/ 3 / 1424 هـ
====================
حفظ الإسلام حقوق المرأة"
حفظ الإسلام حقوق المرأة
بقلم الأستاذ علاء أبوبكر
حقوق المرأة قبل الإسلام:
المرأة عند الشعوب البدائية:(14/149)
كانت الفتاة فى الشعوب البدائية حين تبلغ طور المراهقة، تُعزَل فلا تكلم أحداً غير أمها، ولا تكلمها إلا بصوت خفيض ، كما أن الولد إذا وصل إلى مرحلة البلوغ يأخذونه ليغتسل فى بعض العيون المقدسة ، وذلك لكى يخلص من روائح الأنوثة التى علقت به من مصاحبته لأمه.
المرأة عند الهنود القدماء:
كانت المرأة عند الهنود القدماء تعتبر مخلوقاً نجساً ، ولم يكن للمرأة فى شريعة مانو حق فى الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها ، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمى إلى رجل من أقارب زوجها ، وهى بذلك قاصرة طيلة حياتها ، ولم يكن لها حق فى الحياة بعد وفاة زوجها ، وكانت إذا مات عنها زوجها تُحرَق مع جثته بالنار المقدسة ، بل إن بعض القبائل الهندية القديمة كانت لا تراها أهلاً لتُحرَق مع جثة زوجها باعتبارها المخلوق النجس، ولذلك كانوا يرون دفنها حية أو حرقها بعد موت زوجها. فإذا كان للرجل أكثر من زوجة دُفِنَّ جميعاً أو حُرِقْنَ جميعاً.
وفى حياة الزوج كان له أن يُطلِّق الزوجة متى شاء وكيف شاء ، أما هى فليس لها الحق فى أن تطلب الطلاق من زوجها مهما يكن من أمر الزوج ، حتى لو أصيب بأمراض تمنع من أهليته للحياة الزوجية.
وقد لقيت الحكومات الهندية أشد الفتن من مجتمعاتها ، خاصة من رجال الدين الهنود، حين حاولت القضاء على مثل هذه العادات المسترذلة والتى استمرت تهضم حقوق المرأة وكيانها حتى القرن السابع عشر.
وفى شرائع الهندوس أنه: (ليس الصبر المقدر ، والريح ، والموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعى ، والنار، أسوأ من المرأة)
(ويذكر جوستاف لوبون أن المرأة فى الهند (تُعِّد بعلها ممثلاً للآلهة فى الأرض ، وتُعَدُّ المرأة العزب، والمرأة الأيم، على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسى، والمنبوذ عندهم فى رتبة الحيوان، والمرأة الهندوسية إذا فقدت زوجها ظلت فى الحداد بقية حياتها، وعادت لا تُعامَل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكل شؤم على ما تنظر إليه، وعدت مدنسة لكل شىء تلمسه، وأفضل شىء لها أن تقذف نفسها
فى النار التى يحرق بها جثمان زوجها ، وإلا لقيت الهوان الذى يفوق عذاب النار.)
المرأة فى الصين:
كانت المرأة فى الصين لا تقل مهانة أو مأساة عن بقية المجتمعات ، فكانت النظرة إليها واحدة ، ويظهر مدى امتهان المرأة فى المثل الصينى الذى يقول: إن المرأة كالكرة ، كلما ركلتها برجلك ارتفعت إلى أعلى.
وشبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التى تغسل السعادة والمال ، وللصينى الحق فى أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كإرث، وللصينى الحق فى أن يدفن زوجته حية.
المرأة عند المصريين القدماء:
إن البلاد الوحيدة التى نالت فيها المرأة بعض الحقوق قديماً هى مصر الفرعونية ، إذ كان لها أن تملك ، وأن ترث ، وأن تقوم على شئون الأسرة فى غيبة الزوج ، ولكن مع ذلك فقد كان الرجل سيداً على المرأة خاصة زوجته ، ولكن ليس بالفهوم الذى رأيناه أنه يملكها وله الحق فى بيعها أو قتلها ، ولكن بمعنى أنه قيِّمٌ عليها وعلى بيته.
المرأة الكلدانية:
كانت المرأة الكلدانية خاضعة خضوعاً تاماً لرب الأسرة ، وكان للوالد الحق فى أن يبذل زوجته أو ابنته لسداد دينه ، وكانت المرأة تحتمل وحدها الأعباء المنزلية ، فتذهب كل يوم لجلب الماء من النهر أو البئر ، وتقوم وحدها بطحن الحبوب بالرحى وإعداد الخبز ، كما تقوم بغزل ونسج وحياكة الملابس. وهذا كان حالها فى الطبقات الفقيرة.
أما فى الطبقات الموسرة فكانت المرأة لا تخرج من منزلها ، بل يقوم على خدمتها فى المنزل خدم وحشم. وأما نساء الملوك الكلدانيين فكان لا يُسمَح لأحد برؤيتهن ولا التحدث إليهن أو حتى التحدث عنهن.
وكان من حق الرجل طلاق زوجته متى أراد أما المرأة فإذا أبدت رغبة فى الطلاق
من زوجها طُرِحَت فى النهر لتغرق ، أو طردَت فى الشوارع نصف عارية لتتعرض للمهانة والفجور.
وقد روى هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أن كل امرأة كلدانية كان عليها فى مدينة بابل أن تذهب إلى الزهرة الإلهة (مليتا) ليواقعها أجنبى حتى ترضى عنها الإلهة. ولم يكن من حقها أن ترد من يطلبها كائناً من كان ، ما دام أول رجل يرمى إليها بالجعالة [المال المبذول والذى كان يُعتبر حينئذ مالاً مقدساً] ثم ترجع بعد ذلك إلى منزلها لتنتظر الزوج.
وكانت إذا تزوجت ولم تحمل لفترة طويلة اعتبرت أنها أصابتها لعنة الآلهة أو أصابها مس من الشيطان فتصبح فى حاجة إلى الرقى والطلاسم ، فإذا ضلت عاقراً بعد ذلك فلابد من موتها للتخلص منها.
وهذا أقرب ما يكون للقانون اليهودى عند إصابة أحد بالمس فإنه يُقتَل رجلاً كان أم امرأة: (27«وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ».) لاويين 20: 27(14/150)
وكان معبد الإلهة (عشتروت) فى بابل القديمة يمتلىء من العاهرات اللائى يتقدمن إلى زائرى المعبد. كما كان على كل امرأة أن تتقدم مرة على الأقل إلى معبد فينوس ليواقعها أى زائر فى المعبد. وكانت الفتيات من الصين واليابان وغيرهما من بلاد العالم يتقدمن إلى الكهنة فى المعابد ، وكان من الشرف الكبير أن يواقعها الكاهن الذى هو ممثل الإلهة على الأرض. وكان هذا النوع من البغاء يُعرَف بالبغاء الدينى.
وهو قريب من قول نيكولاوس فون كليمانجيس Nikolaus von Clemanges (أحد علماء اللاهوت وعميد جامعة باريس سابقا: (أن تترهبن المرأة اليوم فمعنى هذا أنها أسلمت نفسها للعهارة).
وقد سبقه فى مثل هذا القول دومبريديجر جايلر فون قيصربرج Domprediger Geiler von Kayserberg (إن المرأة فى الدير ليست إلا عاهرة)
وقد شاع المثل الشعبى فى العصور الوسطى القائل: (من لفت رأسها ، عرت بطنها ، وهذه عادة كل الراهبات)
وقد اقترح أوجستين عام 388 قانون يمنع أن يدخل شاب على الراهبات أما العجائز
المُسنَّات فيسمح لهم بالدخول حتى البهو الأمامى فقط من الدير، ولأن الراهبات كُنَّ فى حاجة إلى قسيس للصلاة بهن ، فقد سمح القيصر جوستنيان فقط للرجال الطاعنين فى السن أو المخصيين بالدخول إليهن والصلاة بهن. حتى الطبيب لم يُسمَح له بالدخول إلى الراهبات وعلاجهن إلا إذا كان طاعناً فى السن أو من المخصيين. وحتى المخصصين فقدوا الثقة فيهم، لذلك قالت القديسة باولا: على الراهبات الهرب ليس فقط من الرجال، ولكن من المخصيين أيضاً. (ص 136 لديشنر)
وكان من يقتل بنتاً يُفرَض عليه أن يقدم ابنته لأهل القتيلة يقتلونها أو يملكونها. وإذا لم يُثمر الزواج مولوداً خلال عشر سنين يُعتبر العقد فيه مفسوخاً. وكان للرجل حق قتل أولاده وبيعهم. ولم يحرَّم ذلك إلا فى القرن الخامس قبل الميلاد. ولم تكن المرأة لترث، فإذا لم يكن هناك ذكور من أسرة الموروث ورثوا الذكور من أسرة زوجته ولكن زوجته لا ترث.
المرأة عند اليونان:
كانت اليونان فى قديم الزمان أكثر الأمم حضارة ومدنية. وكانت أثينا مدينة الحكمة والفلسفة والطب والعلم ، ومع هذا كانت المرأة عندهم مُحتقرة مهينة ، مثل أى سلعة تباع وتُشترى ، مسلوبة الحقوق ، محرومة من حق الميراث وحق التصرف فى المال ، بل أكثر فقد سموها رجساً من عمل الشيطان ، ولم يسمحوا لها إلا بتدبير شئون البيت وتربية الأطفال. وكان الرجل فى أثينا يُسمَح له أن يتزوج أى عدد يريده من النساء ، بلا قيد ولا شرط.
ومما يُذكر عن فيلسوفهم سقراط قوله: (إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار فى العالم ، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة ، حيث يكون ظاهرها جميلاً ، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت من فورها.)
كما كان لزوجها الحق فى بيعها وأن تظل عند المشترى فترة تحت التجربة ، كما كان لزوجها الحق فى قتلها إذا اتهمت ولو بمجرد النظر إلى شخص غريب ولا مسئولية عليه فى ذلك. ومع هذا فإن له الحق فى أن يزنى فى منزل الزوجية ، وليس لزوجته حق الاعتراض ، كما أن حق الطلاق مكفول له متى شاء وكيف شاء. ومع ذلك فإنها تظل بعد طلاقها منه مقيدة برأيه فى زواجها لمن يريده. ويوصى عند موته بزواجها ممن يرتضيه هو وليس لها أو لأحد من أهلها حق الاعتراض.
وتذكر الأساطير اليونانية أن المرأة هى سبب الأوجاع والآلام للعالم كله ، وذلك لأن الناس فى اعتقادهم كانوا يعيشون فى أفراح ولا يعرفون معنى الألم ولا الحزن ، ولكن حدث أن الآلهة أودعت أحد الناس صندوقاً وأمرته ألا يفتحه ، وكان له زوجة تُسمَّى (باندورا) مازالت تغريه بفتحه حتى فتحه فانطلقت منه الحشرات. ومنذ تلك اللحظة أُصيب الناس بالآلام والأحزان. فلهذا كانت المرأة سبباً فى الكوارث التى حلت بالبشرية كلها نتيجة لفضول المرأة وإغراء زوجها بالعصيان.
ولعلنا نلحظ شبهاً فى هذه الرواية بما تحدث عنه سفر التكوين من إغواء حواء لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة بعد أن أغوتها الحية: (6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ. .. .. .. 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 6-12
وكان أرسطو يعيب على أهل إسبرطة التهاون مع النساء ومنحهن بعض الحقوق ، بل إن سقراط كان يعزو سقوط إسبرطة إلى منحها الحرية للنساء. على الرغم من أن هذه الحرية لم تنالها النساء إلا لإنشغال الرجال الدائم فى الحروب.(14/151)
أما المرأة فى إسبرطة فكانت تستمتع بحرية لا يُسمَح بها للرجل ، ولكن حرية هى إلى الدعارة أقرب ، فكان لها أن تتزوج أكثر من رجل واحد فى القوت الذى كان يُحرَّم فيه على الرجل أن يتزوج من امرأة واحدة إلا فى الحالات الضرورية جداً.
ومن الغريب أن يرى الفيلسوف اليونانى أفلاطون شيوعية النساء ، وإلغاء نظام الأسرة على أن تتكفل الدولة بتربية الأبناء.
(ويحدثنا التاريخ عن اليونان فى إدبار دولتهم كيف فشت فيهم الفواحش والفجور ، وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً ، وأن يكون لها عُشَّاق ، ونصبوا التماثيل للغوانى والفاجرات ، وقد أفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد ، حيث اتخذ البغاء صفة التقرب إلى آلهتهم ، ومن ذلك أنهم اتخذوا إلهاً أسموه (كيوبيد) أى (ابن الحب) ، واعتقدوا أن هذا الإله المزعوم ثمرة خيانة إحدى آلهتهم (أفروديت) لزوجها مع رجل من البشر)
ولم يكن يُسمَح بتعليم المرأة اليونانية الحرة ، إنما كان التعليم قاصراً على البغايا. حتى كان الرجل الذى يكره الجهل فى المرأة يلجأ إلى البغى.
المرأة عند البابليين:
كانت المرأة تُحسَب فى قانون حمورابى من عِداد الماشية المملوكة ، وكان تشريع بابل يعطى رب الأسرة حق بيع أسرته أو هبتهم إلى غيره مدة من الزمن ، وإذا طلق الزوج زوجته تُلقى فى النهر ، فإذا أراد عدم قتلها نزع عنها ثيابها وطردها من منزله عارية ، إعلاناً منه بأنها أصبحت شيئاً مُباحاً لكل إنسان. وقضت المادة 143 من قانون حامورابى أنها إذا أهملت زوجها أو تسببت فى خراب بيتها تُلقَى فى الماء. ومن قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يُسلِم ابنته ليقتلها أو يمتلكها أو يبيعها إن شاء.
وقد أعطى تشريع حمورابى للمرأة بعض الحقوق ، وإن كان هذا التشريع لم يمنع اتخاذ الخليلات إلى جانب الزوجات فى الوقت الذى يقرر قيه إفرادية الزوجة. وقد ظل هذا القانون يمنح الرجل السيادة المطلقة على المرأة ، وإن كان قد منح الزوجة حق الطلاق إذا ثبت إلحاق الضرر بها. أما إذا طلبت الطلاق ، ولم يثبت الضرر فتُطرَح فى النهر ، أو يُقضى عليها بالحرق. كما أنها إذا نشزت عن زوجها بدون إشارة منه تُغرَق ، والمرأة المسرفة تُطلَّق أو يستعبدها زوجها.
المرأة عند الفرس:
وكانت المرأة عند الفرس قبل الإسلام يُنظر إليها نظرة كلها احتقار. وقد استمرت مهضومة الحق ، مجهولة القدر ، مظلومة فى المعاملة ، حتى أنقذها الإسلام.
وقد ذكر هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أنه كان من آلهة الفرس القديمة إلهة تُسمى (عشتار) ، وهى عندهم بمثابة إلهة الحب والجمال والشهوة والأنسال ، وكانت تُسمِّى نفسها إلهة العهر أو العاهر الرحيمة. وكان القربان الذى يُقدَّم لها هو الفتيات الأبكار ، فكنَّ يذهبن إلى معبد الإلهة ، وكان كل رجل تعجبه فتاة يلقى فى حجرها قطعة من فضة ، ثم يقوم بفض بكارتها.
وقد أُبيح للرجل الفارسى (الزواج بالأمهات والأخوات والعمَّات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت تُنفى الأنثى فى فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدام الذين يقدمون لها الطعام ، وفضلاً عن هذا كله فقد كانت المرأة الفارسية تحت سيطرة الرجل المطلقة ، يحق له أن يحكم عليها بالموت ، أو يُنعم عليها بالحياة.)
فقد تزوج يزدجرد الثانى ، الذى حكم أواسط القرن الخامس الميلادى ، ابنته ثم قتلها.
وقد تزوج بهرام جوبين ، الذى تملك فى القرن السادس ، بأخته. وقد برر هؤلاء تلك
الأعمال المشينة بأنها قربى إلى الله تعالى ، وأن الآلهة أباحت لهم الزواج بغير استثناء.
المرأة عند الرومان:
أما المرأة الرومانية فقد كانت تقاسى انتشار تعدد الزوجات عند الرومان فى العرف لا فى القانون ، ولكن (فالنتْيَان الثانى) العاهل الرومانى قد أصدر أمرأ رسمياً أجازَ فيه لكل رومانى أن يتزوج أكثر من امرأة إذا شاء. الأمر الذى لم يستنكره رؤساء الدين من الأساقفة ، وقد حذا حذو (فالنتْيَان الثانى) كل من أتى بعده.
واستمر تعدد الزوجات منتشراً بين الرومانيين حتى أتى (جوستنيان) ، فسنَّ قوانين تمنع تعدد الزوجات. إلا أن الرجال من الرومانيين استمروا على عاداتهم فى التزوج بأكثر من امرأة ، واستمر الرؤساء والحكام يرضون شهواتهم بالإكثار من الزوجات.
وتساهل رجال الدين ، وسمحوا للراغبين فى التزوج بأكثر من واحدة بتحقيق رغباتهم ومطالبهم. فكان الرئيس الدينى يعطى ترخيصاً بذلك لمن يريد. واستمر تعدد الزوجات عندهم أسوة بأنبيائهم وكتابهم المقدس (العهد القديم) ، واستمر رجال الكنيسة يُجيزون تعدد الزوجات حتى منتصف القرن الثامن عشر ، ولم يمنعوا التعدد إلا بعد هذا القرن .(14/152)
وكانت المرأة عندهم تُبَاع وتُشتَرى كأى سلعة من السلع ، كما أن زواجها كان يتم أيضاً عن طريق بيعها لزوجها. وكان لهذا الزوج بعد ذلك السيادة المطلقة عليها. ولم يكن يُنظَر إلى المرأة كأنها ذو روح بل كانت تُعتَبر مخلوقاً بغير روح ، ولهذا كان يُحرم عليها الضحك والكلام إلا بإذن. كما كان بعضهم يُغالى أحياناً فيضع فى فمها قفلاً من حديد ، كانوا يسمونه الموسيلير Moselier ، وكانوا يحرمون عليها أحيانا أكل اللحوم كما كانت تتعرض لأشد العقوبات البدنية باعتبارها أداة للغواية وأحبولة من حبائل الشيطان. وكان للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء ويتخذ من الخليلات ما يريد.
وكانت الزوجة تكلف بأعمال قاسية وكان من حق الزوج بيعها أو التنازل عنها للغير أو تأجيرها ، ولما اعتنق الرومان المسيحية أصبح للزوجة الأولى بعض الميراث ـ أما بقية الزوجات فكنَّ يُعتَبرن رفيقات. والأبناء منهن يُعاملن معاملة أبناء الزنا اللقطاء ، ولذلك لا يرثون ويُعتبرون منبوذين فى المجتمع.
ومن عجيب ما ذكرته بعض المصادر أن ما لاقته المرأة فى العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف "ليس للمرأة روح" تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها ، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ، ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت.
المرأة العربية فى الجاهلية قبل الإسلام:
كانت المرأة عند بعض العرب فى الجاهلية تعدُّ جزءاً من ثروة أبيها أو زوجها. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، وكان ابن الرجل يرث أرملة أبيه بعد وفاتها. وكان العرب قبل الإسلام يرثون النساء كرهاً ، بأن يأتى الوارث ويلقى ثوبه على زوجة أبيه ، ثم يقول: ورثتها كما ورثت مال أبى ، إلا إذا سبقت ابنها أو ابن زوجها بالهرب إلى بيت أبيها ، فليس له أن يرثها. فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر ، أو زوجها لأحد عنده وتسلَّمَ مهرها ممن تزوجها ، أو حرَّمَ عليها أن تتزوج كى يرثها بعد موتها.
فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم / وهذا الإرث ، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) النساء 19
فهذه الآية نهت عن عادة الجاهلية من إرث الرجل نساء أقربائه.
وكان العرب فى الجاهلية يمنعون النساء من الزواج ، فالابن الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج ، كى تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه ، والأب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه ، والرجل الذى يُطلِّق زوجته يمنع مطلقته من الزواج حتى يأخذ منها ما يشاء ، والزوج المبغض لزوجته يسىء عشرتها ولا يطلقها حتى ترد إليه مهرها. فحرم الإسلام هذه الأمور كلها بقوله جل شأنه:
(وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ) النساء 19
وكانوا لا يعدلون بين النساء فى النفقة ولا المعاشرة ، فأوجب الإسلام العدالة بينهن:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء 19
ومنع تعدد الزوجات إذا لم يتأكد الرجل من إقامة العدل بينهن، فقال تعالى:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء 3
وكان الرجل قبل الإسلام إذا تزوج بأخرى ، رمى زوجته الأولى فى عرضها ، وأنفق ما أخذه منها على زوجته الثانية ، أو المرأة الأخرى التى يريد أن يتزوجها ، فحرم الإسلام على الرجل الظلم والبغى فى قوله عز وجل:
(وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) النساء 20
وكانت المرأة قبل الإسلام تُعَد متاعاً من الأمتعة ، يتصرف فيها الزوج كما يشاء ، فيتنازل الزوج عن زوجته لغيره إذا أراد ، بمقابل أو بغير مقابل ، سواء أقبلت أم لم تقبل. كما كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى ، وكانوا يدفنونهن عند ولادتهن أحياء، خوفاً من العار أو الفقر ، فقال الرحمن الرحيم:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ)النحل58-59
وكان أحدهم إذا أراد نجابة الولد حمل امرأته ـ بعد طهرها من الحيض ـ إلى الرجل النجيب كالشاعر والفارس ، وتركها عنده حتى يستبين حملها منه ، ثم عاد بها إلى بيته، وقد حملت بنجيب!
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (كما كانوا يُكرهون إماءهم على الزنا ، ويأخذون أُجورهم.)
وكان من المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرَّم على الإناث.
عيسى عليه السلام والناموس (الشريعة):(14/153)
كان عيسى يعمل بناموس موسى عليهما السلام ، وكان اليهود يستفتونه ويختبرونه فى الناموس ، بل كان يُعلِّم أتباع موسى عليه السلام الناموس داخل معبدهم ، فقد كان هو الذى يقوم بتدريس التوراة لليهود كافة من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين إلى عامة الشعب. فمن المستحيل أن يأتى بدين جديد ، ثم يذهب إلى أماكن العبادة الخاصة بأتباع دين آخر لينشر دعوته هناك.
ألم يأمر من سأله عما يفعل ليرث الخلود فى الجنَّة? بالإلتزام بالناموس قائلاً:
(34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ أَبْكَمَ الصَّدُّوقِيِّينَ اجْتَمَعُوا مَعاً 35وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ نَامُوسِيٌّ لِيُجَرِّبَهُ: 36«يَا مُعَلِّمُ أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».) متى 22: 34-40
وها هو هنا يشتم? الكتبة والفريسيين ويتهمهم بالنفاق والرياء دفاعاً عن الناموس:
(23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.) متى 23: 23
وكان يُعلِّم جميع الشعب اليهودى? الشريعة والناموس ، إذ لا يُعقل أن يأتى صاحب ديانة أخرى ويدرسها فى مكان العبادة الخاصة بطائفة أخرى غير طائفته:
(2ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ 4قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ 5وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ.) يوحنا 8: 2-6
ولم يجدوا ما يتهمونه به ، إذاً فقد كان حافظاً للناموس متبعاً له.
وكذلك التزمت أمه مريم البتول بالناموس:?
(22وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ 23كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ. 24وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.) لوقا 2: 22-24
وأمر من أتى ليجربه أن? يتبع ما هو مكتوب فى الناموس:
(25وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27فَأَجَابَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا».) لوقا 10: 25-28
وأمر الرجل الأبرص أن يتطهَّر على شريعة? موسى:
(12وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 13فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. 14فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «امْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ») لوقا 5: 12-14
وأكد صراحة أنه لم يأت إلا متبعاً للناموس:?
(17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.) متى 5: 17-19(14/154)
يقول كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس (إنجيل متى) بقلم ر. ت. فرانس (صفحة 117): إن معنى كلمة plerosia (يكمل) الناموس أى (أنجز أو حقق أو أطاع أو أظهر المعنى الكامل للناموس. ومعنى ذلك أن عيسى عليه السلام لم يأت بتشريع جديد ، وأنه جاء مفسراً للناموس ، شارحاً له ، متبعاً تعاليمه ، مطيعاً لها.
وقال يعقوب رئيس الحواريين من بعده:?
(10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11
كذلك لفظ معلم الذى كان ينادى به ، وطالب? أتباعه أن يُنادوه به فهو نفس اللفظ الذى اتخذه أبناء هارون بنى لاوى ، الذين كانوا مخصصين لتدريس الدين ولشرح العقيدة فى المعبد. فهو إذن كان ملتزم بالناموس والشريعة لأنه كان شارحاً لها: (8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ.) متى 23: 8-10
كذ?لك قميصه غير المخاط المذكور عند يوحنا لم يكن يلبسه إلا الكهنة اللاويّون الذين كانوا يدرسون الشريعة والناموس فى المعبد:
(23ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ.) يوحنا 19: 23
وكذلك مناداة مريم له بكلمة (ربونى) ، فلم يأخذ هذا الإسم إلا? اللاويون:
(16قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ!» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي» الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا مُعَلِّمُ.) يوحنا 20: 16
بل لعن من لا يفهم الناموس:?
(49وَلَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ».) يوحنا 7: 49
ألم يسأله أحد? الناس أن يُقسِّم الميراث بينه وبين أخيه (تبعاً للشريعة الموسوية)؟
ألم? يطالبه اليهود برجم المرأة (تبعاً للشريعة الموسوية) التى ادعوا عليها الزنى؟
ألم يحتفل عيسى عليه السلام بعيد الفصح (تبعاً للشريعة? الموسوية)؟
ملاك الرب يسب امرأةويسميها (الشرّ):
(وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
من البديهى أن ملاك الرب لا يتحرك بدافع من نفسه ، بل هو رسول من عند الله ، ينفذ رغبة الله ، ويبلغ رسالته. فتُرى مَن الذى أرسل ملاك الرب ليصف المرأة بالشر نفسه؟ وهل بعد ذلك تبقى للمرأة كرامة إذا كان رب العزِّة سبها ووصفها بالشر نفسه؟ وماذا تنتظر من عباد الله المؤمنين أن يكون موقفهم حيال المرأة التى وصفها الرب وملاكه بالشر ، كما وصفها الكتاب من بعد أنه سبب الخطية ، وسبب خروج البشر من الجنة ، وسبب شقاء البشرية جمعاء ، وحليف الشيطان الأول ضد البشرية ، وسبب قتل الإله؟
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
(وآدم لم يُغْوَ لكنَّ المرأة أُغوِيَت فحصلت فى التعدى) تيموثاوس الأولى 2: 14
(بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.) رومية 5: 12
(18فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ) رومية 5: 18
(وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا) هكذا يعذِّب الرب المرأة ، فقط لأنها أنثى! يا لها من دعوة لاحترام المرأة ، ودورها فى الحياة!
الكتاب المقدس يفرض على المرأة أن تتزوج أخى زوجها إذا مات زوجها وتُكتب الأولاد باسم أخى زوجها:(14/155)
(5«إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا تَصِرِ امْرَأَةُ المَيِّتِ إِلى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 6وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل. 7«وَإِنْ لمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلى البَابِ إِلى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْماً فِي إِسْرَائِيل. لمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 8فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَال: لا أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا 9تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِليْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ وَتَخْلعُ نَعْلهُ مِنْ رِجْلِهِ وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الذِي لا يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. 10فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيل «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ».) (تثنية 25: 5-10)
وبسبب كل هذه النصوص ، وهذا الفهم الخاطىء، اعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله، فلولا المرأة ماخرج آدم من الجنة ، فقرروا:
أن? الزواج دنس يجب الابتعاد عنه
وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوج?
وأن? السمو فى علاقة الإنسان بربه لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
وأن الحمل? والولادة ، والشهوة ، واشتياق الرجل لإمرأته ، واشتياق المرأة لزوجها من الآثام، التى جلبت على المرأة الويل والعار على مدى التاريخ كله ، وهى عقوبة الرب لحواء على خطيئتها الأزلية.
وأعلنوا أنها باب الشيطان.?
لذلك سأهتم هنا بذكر ما يتعلق بالجنس والمرأة والزواج بين آباء الكنيسة ومفكرى الغرب المتأثرين بتعاليم الكتاب المقدس والكنيسة:
فبالنسبة للجسد:
كان الجسد شراً ، فقد كان القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) يعظ فى أمر الروح كنقيض للجسد الذى هو شر. ولقد كانت تلك الفكرة مصدر إلهام لتلميذه الكبير القديس أوغسطين ، الذى أصبح فيما بعد أسقفاً لمدينة هبو فى شمال أفريقيا. فلقد كتب امبروز يقول: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد ، ونبذت الانغماس فى الشهوات ومتع اللذات الجسدية ، وتخلصت من اهتمامها بهذه الحياة الدنيوية).
فالنسبة لأمبروز كان الجسد مجرد خرقة بالية ملطخة بالأقذار ، تُطرَح جانباً عندما يتحد الانسان بالله الروحانى بالكلية. لقد كان أوغسطين يردد هذه الفكرة باستمرار ، فكم صلى قائلاً: (آه! خذ منى هذا الجسد ، وعندئذ أبارك الرب).
وفى سير حياة القديسين المسيحيين الكبار نجد مثل هذا الارتياب فى الجسد. لقد اعتاد فرانسيس الأسيزى أن ينادى جسده قائلاً: (أخى الحمار)! كما لو كان الجسد مجرد بهيمة غبية شهوانية ، تستخدم لحمل الأثقال ، وكثيرا ما كان القديسون يتعهدون أجسادهم باعتداء يومى من أجل إماتتها بالتعذيب الذاتى بطرق تقشعر من هولها
الأبدان. (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 225)
ومن الرهبان من قضى حياته عارياً ، ومنهم من كان يمشى على يديه ورجليه كالأنعام ، ومنهم من كان يعتبر طهارة الجسم منافية لطهارة الروح. وكان أتقى الرهبان عندهم أكثرهم نجاسة وقذارة. حتى أن أحدهم يتباهى بأنه لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وآخر يقسم أن الماء لم يمس وجهه ولا يديه ولا رجليه مدى خمسين عاماً ، وكان الكثير منهم لا يسكنون إلا فى المقابر والآبار المنزوحة والمغارات والكهوف.
وقد روى بعض المؤرخين من ذلك العجائب:
فذكروا أن الراهب (مكاريوس) نام فى مستنقع آسن ستة أشهر ، ليعرض جسمه للدغ البعوض والذباب والحشرات ، وكان يحمل دائماً قنطاراً من الحديد.
وكان آخر يحمل قنطارين من الحديد ، وهو مقيم فى بئر مهجورة مدة ثلاثة أعوام قائماً على رجل واحدة ، فإذا أنهكه التعب أسند ظهره إلى صخرة. (نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية والتبشير صفحة 71-72)
لا بد أن تتخلص المرأة فى المسيحية من أنوثتها ليتم خلاصها فى الآخرة:
يقول اللواء أحمد عبد الوهاب: (على الرغم من أن الكنيسة فى الغرب قد لا تسمح لعذاراها بالقيام بأعمال الرجال ، فقد كان اللاهوتيون واضحين فى أن العذراء البتول قد أصبحت رجلاً شرفياً. لقد كتب جيروم يقول: "بما أن المرأة خُلِقَت للولادة والأطفال ، فهى تختلف عن الرجل ، كما يختلف الجسد عن الروح. ولكن عندما ترغب المرأة فى خدمة المسيح أكثر من العالم ، فعندئذ سوف تكف عن أن تكون امرأة ، وستسمى رجلاً" (تعليق جيروم على رسالة بولس إلى أهل أفسس)
وقد قرأنا أيضاً ما قاله القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) فهو يعتبر أن (الروح نقيض للجسد) وأن (الجسد شر).(14/156)
ويطالب امبروز بالتخلص من الجسد لسمو الروح: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد).
الأمر الذى جعلهم يتخلصون من المرأة ، لأنها الجسد الشرير ، ومصدر متاعب الحياة وغضب الرب: لذلك "تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا فى عام 1500 لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
ولذلك: (ظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
ولذلك: (نص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.) (عودة الحجاب الجزء الثانى ص 46)
ولذلك: كان شائعاً فى بريطانيا حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
ولذلك: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م وحتى عام 1805 حدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة)
لذلك: أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
لذلك: قال شوبنهاور (المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه)
لذلك قال لوثر: (المرأة كمسمار يُدَّق فى الحائط)
لذلك قال أرسطو: (الذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
لذلك قال الفيلسوف نتشه: (إنها ليست أهلاً للصداقة ، فما هى إلا هرَّة ، وقد تكون عصفوراً ، وإذا هى ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر ، وهى لغز يصعب حله ، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لذلك قال لوثر: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن
فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك) (تعدد نساء الأنبياء ص 235)
لذلك قال جيروم ممتهنا المرأة وحقوقها: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى فإننا نكرم زوجاتنا ، أما إذا لم نمتنع: حسناً فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)
ومن عجب العجاب أن تسمع لليوم عن رجال فى أمريكا وفرنسا يقومون بتبادل الزوجات ، كما لو كانت المرأة عندهم من الدواب!
وبالنسبة للجنس:
تقول الكاتبة كارين أرمسترونج: (فى القرن الثالث عشر الميلادى قال الفيلسوف اللاهوتى القديس توما الاكوينى ، الذى ساد الفكر الكاثوليكى حتى عهد قريب ، أن الجنس كان دائماً شراً .. .. وعلى أى حال ، فإن هذا الموقف السلبى لم يكن محصوراً فى الكاثوليك ، فلقد كان لوثر وكالفين متأثرين إلى أقصى حد بآراء أوغسطين ، وحملا مواقفه السلبية تجاه الجنس والزواج إلى قلب حركة الإصلاح الدينى مباشرة. لقد كره لوثر الجنس بشكل خاص ، على الرغم من أنه قد تزوج ومحا البتولية فى حركته المسيحية. لقد كان يرى أن كل ما يستطيع الزواج عمله هو أن يقدم علاجاً متواضعاً لشهوة الانسان التى لا يمكن السيطرة عليها. فكم صرخ قائلاً: (كم هو شىء مرعب وأحمق تلك الخطيئة! إن الشهوة هى الشىء الوحيد الذى لا يمكن شفاؤه بأى دواء ، ولو كان حتى الزواج الذى رُسِمِ لنا خصيصاً من أجل هذه النقيصة التى تكمن فى طبيعتنا.) (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 226)
(لقد سلم أوغسطين [القرن الرابع الميلادى] إلى الغرب تراث الخوف من الخطيئة ، كقوة لا يمكن السيطرة عليها ، فهناك فى لب كل تشكيل للعقيدة ، توجد المرأة حواء ، سبب كل هذه التعاسة ، وكل هذا الثقل من الذنب والشر ، وكل الانغماس البشرى فى الخطيئة. لقد ارتبطت الخطيئة والجنس والمرأة معاً فى ثالوث غير مقدس. فبالنسبة لذكر متبتل مثل أوغسطين ، لا يمكن فصل هذه العناصر الثلاثة. وفى الغرب بقيت المرأة هى حواء إلى الأبد ، هى إغراء الرجل إلى قدره المشئوم. بل إن إنجاب الأولاد الذى تعتبره ثقافات أخرى فخر المرأة الرئيسى وينبوع القدرات التى تمتلكها ، نجده فى المسيحية قد غلفه الشر باعتباره الوسيلة التى تنتقل بها الخطيئة)
(ويقول القديس جيروم: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى ، فإننا نكرم زوجاتنا. أما إذا لم نمتنع: حسناً! فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)(14/157)
وتواصل الراهبة كارين أرمسترونج: (إن المسيحية خلقت أتعس جو جنسى فى أوروبا وأمريكا بدرجة قد تصيب بالدهشة كلا من يسوع والقديس بولس. ومن الواضح كيف كان لهذا تأثيره على النساء. فبالنسبة لأوغسطين الذى كان يناضل من أجل البتولية ، كانت النساء تعنى مجرد اغراء يريد أن يوقعه فى شرك ، بعيداً عن الأمان والإماتة المقدسة لشهوته الجنسية. أما كون العصاب الجنسى للمسيحية قد أثر بعمق فى وضع النساء ، فهذا ما يُرى بوضوح من حقيقة أن النساء اللاتى التحقن بالجماعات الهرطيقية المعادية للجنس ، وصرن بتولات ، قد تمتعن بمكانة واحترام كان من المستحيل أن يحظين بهما فى ظل المسيحية التقليدية)
(لقد كانت المسيحية مشغولة طيلة مئات السنين بجعل النساء يخجلن من أمورهن الجنسية ، ولقد عرفت النساء جيداً كما قال أوغسطين ولوثر قبل عدة قرون ، أن تشريع الزواج كان مجرد دواء ضعيف المفعول لمعالجة شرور الجنس)
(لقد كان يُنظر إلى جسد المرأة باشمئزاز على نحو خاص ، كما كان مصدر إرباك لآباء الكنيسة أن يسوع ولد من امرأة. فكم ضغطوا بشدة فى موعظة تلو موعظة ، وفى رسالة تلو رسالة على أن مريم بقيت عذراء ، ليس فقط قبل ميلاد المسيح بل وبعده أيضاً ....)
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
لقد كانت الأحشاء الخفية للمرأة ، والتى تتسم بالقذارة ، مع رحمها الذى لا يشبع ، موضع استقذار وفحش بشكل خاص. وكان الآباء راغبين فى التأكيد على أن يسوع لم يكن له إلا أقل القليل من الاتصال بذلك الجسد البغيض)
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب البنديكتى برنار دى موريكس دون مواربة فى أشعاره: إنه لا توجد امرأة طيبة على وجه الأرض)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل)
اغتيال شخصية المرأة:
فقد عانت المرأة الويلات من جراء أقوال بولس هذه وغيرها لمدة قرون من الزمان، فقد اعتبر رجال هذا الدين المنسوب للمسيح "أن المرأة دنس يجب الإبتعاد عنه، وأن جمالها سلاح إبليس.
وحرص آباء الكنيسة على التوكيد على أن المرأة مصدر الخطيئة والشر فى هذا العالم، ومن ثم يجب قهرها إلى أقصى حد واستهلاكها نفسيا تحت وطأة الشعور بالخزى والعار من طبيعتها وكيانها البشرى.
وهذا الإعتقاد تسرب إلى النصرانية من بين معتقدات وعادات كثيرة انتقلت إليها من الديانات الوثنية القديمة، التى كانت تعتبر المرأة تجسيداً للأرواح الخبيثة، والتى كانت متفقة على تحقير النساء وإذلالهن، بل وإبادتهن بأفظع الطرق والوسائل الوحشية، ومن بينها إلزام المرأة التى يموت زوجها أن تحرق نفسها بعد موته وإحراق جثته مباشرة "
يقول كارل هاينتس ديشنر فى كتابه (الصليب ذو الكنيسة ـ قصة الحياة الجنسية للمسيحية) فى الفصل التاسع عشر ص 230:
(قال سيمون دى بوفوارSimone de Beauvoir : لقد أسهمت العقيدة النصرانية فى اضطهاد المرأة ولم تقم بدور بسيط فى هذا)
كما قال ماركوس Marcuse : (إن فكرة أن تكون المرأة حاملة للخطيئة الأزلية ، والتى تتعلق بها عقائد الديانة النصرانية تعلقاً لا تكاد تنفك منه أبداً ، هى التى أثرت أسوأ تأثيراً على الناحية الإجتماعية والقانونية للمرأة)
وقال دينس ديديروت Denis Diderot: (إن فى كل عادات وتقاليد الحياة اتحد بطش القانون الشعبى مع بطش الطبيعة ضد المرأة ، فقد عوملت المرأة فى ظل هذه القوانين ككائن فقد عقله)
لقد صنع تاريخ المرأة رجال كانوا يتخذون المرأة عدوا لهم منذ العصور الأولى للبابوية. وكان الرجل يعتبرها فى العصور المنصرمة للإمبراطورية الرومانية كأحد مواشيه ، وله أن يتصرف فيها بالبيع أو القتل إن شاء. ولو قتل ابنة رجل آخر أسلم لهم ابنته فيقتلونها أو يبيعونها أو يتملكونها فلهم الحرية فى ذلك.
وقد ساد الرجل المرأة فى عصر الجيرمان ، وسُمِحَ له أن يؤدب زوجته بالضرب كما سُمِحَ له بقتل زوجته إذا خانته دون وقوع أدنى عقوبة عليه.
كما كانت مخلوق ثانوى وشريكة للشيطان فى الخطيئة الأزلية، وهذا يجعلها تأتى دائما فى المرتبة الثانية بعد الرجل حتى على المستوى الكنسى.
فأهل الكتاب يرون أن المرأة هى ينبوع المعاصى ، وأصل السيئة والفجور ، ويرى أن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم من حيث هى مصدر تحركه وحمله على الآثام ، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء.(14/158)
لذلك اغتنموا كل فرصة تتعلق بالمرأة لبث روح الاحباط فيها ، ولو كانت تتعلق بزى ترتديه. فقد متب ترتليان فى القرن الثالث رسالة تعالج زى المرأة ، قال فيها: (لقد كان حريا بها [بالمرأة] أن تخرج فى زى حقير ، وتسير مثل حواء ، ترثى لحالها ، نادمة على ما كان ، حتى يكون زيها الذى يتسم بالحزن ، مكفراً عما ورثته من حواء: العار ، وأقصد بذلك الخطيئة الأولى ، ثم الخزى من الهلاك الأبدى للانسانية. فلقد قال الرب للمرأة: («تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».) تكوين 3: 16 ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هى حواء؟)
لذلك قال القديس برنارد الذى فعل كل ما استطاع لنشر عبادة العذراء فى الكنيسة عن أخته بعد زيارتها إياه فى الدير الذى يقيم فيه مرتدية زياً جديداً: (مومس قذرة ، وكتلة من الروث)
مجمع باكون
وفى القرن الخامس الميلادى اجتمع مجمع باكون وكانوا يتباحثون: (هل المرأة جثمان بحت أم هى جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟) وقرر أن المرأة خالية من الروح الناجية ، التى تنجيها من جهنم ، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم عليها السلام:
كما قرر مجمع آخر، أن المرأة حيوان نجس ، يجب الأبتعاد عنه ، وأنه لاروح لها ولا خلود ، ولاتُلقن مبادئ الدين لأنها لاتقبل عبادتها ، ولاتدخل الجنة ، والملكوت ، ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة، وأن يكمم فمها كالبعير، أو كالكلب العقور، لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان ".
رائحة مركز البابا تزكم الأنوف:
يقول الدكتور لويس عوض فى كتابه "ثورة الفكر": (كانت الفضائح فى روما ، مركز البابوية ، تزكم الأنوف. فالأصل فى العقيدة الكاثوليكية أن رجال الدين لا يتزوجون ، وأن الرهبان ومنهم الكرادلة والباباوات ، ينذرون لله ثلاثة نذور يوم يدخلون باب الدير: نذر العفة ، ونذر الفقر ، ونذر الطاعة. وها نحن نرى البابا اسكندر السادس (1431 - 1503) جهاراً نهاراً، له ثلاثة أولاد غير شرعيين هم: سيزار بورجيا دوق أوربينو (1475 - 1507)، ولوكريس بورجيا (1480 - 1519)، ودون كانديا.
وكانت خلافة البابا اينوتشنتو الثامن (الذى اعتلى الكرسى البابوى من 1484 إلى 1492) فاقعة الفساد ، كولاية خلفه زير النساء البابا اسكندر السادس. فقد اشتهر اينوتشنتو الثامن بأنه كان رجل المحسوبية وخراب الذمة ، كما أنه كان أول بابا يعترف علناً بأبنائه غير الشرعيين ، وكان دأبه توسيع أملاك أسرته.)
ناهيك عن بيع صكوك الغفران ، وإرهاب مخالفيهم بقرارات الحرمان ، وكذلك كان رجال الدين من رأس الكنيسة إلى أصغر كاهن يكنزون المال ويقتنون الضياع. فلقد كانت ممارسات رجال الإكليروس للتسرى مشاهدة فى كل مكان ، باعتباره شرعاً مقبولاً ، كما كان يُتغاضى عن الشذوذ الجنسى ، دون أدنى مبالاة.)
لماذا خلق الله المرأة؟
يقول أوغسطين: (إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة ، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان معاً كصديقين ، بدلاً من رجل وامرأة)
وقد كان توما الأكوينى متحيراً تماماً مثل سلفه أوغسطين فى سبب خلق الله للمرأة، فكتب يقول: فبما يختص بطبيعة الفرد ، فإن المرأة مخلوق معيب وجدير بالإزدراء ، ذلك أن القوة الفعَّالة فى منى الذكر تنزع إلى انتاج مماثلة كاملة فى الجنس الذكرى ، بينما تتولد المرأة عن معيب تلك القوة الفعَّالة ، أو حدوث توعك جسدى ، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجى.)
(إن القول بأن طبيعة الفرد فى النساء معيبة ، إنما هى فكرة التقطها من آراء أرسطو فى علم الأحياء. فالذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
وهانت عليهم المرأة فكتب لوثر يقول: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك)
هل المرأة إنسان ولها روح مثل الرجل؟
(وفى فرنسا عقد الفرنسيون فى عام 586 م ـ أى فى زمن شباب النبى محمد صلى الله عليه وسلم ـ مؤتمراً (مجمع باسون) لبحث: هل تُعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح فهل هى روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانياً ، فهل هى على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً: قرروا أنها إنسان ، ولكنها خُلِقَت لخدمة الرجل فحسب.)
المرأة فاقدة الأهلية:
(ونص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.)(14/159)
وبالتالى لم يكن لها الحق فى امتلاك العقارات أو المنقولات ، ولم يكن لها الحق فى أن تفتح حساباً فى البنك باسمها ، وبعد أن سمحوا أن يكون لها حساب ، لم يكن لها الحق أن تسحب منه ، فعلى زوجها أن يأتى ليسحب لها نقودا من حسابها ، الأمر الذى لا يتم إلا مع الأولاد القُصَّر والمجانين.
بيع الزوجة أو إعارتها عملاً مشروعاً:
وفى بريطانيا كان شائعاً حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
هل تعرفون أن الفلاح يأبى أن يُعير بقرته للفلاح زميله؟ فما بالكم بمن يُعير زوجته لآخر؟ فهل هانت المرأة عندهم لدرجة أنهم أنزلوها منزلة أقل من الحيوان؟ وهل كان يقصد القانون أن يُحوِّل الرجل إلى ديُّوث والمرأة إلى عاهرة؟ وهل هذا قانون احترم المرأة؟ هل هذا قانون ميَّزَ المرأة على الحيوان أو الجماد؟ فأى حياة هذه التى يطالب بها القانون مجتمعه؟ وأية محبة وجدتها الكنيسة فى هذا القانون؟
صب الزيت المغلى على النساء عملاً مشروعاً للتسلية:
"وفى عام 1500 تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
لا تعليق غير سؤال أطرحه للتفكير: تُرى كيف كان وضع هذه المرأة التى يتسلى الرجال بسكب الزيت المغلى على أجسادهن؟
يُحرَّم على المرأة قراءة الكتاب المقدس:
(وأصدر البرلمان الإنجليزى قراراً فى عصر هنرى الثامن ملك إنجلترا يُحظِّر على المرأة أن تقرأ كتاب "العهد الجديد" أى الإنجيل ، لأنها تعتبر نجسة.)
فإذا كانت المرأة نجسة نصف عمرها بسبب فترات الحيض ، وبعد الطمث لمدة سبعة أيام أخرى ، وحرَّموا عليها مسك الكتاب المقدس والقراءة فيه ، فما بال الرب (يسوع) كان يدخل الخلاء ، ويتبول ويتبرز ، كما كان من قبل يتبول ويتبرز فى ملابسه ، أيام طفولته المبكرة؟ فهل كانت المرأة أكثر نجاسة من البول والبراز؟
ليس للمرأة حق المواطنة:
(وظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن الماضى تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
وفى عام 1567 م صدر قرار من البرلمان الاسكوتلاندى بأن المرأة لا يجوز أن تُمنَح أى سلطة على أى شىء من الأشياء.
ثمن الزوجة نصف شلن:
بل إن القانون الإنجليزى حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات (نصف شلن). وقد حدث أن باع إنجليزى زوجته عام 1931 م بخمسمائة جنيه ، وقال محاميه فى الدفاع عنه: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة) ، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد أُلغِىَ عام 1805 م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن ، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة سنوات.)
(وجاء فى مجلة "حضارة الإسلام" السنة الثانية صفحة 1078: حدث العام الماضى أن باع إيطالى زوجته لآخر على أقساط ، فلما امتنع المشترى عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع.)
طائفة من أقوال آباء الكنيسة وأدبائهم:
أفضِّل الإجتماع بالشيطان على الإجتماع بالمرأة الله
الله المرأة باب جهنم ، وطريق الفساد وإبرة العقرب ، وحليفة الشيطان
وأعلن الله البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
ومن أقوال فلاسفة أوربا ومشاهيرها فى عصر ما بعد النهضة الله
(إذا رأيتم امرأة ، فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشرياً ، بل ولاكائناً وحشياً وإنما الذى ترونه هو الشيطان بذاته، والذى تسمعونه هو صفير الثعبان) (من
وصايات سان بول فانتير - لتلاميذه)
(المرأة خلقت لكى تخضع للرجل ، بل لكى تتحمل الله ظلمه) (أعترافات جان جاك روسو)
(المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه الله ويسجنه) (شوبنهاور)
(لايوجد رجل فكر فى المرأة ثم احترمها ، فهو إما أن الله يحتقرها وإما أنه لم يفكر فيها بصورة جدية) (أوتو فيننجر)
(الرجل يمكن أن الله يتصور نفسه بدون المرأة - أما المرأة فإنها لاتتصور نفسها بدون رجل) جوليان بندا
(المرأة آلة للإبتسام . تمثال حى للغباء) (الأديب الفرنسى - الله لامنيه)
(المرأة كائن نسبى) (المؤرخ ميشليه) الله
(وكانوا يُعدُّون الله اختطاف الأطفال لتربيتهم على الرهبنة من القربات. وكانوا يفرون من النساء ولو كانوا أقاربهم لاعتقادهم أن مجرد النظر إلى المرأة مُحبِط للأعمال.)- نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية وفى التبشير إبراهيم سليمان الجبهان ص 72-75]
الله (يجب على المرأة أن تغطى شعرها لأنها ليست صورة الله) أمبروزيوس القرن الرابع الميلادى (ديشنر صفحة 379)(14/160)
مشوهة لصورة الرجل
وقد قال تروتوليان – أحد أقطاب المسيحية الأولى وأئمتها يبين للبشرية نظرة المسيحية فى المرأة: (إنها مدخل الشيطان الى نفس الإنسان، وإنها دافعة الى الشجرة الممنوعة ناقضة لقانون الله ومشوهة لصورة الله – أي الرجل -) مستندا إلى قول الكتاب المقدس (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول الكتاب المقدس على لسان موسى أنه بسبب خيانتهن للرب حلَّ الوباء على الجماعة: (وَقَال لهُمْ مُوسَى: «هَل أَبْقَيْتُمْ كُل أُنْثَى حَيَّةً؟ إِنَّ هَؤُلاءِ كُنَّ لِبَنِي إِسْرَائِيل حَسَبَ كَلامِ بَلعَامَ سَبَبَ خِيَانَةٍ لِلرَّبِّ فِي أَمْرِ فَغُورَ فَكَانَ الوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.) سفر العدد 31 :15-18
وقال سوستام الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة: (هي شر لا بد منه ، ووسوسة جبلية، وآفة مرغوب فيها وخطر على الأسرة والبيت ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة) مستندا إلى قول الرب الذى أرسل ملاكه ليقول عنها إنها الشر بعينه: (7وَإِذَا بِوَزْنَةِ رَصَاصٍ رُفِعَتْ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 7-8
انظروا لقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه المكنون ، الذى لا يأتيه الباطل ، يعلن للعالم أجمع حرية المرأة وإنسانيتها ويرد لها كرامتها ، وأنها للرجل سكناً ومودةً ورحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم:21
فإذا كان الكتاب المقدس بجزئيه جعل المرأة سبباً فى خطيئة آدم، وسبب فى خروجها من الجنة للعمل والشقاء، حتى إنجابها للأولاد جعله تكفيراً عن هذه الخطيئة، فماذا تنتظر من أتباع هذا الدين أن يُحسنوا به إليها؟
حفظ الإسلام حقوق المرأة:
رأى الإسلام فى الأنثى وولادتها:
لم يكرم دين أو كتاب سماوى أو قانون وضعى المرأة كما كرمها الإسلام. فمن وقت أن أعلن الرب لملائكته أنه سيخلق فى الأرض بشراً ، جعلها خليفة لله ممثلة له على الأرض وشريكة للرجل فى استخلافها. لذلك رفع عنها الأغلال التى وضعتها الكتب الأخرى فى عنقها ، وكرمها إذ سفهها الناس وأصحاب الأديان الأخرى ، ورفعها إذ وضعها الناس والفلاسفة النصارى واليهود ، فكرمها بنتاً وأماً وزوجة وأختاً. ولك أن تتخيل أن الله جعل هدف كل العبَّاد والنسَّاك والزهَّاد تحت أقدام امرأة: فقد ربط الجنة بأسفل أقدام الأم ، امرأة.
وزاد فى تكريمها فجعل الدنيا مؤنثة ، والرجال يخدمونها ، والذكور يعبِّدونها ، ويعملون من أجلها ، والأرض مؤنثة ، ومنها خلق آدم ، وخلقت البرية ، وفيها كثرت الذرية ، وأُمِروا بتعميرها ، والحفاظ عليها ، والقتال من أجل خلود شريعة الله عليها، كما أُمِرُوا بالسجود لله عليها ، والسماء مؤنثة ، وقد زينت بالكواكب، وحُلِّيَت بالنجوم، التى تهدى الرجال فى طريقهم إلى بر الأمان، والنفس مؤنثة، وهى قوام الأبدان ، وملاك الحيوان ، والحياة مؤنثة ، ولولاها لم تتصرف الأجسام ، ولا عرف الأنام ، والجنة مؤنثة ، وبها وعد المتقون ، وفيها ينعم المرسلون والشهداء والصالحون.
انظروا إلى تكريم الله للأب الذى أنجب بنتاً:
وعن عبد الله يعني ابن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها وأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعم الله التي أوسع عليه كانت له منعة وسترا من النار) رواه الطبراني
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن وجبت له الجنة قلنا وبنتين قال وبنتين قلنا وواحدة قال وواحدة) رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد ج: 8 ص: 15
ولم تشمل هذه الرعاية والعناية بنات الرجل فقط ، بل أكثر من ذلك فقد قرر الله أن الجنة مضير من أدب جاريته وأحسن إليها: (عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران) صحيح البخاري ج: 2 ص: 899
فهذا شرف لم يعطيه الله للأب الذى أنجب ولداً!! لقد أدخله الله مسابقة الفوز بالجنة! فقط لأنه أب لإبنة! فليفرح وليتفاخر الأب ذو البنات على الأب ذو البنين!(14/161)
تقول زيجريد هونكه: (إن الحلى التى يقدمها الأوروبى لحبيبته أو لزوجة صديقه أو رئيسه ، سواء أكانت ماساً أصلياً أو زجاجاً مصقولاً ، هى عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ، ولا يعرفون لها مصدراً.)
فى الحقيقة لا يعرف الإسلام التفرقة بين الرجل والمرأة على أساس أفضلية أحدهم على الآخر، ولكن تبعاً لطبيعة كل منهما أو الواجبات المُناطة بهما. فقد ساوى الإسلام بينهما فى الإنسانية ، وفى الواجبات ، وفى الحقوق ، بل أولى المرأة اهتماماً ورعاية لم يشملها الكتاب المقدس ولا تاريخ الشعوب اليهودية أو النصرانية أو حتى الوثنية. ولا أى قانون وضعى أنصف المرأة ورفعها ، بل جعلها تاجاً على رؤوس الرجال والمجتمع ، كما فعل الإسلام.
فقد جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً .. وبذلك حرر الإسلام المرأة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى: فقد حررها فى كل الجوانب النفسية والجسدية والعقلية والأمنية والعلمية.
فجاء الإسلام ليقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف)
وجاء ليقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وجاء ليقول: (فَلا تَعْضُلوهُنَّ)
وجاء ليقول: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)
وجاء ليقول: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
وجاء ليقول: (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)
وجاء ليقول: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)
وجاء ليقول: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)
وجاء ليقول: (وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)
وجاء ليقول: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)
وجاء ليقول: (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)
وجاء ليقول: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً)
وجاء ليقول: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن)
وجاء ليقول: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : "عائشة" .. وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول: " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة" .
وهو القائل : (استوصوابالنساء خيراً)
وهو القائل : (لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر)
وهو القائل : (إنما النساء شقائق الرجال)
وهو القائل : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)
وهو القائل : (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وهو القائل : (أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك)
وهو القائل : (من سعادة بن آدم المرأة الصالحة)
ومن هديه: (عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)
وهو القائل: (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)
ومن مشكاته : (أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك)
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على أن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تقابل ربها
1- حفظ الإسلام حق المرأة قبل أن تولد ،فجعلها الله خليفة فى الأرض ، وأشركها فى التكليف مع آدم، فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30
2- حفظ الإسلام إنسانيتها وساواها بالرجل: فقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)
3- حفظها الإسلام بأن جعلها آية من آياته، التى تتطلب شكر الله عليها ، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21
4- حفظها الإسلام بأن جعلها هبة الله للبشرية ، فقال تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ) الشورى 49
5- حفظ الإسلام كيانها فى المجتمع بأن اعتبرها مسئولة عن قيام الفضيلة والقضاء على الرذيلة فى الأرض ، عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، مثلها مثل الرجل. وبذلك حمَّلها مسئولية الدين والدعوة إليه ، وجعله أمانة فى عنقها وعنق الرجل:(14/162)
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71
6- حفظ الإسلام الأنثى وجعل الإعتداء عليها من السفه بل اعتبره من الآثام وجعل البيت المسلم يبتهج لمقدمها:
(وَإِذَا بُشِّرَ يَتَوَارَى مِنَ - أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل 58-59
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) الأنعام 140
7- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل قتلها قتل للبشر جميعاً ، وهى تتساوى فى هذا مع الرجل ، فقد قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32
8- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن)
9- حفظ الإسلام حق المرأة بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك)
10- حفظ الإسلام حق المرأة راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)
11- حفظ الإسلام حق المرأة مولودة من حيث النفقة والكسوة (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف)
12- حفظ الإسلام حق المرأة في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الزوج النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
13- حفظ الإسلام حق المرأة في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)
14- حفظها الإسلام نفسياً ومعنوياً وإجتماعياً بأن ساوى بينها وبين الرجل فى أغلب التكاليف:
(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ا للّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) النساء 36
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي - مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا - فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ - الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ العنكبوت 7-9
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ - لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)النحل 90-91(14/163)
(لاَّ تَجْعَل وَقَضَى رَبُّكَ - مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ وَاخْفِضْ لَهُمَا - أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ - صَغِيرًا وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ - فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا إِنَّ - وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ - كَفُورًا وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً - تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ - وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ - بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا وَلاَ - نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا وَلاَ - تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي - إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ - كَانَ مَسْؤُولاً وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ - الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ - عَنْهُ مَسْؤُولاً كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ - الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ - رَبِّكَ مَكْرُوهًا وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا - مَّدْحُورًا الإسراء 22-40
15- حفظ لإسلام المرأة بأن دافع عنها الله بنفسه وتوعد الذين يؤذونهن ، وهى تشترك فى ذلك مع الرجل:
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) الأحزاب 58
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) البروج 10
16- حفظ الإسلام المرأة بأن أمر رسوله أن يستغفر الله لها:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) محمَّد 19
17- حفظ الإسلام أيضاً المشركات بأن منع قتلهن فى الحروب:
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (وُجِدَت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم فنهى عن قتل النساء والصبيان) [الشيخان وغيرهما]
18- حفظ الإسلام المرأة وحرَّمَ وأدها صغيرة، وفرض حسن تربيتها وتعليمها:
قال الله تعالى: (وإذا الموءودة سُئلت بأى ذنب قتلت)
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أنثى ، فلم يئدها ، ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها ، أدخله الله الجنة)
19- حفظ الإسلام المرأة بأن اعتبرها من المكونات الأساسية لخيرات الدنيا والآخرة:
قال صلى الله عليه وسلم: (أربع من أعطيهنَّ فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: (قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وبدناً على البلاء صابراً ، وزوجة لا تبغيه خوفاً فى نفسها ولا ماله)
20- حفظ الإسلام المرأة بأن جعلها خير ما فى الدنيا كلها:
قال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة).
21- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل الجنة غاية حياة كل مؤمن تحت أقدامها ، فأى شرف هذا الذى نالته المرأة فى الإسلام؟ وقال صلى الله عليه وسلم: (الجنة تحت أقدام الأمهات)
فقد روى أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله النبى: (هل لك من أم)؟ قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: (الزمها ، فإن الجنة تحت رجلها).(14/164)
22- حفظ الإسلام المرأة بأن نزع عنها لعنة الخطيئة الأبدية التى وصمتها بها الأديان السابقة ، واعتبرها وزوجها قد أذنبا ثم منحهما التوبة والغفران ، فقال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) البقرة 36 ، وقال: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) الأعراف 20
وعندما أدان شخصاً بمفرده ، أدان آدم فقط ، فقال تعالىفَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) طه 120
23- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل لها نصيباً فى الميراث ، بعد أن كات جزءاً منه فقال تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَا نَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء 11-12
24- حفظ الإسلام المرأة بأن وهبها جميع حقوقها المدنية: فلها الحق فى عقد العقود من بيع وشراء وإجازة وشركة وقرض ورهن وهبة.
25- حفظ الإسلام المرأة بأن أزال عنها القصر الدائم ، فأقر أهليتها الكاملة ، مانحاً إياها حق الولاية على مالها وشئونها.
26- حفظ الإسلام المرأة بأن ذكرها الله تعالى فقط عندما تكلم عن العمل الصالح فقال تعالى بالعموم: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) ، أما فى الخير فقد جاء بالذكر والأنثى(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
27- حفظ الإسلام حق المرأة في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تنكح الأيم حتى تستأمر)
28- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا تنكح البكر حتى تستأذن)
29- حفظ الإسلام حق المرأة في صداقها ، وأوجب لها المهر (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)
30- حفظ الإسلام حق المرأة مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (أقبل الحديقة وطلقها)
31- حفظ الإسلام حق المرأة مطلقة: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)
32- حفظ الإسلام حق المرأة أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها: قال الله تعالي (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)
33- حفظ الإسلام حق المرأة في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)(14/165)
34- حفظ الإسلام حق المرأة يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في القسمة نصيباً (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في النفقة نصيباً (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى)
35- حفظ الإسلام حق المرأة في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
36- حفظ الإسلام حق المرأة في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
37- حفظ الإسلام حق المرأة في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
38- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها ، بل جعل دخول الجنة متوقفاً على رضاها.
39- حفظ الإسلام حق المرأة مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
40- حفظ الإسلام حق المرأة حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
41- حفظ الإسلام حق المرأة في السكنى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
42- حفظ الإسلام حق المرأة في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
43- حفظ الإسلام حق المرأة في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
44- حفظ الإسلام حق المرأة في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حيا)
45- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر)
46- حفظ الإسلام حق المرأة فى الحساب أمام رب العالمين ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة: وبذلك ساوى بينهما فى الثواب والعقاب فى الآخرة:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل 97
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء 124
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران 195
(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 72
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) الفتح 5
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)الحديد 12(14/166)
فلم ينتقص الإسلام حق المرأة، أو يُهنْهَا، بل على النقيض من ذلك ، فقد رفع شأنها، وحسبنا أن نعرف أن الله خَلَّدَهُا فى كتابه الكريم، وجعل لها ثلاث سور من القرآن الكريم، وهما سورة النساء وسورة مريم، وسورة الطلاق، وليس هناك سورة باسم الرجال.
بل من جميل صنع الله بالمرأة أن جعل الرجل يتعامل مع الأجناس الدنيا من الوجود ، فإنه إما زارع يتعامل مع التربة والمواشى والحيوانات ، وإما صانع يتعامل مع المادة الصماء .. ولكن المرأة تتعامل مع أشرف شىء فى الوجود وهو الإنسان ، والمرأة التى لا تريد الإقتناع بهذه المهمة تكون امرأة فاشلة.
بل خلَّدَ القرآن امرأة فى سورة المجادلة ، واحترم الإسلام رأيها، وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول، وجمعها وإياه فى خطاب واحد (والله يسمع تحاوركما) المجادلة: 1. وقرر رأيها ، وجعله تشريعاً عامًّا خالداً.. فكانت سورة المجادلة أثراً من آثار الفكر النسائى ، وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام الإسلام لرأى المرأة ، فالإسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة ، ينعم الرجل بشم رائحتها ، وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ، له رأى ، وللرأى قيمته ووزنه.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: (أنا ابن العواتك من قريش). والعواتك هنَّ نساء من قريش ، كانت كل منهن تُسمَّى عاتكة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) ، أى جزء أو شق منهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سعى على ثلاث بنات فهو فى الجنة ، وكان له أجر المجاهدين صائماً قائماً.)
وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائى).
وحتى لا يشقُّ الرجال على نسائهم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم عنهن: (أنهن خُلِقنَ من ضلع أعوج ، إذا حاولت أن تقيمه كسرته ، فسايسوهن تستمتعوا بهن).
وعن أسماء بنت أبى بكر قالت: (قدمت على أمى وهى مشركة في عهد قريش ، إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدتهم مع أبيها، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: (يا رسول الله ، إن أمي قدمت علىّ وهي راغبة؟ أفأصلها؟ قال: (نعم، صليها).
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلى الجنة من أىِّ الأبواب شئت.)
ويكفى النساء المسلمات شرفاً على الرجال أن أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم هى زوجته السيدة خديجة، وأول شهيدة فى الإسلام هى سُميَّة أم عمَّار بن ياسر، وأول من أؤتُمِنَ على حفظ كتاب الله بعد جمعه هى أم المؤمنين حفصة بنت عمر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً ، وخياركم لنسائهم خلقاً)
وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلى ، ما أكرم النساء إلا كريم ، وما أهانهنَّ إلا لئيم)
قارن هذا التكريم للمرأة بقول الكتاب المقدس وآراء آباء وفلاسفة المسيحية:
الرب يرسل ملاكه ليسب المرأة ويُكمِّم فمها بثقل من الرصاص: (وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
(25وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: 26«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً.) لوقا 14: 25-26
(14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول توماس الإكوينى: (المرأة أرذل من العبد بدليل أن عبودية العبد ليست فطرية بينما المرأة مأمورة فطرياً من قبل الأب والابن والزوج)
أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
وقال الفيلسوف نتشه: (إن المرأة إذا ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر، وهى لغز يصعب حله، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل).(14/167)
وهى منبوذة مثل الشيطان ، لأنها المتسببة فى غواية آدم وسبب إخراجه وذريته من الجنة ، وقد كانت أشد من الشيطان على البشرية ، فلم يقدر الشيطان على آدم ، ولكن تمكنت حواء حليفة الشيطان من غواية آدم: (11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 11-13
وما هى هذه الشجرة التى أكل منها آدم وحواء؟ إنها شجرة معرفة الخير من الشر: (16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ».) تكوين 2: 16-17
وهل صدق الرب؟ لا. بل كان الشيطان أصدق منه: (1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».) تكوين 3: 1-5
وهذا ما اعترف به الرب فيما بعد ، مما اضطره لفرض حراسة على شرقى جنة عدن لحراسة طريق شجرة الحياة ، فقال: (22وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالْآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.) تكوين 3: 22-24
وفى الحقيقة يتساءل المرء ذو العقل الطبيعى هنا: ما حكمة الرب فى الإبقاء على آدم وحواء فى سواد الجهل ، لا يعلمان الخير من الشر؟ ولو لم يكون آدم قد عرف قبل الأكل من الشجرة الخير من الشر فكيف يحاسبه على خطئه وأكله من الشجرة؟ وهل بعد أن أصبح عارفا للخير من الشر ينتقم منه الرب ويطيح به خارج الجنة؟ وهل كان ينتظر هذا الإله تعمير الأرض بأناس لا تعرف الخير من الشر؟ وما هى المبادىء التى كان يتوقع الرب أن يعلمها آدم زريته لو لم يعلم الخير من الشر؟
ويقول فولتير تعليقاً على الفقرة التوراتية السابقة: (إننا نعتقد أنه كان ينبغى على السيد الرب أن يأمر الإنسان ، مخلوقه ، بأن يأكل من شجرة معفة الخير من الشر ، قدر ما يستطيع ؛ لأنه بما أن الله منحه رأساً تفكر ، فقد كان من الضرورى تعليمه ، وكان أكثر ضرورة إرغامه على إدراك الخير والشر ، كى يستطيع القيام بالتزاماته على أكمل وجه. لذلك كان ذاك التحريم غبياً وقاسياً! لقد كان أسوأ بألف مرة من منح الإنسان معدة لا تهضم الطعام) نقلا عن (محمد صلى الله عليه وسلم فى الترجوم والتلمود والتوراة ص 169 ، المأخوذة بدورها من (ليوتاكسل) التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ص 21)
ووقف الرب إلى جانب الرجل ، ولم يحقق فى الأمر ، فصدق كلام آدم ، وكان عنده من الأبرياء: (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي) تيموثاوس الأولى 2: 14
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
وإذا كان آدم لم يغو ، فيكون حكم الرب على آدم بالطرد من الجنة ظلماً ، ولم يكن هذا إلا بسبب حواء، ويكون انتقامه من المرأة بطردها من الجنة وموقفه هذا منها تشجيعاً للمؤمنين ، المحبين لله ، على اضطهادها ، وضربها ، وحرقها ، وقتلها.(14/168)
كما أنها نجسة فى أيام حيضها ، وفى أيام طمسها، أو إذا جاءها نزيف مهما كان سببه، لا يقربها إنسان أو حيوان وإلا لكان نجساً هو الآخر إلى المساء وعليه أن يستحم ليطهر: (19«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِساً وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً. 21وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ.) لا ويين 15: 19-23
فقد كانوا يعتبرون المرأة لعنة ، لأنها أغوت آدم ، وعندما يصيبها الحيض لا يُجالسونها ولا يؤاكلونها ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس. وكان بعضهم ينصب للحائض خيمة ، ويضع أمامها خبزاً وماءً ، ويجعلها فى هذه الخيمة حتى تطهر. أى كانت كالمنبوذة ، أو كالمصابة بالجرب أو الجزام. وهى فى هذا الوضع لا تصلح أن تعيش فى المجتمع، ولا يجوز لها أن تعمل، لأنها بهذا التفكير إما ستتقاعد عن العمل وقت حيضها، وبذلك تعلن على العالم أجمع أنها حائض ، وإما ستخالط المجتمع وتسبب نجاسة كل من تتعامل معه سواء فى مجال العمل أو المواصلات.
(وكانت بعض الطوائف اليهودية تعتبر البنت فى مرتبة الأَمَة، وكان لأبيها الحق فى أن يبيعها قاصرة، وما كانت ترث مع وجود أخ لها، أو ما كان يتبرع لها به أبوها فى حياته، فقد كان الميراث للذكر فقط، وحين تُحرَم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر ، يُثبَت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج ، وإذا كان الأب قد ترك عقاراً فيعطيها من العقار ، أما إذا ترك مالاً منقولاً فلا شىء لها من النفقة والمهر ، ولو ترك القناطير المقنطرة.)
وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها ، لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر ، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها. أى تكون راعية له فقط (هذا إن جاز لنا استخدام هذا اللفظ) ، وليست مالكة له.
وإذا اتُهِمَت بالزنا تتحقق براءتها بطريقة غريبة فيها من المهانة والذل ما لم تبحه شريعة ما ، فعليها أن تشرب ماءً ممزوجاً بالتراب ، وتثبت عليها التهمة إذا تورمت بطنها وتسقط فخذها: (17وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّساً فِي إِنَاءِ خَزَفٍ وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنَ الغُبَارِ الذِي فِي أَرْضِ المَسْكَنِ وَيَجْعَلُ فِي المَاءِ 18وَيُوقِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَكْشِفُ رَأْسَ المَرْأَةِ وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التِّذْكَارِ التِي هِيَ تَقْدِمَةُ الغَيْرَةِ وَفِي يَدِ الكَاهِنِ يَكُونُ مَاءُ اللعْنَةِ المُرُّ. .. .. .. 24وَيَسْقِي المَرْأَةَ مَاءَ اللعْنَةِ المُرَّ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ. 25وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ يَدِ المَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الغَيْرَةِ وَيُرَدِّدُ التَّقْدِمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقَدِّمُهَا إِلى المَذْبَحِ. 26وَيَقْبِضُ الكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تِذْكَارَهَا وَيُوقِدُهُ عَلى المَذْبَحِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي المَرْأَةَ المَاءَ. 27وَمَتَى سَقَاهَا المَاءَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ رَجُلهَا يَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ فَيَرِمُ بَطْنُهَا وَتَسْقُطُ فَخْذُهَا فَتَصِيرُ المَرْأَةُ لعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا.) عدد 5: 17-27
ففى كلا الحالتين ستتورم بطنها ، إن لم يصبها مرض يقضى عليها. وبذلك تكون فى كلا الحالتين زانية وتثبت عليها تهمة الزنا!! وفى كلا الحالتين لن يسقط فخذها ، فلن تجنى إذن من جرَّاء هذا العمل إلا المرض أو الموت وإثبات تهمة الزنا عليها ظلما وزورا. وقد يكون هذا التحليل هو الذى أوصل بعض علمائهم لاعتبار المرأة عاهرة بغض النظر عن أخلاقها أو دينها أو حسبها أو نسبها: لقد كتب جيروم يقول:
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)(14/169)
وقانون اختبار عفة المرأة هذا قريب مما جاء فى قانون (حامورابى) مادة 129 ، إذ كانت المرأة تُختَبَر فى سلوكها بأن تُلقَى فى النهر ، فإن عامت على وجه الماء تكون بريئة ، وإن غطست تكون آثمة!!
قارن هذا بالملاعنة المذكورة فى القرآن فى سورة النور: إذ تحلف المرأة وكذلك الرجل خمس مرات على صدقهما من تهمة الخيانة الزوجية. وإن أصرت المرأة على براءتها لم يمسسها سوء ، يتم فقط التفريق بينهما.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فنجاسة المرأة التى ضربت عليها جعلت البرلمان الإنجليزى يصدر قراراً فى عصر الملك هنرى الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ العهد الجديد. قارن هذا بإئتمان المسلمين السيدة حفصة على كتاب الله القرآن الكريم!!!
بل إنه لما استخدم التخدير فى حالات الوضع عام 1847م عارضته الكنيسة ؛ لأن الله فى الكتاب المقدس ـ حسب زعمهم ـ قال لحواء بعد سقوطهما فى الخطيئة وأكلهما من الشجرة المحرمة عليهما: (تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً) تكوين 3: 13 ، فكأن لسان حالهم يقول: كيف نرحم النساء من الألم ، طالما أن الرب قد قرر تألمها أثناء الولادة؟ فعلينا إذن أن نساعد الرب فى انتقامه من النساء!!
=====================
ثانيًا: المساواة
الشبهة الأول: النساء شقائق الرجال:
انطلاقا من هذا الأصل يقرّر أعداء الحجاب أن النساء والرجال سواء، لهن ما لهم، وعليهنّ ما عليهم، ولا فرق بين الصنفين في جميع الأحكام؛ لأن النساء شقائق الرجال[1].
الجواب:
1- الفوارق بين الرجل والمراة الجسدية والمعنوية والشرعية ثابتة قدرًا وشرعًا وحسًّا وعقلاً.
بيان ذلك أن الله سبحانه خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكرًا وأنثى، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [النجم:25]، يشتركان في عمارة الكون، كلّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله تعالى بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين، في التوحيد والاعتقاد وحقائق الإيمان والثواب والعقاب، وبلا فرق أيضًا في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طَيّبَةً} [النحل:97].
لكن لما قدر الله وقضى أن الذكر ليس كالأثنى في صفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي وقوّة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجبلّة وطبيعةً لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع وتربية جيل الأمة المقبل، ولهذا خلقت الأنثى من ضلع آدم عليه السلام، فهي جزء منه، تابع له ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها وعلى نتاجهما من الذرية؛ كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة الاختلاف بينهما في القوى والقدرات الجسدية والعقلية والفكرية والعاطفية والإرادية، وفي العمل والأداء والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصّل إليه علماء الطبّ الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين.
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تلائم كلّ واحد منهما في خلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية؛ لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها[2].
2- لو حصلت المساواة في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخلقة والكفاية لكان هذا انعكاسًا في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للفاضل والمفضول، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني؛ لما يلحقه من حرمان ثمرة قدرات الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته[3].
3- وبجانب رفض مبدأ المساواة المطلَق فإن هناك قدرًا من المساواة بين الرجل والمرأة، والذي ينبغي أن يطلق عليه لفظ العدل وليس المساواة.
أ- فالمرأة تساوي الرجل في أصل التكليف بالأحكام الشرعية مع بعض الاختلاف في بعض الأحكام التفصيلية.
ب- والمرأة تساوي الرجل في الثواب والعقاب الدنوي والأخروي في الجملة، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
ج- والمرأة تساوي الرجل في الأخذ بحقها وسماع القاضي لها.
د- والمرأة كالرجل في تملكها لما لها وتصرفها فيه.
هـ- وهي كالرجل في حرية اختيار الزوج، فلا تكره على ما لا تريد[4].
الشبهة الثانية: القوامة للرجل دون المرأة:(14/170)
يتخذ أعداء الإسلام من كون الرجال هم القوامين على النساء بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية مجالاً للثرثرة ضدّه، ولتحريض المرأة المسلمة حتى تتمرّد على تعاليمه، فيغمزون الإسلام بأنه لم يسوّ بين الرجال والنساء في مسألة القوامة[5].
الجواب:
1- إن قوامة الرجال على النساء مسألة تفرضها ضرورة الحياة الفضلى من الناحيتين الفطرية والفكرية.
أما الناحية الفطرية فإن الخصائص النفسية المزود بها كلّ من الرجل والمرأة بصفة عامة تؤهّل الرجل بشكل أمثل لتحمّل مسؤوليات إدارة شؤون الأسرة والقيام على رعايتها والتصدي لزعامتها، وفي المقابل نلاحظ أن خصائص المرأة بشكل عام تحبِّب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسندًا وقوة إرادة واستقرارَ عاطفة وحكمة في تصريف الأمور وسلطانًا ترى في الانضواء تحته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة بالها.
ولذلك يلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهرًا في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزِمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذّ عنه نفر قليل اختلّت فيه خصائص الذكورة والأنوثة، وهي حالات شاذّة لا تستحقّ تعديلاً في أصل القاعدة الفطرية.
وأما الناحية الفكرية فإن الحكمة في المجتمعات الإنسانية تقضي بأن يكون لكل مجتمع صغُر أو كبر قيّم يقوده ويدير شؤونه حمايةً له من الفوضى والتّصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيّم تتوافر فيه مؤهّلات القوامَة بشكل أمثل.
2- لدى أهل الفكر في مسألة القوامة داخل الأسرة مجموعة من الاحتمالات:
أولاً: أن يكون الرجل هو القيّم في الأسرة باستمرار.
ثانيًا: أن تكون المرأة هي القيّم في الأسرة باستمرار.
ثالثًا: أن يكون كلّ من الرجل والمرأة قيّمًا على سبيل الشركة المتساوية.
رابعًا: أن يتناوبا القوامة وفقَ قسمةً زمنية.
خامسًا: أن يتقاسما القوامة، بأن يكون لكل منهما اختصاصات يكون هو القيّم فيها.
أما الشركة في القوامة سواء أكانت في كلّ شيء وفي كلّ وقت، أو كانت على سبيل التناوب الزمني، أو كانت على سبيل التقاسم في الاختصاصات، فإنها ستؤدّي حتمًا إلى الفوضى والتنازع ورغبة كلّ فريق بأن يعلو على صاحبه ويستبدّ به، وقد أيّدت تجارب المجتمعات الإنسانية فساد الشركة في الرئاسة.
أما إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل فهو أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما، وهو يؤدي حتمًا إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من عكس لطبائع الأشياء، فلم يبق إلا الاحتمال الأول، وهو أن يكون الرجل هو القيم في الأسرة[6].
3- أهمّ خصائص القوامة المثلى رجحان العقل على العاطفة، وهذا الرجحان متوافر في الرجال بصفة عامّة أكثر من توافره في النساء، لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وحنان عليه وأمومة رؤوم وصبر على تربية الطفولة تترجح لديهن العاطفة على العقل، ولن تكون قوامة مثلى لأيّ مجتمع إنساني صغيرًا كان أو كبيرًا إذا كانت العاطفة فيها هي الراجحة على العقل.
ولئن كان بعض الرجال تتحكّم فيهم عواطفهم أكثر من عقولهم، وبعض النساء تتحكم فيهن عقولهن أكثر من عواطفهن، فذلك أمر نادر لا يصحّ أن تتغيّر من أجله قاعدة عامة[7].
4- ومن مرجّحات إسناد القوامة في الأسرة إلى الرجل أنه هو المسؤول في نظام الإسلام عن النفقة عليها، ومسؤوليته عن النفقة على أسرته تجعله أكثر تحّفظًا واحترازًا من الاستجابة السريعة للشهوات العابرة والانفعالات الحادة الرعناء، بخلاف المرأة في ذلك، لأنها بحكم عدم مسؤوليتها عن النفقة وعن السعي لاكتساب الرزق يقلّ لديها التحفظ والاحتراز، وتكون في أغلب أحوالها ذات استجابة سريعة لشهواتها وانفعالاتها التي قد تتطلب منها نفقات مالية باهظة، أو تدفعها إلى الشحّ المفرط[8].
5- أعطى الإسلام للمرأة حقّ التدخل في اختيار زوجها، وبهذا فهي تختار القيّم عليها، ولها أن تلاحظ فيه المقدرة على القوامة الرشيدة[9].
الشبهة الثالثة: مستلزمات القوامة:
قال الله تعالى: {الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَفِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34].
يتصيّد أعداء الإسلام من قوله تعالى في هذا النص القرآني: {وَاضْرِبُوهُنَّ} شبهةً ينتقدون بها تعاليم الإسلام وأحكامه ليضلّوا بها الأجيال الناشئة من فتيان المسلمين وفتياتهم[10].
الجواب:
1- لما اقتضت الحكمة أن يكون الرجل هو القيّم على زوجته ووليَّ أمرها اقتضت أيضًا أن يكون لكلّ منهما حقوق على الآخر وواجبات نحوه.(14/171)
ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تكون ناشزًا خارجة عن طاعته ما لم يأمرها بما فيه معصية لله، أو هضم لحقوقها التي شرفها الله لها.
وأية مؤسّسة اجتماعية لا بدّ أن يكون في يد صاحب الأمر فيها وسائل يضبط بها نظامَ هذه المؤسسة حتى لا تتعرّض للفوضى، فالفساد، فالتفكّك والانحلال.
وأبرز عناصر وحدة مؤسسة اجتماعية إنما هو عنصر طاعة أعضائها لصاحب الأمر فيها، والخروج عن هذه الطاعة نشوز يجعل المؤسّسة منحلة أو في حكم المنحلّة.
ولما كان في طبائع الناس نزوع إلى التحرّر من قيود الطاعة كانت المؤسسات الاجتماعية الإنسانية عرضة للانحلال والتفكك باستمرار مالم تهيمن على أفرادها الضوابط الاجتماعية المعنوية والمادية، ومن الضوابط الاجتماعية التي تصون وحده الجماعة وسائل التربية والتأديب التي تسمح بها الأعراف الإنسانية الكريمة.
وقد أرشدت الحكمة النظرية والتطبيقية الناس إلى استخدام طائفة من وسائل التربية والتأديب، وهي تتفاوت فيما بينها رغبة ورهبة، ورفقًا وشدّة.
ويختار بعض أولي الأمر أسلوب العنف والقسوة فيفشلون، ويختار بعضهم أسلوب الرفق واللين باستمرار فيتطاول عليهم الباغون المنحرفون، فينزعون منهم سلطانهم.
أما الحكماء العقلاء فيستخدمون الوسائل كلها، إلا أنهم يضعون كلاً منها في موضعه، وبذلك يسلم لهم الأمر، وهذا ما أرشد إليه الإسلام أولياء الأمور بشكل عام[11].
2- لقد أرشد الإسلام إلى استخدام وسائل التربية والتأديب الحكيمة، وجعلها على مراحل:
المرحلة الأولى: الموعظمة، ولها درجات كثيرة، تبدأ بمعاريض القول والإشارات الخفيفة والتلويح، ثم ترتقي إلى لفت النظر والتنبيه والتصريح مع الرفق في الموعظة، ثم التصريح المصحوب بشيء من العنف، ثم الزجر والتعنيف، وأخيرًا قد تصل درجة التوبيخ والإنذار.
المرحلة الثانية: الهجر في المضطجع، وهو أبلغ أنواع الهجر وعقابٌ ليس بالهين على زوجة عاقلة حريصة على زوجها، وللهجر في المضطجع درجات بعضها أقسى من بعض، يعرفها العقلاء الحكماء من الرجال. وجعل الإسلام الهجر لا يزيد على أربعة أشهر: {لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، وبعد ذلك إما أن يعودوا إلى معاشرتهن، وإما أن يكون لزوجاتهم الحقّ بأن يطالبن بالفراق.
المرحلة الثالثة: مرتبة الضرب غير المبرّح الذي لا يصل إلى أدنى الحدود الشرعية.
فغالب الظن أن أي امرأة توجّه لها أشدّ درجات الموعظة فلا تستقيم ثم تهجَر أبلغ أنواع الهجر فلا تستقيم أيضًا، إلا أن تكون مبلّدة الحس سيّئة العشيرة كريهة الطبع، فهي تستحقّ التأديب بالضرب، أو أن تكون كارهة تبغي الفراق لكن لا تصرّح به لغرض في نفسها، فإذا كانت كارهة راغبة في الفراق فإن لديها من الوسائل ما يبلغها مرادها دون أن تكاره الزوج بالنشوز والعصيان، ويمكنها أن تعرب عمّا في نفسها منذ استخدام المرتبة الأولى والثانية.
أما إذا لم تعلن رغبتها بمفارقته فالظاهر من أمرها أنها امرأة إما أن تكون ممن يصلحهن الضرب، أو أن يكون نصيبها الفراق، إلا أن إهانتها بالفراق ووسمها بأنها امرأة لا تصلح للمعاشرة الزوجية أقسى عليها وأشدّ من إهانتها بالضرب غير المبرح[12].
3- بالإضافة إلى ذلك فإن التجاربَ النفسية قد دلت أن بعض الناس مصابون بانحراف نفسي غريب المزاج، يلذ لهم أن يتلقوا معاملة قاسية مؤلمة جسدية أو نفسية، فلا يطيب مزاجهم ولا يعتدلون إلا بالضرب أو ما يشبهه من مؤلمات، وأكثر ما يكون هذا اللون من الانحارف في صنف النساء، ويطلق عليه علماء النفس اسم (الماسوشزم)[13].
4- إن وجودَ التشريع الذي يأذن للزوج بتأديب زوجته بالضرب في آخر المراحل لا يعني أن هذا السلاح سيستخدمه كل زوج، فمعظم الأسر المؤدّبة بآداب الإسلام لا تعرف في حياتها الهجر في المضاجع فضلاً عن الضرب، لأن التربية الإسلامية العامة للرجال والنساء متى ما استوفت شروطها فلا بد أن تجعل الأسر الإسلامية في وضع من الوئام والتفاهم والود لا يسمح بأكثر من استخدام الدرجات الخفيفة من درجات الموعظة التي يشترك فيها كل من الزوجين[14].
الشبهة الرابعة: نقصان العقل والدين:
زعموا أن الإسلام أهان المرأة وجعلها ناقصة عقل ودين، وجعل شهادة نصف شهادة الرجل.
الجواب:
1- ورد هذا الكلام في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو في فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء، تصدقن فإني ريتكن أكثر أهل النار))، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن))، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟!)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها))[15].(14/172)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "بين عليه الصلاة والسلام أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها كما قال سبحانه: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى} [البقرة:282].
وأما نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل هو الذي شرعه عز وجل رفقًا بها وتيسيرًا عليها...
ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضًا دون الرجل في كل شيء وأن الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجل أفضل من جنس النساء في الجملة، لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكثر منها الأعمال الصالحة فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبطها ضبطًا كثيرًا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعًا في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمّل أحاول النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك"[16].
2- أما أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقد جاء معللا في النص القرآني بقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى} [البقرة:282]، والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة، فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معًا على تذكر ملابسات الموضوع كلّه. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية تستدعي مقابلاً نفسيًا في المرأة حتمًا، يستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذه طابعها حين تكون امرأة سوية، بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثير ولا إيحاء، ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال، فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة[17].
3- وما تقدّم هو بالنسبة للشهادة على الحقوق المالية، أما في الأمور الأخرى التي يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية فإن شهادة المرأة فيها مثل شهادة الرجل، وذلك حينما يكون الاعتماد على مجرد الذكاء والحفظ، ومن أجل ذلك قبلت التعاليم الإسلامية رواية المرأة لنصوص الشريعة وأخبارها في التاريخ والعلوم، وساوتها في ذلك بالرجل، وقبلت أيضًا شهادة المرأة الواحدة في إثبات الولادة والرضاع، وجعلتها مثل شهادة الرجل، إلى غير ذلك من أمور يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية[18].
----------------------
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات لأحمد الحصين (232).
[2] حراسة الفضيلة (15-17) باختصار.
[3] حراسة الفضيلة (23).
[4] المرأة وكيد الأعداء. د/ عبد الله بن وكيل الشيخ (22)، وللتوسع انظر: المرأة المسلمة، للشيخ وهبي غاوجي (32-48).
[5] أجنحة المكر الثلاثة لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (597، 601).
[6] أجنحة المكر الثلاثة (559-600) باختصار.
[7] أجنحة المكر الثلاثة (600).
[8] أجنحة المكر الثلاثة (600).
[9] الإسلام في قفص الاتهام، شوقي أبو خليل (235).
[10] أجنحة المكر الثلاثة (602).
[11] أجنحة المكر الثلاثة (603).
[12] أجنحة المكر الثلاثة (603-605) باختصار.
[13] أجنحة المكر الثلاثة (606).
[14] أجنحة المكر الثلاثة (606).
[15] أخرجه البخاري في الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304)، وأخرجه مسلم ف الإيمان (80) بمعناه.
[16] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/292-293).
[17] في ظلال القرآن (1/336).
[18] أجنحة المكر الثلاثة (597) باختصار.
المصدر : موقع المنبر
===================
ثالثًا: تعليم
الشبهة الأولى: الإسلام لا يشجع تعليم المرأة:(14/173)
يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجّع على تعليم المرأة، وأنه يفضّل أن تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل[1].
الجواب:
1- إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5].
ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنها أهم وسائل تثبيت المعرفة ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أظهر الله منته على عباده إذ علم بالقلم، فعلم الإنسان ـ كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى ـ ما لم يعلم.
وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة[2].
2- وقد حرص الإسلام كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصرَ صلاح وإصلاح في مجتمع إسلامي متطور إلى الكمال، متقدم إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد. ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فأذن لها بحضور صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، ورغبها في أن تشهد صلاة العيد وخطبتها حتى ولو كانت في حالة العذر المانع لها من أداء الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجالس العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهن مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال حرصًا على تعليمهن وتثقيفهن وتعريفهن أمور دينهن ومشاركتهن في القضايا العامة[3].
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء أيامًا يجتمعن فيها، ويعلمهن مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودن من العلم ما يخصهن ويتعلق بشؤونهن مما ينفردن به عن الرجال بمقتضى تكوينهن الجسدي والنفسي.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: ((اجتمعن يوم كذا وكذا))، فاجتمعن فأتاهن النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله الحديث[4].
وثبت أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية العدوية علّمت حفصة أم المؤمنين الكتابة بإقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم[5]، وهذه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما كانت من أفقه نساء العالم، كثيرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- والتاريخ الإسلامي حافل بأخبار نساء المسلمين اللاتي بلغن من العلم درجة رفيعة ومكانة عالية، فكان منهن الأديبات والشاعرات والفقيهات. فهذه زبيدة زوجة هارون الرشيد كانت عالمة. وكريمة بنت محمد المروزية جاورت بمكة، وروت صحيح البخاري، وكانت نابغة في الفهم والنباهة وحدة الذهن بحيث يرحل إليها أفاضل العلماء. وزينب بنت أبي القاسم كانت عالمة، أدركت جماعة من أعيان العلماء وأخذت عنهم، وأجازها أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري والمؤرخ ابن خلكان. وعائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد ابن قدامة المقدسي، سمعت صحيح البخاري على حافظ العصر المعروف بالحجار، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وانفردت في آخر عمرها بعلم الحديث. وذكر عبد الواحد المراكشي أنه كان بالربض الشرقي في قرطبة 470 امرأة كلهن يكتب المصاحف بالخط الكوفي. وغير هذا كثير.
فلم يكن الإسلام مانعًا لتعلم المرأة وتقدمها في حضارة الحياة العلمية والعملية، ولم يكن مجحفًا في حقها ومهينًا لكرامتها[6].
الشبهة الثانية : نصوص نهي المرأة عن التعلم:
قالوا: إن من المرويات عن عندكم حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور))[7].
الجواب:
هذا الحديث قد تلكم العلماء في بيان ضعفه وشدّة وهنه لأن في سنده محمد بن إبراهيم الشامي. قال ابن الجوزي: "هذا الحديث لا يصح، محمد بن إبراهيم الشامي كان يضع الحديث"[8]. ونقل الذهبي عن الدارقطني تكذيبة[9]. وقال ابن حجر: "منكر الحديث"[10]. وقال شمس الحق العظيم آبادي: "هو منكر الحديث ومن الواضاعين"[11].
وأما تصحيح الحاكم للرواية التي أخرجها فقد تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "بل عبد الوهاب بن الضحاك متروك، وقد تابعه محمد بن إبراهيم الشامي عن شعيب بن إسحاق، وإبراهيم رماه ابن حبان بالوضع"[12].
وقال شمس الحق آبادي: "وأحاديث النهي عن الكتابة كلها من الأباطيل والموضوعات ولم يصحح العلماء واحدًا منها، ما عدا الحاكم الحافظ أبا عبد الله، وتساهله في التصحيح معروف، وتصحيحه متعقب عليه... ومن قال: إن البيهقي أيضًا صحح حديث النهي وتبعه جلال الدين السيوطي فهذا افتراء عظيم على البيهقي والسيوطي".(14/174)
إلى أن قال: "وخلاصة الكلام أنه لا ريب في جواز تعليم الكتابة للنساء البالغات المشتهيات بواسطة النساء الأخريات أو بواسطة محارمهن، أما البنات غير البالغات وغير المشتهيات فيتعلمن ممن شئن.
وليست الكتابة سببًا للافتتان لأنها إن كانت سببًا للفتنة لما أباحها الشارع، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]، والتي تصاب بفتنة إنما تصاب بأمر غير الكتاب"[13].
قال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: "أما ما يذكر من نهي النساء عن الكتابة فإن الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حقق العلماء بطلانه فسقط الاحتجاج به.
وقول الحق هو أن المرأة كالرجل في تعلم الكتابة والقراءة والمطالعة في كتب الدين والأخلاق وقوانين الصحة والتدبير وتربية العيال ومبادئ العلوم والفنون، من العقائد الصحيحة والتفاسير والسير والتاريخ وكتب الحديث والفقه، كل هذا حسن في حقها، تخرج به عن حضيض جهلها، ولا يجادل في حسنه عاقل، مع الالتزام بالحشمة والصيانة وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب"[14].
--------------------
[1] أجنحة المكر الثلاثة (586).
[2] أجنحة المكر الثلاثة (586-587) باختصار.
[3] أجنحة المكر الثلاثة (588).
[4] أخرجه البخاري في العلم، باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟ (101)، ومسلم في البر والصلة (2634).
[5] أخرجه أحمد (6/372)، وأبو داود في الطب، باب: ما جاء في الرقى (3887)، والحاكم (4/56-57) وصححه، ووافقه الذهبي والألباني في السلسلة الصحيحة (178)، وهو في صحيح سنن أبي داود (3291).
[6] المرأة المسلمة أمام التحديات (62، 64)باختصار.
[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (6/34)، والحاكم في المستدرك (2/396)، والبيهقي في الشعب (2/477)، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".
[8] انظر: عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان، لأبي الطيب شمس الحق آبادي (22).
[9] ميزان الاعتدال (4/445).
[10] تقريب التهذيب (2/141).
[11] عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان (22).
[12] انظر: عقود الجمان (24).
[13] عقود الجمان (34، 36).
[14] المرأة المسلمة أمام التحديات (64-65).
المصدر : موقع المنبر
=================
رابعًا: العمل
الشبهة الأولى: دعوى وجوب عمل المرأة لأنها نصف المجتمع:
يقول المنادون بتحرير المرأة: يجب أن تشتغل المرأة لأنها نصف المجتمع، وحتى يكمل النصف الآخر، فتزداد الثروة الوطنية، وحبسها بين أربعة جدران فيه هدر لكرامتها وشلّ لحركتها وتعطيل لطاقاتها ولنتاجها العلمي والعملي والفكري[1].
الجواب:
1- لا ينازع أحد يفقه أحكام الإسلام في أن عقود المرأة وتصرفاتها التجارية صحيحة منعقدة لا تتوقف على إجازة أحد من ولي أو زوج. ولا ينازع أحد في أن المرأة إذا لم تجد من يعولها من زوج أو أقرباء ولم يقم بيت المال بواجبه نحوها أنه يجوز لها أن تعمل لتكسب قوتها[2].
2- إن المرأة ـ بوجه عام ـ في الإسلام لا يصح أن تكلف بالعمل لتنفق على نفسها، بل على ولي أمرها من أب أو زوج أو أخ أو غيرهم أن يقوم بالإنفاق عليها لتتفرّغ لحياة الزوجية والأمومة، وآثار ذلك واضحة في انتظام شؤون البيت والإشراف على تربية الأولاد وصيانة المرأة من عبث الرجال وإغرائهم وكيدهم، لتظل لها سمعتها الكريمة النظيفة في المجتمع[3].
3- راعى الإسلام طبيعة المرأة وما فطرت عليه من استعدادات، وقد أثبتت الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل. وقد أثبت العلم أن الخلاف شديد بين الرجل والمرأة ابتداء من الخليّة، وانتهاء بالأنسجة والأعضاء؛ إذ ترى الخلاف في الدم والعظام وفي الجهاز التناسلي والجهاز العضلي وفي اختلاف الهرمونات وفي الاختلاف النفسي كذلك، فنرى إقدام الرجل وصلابته مقابل خفر المرأة وحيائها، وجاءت الأبحاث الحديثة لتفضح دعوى التماثل الفكري بين الجنسين، ذلك أن الصبيان يفكرون بطريقة مغايرة لتكفير البنات، وتخزين القدرات والمعلومات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت، ودماغ الرجل أكبر وأثقل وأكثر تلافيف من دماغ المرأة، وباستطلاع التاريخ نجد أن النابغين في كل فن لا يكاد يحصيهم محصٍ، بينما نجد أن النابغات من النساء معدودات في أي مجال من هذه المجالات[4].
4- إن وظائف المرأة الفسيولوجية تعيقها عن العمل خارج المنزل، ويكفي أن ننظر إلى ما يعتري المرأة في الحيض والحمل والولادة لنعرف أن خروجها إلى العمل خارج بيتها يعتبر تعطيلاً لعملها الأصلي ذاته، ويصادم فطرتها وتكوينها البيولوجي.
فخلال الحيض مثلاً تتعرض المرأة لآلام شديدة:
أ- فتصاب أكثر النساء بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن.
ب- ويصاب أكثرهن بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض، وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة الاحتمال، كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها.(14/175)
ح- وتصاب بعض النساء بالصداع النصفي قرب بداية الحيض، فتكون الآلام مبرحة، تصحبها زغللة في الرؤية.
د- ويميل كثير من النساء في فترة الحيض إلى العزلة والسكينة، لأن هذه الفترة فترة نزيف دموي من قعر الرحم، كما أن المرأة تصاب بفقر الدم الذي ينتج عن هذا النزيف.
هـ- وتصاب الغدد الصماء بالتغير، فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم، وينخفض ضغط الدم ويبطؤ النبض، وتصاب كثير من النساء بالدوخة والكسل والفتور أثناء فترة الحيض.
وأما خلال فترة الحمل والنفاس والرضاع فتحتاج المرأة على رعاية خاصة، حيث ينقلب كيانها خلال فترة الحمل فيبدأ الغثيان والقيء، وتعطي الأم جنينها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهضومة جاهزة، ويسحب كل ما يحتاج إليه من مواد لبناء جسمه ونموه حتى ولو ترك الأم شبحا هزيلاً يعاني من لين العظام ونقص الفيتامينات وفقر الدم.
وتضطرب نفسية الأم عادة، وتصاب في كثير من الأحيان بالقلق والكآبة لذلك يجب أن تحاط بجو من الحنان والبعد عن الأسباب التي تؤدي إلى تأثرها وانفعالها، وتنصح بعدم الإجهاد، ويحث الأطباء الأمهات على أن يرضعن أولادهن أطول مدة ممكنة، وفي أغلب الأحوال لا تزيد هذه المدة عن ستة أشهر نتيجة للحياة النكدة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين[5].
5- للمرأة في بيتها من الأعمال ما يستغرق جهدها وطاقتها إذا أحسنت القيام بذلك خير قيام:
أ- فهي مطالبة بتوفير جو الزوجية الندي بالمودة والرحمة، العبق بحسن العشرة ودوام الألفة، {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189].
فليست المرأة متعة جسدية يقصد من ورائها الصلة الجنسية فحسب، بل هي قبل ذلك وبعده روح لطيفة ونفس شريفة، يصل إليها زوجها ينوء كاهله بالأعمال، وتتكدر نفسه بما يلاقيه في عمله، فما يلبث عندها إلا يسيرًا وإذا بكاهله يخف وبنفسه ترفّ، فتعود إلى سابق عهدها من الأنس واللطف، والمرأة العاملة إن لم ينعدم منها هذا السكن فلا أقلّ من أنه يضعف كثيرًا.
ب- وهي مطالبة بالقيام بحق الطفل وحاجاته المتنوعة. فهناك حاجات عضوية من الجوع والعطش والنظافة، وحاجة إلى الأمن النفسي الناتج من الاعتدال في النقد، والمحافظة على الطفل من عواقب الإهمال، وحاجات إلى التقدير الاجتماعي بعدم الاستهجان أو الكراهية وعدم التكليف بما لا يطيق. وهناك الحاجة إلى اللعب، والحاجة إلى الحرية والاستقلال.
ج- وهي مطالبة بالقيام بشؤون البيت العادية، وهي تستغرق جهدًا كبيرًا.
ومن العجيب أن عمل المرأة في البيت يصنف في ضمن الأعمال الشاقة، فهو يتطلب مجهودًا كبيرًا علاوة على ساعات طويلة تتراوح بين 10 و12 ساعة يوميًا.
فهذه جوانب كبيرة لعمل المرأة في المنزل، لا تستطيع الوفاء بها على وجه التمام مع انشغالها الكبير بالعمل[6].
6- من الآثار السلبية على عمل المرأة وخروجها من بيتها:
أ- آثار على الطفل: إن المرأة العاملة تعود من عملها مرهقة متعبة، فلا تستطيع أن تتحمل أبناءها، وقد يدفعها ذلك إلى ضربهم ضربًا مبرحًا، حتى انتشرت في الغرب ظاهرة الطفل المضروب، وظهر من إحدى البحوث التي أجريت على نساء عاملات أن هناك 22 أثرًا تتعلق بصحة الطفل، منها: الاضطرار إلى ترك الطفل مع من لا يرعاه، والامتناع عن إرضاع الطفل إرضاعًا طبيعيًا، ورفض طلبات الأطفال في المساعدة على استذكار الدروس، وترك الطفل المريض في البيت أحيانًا.
إن من أعظم وأخطر أضرار عمل المرأة على طفلها الإهمال في تربيته، ومن ثم تهيئة الجو للانحراف والفساد، ولقد شاع في الغرب عصابات الإجرام من مدخني الحشيش والأفيون وأرباب القتل والاغتصاب الجنسي، وأكثرهم نتاج للتربية السيئة أو لإهمال الأبوين.
ب- آثار سلبية على الزوج، ومنها: مضايقة الزوج بغيابها عن البيت عندما يكون متواجدًا فيه، وإثارة أعصابه بالكلام حول مشكلات عملها مع رؤسائها وزملائها، وتألم الزوج بترك امرأته له وحيدًا في حالات مرضه الشديد، وقلق الزوج من تأجيل فكرة إنجاب طفل آخر وغير ذلك.
ج- آثار سلبية على المجتمع، منها:
- عمل المرأة بدون قيود يساهم مساهمة فعالة في زيادة عدد البطالة، فهي بعملها تكسب مالاً قد يضيع فيما لا فائدة فيه، ويحرم من ذلك المال رجل يقوم على نفقة أسرة كاملة.
- ساهم عمل المرأة مساهمة فعالة في قضية العنوسة، فالمرأة التي ترغب العمل لا توافق على زواج قد يقطعها عن الدراسة التي هي بريد العمل، وإذا عزفت عن الزواج في السن المبكر فربما لا تجد من يتقدم لها بعد ذلك.
- الحد من عدد الأولاد، وذلك أمر طبيعي عند المرأة التي تريد العمل وتحتاج إلى الراحة، وقد وجد من دراسة أجريت على 260 أسرة عاملة أن 67.31% أطفالهن من 1-3، و8.46% أطفالهن من 4-6، و1.92% أطفالهن من سبعة فما فوق[7].
7- أقوال الغربيين في عمل المرأة ونتائجه:(14/176)
يقول الإنجليزي سامويل سمايلس[8]: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه بسلبه الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتبرية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة القرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو ـ غالبًا ـ التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ ألف معرضة للتأثيرات التي تمحو ـ غالبًا ـ التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه
الشبهة الثانية: الاحتجاج بزيادة الثروة القومية:
يحتج المنادون بوجوب اشتغال المرأة بأن اشتغالها يزيد في الثروة القومية للبلاد، وأن البلاد تخسر كثيرًا بقصر عمل المرأة على أعمال البيت، عدا ما فيه من تعويدٍ على الكسل وقتل وقتها بما لا يفيد[12].
الجواب:
1- إن اشتغال المرأة يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيرًا سيئًا، باعتبار أن اشتغالها فيه مزاحمة للرجل في ميدان نشاطه الطبيعي، مما يؤدي إلى نشر البطالة في صفوف الرجال[13].
2- إذا ثبت أن اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة الرجل كان من المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته زوجها أو أباها أو أخاها، فأي ربح اقتصادي للأسرة إذا كان اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة عميدها والمكلف بالانفاق عليها؟![14].
3- إنَّ مصالح الشعوب لا تقاس دائمًا بالمقياس المادي البحت، فلو فرضنا أن اشتغال المرأة يزيد في الثروة القومية، إلا أنه من المؤكد أن الأمة تخسر بذلك خسارة معنوية واجتماعية لا تقدر، تلك هي خسارتها لانسجام الأسرة وتماسكها، فأي الخسارتين أبلغ ضررًا في الأمة: الخسارة المادية أم الخسارة الاجتماعية؟![15].
4- هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية، فهنالك في كل مجتمع فئات معطلة عن الانتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال: إن هذا تعطيل للثروة البشرية ويؤدي إلى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟!
إنَّ حياة الناس ليست كلها تحسب بحساب الربح والخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، لكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الإنسانية.
وليست صيانة الأسرة ورعاية الطفولة وتربية الأولاد بأقل شأنًا في نظر الإسنان الراقي من تلك القيم الأخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت[16].
5- أمَّا من يقول: إن وجود المرأة في البيت يعوّدها الكسل ولذلك تسمن نساؤنا أكثر من الغربيين، فإن هؤلاء لا يعرفون متاعب البيت وأعماله، وكيف تشكو المرأة من عنائه، فما يمسي المساء إلا وهي منهوكة القوى، تروح عن نفسها بالاجتماع إلى جاراتها وصديقاتها. والبنت ما دامت في المدرسة فهي تتلقى العلم فلا يجوز إرهاقها بالعمل معه، وإذا انتهت من المدرسة لا تمكث في بيت أبيها وأمها إلا بمقدار ما تتهيأ للانتقال إلى بيت الزوجية، فهي في هذه الحالة تتلقى دروسًا عملية عن أمها في إدارة البيت، وأعماله وشؤونه، فلا يجوز مع ذلك إرهاقها بالعمل خارج البيت.
فأعمال المرأة في البيت -بنتًا كانت أم زوجة- لا تقل عن أعمالها خارج البيت مشقة وعناءً، وكثيرًا ما تكون أكثر مشقة وإرهاقً[17].
الشبهة الثالثة: الاستعانة بالخادمات في رعاية البيت:
يقول دعاة خروج المرأة من بيتها للعمل: ما تقولون في المرأة إذا أرادت العمل المشروع خارج البيت وجاءت بالخادمة تنوب عنها في عمل البيت وحضانة الأطفال وتربيتهم؟![18].
الجواب:
1- يبقى العمل في حقها محظورًا خارج البيت ما دامت غير مضطرة إليه، ولا يعفيها من ارتكاب هذا المحظور جلب الخادمة، ولا يدفع عنها الإخلال بأداء واجباتها في البيت، لأن تربية الأطفال من قبل أمهم وإحاطتهم بعطف الأمومة وحنانها لا يمكن تحصيله عن طريق الخادمات[19].(14/177)
2- قول هذا المعترض يعني أنه لا يقيم وزنًا ولا اعتبارًا للخادمات، وأنهن في نظره غير جديرات بالرعاية والاهتمام، وأنهن بمنزلة أدنى من غيرهن، ومثل هذا النظر غير صحيح ولا يجوز، لأننا عندما نقول بمنع عمل المرأة خارج البيت فهذا القول حكم عام يشمل جميع النساء الخادمات والمخدومات، فكيف نسوّغ للخادمات العمل خارج بيوتهن وهو محظور عليهن، ونسمح للمخدومات في العمل خارج بيوتهن وهو محظور عليهن؟! وهل هذا إلا من قبيل ارتكاب محظورين للخلاص من محظور واحد؟![20].
3- وجود الخادمة في البيت أو المربية له آثار سلبية كثيرة على الأطفال خصوصا وعلى الأسرة عموم[21].
______________
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (96).
[2] المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي (170).
[3] المرأة بين الفقه والقانون (171).
[4] المرأة بين الجاهلية والإسلام لمحمد الناصر وخولة درويش (225-226) باختلاصار وتصرف يسير.
[5] المرأة بين الجاهلية والإسلام (226-227) باختصار.
[6] تأملات في عمل المرأة د. عبد الله بن وكيل الشيخ (22-26) باختصار.
[7] تأملات في عمل المرأة (35-45).
[8] وهو من أركان النهضة الإنجليزية كما قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله.
[9] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (202).
[10] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (178).
[11] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (179).
[12] المرأة بين الفقة والقانون (192).
[13] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[14] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[15] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[16] المرأة بين الفقة والقانون (194-195).
[17] المرأة بين الفقة والقانون (195-196).
[18] المفصل في أحكام المرأة. د. عبد الكريم زيدان (4/266).
[19] المفصل في أحكام المرأة (4/266).
[20] المفصل في أحكام المرأة (4/266).
[21] تأملات في عمل المرأة (39) وهذه الآثار هي نتائج دراسات أجريت على منطقة الخليج
=================
خامسًا: الولاية والقيادة
الشبهة الأولى: دعاة التحرير وموقعة الجمل:
يقول دعاة تحرير المرأة: إن عائشة رضي الله عنها قادت الجيش الإسلامي في موقعة الجمل، وهذا دليل شرعي على أن المرأة يجوز لها قيادة الجيوش والجهاد كالرجل، ومن ثم احتج دعاة التخريب وطبلوا وزمروا بهذه الحادثة داعين إلى اشتغال المرأة بالسياسة والإدارة وغيرها[1].
الجواب:
1- إن عائشة رضي الله عنها لم يرها أحد، لأنها كانت في هودج وهو الستار الذي يوضع فوق الجمل، فهي لا تُرى ولا يسمع صوتها من داخل الهودج[2].
2- إن عائشة رضي الله عنها لم تقصد بفعلها هذا الاشتغال بالسياسة وأن تتزعم فئة سياسية، ولم تخرج محاربة ولا قائدة جيش تحارب، وإنما خرجت رضي الله عنها لتصلح بين فئتين متحاربتين، وفعل عائشة رضي الله عنها ليس فيه دليل شرعي يصح الاستناد عليه، ففعلها هذا اجتهاد منها رضي الله عنها[3].
3- وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج، وفي مقدمتهم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وكتبت إليها كتابًا بذلك[4].
وكذلك سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، فقد نصحا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعدم خروجها من بيتها، وأن الرجوع إلى بيتها خير لها من خروجها هذا.
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما نصح أم المؤمنين وأمرها بالتزام بيتها وترك الخروج لثأر الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكذلك أبو بكرة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما[5].
4- إذا وجد في التاريخ نساء قدن الجيوش وخضن المعارك فإنهن من الندرة والقلة بجانب الرجال ما لا يصح أن يتناسى معه طبيعة الجمهرة الغالبة من النساء في جميع عصور التاريخ وفي جميع الشعوب[6].
الشبهة الثانية: دعوى أن عمر بن الخطاب ولى امرأة:
ادعى المنادون بجواز تولي المرأة الحكم والقضاء بما نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استعمل امرأة ـ وهي الشفاء ـ على حسبة السوق[7].
الجواب:
قال ابن العربي في هذا الخبر: "لم يصح، فلا تلتفتو إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"[8].
وحاشا عمر أن يعمل عملاً يخالف فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فإن صح الخبر فربما كان الأمر متعلق بالنساء[9].
الشبهة الثالثة: اعتبار النهي للتنزيه:
اعتقد البعض أن النهي عن تولي المرأة للإمامة والقضاء نهي تنزيه، ويعتقد أن توليتها تنفي عمن ولاها الفلاح فقط، وهذا في نظر البعض مسألة سهلة وهينة[10].
الجواب:(14/178)
هذا من المكابرات العظيمة والأخطاء الجسيمة، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)) نفي لكل الفلاح عمّن اتصف بهذه الصفة، ومعنى الفلاح الفوز بالجنة والبقاء فيها ورضا الرب سبحانه وتعالى عن العبد، هذا من الناحية الدينية، أما في الأمور المعاشية فمعناه الظفر المطلوب والنجاة من المرهوب. فأيّ خسارة للأشقياء الذين نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم الفلاح؟! وأي نجاح بعد هذا يؤملون؟! ولو لم يكن في ذلك خسران إلا مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى محذرًا عن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63][11].
--------------------
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[2] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[3] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[4] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[5] انظر تفصيل ذلك في المرأة المسلمة أمام التحديات (109-111).
[6] المرأة بين الفقه والقانون (41).
[7] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، الأمين الحاج محمد أحمد (48).
[8] الجامع لأحكام القرآن (13/183).
[9] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (48).
[10] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49).
[11] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49-50).
المصدر : موقع المنبر
================
سادسًا: الاختلاط
شبهات حول المرأة .. سادسًا: الاختلاط
الشبهة الأولى: حديث الفارسي:
استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارسيًا كان طيب المرق، فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء يدعوه، فقال: (وهذه؟) لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا)، فعاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟) قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا)، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟) قال: نعم، في الثالثة. فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله [12].
قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق [13].
الجواب:
1- هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-اصطحب عائشة معه إلى بيت الرجل الفارسي، وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة -رضي الله عنها- خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي عليه الصلاة والسلام.
فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟! [14].
2- أمَّا أن يرفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة -رضي الله عنها- فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل خلقه -صلى الله عليه وسلم- مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار لطعام، وإنَّما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء [15]، أفيترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أهله -وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به- ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ليرضى بذلك.
وأمَّا أن يكون في ذلك ما يدل على أنَّ عائشة -رضي الله عنها- ذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب [16].
الشبهة الثانية: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي:
عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: لمَّا عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور [17] من حجارة من الليل، فلمَّا فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطعام أماثته له [18]، فسقته تتحفه بذلك [19].
قالوا: فالحديث يدل على أنَّه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام [20].
الجواب:
1- لقد علم الفقهاء وعلماء المسلمين جميعًا أنَّه لا ضير في أن تتقدم المرأة بِسرتها الإسلامي الكامل فتقدم إلى ضيوف في دارها طعامًا أو شرابًا تكرمهم به وزوجها أو قريبها جالس. وهذا هو الذي وقع من امرأة أبي أسيد في حفل عرسه.(14/179)
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أنَّ محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر" [21].
وليس كثيرًا في حفل يحضره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن تكرم العروس مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتولى بنفسها إكرام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقديم الضيافة إليه، وليس في ذلك ما يشينها، كما أنَّه ليس فيه ما يلصق به عليه الصلاة والسلام أي: منقصة.
وإنَّما الشين واقع فيما لو عثر المتعلق بهذا الحديث على أنَّها برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث [22].
2- لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الرجحى ويسقين العطاش ومنهن أم سليم -رضي الله عنها-، فمن قال: إنَّ ذلك دليل على أنَّ المرأة لا حرج عليها في أن تختلط بالرجال كما تشاء وأن تتزين كما تريد؟!
إنَّ قول القائل: «قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال" ليس إلا كقول الآخر: "لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغبن» [23].
الشبهة الثالثة: الاختلاط في التعليم للصغار:
ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار بحجة أنَّ ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أنَّ المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار [24].
الجواب:
1- إنَّ هذه الخطوة يتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلًا، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثاتبة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع [25].
2- إنَّ فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه [26].
3- إنَّ الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة.
فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذا السن بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذا السن، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة.
وبالتجربة فإنَّ بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سن الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا أو أكثر وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سن المراهقة [27].
4- إذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا واللواط بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهن في حدود الثانية عشرة من أعمارهن، وكثرة الشذوذ بين الجنس الذكري، تقول اللادي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة» [28].
وذكر الأستاذ سيد قطب من مشاهداته في أمريكا أنَّه ظهر أنَّ نسبة الفتيات الحوامل في إحدى المدارس الثانوية هناك 48% [29].
5- ومن نتائج الاختلاط في التعليم ضعف سوية التعليم وتدني نسبة الاستفادة العلمية، ومن يزور بعض الفروع الجامعية المختلطة أو ينظر في نتائج الامتحانات آخر العام الدراسي يتبين له ذلك.
وقد زار بعض الكتاب مدرسة في بلجيكا ولاحظ أنَّ جميع طلابها بنات، فلمَّا سأل عن ذلك أجابته المديرة بقولها: «قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية» [30].
ويخمّن القاضي لندسي الأمريكي أن 45% من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيرًا في مراحل التعليم العالية [31].
الشبهة الرابعة: الاختلاط يخفف الشهوة:
يدعي دعاة الاختلاط أنَّ اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة [32].
الجواب:
1- الأمر بالعكس تمامًا، فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أنَّ اختلاط الرجل بالمرأة غير المحرمة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أنَّ هذا الدافع يخف تدريجيًا ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك، إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما ما دام أنه سوي في صحته الجسمية والعقلية [33].(14/180)
ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط بدون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا. وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من تسعين في المائة من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا إما بطلاقة أو من حين لآخر [34].
2- قد يكون ما يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروضون من دعاة التهذيب، ولكن أي شيء يمكن أن يسمى هذا الذي يسعون إليه؟ أليس هو البرود الجنسي؟! إذا رأى الرجل المرأة فلم يثِر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء ولم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية أليس يكون قد بلغ ما يسمى بالبرود الجنسي؟! أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء يلتمسون عندهم البرء والشفاء من أعراضه؟! فكيف نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا التهذب في سائر الخلق، فبطل تجاذب السالب للموجب أو فتر، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما الشوق الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل، أليس يفسد الكون كله؟!
إنَّ حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفات.
ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي وهي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أنَّ الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم ممَّا يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في الخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكروته من وجه آخر [35].
3- من نتائج الاختلاط عند الغرب بأقلام علمائهم:
يقول الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو: إنَّ 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي و40% من الرجال مصابون بالعقم، وقال: إنَّ الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، وبسبب الاختلاط الذي سبب ما سبب في المجتمع البريطاني أصبحت المرأة التي تركت أنوثتها واتصفت بصفات الرجالات تسمى بالجنس الثالث، فهذا الجنس الثالث يخالف الرجال طبيعة وتركيبًا ويخالف النساء وظائف وأعمالً [36].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا،،،
________________
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[2] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[3] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[4] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[5] انظر تفصيل ذلك في المرأة المسلمة أمام التحديات (109-111).
[6] المرأة بين الفقه والقانون (41).
[7] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، الأمين الحاج محمد أحمد (48).
[8] الجامع لأحكام القرآن (13/183).
[9] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (48).
[10] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49).
[11] حكم تولي المراة الإمامة الكبرى والقضاء (49-50).
[12] أخرجه مسلم في الأشربة (2037).
[13] ماذا عن المرأة؟ (171).
[14] إلى كل فتاة تؤمن بالله (71).
[15] أخرجه البخاري في الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها (2567)، ومسلم في الزهد والرقائق (2972).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (72-73) باختصار.
[17] إناء يكون من نحاس وغيره، وبين هنا أنه من حجارة. فتح الباري (9/160).
[18] أي: مرسته بيدها. فتح الباري (9/160).
[19] أخرجه البخاري في النكاح، باب: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس (5182)، ومسلم في الأشربة (2006).
[20] ماذا عن المرأة (171).
[21] فتح الباري (9/160).
[22] إلى كل فتاة تؤمن بالله (76-77).
[23] إلى كل فتاة تؤمن بالله (77).
[24] مهلًا يا دعاة الاختلاط، د. محمد بن ناصر الجعوان (30).
[25] مهلًا يا دعاة الاختلاط (28).
[26] مهلًا يا دعاة الاختلاط (29).
[27] مهلًا يا دعاة الاختلاط (37-38).
[28] مهلًا يا دعاة الاختلاط (39-40).
[29] انظر: المرأة المسلمة. وهبي غاوجي (238).
[30] المرأة المسلمة (238-239).
[31] المرأة المسلمة (242).(14/181)
[32] عوامل الانحراف الجنسي ومنهج الإسلام في الوقاية منها وعلاجها. عبد الرحيم صالح عبد الله (117).
[33] عوامل الانحراف الجنسي (117-118).
[34] عوامل الانحراف الجنسي (118-119).
[35] الإسلام في قفص الاتهام. شوقي أبو خليل (243-245) باختصار وبعض تصرف.
[36] الإسلام في قفص الاتهام (246-247)
==================
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام حول ميراث المرأة
بدأت في أوروبا خلال الفترة الأخيرة هجمة شرسة ضد الإسلام ، فقد صدر أخيرًا آلاف الكتب التي تهاجم الدين الإسلامي ، وسبب هذه الهجوم أن عدد الذين يعتنقون الإسلام في دول أوروبا زاد زيادة كبيرة ، وشعرت أوروبا بنوع من الخطر تجاه هذه الزيادة
أدلة العدوان على الإسلام :
ومن الأدلة على العدوانية الغربية التي تستهدف الإسلام وأهله قديمًا وحديثًا ، ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" في كتابه الأخير "اقتناص اللحظة " ص : 195 " : " يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يكون قوة جغرافية متعصبة ومتراصة ، وأن نمو عدد أتباعه ، ونمو قوته المالية سوف يفرضان تحديًا رئيسيًا ، وأن الغرب سوف يضطر لتشكيل حلف جديد مع موسكو من أجل مواجهة عالم إسلامي معاد وعنيف " .. ويضيف نيكسون : " إن الإسلام و الغرب على تضاد ، وأن المسلمين ينظرون إلى العالم على أنه يتألف من معسكرين لا يمكن الجمع بينهما ، دار الإسلام ودار الحرب " . ، وأنه بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي ، وانحلال حلف "وارسو " جرى تصعيد متعمد للعدوانية الغربية ضد الإسلام ، حتى إن مدير معهد " بروكنغر " في واشنطون " هيلموت سونفيل " يقول : " إن ملف شمال الأطلسي سوف يعيش ، وأن حلف الغرب سيبقى مجموعة دول لها قيم أساسية مشتركة ، وستبقى هذه المجموعة متماسكة معًا من خلال الشعور بخطر خارجي من الفوضى أو التطرف الإسلامي " .
ويقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "هنري كيسنجر" في إبريل سنة "1990م "في خطابه أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الدولية : " إن الجبهة الجديدة التي على الغرب مواجهتها هي العالم الإسلامي ، باعتبار هذا العالم العدو الجديد للغرب ، وأن حلف الأطلسي باقٍ رغم انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب في أوروبا ، ذلك أن أكثر الأخطار المهددة للغرب في السنوات القادمة آتية من خارج أوروبا ، وفي نهاية التسعينيات فإن أخطر التحديات للغرب ستأتي من ناحية الجنوب ـ أي المغرب العربي ـ والشرق الأوسط " .
سلاح العدوان على الإسلام :
وهنا أخذت أوروبا بتجنيد المستشرقين ليكتبوا ضد الإسلام ، فالإستشراق لم يكن في أي وقت من الأوقات مجرد بحث علمي كما ينظر إليه بعض المتساهلين ، بل يخدم بدرجة أولى ونهائية موقف التعبئة الشاملة لدراسة " العدو الإسلامي " ، والنفاذ إليه " فالقلم والفكر والسلاح " كلها مداخل أساسية اعتمد عليها الاستعمار التقليدي والجديد على حد سواء لتطويق العالم الإسلامي ، وفرض الهيمنة عليه ، ولذلك ما إن انتهت مرحلة الاستعمار القديم وأنماطه حتى ظهر نجم الإستشراق الذي لا يعيش إلا في ظل الحرب ، ولكنه تحول إلى قطاعات ووسائل أخرى تتصل بميادين التبشير والإعلام ، وهذا ما يفسر لنا الحملات الشعواء التي يرفعها الإعلام الغربي باستمرار على الإسلام والمسلمين ، أو المطبوعات الغزيرة التي تنهض بها الجامعات بنية إثارة الشكوك والتشويه .
وتركيز المستشرقين في الهجوم على الإسلام يتم من ناحية المرأة في كثير من النواحي ، فقد حاول أعداء الإسلام النيل من نظام الإرث ومهاجمته ، واستدلوا في هجومهم على أن المرأة ظلت فيه مظلومة ؛ لأن للذكر مثل حظ الأنثيين ، واستغلوا هذه القسمة وادعوا على الله كذبًا أنها قسمة غير عادلة ، وأن الإسلام قد فضل فيها الإبن على حساب حق البنت ، وأن ذلك يتنافى مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام ، ولذلك ظهرت في عالمنا الإسلامي حركات التحرر والسفور ، تريد بها المرأة رفع ما وقع عليها من ظلم ، سواءً أكان ذلك حقيقة أو شعورًا خاصًا بها ، وتسعى لنيل ما حُرمت منه من حقوق ، إما أن يكون الدين قد كفلها لها ، وإما أن تكون حقوقًا رأت غيرها من النساء نالتها ، أو تسعى لنيلها بصرف النظر عن مشروعيتها ، وتبغي بحركتها هذه المساواة مع الرجل في كل ما يتمتع به من حقوق أو في أغلبها على حسب ما تراه هي .
ومن المؤسف أن بعض الدول الإسلامية الحاضرة جرت وراء التقليد واستجابت لصيحات النساء المتحررات ، فقضت بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث ، وهو خروج على أمر الله ليس له فيما أعلم أية شبهة يمكن الاستناد إليها ، وقد مرت قرون طويلة على المسلمين ، وهم لا يبغون بشرع الله بديلاً .
مهاجمة نظام المواريث الإسلامي :(14/182)
إن أعداء الإسلام الذين يهاجمون نظام الإرث في الإسلام ، ويدعون أن المرأة مظلومة ؛ لأن للذكر مثل حظ الانثيين ، فهذا ادعاء باطل ومردود عليه ، ولم يقصد به إلا الهجوم غير القائم على أساس من منطق أو تفكير ، فنظام الإرث في الإسلام نظام مثالي ، فهو إذ يقرر للمرأة نصف نصيب الرجل ، فإنه قد حقق العدالة الاجتماعية بينهما .
فالمرأة قديمًا كانت تباع وتشترى ، فلا إرث لها ولا ملك ، وإن بعض الطوائف اليهودية كانت تمنع المرأة من الميراث مع إخوتها الذكور ، وإن الزوجة كانت تباع في إنجلترا حتى القرن الحادي عشر ، وفي سنة " 1567م " صدر قرار من البرلمان الاسكتلندي يحظر على المرأة أن يكون لها سلطة على شيء من الأشياء .
أما عرب الجاهلية فقد وضعوا المرأة في أخس وأحقر مكان في المجتمع ، فكانت توأد طفلة وتُورَث المرأة كما يورث المتاع ، وكانوا لا يورثون النساء والأطفال
رفعت مرسي طاحون
==============
هذه القضايا تهم المرأة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم أمَّا بعد:
فهذا عرض يسير لبعض القضايا التي يحصل اللبس في فهمها من الرجل أو المرأة على السواء ، والتي تحتاج لتوضيح ، ودفع الفهم الخاطئ لها، حاولت الاختصار في عرضها ونقاشها ، لتكون سهلة المنال ، ميسرة للفهم ، واضحة المعنى ، سائلاً ربي التوفيق والسداد ، وإليه الاستناد ، وعليه الاعتماد.
* هل المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟
والجواب عن ذلك : أنَّ المرأة مساوية للرجل في الإنسانية وفي أغلب تكاليف الإسلام وفي جزاء الآخرة كما قال تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}وكذا في الموالاة والتناصر؛ ولذا قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(النساء شقائق الرجال)أخرجه أحمد(6/256)وأبوداود في الطهارة(236) من حديث عائشة، وصحَّحه الألباني في الصحيحة(2863). ولكن الإسلام مع ذلك نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها كالجهاد في سبيل الله، أو لعدم ملاءمتها للمرأة كملابس الإحرام، فأسقطها عنها. ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة للمناصب العامة كالخلافة والقضاء ؛ لذا يقول رسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ (لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة)، وأمَّا ما يورده بعضهم أنَّ الإسلام ظلم المرأة في إعطاء الذكر من الميراث ضعفيها ، فإنَّه يقال لهؤلاء: مادام أنَّه تعالى قد شرع ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ولا يعترض عليه كما قال تعالى:(ويسلِّموا تسليما) ثمَّ إنَّ الله مادام قد خلقنا فلا اعتراض عليه لقوله تعالى (لا يُسئل عمَّا يفعل وهم يسألون)وقد قال تعالى:(ألا له الخلق والأمر)فما دام الشرع من عنده تعالى فينبغي على عبيده الاستسلام والخضوع لأمره، ويقال كذلك : إنَّ الشريعة الإسلامية لم تعط المرأة أقل من الرجل في جميع المورايث ، فإنَّه في العصبات قد تستحقُّ المرأة نصف الميراث أو أكثر ، فليست المواريث مطَّردة في إعطاء المرأة أقلَّ من الرجل ، ومما يجاب على ذلك بأنَّ الشريعة فرضت للذكر مثل حظِّ الأنثيين ؛ لأن الرجل هو القوَّام على المرأة ، والمتولي شؤونها فيما تحتاجه، فالقضية ليست للتفضيل الذي لا يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين المسؤوليات.
ولقد بان حقاً أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة الفكرية ، أو المخزون المعلوماتي ، فللفطرة التي ركَّبها الله فيها جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الإدارات لها ؛ فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل ، ولكنَّهنَّ يطالبن بإجازات وضع الحمل ، ورعاية أطفالهنَّ ، فأين إذاً دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!
إنَّ المرأة خُلقت من نفس واحدة ، إذ كان وجودها الأول مستنداً لوجود آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى ذلك فقال: { خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(الزمر:6).
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قوَّاماً عليها ، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، كما قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء:34).(14/183)
فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير متحققة؛ لأنَّ الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً، وشرعاً منزلاً ثانياً، تمنع من ذلك منعاً باتاً ، ولهذا يقول تعالى في محكم التنزيل :{وللرجال عليهنَّ درجة} يعني في الحقوق الزوجية ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لعن المتشبه من النوعين بالآخر. ولا شك أنَّ سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية التي لا يمكن أن تتحطَّم.
كما نص القرآن على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، في قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...} (البقرة:82)، فالله الذي خلقهما لا شك أنَّه أعلم بحقيقتهما، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة.
قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..} (النساء:32)(وانظر بتوسع:أضواء البيان للشنقيطي5/169)
ومن جميل ما أختم به هذه القضيَّة ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ للمرأة المسلمة:(احذري تهوُّس الأوربية في طلب المساواة بالرجل ، لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاَّق ، ولكنَّ الحلاَّق لم يجد اللحية!) وحي القلم(1/264)
* هل النساء ناقصات عقل ودين ؟
قبل البدء بمناقشة هذه القضيَّة يحسن عرض حديث من أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ في الموضوع ذاته ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ، أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار ، فقالت امرأة جزلة منهنَّ: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍّ منكنَّ . قالت: يا رسول الله ! وما نقصان العقل والدين؟قال: أمَّا نقصان العقل ؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين).
[معنى الجزلة:أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتكفرن العشير: أي تنكرنَ فضله]
وقد اختلف كثير من المعاصرين خصوصاً حيال توضيح نقص العقل والدين ، وكان منهم من خضع للروح الغربية ، فسرت في نفسه مظاهر الهزيمة الداخلية ، وبدأ يفسِّر الحديث على حسب ما يفهم ، من خلال الروح الانهزامية الدخيلة ، وبعضهم ادَّعى زوراً على رسول الله بأنَّ مقصده من ذلك الممازحة للنساء اللواتي كان يمازحهن في حديثه هذا ، فكان ذلك من قبيل المباسطة والمداعبة لهنَّ ليس إلاَّ ! وهذا زعمٌ غير لائقٍ في حقِّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو في مقام التبليغ والنصح للأمَّة.
أمَّا الذين هداهم الله ووفقهم لذكر الصواب في هذه القضية فهم السواد الأعظم ـ ولله الحمد ـ من أهل العلم، وقد كانت تفسيراتهم موافقة لمراد رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في إيراده لهذا الحديث، أمَّا من حاول المناكفة والجدل في ذلك على غير الفهم الصحيح ، وبخاصَّة من النساء المتحررات من ربقة العبودية لله ، فيحلو لي أن أذكر قصَّة حدثت قبل فترة في مجلس حاشد جمع أكابر أهل العلم والثقافة ؛ حيث إنَّ الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ كان في أحد المؤتمرات يحاضر حول بعض قضايا الإسلام ، وبعد أن انتهى من ذلك ، قامت امرأة معترضة عليه وقد كانت تحمل شهادة عالية في أحد التخصصات النادرة ، حيث قالت: أوضح لي يا سيدي كيف قال الرسول:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين..) وأنت ترى بأمِّ عينيك إلى المستويات التي وصلنا لها من التخصصات الصعبة والنادرة ، وسنصل فيما بعد إلى أعلى من ذلك ، فأجابها الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ :صدقت ! لكن حين قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(ما رأيت من ناقصات عقل ودين) كان بخطابه ذاك يقصد نساء الصحابة أما أنت وأمثالك ؛ فلا عقل ولا دين!!
أمَّا عن تفسيرات العلماء لهذا النص النبوي فقد جاءت على عدة معانٍ مختلفة ، واختلافها من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ومن ذلك:(14/184)
1ـ أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بيَّن في الحديث أنَّ نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها ، وأنَّ شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنَّها قد تنسى أو تزيد في الشهادة ، ولهذا قال تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والضلال هنا فسَّره أهل العلم بأنَّه النسيان ، والمرأة معروفة بطبيعة الحال بأنَّها في التفكير والإبداع قد تكون أقوى من الرجل لأنَّها تستغل التفكير بالعقل الأيمن المتجه للإبداع والمهارات الابتكارية ، ولكنَّها في الحفظ واستذكار المعلومات فهي قليلة الضبط لها ، وأكثر نسياناً من الرجل ؛ وذلك لطبيعة الفطرة التي ركَّبها الله فيها، ولذا قال تعالى :( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).وأمَّا سبب نقصان دينها فلأنَّها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم، ولا تقضي الصلاة (فهذا من نقصان الدين). ومما ينبغي التنبيه إليه أنَّ المرأة غير مؤاخذة على هذا النقصان ؛ لأنَّ ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم ، وفطرهنَّ عليه ، رفقاً بهن وتيسيراً لأمرهن .
2ـ وقال بعضهم إنَّ ممَّا يُفهم من هذا الحديث أنْ تكون المرأة ، بطبيعتها الأنثوية أنقص عقلاً من زوجها ، لتستطيع أن تخلب لبَّه ، وقد جاء في حديث آخر:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ) ولذا فقد تفعل المرأة بعض الأشياء ، لتحبِّب زوجها فيها من حسن تبعلها له ، وحسن تدللها، لينجذب لها ، ويميل لحبها ، وقد وصف العرب النساء بهذه الخاصِّيَّة فقال شاعرهم:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا
لهذا فالمرأة طَبَعَهَا الله على ذلك لتؤدي دورها في الحياة الزوجية ، كما أنَّ الرجل جبله الله على الخشونة والقيام بأمور زوجه ، لتتعادل الحياة الزوجية ما بين الخشونة والنعومة ، ويؤدي كلٌّ من الزوجين دوره تجاه الآخر، لهذا كانت المرأة تحبُّ الزينة والتجمل والحلي ، ومن كانت هذه غالب اهتماماته الدنيوية ، فإنَّه سيكون عقله منشغلاً بها عن غيرها من الاهتمامات الأخرى، للتصدر للناس في الدعوة والتربية والتعليم ؛ ومما يدلُّ على ذلك قوله تعالى :(أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) فطبيعة من نشأ في الجو المخملي والمترف ، ومن يبحث عن الأزياء و(الموضة)وأدوات التجميل ،أن يكون أكثر تفكيره وطلبه متَّجهاً لذاك الشيء ، ولا يعير اهتماماً لهموم أخرى إلاَّ ما رحم الله ، وإن كان قد ذكر التأريخ الإسلامي قديماً وحديثاً من النساء اللواتي سطَّرن بأقلامهنَّ ، أو بدعوتهن وتوجيههن ، أو بدمائهن ، ما يفتخر المسلمون به ، ويفاخرون به الأمم ،ولا ريب أنَّ المرأة المسلمة لعبت دوراً كبيراً في الدعوة إلى الإسلام والتعلم ، والجهاد من أجله.
3ـ أنَّ المرأة تمرُّ بفترات وتغيُّرات جسدية قد تعاني منها كثيراً،وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها ، وقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية هذا ، وأنَّ له تأثيراً شديداً على نفسية المرأة ، ممَّا يعرِّضها للإصابة بالإحباط ، وقلَّة التركيز والكسل ، واضطراب الذاكرة ، كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها ، وتصيبها بالقلق ، والوهن ، وتغير المزاج ، والتوتر ، والشعور بالوحدة ، وثقل الجسم.
4 ـ العقل جاء لعرض الآراء ، واختيار الرأي الأفضل ، وآفة الاختيار الهوى والعاطفة ، والمرأة بطبعها تتحيز إلى العاطفة وتتميز بها ، فهي معرضة للحمل ، واحتضان الوليد ، فالصفة الغالبة عليها العاطفة وهذا مفسد للرأي ؛ ولهذا فهي تحكم على الأشياء متأثرة بعواطفها التي جُبلت عليها،فكانت النساء ناقصات عقل ؛لأنَّ عاطفتهنَّ أزيد . وأكبر دليل على عاطفة المرأة تحمُّلها لمتاعب الحمل والولادة ، وصبرها على رعاية طفلها، ويصعب على الرجل أن يتحمل ما تتحمله المرأة في ذلك.
ولهذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يأمر بمراعاة مشاعر المرأة ؛ لأنَّها رقيقة ، وعاطفتها تجيش بسرعة وتندفع بقوة ، وحين كان حادي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يحدو في سفره وهو يسوق ليروِّح عن الناس تعبهم وعن الإبل جهدها ، ناداه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً له: (يا أنجشة رفقاً بالقوارير) فشبَّه رسول الله ـ صلّىَ الله عليه وسلَّم ـ النساء بأنَّهن قوارير، مراعاة لعواطفهنَّ ومشاعرهنَّ.
أمَّا عن نقصان دينها ؛ فلأنَّ المرأة تُعفى من فروض وواجبات لا يعفى منها الرجل ، فهي تعفى من الصلاة في دورتها الشهرية ، وتعفى كذلك من الصيام وقت حيضها ، أو حملها ورضاعها ، وتعفى من الجهاد ، وصلاة الجمعة ، والجماعة في المسجد، فصارت تكاليف المرأة الدينية أقلَّ من تكاليف الرجل الدينية ، وذلك تقدير من الله لجِبِلَّتِها التي فُطِرَت عليها، وصدق الله حين قال:(للرجال نصيب ممَّا اكتسبوا وللنساء نصيب ممَّا اكتسبن)النساء(32)(14/185)
وممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ وصف المرأة بهذا الوصف لا يعني ذلك نفيه عن بعض الرجال ، وأنَّهم لا يمكن أن يوصفوا به ، فهناك الكثير من الآيات القرآنية التي نفت العقل عن كبراء القوم ، وعظمائهم من المنافقين والكفار، لتنكبهم صراط الله المستقيم ، وإيثارهم الزائلة الفانية ، على الدائمة الباقية، فهم ناقصو عقول ، ومنعدمو دين ـ عياذا بالله من ذلك ـ
* هل الإسلام يدعو إلى ضرب المرأة وانتهاك كرامتها؟!
والجواب عن ذلك أنَّ الإسلام لمَّا بيَّن حقوق الزوجين ، وما يراعيه كلٌّ منهما في حقِّ الآخر، بيَّن أنَّ المرأة إذا بدأت منها علامات النشوز ، فليكن موقف الزوج تجاهها عادلاً ، فلا تأخذه الأهواء أو النزعات الانفعالية ، فإنَّ هذا موكل لترتيبات الشارع الحكيم ، في علاج تلك المشكلة ، فلا يكون الضرب أو الطلاق أولها ، ولذا كانت مراتب التأديب كما يلي:
1ـ الوعظ بلا هجر ولا ضرب : قال تعالى : (واللاَّتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ...) أي فَيُذَكَّرن بكتاب الله ، وحقوقهنَّ على أزواجهنَّ ، فإن أبت الزوجة ، ولم ينفع معها الوعظ والتذكير ، فينتقل إلى المرتبة الثانية.
2ـ الهجر في المضاجع : قال تعالى:(واهجروهنَّ في المضاجع...) وذلك بأن يولِّيها ظهره في المضجع ، أو ينفرد عنها في فراش يخصه ، كما يجوز له أن يهجرها فترة طويلة ؛ فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه هجر نساءه شهراً ، ولهذا جوَّز أهل العلم هجر الزوج لزوجه أكثر من ثلاثة أيام بسبب عذره الشرعي لنشوز المرأة ، وترفعها عنه كما ذكره الإمام الخطابي في معالم السنن ، وغيره من أهل العلم.
وهذا يخص من أحاديث النهي العامة التي تنهى عن هجر المسلم لأخيه المسلم أكثر من ثلاث ، كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) أخرجه البخاري.
3ـ الضرب: كما قال الله تعالى:(واضربوهنَّ) ولا يكنْ ذلك بداية علاج الداء ، وليكن هو آخره ؛ فإنَّ آخر العلاج الكي، ولذا كان القول الحقُّ من أقوال العلماء أن لا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها ، كما هو مذهب الإمام أحمد ، وقول ابن عبَّاس ، وغيرهم كثير من أهل العلم .
ثمَّ إنَّ الضرب للزوجة ، ليس على إطلاقه بل له عدَّة شروط:
أ ـ أن تصرَّ المرأة على النشوز والعصيان.
ب ـ أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير.
ج ـ أن يراعي الرجل ، مقصوده من الضرب ، وأنَّه للعلاج والتأديب لا غير ، فينبغي التخفيف منه بقدر الإمكان ، ويتحقق ذلك كما ذكره أهل العلم (باللكزة ونحوها أو بالسواك) ولهذا وصَّى رسول الرحمة محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أمَّته في حجة الوداع قائلاً:(...اتَّقوا الله في النساء ، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله ، وإنَّ لكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهنَّ ضرباً غير مبرح) وقد عدَّ الألوسي الضرب غير المبرح بأنَّه(الذي لا يقطع لحماً ، ولا يكسر عظماً) روح المعاني(5/562)
ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه ، ولم يكن لها علاج إلا الضرب ، بأن يتقي الله في ضربه . قال عطاء : قلت لابن عبَّاس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال: السواك ونحوه.ويتجنَّب المواضع المخوفة كالرأس والبطن ، وكذا الوجه ؛ فإنَّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن ضرب الوجه نهياً عاماً، ولذا ذكر المحققون من أهل العلم ، كالنووي بأنَّ الرجل لو ابتلي بضرب زوجه ، وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها ، بأنَّ زوجها يجب عليه الغرم ؛ لأنَّه كما قال النووي تبيَّن بأنَّ ذلك منه للإتلاف لا للإصلاح.
وقد أخرج أبو داود من حديث معاوية بن حيدة القشيري ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ! ما حقُّ زوجة أحدنا عليه ؟ قال:(أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبِّح ، ولا تهجر إلاَّ في البيت)أخرجه أبو داود وصحَّحه ابن الملقن في البدر المنير(8/289) وكذا قال الألباني:(حسن صحيح) في صحيح سنن أبي داود/صـ402.
فهذا هو موقف الإسلام من قضية ضرب المرأة ، وليس كما يمثِّله العلمانيين ، والذين يقولون إنَّ الإسلام يأمر بضرب المرأة وإهانتها ، أو المنهزمون الذين ينفون ذلك عن الإسلام بروح الهزيمة لقلَّة تضلعهم بعلم الشريعة ، واطَّلاعهم على النصوص التي تعرضت لذلك ، آخذين نصَّا مبتسراً من عدة نصوص من الكتاب والسنة ، مع عدم ذكر سباق النص ولحاقه ، ليتضح المعنى ، وتبين الصورة .
ولا يعني ذلك أنَّ الرجل إذا استخدم هذا العلاج الأخير مع زوجه أنَّه يكرهها ، أو يكنُّ لها حقداً ؛ كلاَّ...فالرجل قد يضرب ابنه على معصية ارتكبها ، وابنه من أحبِّ الناس إليه ، لكنه فعل ذلك لأجل حبِّه لابنه ، فيكون رجلاً مستقيماً على دينه ، ومرضياً عند ربه.(14/186)
* هل من المعقول أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان،لأنَّ الله يقول عن النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم) ويقول عن الشيطان (إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)؟!
والحقُّ أنَّ هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على قولين:
1ـ أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان لظاهر نصِّ الآية؛ وممن اختار هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ؛ حيث يقول في كتابه المذكور(2/217):(كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ، والآية المذكورة هي قوله:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)فقوله في النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم)وقوله في الشيطان(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)يدلَّ على أنَّ كيدهن أعظم من كيده.
ويضيف الشيخ ـ رحمه الله ـ : قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة قال : قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(إنَّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ؛ لأنَّ الله تعالى يقول:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ) وقال تعالى:(إن كيدكن عظيم) ا.هـ وقال الأديب الحسن بن آية الحسني الشنقيطي:
ما استعظم الإله كيدهنه إلاَّ لأنهن هنَّ هنه)ا.هـ
2ـ الرأي الآخر يرى أنَّ المسألة تحتاج لتوضيح، وتبيين ما في الآيتين من فروق ومن ذلك:
أ ـ أنَّ الظاهر لا مقابلة بين العظيم والضعيف.
ب ـ الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسهنَّ ، وبالنسبة للشيطان للعموم.
ج ـ كيد الشيطان كان ضعيفاً ؛ لأنَّه يمكن دحره والتخلص منه بالاستعاذة ، أو الأذان ، أو ذكر الله عموماً، وكيد النساء عظيم ؛ لأنه من الصعب طردها!
دـ أنَّ قوله تعالى:(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفا) فالآية تقابل بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان ، فمن الذي سيكون كيده ضعيفاً؟لا شكَّ أنَّه الشيطان ، فكيد الشيطان بالنسبة لأولياء الله الصادقين ضعيف لا يقدر عليهم، كما أخبر الله تعالى (إنَّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فمن كان يسنده القوي فأنَّى يضعف؟!
أمَّا ما ورد في سورة يوسف ، فالمقابلة بين كيد المرأة وكيد الرجل، ولا شكَّ أنَّ كيدهنَّ أعظم من كيد الرجل ـ والقصص في ذلك كثيرة جداً ـ وجاء وصف كيدهنَّ على العظمة المطلقة مبالغة في تحقيق ذلك الوصف فيهنَّ، وقد نبَّه على هذه النقطة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في بعض دروسه وشروحاته والله أعلم .
فيتبين أن الراجح ـ والله أعلم ـ أنَّ كيد المرأة ليس أقوى من كيد الشيطان ، فقد وصف الله كيد المرأة في سياق معين ، ووصف كيد الشيطان في سياق معين ، وكيد الشيطان أعظم من كيد المرأة ، لأنَّ كيد المرأة جزء من كيد الشيطان ، ولكن ذكر بعض أهل العلم أنّ كيد الشيطان عن طريق الوسوسة ، بينما كيد المرأة عن طريق المباشرة ، والمواجهة وهذا يكون له أعظم الدور في التأثير على المقابل.
وليس يعني ذلك أنَّ هذا الكيد يعدُّ مظهراً من مظاهر القوَّة ، بل هو من مظاهر الضعف كما بيَّنه الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي ؛ فكيد المرأة لا علاقة له بكيد الشيطان بحال من الأحوال ، لأنَّه أسلوب الضعيف الذي يحاول أن ينال حقَّاً ، لا يستطيع الوصول إليه صراحة .
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
خباب بن مروان الحمد
==================
شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام
يكثر الحديث في هذه الأيام عن حقوق المرأة وحريتها حيث يحاول العلمانيون أن يشوهوا صورة المرأة في الإسلام ويظهروها وكأنها مسلوبة الحقوق مكسورة الجناح ، فالإسلام بنظرهم فرّق بينها وبين الرجل في الحقوق وجعل العلاقة بينهما تقوم على الظلم والاستبداد لا على السكن والمودة، الأمر الذي يستدعي من وجهة نظرهم قراءة الدين قراءة جديدة تقوم على مراعاة الحقوق التي أعطتها الاتفاقيات الدولية للمرأة ومحاولة تعديل مفهوم النصوص الشرعية الثابتة كي تتوافق مع هذه الاتفاقيات .
في البدء من المفيد الإشارة إلى أن الإسلام كان ولا زال سباقاً فى إعطاء الإنسان حقوقه كاملة ، فأهلية التملك ثابتة للجنين في بطن أمه ومنذ أن يولد يكون عضواً كاملاً في المجتمع ، يحتمل ويحمل يملك ويهب وَفْقَ قواعد معينة ، وإن كان صغيراً يتولى عنه وليه ذلك ، وستبقى كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدوية : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ " ، وستبقى القاعدة الفقهية قائمة : "الحُرُّ لا يقع تحت اليد"، فالإنسان له حق الحياة وحق الإرث وحق الاعتقاد وحق التملك وكثير من الحقوق التي نادت بها جماعات وطّبقتها على بعض الناس دون بعض .(14/187)
إن الدعوة إلى تعديل التشريعات السماوية ليست دعوة حديثة بل هي من طروحات التي رُوج لها منذ مطلع القرن الحالي وهي لا تخرج عن إطار الطروحات الغربية التي يدعو لها المستشرقون وحكوماتهم ، وقد انبرى علماء الإسلام منذ تلك الفترة إلى الرد على هؤلاء بردود لا تزال تصلح لهذا اليوم لأنها ما تغيرت وما جاءت بجديد ، ومن العلماء الذين ردوا على المستشرقين وأسيادهم وأتباعهم الدكتور علي عبد الواحد وافي والدكتور مصطفى السباعي و الدكتور البهي الخولي وغيرهم رحمهم الله تعالى دنيا وآخرة .
ولقد ردَّ العلماء على كل من سوَّلت له نفسه التهجم على الدين عبر الدعوة إلى إعادة النظر في تشريعه المستمد من الكتاب والسنة وعبر المطالبة بفتح باب الاجتهاد في مسائل يرى المهاجمون أن الزمن قد تعداها ، ومن هذه المسائل :
حق تأديب المرأة ولا سيما ضربها .
صيغة الطلاق المعطاة للرجل .
سلطة الزوج ( القوامة ) .
تعدد الزوجات .
الإرث
الشهادة
وسنقوم بعرض لهذه الأفكار ومن ثمَّ الرد عليها إن شاء الله ، ولكن في البداية لا بد من توضيح النقاط العامة التالية :
-1- إن الإسلام نظام عالمي لكل الأزمنة والأمكنة وأي إساءة في استخدام هذا التشريع لا تعود للتشريع نفسه وإنما تعود للأشخاص الذين يسيئون فهمه أو يجهلون أحكامه ،" فالإسلام أقام دعامته الأولى في أنظمته على يقظة ضمير المسلم واستقامته ومراقبته لربه ، وقد سلك لذلك سبلاً متعددة تؤدي ، إذا روعيت بدقة وصدق ، إلى يقظة ضمير المسلم وعدم إساءته ما وُكِلَ إليه من صلاحيات وأكبر دليل على ذلك أن الطلاق لا يقع عندنا في البيئات المتدينة تديناً صحيحاً صادقاً إلا نادراً ، بينما يقع في غير هذه الأوساط لا فرق بين غنيِّها وفقيرها " .
من هنا فإن إساءة استعمال التشريع الرباني لا يقتضي إلغاءه وإعادة النظر فيه وإنما يقتضي منع تلك الإساءة عبر تنشيط الوازع الديني الذي يؤدي إلى ذلك.
-2- إن فتح باب الاجتهاد الذي يتستر وراءه البعض هو أمر غير مقبول لكون الذين يدعون لهذا المطلب أصحاب أهواء يفتقدون لأدنى صفات المجتهد من جهة ولكونهم يهدفون إلى ضرب النصوص الشرعية الثابتة في القرآن والسنة خدمة لمصالح غربية معلنة في إعلانات عالمية تهدف إلى تقويض عرى الأسرة الإسلامية من جهة أخرى ، وهذا واضح في "إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " الذي أورد في مادته السادسة عشر أهم أسس تساوي الرجل والمرأة والتي منها:
"أ – نفس الحق في عقد الزواج .
ب- نفس الحق في حرية اختيار الزوج ، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل .
ج- نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه .
د- نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة ، بغض النظر عن حالتها الزوجية ، في الأمور المتعلقة بأطفالها ؛ وفي جميع الأحوال ، تكون مصالح الأطفال هي الراجحة .
هـ- نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر ، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق .
و- نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ، أو ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية …
ز- نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة.
إن هذه البنود تخالف الشريعة الإسلامية في معظمها إلا في البند ( ب ) الذي ينص على حرية المرأة في اختيار الزوج ، أما في باقي البنود فإنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي أعطت للمرأة والرجل حقوقاً أثناء الزواج تقوم على المبادئ التالية :
1- المساواة : قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف ) ، إي أن كل حق وواجب للمرأة يقابله حق وواجب للرجل ، وكلما طالبها بأمر تَذَكَّر أنه يجب عليه مثله ، عدا أمر واحد هو القوامة ، وتقسم الواجبات حسب طبيعة كل منهما.
2- القوامة : معناها القيام بشؤون الأسرة ورئاستها وحماية أفرادها وسيتم الحديث عن هذا الموضوع فيما بعد إن شاء الله تعالى .
3- التشاور في شؤون الأسرة ويستمر التشاور حتى بعد الطلاق في شؤون الأولاد .
4- التعامل بالمعروف وحسن المعاشرة لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف )
5- على المرأة حضانة طفلها في سنواته الأولى والإشراف على إدارة البيت والخدم وطاعة زوجها في المعروف.
6- على الزوجين التعاون في تربية الأولاد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ).
7- على الرجل معاونة زوجته في أعمال البيت ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاون زوجاته .(14/188)
هذا باختصار تلخيص لحقوق المرأة أثناء الزواج كما يقره الإسلام ، أما المطالبة بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل التي يدعو إليها بعض دعاة التحرر من أتباع الإعلانات العالمية فيعود لجهلهم بحقوق المرأة في الإسلام وتجاهلهم للاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة مما دفعهم إلى اعتبار أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تماثل لا علاقة تكامل ، فتجدهم يصدِّقون ما يقوله غيرهم عن حرمان المرأة في الإسلام من حقوقها ، أو يصدقون ما يقوله المستشرقون من ضرورة تأويل النصوص التي لا تتوافق مع الواقع الراهن رافعين بذلك شعار " تاريخية النصوص " أو شعار "التعبير عن واقع حال " بهدف تحويل المضامين وإلباسها اللباس الغربي ، وهكذا تصبح قوامة الرجل على بيته وحقه في تأديب زوجته الناشز وحقه في الطلاق مجرد "عبارات تاريخية " أساء الفقهاء تأويلها بهدف "تقييم دور الرجل ".
وبالعودة إلى الردود الجزئية على الطروحات العلمانية نقول ما يلي :
-1- حق تأديب الزوجة ولا سيما ضربها
يستند الداعون إلى إبطال صيغة الضرب الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أن قاعدة حق تأديب المرأة " ولا سيما ضربها هي عبارة تاريخية كان لها فعالية جمّة لنقل الذهنية الجاهلية من قتل المرأة إلى التساؤل حول ضربها " وليست قاعدة شرعية .
وللرد على هذا الأمر نورد في البداية بعض الآيات والأحاديث التي ذكرت هذا الأمر ، ثم نورد بعد ذلك الرد إن شاء الله تعالى ، يقول عز وجل :
{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً } .
ويقول عليه الصلاة والسلام في حَجَّة الوداع : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هنَّ عوانٌ عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ، إلا أن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون ولا يأْذَنَّ في بيوتكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) .
والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها يأخذون من الآية ما يريدون فقط وهي كلمة الضرب وينسون التسلسل الذي ورد في الآية حيث ورد في البداية مدحٌ للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج ومن ثَمَّ ورد ذكر الناشز ، فالكلام إذاً يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء ، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات ، فما دام " يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة ، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة ، لأنها بذلك تُؤثِر هدم الأسرة على هذا الإجراء وهذا ليس شأنه شريعة الإسلام المنزلة من عند الله " .
والواقع أن " التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفِطَر ويقضي به نظام المجتمع ، وقد وَكَلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء كما وكلته من الأمم إلى الحكام ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة . وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعاً من هذا التأديب في نظر المهاجمين وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال " .
قال تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } .
إضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط بكونه ضرباً غير مبرح وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق ، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة ، كالسواك ونحوه .
ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج ، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز ، لم تنفع معها الموعظة والهجر ، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجاً لتفادي الطلاق ، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعيٍ وإدراكٍ لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة .
إن سعي بعض الداعي لإبطال مفعول آية الضرب تحت حجة المساواة لن يفيد في إيقاف عملية الضرب إذ إن المراة ستبقى تُضرب خِفْية كما يحصل في دول العالم الغربي الحافل بالقوانين البشرية التي تمنع الضرب ، وتشير إحدى الدراسات الأميركية التي أجريت عام 1987 إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء … ( هذا عام 87 فكيف النسبة اليوم ) ويقدر عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام بستة ملايين امرأة .(14/189)
فإذا كان هذا العدد في تزايد في تلك الدول التي تحرّم الضرب ، فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العدد مع أن شريعتنا تبيح الضرب ؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تُقَدَّر بضوابطها وكما قال تعالى في نهاية الآية : { فإن أطعنكم فليس لكم عليهن سبيلاً } .
-2- صيغة الطلاق المعطاة للرجل
يعترض كثير من المعاصرين على كون الطلاق بيد الرجل ويرون في التشريع التونسي حلاً حيث جاءت المادة 31 منه لتقول : " إن المحكمة هي التي تعلن الطلاق بناء لطلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر ويُقضى لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن الطلاق " .
ويرى أنصار هذا القانون "أنه أكثر ملاءمة باعتباره أكثر إنصافاً . إنه يحرر المرأة من حق يتمسك به الزوج ، أصبح جائراً جداً بحقها " .
والواقع أن هذه الطروحات حول الطلاق لا تخرج كثيراً عن ما يدعو إليه علماء الغرب وأتباعهم من الكتاب الذين يريدون بذلك تنفيذ القانون المدني الفرنسي ، وهنا من المفيد الإشارة إلى النقاط التالية :
-1- إن قبول الزوجين الارتباط الإسلامي يفرض عليهما الالتزام بأحكام الشرع التي لا تخلو من بعض الحقوق التي يمكن للزوجة الخائفة على نفسها من الزوج أن تحمي بها نفسها كأن تجعل العصمة بيدها وأن تشترط في عقد الزواج شروطاً خاصة .
-2- إن حصر الإسلام الطلاق في يد الزوج إنما يعود لعدة أسباب أهمها كونه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية فهو الذي يجب عليه المهر والنفقة لمطلقته ولعياله طوال فترة العدة والحضانة ، هذا الأمر يجعله أكثر ضبطاً لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئاً.
-3- إن حصر الطلاق بيد الزوج وعدم إعلانه للقاضي إلا في حالات قصوى إنما يعود لمبدأ التستر الذي يدعو إليه الإسلام لأن " معظم أسباب الطلاق تتمثل في أمور لا يصح إعلانها ، حفاظاً على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها ومستقبل بناتها وبنيها " .
كما أن حصر الطلاق بيد القاضي أمر أثبتت التجارب عدم جدواه وذلك من نواح عدة منها :
1- الفشل في التقليل من نسب الطلاق وهذا أمر أثبتته إحصائيات الطلاق التي سجلت في تونس حيث أن العدد لم ينقص بل على العكس من ذلك فلقد ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً " رغم أن المبرر الذي قُدِّم لانتزاع سلطة الطلاق من يد الزوج وإيكاله إلى القاضي هو حماية الأسرة بإتاحة فرصة للقاضي ليراجع فيها الزوجين ويحاول الصلح بينهما، فإن الواقع يثبت أن نسبة المصالحات الناجحة ضئيلة جداً، فمن بين 1417 قضية طلاق منشورة في المحكمة الابتدائية بتونس في الموسم القضائي 80-81 لم يتم المصالحة إلا في عشر منها ، بينما كان الاعتقاد أن تعدد الزوجات وجعل العصمة الزوجية بيد الرجل وعدم تغريمه لفائدة الزوجة هي الأسباب الرئيسية للطلاق وأن القضاء عليها سيقلل من نسب الطلاق ، والإحصائيات تثبت أن شيئاً من ذلك لم يحدث " .
2- لجوء بعض المحاكم الغربية التي تتوكل بنفسها أمور الطلاق في محاولة منها إلى خفض نسبة الطلاق إلى رفض التطليق إذا لم يكن بسبب الزنى لذلك كثيراً ما يتواطأ الزوجان " فيما بينهما على الرمي بهذه التهمة ليفترقا ، وقد يلفقان شهادات ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة بالطلاق.
فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق بالكرامة ؟ أن يتم الطلاق بدون فضائح ؟ أم أن لا يتم إلا بعد الفضائح ؟ " .
-3- سلطة الزوج ( القوامة )
يعترض المخالفون للشريعة الإسلامية على مبدأ القوامة الذي يطلق البعض عليه لفظ "قيمومية " قاصدين بذلك تعريف القوامة بأنها " تقييم دور الرجل " ، فيتساءلون: " إن هذه الحقوق الممنوحة للزوج والتي تدعم هذه السلطة أعطته إياها النصوص القرآنية أو أنها تشكل تحديداً " لحالات واقعية " تترجم فكرة " الدور " الخاص بالرجل والذي لا بد من حمايته ؟" .
إن التخليط في فهم مفهوم القوامة إنما يعود لاعتبارهم رئاسة الرجل على المرأة رئاسة تقوم على الاستبداد والظلم ، بينما هي في الحقيقة رئاسة رحمة ومودة وحماية من الخوف والجوع ، إنه لو كان في الأمر استبداد وتسلط من الرجل على المرأة لكان يحق للرجل أن يمد يده إلى مال زوجته أو يمنعها من أن تتاجر بمالها والإسلام يمنعه من ذلك ، أو أن يجبرها على تغيير دينها والمعروف ان الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج النصرانية واليهودية مع احتفاظ كل منهما بدينه .
إن هذه القوامة مبنية على كون الرجل " هو المكلف الإنفاق على الأسرة ، ولا يستقيم مع العدالة في شيء أن يكلَّف فرد الإنفاق على هيئة ما دون أن يكون له القيام عليها والإشراف على شئونها ، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة ، ويلخص علماء القانون الدستوري هذا المبدأ في العبارة التالية : " من ينفق يشرف " أو " من يدفع يراقب " .(14/190)
هذا هو الأصل ، الزوج ملزم بالعمل والمرأة ليست كذلك ، إذا أحبت عملت وإذا كرهت جلست ، وما أجمل ما قالته إحدى الكاتبات المشهورات " أجاتا كريستي " حيث قالت : " إن المرأة مغفلة : لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً ، يوماً بعد يوم ، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق ، لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية للحصول على حق العمل … والمساواة في العمل مع الرجل، والرجال ليسوا أغبياء فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج .
ومن المحزن أننا أثبتنا ، نحن النساء، أننا الجنس اللطيف ، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجَهْدِ والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده " .
-4- تعدد الزوجات
يعترض أنصار حقوق المرأة على نظام تعدد الزوجات الذي يقره الإسلام ويعتبرون أن فيه إهداراً لكرامة المرأة وإجحافاً بحقها واعتداءً على مبدأ المساواة بينها وبين الرجل ، إضافة إلى أن في هذا الأمر مدعاة للنزاع الدائم بين الزوج وزوجاته وبين الزوجات بعضهن مع بعض فتشيع الفوضى ويشيع الاضطراب في حياة الأسرة ، ولذلك هم يَدعون إلى التأسي بتركيا وتونس اللتان ألغتا نظام التعدد وفرضتا نظام آحادية الزواج ، مع أن هؤلاء الأشخاص لو اطلعوا على إحصاءات المحاكم في هاتين الدولتين لبدلوا رأيهم أو بعضاً من آرائهم .
إن أبرز نتائج إلغاء نظام التعدد نورده على لسان الغربيين أنفسهم الذين يؤكدون على الخلل الذي أصاب المجتمع نتيجة تزايد عدد النساء بشكل عام حيث تزايد هذا العدد إلى ثمانية ملايين امرأة في أميركا، وقد أرسلت فتاة أميركية اسمها " ليندا " رسالة إلى مجلس الكنائس العالمي تقول فيها :"إن الإحصاءات قد أوضحت أن هناك فجوة هائلة بين عدد الرجال والنساء فهناك سبعة ملايين وثمانية آلاف امرأة زيادة في عدد النساء عن عدد الرجال في أميركا ، وتختم رسالتها قائلة : أرجوكم أن تنشروا رسالتي هذه لأنها تمس كل النساء ، حتى أولئك المتزوجات ، فطالما أن النسبة بين الرجال والنساء غير متكافئة ، فالنتيجة الأكيدة هي أن الرجال سيخونون زوجاتهم ، حتى ولو كانت علاقتهم الزوجية قائمة على أساس معقول " .
إن تزايد عدد النسوة عن عدد الرجال له مبررات عدة منها ما هو طبيعي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو خاص .
أما المبررات الطبيعية فتتمثل في القوانين التي تخضع لها الفصيلة الإنسانية فيما يتعلق بالنسبة بين الذكور والإناث ، فيما ترجع أهم المبررات الاجتماعية إلى أمرين : أحدهما يعود إلى أعباء الحياة الاجتماعية وتوزيع الأعمال بين الجنسين وكل ذلك يجعل الذكور أكثر تعرضاً للوفاة من الإناث وأقصرَ منهن أعماراً ، وثانيهما أن الرجل لا يكون قادراً على الزواج بحسب الأوضاع الإجتماعية إلا إذا كان قادراً على نفقات المعيشة لزوجته وأسرته وبيته في المستوى اللائق به...على حين أن كل بنت تكون صالحة للزواج وقادرة عليه بمجرد وصولها إلى سن البلوغ .
بينما تتمثل المبررات الخاصة فيما يطرأ أحياناً على الحياة الزوجية من أمور تجعل التعدد ضرورة لازمة فقد تكون الزوجة عقيماً ، أو قد تصير إثر إصابتها بمرض جسمي أو عصبي أو بعاهة غير صالحة للحياة الزوجية .
فأي الأمور أصلح للزوجة أن تَطَلَّق وهي مريضة تحتاج إلى العناية والاهتمام وينعت الرجل حينذاك بالصفات الدنيئة من قلة الوفاء والخِسَّة ، والمثل المعروف يقول "أكلها لحمة ورماها عظمة " أم يكون من الأشرف للزوجة أن يتزوج عليها مع احتفاظها بحقوقها المادية كافة ؟
إن نظام التعدد نظامٌ اختياريٌ وليس إجبارياً وهو لا يكون إلا برضا المرأة ، هذا الرضا الذي يحاول كثير من الناس أن ينزعه عن الفقه الإسلامي مدعين بأن الإسلام حرم المرأة من حقها في اختيار الزوج ، إلا أن نظرةً إلى هذا الفقه تشير إلى اتفاق الفقهاء على أن المرأة البالغة الثيّب يُشترط إذنها ورضاها الصريحين قبل توقيع العقد ، وهذا النوع من النساء هن في الغالب من يرتضين أن يكن زوجات ثانيات ، أما المرأة البالغة غير الثيِّب فقد اتفق الفقهاء على أن سكوتها المنبئ عن الرضا يجزئ في صحة العقد ، أما إذا كان هناك قرينة على رفضها فهناك خلاف بين الفقهاء ، يقول الأحناف أنه لا يجوز لوليها أن يزوجها ، بينما قال الشافعية أنه يجوز لولي الإجبار وهو ( الأب أو الجد ) أن يزوجها ولكن بشروط منها :
1-أن لا يكون بينه وبينها عداوة .
2-أن يزوجها من كفء ، والكفاءة معتبرة في الدين والعائلة والمستوى الاجتماعي .
3- أن يكون الزوج قادراً على تسليم معجل المهر .
كل هذا يصح به العقد وإن كان يفضل أن يتخير لها الولي من ترتضيه.
أما بالنسبة للزوجة الأولى فإن الإسلام لم يحرمها رضاها بالزوجة الثانية إذ أباح لها الإسلام إذا كرهت زواج زوجها عليها أن تشترط ذلك عند العقد ، فتحمي بذلك نفسها من التجربة .(14/191)
هذا من وجهة النظر الشرعية أما من ناحية الواقع فإن " الإحصاءات التي تنشر عن الزواج والطلاق في البلاد العربية الإسلامية تدل على أن نسبة المتزوجين بأكثر من واحدة نسبة ضئيلة جداً لا تكاد تبلغ الواحد بالألف .
والسبب في ذلك واضح ، وهو تطور الحياة الاجتماعية ،وارتفاع مستوى المعيشة،وازدياد نفقات الأولاد في معيشتهم وتعليمهم والعناية بصحتهم " ، إضافة إلى خوف الزوج وخاصة المتدين من عدم العدل بين الزوجات ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ( خديه ) ساقط ) .
وفي ختام موضوع تعدد الزوجات نؤكد على أن طرح رفض تعدد الزوجات إنما يخدم أهدافاً غربية تقوم على تحديد النسل بغية إضعاف أمة الإسلام وتقليل عدد أبنائها بحيث لا يشكلون قوة لا يستهان بها في المستقبل .
5-الإرث
إن المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء أمر غير غريب على الإسلام بل إن بوادر هذا الأمر بدأت منذ نزول الوحي ، فقد جاء في إحدى الروايات عن أسباب نزول الآية 32 من سورة النساء في قوله تعالى : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ) أن أم سلمة رضي الله عنها قالت " يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث " .
فلأول وهلة قد يبدو أن الإسلام ظلم البنت إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب ، إلا أن هذا الأمر ينافي الواقع إذ إن الإسلام كلف الرجل بما لم يكلف به المرأة فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل ، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات ، فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك ، فنصيب الابن " معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة ، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا" .
أما حجة نساء اليوم بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية ، هذا القول هو أمر مرفوض شرعاً حتى لو اتفق الزوجين على كتابة شرط عمل المرأة في العقد صح العقد وبطل الشرط بخلاف بعض القوانين الغربية ومنها القانون الفرنسي الذي يشترط مساهمة الزوجة في النفقة .
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ليست قاعدة مطردة ، لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما .
6- الشهادة
تطالب الجمعيات النسائية بتعديل القانون اللبناني منسجماً مع الاتفاقيات الدولية التي تدعو إلى إعطاء المرأة الأهلية الكاملة في مركزها وحقوقها القانونية ، وهم يرون أن الإسلام يقف عائقاً أمام تساوي الرجل والمرأة في الشهادة معتبرين أن " قضية الشهادة هذه منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، وأنها مظهر آخر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية" وللرد على مزاعمهم نؤكد على أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليست مطلقة بل هي تختلف من حالة إلى أخرى ، وهي على أقسام :
1- شهادة التي لا يقبل فيها شهادة المرأة مطلقاً وهي شهادة القصاص والحدود ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها.
2- شهادة المبايعة والمداينة وهي التي يُطلب فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بناء على قوله تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما تذكر إحداهما الأخرى )
وهذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزاً عبثياً وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة ، حيث أن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة أكثر من الرجل للضلال الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر ، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة مما يعرضها لعدم الثبات.
3- شهادة اللعان التي تتساوى فيها شهادة الرجل وشهادة المرأة كما في حال اللعان، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية ، قال تعالى : (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) .(14/192)
4- شهادة الولادة وإحقاق النسب للمولود والرضاعة كلها شهادات التي تنفرد فيها المرأة دون الرجل ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب . فجاءت امرأة وقالت : "لقد أرضعتكما " فسأل عقبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف وقد قيل ؟ ففارقها عقية ، فنكحت زوجاً غيره " .
يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد ، هو أمر خاص في المداينة فقط دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة ومما ينفي المساس بكرامة المرأة بل جُلَّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه .
الخاتمة
إن الإسلام أعطى المرأة حقوقاً وفرض عليها واجبات يجب عليها مراعاتها عندما تطالب بأي حق يمكن أن لا يتناسب مع ما فرضه عليها الإسلام ، من هذه الحقوق تلك التي تطالب الاتفاقيات الدولية بها والتي يتعارض تطبيقها مع الشريعة الإسلامية في عدة نواح منها:
1- كونها لا ترضي المرأة المسلمة لأن جُلَّ ما تطالب به من حقوق قد مارستها المرأة المسلمة منذ أربعة عشر قرناً .
2- إن الحقوق التي شرعها الإسلام للمرأة هي ثابتة لأنها موثقة بآيات قرآنية وبأحاديث نبوية شريفة وهي بالتالي ملزمة للرجل والمرأة على حد سواء .
3- إن هذه الاتفاقيات أغفلت ناحية هامة هي الناحية الروحية والعقائدية .
4- إن حقوق المرأة في الاتجاهات الدولية هي حقوق غير ثابتة لأنها من وضع الإنسان .
5- إن هذه الاتفاقيات بمجمل موادها أغفلت الخصائص المميزة لكل شطر من شطري النفس الواحدة أعني الذكورة والأنوثة والاختلافات الجسدية والفيزيولوجية منها .
في الختام ، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يثبت المرأة المسلمة على دينها ويهديها إلى ما يحاك لها من مؤامرات تهدف إلى تدميرها عبر تدمير أسرتها ودفعها إلى مخالفة فطرتها، فالاتفاقيات الدولية لا تهتم بسعادة المرأة أو شقائها وإنما تهتم بقضايا أكبر تطال الدول الكبرى التي وضعتها والتي من أهمها تحديد النسل في الدول النامية حتى لا تشكل في المستقبل قوة تشكل خطراً عليها ، وهذا الأمر أكد عليه " هنري كيسنجر " مستشار الرئيس الأميركي الأسبق عام 1974م. عندما قال : "إن هناك 13 دولة من بينها ست دول مسلمة ذات كثافة سكانية عالية وللولايات المتحدة فيها مصالح سياسية واستراتيجية ، لهذا لا بد من تنفيذ سياسات لخفض سكانها حتى لا تصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن " .
هذا ما يخطط لنا فهل من يسمع أو يعتبر ... والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
الفهرس
القرآن الكريم
كتب السنة النبوية الشريفة .
1-الدكتور مصطفى السباعي ، المراة بين الفقه والقانون ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1404هـ ، 1984م.
2- الدكتورة سامية عبد المولى الشعار ، أسس حرية المراة في التشريع الإسلامي ، دار الفلاح للنشر، الطبعة الأولى ، 1420هـ ، 1999م.
3- الدكتورة سامية عبد المولى الشعار ، بحث تحت عنوان " منهجية في التقارب ما بين الفقه الإسلامي وقوانين الحوال الشخصية " .
4- محمد رشيد العويد ، من أجل تحرير حقيقي للمراة ، دار ابن حزم ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1413هـ ، 1993م.
5- الشيخ راشد الغنوشي ، المراة بين القرآن وواقع المسلمين ، المركز المغاربي للبحوث والترجمة ، لندن ، الطبعة الثالثة ، 1421هـ ، 2000م. .
6- فدى عبد الرزاق القصير ، المراة السملمة بين الشريعة الإسلامية والأضاليل الغربية ، مؤسسة الريان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1420هـ ، 1999م.
7- الدكتور علي عبد الواح وافي ، المرأة في الإسلام ، دار نهضة مصر للطبع والنشر ، القاهرة ، الطبعة الثانية .
د. نهى قاطرجي
==================
رسالة إلى المرأة
رسالتي هذه إلى المرأة،الأم الرؤوم الحنون،والزوجة العفيفة المصون،والأخت والابنة الغالية اللؤ المكنون.رسالة إلى صانعة الرجال،إلى مربية الأجيال.رسالة إلى جالبة العظماء ومقدمة الشهداء.
تحية طيبة عطرة نقية سلام الله عليك ورحمته وبركاته أما بعد:
مما لا شك فيه ان المرأة في المجتمع كالقلب في الجسد إذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله. ولمّا رأيت تلك الهجمة الشرسة وتلك الضربات الموجعة للمرأة للمرأة المسلمة عامة والشرقية العربية خلصة لزم التنويه:
أختي في الله لقد نصب دعاة التحرير والتغريب شراكهم للإيقاع بك ووجهوا اسهمهم نحوك للإيقاع بك ،حقدا وحسدا من عند أنفسهم ، لقد أكلهم الكره أكلا لمّا رأوا تكريم الإسلام لك أختي وهنا مربط الفرس "تكريم الإسلام" تعالي أختي نناقش هذه المسألة بمنطق عقلي:
ما المسألة : "يقولون أن الإسلام حرر المرأة وكرمها دون سائر الأديان ولكنه في حقيقة الأمر استعبدها واستبقاها خادمة للرجل" هذه هي المسألة إذا فلنحرر المرأة ولكن مهلا أي تحرير تقصدون يا سادة؟:
يردون قائلين:(14/193)
أولا: أن تخلع النسوة حجابهن فهو رمز للتخلف والتأخر وأن للمرأة أن تساير الموضة.
ثانيا: أن تتعلم جنبا إلى جنب مع الرجل.
ثالثا: أن تعمل فأي المجالات شاءت.
فهذا هو التحرر وياله من تحرير.أن تتحرر المرأة بخلع الحجاب،ومال الحجاب ومال الحرية-ألم أقل إنه حقد وكره- هل سيعوق الجلباب والخمار وأحيانا النقاب تلك الحرية ام ماذا؟أم أن هذه الأشياء تكبلها؟وإذا خلعتها هل هي حرة؟ هيهات هيهات وكيف ذلك؟
عندما خلعت المرأة حجابها وتنازلت عن جلبابه وخمارها ونقابها أصبحت تركض وراء المموضة وتلهث خلفها،ظهر الفستان الفلاني في المكان كذا ولون الشعر هذا يقدمه المحل ذاك وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا.... فأصبحت لعبة في يد مصمم أزياء ومصفف شعر وهوس صاحب محل وثقافة استهلاكية جامحة،بل الأدهى والأمر عندما تخلت المرأة المسلمة عن حجابها كان ولابد وأن تتجه الأنظار إليها إذا فلابد وأن تحافظ على جسمها ونقلوا لنا المواصفات القياسية لهذا الجسم فترى كثيرا من البنات إذا زدن جراما واحا أصابهن الأرق والقلق من هذا الجرام والبعض الآخر يتبعن نظام حمية قاس(ريجيم) ولكن ما لم ينقلوه لنا هو أن بعض تلك الأنظمة تفضي إلى الإكتئاب وفي بعض حالاته الانتحار.كنت قد قرأت في أحد المواقع أن هناك في الغرب مرض يدعى اضطراب الأكل أو الخوف من الأكل يصل إلى درجة التقيؤ عند أكل أي شئ فيصاب المريض إلى انهيار في أجهزته الداخلية وخلص صاحب البحث أن سبب قلة وجود هذا المرض في المجتمعات المسلمة هو الحجاب-الجلباب والخمار-لأن المرأة المسلمة ليست في حاجة إلى ان تكشف عن جسدها وبالتالي لن يحملق فيها الغادي والرائح ولا تستطيع رد أسهم إبليس الموجهة نحوها من منافقي هذا العصر ،فها أنت أصبحت أسيرة جسدك بل والطامة الكبرى والبلاء الأعظم أنك أصبحت أسيرة –وياللمفارقة- للرجل!!!.
هل لاحظتي أنه الآن لايوجد إعلان إلا وفيه بنت تتعرى وتتلوى لماذا ؟ لتشد الأنظار لها ويستطيع صاحب الإعلان أن أن يجعل المشاهد يسمع كل ما يريد فأصبحت بذلك يا أختي عبدة لذلك الرجل المريض والمشاهد الشره وكذلك في المحال التجارية والشركات،المرأة ممزقة بين هذا وذاك،فتحرري يا أختي بحجابك الشرعي تحرري من سيطرة هؤلاء عليك هذا من ناحية ترك الحجاب والتحرر.فماذا عن التعلم جنبا إلى جنب مع الرجل؟. هل لا يجوز العلم إلّا بجانب الرجال ومنهم البر والفاجر؟أم ماذا؟ أين التحرر هنا؟هل في إغواء الرجال للنساء وإيذائهم لهن أم في إغواء النسوة للرجال؟هل في معاداة الرجال ومناطحتهم؟لا أدري صراحة في أي من ذلك تكون المساواة والحرية؟، ماذا عن المواصلات؟لو دققت النظر أختاه لوجدت أنك فعلا قد ظلمت، فأنت مضطرة إلى مكابدة عناء المواصلات والزحام يوميا ومشاحنة الرجال بل أحيانا الركض وراء المواصلات لكي تلحقي بعملك وللأسف قد ذهبت غيرة النساء على أنفسهن والرجال على زوجاتهن وأصبح التلامس لايمثل مشكلة.وكل هذا لماذا؟ لكي تأتي في آخر الشهر وتعطي المرتب لزوجك –مازلت تعملين للرجل- وتأخذي نصفه إن لم يكن ثلاثة أرباعه دواء لك –ضغط،أعصاب،برد- ودعك من المادة ماذا عن زوجك واولادك ألم تقصري في حقوقهم بما لا تعوضه نقود الدنيا ومن النسوة من يقلن أنا أعمل لأبني مستقبلي وأثبت ذاتي فأقول لها اعملي واجتهدي ولاشك عندي أنك ستنجحين بل وتصبحين وزيرة ورئيسة دولة ولكن بعد ماذا بعد أن أصبحت رجلا ونسيت انوثتك ولكن هذه الأنوثة ستظل قابعة في مكان ما مظلم من وجدانك تنتظر اللحظة المناسبة لتنقض عليك وتفترسك جرّاء ما فعلته بها فتشعرين بها عندما لا تجدين حولك سكنك (زوجك) وأولادك وماذا تنتظرين من زوج تركتيه وأولاد هجرتيهم عندها فقط ستعترفي بأنك إمرأة. ها قد ناقشنا في إيجاز بعض شروط التحرر الغربي(الأسر والعبودية والذل والمهانة والوحدة) ونكمل في المرة القادمة كلامنا –إن شاء الله- فإلى لقاء عسى أن يكون قريبا.
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك.
إسماعيل أمين
==================
شبهات مُثارة حول : حول قضايا مُتعلقة بالمرأة المسلمة
الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
هذا السؤال وصلني عبر البريد :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى / الشيخ العلامة أمد الله في عمره
شيخنا الجليل : بعد الاحتلال الأمريكي صدر كتاب اسمه : ( قضايا مثارة حول المرأة المسلمة ) لكاتب معروف بدرجة أستاذ دكتور - رئيس ما يسمى بالحزب الإسلامي العراقي - وقد تضمن هذا الكتاب الكثير من الآراء التي فاجأتنا نرجو من سيادتكم الإجابة عليها :
1ـ ذكر حالات جديدة في عصرنا حول موضوع سفر المرأة فقال في ص 33 :(14/194)
أستاذة في كلية علمية تُدعى مع زميلاتها ومع زملائها إلى مؤتمر عالمي يسافرن بالطائرة في إطار وفد علمي ، وينْزِلن في فندق معروف مهيأ للوفد جميعا ، فلا يمكن أن نقول إن سفرهن حرام لأنهن لسن مع أزواجهن ، لأن طبيعة هذا السفر لا تشبه الأسفار القديمة ، ولكن لابد أن يوافق الزوج على هذا السفر ، والزوج الذي زوجه بهذا المستوى العلمي لابد أن يكون في مستواها ولا يتعسف في استعمال حقه .
2ـ وقال في ص 49 من الكتاب :
فالنقاب لا يدخل في أصل الحجاب ولا في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها )
والحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
إلى أن قال : ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه منفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن .
3ـ في ص 70 وعند كلامه عن صوت المرأة هل هو عورة أم لا ؟ و هل الغناء حرام أم لا ؟ قال :
فإذا كان صوت المرأة ليس عورة في الكلام الطبيعي ، فلماذا يكون عورة إذا أنشدت قصيدة أو أنشودة في الفضيلة والجهاد ، والدعوة إلى الإسلام والخير أمام الرجال في احتفال عام على خشبة المسرح أو بدون حضور الرجال ، إذا كانت في كل ذلك ملتزمة بضوابط الحجاب الإسلامي ، وعدم الخضوع بالقول والتصنع في إغراء الرجال .
4ـ وفي ص 71 قال عن تمثيل المرأة :
وأما تمثيل المرأة سواء أكانت على خشبة المسرح أم في المسلسلات أم في الأفلام ، إذا انضبط بضوابط الإسلام مع وجود المحارم ، فلماذا يكون حراما ، إذا لم يحصل فيه الاختلاء أو الاختلاط الفاحش .
5 ـ في ص86 في حديثه عن اتخاذ الأرقاء قال :
وفي العصر الحديث أدركت البشرية ظلم هذا النظام القاهر ، فقررت دولها إلغاءه نهائيا من حياة البشرية ، وأقرت ذلك في مواثيق حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة .
والإسلام يرحب بذلك أعظم ترحيب ، لأنه دين الأخوة الإنسانية ، ولذلك وقعت الدول الإسلامية على تلك المواثيق . إن إطاعة لشريعة الإسلام أو اتِّباعا للسياسة الدولية ، والمسلمون عند شروطهم ولا يجوز لهم اتخاذ العبيد في الحرب طالما أن الأمم الأخرى لا تفعل ذلك
فما هو الرأي الشرعي في هذه المسائل ؟
الجواب :
بارك الله فيك أخي الكريم
وأريد أن أسأل سؤالا قبل الرد والجواب :
ما هو الحرام إذاً في عُرف هذا الدكتور ؟!
وما هي الضوابط الشرعية التي أبقاها لِحفظ الأعراض ؟!
وأقول : كان حق هذا الكتاب أن يكون الجزء الثاني من كتاب : الحلال والحلال في نظره !
ويَصدق على هذا الكتاب وهذه الآراء قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ)
قال الإمام ابن جرير الطبري في التفسير : فتأويل الكلام إذن : فترى يا محمد الذين في قلوبهم مرض وشك إيمان بنبوتك وتصديق ما جئتهم به من عند ربك يُسارِعون فيهم يعني في اليهود والنصارى . ويعني بمسارعتهم فيهم مسارعتهم في موالاتهم ومُصانعتهم . اهـ .
وقال ابن قتيبة (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) : في رِضاهم .
وقبل الردّ على هذه الشُّبُهات أقول مستعينا بالله :
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن دين الله واحد ثابت لا يتغيّر ، وقد تتغيّر الفتاوى الاجتهادية ( المبنية على اجتهاد ) أما ثوابت الإسلام وقواطع الأدلة فلا تتغيّر ولا تتبدّل .
فلا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يأتي مأفون فيقول : الصلاة كانت تُناسب ذلك الوقت والزّمان حيث لم يكن ثمّة رياضة ونوادٍ رياضية ! أما اليوم فتوجد أندية رياضية وممارسات رياضية تُغني عن الصلاة ! وقد وُجِد من قال بهذا القول الساقط المرذول من كل وجه !
ولا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يُقال : إن الحج لا يُناسب العصر لما فيه من زِحام ومشقّة !
لأن هذه ثوابت شرعية لا تتغيّر ولا تتبدّل .
كما لا يصح – عقلاً ولا شرعاً – إلغاء الحدود لأن بعض أمم الكُفر ترفض إقامة الحدود !
والذي خَلَق الْخَلْق هو الذي شرع الشرع بأوامره ونواهيه وزواجره . قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .
وقد كان السلف يُشدِّدون في هذا الجانب ، فلا يجوز ردّ نصّ صحيح لمتغيّرات العصر ، ولا لِعَدَمِ قبول بعض العقول له !
قال الحميدي : ذَكر الشافعيُّ حديثا ، فقال له رجل : تأخذ به يا أبا عبد الله ؟ فقال : أفي الكنيسة أنا ؟! أو ترى على وسطي زنارا ؟! نعم أقول به ، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قُلتُ به .(14/195)
وقال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة ، فقال له رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة كذا وكذا ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال : فرأيت الشافعي أرعد وانتفض ، وقال : يا هذا أي ارض تُقِلُّني ، وأي سماء تُظِلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقُل به ؟ نعم عَلَيَّ السمع والبصر .
وحدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث " احتج آدم وموسى " فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .
قال الإمام الذهبي بعد أن ساق قول أبي قلابة : " إذا حَدَّثْتَ الرجل بالسُّنة فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال .
ثم علّق عليه بقوله :
قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل ، فاعلم أنه أبو جهل !!
وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا مِن النقل ومِن العقل وهات الذوق والوجد فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حَلّ فيه ! فإن جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه ! انتهى كلامه .
وقال أبو سليمان الداراني : إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة .
وقال النصر آبادي : أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع ، والاقتداء بالسلف ، وترك ما أحدثه الآخرون ، والإقامة على ما سلكه الأولون .
فلا يَجوز اطِّراح الأحاديث وردّ الأدلة بهذه الصورة بِدعوى التماشي مع روح العصر – زعموا – أو مُسايرة الواقع !
ثانياً : لا بُدّ أن يُعلَم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق المصالح وتكميلها ، وإعدام المفاسد وتقليلها .
وأنها لا تأمر بشيء إلا ومصلحته مُتحقِّقَة أو راجحة ، ولا تنهى عن شيء إلا ومفسدته مُتحقِّقَة أو راجحة .
فليست ألأوامر والنواهي لمجرّد التكليف ، ولا لتعذيب العباد لأنفسهم ، بل هي الغاية في تحقيق المصالح ودفع المفاسد والْمَضارّ .
كما أن الشريعة الإسلامية جاءت بِحفظ الضرورات الخمس ، وهي :
الدِّين والعقل والنَّفْس والعِرض والمال .
قال الإمام الشاطبي : فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وُضِعتْ للمحافظة على الضروريات الخمس ، وهي : الدين والنفس والنسل والمال والعقل وعلمها عند الأمة كالضروري
وقال : فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب تَفَصَّلَتْ في السُّنة . اهـ .
ومن هذا الباب حِفظ المرأة ، وأن لا تُسافر إلا مع ذي مَحرَم ، ليس لِعدم الثقة بها ، وإنما من باب المحافظة عليها ، لأنها ضعيفة في اصل خِلقتها ، إذ خُلِقتْ من ضعف مُضاعَف ، كما في قوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) فالرّجل خُلِق من ضعف ، ومن هذا الضعف خُلِقتْ حواء ، كما في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) .
وهذا الضعف أنسب للمرأة إذ هو أنسب للأنثى لتكون أرقّ وألطَف ، ولتكون أحْنَى على ولدها ، وطبيعة المرأة شاهدة بذلك .
ثم إن ما يُحفَظ هو ما يكون له قَدر كبير ، وله مكانة في النَّفْس ، ويَعزّ على الإنسان أن يَفقِده
ألا ترى أن الإنسان يُغلق الأبواب على أمواله ، بينما يَطَّرح الزَّبَل في ممرّ الكِلاب ؟!
فالحضارة الغربية جَعَلتْ المرأة بمنْزِلة الزِّبَالة !
بينما الإسلام جَعَل المرأة بمثابة الدّرة والجوهرة النفيسة .
فالإسلام حفِظ المرأة من كل ما يَشينها أو يَخدش حياءها .
وحفِظ لها كرامتها وصانِها ، ولذا شُرِع جلد من قَذَف مُسلِمة عفيفة ، واعتُبِر ذلك في الإسلام من الْمُهْلِكات ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا السبع الموبقات – وَذَكَر منهن – : وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات . رواه البخاري ومسلم .
ثالثاً : ما يتعلق بِسفر المرأة من غير مَحرَم :
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير مَحرَم ولو كان ذلك لأداء فريضة الله التي فَرض على عباده ، ولو كان ذلك لأداء فريضة الحج .
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأةٍ إلاّ مع ذي مَحْرَم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم . قام رجلٌ فقال : يا رسولَ الله امرأتي خَرجَت حاجّةً ، واكتَتَبتُ في غزوةِ كذا وكذا ، قال : انطلق فحُجّ مع امرأتِك . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الرجل لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج للجهاد في سبيل الله ويترك امرأته تذهب للحج
بل أمره أن ينطلق ليحجّ مع امرأته
وفي تعبيره صلى الله عليه وسلم بـ " انطلق " ما يدلّ على السرعة .
كما أنه عليه الصلاة والسلام لم يسأله : هل امرأتك مع رفقة صالحة ؟ ونحو ذلك .(14/196)
وقال عليه الصلاة والسلام : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُسافر مسيرة يوم إلا مع ذي مَحْرَم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها .
وقد وَرَدتْ روايات فيها يومين ، وأخرى فيها : ثلاثة أيام .
وهذا يقول فيه العلماء : لا مفهوم للعدد .
قال الإمام النووي : وفي رواية لأبي داود : " ولا تسافر بَريداً " والبريد مسيرة نصف يوم . قال العلماء : اختلاف هذه الألفاظ لاخْتِلاف السائلين واخْتِلاف المواطن ، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد . قال البيهقي كأنه صلى الله عليه وسلم سُئِل عن المرأة تُسافر ثلاثا بغير محرم فقال : لا . وسُئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال : لا . وسُئل عن سفرها يوما فقال : لا ، وكذلك البريد ، فأدّى كل منهم ما سمعه ، وما جاء منها مختلفا عن رواية واحد فسمِعَه في مواطن ؛ فروى تارة هذا وتارة هذا ، وكله صحيح ، وليس في هذا كله تحديد لأقلّ ما يقع عليه اسم السفر ، ولم يُرِد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً ، فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تُنْهَى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام ، أو يومين ، أو يوما ، أو بريداً ، أو غير ذلك ، لرواية بن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " وهذا يتناول جميع ما يُسَمَّى سفراً . والله أعلم . اهـ .
وتحريم سفر المرأة من غير مَحرم مَحلّ إجماع بين العلماء .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : واستُدِلّ به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم ، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك ، ومنهم من جَعَلَ ذلك من شرائط الحج . اهـ .
أي أن من العلماء من جعل الْمَحْرَم من شروط الحجّ .
فلم يَختلِف العلماء في تحريم سفر المرأة من غير مَحرَم إلا في مسألتين – ذكرهما ابن حجر – وهي:
الحج والعمرة والهجرة من دار الشرك .
والصحيح أنه لا يَجوز للمرأة أن تُسافر للحج أو العمرة إلا مع ذي مَحرم للحديث السابق .
وأما قوله : (فلا يمكن أن نقول إن سفرهن حرام لأنهن لسن مع أزواجهن ، لأن طبيعة هذا السفر لا تشبه الأسفار القديمة)
فأقول : كان الناس في الأسفار القديمة يَنْزِلون في خيام أو تحت أشجار ، وهي لا تَستر ولا تَحجب إلا قليلاً ، وهو أبعد عن الخلوة ، خاصة في أسفار الجماعات .
لكنه في هذا الزمان يُرى في الطائرات – فضلا عن الفنادق والمقاهي – ما يُعلَم معه عِلم يقين أن فساد الناس في هذا الزمان أولى بالمنع .
ولا زلت أذكر أننا كُنا في طائرة مُتّجهة إلى شرق آسيا ، وهي مليئة بالنساء من غير محارِم لهن ، وفي الطائرة بعض سفهاء الأحلام ! فما أن أقلعت الطائرة حتى تأبّط كل واحد منهم ذراع أو فخِذ امرأة !
وإذا غاب الرقيب فقُل على العفاف السلام !
فلما أنكرت ذلك زَعَم أحدهم أنه يتفاهم معها ! كما زَعم أن لديها مكتب استقدام ! وأنه يتفق معها على استقدام عَمالة !
فقلت له : عجبا ! أوَ يَكون التفاهم بالشِّفَاه ؟!
قال : وَصَل بك سوء الظن إلى هذه الدرجة ؟!
قلت : إذا كان الأمر كما تقول : فما حاجة أن يكون فخذك بين فخذيها في طائرة ؟!
فنَظر إلى فخذه ، وإذا هو لا يَزال بين فخذيها ! فخَجِل وأطرق ، ثم أبدى اعتذاره فيما بعد .
فالشاهد من هذا أن وسائل السفر الحديثة وكذلك وسائل السكن أدْعَى لارتكاب الفاحشة ، ولوقوع المحذور مما سَبق في الأزمنة الماضية .
والفنادق في زماننا هذا ادعى للفساد والرِّيبَة ، وذلك لوجود وسائل الاتصال ، فيُمكن لنَزِيل فندق أن يتصل وأن يُرتّب أمره ، وأن يستقبل من شاء ، وأن يَخلو به ، من غير حسيب ولا رقيب .
أضِف إلى ذلك وُجود القنوات الفضائية التي تُتاجِر بالغرائز ، وتُثير الشَّهوات .
وكم من الناس سأل عن وقوعه في الفاحشة ، وكان سبب ذلك أنه سكن في فندق فنظر ابتداء إلى تلك القنوات الفاجِرة ، فتأججت شهوته ، وثارت غريزته ، وربما دَخَلتْ عليه شابة تعمل في الفندق ، أو تكون أُرسِلتْ له قَصداً ؛ إما لإغوائه ، أو لابتزازه ! أو لهما معاً !
ثم إن فساد كثير من الناس – أو قُل بعض الناس – يستدعي مَنْع ما هو مُبَاح فضلا عما هو مُحرَّم .
ومن هنا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لما أحْدَثْنَ وتوسّعنَ في الأمر من الزينة والطيب وحسن الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
ومن باب السياسة الشرعية والآداب المرعية أن يُمنَع الناس فيما لهم فيه مَندوحة إذا توسّعوا فيه .(14/197)
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه : وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْنَ فيه فيُفْضِي بهن إلى الأمر المحرَّم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يَحْرُم . اهـ .
رابعاً : قوله : (فالنقاب لا يدخل في أصل الحجاب ولا في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها )
والحجاب الكامل فرض على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن هذا الحجاب الكامل خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) .
أقول : هذا خطأ في فهم الآية ، إذ قال الله في آية الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) ) .
فماذا يُفهَم من قوله تعالى : (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) ؟
لا يُفهَم منه إلا ذِكر نساء المؤمنين بعد ذِكر أمهات المؤمنين .
قال الإمام الشنقيطي في التفسير :
ومِن أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على بُطلان ذلك القول ... ومِن أمثلته :
قول كثير من الناس : " إن آية الحجاب ، أعني قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الآية – خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم " فإن تعليله لهذا الْحُكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرِّجال والنساء من الريبة في قوله : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على قصد تعميم الْحُكم ، إذ لم يَقُل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى طهارة قلوبهن ، ولا إلى طهارة قلوب الرِّجال من الرِّيبة منهن ، وقد تقرر في الأصول أن العِلّة قد تُعمم مَعلولها . اهـ .
وأقول : لو افترضنا اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، وهُنّ بمنْزِلة الأمهات ، بل هُنّ أمهات للمؤمنين بِنَصّ قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) ، فغيرهنّ من باب أولى وأولى أن يَدخلن في هذا الخطاب .
ويَلزم من القول باختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب اختصاصهن بعدم الخضوع بالقول ، وجوازه لغيرهن من النساء ! وهذا لا يُقول به عاقل !
كما أن قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الخطاب فيه مُوجّه لأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ، إلا أن الْحُكم عام .
فتحريم الخضوع بالقول ليس خاصاً بأمهات المؤمنين ، بل هو عام لكل مؤمنة تُؤمن بالله واليوم الآخر
وكذلك النهي عن التبرّج .
والأمر بالصلاة والزكاة ، كل هذا عام لكل مؤمنة ، ولم يَقُل أحد باختصاص أمهات المؤمنين به .
ومن قال باختصاص أمهات المؤمنين بالحجاب لزِمه أن يقول باختصاص أمهات المؤمنين بهذه المنهيّات وبهذه الأوامر .
وقوله : ( ولكني أدعو النساء إلى عدم لبس النقاب في عصرنا هذا لأنه مُنفر مخالف للأخذ بالأيسر ، ولأنهن في الكليات والدوائر والمؤسسات وحتى الطرقات يحتجن إلى إظهار وجوههن لكي يعرفن ) .
أقول : ما هو الضابط للتنفير ؟
ثم ما هو الضابط في الأخذ بالأيسر ؟
أما التنفير ، فلم يَقُل أحد من المسلمين ذوي الفِطر السليمة بأنه مُنفِّر ، لا من السَّلَف ولا مِن الخَلَف
وإنما قد يقول به من لا يرتضي دِين الله وشِرعته .
والمشاهد أن الكفّار في بلادهم – شرقاً أو غَرباً – يَحترمون من يتمسّك بِمبادئه ، ويلتزم بشخصيته ، بينما يَكرهون من يكون مُتلوِّناً مُتَقلِّباً .
وكم كان حجاب المرأة المسلمة في أوربا أو في أمريكا دعوة صامتة ، ومظهراً مُثيراً للسؤال : لماذا تلبس هذه هذا اللباس ؟
فإذا أُجيبتْ بأن هذا مِن دِين المرأة المسلمة ، كان سببا في البحث عن هذا الدِّين ، ومن ثمّ دخوله .
بل قد صرّحت غير واحدة أنه ما دعاها إلى الإسلام إلا حجاب المرأة المسلمة .
وصرّحتْ كاتبة بريطانية قبل أكثر من مائة عام بأن مظاهر التعرِّي عار على بلادها !(14/198)
تقول الكاتبة الشهيرة " آتي رود " - في مقالة نُشِرت عام 1901م - : لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم ، خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تُصبح البنت ملوثة بأدرانٍ تَذهَب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيها الحِشمة والعفاف والطهارة … نعم ! إنه لَعَارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يُوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها . اهـ .
وقد ذَكَرَ الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – أنه كان في رحلة علمية من ميناء " دوفر " إلى ميناء " أوستن " فالْتَقَى فتاة إيطالية تَدْرس الحقوق في جامعة أكسفورد وتحدّث مع تلك الفتاة عن المرأة المسلمة وحقوقها ، وكيف تعيش . قالت الفتاة : إنني أغبط المرأة المسلمة ، وأتمنّى أن لو كنت مولودة في بلادكم .
ولما قام إمبراطور ألمانيا " غليوم " بزيارة لِتركيا أحبّ أعضاء جمعية الاتحاد والتّرقي التركية أن يُظهروا له تمدّنهم ! فأخرجوا بعض بنات المدارس وهُنّ متبرجات لاستقباله ، واستغرب الإمبراطور ، وقال للمسؤولين : إني كنت آمل أن أشاهد في تركيا الحشمة والحجاب بحكم دينكم الإسلامي ، وإذا بي أشاهد التبرج الذي نشكو منه في أوربا ، ويقودنا إلى ضياع الأسرة ، وخراب الأوطان ، وتشريد الأطفال !!
أقول : وها نحن نُدعى لخوض غمار تجربة فاشلة ! بحجة أن الحجاب غير لائق بعصرنا ، وأنه مُنفِّر !
وإظهار المرأة لوجهها فيه فتنة له ولغيرها ، فإنها إذا كانت جميلة طاردتها العيون ، وإن كانت غير ذلك احتُقِرت وازدُريتْ ، وفي كلا لحالتين هذا الفِعل له أثر نفسي بالغ على المرأة .
وليس كونه فتنة في بلاد المسلمين فحسب بل حتى في بلاد الحضارة المادية – بلاد التفسّخ والعُري – فقد نَقَلتْ لنا وسائل الاتصال أن شاباً يعيش في بلاد الغرب رأى فتاة فاتنة ، فما زال يُلاحقها ويُراودها عن نفسها وهي تتمنّع ، فما كان منه إلا أن ألقى مادة حارقة ( ماء النار ) على وجهها فشوّهه !
وأما كون الحجاب يُنفِّر أو أن تركه من باب الأيسر ، فإن هذا سوف يَفتح باباً عظيما من الشرّ .
فليس ثمّ ضابط للتنفير ، ولا ضابط للتيسير في ظل هذا القول .
فقد يأتي من يقول : لباس الحشمة ( اللباس الساتر ) مُنفِّر ، وتركه أخذ بالأيسر خاصة في المدارس والكليات وأماكن العمل ، كما قال الدكتور !
ونحن نرى اليوم دعوة في دول العُريّ بل دعوات لِنَبذِ الاختلاط ، وهم الذين كانوا بالأمس يُنادون بضرورة الاختلاط لكسر الحواجز التي بين الجنسين ! ولإزالة رغبة كل طرف بالآخَر !
فلما ذاقوا ويلات هذا الاختلاط ، واكتووا بِنارِه صرخوا ودَعوا إلى ضرورة الفصل بين الجنسين حتى في أمريكا ! فضلا عن غيرها !
وأما معرفة المرأة فلا مصلحة فيها ، أعني معرفة شخصها وعينها ، وإنما المصلحة أن تُعرف المحجّبة أنها حُرّة عفيفة فلا يَتعرّض لها أحد بسوء .
قال تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال ابن جُزي الكلبي في التفسير : أي ذلك أقرب إلى أن يُعرف الحرائر من الإماء ، فإذا عُرِف أن المرأة حُرة لم تُعارض بما تُعارض به الأمَة ، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يُعلم من هي ، إنما المراد أن يُفرّق بينها وبين الأمة ، لأنه كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء ، وربما تعرض لهن السفهاء . اهـ .
خامساً : قوله : ( فإذا كان صوت المرأة ليس عورة في الكلام الطبيعي ، فلماذا يكون عورة إذا أنشدت قصيدة أو أنشودة في الفضيلة والجهاد ، والدعوة إلى الإسلام والخير أمام الرجال في احتفال عام على خشبة المسرح أو بدون حضور الرجال ، إذا كانت في كل ذلك ملتزمة بضوابط الحجاب الإسلامي ، وعدم الخضوع بالقول والتصنع في إغراء الرجال )
أما صوت المرأة فالصحيح أنه ليس عورة ، ولكن ليس معنى هذا أن تتغنّى أمام الرِّجال ، ولا أن تَخطُب !
ولما كان صوت المرأة قد يَتضمّن الفتنة لبعض الرِّجال ، أُمِرتْ المرأة أن تُصفِّق في الصلاة ، وأن لا تقول : سبحان الله ، مع كونه من الأذكار ، وليس من الأناشيد ولا التأوّه !
وارتُكِبت أخف المفسدتين ، ودُفِع أعظم الضررين بأصغرهما ، وذلك أن تكلّم المرأة قد يتضمّن مفسدة وفتنة ، والتصفيق منهي عنه ، فارتُكب المنهي عنه لأنه أقل في الفتنة ، دفعا للفتنة ، ودرءاً للمفسدة .
قال عليه الصلاة والسلام : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء . رواه البخاري ومسلم .
فكيف يُقال بعد ذلك بجواز إنشاد المرأة أمام الرِّجال ، وظهورها على المسارح ، وخلع جلباب الحياء ، ونبذ الأخلاق الفاضلة ؟
أما لو كان هذا جائزاً لأذِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عليه الصلاة والسلام لم يأذن به للنساء لا في جهاد ولا في غيره ، وقد أذِن للرِّجال بالإنشاد والحداء في الجهاد والسَّفر ، كما في الصحيحين .(14/199)