وقال تعالى: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[سورة البقرة: 177] ولم يذكر الإمامة.
وقال تعالى: { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة البقرة: 1- 5]، فجعلهم مهتدين مفلحين ولم يذكر الإمامة.
وأيضاً: فنحن نعلم بالاضطرار من دين محمد [بن عبد الله] صلى الله عليه وسلم أن الناس كانوا إذا أسلموا لم يَجْعل إيمانهم موقوفاً على معرفة الإمامة، ولم يذكر لهم شيئاً من ذلك. وما كان أحد أركان الإيمان لا بد أن يبينه الرسول لأهل الإيمان ليحصل لهم [به] الإيمان. فإذا عُلم بالاضطرار أن هذا مما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان، عُلم أن اشتراطه في الإيمان من أقوال أهل البهتان.
فإن قيل: قد دخلت في عموم النصوص، أو هي من باب ما لا يتم الواجب إلا به، أو دلّ عليها نص آخر.
قيل: هذا كله لو صح لكان غايته أن تكون من بعض فروع الدين، لا تكون من أركان الإيمان، فإن ركن الإيمان ما لا يحصل الإيمان إلا به كالشهادتين، فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فلو كانت الإمامة ركناً في الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا به، لوجب أن يبين ذلك الرسول بياناً عاماً قاطعاً للعذر، كما بين الشهادتين والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر. فكيف ونحن نعلم بالاضطرار من دينه أن الناس الذين دخلوا في دينه أفواجاً، لم يشترط على أحد منهم في الإيمان بالإمامة لا مطلقاً ولا معيناً!؟
الوجه السادس :
قوله : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات مِيتة جاهلية.
يقال له أولاً: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ وأين إسناده؟ وكيف يجوز أن يُحتج بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؟ وهذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث، فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يُعرف؟!
إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم في صحيحه عن نافع، قال: جاء [عبد الله] بن عمرو إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحَرَّة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. سمعته يقول: «من خلع يدًّا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية».
وهذا حدَّث به [عبد الله] بن عمر لعبد الله بن مطيع [بن الأسود] لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد، مع أنه كان فيه من الظلم ما كان. ثم إنه اقتتل هو وهم، وفعل بأهل الْحَرَّة أموراً منكرة.
فعُلم أن هذا الحديث دلّ على ما دلّ عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا يُخْرَج على ولاة أمور المسلمين بالسيف، وأن من لم يكن مطيعاً لولاة الأمور مات ميتة جاهلية. وهذا ضد قول الرافضة، فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور، وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرهاً.
ونحن نطالبهم أولاً بصحة النقل، ثم بتقدير أن يكون ناقلة واحداً، فكيف يجوز أن يثبت أصل الإيمان بحبر مثل هذا [الذي] لا يُعرف له ناقل؟! وإن عُرف له ناقل أمكن خطؤه وكذبه، وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي؟!
الوجه السابع :
أن يقال: إن كان هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فليس فيه حجة لهذا القائل. فإن النبي صلى الله عليه وسلم [قد] قال: «من مات ميتة جاهلية» في أمور ليست من أركان الإيمان التي من تركها كان كافراً.
كما في صحيح مسلم عن جُندب بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قُتل تحت راية عُمِّيَّة يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقِتْلَته جاهلية». وهذا الحديث يتناول من قاتل في العصبية، والرافضة رءوس هؤلاء. ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية، كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة، فكيف يكفر بما هو دون ذلك؟!(12/225)
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات، مات ميتة جاهلية». وهذا حال الرافضة فإنهم يخرجون عن الطاعة ويفارقون الجماعة.
وفي الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإن من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية». وفي لفظ: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإن من خرج من السلطان شبراً، مات ميتة جاهلية».
وهذه النصوص مع كونها صريحة في حال الرافضة، فهي وأمثالها المعروفة عند أهل العلم، لا بذلك اللفظ الذي نقله.
الوجه الثامن :
أن هذا الحديث الذي ذكره حجة على الرافضة لأنهم لا يعرفون إمام زمانهم، فإنهم يدَّعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامرَّا سنة سِتين ومائتين أو نحوها ولم يميز بعد، بل كان عمره إما سنتين أو ثلاثاً أو خمساً أو نحو ذلك، وله الآن – على قولهم – أكثر من أربعمائة وخمسين سنة ولم يُر له عين ولا أثر، ولا سُمع له حس ولا خبر. فليس فيهم أحد يعرفه لا بعينه ولا صفته، لكن يقولون إن هذا الشخص الذي لم يره أحد ولم يسمع له خبر هو إمام زمانهم. ومعلوم أن هذا ليس هو معرفة بالإمام.
ونظير هذا أن يكون لرجل قريب من بني عمه في الدنيا ولا يعرف شيئاً من أحواله، فهذا لا يعرف ابن عمه. وكذلك المال المُلْتَقَط إذا عَرف أن له مالكاً ولم يعرف عينه لم يكن عارفاً لصاحب اللقطة. بل هذا أعرف، لأن هذا يمكن ترتيب بعض أحكام الملك والنسب [عليه]، وأما المنتظر فلا يعرف له حال ينتفع به في الإمامة.
فإن معرفة الإمام الذي يُخرِج الإنسان من الجاهلية، هي المعرفة التي يحصل بها طاعة وجماعة، خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهم لم يكن لهم إمام يجمعهم ولا جماعة تعصمهم، والله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وهداهم به إلى الطاعة والجماعة. وهذا المنتظر لا يحل بمعرفته طاعة ولا جماعة، فلم يُعرف معرفة تخرج الإنسان من [حال] الجاهلية، بل المنتسبون إليه أعظم الطوائف جاهلية وأشبههم بالجاهلية، وإن لم يدخلوا في طاعة غيرهم – إما طاعة كافر وإما طاعة مسلم هو عندهم من الكفار أو النواصب – لم ينتظم لهم مصلحة، لكثرة اختلافهم وافتراقهم وخروجهم عن الطاعة والجماعة.
وهذا يتبين
بالوجه التاسع :
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجودين [المعلومين]، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقاً، بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته، وهذا يبين أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين.
ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلُّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم». قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة. ألا من وُلِيّ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة».
وفي [صحيح] مسلم عن أم سَلَمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: [يا رسول الله]، أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلُّوا».
وهذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور، وأنه يُكره ويُنكر ما يأتونه من معصية الله، ولا تنزع اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن منهم خياراً وشراراً، من يُحَب ويُدعى له ويُحِب الناس ويدعو لهم، ومن يبغض ويدعو على الناس ويبغضونه ويدعون عليه.
وفي الصحيحين [عن أبي هريرة]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمر؟ قال: يفُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عمّا استرعاهم». فقد أخبر أن بعده خلفاء كثيرين، وأمر أن يوفي ببيعة الأول فالأول وأن يعطوهم حقهم.
وفي الصحيحين عن [عبد الله] بن مسعود، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون بعدي أََثَرة وأموراً تنكرونها». قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم». وفي لفظ: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها». قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: « تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».(12/226)
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وعلى أَثَرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
وفي الصحيحين عن ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
فإن قال: أنا أردت بقولي: إنها «أهم المطالب في الدين، وأشرف مسائل المسلمين» المطالب التي تنازعت الأمة فيها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي مسألة الإمامة.
قيل له: فلا لفظ فصيح، ولا معنى صحيح. فإن ما ذكرته لا يدل على هذا المعنى، بل مفهوم اللفظ ومقتضاه أنها أهم المطالب في الدين مطلقاً، وأشرف مسائل المسلمين مطلقاً.
وبتقدير أن يكون هذا مرادك فهو معنى باطل، فإن المسلمين تنازعوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل أشرف من هذه. وبتقدير أن تكون هي الأشرف، فالذي ذكرته فيها أبطل المذاهب، وأفسد المطالب.
وذلك أن النزاع في الإمامة لم يظهر إلا في خلافة علي – رضي الله عنه – [وأما] على عهد الخلفاء الثلاثة فلم يظهر نزاع إلا ما جرى يوم السقيفة، وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يُعد نزاعاً. ولو قُدِّر أن النزاع فيها كان عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما تنوزع فيه عقب موته صلى الله عليه وسلم، يكون أشرف مما تنوزع فيه بعد موته بدهر طويل.
وإذا كان كذلك، فمعلوم أن مسائل القدر والتعديل والتجوير والتحسين والتقبيح والتوحيد والصفات والإثبات والتنزيه، أهم وأشرف من مسائل الإمامة. ومسائل الأسماء والأحكام، والوعد والوعيد، والعفو والشفاعة والتخليد، أهم من مسائل الإمامة.
ولهذا كل من صنَّف في أصول الدين يذكر مسائل الإمامة في الآخر، حتى الإمامية يذكرون مسائل التوحيد والعدل والنبوة قبل مسائل الإمامة. وكذلك المعتزلة يذكرون أصولهم الخمس: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والخامس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه تتعلق مسائل الإمامة.
ولهذا كان جماهير الأمة نالوا الخير بدون مقصود الإمامة التي تقولها الرافضة، فإنهم يُقرُّون بأن الإمام الذي هو صاحب الزمان مفقود لا ينتفع به أحد، وأنه دخل السرداب سنة ستين ومائتين أو قريباً من ذلك، وهو الآن غائب أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، فهم في هذه المدّة لم ينتفعوا بإمامته لا في دين ولا في دنيا، بل يقولون: إن عندهم علماً منقولاً عن غيره.
فإن كانت أهم مسائل الدين، وهم لم ينتفعوا بالمقصود منها، فقد فاتهم من الدين أهمه وأشرفه، وحينئذ فلا ينتفعون بما حصل لهم من التوحيد والعدل، لأنه يكون ناقصاً بالنسبة إلى مقصود الإمامة، فيسحقون العذاب. كيف، وهم يسلِّمون أن مقصود الإمامة إنما هو في الفروع الشرعية، وأما الأصول العقلية فلا يُحتاج فيها إلى الإمام، وتلك هي أهم وأشرف!
ثم بعد هذا كله، فقولكم في الإمامة من أبعد الأقوال عن الصواب، ولو لم يكن فيه إلا أنكم أوجبتم الإمامة لما فيها من مصلحة الخلق في دينهم ودنياهم، وإمامكم صاحب الوقت لم يحصل لكم من جهته مصلحة لا في الدين ولا في الدنيا، فأي سعي أضل من سعي من يتعب التعب الطويل، ويكثر القال والقيل، ويفارق جماعة المسلمين، ويلعن السابقين والتابعين، ويعاون الكفار والمنافقين، ويحتال بأنواع الحيل، ويسلك ما أمكنه من السبل، ويعتضد بشهود الزور، ويُدلي أتباعه بحبل الغرور، ويفعل ما يطول وصفه، ومقصوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أمر الله ونهيه، ويعرّفه ما يقربه إلى الله [تعالى]؟!
ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه، لم يظفر بشيء من مطلوبه، ولا وصل إليه [شيء] من تعليمه وإرشاده، ولا أمره ولا نهيه، ولا حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة أصلاً، إلا إذهاب نفسه وماله، وقطع الأسفار، وطول الانتظار بالليل والنهار، ومعاداة الجمهور لداخل في سرادب، ليس له عمل ولا خطاب، ولو كان موجوداً بيقين، لما حصل به منفعة لهؤلاء المساكين. فكيف وعقلاء الناس يعلمون، أنه ليس معهم إلا الإفلاس، وأن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يُعْقِبَ، كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري، وعبد الباقي بن قانع، وغيرهما من أهل العلم بالنسب؟!
وهم يقولون إنه دخل السرداب بعد موت أبيه وعمره إما سنتان وإما ثلاث، وإما خمس، وإما نحو ذلك. ومثل هذا بنص القرآن يتيم يجب أن يُحفظ له ماله حتى يؤنس منه الرشد، ويحضنه من يستحق حضانته من أقربائه، فإذا صار له سبع سنين أُمر بالطهارة والصلاة. فمن لا توضأ ولا صلى، وهو تحت جحر وليِّه في نفسه وماله بنص القرآن، لو كان موجوداً يشهده العيان، لما جاز أن يكون هو إمام أهل الإيمان، فكيف إذا كان معدوماً أو مفقوداً مع طول هذه الغيبة؟!(12/227)
والمرأة إذا غاب عنها وليُّها، زوَّجها الحاكم أو الولي الحاضر لئلا تفوت مصلحة المرأة بغيبة الوليِّ المعلوم الموجود، فكيف تضيع مصلحة الأمة مع طول هذه المدَّة، مع هذا الإمام المفقود؟!
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 1 / 75-123).
=================
الشبهة(1): احتجاجهم بحديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسى - عليه السلام "
قال عبدالله بن الحسين السويدي في مناظرته مع أحد علماء الشيعة :
قال – أي الشيعي - : قبل تحرير البحث أسألك هل قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي" ثابت عندكم؟
فقلت : نعم، إنه حديث مشهور.
فقال : هذا الحديث بمنطوقه ومفهومه يدل دلالةً صريحة على أن الخليفة بالحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب.
قلت : ما وجه الدليل من ذلك؟
قال : حيث أثبت النبي لعليٍّ جميع منازل هارون، ولم يستثن إلا النبوة – والاستثناء معيار العلوم – فثبتت الخلافة لعلي لأنها من جملة منازل هارون. فإنه لو عاش لكان خليفة عن موسى.
فقلت : صريح كلامك يدل على أن هذه القضية موجبة كلية، فما سُور هذا الإيجاب الكلي؟
قال : الإضافة التي في الاستغراق بقرينة الاستثناء.
فقلت : أولاً إن هذا الحديث غير نص جلي، وذلك لاختلاف المحدِّثين فيهن فمن قائل إنه صحيح، ومن قائل إنه حسن ومن قائل إنه ضعيف، حتى بالغ ابن الجوزي فادعى أنه موضوع. فكيف تثبتون به الخلافة وأنتم تشترطون النص الجلي؟!
فقال : نعم، نقول بموجب ما ذكرت. وإن دليلنا ليس هذا، وإنما هو قوله صلى الله عليه وسلم: "سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين"، وحديث الطائر. ولأنكم تدعون أنهما موضوعان فكلامي في هذا الحديث معكم. لمَ لم تثبتوا أنتم الخلافة لعلي به؟
قلت : هذا الحديث لا يصلح أن يكون دليلاً.. من وجوه: منها أن الاستغراق ممنوع؛ إذ من جملة منازل هارون كونه نبياً مع موسى، وعليّ ليس بنبي باتفاق منا ومنكم، لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده، فلو كانت المنازل الثابتة لهارون – ما عدا النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم - ثابتة لعلي لاقتضى أن يكون علي نبياً مع النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبوة معه لم تستثنَ وهي من منازل هارون عليه السلام وإنما المستثنى النبوة بعده. وأيضاً من جملة منازل هارون كونه أخًّا شقيقاً لموسى، وعلي ليس بأخ، والعام إذا تخصص بغير الاستثناء صارت دلالته ظنية، فليحمل الكلام على منزلة واحدة كما هو ظاهر التاء التي للوحدة، فتكون الإضافة للعهد وهو الأصل فيها، و"إلا" في الحديث بمعنى "لكن" كقولهم: فلان جواد إلا أنه جبان، أي لكنه. فرجعت القضية مهملة يراد منها بعض غير معين فيها وإنما نعينه من خارج، والمعين هو المنزلة المعهودة حين استخلف موسى هارون على بني إسرائيل، والدال على ذلك قوله تعالى: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} ومنزلة عليّ هي استخلافه على المدينة في غزوة تبوك.
فقال الملا باشي : والاستخلاف يدل على أنه أفضل وأنه الخليفة بعد.
فقلتُ : لو دلّ هذا على ما ذكرتَ، لاقتضى أن ابنَ أمَّ مكتوم خليفةٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه استخلفه على المدينة. واستخلف أيضاً غيره، فلمَ خصصتم عليًّا بذلك دون غيره مع اشتراك الكل في الاستخلاف؟ وأيضاً لو كان هذا من باب الفضائل لما وجد عليٌّ في نفسه وقال "أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة " فقال النبي صلى الله عليه وسلم تطييباً لنفسه: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ".
فقال : قد ذكر في أصولكم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قلت : إني لم أجعل خصوص السبب دليلاً، وإنما هو قرينة تعين ذلك البعض المهم.
فانقطع...
( المرجع : الخطوط العريضة ، محب الدين الخطيب ، ص 76-78) .
وقال أبو حامد المقدسي ردًا على هذه
الشبهة :
جوابه: سلمنا أن هذا حديث صحيح رواه البخاري وغيره وليس للرافضة حديث صحيح غيره ولكن معناه أن التشبيه له بهارون (عليه السلام إنما هو) في الاستخلاف خاصة لا من كل وجه وهو أمر مشترك بينه وبين غيره. قد شبّه النبيصلى الله عليه وسلم (في الحديث الصحيح) أيضاً أبا بكر رضي الله عنه بإبراهيم وعيسى عليهما السلام وشبه عمر رضي الله عنه بنوح وموسى عليهما السلام كما أشارا عليه في أسارى بدر هذا بالفداء وهذا بالقتل ولا شك أن هذا أعظم من تشبيه علي بهارون ولم يوجب ذلك أن يكون بمنزلة أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام مطلقاً ولكن شابه في شدته في الله وهذا في لينه في الله وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته في بعض الوجوه كثيرة في الكتاب والسنة وكلام العرب.(12/228)
وأما هو معارض بما رواه الشيخ الإمام العارف بالله العلي أبو محمد روزبهان البقلي رحمه الله عليه في كتابه المكنون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: أنتما مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. كما قال ذلك لعلي. وحينئذ فلا خصوصية (وقال فيه إشارة إلى أن هؤلاء السادة الثلاثة أعطاهم الله تعالى ما أعطى نبي الله هارون عليه السلام دون النبوة وجبريل وميكائيل دون الملائكة. كما قال عليه السلام: "إن لي وزيرين في السماء ووزيرين في الأرض فوزيرا السماء جبريل وميكائيل، ووزيرا الأرض أبو بكر وعمر" وفيه أن الولاية قريب من النبوة والملكية).
وكذلك هو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: "خلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة" وهذا حديث صحيح رواه الشيخ الإمام محي الدين أبو محمد إبراهيم الفاروقي الواسطي رحمه الله ويعضده حديث "ما من ميت يموت إلا يدفن بالتربة التي خلق منها" وإذا خلقا رضي الله عنهما من طينة صلى الله عليه وسلم فهما أولى بمماثلته باعتبار الخلقة وهذا فضيلة لا يشاركهما فيها غيرهما. فإن قيل ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت أنا وعلي من نور واحد" وهو يدل على أفضلية هذا، وإن ثبت فهو لنا لأن النور أمر بالسجود لمن خلق من الطين كما في قصة الملائكة وآدم عليهم السلام، وهو يعارض بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة في الإسلام" أفضل ففيه دليل على تخصيص أبي بكر في أخوة الإسلام، وإلا لم يكن ثم فضيلة لأحد من المسلمين على أحد من المسلمين، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم له: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" إنما ورد على سبب وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي (في غزوة تبوك في سنة تسع) لما استخلفه على المدينة فطعن بعض الناس وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة استخلف عليها رجلاً من أمته، فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين على الغزو في التخلف عنها بلا عذر، ولم يتخلف بلا عذر إلا عاص لله ورسوله فكان استخلافه عليًّا رضي الله عنه فيها استخلافاً ضعيفاً، فطعن فيه المنافقون لهذا السبب فبين له صلى الله عليه وسلم: أني لم أستخلفك لبغض لك عندي فإن موسى عليه السلام استخلف هارون عليه السلام وهو شريكه في الرسالة، أَمَا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في المدينة كما خلف هارون أخاه موسى. ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان قد استخلف غيره قبله وكان أولئك منه بهذه المنزلة يكن هذا من خصائص علي رضي الله عنه ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف فيه عليه ولم يخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ويقول: تخلفني في النساء والذرية والصبيان. ولما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة أمر أبا بكر رضي الله عنه على الحج في أواخر سنة تسع ثم أردفه بعلي رضي الله عنه فلما لحقه قال له أبو بكر رضي الله عنه: أميراً أو مأموراً؟ فقال علي: بل مأموراً فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره ويأمر عليًّا وغيره من الصحابة رضي الله عنهم يطيعون أبا بكر رضي الله عنه وأما علي رضي الله عنه فنبذ العهود والتي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لأن العادة من العرب كانت جارية أنه لا يعقد العقود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيت المطاع ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي لأجل العادة الجارية بذلك [ وفي رواية نزل جبريل وقال: يبلغ رجل منك. قالوا: هذا يدل على تقدم علي]. ولم يكن هذا أيضاً خصائص علي رضي الله عنه بل أي رجل من المعترة نبذ العهد حصل به المقصود، ولكن علي رضي الله عنه كان أفضل بني هاشم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان أحق بالتقدم من سائر الأقارب ولما أمر أبا بكر عليه علي أنه لا دلالة فيه على أنه بمنزلة هارون من موسى من كل وجه إذ لو كان كذلك لم يقدم عليه أبا بكر رضي الله عنه في الحج ولا في الصلاة كما أن هارون لم يكن موسى يقدم عليه غيره فالتشبيه به في الاستخلاف خاص كما قررنا.
وقال الإمام الحافظ البيهقي رضي الله عنه في كتاب الاعتقاد عقب الحديث المذكور لا يعني به (موسى عليه السلام) استخلاف (عليًّا) بعد وفاته وإنما يعني به استخلافه على المدينة عند خروجه إلى الطور وكيف يكون المراد به الخلافة بعد موته وقد مات هارون قبل موسى عليهما السلام؟!(12/229)
وكذا قال شيخ الإسلام محي الدين النووي في شرح صحيح مسلم في هذا الحديث: "إثبات فضيلة لعلي رضي الله عنه لا يعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي رضي الله عنه حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى قبل وفاة موسى نحو أربعين سنة على ما هو المشهور عند أهل الأخبار والقصص وقالوا إنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة".
قال الشيخ الإمام أبو محمد إبراهيم الفاروقي رحمه الله: إن مفهوم الحديث يدل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه لأن يوشع بن نون كان الخليفة بعد موسى عليهما السلام فكذلك أبو بكر رضي الله عنه. وليس معناه أن عليًّا أخًّا للنبي صلى الله عليه وسلم من النسب إذ لو كان كذلك لما جاز أن يتزوج من ابنته فاطمة رضي الله عنها فلم يبق إلا ما ذكرنا.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 201 – 212 ) .
وقال شيخ الإسلام ردًا على هذه
الشبهة :
قال الرافضي : الثالث: قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. [أثبت له «عليه السلام» جميع منازل هارون من موسى - عليه السلام - للاستثناء]. ومن جملة منازل هارون أنه كان خليفة لموسى، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضاً، وإلا [لزم] تطرّق النقض إليه، ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغَيْبَة، أَوْلى بأن يكون خليفته».
والجواب : أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة تبوك. وكان صلى الله عليه وسلم كلما سافر في غزوة أو عُمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة، كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أَمَرّ عثمان، وفي غزوة بني قَيْنُقاع بشير بن [عبد] المنذر، ولما غزا قريشاً ووصل إلى الفُرْع استعمل ابن أم مكتوم، وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره.
وبالجملة فمن المعلوم أنه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف. ؟؟؟؟ المسلمون من كان يستخلفه، فقد سافر من المدينة في عُمرتين: عمرة الحديبية وعمرة القضاء. وفي حجة الوداع، وفي مغازيه – أكثر من عشرين غزاة – وفيها كلها استخلف، وكان بالمدينة رجال كثيرون مستخلف عليهم من يستخلفه، فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لأحد استخلف عنها، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها، فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان، أو من هو معذور لعجزه عن الخروج، أو من هو منافق، وتخلف الثلاثة الذين تِِيبَ عليهم، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كل مرة، بل كان هذا الاستخلاف أضعف من الاستخلافات المعتادة منه، لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحداً، كما كان يبقي في جميع مغازيه، فإنه كان بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف، فكل استخلاف استخلفه في مغازيه، مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى والصغرى، وغزوة بني المصطلق، والغابة، وخيبر، وفتح مكة، وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال، ومغازيه بضع عشرة غزوة، وقد استخلف فيها كلها إلا القليل، وقد استخلف في حجة الوداع وعمرتين قبل غزوة تبوك.
وفي كل مرة يكون بالمدينة أفضل ممن بقي في غزوة تبوك، فكان كل استخلاف قبل هذه يكون عليٌّ أفضل ممن استخلف عليه عليًّا. فلهذا خرج إليه عليٌّ – رضي الله عنه – يبكي، وقال: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟
وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، وقال: إنما خلّفه لأنه يبغضه. فبيّن له النبي صلى الله عليه وسلم: إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي، وهذا الاستخلاف ليس بنقص ولا غضٍّ، فإن موسى استخلف هارون على قومه، فكيف يكون نقصاً وموسى لَيَفْعَله بهارون؟ فطيَّب بذلك قلب عليّ، وبيّن أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وإمامته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، وذلك لأن المستخلَف يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرج معه جميع الصحابة.
والملوك – وغيرهم – إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به، ومعاونته لهم، ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه بلسانه، ويده وسيفه.
والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا منه فظن من ظن أن هذا غضاضة من عليٍّ، ونقص منه، وخفض من منزلته، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة، التي تحتاج إلى سعي واجتهاد، بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مبيّناً أن جنس الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضًّا، إذ لو كان نقصاً أو غضاً لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده.(12/230)
وأما استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فجميع العسكر كان معه، ولم يُخَلَّف بالمدينة – غير النساء والصبيان – إلا معذورٌ أو عاصٍ.
وقول القائل: «هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا» هو كتشبيه الشيء بالشيء. وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلَّ عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء. ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأسارى لمّا استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر، فأشار بالقتل. قال: «سأخبركم عن صاحبيكم. مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة إبراهيم: 36]، ومثل عيسى إذ قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة المائدة: 118]. ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سورة نوح: 26]، ومثل موسى إذ قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [سورة يونس: 88]».
فقوله لهذا : مثلك كمثل إبراهيم وعيسى، ولهذا: مثل نوح وموسى – أعظم من قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ فإن نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يرد أنهما مثلهم في كل شيء، لكن فيما دلّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دلّ عليه السياق، وهو في استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون. وهذا الاستخلاف ليس من خصائص عليّ، بل ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً عن أن يكون أفضل منها. وقد استخلف مَنْ عليّ أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف عَلَى علي إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ؟
بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك استخلاف يكون عَلَى أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك، استدعت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة.
فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفُتحت مكة، وقوي الإسلام وعزّ. ولهذا أمر الله نبيّه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو. ولهذا لم يَدَع النبي صلى الله عليه وسلم عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يَدَع بها في الغزوات، بل أخذ المقاتلة كلهم معه.
وتخصيصه لعليّ بالذكر هنا هو مفهوم اللقب، وهو نوعان: لقب هو جنس، ولقب يجري مجرى العلم، مثل زيد، وأنت. وهذا المفهوم أضعف المفاهيم، ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على أنه لا يُحتج به. فإذا قال: محمد رسول الله، لم يكن هذا نفياً للرسالة عن غيره، لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص، فإنه يحتج به على الصحيح.
كقوله: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [سورة الأنبياء: 79]، وقوله: { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين: 15].
وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه، فلا يُحتج به باتفاق الناس فهذا من ذلك؛ فإنه إنما خصَّ عليًّا بالذكر لأنه خرج إليه يبكي ويشتكي تخليفه مع النساء والصبيان.
ومن استخلفه سوى عليّ، لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصًا، لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام. والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتضِ الاختصاص بالحكم، فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى، كما أنه لما قال للمضروب الذي نَهَى عن لعنه: « دعه؛ فإنه يحب الله ورسوله» لم يكن هذا دليلاً على أن غيره لا يحب الله ورسوله، بل ذكر ذلك لأجل الحاجة إليه لينهي بذلك عن لعنه.
ولما استأذنه عمر – رضي الله عنه – في قتل حاطب بن أبي بلتعة، قال: «دعه؛ فإنه قد شهد بدرًا» ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدراً، بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبه.
وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة، لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة، لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه.
وكذلك لما قال للحسن وأسامة: « اللهم! إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما» لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما، بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما.
وكذلك لما قال: « لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» لم ينفي أن من سواهم يدخلها.
وكذلك لما شبّه أبا بكر بإبراهيم وعيسى، لم يمنع ذلك أن يكون من أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى. وكذلك لمّا شبّه عمر بنوح وموسى، لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحاً وموسى.
فإن قيل: إن هذين أفضل من يشبههم من أمته.
قيل: الاختصاص بالكمال لا يمنع بالمشاركة في أصل التشبيه.
وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود: «إنه مثل صاحب ياسين».(12/231)
وكذلك لما قال للأشعريين: «هم مني وأنا منهم» لم يختص ذلك بهم، بل قال لعليّ: «أنت مني وأنا منك» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» وذلك لا يختص بزيد، بل أسامة أخوهم ومولاهم.
وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جداً، وهي لا توجب التماثل من كل وجه، بل فيما سيق الكلام له، ولا تقتضي اختصاص المشبَّه بالتشبيه، بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك.
قال الله تعالى: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [سورة البقرة: 261].
وقال تعالى: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [سورة يس: 13].
وقال: { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [سورة آل عمران: 117].
وقد قيل: إن في القرآن اثنين وأربعين مثلاً.
وقول القائل: إنه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل؛ فإن قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟» دليل على أن يسترضيه بذلك ويطيِّب قلبه لِمَا توهم من وهن الاستخلاف ينقص درجته، فقال هذا على سبيل الجبر له.
وقوله: «بمنزلة هارون من موسى» أي مثل منزلة هارون، فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره، وإنما يكون له ما يشابهها، فصار هذا كقوله: هذا مثل هذا، وقوله عن أبي بكر: مثله مثل إبراهيم وعيسى، وعمر: مثل نوح وموسى.
ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك، ثم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميراً على الموسم، وأردفه بعليّ، فقال [عليّ]: أمير أم مأمور؟ [فقال: بل مأمور]، فكان أبو بكر أميراً عليه، وعليّ معه كالمأمور مع أميره: يصلّي خلفه، ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم: أَلاَ لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان.
وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع، أو رجل من أهل بيته. فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يبيّن ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده، لم يكن هذا خطاباً بينهما يناجيه به، ولا كان أخَّره حتى يخرج إليه عليّ ويشتكي، بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم، بلفظ يبين المقصود.
ثم من جهل الرافضة أنهم يتناقضون، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب عليًّا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك، فلو كان عليّ قد عرف أنه المستخلَف من بعده – كما رووا ذلك فيما تقدم – لكان عليّ مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته، ولم يخرج إليه يبكي، ولم يقل له: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟
ولو كان عليّ بمنزلة هارون مطلقًا لم يستخلف عليه أحدًا. وقد كان يستخلف عَلَى المدينة غيره وهو فيها، كما استخلف على المدينة عام خيبر غير عليّ، وكان عليّ بها أرمد، حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية حين قدم، وكان قد أعطى الراية رجلاً فقال: «لأعطين الراية [غدًا] رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله».
وأما قوله: «لأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة أَوْلى بأن يكون خليفته».
فالجواب: أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير عليّ استخلافاً أعظم من استخلاف عليّ، واستخلف أولئك عَلَى أفضل من الذين استخلف عليهم عليًّا، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير عليّ في حجة الوداع، فليس جعل عليّ هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأَوْلى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه، وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان عَلَى المدينة كان عام حجة الوداع، وكان عليّ باليمن، وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير عليّ.
فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف، فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أَوْلى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك.
وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه، ولا تدل على الأفضلية، ولا على الإمامة، بل قد استخلف عدداً غيره. ولكن هؤلاء جهّال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين عليّ وغيره. خاصة بعليّ، وإن كان غيره أكمل منه فيها، كما فعلوا في النصوص والوقائع. وهكذا فعلت النصارى: جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالاً على شيء يختص به من الحلول والاتحاد، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ما أتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح، فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى، لا بحلول ولا اتحاد، بل إن كان ذلك كله ممتنعاً، فلا ريب أنه كله ممتنع في الجميع، وإن فُسِّر ذلك بأمر ممكن، كحصول معرفة الله والإيمان به، والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك، فهذا قدر مشترك وأمر ممكن.(12/232)
وهكذا الأمر مع الشيعة: يجعلون الأمور المشتركة بين عليّ وغيره، التي تعمّه وغيره، مختصة به، حتى رتّبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية. وهذا كله منتفٍ.
فمن عرف سيرة الرسول، وأحوال الصحابة، ومعاني القرآن والحديث: علم أنه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ولا إمامته، بل فضائله مشتركة، وفيها من الفائدة إثبات إيمان عليّ وولايته، والرد على النواصب الذين يسبّونه أو يفسّقونه أو يكفرونه ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة.
ففي فضائل عليّ الثابتة ردٌّ على النواصب، كما أن في فضائل الثلاثة ردًّا على الروافض.
وعثمان – رضي الله عنه – تقدح فيه الروافض والخوارج، ولكن شيعته يعتقدون إمامته، ويقدحون في إمامة عليّ. وهم في بدعتهم خير من شيعة عليّ الذين يقدحون في غيره. والزيدية الذين يتولون أبا بكر وعمر ومضطربون فيه.
وأيضاً فالاستخفاف في الحياة نوع نيابة، لا بد منه لكل ولي أمر، وليس كل [مَنْ] يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يُستخلف بعد الموت؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، وذلك كبشير بن [عبد] المنذر وغيره.
وأيضاً فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس، كما يُطالَب بذلك ولاة الأمور. وأما بعد موته فلا يطالب بشيء، لأنه قد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، نصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربّه. ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء، وقسم الفيء، وإقامة الحدود، واستعمال العمّال، وغير ذلك مما يجب على ولاة الأمور بعده، وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك.
فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت. والإنسان إذا استخلف أحداً في حياته عَلَى أولاده وما يأمر به من البرّ، كان المستخلف وكيلاً محضاً يفعل ما أَمَر به الموكِّل وإن استخلف أحداً على أولاده بعد موته، كان وليًّا مستقلاً يعمل بحسب المصلحة، كما أمر الله ورسوله، ولم يكن وكيلاً للميّت.
وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصاً في حياته، فإنه يفعل ما يأمره به في القضايا المعيّنة. وأما إذا استخلفه بعد موته، فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله، فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت، بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلِفه، فإنه يُضاف إلى من استخلَفه لا إليه. فأين هذا من هذا!؟
ولم يقل أحد من العقلاء: إن من استخلَف شخصاً على بعض الأمور. وانقضى ذلك الاستخلاف: إنه يكون خليفة بعد موته على شيء، ولكن الرافضة من أجهل الناس بالمعقول والمنقول.
فصل
قال الرافضي: الرابع: " أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغَيْبة، فيجب أن يكون خليفة له بعد موته. وليس غير عليّ إجماعاً، ولأنه لم يعزله عن المدينة، فيكون خليفة [له] بعد موته فيها، وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعاً».
والجواب: أن هذه الحجة وأمثالها من الحجج الداحضة، التي هي من جنس بيت العنكبوت. والجواب عنها من وجوه:
أحدها: أن نقول على أحد القولين: إنه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم. وإذا قالت الرافضة: بل استخلف عليًّا. قيل: الراوندية من جنسكم قالوا: استخلف العبّاس، وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالّة على استخلاف أحدٍ بعد موته إنما تدل على استخلاف أبي بكر، ليس فيها شيء يدل على استخلاف عليّ ولا العباس، بل كلها تدل على أنه لم يستخلف واحداً منهما. فيقال حينئذ: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أحداً فلم يستخلف إلا أبا بكر، وإن لم يستخلف أحداً فلا هذا ولا هذا.
فعلى تقدير كون الاستخلاف واجباً على الرسول، لم يستخلف إلا أبا بكر، فإن جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير أبي بكر، وإنما يدل ما يدل منها على استخلاف أبي بكر. وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة.
الوجه الثاني: أن نقول: أنتم لا تقولون بالقياس، وهذا احتجاج بالقياس، حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب. وأما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول: الفرق بينهما ما نبّهنا عليه في استخلاف عمر في حياته، وتوقفه في الاستخلاف بعد موته، لأن الرسول في حياته شاهد على الأمة، مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه، وبعد موته انقطع عنه التكليف.
كما قال المسيح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [سورة المائدة: 117] الآية، لم يقل: كان خليفتي الشهيد عليهم. وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف، فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « فأقول كما قال العبد الصالح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [سورة المائدة: 117].(12/233)
وقد قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران: 144].
فالرسول بموته انقطع عنه التكليف، وهو لو استخلف خليفة في حياته ثم يجب أن يكون معصومًا، بل كان يولّي الرجل ولايةً، ثم يتبين كذبه فيعزله، كما ولَّى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو لو استخلف رجلاً لم يجب أن يكون معصوماً، وليس هو بعد موته شهيداً عليه، ولا مكلَّفاً بردّه عما يفعله، بخلاف الاستخلاف في الحياة.
الوجه الثالث: أن يُقال: الاستخلاف في الحياة واجبٌ على كل وليّ أمر؛ فإن كل ولي أمر – رسولاً كان أو إماماً – عليه أن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور، فلا بد له من إقامة الأمر: إما بنفسه، وإما بنائبه. فما شهده من الأمر أمكنه أن يقيمه بنفسه، وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه، فيولّي عَلَى مَنْ غاب عنه مِن رعيته مَنْ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويأخذ منهم الحقوق، ويقيم فيهم الحدود، ويعدل بينهم في الأحكام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه، فيولِّي الأمراء على السرايا: يصلّون بهم، ويجاهدون بهم، ويسوسونهم، ويؤمِّر أمراء على الأمصار، كما أمّر عتاب بن أسيد على مكة، وأمّر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذاً وأبا موسى على قرى عُرينة وعلى نجران وعلى اليمن، وكما كان يستعمل عمالاً على الصدقة، فيقبضونها ممن تجب عليه، ويعطونها لمن تحلّ له، كما استعمل غير واحد.
وكان يستخلف في إقامة الحدود، كما قال لأنيس: «يا أُنَيْس، اغد على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها» فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
وكان يستخلف على الحج، كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك، وكان عليّ من جملة رعية أبي بكر: يصلّي خلفه، ويأتمر بأمره، وذلك بعد غزوة تبوك.
وكما استخلف على المدينة مراتٍ كثيرة، فإنه كان كلما خرج في غزاة استخلف. ولما حج واعتمر استخلف. فاستخلف في غزوة بدر، وبني المصطلق، وغزوة خيبر، وغزوة الفتح، واستخلف في غزوة الحديبية، وفي غزوة القضاء، وحجة الوداع، وغير ذلك.
وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجباً على متولّي الأمر وإن لم يكن نبياً، مع أنه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته، لكون الاستخلاف في الحياة أمراً ضروريًّا لا يؤدَّى الواجب إلا به، بخلاف الاستخلاف بعد الموت، فإنه قد بلَّغ الأمة، وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته، فيمكنهم أن يعينوا من يؤمِّرونه عليهم، كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معيّن – عُلم أن لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت.
الرابع : أن الاستخلاف في الحياة واجبٌ في أصناف الولايات، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف على من غاب عنهم من يقيم فيهم الواجب، ويستخلف في الحج، وفي قبض الصدقات، وحفظ مال الفيء، وفي إقامة الحدود، وفي الغزو وغير ذلك.
ومعلوم أن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء، بل ولا يمكن، فإنه لا يمكن أن يعيِّن للأمة بعد موته من يتولّى كل أمر جزئي، فإنهم يحتاجون إلى واحدٍ بعد واحد، وتعيين ذلك متعذر، ولأنه لو عيَّن واحداً فقد يختلف حاله ويجب عزله، فقد كان يولّي في حياته من اشتكى إليه فيعزله، كما عزل الوليد بن عقبة، وعزل سعد بن عبادة عام الفتح وولَّى ابنه قيساً، وعزل إماماً كان يصلِّي بقوم لما بصق في القبلة، وولَّى مرة رجلاً فلم يقيم بالواجب، فقال: «أعجزتم إذا ولّيت من لا يقوم بأمري أن تولّوا رجلاً يقوم بأمري» فقد فوّض إليهم عزل من لا يقوم بالواجب من ولاته، فكيف لا يفوض إليهم ابتداءً تولية من يقوم بالواجب؟!
وإذا كان في حياته من يولّيه ولا يقوم بالواجب فيعزله، أو يأمر بعزله، كان لو ولّى واحداً بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب، وحينئذ فيحتاج إلى عزله، فإذا ولّته الأمة وعزلته، كان خيرًا لهم من أن يعزلوا من ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف، وعلى هذا فنقول في:
الوجه الخامس: أن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أَوْلى من الاستخلاف، كما اختاره الله لنبيه، فإنه لا يختار له إلا أفضل الأمور، وذلك؛ لأنه: إما أن يُقال: يجب أن لا يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، وكان يصدر من بعض نوّابه أمور منكرة فينكرها عليهم، ويعزل من يعزل منهم. كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم، فَودَاهم النبي صلى الله عليه وسلم بنصف دياتهم، وأرسل عليّ بن أبي طالب فضمن لهم حتى ميلغة الكلب، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال: «اللهم! إني أبرأ إليك مما صنع خالد».(12/234)
واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصفيه» ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلى الله عليه وسلم خالدًا.
واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قومٍ، فرجع فأخبره أن القوم امتنعوا وحاربوا، فأراد غزوهم، فأنزل الله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [سورة الحجرات: 6].
وولّى سعد بن عبادة يوم الفتح، فلما بلغه أن سعداً قال :
اليوم يوم الملحمة . . اليوم تستباح الحرمة
عزله، وولى ابنه قيساً، وأرسل بعمامته علامةً على عزله، ليعلم سعد أن ذلك أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يُشْتَكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به، كما اشتكى أهل قباء معاذًا لتطويله الصلاة بهم، لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال: « أفتَّان أنت يا معاذ؟ اقرأ سبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها».
وفي الصحيح أن رجلاً قال له: إني أتخلّف عن صلاة الفجر مما يطوِّل بنا فلان، فقال: «يا أيها الناس! إذا أمَّ أحدكم فليخفف؛ فإن من ورائه الضعيف والكبير وذا الحاجة، وإذا صلّى لنفسه فليطوّل ما شاء».
ورأى إماماً قد بصق في قبلة المسجد، فعزله عن الإمامة، وقال: «إنك آذيت الله ورسوله».
وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يعلّم خلفاءه ما جهلوا، ويقوِّمهم إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا. ولم يكونوا مع ذلك معصومين. فعُلم أنه لم يكن يجب عليه أن يولّي المعصوم.
وأيضاً فإن هذا تكليف ما لا يمكن؛ فإن الله لم يخلق أحداً معصوماً غير الرسول صلى الله عليه وسلم. فلو كُلِّف أن يستخلف معصوماً لكُلِّف ما لا يقدر عليه، وفات مقصود الولايات، وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا.
وإذا عُلم أنه كان يجوز – بل يجب – أن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته، لاستخلف أيضاً غير معصوم، وكان لا يمكنه أن يعلّمه ويقوّمه كما كان يفعل في حياته، فكان أن لا يستخلف خيرًا من أن يستخلف.
والأمة قد بلغها أمر الله ونهيه، وعلموا ما أمر الله به ونهى عنه، فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله، ويعاونونه على إتمامهم القيام بذلك، إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك، فما فاته من العلم بيّنه له من يعلمه، وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة، وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم، وليس على الرسول ما حُمِّلوه، كما أنهم ليس عليهم ما حُمِّل.
فعُلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت أكمل في حق الرسول من الاستخلاف، وأن من قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من أجهل الناس.
وإذا عَلٍمَ الرسول أن الواحد مِنَ الأُمَّة هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلاَفَةِ، كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره، كان في دلالته للأمة على أنه أحق، مع علمه بأنهم يولُّونه، ما يغنيه عن استخلافه، لتكون الأمة هي القائمة بالواجب، ويكون ثوابها على ذلك أعظم من حصول مقصود الرسول.
وأما أبو بكر فلما علم أنه ليس في الأمة مثل عمر، وخاف أن لا يولُّوه إذا لم يستخلفه لشدته، فولاّه هو – كان ذلك هو المصلحة للأمة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أن الأمة يولُّون أبا بكر، فاستغنى بذلك عنْ توليَتِه، مَع دلالته لهم عَلَى أنه أحق الأمة بالتولية. وأبو بكر لم يكن يعلم أن الأمة يولُّون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر. فكان ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو اللائق به لفضل علمه، وما فعله صدِّيق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه السادس: أن يقال: هب أن الاستخلاف واجب، فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، على قول من يقول: إنه استخلفه، ودلّ على استخلافه على القول الآخر.
وقوله : « لأنه لم يعزله عن المدينة ».
قلنا : هذا باطل؛ فإنه لمّا رجع النبي صلى الله عليه وسلم انعزل عليٌّ عند رجوعه، كما كان غيره ينعزل إذا رجع. وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن، حتى وافاه الموسم في حجة الوداع، واستخف عَلَى المدينة في حجة الوداع غيره.
أفترى النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقيماً وعليّ باليمن، وهو خليفة بالمدينة؟!
ولا ريب أن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، كأنهم ظنّوا أن عليًّا ما زال خليفة عَلَى المدينة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعلموا أن عليًّا بعد ذلك أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود، وأمَّر عليه أبا بكر. ثم عند رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن، كما أرسل معاذًا وأبا موسى.(12/235)
ثم لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استخلف عَلَى المدينة غير عليٍّ، ووافاه عليّ بمكة، ونحر النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، نحر بيده ثُلُثيها، ونحر علي ثلثها.
وهذا كله معلوم عند أهل العلم، متفق عليه بينهم، وتواترت به الأخبار، كأنك تراه بعينك. ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية.
والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته. فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها، كما أن سائر من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع انقضت خلافته. وكذلك سائر ولاة الأمور: إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلِف.
ولهذا لا يصلح أن يُقال: إن الله يستخلف أحداً عنه، فإنه حيٌّ قيوم شهيد مدبّر لعباده، منزّه عن الموت والنوم والغَيْبة.
ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لست خليفة الله، بل خليفة رسول الله، وحسبي ذلك.
والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم! أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل». وقال في حديث الدجَّال: «والله خليفتي على كل مسلم».
وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان فيه.
كقوله: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم} [سورة يونس: 14]، { وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [سورة الأعراف: 69]، { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [سورة النور: 55].
وبذلك قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة: 30]، خليفة عن خلقٍ كان في الأرض قبل ذلك، كما ذكر المفسرون وغيرهم.
وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية وغيرهم أن الإنسان خليفة الله، فهذا جهل وضلال.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 325-353) .
الشبهة(2) : احتجاجهم بآية المباهلة
قال عبدالله بن الحسين السويدي في مناظرته مع أحد علماء الشيعة :
ثم قال – أي الشيعي - : عندي دليل آخر لا يقبل التأويل، وهو قوله تعالى: { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }.
قلت له :- ما وجه الدليل من هذه الآية؟
فقال :- إنه لما أتى نصارى نجران للمباهلة، احتضن النبي صلى الله عليه وسلم الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة من ورائهم وعلي خلفها، ولم يقدّم إلى الدعاء إلا الأفضل.
قلت : هذا من باب المناقب، لا من باب الفضائل. وكل صحابي اختص بمنقبة لا توجد في غيره، كما لا يخفى على من تتبع كتب السير. وأيضاً إن القرآن نزل على أسلوب كلام العرب، وطرز محاوراتهم. ولو فرض أن كبيرين من عشيرتين وقع بينهما حرب وجدال، يقول أحدهما للآخر. ابرز أنت وخاصة عشيرتك، وأبرز أنا وخاصة عشيرتي، فنتقابل ولا يكوّن معنا من الأجانب أحد، فهذا لا يدل على أنه لم يوجد مع الكبيرين أشجع من خاصتهما. وأيضاً الدعاء بحضور الأقارب يقتضي الخشوع المقتضي لسرعة الإجابة.
فقال : ولا ينشأ الخشوع إذ ذاك إلا من كثرة المحبة.
فقلت : هذه محبة مرجعها إلى الجبلَّة والطبيعة، كمحبة الإنسان نفسه وولده أكثر ممن هو أفضل منه ومن ولده بطبقات فلا يقتضي وزراً ولا أجراً إنما المحبة المحدودة التي تقتضي أحد الأمرين المتقدمين إنما هي المحبة الاختيارية.
فقال : وفيها وجه آخر يقتضي الأفضلية، وهو حيث جعل نفسه صلى الله عليه وسلم نفس علي، إذ في قوله: " أبناءنا " يراد الحسن والحسين، وفي "نساءنا" يراد فاطمة، وفي " أنفسنا " لم يبق إلا علي والنبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت : الله أعلم أنك لم تعرف الأصول، بل ولا العربية. كيف وقد عبر بأنفسنا، و" الأنفس" جمع قلة مضافاً إلى " نا " الدالة على الجمع ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي تقسيم الآحاد، كما في قولنا: "ركب القوم دوابهم" أي ركب كل واحد دابته. وهذه مسألة مصرحة في الأصول، غاية الأمر أنه أطلق الجمع على ما فوق الواحد وهو مسموع كقوله تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أي عائشة وصفوان - رضي الله تعالى عنهما -، وقوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ولم يكن لهما إلا قلبان. على أن أهل الميزان يطلقون الجمع في التعاريف على ما فوق الواحد، وكذلك أطلق الأبناء على الحسن والحسين، والنساء على فاطمة فقط مجازاً. نعم لو كان بدل أنفسنا "نفسي" لربما كان له وجه ما بحسب الظاهر.(12/236)
وأيضاً لو كانت الآية دالة على خلافة عليّ لدلت على خلافة الحسن والحسين وفاطمة مع أنه بطريق الاشتراك، ولا قائل بذلك لأن الحسن والحسين إذ ذاك صغيران وفاطمة مفطومة كسائر النساء عن الولايات، فلم تكن الآية دالة على الخلافة.
فانقطع..
( المرجع : الخطوط العريضة ، محب الدين الخطيب ، ص 78-81) .
الشبهة(3): احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث ما دار"
وجوابه :
أولاً : ما قاله الإمام الحافظ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا الحديث بهذا اللفظ ليس في شيء من الكتب الأمهات إلا في الترمذي وليس فيه إلا قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه خاصة" وأما الزيادة فليست فيه.
(كذلك قال الشيخ الإمام مجد الدين الفيروز آبادى، أنه لا يصح من طريق الثقات أصلاً والزيادة التي ألحقوها به كذب وقوله: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه ليس بصريح في حكمه كما يزعمه الرافضة لا من التصريح هو الذي لا يتحمل التأويل، وأيضاً اللفظ "المولى" مشتركة في محامل يطلق على العبد والسيد وعلى المعتق وعلى الزعيم وعلى الناصر وعلى الأولى فليست بصريحة كما يدعوه) وأما الزيادة كوفية، ولا ريب أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجوه.
أحدها: أن الحق لا يدور مع أحد، شخص معين بعد رسول صلى الله عليه وسلم حيث ما دار لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم؛ لأنه لو كان كذلك لكان بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم يجب إتباعه في كل ما يقول. ومعلوم أن عليًّا رضي الله عنه كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل كثيرة وجد فيها نصوص النبي صلى الله عليه وسلم توافق من نازعه لا قوله. منها المرأة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً فإن عليًّا أفتى بأنها تعتد أبعد الأجلين وعمر وابن مسعود وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل وبهذا جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو السنابل بن بعكك، أفتى بمثل قول علي رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم: كذب أبو السنابل قد حللت فانكحي. يقول لسبيعة الأسلمية لما سأله عن ذلك.
وقوله عليه السلام (فيما زعموا): أُنصر من نصره، واخذل من خذله؛ فإن الواقع ليس كذلك فقد قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا وأقوام لم يقاتلوا معه فما خذلوا. كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق لم يقاتل معه وكذا أصحاب معاوية رضي الله عنه وبنو أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى. لاسيما من كان على رأي الشيعة فإنهم دائماً مخذولون وأهل السنة منصورون. وهم يقولون: أنهم ينصرونه وأهل السنة يخذلونه. ويسمون أنفسهم المؤمنين وهم متصفون بصفات بغير صفات المؤمنين فإن سيماهم التقية وهو أن يقول أحدهم بلسانه ما ليس في قلبه وهذا من صفات المنافقين. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
وللمنافقين الذلة لا العزة وقال تعالى:{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} والنصر والغلبة لأهل السنة لا للشيعة.
وقوله: " اللهم! والِ من والاه وعاد من عاداه " مخالف لأصول الإسلام. فإن القرآن قد بيَّن أن المؤمنين مع اقتتالهم وبغى بعضهم على البعض هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا...} الآية.
فكيف يجوز أن يقول عليه السلام لواحد من أمته: " اللهم والِ من والاه.." الخ، والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياءه وبعضهم أولياء بعض، وأنهم إخوة، وإن اقتتلوا أو بغوا؟! على أن حديث " من كنت مولاه " قد طعن فيه علماء الحديث كالبخاري.
وإبراهيم الحربي وغيرهما. وحسنه أحمد والترمذي، وغيرهما، فإن كان قاله فما أراد به ولاية يختص بها بل لم يرد به إلا الولاية المشتركة وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله تعالى بين عباده المؤمنين وبيَّن بهذا أن عليًّا رضي الله عنه من المؤمنين الذين يجب موالاتهم، وليس هو كما يقول النواصب من: أنه كافر أو فاسق فلا يستحق الموالاة. والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب الموالاة لجميع المؤمنين وعلي رضي الله عنهم وسائر المهاجرين والأنصار ولا يجوز معاداة أحد من هؤلاء فمن لم يولهم فقد عصى الله ورسوله .قال أهل السنة وسبب: قوله عليه السلام: من كنت مولاه فعلي مولاً له " أن أسامة بن زيد أنكر ولاية علي.
وأما حديث التصدق بالخاتم في الصلاة فكذب موضوع باتفاق أهل المعرفة، وأما ما يظن الرافضة من أن في الآية والحديث دلالة أن عليًّا رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الجهل المقطوع. بخطأ صاحبه فإن الولاء بالفتح وهو ضد العداوة والاسم منه مولى ولي. والولاية بالكسر والاسم منها والي ومتولي.(12/237)
قال سبحانه: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} والوالي من الموالاة وكذلك الولي، وهي ضد المعاداة، وهي من الطرفين لقوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ}. فمعنى الحديث إن صح "من كنت مولاه": يواليني ويواليه، فعلي مولاه، يوالي عليًّا وعليّ يواليه، وهذا واجب لكل مؤمن.
قال البيهقي في كتاب « الاعتقاد »: " ليس في الحديث إن صح إسناده نص على ولاية علي رضي الله عنه بعد (النبي صلى الله عليه وسلم) فقد ذكرنا من طرق في كتاب «الفضائل» ما دلَّ على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأكثروا بغضه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على مودته وموالاته وترك معاداته فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". وفي رواية "من كنت وليه فعلي وليه" والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضاً ولا يعادي بعضهم بعضاً، وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ نسمته أنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وكذا قال الإمام الشافعي أن المراد به في الحديث ولاء الإسلام.
ذلك كقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} ولما سأل عنه الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم فقال له: لو يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أنصح للمسلمين وقال: يا أيها الناس! هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، والله لئن كان الله عز وجل ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر وجعله القائم به للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله، لكان علي أول من ترك أمر الله ورسوله وأعظم الناس خطيئة وجرماً في ذلك.
قال الإمام البيهقي وكذا قال أخوه عبد الله بن الحسن وروينا عنه أنه قال: مَن هذا الذي يزعم أن عليًّا رضي الله عنه كان مقهوراً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأمور لم ينفذها فكفى به أزراً على علي رضي الله عنه ومنقصه بأنه يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأمر فلم ينفذه.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 212 – 224 ) .
الشبهة(4): احتجاجهم بحديث ( غدير خُم )
وهو قوله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خُمّ: " أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" وهو حديث رواه مسلم في صحيحه.
وخُمّ بضم المعجمة والميم المشددة اسم الغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيضة.
وجوابه أن هذا الحديث ليس من خصائص علي رضي الله عنه بل هو مشترك بين جميع أهل البيت آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس.
وأبعد الناس عن قبول هذه الوصية الطائفة الرافضة فأنهم يعادون العباس وبنيه وذريته رضي الله عنهم بل يعادون جمهور أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويعاونون الكفار الذين يعادون أهل البيت وأهل الإسلام.
وأما أهل السنة فإنهم يعرفون حقوق أهل البيت ودرجاتهم ويحبونهم كلهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 224 – 225 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي: الثاني: الخبر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [سورة المائدة: 67] خطب الناس في غدير خُم وقال للجمع كله: يا أيها الناس، ألست أَوْلى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم! والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقال عمر: بخٍ، بخٍ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. والمراد بالمولى هنا: الأوْلى بالتصرف لتقدّم التقرير منه صلى الله عليه وسلم بقوله: ألست أَوْلى منكم بأنفسكم؟
والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدّم، وبيَّنا أن هذا كذب، وأن قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [سورة المائدة: 67] نزل قبل حجة [الوداع] بمدة طويلة.
ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج، وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث. ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولاً قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[سورة المائدة: 3] وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن، وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم.(12/238)
وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام، فكيف يكون قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [سورة المائدة: 67] نزل ذلك الوقت، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وإن كان ذلك في سورة المائدة، كما أن فيها تحريم الخمر، والخمر حُرِّمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد، وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله: { فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [سورة المائدة: 42]. وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين، وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء. ورجم اليهوديين كان أول ما فعله بالمدينة، وكذلك الحكم بين قريظة والنضير، فإن بني النضير أجلاهم قبل الخندق، وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق.
والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية، وقبل فتح خيبر. وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين، وذلك كله قبل حجة الوداع، وحجة الوداع قبل خطبة الغدير.
فمن قال: إن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفترٍ باتفاق أهل العلم.
وأيضاً فإن الله تعالى قال في كتابه: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة: 67] فضمن له سبحانه أن يعصمه من الناس إذا بلّغ الرسالة ليؤمّنه بذلك من الأعداء. ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول هذه الآية يُحرس، فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك.
وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ.
وقال في حجة الوداع: «ألا هل بلغت، ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم قال: «اللهم! اشهد» وقال: «أيها الناس، إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله. وأنتم تسألونه عني فما أنتم قائلون؟ » قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت. فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول: «اللهم اشهد، اللهم اشهد» وهذا حديث جابر في صحيح مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة.
وقال : «ليبلِّغ الشاهد الغائب، فربَّ مبلَغٍ أوعى من سامع».
فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدّم، فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجّة الوداع، لأنه قد بلًَّغ قبل ذلك، ولأنه حينئذ لم يكن خّائِفاً من أحدٍ يَحْتَاجُ أَنْ يُعصم مِنْه، بل بَعْد حَجَّة الوَدَاع كان أهلْ مَكَّة والمدينة وما حَوْلَهُما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر ، والمنافقون مقموعون مُسِرُّون للنفاق، ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول منه. فلا يُقال له في هذه الحال: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة: 67] .
وهذا مما يبيّن أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أُمر بتبليغه، الذي بلًَّغه في حجة الوداع؛ فإن كثيراً من الذين حجُّوا معه – أو أكثرهم – لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى وديانهم. وإنما رجع [معه] أهل المدينة ومن كان قريباً منها.
فلو كان ما ذَكَرَهُ يَوْمَ الغَدِيْر مِمَّا أُمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في الحج، بلغه في حجة الوداع كما بلَّغ غيره، فلما لم يذكر في حجّة الوداع إمامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلاً، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعف أنه في حجّة الوداع ذكر إمامة عليّ، بل ولا ذكر عليًّا في شيء من خطبته، وهو المجمع العام الذين أُمر فيه بالتبليغ العام – عُلم أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أُمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يُذكر في إمامته.
والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله» فذكر كتاب الله وحضَّ عليه ثم قال: «وعترتي أهل بيتي، أذكِّركم الله [في أهل بيتي]» ثلاثاً. وهذا مما انفرد به مسلم، ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: « وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنها ليست من الحديث. والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالةٍ. وهذا قاله طائفة من أهل السنّة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلي وغيره.
والحديث الذي في مسلم، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتِّباع كتاب الله. وهذا أمر قد تقدّمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر بإتِّباع العترة، ولكن قال: «أذكّركم الله في أهل بيتي» وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدّم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم، والامتناع من ظلمهم. وهذا أمر قد تقدّم بيانه قبل غدير خُم.(12/239)
فعلم أنه لم يكن في غدير خُم أمر يشرع نزل إذ ذاك، لا في حق عليّ ولا غيره، لا إمامته ولا غيرها.
لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». وأما الزيادة وهي قوله: «اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه..» إلخ، فلا ريب أنه كذب.
ونقل الأثرم في «سننه» عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر، إنه حدّث بحديثين: أحدهما: قوله لعليّ: إنك ستعرض على البراءة مني فلا تبرأ. والآخر: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه. فأنكره أبو عبيد جداً، لم يشك أن هذين كذب.
وكذلك قوله: أنت أَوْلى بكل مؤمن ومؤمنة، كذب أيضًا.
وأما قوله: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنُقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعَّفوه، ونُقل عن أحمد بن حنبل أنه حسَّنه كما حسَّنه الترمذي. وقد صنَّف أبو العباس بن عُقْدة مصنَّفًا في جميع طرقه.
وقال ابن حزم: «الذي صح من فضائل عليّ فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» وقوله: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» وهذه صفة واجبة لكل مسلم ومؤمن وفاضل وعهده صلى الله عليه وسلم أن عليًّا: «لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق». وقد صحَّ مثل هذا في الأنصار أنهم «لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر».
قال: «وأما «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فلا يصح من طريق الثقات أصلاً. وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض موضوعه، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها».
فإن قيل : لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: «أنت مني وأنا منك» وحديث المباهلة والكساء.
قيل : مقصود ابن حزم: الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يُذكر إلا عليّ. وأما تلك ففيها ذكر غيره، فإنه قال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا». وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر عليّ وفاطمة وحسن وحسين – رضي الله عنهم -، فلا ورد هذا على ابن حزم.
ونحن نجيب بالجواب المركّب فنقول: إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه. ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلَّغ بلاغًا مبينًا.
وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة. وذلك أن المولى كالولي. والله تعالى قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة المائدة: 55]، وقال: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سورة التحريم: 4]، فبيَّن أن الرسول وليَّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيَّن أن الله وليّ المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه. فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويُحادّون الله ورسوله ويعادونه.
وقد قال تعالى: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [سورة الممتحنة: 1]. وهو يجازيهم على ذلك، كما قال تعالى:{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 279].
وهو وليّ المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله وليّ المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن. فعليُّ – رضي الله عنه – من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.
وفي هذا الحديث إثبات إيمان عليّ في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف رسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضًا له مولى بطريق الأَوْلى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أسلم وغفاراً ومزينة وجهينة وقريشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله، وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة فرق بين الوليّ والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية – التي هي ضدّ العداوة – شيء، وباب الولاية – التي هي الإمارة – شيء.(12/240)
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من كنت واليه فعليّ واليه، وإنما اللفظ «من كنت مولاه فعليّ مولاه».
وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين؛ فإن المؤمنين أولياء الله، وهو مولاهم.
وأما كونه أَوْلى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم، وكونه أَوْلى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته، ولو قُدِّر أنه نصَّ على خليفة من بعده، لم يكن ذلك موجباً أن يكون أَوْلى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى لقال من كنت أَوْلى به من نفسه فعليّ أَوْلى به من نفسه، وهذا لم يقله، ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعاً؛ لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، وخلافة عليّ – لو قدر وجودها – لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون عليٌّ خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أَوْلى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين، إذا أُريد [به] الخلافة.
وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد الخلافة؛ فإن كونه وليّ كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتأخر حكمه إلى الموت. وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت. فعُلم أن هذا ليس حقًّا.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدًا على بعض الأمور في حياته، أو قُدِّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته، قُدِّر أنه استخلف أحداً بعد موته، وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى كل مؤمن من نفسه، لاسيما في حياته.
وأما كون عليّ وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعليّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات عليّ، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس. وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتًا .
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 313-325) .
الشبهة(5): احتجاجهم بحديث : "أقضاكم علي"
وجوابه :
أولاً : فقد قال الإمام الحافظ تقي الدين ابن تيمية أنه حديث غير معروف ولم يروه أحد من كتب السنة وأهل المسانيد المشهورة لا أحمد ولا غيره لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، وإنما يروى من طريق من هو معروف بالكذب. نعم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أُبيّ أقرأنا وعلي أقضانا" وقال ذلك بعد موت أبي بكر رضي الله عنه. وروى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت. وليس فيه ذكر علي ،ضعّفه بعض وحسّنه بعض ، والحديث الذي فيه ذكر علي مع ضعفه اتفاقاً فيه أن معاذ بن جبل أعلم بالحلال والحرام وزيد بن ثابت أعلم بالفرائض. فلو قدر صحة هذا الحديث لكان الأعلم بالحلال والحرام أوسع علماً من الأعلم بالقضاة؛ لأن الذي يختص بالقضاة إنما هو فصل الخصومات في الظواهر مع جواز أن يكون الباطن بخلافه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون الحق بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار".
فقد أخبر سيد القضاة أن قضاه لا يحل الحرام ، بل يحرم على المسلم أن يأخذ بقضاء منا قضى له به من حق الغير، وعلم أن الحلال والحرام يتناول الباطن والظاهر فكان الأعلم به أعلم بالدين وأيضاً أن القضاء نوعان.
أحدهما : عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمراً ينكره الآخر فيه فيحاكم فيه بالبينة ونحوها.
الثاني : ما لا يتجاحدان فيه بل يتصادقان ولكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما كتنازعهما في قسمة فريضة أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر أو ما يستحقه كل من الشريكين، ونحو ذلك. فهذا الباب وهو من باب والحلال والحرام، فإذا أفتاهما من يرضيان بقوله كفاهما ذلك ولم يحتاجا إلى من يحكم، وإنما يحتاجان عند التجاحد وذلك إنما يكون في الأغلب مع الفجور، وقد يكون مع النسيان. وأما الحلال والحرام فيحتاج إليه كل أحد من بر وفاجر وما يختص بالقضاء ولا يحتاج إليه إلا قليل من الأبرار.
وهذا لما أمر أبو بكر عمر رضي الله عنهما أن يقضي بين الناس مكث حولاً لم يتحاكم اثنان في شيء ولوعد مجموع ما قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ عشر حكومات، فأين هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام الذي هو قوام دين الإسلام ويحتاج إليه الخاص والعام.(12/241)
وقوله صلى الله عليه وسلم أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل أقرب إلى الصحة باتفاق علماء الحديث من قوله: "أقضاكم علي" لو كان مما يحتج به. وإذا كان أصح سنداً وأظهر دلالة علم أن المحتج به على أن عليًّا أعلم من معاذ بن جبل جاهل فكيف من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الذين هما أعلم من معاذ بن جبل. والله أعلم.
وثانياً نقول: هذا إن ثبت لا حجة فيه لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف كل صحابي بما فيه فقال: "أفرضكم زيد، وأقرأكم أبي" ثم لم يكفهم هذا حتى يعدوا وطعنوا في كبار الصحابة طعناً يقتضي التكفير والظلم وهو بهتان، فإن القرآن العزيز قد شهد بعد التهم .
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 226 – 229 ) .
الشبهة(6): احتجاجهم بحديث : "أنا مدينة العلم وعلي بابها"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو أضعف وأوهى من الذي قبله، ولهذا أعده ابن الجوزي في الموضوعات المكذوبات وبيّن وضعه من سائر طرق. والكذب يعرف من نفسه متنه لا يحتاج إلى النظر في إسناده. فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم لم يكن لهذه المدينة إلا باب واحد. ولا يجوز أن المبلغ للعلم عنه واحد بل يجب أن يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب دون الواحد. وخبر رواية الواحد لا يفيد العلم إلا مع القرائن فتلك القرائن إما أن تكون متيقنة وإما أن تكون خفية عن كثير من الناس أو أكثرهم فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنة المتواترة بخلاف النقل المتواتر الذي يحصل به العلم للخاص والعام.
وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل ظنه مدحاً وهو يطرق الزنادقة إلى القدح في علم الدين إذا لم يبلغه إلا واحد من الصحابة رضي الله عنهم، ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر فإن جميع مدائن المسلمين بلغهم العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي.
أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهم ظاهر وكذلك أهل الشام والبصرة فإن هؤلاء لم يكونوا يرون عن علي رضي الله عنه إلا قليلاً، وإنما غالب علمه كان في أهل الكوفة ومع هذا فقد كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان بن عفان، فضلاً عن خلافة علي وكان أفقه أهل المدينة وأعلمهم، تعلموا الدين في خلافة عمر رضي الله عنه. وقبل ذلك لم يتعلم أحد منهم من علي إلا من تعلم منه لما كان باليمن كما تعلموا من معاذ بن جبل وكان مقام معاذ في أهل اليمن وتعليمه أكثر من مقام علي وتعليمه ورووا عن معاذ أكثر مما رووا عن علي وشريح وغيره من أكابر التابعين، إنما تفقهوا على معاذ ولما قدم على الكوفة كان شريح قاضياً فيها قبل ذلك، وعلي وجه على القضاء في خلافته شريحاً وعبيدة السلماني وكلاهما تفقه على غيره.
فإذا كان علم الإسلام بالحجاز والشام واليمن والعراق وخراسان ومصر والمغرب قبل أن يقدم على الكوفة. لما صار إلى الكوفة عامة ما بلغه من العلم غيره من الصحابة رضي الله عنهم ولم يختص علي رضي الله عنه بتبليغ شيء من العلم إلا وقد اختص غيره بما هو أكثر منه فالتبليغ للعلم الحاصل بالولاية حصل لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أكثر مما حصل لعلي رضي الله عنه، وأما الخاص فابن عباس رضي الله عنه كان أكثر فتيا من علي رضي الله عنهما، وأبو هريرة رضي الله عنه كان أكثر رواية منه، وعلي رضي الله عنه أعلم منهما كما أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا أعلم منهما.
فإن الخلفاء الراشدين قاموا من تبليغ العلم العام بما كان لناس أحوج إليه مما بلغه بعض أهل العلم الخاص.
وأما ما يرويه بعض أهل الجهل والكذب من اختصاص علي رضي الله عنه بعلم انفرد به عن الصحابة فكله باطل، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قيل له هل عندكم من رسول الله ؟ صلى الله عليه وسلم فقال: " لا والذي فلق الحبة وبرأ نسمة إلا فهم يؤتيه الله تعالى عبداً في كتابه وما في هذه الصحيفة" وكان فيها عقول الديات أي أسنان الإبل التي يجب في الدية وفيها فكاك الأسير وفيها أن لا يقتل المسلم بكافر. وفي لفظ: هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس؟ فنفى ذلك. إلى غير ذلك من الأحاديث الثابتة عنه التي تدل على أن كل من ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم خصَّه بعلم فقد كذب عليه.(12/242)
وما يقوله بعض الجهال أنه شرب من غسل النبي صلى الله عليه وسلم فأورثه علم الأولين والآخرين. من أقبح الكذب البارد، فإن شرب غسل الميت ليس بمشروع ولا شرب علي رضي الله عنه شيئاً، ولو كان هذا يوجب العلم لشركه فيه كل من حضر، ولم يرو هذا أحد من أهل العلم وكذا قولهم: أنه كان عنده علم باطن امتاز به عن أبي بكر وعمر وغيرهما. فهذا من مقالات الملاحدة الباطنية الذين هم أكفر من الرافضة بل فيهم من الكفر ما ليس في اليهود والنصارى كالذين يعتقدون ألوهيته ونبوته، أو أنه كان أعلم من النبي × أو أنه كان معلماً للنبي صلى الله عليه وسلم في الباطن ونحو هذه المقالات الشنيعة السخيفة التي لا تصدر إلا من الغلاة في الكفر والإلحاد".
قلت : على أن هذا الحديث قد روي غيره في بقية الخلفاء الأربعة.
فروى صاحب مسند الفردوس وغيره مرفوعاً: "أن دار الحكمة وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلى ومعاوية خلفها".
فينبغي تأمل هذا الحديث وإن كان ضعيفاً كحديث علي. كيف جعل الصدِّيق والفاروق وذي النورين من أصل بناء الدار وعليًّا باب ذلك البناء الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا يتم البناء إلا بالأساس والحيطان والسقوف والباب يدخل فيه إليهما؟!. والله أعلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 229 – 235 ) .
الشبهة(7): احتجاجهم بحديث الطير
المروي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده يوماً طير فقال: "اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير" فجاء علي رضي الله عنه فأكل معه. رواه الترمذي وقال: حديث غريب.
واستطابه وقال: " اللهم أدخل إليّ أحب خلقك إليك". وأنس رضي الله عنه بالباب فجاء علي بن أبي طالب فقال: يا أنس! استأذن لي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه على حاجة فدفع، في صدره ودخل فقال: يوشك أن يحال بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم والِ من والاه". وفي الكامل لابن عدي في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي أن الطير المشوي كان حجلاً وفي ترجمة جعفر بن ميمون أنه كان حيارى. قال الحاكم: قد رواه عن أنس أكثر منه.
وجوابه:
قال الشيخ العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه "الرد على الرافضة": أن هذا حديث لم يرد في الصحيح ولا صححه أحد من الأئمة، وهو من الكذب الموضوع عند أهل المعرفة بالنقل، قال الحافظ أبو موسى المديني: قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق حديث الطير للاعتبار والمعرفة كالحاكم النيسابوري وأبى نعيم وابن مردويه وسئل عنه الحاكم فقال: لا يصح.
ثانياً : وهو معارض بالأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " الحديث.
وقوله عليه السلام لما سئل: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قيل: فمن الرجال؟ قال: أبوها. الحديث.
وبقول الصحابة رضي الله عنهم: " أبو بكر خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن قاله عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره عليه أحد.
ثالثاً: نقول لا يخفى على البصير أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيأكل منه على أن إطعام الطعام مشروع مطلوب للبر والفاجر.
رابعاً : ما قاله الشيخ أبو محمد إبراهيم الفاروقي رحمه الله: وهو أنه لا شك أن في ذلك الوقت كانا اليأس والخضر عليهما السلام، كانا يأكلان الطعام وما حضرا وإنما المعنى بأحب خلقك إليك أن يأكل معي، ولا شك أن كل علوي وعلوية يأكل من طعمه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من طعمه الصديقين والعمريين والعثمانيين فدل ذلك على أن مراده صلى الله عليه وسلم مراد الحق سبحانه وتعالى.
وهذا كما يقال: هذه الشربة أعذب الشراب، أي: عندي، وهذا الفاكهة ألذ الفاكهة، أي: في مساغي. وهذه الجمل التفضيلية كقولنا أحب وأفضل ما لم يكن مؤكدة فهي محتملة وإن أكدت أو أدخل في أولها ففي قوله: ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر، فهذا لا احتمال فيه إذ النفي أزال الاحتمال إلى آخر ما قاله.
وقال الإمام العلامة خاتم المحققين سعد الدين التفتازاني رحمه الله في شرح المقاصد: قوله: "بأحب خلقك" يحتمل تخصيص أبي بكر رضي الله عنه عملاً بالأدلة على أفضليته. قال: ويحتمل أن يراد بأحب الخلق في أن يأكل الطير معي. وقيل: بأحب الخلق من ذوي القرابة القريبة. وإنما طلب ذلك لأن أبر البر ذي رحم. أو نقول: المراد: ائتني بمن هو من أحب الخلق إليك، كما يقال: أعقل الناس وأفضلهم، أي: من أعقلهم وأفضلهم.(12/243)
وقال العلامة التوربشتي: ومما يبين لك عن حمله على العموم غير جائز إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حمله خلق الله عز وجل، ولا يجوز أن يكون علي رضي الله عنه أحب إليه منه. فإن قيل ذلك شيء عرف بأصل الشرع. قلنا: ما نحن فيه أيضاً شيء عرف بالنصوص الصريحة وإجماع الأمة فلا يتخذ الجاهل المبتدع هذا الحديث وسيلة إلى الطعن في خلافة أبي بكر رضي الله عنه التي هي أول حكم أجمع عليه المسلمون في هذه الأمة، وأقوم عماد أقيم به الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي الذي نسب إليه رواية حديث الطير ممن دخل في هذا الإجماع واستقام عليه مدة عمره ولم ينقل عنه خلافه.
ثم قال ابن تيمية: اعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر رضي الله عنه، فإما أن يكون كذباً على النبي صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون لفظاً مجملاً لا دلالة فيه. وأما النصوص المفضلة لأبي بكر فصحيحة صريحة مع دلالات أخرى من القرآن والإجماع. والاعتبار والاستدلال كما ذكرنا. والله أعلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 236 – 243 ) .
وقال شيخ الإسلام ردًا على هذه
الشبهة :
قال الرافضي: الثامن: خبر الطائر. روى الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بطائر، فقال:" اللهم! ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ، يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ، فدق الباب، فقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم على حاجة، فرجع. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أولاً، فدق الباب، فقال أنس: ألم أقل لك إنه على حاجة؟ فانصرف، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد عليّ فدق الباب أشد من الأولين، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له بالدخول، وقال: ما أبطأك عني؟ قال: جئت فردني أنس، ثم جئت فردني [أنس]، ثم جئت فردني الثالثة، فقال: يا أنس! ما حملك على هذا؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار، فقال: يا أنس! أو في الأنصار خير من عليّ؟ أو في الأنصار أفضل من عليّ؟ فإذا كان أحب الخلق إلى الله، وجب أن يكون هو الإمام».
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وقوله: «روى الجمهور كافة» كذب عليهم؛ فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة الحديث، ولكن هو مما رواه بعض الناس، كما رووا أمثاله في فضل غير عليّ، بل قد رُوي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصُنِّف في ذلك مصنفات. وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ولا هذا.
الثاني : أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل. قال أبو موسى المديني: «قد جمع غير واحد من الحفَّاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، وأبي نُعيم، وابن مروديه. وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: "لا يصح».
هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع، وقد طُلب منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجئ من قلبي، ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل.
وهو يروي في «الأربعين» أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث، كقوله: بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، لكن تشيعه وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث، كالنسائي وابن عبد البر وأمثالهما، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يعرف في علماء الحديث من يفضِّله عليهما بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك، لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفّض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عُقدة وأمثاله، فهذا غايته أن يجمع ما يُروى في فضائله من المكذوبات والموضوعات، لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل عليّ وأصح وأصرح في الدلالة.
وأحمد بن حنبل لم يقل: إنه صحّ لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نُقل عنه أنه قال: «رُوي له ما لم يُرو لغيره» مع أن في نقل هذا عن أحمد كلاماً ليس هذا موضعه.
الثالث: أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟!
الرابع: أن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة؛ فإنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن عليًّا أحب الخلق إلى الله، وأنه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله.(12/244)
الخامس: أن يقال: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن عليًّا أحب الخلق إلى الله، أو ما كان يعرف. فإن كان يعرف ذلك، كان يمكنه أن يرسل يطلبه، كما كان يطلب الواحد من الصحابة، أو يقول: اللهم! ائتني بعليّ فإنه أحب الخلق إليك. فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك؟! ولو سَمَّى عليًّا لاستراح أنس من الرجاء الباطل، ولم يغلق الباب في وجه عليّ.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف ذلك، بطل ما يدَّعونه من كونه كان يعرف ذلك، ثم إن في لفظه: «أحب الخلق إليك وإليّ» فكيف لا يعرف أحب الخلق إليه؟!
السادس: أن الأحاديث الثابتة في الصحاح، التي أجمع أهل الحديث على صحتها وتلقّيها بالقبول، تناقض هذا، فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه؟!
يبيّن هذا لكل متأملٍ ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من فضائل القوم، كما في الصحيحين أنه قال: «لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً». وهذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث؛ فإنه قد أُخرج في الصحاح من وجوه متعددة، من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر؛ فإنه الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا لله، فإذا كانت ممكنة، ولم يصلح لها إلا أبو بكر، عُلم أنه أحب الناس إليه.
وقوله في الحديث الصحيح لما سئل: «أيّ الناس أحب إليك؟ قال: عائشة» قيل: من الرجال؟ قال: «أبوها».
وقول الصحابة: «أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» يقوله عمر بين المهاجرين والأنصار، ولا ينكر ذلك منكر.
وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله.
وإنما كان كذلك لأنه أتقاهم [وأكرمهم]، وأكرم الخلق على الله تعالى أتقاهم بالكتاب والسنة. وإنما كان أتقاهم؛ لأن الله تعالى قال: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سورة الليل: 17-21].
وأئمة التفسير يقولون: إنه أبو بكر.
ونحن نبيّن صحة قولهم بالدليل فنقول: الأتقى قد يكون نوعاً، وقد يكون شخصاً. وإذا كان نوعاً فهو يجمع أشخاصاً. فإن قيل: إنهم ليس فيهم شخص هو أتقى، كان هذا باطلاً؛ لأنه لا شك أن بعض الناس أتقى من بعض، مع أن هذا خلاف قول أهل السنة والشيعة، فإن هؤلاء يقولون: إن أتقى الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة هو أبو بكر، وهؤلاء يقولون: هو عليّ. وقد قال بعض الناس: هو عمر. ويُحكى عن بعض الناس غير ذلك. ومن توقف أو شَكَّ لم يقل: إنهم مستوون في التقوى. فإذا قال: إنهم متساوون في الفضل، فقد خالف إجماع الطوائف. فتعين أن يكون هذا أتقى.
وإن كان الأتقى شخصًا، فإما أن يكون أبا بكر أو عليًّا، فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه، وهو النوع، وهو القسم الأول، أو معيناً غيرهما. وهذا القسم منتفٍ باتفاق أهل السنة والشيعة، وكونه عليًّا باطل أيضًا؛ لأنه قال: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سورة الليل: 17-21].
وهذا الوصف منتفٍ في عليّ لوجوه:
أحدها : أن هذه السورة مكية بالاتفاق، وكان عليٌّ فقيراً بمكة في عيال النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له مالٌّ ينفق منه، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمّه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة.
الثاني : أنه قال: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى} [سورة الليل: 19].
وعليّ كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة تجزى، وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله. بخلاف أبي بكر؛ فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية، لكن كان له عنده نعمة الدين، وتلك لا تُجزى؛ فإن أجر النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الله، لا يقدر أحد يجزيه. فنعمة النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي بكر دينية لا تجزى، ونعمته عند عليّ دنيوية تجزى، ودينية.
وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تُجزى، وهذا الوصف لأبي بكر ثابت دون عليّ.
فإن قيل : المراد به أنه أنفق ماله لوجه الله، لا جزاء لمن أنعم عليه، وإذا قُدِّر أن شخصًا أعطى من أحسن إليه أجرًا، وأعطى شيئًا آخر لوجه الله، كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى.
قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن عليّ لو أنفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي له عنده نعمة تجزى، فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة، كما يخلص إنفاق أبي بكر.(12/245)
وعليّ أتقى من غيره لكن أبا بكر أكمل في وصف التقوى، مع أن لفظ الآية أنه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تُجزى، وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه، فلا يبقى لمخلوق عليه منّة، وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقاً لا يساويه فيه أحد من المهاجرين؛ فإنه لم يكن في المهاجرين: - عمر وعثمان وعليّ وغيرهم – رجل أكثر إحساناً إلى الناس، قبل الإسلام وبعده، بنفسه وماله من أبي بكر. كان مؤلفاً محبباً يعاون الناس على مصالحهم، كما قال فيه ابن الدُّغُنَّة سيد الفارة لما أراد أن يخرج من مكة: «مثلك يا أبا بكر لا يَخْرُج ولا يُخْرَج؛ فإنك تحمل الكلَّ، وتًقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق».
وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود: «امصص بظر اللات، نحن نفر عنه وندعه؟ قال لأبي بكر: لولا يَدٌ لك عندي لم أجزك بها أجبتك».
وما عُرف قط أن أحداً كانت له يدٌ على أبي بكر في الدنيا، لا قبل الإسلام ولا بعده، فهو أحق الصحابة: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}، فكان أحق الناس بالدخول في الآية.
وأما عليّ – رضي الله عنه – فكان للنبي صلى الله عليه وسلم نعمة دنيوية. وفي المسند لأحمد أن أبا بكر – رضي الله عنه – كان يَسْقُط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه. ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئًا.
وفي المسند والترمذي وأبي داود حديث عمر، قال عمر: « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً. فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما أبقيت لأهلك؟ » فقلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا».
فأبو بكر – رضي الله عنه – جاء بماله كله، ومع هذا فلم يكن يأكل من أحد: لا صدقةً ولا صلةً ولا نذراً، بل كان يتّجر ويأكل من كسبه، ولما تولى الناس واشتغل عن التجارة أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له، لم يأكل من مال مخلوق.
وأبو بكر لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه شيئاً من الدنيا يخصه به، بل كان في المغازي كواحد من الناس، بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم وما عُرف أنه أعطاه عمالة، وقد أعطي عمر عمالة وأعطي عليًّا من الفيء، وكان يعطى المؤلَّفة قلوبهم من الطلقاء وأهل نجد، والسابقون الأولون المهاجرين والأنصار لا يعطيهم، كما فعل في غنائم حُنين وغيرها، يقول: «إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي، أعطي رجالاً لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأَكِل رجالاً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير».
ولما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه، فقالوا: يا رسول الله! أما ذوو الرأي منّا فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر يألِّفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله، فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به» قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. قال: « فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض» قالوا: سنصبر».
وقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سورة الليل: 17-21] استثناء منقطع. والمعنى: لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك؛ فإن هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض، بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة. وهذا واجب لكل أحد على كل أحد، فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة، فيكون عطاؤه خالصاً لوجه ربه الأعلى، بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج أن يجزيه لها، فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك، وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكّى، فإنه في معاملته للناس يكافئهم دائماً ويعاونهم ويجازيهم، فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى.
وفيه أيضاً ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات. كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سورة البقرة: 219]، ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أداها، ولا يقدّم الصدقة على قضاء هذه الواجبات، ولو فعل ذلك: فهل ترد صدقته؟ على قولين معروفين للفقهاء.(12/246)
وهذه الآية يحتج بها من تُرد صدقته، لأن الله إنما أثنى على من آتى ماله يتزكّى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن يجزيها قبل أن يؤتى ماله يتزكّى، فأما إذا آتى ماله يتزكّى قبل أن يجزيها لم يكن ممدوحاً، فيكون عمله مردوداً، لقوله عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».
الثالث: أنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما نفعني مال كمال أبي بكر»، وقال: «إن أمنّ الناس علينا في صحبته ذات يده أبو بكر»، بخلاف عليّ – رضي الله عنه – فإنه لم يذكر عنه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من إنفاق المال، وقد عُرف أن أبا بكر اشترى سبعة من المعذَّبين في الله في أول الإسلام، وفعل ذلك ابتغاءً لوجه ربّه الأعلى، لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب، الذي أعان النبي صلى الله عليه وسلم لأجل نسبه وقرابته، لا لأجل الله تعالى ولا تقرباً إليه.
وإن كان «الأتقى» اسم جنس، فلا ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى الأمة، والصحابة خير القرون، فأتقاها أتقى الأمة، وأتقى الأمة [إما] أبو بكر وإما عليّ وإما غيرهما. والثالث منتفٍٍ بالإجماع، وعليّ إن قيل: إنه يدخل في هذا النوع، لكونه بعد أن صار له مال آتى ماله يتزكّى، فيقال: أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه، فيكون أكمل في الوصف، الذي يكون صاحبه هو الأتقى.
وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقدّم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة، كاستخلافه في الصلاة والحج، ومصاحبته وحده في سفر الهجرة، ومخاطبته وتمكينه من الخطاب، والحكم والإفتاء بحضرته ورضاه بذلك، إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها.
ومن كان أكمل في هذا الوصف، كان أكرم عند الله، فيكون أحب إليه فقد ثبت بالدلائل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصدِّيقية. وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصدِّيقون، ومن كان أكمل في ذلك كان أفضل.
وأيضاً فقد ثبت في النقل الصحيح عن عليّ أنه قال: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر» واستفاض ذلك وتواتر عنه، وتوعّد بجلد المفتري من يفضّله عليه، وروي عنه أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن عليًّا لا يقطع بذلك إلا عن علم.
وأيضاً فإن الصحابة أجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر أفضل منه وأبو بكر أفضل منهما. وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، يقدّم بعض ذلك، ولكن ذُكر هذا لنبين أن حديث الطير من الموضوعات.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 369-385) .
الشبهة(8): احتجاجهم بقوله تعالى: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ }
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه: أنها نزلت في المختصمين يوم بدر وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث. لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة.
وجوابه:
إن هذه الآية ليست أيضاً من خصائص علي رضي الله عنه بل هي مشتركة بينه وبين حمزة وعبيدة بن الحارث بل سائر البدريين يشاركون في هذه الخصومة، ولو فرضنا أنها نزلت في المبارزين فلا تدل أنهم أفضل من غيرهم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين وأبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم أفضل من عبيدة بن الحارث باتفاق أهل السنة. والشيعة ليسوا من أهل السنة فهذه منقبة لهم وفضيلة. وليست من الخصائص التي يوجب كون صاحبها أفضل من غيره. والله أعلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 247 – 248 ) .
الشبهة(9): احتجاجهم بسورة: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ }
حيث ادعت الرافضة أنها نزلت لما تصدقت فاطمة على مسكين ويتيم وأسير.
وجوابه: إن هذا كذب محض؛ لأن سورة {هَلْ أَتَى} مكية بالإجماع، والحسن والحسين ولدا بعد أن تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهم، وهو إنما تزوجها بعد غزوة بدر بالمدينة باتفاق أهل العلم. وبتقدير صحتها ليس فيه ما يدل على أن من أطعم مسكيناً ويتيماً وأسيراً كان أفضل الأمة، ولا أفضل الصحابة رضي الله عنهم بل الآية متناولة لكل من فعل هذا الفعل وهي تدل على استحقاقه لثواب الله عز وجل، وغير هذا العمل من الإيمان والصلوات في مواقيتها والجهاد في سبيل الله عز وجل وغير ذلك أفضل من هذا العمل بالإجماع. والله أعلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 248 – 250 ) .
الشبهة(10): ادعاؤهم أن عليًا رضي الله عنه أعلم الصحابة
أورد الخبيث الضال المعروف بابن المطهر الرافضي في رسالته المسماة " منهاج الكرامة " من شبههم شيئاً كثيراً ؛وقد ردَّ عليه الأئمة الأعلام من مشايخ الإسلام بالنصوص القواطع جم غير ونثراً ونظماً منهم السبكي وابن تيمية ومجد الدين الفيروز آبادى صاحب القاموس وغيرهم.(12/247)
فمما قاله ابن المطهر هذا وأتباعه أن عليًّا رضي الله عنه كان أكثر الصحابة علماً فردَّ عليه الشيخ مجد الدين الفيروز آبادى فقال في رسالته المسماة "بالقضاب المشتهر على رقاب ابن المطهر" : هذه الدعوى كذب صراح وافتراء. لأن علم الصحابي رضي الله عنه إنما يعرف بأحد وجهين:
أحدهما: كثرة روايته وفتاواه. والثاني: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فمن المحال أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له، وهذا أكبر الشهادات وأبينها على العلم وسعته فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر للصلاة بحضرته طول علته وجميع أكابر الصحابة رضي الله عنهم حضور كعلي وعمر وعثمان وابن مسعود وأبي وغيرهم فآثره على جميعهم. وهذا بخلاف استخلافه صلى الله عليه وسلم عليًّا في الغزو؛ لأنه ما استخلفه إلا على النساء والصبيان وذوي الأعذار فوجب ضرورة أن يعلم أن أبا بكر رضي الله عنه أعلم الناس بالصلاة وشرائعها. وأعلم من المذكورين بها وهي عمود الدين. ووجدنا صلى الله عليه وسلم قد استعمله على الصدقات ، فوجب ضرورة أن يكون عنده من علم الصدقات، كالذي عند غيره من علماء الصحابة لا أقل منه. وربما كان أكثر أما ترى الفقهاء قاطبة. إنما اعتمدوا على الحديث الذي رواه أبو بكر رضي الله عنه في الزكاة جعلوه أصلاً فيها. ولم يعرجوا على ما رواه غيره.
وأما الحديث الذي رواه علي رضي الله عنه فأعرضوا عنه بالكلية، وطريقة مضطرب وفيه ما لم يقل به أحد من الأئمة؛ فإن فيه في كل خمس وعشرين من الإبل خمس شاة لا غيره، وهذا مما لا قائل به أحد من الأئمة فكان أبو بكر رضي الله عنه أعلم بالزكاة التي هي أحد أركان الدين.
وأما الحج فإنه لما فرض سنة تسع على الصحيح بادر صلى الله عليه وسلم وجهز المسلمين حيث لم يتفرغ بنفسه، ولبيان جواز التأخير وأمر عليهم أبا بكر رضي الله عنه ليعلم الناس المناسك ومن المستحيل تقديمه في هذا الأمر الخطير المشتمل على علوم لا يشتمل عليها شيء من قواعد الدين. وثم من هو أعلم منه.
فلما حج وكانت سورة براءة مشتملة على كثير من المناسك وعلى مناقب أبي بكر رضي الله عنه أرسل عليًّا رضي الله عنه ليقرأها على الناس، فلما قدم علي قال له أبو بكر: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور، فقرأه على الناس ليستمع الناس مناقب أبي بكر من لسان علي رضي الله عنه ليكون أوقع في النفوس وأدخل في القلوب والرؤوس ويكون أعلى في إظهاره لفضل أبي بكر رضي الله عنه وأدل على علو قدره.
وأما قوله هذا المارق الخبيث أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر لدفع شره والمنع من إذاعة شره، فلا دليل فيه على شرفه وفخره، فهو كلام يشم منه رائحة الكفر والعناد وبرهان على جهل قائله بالأحاديث الصحيحة المشحونة بها دواوين الإسلام المبينة بها للمقصود من استصحابه المبينة بها مضاعفة أنسه ووده وحسانه كما سنبينه قريباً إن شاء الله ونعوذ بالله من الخذلان. ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد استعمله على البعوث فصح أن عنده علم أحكام الجهاد ومثل ما عند سائر من استعمله صلى الله عليه وسلم على البعوث في الجهاد فعند أبي بكر رضي الله عنه من الجهاد والعلم به كالذي عند علي رضي الله عنه وسائر أمراء البعوث لا أكثر ولا أقل فقد صح التقدم لأبي بكر رضي الله عنه على علي رضي الله عنه وعلى سائر الصحابة رضي الله عنهم في علم الصلاة والزكاة والحج وساواه في علم الجهاد فهذه عمدة العلم.
ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد ألزم نفسه في جلوسه ومسافرته وظعنه وإقامته أبا بكر رضي الله عنه فشاهد أحكامه وفتاواه أكثر من مشاهدة علي رضي الله عنه فصح أن أبا بكر أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية ألا وهو المقدم فيها فبطل دعواهم في العلم. وأما الرواية والفتاوى فأمر واضح من الشمس أظهر من ضوء النهار أنه كان أرسخ قدماً فيها، ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول صلى الله عليه وسلم غير سنتين وستة أشهر وهو لم يبرح من طيبة إلا للحج أو عمرة ولا شرق ولا غرب ولا طاف البلاد كغيره. والصحابة رضي الله عنهم إذ ذاك متوافرون وقريبو العهد بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وعند كل أحد من العلم والرواية ما يحتاج إليه غالباً.
ومع ذلك روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وستة وثلاثون حديثاً.
وعلي رضي الله عنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين سنة شرقاً ومغرباً من بلد على بلد ومن قطر إلى قطر، وسكن الكوفة أعواماً وكثر الاحتياج إلى الأحاديث والعلم وتزاحم عليه السؤال والمقبلون وتراكم طالبوا الرواية والمسترشدون، ولم يرد مع ذلك إلا خمسمائة حديث وخمس وثمانين حديثاً يصح منها خمسون حديثاً. فإذا نسبت مدته وعدد أحاديثه إلى أحاديثه تبين لك أن أبا بكر رضي الله عنه أكثر حديثاً وأكثر رواية من علي رضي الله عنه بشيء كثير وهذا مما لا يخفى على أحد.(12/248)
دع هذا. عاش علي رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه تسعة عشر سنة وسبعة أشهر. ومسند عمر رضي الله عنه خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثاً يصح منها خمسون حديثاً، مقدار ما صح من حديث علي إلا حديثاً واحداً أو حديثين، فأنظر هذه المدة الطويلة ولقاء الناس إياه وكثرة الحاجة من المسلمين إلى الرواية ولم يزد علي عمر رضي الله عنه إلا حديثاً واحداً فعلم أن عمر رضي الله عنه كان أضعاف علم علي رضي الله عنه بذلك. وبرهان أن كل من طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم تجد الرواية عنه أكثر ومن قصر عمره قلَّت روايته. فعلم أن علم أبي بكر رضي الله عنه كان أضعاف ما كان عند علي رضي الله عنه من العلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 251 – 256 ) .
الشبهة(11): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أكثر الصحابة جهادًا
ومما قالوه أيضاً: كان علي رضي الله عنه أكثر الصحابة جهاداً وطعناً في الكفار وخبيراً في الجهاد. والجهاد أفضل الأعمال فكان علي أفضل.
وجوابه :
الأول : قلت: هذا خطأ؛ لأن الجهاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
الأول: الدعاء إلى الله عز وجل باللسان.
الثاني: الجهاد بالتدبير والرأي.
الثالث : الجهاد باليد والسنان.
فالقسم الأول : الجهاد بالدعوة فإنه لا يلحق أحد فيه أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ فإنه أسلم على يديه أكابر الصحابة وليس لعلي من هذا كثير حظ.
وأما عمر رضي الله عنه فمن يوم أسلم أعز الله به الإسلام وعبد الله تعالى جهاراً وهذا من أعظم الجهاد، وهذان الرجلان رضي الله عنهما خُصا بهذا القسم لا يشاركهما في ذلك أحد وانفردا بذلك .
وأما القسم الثاني : فقد جعل الله تعالى خاصًّا لأبي بكر رضي الله عنه ثم لعمر رضي الله عنه.
وأما القسم الثالث : وهو الجهاد بالضرب والطعن والمبارزة فوجدناه أقل مراتب للجهاد المذكورة ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشك مسلم في أنه المخصوص بكل فضيلة، ووجدنا جهاده إنما كان في أكثر أعماله وأحواله القسمين الأوليْن من الدعاء إلى الله عز وجل والتدبير والرأي للمصالح، وكان أقل عمله صلى الله عليه وسلم الطعن والمبارزة لا عن جبن ؛ بل كان صلى الله عليه وسلم أشجع أهل الأرض قاطبة، وهو مما لا يتردد فيه ذو دين وعقل ولكنه صلى الله عليه وسلم كان مؤثراً الأفضل فالأفضل فيقدمه ويشغل به ووجدناه صلى الله عليه وسلم يوم بدر كان أبو بكر رضي الله عنه معه لا يفارقه إيثاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك استظهاراً برأيه في الحرب وأُنساً بمكانه، ثم كان عمر رضي الله عنه ربما شُورك في ذلك.
وقال الإمام محي الدين النووي في شرح مسلم: إن قوله رضي الله عنه " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة "، أجمع أهل السنة على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقدمهم في الشجاعة والعلم رضي الله عنه .
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 257 – 258بتصرف يسير ) .
الشبهة(12): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أقرأ الصحابة للقرآن
ومما قالوا أيضاً: كان علي رضي الله عنه أقرأ الصحابة للقرآن فكان أفضل. قلنا هذا فرية بلا مرية لوجوه أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن استووا في القراءة، فأفقههم فإن استووا، فأقدمهم هجرة" ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة أيام مرضه فصح أنه رضي الله عنه أقرأهم وأفقههم وأقدمهم هجرة.
وقد يكون من لم يحفظ القرآن كله عن ظهر قلبه أقرأ وأعلم بالقراءة ممن حفظه كله جمعه فيكون أفصح لفظاً وأحسن ترتيلاً وأعرف بمواقف الآي ومبادئها على أن أبا بكر وعمر وعليًّا رضي الله عنهم لم يستكمل واحد منهم سواد القرآن فعلمنا يقيناً أنه كان أقرأ من علي لتقديمه صلى الله عليه وسلم إياه في الصلاة مع حضور علي وغيره، وما كان صلى الله عليه وسلم ليقدم الأقل علماً بالقراءة على الأقرأ ولا الأقل فقهاً على الأفقه فبطل ما ادعوه. والله أعلم.
قال جامعه : ومن هذا الشأن نشأ لبعض الزائغين من الرافضة في عصرنا سؤال باستفهام إنكار وهو: هل كان أبو بكر يحفظ القرآن يريد بذلك تنقيصه عند من لا يعلم؟ فأجبته. إن قصد بذلك استنقاصه فهو كافر، وليس حفظ جميع القرآن شرطاً في كمال الإيمان ولا في صحته قال الله تعالى: { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وأيضاً علي رضي الله عنه لم يكن يحفظ القرآن، ولا عمر ولا أكثر الصحابة المشهور المخرج في الصحيحين وغيرهما. إن الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أنفار فقط.أعني كما حفظوه بكماله وجمعوا بين طرفيه وهم معاذ بن جبل، أبي بن كعب، زيد بن ثابت وأبو زيد رضي الله عنهم وليس عليّ منهم .(12/249)
بل نقول: كان أبو بكر رضي الله عنه أقرأ الصحابة وأفقههم؛ فلهذا قدمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليهم وكان رضي الله عنه أكثر رواية للحديث من علي بالنسبة إلى بقائه بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومكث علي بعد أبي بكر وعمر نحو من ثمانية عشر سنة، وإنما قلَّت روايته للحديث مع قدم صحبته وكثرة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الصحابة. قرب عهده بالوفاة من النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتغاله في قتال أهل الردة ، ولم تكن الأحاديث انتشرت حينئذٍ ولا اعتنى التابعون بتحصيلها وحفظها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام" وفي رواية "ولا فتوى لكن بشيء وقر في صدره وفي رواية وقر في القلب" أي سكن فيه وثبت. رواه الغزالي في الإحياء وابن الأثير في النهاية والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن بكر بن عبد الله المزني.
وروى البيهقي في الشعب عن عمر رضي الله عنه: "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح" وفي رواية "بإيمان أهل الأرض" ورواه أيضاً ابن عدي عن ابن عمر قال الإمام أبو القاسم البغوي في فتاويه: ولا يشك عاقل في أن إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان أرسخ من إيمان أحاد الناس؛ ولهذا قال ليلة الإسراء ما قال وقال يوم الحديبية ما قال حين كاد غيره يتحير في ذلك.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 258 – 267 ) .
الشبهة(13): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أزهد الصحابة
ومما قاله ابن المطهر وأتباعه من الرافضة أن عليًّا رضي الله عنه كان أزهد الصحابة فكان أفضل.
قلنا : هذا بهتان : يبين هذا أن الزهد غروب النفس عن حب الصور وعن المال واللذات وعن الميل إلى الأولاد والحواشي.
أما غروب النفس عن المال فقد عُلم أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم وله مال كثير. وجاهر بقلة الحياء من أنكر ذلك وقال كان فقيراً محتاجاً وكان أبوه أجيراً لابن جدعان على مد يقتات به! بل كان رضي الله عنه ذا مال جزيل ينيف على أربعين ألف فأنفقها كلها في الله عز وجل وأعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله عز وجل ولم يعتق عبيداً ذا معونة، بل كل معذب ومعذبة في الله إلى أن أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة وما كان بقي لأبي بكر من المال غير ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق لأهله منها درهماً ثم أنفقها في سبيل الله حتى لم يبق له شيء ما ، وصارت له عباءة إذا نزل فرشها وإذا ركب لبسها، وأما غيره من الصحابة رضي الله عنهم فقد تمولوا واقتنوا الضياع والرباع من حلها وطيبها إلا من آثر بذلك في سبيل الله أزهد ، ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية ولا توسع في المال وعد عند موته ما أنفق على نفسه وولده من مال الله عز وجل الذي لم يستوفِ منه إلا بعض حقّه ثم أمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من سهامه في المغازي والمغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو الزهد في الذات والمال الذي لا يدانيه أحد من الصحابة رضي الله عنهم إلا أن يكون أبا ذر وأبا عبيدة من المهاجرين الأولين فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقهما عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسع من سواهم في المباح الذي أحله الله تعالى لهم إلا من آثر على نفسه أفضل. ولقد تبع أبا بكر عمرُ رضي الله عنهما في هذا الزهد.
وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا الباب من حله ومات عن أربع زوجات وتسع عشر أم ولد سوى الخدام والعبيد، وتوفي عن أربعة وعشرين ولداً من ذكر وأنثى وقيل عن بضع وثلاثين وقيل عن أربعين ولداً إلا واحداً، أما هي ذكر أو أنثى هذا ما ذكره المزي والذهبي وهو الأصح. وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به أغنياء قومهم ومن جملة عقاره ينبع التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمراً سوى زرعها. فأين هذا من ذاك ؟
وأما حب الولد والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر فيه بين ، وقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من ذوي القرابة مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين ومثل ابنه عبد الرحمن ابن أبي بكر وله مع النبي صلى الله عليه وسلم محبة قديمة وفضل ظاهر. ما استعمل أحداً منهم على شيء من الجهات ، ولو استعملهم لكانوا أهلاً لذلك ؛ لكن خشي وتوقع أن يميله إليهم معنى من الهوى وجرى عمر رضي الله عنه مجراه في ذلك لم يستعمل من بني عدي أحداً على سعة البلاد ، وقد فتح الشام ومصر وممالك الفرس وخراسان إلا النعمان بن عدي على ميسان ثم أسرع في عزله ولم يستخلف ابنه عبد الله بن عمر وهو من أفاضل الصحابة وقد رضي الناس به.
وأما علي رضي الله عنه فلما ولي استعمل أقاربه عبد الله بن عباس على البصرة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقثم ومعبد ابني عباس على مكة والمدينة، وجعدة بن هبيرة وهو ابن أخت أم هاني بنت أبي طالب على الطائف، وأمر ببيعة الناس للحسن ابنه للخلافة بعده.(12/250)
ولا يشك مسلم في استحقاق الحسن للخلافة ولا لاستحقاق ابن عباس الخلافة فكيف إمارة البصرة؟! لكنا نقول: من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، وفي تأمير مثل طلحة وسعيد بن زيد فإنه أتم زهداً ممن أخذ منها ما أبيح له أخذه ؛ فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد الصحابة رضي الله عنهم كافة ثم عمر بعده.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 267 – 275 ) .
الشبهة(14): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أكثر الصحابة صدقة
ومما قالوه: أن عليًّا رضي الله عنه كان أكثر الصحابة صدقة.
قلنا : هذه قحة وقلة حياء ومجاهرة بالباطل؛ لأنه لا يعرف لعلي مشاركة ظاهرة في المال، وأمر أبي بكر رضي الله عنه في إنفاق جميع ماله أشهر من أن يخفى ، ولعثمان رضي الله عنه من تجهيز جيش العسرة ما ليس لغيره ؛ فصح أن أبا بكر أعظم صدقة وأكثر مشاركة في الإسلام من علي رضي الله عنهما.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 275 – 276 ) .
الشبهة(15): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أسوس الصحابة
ومما قالوه: كان علي رضي الله عنه أسوس الصحابة فكان أحق بالإمامة.
قلنا: هذا بهتان لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالسير والتواريخ ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي وارتدت العرب الممتنعون عن أداء الزكاة واختل نظام الإسلام وركب كل رأسه واختلفت آراء الصحابة في قتالهم ولم يتزلزل أبو بكر رضي الله عنه وصمم على قتالهم وقال: "والله لو منعوني عقالاً لقاتلتهم عليه حتى ينفذ الله أمره" ولم يزل على ذلك حتى ردهم إلى الإسلام حتى حكم على رقاب الأكاسرة وملوك الفرس على سرير ملكهم، فأخضعهم وأذلهم وفتح الله تعالى عليه ما فتح من الأمصار والمدن الكبار وهو مقيم بالمدينة لم يبرح منها ، ثم من بعده عمر رضي الله عنه حذا حذوه وقفا أثره وسار سيره وساس ساسته مقتدياً بأثاره ومهتدياً بأنواره، إلى أن فتح الممالك وآمن المسالك واتصل الإسلام من مبتدئ مصر والشام إلى أقصى بلاد الهند وملكوا بلاد العجم من أذربيجان وخراسان وفارس وكرمان ، ثم عثمان كذلك.
ولما صارت الخلافة لعلي رضي الله عنه كان في أيامه ما كان وحصل للمسلمين من الاضطراب في كل قطر ومكان ، ووقعت الفتن ونصب القتال حتى قتل بين الصحابة والتابعين ما ينيف على مائة ألف أو يزيدون وشغلهم ذلك عن فتح مدينة بل ولا قرية ، وربما وصل الحال إلى أن استولى الكفار ؛ فأيهما أولى بالسياسة ؟!
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 276 – 277 بتصرف) .
الشبهة(16): زعمهم أن عليًا رضي الله عنه أتقى الصحابة
ومما قالوه أيضاً كان علي رضي الله عنه أتقى الصحابة فيكون أفضل.
قلنا : بطلان هذا ظاهر لمن له أدنى معرفة بالصحابة ، ورد لقول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في جميع الكتب الصحاح ، ولقد كان علي رضي الله عنه تقيًّا نقيًّا، إلا أن الفضائل يتفاضل أهلها ،وما كان أتقاهم إلا أبا بكر ؛ وبرهانه أنه رضي الله عنه ما خالف إرادته في شيء قط ، ولا تردد عن الائتمار لأمره يوم الحديبية إذ تردد من تردد، وقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر إذ أراد نكاح ابنة أبي جهل بما عُرف وما وجدنا قط لأبي بكر موقفاً عن شيء أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذ قد صح أنه أعلمهم فقد وجب أنه أخشاهم لله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}. والتقوى هي الخشية لله سبحانه وتعالى.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 277 – 279 ) .
الشبهة(17): قولهم: لو كانت إمارة أبي بكر حقًّا لما تأخر علي عن بيعته إلى ستة أشهر
قلنا : إن عليًّا رضي الله عنه بايع أولاً ؛ وهذه البيعة التي بعد ستة أشهر بيعة ثانية ، وعن علي رضي الله عنه : كنت أول من بايع من بني عبد المطلب، وسلمنا تأخره عنها ؛ فيحتمل أنه لما ظهر له الحق رجع إليه وتاب واعترف بالخطأ .
وبيانه : أنه لو تأخر كما قالوا: لا يخلو ضرورة من أحد وجهين:
إما أن يكون مصيباً في تأخره فقد أخطأ إذ بايع ، وإما أن يكون مصيباً في بيعته فقد أخطأ إذ تأخر عنها !
وأما الممتنعون من بيعة علي رضي الله عنه فهم جمهور الصحابة رضي الله عنهم ؛ فلم يعترفوا بالخطأ بل منهم من كان عليه ومنهم من لا له ولا عليه وما بايعه أحد منهم إلا الأقل ومن امتنع من بيعته أزيد من مائتي ألف مسلم بالشام ومصر والعراق والحجاز إذ قد بطل كل ما ادعاه الرافضة الضلال المردة الجهال.(12/251)
فصح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي فاز بالسبق والحظ في العلم والقرآن والجهاد والزهد والتقوى والخشية والصدقة والعتق والطاعة والسياسة، وهذه وجوه الفضل كلها ؛ فهو بلا شك أفضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ؛ ولم نحتج بالأحاديث؛ لأنهم لا يصدقون أحاديثنا وإن كانت مما يجب تصديقه لكونه كالمتواتر ؛ فإن صحيحي البخاري ومسلم قد تلقتهما الأمة بالقبول والأمة معصومة عن الإجماع على ضلال وباطل؛ وأما نحن فلا نصدق حديثهم أيضاً التي انفردوا بها؛ لأن بطلانها وفريتها ثابت عندنا بشهادة من طعن فيها من الأئمة الثقات، والأئمة الأثبات ؛ كالإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام أبي عبد الله البخاري وأضرابهم، بل قد اقتصرنا في الرد عليهم على البراهين الضرورية بنقل الكواف عن الكواف ؛ فإن كانت الإمامة تستحق بالتقدم في الفضل فأبو بكر أحق الناس بها فكيف والنص على خلافه صحيح .
وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه، فطاعته فرض في استخلافه عمر رضي الله عنه بما ذكرناه وبإجماع المسلمين عليها ثم أجمعت الأمة بلا خلاف على صحة إمامة عثمان رضي الله عنه.
وأما خلافة علي رضي الله عنه فحق لا شك فيه ولا ريب، لكن لا بنص ولا إجماع بل ببرهان آخر وهو أنه إذا مات الإمام ولم يعهد إلى أحد فبادر رجل مستحق ودعا إلى نفسه ولا معارض له، فاتباعه والانقياد لبيعته فرض التزام إمامته وطاعته، وهكذا فعل علي رضي الله عنه فوجب اتباعه.
وكذلك فعل عبد الله بن الزبير، وقد فعل مثلها خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة وأخذ خالد اللواء من غير إمرة وصوّب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
( المرجع : رسالة " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 279 – 285 ) .
الشبهة(18): زعمهم أن صحبة أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار نقيصة؛ لأنه نهاه عن الحزن
والحزن إما أن يكون طاعة أو معصية ؛ لا جائز أن يكون طاعة، وإلا لما نهاه صلى الله عليه وسلم ؛ فتعين أن تكون معصية.
قلنا : نعوذ بالله من الهوى ونسأل الله التوفيق إلى الحق، ونعوذ بالله من الضلالة : يا هؤلاء! تجاهلتم أو جهلتم حقائق الأمور والاستعمال.
أما الحقائق فإن النهي لا يقتضي أن يكون المنهي فاعلاً ما قد نهي عنه، فإن النهي عن المستقبل وقد يكون نهي قبل أن يقع الفعل، ما الذي يمنع عن ذلك فيكون نهاه عن الحزن ولم يحزن بعد، بل ربما يتوقع أن يحزن.
وقد نهى الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم السلام عما لم يفعلوه، قال تعالى: { وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ }، وقال: { فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } .
وأما الاستعمال ؛ فقد قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال محمد صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه ؛ إذ قال له: { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ }، وقال له: { وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} فمن نظر بالبصر والبصيرة علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: لا تحزن إنما هو على سبيل التسلية والرفق.
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي وغيره: قد ظهر سر قوله تعالى: { إذ يقولُ لصاحبه لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا } في أبي بكر في اللفظ كما ظهر في المعنى، وكانوا يقولون: محمد رسول الله وأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع هذا الاتصال بموته فلم يقولوا لمن بعده: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قالوا: أمير المؤمنين.
( المرجع : " رسالة في الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي ، ص 289-292).
الشبهة(21): زعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن علي رضي الله عنه : إنه فاروق أمتي ، وأن المنافقين ماكانوا يُعرفون إلا ببغضه
والجواب أن يقال : كلٌّ من الحديثين يُعلم بالدليل أنه كذب، لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه يُقال: ما المعنى بكون عليّ أو غيره فاروق الأمة يفرق بين الحق والباطل؟ إن عنى بذلك أنه يميّز بين أهل الحق وأهل الباطل، فيميز [بين] المؤمنين والمنافقين، فهذا أمر لا يقدر عليه أحدٌ من البشر: لا نبي ولا غيره. وقد قال تعالى لنبيه: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سورة التوبة: 101]، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم عين كل منافق في مدينته وفيما حولها، فكيف يعلم ذلك غيره؟
وإن قيل: إنه يذكر صفات أهل الحق وأهل الباطل، فالقرآن قد بيَّن ذلك غاية البيان، وهو الفرقان الذي فرَّق الله فيه بين الحق والباطل بلا ريب.
وإن أُريد بذلك أن من قاتل معه كان على الحق ومن قاتله كان على الباطل.(12/252)
فيقال: هذا لو كان صحيحاً لم يكن فيه إلا التمييز بين تلك الطائفة المعينة. وحينئذ فأبو بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – أَوْلى بذلك لأنهم قاتلوا بالمؤمنين أهل الحق الكفار أهل الباطل، فكان التمييز الذي حصل بفعلهم أكمل وأفضل؛ فإنه لا يشك عاقل أن الذين قاتلهم الثلاثة كانوا أَوْلى بالباطل ممن قاتلهم عليّ، وكلما كان العدو أعظم باطلاً كان عدوه أولى بالحق.
ولهذا كان أشد الناس عذاباً يوم القيامة من قتل نبيًّا أو [من] قتله نبي، وكان المشركون الذين باشروا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والمعاداة، كأبي لهب وأبي جهل، شرًّا من غيرهم. فإذا كان من قاتله الثلاثة أعظم باطلاً، كان الذين قاتلوهم أعظم حقاً، يكونون أَوْلى بالفرقان بهذا الاعتبار.
وإن قيل: إنه فاروق لأن محبته هي المفرّقة بين أهل الحق ولا باطل.
قيل: أولاً: هذا ليس من فعله حتى يكون هو به فاروقاً.
وقيل: ثانيًا: بل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم تفريقاً بين أهل الحق والباطل باتفاق المسلمين.
وقيل: ثالثًا: لو عارض هذا معارض فجعل محبة عثمان هي الفارقة بين الحق والباطل لم تكن دعواه دون دعوى ذلك في عليّ، مع ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله لما ذكر الفتنة: «هذا يومئذ وأصحابه على الحق». وأما إذا جعل ذلك في أبي بكر وعمر، فلا يخفى أنه أظْهَرُ في المقابلة. ومن كان قوله مجرد دعوى أمكن مقابلته بمثله.
وإن أُريد بذلك مطلق دعوى المحبة، دخل في ذلك الغالية كالمدَّعين لألوهيته ونبوته، فيكون هؤلاء أهل حق، وهذا كفر باتفاق المسلمين.
وإن أريد بذلك المحبة المطلقة فالشأن فيها، فأهل السنة يقولون: نحن أحق بها من الشيعة، وذلك أن المحبة المتضمنة للغلو هي كمحبة اليهود لموسى، والنصارى للمسيح، وهي محبة باطلة. وذلك أن المحبة الصحيحة أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر، فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء، أو أنه من السابقين الأوَّلين فأحبه، لكان قد أحب ما لا حقيقة له، لأنه أحب ذلك الشخص بناءً على أنه موصوف بتلك الصفة، وهي باطلة، فقد أحب معدوماً لا موجودًا، كمن تزوج امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب فأحبها، ثم تبيَّن أنها دون ما ظنه بكثير، فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده، إذْ الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها.
فاليهودي إذا أحب موسى بناء على أنه قال: تمسكوا بالسبت ما دامت السماوات والأرض، وأنه نهى عن إتّباع المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن موسى كذلك، فإذا تبين له حقيقة موسى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة علم أنه لم يكن يحب موسى على ما هو عليه، وإنما أحب موصوفًا بصفات لا وجود لها، فكانت محبته باطلة، فلم يكن مع موسى المبشِّر بعيسى المسيح ومحمد.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرء مع من أحب». واليهودي لم يحب إلا ما لا وجود له في الخارج، فلا يكون مع موسى المبشِّر بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يحب موسى هذا. والحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد، فهو فرع الشعور، فمن اعتقد باطلاً فأحبه، كان محباً لذلك الباطل، وكانت محبته باطلة فلم تنفعه، وهكذا من اعتقد في بشر الإلهية فأحبه لذلك، كمن اعتقد إلهية فرعون ونحوه، أو أئمة الإسماعيلية، أو اعتقد الإلهية في بعض الشيوخ، أو بعض أهل البيت، أو في بعض الأنبياء أو الملائكة، كالنصارى ونحوهم، ومن عرف الحق فأحبه، كان حبه لذلك الحق فكانت محبته من الحق فنفعته.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [سورة محمد: 1- 3]. وهكذا النصراني مع المسيح: إذا أحبه معتقداً أنه إله – وكان عبداً – كان قد أحب ما لا حقيقة له, فإذا تبين له أن المسيح عبد رسول لم يكن قد أحبه، فلا يكون معه.(12/253)
وهكذا من أحب الصحابة [والتابعين] والصالحين معتقداً فيهم الباطل، كانت محبته لذلك الباطل باطلة. ومحبة الرافضة لعليّ – رضي الله عنه – من هذا الباب؛ فإنهم يحبون ما لم يوجد ما لم يوجد، وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته، الذي لا إمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هو، الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – ظالمان معتديان أو كافران، فإذا تبيّن لهم يوم القيامة أن عليًّا لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء، وإنما غايته أن يكون قريباً من أحدهم، وأنه كان مقرًّا بإمامتهم وفضلهم، ولم يكن معصوماً لا هو ولا هم، ولا كان منصوصاً على إمامته، تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليًّا، بل هم من أعظم الناس بغضاً لعلي – رضي الله عنه – في الحقيقة، فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في عليّ أكمل منها في غيره: من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم، فإن عليُّا – رضي الله عنه – كان يفضِّلهم ويقرُّ بإمامتهم. فتبيَّن أنهم مبغضون لعليّ قطعاً.
وبهذا يتبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عليّ – رضي الله عنه – أنه قال: إنه لعهد النبي الأميّ إليَّ أنه «لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق» إن كان هذا محفوظاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه، بل محبتهم من جنس محبة اليهود لموسى والنصارى لعيسى، بل الرافضة تبغض نعوت عليّ وصفاته، كما تبغض اليهود والنصارى نعوت موسى وعيسى، فإنهم يبغضون من أقر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانا مقرين بها – صلى الله عليهم أجمعين -.
وهكذا كل من أحب شيخاً على أنه موصوف بصفات ولم يكن كذلك في نفس الأمر، كمن اعتقد في شيخ أنه يشفع في مريديه يوم القيامة، وأنه يرزقه وينصره ويفرج عنه الكربات ويجيبه في الضرورات، كم اعتقد أن عنده خزائن الله، أو أنه يعلم الغيب، أو أنه مَلَك، وهو ليس كذلك في نفس الأمر، فقد أحب ما لا حقيقة له.
وقول عليّ – رضي الله عنه – في هذا الحديث: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، ليس من خصائصه، بل قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» وقال: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر» وقال: «لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق». وفي [الحديث] الصحيح حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين، قال: فلا تجد مؤمناً إلا يحبني وأمِّي.
وهذا مما يُبين به الفرق بين هذا [الحديث] وبين الحديث الذي روي عن ابن عمر: «ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم عليًّا» فإن هذا مما يعلم كل عالم أنه كذب، لأن النفاق له علامات كثيرة وأسباب متعددة غير بغض عليّ، فكيف لا يكون على النفاق علامة إلا بغض عليّ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «آية النفاق بغض الأنصار» وقال في الحديث الصحيح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان».
وقد قال تعالى في القرآن في صفة المنافقين: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ} [سورة التوبة: 58]، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [سورة التوبة: 61]، {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ} [سورة التوبة: 75]، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [سورة التوبة: 49]، {فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [سورة التوبة: 124].
وذكر لهم سبحانه وتعالى في سورة براءة وغيرها من العلامات والصفات ما لا يتسع هذا الموضع لبسطه.
بل لو قال: كنا نعرف المنافقين ببغض عليّ لكان متوجهاً، كما أنهم أيضاً يُعرفون ببغض الأنصار، [بل] وبُبغض أبي بكر وعمر، وببغض غير هؤلاء، فإن كل من أبغض ما يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويواليه، وأنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويواليه، كان بغضه شعبة من شعب النفاق، والدليل يطَّرد ولا ينعكس. ولهذا كان أعظم الطوائف نفاقاً المبغضين لأبي بكر، لأنه لم يكن في الصحابة أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه، ولا كان فيهم أعظم حبَّا للنبي صلى الله عليه وسلم منه، فبغضه من أعظم [آيات] النفاق. ولهذا لا يوجد المنافقون في طائفة أعظم منها في مبغضيه، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم.
وإن قال قائل: فالرافضة الذين يبغضونه يظنون أنه كان عدوًّا للنبي صلى الله عليه وسلم لما يُذكر لهم من الأخبار التي تقتضي أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فأبغضوه لذلك.(12/254)
قيل: إن كان هذا عذراً يمنع نفاق الذين يبغضونه جهلاً وتأويلاً، فكذلك المبغضون لعليّ الذين اعتقدوا أنه كافر مرتد، أو ظالم فاسق، فأبغضوه لبغضه لدين الإسلام، أو لما أحبه الله وأمر به من العدل، ولاعتقادهم أنه قتل المؤمنين بغير حق، وأراد علوًّا في الأرض وفساداً، وكان كفرعون ونحوه؛ فإن هؤلاء وإن كانوا جهالاً فليسوا بأجهل ممن اعتقد في عمر أنه فرعون هذه الأمة، فإن لم يكن بغض أولئك لأبي بكر وعمر نفاقاً لجهلهم وتأويلهم، فكذلك بغض هؤلاء لعليّ بطريق الأَوْلى والأحرى، وإن كان بغض عليّ نفاقاً وإن كان المبغض جاهلاً متأولاً فبغض أبي بكر وعمر أَوْلى أن يكون نفاقاً حينئذ، وإن كان المبغض جاهلاً متأولاً.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 4 / 290-301).
الشبهة(24): احتجاجهم بحديث : " أنت أخي ووصيي "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي: الخامس: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأمير المؤمنين: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي دَيْني، وهو نص في الباب».
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث، فإن هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها، ولا صححه إمام من أئمة الحديث.
وقوله: «رواه الجمهور»: إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه في الكتب التي يُحتج بما فيها، مثل كتاب البخاري ومسلم ونحوهما. وقالوا: إنه صحيح – فهذا كذب عليهم.
وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نُعيم في «الفضائل» والمغازلي وخطيب خوارزم ونحوهم، أو يُروى في كتب الفضائل، فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع، فكيف في مسألة الإمامة، التي قد أقمتم عليها القيامة؟!
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وقد تقدّم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها. وقد صدق في ذلك؛ فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه، ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل كذب موضوع. ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها، وإنما يرويه في الكتب التي يُجمع فيها بين الغثِّ والسمين، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب، مثل كثير من كتب التفسير: تفسير الثعلبي والواحدي ونحوهما، والكتب التي صنّفها في الفضائل من يجمع الغثَّ والسمين، لاسيما خطيب خوارزم، فإنه من أروى الناس للمكذوبات، وليس هو من أهل العلم بالحديث، ولا المغازلي.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب «الموضوعات» لما روى هذا الحديث من طريق أبي حاتم البستي، حدثنا بن سهل بن أيوب حدثنا عمّار بن رجاء، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أخي ووزيري وخليفتي من أهلي، وخير من أترك بعدي يقضي دَيني، وينجز موعدي: عليّ بن أبي طالب» قال: هذا حديث موضوع. قال ابن حبّان: مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن الإثبات، لا تحل الرواية عنه».
رواه أيضاً من طريق أحمد بن عدي بنحو هذا اللفظ، ومداره على عبيد الله بن موسى، عن مطر بن ميمون. وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقاً روى عنه البخاري، لكنه معروف بالتشيع، فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه، كما روى عن مطر بن ميمون هذا، وهو كذب وقد يكون علم أنه كَذَب ذلك، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه، ولو بحث عنه لتبين له أنه كَذَب هذا، مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدِّثون: «وخليفتي من بعدي» وإنما في تلك الطريق: «وخليفتي في أهلي» وهذا استخلاف خاص.
وأما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال: «حدثنا ابن أبي سفيان، حدثنا عدي بن سهل، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليّ أخي وصاحبي وابن عمي وخير من أترك من بعدي، يقضي دَيْني وينجز موعدي».
ولا ريب أن مطراً هذا كذّاب، لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة، مع روايته عن أنس، فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطَّان، ولا وكيع، ولا معاوية، ولا أبو نُعيم، ولا يحيى بن آدم، ولا أمثالهم، مع كثرة من الكوفة من الشيعة، ومع أن كثيراً من عوامّها يفضّل عليًّا على عثمان، روى حديثه أهل الكتب الستة، حتى الترمذي وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء، ولم يرووا عنه، وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى، لأنه كان صاحب هوى متشيعاً، فكان لأجل هواه يروي عن هذا ونحوه، وإن كانوا كذَّابين.
ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى، بخلاف عبد الرزاق، ذكر أحمد أن عبيد الله كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق.(12/255)
ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في «تاريخه» من حديث عبيد الله بن موسى، عن مطر، عن أنس، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليًّا مقبلاً، فقال: «أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة» قال ابن الجوزي: «هذا حديث موضوع، والمتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم : يروي الموضوعات عن الإثبات لا تحل الرواية عنه».
الوجه الثالث: أن دَيْن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقضه عليّ، بل في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله، فهذا الدين الذي كان عليه يقضى من الرهن الذي رهنه، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم دَيْن آخر.
وفي الصحيح عنه أنه قال: «لا يقتسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة». فلو كان عليه دَيْن قُضِيَ مما تركه، وكان ذلك مقدَّماً على الصدقة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 353-358) .
الشبهة(25): احتجاجهم بحديث المؤاخاة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي: السادس: حديث المؤاخاة. روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم المباهلة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وعليٌّ واقف يراه ويعرفه، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فانصرف باكياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما فعل أبو الحسن؟ قالوا: انصرف باكي العين، [قال: يا بلال! اذهب فأتني به، فمضى إليه، ودخل منزله باكي العين] فقالت فاطمة: ما يبكيك؟ قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بيني وبين أحد. قالت: لا يخزيك الله، لعله إنما ادخرك لنفسه، فقال بلال: يا عليّ! أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى فقال: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فأخبره، فقال: إنما أدَّخرك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى، فأخذ بيده، فأتى المنبر، فقال: اللهم! هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه، فانصرف فاتبعه عمر، فقال: بخٍ، بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فالمؤاخاة تدل على الأفضلية، فيكون هو الإمام».
والجواب .. أولاً: المطالبة بتصحيح النقل، فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتابٍ أصلاً، كما عادته يعزو، وإن كان عادته يعزو إلى كتبٍ لا تقوم بها الحجة، وهنا أرسله إرسالاً على عادة أسلافه شيوخ الرافضة، يكذبون ويروون الكذب بلا إسناد. وقد قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا سُئل: وقف وتحيّر.
الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث، لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع، وواضعه جاهل، كذب كذباً ظاهراً مكشوفاً، يعرف أنه كذب من له أدنى معرفة بالحديث، كما سيأتي به.
الثالث: أن أحاديث المؤاخاة لعليّ كلها موضوعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ أحداً، ولا آخى بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أبا بكر وعمر، ولا بين أنصاري وأنصاري، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة.
وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة.
الرابع : أن دلائل الكذب على هذا الحديث بيّنة، منها: أنه قال: «أما يوم المباهلة وآخى بين المهاجرين والأنصار». والمباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى، وأنزل الله سورة آل عمران، وكان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع، لم يتقدّم على ذلك باتفاق الناس والنبي صلى الله عليه وسلم لم يباهل النصارى، لكن دعاهم إلى المباهلة، فاستنظروه حتى يشتوروا، فلما اشتوروا قالوا: هو نبيٌّ، وما باهل قومٌ نبياً إلا استؤصلوا. فأقرُّوا له بالجزية، ولم يباهلوا. وهم أول من أقرّ بالجزية من أهل الكتاب. وقد اتفق الناس على أنه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة.
الخامس: أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار، وبين المباهلة وذلك عدة سنين.
السادس: أنه كان قد آخى بين المهاجرين والأنصار. والنبي صلى الله عليه وسلم وعليٌّ كلاهما من المهاجرين، فلم يكن بينهما مؤاخاة، بل آخى بين عليّ وسهل بن حنيف. فعُلم أنه لم يؤاخ عليًّا. وهذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار، لم تكن بين مهاجري ومهاجري.
السابع : أن قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة، لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلاً باتفاق أهل العلم بالحديث.
وأما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا أنه قاله بغدير خم مرة واحدة، لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلاً.(12/256)
الثامن : أنه قد تقدم الكلام على المؤاخاة، وأن فيها عموماً وإطلاقاً يقتضي الأفضلية والإمامة، وأن ما ثبت للصدِّيق من الفضيلة لا يشركه غيره، كقوله: «لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً»، وإخباره: أن أحب الرجال إليه أبو بكر، وشهادة الصحابة له أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يبيّن أن الاستدلال بما روي من المؤاخاة باطل نقلاً ودلالة.
التاسع : أن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، لأنه روي فيها أحاديث، لكن الصواب المقطوع به هذا لم يكن، وكل ما روي في ذلك فإنه باطل: إما أن يكون من رواية يتعمد الكذب، وإما أن يكون أخطأ فيه، ولهذا لم يخرِّج أهل الصحيح شيئاً من ذلك.
والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. معلوم أنه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض، وبين الأنصار بعضهم مع بعض، لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، إذ كان يذكر في أحاديث المؤاخاة، ويذكر كثيراً، فكيف وليس في هذا حديث صحيح، ولا خرّج أهل الصحيح من ذلك شيئاً.
وهذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة والسيرة المتواترة، وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب المؤاخاة وفائدتها ومقصودها، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، ليعقد الصلة بين المهاجرين والأنصار، حتى أنزل الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [سورة الأنفال: 75] وهي المحالفة التي أنزل الله فيها: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [سورة النساء: 33].
وقد تنازع الفقهاء: هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، الأول: مذهب أبي حنيفة. والثاني: مذهب مالك والشافعي.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 359-364) .
===============
الشبهة(26): احتجاجهم بحديث " لأعطين الراية .. "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي : السابع: ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليّ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرض للحرب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال له: "خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، [فاجتهد] ولم يغن شيئاً، ورجع منهزماً، فلما كان من الغد تعرَّض لها عمر، فسار غير بعيد، ثم رجع يخبر أصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جيئوني بعليّ، فقيل: إنه أرمد، فقال: أرونيه، أروني رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرَّار، فجاءوا بعليّ، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه فبرئ، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه، وقتل مرحباً. ووَصْفُهُ عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره، وهو يدل على أفضليته، فيكون هو الإمام».
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وأما قوله: «رواه الجمهور» فإن الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي في الصحيح أن عليًّا كان غائباً عن خيبر، لم يكن حاضراً فيها، تخلَّف عن الغزاة لأنه كان أرمد. ثم إنه شقَّ عليه التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقه صلى الله عليه وسلم، فلحقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدومه: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه». ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر ولا لعمر، ولا قربها واحدٌ منهما، بل هذا من الأكاذيب. ولهذا قال عمر: «فما أحببت الإمارة إلا يومئذ، وبات الناس كلهم يرجون أن يعطاها، فلما أصبح دعا عليًّا» فقيل له: إنه أرمد، فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ، فأعطاه الراية».
وكان هذا التخصيص جزاء مجيء عليّ مع الرمد، وكان إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وعليّ ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلى الله عليه وسلم، فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلاً.
الثاني : أن إخباره أن عليًّا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله حق، وفيه ردٌّ على النواصب. لكن الرافضة الذين يقولون: إن الصحابة ارتدُّوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا، لأن الخوارج تقول لهم: هو ممن ارتد أيضاً، كما قالوا لمَّا حكم الحكمين: إنك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه.
قال الأشعري في كتاب «المقالات»: «أجمعت الخوارج على كفر عليّ».
وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة، لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة، والرافضة تقدح فيها، فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج عَلَى أن عليًّا مات مؤمناً، بل أيّ دليل ذكروه قَدَح فيه ما يبطله على أصلهم، لأن أصلهم فاسد.(12/257)
وليس هذا الوصف من خصائص عليّ، بل غيره يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لكن فيه الشهادة لعينه بذلك، كما شهد لأعيان للعشرة بالجنة، وكما شهد لثابت بن قيس بالجنة، وشهد لعبد الله حمار أنه يحب الله ورسوله، وقد كان ضربه في الحد مرات.
وقول القائل: «إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره».
فيه جوابان: أحدهما: أنه إن سلَّم ذلك، فإنه قال: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه»، فهذا المجموع اختصّ به، وهو أن ذلك الفتح كان على يديه، ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعيّن على يديه أن يكون أفضل من غيره، فضلاً عن أن يكون مختصاً بالإمامة.
الثاني: أن يقال: لا نسلِّم أن هذا يوجب التخصيص. كما لو قيل: لأعطين هذا المال رجلاً فقيراً، أو رجلاً صالحاً، ولأدعون اليوم رجلاً مريضاً صالحاً، أو لأعطين هذه الراية رجلاً شجاعاً، ونحو ذلك – لم يكن في هذه الألفاظ ما يوجب أن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد، بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك.
ولهذا لو نذر أن يتصدَّق بألف درهم على رجل صالح أو فقير، فأعطى هذا المنذور لواحدٍ، لم يلزم أن يكون غيره ليس كذلك. ولو قال: أعطوا هذا المال لرجلٍ قد حجَّ عني، فأعطوه رجلاً، لم يلزم أن غيره لم يحج عنه.
الثالث: أنه لو قُدِّر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت، فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن أفضل منه بعد ذلك.
الرابع: أنه لو قدَّرنا أفضليته، لم يدل ذلك على أنه إمام معصوم منصوص عليه، بل كثير من الشيعة الزيدية ومتأخري المعتزلة وغيرهم يعتقدون أفضليته، وأن الإمام هو أبو بكر، وتجوز عندهم ولاية المفضول. وهذا مما يجوّزه كثير من غيرهم، ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض، أو ممن يرى أن هذه المسألة ظنّية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحدٍ معيّن، فإنّ من لم يكن له خبرة بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك.
وأما أئمة المسلمين المشهورون فكلهم متفقون على أن أبا بكر وعمر أفضل من عثمان وعليّ. ونقل هذا الإجماع غيرُ واحد، كما روى البيهقي في كتاب «مناقب الشافعي» [مسنده عن الشافعي]، قال: «ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر، وتقديمهما على جميع الصحابة».
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: «كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر».
وقد تقدم نقل البخاري عن عليّ هذا الكلام.
والشيعة الذين صحبوا عليًّا كانوا يقولون ذلك، وتواتر ذلك عن عليّ من نحو ثمانين وجهاً. وهذا مما يقطع به أهل العلم، ليس هذا مما يخفى على من كان عارفاً بأحوال الرسول والخلفاء.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 364-369) .
الشبهة(27): احتجاجهم بحديث " إن عليًا مني وأنا منه "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي: التاسع: ما رواه الجمهور: "أنه أمر الصحابة بأن يسلّموا عَلَى عليّ بإمرة المؤمنين، وقال: إنه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين. وقال: هذا وليّ كل مؤمن بعدي. وقال في حقّه: إن عليًّا مني وأنا منه، أولى بكل مؤمن ومؤمنة، فيكون عليّ وحده هو الإمام لذلك. وهذه نصوص في الباب».
والجواب من وجوه :
أحدها : المطالبة بإسناده وبيان صحته، وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته. فأما قوله: «رواه الجمهور» فكذب، فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن وغير ذلك فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يُروى أمثاله، فعِلْم مثل هذا ليس بحجة يجب إتباعها باتفاق المسلمين.
والله تعالى قد حرّم علينا الكذب، وأن نقول عليه ما لا نعلم. وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كَذَب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وكل من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه: لا الصحاح، ولا السنن ولا المساند المقبولة.
الثالث : أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قائل هذا كاذب، والنبي صلى الله عليه وسلم منزّه عن الكذب. وذلك أن سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين.
فإن قيل: عليّ هو سيدهم بعده.
قيل: ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا [التأويل]، بل هو يناقض لهذا؛ لأن أفضل المسلمين المتّقين المحجّلين هم القرن الأول، ولم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سيد ولا إمام ولا قائد غيره، فكيف يخبر عن شيء بعد أن لم يحضر، ويترك الخبر عمّا هم أحوج إليه، وهو حكمهم في الحال؟
ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن يقود عليّ؟
وأيضاً فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجّلين كفّار أو فسّاق، فلمن يقود؟(12/258)
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وددت أني قد رأيت إخواني». قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد». قالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: «أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرٌّ محجّلة بين ظهري خيل دُهم بُهم، ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض» الحديث.
فهذا يبين أن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإنه من الغرّ المحجلين، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدّمون أبا بكر وعمر. والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها، فلا يكونون من المحجّلين في الأرجل، وحينئذ فلا يبقى أحد من الغر المحجلين يقودهم، ولا يُقادون مع الغرّ المحجلين؛ فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم، وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للأعقاب من النار وبطون الأقدام من النار». ومعلوم أن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجّلاً، وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل، فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجلين، فيكون قائد الغر المحجلين بريئاً منه كائناً من كان.
ثم كون عليّ سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يُعلم بالاضطرار أنه كذب، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئاً من ذلك، بل كان يفضّل عليه أبا بكر وعمر تفضيلاً بيّناً ظاهراً عرفه الخاصة والعامة، حتى أن المشركين كانوا يعرفون [منه] ذلك.
ولما كان يوم أحد قال أبو سفيان، وكان حينئذ أمير المشركين: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» فقال أبو سفيان لأصحابه: أمّا هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوءك. وقد ذكر باقي الحديث، رواه البخاري وغيره.
فهذا مقدّم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، لعلمه وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رءوس الأمر، وأن قيامه بهم، ودلّ ذلك على أنه كان ظاهراً عند الكفار أن هذين وزيراه وبها تمام أمره، وأنهما أخص الناس به، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما.
وهذا أمر كان معلوماً للكفّار، فضلاً عن المسلمين. والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا. وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال: وُضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون له ويُثنون [عليه] ويصلُّون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت، فإذا هو عليّ فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيمُ الله! إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيراً ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما».
فلم يكن تفضيلهما عليه وعلى أمثاله مما يخفى على أحد؛ ولهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليًّا يقدّمون أبا بكر وعمر عليه، إلا في الحد منهم. وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان.
وكذلك قوله: «هو وليّ كل مؤمن بعدي» كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته وليّ كل مؤمن وليُّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال: والي كل مؤمن بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الوليّ والوالي قُدِّم الوالي في قول الأكثر. وقيل: يقدّم الولي.
فقول القائل: «عليّ ولي كل مؤمن بعدي» كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول: بعدي. وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: والٍ على كل مؤمن.
وأما قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك» فصحيح في غير هذا الحديث. ثبت أنه قال له ذلك عام القضية، لما تنازع هو وجعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها لخالتها، وكانت تحت جعفر. وقال: «الخالة أم». وقال لجعفر: «أشبهت خَلْقي وخُلُقي». وقال لعليّ: «أنت مني وأنا منك». وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا».(12/259)
وفي الصحيحين عنه أنه قال: «إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر، أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم» فقال للأشعريين: «هم مني وأنا منهم» كما قال لعليّ: «أنت مني [وأنا منك]» وقال لجليبيب: «هذا مني وأنا منه» فعُلم أن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة، ولا على أن من قيلت له كان هو أفضل الصحابة.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 385-392) .
الشبهة(29): احتجاجهم بحديث " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال الرافضي: الحادي عشر: ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته. روى أحمد ابن حنبل في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين، فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة.
وروى ابن خالويه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها: كوني، فكانت، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: حبك إيمان وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة محبّك، وأول من يدخل النار مبغضك، وقد جعلك الله أهلاً لذلك، فأنت مني وأنا منك، ولا نبي بعدي. وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عليّ وهو يقول: هذا وليّي وأنا وليّه، عاديت من عادى، وسالمت من سالم. وروى أخطب خوارزم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض: إني قد افترضت حجة عليّ على خلقي فبلغهم ذلك عني. والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين، وهي تدل على فضيلته واستحقاقه للإمامة».
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وهيهات له بذلك. وأما قوله: «رواه أحمد» فيقال: أولاً: أحمد له المسند المشهور، وله كتاب مشهور في «فضائل الصحابة» روى فيه أحاديث، لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف، لكونها لا تصلح أن تُروى في المسند، لكونها مراسيل أو أضعافاً بغير الإرسال. ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات، ثم إن القطيعي – الذي رواه عن ابنه عبد الله – زاد عن شيوخه زيادات، وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة.
وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهّال، فهم ينقلون من هذا المصنف، فيظنون أن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه أحمد عنه، ولا يميّزون بين شيوخ أحمد وشيوخ القطيعي. ثم يظنون أن أحمد إذا رواه فقد رواه في المسند، فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد قط، كما فعل ابن البطريق، وصاحب «الطرائف» منهم، وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم. وهذا غير ما يفترونه من الكذب، فإن الكذب كثير منهم.
وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث، فمجرد [رواية] أحمد لا توجب أن يكون صحيحاً يجب العمل به، بل الإمام أحمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها. وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط، لاسيما في مثل هذا الأصل العظيم.
مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي، رواه عن نصر بن علي الجهضمي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر. والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» وبيّن أنه موضوع. وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم. وكذلك رواية خطيب خوارزم؛ فإن في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو من أقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم.
الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث وأهل المعرفة، يعلمون علماً ضروريًّا يجزمون به أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن، ولا المعجمات، ولا نحو ذلك من الكتب.
الثالث: أن من تدبّر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: من أحب أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، ثم قال لها: كوني، فكانت. فهذه من خرافات الحديث. وكأنهم لما سمعوا أن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له: كن، فكان، قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم، وآدم خلق من تراب، ثم قال له: كن، فكان، فصار حيًّا بنفخ الروح فيه. فأما هذا القصب فبنفس خلقه كمل، ثم لم يكن له بعد هذا حال يُقال له فيها: كن، ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوته، بل قد رُوي في عدة آثار: أن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم، والقلم، وجنة عدن، ثم قال لسائر خلقه كن فكان. فلم يُذكر فيها هذه الياقوتة.
ثم أيّ عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يَجْعَل على هذا وعداً عظيماً.(12/260)
وكذلك قوله: أول من يدخل النار مبغضك. فهل يقول مسلم: إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام وفرعون وأبي لهب وأمثالهم من المشركين؟!
وكذلك قوله: أول من يدخل الجنة محبّك. فهل يقول عاقل: إن الأنبياء والمرسلين سبب دخولهم [الجنة] أولاً هو حب عليّ دون حب الله ورسوله وسائر الأنبياء ورسله، وحب الله ورسله ليس هو السبب في ذلك. وهل تعلّق السعادة والشقاوة بمجرد حب عليّ دون حب الله ورسوله، إلا كتعلقها بحبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية – رضي الله عنهم -؟ فلو قال قائل: من أحب عثمان ومعاوية دخل الجنة، ومن أبغضهما دخل النار – كان هذا من جنس قول الشيعة.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 7 / 397-402) .
===================
قولهم : «إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان» !!
وجوابه من وجوه :
أحدها : أن يقال: أولاً: هذا من أظهر الكذب وأَبْينه؛ فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقلته، ولا شاركوا في قتله، ولا رضوا بقتله.
أما أولاً: فلأن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة، بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة وخراسان، وأهل المدينة بعض المسلمين.
وأما ثانياً : فلأن خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان [لا قتل] ولا أمر بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل الفتن، وكان عليّ – رضي الله عنه – يحلف دائماً: «وإني ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله» ويقول: «اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل». وغاية ما يقال: إنهم لم ينصروه حق النصرة، وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان، حتى تمكن أولئك المفسدون، ولهم في ذلك تأويلات، وما كانوا يظنون أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ، ولو علموا ذلك لسدّوا الذريعة وحسموا مادة الفتنة.
ولهذا قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [سورة الأنفال:25]، فإن الظالم بظلم فيبتلى الناس بفتنة تصيب من لم يظلم، فيعجز عن ردها حينئذ، بخلاف ما لو مُنع الظالم ابتداءً، فإنه كان يزول سبب الفتنة.
الثاني : أن هؤلاء الرافضة في غاية التناقض والكذب؛ فإنه من المعلوم أن الناس أجمعوا على بيعة عثمان ما لم يجمعوا على قتله؛ فإنهم كلهم بايعوه في جميع الأرض. فإن جاز الاحتجاج بالإجماع الظاهر، فيجب أن تكون بيعته حقًّا لحصول الإجماع عليها. وإن لم يجز الاحتجاج به، بطلت حجتهم بالإجماع على قتله. ولاسيما ومن المعلوم أنه لم يباشر قتله إلا طائفة قليلة. ثم إنهم ينكرون الإجماع على بيعته، ويقولون: إنما بايع أهل الحق منهم خوفاً وكرهاً. ومعلوم أنهم لو اتفقوا كلهم على قتله، وقال قائل: كان أهل الحق كارهين [لقتله لكان سكتوا خوفاً وتقيَّة على أنفسهم، لكان هذا أقرب إلى الحق،] لأن العادة قد جرت بأن من يريد قتل الأئمة يخيف من ينازعه، بخلاف من يريد مبايعة الأئمة، فإنه لا يخيف المخالف، كما يخيف من يريد قتله، فإن المريدين للقتل أسرع إلى الشر وسفك الدماء وإخافة الناس من المريدين للمبايعة.
فهذا لو قُدِّر أن جميع الناس ظهر منهم الأمر بقتله، فكيف وجمهورهم أنكروا قتله، ودافع عنه من دافع في بيته، كالحسن بن عليّ وعبد الله بن الزبير وغيرهما؟
وأيضاً فإجماع الناس على بيعة أبي بكر أعظم من إجماعهم على بيعة عليّ وعَلَى قتل عثمان وعلى غير ذلك، فإنه لم يتخلف عنها إلا نفر يسير كسعد بن عبادة، وسعد قد عُلم سبب تخلفه، والله يغفر له ويرضى عنه. وكان رجلاً صالحاً من السابقين الأوّلين من الأنصار من أهل الجنة، كما قالت عائشة – رضي الله عنها – في قصة الإفك لما أخذ يدافع عن عبد الله بن أُبَيّ رأس المنافقين، [قالت]: «وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية».
وقد قلنا غير مرة: إن الرجل الصالح المشهود له بالجنة قد يكون له سيئات يتوب منها، أو تمحوها حسناته، أو تكفَّر عنه بالمصائب، أو بغير ذلك؛ فإن المؤمن إذا أذنب كان لدفع عقوبة [النار] عنه عشرة أسباب: ثلاثة منه، وثلاثة من الناس، وأربعة يبتديها الله: التوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، ودعاء المؤمنين له، وإهداؤهم العمل الصالح له، وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، والمصائب المكفِّرة في الدنيا، وفي البرزخ، وفي عرصات القيامة، ومغفرة الله له بفضل رحمته.(12/261)
والمقصود هنا أن هذا الإجماع ظاهر معلوم، فكيف يَدَّعي الإجماع على مثل قتل عثمان من ينكر مثل هذا الإجماع؟ بل من المعلوم أن الذين تخلّفوا عن القتال مع عليّ من المسلمين أضعاف الذين أجمعوا عل قتل عثمان؛ فإن الناس كانوا في زمن عليّ على ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف لا قاتلوه ولا قاتلوا معه. وأكثر السابقين الأوّلين كانوا من هذا الصنف، ولو لم يكن تخلّف عنه إلا من قاتل مع معاوية – رضي الله عنه -، فإن معاوية ومن معه لم يبايعوه، وهم أضعاف الذين قتلوا عثمان أضعافاً مضاعفة، والذين أنكروا قتل عثمان أضعاف الذين قاتلوا مع عليّ. فإن كان قول القائل: إن الناس أجمعوا على قتال عليّ باطلاً، فقوله: إنهم أجمعوا على قتل عثمان أبطل وأبطل.
وإن جاز أن يُقال: إنهم أجمعوا على قتل عثمان، لكون ذلك وقع في العالم ولم يُدفع. فقول القائل: إنهم أجمعوا على قتال عليّ [أيضًا] والتخلف عن بيعته أجوز وأجوز؛ فإن هذا وقع في العالم ولم يدفع [أيضًا].
وإن قيل: إن الذين كانوا مع عليّ لم يمكنهم إلزام الناس بالبيعة له، وجمعهم عليه، ولا دفعهم عن قتاله، فعجزوا عن ذلك.
قيل: والذين كانوا مع عثمان لما حُصِر لم يمكنهم أيضًا دفع القتال عنه.
وإن قيل: بل أصحاب عليّ فرّطوا وتخاذلوا، حتى عجزوا عن دفع القتال، أو قهر الذين قاتلوه، أو جمع الناس عليه.
قيل: والذين كانوا مع عثمان [فرَّطوا وتخاذلوا حتى تمكن منه أولئك. ثم دعوى المدّعي الإجماع على قتل عثمان] مع ظهور الإنكار [من] جماهير الأمة له وقيامهم في الانتصار له والانتقام ممن قتله، أظهر كذبًا من دعوى المدّعي إجماع الأئمة على قتل الحسين – رضي الله عنه -.
فلو قال قائل: إن الحسين قُتل بإجماع الناس، لأن الذين قاتلوه وقتلوه لم يدفعهم أحد عن ذلك، لم يكن كذبه بأظهر من كذب المدّعي للإجماع على قتل عثمان؛ فإن الحسين – رضي الله عنه – لم يَعْظُم إنكار الأمة لقتله، كما عظم إنكارهم لقتل عثمان، ولا انتصر له جيوش كالجيوش الذين انتصرت لعثمان، ولا انتقم أعوانه من أعدائه كما انتقم أعوان عثمان من أعدائه، ولا حصل بقلته من الفتنة والشر والفساد ما حصل بقتل عثمان، ولا كان قتله أعظم إنكارًا عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من قتل عثمان؛ فإن عثمان من أعيان السابقين الأوّلين من المهاجرين من طبقة عليّ وطلحة والزبير، وهو خليفة للمسلمين أجمعوا على بيعته بل لم يُشهِر في الأمة سيفاً ولا قتل على ولايته أحداً، وكان يغزو بالمسلمين الكفّار بالسيف، وكان السيف في خلافته كما كان في خلافة أبي بكر وعمر مسلولا على الكفَّار، مكفوفا عن أهل القبلة، ثم إنه طُلب قتله وهو خليفة فصبر ولم يقاتل دفعاً عن نفسه حتى قتل، ولا ريب أن هذا أعظم أجراً، وقتله أعظم إثمًا، ممن لم يكن متولياً فخرج يطلب الولاية، ولم يتمكن من ذلك حتى قاتله أعوان الذين طلب أخذ الأمر منهم، فقاتل عن نفسه حتى قُتل.
ولا ريب أن قتال الدافع عن نفسه وولايته أقرب من قتال الطالب؛ لأن يأخذ الأمر من غيره، وعثمان ترك القتال دفعًا عن ولايته، فكان حاله أفضل من حال الحسين، وقتله أشنع من قتل الحسين. كما أن الحسن – رضي الله عنه – لما لم يقاتل على الأمر، بل أصلح بين الأمة بتركه القتال، مدحه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
والمنتصرون لعثمان معاوية وأهل الشام، والمنتصرون من قتلة الحسين المختار بن أبي عبيد [الثقفي] وأعوانه. ولا يشك عاقل أن معاوية – رضي الله عنه – خير من المختار؛ فإن المختار كذَّاب ادّعى النبوة. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في ثقيف كذَّاب ومبير». فالكذَّاب هو المختار، والمبير هو الحجاج بن يوسف. وهذا المختار كان أبوه رجلاً صالحاً، وهو أبو عبيد الثقفي الذي قُتل شهيداً في حرب المجوس، وأخته صفيّة بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر امرأة صالحة، وكان المختار رجل سوء.
( المرجع : منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، 4 / 322-329).
===============
شهادة الخميني في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ورضي الله عن آله وصحابته الغر الميامين.
من فمك أدينك: ما كان أحرى هذا الكتاب نقدمه اليوم للمسلمين كافة في الأرض بهذا العنوان لا يزاد عليه ولا ينقص منه، لولا أنه لا يدل دلالة مباشرة صريحة على الحقائق التي أردنا عرضها على أعين الناس وعقولهم.(12/262)
ويَحْسُن أن نُذَكّر القارئ أنه حين أعلن عن قيام دولة إيران الإسلامية هرعت إلى طهران الألوف من جميع أنحاء الأرض تحمل ولاءها لهذه الدولة- الذي كاد أن يكون بيعة- على رءوسها وفي صدروها. ومن عجز عن الوصول إلى طهران كان يحلق بروحه فوق قم وتبريز وطهران، ليرى بقلبه من وراء الجبال والبحار والسهول كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يتحركان من جديد فوق الأرض تقف من ورائه دولة قوية منيعة تحميه أن يعتدى عليهما، يرسمان للناس كافة مسيرتهم الإيمانية في أمل يتجاوز حدود الأرض، ويصعد بالآملين إلى ملكوت السماء وفي رجاء يحدو بأهله فوق سحب الدهر تمطر الناس بغيثها الطيب المدرار.
بيد أن سرعان ما تمزق الأمل، وغاض الرجاء حين صارت كتب الخميني وكلماته وآراؤه في الفقه والسياسة والتاريخ يسمعها أو يقرؤها بعض من حملوا الولاء بيعة لدولة إيران الإسلامية.
إن كان أكثرهم كأنهم لا يعقلون، وراحوا يتأولون ذلك أحياناً، ويتهمون خصومه بنسبها إليه زوراً وكذباً. وهكذا كان.
ولكن هل يقبل عقلاً أن تصبح الحقائق الدامغة زوراً وكذباً وهي حقائق؟ ونحن اليوم نعيش في عالم صغير لا يكاد يخفى في شيء.
إن ما نثبته في هذا الكتاب من أقوال الخميني وآرائه مدونة أو مسموعة ليس بيننا وبينها رواة متهمون، فهي حقائق مأخوذة أخذاً مباشراً عنه من كتبه المقطوع نسبتها إليه، ولم يبرأ منها، ومن صوته المسموع من إذاعة إيران حقائق موثقة بالأرقام والصفحات والأيام، وإن المسلم العاقل الذي يقيس الأمور بالإسلام لا يمكن أن يرضى لنفسه على الأقل متابعة خميني في آرائه، بل أن يسلم له بآرائه؛ لأن ذلك هو صريح الكفر عياذاً بالله.
ونحن لا نريد أن نناقش الخميني في آرائه ونحمله على التخلي عنها إلا أن يحول الله قلبه فذلك مطلب عزيز المثال، بل مرادنا أن نعرض على المسلمين كافة هذه الآراء ليروا أي دولة إسلامية تلك التي وضعت مقاليدها في يد الخميني يتصرف فيها كيفما شاء!!
خميني الفرقة... وخمائن الوحدة:
لقد كان الأجدر بالخميني إن كان يريد حقاً أن يحمل مسئولية الدولة الإسلامية أن يعمل جاهداً على جمع صفوف المسلمين على كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وأن يثبت لهم أن ما كان يقال عن أبي بكر وعمر وجلّة الصحابة رضوان الله عليهم شيء تاريخي مضى وانقضى كما يقول بعض الجهلاء، وأنه قد آن للمسلمين أن يتلاقوا على عقيدة واحدة قوامها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحب النبي وآل بيته، وتعظيم الخلفاء الراشدين جميعاً وغيرهم من أصحاب النبي وأزواجه.
ثم أليس الأجدر بخميني وهو لا يقر إلا بحكم علي عليه السلام أن يقبل بما قبل به وشايعه عليه جلة الصحابة وغيرهم من تحكيم كتاب الله، والرضا به لوضع نهاية للحرب الضروس؟
إن الإقرار لعلي بالإمامة تفرض على خميني أن يقر له بما رآه للمسلمين قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، ولا أحسب إلا أن جميع المسلمين في الأرض من السنة والشيعة على السواء ينزلون علياً رضي الله عنه من قلوبهم منزلة يرجون بها مثوبة من الله سبحانه، ولا يرضون بديلاً عن حكمه امتثالاً لأمر الله سبحانه: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى))[الشورى:23].
إن النيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصد منه إلحاق الأذى بهم، أو بمن يحبهم ويواليهم امتثالاً لأمر الله سبحانه، بل يقصد به هدم الإسلام الذي كان هؤلاء الجلّة يمثلونه خير تمثيل في أول مراحله، فهم مشاعل الأمة الذين يُهْتَدى بهديهم، ويؤُتسى بهم على مَرْ الزمان.
لقد آن للمسلمين جميعاً أن يقولوا كلمتهم في خميني ودولته القائمة على الأفكار المنحرفة عن الإسلام وجوهره النقي، ونزوعها إلى الطائفية المقيتة التي يعمل المسلمون جاهدين على إزالتها والتخلص من شرورها وما تؤدي إليه من تمزق وتفرق وكراهية وعصبية.
فهل انتبه المسلمون وقادتهم إلى هذا الداء الخبيث الذي تشري عدواه في صفوف الأمة، وكثير منهم مازالوا عنه غافلين.
----------
موقف الخميني من الصحابة
من المعلوم أن الدعوة الإسلامية قامت على جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين من المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل دعوة الدين الجديد، وحمل الرسالة الإسلامية، وبثها بين الناس، فصاروا المثل الأعلى الذي يقتدي به كل مسلم مؤمن غيور على دينه، وأصبحوا محط فخر المسلمين واعتزازهم وقدوة لهم على توالي العصور.(12/263)
ولا ريب في أن أفضل العصور في الإسلام وأكثرها نقاء هو عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين. ففي عهدهم أرسيت قواعد الإسلام، وانتشرت الرسالة الإسلامية في بقاع الأرض بجهادهم وصبرهم، وهدى الله الناس إلى الدين القويم، فدخلوا فيه أفواجاً بعد القضاء على الإمبراطورية الفارسية المجوسية من سيطرتها البغيضة، ونشر العدل والخير في ربوع الأرض، وإقامة الدولة الإسلامية العربية الموحدة القوية.
من هنا وجدنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعلى تعاقب العصور يعدون دروس هذه المرحلة من أبلغ دروس الرسالة الإسلامية، وأكثرها نقاء، وأصبح كل واحد من هؤلاء الخلفاء الراشدين مثلاً يحتذى بسعي كل مؤمن إلى التشبه به، والسير على طريقته، سواءٌ أكان حاكماً أم محكوماً.
وقد عمدت الحركات السياسية المعادية للعروبة والإسلام منذ صدر الرسالة إلى محاولة هدم هذا الصرح الشامخ، وتقويضه بشتى الوسائل، فقام الفرس باغتيال الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الذي فرق إمبراطوريتهم ومزقها شر ممزق، وأصبح الفرس يحتفلون بيوم مقتله، بل يعده بعضهم عيداً ينبغي الاحتفال به. [انظر: الأنوار النعمانية للجزائري (1/108) فصل: نور سماوي يكف عن ثواب قتل عمر بن الخطاب].
كما عملوا على نشر الحركة الشعوبية التي تهدف إلى ضرب العروبة والإسلام، والطعن في رجالات المسلمين البارزين، وهم من العرب الخلص، والتقليل من شأنهم.
وكان من أخطر هذه الحركات السياسية الفارسية الباطنية تلك التي لبست لبوس الدين، مدعيةً زوراً وبهتاناً موالاة آل البيت تمويهاً وتضليلاً للناس؛ بغية الطعن في رجال الصدر الأول، من المهاجرين والأنصار من العرب وإظهار الخلفاء الراشدين مخالفين للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن جميع الصحابة رضوان الله عليهم قد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى نفر يسير منهم.
وكانت هذه المحاولات بداية لسلسلة متصلة من الحركات جاءت في سيلان لا ينقطع، تريد ضرب الأمة وتاريخها وعقيدتها، وذلك عن طريق النيل من رموز الأمة وقادتها الذين صاروا بفضل جهادهم أعلاماً راسيات يقتدي بهم الخلف كابراً عن كابر.
الخميني وتصريحاته في النيل من رسول الله والصحابة:
لقد تحقق أصحاب البرامج الباطنية، ودعاة الشعوبية الزندقة أن من خصائص هذه الأمة الكريمة -التي حملها الباري تعالى أمانة التبليغ- شدة ارتباطها بقادة مسيرتها، ورموز حضارتها، ومن ثم اشتركوا جميعاً في جهد خبيث يقوم على التأمل والتلقين السّري، فتصدوا به للنيل من هذه الرموز وإسقاطها، ونشر المفتريات عنها كلها ما وجدوا إلى ذلك حيلة وسبيلاً، بعد أن يئسوا من ضرب الخلافة، وإفساد العقيدة، هدم الريادة العربية.
ولما كانت الخمينية واحدة من هذه الحركات السياسية الفارسية الباطنية المتشحة بثوب الدين، بغية تحقيق أهدافها الخبيثة في ضرب العروبة وهدم الإسلام ونشر المفتريات عن قادته وحملة رسالته، فإن مؤسسها لم يخف في كتبه وخطبه حقيقة حقده على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعنه فيهم، وتكفير الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، سواء أكان ذلك تلميحاً أم تصريحاً، وهو أمر جد واضح لمن يطالع مؤلفاته ويقرأ خطبه وتصريحاته.
ويلاحظ أن الخميني لم يكتف بتكفير عدد من كبار الصحابة، والطعن في جملتهم فحسب، بل كان دائم الكلام في رجالات العرب من محدثين وفقهاء وقضاة وخلفاء، وكان هذا الرجل مازال يعمل على هدم الإسلام من الداخل، حينما يتظاهر باعتناقه والعمل من أجله، شأنه في ذلك شأن من سبقوه من أئمة الشعوبية والزندقة ممن تظاهروا كذباً بالإسلام وادعوا النسب العلوي ليكسبوا ثقة الناس، لما لآل البيت من منزلة رفيعة في نفوسهم. فيصل به الأمر إلى التقليل من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفضيل المهدي المنتظر عليه وعلى الأنبياء والمرسلين كافة، كما صرح بذلك في كلمة وجهها (يوم 15 شعبان سنة 1400هـ/30 حزيران يوليو 1980م)، وهي خطبة مشحونة بصريح الكفر لا تخفى أهدافها على كل مسلم حريص.
وها نحن نسوق للقارئ جملة من النصوص التي تبين موقف هذا الذي ادعى لنفسه الإمامة والعصمة، وزعامة الإسلام من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ورجالات الإسلام، معتمدين على استقراء مؤلفاته المعتمدة، وخطبه الموثقة المطبوعة، والمذاعة من الإذاعة الإيرانية الرسمية.
تكفير الخميني لأبي بكر وعمر في كشف الأسرار:
(1) ففي كتابه: "كشف الأسرار" كتب الخميني فصلين كفّر فيهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لمخالفتهما في زعمه نصوص القرآن الكريم، أول هذين الفصلين بعنوان: "مخالفة أبي بكر لنصوص القرآن" [ص111-114].(12/264)
وثانيهما بعنوان: "مخالفة عمر لكتاب الله" [ص114-117] وفيهما من الكذب والافتراء والحقد الدفين على العروبة والإسلام وشعوره المريب بالدور العظيم الذي قام به الخليفتان الراشدان في إقامة الدولة العربية الإسلامية، لنشر العدالة والتوحيد في الأرض وتخليص الناس من ظلم أنفسهم وتحطيم الإمبراطورية الفارسية المجوسية التي أرادت أن تصد الإسلام عن الناس.
والخميني -كما هي عادته- يغطي كل ذلك بدعوى مشايعة آل البيت زوراً وبهتاناً لإخفاء مقاصده الخبيثة، فيقول: (وهنا نجد أنفسنا مضطرين على إيراد شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك، وأنه كان هناك من يؤيدهما).
ثم هذا الدجال المارق ما ظن أن أبا بكر قد خالف في زعمه كتاب الله في قصة الإرث المعروفة واتهمه بوضع حديث" إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة". وقال في أول الفصل الثاني: (نورد هنا مخالفات عمر لما ورد في القرآن؛ لنبين بأن معارضة القرآن لدى هؤلاء كان أمراً هيناً، ونؤكد بأنهم كانوا سيخالفون القرآن أيضاً فيما إذا كان قد تحدث بصراحة عن الإمامة).
ويقول في حق عمر الفاروق عند كلامه المزعوم على جملة قالها في احتضار رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري، ويعتبر خير دليل لدى المسلم الغيور، والواقع أنهم ما عظموا الرسول حق قدره!!! الرسول الذي جد وكد، وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أدنيه ترن كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم" اهـ.
ويقول في خلاصة كلامه على سبب عدم ورود الإمامة في القرآن الكريم، ومخالفة الخليفتين الراشدين للقرآن ومتابعة المسلمين لهما ما نصه: "من جميع ما تقدم يتضح أن مخالفة الشيخين للقرآن لم تكن عند المسلمين شيئاً مهماً جداً، وأن المسلمين إما كانوا داخلين في حزب الشيخين ومؤيدين لهما وإما كانوا ضدهما ولا يجرءون أن يقولوا شيئاً أمام أولئك الذين تصرفوا مثل هذه التصرفات تجاه رسول الله وتجاه ابنته وحتى إذا كان أحدهم يقول شيئاً فإن كلامه لم يكن ليؤخذ به" اهـ.
والخلاصة: حتى لو كانت هذه الأمور ذكر صريح في القرآن، فإن هؤلاء لم يكونوا ليكفوا عن نهجهم، ولم يكونوا ليتخلوا عن المنصب، ولكن وحيث إن أبا بكر كان أكثر تظاهراً من سواه، فإنه جاء بحديث أنهى به المسالمة، فأقدم على ما أقدم عليه بشأن الإرث كما أنه لم يكن من المستبعد بالنسبة لعمر أن يقول: بأن الله أو جبرائيل، أو النبي: قد أخطئوا في إنزال هذه الآية فيقوم أبناء العامة بتأييده كما قاموا بتأييده فيما أحدثه من تغييرات في الدين الإسلامي، ورجحوا حديثه عن الإمامة وأولي الأمر.
(وإننا هنا لا شأن لنا بالشيخين، وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرّماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين، إن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاكون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر). [كشف الأسرار 107-108]
ولذلك يطلق الخميني على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (الجبت والطاغوت) ويسميهما (صنمي قريش) ويرى أن لعنهما واجب، وأن من يلعنهما ويلعن أمهات المؤمنين عائشة وحفصة ابنتيهما، وزوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم له فضل وأجر عظيمان، وقد أصدر الخميني مع جماعة آخرين نص الدعاء المتضمن هذه المهازل الكفرية ونحن نورده هنا بتمامه منقولاً عن تحفة العوام مقبول [ص422-423] المطبوع في لاهور:
(دعا صنمي قرش)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد، وآل محمد، اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكروا وحيك، وجحدوا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرّفا كتابك، وأحبا أعداءك، وجحدا آلائك، وعطلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، وألحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، ووليا أعداءك، وخربا بلادك، وأفسدا عبادك.
اللهم العنهما، وأتباعهما، وأولياءهما، وأشياعهما، ومحبيهما، فقد أخربا بيت النبوة وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه وعاليه يسافله، وظاهره بباطنه، واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيه، وواريا علمه، وجحدا إمامته، وأشركا بربهما،! فعظم ذنبهما، وخلدهما في سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر!(12/265)
اللهم العنهم بعدد كل منكر أتوه، وحق أخفوه، ومنبر علوه، ومؤمن أرجوه، ومنافق ولّوه، وولي آذوه، وطريد آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيروه، وأثر أنكروه، وشر آثروه، ودم أراقوه، وخير بدلوه، وكفر نصبوه، وكذب دلسوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلوه، وباطل أسسوه، وجور بسطوه، ونفاق أسروه، وغدر أضمروه، وظلم نشروه، ووعد أخلفوه، وأمانة خانوه، وعهد نقضوه، وحلال حرموه، وحرام أحلوه، وبطن فتقوه،وجنين أسقطوه، وضلع دقوه، وصك مزقوه، وشمل بددوه، وعزيز أذلوه، وذليل أعزوه، وذو حق منعوه، وكذب دلسوه، وحكم قلبوه، وإمام خالفوه! اللهم العنهم بعدد كل آية حرفوها، وفريضة تركوها، وسنة غيروها، وأحكام عطلوها، ورسوم قطعوها، ووصية بدلوها، وأمور ضيعوها، وبيعة نكثوها، وشهادات كتموها، ودعوات أبطلوها، وبينة أنكروها، وحيلة أحدثوها، وخيانة أوردوها، وعقبة ارتقوها، ودباب دحرجوها، وأزيان لزموها، اللهم العنهم في مكنون السر، وظاهر العلانية، لعناً كثيراً أبداً، دائماً دائباً، سرمداً، لا انقطاع لعدده، ولا نفاد لأمده، لعناً يعود أوله، ولا ينقطع آخره، لهم، ولأعوانهم، وأنصارهم، ومحبيهم، ومواليهم، والمسلمين لهم والمائلين إليهم، والناهقين باحتجاجهم، والناهضين بأجنحتهم، والمقتدين بكلامهم، والمصدقين بأحكامهم! قل أربع مرات: اللهم عذبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين" ثم تقول أربع مرات: اللهم العنهم جميعاً! اللهم صل على محمد، وآل محمد، فأغنني بحلالك عن حرامك، وأعذني من الفقر، رب إني أسأت وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، وهأنذا بين يديك، فخذ لنفسك رضاها من نفسي لك العتبى لا أعود، فإن عدت فعد علي بالمغفرة والعفو لك، بفضلك، وجودك، بمغفرتك، وكرمك يا أرحم الراحمين! وصل اللهم على سيد المرسلين، وخاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، برحمتك يا أرحم الراحمين!
علماً بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو زوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وعلى بن أبي طالب، وأخت الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.
تكفير الخميني لعثمان بن عفان رضي الله عنه:
(2) أما الكلام على الخلفية الثالث عثمان رضي الله عنه، فهو لا يحتاج إلى إغراق، فهو عنده كافر بلا ريب تشهد على ذلك كتبه. فضلاً عن عشرات الخطب والإذاعات التي تبثها الإذاعة الإيرانية باللغتين العربية والفارسية، ومما هو معلوم عند الناس ([1]).
تجاهل الخميني للخلافة الراشدة:
(3) ولذلك فإن الخميني حينما يتحدث عن الحكومة الإسلامية الراشدة يتجاهل حكومة الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوا علياً رضي الله عنه، ولا يشير إلا إلى حكم الرسول وحكم علي، فيقول مثلاً: "لقد ثبت بضرورة الشرع والعقل أن ما كان ضرورياً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الإمام أمير المؤمنين من وجود الحكومة لا يزال ضرورياً إلى يومنا هذا". [الحكومة الإسلامية:26]
ويقول أيضاً: "وقد كان الرسول وأمير المؤمنين يقولون ويعلمون". [نفسه:74]
الصحابة من زمرة المنافقين:
(4) يعد الخميني الصحابة من زمرة المنافقين؛ لأنهم فيما زعم لم يطالبوا بحق أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالخلافة، واتهم بعضهم بوضع الحديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مرّ بنا اتهامه لأبي بكر بذلك، كما صرح في كتابه الحكومة الإسلامية [ص:71] أن الصحابي الجليل سمرة بن جندب كان يضع الحديث أيضاً.
(5) عن عنجهية خميني الفارسية، وغروره وحقده الدفين على الإسلام والصحابة تجعله دائم التصريح بما يقلل من شأنهم، ويطعن فيهم، فقد ذكر في خطاب له لمناسبة عيد نوروز (سنة 1982)- وهو عيد الفرس ولا يمت إلى الإسلام بصلة، الذي تحتفل به في الحادي والعشرين من آذار من كل عام.
أقول صراحة: بأنه لا يوجد شعب كشعب إيران، ولا مجلس كمجلس إيران، ولا قضاء كقضاء إيران، ولا شرطة كشرطة إيران منذ صدر تاريخ العالم وحتى يومنا هذا، من أفضل العهود في الإسلام عهد الرسول الأكرم، ففي عهد الرسول الأكرم عندما كان في مكة لم تكن هناك حكومة وعندما جاء إلى المدينة وقامت الحكومة تعرفون جميعكم بأن جميع الذين كانوا معه ماذا كانوا يعملون معه، لقد كانوا يتذرعون بشتى الذرائع يعودون (من الجهاد) بذريعة ما. لقد كان النبي في عهده مظلوماً أكثر من الآن لم يكن يطيعونه.
ويقول في خطاب له لدى استقباله أئمة جمعة مازندران في (10/3/1982م): "إن الحماسة والشوق للتوجه إلى جبهات القتال والاندفاع نحو الشهادة لم يكن له نظير حتى في عهد رسول الله وأمير المؤمنين سلام الله عليه.(12/266)
وهكذا لم يستثن الخميني أحداً من الصحابة، فجعلهم متخاذلين جبناء يرسلهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القتال، فيعودون منه متذرعين بشتى الذرائع، ونسي أن الصحابة (المتخاذلين) هؤلاء هم الذي قوضوا إمبراطورية أجداده بين عشية وضحاها، وأن هؤلاء الصناديد فتحوا العالم في سنين قلائل، وكانوا دعاة حق وخير وعدل ومحبة وسماحة وسلام، ولكن حقده الدفين على العرب والمسلمين أعمى بصيرته، وجعله كحاطب ليل ولا يدري ما يحطب.
وقد امتد حقد الخميني إلى كل رجالات المسلمين في الدولة العربية الإسلامية، فقد ذكر في كلمة له في أعضاء مجلس الشورى في (1/6/1982م): "أكثر القوانين في الدولة الإسلامية كانت خلافاً لمسار الإسلام، وإن منفذي هذه القوانين ورجال القضاء كانوا ينصبون خلافاً للموازين الإسلامية، وهم الآن في النار، وبعد من يتحاكم إليهم في حق أو باطل، فإنما يتحاكم إلى الطاغوت، وهو يرمي بالجهل كل الخلفاء المسلمين الذين تعاقبوا على خلافة المسلمين، فيقول عن هارون الرشيد: أي ثقافة حازها وكذلك من قبله ومن بعده؟ [الحكومة الإسلامية:132]
وهكذا يهدم الخميني كل القمم الإسلامية ابتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاء بالناس، فهو يتكلم في صحابته، ويكفرهم ويتهمهم بوضع الحديث، ويرميهم بالنفاق والجبن، ومخالفة الله ورسوله، ويلعن أمهات المؤمنين وثقات المحدثين، والفقهاء والعلماء من أهل الصدر الأول الذين أرسوا الثقافة العربية الإسلامية بعلمهم الجم، وجهادهم المتواصل، وإخلاصهم المتفاني، ويتكلم بكل قبح ووقاحة في سِير الخلفاء الذين توالوا على حكم الدولة العربية الإسلامية، فماذا أبقى من الإسلام؟ هذا هو الهدم المتعمد لكل المآثر الإسلامية والقيم الأصيلة.
الخميني الطائفي
في الوقت الذي يسعى فيه المسلمون إلى توحيد صفوفهم ونبذ الخلافات المفرقة من طائفية ومذهبية وعنصرية التي جّرتْ كثيراً من الويلات على أمة العرب والمسلمين في ماضيهم وحاضرهم، ويبذلون الجهود المحمودة في هذا الاتجاه، لما فيه من مصلحة أكيدة لتضامن المسلمين، وتكثيف جهودهم في مجابهة الأخطار والتحديات المحدقة بهم، نجد هذا نصب نفسه إماماً للمسلمين يكرس الطائفية كلما وجد إلى ذلك سبيلاً، فيظهر ذلك الاتجاه في كتاباته وخطبه ودستور دولته (الإسلامية) المزعومة وتطبيقاتها العملية.
والذي يزيد في الطين بلة أن طائفية الخميني طائفية منفردة في نوعيتها؛ إذ أنها طائفية ممزوجة بالعنصرية الفارسية، حيث جعل من الإسلام الذي يعتقده ديناً قومياً فارسياً، فأصبح مغايراً في كلياته وجزئياته للدين القويم الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
الدين الرسمي لإيران الإسلام والمذهب الجعفري:
فلأول مرة في تاريخ الحكومات الإسلامية نجد دستوراً رسمياً يكرس الأسس الفكرية لطائفة معينة في الحكم على الرغم من تعدد المذاهب الإسلامية، فينص على أن الدستور ينطلق من قاعدة ولاية الأمر، والإمامة المستمرة، كما ينص على أن: "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد" (المادة:12).
أما المذاهب الإسلامية الأخرى حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية وزيدية، فإنه يقرر لها الحرية في العبادة والأحوال الشخصية وفق فقهها: مثلها في ذلك مثل الأقليات الدينية غير الإسلامية من زرادشت ويهود ومسيحيين. (مادة 13).
شروط رئيس الدولة عند الخميني:
وهكذا وضع الخميني تكريساً أبدياً لطائفية في أعلى قانون للبلاد هو الدستور، وجعل المذاهب الإسلامية الأخرى منزلة مساوية لمنزلة المجوس واليهود والنصارى.
ثم مزج الطائفية بعنصرية إيرانية واضحة حينما نص في الدستور على الشروط التي ينبغي توفرها في رئيس هذه الدولة (الإسلامية).
أن يكون فارسي الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية مؤمناً ومعتقداً بمبادئ الجمهورية الإسلامية، والمذهب الرسمي للدولة (المادة 115).
وهكذا حرم كل المسلمين من الترشيح لرئاسة دولته (الإسلامية) من غير الإيرانيين، كما حرم كل متبع لمذهب يغاير مذهبه من الترشيح لها، وهو أمر لم يشهد التاريخ له مثيلاً في التعصب الطائفي العنصري المقيت.
وقد أبانت الممارسات التي قام بها رجال الخميني بعد قيام دولته الانحياز التام للعنصر الفارسي دون الأقليات القومية الإيرانية الأخرى ممن يعتنقون الإسلام، وهو انحياز لم يعد خافياً على أحد، تمثل في تصديهم لأبسط حقوق العرب في عربستان والأكراد في كردستان والبلوش وغيرهم.
طهران خالية من مساجد السنة:(12/267)
كما أن العاصمة الإيرانية طهران خالية من أي مسجد لأهل السنة يقيمون فيه الجمعة، ويذكر العلامة محمد عبد القادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان الذي زار إيران عدة مرات بدعوة من الحكومة الإيرانية الخمينية، كان آخرها سنة (1402هـ)، إنه منذ ثلاث سنوات وعد الخميني في لقاء مع وفد أهل السنة برئاسة الأستاذ عبد العزيز رئيس الخطباء لأهل السنة بزاهدان بإعطاء قطعة من أرض يشاد عليها مسجد لأهل السنة في طهران، وزعم دفع ثمنها، وقد أصدر الخميني الأمر لغصب الثمن المسدد، والسجن لمن سدد هذا الثمن.
ويقول أيضاً: ورغم مطالبتي للخميني في العام الماضي بإنجاز وعده لأهل السنة، فوجئت في المؤتمر الذي حضرته هذا العام (1402هـ) أن قال لي بعض أنصاره: لو أعطينا قطعة الأرض ليقام عليها مسجد لأهل السنة، فإنه يصبح مسجد ضرار. [الفتنة الخمينية:115]
00000000000
([1]) وجهت مجلة الشهيد الإيراني في عددها رقم (38) الصادر بتاريخ (9/4/1980)، اتهاماً إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه كان طاغية يعذب صحابة رسول الله ظلماً!.
بعض عقائد وأفكار الخميني
والحق أن الخميني لم ينطلق هذا المنطلق من عبث، فإنه تراثه الفكري المتمثل بكتاباته العقائدية والفقهية والسياسية، يشير من غير لبس إلى أن التجسد الكامل لكل النوازع والأهواء، والبدع التي اعتنقتها طوائف الغلاة والزنادقة، وجعلت منها دستوراً لحياتها التي قامت على الإباحة، وإسقاط التكاليف، والتشنيع على العرب المسلمين تحت ستار مصطنع ومختلق من الأممية، والدعوة إلى "التسوية" وسواهما من البراقع التي أخفت وراءها حقائق برامجها الهدامة.
اعتقاد الخميني أنهم الفرقة الناجية وغيرهم في النار:
(1) في خطاب له في (21/6/1982م) أكد الخميني أن أتباعه هم وحدهم الفرقة الناجية، وأن جميع المسلمين الآخرين في النار.
اعتقاد الخميني أن دين مخالفيه ناقص:
(2) أنه يعتقد أن (دين مخالفيه ناقص لم يكتمل فيقول في رسالته" التعادل والترجيح" (ص:26).
والذي يمكن أن يقال: (إن على اختلاف الأحكام بين العامة والخاصة واختفائها عن العامة، وتأخير الخصوصيات كثيرة من: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بلغ جميع الأحكام الكلية على الأمة، ولكن لم تكن دواعي الحفظ في صدر الشريعة وأول بدء الإسلام قوية.
فالسبب في هذا النقصان عند الخميني أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا على استعداد لحفظ الأحكام الإسلامية؛ لأنهم ما صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلا من أجل الدنيا؛ ولأن هذا العلم مقصور على الأئمة الذين يمثلون (مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل) فيقول في (ص27): من رسالته: "التعادل والترجيح" آنفة الذكر ومنها: "أن الأئمة عليهم السلام لامتيازهم الذاتي من سائر الناس في فهم الكتاب والسنة، بعد امتيازهم منهم في سائر الكمالات فهموا جميع التفريعات المتفرعة على الأصول الكلية التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل بها الكتاب الإلهي، تفتح لهم من كل باب فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة ألف باب حين كان غيرهم قاصرين، فعلم الكتاب والسنة وما يتفرع منها من شعب العلم ونكت التنزيل موروث لهم خلفاً عن سلف، وغيرهم محرومون بحسب نقصانهم عن هذا العلم الكثير النافع فيعولون على اجتهادهم الناقص"ا هـ.
اعتقاد الخميني وجوب مخالفة أهل السنة:
(3) وجوب مخالفة أهل السنة في كل شيء حتى في الأخبار بحيث إن مقياس صحة الخبر عنده هو مخالفة أهل السنة، وذلك متأت عن اعتقاده الجازم بأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون الإمام علياً رضي الله عنه عن مسائل فإذا عرفوها، وضعوا ما يناقضها، فكتب بحثاً في رسالته"التعادل والترجيح" (80-81): في حالة الأخبار الواردة في مخالفة العامة (أي: أهل السنة) وهي أيضاً طائفتان: إحداهما: ما وردت في خصوص الخبرين المتعارضين، وثانيها: ما يظهر منها لزوم مخالفتهم وترك الخبر الموافق لهم مطلقاً. ثم أورد الخميني مجموعة من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام زوراً في وجوب مخالفة أهل السنة، وعلق عليها بقوله: "ولا يخفى وضوح دلالة هذه الأخبار على أن مخالفة العامة مرجحة في الخبرين ا لمتعارضين. مع اعتبار سند بعضهما، بل صحة بعضها على الظاهر، واشتهار مضمونها بين الأصحاب، بل هذا الترجيح هو المتداول العام الشائع في جميع أبواب الفقه وألسنة الفقهاء" هـ.
أما في الفتيا، فإنه يرى أن أتباعه إذا عاشوا في بلد ليس فيه من علمائهم وأرادوا أن يعرفوا حكم مسألة ما من علمائهم، فما عليهم إلا أن يسألوا عالماً من طائفة أخرى ويأخذون بخلاف ما قال، فيكون ذلك هو الصواب (ص:82 من الرسالة السابقة).
نتيجة بحث الخميني ومؤداه:(12/268)
وقد انتهى الخميني من بحثه إلى نتيجة يقرر بها ذلك فيقول: "فتحصل من جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا: أن المرجح المنصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة، فأي سنة هذه التي تخالف مجموعة المذاهب الإسلامية الأخرى ولو كانت هذه المخالفة قائمة على أساس من دليل العقل أو الترجيح في الأدلة؟! وعد ذلك من أوجه الخلاف المقبولة بين أئمة التشريع، مما يتسع لها صدر الشريعة بإجماع الآراء.
ولكن أن يكون مستند هذه المخالفة مجرد الطعن في وحدة الأمة، ويهدف إلى تمزيق الألفة بين أبنائها، فذلك ما لا يجيء إلا من صاحب فتنة سوداء يريد الشر للأمة وعقيدتها سواء بسواء، فينخرط في سلك أسلافه من الأيام مسلمية والبابية والقرامطة، وسائر صنوف الزنادقة ممن حاولوا تحت شعار العودة إلى الإسلام هدم الإسلام، وذبح أهله، وتدنيس مقدساته، والتشهير بالعرب مادة الإسلام وحملته!!
(4) ويرى الخميني أن وضع اليد على الأخرى في الصلاة من مبطلاتها فيقول في كتابه الوسيلة (1/280): مبطلات الصلاة أمور، أحدها: الحديث، ثانيهما: التكفير، وهو وضع إحدى اليدين على الآخر نحو ما يصنعه غيرنا، ولا بأس به حال التقية". فانظر كيف يعلم أتباعه التقية إن أرادوا الصلاة مع أصحاب المذاهب الأخرى!!
إعراض الخميني عن كل المذاهب الأخرى:
(5) يعرض الخميني إعراضاً تاماً عن كل كتب المذاهب الأخرى، ويرفض الاستدلال بأية رواية منها، ولاسيما في كتابه: الحكومة الإسلامية" ولا يؤمن بالنصوص التي جاءت في كتب مذهبه. وهو أمر في غاية التعصب والطائفية.
كل هذه الأمور وغيرها مما تزحزح به كتابات الخميني، وتوضح من غير شك طائفية هذا الذي اتخذ الدين ستاراً لتحرير أهدافه التوسعية العدوانية، وعمله الدائم من أجل هدم الإسلام، وتفتيت وحدة المسلمين، وهو لم يؤمن يوماً بإقامة غير الدولة الفارسية، وقد وجهت إليه صحيفة الكفاح هذا السؤال: "الحكومة الإسلامية التي تدعون إليها هي الدولة الإسلامية القديمة تحاولون إحياءها أم إنها عمل تجديدي".
فأجاب: " لقد حاول أصحابنا منذ البداية تأسيس دولة العدل الإسلامية؛ ولأن هذه الدولة أو هذه الحكومة وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الإمام علي عليه السلام، فإننا نؤمن بأنها قابلة للتجديد.
فلينتبه المسلمون إلى مقاصد الدجال الخبيثة في هدم كل القيم الإسلامية الأصيلة، والطعن في كل ما يفخر به العرب والمسلمون من رجال عظماء وقادة ومفكرين، عن طريق تولي بعضهم في الظاهر، وتكفير جملتهم، فماذا أبقى من تاريخنا المجيد وقممه المشرفة.
===================
كف العصابة عما شجر بين الصحابة
المقدمة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد كثر في هذه الأيام الطعنُ في أصحاب رسول الله من الرّوافض الجدد وممن سار في ركبهم من بعض الكتّاب والصحفيين، بل وصل الأمر إلى أن يطعن أمثال أسامة أنور عكاشة في بعض الصّحَابة على الملأ وفي بعض الفضائيات.
إن هذه الهجمة الشرسة هي جزء من مخطط منظم للنيل من الصحابة الكرام، أهل الدين والعرفان؛ وسبب هذه الهجمة من معروف سلفاً كشف عنه الإمام أبو زرعة –رحمه الله- حينما قال: (إذا رأيت الرجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، يريدون أن يجرحوا شهودنا، هذه الكلمة التي قالها أبو زرعة الإمام –رحمه الله- تكشف لنا بوضوح ما يرمي إليه أهل الزَّيغ والضلال من الطعن في الشريعة، حيث لا يستطيعون الطّعن فيها مباشرة، فيعمدون إلى الطعن في نَقَلَتِهَا وهم الصحابة الكرام، ومن ثمَّ يتمُّ لهم ما أرادوا من زعزعة الثقة بالشرع المطهر ولن يحدث بإذن الله؛ لذا فقد جمعت هذه الرسالة وسميتها: "كفُّ العصابة عما شَجَرَ بين الصحابة". بيّنت فيها موقف أهل السنة من هذه المسألة.
أسأل الله تعالى أن يدّخر لي ثوابها عنده وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فصل/ في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
لقد تواترت الفضائل بذكر مناقب الصحابة رضي الله عنهم وَأَلَّف العلماء في ذلك كتباً جمة، بل ألّفوا في فضائل الصحابي الواحد بعد الآخر.
وتضمنت الآيات القرآنية الثناء عليهم رضي الله عنهم، وهذه وحدها وسام على صدورهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
فقد وصفهم الله تعالى بالسابقين وأن الله تعالى رضي الله عنهم، بل وجعل جزاءهم الحسنى وهي الجنة.
وأدلة ذلك في الكتاب كثيرة منها:(12/269)
- قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
- وقال سبحانه ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً)) [الفتح:29].
- وقال سبحانه: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10].
- وقال سبحانه: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:8-10].
- وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [الأنفال:72].
- وقال سبحانه: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:117].
وكذلك جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بمدحهم والثناء عليهم والنهي عن سَبِّهم.
- فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). قال عمران:" فلا أدري: أَذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة"([1]).
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلُ النّارَ إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها..". الحديث([2]).
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَسُبّوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحدِ ذهباً، ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفة)([3]).
- وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة، خير من عبادة أحدكم أربعين سنة "وفي رواية" خير من عمل أحدكم عمره)([4]).
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حبهم من علامات الإيمان، وبغضَهم من علامات النّفاق فقال: (آية الإيمان حبُّ الأنصار، وآية النفاق بغضُ الأنصار)([5]).
- وعن جابر رضي الله عنه قال: (استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين مرة)([6]).
بل كان استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كذلك بعد موتهم: ففي حديث عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظ من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له، وارحمه وعافه وأعف عنه وأكرم نزله..) الحديث([7]).
وبعد: أوليست هذه الأحاديث كلها والآثار تدلُّ على فضائل أصحابه صلى الله عليه وسلم على الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة؟!.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو لأصحابه بالمغفرة، وهذه منقبة عظيمة لهم. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم مستجاب لاشك. أفيظن رجل أن يدعو لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ولا يغفر لهم الله اللهم لا.(12/270)
- فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (ما نسينا الغبار عن شعر صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اللهم إن الخير خير الآخر، فاغفر للأنصار والمهاجرة..) الحديث([8]).
وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه، قال: (رأيت رسول ا لله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزاً ولحماً، أو قال ثريداً فقلت غفر الله لك يا رسول الله قال: ولك، قلت: استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، ولك، وتلا: ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ))([9]).
--------------
([1]) رواه البخاري في مواضع منها الشهادات (5/258-259)، فضائل الصحابة (7/3)، ومسلم في فضائل الصحابة (4/1964).
([2]) رواه مسلم في فضائل الصحابة (4/1942).
([3])
([4]) رواه البخاري في فضائل الصحابة (7/21)، مختصراً ومسلم في فضائل الصحابة، (4/1967-1998)، واللفظ له.
([5]) رواهما الإمام أحمد في فضائل الصحابة (20،15) وابن ماجة (162) وابن أبي عاصم في السنة (1040) بإسناده صحيح.
([6]) رواه البخاري (1/62)، ومسلم (1/85).
([7]) رواه الترمذي (3853)، وقال حسن صحيح غريب.
([8]) رواه مسلم (73 ،2916)
([9]) رواه مسلم (2346)، وأحمد (5/82).
-------------
فصل/ في اعتقادنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في هذا الفصل نجمل اعتقادنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول وبالله التأييد وبيده التوفيق.
تعتقد أن الصحابة هم أفضل وخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يختار الله تعالى لصحبة نبيه إلا خير وأفضلهم ديناً وحسباً ونسباً، فنحن نحبهم ولا نغالي فيهم، ونواليهم ولا نسبهم، ونبغض من يسبهم ويعاديهم، ونتهمه بالبدعة وسوء القصد كما نعتقد أن بعض الصحابة أفضل من بعض فتقدم أبا بكر رضي الله عنه، ثم عمر ثم عثمان ثم علي، على ترتبيهم في الخلافة.
نقول: لكل منهم سابقة ولكل منهم فضل لا ينكره إلا جاهل أو جاحد أو مكابر، ونمسك عما شجر بينهم من قتال ولا ننشر ذلك بين الناس ونقول ما وقع منهم من قتال صدر عن اجتهاد منهم فهم متقلبون بين أجر وأجرين، وقد سبقت لهم من الله تعالى الحسنى، والله يغفر لهم إما بتوبة ماضية أو مصائب مكفرة، أو غير ذلك، ونقول كما علمنا الله تعالى: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [ الحشر:10].
فينبغي أن ندعو لهم، ونطهر ألسنتنا من الخوض فيهم كما طهرنا سيوفنا عما شجر بينهم، ونعتقد أنهم خير القرون بشهادة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما نوقن أن من علامات أهل البدع الوقيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ينبغي أن ننشر فضائلهم في المجالس ونعطرها بمناقبهم، ولا نشحن قلوب الناس عليهم بذكر ما شجر بينهم، ونعتقد أن حبهم من الإيمان وموالاتهم، ونتقرب إلى الله تعالى بحبهم، ونسأل الله تعالى أن نحشر معهم، فويلٌ لمن وقع فيهم أو ملأ قلبه حقداً ودغلاً عليهم، أو أبغضهم وآذاهم، أو سبّهم وعاداهم، فلا أربح الله تجارته في الدنيا والآخرة، ولا جمع الله شمله. بل نسأل الله تعالى أن يجعله عبرة للمعتبرين، وعطفه للسالكين.
------------
فصل/ ذكر أقوال أهل السنة في الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم
في هذا الفصل سننقل أقوال أهل السنة في الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، وذلك ليقف المسلم على مذهب أهل السنة في هذه المسألة. فمن ذلك قوله الإمام شهاب بن خراش –رحمه الله-: "أدركت من صَدَرةٍ هذه الأمة وهم يقولون: اذكروا في المجلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تأتلف عليه القلوب ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا عليهم الناس"([1]).
- وقال إبراهيم بن آزر الفقيه: "حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعلوية؟ فأعرض عنه، فقيل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه فقال اقرأ: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))([2]).
وقال أيضاً: "هذه دماء طهر الله منها أيدينا فلنكف عنها ألسنتنا"([3]).
- جاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي –رحمه الله- فقال له: "إني أبغض معاوية، فقال له الإمام: ولما؟ قال: لأنه قاتل علياً بغير حق، فقال له الإمام –رحمه الله- رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فما دخولك بينهما"([4]).(12/271)
- وقال الإمام الطحاوي –رحمه الله-: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان... ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه المطهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق"([5]).
- وقال الإمام ابن قدامة –رحمه الله-: "ومن السنة قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم، ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) الآية [الحشر:10].
وقال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الفتح:29].
ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء([6]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم، وألسنتهم لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.. ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة أو الإجماع من فضائلهم ومراتبهم.. ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت يقول أو فعل ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم، منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغيّر عن وجهه والصحيح منه: هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم من كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنهم خير القرون)([7]). وأن المد من أحدهم إذا تصدق به، كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم"([8]).
ثم إذا صدر عن أحدهم ذنب، فيكون قد تاب منه أو أتي بحسنات تمحوه، أو غُفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كُفَّر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المخففة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور.
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، ومن الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منّ الله به عليهم من الفضائل، علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد ا لأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله"([9]).
وقال أيضاً: "وكذلك نؤمنُ بالإمساك عما شجر بينهم (أي الصحاب) ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين فلم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح المغفور لهم خطؤهم، وما كان من السيئات وقد سبق لهم من الله الحسنى فإن الله يغفرها لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحقة أو مصائب مُكفّرة أو غير ذلك، فإنهم خير هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم"([10]).
- وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله-:"سبيلنا الكف والاستغفار للصحابة ولا نحب ما شجر بينهم ونعوذ بالله منه"([11]).
- وقال أيضاً: "معاذ الله أن نشهد على أتباع الزبير أو جند معاوية أو علي بأنهم في النار، بل نفوض أمرهم إلى الله ونستغفر لهم"([12]).(12/272)
- وقال أيضاً::نحمد الله أن أوجدنا في زمان قد أنمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصّرنا فغذرنا، واستغفرنا وأحببنا باقتصاد" وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا ربنا: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
وترضّينا عمن اعتزال الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق، وتبرأنا إلى الله من الخوارج المارقين الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين، فالخوارج كلاب النار قد مرقُوا من الدين ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار كما نقطع لعبدة الأصنام"([13]).
- وقال أيضاً: "ولا نذكر أحداً من الصحابة إلا بخير ونترضى عنهم، ونقول هم (أي معاوية وأصحابه) طائفة من المؤمنين بغت على الإمام علي وذلك بنص قول المصطفى صلوات الله عليه لعمار (تقتلك الفئة الباغية)، فنسأل الله أن يرضى عن الجميع وأن لا يجعلنا ممن في قلبه غل للمؤمنين ولا نرتاب أن علياً أفضل من حاربه وأنه أولى بالحق رضي الله عنه"([14]).
- وقال أيضاً: "ما نقرّر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنه أجمعين وما زال يمر بنا في الدواوين والكتب والأجراء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه، وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين على العامة وآحاد العلماء، وقد يُرخّصُ في مطالعة ذلك خلوةُ للعالم المنصف العري عن الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى.." إلى أن يقول: "فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفّرة لما وقع منهم وجهاد محَّاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، ونقطع بأن بعضهم أفضل من بعض.. فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا تعرّج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء ودأب الروافض رواية الأباطيل أو ردّ ما في الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من ربه سكران"([15]).
- وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في معتقد أهلي السنة: "ويرون تعلُّمَ العلم وطلبه من مظانَّه، والجدّ في تعلم القرآن وعلومه وتفسيره، وسماع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها، والتفقه فيها، وطلب آثار الصحابة، والكف عن الوقيعة فيهم، وتأول القبيح عليهم، ويكلونهم في جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل"([16]).
- وقال العلامة سعد الدين التفتازاني: "ويجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهرة الطعن فيهم على محامل وتأويلات سيما المهاجرين والأنصار، وأهل بيعة الرضوان، ومن شهد بدراً وأحداً والحديبية، فقد انعقد على علو شأنهم الإجماع، وشهدت بذلك الآيات والأخبار الصحاح، وتفاصيلها في كتب الحديث والسير والمناقب وكف اللسان عن الطعن فيهم([17]).
- وقال عبد الله بن سوار العنبري قاضي البصري المتوفي سنة 228هـ: "السنة عندنا تقديم أبي بكر وعمر وعثمان والحب للصحابة جميعاً، والكف عن مساوئهم، وعظيم الرجاء لهم"([18]).
قلت: ولهذا كان السلف يوصون بعدم الخوض فيما شجر بين الصحابة.
- وقال الشافعي –رحمه الله- للربيع: "أقبل مني ثلاثة أشياء لا تخض في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خصمك النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولا تشتغل بعلم الكلام فإني أطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم، ولا تشتغل بالنجوم، فإنه يجر إلى التعطيل"([19]).
- وقال سفيان الثوري –رحمه الله-: "لا تشتم السلف وادخل الجنة بسلام"([20]).
- وقال العلامة السفاريني –رحمه الله-:
واحذر من الخوض الذي قد يزري بفضلهم مما جرَى لو تدري
فإنّه عن اجتهاد قد صدر فاسلم أذّل الله من لهم هجر
قال: "ولهذا اتفق أهل الحق ممن يعتد به في الاجتماع على قبول شهادتهم ورواياتهم وثبوت عدالتهم، ولهذا قال علماؤنا كغيرهم من أهل السنة ومنهم ابن حمدان في "نهاية المبتدئين": يجب حب كل الصحابة والكف عما جرى بينهم كتابة وقراءة وإقراءً وسماعاً وتسميعاً، ويجب ذكر محاسنهم والترضي عنهم والمحبة لهم وترك التحامل عليهم واعتقاد العذر لهم وأنهم إنما فعلوا ما فعلوا باجتهاد سائغ لا يوجب كفراً ولا فسقاً بل ربما يثابون عليه؛ لأنه اجتهاد سائغ، ثم قال يعني ابن حمدان: "والمصيب عليّ ومن قاتله فخطؤه معفو عنه".
- وقال السفاريني: "والذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل أحد تركية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم.
- وقال في شرحه للنظم السابق: "وإنما نهى عن الخوص؛ لأن الإمام أحمد كان ينكر على من خاص، ويسلم أحاديث الفضائل، وقد تبرأ رضي الله عنه ممن ضللهم أو كفّرهم وقال السكوت عما جرى بينهم"([21]).(12/273)
- وقال الشيخ عدي من مسافر في بيان معتقد أهل السنة " والكف عن ما شجري بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر محاسنهم والكف عما جري بينهم وأن الله قد غفر لهم وعلّم نبيه أنهم سيقتتلون"([22]).
- وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: "واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب وما وقع لهم من ذلك ولو عُرف المحقّ منهم؛ لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين"([23]).
- وفي ترجمة ابن الداعي من "السير" قال الحافظ الذهبي –رحمه الله-: "قال أبو علي التنوخي حدثنا أبو الحسن بن الأزرق قال: "كنت بحضرة الإمام عبد الله بن الداعي فسأله أبو الحسن المعتزلي عما يقول في طلحة والزبير فقال: " أعتقد أنهما من أهل الجنة، قال: ما الحجة، قال: قد رويت توبتهما والذي هو عمدتي أن الله بشرهما بالجنة، قال: فما تنكر على من زعم أنه عليه السلام قال: (إنهما من أهل الجنة، ومقالته: فلو ماتا لكانا في الجنة، فلما أحدثنا زال ذلك قال: هذا لا يلزمن وذلك أن نقل المسلمين أن بشارة النبي صلى الله عليه وسلم سبقت لهما فوجب أن تكون موافاتهما القيامة على عمل يُوجب لهما الجنة وإلا لم يكن ذلك بشارة، فدعا له المعتزلي واستحسن ذلك، ثم قال: ومحال أن يعتقد هذا فيهما، ولا يعتقد مثله في أبي بكر وعمر إذ البشارة للعشرة"([24]).
-------------
([1]) سير أعلام النبلاء (8/285).
([2]) مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، ص(126).
([3]) آداب الشافعي ومناقبه (314)، وعلق الشافعي على الأثر بقوله:"هذا جميل لأن سكوت الإنسان عما لا يعنيه هو الصواب".
([4]) تاريخ دمشق، للحافظ ابن عساكر"الفتح" (3/93).
([5]) شرح العقيدة الطجاوية، ص (493).
([6]) لمعة الاعتقاد، ص (29).
([7]) رواه البخاري (3651)، ومسلم (253) (212) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد صرح بتواتره الحافظ ابن حجر في مقدمة الإصابة (1/13).
([8]) رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541)، (222)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
([9]) العقيدة الواسطية ، ص (119،115-122،120).
([10]) الوصية الكبرى، ص(41).
([11]) سير أعلام النبلاء (1/39).
([12]) المصدر السابق (1/39).
([13]) المصدر السابق (3/128).
([14]) المصدر السابق (8/210).
([15]) المصدر السابق (10/94،93،92).
([16]) اعتقد أهل السنة، ص (60،59)، لأبي بكر الإسماعيلي –رحمه الله- .
([17]) شرح المقاصد (5/303)، ونقله الألوسي في صبَّ العذاب، ص(396،395).
([18]) تهذيب التهذيب (5/248) لابن حجر.
([19]) توالي التأسيس ، ص (73) سير أعلام النبلاء (10/28).
([20]) الشرح والإبانة الكبرى لابن بطة ، ص (257).
([21]) لوامع الأنوار البهية (2/385-389) بتصرف. والسنة (2/536-592) لعبد الله بن أحمد.
([22]) اعتقاد أهل السنة والجماعة، ص (38)، للشيخ عدي بن مسافر تحقيق حمدي السلفي.
([23]) فتح الباري (13/37).
([24]) سير أعلام النبلاء (16/115).
--------------
نصيحة مهمة
لقد أمتاز ديننا بمزايا جليلة فمن ذلك أنه وصل إلينا بالإسناد الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المزية العظيمة، فقدتها الأمم السابقة، وكان من نتائج ذلك أن حرّفوا وبدلوا، وتسبوا أشياء إلى أنبيائهم وصالحيهم ما قالوها بل ونسبوا أشياء إلى رب الأرض والسماء ما قالها الله تعالى، ومن هنا تكمن أهمية الإسناد ومعرفته وقيمته في الرواية.
ورحم الله بن المبارك حيث قال: "الإسناد عندي من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"([1]).
فالاعتماد على الرواية الصحيحة الثابتة في إثبات واقعة من الوقائع أمر لابد منه، والسبب في ذلك أن بعض من لهم أغراض خبيثة قد حاولوا النيل من هذا الدين العظيم فدَسُّوا ما لا يصح من الأحاديث والآثار ونسبوها زوراً وبهتاناً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، ثم خلف من بعدهم خلفٌ تلقفوا هذه الأخبار ونشروها، بل وزاد بعضهم فيها وعليها، ما أملاه هواه وشيطانه.
ولكن الله تعالى قيض لهذا الدين الجهابذة من النقاد والعلماء الذين ضحوا بأموالهم وأوقاتهم وصحتهم، بل وأرواحهم في كثير من الأحيان في سبيل الدفاع عن دين الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام رضوان الله عليهم، فكشف العلماء زيف الروايات الباطلة التي تطعن في نزاهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.(12/274)
فنصيحتي لطالب الحق أن يحاول قدر الإمكان التثبت في الروايات، ثم إن التاريخ الإسلام قد أصابه بعض الغبار من جراء تلك المرويات المكذوبة التي نُسبت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يراد من ورائها تشويه صورتهم، وقد حاول الغربيون من مستشرقين وغيرهم وما زالوا بث تلك الروايات الباطلة، إما بواسطة مؤلفاتهم أو بواسطة أناس ممن تربوا على أيديهم ورضعوا من فلسفاتهم، فربوهم على أعينهم ودفعوا بهم بين ظهراني المسلمين، ولعلك تسمع أسمائهم، وقد سموا بالأسماء العربية وانتسبوا إلى الإسلام فروجوا المقالات الضالة، والمؤلفات المشينة، والنشرات العقنة التي تطعن في سلف الأمة، وحاول هؤلاء الروافض الجدد أن يطمسوا كل فضيلة لأصحاب رسول ولكن الله تعالى دفع باطلهم ولا يزال بعلماء من أهل الآخرة يذبون الكذب عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرون فضائلهم.
من أمثال تلك الكتب الضالة التي تطعن في الصحابة "أضواء على السنة" لمحمود أبي ربة، ويطعن صاحب هذا الكتاب خاصة في أبي هريرة الصحابي كما أنه يردُّ عشرات الأحاديث الصحيحة، ومن تلك الكتب أيضاً: "علي وبنوه" و"الفتنة الكبرى" كلاهما لطه حسين عميل الاستشراق في الوطن العربي لا عميد الأدب العربي، لقد كان طه حسين وأمثاله يرددون مقالات المستشرقين أمثال مرجليوث وجولد تسهير، ومن لا دين ولا ورع عنده.
فواجبنا النصح وأن ينصح بعضنا بعضاً ونتواصى بالحق فيما بيننا، فلنحذر قراءة أمثال تلك الكتب، فإن النظر فيها يُقَسّي القلوب ويشحنها بالبغضاء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحذر الحذر من تلك المؤلفات، وإن من أراد أن يقرأ فيها ينبغي أن تكون عنده قاعدة سليمة واعتقاد مستقيم وهذه قراءة لتلك الكتب الضالة لا تكون لأي إنسان بل تكون للعالم الذي أوتي من العلم ما يجعله يفند الشبهات التي اشتملت عليها تلك المؤلفات ومع قراءة العالم لتلك المؤلفات ننصحه بأن يقرأها لبيان الأخطاء فيها وتحذير الناس منها يستغفر الله، فإن الزمان قصير والوقت كالسيف فالأولى أن يستغل الوقت فيما يفيد.
وقد يطالع العالم في بعض الكتب الحديثية التي اشتملت على بعض ما شجر بين الصحابة فإذا وقع تلك للعالم فليطالعه خفية ولا ينشره بين الناس حرصاً على اجتماع الناس على محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
- وما أجمل ما قال العلامة الذهبي –رحمه الله- قال: "ومازال يمر بنا في الدواوين والكتب والأجزاء – يعني من الأخبار التي تحكي ما شجر بين الصحابة- ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه؛ لتصفو القلوب وتتوافر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى، حيث يقول: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) الآية [الحشر:10].
فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم وجهاد محاء وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلوا في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة ونقطع بأن بعضهم أفضل من بعض.. الخ.
ثم قال –رحمه الله-: "بعد كلام طويل: "وما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك- أي من حكاية ما شجر وغير ذلك من الطعن- فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء ودأب الرافضي رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد ومتى إقامة من به سكران"([2]).
ثم قال: "والعاقل خصم نفسه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"([3]).
مما سبق من كلام الحافظ الذهبي يتبين:
1- عدم بث ونشر ما شجر بين الصحابة من قتال.
2- وجوب كتمان ما شجر بينهم على العامة وآحاد العلماء.
3- قد يرخص للعالم المنصف العري عن الهوى مطالعة ما شجر في الكتب والإنصاف في ذلك والاستغفار للصحابة كما علمنا الله.
4- عدم الاعتماد على ما ورد في كتب أهل البدع والروافض، وعدم الوثوق بها.
5- لا يجوز للعامي ولا أنصاف المتعلمين مطالعة كتب الروافض وأهل البدع.
6- أكثر ما ورد فيما شجر بين الصحابة لا يصح من قبل إسناده فهو إما ضعيف أو كذب أو منقطع لا يوثق بمن نقله ورواه.
7- ينبغي إعدام تلك الروايات الباطلة؛ لأنها من العلم الذي لا ينفع والذي يحرم نشره وبثه.(12/275)
وفي موضع آخر يقول الحافظ الذهبي مبيناً أن من العلم الذي يحرم نشره القصص الباطلة والروايات المنكرة، فيقول –رحمه الله-: "والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيات الفلاسفة)([4]). وبعض رياضتهم، بل أكثر وعلم السحر والسيمياء([5])، والكمياء والشعبذة والحيل ونشر الأحاديث الموضوعة وكثير من القصص الباطلة أو المنكرة، وسيرة أبطال المختلفة وأمثال ذلك ورسائل إخوان الصفا([6]). وشعر يعرض فيه إلى الجناب النبوي، فالعلوم الباطلة كثيرة جداً، فلنحذر ومن ابتلي بالنظر فيها للفرجة والمعرفة من الأذكياء، فليقلل من ذلك وليطالعه وحده ويستغفر الله تعالى وليلتجئ إلى التوحيد والدعاء بالعافية في الدين"([7]).
- وما أجمل ما قال شهاب بن خراش –رحمه الله-: " أدركت من أدركت صدره هذه الأمة، وهم يقولون: اذكروا في المجلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تأتلف عليه القلوب ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا عليهم الناس"([8]).
وبعد هذا كله أعجب كل العجب من جرأة من لا علم عنده ويتكلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُطلق العنان لقلمه، ويهرف بما لا ويتكلم في مجال لا يُحْسِنه وما أجدر أن يقال لهذا وأمثاله:
- "ليس بعُشَّك فادرُج إلى خُشَكَ"([9]).
- "ودَعْ عَنْكَ الكتابة لست منها".
- "ولو سَوِّدت وَجْهَك بِالمِدادِ".
ورحمه الله على من قال:
إني امرؤ ليس في ديني لغامزه لين ولست على الإسلام طعاناً
فلا أسبُّ أبا بكر ولا عمراً ولن أسبَّ معاذ الله عثمانا
ولا ابن عم رسول الله أشتمه حتى أُلبَّس تحت الترب أكفاناً
ولا الزبير حواري الرسول ولا اهدى لطلحة شتماً عزَّ أوهاناً([10])
- لقد كان السلف رضوان الله عليهم يطردون من مجالسهم من يسبُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقع فيهم؛ ففي ترجمة سلام بن سليم الحنفي وكنيته أبو الأحوص، قال العجلي: "كان ثقة صاحب سنة واتباع، وكان إذا ملئت داره من أصحاب الحديث قال لابنه أحوض: "يا بني قم فمن رأيته يشتم أحداً من الصحابة فأخرجه ما يجئ بكم إلينا)([11]).
بل لقد أفتى الإمام مالك –رحمه الله- بالهجرة من البلد التي يسب فيها السلف رضي الله عنهم([12]).
قلت: سبحان الله! فكيف لو رأى مالك –رحمه الله- ما يقع من بعض الناس من سب فاطر السموات والأرض وسب دينه، وقد هاجر الخرقي –رحمه الله- صاحب المختصر الذي شرحه ابن قدام- هاجر من بلده بغداد التي كان يسكنها لما سمع فيها من يسب الصحابة رضي الله عنهم([13]).
لقد كان العلماء يحذرون ممن يسب الصحابة ولو كان هذا الساب ممن أوتي قسطاً من العلم، فكانوا يحذرون الناس منه، ومن الأخذ عنه، فقد رَوي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بسنده عن عبد الله ابن المبارك أنه صعد على المنبر، وقال: "دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف([14]).
وما أحسن ما قال الإمام أبو زرعة –رحمه الله-: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق"([15]).
-------------
([1]) رواه مسلم في مقدمة صحيحة رقم (32).
([2]) السير (10/94،93).
([3]) المصدر السابق.
([4]) كعلم الكلام والذي حذر منه السلف.
([5]) لعله ضرب من ضروب السحر وحيلة الباطلة.
([6]) وهي مجموعة رسائل مأخوذة من ملل ونحل شتى تشتمل على مخالفات كثيرة.
([7]) سيرة أعلام النبلاء (10/604).
([8]) أورد في السير (8/285).
([9]) مثل يضرب لمن دخل في شيء لا يحسنه أو أفتى بضلال وجهل!.
([10]) من شعر عبد الله بن المبارك –رحمه الله- أورده في السير (8/413-414).
([11]) السير (8/282).
([12])ذكر ذلك الحافظ في الفتح في كتاب الفتن.
([13])والخرفي هو عمر بن الحسين –رحمه الله- وقد أورد عن ذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (6/288).
([14]) رواه مسلم في مقدمة صحيحه رقم (32).
([15]) رواه الخطيب البغدادي بسنده في الكفاية، ص (49).
==================
همسة في أذن عقلاء الشيعة لماذا التجني على الصحابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد التحية
[منشأ الخلاف بين السنة والشيعة]
إن المشكلة بين الشيعة والسنة قامت على أساس واحد وهو وصية الرسول (ص) لسيدنا علي (رض) في غدير خم.
والحديث صحيح لكن الخلاف يكمن في فهم الحديث وتفسيره، والذي بسببه حصل الشقاق الكبير بين السنة والشيعة فلنناقش هذا الخلاف برويه
[التسليم الفرضي بصحة دعوى الشيعة]
الأول: سأتفق مع كل ما جاء به الشيعة من تفسير وزيادات جاءت في نقلهم لهذا الحديث، ولم توجد في كتب الحديث السنية.
الثاني: نستنتج مما جاء في كتب الشيعة أن كل الصحابة (رض) قد نقضوا بيعة سيدنا علي (رض) بعد وفاة الرسول (ص) عدا البعض القليل جداً وهم مذكورون في كتب الشيعة.
3. لنسلم جدلا بصحة كل ما جاء بكتب الشيعة، ومن خلال هذا التسليم نستنتج:
(أ). أن الصحابة (رض) قد خالفوا وصية الرسول (ص) وبذلك خالفوا أمر الله سبحانه وتعالى.(12/276)
(ب). أن الصحابة (رض) الذين خالفوا أمر الرسول (ص) كانوا يسعون إلى الرئاسة.
(ج). أن الصحابة (رض) كانوا يكرهون الإمام علياً (رض).
(د). أن اقل ما يقال عن الصحابة (رض): إنهم فسقوا.
[مناقشة نتائج الفروض]
لنناقش هذه الأمور الأربعة -آنفة الذكر- بروية:
[مناقشة النتيجة الأولى]
أن الصحابة (رض) قد خالفوا وصية الرسول (ص) وبذلك قد خالفوا أمر الله سبحانه وتعالى.
كل المسلمين شيعة وسنة لا يمكنهم أن ينكروا أو يؤولوا ما حصل في معركة أحد من انكسار للمسلمين (وكانوا بقيادة الرسول الكريم (ص) حبيب الله وأفضل خلق الله) ولم ينفعهم هذا وقد كسرت رباعيته الشريفة ودخل حلق الدرع في وجنته الكريمة وذل المسلمون في هذه المعركة أيما إذلال حتى علا صوت أبي سفيان إذ كان من المشركين آنذاك وعير المسلمين بانكسارهم.
وقد بين لنا الله جل في علاه سبب الخذلان وبما لا يقبل أي تأويل من الجميع وهو مخالفة أمر الرسول (ص) من قبل الرماة الذين أوصاهم أن لا يتركوا موقعهم مهما جرى للمسلمين من نصر أو هزيمة وهي وصية بسيطة جداً مقارنة بوصية الرسول (ص) بخلافة الأمه من بعده (إن صحت).
ولكننا نرى نصرة الله للمسلمين في كافة معاركهم التي خاضوها في خلافة أبى بكر وعمر (رض) بالرغم من قلة المسلمين وكثرة أعدائهم من المرتدين أو الفرس أو الروم، حتى إن الصحابة جميعاً لم يوافقوا أبا بكر (رض) في محاربة المرتدين ولكنه كان أكثرهم علماً حيث بين للمسلمين أنه لا فرق بين أسس الإسلام الخمس كلها: (الشهادة-الصلاة-الزكاة-الصوم-الحج) فنقض أي منها هو نقض لها جميعا حيث قال كلمته الشهيرة والتي حفظها لنا التاريخ (لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله (ص) لقاتلتهم عليه) وهذا هو الفهم الصحيح للإسلام وبذلك نصره الله جل جلاله على المرتدين.
ولا ننسى وصية عمر (رَض) لسعد بن أبي وقاص (رض) حين وجهه إلى العراق لمقارعة الفرس، حيث قال له: إن أخوف ما أخافه على جيشك هو ذنوبهم فإن أذنب الجيش لن ينصره الله وحينها تتساوون أنتم وعدوكم عند الله، وبذلك سيغلبكم الفرس لكثرتهم.
فبالله أسال إخواني محبي آل البيت! هل يمكن لمثل هؤلاء الرجال أن يكونوا قد خالفوا أمر رسول الله (ص) وقد نصرهم الله في معاركهم فأرجو أن تحكموا عقولكم في هذا الكلام الذي هو غيض من فيض في هذا المجال ولكني أكتفي بهذه الأمثال التي حفظها لنا التاريخ مشكوراً.
[مناقشة النتيجة الثانية]
أن الصحابة (رض) الذين خالفوا أمر الرسول (ص) كانوا يسعون إلى الرئاسة:
لنسال أنفسنا سؤالاً بسيطاً (لماذا يسعى الرجال إلى الرئاسة؟)
أعتقد أن الكل سيتفق معي في إجابة هذا السؤال (المال / الوجاهة / الراحة...) والآن لنرى ما حفظه التاريخ لنا من سيرة الخلفاء الراشدين (رض) فهذا أبو بكر الصديق (رض) كان من كبار تجار قريش وها هو يموت وهو خليفة للمسلمين ولا يملك من متاع الدنيا شيئاً حتى أنه في بداية خلافته كان يعمل ليقوت بيته وقد منعه المسلمون من ذلك وأشاروا عليه أن يأخذ أجراً من بيت المال ليقوت به بيته ويتفرغ لإمارة المسلمين وكان راتبه لا يتجاوز نفقة بيته. فبالله عليكم! هل هذا رجل يسعى إلى الدنيا؟
أما عمر فيكفيه أن الناس حاسبوه على قطعة قماش كان يلبسها حيث سألوه: من أين لك هذا الثوب يا عمر فأمر ابنه عبد الله (رض) أن يجيب الصحابة بدلاً عنه، فأجاب ابنه عبد الله، أني قد أعطيت أبي ثوبي، وذلك لأن عمر كان رجلاً طويلاً، فبالله عليكم هل هذا رجل يسعى إلى الدنيا؟
أما عثمان (رض) الحيي الذي تستحي الملائكة منه، فيكفيه أنه لم يرض أن يقتتل المسلمون بسببه كي لا تراق قطرة دم واحدة من مسلم مهما كان معادياً أو مناصراً له. فبالله عليكم! هل هذا رجل يسعى إلى الدنيا؟
[مناقشة النتيجة الثالثة]
إن الصحابة (رض) كانوا يكرهون الإمام علياً (رض).
ماذا أقول في هذا المجال؟
أمجيء أبي بكر وسعيه إلى فاطمة (رض) ليسترضيها في حكم إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم (فدك) علماً أن زوجات الرسول (رض) مشاركات لها في الإرث حسب شرع الله ولكنه لم يسترض أي منهن عدا فاطمة لمنزلتها من رسول الله. أهذا كرهاً للإمام علي (رض)!!!!!
وهل قسمة عمر (رض) لفيء المسلمين.. فأول ما يبدأ به آل بيت الرسول (رض) ونهره لبنيه حيث قدم عليهم الحسن والحسين (رض) حين سألوه: لماذا يقدم عليهم الحسن والحسين (رض) حيث نهرهم لمجرد سؤالهم إياه لِمَ يقدمهم عليهم؟ أهذا كرهاً للإمام علي (رض)!!
وإذا كان الصحابة (رض) (وحاشاهم) يكرهون الإمام علياً (رض) لِمَ لم يقتلوه وينهوا المشكلة حيث إن مناصريه -وكما تقول كتب الشيعة- كانوا يعدون على أصابع اليد!!
[مناقشة النتيجة الرابعة]
إن أقل ما يقال عن الصحابة (رض): إنهم فسقوا.(12/277)
ويكفيني في هذا المجال أن أقول: إن كان الصحابة (رض) هكذا (وحاشاهم) فكيف يرضى علي (رض) أن يزوج ابنته لعمر بن الخطاب (رض) الفاسق وهي ابنته من فاطمة (رض) أو يتزوج هو من نساء المنافقين حيث تزوج (رض) بعد وفاة الزهراء البتول (رض).
[فماذا عن سقيفة بني ساعدة؟]
لقد اجتمع الأنصار (رض) واختاروا من بينهم أميراً، وهذا يدل على أنهم كانوا يريدون الإمارة؛ ولكن بعد نقاش أبي بكر وعمر وأمين الأمة (رضي الله عنهم أجمعين) أجمعين معهم اقتنعوا أن الأمارة تكون في المهاجرين وليس في الأنصار. رغم أنهم كانوا يريدونها لهم فما الاختلاف لديهم إن حكم أبو بكر أو عمر أو علي (رضي الله عنهم) أجمعين، فإذا كان هناك وصية للرسول (ص) لعلي (رض) لماذا يقولون: إنهم موافقون على أن تكون الإمارة للمهاجرين ومنهم علي (رض) الذي أوصى الرسول (ص) له بالإمارة من بعده فما الفرق لديهم ليغيروا وصية الرسول (ص) إذا كان هناك وصية لأي شيء يخسروا دينهم وهم لا ناقة لهم ولا جمل في الإمارة!!
[ودليل عقلي عادي..!!]
لنقل إن هناك عداوة بين الصحابة وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
إن أي رجل يرزقه الله بالبنين قد تكون خياراته من الأسماء هي التالي:
1. خير الأسماء ما حمد وعبد[وإن كان ضعيفاً].
2. الأسماء التاريخية القديمة لرجال لهم طيب الذكر تاريخياً.
3. أسماء أئمة آل البيت (رض).
4. أسماء الرسل الكرام.
5. أسماء الحيوانات القوية والذكية (كالأسد والثعلب والذئب و.....) [من إرث العرب في الجاهلية].
6. أسماء الناس الأعزاء على الأب (الجد, العم, الخال, الصديق العزيز.....).
7. أسماء الأمراء (نفاقاً) للتقرب منهم.
لقد سمى الإمام علي (رض) أولاده بأبي بكر وعمر، وكذلك سمى الحسن والحسين (رض) أولادهم بهذه الأسماء، ولو قارنا هذه الأسماء بما جاء أعلاه نجد أنهم إما قد سموا أبناءهم إما حباً بهؤلاء الرجال أو (حاشاهم) نفاقاً لهؤلاء الرجال.
فإن قيل: إن هذه الأسماء من الأسماء المشهورة والمتداولة في ذلك الزمان فإني أتحدى أي شخص أن يجد اسم أبي بكر في التاريخ.
فلهذه الأسباب البسيطة آنفة الذكر لا يسعني إلا أن أقول إن ما ذهب إليه الشيعة من أن هناك وصية من الرسول الكريم (ص) لسيدنا علي (رض) بالخلافة لا صحة له ولا يسعني إلا أن أدعو لإخواني الشيعة بالهداية إلى الصراط المستقيم.
والله من وراء القصد
================
فتوحات معاوية بن أبي سفيان .. بين البخس والإنصاف
*مقدمة:
إن سلامة القلب تجاه الصحابة والتأدب معهم من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، ولذلك فإن الطعن فيهم هو وسيلة للطعن في الدين الإسلامي فأصحاب رسول الله كلهم عدول ثقات، وهم الذين نقلوا لنا هذا الدين.
روى الإمام الشافعي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري، وإنه سيجيء في آخر الزمان قوم ينتقصوهم، ألا فلا تُناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم، ألا فلا تصلوا عليهم، عليهم حلت اللعنة).
ولعله لم تنل شخصية في التاريخ من التشويه مثل شخصية معاوية رضي الله عنه خاصة من أهل الأهواء قديماً للنزاعات السياسية والمذهبية، ثم وجد المستشرقون في رواياتهم مرتعاً خصباً للنيل من الإسلام، وقد حاولت هنا أن أوضح الصورة الحقيقية لهذا الصحابي، فهذا غيض من فيض محاسنه.
*اسمه ونسبه:
معاوية بن أبى سفيان صخر(رضي الله عنهما) بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم عند عبد مناف.
وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة.
و أخته أم المؤمنين رملة بنت أبى سفيان (رضي الله عنها) زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الذهبي رضي الله عنه: (كان رجلاً طويلاً، أبيض، جميلاً، مهيباً).
*مولده وإسلامه:
ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم في عام (7هـ) وأخفى إسلامه حتى فتح مكة خوفاً من أبيه ولم يظهره إلا في فتح مكة، ولذلك ظن كثير من المؤرخين أنه من مسلمة الفتح.
*فضله:
وهو من مشاهير الصحابة وفضلائهم (رضي الله عنهم جميعاً) دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به).
أخرج البخاري في التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية رضي الله عنه: (اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب).
ومن الأحاديث الدالة على فضله أيضاً ما رواه البخاري رحمه الله عن أم حرام بنت ملحان الأنصارية (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا -أي: فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. فتح الباري- قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، وكان ذلك جيش معاوية في خلافة عثمان رضي الله عنهما).(12/278)
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر -القسطنطينية: فتح الباري- مغفور لهم) (وهو الجيش الإسلامي بقيادة يزيد بن معاوية، وفي جملة من كبار الصحابة منهم: أبو أيوب الأنصاري وابن عمر وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم جميعاً) فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا.
وقد ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم بعض عمله فكان يكتب له، ثم ولاه أبو بكر رضي الله عنه بعض عمله، ثم ولاه عمر رضي الله عنه بعض بلاد الشام، وظل عليها طوال حياة عمر رضي الله عنه مع شدة عمر على عماله، ثم جمع له عثمان بلاد الشام كلها.
*زهده رضي الله عنه:
روى الإمام أحمد في كتاب الزهد (ص172 طبعة مكة) عن أبي شبل محمد بن هارون عن حسن بن واقع عن ضمرة بن ربيعة القرشي عن علي بن أبي حملة عن أبيه قال: رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه ثوب مرقوع.
وأخرج ابن كثير(8/134) عن يونس بن ميسر الحميري الزاهد – وهو من شيوخ الأوزاعي – قال: رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفاً وعليه قميص مرقوع الجيب يسير في أسواق دمشق.
*ثناء الصحابة عليه:
قال سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب يعني معاوية.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت رجلاً أخلق بالملك من معاوية.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت أحداً أسود من معاوية.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال لأهل الشام: ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا (يعني معاوية).
أخرج الطبراني (5/330) حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله بن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: (قال عمر بن الخطاب: تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية)!
كما أورد هذا الخبر البلاذري في أنساب الأشراف (4/147)، والقالي في الأمالي (2/121).
عن عمر بن الخطاب لما ولاه الشام: لا تذكروا معاوية إلا بخير (البداية والنهاية (8/25).روى البخاري في الصحيح (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
قال الصحابي عمير بن سعد الأنصاري الأوسي وقد عزله عمر بن الخطاب (وكان يسميه نسيج وحده) عن حمص وولى معاوية: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اهد به).
روى ابن قتيبة عن عتبة بن مسعود قال: أنه لما مر بنا نعي معاوية قمنا فأتينا ابن عباس فوجدناه جالساً قد وضع له خوان وعنده نفر، فأخبرناه الخبر، فقال: يا غلام! ارفع الخوان وسكن ساعة، ثم قال: جبل تزعزع ثم مال كلكله، أما والله ما كان كمن قبله، ولكن لن يكون بعده مثله، وإن ابنه خير أهله.
روى ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح من طريق عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة أخبره: أنه قدم على معاوية أمير المؤمنين فقضى حاجته،ثم دعاه، فقال: يا مسور،ما فعل طعنك على الأئمة؟
قال المسور: دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له.
قال معاوية: لا أدعك حتى تكلم بذات نفسك والذي تعيب علي.
قال المسور: فلم أدع شيئاً أعيبه عليه إلا بينته.
فقال معاوية: لا أبرأ من الذنب، فهل تعُد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح شيئاً؟ فإن الحسنة بعشرة أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان.
قال المسور: لا والله ما نذكر إلا ما نرى من هذه الذنوب!
فقال معاوية: فإنا نعترف بكل ذنب أذنبناه،فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك؟
قال المسور: نعم.
قال معاوية: فما يجعلك بأحق برجاء المغفرة مني، فوالله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكني والله لا أخير ما بين أمرين من الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها، وإني لاحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وإني لألي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمِل لله بها في الدنيا، إقامة الصلوات للمسلمين، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل لله.
والأمور التي لست أحصيها- يقصد ذنوبه- وإن عددتها –أي: يا مسور- فتكفر في ذلك- أي يكفرها ما تقدم من الحسنات-.
قال المسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حينما ذكر ما قال.
قال عروة: فلم أسمع المسور بعد يذكر معاوية إلا صلى عليه- أي: دعا له.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: أن ابن عباس رضي الله عنه قال: لله در ابن هند ما أكرم حسبه، وأكرم مقدرته، ووالله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ظناً منه بأحسابنا وحسبه.
*ثناء العلماء والمؤرخين عليه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية،إذا نسبت أيامه إلى من بعده.(12/279)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واتفق العلماء أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك،كان ملكه ملكاً ورحمة (الفتاوى (4/47).
قال الذهبي: أمير المؤمنين ملك الإسلام.
وقال: معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم.
قال ابن كثير في ترجمة معاوية (البداية والنهاية 8/122): وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين.. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو.
قال ابن أبي العز الحنفي في (شرح العقيدة الطحاوية (722): وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين.
*حلمه:
أورد (ابن كثير 8/138): أن رجلاً أسمع معاوية كلاماً سيئاً شديداً،فقيل له: لو سطوت عليه؟
فقال: إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي.
وأورد (ابن كثير 8/138) قال رجل لمعاوية: ما رأيت أنذل منك.
فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا.
*همته رضي الله عنه:
كان عالي الهمة تدل على ذلك الكثير من الحوادث، منها: بعد أن علم ملك الروم بخلاف المسلمين أخذ يستعد لغزو بلاد المسلمين واستغلال هذه الفرصة، فكتب إليه معاوية رضي الله عنه وهو في معمعة القتال في صفين: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك، لاصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت،عند ذلك عاد ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة (البداية والنهاية).
الجهاد في خلافته
استمرت خلافته (20) عاماً ما بين عامي (40- 60هـ).
ونعلم جميعاً أن حركة الفتوحات توقفت بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه وظلت متوقفة في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبعد اجتماع كلمة المسلمين في خلافة معاوية عادت حركة الفتوح، وسأحاول اختصارها.
*جبهة الروم في البر:
1- في عام (42هـ) غزا المسلمون اللان – تقع في جورجيا حالياً- وهزموا الروم هزيمة منكرة.
2- شاتية سنة (43هـ) واختلف في قائدها.
3- شاتية سنة (44هـ) بقيادة الصحابي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في بلاد الروم ومشتاهم بها.
4- شاتية سنة (45هـ) بقيادة الصحابي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في بلاد الروم ومشتاهم بها أيضاً.
5- شاتية سنة (46هـ) ومشتى عبد الله بن مالك الخثعمي (مالك السرايا) وقيل غيره بأرض الروم.
6- شاتية سنة (47هـ) ومشتى الصحابي مالك بن هبيرة السكوني في أرض الروم.
7- شاتية سنة (48هـ) مشتى الصحابي عبد الرحمن القيني في أنطاكية.
8- صائفة (48هـ) بقيادة عبد الله بن قيس الفزاري.
9- غزو القسطنطينية سنة (49هـ) بقيادة يزيد بن معاوية ومعه ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وفيها توفي رحمه الله.
10 - شاتية سنة (49هـ) بقيادة الصحابي مالك بن هبيرة السكوني في أرض الروم.
11- صائفة سنة (49هـ) بقيادة عبد الله بن كرز البجلي.
12 - غزوة سنة (50هـ) بقيادة بسر بن أرطأة والصحابي سفيان بن عوف الأزدي لأرض الروم.
13-شاتية سنة (51هـ) بقيادة فضالة بن عبيد.
14-صائفة (51هـ) بقيادة بسر بن أرطأة.
15-شاتية (52هـ) وفي قائدها اختلاف.
16-صائفة (52هـ) بقيادة محمد بن عبدالله الثقفي.
17-شاتية (53هـ) بقيادة عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي.
18-شاتية (54هـ) بقيادة محمد بن مالك.
19-صائفة (54هـ) بقيادة معن بن يزيد السلمي (له ولأبيه وجده صحبه وكانت له منزلة عند عمر بن الخطاب).
20 -شاتية (55هـ) وفي قائدها اختلاف.
21-شاتية (56هـ) بقيادة الصحابي جنادة بن أمية الأزدي.
22-غزوة سنة (56هـ) الصحابي عياض بن الحارث التيمي.
23-شاتية (57هـ) بقيادة عبدالله بن قيس.
24-غزوة (58هـ) بقيادة عبدالله بن مالك الخثعمي.
25-شاتية (59هـ) بقيادة صحابي بدري عمرو بن مرة الجهني.
26-غزوة سنة (60هـ) بقيادة عبدالله بن مالك الخثعمي.
*في البحر:
27- (44هـ) بقيادة بسر بن أرطأة.
28- (48هـ) بقيادة مالك بن هبيرة السكوني. وغزوة الصحابي عقبة بن عامر الجهني بأهل مصر والمنذر بن الزهير (وقيل: الزبير) على أهل المدينة وعلى الجميع خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
29- (49هـ) بقيادة يزيد بن شجرة الرهاوي بأهل الشام، وعقبة بن نافع الجهني بأهل مصر.
30- (50هـ) بقيادة فضالة بن عبيد الأنصاري.
31- (51هـ) فتح جزيرة رودس على يد جنادة بن أمية الأزدي.
32- (54هـ) فتح جزيرة أوراد على يد جنادة بن أمية الأزدي، غزا فيها يزيد بن شجرة الرهاوي وفيها قتل رحمه الله.
34- (54هـ) غزا فيه جنادة بن أمية الأزدي.
جبهة المغرب:
35- (49هـ) فتح جزيرة جربة على يد الصحابي فضالة بن عبيد الأنصاري للبحر والصحابي رويفع بن ثابت الأنصاري للبر.
36- (50هـ) بناء القيروان بعد فتح أفريقية تونس على يد عقبة بن نافع الفهري.
جبهة سجستان وخراسان وما وراء النهر:(12/280)
37- تكليف عبد الله بن عامر بن كريز بإعادة فتح سجستان وخراسان؛ لأنه هو فاتحها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
38- (47هـ) غزوة الصحابي الحكم بن عمرو الغفاري إلى بلاد الغور في أفغانستان حالياً.
39- (50هـ) غزوة الصحابي الحكم بن عمرو الغفاري إلى جبل الأشل ثم عبوره نهر جيحون.
40- (51هـ) فتح بلخ وقهستان على يد الربيع بن زياد الحارثي.
41- (54هـ) انتصار الربيع بن زياد الحارثي على الترك خلف نهر جيحون.
42- (56هـ) عبور سعيد بن عثمان بن عفان نهر جيحون وفتح مدينة ترمذ.
*موقف معاوية من خلافة علي رضوان الله عليهما:
يرجع أصل هذه القضية إلى استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي المنافقين([1]) .
وتأجيل علي رضي الله عنه إقامة القصاص على قتلة عثمان، أدى ذلك إلى مطالبة معاوية لعلي بتسليمه قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
وهو ما أخرجه يحي بن سليمان الجعفي بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: (أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله، أني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، والطالب بدمه، فأتوه، فقولوا له: فليدفع إليَّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً، فكلموه، فلم يدفعهم إليه ([2]).
وفي رواية: فأتوه فكلموه، فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليَّ، فامتنع معاوية، فسار علي في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين وسار معاوية حتى نزل هناك، وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال([3]).
إذاً: فأصل الخلاف لم يكن حول اعتراض معاوية على أحقية علي بالخلافة، بل كان بسبب تأجيل إقامة القصاص على قتلة عثمان إذا كان علي يرى تأجيل إقامة القصاص على قتلة عثمان حتى تستتب له الأمور بعد استشهاد عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
ولا شك أن الحق الذي سعى إليه علي رضي الله عنه مقدم على الحق الذي سعى له معاوية رضي الله عنه، إذاً فالمسألة تتعلق بالأولويات وهو ما فقهه علي رضي الله عنه.
يقول ابن كثير: (ثم كان ما كان بينه -يقصد معاوية- وبين علي بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم... وكان الحق والصواب مع علي، ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفاً وخلفاً) ([4]).
وفي ذلك يقول ابن خلدون: (ولما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية كان طريقهم فيها الحق والاجتهاد، ولم يكونوا في محاربتهم لغرض دنيوي، أو لإيثار باطل، أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم، وينزع إليه ملحد، وإنما اختلف اجتهادهم في الحق، وسفه كل واحد نظر صاحبه في اجتهاده في الحق، فاقتتلوا عليه، وان كان المصيب علياً، فلم يكن معاوية قائماً فيها بقصد الباطل وإنما قصد الحق وأخطأ، والكل كانوا في مقاصدهم على الحق) ([5]).
وخلاصة القول أن علياً ومعاوية رضي الله عنهما كانا يسعيان إلى للحق ولا شيء سوى ذلك لكن علياً كان هو الأقرب إلى الحق والدليل في ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوماَ -الخوارج: النووي، شرح صحيح مسلم – يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس -أي افتراق الناس،المصدر السابق – سيماهم التحالق قال هم شر أو من شر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين – طائفة علي ومعاوية، المصدر السابق – إلى الحق).
ومن المعروف أن علي رضي الله عنه هو من قاتل الخوارج في معركة النهروان.
*وفاته رضي الله عنه:
توفي رضي الله عنه في عام (60هـ)، وكان قد تولى الخلافة بعد صلحه مع الحسن (رضي الله عنهما) عام (41هـ).
قال معاوية في مرضه الذي مات فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني قميصاً فرفعته، وقلم أظفاره يوماً فأخذت قلامته فجعلتها في قارورة، فإذا مت فألبسوني ذلك القميص، وقطعوا تلك القلامة واسحقوها وذروها في عيني وفيَّ، فعسى أن يرحمني الله ببركتها ثم أغمي عليه ثم أفاق، فقال لمن حضره: اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقٍ لمن لا يتقي الله، ثم توفي رضي الله عنه.
---------------
([1]) هذه التسمية أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم على الخارجين على عثمان، وهو ما أخرجه ابن ماجه عن طريق عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوماً فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه) يقول ذلك ثلاثاً. محمد ناصر الدين الألباني: صحيح سنن ابن ماجة (1/25).
([2]) الذهبي: سير أعلام النبلاء (3/140)، ابن كثير: البداية والنهاية (8/129)، ابن حجر: فتح الباري (13/92).
([3]) ابن حجر: فتح الباري (13/92).
([4]) ابن كثير: البداية والنهاية (8/126).
([5]) ابن خلدون: المقدمة (1/257).
====================
الشيعة المعاصرون والصحابة
*دعاوى نفي الشيعة الطعن في الصحابة:(12/281)
لقد ظهرت كتابات لبعض المعاصرين من الإمامية تدعو إلى التقارب والألفة بين المسلمين تضمنت القول بأن الشيعة لا تسب -فضلاً عن أن تكفر- الخلفاء الثلاثة، وأنها تقدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدرهم.
فهذا أبو الحسن الخنيزي في كتابه «الدعوة الإسلامية» (1/256-257) يقول: «بأن الإمامية -في هذا العصر- لا تمس كرامة الخلفاء ألبتة، فهذه كتاباتهم، وهذه كتبهم تنفي علناً السب عن الخلفاء وتثني عليهم» اهـ.
وقال أيضاً (1/8): « وممن مدح بنفي السب محمد باقر أحد مشاهير المجتهدين في كربلاء في منظومته المطبوعة في بمبي قال:
فلا نسب عُمَراً كلا ولا عثمان والذي تولى أولا
ومن تولى سبهم ففاسق حكم به قضى الإمام الصادق
ثم قال:
وعندنا فلا يحل السب ونحن أيم الله لا نسبُّ »
ويروي أحمد مغنية أن الشيعة تثني على عمر بن الخطاب، وتترضى عنه، وأن القول بأن الشيعة تنال من عمر هو من أحط أنواع الدس. انظر: الإمام جعفر الصادق (ص:113-114).
وهذا صاحب كتاب «تقدير الإمامية للصحابة» الذي سمى نفسه بـ«إمام الشيعة في جمهورية مصر العربية» نفى في هذا الكتاب أن تكون الشيعة ترمي الشيخين ومن بايعهما بلعن أو تكفير. (ص:36).
وقال بأن الشيعة لو كفرتهما لكفرت علياً؛ لأنه بايعهما، ولكفرت سلمان وعماراً؛ لأنهما بايعوهما. انظر: (ص:37-39).
واستدل بقول باقر الصدر: «إن الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية، حتى إن تاريخ الإنسان لم يشهد جيلاً عقائدياً أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد». (ص: 39-42).
*مناقشة هادئة لتلك الدعاوى:
هل تغير شيء في مذهب هذه الطائفة في أمر الصحابة عما هو معلوم مشهور عنهم لا سيما في هذا الوقت الذي تعاني فيه الأمة، وقد تكالب العدو الكافر عليها من كل حدب وصوب، وبعد مضي القرون المتطاولة، ولم تعرف الأمة أشرف ولا أعظم ولا أفضل من ذلك الجيل القرآني الفريد رضي الله عنهم وأرضاهم؟
هل تفتحت عقول الإمامية وقلوبهم على الحقيقة، وعرفوا خطورة تلك الأسطورة التي تتناقلها كتبهم القديمة من حكاية ردة الصحابة، ومن افتعال ذلك الصراع المكذوب بين الآل والأصحاب؟
أما آن لهذه الطائفة أن تؤمن بالتنزيل الإلهي، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة، وما علم من الدين والتاريخ بالضرورة من علو مكانة الصحابة، وتوازن بالعقل بين الأخذ بذلك، أو الاغترار بنقل حثالة من الكذابين استفاض ذمهم وتكذيبهم؟
وأن تعلم تلك الصفحات السوداء التي تتضمن الطعن واللعن والتكفير لأولئك الصحب العظام -وهم الذي تلقوا هذا الدين، ونقلوه لنا- هي في الحقيقة طعن في دين الإسلام ورسول الإسلام؟
وإننا نقول لهؤلاء وأمثالهم: إننا لنفتح صدورنا لكل كلمة توفق ولا تفرق، ونستبشر بكل محاولة صادقة لرفع تلك الأدران والصفحات السوداء التي تمس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن لماذا المكتبة الإمامية المعاصرة أخرجت كتباً مليئة بالسب والطعن والتكفير لخيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصدر القول بأن إمامية العصر الحاضر لا يسبون؟!
*طعن حسين الخرماني في الصحابة:
فهذا أحد الآيات الشيعة ويدعى « حسين الخرماني » يقول في كتابه: «الإسلام على ضوء التشيع» والذي أهداه إلى مكتبة دار التقريب بالقاهرة، وجاء على غلافه بأنه قد نشر باللغات الثلاث: العربية، والفارسية، والإنجليزية، وحاز على رضا وزارة المعارف الإيرانية، يقول في هذا الكتاب: « تجويز الشيعة لعن الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما؛ فإنما فعلوا ذلك أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاءً لأثره». (ص:88 الهامش).
ويقول: « فإنهم ولا شك –كما يفتري– قد أصبحوا مطرودين من حضرة النبي –كذا– وملعونين من الله تعالى بواسطة سفيره صلى الله عليه وسلم». (ص:88) من المصدر السابق.
*دعاء صنمي قريش في كتب الشيعة المعاصرة:
وفي أحد كتب الأدعية الذي وُثّق من ستة من الشيوخ الذين وصف كل منهم بأنه «آية عظمى» منهم: الخوئي والخميني وشريعتمداري.. وفيه:
«اللهم العن صنمي قريش وجبتيها، وطاغوتيها، وإفكيها، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وصرفا كتابك، وأحبا أعداءك، وجحدا آلاءك – كذا – وعطلا أحكامك، وألحدا في آياتك..» انظر: منصور حسين - تحفة العوام مقبول (ص:423- 424).
هكذا يوجه هؤلاء الآيات كل إمامي على وجه الأرض ليدعو بهذا الدعاء، ويتعبد الله باللعن؛ ليزرعوا الحقد والكراهية في نفوس أتباعهم ضد خير القرون ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
*الشيخ موسى جار الله يحكي طعن شيعة العراق وإيران في الصحابة:
وقد كشف لنا الشيخ موسى جار الله حينما زار ديار الإمامية في إيران والعراق وحضر مجالسها ومحافلها وحلقات دروسها في البيوت والمساجد والمدارس، فاطلع على ما يدور في واقع الإمامية من تكفير لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه حتى قال:(12/282)
«كان أول شيء سمعته وأنكرته هو لعن الصديق والفاروق، وأمهات المؤمنين السيدة عائشة والسيدة حفصة، ولعن العصر الأول كافة، وكنت أسمع هذا في كل خطبة، وفي كل حفلة ومجلس، في البداية والنهاية، وأقرأه في ديابيج الكتب والرسائل وفي أوعية الزيارات كلها.. إلخ». الوشيعة في نقد عقائد الشيعة (ص:27).
*جولة سريعة في كتب الشيعة التي استعرضت نقد الصحابة والطعن فيهم:
هذا ولا تزال مظاهر الطعن والتكفير للصحابة موجودة ومستمرة عبر روافد أخرى، وشيوخهم يمدونهم بهذا الغي، ويدفعونهم إليه ولا يقصرون، فمن هذه المظاهر الموجودة، والروافد الجارية التي لا تنبت إلا أشجار الحنظل، ولا تزرع إلا الفرقة والحقد والبغضاء، والتي لم تتوقف حتى هذه الساعة ما يلي:
أولاً: لا تزال تقوم حركة نشطة لبعث التراث الإمامي، ونشره بين الناس، وترويجه بينهم، وهذا التراث مليء باللعن والتكفير والتخليد في النار للمهاجرين والأنصار، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ثانياً: ولا يزال أيضاً هناك مجموعة كبيرة من شيوخهم المعاصرين قد تفرغوا لهذا الباطل، بل زادت بعضها في البذاءة وسوء المقال على كتبهم القديمة، مثل كتاب الغدير للمعاصر عبد الحسين الأميني النجفي.
ومثل كتاب «أبو هريرة» لعبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي اتهم فيه أبا هريرة رضي الله عنه بالكذب والنفاق.
ومثل كتاب «السقيفة» لمحمد رضا المظفر الذي صور فيه الصحابة عصابة لا هدف لها إلا التآمر على الإسلام، حتى قال: «مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن يكون المسلمون كلهم (لا أدري الآن) قد انقلبوا على أعقابهم». السقيفة (ص:19).
ومثل كتاب «النص والاجتهاد» لعبد الحسين شرف الدين الذي أراد أن يعتذر عن الصحابة لمخالفتهم بزعمه النص على علي، فاعتذر عنهم اعتذاراً ماكراً خبيثاً، حيث زعم أنهم يدينون بمبدأ فصل الدين عن الدولة.
ومثل كتاب «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» لأسد حيدر الذي يهاجم فيه خلفاء المسلمين ويفتري فيه على أئمتهم.
ومثل كتاب «علي ومناوئوه» للدكتور نوري جعفر، والذي يفتعل وجود صراع بين علي والصحابة ويقول: إنه كالصراع بين النبي وكفار قريش.
ومثل كتاب «الرسول الأعظم مع خلفائه» لمهدي القرشي، الذي صور فيه حسب خياله ومعتقده، ما يجري يوم القيامة لأبي بكر وعمر والصحابة، وكان يضع محاورات من عنده بزعم أنها ستجري بين الرسول وصحابته يحاسبهم فيها على تركهم بيعة علي.
ثالثاً: تلك الأدعية التي يرددها الإمامية كل يوم لا تكاد تخلو من لعن خيار هذه الأمة وروادها، وأحباء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصهاره، وبعض زوجاته أمهات المؤمنين، ولا تختلف كتب الأدعية المؤلفة حديثاً عما تراه في كتبهم القديمة، كما نجد ذلك في كتاب «مفاتيح الجنان» للمعاصر العباس القمي، و«ضياء الصالحين» لمحمد الجوهري وغيرهما.
وبعد هذا كله فهل يبقى لإنكار هؤلاء المنكرين تفسير إلا التقية والكذب؟
فالخنيزي الذي يقول: «إن الشيعة لا تسب»، هل يتجاهل ما سطره شيوخهم القدامى والمعاصرون في ذلك؟ بل هو نفسه يطعن في الصديق رضي الله عنه كما في كتابه الدعوة الإسلامية (1/12).
والرفاعي الذي يدعي تقدير الصحابة وينشر هذا المذهب في مصر، هو نفسه يسب خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيتهم فاروق هذه الأمة بالتآمر، وأنه أول من قال بالرجعة من المسلمين كما في تعليقه على كتيب التشيع: لمحمد باقر الصدر (ص:30-31)، كما يسب أبا بكر وعمر وأبا عبيدة رضوان الله عنهم أجمعين. المصدر السابق: (ص:46).
وما نقله عن باقر الصدر من الثناء على الصحابة إنما هو ثناء مزعوم ينقضه ما يتبعه من كلامه في كتابه نفسه، من القول بأن الصحابة ليسوا بأهل لحمل الرسالة، وتبليغ الشريعة، وأن الجدير بحملها والمبلغ لها هو علي.
وأما الأستاذ: أحمد مغنية الذي يدعي أيضاً عدم سب الصحابة فهو الذي يقول في كتابه «في ظلال نهج البلاغة» أن عثمان انحرف عن سنة الرسول وخالف شريعة الإسلام. (2/264).
ويقول: «وكان الزبير وطلحة وعائشة وراء ما حدث لعثمان، وعليهم تقع التبعة في ذمه». المصدر السابق (1/292-293).
ويتهم عمر رضي الله عنه وأهل الشورى الذين فوض لهم عمر اختيار خليفة من بعده يتهم الجميع بالخيانة والتآمر. المصدر السابق (2/2-3).
*وأخيراً:
بعد هذا البيان لتناقض هؤلاء الزاعمين وكذبهم، و مخالفتهم لأقوالهم –المزخرفة- أنفسهم يتضح لنا جلياً استخدام الإمامية للتقية، ولا دين لمن لا تقية له عندهم.
أو أنها مؤامرة للدعاية للشيعة والتشيع يبثونها في العالم الإسلامي، يخدعون بها الجهال، ويغررون المغفلين؛ لقبول مذهبهم، وارتضاء آرائهم، ولتخفيف وطأة أهل الإسلام في الإنكار على باطلهم.(12/283)
ولو كانوا صادقين حقاً لما تناقضوا، ولأعلنوا خطأ هذه المسالك، وعدم صحتها، ولاعترفوا ببطلان تلك الروايات السوداء، ولأعلنوا إنكارهم على بني قومهم الذين ما زالوا في ذلك الغي يعمهون، ولوجهوا مثل تلك الكتب إلى علمائهم وعوامهم نصحاً وإنكاراً، وإلا فإن دعاواهم الموجهة إلى أهل السنة بطلب التآلف والتقارب لا تزال ولن تزال مجرد دعاوى.
أما آن للإمامية أن تسلك طريق الوحدة وجمع الكلمة بصدق في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها المسلمون؟!!
===============
الوصائل والتصافي بين آل بيت النبي وصحابته رضوان الله عليهم
مقدمة كتاب رحماء بينهم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم، وهذه حقيقة شرعية يتفق عليها أهل الإسلام جميعاً، وهذا الاتفاق نعمة كبرى على هذه الأمة ولله الحمد والمنة.
ولا عبرة بمن شذ من الأمة في تفضيل بعض الأئمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العلم أو غيره([1])، فهذه الروايات المدونة في الكتب تجد من يؤولها أو يضعفها.
إن وضوح منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته وأنه صاحب الشفاعة الكبرى والحوض المورود، وصاحب المنزلة الرفيعة في الدنيا والآخرة- هي الحقائق لا ينكرها أحد.
لقد انتقلت بركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أقاربه آل البيت وأصحابه رضي الله عن الجميع.
فمنزلة آل البيت كبيرة، وقد جاءت آيات كثيرة وأحاديث متواترة في بيان ذلك، وهي تشمل من صحب منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشمل ذرياتهم، وفيها بيان فضلهم ومنزلتهم.
وكذلك كل ما ورد في الصحابة رضي الله عنهم، فإن آل البيت عليهم السلام الذين فازوا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أول من يشمله ذلك.
وقد سبق في الرسالة الأولى الحديث عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذه الوريقات سوف أتحدث عن الرحمة بين هؤلاء الأصحاب رضي الله عنهم، وينبغي علينا عدم السآمة من الحديث عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفضلها؛ والتلازم بين صاحب البركات الذي بمجرد الإيمان به وصُحبته فاز الأصحاب بلقب "صحابي" واختلفت منازلهم ودرجاتهم في جنات النعيم بأعمالهم وجهادهم مع سيد المرسلين، وكذلك منازلهُم في الدنيا من المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم، وكلّا وعد الله الحُسنى، قال الله تعالى: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].
فالجميع لهم فضلهم ومنزلتهم، وعلينا إدراك عِظم الصُّحبة، وأنها منزلة قائمة بذاتها، ومنازلهم بحسب أعمالهم، فهم طبقات: فالسابقون الأولون لهم أعلى المنازل، ومن جمع الله له بين الصحبة والقربى -وهم آله الأطهار- فسلام عليهم ورضي الله عنهم فلهم منزلة الصحبة وحق القربى، ومنازلهُم بحسب أعمالهم.
أيها القارئ الكريم: إن البحث عن أسباب الافتراق في الأمة وعلاجها مطلبٌ شرعي، وحديثي عن قضية كُبرى، لها آثارها التي عصفت بالأمة، وسوف أختصر الكلام عن الرحمة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آل البيت عليهم السلام وسائر الناس، فمع ما جرى بينهم من حروب إلا أنهم رحماء بينهم، وهذه حقيقة وإن تجاهلها القصاصون، وسكت عنها رواة الأخبار، فستبقى تلك الحقيقة ناصعة بيضاء تردّ على أكثر أصحاب الأخبار أساطيرهم وخيالاتهم التي استغلها أصحاب الأهواء والأطماع السياسية، والأعداءُ لتحقيق مصالحهم وتأصيل الافتراق والاختلاف في هذه الأمة.
نداء: إلى الباحثين والكَتَبة عن تاريخ الأمة، بل إلى الداعين إلى وحدة الكلمة وتوحيد الصف، إلى الذين يتحدثون عن خطورة العولمة وآثارها ووجوب توحيد الصف لمواجهة آثارها.
بل إلى كل غيور على هذه الأمة، أقول: لماذا نثير قضايا ومسائل تاريخية لها آثارها السلبية وتؤصل العداوة من غير بحث ونظر؟؟ ألأجل جماهير العوام، أو لأجل تقليد أعمى أو كسب مادي؟!!
إنك تعجب من كثير من الكتّاب والباحثين الذين يقضون أوقاتاً ويبذلون جهوداً كبيرة في مسائل تاريخية أو فكرية هي مبنية على روايات ضعيفة واهية أو أهواءٍ ونحو ذلك، بل منهم من يعتقد أنه يُحسن صنعاً وأنه وصل إلى حقائق علمية!!! وما وصلوا إليه فيه تفريق للأمة، وإذا سألتهم عن ثمار عملهم وجهدهم لا تجد جواباً!! وأحسنهم حالاً من يقول لك: لأجل العلم وكفى!!! وأين هنا الأساس العلمي الذي اعتمد عليه؟؟.(12/284)
وقد سبق في رسالة الصحبة بيان التلازم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام، وأن من مهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تزكية الذين آمنوا به، وهم الأميون الذين أكرمهم الله بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصُحبته، قال الله تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة:2].
فهؤلاء هم الذين قام رسول الرحمة والهدى بتربيتهم (تزكيتهم) وتعليمهم.
وقد سبق الحديث -أيضاً- عن التلازم بين الرسول القائد صلى الله عليه وآله وسلم وبين جنده.
والرسول القدوة صلى الله عليه وآله وسلم والذين أخذوا عنه.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجار والذين جاوروه وعاشوا معه.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإمام والذين كانوا تحت سلطانه.
سبق الحديث عن التلازم في الرسالة الأولى وإن شئت فقل في الفصل الأول ([2]).
أيها القارئ الكريم: لا شك ولا ريب لديك بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قام خير قيام بما أمره الله سبحانه وتعالى من إبلاغ الرسالة، وتزكية أصحابه وتعليمهم وغير ذلك، ومن ثمار هذه التزكية تلك الخصال الحميدة التي أصبحت سجية للصحابة رضي الله عنهم.
ويكفي أنهم خير أمة أخرجت للناس، قال الله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110].
فتأمل قوله سبحانه: ((أُخْرِجَتْ)) [آل عمران:110] مَن الذي أخرجهم وجعل لهم هذه المنزلة؟ وهذا مثل قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) [البقرة:143].
والآيات التي أنزلها الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم وذِكْرهم كثيرة جداً، وقد سبق الحديث عن بعض مواقفهم وما نزل فيها من آيات فلا داعي للتكرار.
------------
([1]) بوب المجلسي في بحار الأنوار باباً سماه: "باب أن الأئمة أعلم من الأنبياء" (2 /82). وانظر: أصول الكافي (1 /227).
([2]) الرسالة الأولى بعنوان: (صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
من صفات أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أيها القارئ الكريم: تذكر أن هؤلاء جيلٌ فريد، فقد حصلت لهم مزايا لا يمكن أن تحصل لغيرهم، فقد فازوا بشرف الصُحبة، صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الذي ربّاهم وعلّمهم وأدّبهم، وبهم جاهد الكفار، وهم الذين نصروه.
ونقف مع صفة واحدة من صفاتهم ينبغي أن تدرس وتشرح ويسود ذكرها وتصبح معلومة لدى المسلمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم!
أتدري ما هي تلك الصفة؟ إنها صفة الرحمة.
والسؤال: لماذا الحديث عن تلك الصفة؟
هل فكرت معي أيها المطالع الكريم عن سر هذه الصفة العزيزة؟ إنك ستجد -ولا شك- أسباباً كثيرة للحديث عنها، ولكني أذكر لك هاهنا عدة أسباب بُغية الاختصار لهذه الرسالة.
أما السبب الأول: فهو لذات الصفة وما فيها من معانٍ، وما ورد فيها من آيات وأحاديث وآثار عن سيد الأبرار صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، فربنا سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم.
وقد قال سبحانه في وصف الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:128]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من لا يَرحم لا يُرحم) متفق عليه.
والحديث عن ذات الصفة يطول، والنصوص الواردة فيها كثيرة لا تخفى عليك.
السبب الثاني: أن الله سبحانه وتعالى اختار هذه الصفة في الثناء على أصحاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي اختيار هذه الصفة دون غيرها حِكمٌ وفوائد بالغة الأهمية، ومن الإعجاز العلمي وصفهم بتلك الصفة.
ومن تأمل فيها ظهر الإعجاز، وذلك أن النص جاء في تخصيص ذكر صفة الرحمة الموجودة فيما بينهم.
لماذا ذكر الله تلك الصفة دون غيرها؟؟
لأن فيها الرد على الطعون التي لم تكن قد ظهرت وسُطرت في الكتب، وأصبحت فيما بعد أحاديث القصاصين ومَن جاء بعدهم. والله أعلم.
قال الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29].(12/285)
السبب الثالث: أن تقرير هذه الحقيقة -أعني أن أصحابه رحماء بينهم، وأن صفة الرحمة متأصلة في قلوبهم- يرد الروايات والأوهام والأساطير التي صَوَّرت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنهم وحوش فيما بينهم، وأن العداوة بينهم هي السائدة!! نعم. إذا تأصل لديك أن الصحابة رحماء بينهم، واستقر ذلك في سويداء قلبك اطمأنَّ القلب، وخرج ما فيه من غلٍّ للذين أمر الله تعالى بالدعاء لهم، قال الله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
السبب الرابع: من الأصول المعتمدة لدى الباحثين: الاهتمام بالمتن مع السند، والبحث في متون الروايات بعد ثبوت أسانيدها وعرض الروايات على نصوص القرآن والأصول الكُلية في الإسلام، وكذلك الجمعُ بين الروايات، هذا هو منهج الراسخين في العلم.
فلا بد من اعتماد هذا المنهج في دراسة الروايات التاريخية، ولكن للأسف الشديد قد أهمل الباحثون دراسة الأسانيد، واكتفوا بوجود الروايات في بطون كتب التاريخ والأدب!! والذين اهتموا بالأسانيد منهم من غَفَل عن النظر في المتون ومعارضتها للقرآن.
أيها القارئ الكريم: قبل أن تحكم وتتعجل في توزيع الاتهامات، بل والأحكام معتمداً على رصيدك التاريخي والمعلومات الأسرية بل والشحن العاطفي - تمهل وطالع الأدلة التي ذكرتها هنا، وهي غير مألوفة مع وضوحها، وقربها، وقوة معانيها ودلالاتها، فهي تستند إلى الواقع المحسوس، وكذلك قوة النص القرآني، فهذه آخر آية في سورة الفتح: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10] فاتل الآية وتأمل في معانيها يا رعاك الله!
------------
المبحث الأول : دلالة التسمية
الاسمُ له إشارة على المسمى، وهو عنوانه الذي يُميزه عن غيره، وقد جرت عادة الناس على العمل به؛ فلا يشك عاقل في أهمية الاسم، إذ به يعرف المولود ويتميز عن إخوانه وغيرِهم، ويصبح علماً عليه وعلى أولاده من بعده، ويفنى الإنسان ويبقى اسمه.
والاسم مشتق من السمو، بمعنى العلو، أو من الوَسْم، وهو العلامة.
وكلها تدل على أهمية الاسم للمولود.
وأهمية الاسم للوالد لا تخفى، منها: الدلالة على دينه وعقله، فهل سمعت بأن النصارى أو اليهود تسمي أولادها محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -؟
أو أن المسلمين يسمون أولادهم اللات والعزى إلا من شذ؟
فالابن يرتبط بأبيه من خلال الاسم، وينادي الأب والأهلُ وَلَدَهُم باسمه الذي اختاروه، فيكثر استعمال الاسم بين أفراد الأسرة، وقديماً قيل: (من اسمك أَعرفُ أباك) ([1]).
أهمية الاسم في الإسلام: ويكفي لمعرفة أهمية الاسم اهتمام الشريعة بالأسماء، فقد غيّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسماء بعض الصحابة من الرجال والنساء، بل غيّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اسم مدينته التي كانت تسمى يثرب إلى المدينة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمية بملك الأملاك ونحوه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أخنع اسمٍ عند الله رجلٌ تسمى ملك الأملاك)، وأرشد الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم إلى التسمية باسم عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما مما فيه إشعار المسمى بعبوديته لله عز وجل، وكذلك تعبيد المرء لله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن).
وكان رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الاسم الحسن ويتفاءل به، وهذا معروف من هديه عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
ومن المقرر لدى علماء الأصول واللغة أن الأسماء لها دلالات ومعانٍ، وبحث تلك المسألة في كتب اللغة وأصول الفقه، فقد أطال العلماء رحمهم الله في بحث المسألة وما يتعلق بها ويتفرع عنها من مسائل كثيرة.
هل يعقل..؟!!
أيها القارئ الكريم: لا تعجل ولا تستغرب، وَاصِل معيَ القراءة وإجابات الأسئلة:(12/286)
بماذا تسمي ولدك؟؟ هل تختار لولدك اسماً له معنى محبب عندك وعند أمه وأهله أم تسمي ولدك بأسماء أعدائك؟ يا سبحان الله!!
نختار لأنفسنا أسماء لها دلالة ومعنى لدينا، والذين هم من خير الناس نرفض ذلك في حقِّهم ونقول: لا؛ هم اختاروا أسماء أولادهم لأسباب سياسية واجتماعية على غير ما اعتاده الناس؛ فاختيار الأسماء عندهم لا دلالة له؟!!
عقلاء الأمة وسادتها، وأصحاب العزة في أنسابهم وأنفسهم يُحرمون من أبسط المعاني الإنسانية، فلا يسمح لهم أن يسموا أولادهم بأسماء أحبابهم وإخوانهم اعترافاً بفضلهم ومحبتهم، بل يسمون بعض أولادهم بأسماء أعدائهم!! هل تصدق ذلك؟؟
وللعلم: ليست تسمية عابرة لفرد، بل لمجموعة أولاد، وليست بعد نسيان العداوة بعد قرون، لا. بل جاءت التسمية في وقت ذروة العداوة -هكذا زعموا- ونحن نقول: بل في وقت ذروة المحبة.. وهذه مسألة مهمة لا بد من دراستها والاهتمام بها؛ لأن فيها دلالات كبيرة جداً، وفيها الرد على الأساطير والأوهام، والقصص الخيالية، وفيها مخاطبة للنفس والعاطفة وإقناع للعقلاء؛ فلا يمكن ردها ولا تأويلها.
وبعد ذلك إليك المقصود:
- سيدنا علي؛ من فرط محبته للخلفاء الثلاثة سمى بعض أولاده بأسمائهم وهم:
- أبو بكر بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة والسلام.
- عمر بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة والسلام.
- عثمان بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة والسلام.
- وأما الحسن عليه السلام فقد سمى أولاده: أبا بكر بن الحسن.. عمر بن الحسن.. طلحة بن الحسن، وكلهم شهدوا كربلاء مع عمهم الحسين عليه السلام.
- والحسين عليه السلام سمى ولده: عمر بن الحسين.
- وسيد التابعين علي بن الحسين زين العابدين الإمام الرابع عليه السلام سمى ابنته: عائشة، وسمى ابنه عمر، وله ذرية من بعده([2]).
وكذلك غيرهم من آل البيت من ذرية العباس بن عبد المطلب، وذرية جعفر بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل، وغيرهم، وليس هنا محل استقصاء الأسماء، بل المراد ذِكر ما يدل على المقصود، وقد سبق ذكر أولاد علي والحسن والحسين عليهم السلام.
المناقشة:
من الشيعة من ينكر: أن علياً وأولاده عليهم السلام سموا أولادهم بهذه الأسماء، وهذا صنيع من لا عِلم له بالأنساب والأسماء، وصلته بالكتب محدودة. وهم قلة ولله الحمد.
وقد رد عليهم كبار أئمة الشيعة وعلمائهم؛ لأن الأدلة على وجود هذه الأسماء قطعية من الواقع: من وجود ذرياتهم، ومن خلال كتب الشيعة المعتمدة، حتى الروايات في مأساة كربلاء، حيث استشهد مع الإمام الحسين أبو بكر بن علي بن أبي طالب، وكذلك أبو بكر بن الحسن بن علي عليهم السلام. ومن سبق ذكرهم.
فهؤلاء استشهدوا مع الحسين، وقد ذكر ذلك الشيعة في كتبهم، ولا تقل: إنك لا تسمع هذه الأسماء في الحسينيات، وفي المأتم أيام عاشوراء، فإن عدم ذكرهم لا يعني عدم وجودهم. وقد كان عمر بن علي بن أبي طالب وعمر بن الحسن من الفرسان المشهود لهم بالبلاء في ذلك اليوم.
المهم أن مسألة (تسمية الأئمة عليهم السلام أولادهم بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة) هذه المسألة لا نجد لها جواباً شافياً مقنعاً عند الشيعة، فلا يمكن أن نجعل الأسماء لا دلالة لها ولا معنى، ولا يمكن أن نجعل المسألة (دسيسة) قام بها أهل السنة في كتب الشيعة؛ لأن معنى ذلك الطعن في جميع الروايات في كل الكتب، فكل رواية لا تُعجب الشيعة يمكن أن يقولوا: هي دسيسة وكذب. بل يطّرد القول في كل رواية لا توافق هوى ذاك العالم فيردّها بكل بساطة ويقول: هي دسيسة!! لا سيما أن لكل عالم الحق في قبول الروايات أو ردها، فلا ضابط لذلك عندهم.
ومن الطرائف المضحكة المبكية أنه قيل: إن التسمية بأسماء كبار الصحابة الذين تقدم ذكرهم لأجل سبّهم وشتمهم!! قيل: إن التسمية لأجل كَسْب قلوب العامة، فالإمام سمى أولاده لكي يشعر الناس بمحبته للخلفاء ورضاه عنهم!!! (أي: تقية). يا سبحان الله! هل يجوز لنا أن نقول بأن الإمام يفعل أعمالاً يغرر أصحابه وعامة الناس بها؟؟ وكيف يقوم الإمام بالإضرار بذريته لأجل هذا؟؟
ومن هم الذين يداريهم الإمام بهذه الأسماء؟ تأبى شجاعته وعزته عليه السلام أن يهين نفسه وأولاده لأجل بني تيم أو بني عدي أو بني أمية.
والدارس لسيرة الإمام يدرك حق اليقين أن الإمام من أشجع الناس، بخلاف الروايات المكذوبة التي تجعل منه جباناً لا يثأر لدينه ولا لعرضه ولا لكرامته، وما أكثرها للأسف الشديد.
النتيجة: إن ما قام به الأئمة: علي وبنوه عليهم السلام من أقوى الأدلة العقلية والنفسية والواقعية على صدق محبة آل البيت للخلفاء الراشدين وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت بنفسك تعيش هذا الواقع فلا مجال لرده، وهذا الواقع مصدّق لقوله تعالى:(12/287)
((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29].
أيها القارئ الكريم: غير مأمور أعد تلاوة الآية وتدبر في معانيها، وتأمل في صفة الرحمة.
------------
([1]) انظر: تسمية المولود للعلامة الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد.
([2]) انظر: كشف الغمة (2/334)، الفصول المهمة (283)، وكذلك سائر الأئمة الاثني عشر تجد هذه الأسماء في ذريتهم، وقد تحدث علماء الشيعة عن ذلك وذكروا الأسماء يوم الطف من (17-185). انظر على سبيل المثال: إعلام الورى للطبرسي (203)، والإرشاد للمفيد (186)، وتاريخ اليعقوبي (2/--------------
المبحث الثاني : المصاهرة
أيها القارئ الكريم: ابنتك فلذة كبدك، وثمرة الفؤاد، تجعلها عند من؟ هل ترضى أن تجعلها عند فاجر مجرم بل قاتل أمها أو أخيها؟ ماذا تعني لك كلمة صهري.. نسيبي؟
المصاهرة لغةً: مصدر صاهر، يقال: صاهرت القوم إذا تزوجت منهم، قال الأزهري: الصهر يشتمل على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات المحارم كالأبوين والإخوة...إلخ ومن كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضاً.
فصهر الرجل قرابة امرأته، وصهر المرأة قرابة زوجها.
الخلاصة: إن المصاهرة في اللغة: قرابة المرأة وقد تطلق على قرابة الرجل، وقد جعلها الله سبحانه وتعالى من آياته، قال الله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً)) [الفرقان:54].
تأمل في الآية وكيف أن ذلك الإنسان (بشراً) جعله الله يرتبط بغيره بالنسب والمصاهرة، فالمصاهرة رباط شرعي جعله الله قرين النسب، والنسب هم قرابة الأب، ومن العلماء من يرى أن النسب مطلقُ القرابة.
فتذكر أن الله قرن بين النسب والصهر، وهذا له دلالات عظيمة فلا تغفل عنها.
المصاهرة تاريخياً: للمصاهرة لدى العرب منزلة خاصة، فهم يرون التفاخر بالأنساب، ومنه التفاخر بأزواج بناتهم ومنزلتهم. والعرب لا يزوّجون من يرونه أقل منزلة منهم، هذا هو المشهور عنهم، بل يوجد ذلك لدى طوائف كثيرة من العجم، ويعتبر التميّز العنصري اليوم أشد المشاكل الاجتماعية لدى الغرب.
والعرب تغار على نسائها مما قاد بعضهم إلى وأد بناته الصغيرات خوفاً من العار، كانت تراق الدماء وتنشب الحروب لأجل ذلك. ولا تزال آثارها إلى اليوم باقية كما لا يخفى عليك أيها القارئ، وهذه إشارة تغني عن طول العبارة.
المصاهرة في الإسلام: جاء الإسلام فقرر معالي الأمور، فأمر بالصفات الحميدة ونهى عن القبيح، وبيّن الله سبحانه وتعالى أن العبرة بالتقوى، قال الله تعالى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات:13] وهذا في الميزان الشرعي.
وتجد الفقهاء رحمهم الله قد بحثوا موضوع الكفاءة في الدين والنسب والحرفة وما يتعلق بها في مباحث مطولة، ومنها: هل تعتبر الكفاءة شرطاً لصحة العقد أو لزومه، وهل هي حق للزوجة أو يشاركها الأولياء؟ وغير ذلك من المباحث في كلامهم عن النكاح.
أما في مسألة صيانة العِرض والغيرة على النساء فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل المقتول دون عرضه شهيداً، وقاد الحرب بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم لأجل المرأة التي عبث اليهود بسترها، والقصة مشهورة في نقض بني قينقاع العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخلاصتها أن يهودياً طلب من فتاة تشتري منه ذهباً أن تكشف عن وجهها فرفضت، فقام بعقد طرف ثوبها وهي جالسة لا تشعر، فلما قامت انكشفت، فصرخت تطلب الغوث، وكان بالقرب منها شاب مسلم فقام إلى اليهودي فقتله، واجتمع اليهود عليه فقتلوه، مع أسباب أخرى ظهرت منهم دلّت على نقضهم العهد.
أيها القارئ الكريم: تأمل في بعض الأحكام الشرعية مثل اشتراط الولي في عقد النكاح والإشهاد عليه، بل وحد القذف، وحد الزنا، وغيرها من الأحكام التي فيها حفظ العِرض، ومن خلال التفكير في تلك الأحكام وما فيها من حِكم وآثار، وما فيها من تشريعات بديعة يظهر لك أهمية هذا الموضوع.
والمصاهرة تترتب عليها الأحكام الكثيرة، وتأمل في تشريع عقد النكاح (الميثاق الغليظ): يقوم الرجل بالخطبة ولها أحكامها، فقد يُقبل أو يرد، ويستعين الخاطب بأهله وأصحابه لأجل الحصول على الموافقة، ويسأل الأهل وأولياء المرأة عن الخاطب، ولهم الحق في قبوله أو رده، حتى ولو دفع هدايا أو عَجَّل بدفع المهر ونحو ذلك فلهم رد الخاطب مادام العقد لم يتم.(12/288)
والعقد لا بد فيه من شهود، وإشهار النكاح مطلب شرعي، لماذا؟ لما يترتب على النكاح من أحكام، فهو يقرب البعيد ويجعلهم أصهاراً، ويحرم على الزوج نساء بسبب النكاح على التأبيد، أو مادامت الزوجة بذمته، ولا يسمح منهج هذه الرسالة بإطالة البحث، وإنما المقصود التذكير بأهمية الموضوع لأجل ما بعده.. فتأمل في الآتي:
المثال الأول: أخت الحسن والحسين زوّجها أبوها علي عليهم السلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهل نقول بأن علياً عليه السلام زوج ابنته خوفاً من عمر؟! أين شجاعته؟ وأين حبه لابنته؟؟ أيضع ابنته عند ظالم؟؟ أين غيرته على دين الله؟ أسئلة كثيرة لا تنتهي، أم نقول: إن علياً عليه السلام زوّج ابنته لعمر رغبة في عمر وقناعة به، نعم. تزوج عمر ببنت علي عليه السلام زواجاً شرعياً صحيحاً لا تشوبه شائبة([1])، ويدل هذا الزواج على ما بين الأسرتين من تواصل ومحبة، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجاً لبنت عمر؟! فالمصاهرة قائمة بين الأسرتين قبل زواج عمر بأم كلثوم.
المثال الثاني: يكفي قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ولدني أبو بكر مرتين) هل تعرف من هي أم جعفر؟ إنها فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ([2]).
أيها اللبيب: لماذا قال جعفر عليه السلام: (أبو بكر) ولم يقل: محمد بن أبي بكر؟ لقد صرح باسم أبي بكر؛ لأن بعض الشيعة ينكر فضله، وأما ابنه محمد فالشيعة متفقون على فضله، فبالله عليك بمن يفتخر الإنسان؟!.
أيها القارئ الكريم: التداخل بين أنساب الصحابة من المهاجرين والأنصار يعرفه كل من له اطلاع على أنسابهم، حتى الموالي منهم، فقد تزوجوا من سادات قريش وأشرافهم، فهذا زيد بن حارثة رضي الله عنه -وهو الصحابي الوحيد الذي جاء ذكر اسمه في القرآن في سورة الأحزاب- من هي زوجته؟ إنها أم المؤمنين زينب بنت جحش.
وهذا أسامة بن زيد زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة بنت قيس وهي قرشية([3]). وهذا سالم مولى، زوّجه أبو حذيفة رضي الله عنه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، ووالدها سيد من سادات قريش ([4]).
والحديث عن المصاهرة بين الصحابة يطول جداً، وأكتفي بذكر أمثلة يسيرة في التزاوج بين آل البيت والخلفاء الراشدين:
هل تعلم أن سيدنا عمر رضي الله عنه تزوج بنت فاطمة بنت رسول الله عليها وعلى أبيها أفضل الصلاة والسلام؟
أم جعفر الصادق عليه السلام سبق ذكرها، ومن هي جدته الكبرى؟ كلتاهما حفيدة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
أيها القارئ الكريم: دع عنك وسوسة الشياطين، وعليك بالتفكير الجاد والعميق، فأنت مسلم ومنزلة العقل لا تخفى عليك، والآيات التي فيها الحث على التدبر والأمر بالتفكر كثيرة وليس هنا محل بسطها.
لذا علينا أن نفكر بعقولنا، ونترك التقليد، ولنحذر أن يعبث العابثون بعقولنا، نعوذ بالله السميع العليم من شياطين الإنس والجن.
أيها القارئ الحبيب: هل ترضى أن يُسب أبوك وأجدادك وأن يقال: إن سيدة نسائك تزوجت بالرغم عن أنوف عشيرتك كلهم؟
هل ترضى أن يقال بأن ذلك فَرج غصبناه؟؟ الأسئلة لا تنتهي، أي عقل يرضى بهذا الهراء؟! وأي قلب يقبل هذه الرواية؟!
فنسأل الله أن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، اللهم ارزقنا محبة الصالحين من عبادك أجمعين، اللهم آمين يا رب العالمين.
وقبل المبحث الثالث: إليك بعض النصوص من كتب الشيعة المعتمدة لديهم ومن علمائهم المعتبرين التي فيها إثبات زواج عمر من أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم.
قال الإمام صفي الدين محمد بن تاج الدين (المعروف بابن الطقطقي الحسني (ت:709ه) نسابة ومؤرخ وإمام) في كتابه الذي أهداه إلى أصيل الدين حسن بن نصير الدين الطوسي صاحب هولاكو وسمي الكتاب باسمه - قال في ذكر بنات أمير المؤمنين علي عليه السلام: (وأم كلثوم أمها فاطمة بنت رسول الله تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيداً ثم خلف عليها عبد الله بن جعفر) (ص:58).
وانظر كلام المحقق السيد مهدي الرجائي فقد نقل نقولات ومنها تحقيق العلامة أبي الحسن العمري -نسبة إلى عمر بن علي بن الحسين- في كتابه المجدي، قال: (والمعول عليه من هذه الروايات ما رأيناه آنفا من أن العباس بن عبد المطلب زوجها عمر برضى أبيها عليه السلام وإذنه، وأولدها عمر زيداً).اه.
وذكر المحقق أقوالاً كثيرة منها: أن التي تزوجها عمر شيطانة، أو أنه لم يدخل بها، أو أنه تزوجها بالقوة والغصب... إلخ.
وقال العلامة المجلسي: (...وكذا إنكار المفيدِ أصلَ الواقعة؛ إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود تلك الأخبار وما سيأتي بأسانيد أن علياً عليه السلام لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته وغير ذلك مما أوردته في كتاب بحار الأنوار، إنكار عجيب، والأصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار... إلخ) (ج2ص:45 من مرآة العقول).(12/289)
قلت: قد ذكر صاحب الكافي في كافيه عدة أحاديث منها -باب المتوفى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد وما يجب عليها-: حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد عن عبد الله بن سنان ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها أتعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت، إن علياً عليه السلام لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته)(انظر: الفروع من الكافي ج6ص115).
أيها القارئ الكريم: لقد خاطبت بعض علماء الشيعة المعاصرين عن الزواج، ومن أجمل الردود ما سطره قاضي محكمة الأوقاف والمواريث الشيخ عبد الحميد الخطي، قال ما نصه: (وأما تزويج الإمام علي عليه السلام فارس الإسلام ابنته أم كلثوم فلا نشاز فيه، وله برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة لكل واحد من المسلمين، وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم حبيبة رضي الله عنها بنت أبي سفيان، وما كان أبو سفيان بمنزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما يثار حول الزواج من غبار فلا مبرر له على الإطلاق.
وأما قولكم: إن شيطانة تتشكل للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتقوم مقام أم كلثوم، فهذا قول مضحك مبكٍ، لا يستحق أن يعنى به ولا يقام له، ولو تتبعنا مثل هذه الخرافات التي تنسج لَرَأَينا منها الشيء الكثير الذي يضحك ويبكي). اهـ.
ولم يتعرض الشيخ لقضية البحث، وهي دلالة المصاهرة في الترابط الأسري، وأنها لا تكون إلا عن قناعة، وأن فيها دلالة على المحبة والأخوة والتآلف بين الأصهار.
ولا يخفى عليك أيها القارئ الكريم أن الفرق في غاية الوضوح بين زواج المسلم من كتابية: فهذا جائز، وأما زواج الكتابي من مسلمة فإنه لا يجوز.. فتأمل ذلك.
الخلاصة: إن المصاهرة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غاية الوضوح، ولا سيما بين ذرية الإمام علي عليه السلام وذرية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وكذلك المصاهرة مشهورة بين بني أمية وبين بني هاشم قبل الإسلام وبعده، وأشهرها زواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بنت أبي سفيان رضي الله عنهم. (انظر: الملاحق آخر الكتاب).
والمقصود هنا الإشارة إلى شيء من الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن المصاهرة والتي من أعظمها المحبة بين الصهرين، وإلا فإن الآثار كثيرة، ولعل فيما سبق كفاية وغنية عما لم يُذكر، وبالله التوفيق.
-------------
([1]) وسوف أذكر لك نقولات عن علماء الشيعة تؤكد هذا الزواج وترد على كل المطاعن.
([2]) وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. انظر: عمدة الطالبين (195) ط طهران، والكافي (1/472).
([3]) رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (2/1114-1119) (1480).
([4]) رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (4/1469، 5/1957) (3778، 4800).
-------------
المبحث الثالث : دلالة الثناء
أيها القارئ الكريم:
هل عشت في غربة مع رفقةٍ من أهلك وعشيرتك بل من قريتك؟ كيف عشتم سنوات الغربة؟؟ هل عشت في ثكنة عسكرية مع هؤلاء أو مع أحبابك؟؟
أيها القارئ الكريم: هل عشت في فقر واضطهاد مع أصحابك الذين اجتمعت معهم برباط عقائدي يجمع بين العقل والعاطفة؟ ما رأيك فيمن عاش هذه المواقف كلها، وكانوا كلهم رفقة أصحاباً في السراء والضراء، بل معهم خير البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما السابقين عاشوا تلك المواقف، فكانت حياتهم الاجتماعية مختلفة، ولها طابعها الخاص، الذي يعرفه كل من درس السيرة، أو كان له اهتمام بسيط بحياة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها القارئ الكريم: لعلك وأنت تقرأُ هذه الأسطر تنتقل معي إلى أعماق التاريخ، لمّا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة في دار الأرقم والدعوة سرية، ثم لمّا ظهر الإسلام هناك، ثم لما هاجر أصحابه الكرام إلى الحبشة بلاد الغربة وبعدها إلى المدينة، لقد تركوا الأهل والأموال والوطن، فتأمل حالهم في الأسفار البعيدة الشاقة وهم على الإبل وسيراً على الأقدام، عاشوا جميعاً الخوف والحصار في المدينة في غزوة الخندق، وقطعوا البيداء والقفار في غزوة تبوك، عاشوا مرحلة الانتصارات في بدر، والخندق، وخيبر، وحنين وقبلها مكة وغيرها.
تأمل في الآثار النفسية: كيف تكون المودة والصحبة بينهم؟ ولا يغب عن ذهنك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم، وهو القائد لهم والمربي والمعلم، وليكن حاضراً في ذهنك أن القرآن ينزل من رب السموات والأرض إلى قائد هذه المجموعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
تأمل في هؤلاء: اجتمعت قلوبهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتآلفت.. قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتربيتهم وعاش معهم والقرآن ينزل عليهم؛ فتصور معي تلك المواقف والأيام. ولقد سبق الحديث عنها في الرسالة الأولى (صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).(12/290)
لا شك أن الوفاق والوئام والمحبة هي السائدة بينهم، قال الله تعالى: ((وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)) [آل عمران:103].
لو تكرمت تَدَبَّر في معانيها: شهادة من الله سبحانه وتعالى لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ((فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)) [آل عمران:103] هذه منّة من الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا رادَّ لفضل الله.
نعم كانت العداوة بين الأوس والخزرج مشتعلة، ولكن الله سبحانه وتعالى أزال هذه العداوة وجعل بدلاً منها محبة ووئاماً.
أيها القارئ الكريم: ما يضرك أن تؤمن بهذا، وأن تحسن الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ربهم سبحانه يَشْهَد لهم وَيُذَكِّرهُم بفضله عليهم، من جعلهم إخوة صافية قلوبهم، استقر فيها التآلف والمحبة والوئام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويدل على العموم الآية التالية: قال الله تعالى: ((وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال:63].
أيها القارئ الكريم: تأمل في الآية وكرِّر تلاوتها ففيها ذكر الفضل من الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر وبالمؤمنين، والذي يهمنا هنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أنفق مال الأرض جميعاً ما حصل له ذلك، ولكن الله سبحانه هو صاحب الفضل، ومع ذلك يوجد من ينكر ذلك وتأبى نفسه إلا مخالفة النصوص، والزعم أن العداوة هي السائدة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الله عز وجل يخبرنا بأنه ألّف بين قلوبهم، وألف بينهم، وجعلهم إخواناً، وجعلهم رحماء بينهم، ومع ذلك تكرر الأساطير والأخبار بأن العداوة بينهم قائمة!!
وقد جاءت آيات كثيرة -سبق ذكر بعضها- في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم، وآيات في ذكر أوصافهم وأفعالهم، ومنها الإيثار الناتج عن المحبة:
قال الله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8] ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9].
وما سبق فيه إشارة إلى بعض النصوص القرآنية وهي كثيرة، وقد اقتصرنا على ما يدل على المحبة، ويؤكد وجودها، وأنها متأصلة في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكما لا يخفى عليك فإن الإيثار، والأخوة، والموالاة، وألفة القلوب، كل هذه المعاني وردت فيها نصوص قرآنية وهي تؤكد على صفة المحبة، وقد جاء أكثر من نص قرآني صريح فيها؛ فتأمل الآية السابقة ففيها إثبات محبة الأنصار للمهاجرين، وتأمل في آخر آية من سورة الفتح.
وبعد: إليك هذه القصة التي رواها علي الأربلي في كتابه كشف الغمة (ج2/ 78 ط إيران) عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: (جاء إلى الإمام نفر من العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبرونني؟ أأنتم المهاجرون الأولون: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8]؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين: ((تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]؟ قالوا:لا. قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [الحشر:10] اخرجوا عني، فعل الله بكم). اهـ.(12/291)
فهذا فهم زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام وهو من التابعين، وقد امتلأت الكتب في ثناء بعضهم على بعض: كتب أهل السنة وكذلك كتب الشيعة، والدارس لكتاب نهج البلاغة يجد خطباً كثيرة وإشارات صريحة كلها في الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد اخترت واحدة منها لما فيها من اقتباس من القرآن الكريم.
قال الإمام علي عليه السلام: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب) اهـ.
وكلامه عليه السلام في الثناء عليهم يطول، ولحفيده الإمام زين العابدين رسالة ضمّنها الدعاء لهم والثناء عليهم، وتجد لكل إمام من الأئمة عليهم السلام أقوالاً كثيرة في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم، بل قد جاءت روايات كثيرة عنهم فيها التصريح بالثناء على الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين وغيرهم، ولو جمعت لجاءت في مجلدات.
أيها القارئ الكريم: لقد أكثرت عليك الكلام مع حرصي على الاختصار فأرجو المعذرة! وأسأل الله الكريم أن ينفعني وإياك به، ولكن لا بد من بيان الحقيقة متكاملة، وآمل أن تصبر معي قليلاً؛ فإن الرسالة أوشكت على الانتهاء، وبقيت وقفة مختصرة لبيان منزلة آل البيت لدى أهل السنة والجماعة؛ لكي تعلم وفقك الله تعالى بأن أهل السنة حريصون كل الحرص على التمسك والعمل بالقرآن الكريم (الثقل الأكبر) وهم كذلك متمسكون بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (العترة) وهذه المسألة تحتاج إلى دراسة مستقلة.
ففيما سبق تأكيد للرحمة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم، وفيهم أقاربه وخواصه الذين دخلوا معه في الكساء، وفي الوقفة الآتية إيضاح لبعض حقوقهم كما قررها علماء السنة رحمهم الله تعالى.
------
موقف أهل السنة من آل البيت عليهم السلام
مطلب في التعريف اللغوي والاصطلاحي: آل البيت أهل الرجل، والتأهل: التزوج، قاله الخليل([1]). وأهل البيت: سكانه. وأهل الإسلام من يدين به([2]).
أما الآل: فجاء في معجم مقاييس اللغة قوله: آل الرجل: أهل بيته([3])..
وقال ابن منظور: "وآل الرجل أهله، وآل الله وآل رسوله: أولياؤه، أصلها (أهل) ثم أبدلت الهاء همزة، فصار في التقدير (أأل) فلما توالت الهمزتان أبدلت الثانية ألفاً"([4]) وهو لا يضاف إلاّ إلى ما فيه شرف غالباً، فلا يقال (آل الحائك) خلافاً لأهل، فيقال: أهل الحائك. وبيت الرجل داره ([5])، وإذا قيل: البيت انصرف إلى بيت الله الكعبة؛ لأن القلوب -قلوب المؤمنين- تهوي إليه، والنفوس تسكن فيه، وهو القبلة، وإذا قيل: (أهل البيت) في الجاهلية انصرف إلى سكانه خاصة، وبعد الإسلام إذا قيل: (أهل البيت) فالمراد آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([6]).
ما المراد بآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
اختلف العلماء في تحديد آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أقوال أشهرها:
1- هم الذين حرمت عليهم الصدقة. قاله الجمهور.
2- هم ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجاته، واختاره ابن العربي في أحكام القرآن وانتصر له، ومن القائلين بهذا القول من أخرج زوجاته.
3- إن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم أتباعه إلى يوم القيامة، وانتصر له الإمام النووي في شرحه على مسلم، وكذلك صاحب الإنصاف، ومن العلماء من حصره في الأتقياء من أتباع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. والراجح القول الأول.
سؤال: من هم الذين حرموا الصدقة؟؟
هم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا الراجح، وبه قال الجمهور، ومن العلماء من قصره على بني هاشم فقط دون بني المطلب.
والمراد بآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية هم الأئمة الاثني عشر فقط دون غيرهم، ولهم تفصيلات وتفريعات ليس هنا محل بسطها، فإن الخلاف بين فِرَقهم كبير في هذه المسألة ولأجلها حصل التفرق. (راجع كتاب: فرق الشيعة للنوبختي).
عقيدة أهل السنة في آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
لا تكاد تجد كتاباً من كتب العقيدة التي فيها شمول لمسائل الاعتقاد إلا وتجد فيها النص على هذه المسألة، وذلك لما لها من أهمية، وقد كتب فيها العلماء رسائل مستقلة لأهميتها.(12/292)
وخلاصة الكلام في عقيدة أهل السنة ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وهي رسالة مختصرة جداً، ومع ذلك قال فيها رحمه الله: «ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)([7]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)([8])، وقال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) » ([9]) اهـ.
وأكتفي بهذا النص عن إمام يرى كثير من الشيعة أنه من أشد أهل السنة عداوة لهم؛ لأجل كتابه منهاج السنة الذي كتبه رداً على ابن المطهر الحلي.
وتفصيل حقوقهم على النحو الآتي:
أولاً: حق المحبة والموالاة:
أيها القارئ الكريم: لا يخفى عليك أن محبة كل مؤمن ومؤمنة واجب شرعي، وأما ما سبق ذكره من محبة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموالاتهم فهذه محبة وموالاة خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لقرابتي). أما الأولى التي لله وهي الأخوة الإيمانية والموالاة فهذه للمسلمين عامة، فإن المسلم أخو المسلم، فهي تشمل جميع المسلمين بما فيهم آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقرابته محبة خاصة بهم؛ لأجل قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى:23] وهذا معنى الحديث السابق على المعنى الصحيح في الآية؛ لأن من المفسرين من قال: تحبونني لقرابتي فيكم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له قرابة بجميع بطون قبائل قريش. المقصود أن محبتهم وموالاتهم وتوقيرهم لأجل قرابتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثابتة، وهي غير الموالاة العامة لأهل الإسلام.
ثانياً: حق الصلاة عليهم:
فمن حقوقهم الصلاة عليهم، قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].
وروى مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله! فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، والسلام كما قد علمتم) ([10]). ومثله حديث أبي حميد الساعدي المتفق عليه.
والأدلة على ذلك كثيرة، قال ابن القيم رحمه الله: إنها حق لهم دون سائر الأمة، بغير خلاف بين الأئمة. اهـ([11]) وهذا في الصلاة الإبراهيمية.
ثالثاً: حق الخمس:
وكذلك لهم الحق في الخُمس، قال الله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) [الأنفال:41]. والأحاديث كثيرة، وهذا سهم خاص بذي القربى، وهو ثابت لهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قول جمهور العلماء، وهو الصحيح([12]).
فائدة: الحقوق كثيرة، وقد أشرنا إلى أهم تلك الحقوق، وهذه الحقوق يستحقها من ثبت إسلامه ونسبه، فلا بد من ذلك، ولا بد من حسن العمل.
وكان رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم يحذر من الاعتماد على النسب، كما فَعَلَ في مكة في القصة المشهورة لما قال: (يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لا أغني عنكِ من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنك من الله شيئاً) رواه البخاري، ومعلوم ما نزل في أبي لهب نعوذ بالله من النار.
---------------
([1]) انظر: كتاب العين (4/89).
([2]) الصحاح (4/1628)، ولسان العرب (11/ 28).
([3]) معجم مقاييس اللغة (1/161).
([4]) لسان العرب (11/ 31)، وبنحوه الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن (30).
([5]) لسان العرب (2/14).(12/293)
([6]) المفردات في غريب القرآن (29)، وقد أطال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله الكلام عن هذا في مصنف خاص بهذا الشأن (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام) فارجع إليه، وإلى مقدمة المحقق، فقد ذكر الكتب التي صنفت في هذا الموضوع، وهذا يدلك على اهتمام علماء السنة بهذا.
([7]) رواه مسلم وغيره.في كتاب فضائل الصحابة: باب فضل علي عليه السلام (4/1873) (2408).
([8]) رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأطال محققه الكلام فيه، والمهم أن معناه صحيح لدلالة الآية عليه.
([9]) رواه مسلم في صحيحه (4/1782) (2276).
([10]) رواه مسلم في كتاب الصلاة:باب الصلاة على النبي بعد التشهد (1/305)(405).
([11]) جلاء الأفهام، وقد بسط القول في ذلك رحمه الله.
([12]) انظر: المغني (9/288)، ورسالة صغيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية في "حقوق آل البيت".
-----------
موقف أهل السنة والجماعة من النواصب
فائدة: من إتمام الكلام عن مكانة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا معشر أهل السنة والجماعة نشير إلى بيان موقف أهل السنة والجماعة من النواصب، وذلك فيما يلي:
النصب لغة: إقامة الشيء ورَفعِهِ، ومنه ناصِبَةُ الشرِّ والحرب.
وفي القاموس: (النواصب والناصبة وأهل النصب المتدينون بِبُغض علي عليه السلام؛ لأنهم نصبوا له، أي: عادوه).
وهذا أصل التسمية، فكل من أبغض آل البيت فهو من النواصب..
أيها القارئ الكريم: كلام علماء الإسلام صريح وواضح في الثناء على الإمام علي وبنيه عليهم السلام، وعقيدتنا أننا نشهد بأن علياً والحسن والحسين عليهم السلام في جنات النعيم، وهذا ظاهر ولله الحمد.
وأشير هنا إلى موقف أهل السنة من النواصب، وبراءة أهل السنة من النصب، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأنها من أسباب الفرقة والاختلاف في الأمة، وتوجد طائفة من المستفيدين والمنتفعين بهذه الفرقة تتحدث بما يشعل الفرقة ويزيدها في كل مناسبة، بل وبدون مناسبة، بكل كلام يذكي وقودها ويشعل نارها، وهذا الكلام من البهتان والزور والكذب المحض.
فتجد المتحدث يتهم أهل السنة بكراهية الإمام علي وبنيه عليهم السلام، ويطلق للسانه العنان في اختلاق الكذب، وأحسن أحواله أن يكرر ويردد الروايات والقصص الخيالية عن بغض أهل السنة للإمام علي عليه السلام.
وأهل السنة يروون الأحاديث الكثيرة في فضائله، فلا تجد كتاباً في الحديث إلا وفيه ذكر فضائل الإمام علي عليه السلام ومناقبه.
أيها القارئ الكريم: كلام أهل السنة في النواصب واضح، وأكتفي بنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، الذي يرى الشيعة أنه أشد علماء السنة عداوة لهم، حيث قد صنف أكبر موسوعة سنية في الرد على الشيعة.
قال رحمه الله: (وكان سب علي ولعنه من البغي الذي استحقت به الطائفة أن يقال لها: الطائفة الباغية؛ كما رواه البخاري في صحيحه عن خالد الحذَّاء عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد واسمعا من حديثه! فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى به ثم أنشأ يحدثنا، حتى إذا أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن).
ورواه مسلم عن أبي سعيد أيضاً قال: (أخبرني من هو خير مني أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمار -حين جعل يحفر الخندق جعل يمسح رأسه ويقول-: بؤس ابن سمية تقتله فئة باغية).
ورواه مسلم أيضاً عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تقتل عماراً الفئة الباغية).
وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته، وأن الداعية إلى طاعته داعٍ إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته داعٍ إلى النار-وإن كان متأولاً- وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أو باغٍ بلا تأويل، وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل علياً، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين([1]).
وتأمل في قوله الآتي:
قال رحمه الله -بعد أن بسط القول في كلام أهل السنة في يزيد، وحرر المسألة، وبين اختلاف الناس فيه- قال ما نصه: (وأما من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)([2]).
فهذا كلام إمام من أئمة السلف؟!!
فهل يمكن بعد ذلك لخطيب أو متعالم أن يطعن في أهل السنة ويقول بأنهم نواصب؟(12/294)
وقفة: أخي المبارك: ربما ثار في نفسك تساؤلات كثيرة حول ما قرأت في هذه الرسالة، وما ثبت تاريخيّاً من وجود قتال في صفين والجمل بين الصحابة رضي الله عنهم؛ إذ إن في كل فريق طائفة منهم، وعامتهم أو أكثرهم مع علي ومن معه من آل بيته عليهم السلام، وهذه تحتاج إلى رسالة خاصة أسأل الله أن يعينني على إخراجها لبيان حقيقةِ تلك القضايا وغيرها.
وأذكر نفسي وإياك بقول الله سبحانه: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) [الحجرات:9] ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات:10].
فأثبت لهم الإيمان مع وجود الاقتتال.. والآية صريحة لا تحتاج إلى تعليق ولا تفسير، فكلهم مؤمنون وإن حصل الاقتتال بينهم.
وكذلك قوله سبحانه: ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)) [البقرة:178] وهذا في قتل العمد.. فالله سبحانه وتعالى أثبت الأخوة الإيمانية بين القاتل وأولياء الدم، فجريمة القاتل الشنيعة -والتي ذكر الله عقوبتها الشديدة- لم تخرجه من دائرة الإيمان، فهو مع أولياء المقتول إخوة، والله يقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات:10].
والموضوع يحتاج إلى رسالة مستقلة -كما سبق ذكره- لعل الله أن ييسر إخراجها قريبا إن شاء الله تعالى.
-----------
([1]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (4/437).
([2]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (4/487).
----------
المصاهرات بين البيت الهاشمي وبين بقية العشرة المبشرين بالجنة
المراجع ... غيرهم ... البيت الهاشمي ... م
المصادر كلها ... عائشة بنت الصديق
حفصة بنت عمر
رملة بنت أبي سفيان ... رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 1
مصادر كثيرة جداً، وسبق النقل منها حديثاً ... عمر بن الخطاب ... أم كلثوم بنت علي ... 2
الأصل في أنساب الطالبيين (ص: 65) لابن الطقطقي
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب (ص:118) لابن عتبة وغيرهما ... عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ... فاطمة بنت الحسين ... 3
كافة المراجع الشيعية والسنية ... العوام بن خويلد، وولدت له الزبير بن العوام قبل الإسلام ... صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام ... 4
منتهى الآمال (ص:341) للشيخ عباس القمي
وتراجم النساء للشيخ محمد حسين الحائري (ص:346) وغيرهما ... تزوجها عبد الله بن الزبير
وبقيت معه حتى مات عنها
وبعد قتله أخذها أخوها زيد معه ... أم الحسن بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ... 5
منتهى الآمال (ص:342) لعباس القمي
وتراجم النساء لمحمد الأعلى (ص:346) وغيرهما ... تزوجها عمرو بن الزبير بن العوام ... رقية بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ... 6
تراجم النساء (ص: 361) لمحمد الأعلى ... تزوج خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير ... الحسين الأصغر بن زين العابدين ... 7
وغير ذلك كثير، وقصة زواج سكينة بنت الحسين من مصعب بن الزبير تكفي شهرتها عن الخوض فيها، والمصاهرات من تتبعها وترجم لها فسيجد ما يملأ مجلدات، فهي كثيرة جداً.
-----------
الخاتمة
الحمد لله الذي منَّ علينا بحب النبي صلى الله عليه وآله الطيبين وأصحابه الأخيار.(12/295)
أيها الحبيب: بعد أن عشنا مع آل رسول الله الأطهار عليهم صلوات الله وسلامه، وأصحابه الأخيار عليهم رضوان الله تعالى، بعد أن عشنا معهم وأدركنا تراحمهم وما بينهم من صلة رحم ومصاهرة، ومودة، وأخوة، وتآلف قلوب، ذكرها الله في القرآن الكريم - علينا أن نجتهد في دعاء رب العالمين أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من الذين قال فيهم في كتابه الكريم بعد أن أثنى على المهاجرين والأنصار، قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، وكما قال زين العابدين عليه السلام: (جاء إلى الإمام نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبرونني؟ أأنتم المهاجرون الأولون: ((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8]؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين: ((تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]؟ قالوا:لا. قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [الحشر:10]. اخرجوا عني، فعل الله بكم. اه) كشف الغمة (2/78) ط. إيران.
إنه مهما ظهرت البينات ووضحت الحجة، فإن الإنسان لا يستغني عن مولاه عز وجل، فمن المعلوم أن الله عز وجل أيّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالمعجزات الباهرة، وبالقرآن الكريم الذي وصفه الله بالنور المبين، ومع حسن خلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقوة بيانه وفصاحته وما هو عليه من حسن مظهر ومخبر، ومعرفة أهل مكة له من طفولته إلى بعثته - ومع ذلك كله بقي كثير من أهل مكة على كفرهم حتى جاء الفتح. فعلينا أن نجتهد في الدعاء وطلب التوفيق والثبات على الحق واتباعه أينما كان؛ لأن الهداية من الله عز وجل.
أخي الكريم: تذكر أنك مطالب بما أمرك الله به، والله محاسبك على ذلك؛ فاحذر أن تقدم كلام أي أحد من البشر على كلام الله سبحانه وتعالى، فقد أنزل لك القرآن بلسان عربي مبين وجعله هدى وشفاء للمؤمنين، وجعله عمى على غيرهم؛ كما قال سبحانه: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44]. فاهتد بهذا القرآن واجعله نصب عينيك، وفقك الله لمرضاته.
أيها المبارك: حساب الخلق كلهم على الله سبحانه وتعالى وليس لبشر ذلك، وإنما لأهل الصلاح الشفاعة بشروطها.. فعلينا أن نبتعد عن التطاول على المولى سبحانه وتعالى والحكم على عباده.
إنه لا يضرنا أن نحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبقية أصحابه رضي الله عنهم بل هو الموافق للقرآن الكريم، والموافق للروايات الصحيحة.. فتأمل.
وفي الختام: علينا أن نجتهد في دعاء المولى سبحانه وتعالى أن ينزع ما في قلوبنا من كراهية لهم وأن يبصرنا بالحق، وأن يعيننا على أنفسنا وعلى الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
==============
فداء وحسن بلاء ..صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقدمة كتاب صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله نحمده سبحانه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد:
فإن الأمة الإسلامية تعيش صحوة مباركة -أسأل الله سبحانه أن يجعل ثمارها يانعة- وهذه الصحوة قد أقضت مضاجع الكفار، فلذلك هم يحاولون منعها من النهوض بشتى الوسائل، فهي لن تنهض إلا بعد أن تصابر الأعداء، وتصبر الصبر كله، وتتقي الله ربها، وحينئذ تنال الأمة الإمامة والقيادة وتكون نهضتها مباركة بإذن الله تعالى.
وإن من أهم ما يكيد به الأعداء هذه الأمة هو استغلال افتراقها وشتاتها، واختلاف شعوبها وقياداتها.(12/296)
ومن أهم أسباب هذه الافتراق وهو وقوده ومادة اشتعاله: ذلك الركام التاريخي الهائل، الذي قد أجاد القصاص فن سبكه وحبكه، وأتقن أصحاب المصالح استغلاله في تحريك العواطف وكسب التأييد، وتحريك الجماهير، وكسب الأموال، حتى أصبح الركام السلّم الذي يرتقونه ليصلوا إلى أهدافهم.
فلذلك ينبغي على المسلمين لا سيما طلبة العلم بيان الحق والذب عنه ودعوة أهل الإيمان إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الفرقة وإفشال خطط الأعداء في تمزيق الأمة وجعل بأسها بينها. ولا يخفى على القارئ الكريم أن الشرارة التي جعل منها القصاصون ناراً هي ما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإسهاماً في تجلية الحقيقة والدعوة إلى الله تعالى كتبت هذه الرسالة للمسلمين عامة رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، مع الحرص على الأدلة العقلية والنقلية لاسيما من القرآن الكريم مع استخدام أسلوب إثارة العواطف والإقناع العقلي لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بذلك. والصواب من توفيق الله وأستغفر الله من تقصيري وكل ذنب وخطيئة.
وأملي في القارئ أن لا ينسانا من الاقتراحات المفيدة، والتوجيهات السديدة.
كتبها:
صالح بن عبد الله الدرويش
القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف
(ص.ب:31911)
الفصل الأول: من مهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
قال تعالى: ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [البقرة:129].
وقال تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة:2].
نصوص صريحة وواضحة الدلالة على التلازم بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام([1])؛ فإن من مهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي لأجلها أُرسل ما ذكره الله عز وجل في هذه الآيات، فهي من الواجبات الشرعية عليه، ومن الحكم البالغة في رسالته.
وقد قام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك خير قيام، فأنقذ اللهُ به الناس من الضلال المبين، وأخرجهم من الشرك والكفر إلى الإيمان والتوحيد.
لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين قومه في مكة وبعثه الله فيهم، وأنت –أيها القارئ الكريم- لا تجد بطناً من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم قرابة، حتى الأنصار!! فإن منهم أخوال عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني النجار، قال الله تعالى: ((رَسُولاً مِنْهُمْ)) [البقرة:129].
ولقد اختار الله للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أشرف نسب، فجعله من ذرية إبراهيم عليه السلام، وبعثه في خير البقاع مكة المكرمة، فهو دعوة أبيه إبراهيم عليهما السلام، وهو سيد ولد آدم عليه السلام ولا فخر، وصاحب المقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة الكبرى يوم القيامة، والمنزلة الرفيعة، فهو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير البشر، وإمام المرسلين أجمعين باتفاق الأمة ولله الحمد والمنة.
ومن كمال نعمة الله على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن اختار له خير الأصحاب فهماً ورجولة وشجاعة، ولا غرو في ذلك؛ فهم أقاربه وعشيرته، وخير الناس نسباًَ، وأكرم الناس خُلقاً، وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ([2]).
ولا يخفى عليك أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، فبنو هاشم الذين فازوا بالشرف وعلو المنزلة باصطفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم، فهم أصحاب الشِّعْب الذين حوصروا فيه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين حرِّمت عليهم الصدقة، ومنهم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ([3]) ومنهم اختار الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً للعالمين.
أخي القارئ الكريم: تأمل وتدبر!
قال الله تعالى: ((وَيُزَكِّيهِمْ)) [البقرة:129] وقد قام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتربيتهم وتزكيتهم؛ فهل يعقل الطعنُ فيهم؟؟
أخي! تأمل في تقديم التزكية على التعليم؛ فإن فيه لفتة لغوية لها دلالاتها.
وقال الله تعالى: ((وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) [البقرة:129] وقد فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الواجب عليه، فهل يمكن لعاقلٍ منصفٍ يخاف الله أن يصف طلاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجهل؟!(12/297)
أيها القارئ الكريم: لا تعجل! وقف مع الآيات وتدبر في معانيها: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة:2] وتأمل في الآية بعدها: ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)) [الجمعة:4] فصحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نعمة كبرى وفضل من الله تعالى، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبها فاز الصحابة رضي الله عنهم، وسبقوا غيرهم.
إنه الترابط بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام الذين عاش بينهم ومعهم، وفي مقدمتهم أهل بيته الأطهار، وزوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. يفرح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجلوس معهم، ويأنس بهم، فهم جنده ووزراؤه، وطلابه الذين أخذوا العلم عنه، وهم من بينهم عاش وعندهم مات صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الذين يحبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبه يقتدون، يعتقدون بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أدى الأمانة وبلغ الرسالة وقام بما أمره الله به، ومن ذلك أنه علَّم أصحابه العلم وزكاهم، فهم الذين أخذوا القرآن والسنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وعنهم أخذ التابعون؛ فالحكم بعدالتهم من الدين، ومن الشهادة بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قام بما أمره الله به، والطعن فيهم يعني الطعن بإمامهم وقائدهم ومعلمهم سيد المرسلين.
فكِّر وتأمَّل!! إن القضية فيها تلازم لا محالة؛ لذا فإن تخطئة الناقد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيه اللوم إليه أو إلى الناقل هو عين الصواب باتفاق العقلاء وإليك شرح ذلك باختصار.
-------------
([1]) القول المختار في الصحابي: أنه من آمن بالنبي وصَحِبَه ولو فترة من الزمن ومات على ذلك، ولطول الصحبة أثر في المنزلة.
([2]) البخاري: (6/298)، ومسلم برقم: (2526) باب خيار الناس.
([3]) سيأتي بيان المراد بآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفضلهم في الرسالة القادمة – إن شاء الله -.
----------
تأملات
لا تعجل أيها القارئ الكريم وتأمل معي: إذا خلوت بنفسك أو مع من تثق بعقله فتفكر وتأمل؛ فإن هذا من الدين، قال الله تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)) [سبأ:46].
أرأيتم لو أن رئيساً أو رمزاً لبلد أو لقومية من القوميات جاء من أتباعه الذين ينسبون أنفسهم إليه من يزعم أو يقرر أن هذا الزعيم أحاط به ناسٌ من الانتهازيين، لا بل من الخونة، ممن يحارب فكره، وهؤلاء الخونة هم أقرب الناس إليه وهم خاصته، وأهل مشورته وبيته، وبينه وبينهم نسبٌ وصهر ورحم، بل إنهم هم الذين حملوا فكره ونشروه.
تأمل وفكر ولا تعجل في الجواب: ماذا تقول لو أن ذلك الإمام والرمز مدح أصحابه وأثنى عليهم، وذم من يقدح فيهم أو يقلل من شأنهم؟؟
هل يوجد حاكم له سلطان يُسبّ مستشاروه ووزراؤه ويوصفون بأنهم خونة وأنهم... وأنهم... وهو راض بذلك؟؟
تأمل وفكر!!
ماذا تقول في عالم بذل كل جهده وعلمه لتعليم طلابه الذين صحبوه وعاشوا معه في السراء والضراء، وتركوا الأهل والوطن والمال؛ لأجل صحبته وملازمته، والأخذ عنه، والتأسي به، ثم جاء الجيلُ الذي بعدهم وطعن في هؤلاء الطلاب ووصفهم بالجهل وكتم العلم؟؟
ماذا يُقال عن هذا المعلم؟! وبم يوصف مَن هؤلاء طلابه الذين بذل جهده معهم؟؟
هل العيب فيه؟
أو العيب في الطلاب الذين تركوا أولادهم وأموالهم وديارهم؛ لأجل صحبة المعلم والأخذ عنه والتأسي به، الذين محبته عندهم فوق محبة الأولاد والأهل والمال والوطن ودليل ذلك فعلهم في هجرتهم إليه؟
أو العيب في الناقد الذي طعن في هؤلاء الطلاب ولم يَدر في خلده أن الطعن قد يشمل المعلم، أو يرجع إليه هو، أي: إلى الطاعن الناقد؟
تأمل وفكر في حال المعلم والطلاب والناقد!!
أخي القارئ الكريم:
تأمل في حال إمام أهل التربية والتوجيه -وهو القدوة بين الأنام- وصحبه وأتباعه ومؤيديه، لقد عاشوا معه السراء والضراء، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، عصفت المحن بهم معه، وبلغت غايتها، حتى بلغت القلوب الحناجر، وهم معه لم يتخلوا عنه، ولم يتركوه وكانوا به يقتدون.
لقد أخذوا أقواله من فمه مباشرة، وعاشوا الدقائق والثواني بكنفه، لم يفرطوا في مجالسه وأنفاسه، بل يتسابقون إلى شَعَره وبصاقه. لقد تولى المربي بنفسه توجيههم وتربيتهم، تارة يخاطب الجميع، وأحياناً يخص بعضهم بالموعظة، فتجده ينبه المخطئ إذا أخطأ، ويشكر المحسن إذا أحسن، بذل طاقته، واستفرغ جهده ووقته في تربيتهم، فلم يترك شيئاً فيه مصلحة ونفع لهم إلا فعله وحثهم عليه، ولا ترك شيئا فيه مضرة لهم إلا حذرهم منه.(12/298)
إن القلم يعجز عن وصف حال المربي مع أصحابه ومحبيه وأتباعه الذين بين يديه، فهم بأمره يعملون وبه يقتدون، يشاهدون تصرفاته وأفعاله، ويسمعون أقواله وتوجيهاته، لقد أخذوا من المنبع الصافي من غير واسطة ولا كدر.
فهل يعقل بعد ذلك وصف هؤلاء بأنهم نكصوا على أعقابهم إلا النادر منهم؟؟ أي: الغالبية لم تنتفع بالتربية والتوجيه!! إذاً: كل ذلك الجهد ذهب سدى، حتى إنهم باعوا دينهم لأجل مال، من أخذه؟؟ ومن الذي دفعه؟؟
تقول: لا. بل لأجل جاه وشرف. أين ذلك الجاه والشرف؟!! هل يعادل شرف صحبة الإمام وخدمته؟ لماذا نكصوا؟ لا أدري.
المهم: أن الناقد يطعن في عدالتهم وتقواهم، فأقل ما يصف به الطاعنُ هؤلاء الذين تربوا على يد الإمام القدوة هو أنهم ضعاف الإيمان، هذا هو أضعف وصف!!
قل لي بربك: العيب في الإمام المربي أم في الذين بذل جهده في تربيتهم وتعليمهم وتزكيتهم الذين مَدَحَهم و...؟ أم العيب في الناقد الطاعن؟؟
لا تتعجل في الجواب.
فكر وتأمل!!
فكر في جهادهم مع الإمام المجاهد، وصبرهم معه، وبذلهم أموالهم، بل محاربة أقرب الناس إليهم لأجل إعلاء كلمة الله، وميدان الجهاد من أوسع ميادين التربية العملية، وهم شاركوا الإمام في كل ميادين الجهاد: جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد الدعوة، بل إنهم في كل أوجه الخير تسابقوا. فهل بعد أن فازوا ونالوا مرتبة الرضا ورضي الله عنهم بعدها رجعوا؟!! يا سبحان الله!!
أخي الكريم: لا تعجل! اصبر معي قليلاً، وبعد التأمل احكم، وتذكر أن من معروفك أن ترسل إليَّ كل ما يخطر ببالك من ملاحظات، فأنا مستعد للرجوع والزيادة والحذف في الطبعات القادمة إن شاء الله، والآن واصل معي القراءة في تأمل واحكم بعد ذلك.
أنت تتفق معي بأن الإمام القائد، القدوة، المعلم، المربي، لا يمكن أن يُتهم بتقصير أو بما هو دون ذلك، وإذا جعلنا العيب والخلل والضعف في الأتباع وأن عامتهم قد خانوا ولم يستفيدوا... إلى آخر الطعن الموجه إليهم فلا شك أن ذلك يؤثر على الإمام لا سيما إذا قلنا بأن الخونة والجهال هم خاصة الإمام ومن يجلس معهم، وهم الذين أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، فهم الأهل والمستشارون.
وإذا جعلنا العيب في ناقل النقد- الواسطة في النقل ما يسميه العلماء "السند"- أو ذات الطاعن الذي تكلم وطعن فإن هذا هو عين الصواب، وإليك المثال وبعده يتضح المراد.
من المتفق عليه بين المؤرخين أن الإمام علياً رضي الله عنه خرج عليه طائفة من جنده أصبح مصطلح الخوارج علَماً عليهم، وبعد مناظرات ومناقشات نفذ صبر الإمام رضي الله عنه لما اعتدوا على المسلمين الآمنين وقتلوا عبد الله بن خباب، فقام الإمام بعدها بمحاربتهم.
فهل يسوغ لعاقل أن يتهم الإمام علياً بسبب هذه الفئة من جنده، أو يطعن في أصحاب الإمام الذين بايعوه على الخلافة ثم شاركوا معه في القتال؟!
وهل يمكن أن يقال: إن بأن عامة الذين بايعوا الإمام كفار، أو فسقة أو جهال، أو خانوا الإمام بعد وفاته، وغير ذلك من الأوصاف؛ لأجل فئة من الناس قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجهم وعلامتهم وبيَّن أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؟!
أخي القارئ:
تتفق معي بأن توجيه النقد إلى الإمام علي رضي الله عنه لا يمكن، وكذلك توجيه الاتهام إلى الذين بايعوه انحراف عن الصواب وبدعة شنيعة يخشى على صاحبها، بل بيعة الإمام متفق على صحتها فلا جدال في ذلك، ومن انتقد الإمام أو الذين بايعوه فإن النقد يرجع عليه وتخطئته هي عين الصواب، وإذا هِبت نقد القائل لسمعته ولشهرته فعليك أن تنظر في السند، فقد يُنسب نقد الإمام إلى إمام من أئمة الإسلام من باب البهتان والزور، وهذا في غاية الوضوح.
فكر معي وتأمل:
أعتقد أنك تتفق معي فيما قررته سابقاً من أن النقد لا يمكن أن يوجه إلى الإمام علي رضي الله عنه ولا إلى الذين بايعوه وناصروه، بل يوجه إلى الناقد أو الناقل عنه.
هل لك اعتراض على ذلك؟ ما هو؟ نعم. تتفق معي. هذه هي النتيجة الصحيحة أليس كذلك؟
مما لا جدال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي رضي الله عنه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الأصحاب، وآله صلى الله عليه وآله وسلم خير آل، وما قيل فيما مضى يقال هنا، بل هنا أولى وأولى.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المعلم، وصحبه الكرام هم الطلاب الذين تعلموا على يديه، وفي مقدمتهم آل الرسول عليهم السلام.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو القائد، وصحبه الكرام هم الجند الذين بذلوا أنفسهم بين يديه وفي مقدمتهم آل الرسول عليهم السلام.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المربي، وصحبه الكرام هم الجيل الذي تولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه تربيته وفي مقدمته ذريته وأهل بيته عليهم السلام.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الحاكم، وخاصته من المستشارين والوزراء من أصحابه الكرام لا سيما الأصهار والأرحام.(12/299)
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلغ رسالة ربه، وصحبه الكرام هم الذين حملوها عنه وفي مقدمتهم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إنه التلازم والترابط بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الكرام، لا ينفك أحدهما عن الآخر وفي مقدمتهم أهل بيته عليهم السلام. وتوجيه اللوم والتقصير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر باتفاق الأمة.
-------------
حقائق
تأمل وفكر قبل أن تحكم! لماذا يحرص أهل السنة جميعاً على عدالة الصحابة والتشديد في هذه القضية؟
سل نفسك وفكر في الجواب، وإليك بعض الخطوط العريضة في المسألة تفيدك في معرفة الجواب:
الطعن في صحابة رسول صلى الله عليه وآله وسلم يفتح الباب على مصراعيه لأعداء الإسلام؛ لماذا؟
أقول: أولاً: إذا تم الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن توجيه سهام النقد إلى غيرهم والتشهير بهم سيكون من باب أولى؛ وذلك لما يأتي:
أ - الصحابة رضي الله عنهم أنزل الله في فضلهم آيات تتلى إلى يوم القيامة.
ب - مدحهم المصطفى عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة.
جـ - التلازم والتلاحم بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام لا انفكاك منه، فهو المربي والمعلم والقائد لهم..... و.... و.. كما سبق بيانه.
د - لأن المتفق عليه بين الفرق الإسلامية أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم وهو إمام المرسلين والأئمة المصلحين، فإذا لم يقم عليه الصلاة والسلام بتربية فئة تحمل أعباء هذا الدين وتتمثله سلوكاً وعملاً واعتقاداً، فإن غيره لن يستطيع القيام بهذا مهما كانت منزلته.
هـ - شهد التاريخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قادة الفتح الإسلامي، وأنهم الذين حملوا لواء الإسلام ونشروه، وأنهم من ضربوا أروع الأمثلة في حسن الخلق وقوة الإيمان. وغير ذلك من الأسباب التي تجعل منزلة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوق منزلة جميع أصحاب الرسل والأئمة عليهم السلام.
فهذه المميزات وغيرها كثير اختص بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون سائر المسلمين؛ ففتح باب الطعن فيهم فتح لباب الطعن في المسلمين وأئمتهم من باب أولى.
ثانياً: من خلال الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين يتم لأعداء الدين الطعن في القرآن الكريم: أين التواتر في تبليغه؟ أين الأمانة والعدالة في حملة القرآن؟
ثالثاً: الطعن في الصحابة هو الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المطهرة وسيرته الشريفة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا السنة والسيرة.
رابعاً: يجد الأعداء ميداناً خصباً للقول بأن الإسلام مبادئ ومُثُل لم يتم تطبيقها ويستحيل الالتزام بها؛ لأن الذين شهدوا تنزيل القرآن، ورباهم سيد الأنام نكص أكثرهم على أعقابهم.
خامساً: يتم بالطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشويه أمجاد الإسلام وحضارته.
وغير ذلك من الأسباب التي يطول ذكرها وهي تعينك على الجواب.
ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم ارزقنا صفاء القلوب ومحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار وصحبه الأخيار أجمعين يا أرحم الراحمين.
-------------
خاتمة الفصل الأول
أخي الكريم:
اعلم بأن هذه المسألة في غاية الأهمية، والاختلاف فيها من أهم أسباب افتراق الأمة، وهي مع بساطتها ووضوح الحجة العقلية والنقلية فيها قد خالف فيها طوائف وفرق، فتجد طائفة تكفِّر الإمام علياً رضي الله عنه ومن معه نسأل الله العافية.
ونجد آخرين يكفرون عامة الصحابة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتجد من يقف في المسألة حائراً مع أن المسألة في غاية البيان كما لا يخفى عليك.
إن الطعن في الصحابة طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو المربي والمعلم والقائد لهم كما سبق بيانه؛ لذا تجب محبتهم، والشهادة بعدالتهم؛ لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكفى بذلك شرفاً وفخراً. اللهم ارزقنا محبتهم، والثناء عليهم يا أرحم الراحمين.
أخي الكريم:
الحذر الحذر أن يصدك عن الحق ما عليه الناس، أين عقلك! أين شخصيتك وفكرك؟ إياك أن تقل: أبناء الطائفة أو الأهل أو العلماء لهم رأي وأنا تبع لهم!!
فأنت ستدخل القبر فرداً، ويوم القيامة ستسأل عن نفسك.
فكر وتأمل!! واسأل ربك الهداية وأنت صادق في الدعاء، وتذكر منزلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند الله، ومنزلة الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم تقتنع بما مضى فعليك التأمل في الأدلة التالية، والله الهادي إلى سواء السبيل.
-------------
الفصل الثاني: بعض المواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام
مطلب في ذكر الأدلة:(12/300)
أخي الكريم: إن الدارس للقرآن الكريم يجد آيات كثيرة أُنزلت في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيها تفصيل للمواقف التي عاشها وأحكامها، وما يتعلق بها، فهل عاش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حياته منفرداً؟
لا خلاف بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عاش بين أصحابه وأهل بيته الكرام رضي الله عنهم ؛ لذا فإن الآيات التي أنزلت فيهم كثيرة جداً، وإليك عرض سريع لبعض المواقف وما أُنزل فيها من آيات؛ لكي تدرك مدى الترابط بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام، وفضل تلك الصحبة، والفضل الذي لا حد له لمن عاش تلك المواقف مع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
--------------
غزوة بدر:
أنزل الله عز وجل في أحداثها سورة الأنفال، وقد تضمنت هذه السورة آيات كثيرة تدل على ما ذكرناه، نقف مع ثلاث آيات منها.
قال الله تعالى: ((إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)) [الأنفال:11].
تأمل في الآية وتدبر معانيها، فكر في معنى التطهير وإذهاب رجس الشيطان، أما الآية التي بعدها فقد شهد الله لهم فيها بالإيمان، قال تعالى: ((فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)) [الأنفال:12] لذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)([1]).
فائدة مهمة: أجمع كل من كتب في السيرة من الذين يشهدون بأن محمداً رسول الله وغيرهم أجمعوا على أن النفاق قد حصل بعد موقعة بدر ولم يكن قبلها نفاق فتنبه لهذا.
أخي القارئ الكريم:
قف وأمعن النظر وتأمل في آخر السورة، فالله سبحانه حكم بأن المهاجرين والأنصار بعضهم أولياء بعض، وفكر في دلالات قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:74] ((وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [الأنفال:75] الله أكبر! هنيئاً لهم، إي وربي! إنها والله الشهادة من المولى سبحانه للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بالإيمان، وتأمل في قوله: (حقاً) فهي للتأكيد، ثم قال سبحانه: ((لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:74] فهل لمؤمن أن يطعن فيهم مع هذه الشهادة والتأكيدات؟
-------------
([1]) البخاري: (7/140)، كتاب المغازي. باب فتح مكة وباب فضل من شهد بدراً وغير ذلك. ومسلم رقم: (2494) من فضائل بدر.
------------
غزوة أحد:
في أحداثها وما يتعلق بها أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه ستين آية من سورة آل عمران، وما تضمنته السورة من الثناء على الصحابة يستحق دراسة موسعة مفردة.
فمن أول آية تجد الترابط بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجنده، والشهادة لهم من الله تعالى بالإيمان، قال الله تعالى: ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [آل عمران:121] ثم تمضي الآيات وفيها بيان لما حصل، حتى في آية العتاب التي فيها ذكر أسباب الهزيمة تجد قوله سبحانه: ((عَفَا عَنْكُمْ)) [آل عمران:152] العفو من الله لهم، وتأمل في وصف حالهم بعد نهاية المعركة، بل النصر المبين الذي حصل لهم، وهروب قريش منهم، بفضل الله، ورجوع المؤمنين قال الله تعالى: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران:173] ((فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) [آل عمران:174] فهذه شهادة من المولى لهم بزيادة الإيمان، وأنهم اتبعوا رضوان الله، ولا يخفى عليك أن جميع الذين شهدوا غزوة أحد ساروا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى حمراء الأسد([1])، فهم الذين نزلت فيهم الآيات. ثم تأمل فيما ذكره الله في ختام الآية مما يدل على سعة رحمة الله.
--------------(12/301)
([1]) موقع بعد المدينة بعدة أميال على طريق مكة، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلغه أن قريشاً بعد انصرافهم من أحد أجمعوا الرجوع إلى المدينة مرة أخرى، فنادى منادي الجهاد، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا يخرج إلا من شهد الوقعة، فخرج الصحابة رضي الله عنه مع جراحهم وآلامهم ولم يخرج معهم أَحد من الذين تخلفوا عن أُحد إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقد ذكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عذره في عدم شهود أحد، فأذن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم له بالخروج معهم.
------------
غزوة الخندق:
نزلت فيها آيات من سورة الأحزاب، ومع قصرها إلا أن فيها تصويراً بليغاً للترابط بين الصحابة رضي الله عنهم مع الوصف الدقيق لحالتهم النفسية، وما أصابهم من جهدٍ وجوع وخوف، وحرصهم على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أخي القارئ: تأمل في الآية التاسعة من سورة الأحزاب التي نادى الله فيها المؤمنين مذكراً أنهم نعمته عليهم في تلك المواقف: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا)) [الأحزاب:9] الآيات.
ثم ذكر المولى نعمته عليهم مرة أخرى بكف يد العدو عنهم وشهد لهم بالإيمان بقوله سبحانه: ((وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)) [الأحزاب:25] ثم ذكر الله آيتين فيهما بيان لما حصل لبني قريظة القبيلة اليهودية المشهورة.
فتأمل في الآيات واتلها بتدبرٍ وقف عند قوله تعالى: ((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)) [الأحزاب:22] وفضل الله سبحانه وتعالى واسع لا يمكن أن يقال بأن هذا خاص بأفراد مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
من هم الذين قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله؟ ومن هم الذين حفروا الخندق مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ثم تأمل في شهادة المولى لهم بالإيمان وزيادته، وكذلك فضل الله عليهم في الدنيا الذي ذكره الله في هذه السورة.
من هم الذين ورثوا بني قريظة؟ ومن هم الذين حاربوا اليهود؟
قال الله تعالى: ((وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)) [الأحزاب:27].
فبعد أن ذكر الله فضله على المؤمنين بفتح حصون اليهود وإنزال الرعب في قلوب اليهود، وقتل اليهود وأسرهم - هلا قمت بتلاوة الآيات من أول القصة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً)) [الأحزاب:9] حتى النهاية ((وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)) [الأحزاب:27].
أخي: تدبر معانيها وعش في ظلالها وتأمل التلاحم والترابط بين القائد وجنده والخطاب من الله لهم جميعاً.
--------------
صلح الحديبية:
أيها القارئ الكريم: لا يخفى عليك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رؤيا ذكرها الله في سورة الفتح: ((لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)) [الفتح:27] إلى آخر الآية. ورؤى الأنبياء عليهم السلام حق كما تعلم، فكانت هذه بشارة للمؤمنين بعد البلاء الشديد الذي أصابهم في غزوة الخندق.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بها ونادى بالمسير إلى مكة للعمرة، فسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسابقين من المهاجرين والأنصار وعددهم ألف وأربعمائة مقاتل.
وقد تخلف كثير من الأعراب عن المشاركة ولم يشارك من المنافقين إلا رجل واحد.
فكر وتأمل في الحكمة!!
سار الركب الراشد، وجنبات البيداء تردد معهم صدى التكبير والتهليل.
وقامت قريش بالاستعداد لمنعهم من دخول مكة. وفي الحديبية حصلت البيعة.
لقد بايع الركب الراشد المهاجرون والأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصبر وعدم الفرار. وهذه هي بيعة الرضوان.
الاشتياق إلى مكة يفوق الوصف.. البشارة عندهم بدخولها، ولكن محبتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والحرص على طاعته والتأسي به والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله - هي سمة ذلك الجيل. فأكرمهم الله سبحانه وتعالى بما أنزل فيهم من آيات.(12/302)
أيها القارئ الكريم: تأمل وأنت تتلو سورة الفتح وتدبّر في معانيها، قال الله عز وجل: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)) [الفتح:1] ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)) [الفتح:2] ((وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً)) [الفتح:3] يذكر الله سبحانه فضله على الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يبين المولى عز وجل فضله على الصحابة الكرام وما حصل لهم من السكينة التي أثمرتْ زيادةَ الإيمان.
ثم يذكر المولى سبحانه وتعالى بيعة الرضوان، قال الله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
إنها حقيقة يعجز الإنسان عن وصفها مهما أوتي من بلاغة وفصاحة.
رب العالمين سبحانه وتعالى رحم هذه الفئة المؤمنة وأوحى إلى سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم بما حصل منها وذكر أدق الأوصاف وأخفى الأسرار: ((مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:18].
إن الصحابة قد بلغوا الغاية في الصدق والإخلاص وطلب رضوان المولى؛ فنالوا الفوز المبين رضي الله عنهم، كل فرد منهم بايع تحت الشجرة -مكان البيعة- يعلم بأنه داخل في الخطاب، فهو يمشي على الأرض وهو يعلم بأنه نال الشرف والسعادة، والغنائم في الدنيا، والفوز المبين في الآخرة.
تأمل في الآيات! وقل معي: كيف يسوغ لعاقل أن يتكلم فيهم؟!
أو يقول: إن الله عز وجل بدا له السخط بعد الرضا؟ يا سبحان الله!
ولا أطيل في النقاش، بل أكتفي بالرد على هذه التأويلات بآية من كتاب الله، فتأمل في الآية وتدبر في معانيها، وهي في غاية الوضوح والبيان، وفيها شفاء لما في الصدور، والطاعنون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حاروا فيها، وعجز خيالهم -نعم حتى الخيال- عن الرد على الآية أو وضع تأويل لها، وارتد خاسئاً وهو حسير، فلم أقف لهم على قول فيها.
ولكن المراء والجدال، واتباع الهوى منع الناس من إتباع الحق.
وإليك الآية، قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100] فتأمل فيها، وفي العموم في قوله سبحانه: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ)) [التوبة:100] منهم؟
جاء البيان بقوله سبحانه: ((مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] فالذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين نصروا هم السابقون بنص القرآن، فلا يمكن الرد أو التأويل. فكن من الصنف الثالث تفز يا عبد الله: ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)) [التوبة:100] فإن الصحابة أئمة يقتدى بهم رضي الله عنهم ([1]).
وتأمل في التأكيدات والمبشرات: ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [التوبة:100] وقوله:
((وَأَعَدَّ)) [التوبة:100] بصيغة الماضي، والتمليك ((لَهُمْ)) [التوبة:100] والخلود والتأبيد ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)) [التوبة:100].
وتأمل في ذكر الأعراب والمنافقين في سياق الآيات.
فلا يمكن لمن يقرأ الآية وهو يؤمن بأن القرآن كلام الله ويفهم لغة العرب - إلا التسليم بفضل الصحابة.
أيها القارئ الكريم: اسمح لي بالإطالة اليسيرة عند قوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29] نعم ورد ذكر الصحابة في التوراة والإنجيل وبيان خصالهم الحميدة، وصفاتهم التي تميزوا بها.(12/303)
محمد صلى الله عليه وآله وسلم إمام المرسلين، وأصحابه هم خير الأصحاب ((وَالَّذِينَ مَعَهُ)) [الفتح:29] حقيقة الموالاة، والإخاء، والتآلف معه في السراء والضراء ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)) [الفتح:29] من الآباء والأهل والعشيرة وذلك لله. وهم ((رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29] والدارس للسيرة يُدرك ما وصلوا إليه من محبة وإخاء في الدين، والتطبيق العملي للرحمة بينهم لا حصر له من: إيثار على النفس: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9] وموالاة صادقة: ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [الأنفال:72] وقال تعالى: ((بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)) [التوبة:67] بهذا وصفهم الله سبحانه وتعالى، والواجب الأخذ بما ورد في القرآن في وصفهم: ((رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) فإن الموالاة بينهم والتراحم هو الأصل؛ لأن الله سبحانه وصفهم به فعلينا الأخذ به وترك ما ذكره أصحاب الأساطير التاريخية، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فنحن عندنا آيات محكمات ويقابلها روايات الله أعلم بسندها، ومتنها مضاد للقرآن، فتأمل في الآيات وفيما تعتقد: هل هو مطابق للقرآن أم أنك متأثر بالأساطير التاريخية؟
والصحابة هم أصحاب العبادة وهي سمتهم، فهم كما قال الله تعالى: ((تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً)) وهذا الوصف فيه تكريم لهم، حيث ذكر أهم حالات العبادة: الركوع والسجود، والتعبير يشعرك كأنما هذه هيئتهم الدائمة، وهي كذلك؛ لأن محبة الركوع والسجود مستقرة في قلوبهم، فقلوبهم معلقة بالمساجد، فكأنهم يقضون زمانهم كله ركعاً سجدا، والدليل على ذلك قوله سبحانه في الثناء على قلوبهم وصدق نياتهم، حيث قال: ((يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) هذه مشاعرهم ودوافعهم ورغباتهم، فكل ما يشغل بالهم هو طلب فضل الله ورضوانه.
فليس للدنيا في قلوبهم محل، وهذه رغبة ظهرت آثارها على محياهم، فلا كبر ولا خيلاء، ولا غرور، بل التواضع والخضوع، والخشوع لله سبحانه وتعالى، وإشراق نور الإيمان على سيماهم، وليس المراد ما قد يتبادر إلى الذهن أن المراد العلامة في الجبهة التي تكون من أثر السجود، وليس ثمة مانع من دخولها([2])، فقد ذكرها بعض السلف.
تأمل: هذه صفاتهم عند اليهود في التوراة. ومقابل هذه الصفات ورد في الإنجيل صفاتهم عند النصارى، فهم أقوياء أشداء، مثل الزرع ينبت ضعيفاً ثم ينمو ويشتد.
من المراد بالزرع؟ ومن هو الزارع؟ ومن هم الذين يسوءهم حال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعلهم؟ ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)).
وقد أكد الله المغفرة لهم وأن لهم أجراً عظيماً بقوله سبحانه: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) و(مِن) في قوله: ((منهم)) لبيان الجنس كقوله: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) [الحج:30] فتأمل ذلك.
تأمل وفكر: انظر إلى هذه الصور الفريدة في بيان واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام، فهذا مثلهم في التوراة والإنجيل، وقد جاء ليقرر أنهم رحماء بينهم.
وتقرير الموالاة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام حقيقة جاء توكيدها في القرآن في آيات كثيرة كما سبق بيانه، وهي من أعظم نعم الله على الصحابة، قال تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)) [الحجرات:7] وهذه السورة فيها أدلة كثيرة على فضل الصحابة وستأتي إشارة إلى ذلك.
------------
([1]) ودليل اتباعهم بإحسان ما ورد في قوله تعالى: (وَالّذِينَ جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَنِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالايماَنِ...) الآية. فعليك بالدعاء لهم. والخلاف في حجية قول الصحابي وفعله من المسائل الأصولية المشهورة وليس هنا محل بسطها.
([2]) انظر: تفسير ابن جرير وغيره للآية.
---------------
استقبال الوفود:
سورة الحجرات فيها آيات في غاية الوضوح على فضل الصحابة، وقد اشتملت السورة على كليات في الاعتقاد والشريعة، وحقائق الوجود الإنساني، وفيها بيان لمعالم المجتمع المسلم وتقرير الأخوة الإيمانية ومحاربة كل ما يضادها ويضعف كيانها.
ونقف وقفتين مختصرتين مع الآيات التي تخص بحثنا:
أولاً: الآداب التي ينبغي التأدب بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان ما عليه الأعراب.
تبدأ السورة بمناداة المؤمنين بوصفهم لأجل التسليم لأمر الله ورسوله وعدم التقدم بين يديه، بل عليهم الرضا والتسليم وعدم التعجل في الاقتراحات على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم ألا يقولوا في أمرٍ قبل بيان الله سبحانه وتعالى، ومن باب أولى ألا يفعلوا.(12/304)
وانظر إلى الأدب الرفيع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية الكلام وعدم رفع الصوت، وتأمل في التفريق بين توجيه المولى سبحانه وتعالى للصحابة وما ذكره عز وجل عن الأعراب وهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وهذه لها دلالات من أهمها: اختلاف منازل الصحابة رضي الله عنهم.
فتأمل وتدبر:
ففي الآيات صور حية من واقع حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه الكرام.
ثانياً: ما تضمنته الآيات من فضل الصحابة، ففيها النص الصريح على النعمة الكبرى، وهي وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)) [الحجرات:7] ماذا يعني ذلك؟ إن الوحي ينزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو معهم، وهذا اتصال بين الخلق -هذه الفئة المؤمنة- مع الخالق رب العالمين سبحانه وتعالى بواسطة الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.
يأتيهم خبرهم وما هم عليه، حتى ما في قلوبهم، والفصل في النوازل التي تنزل بهم والحكم فيها.
حتى القضايا الفردية: ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)) [المجادلة:1] ورضي الله عن أم أيمن لما بكت على انقطاع الوحي وبكى من عندها من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القصة المشهورة لما زارها الصديق ومن معه تأسياً بزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها.
ثم تأمل وفكر في الآية: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)) [الحجرات:7] ففضلٌ من الله أن جعل الإيمان في قلوبهم راسخاً فطرياً، وجعل محبتهم له أشد من محبتهم للشهوات، وتأمل في التأكيد: ((وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)) [الحجرات:7] ثم ذكرُ ما يضاده وينقص منه: ((وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)) [الحجرات:7].
إذاً: لقد فطر الله الصحابة رضوان الله عليهم على كراهية كل ما ينقص الإيمان، الله أكبر! تأمل في الآية وختامها: ((أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ)) [الحجرات:7] فهذا فضل الله على هذه الفئة: أن اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهداهم للإيمان وزيّنه في قلوبهم، وجعلهم أهلاً لصحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهم يكرهون الكفر والفسوق والعصيان؛ ولحكمة بالغة جاء النص مشتملاً على الأسماء الثلاثة: الكفر.. الفسوق.. العصيان، فلم يترك شيئاً.
وصدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصفهم: (إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه).
فهذه آية لها دلالات على فضل الصحابة وعدالتهم واستحقاقهم لهذا الفضل وما لهم من فضل عند الله عز وجل.
وتأمل في قول المولى: ((أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ)) [الحجرات:7] حيث عقب المولى على ذلك بقوله سبحانه: ((فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) [الحجرات:8] فصحبة الرسول نعمة من الله تفضّل الله بها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو العليم الحكيم، ومن حكمته سبحانه أن اختار محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً، وجعله خير الرسل عليهم السلام وكذلك اختار له أصحاباً وجعلهم خير الصحب رضي الله عنهم أجمعين، فمنزلة الصحابة؛ لأجل الصحبة ولأجل قيامهم بحقوقها.
-------------
غزوة تبوك:
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة التوبة في أحداث الغزوة وما قبلها وما بعدها، وهي من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففيها تفصيلات جليلة للمجتمع النبوي.
ودراستها مهمة جداً؛ لأنها نزلت بعد فتح مكة، ففيها بيان لواقع المجتمع المسلم، وهذا الذي يهمنا في هذه الدراسة، فهو صلب الموضوع، فعليك أن تتأمل وأنت تتلو آيات السورة.
تجد –أيها القارئ الكريم- ذكر أحوال المنافقين بالتفصيل، وبيان صفاتهم وحالهم وأن من أهل المدينة مَن مردوا على النفاق، وأنهم تخلفوا عن الخروج ولم يشاركوا في النفقات، بل لمزوا المطوعين من المؤمنين، وأنهم أصحاب مصالح، ويبادرون للحلف، ويتمسكون بأدنى شبهة ويجعلونها حجة لهم، فهل منهم العشرة المبشرون بالجنة أو غيرهم من السابقين؟
أخي الكريم:(12/305)
تأمل في صفات المنافقين وانظر فيما ذكره الله عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعليك أن تفرح بما ذكره الله سبحانه وتعالى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنت تجد في السورة ذكر الأعراب وأنهم ليسوا سواء، بل منهم كما قال الله تعالى: ((وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [التوبة:98] فهذا صنف من الأعراب عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الصنف الآخر: ((وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:99].
وفي الآيات تجد ذكر الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشاركوا في جيش العسرة، من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
التفصيلات واضحة ودقيقة، وفيها بيان لواقع المجتمع، ولا تجد ذكر المهاجرين والأنصار إلا بخير، وذلك في القرآن كله، وتجد البشارة الناصعة في الآيات المحكمة التي شملت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام في نسق واحد، إنه التلازم بين الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وبين أصحابه، اقرأ وتأمل: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:117].
وهذه لجميع المهاجرين والأنصار، فتأمل في التوبة عليهم أول الآية ثم في وسطها، ثم تأمل في قوله سبحانه وتعالى بعد ذلك: ((إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:117] فما بالك بقوم تولاهم الله برحمته، فهو بهم رءوف رحيم؟!
وقد جاء في الآية التي قبلها ذكر مزايا وخصائص للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وفيها لطائف كثيرة سبق الإشارة إلى بعضها.
السؤال: من هم السابقون؟
كل من صلى القبلتين فهو من السابقين، وقال آخرون: كل من بايع تحت الشجرة فهو من السابقين، وعلى كل حال فإن الآية تدل على أن الصحابة رضي الله عنهم طبقات، ولكل طبقة منزلة ومكانة، فخير الصحابة هم السابقون الأولون، وهم أصحاب بدر وأحد والخندق وبعدهم أصحاب البيعة: بيعة الرضوان.
ولو أن أحداً من هؤلاء -وحاشاهم رضي الله عنهم - نافق لجاء البيان، يا سبحان الله! تخلف الثلاثة وصدقوا فجاءت الآيات - وهم ثلاثة- ببيان حالهم، وكذلك في بيان حال الضعفة الذين لا يجدون ما ينفقون، وسكت الله عن غيرهم الذين فيهم الخطر وهم رأس النفاق! كما يزعم الذين في قلوبهم مرض.
فالدارس للسورة يجزم بأنه لا يمكن أن يوجد في المجتمع النبوي من هو مستخفٍ على شرٍ أو فيه خطر على الإسلام والمسلمين إلا وقد ورد ما يفضحهم في سورة التوبة ونزل كشف حالهم، كيف لا وهي السورة الفاضحة والكاشفة؟
--------------
تقسيمات المجتمع من خلال السورة:
1- ذكر الله سبحانه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين معه على العموم، أي من السابقين ومن غيرهم من المؤمنين، قال الله تعالى: ((لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [التوبة:88].
وذكر سبحانه المهاجرين والأنصار من غير ذكر الأولين، فجاءت الآية الأخرى صريحة في البيان، قال الله تعالى: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].
فهنا التفريق واضح، والله سبحانه وعدهم جميعاً بالحسنى، وهو سبحانه صاحب الفضل.
2- ذكر المولى سبحانه أحداث أفراد من المجتمع وهم الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة وكذلك الذين لا يجدون ما ينفقون.
3- ذكر الله سبحانه الذين خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا، وأثنى الله على أصحاب المسجد الذي أسس على التقوى.(12/306)
فتأمل في ذكر التفصيلات الدقيقة، وهؤلاء كلهم من المؤمنين.
4- ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين وفصّل في أحوالهم وصفاتهم وأن منهم ومنهم... وذكر صفات أفراد منهم، فتأمل في ذلك وتدبر في ذكر التفصيلات عن المؤمنين، والأعراب (وفيهم من هو مؤمن صادق ومن هو منافق كاذب) والمنافقين كما سبق الإشارة؛ فهل يتصور عاقل أن تَرد تلك التفصيلات ويتم السكوت عمن هو أخطر؟
-----------------
قبل الختام:
قال الله تعالى: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)) [الكهف:28] فالله عز وجل يأمر نبيه بالصبر مع طائفة من أصحابه.
تأمل في الآية، وانظر إلى هذا الشرف: النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع منزلته يأمره الله بالصبر مع الذين يدعون ربهم. من هم هؤلاء؟... إنه التلازم بين النبي وأصحابه الكرام.
وقال الله تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [آل عمران:159] فمن رحمة الله ما حصل للصحابة من لين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم واستغفاره والدعاء لهم ومشاورتهم..
أخي الكريم: تأمل في معاني الآية! الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه الوحي من رب السموات والأرض وهو مسدد في أفعاله وأقواله، وهو خير البشر ومع ذلك يأتيه الأمر بمشاورة أصحابه الكرام، ولهذا دلالات منها: أهمية المشورة في الإسلام، والشاهد من الآية: منزلة الذين شاورهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويدرك ذلك من كان له قلب وبصيرة.
تأمل في منزلة المصطفى تدرك مكانة الذين شاورهم وتأمل في استغفار الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لهم رضي الله عنهم!
فهنيئاً لهم هذا الاستغفار من الحبيب وتلك المنزلة التي حصلوا عليها لأجل مصاحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
أخي القارئ الكريم: إن الدارس للقرآن الكريم يجد كثرة ما نزل من آيات في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام على سبيل العموم، وقد ذكرنا بعض ما نزل على سبيل الإجمال والاختصار، وفيه قناعة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
---------------
الخاتمة
أيها القارئ الكريم: تذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل، وتأمل في الآيات التي مرت بك، والمواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه الكرام في السراء والضراء، والرخاء والشدة... تأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: مع من قضاها؟
من هم طلابه الذين أخذوا العلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم جنده الذين حارب بهم أعداءه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم جلساؤه الذين شاورهم صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين أكل معهم وشرب وأنس بهم وفرحوا به صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين صلوا خلفه واستمعوا مواعظه وخطبه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين زارهم وزاروه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين أنفقوا أموالهم بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين بذلوا أرواحهم رخيصة بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين نقلوا القرآن عنه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين تحملوا الرسالة وبلغوها عنه صلى الله عليه وآله وسلم ؟
من هم الذين صحبهم وصحبوه وعاش معهم وبعد أن قضى حياته مات بينهم صلى الله عليه وآله وسلم وصلوا عليه، وحزنوا على فراقه صلى الله عليه وآله وسلم، ونالوا أجر مصيبتهم في فقده كما نالوا أجر العيش معه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد: لقد ذكر الذين وفقهم الله للتوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والطعن فيهم ما حصل لهم من طمأنينة ولذة عيش وأنهم شعروا حقيقة بلذة الإيمان، وكيف كانت حالهم قبل توبتهم وبعدها.
لقد عاشوا حقيقة قوله تعالى: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10] ارتفع الغل من قلوبهم، وأحبوا آل البيت الأطهار وسائر الصحابة الكرام، فالجمع بين محبة آل البيت والصحابة هو عين الصواب وبه يجتمع شتات القلب ويشعر المؤمن بالسعادة والطمأنينة ويأتي -بإذن الله تعالى- يوم القيامة بقلب سليم.
فاحرص على سلامة قلبك، وانزع ما فيه من غلٍ وكراهية للمؤمنين عامة، وللصحابة ومنهم آل البيت على وجه الخصوص الذين فازوا بفضل الصحبة وحق القرابة.
اللهم ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
=================
ثناء السنة والقرآن على صحابة الرحمن
مقدمة كتاب ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن(12/307)
الحمد لله رب العالمين.. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة وهداية ونوراً للعالمين وعلى آل بيته مشاعل الهدى ومصابيح الدجى، وعلى أصحابه الأتقياء مبلغي وحي السماء، وعلى من تبع هداهم إلى يوم الدين...
أما بعد:
فمن نعمة الله السابغة ومنته البالغة أن أرسل إلينا رسولاً من أنفسنا، همه وغاية دعوته أن يزكينا ويخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
وبعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى -عليه الصلاة والسلام- حمل لواء هذه الدعوة المباركة من بعده عصبة، جاءت على اختيار واصطفاء من الرحمن سبحانه وتعالى، فعلم ما في قلوبهم، وإلى ماذا تطمح نفوسهم، فأنزل عليهم رضوانه، ومنحهم سبحانه غفرانه.
وهذا الرضوان العظيم، والغفران العميم، لم يكونا ليحلان إلا عندما بان أمر هذه الجماعة الزكية النقية بأحوال وأقوال أدهشت المعادي قبل المحب، وكما قيل: (كل إناءٍ بالذي فيه ينضح). لكن مع كل ما بذلوه وأفنوا أنفسهم لأجله لكنه لم يرض لطائفة من الناس إما جهلا منها بحقيقة الصحابة، أو لقرب عهدهم بالإسلام كشفت ضحالة علمهم بالإسلام، وعدم رسوخ إيمانهم في دين الرحمن، فسعت على علم من فريق منها، وجهلا من فريق آخر اقتادته العواطف جهلا في المضي وراء أقوال باطلة مزخرفة، لتقويض أركان هذا الدين العظيم بالنخر في أساسه، والسعي إلى نسف غراسه، وذلك بالجري الحثيث في طريق موحش، ألا وهو: الطعن في نقلة هذا الدين، وهم (الصحابة) الأخيار، رضي الله عنهم أجمعين.
وهذه الوريقات فيها بيان شافٍ -بإذن الله- وإظهار لمكانة أولئك النفر من رجال ونساء؛ لأن من أحب إنساناً أحب أحبابه وتقبلهم بقبول حسن، وأبغض أعداءهم ومبغضيهم، وهذه سنة ماضية في الخلق لا يحيد عنها أو يشط إلا الشواذ والحاقدون؛ لأننا والله نحبهم ونحب كل من أحبه النبي صلى الله عليه وسلم، ومات وهو راضٍ عنه؛ لأن ديننا قوامه وعمدة أساسه: الحب في الله لأوليائه، والبغض فيه سبحانه لأعدائه.
وإن كنت قد قصرت في توضيح هذا الجانب، فسبب ذلك أن الواضح المعروف لا يحتاج إلى التبيين، ويعسر على الأذهان القول فيه لتوضيحه، فالواضح لا تزيده التعريفات إلا غموضاً وتحيراً، وكما قيل: (وفسر الماء بعد الجهد بالماء). وهذا الجلاء إن كنت لم أستوف جوانبه فلن أعدم من محب ناصح يوجهني إلى الصواب، ويرشدني إلى أفضل المنطق والجواب، لترسخ القدم على طريق محبة النبي عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار، وصحبه الأخيار، رضي الله عنهم وغفر له
المدخل
اختلط على كثير من الناس التفريق بين مفهوم الصحبة في اللغة عن مفهومها في الاصطلاح لأسباب كثيرة، منها:
1- قلة فهمهم واطلاعهم في هذا الجانب.
2- عدم معرفتهم في تمييز ذلك؛ لأن بضاعتهم في اللغة العربية مزجاة وشحيحة.
لهذين السببين نجد أن أقدامهم قد زلت في فهم الصواب، فنسبوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأقوال والأفعال الباطلة، وافتروا عليهم الكثير من الاعتقادات الخطيرة كالنفاق والردة وغيرها، مستدلين على ذلك الزعم بما تشابه لهم من الآيات أو من القرائن والدلالات، من خلال فهم سقيم، ونظر عقيم، بأن التقطوا كلمات متناثرة في أحاديث صحيحة متواترة، ومن ثَمَّ تأويلها تأويلات باطلة، فيها الدلالة على ضحالة علمهم ورداءة فهمهم.
ولعدم معرفتهم اللغة العربية، أو بالاستدلال على دعواهم بروايات ضعيفة أو موضوعة لم تثبت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم , فيتمسكون بها تمسك الغريق بحبال الوهم الباطلة، مما يستبين لمناقشهم عند الكلام معهم عدم درايتهم ودراستهم وإحاطتهم بعلم عظيم يعصم من زلل كبير، ألا وهو علم (مصطلح الحديث)، وعلم (معرفة أحوال الرجال).
لذا وجب قبل الشروع في بيان عدالة الصحابة، أن أبين جملة من الأمور المهمة من خلال التساؤلات الآتية:
- ما تعريف لفظ: (الصحابة)؟
- هل المنافقون من (الصحابة)؟
- هل المرتدون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يشملهم مسمى (الصحابي)؟
- ما أقوال آل البيت عليهم السلام فيهم؟
- لماذا حدث الشقاق والخلاف فيما بينهم إن كان الله سبحانه قد رضي عنهم؟
- ما الدليل على قُرب أو بُعد آل البيت عليهم السلام من الصحابة رضي الله عنهم؟
تساؤلات وشبهات سنجد جوابها -بإذن الله- عند قراءتنا لهذه الصفحات التي تتناول على وجه الخصوص شهادة وأقوال الثقلين: (كتاب الله وآل البيت الطاهرين عليهم السلام) في عدالة ومكانة الصحابة رضوان الله عليهم ضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول: تعريف لفظ الصحابي: لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: ثناء الثقلين (كتاب الله والعترة) على الصحابة، وفق المطالب الآتية:
المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم.
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر رضي الله عنهم.(12/308)
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده رضي الله عنهم.
المبحث الثالث: كيف ظهرت الفتن بين الصحابة رضي الله عنهم؟ ومن هو أول من أشعلها؟
المبحث الرابع: المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين.
المبحث الخامس: الموقف الصحيح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث السادس: الأسماء والمصاهرات بين الصحابة رضي الله عنهم والآل عليهم السلام.
المبحث السابع: شبهات وردود.
الخاتمة: وفيها مجموعة من الخواطر التي تجول في ذهن المسلم، من بعد سماعه لما يقذف به الصحابة من دعاوى وشبهات، ومن بعد تصفحه لهذه الرسالة يجدر الاستفسار حولها؛ لترتاح النفس من شجن يقلقها.
وفي النفس شجون وهموم تجاه هذا الموضوع، لتجدد وتكاثر الشبهات في كل وقت وزمن، وفي أماكن متعددة، لكن لعل ما ذكرته فيه البيان الناجع والرد الناجح لبعض التساؤلات وتفنيد الشبهات، وإزالة الغفلة التي رانت على قلوب بعض المسلمين، نوفق من بعدها بإذن الله إلى الصواب والحق الذي يرضاه الله سبحانه لنا.
المبحث الأول: تعريف لفظ (الصحابة)
لزاماً علينا قبل أن نشرع في بيان الأدلة الدالة على عدالة الصحابة، أن نبين مفهوم كلمة (الصحابة)؛ لأن جلاء المعنى لهذه الكلمة، وبيان حدود إطلاقها، ومن يتصف بها، ومن هو المعني بهذه الكلمة المباركة - فيه التوفيق لما بعده من علم ودراسة.
وهذا البيان لا يكون إلا من جهتي اللغة والاصطلاح.
أولاً: تعريف لفظ (الصحابي) لغة:
الصحابي: نسبة إلى صاحب، وله معانٍ عدة تدور في جملتها حول الملازمة والانقياد([1]).
وقبل بيان بعض استخدامات الصحبة في اللغة، ينبغي التنبه إلى أن بعض هذه الاستخدامات لا تندرج ضمن التعريفات الاصطلاحية، إذ هي وفق التعريف اللغوي غير مقيدة بقيود منضبطة وفق ما سنعرفه، لذا وجب أن أسوق جملة من معاني الصحبة اللغوية للاحتراز عند إطلاق هذه الكلمة، ومنها:
1- الصحبة المجازية: وهي التي تطلق على اثنين بينهما وصف مشترك، وقد يكون بينهما أمد بعيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى زوجاته: (إنكن صواحب يوسف)([2]).
2- الصحبة الإضافية: وهي التي تضاف للشيء لوجود متعلق به، كما يقال: (صاحب مال، صاحب علم... إلخ).
3- صحبة القائم بالمسئولية: وهذا كما في قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً)) [المدثر:31].
4- صحبة اللقيا: تطلق الصحبة على التلاقي الذي يقع بين اثنين، ولو لمرة واحدة لسبب ما، ثم ينقطع.
وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر...)([3]) الحديث، فسمى المشتري (صاحباً) مع أن اللقيا وقعت مرة واحدة مع البائع حين يشتري منه السلع.
5- صحبة المجاورة: وهي التي تطلق على المؤمن والكافر والعكس، وهو مصداق ما جاء في قوله تعالى: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً)) [الكهف:37].
وكما في قوله تعالى: ((فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)) [الكهف:34].
ويجوز أن تطلق الصحبة على من لا يعرف صاحبه ولم يلتق به يوماً، كما قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه للغلامين من الأنصار اللذين كانا يبحثان عن أبي جهل في غزوة بدر يريدان قتله بسبب سبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: (هذا صاحبكما الذي تسألان عنه)([4]).
ووفق ما سبق ذكره فاستخدام مدلول الصحبة اللغوية لا يعمم، إذ لو كان (الصحابي) يُعرّف بالصحبة اللغوية وفق الاستخدامات التي مرت، لكنّا نحن جميعاً في عداد الصحابة, ولكان اليهود والمنافقون والنصارى والمشركون الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم كذلك من باب أولى، إذ لا يشترط في اللغة للفظ المصاحبة اللقاء المستمر أو الإيمان بالله والموت على ذلك.
تنبيه:
في قصة تطاول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول على النبي صلى الله عليه وسلم، طلب عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بضرب عنقه، فقال له: (دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)([5]).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصحبة للمنافق في هذا الحديث، لكنه قصد الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي، وهذا من بلاغته صلى الله عليه وسلم وحكمته، ووفق ما تعارف عليه العرب في لغتهم، ولم يكن هناك من محذور في فهم الإطلاق اللغوي، وذلك لأمرين:
الأول: أن الإطلاق اللغوي لا يقصد منه التفريق بين الإيمان والنفاق؛ لأنه ليس له ضابط.(12/309)
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن سبب منع عمر رضي الله عنه عن قتله للمنافق: (حتى لا يتحدث الناس)، والناس المشار إليهم هنا هم فئة مقابلة للصحابة؛ لأن القرآن حينما خاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:153] وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو لعموم الناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21].
ومن المعلوم بداهة أن الكفار هم أكثر الناس عداوة وحرصاً على الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، ولذلك حينما يقتل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بن سلول، فلن يقول الكفار بأنه قد قتل منافقاً يستحق القتل، بل سيقال: (إن محمداً يقتل أصحابه)، وسينتشر الخبر بين العرب ويتحقق ما يرمي إليه الكفار، وهو صد الناس عن قبول هذه الدعوة والالتفاف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هذا التحديد اللغوي في فهم معنى الصحابي عسيراً أو مشكلاً عند الكفار أو المنافقين، فضلاً عن سائر المسلمين الأوائل؛ لأنهم كانوا أهل اللغة وفرسانها والبارعين في دروبها وميادينها، فمن اقتدى بفهمهم وسار على دربهم، وفقه الله لفهم سديد ورأي رشيد لكثير من المعضلات والمبهمات.
ثانياً: تعريف الصحابي اصطلاحاً:
تعددت العبارات الموضحة لتعريف الصحابي اصطلاحاً، وكان من أدقها وأوضحها وأشملها بياناً هو: (من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام).
قال الشهيد الثاني([6]): (الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام، وإن تخللت ردته بين لقيّه مؤمنا به، وبين موته مسلماً على الأظهر، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر, وإن لم يكالمه ولم يره)([7]).
ولتوضيح التعريف السابق أقول:
* (من لقي النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في حياته، سواء نظر إليه، أو من لم يستطع النظر إليه كعبد الله بن أم مكتوم؛ فإنه كان أعمى ولقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
وأما من أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه قبل دفنه فلا يعد صحابياً.
* (مؤمناً به) أي: يشترط الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الكفر من أهل الكتاب والمنافقين وغيرهم، سواء أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يسلم فلا صحبة له.
* (مات على الإسلام) أي: أن من مات على الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقال عنه: إنه صحابي، ولا كرامة له.
الخلاصة:
مما سبق يتضح لنا جلياً أهمية التعامل مع اللغة والاصطلاح في بيان المصطلحات الشرعية وفق فهم العلماء المتخصصين، بعيداً عن التفسير بالرأي أو الهوى، ولأهمية هذا الجانب المؤسس للفهم الصحيح لما سيأتي أحببت أن أبينه كمدخل في المسألة، وذلك قبل الولوج في صلب الموضوع، وهو ثناء الثقلين (القرآن والعترة) على أولياء الرحمن (الصحابة رضي الله عنهم).
---------------
([1]) لسان العرب: (1/519).
([2]) بحار الأنوار: (28/137).
([3]) مستدرك الوسائل: (13/299).
([4]) بحار الأنوار: (19/327).
([5]) شرح أصول الكافي/ مولى محمد سالم المازندراني: (12/487). وانظر: الصحيح من السيرة/ السيد جعفر مرتضى: (6/163).
([6]) العلامة/ زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي (ت:965هـ).
([7]) الرعاية: (ص:339).
--------------
المبحث الثاني: ثناء الثقلين على الصحابة رضي الله عنهم
يجب على كل مسلم أن يعتقد علو مكانة أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم أفضل الأمم، وأن خير قرون الإسلام قرنهم، وذلك لسبقهم للإسلام، وشرف اختصاصهم بصحبة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه، وتحمل الشريعة عنه، وتبليغها لمن بعده صلى الله عليه وسلم.
وأن يعتقد المسلم كذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا على درجة واحدة في الفضل والمرتبة، بل تتفاوت مرتبتهم في الفضل بحسب سبقهم إلى الإسلام والجهاد والهجرة، وبحسب ما قاموا به رضي الله عنهم من أعمال تجاه نبيهم ودينهم.
فالمسلمون يقدمون المهاجرين على الأنصار، ويقدمون أهل بدر على أهل بيعة الرضوان، ويقدمون من أسلم قبل الفتح وقاتل على غيرهم، وفق ما جاء ذكره وتفصيله عن الثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة عليهم السلام)، اللذين أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحبهم.
وقد شهد الثقلان على عدالة الصحابة من بعد رضا الله عنهم، واستفاضت الروايات الدالة على الثناء عليهم؛ لجميل أفعالهم وكريم أقوالهم.
وذكر هذا الثناء لمن حازه هو محور البيان في هذا البحث، وفق المطالب الآتية:
المطلب الأول: ثناء الثقلين (القرآن والعترة عليهم السلام) على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم.
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.(12/310)
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر رضي الله عنهم.
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده رضي الله عنهم.
----------
المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
المسلم العاقل يقرأ القرآن الكريم، ويتمعن في آياته، حيث إن الآيات الكريمة قد استفاضت في ذكر فضائل ومناقب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف اختارهم الله واصطفاهم وعدلهم وزكاهم ووصفهم بأوصاف القبول.
* الثناء على الصحابة رضي الله عنهم في كتاب الله:
قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:
((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) أي: يطلبون بذلك مزيد نعم الله عليهم ورضوانه عنهم، ((سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشد بياضاً، ((ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ)) يعني: أن ما ذكر من وصفهم هو عين ما وصفوا به في التوراة، وكذلك ((فِي الإِنْجِيلِ)) أي: فراخه... ((فَآزَرَهُ)) فاشتد وأعانه فغلظ ذلك الزرع فقام على ساقه وأصوله حتى بلغ الغاية، قال الواحدي: هذا المثل ضربه الله تعالى بمحمد وأصحابه، فالزرع محمد صلى الله عليه وسلم، والشطأ أصحابه والمؤمنون حوله، وكانوا في ضعف وقلة كما يكون أول الزرع ثم قوى بعضهم بعضاً، ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) أي: في ذلك غيظ الكفار بكثرة المؤمنين واتفاقهم على الطاعة([1]).
وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [التوبة:100].
قال الشيخ أمين الدين أبو علي الطبرسي:
هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: الذين شهدوا بدراً، ومن (الأنصار): أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا اثني عشر رجلاً، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين رجلاً، والذين حين قدم عليهم مصعب بن عمير فعلمهم القرآن([2]).
تنبيه:
حاولت طائفة من أهل الفتن والأهواء إبعاد تلك الآية عن تأويلها الصريح الواضح بالثناء على الصحابة، وقالوا بأن تلك الآيات لا تفيد الثناء على عموم الصحابة؛ لأن الله قال في نهاية الآية الأولى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29]، وقال تعالى في الآية الثانية: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100].
فلفظ: (منهم) و(من) في الآيتين، يعني: من بعضهم، وليس جميع الصحابة.
ولبيان ذلك اللبس في الفهم، نبين الأمور الآتية:
أولاً: أن الله تبارك وتعالى بيَّن في كتابه آيات محكمات -أي: صريحة- لا تأويل فيها، ومن حاول أن يعبث في بتأويلها فسينفضح أمره، وينكشف تخبطه.
ومنها آيات متشابهة, أي: فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم. فالأصل في ذلك رد المتشابه إلى المحكم، فمن فعل ذلك اهتدى، ومن عكس انعكس.
ثانياً: أن كلمة (منهم) في قوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29] وكلمة (من) في قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] ليست للتبعيض كما يتوهم البعض، وإنما تأتي في القرآن الكريم على معنيين:
المعنى الأول: أن (من) بمعنى: من جنسهم، ومن أمثالهم.
وهذا كما في قوله تعالى: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) [الحج:30].
ولا يستقيم في المعنى أن الله تبارك وتعالى أمرنا أن اجتناب بعض الأوثان، وترك بعضها فلا نجتنبه، بل أمرنا أن نجتنب جميع الأوثان في قوله: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) [الحج:30] أي: فاجتنبوا الرجس من جنس وأمثال هذه الأوثان.
المعنى الثاني: أن لفظ (من) تأتي للتأكيد.(12/311)
وهذا كما في قوله تعالى: ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)) [الإسراء:82]فهل هناك مسلم عاقل يفهم أن معنى الآية هو أن بعض القرآن شفاء ورحمة، وبعضه ليس كذلك؟
لكن يفهم المسلم أن القرآن كله شفاء ورحمة، وأن الله تبارك وتعالى أكّد في الآية الكريمة السابقة أن القرآن كله شفاء ورحمة.
ثالثاً: أن سياق الآية الأولى فيه مدح وثناء على جميع الصحابة، وليس فيه ذم لبعضهم، قال الله عز وجل: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً)) [الفتح:29] فزكى الله تبارك وتعالى ظاهرهم بالسجود والركوع والذل له، وزكى باطنهم أيضاً في قوله: ((يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الفتح:29].
بل إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يذم أقواماً فإنه يبين ظاهرهم وباطنهم، كما قال تعالى عن المنافقين: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء:142].
فبذلك يتبين لنا أن قوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29]، وقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] أي: من جنسهم، أو للتأكيد على حالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: ثناء آل البيت عليهم السلام على الصحابة الكرام رضي الله عنهم:
ولأجل هذا الثناء المبارك في كتاب الله كانت البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة لمن أدرك الصحابة، أو رأى واحداً منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني)([3]).
ولله در أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو الخبير بحال إخوانه، بعد أن جرّب أهل الكوفة ورأى خذلانهم له، قال متذكراً ومادحاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذُكِر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاء للثواب)([4]).
ويصف الإمام علي عليه السلام حاله وحال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستبسالهم جميعاً في وجه الأعداء بقوله:
(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتُل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضيّا على اللَّقَم، وصبراً على مضض الألم، وجِدّاً في جهاد العدِّو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه، ومتبوِّئاً أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم -يعني أصحابه- ما قام للدين عمود، ولا اخضرَّ للإيمان عود، وأيم الله لتحتلبنها دماً، ولتتبعنها ندماً)([5]).
وعلى هذا المنوال الجميل، والمنهج المستقيم سارت السلسلة الزكية من آل بيت النبي عليهم السلام في الثناء العاطر على رفقاء جدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.(12/312)
فهذا الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يدعو في صلاته لأصحاب جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويقول: (اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته، يرجون تجارةً لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر، إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته , فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاةً لك وإليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثَّرت في اعتزاز دينك من مظلومهم , اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10] خير جزائك، الذين قصدوا سمتهم، وتحرَّوا جهتهم، ومضوا على شاكلتهم، لم يثنهم ريبٌ في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفوِ آثارهم والائتمام بهداية منارهم، مُكانفين ومُؤازرين لهم يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يَتّفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم , اللهم وصلِّ على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين وعلى أزواجهم وعلى ذُرِّياتهم، وعلى من أطاعك منهم صلاةً تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنَّتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان)([6]). انتهى.
وعن الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: (أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم، الذين لم يحدثوا بعده حدثاً، ولم يؤووا محدثاً؛ فإن رسول الله أوصى بهم الخير)([7]).
ومن المعلوم أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم خير على الأرض لأهلها، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم من بعده، وذلك لعظيم شأنهم، وعلو قدرهم في التزامهم بهدي سيد البشر صلى الله عليه وسلم، ومن ثمَّ استجاب الله لدعائهم لخير الأمة.
فعن موسى بن جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يُوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمتي ما يُوعدون، ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها ما دام فيكم من قد رآني)([8]).
وعن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القرون أربع: أنا في أفضلها قرناً، ثم الثاني، ثم الثالث، فإذا كان الرابع التقى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فقبض الله كتابه من صدور بني آدم، فيبعث الله ريحاً سوداء، ثم لا يبقى أحد سوى الله تعالى إلا قبضه الله إليه)([9]).
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بالخير والرحمة لمن سيخلفه من بعده، من غير تعيين منه على معين بالإمامة، وجعل صفة من سيخلفه ميزته سيره على هديه صلى الله عليه وسلم، للدلالة على اجتماع كلمة الصحابة على من سيختارونه من بعده.
فعن الرضا عليه السلام، عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارحم خلفائي -ثلاث مرات- قيل له: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنتي، فيسلمونها الناس من بعدي)([10]).
ولأجل مكانة الصحابة السامقة، تمنى نبي الله موسى عليه السلام أن يرى أولئك النفر الذين حازوا كل هذا الفضل العظيم.
فعن الرضا عليه السلام قال: (لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران واصطفاه نجياً، وفلق له البحر، ونجَّى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه عز وجل، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله عز وجل: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين فقال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم! فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى، إنك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات -جنات عدن والفردوس- بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون)([11]).
تساؤل:
لو سأل سائل: بم نال الصحابة كل هذا الثناء العاطر من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحازوا هذه المراتب العلى؟
فالإجابة تأتي من الروايات الكثيرة الواردة عن آل البيت عليهم السلام، والدالة على عظيم خلق وأدب وتوقير الصحابة الكبير للنبي صلى الله عليه وسلم، وتبين الحب الجم له، ومنها:
ما ذكره المجلسي في بحاره عن القاضي في الشفاء في ذكر عادة الصحابة في توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أسامة بن شريك أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رءوس الطير)([12]).(12/313)
وهذا عروة بن مسعود حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى من تعظيم أصحابه له، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه وكادوا يقتتلون([13]) عليه، ولا يبصق بصاقاً ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فلما رجع إلى قريش قال: (يا معشر قريش، إني أتيت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قومه قط مثل محمد في أصحابه)([14]).
وعن أنس: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل)([15]).
وفي حديث: (فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً القرفصاء أرعدت من الفرق هيبة له وتعظيماً)([16]).
وفي حديث المغيرة: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافر)([17]).
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: (لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمر، فأؤخره سنين من هيبته.. ثم قال رضي الله عنه: واعلم أن حُرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسم سيرته ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته)([18]).
فهل بلغ أسماعكم أو وقعت أعينكم على مثل هذا الأدب والتوقير؟ فيالها من دلالات حب من الصحابة رضي الله عنهم لسيد البشر صلى الله عليه وسلم.
------------
([1]) تفسير مختصر مجمع البيان، وانظر: جامع الجوامع، من وحي القرآن (سورة الفتح:29).
([2]) تفسير جامع الجوامع, وانظر: تفسير من وحي القرآن، العياشي (سورة التوبة:100).
([3]) أمالي الصدوق: (ص:400), أمالي الطوسي: (ص:440) , الخصال: (2/342)، بحار الأنوار: (22/305).
([4]) نهج البلاغة: (ص:143)، وانظر: الكافي: (2/236)، بحار الأنوار: (66/307).
([5]) نهج البلاغة: (ص:91)، بحار الأنوار: (32/549).
([6]) الصحيفة السجادية: (ص:42).
([7]) بحار الأنوار: (22/305).
([8]) بحار الأنوار: (22/309)، وانظر: نوادر الراوندي: (ص:23).
([9]) بحار الأنوار: (22/309).
([10]) بحار الأنوار: (2/144).
([11]) بحار الأنوار: (13/340), تفسير الإمام العسكري: (ص:31)، تأويل الآيات: (ص:411).
([12]) بحار الأنوار: (17/32).
([13]) وفي الأصل: يقتلون.
([14]) المصدر نفسه.
([15]) المصدر نفسه.
([16]) المصدر نفسه.
([17]) المصدر نفسه.
([18]) المصدر نفسه.
-------------
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم:
من بعد أن تبين لنا كيف فاض المدح والثناء على الصحب الكرام، جاء التخصيص والتقييد على طائفة منهم وهم الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول.
فخص الثقلان (كتاب الله وعترته آل البيت) بثنائهم وكريم مدحهم الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، فما ذُكر في كتاب الله من ثناء على الصحابة فالخلفاء الثلاثة داخلون فيه من باب أولى، وأما عترة آل البيت فقد نال الخلفاء الثلاثة من ثنائهم الشيء الكثير لتميزهم وانفرادهم بخصائص لم تتوفر في غيرهم من الصحابة، وللعلاقة الوطيدة بين الخلفاء الثلاثة وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت أشهر من نار على علم.
فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة ابنتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل لم يتزوج هاشمية وله إحدى عشرة امرأة، وزوج ابنتيه: رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان([1]) وزوج الإمام علي عليه السلام ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب([2])، وسمى أولاده بأسمائهم وكذا أبناؤه([3]).
ويمكن أن يستدل على حسن علاقة بعضهم ببعض، وعلى ما بينهم من مودة ومحبة وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يظهر هذا جلياً لمن صلح قلبه، وزالت غشاوة التعصب عن بصره، وقلَّب بصره في كتب التاريخ بأمور كثيرة وروايات عدة.
ولقد اكتفيت ببعض الروايات التي ساقها العلماء في كتبهم عن الأئمة عليهم السلام والدالة على هذا الثناء.
قال الإمام علي عليه السلام: (ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا)([4]).
وقال عليه السلام مثنياً على خلافة الثلاثة، وعلى من اختارهم:
(إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى)([5]).(12/314)
وقال الإمام علي عليه السلام مثنياً على عمر بن الخطاب: (لله بلاء فلان! فلقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السُنّة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه)([6]).
وقال أيضاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في حياته، حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: (إنك متى تَسِرْ إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة -ستر ووقاية- دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت رِدءاً للناس ومثابة للمسلمين)([7]).
وتجاوز التقدير من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى بعد وفاتهما بوقت طويل، حيث إنهم مضوا على هديهما ولم يغيروا شيئاً أمرا به، بل كانوا ينهلون من علمهما وفتاواهما رضي الله عنهما، ودليل ذلك:
ما قاله الإمام علي عليه السلام حين سُئِل في رد فدك -وكان حينئذٍ الخليفة-: (إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر)([8]).
وقد حث الإمام محمد الباقر عليه السلام شيعته بأن يفعلوا مثل ما فعل، حين تعلم واقتدى بأبي بكر الصديق، وذلك عندما سُئل عن جواز حلية السيف، فقال: نعم، قد حلَّى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة! فقال (أي: السائل): أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: (نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له: الصديق فلا صدّق الله قوله في الدنيا والآخرة)([9]).
فهؤلاء آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم أقرب الناس عهداً بالشيخين، لم يفتهم ما عملا ولا غاب عنهم ما فعلا, ألا تكفينا شهادتهم ورأيهم في أولئك النفر، أم نريد هدياً وقولاً غير هديهم وقولهم عليهم السلام؟!!
----------------
([1]) انظر بحار الأنوار: (22/202)، إعلام الورى: (ص:141).
([2]) انظر الكافي: (6/115)، مرآة العقول: (21/199).
([3]) انظر: (ص:89) من هذا الكتاب.
([4]) انظر وقعة صفين: (ص:88)، شرح نهج البلاغة: (15/76).
([5]) نهج البلاغة: (ص:366)، البحار: (33/76).
([6]) نهج البلاغة: (ص:350).
([7]) نهج البلاغة: (ص:192)، بحار الأنوار: (31/135).
([8]) شرح نهج البلاغة: (16/252).
([9]) كشف الغمة: (2/147).
---------------
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم
فضّل الله سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار على سائر الصحابة رضي الله عنهم، وذلك لسبقهم في الاستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام، ودخولهم فيها، وتحملهم الأذى لأجلها.
وفضّل الله تبارك وتعالى المهاجرين على الأنصار؛ لأن المهاجرين جمعوا بين الهجرة والنصرة، وقد تركوا أهلهم وأموالهم وأوطانهم وخرجوا إلى أرض هم فيها غرباء طالبين فقط الأجر ونصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الأنصار فقد أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم في بلادهم، فنصروه وقسموا أموالهم ونساءهم، نصرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد شهد الثقلان (كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم) على فضلهم والرضا عنهم وتتابعت واستفاضت الآيات الكريمة الموضحة لحال الصحابة، المبينة لفضلهم الكبير ورضا رب العالمين عنهم، وتنوعت عبارات الأئمة من آل البيت عليهم السلام المفسرة للآيات في هذا، ومما جاء في ذلك:
ثانياً: ثناء القرآن الكريم على المهاجرين والأنصار:
قال تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:8-9].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:(12/315)
(((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)) إلى المدينة هرباً من مكة ومن غيرها ((أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)) جاءوا ((يَبْتَغُونَ)) يطلبون ((فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) أي: وينصرون دين الله، ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ)) يعني: المدينة حيث سكنها الأنصار قبل المدينة, أو قبل إيمان المهاجرين وهم أصحاب ليلة العقبة سبعون رجلاً بايعوا رسول الله على حرب الأبيض والأحمر، ((يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)) وقد أحسنوا إلى المهاجرين، وأسكنوهم دورهم، وأشركوهم في أموالهم، ولا يجدون في قلوبهم حسداً ولا غيظاً مما أعطي المهاجرون دونهم من مال بني النضير، ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) أي: مع فقرهم وحاجتهم ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)) أي: ومن يدفع بخل نفسه ((فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) الناجحون الفائزون بثواب الله)([1]).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)) الذين تركوا مكة وقصدوا المدينة هجرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن دار الحرب إلى دار السلام، وهم ((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)) التي كانوا يملكونها ((يَبْتَغُونَ)) يطلبون.. ((فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) راغبين بفضله ورضاه ورحمته.. ((وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ)) أي: يهاجرون نصرة لدينه وينصرون.. ((وَرَسُولَهُ)) بتقويته على أعدائه ((أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) فعلاً؛ لأنهم قصدوا نصر الدين، واستجابوا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن مدح أهل مكة وغيرها من المهاجرين مدح الأنصار من أهل المدينة؛ لأنهم طابت أنفسهم من الفيء فرضوا تقسيمه على المهاجرين المحتاجين، فقال.. ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ)) أي: سكنوا المدينة، وهي دار الهجرة التي تبوأها الأنصار قبل المهاجرين ((وَالإِيمَانَ)) إذ لم يؤمنوا قبل المهاجرين، بل آمنوا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إلا قليل منهم.
أما عطف الإيمان على الدار في التبوّء، فهو عطف ظاهري لا معنوي؛ لأن الإيمان لا يتبوأ، وتقديره وآثروا الإيمان على الكفر ((مِنْ قَبْلِهِمْ)) يعني: قبل قدوم المهاجرين إليهم حين أحسنوا إليهم، بأن أسكنوهم بيوتهم وشاركوهم في أموالهم ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) أي: لم يكن في قلوبهم حزازة ولا غيظ ولا حسد بسبب ما أخذ المهاجرون من الفيء الذي استولوا عليه من مال بني النضير، بل طابت به نفوسهم وكانوا ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)) أي: يقدمون المهاجرين ويفضلونهم على أنفسهم في العطاء ((وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) أي: ولو كانت بهم حاجة وفقر، وذلك رأفة بإخوانهم وطلباً للأجر والثواب ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)) أي: الفائزون بثواب الله تعالى الرابحون لجنته ونعيمها ([2]).
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [الأنفال:74-75].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا)) أي: الذين صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله، وأيقنوا بوجود الله ووحدانيته، وتركوا ديارهم فراراً بدينهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا معه لينصروا دينه وشريعته ((أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)) [الأنفال:74] هم المصدقون فعلاً، قولاً وعملاً، وقد حققوا إيمانهم حتى برهنوا أنه إيمان حق، فهؤلاء ((لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) أي: أعد الله لهم (مغفرة): تجاوزاً عن سيئاتهم، ورزقاً كريماً: واسعاً عظيماً لا ينغصه شيء من المكدرات... ((وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا)) [الأنفال:75] أي: الذين آمنوا بعد فتح مكة، وقيل: هم الذين آمنوا بعد إيمانكم ((وَهَاجَرُوا)) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرتكم الأولى ((وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ)) فقاتلوا الكفار والمشركين بجانبكم ((فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ)) فهم من جملتكم إيماناً وهجرةً وجهاداً وحكماً في الموالاة والميراث والنصرة، رغم تأخر إيمانهم وهجرتهم([3]).
وقال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ)) [التوبة:20].
قال السيد محمد حسين فضل الله:(12/316)
((الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا)) وتحملوا ما تحملوه من هجرة الوطن، إلى حيث يملك الإنسان حرية الحركة في الدعوة والجهاد، ويبتعد عن مواطن الضغط الذي قد يعرضه للفتنة في دينه، وذلك دليل الإخلاص العظيم لله فيما يمثله من التمرد على كل العواطف الذاتية والخصائص الحميمة، من أجل الله وحده، والذين جاهدوا ((فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)) فيما بذلوه من أموالهم للدعوة وللجهاد، وفيما واجهوه من أخطاء مادية ومعنوية في هذا الاتجاه، حيث فقدوا أي معنى للجانب الشخصي فيما يعيشون، وتحولوا إلى عنصر متحرك في نطاق الجوانب العامة المتصلة بالله، وبالحياة، أولئك ((أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ)) من كل النماذج الأخرى التي قد تعمل الخير في المجالات المحدودة ((وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ)) برحمته ورضوانه وجنته([4]).
وقال تعالى: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) [آل عمران:193-195].
قال السيد عبد الله شبر:
((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ الثَّوَابِ)) ما طلبوا ((أَنِّي)) بأني ((لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)) بيان لعامله ((بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)) بجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد أو الإسلام ((فَالَّذِينَ هَاجَرُوا)) الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين ((وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي)) من أجل ديني وبسببه ((وَقَاتَلُوا)) المشركين.. ((وَقُتِلُوا)) واستشهدوا، والواو لا توجب الترتيب، إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا.. ((لأكَفِّرَنَّ)) لأمحون ((وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)) يستحقونه منه.. ((وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه([5]).
فتمعن -أيها القارئ المحب لآل البيت- ما سبق، فهو نزر يسير مما جاء في فضل الصحابة عموماً رضي الله عنهم.
ثالثاً: ثناء النبي صلى الله عليه وسلم والعترة على المهاجرين والأنصار:
جاءت الروايات الصحيحة عن آل البيت عليهم السلام الدالة على فضل المهاجرين والأنصار مستفيضة، أسوق منها الآتي:
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة)([6]).
وفي الخبر عن كعب بن عجرة: (إن المهاجرين والأنصار وبني هاشم اختصموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا أولى به وأحب إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنتم يا معشر الأنصار فإنما أنا أخوكم، فقالوا: الله أكبر! ذهبنا به ورب الكعبة! قال صلى الله عليه وسلم: وأما أنتم معشر المهاجرين فإنما أنا منكم، فقالوا: الله أكبر! ذهبنا به ورب الكعبة! قال صلى الله عليه وسلم: وأما أنتم يا بني هاشم فأنتم مني وإلي. فقمنا وكلنا راض مغتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم)([7]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إني تارك فيكم الثقلين إلا أن أحدهما أكبر من الآخر... وقال: ألا إن أهل بيتي عيني التي آوي إليها، ألا وإن الأنصار ترسي فاعفوا عن مسيئهم، وأعينوا محسنهم)([8]).
وهذه النصوص المباركة لم تكن غائبة عن أذهان آل البيت، بل إنهم وعوها وحفظوها، ومن ذلك ما كان من مدح الإمام علي عليه السلام للمهاجرين في جوابه لمعاوية، فيقول: (فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم)([9]).
وقال عليه السلام: (وفي المهاجرين خير كثير نعرفه، جزاهم الله خير الجزاء)([10]).
وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم)([11]).(12/317)
وما سبق غيض من فيض، وقطرات من بحر عظيم يفيض على القلوب فيكون بلسماً شافياً ونوراً هادياً، يحيا به من كان غافلاً، أو أراد طائفة يقتدى بفضائلها ومناقبها، ولله در الآل عليهم السلام حين أثنوا على الصحابة رضي الله عنهم ولم يستثنوا من هذا الثناء والمديح أي أحد منهم.
---------------
([1]) تفسير مختصر مجمع البيان، وانظر: تفسير الكاشف، المنير: (سورة الحشر: 8-10).
([2]) تفسير الجديد (سورة الحشر: 8-10).
([3]) تفسير الجديد، وانظر: الصافي، الوجيز، تقريب القرآن (سورة الأنفال:74).
([4]) تفسير من وحي القرآن، وانظر: التبيان، تقريب القرآن (سورة التوبة:20).
([5]) تفسير شبر (سورة آل عمران: 195).
([6]) أمالي الطوسي: (ص:268), بحار الأنوار: (22/311).
([7]) المناقب: (3/331)، بحار الأنوار: (22/312).
([8]) بحار الأنوار: (22/311).
([9]) نهج البلاغة: (ص:374), بحار الأنوار: (33/104)، وقعة صفين: (ص:149).
([10]) وقعة صفين: (ص:88)، بحار الأنوار: (33/110).
([11]) بحار الأنوار: (19/31)، مجموعة ورام: (1/33)، تفسير الصافي: (1/490)، تفسير نور الثقلين: (1/541).
---------------
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر رضي الله عنهم:
من بعد المديح العام للصحابة رضي الله عنهم ثم بقسميهم: المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جاء التحديد لفئات محددة من الصحابة، لتميزهم بعمل عظيم أو سبب خاص فحازوا مزيد فضل عن غيرهم.
فقد جعل الله سبحانه وتعالى الأفضلية والمراتب العظيمة في الصحابة لمن شهد معركة بدر من المسلمين، وكانوا حينئذٍ قلة، ولم يستعدوا لقتال أو مواجهة ضد صناديد قريش الكفار حين أتاهم المنادي لمواجهة قافلة الكفار.
لكن تحقق النصر المبين بفضل الله ومنته على أيدي هؤلاء القلة، الذين هيبوا العرب وأخافوهم، وجعلت هذه الغزوة لهم منزلة عظيمة بين القبائل العربية.
وقد اطَّلع الله على أعمال هؤلاء الأطهار، وبشرهم بأنهم لن يموتوا على الكفر، وأن ذنوبهم مغفورة لهم بإذنه سبحانه.
وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أراد أن يضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فقال له: (وما يدريك -يا عمر- لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غُفِرَ لكم)([1]).
وهذه تزكية وشهادة أبدية من الله سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لأهل بدر وأنه راض عنهم إلى يوم القيامة.
--------------
([1]) انظر: بحار الأنوار: (21/92)، شرح نهج البلاغة: (17/89).
--------------
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده:
من بعد ثناء الله على أهل بدر رضي الله عنهم، لمسارعتهم إلى القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم من غير دعوة وميعاد، اتسعت دائرة الثناء لتشمل أولئك الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح.
والمسلم يؤمن بأفضلية أولئك الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا من الصحابة رضي الله عنهم، على من أنفق من بعد الفتح وقاتل.
والفتح المقصود به (صلح الحديبية)، كما قال تعالى: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)) [الفتح:1].
والحديبية: بئر قرب مكة، وقعت عندها بيعة الرضوان، وصلح الحديبية تحت شجرة كانت هناك، حينما صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة فبايعوه على الموت.
وخُص أصحاب الفتح أو صلح الحديبية بهذه الخصيصة من الفضل وعلو المكانة؛ للحاجة القاهرة التي ألمت بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في وقتها إلى العدد والعدة في ظروف عصيبة، وكان الصلح وما جرى بعده من مبايعة بين الصحابة رضوان الله عليهم والنبي صلى الله عليه وسلم، فتحا مبينا للنتائج الباهرة التي تبعته من بعد ذلك.
وقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وكان عددهم يتجاوز ألف صحابي، ولعدم حضور عثمان في المبايعة- نتيجة ذهابه للوساطة من قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة - ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه الشريفتين على الأخرى مبايعة لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
لكن بعض المسلمين قالوا: طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان ليفعل، فلما جاء عثمان رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطفت بالبيت؟ فقال: ما كنت لأطوف بالبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف به)([1]).
فسُميت هذه البيعة فتحاً، لما حصل بسببها وبعدها من الخير الكثير والنصر المبين للمسلمين، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على هؤلاء الأطهار، وزكى ظاهرهم وباطنهم، فقال سبحانه: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
قال الشيخ أمين الدين أبو علي الطبرسي:(12/318)
(إنما سميت بيعة الرضوان بهذه الآية، (لأنهم) ([2]) بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السَّمُرة ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) من صدق النية في القتال والصبر والوفاء، وكان عددهم ألفاً وخمسمائة أو وثلاثمائة ((فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)) والضمير للمؤمنين, والسكينة هي اللطف المقوي لقلوبهم كالطمأنينة ((وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) يعني: فتح خيبر([3]).
وقال تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
(((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ)) أي: لا يتساوى ((مَنْ أَنْفَقَ)) من ماله في سبيل الله ((مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)) الكفار, فإن ((أُوْلَئِكَ)) الفاعلين لذلك ((أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا)) أي: بعد فتح مكة أعزها الله، فالنفقة على جيش الإسلام مع الجهاد قبل فتحها، أعظم ثواباً عند الله من النفقة والجهاد بعده ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) أي: وعد هؤلاء وهؤلاء بالجنة وإن تفاضلوا في درجاتها ((وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) أي أنه عليم بكل ما تفعلونه ولا يخفى عليه شيء من حالكم ومقالكم وإنفاقكم وجهادكم، بل هو أعلم بجميع تصرفاتكم ونياتكم)([4]).
وقد حكم الله تبارك وتعالى لمن وعد بالحسنى بالجنة بقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ)) [الأنبياء:101-103].
قال أبو جعفر الطوسي:
(((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى)) يعني: الوعد بالجنة...ثم قال: وأخبر تعالى أن من هذه صفته مبتعد عن النار ناءٍ عنها)([5]).
وكما كان الحال في عسر وضيق على الصحابة قبل وأثناء صلح الحديبية، تميزت غزوة تبوك ببيان الحال الكاشف للمنافقين عن المخلصين في المدينة، وفي فترة من الوقت خدّاعة لقلوب بعض الناس، حيث جاء القرآن جلياً في ذلك، فقال تعالى عن الصحابة رضي الله عنهم الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:117].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) توبة الله على النبي تعني المزيد من بركاته عليه، ولكن بالنسبة إلى المهاجرين والأنصار قد تعني أيضاً غفران ذنوبهم، ولكن بماذا وكيف غفرت ذنوبهم؟بأنهم اتبعوا الرسول في ساعات الشدة، ولأن ذلك كان عملاً كبيراً، والله سبحانه يغفر بسبب الحسنات الكبيرة الذنوب الصغيرة، لذلك أكدت الآية على هذه الحقيقة ((الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)) فالصبر في ساعة العسرة عمل عظيم يغفر الله تعالى بسببه سائر الأعمال الصغيرة)([6]).
وقال الشيخ الطبرسي: (تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب لغزو الروم، وكتب إلى قبائل العرب ممن دخل في الإسلام وبعث إليهم الرسل يرغبهم في الجهاد والغزو... فلما تهيأ للخروج قام خطيباً فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ورغب في المواساة وتقوية الضعيف والإنفاق، فكان أول من أنفق فيها عثمان بن عفان، جاء بأواني من فضة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهز ناساً من أهل الضعف، وهو الذي يقال: إنه جهز جيش العسرة، وقدم العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفق نفقة حسنة وجهز، وسارع فيها الأنصار، وأنفق عبد الرحمن والزبير وطلحة، وأنفق ناس من المنافقين رياء وسمعة)([7]).
فكل ما سبق من الآيات والروايات الباهرة تكفي وتوضح شأن أولئك النفر الذين بذلوا كل شيء في نصرة دين الله سبحانه وتعالى، وإعلاءٍ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تتبع أقوال العلماء المحبين لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الآنفة، ونظر بعين التعقل وبنور الإنصاف، استبان له فضل تلك العصبة المباركة ذات الأفعال المخلصة المستضيئة بنور النبوة، لتمسكهم بسنة حبيبهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فشهد لهم الثقلان بهذه المنزلة العالية.
-------------
([1]) انظر: الكافي: (8/325)، بحار الأنوار: (20/365).
([2]) لأنهم: زيادة ليتضح المعنى.
([3]) تفسير جامع الجوامع، وانظر: مقتنيات الدرر، تقريب القرآن (سورة الفتح:18).(12/319)
([4]) تفسير الجديد، وانظر: تفسير الصافي، شبر، مقتنيات الدرر, الجوهر الثمين: في تفسير (سورة الحديد:10).
([5]) تفسير التبيان، وانظر: تفسير الجديد: في تفسير (سورة الأنبياء:101).
([6]) تفسيرمن هدي القرآن، وانظر: تفسير الجديد، من وحي القرآن (سورة التوبة:117).
([7]) انظر إعلام الورى: (ص:121), بحار الأنوار: (21/244).
---------------
المبحث الثالث: كيف ظهرت الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم؟
بعد أن بيّنا بفضل الله الروايات الدالة على فضل الصحابة رضي الله عنهم والمجلية لكبير شأنهم عند الأئمة عليهم السلام والعلماء، وذلك من خلال الآيات القرآنية، والروايات المنقولة عن العترة عليهم السلام، يتبادر إلى أذهان فئة من المسلمين تساؤل هام: كيف إذاً وقع التفرق والخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم وهم أهل الفضل والاتباع لدين الله؟
أولاً: أول من أشعل الفتنة بين المسلمين:
لعل العيش الهنيء الذي ساد مجتمع الصحابة رضي الله عنهم، وكثرة الفتوحات المباركة والانتصارات العظيمة على أعداء الله، ابتداءً بطرد اليهود من المدينة ثم من الجزيرة وتبعه بفترة تقويض عرش فارس، ودخول جماعات جديدة في دين الإسلام والعيش مع المسلمين، وهم أهل فكر وأعراف سابقة لم ينزعوها من أذهانهم،أوجد تربة خصبة لبذر الشقاق والفرقة في صفوف الأمة المسلمة.
ومع ما سبق بيانه من رغد العيش وكثرة الفتوحات فإن كل ذلك لم يناسب أهل الأهواء، فحاولوا جاهدين بذر وسائل الفرقة في هذا المجتمع المبارك المثالي، واستماتوا في إشعال نار التفرق والابتداع في الدين الإسلامي من خلال تفريق صفوف الصحابة رضي الله عنهم.
فكانت أول مداخل الشر أشعال نار الفتنة وزرع بذور الشبهة من خلال إغواء النفوس المريضة، فتم ابتداع قضية الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوهن جمع الصحابة ويفرق صفوف المسلمين ويضعف قوتهم.
فكان الذي تولى كبره في هذا الأمر، ورفع راية ذلك المكر الخبيث، عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أثار الناس ابتداءً بالخروج لقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعد ذلك قام بالكذب على لسان الإمام علي عليه السلام، ونسب إليه جملة من الأقوال والمعتقدات اليهودية، وروجها وأشاعها بين كثير من قاصري النظر وضعاف الإيمان ومحبي الفتن، فنشر بينهم الغلو والألوهية في علي عليه السلام، وادّعى أن له خلافة ووصية قد غصبت منه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الصحابة رضي الله عنهم.
ولما تطاير شرر هذه البدع الخطيرة بين الناس، وزين الشيطان لهم أعمالهم، تناهت أقوالهم إلى سمع وعلم أمير المؤمنين علي عليه السلام، فغضب ولم يتهاون ولم يغض الطرف عن هذه المقولات الشنيعة، فما كان منه إلا أن حفر الأخاديد وأشعل فيها النيران وهدد بإحراق كل من لم يتراجع عن هذا الافتراء الخطير، فأحرق منهم عدداً، وأجلى قوماً آخرين.
وقد نقل المجلسي في بحاره أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام: (إن على باب المسجد قوماً يزعمون أنك ربهم! فدعاهم فقال: ويلكم! إنما أنا عبد الله مثلكم، آكل الطعام، وأشرب الشراب، فاتقوا الله وارجعوا.
فأتوه في اليوم الثاني والثالث، فقالوا مثل ذلك، فقال لهم عليه السلام: والله إن تبتم وإلا قتلتكم أخبث قتلة , فدعا قنبراً وأتى بقدوم، وحفر لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، فدعا بالحطب فطرحه والنار فيه، وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعون! فأبوا، فقذف بهم فيها حتى احترقوا.
وقال بعض أصحابه: لم يحرقهم، وإنما أدخن عليهم. ثم قال عليه السلام:
لما رأيت الأمر أمر منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حفراً وحفرا وقنبر يحطم حطماً منكرا([1]))
فحذار أن يذهب بك التفكير -أيها القارئ الكريم- إلى أن هذه الشخصية التي حاكت المؤامرة الخبيثة كانت من نسج الخيال، أو جاءت من وهن المقال، بل كانت متواجدة في الساحة الإسلامية، تدبر وتخطط، لذا لم يغفل عن بيان حالها العلماء، وكشفوا عوارها، فذكروا دورها الخبيث في تفريق صف الأسرة الإسلامية الواحدة، ونشر المفاسد الخطيرة في أذهان العوام.
وقد ترجم شخصية عبد الله بن سبأ كثير من العلماء، منهم:
1- سعد بن عبد الله الأشعري القمي (301 هـ): فقال: هذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن حرسي وابن أسود، وهما من أجلّة أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم([2]).(12/320)
2- النوبختي (310هـ): فقال: أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال: إن علياً عليه السلام أمر بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتك والبراء من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن، إلى أن قال:...ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي الإمام علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض([3]).
3- الكشي (369هـ): فقال: عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ أنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان -والله- أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم.
وقال أيضاً: ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفرهم([4]).
4- شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (460هـ): حيث ترجم في رجاله عبد الله بن سبأ في باب (أصحاب علي عليه السلام) وقال: عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو.
وجاء في حاشية الكتاب: عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة المفتوحة والباء المنقطة تحتها نقطة - غالٍ ملعون، حرقه أمير المؤمنين علي عليه السلام بالنار، وكان يزعم أن علياً عليه السلام إله وأنه نبي([5]).
5- العلامة علي القهبائي (1016هـ): قال في رجاله: عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو([6]).
6- العلامة الأربلي (1101هـ): قال: غال ملعون... وإنه كان يزعم ألوهية علي ونبوته([7]).
7- ميرزا النوري الطبرسي (1320هـ) فقد ذكر في كتابه مستدرك الوسائل في باب (حكم الغلاة والقدرية) رواية عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين عليه السلام المدائن، فنزل بإيوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير منجّم كسرى، فلما زال الزوال قال لدلف: قم معي... إلى أن قال: ثم نظر إلى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة! وكانت مطروحة، وجاء إلى الإيوان وجلس فيه، ودعا بطست وصب فيه ماء، وقال له: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال عليه السلام: أقسمت عليك يا جمجمة أخبريني من أنا؟ ومن أنتِ؟ فنطقت الجمجمة بلسان فصيح، وقالت: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأما أنا فعبد الله، وابن أمة الله: كسرى أنوشروان , فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهاليهم، وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين عليه السلام، وحضروه وقال بعضهم فيه مثل ما قال النصارى في المسيح، ومثل ما قال عبد الله بن سبأ وأصحابه , فقال له أصحابه: فإن تركتهم على هذا كفر الناس! فلما سمع ذلك منهم، قال لهم: ما تحبون أن أصنع بهم؟ قال: تحرقهم بالنار، كما أحرقت عبد الله بن سبأ وأصحابه([8]).
فهذا صنيع العلماء غفر الله لهم في بيان حقيقة المفسدين وأقوالهم تجاه الغلاة الذين وضعوا في هذا الشرع المبارك الكذب والسم والإفراط، فهل نعي هذا الحق الواضح وما قاله الأولون في حق أمير المؤمنين؟
ثانياً: بداية الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم:
إن وقوع الفتن والقتال بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إنما حصل بعد الانتهاء من المؤامرة التي اوقدها عبد الله بن سبأ اليهودي نتيجة نشره الحقد وبثه السموم بين الجهلة وضعاف الإيمان من مسلمة الأمصار, وقد أتت هذه المؤامرات بثمارها الخبيثة والتي قطفها الأوباش بالخروج على خليفة المسلمين عثمان بن عفان وقتله في داره.
وازداد الأمر سوءاً بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه، فانتشرت جراثيم الشر في صفوف المسلمين لتنفث سمومها، ذلك أنه لما بويع علي رضي الله عنه خليفة على المسلمين، اندس هؤلاء الخوارج السبئيون بين صفوف أهل المدينة وجيش المسلمين، ولم يكن بمقدور الإمام علي رضي الله عنه في وقتها إخراجهم وتصفيتهم، والأخذ بالثأر منهم في قتلهم لخليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، خشية تفاقم الفتن والقتلى بين أهل المدينة، مثلما فعل الخليفة المظلوم عثمان رضي الله عنه.(12/321)
ولما طالبه أهل المدينة بمعاقبة من أجلب على عثمان بن عفان رضي الله عنه الشر، قال لهم الإمام علي عليه السلام: (يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي بقوة والقوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم، وهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتفت إليهم أعرابهم، وهم خلالكم ما شاءوا، وهل ترون موضعاً لقدرت على شيء تريدونه؟ إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة - أي: عوناً - إن الناس من هذا الأمر - إذا حرك- على أمور: فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة -أي: ميسرة- فاهدءوا عني، وانظروا ماذا يأتيكم به أمري، ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة وتسقط منه وتورث وهناً وذلة وسأمسك الأمر ما استمسك، وإذا لم أجد بداً فآخر الدواء الكي)([9]).
منذ تلك اللحظات بدأت الفتن تتغلغل بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمفضية إلى انقسامهم إلى طوائف، لما أنقسمت الآراء وتعددت الأجتهادات، فترى طائفة وجوب السرعة في الأخذ بالثأر من قتلة خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وطائفة أخرى ترى وجوب التريث حتى يستتب الأمر لأمير المؤمنين، فاندس أهل الفساد والسوء بين تلك الأطراف المجتهدة.
ونتيجة لهذا التفرق لم يهدأ بال أهل الفساد من ترك الأمر على ما هو عليه، بل استغلوا كل مناسبة لتأجيج نار الفرقة والخلاف والنفخ في نار الفتنة والسوء فانتهزوا سانحة خروج طائفة من الصحابة من مكة إلى العراق، فأسرعوا بتهييج العواطف أن هؤلاء أرادوا الشر، وتفرقة صفوف الأمة.. ووقعت معركة الجمل.
معركة الجمل:
تشير الروايات التاريخية إلى أنه لم يخرج طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم ومن معهم من مكة إلى العراق مقاتلين، ولا داعين أو طامعين لنزع الخلافة من علي رضي الله عنه، بل خرجوا إرادة الإصلاح وحسم الخلاف، وتجميع المسلمين بتوحيد كلمتهم، والانتقام من قتلة خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه وإخراجهم من صفوف المسلمين في العراق، هذا ما ذكرته كتب التاريخ، ولم تكن معركة الجمل هي الأخيرة ولكن تبعتها بعد فترة معركة صفين.
ويمكن إجمال هذا الحدث الكبير في الآتي:
لما اقترب موعد الاتفاق بين جيش علي وجيش طلحة والزبير رضي الله عنهم على إخراج هؤلاء الخوارج من الجيش وقتلهم، وانزوى كل صف إلى معسكره، بعد هذا الأمر أبى أولئك الخوارج هذا التجمع المبارك والهدوء؛ لأنه اجتماع على قتلهم وقتالهم فسعوا في بث الفتنة بين الجيشين، وإشعال القتال بينهم بمؤامرة أخرى تكشف عن مكرهم وغدرهم، فدبروا المؤامرة ليلاً في قتلهم من كلا الجيشين أفراداً، حتى ظن كل من الجيشين غدر الآخر، وخفيت هذه المكيدة على الفريقين، فكانت سبباً في نشوب الحرب بين الصفين.
معركة صفين:
لم تكن معركة صفين مختلفة عن واقعة الجمل بأطرافها أو الغاية منها، لذا ذكر علماء التاريخ أن سبب الخلاف والقتال بين علي ومعاوية في صفين لم يكن بسبب أن لمعاوية طمعاً وتطلعاً للخلافة كما يدعي ويروج له الكثير من الكتاب.
فمعاوية لم يرفع إلى الخلافة رأساً، ولم يبايع له بها أحد من المسلمين، ولم يقاتل علياً على أنه خليفة، بل كان سبب الخلاف بين خليفة المسلمين علي بن أبى طالب وأمير الشام معاوية أنه لم يمتثل بما أمره به خليفة المسلمين من عزله من ولاية الشام والإقرار له بالخلافة.
كان معاوية يريد إنفاذ القصاص في قتلة خليفة المسلمين المغدور به عثمان، وقد أشيع عند أهل الشام أن الخليفة علياً امتنع عن معاقبة وملاحقة قتلة عثمان عند توليه خلافة المسلمين، وبدلاً من ذلك قاتل أهل الجمل، وترك أيضاً المدينة وسكن الكوفة وهي معقل قاتلي عثمان، وأن في جيشه من هو متهم في قتل خليفة المسلمين السابق.
وحرصاً من أمير المؤمنين على توضيح الأمر، وإبطال المزاعم المنشورة، ولم ّشتات المسلمين، أرسل كتاباً لمعاوية، مبيناً فيه إثبات أحقية خلافته كما ثبتت خلافة من قبله مع تبرؤه من دم عثمان رضي الله عنه، فقال: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى , ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى، فتجنّ ما بدا لك، والسلام)([10]).(12/322)
فلما نشب القتال بين صفوف المسلمين، وسالت الدماء فيما بينهم، انتهت المعركة برفع جيش معاوية رضي الله عنه المصاحف، طالبين التحكيم فيما بينهم بما يرضي الله عز وجل فرضي خليفة المسلمين علي عليه السلام بهذا الطلب ورجع إلى الكوفة، ورجع معاوية رضي الله عنه إلى الشام بشروط اتفق عليها الطرفان.
وقد قصّ أمير المؤمنين علي عليه السلام للأمصار ما جرى بينه وبين أهل صفين، فقال: (وكان بدء أمرنا أنَّا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء)([11]).
ولم يكن الأمر سرّاً، أو ما جرى بين الصحابة في صفين في خفاء عن المسلمين، أو عن أحد من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الحدث جلياً معلوماً تتداوله ألسنة الأئمة فيما بينهم.
فقد روى الإمام جعفر الصادق عن أبيه: إن علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكن رأينا أنَّا على الحق ورأوا أنهم على الحق)([12]).
إن تلك الخلافات والفتن التي حدثت بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قتال فيما بينهم، مع بغي أحدهم على الآخر، وما حصل بينهم بعد ذلك من إصلاح وتحكيم بما يرضي الله عز وجل , ثم قبول كل من الطرفين بهذا الحكم، إنما يذكرنا بقول الله تبارك وتعالى: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [الحجرات:9-10].
قال الشيخ محمد باقر الناصري في تفسيره:
((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)) أي: فريقان من المؤمنين قاتل أحدهما الآخر، ((فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)) وابذلوا الوسع في إصلاحهما، ((فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى)) بأن طلبت ما لا يحق لها، وقاتلت ظالمة معتدية، فانصروا الفئة المظلومة ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي)) لأنها ظالمة، ((حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) حتى ترجع إلى طاعة الله وتترك البغي والظلم، فإن رجعت وتابت فعودوا لإجراء الصلح بينهما، ((بِالْعَدْلِ)) دون ميل أو جور ((وَأَقْسِطُوا)) أي: اعدلوا، ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) في الدين فأصلحوا بين الفريقين وأعينوا المظلوم وادفعوا الظالم عن ظلمه([13]).
والحرص على الإصلاح والسعي، وإلى لمّ شعث المسلمين كان رجاء أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكذلك البعد عن كل ما يوقع البغضاء والفرقة في نفوس المسلمين، لهذا سعى أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى البعد عن كل ما يثير الأحقاد ويفرق الصفوف ومن ذلك: القول السيئ، فنهى من كان في جيشه عن لعن وشتم جيش معاوية بن أبي سفيان، مع حدوث القتال فيما بينهم.
فعن عبد الله بن شريك قال: (خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة واللعن لأهل([14]) الشام، فأرسل إليهما علي عليه السلام: أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا: أوليسوا مبطلين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين يشهدون ويتبرءون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم، فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به، كان هذا أحب إلي وخيراً لكم)([15]).
وهذا النهي منه عليه السلام لم يكن لخاصة شيعته فقط، بل جهر بنهيه عليه السلام وأوصى جيشه بأكمله، قاصداً أن يعمم هذا النهي لكل زمان ومكان، فقال لجيشه في صفين أيضاً: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصَوَب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم)([16]).
ما بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام:
وبعدما قُتل أمير المؤمنين علي عليه السلام شهيداً على يد الخارجي الغادر ابن ملجم بويع لابنه الحسن عليه السلام بالخلافة على المسلمين، فما كان منه إلا أن جمع صفوف المسلمين، وتحققت فيه معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.(12/323)
فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي عليه السلام إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة، ويقول: (إن هذا ابني سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين)([17]).
وقد جعل الإمام الحسن بن علي عليه السلام أحد شروط الصلح مع معاوية، أن يحكم في الناس بالكتاب والسنة، وعلى سيرة الخلفاء الراشدين([18]).
ومما يدل على التلاحم الأخوي والتراحم الديني بين أمير المؤمنين علي ومعاوية رضي الله عنهما - مع ما كان بينهما من اختلاف اجتهادي – فقد كان معاوية كلما تذكر علياً بعد استشهاده بكى على فقده وترحم عليه.
فعن الأصبغ بن نباتة قال: (دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فقال له: صف لي علياً؟ قال: أو تعفيني؟ فقال: لا، بل صفه لي.
قال ضرار: رحم الله علياً! كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن -والله- مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم.
فقال معاوية: زدني في صفته. فقال ضرار: رحم الله علياً كان -والله- طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار...
قال: فبكى معاوية وقال: حسبك يا ضرار! كذلك والله كان علي، رحم الله أبا الحسن)([19]).
هذا هو حال الإخوة في الزمن الماضي، لم يمنع اختلافهم في الاجتهاد من تراحمهم وخلو قلوبهم من الغل والبغضاء، والتاريخ خيرُ معين لفهم حوادث الزمن الماضي، بعيداً عن أقوال مبناها عاطفة هوجاء تتقاذف بالمسلم في كل صوب، وليس له من بعد ذلك إلا زيغ الشيطان وشبهاته تتحكم به، والعياذ بالله.
--------------
([1]) بحار الأنوار: (34/414).
([2]) المقالات والفرق: (ص:20).
([3]) فرق الشيعة: (ص:22).
([4]) انظر: رجال الكشي: (ص:107، 108).
([5]) رجال الطوسي: (ص:51).
([6]) رجال القهبائي: (3/284).
([7]) جامع الرواة: (1/485).
([8]) مستدرك الوسائل: (18/168) , مدينة المعاجز: (1/226).
([9]) نهج البلاغة: (ص:243), بحار الأنوار (31/502).
([10]) نهج البلاغة: (ص:366)، بحار الأنوار: (33/76).
([11]) نهج البلاغة: (ص:448)، بحار الأنوار: (33/306).
([12]) قرب الإسناد: (ص:45)، بحار الأنوار: (32/324).
([13]) تفسير مختصر مجمع البيان (3/308)، وانظر أيضاً: تفسير المعين، بيان السعادة، مقتنيات الدرر، الميزان، الكاشف في تفسير سورة الحجرات: (9-10).
([14]) وفي الأصل: من أهل الشام.
([15]) مستدرك الوسائل: (12/306)، بحار الأنوار: (32/399)، وقعة صفين: (ص:102).
([16]) نهج البلاغة: (ص:323)، بحار الأنوار: (32/561).
([17]) كشف الغمة: (1/519)، بحار الأنوار: (43/298)، عوالي اللآلي: (1/102).
([18]) انظر: كشف الغمة: (1/570)، بحار الأنوار: (44/64).
([19]) بحار الأنوار: (41/14)، أمالي الصدوق:(624).
-------------
المبحث الرابع: المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين
اتخذ أعداء الله والمبغضون لوحدة الصف الإسلامي مما وقع بين الصحابة في وقت الفتنة من الاختلاف والاقتتال سبباً وذريعة للوقيعة بهم، والنيل من عدالتهم.
وقد جرى على هذا المخطط الفاسد بعض الكتاب المتقدمين والمتأخرين من أهل البدع والضلال، الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون بما لا يحسنون، فجعلوا أنفسهم حكماً بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يصوبون بعضهم، ويخطئون آخرين بلا دليل وحجة، لا سبيل لهم إلا سبيل الجهل واتباع الهوى، وترديد ما يقوله المغرضون والحاقدون من المبتدعة وأذنابهم من الكتّاب الضالين، حتى شككوا الكثير من عوام المسلمين في كتاب الله ([1]) وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق الطعن في عدالة الناقلين.
وقد اتخذ هؤلاء الكتاب لتقوية باطلهم وكلامهم المأفون عدة شبه وأساليب ملتوية خبيثة في سبيل تشويه التاريخ، وزرع الفتن والبغضاء بين المسلمين، ومن تلك الأساليب:
أولاً: إسقاط عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
أشاع أولئك المرجفون بين العوام: كيف نأتمن ونطمئن بأخذنا القرآن والسنة من أناس قد وقعت منهم الذنوب والمعاصي؟ وكيف نأخذ ديننا من أناس قد حكم الله عليهم بالنفاق؟(12/324)
فعندما تُطرح مثل هذه الشبه والسموم على المسلمين، فإن ملقيها لن يقصد على اليقين أعرابياً من مغموري الصحابة، لم يفصّل التاريخ في خبره، أو يسهب في أثره، أو في صحابية من عامة الصحابيات زنت ثم اعترفت فرجمها النبي صلى الله عليه وسلم، أو من رجل كان مبتلى بشرب الخمر فأقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحد، ولا يريد بشبهته هذه أمثال حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي زل في رأيه ولم يوفق في اجتهاده، عندما أخبر قريشاً بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً، فكل أولئك رضي الله عنهم قد تابوا إلى الله عز وجل، إما باستغفار وإنابة منهم، أو بإقامة حد دنيوي عليهم.
لكنه يتوجه بشبهته وطعنه مباشرة إلى كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم، من خلال اختلاق القصص، وإبراز الخلافات بين هؤلاء الأطهار لتمهيد الطريق لإطفاء نور الله الذي سار عليه المسلمون، بإسقاط عدالة الصحابة ومن ثم يسهل عليهم ضرب كتاب الله، الذي نقلوه وحفظوه، ومن ثم سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، التي فيها تفصيل التشريعات الربانية، فيسهل بعد ذلك تفريق صفوف الإسلام والمسلمين، وجعل الفتن والبغضاء متأصلة بينهم.
وهذا ملاحظ فيما يشاع بين المسلمين، وما يقوم به أهل الفتن والتدليس من ترويج ونشر للأحاديث المكذوبة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كضرب الزهراء وإحراق بيتها، وضرب زوجها، واغتصاب خلافته من قبل كبار الصحابة، وغيرها كثير من الأكاذيب المتناثرة في الكتب الجامعة للأحاديث والروايات.
ومن العجيب في ذلك -والعجائب جمة- أننا لم نجد في هذه الروايات الداعية إلى الفرقة والاختلاف بين الصحابة رواية واحدة صحيحة، متصلة السند، إما مرفوعة إلى الإمام علي عليه السلام، أو لغيره من الصحابة، عن رواة عدول من شيعة آل البيت عليهم السلام تسند أمثال تلك المزاعم.
ولنكن على بينة وعلم:
1- إن الثناء على الصحابة قد تحقق في كتاب ربنا، وفي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذا على لسان العترة عليهم السلام ([2]).
2- إن مقولة: (إن من الصحابة منافقين) كذبٌ، لأن المنافقين ليسوا من الصحابة أساساً، والمنافقون كان جلهم معروفاً للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، بأعيانهم أو بأوصافهم؛ لأن آيات القرآن قد بينت كل حركاتهم وسكناتهم، بل حتى خلجات قلوبهم.
وإذا أخذنا غزوة تبوك مثلاً، وهي من أواخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أن هنالك من تخلف عنها بأعذار واهية، أو بدعوى خشية الافتتان بنساء الروم، وغيرها من الأعذار السَّمِجَة التي عادة ما يتعذر بها المنافقون حينما يكون هنالك جهاد في سبيل الله.
وقد ذكرها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، في حين أن الصحابة رضي الله عنهم خرج أغلبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق في المدينة إلا رجل معلوم النفاق، أو من له عذر عذره الله، أو من أذِن له النبي صلى الله عليه وسلم بالمكوث والتخلف.
ومما يدل على أن المنافقين معلوم أمرهم وأنهم ليسوا من الصحابة، أن رب العزة قد ذكر توبته على ثلاثة من أهل المدينة تخلفوا من غير عذر شرعي، وذلك لصدق توبتهم وعظيم إيمانهم، ووصف حالهم عند تخلفهم عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:117] إلى قوله تعالى: ((وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [التوبة:118].
ومن الجدير بالقول أن آيات سورة التوبة قسمت أهل المدينة بعد غزوة تبوك إلى ثلاثة أصناف, ولم تتكلم عن طائفة رابعة، وهي التي أذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف أمثال الإمام علي وابن أم مكتوم، ونفر من الفقراء الذين لم يجدوا ما يستعينون به على الخروج.
فبينت آيات سورة التوبة أن الرحمن تاب على الصحابة الذين شهدوا المعركة في الآية الأولى، وهم الصنف الأول، واستثنى في الآية الثانية المنافقين من مجتمع المدينة، الذين تخلفوا عن الخروج وهم من الصنف الثاني، ثم قص الله علينا شأن ثلاثة من الذين تخلفوا عن المعركة من الصحابة، وأنه سبحانه قد تاب عليهم، بسبب صدقهم مع نبيه صلى الله عليه وسلم وهم الصنف الثالث والأخير.
فأين النفاق في أولئك، مع وضوح الآيات الدالة على حقيقة ما وقع؟!
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا من أكثر الناس خوفاً من الله عز وجل خشية على أنفسهم أن يقعوا في النفاق.(12/325)
فعن سلام بن المستنير قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام، فدخل عليه حمران بن أعين فسأله عن أشياء، فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرنا -أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك- إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا وتهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الآمال، ثم نخرج من عندك، فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرة تصعب، ومرة تسهل، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، تخاف علينا النفاق؟ قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا ووجِلنا، ونسينا الدنيا وزهدنا، حتى كأنّا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والأولاد، يكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك، وحتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إن هذه من خطوات الشيطان ليرغبكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحاله التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا ثم يستغفروا، فيغفر لهم، إن المؤمن مفتّنٌ توابٌ، أما سمعت قول الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) [البقرة:222]، وقال تعالى: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)) [هود:3])([3]).
3- إن الصحابة رضي الله عنهم معصومون في إجماعهم، فلا يمكن أن يجتمعوا على شيء من كبائر الذنوب أو صغيرها فيستحلونها ويفعلونها، وأما وقوع المعاصي من بعضهم ففيه الدلالة على عدم عصمة أفرادهم، ولا يضر هذا الزلل في عدالتهم، ولا يحطّ من مكانتهم.
ومما يدل على عدالتهم على وجه العموم، ما قام به الأئمة عليهم السلام من تمحيص لروايات الصحابة التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا بعد الفحص والنظر صحابياً كذب كذبة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كثرة انتشار البدع في أواخر عهدهم كبدعة القدرية والخوارج والمرجئة، التي منشأها من تحكيم سقيم العقل وفساد الرأي، إلا أنه لم يوجد صحابي واحد في أولئك المبتدعة أبداً، وهذا يدل على أن الله قد اصطفاهم ورعاهم، وميزهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونشر دينه القويم.
قال أبو عبد الله عليه السلام: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار، ويقولون: اقِْض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير)([4]).
وقد أثبت الإمام الصادق عليه السلام عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على صدق ما يروونه في حديثهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان! قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقوا على محمد أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثم يجيبه بعد ذلك بما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً)([5]).
ولو جاء مدّعٍ بدليل على وقوع كذب في الصحابة أو حدوث نفاق في قلوبهم لقيل له مباشرة: فأين الدليل الصريح على استثناء بعضهم من هذا الادعاء؟
4- لا يلزم من إثبات العدالة للصحابة رضي الله عنهم إثبات العصمة لهم من الأخطاء فهم بشر يخطئون ويصيبون، وإن كانت أخطاؤهم مغمورة في بحور حسناتهم.
فلهم من السوابق والفضائل التي لن يلحقهم فيها أحد، فهم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم حين اجتمع عليه العرب، وجاهدوا بأموالهم وأولادهم وأنفسهم، وقاتلوا آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم، وبذلوا رقابهم لإعلاء كلمة الله، وكانوا سبباً في نشر ووصول هذا الدين العظيم إلينا، فهذه - بإذن الله-توجب مغفرة ما صدر منهم، ولو كان من أعظم الذنوب ما لم يصل إلى الكفر.
قال تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) [آل عمران:159].(12/326)
قال العلامة المجلسي: (وإذا زالت العدالة بارتكاب ما يقدح فيها، فتعود بالتوبة بغير خلاف ظاهراً، وكذلك من حُدّ في معصية ثم تاب رجعت عدالته وقبلت شهادته، ونقل بعض الأصحاب إجماع الفرقة على ذلك)([6]).
وقال السيد أبو القاسم الخوئي: (ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية، وتعود بالتوبة والندم، وإنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة)([7]).
وقال السيد محمد حسين فضل الله عن عدالة أئمة الجماعات المعاصرين، والذين هم أدنى منزلة ممن أكرمه الله بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العدالة ليست العصمة، فقد يعصي المؤمن العادل ثم يتوب بعد انتباهه لذلك، على هدي قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) [الأعراف:201], وأما كيف تثبت العدالة؟
فذلك بحسب الظاهر في سلوكه العام في المجتمع، بحيث يرى الناس فيه الإنسان المستقيم في دينه، وفي أخلاقه الفردية، أو الاجتماعية المرتبطة بالحدود الشرعية، كما تثبت بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، وبخبر الثقة بعدالته، ولا قيمة لخبر الفاسق في العدالة سلباً أو إيجاباً)([8]).
ثانياً: تشويه سيرة الصحابة رضي الله عنهم:
مما سبق بيانه وتفصيله عرفنا أن أعداء الإسلام والمفرقين لشمل المسلمين قد استخدموا أساليب خطيرة ومتنوعة لبلوغ غاية عظيمة ألا وهي تشويه حياة وسيرة الصحابة رضي الله عنهم، واستحلوا جميع الدروب والوسائل لتحقيق هذه الغاية، مما أدى إلى نتائج وخيمة وعواقب أليمة، كاستحلال لعنهم وسبهم، وإلصاق كل قبيح بهم.
وزيادة على ما مضى ذكره من أساليب قذرة، نزيد في بيان بعضها، ومنها:
1- اختلاق القصص، سواء كانت على لسان صحابي أو عدة من الصحابة رضي الله عنهم.
2- القيام بالزيادة في الحوادث الصحيحة أو النقصان منها، أو بإسنادها كذباً إلى كتب حديثية غير موجودة فيها.
3- القيام بتأويل الأحداث الصحيحة في آيات القرآن، والأحاديث النبوية الصحيحة تأويلاً باطلاً يتماشى مع أهوائهم ومعتقداتهم وبدعهم، كما قال الله عز وجل: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)) [آل عمران:7].
4- التركيز على إظهار أخطاء الصحابة رضي الله عنهم التي صدرت منهم لقرب عهدهم - في بدء الدعوة والإسلام - بالجاهلية وتأثرهم بشيء منها في أول أمرهم، ومن ثم تغطية محاسنهم وتضحياتهم وجهادهم العظيم، بعد تمكّن التربية والإيمان في قلوبهم.
5- القيام بتأليف أبيات من الأشعار ونسبتها لشخصيات بارزة، والتي تتماشى مع دعوتهم في نشر فتنتهم بين المسلمين وتقويتها، مثلما نُسِب كذباً وزوراً لعلي بن أبى طالب عليه السلام الكثير من الأقوال والأبيات الشعرية([9]).
ثالثاً: الغلو.. والتقول على العترة الكرام:
إن البهتان والتقول على العترة عليهم السلام حين ابتدأ أمره في زمنهم، ارتفعت أصواتهم عليهم السلام بالنهي عنه، وحذروا شيعتهم من خطورة التقول عليهم.
فجاء عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (رحِم اللهُ عبداً حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم، أما والله! لو يروون محاسِن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكنّ أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشراً)([10]).
وقال أيضاً: (إن ممن ينتحل هذا الأمر - يعني من: يدَّعي اتباعهم- ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه)([11]).
وقال كذلك: (إن الناس أولعوا بالكذب علينا، إن الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره، وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك بأنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا)([12]).
ولأهمية الصدق والاتصاف به رغَّب العترة شيعتهم أن يتحلوا بهذا الخلق المبارك فمن ذلك ما قاله أبو عبد الله عليه السلام: (إنّا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه , وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ)([13]).
وعن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لعن الله عبد الله بن سبأ! إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدَا لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم)([14]).(12/327)
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فيك مثلاً من عيسى أبغضته يهود خيبر حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزلة التي ليس له ألا فإنه يهلك فيّ اثنان: محب مفرط يفرط بما ليس فيَّ، ومبغض يحمله بغضعه على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يُوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم)([15]).
والغلو داء فتاك في كل عمل وقول، وتستفحل خطورته أكثر إذا كان في جانب الدين، فما الظن إن كان الغلو هو القائد في الحب أو البغض.
لأجل هذا حذر منه الأئمة، فجاء عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: (اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً)([16]).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: (الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدعون الربوبية لعباد الله، واللهِ إن الغلاة لشرٌ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا)([17]).
وجميع تلك الأساليب والطرق كانت -وما زالت- منذ وجودها طريقاً إلى تجدد العهد بشتم الصحابة وانتقاصهم وطرح عدالتهم، وغيرها من المثالب.
---------------
([1]) قال الكاشاني: وأما اعتقاد مشايخنا (ره) في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن؛ لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي (ره)، فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبى طالب الطبرسي، فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتابه الاحتجاج. (تفسير الصافي - المقدمة السادسة: (52), وانظر: كذلك تفسير القمي: (1/23)، آراء حول القرآن - آية الله علي الأصفهاني: (88)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة - للميرزا حبيب الله الخوئي: (2/197).
([2]) انظر: (ص:19-48) من هذا الكتاب.
([3]) الكافي:(2/423), بحار الأنوار: (6/41), تفسير العياشي: (1/109), مجموعة ورام: (2/210).
([4]) الخصال: (2/639)، بحار الأنوار: (22/305).
([5]) الكافي: (1/65)، بحار الأنوار: (2/228).
([6]) بحار الأنوار: (85/30).
([7]) منهاج الصالحين: (2/12).
([8]) المسائل الفقهية: (2/174).
([9]) انظر: بحار الأنوار: (20/72، 118، 146، 238، 264، 21/35، 251)، مستدرك الوسائل: (8/119)، (13/75).
([10]) الكافي: (8/229).
([11]) الكافي: (8/254)، بحار الأنوار، (25/296)، رجال الكشي: (ص:297).
([12]) بحار الأنوار: (2/246).
([13]) رجال الكشي: (ص:108)، بحار الأنوار: (25/287).
([14]) رجال الكشي: (ص:107)، بحار الأنوار: (25/286).
([15]) بحار الأنوار: (ص:35، 317)، العمدة: (ص:211).
([16]) بحار الأنوار: (25/284).
([17]) بحار الأنوار: (25/284).
-------------
المبحث الخامس: الموقف الصحيح (الحق) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
إن الموقف الصحيح فيما حدث بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو موقف الاعتدال والوسط، بعيداً عن الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، كما قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143].
فواجب علينا أن نتولى جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان، ونعرف فضلهم ومناقبهم ودرجاتهم كما ذكر الله عز وجل في كتابه، وما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نمسك عما شجر بينهم في تلك الأزمنة.
وأن نعلم أن ما وقع بينهم بعد مقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه من فتنة فمرجعه إلى تأويل واجتهاد، إذ كان كل واحد منهم يظن أنه على الحق دون غيره، مثلما كان يقول الإمام علي عليه السلام لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنّا على الحق ورأوا أنهم على الحق)([1]).
وعلينا أن نقتدي ونهتدي بهدي الأئمة الأطهار عليهم السلام فلا نلعن ولا نسب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنكون ممن قال الله تعالى فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:(12/328)
((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا)) أي يدعون ويستغفرون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ)) أي حقداً وغشاً وعداوة للمؤمنين، ولا إشكال أن من أبغض مؤمنا، وأراد به السوء لأجل إيمانه فهو كافر، وإذا كان لغير ذلك فهو فاسق([2]).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني من بعد هؤلاء وهؤلاء، وهم سائر التابعين لهم إلى يوم القيامة ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) أي أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم من المؤمنين بالمغفرة والتجاوز عن الذنوب ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) أي لا تجعل فيها حقدا ولا كرها ولا غشا، واجعل قلوبنا معصومة عند ذلك لا تحب لهم إلا الخير ((رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) أي متجاوز عن خطاياهم متعطف عليهم بالرزق والمغفرة([3]).
ولله در الإمام العابد الزاهد زين العابدين عليه السلام حين سنّ لنا منهجاً مباركاً يسير عليه أحبابه وشيعته، وذلك لما قدم إليه نفر من أهل العراق، فخاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: (ألا تخبروني، أنتم من الذين قال الله فيهم ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8]؟ قالوا: لا.
قال: فأنتم من الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]؟ قالوا: لا.
قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، اخرُجُوا عني، فعل الله بكم)([4]).
ولنتذكر قول المولى سبحانه: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].
قال محمد جواد مغنية:
هذه الآية تشير إلى مبدأ عام، وهو أن نتائج الأعمال وآثارها تعود غداً على العامل وحده، لا ينتفع بها من ينتسب إليه إن تكن خيراً، كما لا يتضرر بها غيره إن تكن شراً، وقرر الإسلام هذا المبدأ بأساليب شتى، منها الآية (164) من سورة الأنعام: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))، ومنها الآية (39) من سورة النجم: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى))... ومنها قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لوحيدته فاطمة ([5]): (يا فاطمة، اعملي ولا تقولي: إني ابنة محمد؛ فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً) وأمثال ذلك , والتبسط في هذا الموضوع إن دل على شيء فإنما يدل على أننا حتى اليوم نجهل أوضح الواضحات, وأظهر البديهيات([6]).
وإذا أردت أن ترى المنهج الواقعي في حياة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في إظهار محبة الصحابة والترابط الذي كان بينهم فاقرأ ما يأتي.
--------------
([1]) قرب الإسناد: (ص:45)، بحار الأنوار: (32/324).
([2]) تفسير مختصر مجمع البيان، وانظر: تفسير الكاشف، المنير (سورة الحشر:10).
([3]) تفسير الجديد (سورة الحشر:10).
([4]) كشف الغمة: (2/78).
([5]) الصحيح أنها ليست وحيدته بل من بناته أم كلثوم، ورقية، وزينب وإن كانت الزهراء ‘ أفضلهن. انظر: (ص:31) من هذا الكتاب.
([6]) تفسير الكاشف: (سورة البقرة آية:134).
________________________________________
المبحث السادس: الأسماء والمصاهرات بين الصحابة رضي الله عنهم والآل عليهم السلام
لم يستطع بعض الجهلة إخفاء الحقائق التاريخية الدالة على ما حصل بين الصحابة وآل البيت عليهم السلام من محبة ومودة فيما بينهم ومن ذلك تسمية بعضهم بأسماء بعض، أو ما وقع بينهم من مصاهرات.
فهؤلاء الأطهار لم يسموا أو يزوجوا أولادهم لمصالح دنيوية، أو لإدراك مناصب فانية أو طمعاً في كثرة مال وعَرَض، لكنهم إنما سموا أولادهم بأسماء من يُقتدى بحالهم، وزوَّجوا بناتهم أناساً فيهم صفات طيبة مباركة حرصوا على نيلها مثل سلامة الدين وصفاء القلوب، وهذا الحرص كان نابعا من اتباعهم منهج سيد البشر المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانوا يفتون به لشيعتهم المخلصين.(12/329)
فعن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: (كتبت إلى أبي جعفر؛ في التزويج، فأتاني كتابه بخطه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، ((إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) [الأنفال:73] ([1]).
وفي فقه الإمام الرضا عليه السلام: (إن خطب إليك رجل رضيتم في دينه وخلقه فزوجوه ولا يمنعك فقره وفاقته، قال تعالى: ((وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ)) [النساء:130])([2]).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله عز وجل لم يترك شيئاً مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه صلى الله عليه وسلم فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: إن جبريل عليه السلام أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر، إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة، وإلا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر.قال: فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله! فمن أزوج؟ قال: الأكفاء. قال: يا رسول الله! من الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض)([3]).
وقال الصادق عليه السلام: (الكفو أن يكون عفيفاً وعنده يسار)([4]).
وقد حذر العترة عليهم السلام من تزويج أولادهم من النواصب أو أصحاب الكبائر والمعاصي، لا سيما الكفار والمنافقين المرتدين.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك)([5]).
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له الفضيل: (أتزوج الناصبة؟ قال: لا، ولا كرامة. قلت: جعلت فداك، والله! إني لأقول لك هذا، ولو جاءني ببيت ملآن دراهم ما فعلت)([6]).
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (تزوج اليهودية والنصرانية أفضل، أو قال: خير من تزوج الناصب والناصبة)([7]).
وعن أحمد بن محمد رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (من زوج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها)([8]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زوج كريمته بفاسق نزل عليه كل يوم ألف لعنة، ولا يصعد له عمل إلى السماء، ولا يستجاب له دعاؤه، ولا يقبل منه صرف ولا عدل)([9]).
وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضا: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شارب خمر لا يُزوج إذا خطب)([10]).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من زوج كريمته من شارب خمر فكأنما ساقها إلى الزنا)([11]).
وعن الحسين بن بشار الواسطي قال: (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: إن لي قرابة قد خطب إلي، وفي خلقه سوء! قال: لا تزوجه إن كان سيئ الخلق)([12]).
فلا يعقل بعد هذا، ويستحيل حدوثاً أن يقدم آل البيت الأطهار على تزويج أولادهم من أناس مطعون في دينهم أو خلقهم.
ومما يدل على مراعاتهم لهذه القضية الهامة - مع خالص النصح فيما بينهم على الخير والإعانة عليه- أن أبا بكر وعمر وعثمان يسعون في تزويج فاطمة لعلي.
فعن الضحاك بن مزاحم قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: (أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له فاطمة)([13]).
وهذا نصح من الصحابين الجليلين للإمام علي عليه السلام تظهر رغبة الصحابة في مصاهرة علي بن أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما كان علي عليه السلام معسراً، قليل ذات اليد، لم يبخل أو يتقاعس عنه إخوانه بشيء عند زواجه.
وممن شارك في مساعدة الإمام علي في زواجه من فاطمة الزهراء عثمان بن عفان رضي الله عنه.
يقول الإمام علي عليه السلام راويا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك وأتني بثمنها حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما قال علي: فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية إلى عثمان بن عفان، فلما قبضت الدراهم منه، وقبض الدرع مني، قال: يا علي! ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟! فقلت: بلى، قال: فإن هذا الدرع هدية مني إليك! فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله، فطرحت الدرع والدراهم بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير)([14]).
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بأن يشتروا للزهراء ما تحتاجه للعرس بإشراف من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ([15]).
فالخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم خاصة، وغيرهم من الصحابة، ممن ساهم واشترك بل وممن أشهدهم النبي صلى الله عليه وسلم على زواج الإمام علي عليه السلام من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لهم الدور الفعال في إتمام هذا الزواج المبارك.(12/330)
قال أنس رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: (انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أخذوا مجالسهم قال: إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي، على أربعمائة مثقال من فضة)([16]).
ولا يخفى عليك -أيها القارئ الكريم- أن أهل البيت عليهم السلام من أحرص الناس على تزويج أولادهم من أهل الصلاح والتقى، وهم كذلك من أبعد الناس عن تزويج أولادهم للفساق والمنافقين ولا سيما النواصب والمرتدين، ومن ادعى أنهم زوجوا مرتداً أو منافقاً أو فاسقاً فقد أعظم عليهم الفرية، واتهمهم بمخالفة أفعالهم أقوالهم وهو شيء مقته الله على بني إسرائيل وعلى غيرهم، قال تبارك وتعالى: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44]، والمحب يجلّ أهل البيت عليهم السلام من هذه الصفة، ويعتقد في حقهم أنهم ما زوجوا إلا عدلاً صالحاً.
وإليك أيها القارئ بعضاً من مصاهرات وأسماء أولاد أهل البيت عليهم السلام، لتعلم مقدار التداخل بين العترة والصحابة الدال على الحب والوفاق والود؛ لأنهم عليهم السلام يعتقدون صلاح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجوهم، وتزوجوا منهم، وسموا أبناءهم بأسمائهم.
1) الرسول صلى الله عليه وسلم:
من زوجاته: عائشة بنت أبي بكر الصديق.
حفصة بنت عمر بن الخطاب.
رمله بنت أبي سفيان.
أسماء من صاهروه: علي بن أبي طالب: وقد تزوج ابنته (فاطمة).
عثمان بن عفان: وقد تزوج ابنتيه (رقية) ثم (أم كلثوم).
أبو العاص بن الربيع، وقد تزوج ابنته (زينب).
2) علي بن أبي طالب عليه السلام:
من زوجاته - بعد وفاة فاطمة عليها السلام-:
أسماء بنت عميس (أرملة أبي بكر الصديق).
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع(أمها زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم).
من أولاده: أبو بكر، عمر، عثمان.
أسماء من صاهروه: عمر بن الخطاب، وقد تزوج ابنته (أم كلثوم).
عبد الرحمن بن عامر بن كريز الأموي، وقد تزوج ابنته (خديجة).
معاوية بن مروان بن الحكم، وقد تزوج ابنته (رملة).
المنذر بن عبيدة بن الزبير بن العوام، وقد تزوج ابنته (فاطمة).
3) عقيل بن أبي طالب: من أولاده: عثمان
4) الحسن بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي.
حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
من أولاده: أبو بكر، عمر, طلحة.
أسماء من صاهروه: عبد الله بن الزبير بن العوام، وقد تزوج ابنته (أم الحسن).
عمرو بن الزبير بن العوام، وقد تزوج ابنته (رقية).
جعفر بن مصعب بن الزبير، وقد تزوج ابنته (مليكة).
5) الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: ليلى بنت أبي مرة (أمها ميمونة بنت أبي سفيان).
أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي([17]).
من أولاده: أبو بكر، عمر.
أسماء من صاهروه: عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وقد تزوج ابنته (فاطمة). مصعب بن الزبير بن العوام، وقد تزوج ابنته (سكينة).
6) إسحاق بن جعفر بن أبي طالب:
من زوجاته: أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
7) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:
من أولاده: أبوبكر و معاوية
صاهره: عبدالملك بن مروان، وقد تزوج ابنته (أم أبيها)
8) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (زين العابدين) ويكنى بأبي بكر([18]):
من زوجاته: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
من أولاده: عمر.
9) زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
صاهره: الوليد بن عبد الملك بن مروان، وقد تزوج ابنته (نفيسة).
10) الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أمينة بنت حمزة بن المنذر بن الزبير بن العوام.
11) الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: رملة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي.
صاهره: الوليد بن عبد الملك بن مروان وقد تزوج ابنته (زينب).
12) محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر.
13) محمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
14) موسى (الجون) بن عبد الله المحض بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
صاهره: ابن أخي المنصور العباسي، وقد تزوج ابنته (أم كلثوم).
15) الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام
16) عبيد الله بن محمد بن عمر (الأطرف) بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: عمة أبي جعفر المنصور.
17) جعفر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر
18) الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين:
من زوجاته: خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام
19) الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر
20) جعفر (الصادق) بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
قال الإمام الصادق عليه السلام: (ولدني أبو بكر مرتين)([19]), وكان يقال له: (عمود الشرف)([20]).(12/331)
21) الحسن (الأفطس) بن علي بن علي زين العابدين بن الحسين:
من زوجاته: بنت خالد بن أبي بكر بن عبدالله بن عمر بن الخطاب
22) محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر
23) موسى بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: عبيدة بنت الزبير بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام.
24) جعفر الأكبر بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: فاطمة بنت عروة بن الزبير بن العوام
25) عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أم عمرو بنت عمرو بن الزبير بن عروة بن عمر بن الزبير
26) محمد بن عوف بن علي بن محمد بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: صفية بنت محمد بن مصعب بن الزبير
27) محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: فاختة بنت فليح بن محمد بن المنذر بن الزبير
28) موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
29) جعفر بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: فاطمة بنت عروة بن الزبير بن العوام.
30) عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: أم عمرو بنت عمرو بن الزبير بن عروة بن الزبير بن العوام.
31) محمد بن عوف بن علي بن محمد بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: صفية بنت محمد بن مصعب بن الزبير.
32) الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر
33) علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر
34) موسى(الكاظم) بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي:
من أولاده: عمر , عائشة.
35) علي بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من زوجاته: فاطمة بنت عثمان بن عروة بن الزبير بن العوام.
36) يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
من أولاده: عمر.
37) علي (الرضا) بن موسى بن جعفر الصادق. ويكنى بأبي بكر ([21]):
من زوجاته: أم حبيب بنت المأمون العباسي
له من الأولاد خمسة ذكور وبنت واحدة واسمها: عائشة. ([22])
38) جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق:
من بناته: عائشة
39) محمد (الجواد) بن علي بن موسى بن جعفر:
من زوجاته: أم الفضل بنت المأمون العباسي
40) علي (الهادي) بن محمد بن علي بن موسى:
من بناته: عائشة.([23])
وهذا الترابط والتلاحم الأسري المبارك، بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة وغيرهم في التزاوج، وتسمية بعضهم بأسماء بعض، وكثرة المصاهرات بينهم، إنما تدل دلالة واضحة على مودتهم لبعضهم بعضاً, واستقامة دينهم ومنهجهم، وسلامة قلوبهم وألسنتهم فيما بينهم، لا كما يروج أصحاب الفتن والبغضاء، فتنبه رعاك الله.
----------
([1]) الكافي: (5/347), تهذيب الأحكام: (7/396), وسائل الشيعة: (20/77).
[2])) فقه الرضا: (ص: 235) , مستدرك الوسائل: (14 / 188) , بحار الأنوار: (100 / 372).
([3]) الكافي: (5/337)، تهذيب الأحكام: (7/397)، وسائل الشيعة: (20/61.
([4]) من لا يحضره الفقيه: (3/394).
([5]) الكافي: (5/348)، الاستبصار: (3/183)، وسائل الشيعة: (20/549).
([6]) الكافي: (5/348).
([7]) الكافي: (5/351).
([8]) الكافي: (5/347)، تهذيب الأحكام: (7/398)، وسائل الشيعة: (20/79)، عوالي اللآلي: (3/341).
([9]) إرشاد القلوب: (1/174), مستدرك الوسائل: (5/279).
([10]) الكافي: (5/348)، تهذيب الأحكام: (7/398)، وسائل الشيعة: (20/79)، عوالي اللآلي: (3/341).
([11]) مستدرك الوسائل: (14/191) , عوالي اللآلي: (1/272).
([12]) الكافي: (5/563)، من لا يحضره الفقيه: (3/409)، وسائل الشيعة: (20/81)، مستدرك الوسائل: (14/192)، بحار الأنوار: (100/234).
([13]) انظر: أمالي الطوسي: (ص:39) , بحار الأنوار: (43/93).
([14]) انظر كشف الغمة: (1/358)، بحار الأنوار: (43/130).
([15]) انظر: أمالي الطوسي: (ص:40)، بحار الأنوار: (43/94).
([16]) كشف الغمة: (1/348)، بحار الأنوار: (43/119).
([17]) وكان أخوه الحسن قد أوصاه عند موته أن ينكح أم إسحاق.
([18]) فرق الشيعة للنوبختي: (ص:53).
([19]) أي من قبل أمهاته: فأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, وجدته والدة أم فروة هي: أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر. انظر كشف الغمة: (2/161).
([20]) سر السلسلة العلوية: (33), عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: (195).
([21]) ذكر النوري الطبرسي في كتابه / النجم الثاقب في ألقاب وأسماء الحجة الغائب: 14 – أبو بكر وهي إحدى كنى الإمام الرضا كما ذكرها أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين.
([22]) كشف الغمة: (2: 267)
([23]) ومن أراد الإطلاع على هذه الحقائق فعليه أن يقرأ الكتب التي تتطرق للأنساب، وهي كالتالي:(12/332)
(عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة , الأصيلي في أنساب الطالبيين لابن الطقطقي, سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري , الإرشاد للشيخ المفيد, منتهى الآمال للشيخ عباس القمي , تراجم أعلام النساء لمحمد حسين الأعلمي الحائري , كشف الغمة في معرفة الأئمة للأربلي , الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري , أعيان النساء للشيخ محمد رضا الحكيمي, تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح , بحار الأنوار محمد باقر المجلسي, مقاتل الطالبيين لأبي فرج الأصفهاني, أنساب الأشراف للبلاذري , نسب قريش لمصعب الزبيري).
المبحث السابع: سؤال وجواب
أيها القارئ الكريم! بين يديك مجموعة من التساؤلات والاستفسارات نسمعها بين وقت وآخر من أهل الشبه والافتراءات، ممن يريد أن يقذف بأحقاده، وينفث عن كراهيته من خلال طعنات واهية كأمثال السراب، يريد من ورائها أن يوهن العلاقة الحميمة بين المسلمين وبين الصحابة، ومن ضمنهم آل بيت النبي عليهم السلام، أو يقصد اللمز والغمز على الصحابة رضوان الله عليهم، من خلال إظهار المساوئ وإلصاق التهم بهم، ويجهل هذا المأفون أن غمزه وسبه يلحقه ولا يضر جبال الخير شيئاً.
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وما ستقع عليه عيناك أيها القارئ الكريم هي مجموعة من الشّبه التي يتعلق بها بعض الجهلة أو الحاقدين تجاه من سبقنا في اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جعلت هذه الشّبهات على شكل أسئلة، يلحق كل سؤال الجواب عليه ليستبين الحق بإذن الله تعالى، ويوفقنا الله للسير على صراط الحق المبين.
السؤال الأول:
كيف يمكن لنا أن نقول بعدالة الصحابة جميعاً، والله تبارك وتعالى قد صرح بردتهم جميعاً بعد وفاة نبيه إلا ثلاثة منهم([1])، مثلما جاء في قوله تبارك وتعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران:144].
الجواب:
أولاً: يجب على القارئ لكتب التفسير أن يختار من يقرأ له من المفسرين، فيتحرى أصحاب العقائد الصحيحة، ممن شهد له العلماء المجتهدون بالعلم والفضل، ويكون على إلمام بأصول التفسير كأسباب نزول القرآن، والناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، وغيره حتى لا يفسر أو يأوّل كلام الله تعالى من غير علم.
ثانياً: ذكر علماء التاريخ، وكذا المفسرون أن تلك الآية نزلت في واقعة محددة معلومة، وهي انهزام المسلمين في غزوة أحد، وكانت هذه الواقعة من أوائل الغزوات التي قاتل فيها المسلمون، فكيف يكون ما نزل في بداية الهجرة، وفي حادثة معينة محددة، دليلاً على ردة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره: سبب النزول، أن الآية الأولى من هاتين الآيتين ناظرة أيضاً إلى حادثة أخرى من حوادث معركة أحد، وهي الصيحة التي ارتفعت فجأة في ذروة القتال بين المسلمين والوثنين: أن قتلت محمداً، قتلت محمداً([2]).
وقال محمد جواد مغنية في تفسيره: تشير هذه الآية إلى واقعة معينة وهي واقعة أحد([3]).
ثالثاً: سياق الآية لا يدل على ردة الصحابة، بل فيه معاتبة وإرشاد من الله عز وجل للصحابة على ما كان منهم من هلع وجزع في غزوة أحد، عندما قيل لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتل , فيخبر الله هؤلاء النفر: أن محمداً بشر، اختاره الله لرسالته إلى خلقه وقد مضت قبله رسل، بعثهم الله لأقوامهم فأدوا الرسالة ومضوا وماتوا، وقُتل بعضهم، وأنه كما ماتت الرسل قبله سيموت صلى الله عليه وسلم، فليس الموت بمستحيل عليه ولربما القتل، ثم أكد ذلك، فقال سبحانه: ((أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] معناه: أفإن أماته الله، أو قتله الكفار، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم فسمي الارتداد انقلاباً على العقب: وهو الرجوع القهقرى؛ لأن الردة خروج إلى أقبح الأديان، كما أن الانقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي.
والألف في قوله (أفإن مات): ألف إنكار، صورته صورة الاستفهام، كما في قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ)) [الأنبياء:34].
رابعاً: كيف نحكم على من انهزم من الصحابة بالردة وقد عفا الله عنهم بقوله:
((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)) [آل عمران:155]؟!(12/333)
خامساً: إن هذه الآية تذكرنا بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشجاعته وقوة تعلقه بالله تبارك وتعالى، واستحضاره لآياته عند المواقف الصعبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران:144].
حينما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صدمة من شدة الموقف، فمنهم من أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم كعمر بن الخطاب رضي الله عنه لشدة تعلق قلبه بحبيبه، ومنهم من التزم الصمت وهو في حيرة، وارتد كذلك كثير من الأعراب عن الإسلام بسبب موت النبي صلى الله عليه وسلم، وترك بعضهم الزكاة وغيرها كما أسلفنا.
سادساً: من المعلوم أن الذي يرتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يقال عنه صحابي؛ لأن الصحابي في الشرع كما أسلفنا هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام، والذي يرتد عن الإسلام لا يكون منهم.
السؤال الثاني:
كيف يمكن لنا أيضاً أن نحكم على عدالة وصدق من حكم الله على ردتهم وتبديلهم لدينهم يوم القيامة، مثلما هو وارد في حديث الحوض، والذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي)، ثم أتاه الجواب الحاسم من ربه: إنهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم؟
الجواب:
يمكن توجيه هذا الاستدلال إلى الفهم الصحيح من خلال الآتي:
أولاً: أن المراد بالأصحاب هنا هم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تبارك وتعالى: ((إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)) [المنافقون:1].
والمنافقون فيهم من عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم باطنه - وهم الأكثر- وفيهم من لم يعلمه وأولئك الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي) كانوا من المنافقين الذين خفي باطنهم على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال جل وعلا: ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)) [التوبة:101].
فالذين قال فيهم (أصحابي) عند الحوض كانوا من المنافقين المتواجدين في المدينة، والذين كان يظن صلى الله عليه وسلم أنهم من الصحابة، ولم يكونوا كذلك، لعدم معرفته صلى الله عليه وسلم للغيب وأحوال الناس الباطنة، وكان الحكم الشرعي يقتضي الحكم على الظاهر فقط.
ثانياً: قد يكون المراد بالأصحاب هنا أولئك الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كحال الكثير من العرب المرتدين، وممن أسلموا في السنوات الأخيرة.
روى المجلسي في البحار عن السيد ابن طاوس أنه قال: ذكر العباس بن عبد الرحيم المروزي في تاريخه: لم يلبث الإسلام بعد فوت النبي صلى الله عليه وسلم في طوايف العرب إلا في أهل المدينة وأهل مكة وأهل الطائف، وارتد ساير الناس.
ثم قال: ارتد بنو تميم والرباب واجتمعوا على مالك بن نويرة اليربوعي، وارتدت ربيعة كلها، وكانت لهم ثلاث عساكر، باليمامة مع مسيلمة الكذاب، وعسكر مع معرور الشيباني، وفيه بنو شيبان وعامة بكر بن وايل وعسكر مع الحطيم العبدي، وارتد أهل اليمن ارتد الأشعث بن قيس في كندة، وارتد أهل مأرب مع الأسود العنسي وارتد بنو عامر إلا علقة بن علاثة([4]).
ثالثاً: قد يراد بكلمة (أصحابي) كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الطريق القويم، ولو لم يره، ويدل على هذا رواية: (أمتي، أمتي) ورواية: (إنهم أمتي).
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعرفهم)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه يعرف هذه الأمة من آثار الوضوء.
وهذا كما قال الله عز وجل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)) [الفرقان:30] فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقصد بالقوم أصحابه ومن كان في زمنه، بل يقصد ما سيحدثه أتباعه من أمته من بعده بهجرانهم للقرآن.
فهؤلاء هم الذين يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي). فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.. أي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم.
السؤال الثالث:
كيف نقول بعدالة الصحابة، والله قد ذمهم في عدة مواضع في كتابه بآيات صريحة:(12/334)
مثل قوله سبحانه عند تثاقلهم عن الجهاد: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ)) [التوبة:38].
وجاء وعيد الله وتحذيره لهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [المائدة:54], وأيضاً ذم الله عدم خشوع قلوبهم لذكره، كما في قوله تعالى: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) [الحديد:16].
أو عند تركهم للنبي صلى الله عليه وسلم عند قدوم التجارة، فقال تعالى: ((وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [الجمعة:11].
الجواب:
أولاً: يجب على المسلم أن يكون باحثاً عن الحق تاركاً للتعصب الفكري، طالباً للهداية كما نقرأ في صلاتنا قوله تعالى: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6]، وأن يجتنب الباطل ولو كان صادراً من عالم أو شيخ يقلده؛ لأن الله ذم أهل التعصب، الذين قالوا: ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23].
ثانياً: لا بد أن نعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير معصومين من الخطأ، والإسلام حفظهم من رذائل الجاهلية التي كانت متفشية في مجتمعاتهم.
فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم داعياً إلى توحيد الله بفعل الطيبات، وترك ما كانوا عليه من مفاسد، استجابوا له وآمنوا به اختياراً منهم، فعلمهم الله ووجههم إلى الخير والصلاح، ونهاهم وحذرهم من المحرمات، فكان يناديهم في كتابه العزيز بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)).
فالصحابة رضي الله عنهم قد تعلموا عن طريق الأخطاء الناتجة من بعضهم بسبب جهلهم بهذا الدين الجديد أو تأثرهم بالجاهلية، وهذا يشمل الصحابة من آل البيت كالعباس وحمزة وجعفر الطيار وغيرهم من الصحابة من غير آل البيت.
وهذه الأوامر والنواهي والتحذيرات لم ولن تختص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط بل هي حجة على الأمم المتبعة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثالثاً: الله تبارك وتعالى فرّق في ندائه بين أهل الإيمان وأهل الكفر، فحينما ينادي أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)).
وحين يوجه كلامه للكفار أو لعموم الناس، مؤمنهم وكافرهم كان يقول في خطابه لهم: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)).
رابعاً: لنفترض جدلاً أننا وإن لم نفهم القرآن ونفقه تفسيره، ماذا سيكون جوابنا حينما يقول لنا أحد المستشرقين المتعصبين: إن نبي الإسلام محمد بن عبد الله يطيع الكفار والمنافقين مثلما جاء في القرآن: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الأحزاب:1].
بل يدعي على ديننا فيقول: إن نبيكم يحلل ما حرمه الله فقط لإرضاء زوجاته، مثل ما في القرآن: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [التحريم:1], أو أن نبيكم كان يريد أن يصلي على المنافقين ليترحم عليهم: ((وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)) [التوبة:84].
فلابد أن يكون جوابك أيها المحب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعصي ربه فيما أمره به والآيات تفيد بأن الله تعالى يعلّم نبيه شرعه ودينه ليبلغه للناس، كما قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)) [الأحزاب:45].
كما أن الله تبارك وتعالى قد بين في كثير من المواضع في كتابه العزيز، كقوله تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)) [التحريم:9].(12/335)
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)) [الأحزاب:59].
خامساً: ما جوابنا يا ترى حينما يقول لنا أحد النواصب قاصداً الطعن بالإمام علي عليه السلام، ومستدلاً في طعنه عليه بظاهر القرآن والروايات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لنا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله عز وجل آية وفيها قوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) إلا وعلي عليه السلام رأسها وأميرها)([5]).
ودليل هذا ما ثبت في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام قوله: (ليس في هذا القرآن ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) إلا في حقنا)([6]).
فالجواب على هذا الناصبي لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يكون كالجواب على ذلك الناصبي الذي ناصب العداء عموماً لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم!!
السؤال الرابع:
كيف نقول بعدالة الصحابة، وهم قد عارضوا النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، بسبب عصيانهم لأمره، عندما أمرهم أن يحلقوا وينحروا فلم يستجيبوا لأمره؟ بل إن عمر صرح بالمعارضة لقرار النبي صلى الله عليه وسلم في اتفاقه وصلحه مع المشركين فقال للنبي: (ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، فقال عمر: فلم نعط الدنية من ديننا إذاً)؟
الجواب:
أولاً: يجب على المسلم ألا يقذف التهم جزافاً من غير تبيين وتمحيص لأسباب الحوادث، وينبغي عليه أن يكون منصفاً إن أراد الحق، ولا يشنع ويقسو ابتداءً على أحد، وخاصة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بغير علم، ولابد أن يعرف مقدار حب الصحابة لنبيهم، والذي تجلى واضحاً في أحوال ومناسبات عديدة، ومنها مبادرتهم إلى التبرك بأثره صلى الله عليه وسلم من أخذ فضل وضوئه، ولم يكن ليبصق صلى الله عليه وسلم بصاقاً ولا يتنخم نخامة إلا ويتلقونها بأكفهم فيدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولم تسقط منه شعرة صلى الله عليه وسلم إلا ويبتدرون إلى أخذها لنيل البركة منه، مثلما جاء في رواية عروة بن مسعود([7]).
ثانياً: الصحابة في صلح الحديبية لم يعصوا النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمرهم، بل كان لهم شوق عظيم لبيت الله الحرام، فتمنوا عندما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقطع العمرة والتحلل بحلق رؤوسهم لو يغيّر النبي صلى الله عليه وسلم من حكمه، أو ينزل الله تبارك وتعالى شيئاً من الوحي يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يدخل مكة، فانتظروا جميعهم (بلا استثناء) لعل شيئاً من ذلك يقع!، ولذلك تمهلوا قليلاً في تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في حدوث مثل هذا الرجاء، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم عليهم حالقاً وناحراً هديه، علم الصحابة يقيناً حينئذ انقضاء رجائهم، وتحقق الأمر، فاستجابوا مباشرة عند ذلك لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فحلقوا رؤوسهم ونحروا هديهم دون تردد منهم، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم:
((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
ثالثاً: عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعارض قرار النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح، بل كان يتباحث معه ويشاوره في أمر الأمة، مثلما كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته للصحابة وخاصة الكبار منهم، حيث إن المشاورة سنة يمتثلها النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بأمر من الله عز وجل، لما جاء في قوله تعالى: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [آل عمران:159].
قال الفيض الكاشاني عن قوله تعالى: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)): في أمر الحرب وغيره، مما يصح أن يشاور فيه، استظهاراً برأيهم، وتطييباً لنفوسهم، وتمهيداً لسنة المشاورة للأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا وحدة أوحش من العُجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة. وجاء في نهج البلاغة: (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وفي الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه). وفي الخصال عن الصادق عليه السلام: (وشاور في أمرك الذين يخشون الله).اهـ([8]).
وفي تلك الحادثة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في إرسال عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل مكة للمفاوضة معهم.(12/336)
وقد ذكر الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان قصة فتح الحديبية مختصرة وقال: قال ابن عباس: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة. فقال أصحابه: خلأت الناقة. فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن يدخل مكة، ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله! ما لي بها حميم، وإني أخاف قريشاً لشدة عداوتي إياها. ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان! فقال: صدقت)([9]).
رابعاً: لماذا نشنع على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب مشاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ونتهمه بمعارضة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونبني عليها طعوناً كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذلك الفعل، إن كان مستحقاً للنهي والزجر؟!
هل نحن أعلم وأفقه من نبينا صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه، وفي كيفية تعاملهم مع كلامه؟!
أو أننا علمنا أمراً قد خفي على النبي صلى الله عليه وسلم؟! أو أن هناك سبباً آخر لغيظنا وحنقنا على ما فعله عمر؟
إن مثل تلك المشاورة قد وقعت بين الإمام علي عليه السلام وشيعته، من أمثال حجر بن عدي في معركة صفين، حينما نهى الإمام علي عليه السلام جيشه عن لعن وسب معاوية رضي الله عنه وجيشه، وناقشه في هذه القضية حجر وغيره، ومع ذلك لم يطعن الإمام علي عليه السلام أو من جاء بعده على حجر بن عدي بسبب معارضته لأمر الإمام علي عليه السلام.
فعن عبد الله بن شريك قال: (خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يُظهران البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل إليهما علي عليه السلام: أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا: أو ليسوا مبطلين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين يشهدون ويتبرؤون)([10]).
خامساً: لو سلمنا جدلاً بأن ما فعله عمر رضي الله عنه كان مجانباً للصواب بسبب معارضته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا سيكون جوابنا إن قال لنا أحد النواصب: (إن علياً عليه السلام كان من رؤوس المعارضين للنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وقد عصى أمره مع سائر الصحابة في عدم حلق رؤوسهم وذبح هديهم؟
بل إن رفض علي بن أبي طالب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم يفوق معارضة عمر بن الخطاب وذلك حينما طلب صلى الله عليه وسلم منه أن يمسح اسمه عندما كان يكتب كتاب الصلح مع مندوب قريش سهيل بن عمرو فرفض علي بن أبي طالب الانصياع لأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
ودليل ذلك ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام، في حديث طويل في قصة صلح الحديبية: (إن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: باسمك([11]) اللهم، هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والملأ من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك، اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله، أتأنف من نسبك يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله وإن لم تقروا، ثم قال: امح يا علي! واكتب: محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده...) الخبر([12]).
فبماذا سنرد على ذلك الناصبي حين يقول: لماذا يرفض علي بن أبي طالب أمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه أن يمحو اسمه؟ أعلي بن أبي طالب أتقى وأحرص وأعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في عدم رغبته لمسح الاسم؟ بل تكررت منه المعارضة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مثلما حصل في غزوة تبوك، حينما طلب منه النبي أن يمكث بالمدينة، كحال بعض الصحابة من أهل الأعذار، كابن أم مكتوم وغيره لأسباب معينة رآها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه خرج ولحق بالنبي محاولاً أن يثنيه عن قراره ويأخذه معه للمعركة.
فعن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن جعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد أن علياً عليه السلام خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع وهو يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟)([13]).
فلماذا ينزعج علي بن أبي طالب من أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بتركه بالمدينة في غزوة تبوك؟ أيعصي علي النبي صلى الله عليه وسلم في أمره؟هل كان علي يجهل أن استخلافه في المدينة منقبة وفضل له أم لا؟ فإن كان يجهل فهذه مصيبة، وإن كان يعلم فالمصيبة.. أعظم.
والرد على كل هذه التقولات على أمير المؤمنين عليه السلام، هو من مثل ما بيناه في حق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.. فالحق واحد، وإن تعددت صور الافتراءات.
السؤال الخامس:(12/337)
ماذا تقول من فعل الصحابة يوم الخميس قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام، وما حصل بينهم من خلاف، ورفع أصواتهم عليه وعصيانهم لأمره صلى الله عليه وسلم في عدم إحضارهم الكتف والدواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده، واتهموه (بالهجر) وقال عنه عمر بن الخطاب: (قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) حتى غضب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجهم من بيته، وعبّر ابن عباس عن تلك الحادثة بأنها رزية؟
الجواب:
أولاً: لابد لنا أن نسأل أنفسنا أولاً: كيف كانت حالة النبي صلى الله عليه وسلم الصحية في تلك الفترة؟ وما سبب خلاف الصحابة عنده؟
إن تلك الحادثة حدثت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام، وهو على فراشه، وكان يوعك وعكاً شديداً من شدة الألم، بل كان صلى الله عليه وسلم من قسوة الألم يغمى عليه تارة ويفيق تارة أخرى، وقال للصحابة حينها: (ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً) فاختلف الصحابة فمنهم من أراد أن لا يجهد النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وظن أن الأمر لم يكن بحتم واجب إنما كان على سبيل الاختيار والتذكير، ومنهم من أراد إحضار الكتف والدواة للكتابة.
ثانياً: ليس بمقدور أي كائن بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخيل ما دار في تلك اللحظة تخيلاً واضحاً، مثل أولئك الذين شهدوا تلك الحادثة، ونظروا إلى معاناة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض الموت، خاصة وأنهم لم تمر عليهم حالة مشابهة من قبل بالنبي صلى الله عليه وسلم فاختلفت آراؤهم لعدم سبق علم بها.
ثالثاً: التمسك بهذه الحادثة على أن فيها مغمزاً ومطعناً في الصحابة رضي الله عنهم شيء جديد لم يسبق إليه أحد من قبل، ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم مرت عليهم الواقعة مرور الكرام وعلموا أنها لم تتضمن أي شبهة تجاه عدالة الصحابة ومقدار حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل من تأخر عنهم يكون أعلم وأبصر من أولئك الجمع كلهم الذين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟!
رابعاً: لو حصرنا النقاط التي يمكن أن يكون فيها مطعن في عدالة الصحابة رضي الله عنهم من هذه الحادثة، لأمكن حصرها في النقاط التالية:
أ) رفض الصحابة الإذعان لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ب) اختلافهم عند النبي صلى الله عليه وسلم وارتفاع أصواتهم الدالة على عدم التوقير.
ت) رفضهم لطلب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يتضمن التوصية لعلي عليه السلام بالخلافة من بعده.
ج) سوء كلام بعض الصحابة على مقام النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بالهجر.
د) عمر بن الخطاب رفض الانصياع لطلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن بيان الرد موجزاً على هذه الشبه بالآتي من القول:
* (رد أمر النبي صلى الله عليه وسلم) الصحابة رضي الله عنهم لم يخالفوا طلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا يظنون أن المرض لربما غلب على النبي صلى الله عليه وسلم مثل حال بقية الناس؛ لأن هذه أول مرة يرون النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة، وكانوا يعلمون أن كتاب الله بين أيديهم، والدين قد تم بيانه وكمل تشريعه، فلذا كانوا مترددين لعدم علمهم بالمقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
* (اختلافهم وارتفاع أصواتهم) ليس هناك من دليل صريح يدل على ارتفاع أصواتهم على صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صدر هذا منهم لنزل الوحي بالتوبيخ واللوم من الله، خاصة وأن سورة الحجرات قد تم فيها تفصيل الأدب من حيث كيفية الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحابة لم يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم بل رفعوا أصواتهم على بعضهم بسبب اختلافهم في الاستفسار وفي المقصود من طلب النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة لهم خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يعرف الكتابة ([14])، فلما طال نقاشهم فيما بينهم، نهرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الخلاف فقط , ولو كان هناك أمر يتجاوز هذا الحد لنزل بهم أمر من الله سبحانه يجتث الخطأ من أساسه.
* (الوصية إلى علي عليه السلام) وهذا من أعجب الأقوال تجاه أمير المؤمنين عليه السلام، ومما يدل على التعجب والجنوح في الخيال فيه أن صاحب الشأن وهو علي عليه السلام لم يرد على باله هذا الأمر، فكيف علمه من جاء متأخراً عنه وعن الواقعة التي جرى فيها الأمر؟! ومن يدعي هذا لعلي، يمكن بيسر لمخالفه أن يدعي لغيره من الصحابة ويقول: بل كانت الوصية لأسامة بن زيد أو لأبي ذر أو لأبي عبيدة، وغيرهم كثير.
* (مقولة بعض الحاضرين: أهجر) ينبغي علينا أولاً أن نعلم أن الرواية لم تحدد من قال هذه الكلمة، فلعله أحد المنافقين الحاضرين، أو صحابي استفسر عن صحة النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقولته عن الكتابة فقال: هل يقع منه الهجر كما يقع من أحدنا؟ فاختصر كل هذا القول بكلمة واحدة.
أو لعلها من استفهام القائل: كيف لا نأتي بالكتف والدواة؟! أيُظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر بالكلام ويقول بالهذيان كغيره!(12/338)
لأنه ربما اختلط عليه سماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لبحَّة في صوته أو غلبة اليبس بالحرارة على لسانه، مثلما يقع في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وسلم كانت فيه بحة صوت عارضة له في مرض موته صلى الله عليه وسلم.
وغيرها كثير من السبل التي يمكن أن توجه فيها هذه الكلمة، خاصة من بعد نظرنا في اللغة العربية، وليس هناك من يعرف على وجه الدقة من كان موجودا في ذلك الموقف قرب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نعلم على وجه العلم لا الحصر غير عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس ويجب ألا يستغرب القارئ من كثرة هذه التعليلات تجاه هذه الكلمة، لأن من قيلت أمامهم هذه الكلمة لم يعنفوا على القائل بل رب العزة سبحانه وتعالى الذي لا يخفى عليه شيء لم يوجه شيئا تجاه خليله وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* (رفض عمر الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم) كيف يظن بعمر رضي الله عنه أنه يرفض طلباً يسيراً للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي طوال مرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم لم يبخل بشيء؟
* وأما قول عمر بن الخطاب للصحابة: (قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) فيمكن أن يوجه كالتالي: أن عمر أراد من الصحابة رضي الله عنهم أن لا يجهدوا النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام وكثرة الأسئلة، وهو في المرض الشديد، شفقة عليه، وهذا ما يبينه قوله: (وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) أي إن الله تعالى أكمل دينه وبيّن شرائعه في قوله: ((مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)) [الأنعام:38] وكما في قوله: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ)) [المائدة:3].
والذي يظهر من الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم أنه من باب الإرشاد والإصلاح، وليس بالأمر الجديد الواجب تبليغه، وليس أيضاً بالأمر الذي لابد من تبليغه ولا يستغنى عنه في الإسلام، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكذب ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه.
ولو كان في ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغه شيء واجب ونافع للأمة فهل سيتركه الله من غير بيان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فإذا عرفنا ما سبق، فسيتبين لنا أنه لو كان صلى الله عليه وسلم مأموراً بتبليغ شيء حال مرضه أو صحته فإنه سيبلغه لا محالة، فلو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه بسبب اختلافهم ولا لغيره، لقوله تعالى: ((بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) [المائدة:67] كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، فدل تركه له أن كتابته صلى الله عليه وسلم تحمل على الندب والتذكير لا على الوجوب والتشريع الجديد، وقد عاش صلى الله عليه وسلم أربعة أيام بعد ذلك، ولم يأمرهم بإعادة الكتابة.
خامساً: لابد للمسلم أن يطهر قلبه من الحقد والبغض تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحبهم كما كان هدي الأئمة عليهم السلام، ونقول: إن التبس عليك أمر في حق الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم، فالتمس لهم العذر، كما ثبت عن الأئمة عليهم السلام أنهم قالوا: (احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير.. الحديث). وقولهم عليهم السلام: (كذّب سمعك وبصرك عن أخيك). وما رواه في الكافي عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة -خرجت من أخيك- سوءاً؛ وأنت تجد لها في الخير محلاً)... عن أبي بن كعب: (إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوا لها سبعين تأويلاً..)([15]) انتهى.
فمن الأولى علينا أن نسير على هدي الأئمة عليهم السلام، وأن نلتمس العذر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا فيه من هلع وحيرة عند مشاهدتهم لحبيبهم وما يعانيه من ألم مبرح وهو ينازع سكرات الموت.
وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم وقال عنهم: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110] وقد كانوا ينكرون على بعضهم في مسائل فقهية أقل من ذلك.
ولماذا نطعن الآن بعد مضي تلك القرون الكثيرة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحادثة وغيرها؟! وما أهدافنا من ذلك؟
أنحن أعلم وأحرص على النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه؟!
أنحن نحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أصحابه؟!
أم أننا أصحاب هوى؟!
سادساً: إن وصف ابن عباس رضي الله عنه لما جرى (بالرزية) عندما كان يروي الحديث، لم يكن عندما حدثت الحادثة، ولكنه كان يقولها بعد ذلك بسنين عندما يتذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحزنه، والروايات كلها تدل على ذلك.(12/339)
سابعاً: لو جرينا على درب الطعن والتفتيش عن سراب الشبه، فماذا سيكون ردنا لو قال لنا أحد النواصب: إن علي بن أبي طالب هو سبب تلك المشاكل؛ لأنه كان في كثير من الأوقات يعارض النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمتثل أمره، مثلما حدث منه في صلح الحديبية في عدم مسح اسم النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم حلق رأسه ونحر هديه كغيره من الصحابة، وعدم قبوله بالاستخلاف بالمدينة في غزوة تبوك.
بل شارك في رفض أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت عندما طلب منه ومن غيره أن يحضروا له الكتف والدواة حتى لا يضل المسلمون، فلم يستجب لذلك حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، بل غيّر أحكام الشريعة الإسلامية في الحكم على الغلاة فعاقبهم بالإحراق بدلاً من القصاص الشرعي([16]).
فبهذا السؤال يتضح لنا منهجية أعداء الإسلام ومن ناصب العداء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً من ناصب العداء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال السادس:
لو قال لنا قائل: ماذا ستقول أيها المسلم في موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين لم يعط فاطمة حقها من ميراثها في أرض فدك وغيرها، بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وماتت وهي لا تكلمه؟ مع أن الله تبارك وتعالى قرر الميراث في كتابه العزيز فقال: ((يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)) [النساء:11] وقرره كذلك بين الأنبياء، فقال عن زكريا عليه السلام: ((وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)) [مريم:5-6] وقال تعالى عن سليمان عليه السلام: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16].
وبسبب هذا التصرف تجاه سيدة نساء العالمين عليها السلام، فإنه يكون قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في حقها: (إن فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني).
الجواب:
أولاً: ينبغي أن لا ننسى أن لفاطمة وزوجها رضي الله عنه مكانة عظيمة عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن دلالة تلك المكانة أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي أشار على علي بن أبي طالب عليه السلام بالزواج من الزهراء ([17])، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإشراف على تجهيزها للزواج من الإمام علي رضي الله عنه ([18]) وشاركته زوجته أسماء بنت عميس أيضاً في هذا التجهيز لفاطمة في يوم زفافها ([19]) ولما ماتت فاطمة الزهراء عليها السلام قامت زوجة أبي بكر رضي الله عنها نفسها بعد ذلك في تجهيز كفن الزهراء وتغسيلها([20]).
ثانياً: لعل الكثير من المسلمين في الزمن المعاصر يجهل أن أرض فدك كانت فيئاً من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من خيبر، والفيء ما يكون من غنيمة من غير حرب والقصة مذكورة بتمامها في سورة الحشر قال تعالى: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الحشر:7].
وما أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فهو له صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم جعلها لحاجته وأهل بيته وصدقته، وكان يشرف على هذه الأرض ويرعاها، ولم يورثها أحدا من أهله، وهذا مسطور في كتب التاريخ , فلما توفي كان خليفته أبوبكر يقوم مقامه في ذلك وبعده عمر, وفي عهده طلب الإمام علي بن أبي طالب والعباس أن يقوما بالإشراف عليها فوافق عمر فكانت عندهما , ثم صارت إلى الإمام علي واستمرت في يده في عهد عمر وعهد عثمان وعهده , وبعد وفاته صار الإمام الحسن بن علي يشرف عليها، ثم الإمام الحسين، ثم الحسن بن الحسن (الحسن المثنى)، ومعه علي بن الحسين، ثم زيد بن الحسن, ولم يتملكها أحد.
ثالثاً: أما عن قضية الميراث، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الأنبياء لا يورثون الأموال والدنانير بعد مماتهم كسائر الناس، فما تبقى عندهم من الأموال بعد مماتهم فهو صدقة، وهذا ما علِمه وبينه الأئمة عليهم السلام من بعده صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض؛ حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)([21]).(12/340)
وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً)([22]).
وعن جعفر عن أبيه عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا وليدةً، ولا شاةً ولا بعيراً، ولقد قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير، استسلفها نفقة لأهله)([23]).
فمن يملك فدك وسهم خيبر يستسلف عشرين صاعا ويرهن درعه!
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (العلم أفضل من المال بسبعة:
الأول: أنه ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة.
الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة، والمال ينقص بها.
الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه.
الرابع: العلم يدخل في الكفن، ويبقى المال.
الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن خاصة.
السادس: جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم، ولا يحتاجون إلى صاحب المال.
السابع: العلم يقوي الرجل على المرور على الصراط، والمال يمنعه)([24]). انتهى.
رابعاً: وأما القول بأحقية فاطمة عليها السلام في ميراث والدها استدلالا بقوله تعالى: ((وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)) [مريم:5-6] وقوله تعالى: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16]، فاستدلال باطل من العوام، يدل على قلة علمهم لأن الوراثة في هاتين الآيتين وراثة نبوة وعلم وحكمة، وليست وراثة مال، وذلك للأدلة النقلية والعقلية.
أما النقلية فقد مرَّ ذكرها , وأما العقلية فتستفاد مما يأتي:
الآية الأولى وهي قوله تبارك وتعالى: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6].
1- قال السيد محمد حسين فضل الله: ليكون امتدادا للخط الرسالي الذين يدعو إلى الله، ويعمل له، ويجاهد في سبيله، ولتستمر به الرسالة في روحه وفكره وعمله([25]).
2- هل يعقل لنبي كريم يحرص على الجنة الباقية والنعيم الدائم أن يسأل الكريم سبحانه أن يهب الدنيا الفانية لأحد من أولاده ويورثها له؟! فهذا لا يليق تأدباً من رجل صالح فكيف لنبي كريم أن يسأل الله أن يرزقه ولدا لا لشيء إلا ليرث دنياه الزائلة؟!
3- أنبياء الله تبارك وتعالى هم الأسوة المباركة في أنهم يأمرون الناس بالبر ويعملونه، فإن أوصوا الناس بالإنفاق كيف يليق بهم أن يبقوا لديهم هذا العرض الفاني من متاع الدنيا؟ ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44]، بل نجدهم يتصدقون به في أوجه الخير.
ومما يبين القول ويزيده جلاء وأن الإرث في كلام زكريا عليه السلام لم يكن مالاً ما تبينه النقطة الآتية.
4- لو أكملنا قوله تعالى: ((وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6] لتبين لنا بوضوح ومن غير تردد أن الإرث المقصود هو العلم والنبوة وليس شيئاً آخر.
وبالله عليكم لو كان السؤال من النبي زكريا متعلقاً بالمال فهل بمقدور أي باحث في التاريخ أن يخبرنا كم شخصاً كان في بيت آل يعقوب؟ بل أين موقع يحيى عليه السلام في آل يعقوب؟
والقارئ -المنصف- في كتب التاريخ بعد أن يقرأ كتاب الله تبارك وتعالى يعلم يقيناً أن كل أنبياء بني إسرائيل من آل يعقوب؛ لأن إسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام، فكيف ببقية بني إسرائيل من غير الأنبياء؟ ومع هذا العدد الكبير كم سيكون نصيب يحيى عليه السلام؟
فلا شك أن فهم قوله تعالى: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6] من خلال فهم العلماء، وأيضاً التمعن في التفاسير المباركة والنظر التاريخي يردّ قول من يقول: إن الآية تتكلم عن وراثة المال.
ومن بداهة النظر والمعقول أنه لما ذكر يعقوب وهو نبي، وزكريا كذلك وهو من الأنبياء، لزم بمقتضى الفهم السليم أن نعلم أنه إنما أراد أن يرث النبوة والعلم والحكمة، ولم يكن يريد وراثة المال.
ثم إن زكريا لم يكن غنيا بل كان نجاراً يأكل من عمل يده. فأين ذاك المال الذي سيرثه يحيى؟!
أما الاستدلال بالآية الثانية وهي قوله تعالى: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16] فكذلك لم يرث منه المال، وإنما قصد ميراث النبوة والحكمة والعلم.
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي: أي ورث الملك والنبوة بأن قام مقامه دون سائر بنيه وهم تسعة عشر([26]).
ومن المعلوم في روايات التاريخ أن نبي الله داود عليه السلام له الكثير من الزوجات وله العديد من الجواري، ورزقه الله العدد الكثير من الأولاد، فهل نقول إنه لم يرثه إلا سليمان؟(12/341)
ومن المعلوم أيضا أن الإخوة يرثون من والدهم، فتخصيص سليمان بالإرث ليس بسديد ولا رشيد إن كان معه ورثة آخرون.
ولو سلمنا جدلاً أن الأمر يتعلق بإرث دنيوي، فما الفائدة من ذكره في كتاب ربنا تبارك وتعالى، ذلك أنه من الطبيعي أن الولد سيرث والده؟ فأين البلاغة أو العبرة والفائدة في كتاب ربنا من ذكر شيء معلوم حدوثه ووقوعه عند الناس؟
خامسا: وهنا قد يقف المحب للحق وقفة ويتساءل:
هل فاطمة الزهراء عليها السلام طلبت فدك من أبي بكر رضي الله عنه على أنه من باب الإرث، أم أنه كان هبة وهدية من أبيها صلى الله عليه وسلم وهبها وأهداها إياها بعد فتح خيبر؟
ذلك أن المقصود من هذا التساؤل ستظهر ثمرته تحديداً في نهاية القصة، ذلك أنه من المتفق عليه أن فاطمة عليها السلام بعد سؤالها لفدك من أبي بكر وذكر أبو بكر حجته في المنع ذهبت ولم تكلمه، فهل كانت تريد هذا الشيء على أنه كان إرثاً أو هبة من أبيها صلى الله عليه وسلم. فإن كان إرثاً فالأنبياء لا يورثون لا ديناراً ولا متاعاً كما بينا في القول , وإن كان هبة وهدية أهداها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، فلنا وقفة وتساؤل أيضاً في هذا.. فنقول:
1- لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة عليها السلام في أي وقت من الأوقات، وقد علمت ذلك الزهراء عليها السلام حين طلبت فدك من أبي بكر رضي الله عنه، فطلبته منه على أنه من باب الإرث، لا من باب الهبة، ومن المعلوم تاريخيا أن فتح خيبر تم في أول السنة السابعة من الهجرة، وزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم توفيت في السنة الثامنة، وأختها أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة، فكيف يخص صلى الله عليه وسلم بالعطية فاطمة لوحدها ويدع أختها أم كلثوم وزينب عليهن السلام؟!
فهذا اتهام صريح مباشر للنبي صلى الله عليه وسلم من أنه كان يفرق بين أولاده، وحاشاه عن ذلك صلى الله عليه وسلم.
2- وعلى سبيل الفرض، لو قلنا: إن أرض فدك كانت هبة لفاطمة عليها السلام، فهي عليها السلام إما أن تكون قد قبضتها أو لم تقبضها!
فإن كانت تسلمتها، فلماذا تأتي لأبي بكر رضي الله عنه وتطالبه بها؟ وإن لم تكن تسلمتها فإن الهبة من الناحية الشرعية إن لم تُقبض فكأنها لم تعط للموهوب له، وتكون حينئذ للورثة بعد موت الواهب.
سادساً: من المعلوم في الفقه الجعفري أنه ليس للنساء ميراث في عقار الأراضي بل يؤخذ لهن من قيمته، وهذا ما يروى عن الأئمة عليهم السلام:
فعن يزيد الصائغ قال: (سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن النساء هل يرثن الأرض؟ فقال: لا ولكن يرثن قيمة البناء، قال: قلت فإن الناس لا يرضون بذا، فقال: إذا وُلينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف)([27]).
وعن أبان الأحمر قال: (لا أعلمه إلا عن ميسر بياع الزطي، قال: سألته -يعني أبا عبدالله- عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، وأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيها، قال: قلت: فالثياب؟ قال: الثياب لهن نصيبهن، قال: قلت: كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمى؟
قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، وإنما صار هذا كذا كي لا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً في عقارهم)([28]).
سابعاً: التعليل الصحيح والبيان الشافي لما جرى بين الزهراء وأبي بكر رضي الله عنهم هو الآتي إن شاء الله:
سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام لم تدّع ما ليس لها، ولكنها عليها السلام طالبت بما ظنته حقاً لها، ولما بيّن لها أبو بكر رضي الله عنه سبب منعها من الميراث، ذهبت عليها السلام ولم تكلمه في هذا الأمر مرة أخرى.
والذي يشهد لصحة هذا التعليل والبيان؛ ما سار عليه الإمام علي عليه السلام من أنه لم يعط أولاده فدك حينما استلم خلافة المسلمين، وعندما سُئل في رد فدك قال: (إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر)([29])، فإذا كان الحكم على أبي بكر رضي الله عنه أنه كان ظالماً لمنعه حق الزهراء عليها السلام، فهل يكون الحكم نازلاً كذلك على الإمام علي عليه السلام -والعياذ بالله-، لأنه لم يُرجع لأولاده الحق في ميراث والدتهم؟
والمحب لآل البيت وللمسلمين ينزه الجميع عن الظلم، ويبتعد عن سوء الظن بأبي بكر رضي الله عنه وغيره، وهذا ما تبينه النقطتان الآتيتان:
ثامناً: لم يدّع أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا المال لابنته عائشة أو لغيرها من أمهات المؤمنين، بل تضمن تحريم الميراث جميع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ([30]) وما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا الفعل إلا عملاً بوصية النبي، فهل تمسك أبي بكر بوصية النبي صلى الله عليه وسلم خطأ؟!
تاسعاً: لا يستلزم من عدم إعطاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه الميراث لفاطمة أن يكون مبنياً على الكراهية والعداوة كما يروّج له أصحاب الفتن.(12/342)
فالنبي صلى الله عليه وسلم كذلك لم يعط ابنته فاطمة خادمة تساعدها على شؤون المنزل حينما طلبت منه، وهذا من المباح في الشرع، وفق المتيسر أو ما يراه صاحب الأمر، فهل نطعن كذلك في عدالة نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم؟!
قال الإمام علي عليه السلام في حديث طويل: (...ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لينصرف فقالت له فاطمة: يا أبتِ لا طاقة لي بخدمة البيت، فأخدمني خادماً تخدمني وتعينني على أمر البيت، فقال لها: يا فاطمة! أولا تريدين خيراً من الخادم؟ فقال علي: قولي: بلى، قالت: يا أبت! خيراً من الخادم؟ فقال: تسبحين الله عز وجل، في كل يوم ثلاثاً وثلاثين مرة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرة، وتكبرينه أربعاً وثلاثين مرة، فذلك مئة باللسان وألف حسنة في الميزان)([31]).
عاشرا: القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لغضب فاطمة عليها السلام، فهذا صحيح ولا يختلف عليه اثنان.
لنعلم أن منع أبي بكر لم يكن بقصد إغضابها؛ لأن المنع كان استجابة منه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعيب أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولا غيره إن فعله.
ولا يلزم أيضا أن يكون كل غضب تغضبه الزهراء عليها السلام يغضب لأجله النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حدثت خلافات أسرية كثيرة بين الإمام علي والزهراء مثل ما يقع بين الأزواج، فهل سنطعن في عدالة الإمام علي وفق ما فهمه بعضهم مطلقا من حديث إغضاب الزهراء أيضا، ونقول: إن النبي قد غضب على علي عليه السلام لإغضابه الزهراء؟!
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين ابن عمه وابنته سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنه موقف العدل والإنصاف، لا موقف العاطفة والانحياز الأبوي!
فعن أبى ذر رضي الله عنه قال: (كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدِمنا المدينة أهداها لعلي عليه السلام تخدمه، فجعلها علي عليه السلام في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن! فعلتها؟ فقال: لا، والله! يا بنت محمد! ما فعلت شيئاً، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟فقال لها: قد أذنت لك. فتجلببت بجلبابها، وتبرقعت ببرقعها، وأرادت النبي صلى الله عليه وسلم، فهبط جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد! إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: إن هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو علياً، فلا تقبل منها في علي شيئاً!! , فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت تشكين علياً؟ قالت: إي؛ ورب الكعبة! فقال لها: ارجعي إليه، فقولي له: رغِم أنفي لرضاكَ)([32]).
وعن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال: (شكت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فقالت: يا رسول الله! لا يدع شيئاً من رزقه إلا وزعه على المساكين! فقال لها: يا فاطمة! أتسخّطيني في أخي وابن عمي، إن سخطه سخطي، وإن سخطي سخط الله عز وجل)([33]).
الحادي عشر: لنتذكر ابتداء أن من أهم أهداف أعداء الإسلام تفكيك وحدة المسلمين من خلال ترويج مقولات باطلة، ونشرأخبار مفتراة تدل على وجود البغضاء والشحناء في الجيل الأول المبارك، ولوسألنا أنفسنا وأعملنا عقولنا، ماذا سنستفيد من قصة يجدد العهد بذكرها في بعض مجالس المسلمين سنويا لتثير القلوب وتعصف بالعواطف للوصول إلى حالة نفسية نهايتها بغض الصحابة، نتيجة لوجود معاداة منهم تجاه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ذلك أن المنصف العاقل لو فتش في ما فعله أبو بكر رضي الله عنه تجاه فاطمة عليها السلام عند مطالبتها بأرض فدك، لوجد أن ما حكم به أبو بكر الصديق تجاه فدك ما كان إلا بموجب نص شرعي مستقى من قول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي طاعته أمر مفروض، فما ذنبه تجاه ما أمر به فانقاد إليه؟!
ولذا ماذا سنقول للطاعن من النواصب بسيدة نساء أهل الجنة حين يقول عنها:
غريب أمر فاطمة! تغضب وتخالف عموم المسلمين، حتى يصل خصامها وغضبها للهجر الأبدي الذي ينهى عنه الإسلام، وما كان ذلك إلا عن هوى وعناد في نفسها، وشدة حب منها للأموال وأوساخ الدنيا الفانية، مثل ما حدث بينها وبين خليفة رسول الله أبي الصديق في طلبها للميراث، وعدم الامتثال لوصية أبيها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أيضا قبل ذلك كثيرة الإزعاج للنبي صلى الله عليه وسلم في احتجاجها المتواصل على زواجها من علي بن أبي طالب بسبب فقره وقلة ماله، في بداية زواجهما، وبعد ذلك، وهذا ما ذكرته الروايات الثابتة، مثل:
عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي قال: (إن فاطمة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأحلمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟ أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما جعل الله لمريم بنت عمران، وأن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة)([34]).(12/343)
وعن أبي صالح عن ابن عباس: (أن فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقنعي -يا فاطمة- بزوجك، فوالله: إنه سيد في الدنيا سيد في الآخرة، وأصلح بينهما...)([35]).
فيا أيها المحب للآل الطاهرين: أترضى أن تكون في زمرة المبغضين الحاقدين للآل الطاهرين كالنواصب وغيرهم؟ أو أنك تدافع عن حمى الآل من خلال تمسكك بالهدي الصحيح المبارك، مع سلامة قلبك تجاه من كانوا مع سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأي الفريقين تختار؟
السؤال السابع:
لو قال لنا قائل: ماذا تقول عما فعله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عند مهاجمتهم بيت الإمام علي عليه السلام، وقاموا بربطه، وضرب زوجته حتى كسر ضلعها وأسقط جنينها، ثم أحرقوا منزلهم، على ما ذكرت الروايات التاريخية.
فهل مثل هذه الأفعال المشينة تدل على الحب والوئام، أم على السخط والكراهية والشقاق لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
أولاً: لا ينبغي لطالب الحق أن ينجرف بمجرد أن يقرأ رواية تاريخية وغيرها تتكلم عن أحبابه، ولا يعرف مصدرها، فضلاً عن أن يعلم صحيحها من سقيمها، ثم يحدث بها وينشرها بين العامة، ونجد من بعد هذا التسرع العاطفي من يتأثر بهذه الروايات فيمتلىء قلبه حقداً وبغضاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الواجب على المحب لآل البيت الطاهرين عليهم السلام وللخير والعلم أن يجتهد ويتحرى، وأن يكون دقيقاً في أخذه للروايات، فيتمسك بالصحيح والتي تنطبق عليه قواعد وشروط الحديث الصحيح، ولا يغتر بكثرة الروايات الموضوعة في حادثة معينة ولو اشتهرت.
ثانياً: إن هذه القصة من الأكذوبات التي يستخدمها أهل الفتن في تمزيق وتفريق صفوف المسلمين، لذلك فإننا نطالب كل باحث للحق أن يجتهد ويبحث عن رواية واحدة صحيحة، تثبت وتسند تلك القصة المختلقة، وتنطبق عليها قواعد وشروط الحديث الصحيح، من اتصال في السند، ومن رواية العدل الإمامي الضابط في حفظه.
ومن الغريب أننا نجد كثيراً من المتمسكين بهذه القصة يؤمنون يقيناً بتلك الرواية، تبعاً للعاطفة وحبا في كسب بعض المصالح الدنيوية الرخيصة، ولا ينظرون نظرة العاقل العالم في دينه مثل الفحص في صحة الإسناد وضعفه!
قال السيد هاشم معروف الحسني بعد ما أورد الروايات التي تتحدث عما جرى للزهراء عليها السلام.. إلى كثير من الروايات التي لا تثبت أسانيدها في مقابل النقد العلمي([36]).
وقال أيضاً: ومهما كان الحال، فالحديث عن فدك وميراث الزهراء من أبيها ومواقفها من ذلك ومن الخلافة طويل وكثير، وبلا شك فإن الأصحاب والأعداء قد وضعوا القسم الأكبر مما هو بين أيدي الرواة ولا يثبت بعد التمحيص والتدقيق في تلك المرويات إلا قليل القليل([37]).
وقال كاشف الغطاء: ولكن قضية ضرب الزهراء، ولطم خدها، مما لا يكاد يقبله وجداني، ويتقبله عقلي، ويقتنع به مشاعري, لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية -التي ركزتها الشريعة الإسلامية، وزادتها تأييداً وتأكيداً- تمنع بشدة أن تضرب المرأة ([38]).
وقد سئل السيد الخوئي عن صحة رواية كسر ضلع الزهراء فأجابهم: على المشهور، ولم يحكم بصحتها([39]).
ثالثاً: قد يقول قائل: إن عليا أُمِر بعدم مقاتلة الصحابة حين اعتدوا على زوجه سيدة نساء العالمين عليها السلام، لحفظ راية الإسلام من سقوطها وافتراق أهل الملة بعد وفاة النبي، وأمره بالصبر على أذاهم.
لكننا نقول ونتساءل:
ابتداء نقول بُعد هذه المقولة عن الصحة، وعلى فرض التسليم على ما قد قيل، فَلِمَ كانت منه المقاتلة يوم الجمل لجيش طلحة وأم المؤمنين عائشة حين خرجوا إلى أهل الكوفة -وكان هو في مكة- ثم قاتل من بعد ذلك جيش معاوية في صفين، وكذلك في النهروان حين قاتل الخوارج، فلم وقع منه كل هذا القتال وسفك الدماء، أليس في تلك الفعال دلالة منه على نبذ وصية النبي بعدم تفريق جماعة المسلمين؟
لكن الصحيح الذي يتسق مع مجريات الواقع سابقاً أن علياً لم يأمره أحد بعدم المقاتلة إن وقع عليه ظلمٌ أو انتهكت حرمات الله، ومن ذلك ما يُدعى من وقوع ظلم على زوجه الكريمة وأنه لم ينتصر لها، وهذه الرواية قبل أن يتلفظ بها لسان مسلم ليتذكر حال أمير المؤمنين وغيرتَه على دين الله، ثم على أهله من آل بيت المصطفى صلوات ربي عليهم جميعاً.
وقد ثبت عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من قُتِل دون مظلمته فهو شهيد).([40])
فهل هذا المعتقد خاف عن أمير المؤمنين وفارس الشجعان؟!
وحذار أن يتلفظ مسلم عاقل بكلام يكون عليه لا له، وليس فيه نصرة لآل البيت الكرام، ذلك أن من يدعي أن علياً كان فارساً، وقاتل جيش طلحة، ومن بعده أهل صفين؛ نصرة لقضية الإمامة، فلِمَ كان بعيدا عن نصرة آل بيته حين ضربوا حتى كادوا أن يموتوا؟!(12/344)
رابعا: يستطيع كل صاحب فتنة -لا يتقيد بالروايات الصحيحة- أن يروي روايات بلا أسانيد صحيحة، لمجرد وجودها وانتشارها في بعض الكتب التاريخية أو الأدبية، ويؤمن بها من بعد ذلك، وتصبح عنده من المسلمات اليقينية التي لا تقبل التشكيك في صحتها.
بل يستطيع كذلك كل مبغض وكاذب على العترة عليهم السلام أن يدعي أن قضية ضرب الزهراء وإسقاط جنينها وإحراق بيتها مؤامرة مدبرة، قام بها أبو بكر وعمر بالاشتراك مع زوجها الإمام علي، في سبيل القضاء على الزهراء عليها السلام.
ويكون هذا الهذيان والاتهام الباطل مبنياً وفق زعم ذلك المبغض على دلائل ومؤشرات يستنبطها من القصة المختلقة نفسها، وتكون وفق زعم المبغض كالآتي:
1- قام الإمام علي بتمثيلية متقنة حين وافق على تقييده عن طريق الصحابة عند دخولهم المنزل وعلى ضربه، ليوهم آل بيته بأنه ضحية هذا التجمع والتآمر، من قبل شخص عمره تجاوز الستين، والآخر جاوز الثالثة والخمسين، مع العلم بأن قوة الإمام علي لا يقاومها أحد من الإنس والجن، مثل ما نقل عنه أنه اقتلع باب خيبر العظيم لوحده بينما لا يستطيع حمله أربعون رجلاً.
2- اعتذار وتحجج الإمام علي عن عدم مقاومته للصحابة بسبب حرصه على المحافظة على حقن دماء المسلمين حجة واهية؛ لأن الصحابة قد ارتدوا بعد وفاة النبي إلا ثلاثة وفق ما تقرره الروايات عن آل البيت عليهم السلام! فهل كان مقصود الإمام علي عليه السلام بدماء المسلمين هؤلاء الثلاثة فقط؟!! وهل دماء الصحابة أغلى وأزكى عنده من دم الزهراء عليها السلام، فلا يحافظ عليها ويدافع عنها؟!!
3- تزوج الإمام علي بعد وفاة الزهراء بتسع ليال بامرأة من بني حنيفة، ولقب ولدها بابن الحنفية, ووافق بعد ذلك على تزويج أم كلثوم ابنة الزهراء عليها السلام لعمر بن الخطاب أحد أعضاء المؤامرة، مما يدل على حرصه على توثيق الصلة مع أعداء زوجته، وعلى عدم حبه ووفائه للزهراء عليها السلام.
4- عندما أصبح الإمام علي قاضياً ووزيراً في زمن الخليفة الأول والثاني، كان هذا مثل المكافأة جزاء لما قام به من إتقانه للدور.
5- حرصه على تسمية أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، وتزوجه بأرملة أبي بكر، فيه الدلالة على حرصه على افتخاره بما صنعوا في الماضي وسعيه إلى تخليد ما قاموا به من أعمال، ولو كان ضد الزهراء.
6- لم يعط الإمام علي أولاد فاطمة الزهراء ميراثهم من والدتهم من فدك حينما استلم خلافة المسلمين، وسار على طريقة أصحابه الخلفاء من قبله، بل ولم يمنع التراويح ولا أعاد المتعة.
فهل يقبل المحب لآل البيت عليهم السلام أن ينسب صاحب الفتن الناصبي المبغض مثل هذه التهم إلى أصحاب النبي بضربهم للزهراء وإحراق بيتها، وتخاذل أمير المؤمنين عن نصرة الزهراء عليها السلام، بسبب تعلقه بمرويات مكذوبة تكون عليه، وليست له عند الاستدلال، أم ينافح ويبين الصواب والحق الذي يجمع ولا يفرق؟
السؤال الثامن:
ماذا تقول عن موقف أبي بكر الصديق، وما وقع في أول خلافته من إرساله الصحابة بقيادة خالد بن الوليد وإستباحتهم دماء المسلمين لمجرد جهلهم المتمثل في عدم دفع الزكاة، مثل ما فعلوا بقوم مالك بن نويرة، وقتل خالد له، ودخوله على زوجة مالك في نفس الليلة؟
الجواب:
أولاً: الزكاة أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وهي حق للفقراء والمساكين وغيرهم من مال الأغنياء، ولهذا كثيراً ما يقرن الله تبارك وتعالى ما بين الصلاة والزكاة في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى:
* ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [البقرة:43].
* ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [البقرة:110].
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن الله عز وجل قرن الزكاة بالصلاة فقال: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ))، فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة)([41]).
وعن محمد بن مسلم وأبي بصير وبريد وفضيل كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله عنه قالا: (فرض الله الزكاة مع الصلاة)([42]).
لذلك فإن الحكم في تارك الزكاة كالحكم في تارك الصلاة ألا وهو القتل، وهذا ما أثبته الثقلان: (كتاب الله والأئمة عليهم السلام) قال تعالى: ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:5].(12/345)
وعن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (دمان في الإسلام حلال من الله، لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت، فإذا بعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله، لا يريد عليهما بينة: الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب عنقه)([43]).
وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابن مسكان يرفعه، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: قم يا فلان! قم يا فلان! قم يا فلان! حتى أخرج خمسة نفر فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون)([44]).
ثانياً: من المعلوم وفق الروايات التاريخية التي رواها كبار العلماء أنه قد ارتد الكثير من الأعراب عن الإسلام بعد موت النبي، وترك بعضهم الزكاة وغيرها.
وقد ذكر الطوسي في الأمالي عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم، قال: ارتد الأشعث بن قيس وأناس من العرب لما مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نصلي ولا نؤدي الزكاة، فأبى عليهم أبو بكر ذلك، وقال: لا أحُلّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنقصكم شيئاً مما أخذ منكم نبي الله صلى الله عليه وسلم ولأجاهدنكم، ولو منعتموني عقالا مما أخذ منكم نبي لجاهدتكم عليه، ثم قرأ ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)) [آل عمران:144]([45]).
ولهذا الموقف العظيم أرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيوش المسلمين بقيادة خالد ابن الوليد رضي الله عنه لمحاربة هؤلاء المرتدين، وكان من الذين جاءهم خالد بن الوليد رضي الله عنه قوم مالك بن نويرة([46])، وكانوا قد منعوا زكاة أموالهم ولم يدفعوها لأبي بكر، ولا لغير أبي بكر.
ثالثاً: شنع الكثير من أهل الأهواء والفتن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في إرساله خالد بن الوليد رضي الله عنه في الغزوات والحروب، لقتل الناس، واستباحة أموالهم كما يقال زورا وبهتاناً.
والصحيح أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينفرد بإرسال خالد بن الوليد رضي الله عنه لقيادة الجيوش، بل كان ممن سبقه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه وبعثه في عدة معارك لنشر الإسلام، كبعثه إلى الطائف، وأهل اليمن، والعزى، والبحرين، ودومة الجندل، وغيرها كثير.
ومع تلك البعثات العظيمة التي يُرسل إليها خالد رضي الله عنه من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء، فإننا نجد من يطعن في ذلك الصحابي الجليل بإظهار زلاته والكذب عليه، وإخفاء حسناته، بقصد تشويه تاريخه ومكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)) [النور:55].
إن هذه الشروط الثلاثة حصلت للصحابة رضي الله عنهم، الاستخلاف وتمكين الدين، وإبدال الخوف، وهذا حينما ارتد الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم الصحابة فحصل بذلك الأمن والاستقرار.
خامساً: قصة قتل خالد رضي الله عنه لمالك بن نويرة، جاء فيها ثلاث روايات:
الأولى: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه جاء لمالك بن نويرة وقومه، فقال لهم: أين زكاة الأموال؟ ما لكم فرقتم بين الصلاة والزكاة؟
فقال مالك بن نويرة: إن هذا المال كنا ندفعه لصاحبكم في حياته، فمات، فما بال أبي بكر؟ فغضب خالد بن الوليد وقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ فأمر ضرار بن الأزور أن يضرب عنقه.
وقيل: إن مالك بن نويرة قد تابع سجاح التي ادعت النبوة.
وهناك رواية ثالثة وهي: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كلم قوم مالك بن نويرة، وزجرهم عن هذا الأمر وأسَرَ منهم من أسر، قال لأحد حراسه: أدفئوا أسراكم؟ وكانت ليلة شاتية، وكان من لغة ثقيف (أدفئوا الرجل) تعني: اقتلوه، فظن الحارس أن خالداً رضي الله عنه يريد القتل، فقتلهم وفق فهمه بدون أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه.
ولو تمسكنا بأي رواية مما سبق، فإن كان الخطأ قد وقع من خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة، فإن العذر يلحقه من باب قتله لمانع للزكاة، أو لمتابعة لسجاح الكذابة، أو أنه كان متأولاً، وهذا التأويل ليس بمسوغ لإقامة الحد والقصاص على خالد رضي الله عنه. ومثل ما وقع فيه خالد رضي الله عنه من خطأ، فإنه قد حدث مثله مع الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنهما، حينما تأول في قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه دية أو كفارة.(12/346)
قال القمي في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) [النساء:94]: إنها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام، وكان رجل من اليهود يقال له: مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى، فلما أحس بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهله وماله، وصار في ناحية الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فمر به أسامة بن زيد فطعنه وقتله، فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت، فحلف أسامة بعد ذلك أنه لا يقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)([47]).
سادساً: أما القول بأن خالدا رضي الله عنه قتل مالك بن نويرة، ثم تزوج امرأته في تلك الليلة، فهو قول تافه وباطل لا يستند على رواية صحيحة، ولا يستحق أن يضيع عليه شيء من مداد الحق، ويكفي في بيان تفاهة القول أننا نسأل كل إنسان يريد الإنصاف والعدل، فنقول له:
من أين عرفت أن خالد بن الوليد دخل على امرأة مالك بن نويرة في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها؟ هل تستطيع أن تأتي بإسناد واحد صحيح يدل على زعمك؟
إن أهل الأهواء والفتن لم يكن لهم قدوة حسنة في حبهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الإنصاف فيهم فيما حصل منهم، بل إنهم يهرفون بالروايات الضعيفة المتناثرة في الكتب، مع تحريفهم لمعانيها، وتأويلهم لها تأويلاً باطلاً، كما هو الحال في قصة زواج خالد بن الوليد رضي الله عنه من امرأة مالك بن نويرة، إذ جعلوا خالداً رضي الله عنه يحرص على قتل مالك لأجل الظفر بزوجته، وهذا من البهتان.
وهذا القول ليس بعسير على من يريد أن ينشر المطاعن والفتن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل يستطيع كل صاحب فتنة أن يتأول ويحرف القصص والروايات والتاريخ على وفق ما يهواه من الكذب وغيره، من دون الرجوع إلى الأسانيد الصحيحة الموافقة للصواب.
لهذا السبب نفسه استطاع المستشرقون أن يطعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم كما طُعن في خالد بن الوليد.
فماذا سنقول ونرد لو قال لنا أحد المستشرقين الحاقدين: إن النبي قد نظر إلى امرأة زيد بن حارثة وهي تغتسل وأعجب بها، وطلقها من زوجها حتى تحل له.
قال الرضا عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك! وانما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم إن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل: ((أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً)) [الإسراء:40] فقال النبي: لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله! إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله. وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشى الناس أن يقولوا: إن محمداً يقول لمولاه: إن امرأتك ستكون لي زوجة، يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ)) [الأحزاب:37] يعنى بالإسلام، ((وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)) يعني بالعتق، ((أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)) [الأحزاب:37] ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه، فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل بذلك قرآنا، فقال عز وجل: ((فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)) [الأحزاب:37]) ([48]).(12/347)
فالمبغض الكافر يطير فرحاً بمثل هذه الأقاويل الواهية، لكن المحب للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم يلتمس لهم العذر بعد العذر إن وقع منهم ما يظن أنه زلة أو هفوة، ويعتقد أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم زلة أو هفوة لعصمته، وإن ثبت هذا الزلل تجاه الصحابة رضي الله عنهم برواية معتمدة مقبولة، فإن الواجب عليه أن لا يظهر المساوئ، بل يقذفها في بحار حسناتهم، ويدير ظهره لها ويغض النظر ويصم الآذان عنها؛ لأن دلالة الحب العفو والصفح والغفران.
وأما الروايات الباطلة، فهي كما قال تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً)) [الرعد:17].
------------
([1]) انظر: رجال الكشي: (ص:11)، بحار الأنوار: (28/259) (71/220)، الاختصاص: (ص: 6).
([2]) تفسير الأمثل: (2/169).
([3]) تفسير الكاشف: (2/554).
([4]) بحار الأنوار (28/11).
([5]) انظر اليقين في إمرة أمير المؤمنين: (ص:174، 177)، بحار الأنوار: (40/21).
([6]) المناقب: (3/53)، البرهان (سورة البقرة آية:153).
([7]) انظر: (ص:29) من هذا الكتاب.
([8]) تفسير الصافي، وانظر: تفسير مجمع البيان، الجوهر الثمين، تفسير معين، تفسير شبر: في تفسير (سورة آل عمران آية:159).
([9]) تفسير مجمع البيان: (9/194)، بحار الأنوار: (20/329).
([10]) مستدرك الوسائل: (12/306)، بحار الأنوار: (32/399)، وقعة صفين: (ص:102).
([11]) وفي المصدر: بسمك.
([12]) مستدرك الوسائل: (8/437).
([13]) بحار الأنوار: (37/262)، العمدة: (ص:127).
([14]) انظر: علل الشرائع: (1/126)، بحار الأنوار: (16/132).
([15]) انظر: الحدائق الناضرة: (15/353).
([16]) انظر: بحار الأنوار (34/414).
([17]) بحار الأنوار: (43/93) (19/112).
([18]) بحار الأنوار: (43/94)، الأمالي للطوسي: (ص:40).
([19]) بحار الأنوار: (43/138).
([20]) بحار الأنوار: (43/185).
([21]) الكافي: (1/34)، بحار الأنوار: (1/164)، أمالي الصدوق: (ص:60)، بصائر الدرجات:
(ص: 3)، ثواب الأعمال: (ص:131)، عوالي اللآلي: (1/358).
([22]) الكافي: (1/32)، وسائل الشيعة: (27/78)، مستدرك الوسائل: (17/299)، الاختصاص: (ص:4) بصائر الدرجات: (ص:10).
([23]) قرب الإسناد: (ص:44)، بحار الأنوار: (16/219).
([24]) بحار الأنوار: (1/185).
([25]) تفسير من وحي القرآن (سورة مريم: 6).
([26]) تفسير الجديد، وانظر: تفسير معين (سورة النمل: 16).
([27]) الكافي: (7/129)، وانظر: وسائل الشيعة: (26/70) , تهذيب الأحكام: (9/299).
([28]) الكافي: (7/130).
([29]) شرح نهج البلاغة: (16/252).
([30]) بحار الأنوار: (29/70).
([31]) كشف الغمة: (1/362) , بحار الأنوار: (43/134).
([32]) علل الشرائع: (1/163)، المناقب: (3/342)، بحار الأنوار: (39/208).
([33]) بحار الأنوار: (43/153)، وانظر كشف الغمة: (1/473).
([34]) أمالي الطوسي: (248).
([35])المناقب: (3/319) , بحار الانوار: (24/99).
([36]) انظر: سيرة الأئمة الاثني عشر: (1/133).
([37]) المصدر السابق: (1/140).
([38]) انظر: جنة المأوى: (ص:135).
([39]) انظر: صراط النجاة: (3/314).
([40]) انظر الكافي: (5 / 52) , تهذيب الأحكام: (6 / 167) , وسائل الشيعة: (15 / 121).
([41]) الكافي: (3/506)، من لا يحضره الفقيه: (2/10)، وسائل الشيعة: (9/22).
([42]) الكافي: (3/497)، وسائل الشيعة: (9/13).
([43]) الكافي: (3/503)، من لا يحضره الفقيه: (2/12)، وسائل الشيعة: (9/33)، مستدرك الوسائل:
(7 /25) , بحار الأنوار: (52/325).
([44]) الكافي: (3/503)، من لا يحضره الفقيه: (2/12)، وسائل الشيعة: (9/24)، تهذيب الأحكام: (4/111).
([45]) الأمالي للطوسي: (ص:262)، بحار الأنوار: (28/11).
([46]) انظر: (ص:102) من هذا الكتاب.
([47]) تفسير القمي: (1/148)، بحار الأنوار: (21/11)، مستدرك الوسائل: (16/79).
([48]) عيون أخبار الرضا: (1/203) , الاحتجاج:(2/431) , بحار الأنوار: (22/216).
--------------
قبل الختام: شجون عابرة
لقد عرفنا بالأدلة العقلية والنقلية أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم خير جيل عرفته البشرية كلها وهم خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وأن خير القرون كان قرنهم، كما قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110].
وأما القول بردتهم فلا يقبله مسلم عاقل، بل يستطيع كل مسلم عامي سليم المعتقد أن يبطل هذه المعتقدات الدخيلة على الإسلام ببعض تساؤلات، قد يحدث بها نفسه دون أن يرجع إلى القرآن والسنة، أو إلى عالم في الدين، وهي بمثابة شجون وخواطر ترد على ذهن المتبع للحق الموافق للعقل المستنير، فمن تلك الخواطر أن يقول -مثلاً-:(12/348)
أولاً: كيف يستقيم -عقلاً- أن يكون أصحاب خاتم الأنبياء والمرسلين كفاراً وقد أثنى عليهم الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وكذا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وآل بيته وزكَّى ظاهرهم وباطنهم؟([1]) فهل يثني الله عز وجل على منافقين وكفار ومرتدين؟! وهل يفعل ذلك النبي وآل بيته؟!!
ثانياً: إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى وأكثر، حيث كان المسلمون إذ ذاك مستضعفين، والكفار قد استولوا على أرجاء الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة، ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وسلم وهو وحيد فرد في أمره، مقهور مغلوب وأهل الأرض يد واحدة في عداوته.
وقد هاجر بعض المسلمين وتركوا ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والسؤدد في قومهم حباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا كله إنما فعلوه طوعاً واختياراً ورغبة، فمن كان إيمانه راسخاً مثل الجبال الشامخة في حال الضعف والعوز، بالله عليكم كيف سيكون إيمانهم بعد ظهور آيات الإسلام، وانتشار راياته؟ وما الذي حملهم على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد، مثل عدم أخذهم بوصيته صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام بالخلافة، وهم يعلمون أن مخالفة أمره كُفر بربهم، ورجوع عن دينه؟!
فهل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار جميعهم أبا بكر رضي الله عنه في الكفر بالله! ويتركوا اتباع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه، وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله؟!
ثالثاً: كيف يكون يسيراً على النفس الإقدام في الحكم بكفر الصحابة وردتهم، مع أن الإمام علياً عليه السلام وهو العالم الفقيه، الذي روي عنه أنه قال: (سلوني قبل أن تفقدوني)، لم يكفر أحداً ممن قاتله من أهل الجمل وصفين، ولم يسبٍِِِِِِ ذرية أحد منهم ولا غنِم مالهم، ولو كفرهم لكان معه العذر والحجة، لكنه كان من أبعد الناس عن ذلك، وهذا فيمن قاتله فكيف بمن لم يقاتله كأبي بكر وعمر وعثمان؟! بل إنه لم يحكم على هؤلاء بحكم المرتدين، مثلما حكم أبو بكر رضي الله عنه وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، وكان عليه السلام ينادي المنادي في يوم الجمل ويقول له: (لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا تكشف عورة، ولا يهتك ستر!)([2]).
وكما كان يقول الإمام علي عليه السلام لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على الحق، ورأوا أنهم على الحق)([3]).
رابعاً: كيف يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمجالسة الصالحين، وينهانا عن مجالسة أهل السوء، وقد جالس النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة المرتدين المنافقين -كما يزعمون!- فمن المخطىء يا ترى؟! وكيف لا يحمي الله نبيه صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المرتدين -كما يزعمون- في حياته وبعد موته؟!
خامساً: كيف يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمصاهرة أهل الدين والخلق الحسن، وينهانا عن تزويج أهل الكبائر والذنوب، ثم يخالف هو بنفسه صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ويصاهر المرتدين ويصاهرونه كأبي بكر وعمر وعثمان وأبي سفيان؟! فهل أخطأ النبي صلى الله عليه وسلم في مصاهرته لأولئك النفر؟
سادساً: لماذا يسمي أهل البيت عليهم السلام أبناءهم بأسماء كبار الصحابة؛ كأبي بكر وعمر وعثمان ويحرصون على ذلك؟ مع أن هذه الأسماء مهجورة في مجالس العزاء عندنا في هذا الزمان!
فمن ادعى أنهم كفار ومرتدون فله أن يجيز التسمية بأسماء فرعون وقارون وغيرهم، إذ الأمر مرجعه واحد، والكفر ملة واحدة.
ونحن نعلم جميعاً أنه ليس ثمة دلالة في إظهار الحب لآل البيت عليهم السلام، إلا النهل من منهلهم المبارك، مع التقيد بعلمهم المبارك.
سابعاً: كيف نجوّز اللعن والسب على من خالف الإمام علياً عليه السلام وقتله؟ وقد أنكر الإمام عليه السلام بنفسه على شيعته لسبهم ولعنهم لمعاوية؟
وقال لهم: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين؟! ([4]).
ثامناً: وفق ما يقرأه المنصف للتاريخ، فلم يثبت أن الصحابة نشروا فكرة باطلة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو ثاروا عليه عندما أسس الدولة الإسلامية وعزز أركانها.
بل كانوا يحاولون جاهدين مساندته بأموالهم وأرواحهم، وبعضهم مات لأجل ذلك.. فهل المنافق يعمل كل ذلك؟ أم أنه يركن إلى حفظ نفسه، واقتناص الفرص لنيل حظوظ الدنيا؟!
تاسعاً: الفتوحات والملاحم الإسلامية، أليست فيها الدلالة على الصدق والثبات على منهج النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم إنها دلالة على حب الصحابة للدنيا، وهوى النفس، وزهق للأرواح والأنفس في الباطل؟
عاشراً: مؤسسو الدول المعاصرة يختارون الأكفاء من الرجال لمساندتهم في إنشاء دولتهم..(12/349)
فهل يعقل أن الله أهمل نبيه من الرعاية والعناية، فاختار - تخبطاً من غير حسن تدبير ولا تقدير لعواقب الأمور- حفنة من المنافقين ليعينوا نبيه في نشر دينه، مع أنه خاتم الرسل، بل ويمكّن الله لهم في زمن خلافة الثلاثة، وغيرها من الدول الإسلامية؟!
حادي عشر: للعامي المسلم الحق في الاستفسار عن قضية هامة: إذا كان الصحابة مرتدين مارقين مغيرين لدين الله.. فعلى هذا فإن كل ما نُقل عنهم فهو باطل! مثل الأحكام الشرعية وغيرها...
إذاً: بأي شرع صحيح سوف نتعبد به ربنا؟! وكيف نعتمد على قرآن نقله هؤلاء؟!
أيها القارئ الكريم: يجب علينا أن نعلم علم اليقين أن أعداء الإسلام ابتدعوا الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم هم الذين نقلوا القرآن والسنة بالأسانيد المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا توجد ديانة من الديانات على وجه الأرض يتوافر عندها إسناد متواتر لكتابها المقدس، أو لسنة نبيها -إن كانوا من أهل الكتب السماوية- إلا المسلمين، الذين يحبون أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم ويوالونهم.
فالقرآن العظيم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وصلا إلينا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم رضي الله عنهم، ومن اتبعوهم بإحسان وساروا على خطاهم وهديهم، وبهذا يتبين لنا بوضوح امتداد المخطط الحاقد الذي يستهدف هدم الدين، وإبعاد المسلمين عن إسلامهم، واتباعهم ملة اليهود والنصارى، كما حذرنا ربنا تبارك وتعالى عنهم، فقال: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) [البقرة:120].
وآخر دعوانا أن نقول ما كان يقوله نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في دعاء القيام:
(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
آمين.. آمين.. آمين..
--------------
([1]) انظر: (19- 48) من هذا الكتاب.
([2]) انظر: مستدرك الوسائل: (11/52)، بحار الأنوار: (32/252).
([3]) قرب الإسناد: (ص:45)، بحار الأنوار: (32/324).
([4]) انظر: مستدرك الوسائل: (12/306)، بحار الأنوار: (32/399)، وقعة صفين: (ص:102).
---------
قائمة المراجع
1- القرآن الكريم.
2- الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي - نشر مرتضى مشهد مقدسي (1413هـ).
3- الاختصاص - محمد بن محمد النعمان الملقب (بالمفيد) - انتشارات كنكرة جهاني - قم - (1413هـ).
4- إرشاد القلوب - حسن بن أبي الحسن الديلمي - انتشارات شريف رضا –
(1412هـ).
5- آراء حول القرآن - السيد الفاني الأصفاني - دار الهادي - بيروت.
6- إعلام الورى - أمين الدين فضل بن حسن الطبرسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
7- أمالي الصدوق - لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي المعروف (بالصدوق) - انتشارات كتابخانه إسلامية - (1362هـ).
8- أمالي الطوسي - تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - انتشارات دار الثقافة - قم - (1414هـ).
9- بحار الأنوار - تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - (1404هـ).
10- بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ الصفار - مكتبة آية الله المرعشي - قم (1404هـ)
11- تأويل الآيات الظاهرة - للسيد شرف الدين حسين استرابادي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1409هـ).
12- تهذيب الأحكام - أبو جعفر محمد عبد الحسن الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1365هـ).
13- تفسير الأمثل - ناصر مكارم الشيرازي - الطبعة الأولى - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر - بيروت.
14- تفسير بيان السعادة - الحاج سلطان محمد الجنابذي، الطبعة الثانية، مطبعة جامعة طهران.
15- تفسير التبيان - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى، تحقيق: أحمد حبيب العاملي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي.
16- تفسير تقريب القرآن - السيد محمد الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى مؤسسة الوفاء - بيروت.
17- تفسير جامع الجوامع - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، الطبعة الثالثة، مؤسسة النشر والطبع، جامعة طهران.
18- تفسير الجديد - الشيخ محمد السبزواري النجفي، الطبعة الأولى، دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
19- تفسير الجوهر الثمين - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، مكتبة الألفين - الكويت.
20- تفسير شبر - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، دار البلاغة للطباعة والنشر - بيروت.
21- تفسير الصافي - المولى محسن الملقب بـ(الفيض الكاشاني)، الطبعة الأولى دار المرتضى للنشر - مشهد.
22- تفسير العياشي - أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش، طهران - المكتبة العلمية الإسلامية.
23- تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - الطبعة الثالثة - قم - مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر.
24- تفسير الكاشف - محمد جواد مغنية، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين.(12/350)
25- تفسير مجمع البيان - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، (1379هـ).
26- تفسير مختصر مجمع البيان - الشيخ محمد باقر الناصري، الطباعة الثانية قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
27- تفسير المعين - المولى نور الدين محمد بن مرتضى الكاشاني، الطبعة الأولى قم: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.
28- تفسير مقتنيات الدرر - مير سيد علي الحائري الطهراني، طهران - دار الكتب الإسلامية.
29- تفسير من هدي القرآن - السيد محمد تقي المدرسي، الطبعة الأولى، دار الهدى.
30- تفسير المنير - محمد الكرمي، قم، المطبعة العلمية (1402هـ).
31- تفسير من وحي القرآن - السيد محمد حسين فضل الله، الطبعة الثالثة بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر.
32- تفسير الميزان - السيد محمد حسين الطبطبائي، الطبعة الثالثة، طهران: دار الكتب الإسلامية.
33- تفسير نور الثقلين - الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي، الطبعة الثانية - قم: المطبعة العلمية.
34- تفسير الوجيز - علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي - دار القرآن الكريم - قم - الطبعة الأولى.
35- ثواب الأعمال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي - انتشارات شريف رضا - قم - (1346هـ).
36- الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - الناشر جماعة المدرسين - قم.
37- الخصال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق) - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1403هـ).
38- الدعوات - قطب الدين الراوندي - مدرسة الإمام المهدي (عج) - قم - (1407هـ)
39- رجال ابن داود - ابن داود الحلي - مؤسسة النشر في جامعة طهران - (1383هـ).
40- رجال الطوسي - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - منشورات الرحمن - قم، إيران.
41- رجال الكشي - تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - انتشارات دانشكار - مشهد - (1348هـ).
42- سر السلسلة العلوية - لابن نصر البخاري.
43- سيرة الأئمة الاثني عشر - السيد هاشم معروف الحسيني - طبعة دار المعارف - الطبعة السادسة.
44- شرح أصول الكافي - مولى محمد صالح المازندراني.
45- شرح نهج البلاغة - عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي - كتابخانه آية الله المرعشي - قم- (1404هـ).
46- الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم - العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي - دار الهادي - بيروت - الطبعة الرابعة.
47- الصحيفة السجادية - الإمام علي بن الحسين (ع) - نشر الهادي - قم - (1376هـ).
48- صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات - آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي - دار المحجة البيضاء دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الطبعة الأولى.
49- علل الشرائع: أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق) - انتشارات مكتبة الداوري - قم.
50- العمدة: لابن بطريق يحيى بن حسن الحلي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1407هـ).
51 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب – لابن عنبة.
52- عوالي اللآلى: لابن أبي جمهور الأحسائي - انتشارات سيد الشهداء عليه السلام - قم - (1405هـ).
53- عيون أخبار الرضا عليه السلام: لأبي جعفر محمد بن علي (الصدوق) - انتشارات جهان - (1378هـ).
54- فرق الشيعة: للشيخ الحسن بن موسى النوبختي - الطبعة الثانية (1404هـ) - منشورات دار الأضواء - بيروت - لبنان.
55- فقه الرضا (ع) - نشر المؤتمر للإمام الرضا (ع) - (1406هـ).
56- قرب الإسناد - عبدالله بن جعفر الحميري - مكتبة نينوى - طهران.
57- الكافي - محمد بن يعقوب الكليني - دار الكتب الإسلامية - (1365هـ).
58- كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - جاب مكتبة بني هاشم تبريز - (1381هـ).
59- لسان العرب - للعلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور - دار الفكر للطباعة والنشر - الطبعة الأولى.
60- مجموعة ورام: لورام بن أبي فراس - انتشارات مكتبة الفقيه - قم.
61- مجمع الرجال: علي القهبائي - مؤسسة مطبوعاتي إسماعيلاتي.
62- مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية - قم. ط. الأولى.
63- مستدرك الوسائل: لحسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت عليهم السلام - قم - (1408هـ).
64- المقالات والفرق: سعد بن عبدالله الأشعري - نشر مؤسسة مطبوعاتي عطاني طهران (1963م).
65- من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - مؤسسة النشر الإسلامي - قم - (1413هـ).
66- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: لأبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني - مؤسسة انتشارات العلامة - قم - (1379هـ).
67- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: العلامة ميرزا حبيب الله الخوئي - مؤسسة دار الوفاء، بيروت.
68- نهج البلاغة - من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام - اختاره الشريف الرضي - انتشارات دار الهجرة - قم.
69- النوادر: السيد فضل الله الراوندي - مؤسسة دار الكتاب - قم.(12/351)
70- وقعة صفين - نصر بن مزاحم بن سيار المنقري - مكتبة آية الله المرعشي - قم - (1403هـ).
71- وسائل الشيعة - محمد بن الحسن الحر العاملي - مؤسسة آل البيت - قم - (1409هـ).
=============
تعس وانتكس من شمت الأعداء بالأصحاب
مقدمة كتاب أوجز الخطاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فإن الله تبارك وتعالى قد اختار نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، واختار له أصحاباً وأصهاراً مدحهم في كتابه الكريم في مواضع عديدة، وأثنى عليهم وأرشد إلى فضلهم، وبين أنهم خير الأمم رضوان الله تعالى عنهم.
وقد مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشاد بهم وأخبر بفضلهم، ونص على أنهم خير قرون الأمة في قوله صلى الله عليه وسلم: {خير أمتي قرني}([1]). وأوجب علينا محبتهم ونهانا عن بغضهم أو سبهم أو إيذائهم بأي نوع من أنواع الأذى فقال صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي([2]) فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه}([3]).
فإياك إياك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبغض أصحابه، فلئن أبغضتهم لقد دخلت في قوله: {ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم} فتكون مبغضاً لرسولك صلى الله عليه وسلم، فيا خسارتك ويا سوء عاقبتك إن كنت تبغض نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم. بل عليك يا من أحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحب من أحب حبيبك ومن أمرك بحبه؛ فلقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيباً، ولا يأمر إلا بحب الطيبين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ولتعلم يا عبد الله أن سب صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم أعظم جرماً من بغضهم، فأدنى أحوال الساب أن يكون مبغضاً، فلتحذر من ذلك ولتتأمل قول نبيك صلى الله عليه وسلم: {لا تسبوا أصحابي}([4]). فستجد فيه النهي الواضح منه عليه السلام عن سب أصحابه رضوان الله تعالى عنهم: ((فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63].
--------------
([1]) صحيح البخاري واللفظ له (5/63)كتاب فضائل الصحابة الباب الأول منه، وصحيح مسلم (4/ 1964) كتاب فضائل الصحابة باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم..
([2]) والغرض هو: الهدف الذي يرمى إليه. ومراده عليه الصلاة والسلام من قوله هذا نهي الناس عن التكلم في أصحابه أو الوقيعة فيهم؛ فشرف صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم توجب على الناس احترامهم وتوقيرهم والسكوت عما شجر بينهم.
([3]) أخرجه الترمذي في جامعه (5/358) كتاب المناقب باب من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن غريب، وأحمد في مسنده (4/ 87، 88 و5/ 54-55)، وابن حبان في صحيحه (موارد الظمآن للهيثمي) (ص: 568-569) كتاب المناقب، باب فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم والمقدسي في النهي عن سب الأصحاب 2/ب -3أ.
([4]) صحيح البخاري (5/72) كتاب فضائل الصحابة باب منه، وصحيح مسلم واللفظ له (4/ 1967- 1968) كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
حكم سب الصحابة
ولقد اقتدى المسلمون الصادقون في إسلامهم برسولهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأحبوا صحابته ووقروهم، وأجمعوا على سمو منزلتهم ورفعة شأنهم وعدالتهم وعدوا كل واحد من الصحابة عدلاً إماماً فاضلاً, فرض على المسلمين توقيره ومحبته والاستغفار له، والاعتقاد بأن تمرة يتصدق بها أفضل من صدقة أحدهم دهره كله، وحكموا على ساب الصحابة بالكفر إذا اشتمل سبه لهم على إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو اصطدم مع نص صريح([1]) ومن أمثلة ذلك:
1- حكموا بكفر من قال بكفر الصحابة جميعاً وارتدادهم إلا نفراً يسيراً؛ لأنه قد عارض النصوص الصريحة التي أخبر الله تعالى فيها برضاه عن الصحابة، والتي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضلهم وأشاد بهم وبين مكانتهم إذ حال من عارض هذه النصوص كحال من كذب بها.
2- حكموا بكفر من كفر الشيخين؛ أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؛ لأنه قد رد النصوص الكثيرة التي أجمعت على أنهما من أفضل المؤمنين، ومن أهل عليين.
3- حكموا بكفر من نسب الصديقة الطاهرة عائشة إلى الفاحشة، أو أنكر براءتها مما رماها به رأس المنافقين، فهذا يقطع بكفره؛ لأنه طعن في المبرأة من فوق سبع سماوات، وكذب النص الصريح الذي حكم ببراءتها وخالف الله تعالى في قوله: ((يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [النور:17].(12/352)
4- ولقد أجمع الناس على فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الرافضة الذين أشرعوا سهامهم في وجه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعمدوا إلى تشويه سيرتهم المرضية، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، واتهامهم بالنفاق والخيانة والكذب، وتكفيرهم صراحة بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وبقية العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ومات وهو راض عنهم، وغيرهم من سادات الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد صدق عليهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([2]) فضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى. وسئلت الرافضة: من شر ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم([3]).
فالشيعة لم يتبعوا في صنيعهم هذا كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان قدوتهم في ذلك: ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي الذي يعد أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وكفرهم، وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم([4])
فابن سبأ اليهودي -باعتراف الشيعة([5]) - هو أول من وضع نواة الرفض المشتمل على تكفير الصحابة وسبهم، وأرسى قواعده، وعنه أخذ الشيعة هذا المعتقد الباطل وغيره من المعتقدات الفاسدة التي خالفت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يكتف الشيعة باعتناق مذهب الرفض -المشتمل على سب الصحابة- فحسب، بل عملوا على نشره والدعوة إليه سالكين في سبيل ذلك مختلف الطرق، آخذين بشتى الوسائل والسبل في محاولة منهم لاستدراج الكثير من المسلمين الغافلين إلى هذا المذهب الفاسد تحت أغطية كثيرة، منها: ادعاؤهم حب أهل البيت وزعمهم أن الصحابة دفعوهم عن حقهم وغصبوهم إياه، وتواطأوا على ظلمهم وغير تلك من المزاعم التي تعد عند أرباب العقول إفكاً غير مقبول.
ولا ريب أن أهل بيت نبينا الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة، وما نسبوه إليهم من معتقدات وبخاصة معتقد الرفض، فهم يحبون الصحابة ويجلونهم ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها.
وفي هذا الزمان، وبعد قيام دولة الرافضة ازداد خطر الشيعة، واستفحل ضررهم، وتفاقم شرهم في غفلة من أهل السنة، وعدم انتباه منهم لهذه الموجه الفكرية الشرسة التي تحاول اصطياد العديد من أهل السنة وجرهم إلى معتقد الرفض، ومحاولة غرس بغض الصحابة في قلوبهم، كل ذلك بشباك يلقونها عليهم محملة بشتى أنواع الشبه التي لا يصمد جاهل -إن لم يعصمه الله- في وجهها.
وقد ازداد هذا الخطر رسوخاً بجهل الكثير من أهل السنة بمعتقدات الشيعة، وظنهم أن ما بيننا وبين الشيعة من خلاف كالذي بين أتباع المذاهب الفقهية –أي: أنه خلاف في الفروع-.
لذا أردت أن أوضح لإخواني المسلمين معتقداً من معتقدات الشيعة الكثيرة التي خالفوا فيها أهل السنة أشد المخالفة؛ ألا وهو اعتقادهم كفر الصحابة رضي الله عنهم وارتدادهم، وقولهم بوجوب سبهم وبغضهم وذلك كي يكونوا على حذر من شبهاتهم، محترزين عن التكلم في أصحاب نبيهم أو سبهم أو الوقيعة فيهم، وبذلك يتضح الصبح لذي العينين، وتتجلى الحقائق لذوي العقول، فيتنبه الغافلون من غفلتهم ليتعرفوا على معتقد الشيعة في أفضل جيل عرفته البشرية؛ ألا وهو جيل الصحابة وفي أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين ألا وهم صحابة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولله در القائل:
لا تركنن إلى الروافض إنهم شتموا الصحابة دون ما برهان
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي إذا أحياني
احذر عقاب الله وارج ثوابه حتى تكون كمن له قلبان
ومن هنا جاء الكتاب مبيناً بإيجاز معتقد الشيعة في الصحابة من كتب القوم أنفسهم -بلا واسطة- وفي هذا إقامة للحجة عليهم، وإلزام لهم بما هو مسطور في كتبهم التي امتدحوها ومدحوا مصنفيها، وشهدوا لمن سطر ما فيها من معتقدات بالاستقامة وحسن المعتقد، وقد جاء هذا الكتاب مقسماً إلى مجالس تلقي الضوء على معتقد الشيعة الإثني عشرية في الصحابة بإيجاز.
---------------
([1]) انظر المصادر الآتية: الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض (2/286)، والصارم المسلول لابن تيمية ص (565 - 566، 586 - 587)، وبغية المرتاد له ص (343 -344)، والمنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي (ص: 536 – 537)، وتذكرة الحفاظ له (2/775)، وحاشية ابن عابدين (2/294)، ورسالة في الرد على الرافضة للتميمي ص8.
([2]) وبعض هذا القول ثابت عن الإمام الجليل الفاضل الفقيه عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله.
([3]) منهاج السنة النبوية لابن تيمية (1/ 27).(12/353)
([4]) انظر المصادر الشيعية الآتية: مقالات الفرق لسعد بن عبد الله القمي (ص: 21)، وفرق الشيعة للنوبختي (ص: 44)، واختيار معرفة الرجال للطوسي (ص: 108-109)، وتنقيح المقال للمامقاني (2/ 184)، وغيرها من المصادر.
([5]) لاحظ الحاشية السابقة.
----------------
المجلس الأول/ دعوى الشيعة الإثني عشرية ارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم ورفعة شأنهم؛ قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم فصدقوه وآزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي جاء به فتلقوه عذباً زلالاً، وسائغاً فراتاً من مشكاة النبوة، وأخلصوا دينهم لله وبذلوا في سبيله المهج والأرواح والغالي والنفيس والأموال والأولاد؛ فشادوا بنيانه وأكملوا صرحه وفتحوا البلاد وهدوا العباد، فكانوا بذلك أهلاً لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الإثنا عشرية بعدما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار، والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله تعالى عنهم قد ارتدوا جميعاً على أدبارهم القهقرى إلا نفراً يسيراً منهم، رجحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان وأبو ذر والمقداد استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال التستري -من كبار علمائهم-: (كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون (ع)، كذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم وهدى خلقاً كثيراً لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم)([1])
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول لرأيتهم قد افتروا أقوالاً ونسبوها -زوراً وبهتاناً- إلى من يدعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم وغيرهم.
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيرأربعة]]([2]) زادوا عمار بن ياسر رضي الله عنه علىالثلاثة السابقين-.
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله: [[كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة]]([3])، و [[ارتد الناس إلا ثلاثة نفر]]([4]).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة([5]).
وهناك روايات أخرى مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم ونسبوها -كذباً وبهتاناً- إلى عدد من أئمتهم([6]).
ولا ريب أن هؤلاء الأئمة الطيبين بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر مما كذب على غيرهم حتى شكا الأئمة -وعلى رأسهم جعفر الصادق - من ذلك.
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله-إمام الشيعة السادس- ذلك بقوله: [[إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا -بكذبه علينا- عند الناس]]([7]).
أضف إلى ذلك معارضة هذه المزاعم -ما زعمه الشيعة من ارتداد الصحابة- لما أخبر به الله تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم وأمر بالاستغفار لهم، والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة؛ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، بل يستغفر لهم ويترضى عنهم ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
والله تبارك وتعالى أخبر أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بقوله: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
وكانت عدتهم رضي الله عنهم ألفاً وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم([8]). ولم يرتد منهم أحد، فكيف يجوز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفراً يسيراً؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة -المعصومين عندهم- جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون،([9]) ودعا عليه بالخزي فقال: [[من قال هذا أخزاه الله]]([10]).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة تشمل جميع المبايعين، فـ (إذ) في قوله (إذ يبايعونك) ظرف، وسواء أكانت ظرفاً محضاً أم كانت ظرفاً فيها معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعاً من المرضي عنهم.(12/354)
وخلاصة القول: أن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وسلم كما ترضى يا رب العالمين.
----------------
([1]) إحقاق الحق للتستري (ص: 316).
([2]) انظر السقيفة لسليم بن قيس (ص:92)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/81).
([3]) روضة الكافي للكليني (ص: 115)، وتفسير العياشي (1/199)، واختيار معرفة الرجال (ص: 6-8-11)، وانظر: علم اليقين للكاشاني (2/743-744)، وتفسير الصافي له (1/148، 305)، وقرة العيون له (ص: 426)، والبرهان للبحراني (1/319)، وبحار الأنوار للمجلسي (6/749)، وحياة القلوب له (2/837)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص: 223)، وحق اليقين لعبد الله شبر (1/218-219).
([4]) المصادر السابقة نفسها.
([5]) انظر: تفسير الصافي للكاشاني (1/148)، وقرة العيون له (ص: 426)، وحق اليقين لشبر (1/218).
([6]) راجع في ذلك كتابي: موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم.
([7]) اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص: 108)، وتنقيح المقال للمامقاني (2/184)، ومعجم رجال الحديث للخوئي (1/202).
([8]) انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني (2/22)، والبرهان للبحراني (4/196-197).
([9]) أسنده إليه الكشي الشيعي في كتابه معرفة الرجال، (اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص: 151))..
([10]) أسنده الكليني في كتابه الكافي. الأصول من الكافي للكليني (1/148)..
--------------
المجلس الثاني/ دعوى الشيعة الإثني عشرية نفاق أكثر الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكتف الشيعة الإثنا عشرية بنسبة الصحابة رضي الله عنهم إلى الارتداد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل زعموا أن أكثرهم أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر في حياته عليه الصلاة والسلام.
قال التستري -من علماء الشيعة - عن الصحابة: (إنهم لم يسلموا بل استسلم الكثير رغبة في جاه رسول الله... إنهم داموا مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق)([1]).
والمتأمل لهذا القول يسخر من سفاهة هذا الشيعي وسوء رأيه؛ إذ أي مال أو منصب أو شيء من حطام الدنيا كان لديه عليه السلام، وقومه قد رموه من قوس واحدة وتآمروا على قتله وقتل من معه من صحابته، وأذاقوهم من العذاب ألواناً، وأنزلوا بهم من الكربات ما الله به عليم مما لا يصبر عليه صناديد الرجال، وهم ثابتون مقيمون على إسلامهم قابضون على دينهم، ولو تركوه صلى الله عليه وسلم وتركوا دينه لأكرمهم المشركون، وأعطوهم حتى يرضوهم من حطام هذه الدنيا، ولكن نظرتهم لم تكن إلى هذه الفانية، بل كانت نظرة عميقة إلى ما وراء هذه الحياة مما أعد الله لهم، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وكان الواحد منهم يُلقى في رمضاء مكة في الأيام الشديدة الحر، وتوضع عليه الصخور والأحجار الكبيرة حتى يرجع عن دينه فلا يزيده هذا إلا ثباتاً على أمر الله ومضياً على الحق، ولسان حاله يقول لعتاة المشركين وجبابرتهم: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [طه:72] ولو قال لهم كلمة واحدة أحسوا منها أنه مستعد لترك دينه لأغدقوا عليه وأعطوه، ولكنه الإيمان إذا لامس بشاشة القلوب يلتحم بها التحاماً لا يمكن فكه إلا أن يشاء الله.
فقل لي بربك يا مسلم: هل هذه من صفات المنافقين، وهل هؤلاء الأبرار منافقون كما زعم الشيعة؟!
وقد أكد حسن الشيرازي -وهو من الشيعة المعاصرين- نفاق أكثر الصحابة، وتساءل عن سبب قبول النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين في صفوف المؤمنين؟ ثم أجاب نفسه بقوله: (إنه لم يكن من صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ فجر الإسلام أن يقبل المخلصين فقط ويرفض المنافقين، وإنما كان عليه أن يكدس جميع خامات الجاهلية ليسيج بها الإسلام عن القوى الموضعية والعالمية التي تظاهرت ضده، فكان يهتف: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}... إلى أن قال: (ولم يكن للنبي أن يرفضهم، وإلا لبقي هو وعلي وسلمان وأبو ذر والعدد القليل من الصفوة المنتخبين)([2]).
ثم استرسل حسن الشيرازي في حديثه عن الصحابة فقال: (غير أنهم تكاثروا مع الأيام، وعلى إثر كثرتهم استطاع رؤوس النفاق أن يتسللوا إلى المراكز القيادية، فخبطوا في الإسلام خبطاً ذريعاً كاد أن يفارق واقعه لولا أن تداركه بطله العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام)([3]).
ومراده برؤوس النفاق: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فهم الذين عناهم الشيعي بقوله: (استطاع رؤوس النفاق...).(12/355)
وهذه المزاعم التي فيها طعن واضح برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يهتم بالكيف، بل كان جل اهتمامه منصباً على الكم -على حد زعم هذا الشيعي- فكان -على حد ما زعم- يجمع الناس دون اهتمام منه بسلامة عقيدتهم وصدق رغبتهم في الدخول في الإسلام، ليقاتل بهم القوى الموضعية والعالمية، وكأن هذا الشيعي لا يدرك أن المنافقين من أشد القوى الموضعية خطراً على الدين وعلى أتباعه المسلمين، بل وأشد خطراً من القوى المحيطة بالمسلمين المتربصين بهم الدوائر. وكأنه لا يعلم أيضاً أن المنافقين ممن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهادهم في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)) [التوبة:73].
وقال المامقاني -من الشيعة -: (إن من المعلوم بالضرورة بنص الآيات الكريمة وجود الفساق والمنافقين في الصحابة، بل كثرتهم فيهم وعروض الفسق، بل الارتداد لجمع منهم في حياته ولآخرين بعد وفاته)([4]).
وقول المامقاني بوجود المنافقين في صفوف الصحابة صحيح لكن زعمه كثرتهم من الكذب؛ إذ لو كانوا كثيرين كما زعم هو وأسلافه لأحاطوا برسول الله وصحابته وقضوا عليهم، وأقاموا دولة حال ظهور الإسلام دون قيامها، ولكنهم كانوا قلة حقيرة وشرذمة قليلة لم يكن لهم حول ولا طول. وقوة عقيدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت حاجزاً منيعاً بينهم وبين مخططاتهم، وسوراً عالياً منعهم من تحقيق مآربهم، لذلك لم تصدر منهم إلا أقوال يسيرة دلت على خبيئة أفئدتهم وما يعتمل في نفوسهم من حقد دفين نحو الإسلام ورسوله وأصحابه.
وهناك أقوال أخرى كثيرة صدرت عن الشيعة تحاول إلصاق تهمة النفاق بصحابة أطهار أبعد ما يكونون عن الاتصاف بها([5]).
ولست أدري كيف تتفق هذه الأقوال مع ما ذكره الشيعة في كتبهم، ونسبوه إلى أئمتهم من مدح للصحابة رضوان الله عليهم وثناء عليهم، ووصف لهم بصفات لا يتصف بها المنافقون منها:
1/ قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه مخاطباً من كان في جيشه، يحكي لهم عن إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[فقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، وإذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم مادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء للثواب]]([6]).
فهل هذه صفات المنافقين الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقلة الذكر لله، وتكاسلهم في أداء الصلاة، وخداعهم لله ولرسوله وللمؤمنين بقوله: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء:142]؟ اللهم لا.
2/ وتأمل كذلك قول جعفر الصادق -رحمه الله- فيهم: [[كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اثني عشر ألفاً؛ ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير]]([7]).
فهل هذه صفات المنافقين؟؟!! اللهم لا.
ولكن الشيعة أعرضوا عن أقوال أئمتهم واتبعوا أهواءهم وما تمليه عليهم معتقداتهم الفاسدة، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم.
وخلاصة القول: أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كانوا من أبعد الناس عن الاتصاف بصفة النفاق، بل وكانوا يخافون النفاق فيفرون منه في أقوالهم وأفعالهم، وقد كانوا رضي الله عنهم مدركين أن الدخول في النفاق يسلبهم اسم الإسلام ولقب الصحبة الشريف الذي يحملونه.
-------------
([1]) إحقاق الحق للتستري (ص: 3)..
([2]) الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي (ص: 8-9)..
([3]) المصدر نفسه (ص: 10)..
([4]) تنقيح المقال للمامقاني (1/213)..
([5]) انظر على سبيل المثال لا الحصر: تفسير القمي (2/186)، والبرهان للبحراني (3/299)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/342)، وقرة العيون له (ص: 416-420)..
([6]) ذكره الشريف الرضي في نهج البلاغة (ص: 143)..
([7]) أسنده إليه الصدوق في كتابه الخصال (2/639-640)..
------------
المجلس الثالث/ إنكار الشيعة الإثني عشرية لعدالة الصحابة رضي الله عنهم(12/356)
لا يشك مسلم في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أمناء هذه الأمة، وحملة الشريعة ونقلتها إلى الأمناء من بعدهم، لا يحتاج واحد منهم إلى توثيق أو تعديل، وكيف وقد أثنى عليهم ربهم وإلههم جل وعلا ثناءً يقطع لهم بالعدالة والوثاقة في آيات كثيرة من كتابه الكريم؛ مثل قوله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110]، وقوله جل وعلا: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة:143] والوسط: العدل. والصحابة أول من يدخل في شمول الخطاب. أضف إلى ذلك الكثير من الآيات التي أثنى الله تعالى من خلالها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين فضلهم وأخبر برضاه عنهم، وكذلك إثبات الخيرية لهم من رسولهم صلى الله عليه وسلم، ونهيه عن سبهم -ومعلوم أن إنكار عدالتهم سب لهم- ونشره لفضائلهم ومناقبهم، كل ذلك مما يستلزم إثبات العدالة لهم دون توقف.
قال محمد بن أحمد الحنبلي - الشهير بابن النجار -: (إن من أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلاً؟ فإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف لا تثبت العدالة بهذا الثناء العظيم من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم؟!)([1]).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله -بعدما ذكر جملة من الأحاديث في فضائل الصحابة رضي الله عنهم-: (كلها مطابقة لما ورد في نص القرآن وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له... على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها -من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين- القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين، وهذا مذهب كافة العلماء)([2]).
فالحكم بتعديل الصحابة رضي الله عنهم مبني على تعديل الله تعالى، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، ولسنا نحتاج بعد تعديل الله تعالى وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم إلى تعديل أحد أياً كان.
ولكن الشيعة الإثني عشرية رغم هذا البيان الواضح من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم أنكروا عدالة الصحابة جملةً وتفصيلاً، وزعموا أن حكم الصحابة من حيث العدالة كحكم غيرهم ليس لهم مزية على غيرهم؛ فهم -على حد زعمهم- قوم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما على الناس.
قال المجلسي -شيخ الدولة الصفوية ومرجع الشيعة المعاصرين- في معرض حديثه عن عدالة الصحابة بعد أن ذكر قول أهل السنة فيها: (وذهبت الإمامية إلى أنهم –أي: الصحابة- كسائر الناس من أن فيهم العادل، وفيهم المنافق والفاسق والضال، بل كان أكثرهم كذلك)([3]). أي: كان أكثر الصحابة منافقاً وفاسقاً وضالاً -على حد قوله-.
وقال الشيرازي من الشيعة: (حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرد الصحبة، ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار إلا أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان، فمن علمنا عدالته وإيمانه وحفظه وصية رسول الله في أهل بيته وأنه مات على ذلك كسلمان وأبي ذر وعمار: واليناه وتقربنا إلى الله بحبه، ومن علمنا أنه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت عليهم السلام عاديناه لله تعالى، وتبرأنا إلى الله منه)([4]).
وقال التستري الشيعي: (الصحابي كغيره لا يثبت إيمانه إلا بحجة)([5]).
وقال في موضع آخر: (ليس كل صحابي عدلاً مقبولاً)([6]).
وقد تكلم الكاشاني -من مفسري الشيعة - في مقدمة كتابه عن أخذ الناس من تفاسير الصحابة لآيات القرآن فقال: (إن هؤلاء الناس لم يكن لهم معرفة حقيقة بأحوالهم –يعني: بأحوال الصحابة- لما تقرر عنهم أن الصحابة كلهم عدول، ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق، ويجترئون على الله، ويفترون على رسول الله في عزة وشقاق)([7]).
وبين الزنجاني -من الشيعة المعاصرين-موقف الشيعة من عدالة الصحابة فقال: (قول الشيعة في الصحابة أنهم كغيرهم من الرجال فيهم العدول من الرجال وفيهم الفساق...)([8]).
ونقل المامقاني -من علماء الرجال عند الشيعة- إجماع الإمامية على ذلك فقال: (قد اتفق أصحابنا الإمامية على أن صحبة النبي بنفسها وبمجردها لا تستلزم عدالة المتصف بها ولا حسن حاله، وأن حال الصحابي حال من لم يدرك الصحبة في توقف قبول خبره على ثبوت عدالته، أو وثاقته أو حسن حاله ومدحه المعتد به مع إيمانه)([9]).(12/357)
وممن نقل إجماع الشيعة الإمامية على إنكار عدالة الصحابة: محمد جواد مغنية -وهو من الشيعة المعاصرين- حيث قال: (قال الإمامية: إن الصحابة كغيرهم فيهم الطيب والخبيث، والعادل والفاسق)([10]).
إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي ذكرها الشيعة منكرين من خلالها عدالة الصحابة رضي الله عنهم.
وخلاصة القول: أن الشيعة الإثني عشرية مجمعون على إنكار عدالة الصحابة، ولم يخالف منهم أحد في ذلك.
ولا شك أن إنكار الشيعة لعدالة الصحابة تعد مخالفة لما ورد في الكتاب والسنة من أدلة تثبت العدالة التي أنكروها وقد تقدم ذكر بعضها.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: {خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}([11]). فقد أثبت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لصحابته الخيرية المطلقة، والأفضلية على سائر أمته التي هي خير الأمم، فدل على أن الصحابة رضي الله عنهم خيار من خيار.
والحق أن إنكار الشيعة لعدالة الصحابة -إضافة إلى كونه يعد مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام- جد خطير، يفضي بهم إلى رد ما رواه الصحابة وما نقلوه من الدين جملةً وتفصيلاً، وبالتالي إبطال الكتاب والسنة ومن يقرأ كتبهم يجد هذا واضحاً.
وهذا الذي حدا بعلماء أهل السنة إلى التشدد في قبول رواية المبتدعين، وخاصة الذين يطعنون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة)([12]).
وقال يحيى بن معين رحمه الله في تليد بن سليمان المحاربي الكوفي: (كذاب كان يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)([13]).
وقال أبو أحمد الحاكم الكرابيسي (ت:378هـ) في يونس بن خباب الأسيدي مولاهم أبو حمزة الكوفي وكان يشتم عثمان رضي الله عنه: (تركه يحيى([14]). وعبد الرحمن([15]). وأحسنا في ذلك؛ لأنه كان يشتم عثمان، ومن سب أحداً من الصحابة فهو أهل أن لا يُروى عنه)([16]).
والحق أن الإنسان يعجب حين يجد الشيعة يجعلون لمن نظر إلى الإمام الثاني عشر -عندهم([17]).- نظرة واحدة مرتبة أعلى من مرتبة العدالة، بينما يجدهم يمنعون مرتبة العدالة عن الصحابة الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه، وبذلوا أنفسهم وأموالهم وأرخصوا أرواحهم في سبيل نصرة دعوة الله وإعلاء كلمته؛ رجاءً لما عند الله وطمعاً في جنته: قال المامقاني -وهو من كبار علماء الجرح والتعديل عند الشيعة - في معرض كلامه على الأمور التي تعرف بها عدالة الرجل من شيعتهم: (ومنها تشرف الرجل برؤية الحجة المنتظر - عجل الله تعالى فرجه، وجعلنا من كل مكروه فداه- بعد غيبته([18]). فإنا نستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة)([19]).
ضرورة أنه لا يحصل تلك القابلية إلا بتصفية النفس وتخلية القلب من كل رذيلة، وعراء الفكر عن كل قبيح، وإلى هذا المعنى أشار مولانا العسكري (ع) بقوله لمن أراه الحجة -روحي فداه-: [[لولا كرامتك على الله لما أريتك ولدي هذا...]]([20]).
وهذا يدل -والعياذ بالله- على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة.
-------------
([1]) شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/475)..
([2]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 48-49)..
([3]) بحار الأنوار للمجلسي (8/8)، ونقله عنه المعلق على كتاب الإيضاح لابن شاذان (ص:49)، وعلى كتاب أمالي المفيد (ص:38)..
([4]) الدرجات الرفيعة للشيرازي (ص: 11)..
([5]) الصوارم المهرقة للتستري (ص: 6)..
([6]) المصدر نفسه (ص: 9)..
([7]) تفسير الصافي للكاشاني (1/4)..
([8]) عقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني (3/85)..
([9]) تنقيح المقال للمامقاني (1/213)..
([10]) الشيعة في الميزان لمغنية (ص: 82)..
([11]) صحيح البخاري -واللفظ له- (5/63) كتاب فضائل الصحابة الباب الأول منه، وصحيح مسلم (4/ 1964) كتاب فضائل الصحابة باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم...
([12]) أسنده إليه الخطيب البغدادي في (الكفاية في علم الرواية) (ص: 97) وانظر: الإصابة لابن حجر (1/11)..
([13]) أسنده إليه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/138)، وانظر: التاريخ لابن معين-رواية الدوري- (2/66)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (1/509)..
([14]) ابن معين..
([15]) ابن مهدي..
([16]) تهذيب التهذيب لابن حجر (11/438)..
([17]) مع أنه لم يخلق، فالحسن العسكري كان عقيماً ولم ينجب..
([18]) يقصد الغيبة الصغرى؛ إذ له غيبتان -على حد زعمهم- غيبة صغرى أمكن رؤيته فيها، وغيبة كبرى لم يره فيها أحد..(12/358)
([19]) تأمل: (في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة)، بينما يمنعون مرتبة العدالة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
([20]) تنقيح المقال للمامقاني (1/211)..
-------------
المجلس الرابع/ موقف الشيعة الإثني عشرية من الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ولكني أحب بكل قلبي وأعلم أن ذاك من الصواب
رسول الله والصديق حباً به أرجو غداً حسن الثواب
والله إن المرء ليستشعر نقصه، ويعجز عن البداية، وعن بلوغ النهاية مع بعد الغاية، إذا أراد أن يكتب عن سيرة رجل لم تحمل الغبراء، ولم تظل السماء بعد الأنبياء والمرسلين رجلاً أفضل منه، رجل جمع الله فيه الفضائل كلها، والمزايا الخلقية جميعها، فكان خيراً كله.
ذاكم هو الصديق أبو بكر أول الصحابة إسلاماً، وأخصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضلهم على الإطلاق.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس، ولم يتردد في قبول دعوته إلى الإسلام حين تردد وأبى الأدنون، وواسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله، حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله}([1]).
أسلم على يديه صفوة الأصحاب، وأعتق بماله الكثير من الرقاب، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقاً، واتخذه أخاً في الله وصديقاً، وانتقل إلى جوار ربه وهو عنه راض، فرضي الله تعالى عن أبي بكر وأرضاه.
ولكن الشيعة الإثني عشرية لم يرقبوا في أبي بكر صدق صحبته وفضله، وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرموه بكل شين ونقيصة، واتهموه في إسلامه وأخلاقه وعرضه وأمانته، وسلقوه بألسنة حداد أشحة على الخير.
وليس هذا القول افتراءً على الشيعة؛ فكتبهم هي الشاهد على صدق هذه الدعوى وعدم كذبها.
وسأقتصر على ذكر بعض هذه المطاعن ليكون المسلم على بينة من أمر هذه الطائفة التي لم يسلم منها خيار عباد الله تعالى([2]).
فمنها:
أولاً: طعن الشيعة في صدق إيمان الصديق رضي الله عنه:-
يطعن الشيعة في صدق إيمان أبي بكر رضي الله عنه، ويصفونه بأنه رجل سوء،([3])، أمضى أكثر عمره مقيماً على الكفر خادماً للأوثان([4])، عابداً للأصنام([5])، حتى شاب قرنه وابيض فوده([6]).
ولم يكتفوا بهذا بل زعموا أن إيمانه كان كإيمان اليهود والنصارى؛ لأنه لم يتابع محمداً صلى الله عليه وسلم لاعتقاده أنه نبي، بل لاعتقاده أنه ملك،([7]). لهذا لم يكن إسلامه صادقاً، فقد استمر على عبادة الأصنام حتى إنه -على حد قولهم- (كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله والصنم معلق في عنقه يسجد له)([8])، وكان يفطر متعمداً في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم([9]).
قال الطوسي الشيعي: (إن من الناس من شك في إيمانه؛ لأن في الأمة من قال: إنه لم يكن عارفاً بالله تعالى قط)([10]).
وأما ابن طاوس الشيعي فقد جزم بأن أبا بكر مشكوك في هدايته([11]).
وجزم المجلسي بعدم إيمانه([12]).
أما باطنه رضي الله عنه فقد زعموا أنهم اطلعوا عليه، وتبين لهم من خلال هذا الاطلاع أنه كافر([13])، حتى إنهم حرفوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أبا بكر لم يسؤني قط} بما يوافق مزاعمهم الباطلة فقالوا: (هذه صيغة ماض وهي تستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام)([14]).
وهذه المزاعم التي قالها الشيعة كلها كاذبة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليس لهم دليل عليها إلا ما يعتمل في صدورهم من حقد على الصديق رضي الله عنه وإخوانه الصحابة، فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به من مبعثه إلى أن مات.
وقد أجمع المسلمون على أن الصديق رضي الله عنه أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به من الرجال،([15]). وعلياً أول من آمن من الصبيان، وخديجة أول من آمنت من النساء، وزيد بن حارثة أول من آمن من الموالي([16]).
وقد سئل الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: [[من أول من آمن؟ فقال: أبو بكر الصديق، أما سمعت قول حسان:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها بعد النبي وأولاها بما حملا
والتالي الثاني المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا]]([17]).
وحين عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام عليه لم يتردد في قبوله ولم يتلعثم، بل أقبل عليه بكل جوارحه، وقد أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم}([18]).
بينما يروي الشيعة في قصة إسلام علي رضي الله عنه أنه تلعثم وتردد وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمهله وقال له: [[إن هذا الدين مخالف دين أبي وأنا أنظر فيه]]([19]). -على حد زعم الشيعة أنفسهم-.(12/359)
أما ادعاء الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن مؤمناً حقيقة، وأنه عاش مشكوكاً في هدايته فكذب بإجماع المسلمين، ولا يوجد دليل واحد في أي كتاب من كتبهم يؤيد هذه المزاعم الباطلة، ولو كانت التهم تلقى جزافاً لأمكن لمبغضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يدعو فيه ما ادعى الشيعة في الصديق رضي الله عنه، ولكن حاشاه وحاشا الصديق من أن ينسب إليهم ذلك، بل هما والصحابة الكرام من سادات أولياء الله، وأفضل الناس بعد أنبياء الله ورسله.
ومما يشهد لكذب دعوى الشيعة عدم صدق إيمان الصديق رضي الله عنه: ما تواتر عن اختصاص الصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم وشدة لصوقه به، وما روي في شدة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم له -ولم يكن عليه الصلاة والسلام يحب إلا طيباً-:
فقد أخرج البخاري وغيره من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقال من الرجال؟ قال: أبوها}([20]).
أما قبل الهجرة وقبل أن يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه أحب خلق الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه: {لما توفيت خديجة رضي الله عنها قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه -وذلك بمكة -: أي رسول الله! ألا تتزوج؟ فقال: ومن؟ قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً. فقال صلى الله عليه وسلم: ومن البكر ومن الثيب؟ قالت: أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر الصديق...}([21]).
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {كان أبو بكر سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم}([22]).
فإذا كان الشيعة لا يتورعون عن توجيه أمثال هذه التهم إلى سيد الصحابة وأفضلهم وأقدمهم إسلاماً، وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى أن لا يتورعوا عن اتهام من دونه من فضلاء الصحابة بشتى أنواع التهم.
فاحذر يا عبد الله! أن تغتر بأقوالهم أو يقع في قلبك شيء من بهتانهم، فإنها والله كذب كلها، ليس من دليل عليها، أملتها عليهم عقيدتهم في الصديق رضي الله عنه، وما يعتمل في قلوبهم من حقد عليه وعلى إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله واختصهم من بين الناس كلهم لصحبة أفضل رسله وخير أنبيائه، فإن أبغضت أبا بكر لقد أبغضت أحب الناس إلى قلب نبيك ورسولك صلى الله عليه وسلم، ولو كنت تحب نبيك صلى الله عليه وسلم لأحببت من يحبه؛ إذ من علامة المحبة: أن تحب ما أحب حبيبك صلى الله عليه وسلم.
ومن المطاعن:
ثانياً: زعم الشيعة أن أبا بكر كان يعتقد أن رسول الله ساحر وليس رسولاً:-
يزعم الشيعة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يعتقد أن رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم ساحر وليس رسولاً نبياً:
فقد روى الصفار والقمي والمفيد -من الشيعة - بأسانيدهم الشيعية عن خالد بن نجيح([23]). قال: قلت لأبي عبد الله جعفر الصادق: {جعلت فداك! سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر: الصديق؟ قال: نعم. قال: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! وإنك لتراها؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال: ادن مني. قال: فدنى منه فمسح على عينيه، ثم قال: انظر، فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت}([24]).
ونسب الشيعة إلى أبي جعفر الباقر زوراً وبهتاناً أيضاً نحواً من هذه الحكاية([25]).
وزعم سليم بن قيس من الشيعة في كتابه السقيفة أنه سمع نحواً من هذه القصة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه([26]).
فهذا هو إذن السبب الذي لأجله لقب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر: الصديق كما يزعم الشيعة.
والحق: إن المرء ليعجب من سخافة عقول هؤلاء وسوء فهمهم، وسهولة اختراعهم للقصص الباطلة دعماً لمعتقدهم، على الرغم مما فيها من تناقضات مكانية وزمانية، يلحظها من أول وهلة من له أدنى إلمام بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه رضوان الله عليهم، أضف إلى ذلك تفاهة هذه القصص وتهافتها، مع ما فيها من عجمة تدل على أصل واضعها، والكلام مع الشيعة في هذا الإفك -الذي نسبوه إلى أئمة أطهار بريئين منه ومنهم- ذو وجهين: أحدهما: يبين جهل الشيعة أو تجاهلهم للسبب الحقيقي الذي لأجله لقب أبو بكر رضي الله عنه بالصديق، والآخر: يبين تفاهة ما استدلوا به وتهافته وتناقضه.
فلا تسلم للشيعة دعواهم أن سبب تلقيب أبا بكر بالصديق هو هذا الذي زعموه، فالصديق إنما سمي بذلك لكونه سارع إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وسبق غيره في ذلك.(12/360)
قال الحافظ ابن حجر: (لقب بالصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء)([27]).
ويشهد لقول الحافظ ابن حجر ما رواه الإمام البخاري بسنده عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وفيه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق}([28]) ففي هذا الحديث الشريف إشارة إلى أن الصديق رضي الله عنه سبق الصحابة جميعاً إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ما أخرجه الحاكم في مستدركه –وقال: صحيح الإسناد- من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: {لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس!! قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: وتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم. إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر بالصديق}([29]).
والرسول صلى الله عليه وسلم قد لقب أبا بكر بالصديق في مواضع كثيرة، وذكر أن معنى الصديق الذي يصدق ويصدق ولا يزال يصدق ويتحرى الصدق؛ فقد أخرج الشيخان -واللفظ لمسلم - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً}([30]).
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ليست فضيلته في مجرد تحري الصدق؛ بل لأنه علم ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم جملةً وتفصيلاً وصدق ذلك تصديقاًة كاملاً.
وما زعمه الشيعة من أن الصديق رضي الله عنه إنما لقب بذلك؛ لأنه أضمر -وهو في الغار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر باطل لأدلة كثيرة منها:
أ) إن تعريف الصديق لغة: الدائم التصديق الذي يصدق قوله بالعمل ويوافق باطنه ظاهره، والذي يكثر صدقه ويغلب عليه، فهو للمبالغة في الصدق([31]).
وقد تقدم تعريفه الشرعي في حديث ابن مسعود المرفوع وهو الذي يصدق ويصدق ويتحرى الصدق.
والشيعة قد زعموا أن أبا بكر أضمر في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر، واستدلوا بما زعموه على عدم صدق إيمانه، وعلى مخالفة باطنه لظاهره. والرسول صلى الله عليه وسلم قد اطلع على خبايا نفسه -بزعمهم- فكافأه على ذلك بمنحه هذا اللقب العظيم الذي لا يمنح إلا لمن أكثر من الصدق وعرف به.
فكيف جرى هذا والكاذب لا يكون صديقاً كما رووا في كتبهم، فقد روى صاحب كتاب (الأشعثيات) بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يرفعه: [[الكذاب لا يكون صديقاً ولا شهيداً]]([32]).
ب) إن الهجرة إلى الحبشة كانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ببضع سنين كما ذكر ذلك المؤرخون([33]). فكيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة جعفر بن أبي طالب تعوم في البحر وأراها أبا بكر، بالرغم من الفاصل الزمني الكبير بين الواقعتين، إذ الهجرة إلى الحبشة حدثت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدة سنوات -كما أسلفنا-.
ج) إن في سبب تلقيب أبي بكر بالصديق في الروايات الصحيحة المستفيضة عند أهل السنة ما يدمغ هذا الاحتجاج الكاذب ويبطله. وقد تقدم بعض هذه الروايات الصحيحة.
وبهذا الرد الموجز يتبين أن الصديق رضي الله عنه إنما حاز هذا اللقب الشريف؛ لأنه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر تصديقاً كاملاً في العلم والقصد والقول والعمل.
وهذان المطعنان اللذان ذكرتهما قليل من كثير من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهما غيض من فيض مما في كتبهم من المفتريات الموجهة إلى خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين.
---------------
([1]) صحيح البخاري (5/67-68) كتاب المناقب، باب فضل أبي بكر..
([2]) المطاعن التي وجهها الشيعة إلى الصديق رضي الله تعالى عنه كثيرة جداً، وهذا الذي ذكرته غيض من فيض مما في كتبهم..
([3]) كما ذكر ذلك الجزائري الشيعي في الأنوار النعمانية (4/60)..
([4]) ذكر ذلك البياضي الشيعي في الصراط المستقيم (3/155)، والكاشاني الشيعي في علم اليقين (2/707)..
([5]) ذكر ذلك الكركي الشيعي في (نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت) (ق: 3/أ)..
([6]) ذكر ذلك الكاشاني الشيعي في علم اليقين (2/707-708)، والفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، وفود الرأس: جانباه (انظر: لسان العرب لابن منظور (3/340)..
([7]) كما ذكر ذلك حيدر الآملي-الشيعي- في كتابه الكشكول (ص: 104)..
([8]) نفحات اللاهوت للكركي (ق: 3/أ)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/53)..
([9]) البرهان للبحراني (1/500)..
([10]) تلخيص الشافي للطوسي (ص: 407)..(12/361)
([11]) الطرائف لابن طاوس (ص: 32)..
([12]) مرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (3/429-430)..
([13]) ذكر ذلك الكوفي الشيعي في كتابه الاستغاثة في بدع الثلاثة (ص: 20)..
([14]) ذكر ذلك البياضي الشيعي في الصراط المستقيم (3/149)..
([15]) فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/223-227)، وتاريخ دمشق لابن عساكر، (9/529، 538-543)، والروض الأنيق لابن زنجويه (ق: 3/ب - 8/ب، 86/ب)، والسيرة النبوية لابن كثير (1/435)..
([16]) السيرة النبوية لابن هشام (1/240-250)، والسيرة النبوية لابن كثير (1/428-437)..
([17]) فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/142)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (9/540)، والسيرة النبوية لابن كثير (1/435)، وانظر أيضاً المستدرك للحاكم (3/64)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 151) -فهو مروي عن الإمام الشعبي أيضاً-..
([18]) مسند أحمد (2/253-366)، وسنن ابن ماجة (1/49)، وسيرة ابن هشام (1/252)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (9/543)، وانظر: السيرة النبوية لابن كثير (1/433)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 142)..
([19]) سعد السعود لابن طاوس (ص: 216)..
([20]) صحيح البخاري (5/68) كتاب المناقب باب: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)..
([21]) أخرجه أحمد والحاكم وقال: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، مسند أحمد (6/210)، والمستدرك للحاكم (2/167)..
([22]) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (المستدرك للحاكم (3/66))..
([23]) شيعي، حسَّن المامقاني -من علماء الشيعة- حديثه (تنقيح المقال للمامقاني (1/393))..
([24]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص: 444)، وتفسير القمي (ط حجرية ص 157) (ط حديثة 1/290)، والاختصاص للمفيد (ص: 19)، وانظر: مختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 29)..
([25]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص: 444)، وروضة الكافي للكليني (ط حجرية ص: 338 ط حديثة: 218)، وانظر: تفسير الصافي للكاشاني (1/702)، والبرهان للبحراني (2 /125 – 126)، ومرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (4/338)..
([26]) السقيفة لسليم بن قيس (ص: 224 – 225)..
([27]) فتح الباري (7/9)، وقد قال ابن الأثير وابن زنجويه نحواً من قوله. (منال الطالب لابن الأثير (ص: 274)، والروض الأنيق لابن زنجويه (ق: 29/أ)..
([28]) صحيح البخاري (5/67-68) كتاب المناقب – باب فضل أبي بكر.
([29]) المستدرك للحاكم (3/62) -وصححه-، وانظر: در السحابة للشوكاني (ص: 150)..
([30]) صحيح البخاري (8/46) كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، وصحيح مسلم (4/2013) كتاب البر باب قبح الكذب وحسن الصدق..
([31]) راجع الصحاح للجوهري (4/1506)، والمحكم المحيط الأعظم لابن سيده (6/118)، ومنال الطالب لابن الأثير (ص: 274)..
([32]) الأشعثيات للأشعث الكوفي (ص: 80)..
([33]) السيرة النبوية لابن هشام (1/321)، والسيرة النبوية لابن كثير (2/3-9)..
--------------
المجلس الخامس/ موقف الشيعة الإثني عشرية من الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه
في الجاهلية والإسلام هيبته تثني الخطوب فلا تعلو عواديها
في طي شدته أسرار رحمته للعالمين ولكن ليس يغشيها
وبين جنبيه في أوفى صرامته فؤاد والدة ترعى ذراريها
إن الذي برأ الفاروق نزهه عن النقائص والأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته الله أودع فيها ما ينقيها
لا الكبر يسكنها لا الظلم يصحبها لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها([1])
ذاكم هو الفاروق، عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي أفضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصديق أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
أسلم فكان إسلامه عزاً للمسلمين، وفتحاً مبيناً لهم، فأعلنوا شعائر دينهم بعدما كانوا يخفونها، وفرق الله بإسلامه بين الحق والباطل، ولقبه الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بـ (الفاروق)([2]).
كان قوياً في دينه، شديداً في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثاقب الرأي، حاد الذكاء، نير البصيرة، جعل الله الحق على لسانه وقلبه.
تولى الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه، فكانت ولايته فتحاً للإسلام، ونصراً مؤزراً، إذ تهاوت في أيامه عروش كسرى وقيصر، وقضى على أعظم دولتين في ذلك الزمان.
وقد بلغ عدل عمر رضي الله تعالى عنه الآفاق وأصبح مضرب المثل، فأحبه القاصي والداني، وودوا لو مد الله في عمره من أعمارهم، حتى تدوم ولايته، ويدوم ما يتفيؤونه في ظلالها من الأمن والعدل، وعز الإسلام ونصر المسلمين، إلا أن يد الغدر والحقد امتدت إليه لتضع حداً لحياة هذا العملاق العظيم، فقد قام المجوسي الخبيث أبو لؤلؤة بطعنه بخنجر له رأسان، نصابه في وسطه، كان قد شحذه وأشبعه بالسم، ثم غدر بعمر رضي الله عنه وهو يصلي صلاة الفجر، فطعنه في كتفه وخاصرته لينتقم لدولة المجوس التي أزالها، ولنارهم التي أطفأها، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.(12/362)
فرضي الله عن عمر، لقد كان إسلامه عزاً، وخلافته فتحاً، ووفاته فجيعة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا يزال المسلمون يذكرونه على مر العصور، وتتابع الأزمان، ويتحدثون عن فضائله ومناقبه، ويشيدون بعدله الذي صار مضرب المثل. إلا الشيعة الإثني عشرية فإنهم رغم فضل عمر رضي الله عنه وسابقته وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سلقوه بألسنة حداد، ورموه بكل شين ونقيصة، ووجهوا إليه شتى المطاعن. وسأقتصر على بيان بعضها.
فمنها:
أولاً: زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه مصاب بداء دواؤه ماء الرجال:-
يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان مصاباً بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال.([3]).
ولم يكتف الشيعة بهذا التلميح، بل تعدوه إلى تصريح، إذ صرحت بعض رواياتهم أن عمر رضي الله عنه كان ممن ينكح في دبره:
فقد روى العياشي -الشيعي- أن من تسمى بـ (أمير المؤمنين) فهو ممن يؤتى في دبره([4]).
ومعلوم أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من تسمى بـ (أمير المؤمنين)([5]).
وهذا الإفك وجهه الشيعة إلى من أحب الإمام الأول -المعصوم عندهم-، علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يلقى الله بمثل عمله([6])، وزوجه ابنته أم كلثوم([7]). فهل يحب الإمام المعصوم عندهم أن يلقى الله بمثل عمل من يؤتى في دبره؟ وكيف زوج الإمام المعصوم عندهم ابنته لمن يؤتى في دبره -على حد زعمهم-؟. سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
ومن المطاعن:
ثانياً: زعم الشيعة نفاق وكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه:-
يزعم الشيعة أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان كافراً يبطن الكفر ويظهر الإسلام([8]).
ويزعمون أن كفره مساوياً لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه([9]).
ولا يكتفي الشيعة بمجرد القول بكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ بل يلعنون كل من يشك في كفره، ويزعمون أنه لا يشك في كفره عاقل:
قال المجلسي -شيخ الدولة الصفوية ومرجع الشيعة المعاصرين-: (لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر، فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه)([10]).
ومن العجب أن هذه التهم يوجهها الشيعة جزافاً إلى من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بله الإيمان بالغيب في قوله لأصحابه، وليس عمر بينهم: {بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكن خلقت للحرث، فلما سمع الصحابة منه ذلك، قالوا: سبحان الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أؤمن بذلك، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما}([11]).
وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صلابة دينه في قوله: {بينما أنا نائم، رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، فقال له الصحابة رضي الله عنهم: ما أولت يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: الدين}([12]).
وذكر عليه الصلاة والسلام أن الشيطان يهرب من عمر رضي الله عنه إذا رآه في طريق([13])، وما ذاك إلا بسبب قوة دينه وشدة يقينه رضي الله تعالى عنه.
فإذا كان أفضل الصحابة بعد أبي بكر، ومن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوة في الدين كافراً عند الشيعة، فماذا يقولون فيمن هو دونه في الفضل والدين وقوة الإيمان واليقين؟!.
ومن المطاعن:
ثالثاً: فرح الشيعة وابتهاجهم باستشهاد عمر رضي الله عنه، واعتبارهم يوم مقتله يوم عيد لهم:-
الشيعة الإثنا عشرية يفرحون ويبتهجون بمقتل عمر رضي الله تعالى عنه، ويعتبرون يوم مقتله عيداً من أكبر الأعياد، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي الخبيث مسلماً من أفضل المسلمين:(12/363)
فقد روى محمد بن رستم الطبري -الشيعي- بسنده إلى الحسن بن الحسن السامري أنه قال: (كنت أنا ويحيى بن أحمد بن جريج البغدادي، فقصدنا أحمد بن إسحاق البغدادي([14]). -وهو صاحب الإمام العسكري عليه السلام- بمدينة قم. فقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبية عراقية، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغول وعياله، فإنه يوم عيد فقلنا: سبحان الله!!! الأعياد عندنا أربعة: عيد الفطر، وعيد النحر، والغدير، والجمعة؟ قالت: روى سيدي أحمد بن إسحاق عن سيده العسكري، عن أبيه علي بن محمد عليهما السلام أن هذا يوم عيد، وهو خيار الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم... -إلى أن ذكر خروج أحمد بن إسحاق إليهم، وروايته عن العسكري عن أبيه أن حذيفة بن اليمان دخل في يوم التاسع من ربيع الأول على رسول الله صلى الله عليه وآله، فذكر له عليه السلام بعض فضائل هذا اليوم، ومثالب من يقتل فيه- قال حذيفة: {قلت: يا رسول الله! في أمتك وأصحابك من يهتك هذا الحرم؟ قال صلى الله عليه وآله: جبت من المنافقين يظلم أهل بيتي، ويستعمل في أمتي الربا، ويدعوهم إلى نفسه، ويتطاول على الأمة من بعدي، ويستجلب أموال الله من غير حله، وينفقها في غير طاعة، ويحمل على كتفه درة الخزي، ويضل الناس عن سبيل الله، ويحرِّف كتابه، ويغير سنتي... -إلى أن قال-: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فدخل بيت أم سلمة، فرجعت عنه وأنا غير شاك في أمر الشيخ الثاني...} -يقصد عمر([15]).-، {... حتى رأيته بعد رسول الله قد فتح الشر وأعاد الكفر والارتداد عن الدين، وحرف القرآن... واستجاب الله دعاء مولاتي – فاطمة - على ذلك المنافق وأجرى قتله على يد قاتله...} -إلى أن ذكر دخوله على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يهنئه بمقتل عمر رضي الله عنه، وإخبار علي له عن هذا العيد أن له اثنين وسبعين اسماً، منها يوم تنفيس الكربة، ويوم الثارات، ويوم ندامة الظالم، ويوم فرح الشيعة... إلخ-)([16])..
ويترحم الشيعة الإثنا عشرية على أبي لؤلؤة المجوسي الخبيث، ويعدونه رجلاً مسلماً من أفاضل المسلمين، ويذكرون أنه إنما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاماً لظلم أصابه منه، وإهانة ألحقها به([17]).
ويصف الشيعة قاتل عمر بالشجاعة، ويلقبونه بـ (بابا شجاع الدين)([18]).
ويظهر الشيعة الإثنا عشرية فرحتهم وابتهاجهم باستشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإضافة لاعتبارهم يوم مقتله من أكبر الأعياد، نجدهم ينشدون الأناشيد فرحاً وابتهاجاً بما جرى له على يد قاتله المجوسي، فقد عقد صاحب كتاب: عقد الدرر في بقر بطن عمر، فصلاً وضع له عنواناً قال فيه: (الفصل الرابع في وصف حال سرور هذا اليوم على التعيين، وهو من تمام فرح الشيعة المخلصين، ثم ذكر الأناشيد التي تقال في هذا اليوم ووصفها بقوله: وهي كليمات رآئقة، ولفيظات شائقة، هو أنه لما طلع الإقبال من مطالع الآمال، وهب نسيم الوصال بالاتصال بالغدو والآصال، بمقتل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر: عمر بن الخطاب الفاجر الذي فتن العباد، ونتج في الأرض الفساد، إلى يوم الحشر والتناد، ملأت أقداح الأفراح، من رحيق راح الأرواح، ممزوجة بسحيق تحقيق السرور، وبماء رفيق توفيق الحبور...)([19]).
ثم عقب على هذه الكلمات بذكر الأشعار الطوال التي قيلت ابتهاجاً بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه([20]).
وهذا المعتقد الشيعي في عمر رضي الله عنه يشم منه رائحة الشعوبية الحاقدة، والانتصار للمجوسية أعداء الإسلام:
فمما لا شك فيه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان كافراً، وأن قتله لأمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه إنما كان ثأراً لدينه ووطنه، فعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان سبباً في إطفاء نار المجوس وإزالة ملكهم.
فاندفع أبو لؤلؤة المجوسي بحقده الشخصي -إن قلنا: إنه لم يكن مدفوعاً من أحد- فقتل عمر، وقتل معه بضعة عشر صحابياً. وعلى هذا فانتصار الشيعة له إنما يعد انتصاراً للكفار:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكياً عن الشيعة: (ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم ارض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه. ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة. كما يفعلون في الصورة التي يقدرون فيها صورة عمر من الجبس وغيره، وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسياً من عباد النيران،... فقتل عمر بغضاً في الإسلام وأهله، وحباً للمجوس، وانتقاماً للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم).([21]).
وليست تقتصر مطاعن الشيعة على ما ذكر، بل ما ذكرته يعد غيضاً من فيض مما في كتب الشيعة من المطاعن المفتراة والموجهة إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر وابنته.([22]).
----------------
([1]) من قصيدة طويلة للشاعر حافظ إبراهيم في الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
([2]) طبقات ابن سعد (3/270)..(12/364)
([3]) انظر: الأنوار النعمانية للجزائري (1/63)، ومثل هذا الكلام مذكور في كتاب آخر من كتب الشيعة المعاصرين يعرف بكتاب (الزهراء في السنة والتاريخ والأدب) لمحمد كاظم الكفائي طبع الجزء الأول منه عام (1369هـ)، وأراد مؤلفه إلحاقه بأحد عشر جزءاً فخرج الجزء الثاني من الطبع عام (1371هـ) في (408) صفحات، ولم يتمكن المؤلف من إخراج الأجزاء الباقية، وقد عد آغا بزرك الطهراني الشيعي المعاصر هذا الكتاب من كتب الشيعة وذكره ضمن مصنفه: الذريعة إلى تصانيف الشيعة (12/67)، وقد رأى هذا الكلام الخبيث في هذا الكتاب الأستاذ البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر عند زيارته الأولى للعراق، (انظر: الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب (ص 7)، وسراب في إيران لأحمد الأفغاني (ص 25)..
([4]) نقله عنه الجزائري في الأنوار النعمانية (1/63)..
([5]) الاستيعاب لابن عبد البر (2/466 – 467)..
([6]) صحيح البخاري (5/77) كتاب المناقب باب مناقب عمر..
([7]) هذا الزواج ذكره الشيعة أنفسهم في مصنفاتهم (انظر على سبيل المثال: الفروع من الكافي للكليني (6/115)، والأشعثيات للأشعث الكوفي (ص: 109)، والشافي للمرتضى (ص: 216)، وأوائل المقالات للمفيد (ص: 200 – 202)، وبحار الأنوار للمجلسي (9/621- 625)، ومصائب النواصب للتستري (ص: 169)..
([8]) انظر: الصراط المستقيم للبياضي (ص: 3/129)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 49/ب - 52/أ، 68/ب)، وإحقاق الحق للتستري (ص: 284)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/27)..
([9]) انظر: تفسير العياشي (2/ 223-224)، والبرهان للبحراني (2/310)، وبحار الأنوار للمجلسي (8/220)..
([10]) جلاء العيون للمجلسي (ص: 45)..
([11]) رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (5/78) كتاب فضائل الصحابة باب: مناقب عمر، ومسلم في صحيحه (4/1857 – 1858) كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أبي بكر الصديق..
([12]) صحيح البخاري (5/79) كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر..
([13]) صحيح البخاري (4/256) كتاب بدء الخلق باب: صفة إبليس..
([14]) عده الكشي الشيعي من ثقات أصحاب الحسن العسكري -الإمام الحادي عشر عند الشيعة- انظر: اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص: 557-558)..
([15]) وكنوا عنه بالثاني؛ لأنه ثاني الغاصبين للخلافة من علي -على حد زعمهم- راجع المصادر الشيعية التالية: دلائل الإمامة لابن رستم الطبري (ص: 257-258)، والصراط المستقيم للبياضي (2/26)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/570)، والبرهان للبحراني (4/187)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 171-249-260-270-341)..
([16]) نقله عن ابن رستم كل من: البياضي في الصراط المستقيم (3/29) –مختصراً، والمجلسي في بحار الأنوار (20/330)، ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (1/108-111)، وصاحب كتاب (عقد الدرر في بقر بطن عمر) (ق: 1-3)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (ص: 219)، ومحمد صادق الطباطبائي في مجالس الموحدين (ص: 691)، ومحمد رضا الحكيمي في شرح الخطبة الشقشقية (ص: 220 – 222)، وكل هؤلاء الشيعة أوردوا القصة مطولة..
([17]) عقد الدرر في بقر بطن عمر (ق: 2، 3، 4)..
([18]) الكنى والألقاب لعباس القمي (1/147)..
([19]) عقد الدرر في بقر بطن عمر (ق: 6)..
([20]) المصدر السابق نفسه (ق: 6-11)..
([21]) منهاج السنة النبوية لابن تيمية (6/370-371)..
([22]) صحيح البخاري (5/329) كتاب المغازي، باب غزوة ذات السلاسل..
---------------
المجلس السادس/ موقف الشيعة الإثني عشرية من الشيخين معاً، أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما
ثلاثة برزوا بسبقهم نضرهم ربهم إذ نشروا
عاشوا بلا فرقة حياتهم واجتمعوا في الممات إذا قبروا
فليس من مسلم له بصر ينكر من فضلهم إذا ذكروا
أتدرون من هؤلاء الثلاثة الذين عناهم حسان بن ثابت رضي الله عنه بقوله: (ثلاثة برزوا)؟
إنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحباه، وصفياه، وخليلاه، ووزيراه من أهل الدنيا، أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وقد تقدمت نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى هذين الصاحبين الجليلين كل منهما على حده، وللشيعة مطاعن أخرى مشتركة وجهوها إلى الشيخين معا، وسأقتصر على بعض منهما:
فمن هذه المطاعن:
أولاً: زعم الشيعة الإثني عشرية وجوب لعن الشيخين رضي الله عنهما والبراءة منهما:-
يوجب الشيعة الإثنا عشرية لعن الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، ويزعمون أن بعض أئمتهم قد لعنهما:
فقد نسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه -زوراً وبهتاناً- أنه لما قام إليه أحد الناس، وطلب منه أن يبايعه على ما عمل أبو بكر وعمر، قال: [[فمد يده، وقال له: اصفق، لعن الله الاثنين]]([1]).
وزعم سليم بن قيس -من الشيعة- أن علياً كان يلعن الشيخين دائماً([2]).
وذكر بعض الشيعة أن الإمام جعفر الصادق رحمه الله كان يلعنهما رضي الله تعالى عنهما في دبر كل مكتوبة([3]).(12/365)
وقد أنشأ الشيعة أدعية عديدة في لعن الشيخين رضي الله تعالى عنهما، ذكروها في كتبهم، ووضعوا في فضلها أحاديث كثيرة، ترغيباً لشيعتهم في قراءتها، والإكثار من ترديدها والدعاء بها.
وسأذكر منها:
الدعاء المسمى بـ(دعاء صنمي قريش):-
هذا الدعاء اعتبره الشيعة من الأدعية الخاصة في لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وابنتيهما عائشة وحفصة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشيعة قد زعموا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -وحاشاه مما نسبه إليه الشيعة - كان يقنت في صلاة الوتر بهذا الدعاء([4]). ونسبوا إليه -زوراً وبهتاناً- أنه قال عنه: [[إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله في بدر وحنين بألف ألف سهم]]، ونسبوا إليه كذلك قوله عنه: [[إنه من غوامض الأسرار وكرائم الأذكار]]([5]).
وقد زعم الشيعة أنه -حاشاه عما نسبوا إليه- كان يواظب عليه في ليله ونهاره، وأوقات أسحاره([6]).
ونسبوا إلى بعض أئمتهم -زوراً وبهتاناً أيضاً- في فضل هذا الدعاء:
أن من قرأه مرة واحدة: [[كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحى عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، ويُقضى له سبعون ألف ألف حاجة]]([7]). وأن من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح([8]).
واهتم الشيعة بهذا الدعاء اهتماماً كبيراً، واعتبروه من الأدعية المشروعة([9]).، وعمدوا إلى شرحه، فبلغت شروحه أكثر من عشر شروح([10]).
وقد ذكر مصنفو الشيعة هذا الدعاء -بعضه أو كله- في مصنفاتهم، فممن ذكره كله: الكفعمي([11])، والكاشاني([12])، والنوري الطبرسي([13])، وأسد الله الطهراني الحائري([14])، وسيد مرتضى حسين([15])، ومنظور بن حسين([16])، وغيرهم كثير.
وممن ذكر مقتطفات من هذا الدعاء أو أشار إليه من مصنفي الشيعة:
الكركي في: نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت([17])، والكاشاني في قرة العيون([18])، والداماد الحسيني في شرعة التسمية في زمن الغيبة([19])، والمجلسي في مرآة العقول([20])، والتستري في إحقاق الحق([21])، وأبو الحسن العاملي في مقدمته على تفسير البرهان([22])، والحائري في إلزام الناصب([23])، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب([24])، وعبد الله شبر في حق اليقين([25])، وغيرهم.
وقد سمى الشيعة هذا الدعاء بـ (دعاء صنمي قريش) كما تقدم؛ لأن أوله: [[اللهم صل على محمد وآل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما... إلخ]].
ومرادهم بصنمي قريش: أبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما، وعامل بعدله من يبغضهما- كما صرح الشيعة بذلك في العديد من مصنفاتهم، منهم: الكفعمي في شرحه لهذا الدعاء([26])، والكركي في نفحات اللاهوت([27])، والمجلسي([28])، والداماد الحسيني([29])، والتستري في إحقاق الحق([30])، والحائري في إلزام الناصب([31])، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب([32]).
وبعض الشيعة لم يصرحوا بأن المراد بهما أبو بكر وعمر -وهذا من باب التقية التي يتعاملون بها مع أهل السنة - واكتفوا بالإشارة إلى ألقابهما، بحيث يدرك الشيعي الذي يعرف ألقابهما أنهما المرادان بهذا الدعاء، فالكاشاني مثلاً: ذكر أن المراد بهما: فرعون وهامان، فقال: (أرذل المخلوقات صنما قريش عليهما لعائن الله، وهما فرعون وهامان)([33]). وفرعون وهامان من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين رضي الله تعالى عنهما كما سيأتي.
وأشار أبو الحسن العاملي إلى أن المراد بهما: فلان وفلان، أو الجبت والطاغوت([34])، وكلها من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين.
والدعاء الذي وسمه الشيعة بـ (دعاء صنمي قريش) مليء باللعن والسب والشتم، والدعاء بالويل والنار على الشيخين رضي الله عنهما([35]).، وهو مليء أيضاً بالافتراءات المكذوبة، والإفك الواضح، والبهتان المبين، والاتهامات الباطلة الموجهة لأفضل الناس بعد النبيين، الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر، مثل: دعواهم أنهما أنكرا الوحي، وحرفا القرآن، وخالفا الشرع، وعطلا الأحكام، وخربا البلاد، وأفسدا العباد، وأخربا بيت النبوة، و...، و...، إلى آخر هذا الهذيان الكاذب، والإفك المفترى، الذي لا يسعفه برهان، ولا تؤيده حجة ولا دليل. وهو يكشف بوضوح عما يعتمل في صدور الشيعة من حقد دفين، وبغض شديد، وكراهية شنيعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولأفضلهم على الإطلاق: اللذين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهما بعد موته.
أما عن عقيدة الشيعة في البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
فإن البراءة منهما ومن عثمان ومعاوية رضي الله عنهم تعد من ضروريات مذهبهم، فمن لم يتبرأ منهم فليس من مذهب الشيعة في شيء.
قال المجلسي -مرجع الشيعة المعاصرين-: (ومن ضروريات دين الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية...)([36]).(12/366)
بل والبراءة منهم تعتبر عند الشيعة من أسباب ذهاب الأسقام وشفاء الأبدان([37])، ومن تبرأ منهم ومات في ليلته دخل الجنة.
روى الكليني في كتابه الكافي -الذي يعد أحد الأصول الأربعة المعتبرة عند الشيعة - بسنده عن أحدهما([38]).- قال: [[من قال: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن فلاناً إمامي ووليي([39])، وأن أباه رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي والحسن والحسين وفلاناً وفلاناً -حتى ينتهي إليه([40]).- أوليائي على ذلك، أحيا عليه وأموت، وعليه أبعث يوم القيامة، وأبرأ من فلان وفلان وفلان، فإن مات في ليلته دخل الجنة]]([41]).
وفلان وفلان وفلان هم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم.
وليس الشيعة وحدهم الذين يلعنون الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ويتبرؤون منهما، بل هناك خلق آخر -على حد زعم الشيعة - خلقهم الله للعن الشيخين والتبرؤ منهما فقط:
فقد نسب الشيعة -زوراً وبهتاناً- إلى جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: [[إن من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير، وإن من وراء قمركم أربعين قمراً فيها خلق كثير لا يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلقه ألهموا إلهاماً لعنة فلان وفلان]].
وفي رواية الكليني صاحب الكافي: [[لم يعصوا الله طرفة عين يبرؤون من فلان وفلان]]([42]).
وقد علق المجلسي على هذه الرواية بقوله: (من فلان وفلان أي: من أبي بكر وعمر).([43]).
وخلاصة القول: أن الشيعة الإثني عشرية مجمعون على لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما والتبرؤ منهما، بل ويوجبون ذلك كما تقدم آنفاً.
ولا ريب في مخالفة هذه الأقوال لما يعتقده أئمتهم في الشيخين رضي الله عنهما خصوصاً وفي الصحابة عموماً، وستأتي بعض أقوالهم في ذلك، ولا شك أن ما نسبوه إلى بعض أئمتهم من لعن الشيخين رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة والتبرؤ منهم، مكذوب على أولئك الأئمة، وقد ورد عنهم ما يخالف ذلك:
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ينهى بعض من كان في جيشه عن سب معاوية رضي الله عنه -مع كونه دون الشيخين في الفضل باعتراف الشيعة أنفسهم- ويقول لهم ما نسبه إليه الشيعة في كتبهم: [[كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين]]([44]) فما كرهه لهم يكرهه لنفسه، وهو الذي يعمل بما يقول وهو المعصوم -في نظرهم-.
وليس الأمر قاصراً على مجرد الكراهة، بل إن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه أمر بقتل من يلعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد روى أحمد والطبراني([45]) بسند حسن عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: [[يأتي قوم بعدنا ينتحلون شيعتنا وليسوا بشيعتنا لهم نبز،([46]) وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون]]([47]).
ولما بلغه رضي الله تعالى عنه أن بعض الناس يتناولون الشيخين رضي الله تعالى عنهما بالسب توعد من تكلم فيهما بسوء بحد المفتري ثمانين جلدة، فقد روى الشيخ محمد بن عبد الواحد المقدسي بسنده أن أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه بلغه أن نفراً من الناس يتناولون أبا بكر وعمر، فقال: [[لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل]]، ثم صعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة جاء فيها: [[ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين؟ أنا مما قالوا بريء وعلى ما قالوا معاقب، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر ردي]].
ثم ذكر كلاماً طويلاً أخبر فيه عن فضلهما، وعن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو راضٍ عنهما، وعن رضا الناس ببيعتهما، وعن سيرتهما الحميدة في خلافتهما، ثم ختم كلامه رضي الله تعالى عنه بقوله: [[ألا فمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، ولكن لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم، فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر، ولو شئت لسميت الثالث، وأستغفر الله لي ولكم]]([48]).
فما أحوج الشيعة إلى تأمل هذا الكلام العظيم من هذا الإمام الكريم، إنه لم يكتف بالنهي عن سبهما وبغضهما، بل جعل حبهما رضي الله تعالى عنهما من علامات حبه رضي الله تعالى عنه، وجعل بغضهما من علامات بغضه، بل وفضلهما على نفسه الكريمة، بجعلهما خير الناس بعد رسول الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.
وتفضيله لهما على نفسه رضي الله عنه متواتر مستفيض عنه، فقد تواتر عنه رضي الله عنه من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة، وأسمع من حضر: [[خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر]]([49]).(12/367)
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية -وهو ابن علي رضي الله عنه من زوجته الحنفية - قال: [[قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر]]([50]).
وعندما أظهر ابن سبأ الطعن على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، أمر علي بقتله، ثم شفع فيه بعض الناس، فعدل عن قتله ونفاه إلى المدائن -كما اعترف أحد الشيعة بذلك-([51]).
فرضي الله عن أمير المؤمنين وجزاه ربه خيراً عن وضعه الحق في نصابه ومعرفته الفضل لأهله، فإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل.
وعلى معتقده في الشيخين كان معتقد شيعته الأوائل، فإنهم لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر عليه رضي الله عنهم أجمعين، وهذا ما اعترف به علماء الشيعة الأكابر، فقد ذكر أبو القاسم البلخي أن سائلاً سأل شريك بن عبد الله بن أبي نمر -من كبار أصحاب علي رضي الله عنه- فقال له: [[أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له شريك: أبو بكر، فقال السائل: أتقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم. إنما الشيعي من قال مثل هذا، والله لقد رقى علي هذه الأعواد -يريد أعواد منبر مسجده في الكوفة - فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. أفكنا نرد قوله؟ أكنا نكذبه؟ والله ما كان كذاباً]]([52]).!!
أما الإمام محمد بن علي، أبو جعفر الباقر: فقد نهى عن اللعن والسب مطلقاً، وأخبر أن الله تعالى يبغض ذلك، فقال: [[إن الله يبغض اللعان السباب الطعان الفحاش المتفحش]]، وهذا ما اعترف به أحد الشيعة([53]). فهل يفعل الإمام المعصوم -عندهم- ما يبغضه الله؟
وقد أخبر عن نفسه -رحمه الله- أنه يتولى الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وأخبر أيضاً أنه لم يكن أحد من أهل البيت يسبهما.
فعندما سأله جابر الجعفي عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: [[أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا. وأنا أحبهما، وأتولاهما وأستغفر لهما]]([54]).
أما الإمام جعفر الصادق رحمه الله -إمام القوم السادس- فلم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بتوليهما أيضاً: فقد روى الكليني -في كتاب الكافي الذي هو عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة - بسنده عن الصادق أنه: [[قال لامرأة من الشيعة سألته عن أبي بكر وعمر، أتتولاهما وتحبهما؟ قال: توليهما، قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم.]]([55]).
وأخبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أصحابه أنه لم يسمع أحداً من آبائه يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما نقل ذلك عن الشيعة([56]).
وآباؤه -رضوان الله عليهم- الذين لم يسمع أحداً منهم يتبرأ من الشيخين هم: زين العابدين، وعلي بن الحسين، وأبوه الحسين بن علي، وجده علي بن أبي طالب.
أفلا يسع الشيعة ما وسع أئمتهم من تولي الشيخين والترضي عنهما، وعدم التبرؤ منهما، ولعنهما؟!
ولم يكتف زيد بن علي رضي الله عنهما بقوله هذا، بل وافقه بفعله وذلك حين جاءه قوم ممن ينتحلون التشيع ومودة آل البيت، وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى يبايعوه -وذلك حينما خرج على الأمويين- فقال لهم كلمته الرائعة التي ألجمت أفواههم، وبينت لهم معنى التشيع الحق: [[أنا أتبرأ ممن يتبرأ منهما]]([57]). [[البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي]]([58]). [[فقالوا له: إذن نرفضك]]([59]).
فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم، وهذه حالهم، ويتولون أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، بل وسائر الصحابة، ويترحمون عليهم، ولا يتبرؤون منهم، بل ويأمرون الناس بتوليهم ومحبتهم، ويحذرونهم من بغضهم وسبهم. فكيف يدعي من يزعم الانتساب إليهم أن البراءة من الشيخين والصحابة واجبة؟!.
سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
---------------
([1]) رواه الصفار في بصائر الدرجات الكبرى (ص: 412)، والمفيد في الاختصاص (ص: 312).
([2]) السقيفة لسليم بن قيس (ص: 194).
([3]) نفحات اللاهوت للكركي (ق: 6/أ، 74/ب).
([4]) البلد الأمين للكفعمي (ص:511)، والمصباح له (ص: 551)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص: 221 – 222).
([5]) المصادر السابقة نفسها.
([6]) المصادر السابقة نفسها.
([7]) ضياء الصالحين (ص: 513).
([8]) ضياء الصالحين (ص: 513).
([9]) الذريعة لآغا بزرك الطهراني (8/192).
([10]) راجع المصادر الشيعية التالية: البلد الأمين للكفعمي (ص: 511)، والمصباح له (ص: 551)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص: 221-222)، والذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطهراني (8/192)، وأمل الآمل للحر العاملي (2/32).
([11]) في البلد الأمين (ص: 511-514)، وفي المصباح (الجنة الواقية) (ص: 548- 557).
([12]) في علم اليقين (2/701-703).
([13]) في فصل الخطاب (ص: 9-10).(12/368)
([14]) في مفتاح الجنان (ص: 113-114).
([15]) في صحيفة علوية (ص: 200-202).
([16]) في تحفة العوام مقبول (ص 213-214).
([17]) (ق: 6/أ، 74/ب).
([18]) (ص:426).
([19]) (ق: 26/أ).
([20]) (4/356).
([21]) (ص: 58، 133-134).
([22]) (ص: 113، 174، 226، 250، 290، 294، 313، 339).
([23]) (2/95).
([24]) (ص: 221-222).
([25]) (1/219).
([26]) المصباح للكفعمي (ص: 552-554).
([27]) وكتابه: نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت، صنفه خصيصاً في لعن الشيخين الجليلين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما اللذان عناهما بقوله: الجبت والطاغوت، وقد ذكر في هذا الكتاب أن علياً -رضي الله عنه وحاشاه مما ينسبه إليه الشيعة- كان يقنت في الوتر يلعن صنمي قريش، ثم قال: يريد بهما أبا بكر وعمر، وقد ورد استحباب الدعاء على أعداء الله في الوتر، (نفحات اللاهوت للكركي (ق: 74/ب)).
([28]) في مرآة العقول (4/356).
([29]) الذي أشار إلى دعاء صنمي قريش، وقال: إن المراد بـ (صنمي قريش) الرجلان المدفونان مع رسول الله (شرعة التسمية في زمن الغيبة (ق: 26/أ)-.
([30]) (ص: 133-134).
([31]) (2/95) ومما قاله: صنما قريش هما: أبو بكر وعمر.. غصبا الخلافة بعد رسول الله..
([32]) (ص: 9-10) وقال نحواً من قول الحائري.
([33]) قرة العيون للكاشاني (ص: 432-433).
([34]) مقدمة البرهان للعاملي (ص: 113).
([35]) وقد ختموا هذا الدعاء بقولهم: (ثم قل أربع مرات: اللهم عذبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار.).
([36]) الاعتقادات للمجلسي ق 17.
([37]) إلزام الناصب للحائري (2/9).
([38]) مصطلح يستعمله الشيعة ويريدون به أحد الإمامين جعفر الصادق أو أباه الباقر.
([39]) ويسمي إمام زمانه.
([40]) أي: إلى إمام زمانه.
([41]) الأصول من الكافي للكليني (2/389).
([42]) رواه الصفار والكليني بسنديهما بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص:510-513)، والروضة من الكافي للكليني (ص: 347)، وانظر: الخرايج والجرايح للراوندي (ص: 127)، ومختصر بصائر الدرجات لحسن الحلي (ص: 12)، وقرة العيون للكاشاني (ص: 433)، والبرهان للبحراني (1/48، 4/216)، ومرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (4/347)، وقد أورد رجب البرسي هذه الرواية وزاد على الشيخين عثمان بن عفان. انظر: مشارق الأنوار لرجب البرسي (ص: 42).
([43]) مرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (4/347).
([44]) انظر المصادر الشيعية التالية: وقعة صفين لنصر بن مزاحم (ص: 102)، والأخبار الطوال للدينوري (ص: 1965)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (11/92)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص: 424).
([45]) قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. مجمع الزوائد للهيثمي (11/22).
([46]) النبز بالتحريك: اللقب. الصحاح للجوهري (3/897). ويريد بذلك تلقيبهم بـ (الرافضة).
([47]) فضائل الصحابة لأحمد (1/441).
([48]) كتاب النهي عن سب الأصحاب وما ورد فيه من الإثم والعقاب (ق: 4/ب، 6/أ).
([49]) راجع منهاج السنة النبوية (1/11-12).
([50]) صحيح البخاري (5/7) كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله..
([51]) فرق الشيعة للنوبختي (ص: 44).
([52]) قال ابن تيمية في منهاج السنة (1/13-14): ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ، وقد نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه: تثبيت دلائل النبوة (1/549).
([53]) وهو اليعقوبي في تاريخه (2/321).
([54]) طبقات ابن سعد (5/236).
([55]) الروضة من الكافي للكليني (ص: 101).
([56]) الانتفاضات الشيعية لهاشم الحسيني (ص 497).
([57]) مرآة الجنان لليافعي (ص: 257).
([58]) الأنساب للبلاذري 3/241.
([59]) مرآة الجنان لليافعي (ص: 257)، وانظر المصادر الشيعية: مروج الذهب للمسعودي (3/220)، وروضات الجنات للخوانساري (1/324).
------------
تتمة المجلس السادس
ثانياً: زعم الشيعة أن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يرجعان إلى الدنيا قبل يوم القيامة للاقتصاص منهما وإنزال أشد العقوبة بهما:-
يعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يرجعان إلى الدنيا قبل يوم القيامة للاقتصاص منهما على يد قائم أهل البيت -مهدي الشيعة المنتظر - ويزعمون أن القرآن الكريم دل على رجعتهما، وأخبر عنهما أنهما يذوقان شتى ألوان العذاب في الرجعة:
فقد استدلوا بقوله تعالى حاكياً عن قوم موسى عليه السلام، وما وقع عليهم من فرعون وجنوده: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)) [القصص:5] * ((وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)) [القصص:6].(12/369)
فزعموا أن المراد بـ (فرعون وهامان) في هذه الآية أبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما وحاشاهما مما بهتهما به الشيعة -يحييهما القائم قبل يوم القيامة ليشفي صدور شيعته منهما.
فقد أسند محمد بن الحسن الشيباني في كتابه كشف نهج الحق إلى محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق - رحمها الله وحاشاهما مما نسبه إليهما الشيعة -قولهما في تفسير هذه الآية: [[إن فرعون وهامان هاهنا شخصان من جبابرة قريش([1]). يحييهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمد عليه السلام في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفا]]([2]).
وقد صرح جمع من علماء الشيعة أن المراد بفرعون وهامان في هذه الآية: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وزعموا أن قائمهم يحييهما ويصلبهما على جذع نخله، ويقتلهما كل يوم ألف قتلة جزاءً بما قدما من ظلم أهل البيت والاعتداء عليهم -على حد زعمهم-.
وممن صرح أن المراد بفرعون وهامان أبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما، وعامل بعدله من يبغضهما-: البياضي([3])، وحسن بن سليمان الحلي([4])، والطبسي النجفي([5])، والبحراني([6])، والجزائري([7])، وأحمد الأحسائي([8])، وعلي الحائري([9])، وعبد الله شبر([10])، وغيرهم([11]).
وعلق المجلسي على رواية الكليني المسندة إلى جعفر الصادق وفيها القول المنسوب كذباً إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: [[وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم... وأمات هامان وأهلك فرعون]]([12])، بقوله: وأمات هامان أي: عمر، وأهلك فرعون أي: أبا بكر، ويحتمل العكس، ويدل على أن المراد هذان الأشقيان)([13]).
وبنحو قوله قال أبو الحسن العاملي([14]).. وكنى الكاشاني عنهما بـ (صنمي قريش)([15]).
أما دعوى الشيعة إحياء قائمهم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وصلبهما، فالمزاعم المفتراة والأكاذيب الملفقة عليها كثيرة في كتبهم، وهم لا يتورعون عن الكذب على الله عز وجل الذي يقول سبحانه: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)) [الأنعام: 21، 93] [هود: 18] [العنكبوت: 68]، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح المتواتر: {من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}([16]).
فتراهم يزعمون كذباً أن الله تعالى قد أخبر نبيه بذلك ليلة الإسراء:
فقد أسند الصدوق إلى جعفر الصادق -زوراً وبهتاناً- قصة الإسراء والمعراج، وفيها زعموا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأنوار الأئمة الاثني عشر وفي وسطهم محمد بن الحسن قائم الشيعة، وسؤال ربه عنهم: [[يا رب! ومن هؤلاء؟ قال: الأئمة، وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه انتقم من أعدائي وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجل والسامري]]([17]).
والمراد بـ (اللات والعزى) عند الشيعة: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، ويشهد لذلك تعليق أحد علماء الشيعة السيد الداماد الحسيني -الشيعي- على رواية إخراج القائم للات والعزى بقوله: (تنبيه: لا يخفين على بصيرتك أن اللات والعزى هما صنما قريش اللذان دعا عليهما أمير المؤمنين عليه السلام في دعائه المشهور، ودفنا في بيت رسول الله، وفي حريم قبره، ودون إذن منه ولا من أهل بيته المطهرين القائمين بأمره صلى الله عليه وآله وسلم)([18]).
ويزعم الشيعة –كذباً- أن علياً رضي الله عنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
فقد أسند ابن رستم الطبري إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة([19]). أنه قال -وحاشاه أن يكون قال هذا الكذب المبين-: [[رأيت أمير المؤمنين وهو في بعض أزقة المدينة يمشي وحده فسلمت عليه واتبعته حتى انتهى إلى دار الثاني([20])، فاستأذن فأذن له فدخل فدخلت معه، فسلم على الثاني -عمر - وهو يومئذ خليفة وجلس، فحين استقرت به الأرض قال له: من علمك الجهالة يا مغرور؟ أما والله لو ركبت القفر ولبست الشعر لكان خيراً لك من المجلس الذي جلسته... إلى أن قال: والله لكأني بك وبصاحبك - أبي بكر - قد أخرجتما طريين حتى تصلبا بالبيداء.. - إلى أن قال له عمر.. -يا أبا الحسن! إني لأعلم أنك ما تقول إلا حقاً فأسألك بالله: إن رسول الله سماني وسمى صاحبي؟ فقال له: والله إن رسول الله سماك وسمى صاحبك... إلخ]]([21]).
وكتب الشيعة مملوءة بأخبار نسبوها -زوراً وبهتاناً- إلى عدد من الأئمة تدل على أنهم –أعني: الشيعة - يعتقدون أن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يخرجان من قبريهما ويصلبان قبل يوم القيامة ويعذبان أشد العذاب.
فالروايات المنسوبة -كذباً- إلى أبي جعفر الباقر: زعموا أنها رواها عنه عدد من رواة الشيعة أمثال أبي بصير([22]). والمفضل بن عمر([23])، وسلام بن المستنير([24])، وعبد الأعلى الحلبي([25])، وغيرهم.(12/370)
وكل هذه الروايات المكذوبة المفتراة تدور حول معنى واحد هو إخراج الشيخين رضي الله تعالى عنهما من قبريهما غضين طريين وصلبهما وافتتان الناس بهما.
والروايات المنسوبة -زوراً وبهتاناً- إلى أبي عبد الله الصادق زعموا أنها رواها عنه عدد من رواة الشيعة أمثال أبي الجارود([26]).
والمفضل بن عمر([27])، وبشير النبال([28])، وإسحاق بن عمار،([29]) وغيرهم.
وكلها تدور حول نفس المعنى الذي دارت عليه الروايات السابقة.
أما محمد بن علي الجواد المعروف بأبي جعفر الثاني: فقد روى عنه قصة صلب القائم للشيخين رضي الله عنهما -على حد زعم الشيعة - عبد العظيم بن عبد الله الحسني([30]).
وعن محمد بن الحسن العسكري -وهو قائم الشيعة الذي يصلب الشيخين كما يزعمون، وهو لم يولد أصلاً لعقم الحسن العسكري - زعم الشيعة أنه رواها علي بن إبراهيم بن مهزيار. وهي قصة طويلة مفتراة ذكروا فيها قول محمد بن الحسن -المهدي المزعوم-: [[... وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بها وهما طريان فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين فيصلبان عليهما فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى... إلخ]]([31]).
وهذا المعتقد الخبيث المخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين يعرف عند الشيعة بالرجعة، ويزعمون أنها –أي: الرجعة المزعومة- حشر للأبدان والأرواح تشبه حشر القيامة([32]).
والرجعة من عقائد الشيعة الأساسية، وقد استدلوا عليها بنحو مائة آية من كتاب الله أولوها بما لا يسعفه برهان ولا تقويه حجة.
ولا إيمان عند الشيعة لمن لم يعتقد بالرجعة، وليس من الشيعة في شيء من ينكرها-كما نسبوا ذلك إلى أئمتهم-([33]).
وهي خاصة بمن كان مؤمناً خالصاً أو منافقاً خالصاً فلا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان، أو بلغ الغاية في الكفر والنفاق.
ومعلوم أن الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ليسا ممن محض الإيمان -عند الشيعة - فهما إذاً من الفريق الآخر بدليل:
إجماع الشيعة على أنهما يرجعان، ويذوقان شتى أنواع العذاب على يدي القائم -الذي بعث نقمة([34]) من صلبهما([35]). وضربهما بسياط من نار([36]) وقتلهما في كل يوم ألف قتلة([37]) وحرقهما([38]) ونسفهما في اليم نسفا كما فعل موسى عليه السلام بالعجل([39]) بل وقتل كل من أحبهما-([40]). على حد زعم الشيعة الذين أوردوا كل هذه المفتريات في كتبهم.
والمتصفح لكتب الأدعية عند الشيعة يجدها مليئة بدعاء القائم كي يخرج وينتقم من أعداء آل البيت، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما([41]). وحاشا أبا بكر وعمر أن يكون في قلبيهما بغض لآل بيت رسولهم صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما يكون دعاؤه شعراً، وذلك كقول قائلهم([42]):
يا حجة الله يا خير الأنام ويا نور الظلام ويا ابن الأنجم الزهر
أرجو من الله ربي أن يبلغني أرى اللعينين رؤيا العين بالنظر
ينبشان كما قال النبي لنا من بعد دفنهما في سائر الحفر
ويشهران بلا ريب ولا شبه على رؤوس الملا من سائر البشر
ويصلبان على جذعين من خشب ويحرقان بلا شك ولا نكر
هناك تشفى قلوب طال ما ملئت همّاً وتصبح بعد الهمِّ بالبشر
ولا يقتصر زمن صلب الشيخين رضي الله تعالى عنهما على وقت الرجعة -عند الشيعة- بل تراهم يزعمون أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يصلبان في كل عام أيضاً:
فقد روى الصفار والمفيد بسنديهما المسلسلين بالكذابين عن عيسى بن عبد الله بن أبي طاهر العلوي([43]). يروي عن أبيه عن جده: [[أنه كان مع أبي جعفر محمد بن علي الباقر([44]). بمنى وهو يرمي الجمرات، وأن أبا جعفر عليه السلام رمى الجمرات قال: فاستتمها ثم بقي في يده بعد خمس حصيات، فرمى اثنتين في ناحية وثلاثة في ناحية، فقال له جدي: جعلت فداك لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعه أحد قط. رأيتك رميت الجمرات ثم رميت بخمسة بعد ذلك ثلاثة في ناحية واثنتين في ناحية؟ قال: نعم. إنه إذا كان كل موسم أخرجا الفاسقين الغاصبين ثم يفرق بينهما هاهنا، لا يراهما إلا إمام عادل، فرميت الأول - أبا بكر – اثنتين، والآخر – عمر – ثلاثة؛ لأن الآخر أخبث من الأول]]([45]).
وهكذا لا يتورع الشيعة عن توجيه مثل هذه الاتهامات إلى اللذين هما أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبيه وصفييه من أهل الدنيا، وأقرب الناس إليه قلباً وبدناً. ومن اطلع على سيرتهما أدرك شدة قربهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف مكانتهما ومنزلتهما عنده. وقد شهد لهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بذلك:(12/371)
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك. وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وإني كنت أظن أن يجعلك الله معهما}([46]).
ولا ريب أن عقيدة الرجعة التي يعتقدها الشيعة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة تمام المخالفة:
فهناك آيات كثيرة تبطل هذه العقيدة تماما منها قوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)) [المؤمنون:99] * ((لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) [المؤمنون:100] فالبقاء في البرزخ إلى يوم البعث الذي هو يوم القيامة بالاتفاق.
وهذه الآية قطعت كل أمل في الرجعة إلى الدنيا سواء أكانت للعمل الصالح أم لغيره؛ وقد بين الرب تبارك وتعالى فيها استحالة الرجوع إلى الدنيا، وعلل هذه الاستحالة بوجود برزخ لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، حجز بين الموت والبعث، وبين الدنيا والآخرة([47]).
أضف إلى ذلك وجود الأحاديث النبوية الكثيرة المصرحة بعدم الرجعة إلى الدنيا قبل يوم البعث، ولا يتسع المقام لإيرادها.
ولكن لما كانت النصوص القرآنية والنبوية غير ذات أثر أو اعتبار عند الشيعة ناسب أن أسوق لهم بعض أقوال من يعتقدون إمامته في إبطال عقيدة الرجعة، ليتبين بذلك كذب ما نسبوه إلى هؤلاء الأئمة الأبرار من أباطيل وترهات:
1/ فمنهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي أخبر في عدة مواطن باستحالة رجوع من مات إلى الدنيا. من ذلك القول الذي نسبه إليه الشيعة في كتاب نهج البلاغة: [[فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق]]([48]).
وكذا القول الذي نسبوه إليه أيضاً: [[ما بينكم وبين الجنة إلا الموت أن ينزل بكم]]([49]).
2/ ومنهم: الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الذي رد على من نقل إليه مزاعم القائلين برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا فقال: [[كذب أولئك الكذابون لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه]]([50]).
3/ ومنهم: زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إمام الشيعة الرابع الذي قال: [[جاءني رجل من أهل البصرة فقال: ما جئت حاجاً ولا معتمراً. قال: قلت: ما جاء بك؟ قال: أسألك متى يبعث علي؟ قال: يبعث يوم القيامة وهمه نفسه]]([51]).
4/ ومنهم: محمد بن علي بن الحسين إمام الشيعة الخامس الذي نص صراحة على أن أهل البيت عليهم السلام مبرؤون من اعتقاد الرجعة، لم يقل أحد منهم بها، فقد أخرج ابن سعد بسنده عن زهير بن جابر قال: [[قلت لمحمد بن علي: أكان منكم أهل البيت أحد يقر بالرجعة؟ قال: لا. قلت: أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، فأحبهما، وتولاهما واستغفر لهما]]([52]).
5/ ومنهم: أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، إمام القوم السادس الذي رد على من يزعم رجعة محمد بن الحنفية -وهو ابن علي بن أبي طالب من زوجته الحنفية، فقال: [[حدثني أبي: أنه كان فيمن عاده في مرضه، وفيمن أغمضه وفيمن أدخله حفرته. وتُزوّج نساؤه، وقُسم ميراثه]]([53]).
وهذا القول شبيه بقول الحسن بن علي رضي الله عنهما عن أبيه مكذباً من زعم رجعته: [[لو علمنا ذلك ما تُزوّج نساؤه ولا قسمنا ميراثه]]([54]).
6/ ومنهم: علي بن موسى بن جعفر، الملقب بـ (الرضا) إمام الشيعة الثامن الذي رد على من قال بغيبة أبيه -موسى الكاظم - ورجعته.
بقوله الذي نسبه الشيعة إليه: [[بلى والله لقد مات وقُسّمت أمواله ونُكحت جواريه]]([55]).
وغير هذه من الأقوال الكثيرة التي صدرت عن أولئك الأئمة الذين كذب عليهم الشيعة، وهم عن كذبهم غافلون.
وبعد: فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم، وقد نسب أكثرها إلى هؤلاء الأئمة: الشيعة أنفسهم، فكيف ينسبون إليهم ما يؤكد عقيدة الرجعة تارة، ثم ينسبون إليهم ما يبطلها أخرى؟! سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم إن كان عندهم على هذا التناقض البين جواب.
ثالثاً: زعم الشيعة الإثني عشرية أن الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يخلدان في النار يوم القيامة، ويعذبان فيها أشد العذاب:-
لا تقتصر مزاعم الشيعة الإثني عشرية على التصريح بكفر الشيخين رضي الله تعالى عنهما، وتعذيب قائم الشيعة لهما في الدنيا قبل يوم القيامة، بل يزعمون كذلك أن الشيخين رضي الله تعالى عنهما مخلدان في نار جهنم يوم القيامة، يعذبان فيها عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين حتى ولا إبليس اللعين.(12/372)
فقد نسبوا في كتبهم -زوراً وكذباً- إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن إبليس اللعين أخبره أنه لما أهبط بخطيئته إلى السماء الرابعة نادى: [[إلهي وسيدي ما أحسبك خلقت خلقاً هو أشقى مني؟ فأوحى الله تبارك وتعالى: بلى قد خلقت من هو أشقى منك. فانطلق إلى (مالك) يريكه، فانطلقت إلى مالك، فقلت: السلام يقرأ عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني، فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الأعلى، فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكاً، فقال لها: اهدئي، فهدأت، ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سواداً وأشد حمى، فقال لها: اخمدي فخمدت، إلى أن انطلق بي إلى الطبق السابع وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى، فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكاً وجميع ما خلقه الله عز وجل فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك أن تخمد وإلا خمدت، فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم فأمرها فخمدت فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها، فقلت: يا مالك! من هذان؟ فقال: أو ما قرأت على ساق العرش؟ -وكنت قبل قد قرأته قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام- لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته ونصرته بعلي، فقال: هذان من أعداء أولئك وظالميهم]]([56]).
وعلق المجلسي -شيخ الدولة الصفوية، ومرجع الشيعة المعاصرين على هذه الرواية بقوله: (إنهما اللذان ظلماه أي: أبي بكر وعمر)([57]).
وهذه الرواية فيها -مع انقطاعها وضعف رواتها- إزراء وانتقاص لإمامهم المعصوم حيث جعلوا شيخه في الرواية إبليس اللعين.
وأسند أيضاً الصفار الشيعي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه -زوراً وبهتاناً- أنه سأل من حضر مجلسه: [[إن كانوا رأوا ما يرى؟ ثم أخبرهم أنه رأى أبا بكر وعمر كل واحد على ترعة من ترع النار يقولان له: يا أبا الحسن! استغفر لنا، فلا يكلمهما وإنما يقول: لا غفر الله لهما]]([58]).
ونسب الشيعة أيضاً -كذباً- إلى بعض أئمتهم أنهم أخبروا عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما أنهما يوضعان يوم القيامة في تابوتين من نار قد أحكم الرتاج عليهما في أحد أودية جهنم:
- فقد أسند الصدوق والشعيري إلى إسحاق بن عمار الصيرفي -أحد رواة الشيعة - يروي عن موسى بن جعفر الكاظم خبراً طويلاً، ملخصه: [[أن موسى الكاظم أخبره أن في النار وادياً يقال له: سقر، لو تنفس لأحرق ما على وجه الأرض، وفي ذلك الوادي جبل وفي الجبل شعب وفي الشعب قليب وفي القليب حية يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها، وما أعد الله في أنيابها من السم لأهلها، وإن في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة، واثنان من هذه الأمة. قال: قلت: جعلت فداك ومن الخمسة؟ ومن الإثنان؟ قال: وأما الخمسة: فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه، فقال: أنا أحيي وأميت، وفرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى ويهوذا الذي هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى، ومن هذه الأمة أعرابيان]]([59]).
وقد ذكر المجلسي أن المراد بالأعرابيين: أبو بكر وعمر([60]).
وهذه الأقوال المكذوبة التي نسبها الشيعة زوراً وبهتاناً إلى بعض الأئمة تخالف السنة الصحيحة التي أفادت أن الشيخين رضي الله عنهما لا يدخلان النار، وأنهما من أهل الجنة، بله الدرجات العالية الرفيعة فيها.
فلقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه: {لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة}([61]).
ومعلوم أن الشيخين رضي الله تعالى عنهما ممن بايع تحتها.
وبشر عليه السلام الشيخين رضي الله عنهما بالجنة بشارة عامة شاركهم فيها عدد من الصحابة: مثل حديث الحائط([62]). وغيره من الأحاديث الكثيرة الصحيحة.
وبشرهما بشارة خاصة بهما، مثل قوله عنهما: {هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين}([63]). ومثل قوله: {إن أهل الدرجات العلى يراهم من هو أسفل منهم كما ترى الكواكب في أفق السماء، وأبو بكر وعمر فيهما وأنعما}([64]).
والأحاديث في ذلك كثيرة جداً ولا يتسع المقام لذكرها، وكلها تدل دلالة قطعية على أن الشيخين رضي الله تعالى عنهما من أهل الجنة بل ومن أهل الدرجات العلى فيها، وهي بمجموعها تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.(12/373)
وفي هذه الأحاديث الكثيرة الدالة على فضل الشيخين رضي الله عنهما، وما تقدم من أقوال أئمة أهل البيت في حبهما رضي الله عنهما، وتوليهما والترضي عنهما إقامة للحجة على هؤلاء المبغضين لهما، وبيان لمحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبي صحابته، ومحبي أهل بيته أن لا يغتروا بقول الشيعة في الشيخين الجليلين رضي الله تعالى عنهما؛ لئلا يقعوا في بغض رسول الله صلى الله عليه وسلم دون شعور منهم، إذ من المعلوم أن مبغض أبي بكر وعمر مبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاء أو أبى؛ إذ هما حبيباه وصفياه من أهل الدنيا ووزيراه وضجيعاه، وقد تقدم قوله -بأبي هو وأمي- فيهما وفي بقية أصحابه رضوان الله تعالى عنهم أجمعين: {فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم}.
فإياك إياك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبك بغض لواحد منهم، سيما سيدا المسلمين وحبيبا رسول رب العالمين.
اللهم يا إله الأولين والآخرين، ويا رب كل شيء ومليكه احفظ علينا حبنا لرسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الأخيار البررة الأطهار كما ترضى يارب العالمين. آمين، آمين، آمين.
--------------
([1]) وضع الجزائري والحائري وشبر -من الشيعة-: أبا بكر وعمر بدل: (شخصان من جبابرة قريش)، وعزو هذا القول إلى الصادق فقط. الأنوار النعمانية للجزائري (2/89)، وإلزام الناصب للحائري (2/366-274)، وحق اليقين لشبر (2/10، 25، 28).
([2]) نقله عنه البحراني في البرهان (3/220)، وانظر: الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص 256، 342)، والأنوار النعمانية للجزائري (2/89)، وإلزام الناصب للحائري (1/81-82)، (2/266، 274، 338)، وحق اليقين لشبر (2/10، 25، 28).
([3]) في الصراط المستقيم (2/252).
([4]) في مختصر بصائر الدرجات (ص: 191).
([5]) في الشيعة والرجعة (ص: 139).
([6]) في البرهان (3/220).
([7]) في الأنوارالنعمانية (2/89).
([8]) في الرجعة (ص: 191).
([9]) في إلزام الناصب (2/266، 274، 337، 338).
([10]) في حق اليقين (2/10، 25، 28).
([11]) ويلاحظ أن هؤلاء المذكورين كلهم من متأخري الشيعة، ما بعد القرن التاسع الهجري، إلى وقتنا الحاضر، وقد نقل لاحقهم عن سابقهم، وتواطؤوا فيما بينهم على ذلك، ويجوز التواطؤ على الكذب -عقلاً- إذا كان المتواطئون ينقلون ما يقوي مذهبهم، وقد تبين لك أخي يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحب أصحابه أن بغض الصحابة وسبهم من قواعد الشيعة وعقائدهم الأساسية، فلا تغتر بتواطئهم على نقل هذه الرواية الخبيثة، ونسبتها إلى أئمتهم الطاهرين المبرئين مما يزعمه الشيعة، إذ الشيعة قوم بهت، دينهم الكذب.
([12]) الروضة من الكافي للكليني (ص: 277).
([13]) مرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (4/277).
([14]) مقدمة البرهان للعاملي (ص: 263، س341).
([15]) قرة العيون للكاشاني (ص: 432-433).
([16]) ذكر الزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة (ص: 261- 282) أن تسعة وتسعين صحابياً رووا هذا الحديث، منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي أخرج له هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما.
([17]) إكمال الدين للصدوق (ص: 246)، وانظر: مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 249).
([18]) شرعة التسمية في زمن الغيبة للداماد الحسيني (ق: 26/أ).
([19]) صحابي مات سنة نيف ومائة. راجع الاستيعاب لابن عبد البر (4/115-118)، والإصابة لابن حجر (4/113).
([20]) عند الأحسائي عمر بدل -الثاني- الرجعة (ص: 130-133) ويقصدون بالثاني: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؛ لأنه الثاني في الخلافة بعد الصديق رضي الله تعالى عنه.
([21]) دلائل الإمامة لابن رستم الطبري (ص: 257-258)، وانظر: حلية الأبرار لهاشم البحراني (5/598-606)، والرجعة للأحسائي (ص: 130-133)، وانظر من كتب النصيرية: الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي (ص: 162-164).
([22]) سعد السعود لابن طاوس (ص: 116)، وانظر: من كتب النصيرية: الهفت الشريف -رواية المفضل بن عمر الجعفي (ص: 164).
([23]) انظر: مختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 189)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 286-288)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 361)، وإلزام الناصب للحائري (1/81-82).
([24]) إكمال الدين للصدوق (ص: 626).
([25]) تفسير العياشي (2/57-58)، والبرهان للبحراني (2/81-83)، وبحار الأنوار للمجلسي (13/188-189).
([26]) انظر: دلائل الإمامة لابن رستم الطبري (ص: 242)، والرجعة لأحمد الأحسائي (ص: 128-129).(12/374)
([27]) انظر: إكمال الدين للصدوق (ص: 392)، وعيون أخبار الرضا له (1/58)، وحلية الأبرار لهاشم البحراني (2/652-676)، وبحار الأنوار للمجلسي (52/379،53/1-38) وحق اليقين له -فارسي- (ص: 527) والأنوار النعمانية للجزائري (2/85)، ومقدمة البرهان للعاملي (ص: 360-362)، والرجعة للأحسائي (ص: 182-200)، وحق اليقين لشبر (2/23)، وإلزام الناصب للحائري (2/262، 337)، وبيان غيبة حضرة إمام موعود لمحمد كرئلائي (ق: 48- ق:55)، والشيعة والرجعة للطبسي (ص: 139)، ودائرة المعارف الشيعية لمحمد حسن الأعلمي (1/350-351).
([28]) أسنده إليه الفضل بن شاذان في كتاب الرجعة كما ذكر ذلك المجلسي في بحار الأنوار (52/386).
([29]) أسنده إليه الفضل بن شاذان في كتاب الرجعة كما ذكر ذلك المجلسي في بحار الأنوار (52/386).
([30]) إكمال الدين للصدوق (ص: 361)، وإعلام الورى للفضل الطبرسي (ص: 409)، والاحتجاج لأحمد الطبرسي (ص: 446)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 269)، والبرهان للبحراني (1/165)، وبحار الأنوار للمجلسي (52/283)، والرجعة للأحسائي (ص: 128-129).
([31]) مختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 176-177)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 286).
([32]) حق اليقين لشبر (2/13).
([33]) راجع الاعتقادات للمجلسي (ق: 23/ ب).
([34]) أسنده الكليني إلى الصادق: الروضة من الكافي (ص: 347).
([35]) البرهان للبحراني (2/407)، ومقدمة البرهان للعاملي (ص: 361)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 269)، وإلزام الناصب للحائري (2/167).
([36]) الرجعة للأحسائي (ص: 214).
([37]) الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 287).
([38]) الإيقاظ للحر العاملي (ص: 269)، والرجعة للأحسائي (ص: 129).
([39]) مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 239).
([40]) إلزام الناصب للحائري (1/146)، والرجعة للأحسائي (ص: 187).
([41]) راجع: المصباح للكفعمي (ص: 34، 305، 495)، ومفاتيح الجنان لعباس القمي (ص: 589).
([42]) وهو صاحب عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر (ق: 11).
([43]) وهو شيعي يبغض الشيخين والصحابة، قال عنه المامقاني -من علماء الشيعة-: حسن. تنقيح المقال (2/362).
([44]) رحمه الله وحاشاه أن يكون قال شيئاً من هذا الإفك.
([45]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص: 306-307)، والاختصاص للمفيد (ص: 277)، وانظر: مختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 111)، وبحار الأنوار للمجلسي (8/214).
([46]) صحيح البخاري (5/77)، وصحيح مسلم (4/1859)، وكلاهما في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عمر.
([47]) تفسير ابن كثير (3/256)، وفتح القدير للشوكاني (3/499).
([48]) نهج البلاغة (1/226).
([49]) نهج البلاغة (1/110).
([50]) مسند الإمام أحمد (1/148)، وصحح إسناده أحمد شاكر في طبعة أخرى بتعليقه (1/312). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/22): رواه عبد الله وإسناده جيد.
([51]) السنة لابن أبي عاصم (2/482) وصحح الألباني سنده.
([52]) طبقات ابن سعد (5/321).
([53]) إكمال الدين للصدوق -الشيعي- (ص: 34-35).
([54]) تقدم.
([55]) إكمال الدين للصدوق (ص: 36-37)، وعيون أخبار الرضا له أيضاً (1/106).
([56]) نسبه المفيد إلى جعفر الصادق يرويه عن أبيه عن علي. وفيه انقطاع كبير بين محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب، أضف إلى ذلك ما تسلسل به من الرواة الكاذبين. الاختصاص للمفيد (ص: 108-109) وانظر: حق اليقين للمجلسي (ص: 509-510).
([57]) حق اليقين للمجلسي (ص: 510).
([58]) بصائر الدرجات الكبرى (ص: 441).
([59]) الخصال للصدوق (2/398-399)، وعقاب الأعمال له (ص: 483، 487-488)، وجامع الأخبار للشعيري (ص: 143-144)، وانظر: البرهان للبحراني (4/527-528)، وحق اليقين للمجلسي (ص: 502)، وحق اليقين لعبد الله شبر (2/171-172).
([60]) حق اليقين للمجلسي (ص: 502)، وجلاء العيون له (ص: 160).
([61]) رواه مسلم في صحيحه (4/1942)، كتاب فضائل الصحابة.
([62]) صحيح البخاري (5/72-74) كتاب فضائل الصحابة.
([63]) صحيح الجامع الصغير (2/75) والسلسلة الصحيحة للألباني (2/492).
([64]) قال الهيثمي أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، ورجاله رجال الصحيح إلا سلمة بن قتيبة وهو ثقة. مجمع الزوائد للهيثمي (9/54).
-------------
المجلس السابع/ موقف الشيعة الإثني عشرية من الخليفة الشهيد ذي النورين: عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه
عثمان بن عفان من الرعيل الأول من الصحابة، ومن أفضلهم بعد الصديق والفاروق.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، فنال بذلك شرف مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف بـ (ذي النورين) بسبب ذلك.
كان حيياً شديد الحياء، رفيع التهذيب، عالي التربية، لين العريكة، سمح النفس، دمث العشرة، لطيف الطبع، كثير الإحسان والحلم، من أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً.(12/375)
ولقد أحبه قومه بسبب أخلاقه الفاضلة وسيرته الحميدة وسلوكه المثلى، حتى صار حبهم له مضرب المثل، فقد كانت المرأة منهم تُرقص ولدها قائلة له:
أحبك والرحمن حب قريش عثمان
أسلم فكان من أتقى الناس، وأورع الناس، وأجود الناس، وأسخى الناس، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد وأبلى البلاء الحسن.
تولى الخلافة بعد أبي بكر وعمر فسار بالناس بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وتأسى بهم، فأجمعت الأمة عليه.
ونتيجة اتساع رقعة الفتوحات في عهده، ودخول طوائف شتى وأجناس مختلفة في حظيرة الدولة الإسلامية، جمعت بين صفوفها حثالة من الحاقدين على الأمة، بدأ أعداء الإسلام الداخليون يحيكون المؤامرات ضد المسلمين، وقد تولى كبر هذه المؤامرات اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ الذي أخذ يؤلب الناس على عثمان، زاعماً أنه غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فجمع حوله ثلة من الغوغاء من مطايا الشياطين، فوافوا المدينة النبوية وقتلوا الخليفة الراشد والصحابة ينظرون، ولكن لا يستطيعون له شيئاً بسبب قسمه عليهم أن يكفوا أيديهم، وأن لا يريقوا في سبيله قطرة دم. فبكته قلوبهم قبل عيونهم، وحزنوا عليه حزن من قُتل وحيدها بين يديها وهي تنظر إليه.
ولا يزال المسلمون كلهم منذ ذلك الحين يبكون على تتابع الأيام وتوالي الشهور ذلك الخليفة المظلوم الصابر الذي آثر أن يفدي المسلمين بنفسه، ويعصم دماءهم بدمه، ويترضون عنه ويترحمون عليه، ويشيدون بمآثره وفضائله ومناقبه فرضي الله عن عثمان وأرضاه.
إلا الشيعة فإنهم رغم ذلك كله تراهم يسلقونه بألسنة حداد، ويوجهون إليه العديد من المطاعن دون أن يرقبوا قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة اختصاصه به.
ومن المطاعن التي وجهوها إليه:
أولاً: طعنهم في أخلاقه رضي الله عنه:-
حسن خلق عثمان رضي الله عنه من الأمور التي تضافرت الأدلة على إثباته، فبلغت بمجموعها حد التواتر المعنوي، حتى إنه لو أنكر إنسان حسن خلقه وسيرته الحميدة ومآثره النبيلة لقام الناس كلهم عليه، وأشاروا بسباباتهم إليه: إن هذا القائل من الكاذبين.
ولست أدري كيف يستحل الشيعة الكذب ويأتون بما يناقض ما تواتر لفظاً أو معنى، مما يجعل من يقرأ ما كتبوه يصمهم بالكذب إلا أن يقولوا: إن ذلك من التقية، فلا أظن أن التقية تسوغ لهم معارضة الأمور المتواترة.
لذلك نجدهم قد وجهوا العديد من المطاعن إلى أخلاق الحيي الكريم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، ووصفوه بأنه زان.. مخنث.. يلعب به.. همه بطنه وفرجه... إلخ.
فقد أطلقوا عليه اسم (نعثل)، وذكروا أنه من أسماء ذكور الضباع، وزعموا أنهم إنما أطلقوا عليه هذا الاسم لأوجه الشبه بينه وبين ذكر الضباع، فذكر الضباع -كما زعموا- (إذا صاد صيداً قاربه -جامعه- ثم أكله) وعثمان رضي الله عنه -وحاشاه أن يوصف بما رماه به الشيعة من الإفك- (أتي بامرأة لتحد، فقاربها -جامعها- ثم أمر برجمها) -على حد زعم الشيعة -([1]).
وليس الأمر قاصراً عند الشيعة على اتهام عثمان رضي الله عنه بالزنا، بل تعدوه إلى زعمهم أنه كان ممن يلعب به (وأنه كان مخنثاً)([2]).
وقد نسبوا إلى علي رضي الله عنه -زوراً وبهتاناً- أنه قال عن عثمان: همه بطنه وفرجه:
فقد روى الكليني بسنده -في كتاب الكافي أحد أصولهم المعتبرة- عن علي بن أبي طالب أنه قال في إحدى خطبه: [[سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ويا ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيراً له]]([3]).
وذكر المجلسي في شرحها أن المراد بالثالث: عثمان بن عفان، وأن اللذين سبقاه هما أبو بكر وعمر([4]).
وزعم الشيعة أيضاً أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يبالي أحلالاً أكل أم حراماً:
فقد أسند الكليني أيضاً -كذباً- إلى جعفر الصادق أنه قال: [[إن ولي عثمان لا يبالي أحلالاً أكل أو حراماً؛ لأن صاحبه كان كذلك]]([5]).
ومرادهم بـ (صاحبه): عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وهذه المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أخلاق عثمان رضي الله عنه إنما وجهوها إلى من أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أن الملائكة تستحي منه([6]) وإلى من أخبر عن نفسه أمام جمع كبير من الناس -كان يمكنهم أن يردوا عليه لو كان كاذباً- بأنه ما زنى قط في جاهلية ولا إسلام([7]).
ثم الشيعة بعد هذا يزعمون أنه كان زانياً ومخنثاً ويلعب به و... و... إلخ ما أوردوه من الأكاذيب.
أما ما نسبوه إلى علي، زاعمين أنه قال عن عثمان: [[همته بطنه وفرجه]] فكذب كله، والثابت عنه رضي الله عنه مدح عثمان والثناء عليه فقد قال عنه مرة: [[إنه كان خيرنا وأوصلنا]]([8]). وقال عنه أخرى: [[هو من الذين آمنوا ثم اتقوا، ثم آمنوا ثم اتقوا]]([9]).
وأقواله في مدح عثمان والثناء عليه كثيرة جداً، وكلها تفند ما نسبه الشيعة إليه من قوله عن عثمان: [[همه بطنه وفرجه]] وتشهد بكذب الشيعة وافترائهم على من يزعمون أنه إمام لهم.(12/376)
ويرد ذلك أيضاً ما ورد في سيرته رضي الله عنه في إمارته، فقد ذكر عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويأكل هو الخل والزيت([10]).
فهل يكون مهتماً ببطنه من كان طعامه الخل والزيت؟
ثانياً: زعم الشيعة الإثني عشرية أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان منافقاً كافراً وقولهم بوجوب لعنه والبراءة منه:-
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان منافقاً يظهر الإسلام ويبطن النفاق:
قال نعمة الله الجزائري -الشيعي-: (عثمان كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق)([11]).
وقال الكركي: (إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان ولم يستحل عرضه ولم يعتقد كفره فهو عدو لله ورسوله، كافر بما أنزل الله)([12]).
إذا: ليس الأمر قاصراً على تكفير عثمان رضي الله عنه، بل تكفير كل من لم يبغضه ويكفره ويشتمه ويخوض في عرضه ويعنونكم أنتم أيها المسلمون.
ولم يكتف الشيعة بالحكم على عثمان رضي الله عنه بالكفر، بل أوجبوا لعنه والبراءة منه،([13])، ومن يتصفح كتبهم يجد العجب العجاب.
ولا ريب أن هذا الصنيع يعد مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توعد الله من يخالف أمره بالفتنة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63].
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر عثمان رضي الله تعالى عنه بالجنة([14])، وزوجه ابنته رقية([15])، فلما توفيت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم([16])، فلما ماتت أم كلثوم وحزن عليها عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لو كانت عندي ثالثة زوجتها عثمان}([17]).
ومعلوم أن المنافق والكافر لا يدخل الجنة، بل هي محرمة عليه، فكيف يتفق حكم الشيعة على عثمان بالكفر والنفاق مع بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة؟!
ثم كيف يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وهو كافر منافق -كما زعم الشيعة -؟!
فدل هذا على أن دعوى الشيعة كفر عثمان قائمة على الهوى، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الشيعة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر عثمان بالجنة، وزوجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى لما عرف عنه من دين وخلق وفضل، ومات عليه السلام وهو عنه راضٍ([18]).
ثالثاً: زعم الشيعة الإثني عشرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل زوجته: ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:-
يزعم الشيعة الإثنا عشرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستدلون على هذه الفرية بآيات زعموا كذباً أنها نزلت فيه، والآيات هي: قوله تعالى: ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)) [البلد:5] * ((يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً)) [البلد:6] * ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)) [البلد:7] * ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) [البلد:8] * ((وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ)) [البلد:9] * ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) [البلد:10].
فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر -رحمه الله وحاشاه أن يكون صدر عنه شيء من هذا البهتان المبين- في تفسير هذه الآيات أنه قال: [[قوله تعالى: ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)) [البلد:5] قال: يعني: عثمان في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله. ((يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً)) [البلد:6] يعني: الذي جهز به النبي من جيش العسرة ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)) [البلد:7] قال: فساد كان في نفسه. ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) [البلد:8] يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله. ((وَلِسَاناً)) [البلد:9] يعني: أمير المؤمنين (ع). ((وَشَفَتَيْنِ)) [البلد:9]: يعني: الحسن والحسين عليهما السلام. ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) [البلد:10]: إلى ولا يتهما...]]([19]).
وأسند الكليني -في كتابه الكافي أحد المصادر الشيعية المعتبرة عند الشيعة - إلى أبي بصير قال: {قلت لأبي عبد الله (ع): أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلى الله عليه وآله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت، فرققت لها واستوهبتها من ضغطة القبر فوهبها الله لي}([20]).
أما كيف قتلها -على حد كذبهم وافترائهم-: فقد زعم البياضي الشيعي أنه ضربها حتى ماتت([21]).
ويزعم الشيعة أن رقية كانت خائفة من عثمان وكانت تدعو الله أن ينجيها منه ومن عمله.(12/377)
فقد روى شرف الدين النجفي بسنده أن أبا عبد الله جعفر بن محمد بن علي الصادق قال في تفسير قوله تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11] أنه قال: [[هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله التي تزوجها عثمان بن عفان. قال: ((وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)) [التحريم:11]: يعني: من الثالث، عثمان]]([22]).
وقال هاشم معروف الحسيني -وهو من الشيعة المعاصرين-: (وتشير المرويات الكثيرة([23]). أن عثمان بن عفان لم يحسن صحبتها ولم يراع رسول الله فيها فتزوج عليها أكثر من امرأة وماتت على إثر ضربات قاسية منه أدت إلى كسر أضلاعها...)([24]).
فالشيعة إذاً سلفهم وخلفهم على أن عثمان رضي الله عنه قتل رقية.
ولا ريب أن مزاعم الشيعة هذه مزاعم باطلة تردها الأدلة الكثيرة:
1/ منها: ما عرف عنه رضي الله عنه من شدة وصدق حيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان..}([25]).
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه بالحياء وأخبر أن الملائكة تستحي منه([26]).
{والحياء خير كله}([27]). كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وهو لا يأتي إلا بخير([28]). وهو من الإيمان([29]). ما كان في شيء إلا زانه([30]). وهو –أي: الحياء- خلق يبعث على ترك القبيح([31]). وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: {إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت}([32]).
فإذا فقد الإنسان الحياء فلا رادع يردعه عن فعل الفواحش وارتكاب المنهيات، وإذا من الله عليه بالاتصاف بهذه الصفة الحميدة فقد أعطاه خيراً كثيراً.
2/ والدليل الثاني: هو ما أخرجه أحمد والحاكم والدولابي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رقية رضي الله تعالى عنها قالت: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي آنفاً، فرجلت رأسه فقال: كيف تجدين أبا عبد الله -يعني: عثمان -؟ قالت: قلت: كخير الرجال، قال: أكرميه، فإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً}([33]).
وورد في رواية أخرى أن أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي قالت هذه المقالة([34]).
فأين هذا من مزاعم الشيعة أن عثمان قتلها، وأنها كانت تدعو ربها جل وعلا أن ينجيها منه، وغير ذلك من الافتراءات الواضحات.
فهذا الحديث ذكر فيه ثناء رقية رضي الله عنها على خلق عثمان وأنه عندها من خير الرجال، وقد وافقها أبوها صلى الله عليه وسلم وضم إلى المزية التي ذكرتها مزية أخرى، هي تشابه أخلاق عثمان رضي الله عنه مع أخلاقه عليه الصلاة والسلام.
فمن طعن في أخلاق عثمان رضي الله تعالى عنه فقد طعن بمن أشبهه عثمان في خلقه في المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى -فداه روحي ودمي-صلى الله عليه وسلم.
3/ والدليل الثالث: هو تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته الأخرى، أم كلثوم رضي الله عنها بعد موت أختها رقية رضي الله عنها، وصلى على أبيها وآله وسلم.
وبعض الشيعة يعترفون بهذا، أمثال الفضل بن الحسن الطبرسي الذي قال: (عثمان تزوج أم كلثوم بعد موت زوجته رقية)([35]).
وأشار الكفعمي وعباس القمي إلى ذلك([36]).
فإذا كان قد قتل واحدة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف زوجه الأخرى؟!
بل كيف قال له لما ماتت الثانية: {لو كن عشراً لزوجتهن عثمان وما زوجته إلا بوحي من السماء}([37]).
وأسوق إليك فيما يلي -أخي القارئ- هذه الواقعة التي ذكرها علماء الرجال عند أهل السنة في كتبهم، والتي تدلك على أن هذه المزاعم التي اختلقها الشيعة في عثمان رضي الله عنه -وحالها كحال بقية المطاعن التي ألصقوها بخيار عباد الله، صحابة نبيك محمد عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام- إنما هي من بنات أفكارهم وما تمليه عليهم معتقداتهم التي جبلت في قلوبهم فأشربتها، وأنتجت بغضاً لأفضل جيل عرفته البشرية. وحالها كحال بيت العنكبوت:
روى العقيلي، وابن عدي بسنديهما عن عباد بن عباد أن يونس بن خباب الأسيدي -وكان رافضياً- قال له: (إن عثمان قتل بنتي النبي صلى الله عليه وسلم) فقال له عباد: (قتل واحدة فلم أنكحه الأخرى؟!)([38]).
فبهت الرافضي ولم يجد جواباً.
وقد زعم بعض الشيعة أن التي قتلها عثمان كانت أم كلثوم، فلم يزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها، قال نعمة الله الجزائري: (وأما أم كلثوم فتزوج عثمان بها أيضاً بعد أختها رقية وتوفيت عنده، وذلك أنه ضربها ضرباً مبرحاً فماتت منه)([39]).
ولكن هذا القول غير مسلم عند الشيعة أنفسهم لمعارضته ما روي عن أئمتهم من أن التي قتلها عثمان هي رقية وليست أم كلثوم.
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لو كن عشراً لزوجتهن عثمان}.(12/378)
وهذا يبطل ما زعموه من أنه عليه السلام امتنع عن تزويجه بعد ما قتل ابنته.
4/ وأما الدليل الرابع: فكون هذه القصة لم ترد في أي كتاب من كتب أهل السنة، ولم يذكرها إلا الشيعة،..... ولو كانت قد وقعت على حد زعم الشيعة لتناقلها رواة التاريخ والسير سيما وأنها قد وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم وأمام سمعه وبصره، ثم هو بعد ذلك تغافل عنها-كما يفهم من إيراد الشيعة لها-، ولم يقم حد القتل على القاتل، وهو الذي لا يتوقف في إمضاء الحدود ولا يخاف في الله لومة لائم، وهو القائل عليه الصلاة والسلام لما سرقت المخزومية، وشفع فيها من شفع: {لو كانت فاطمة لقطعت يدها}([40]).
5/ أما الآيات التي استدل بها الشيعة على هذه المزاعم فقد نحوا في تفسيرها منحى التأويل الباطني الذي لا يعقله عندهم إلا الملك المقرب أو النبي المرسل، أو العبد الذي امتحن الله قلبه للإيمان كما هو مسطور في كتبهم([41]) مع أن القرآن الكريم أنزل بلغة العرب وبها يفهم، قال تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) [يوسف:2] ولكن تفسير الشيعة الباطني أبعد شيء عن عقول الرجال كما اعترفوا هم أنفسهم بذلك، ونسبوه إلى أئمتهم([42]).
والمنحى الباطني الذي نحوه في تأويل هذه الآيات واضح لمن تأمله، فقد قالوا في خبر الله تعالى عن جنس الإنسان: ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) [البلد:8] * ((وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ)) [البلد:9] * ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) [البلد:10]: إن العينين هما رسول الله، واللسان علي بن أبي طالب، والشفتين الحسن والحسين، والنجدين ولايتهما.
وهذا أبعد شيء عن عقول الرجال كما أقروا بذلك في كتبهم، ولم ينزل القرآن الكريم بمثل هذه التأويلات الباطنية.
ولم يقل أحد من المفسرين عن هذه الآيات أنها نزلت في عثمان رضي الله عنه كما زعم الشيعة([43]).
وبهذا يتبين لك أخي المسلم، يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحب أهل بيته عليهم السلام، ومحب صحابته عليهم من الله الرضوان أن ما يورده الشيعة من اتهامات موجهة إلى خيار الصحابة وساداتهم إنما تمليه عليهم عقيدتهم المبنية على بغض الصحابة وسبهم، والقول بوجوب لعنهم والبراءة منهم.
------------
([1]) الصراط المستقيم للبياضي (3/30)، وانظر: إحقاق الحق للتستري (ص: 306).
([2]) الصراط المستقيم للبياضي (3/30)، وانظر: إحقاق الحق للتستري (ص: 306).
([3]) الروضة من الكافي للكليني (ص: 277-279)، وانظر: الجمل للمفيد (ص: 62)، والطرائف لابن طاوس (ص: 417).
([4]) مرآة العقول -شرح الروضة- للمجلسي (4/278-279).
([5]) الروضة من الكافي للكليني (ص: 333).
([6]) صحيح مسلم (4/1866-1867) كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان رضي الله عنه.
([7]) مسند أحمد (1/61، 62، 65)، وفضائل الصحابة له (1/464، 465، 466، 495، 496، 508)، وطبقات ابن سعد (3/67)، وتاريخ المدينة لابن شبّه (2/358).
([8]) فضائل الصحابة لأحمد (1/468).
([9]) نفس المصدر (1/474). وقد صححه محقق الكتاب.
([10]) ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة وقال: خرجه صاحب الصفوة والملائي والفضائلي. الرياض النضره (2/44)-.
([11]) الأنوار النعمانية للجزائري (1/81).
([12]) نفحات اللاهوت للكركي (ق: 57/أ).
([13]) المصباح للكفعمي (ص: 37). وعلم اليقين للكاشاني (2/768)، والفصول المهمة للحر العاملي (ص: 170)، ومفاتيح الجنان لعباس القمي (ص: 212).
([14]) صحيح البخاري (4/64) كتاب الوصايا باب إذا وقف أرضاً.
([15]) صحيح البخاري (5/83) كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه.
([16]) الذرية الطاهرة النبوية للدولابي (ص: 59).
([17]) طبقات ابن سعد (3/56).
([18]) صحيح البخاري (2/213) كتاب الجنائز باب ما جاء في قبر عمر رضي الله عنه.
([19]) تفسير القمي (2/423)، وانظر: تفسير الصافي للكاشاني (2/819)، والبرهان للبحراني (4/463)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 74).
([20]) الفروع من الكافي للكليني (-ط حجرية-: (2/222)، وانظر: حق اليقين لعبد الله شبر (2/83).
([21]) الصراط المستقيم للبياضي (3/34).
([22]) نقله عنه البحراني في البرهان (4/358)، وقد وردت روايات أخرى أيضاً ذكرت صراحة أن المراد بالثالث عند الشيعة: عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد أطلقوا عليه هذا اللقب؛ لأنه ثالث الغاصبين بزعمهم. راجع: تفسير القمي (-ط حجرية.-ص: 266) (-ط حديثة-: 2/107)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/173، 820)، والبرهان للبحراني (3/133، 140-141، 4/463-464).
([23]) يقصد المرويات الكثيرة المتضافرة على الكذب عند الشيعة.
([24]) سيرة الأئمة الإثني عشرية لهاشم الحسيني (1/67).
([25]) أخرجه أحمد -بسند صحيح-، وابن ماجة وغيرهما، سنن ابن ماجة (1/55)، المقدمة، باب فضائل الصحابة، ومسند أحمد (1/74، 3/184،281)، وفضائل الصحابة له (1/494).(12/379)
([26]) والحديث في صحيح مسلم (4/1866-1867) كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
([27]) صحيح مسلم (1/64) كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان.
([28]) صحيح البخاري (8/53) كتاب الأدب باب الحياء.
([29]) صحيح البخاري (8/53) كتاب الأدب باب الحياء.
([30]) جامع الترمذي -وحسنه- (4/346) كتاب البر.
([31]) فتح الباري لابن حجر (10/522).
([32]) صحيح البخاري (8/54) كتاب الأدب باب الحياء.
([33]) وقد صحح محقق كتاب فضائل الصحابة إسناد الروايتين اللتين أوردهما الإمام أحمد. فضائل الصحابة لأحمد (1/510، 514)، والمستدرك للحاكم (4/48)، والذرية الطاهرة النبوية للدولابي (ص: 55-56).
([34]) الذرية الطاهرة للدولابي (ص: 51).
([35]) إعلام الورى للفضل بن الحسن الطبرسي (ص: 148).
([36]) المصباح للكفعمي (37)، ومفاتيح الجنان لعباس القمي (212).
([37]) قال الهيثمي: رواه الطبراني في حديث طويل وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو لين وبقية رجاله ثقات، وذكر الهيثمي حديثا آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم: (ما زوجت أم كلثوم من عثمان إلا بوحي من السماء) وقال –أي: الهيثمي-: (وإسناده حسن لما تقدمه من الشواهد) مجمع الزوائد للهيثمي (9/83).
([38]) الضعفاء للعقيلي (4/458) والكامل لابن عدي (7/2629)، وانظر: ميزان الاعتدال للذهبي (4/479).
([39]) الأنوار النعمانية للجزائري (1/367).
([40]) صحيح البخاري (-ط سلفية- 3/28) كتاب فضائل الصحابة باب ذكر أسامة بن زيد.
([41]) راجع كتبهم التالية: بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص: 41-42)، ومعاني الأخبار للصدوق (ص: 188-189)، والأمالي له (ص: 4)، وتفسير فرات الكوفي (ص: 161-162).
([42]) الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي (3/73).
([43]) راجع: جامع البيان للطبري (30/198-199)، وتفسير ابن كثير (4/512-513)، وفتح القدير للشوكاني (5/443-444).
-------------
المجلس الثامن/ موقف الشيعة الإثني عشرية من بقية الصحابة العشرة المبشرين بالجنة
فيا سائلي عن خيار العباد صادفت ذا العلم والخبرة
خيار العباد جميعاً قريش وخير قريش ذوو الهجرة
وخير ذوي الهجرة السابقون ثمانية وحدهم نصره
علي و عثمان ثم الزبير وطلحة واثنان من زهرة
وشيخان قد جاورا أحمدا وجاور قبراهما قبره
فمن كان بعدهما فاخراً فلا تذكروا عندهم فخره
وعامر من فهر ثم ابن زيد فقد أصبحوا يا أخي عشرة
بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أفاضل أصحابة بالجنة، بأنهم سيدخلونها بقوله: {عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة}([1]).
وقد أنكر الشيعة هذا الحديث -رغم ثبوته وصحته- ونسبوه إلى الوضع([2])، ولم يكتفوا بذلك، بل زعموا أن هؤلاء العشرة المبشرين بالجنة -عدا علي - كانوا من المنافقين وفعلوا أفعالهم.
وقد تقدمت بعض الاتهامات التي وجهوها إلى الخلفاء الراشدين المهددين الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم.
وسأقتصر هنا على بيان نماذج يسيرة من أقوالهم في بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وهم عدا الخلفاء الأربعة الراشدين: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
أولاً: موقف الشيعة الإثني عشرية من طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما:-
طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي، والزبير بن العوام الأسدي القرشي من الرعيل الأول من الصحابة، ومن العشرة المبشرين بالجنة.
بل هما جارا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، كما أخبر عنهما بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: {سمعت أذني من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة}([3]).
أسلما قديماً، ونصرا رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان والسنان، وكلاهما شهدا المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبليا فيها البلاء الحسن، وكل واحد منهما اختص بمناقب لم يختص بها غيره من الصحابة:
فمما اختص به الزبير أنه كان أول من سل سيفاً في سبيل الله([4])، وأنه حواري النبي صلى الله عليه وسلم([5]).(12/380)
ومما اختص به طلحة: أنه وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده حتى شلت([6])، وبرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره حين انتهى إلى صخرة لم يستطع أن يصعدها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذاك: {أوجب طلحة}([7])، أي: فعل ما أوجب له الجنة. واستبسل في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقاه بنفسه، وحال بينه وبين سهام المشركين حتى أثخنته الجراح، وكان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إذا ذكر يوم أحد قال: {ذلك كله يوم طلحة}([8]).
ومناقبهما رضي الله تعالى عنهما كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها.
والشيعة كدأبهم مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيما سادتهم وكبارهم يحاولون طمس فضائلهم، وإلصاق النقائص بهم، وتوجيه المطاعن إليهم، وهكذا فعلوا مع طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما.
وسأقتصر على نماذج يسيرة توضح موقف الشيعة منهما بإيجاز:
زعم الشيعة أن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا إمامين من أئمة الكفر:-
يزعم الشيعة أن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا إمامين من أئمة الكفر، عاشا كافرين، وماتا كذلك.
وقد استدلوا على أنهما كانا كذلك بما نسبوه -كذباً- إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، زاعمين أنه قال: [[ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة: طلحة والزبير ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري]]([9]).
ولم يكتف الشيعة بهذه المزاعم المكذوبة، بل ذكر علماؤهم صراحة -ورموا بالتقية وراء ظهورهم- أن طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما -وحاشاهما مما نسبه الشيعة إليهما- عاشا كافرين وماتا كافرين:
قال المفيد - وهو من كبار علمائهم-: (إن القوم؛ طلحة والزبير وأشكالهما مضوا مصرين على أعمالهم، غير نادمين عليها، ولا تائبين منها)([10]).
وقال محمد علي الحسيني -وهو من الشيعة المعاصرين-: (إن الزبير باع دينه بدنياه، واستباح كل شيء في سبيل أطماعه وشهواته، ولم يكن لكلمة رسول الله عنده من قيمة...)([11]).
وزعم الشيعة -كذباً- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال للزبير: [[أنا أشهد أني سمعت من رسول الله أنك من أهل النار]]([12]).
إلى آخر ما أورده الشيعة في ذلك من المطاعن، مخالفين بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبر عن طلحة والزبير أنهما في الجنة([13])، بل وجاراه فيها([14]).
وهما رضي الله تعالى عنهما قد ماتا شهيدين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بذلك:
فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر و عثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد}([15]).
فالصديق أبو بكر والشهداء عمر و عثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وموت طلحة والزبير شهيدين يدل على أنهما من أهل الجنة، بله الدرجات العالية الرفيعة فيها، فالله تبارك وتعالى قد أخبر أن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في أعلى درجات الجنة، فقال جل وعلا: ((وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)) [النساء:69].
وطلحة والزبير رضي الله عنهما قد عاشا حميدين وماتا شهيدين، ولم يذكر عنهما أنهما خالفا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور، بل لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راضٍ، فرضي الله عنهما وأرضاهما، وعامل بعدله من يبغضهما أو يضمر لهما غير الحسن الجميل.
زعم الشيعة أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه كان ابن زنا -حاشاه من ذلك:-
يزعم الشيعة أن طلحة رضي الله عنه كان ولد زنا.
وقد نسبوا إلى هشام بن محمد بن السائب الكلبي قوله عن أم طلحة، الصعبة بنت الحضرمي: [[أنها كانت لها راية([16]) بمكة، وأنها استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجت عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم -والد طلحة - فجاءت بطلحة بن عبيد الله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة فجعلا أمره إلى صعبة فألحقته بعبيد الله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت: يد عبيد الله طلقة، ويد أبي سفيان تربة]] -ثم قال الكلبي -.
فاصدقونا قومنا أنسابكم وأقيمونا على الأمر الجلي
لعبيد الله أنتم معشري أم أبي سفيان ذاك الأموي([17])
ولا ريب أن هذه المزاعم الكلبية فرية بلا مرية، وإفك بلا شك، والشيعة لم يفتروا هذه الفرية على طلحة وحده، بل تعدوه إلى أكثر الصحابة، وزعموا أنهم كانوا أبناء زنا -حاشاهم من ذلك-.
ونسبتهم هذه الفرية إلى هشام الكلبي لا تبرؤهم منها:(12/381)
فالكلبي شيعي باتفاق علماء الرجال عند الشيعة الذين قالوا عنه: (كان مختصاً بمذهبنا)([18])، وهو عند علماء أهل السنة: رافضي متروك، ليس بثقة، ولا يقبل قوله. قال الإمام أحمد: [[ما ظننت أن أحداً يحدث عنه]]([19]).
لذا لا يحتج بقوله، ولا بقول من نقلوا قوله، ولا كرامة.
ثانياً: موقف الشيعة الإثني عشرية من سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله تعالى عنه:-
سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم.
فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- بالأبوين، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: {ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد: ارم فداك أبي وأمي}([20]).
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: {جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد}([21])..
وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي وحسنه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: {أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي فليرني امرؤ خاله}([22])..
وعقب الترمذي على هذا الحديث بقوله: (وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {هذا خالي}([23]).
وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح، ودعا له([24]).
وفيه نزل قول الله تعالى: ((وَلا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)) [الأنعام:52]([25]). فلا يحتاج بعد تزكية ربه إلى تزكية من أحد.
وفضائله رضي الله تعالى عنه كثيرة جداً، ولا يتسع المحل لذكرها.
بيد أن الشيعة وجهوا إليه المطاعن العديدة كدأبهم مع كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأذكر نماذج منها:
زعمهم أنه قارون هذه الأمة:-
قال أبو الحسن العاملي: (سعد بن أبي وقاص قارون هذه الأمة. وهذا ظاهر من جهة ارتداده وتكبره عن مبايعة أمير المؤمنين (ع)...)([26]).
وهذا من المزاعم الباطلة، ومن أدل الدلائل على بطلانه ما فيه من تناقض إذ أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بايع علياً ولم يمتنع عن بيعته كما زعموا، بل قد جاء في كتبهم وعلى لسان علي ما يبطل ذلك، وهو قول علي لسعد ومن اعتزل القتال معه في الفتنة: [[كيف تخرجون من القتال معي وقد بايعتموني؟!]]([27]).
وقوله لهم: [[ألستم على بيعتي؟ قالوا: بلى]]([28]). وغير ذلك.
فهم قد بايعوه وبقوا على بيعته باعتراف الشيعة أنفسهم كما تبين من الأقوال التي ساقوها ونسبوها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكيف تتفق فريتهم عن سعد وتعليلها بالامتناع عن بيعة علي، مع إقرار علي -رضي الله عنه- ببيعته وثباته عليها في كتب الشيعة أنفسهم.
زعمهم أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أخبر سعداً -رضي الله عنه- أن على كل شعرة من لحيته شيطاناً جالساً:-
أسند الملقب بالصدوق وهو من علماء الشيعة إلى الإصبغ بن نباتة([29]). قوله: [[بينا أمير المؤمنين -عليه السلام- يخطب الناس وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلا نبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة؟ فقال له: أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل ابني -وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه-]]([30]).
وعند التستري: [[إن في شعرك ملكاً يلعنك، وعلى كل طاقة من شعر لحيتك شيطاناً جالساً... إلخ]]([31]).
وهذه القصة واحدة من القصص الكثيرة المكذوبة على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وآفتها أصبغ بن نباتة، وهو كذاب متروك الحديث يقول بالرجعة. قال عنه أبو بكر بن عياش: كذاب. وقال ابن معين: ليس بثقة. وفي قول آخر: ليس بشيء. وقال النسائي وابن حبان: متروك. وزاد ابن حبان: فُتِن بحب علي فأتى بالطامات فاستحق من أجلها الترك. وقال ابن عدي: بيّن الضعف. وقال أبو حاتم: لين الحديث. وقال العقيلي: كان يقول بالرجعة. وقال الدارقطني والساجي: منكر الحديث([32]). وهذه القصة إضافة إلى نكارتها فإنها تعارض ما ثبت من محبة علي -رضي الله عنه- لسعد وإشادته بفضائله ومآثره، فعلي -رضي الله عنه- قد روى فضائل لسعد تقدم بعضها، منها: إخباره أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فدى سعداً بأبيه وأمه يوم أحد وغيرها من الفضائل.
ولو كان سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يناقضها على -حد زعم الشيعة - ما رواها ولا غرر الناس به.(12/382)
أضف إلى هذا ما في هذه القصة من تناقض مكاني، فهذه المقالة إنما قالها علي -رضي الله عنه- وهو على منبر الكوفة -كما زعم الشيعة - وسعد رضي الله عنه كان قد اعتزل في المدينة، ولم يلتق بعلي رضي الله عنه في الكوفة.
أما تمسكهم بكون عمر بن سعد شارك في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وإيراد هذا المطعن في حق أبيه رضي الله عنه، فأي ذنب كان لسعد في هذا، وما حصل إنما حصل بعد موته رضي الله عنه، ولو علم أن ابنه سيشارك في قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمنى أنه مات قبل أن يتزوج أو يكون له ولد، ولتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته وولده، ولتمنى أن لو كان نسياً منسياً لما عرف عنه من حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، فلا ذنب لسعد ولا مسوغ للشيعة للطعن فيه، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) [فاطر:18].
ثالثاً: موقف الشيعة الإثني عشرية من عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه:-
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
والشيعة كدأبهم مع كبار أصحاب رسول الله وخيارهم يوجهون إليهم المطاعن المفتراة، ويسلقونهم بألسنة حداد.
وقد خصوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ببعض مطاعنهم، وافتروا عليه كما افتروا على غيره من الصحابة ما الله يعلم أنه منه بريء، وعباده المؤمنون يعلمون.
وسأذكر مثالاً واحداً من كتبهم يبين مدى الحقد الذي يعتمل في نفوسهم تجاه هذا الصحابي الجليل.
دعواهم أن لعبد الرحمن بن عوف باباً من أبواب النار يدخل منه مع فرعون وهامان:-
وهو: ما ادعوه من أن له بابا من أبواب النار يدخل منه مع فرعون وهامان:
فقد أسند الملقب الصدوق -كذباً- إلى جعفر الصادق أنه قال: [[إن للنار سبعة أبواب؛ باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون...]]([33]).
وقد تقدم أن مرادهم بفرعون وهامان: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
أما المراد بـ (قارون): فقد ذكر الكاشاني أن عبد الرحمن بن عوف قارون هذه الأمة([34]).
وهذا الزعم من الشيعة -وهو قوله أن لعبد الرحمن رضي الله عنه باباً من أبواب النار يدخل منه- يعارض الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أخبر فيه عليه الصلاة والسلام أن عبد الرحمن بن عوف في الجنة([35]).
ويعارض أيضاً ما ذكر في بعض كتب الشيعة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو لعبد الرحمن ويقول: {اللهم اسق عبد الرحمن من سليل الجنة}([36]).
مستدلاً بهذا الحديث على إثبات مادة لغوية. وقد عقب على هذا الحديث بقوله: (والسليل هو صافي شرابها... إلخ)([37]).
ولو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عبد الرحمن بن عوف يدخل من باب من أبواب جهنم مع فرعون وهامان -كما زعم الشيعة - لما دعا الله له أن يسقيه من صافي شراب الجنة، ولما بشره عليه الصلاة والسلام بالجنة، وأخبر أنه سيدخلها فهو عليه السلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
رابعاً: موقف الشيعة الإثني عشرية من أبي عبيدة عامر بن الجراح القرشي الفهري رضي الله تعالى عنه:-
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من الرعيل الأول من الصحابة، أسلم قديماً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفي وهو عنه راض.
وفضائله رضي الله عنه كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها، ويكفيه فخراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبه بـ (أمين هذه الأمة):
فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن لكل أمة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح}([38]).
ولكن الشيعة لم يعترفوا بفضله، ولم يراعوا حق صحبته، بل أشرعوا سهامهم في وجهه، كما فعلوا مع إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجهوا إليه العديد من المطاعن والتهم، سأقتصر على ذكر أحدها:
وهو: زعمهم أن تلقيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة بـ(أمين هذه الأمة) مطعن، لا مدح فيه:
وذكروا في سبب إطلاق هذا اللقب عليه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة مكذوبة، ملخصها:
أن جماعة من الصحابة تآمروا فيما بينهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعطوا الخلافة لبني هاشم أبداً -يريدون بذلك حرمان علي وذريته منها على حد مزاعم الشيعة - وكتبوا في ذلك صحيفة ودفنوها في جوف الكعبة، وكان كاتب هذه الصحيفة هو أبو عبيدة بن الجراح، وهو الذي ذهب بها إلى مكة ودفنها في جوف الكعبة، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم- على حد زعم الشيعة - على مؤامرتهم، فقال لأبي عبيدة: {أنت أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم}([39]).(12/383)
وتوجيه هذا القول -على حد زعمهم- أن المتآمرين ائتمنوه على الصحيفة، وأودعوها عنده، وأرسلوه إلى مكة نائباً عنهم كي يتولى دفنها في جوف الكعبة، لذا سمي -على حد زعم الشيعة - أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم، وليس أمين الأمة بأسرها، قال ذلك من الشيعة كل من: البياضي، الكاشاني، البحراني، التستري، الجزائري، الشيرازي،([40]).
ولم يكتف الشيعة بهذا، بل وصفوا أبو عبيدة بأنه من أعداء آل محمد([41])، وأحد المعينين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه على اغتصاب الخلافة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه -على حد زعم الشيعة-([42]).
وقد أكد هذه المزاعم هاشم معروف الحسيني –وهو شيعي معاصر- واستشهد على صحتها بكلام المستشرق الصليبي -البلجيكي المولد، الفرنسي الجنسية- هنري لامنس حيث يقول: (إن الحزب القرشي الذي يرأسه أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح لم يكن وليد مفاجأة وارتجال، وإنما كان وليد مؤامرة سرية مجرمة حيكت أصولها، ورتبت أطرافها بإحكام وإتقان، وإن أبطال هذه المؤامرة أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، ومن أعضاء هذا الحزب عائشة وحفصة... إلخ)([43]).
مناقشة هذه المزاعم:
لا ريب أن ادعاء الشيعة أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي عبيدة: {أمين هذه الأمة} طعن فيه: زعم باطل لا تساعدهم عليه اللغة، ولا المناسبة ولا واقع الحال:
1/ فالأمين لغة هو الثقة الرضي. وإضافته إلى الأمة تدل على أنه مرضي من الأمة جميعها ثقة عندهم.
وهذا لا يتماشى مع قصة الصحيفة التي افتروها، فإنها أفادت أنه ثقة عند جماعة قليلين هم المتواطئون على كتابة الصحيفة - على حد زعم الشيعة -.
وقد تنبه الشيعة إلى هذا التناقض البين، فعمدوا إلى تغيير لفظ الحديث الصحيح ليوافق أهواءهم ومعتقداتهم في الصحابة، فوضعوا بدل {أمين هذه الأمة}: {أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم}.
وهذا كذب متعمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توعد بالنار من كذب عليه متعمداً، في قوله في الحديث المتواتر الذي تقدم معنا: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}.
2/ ثم إن المناسبة التي لأجلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، ولقب بسببها أبا عبيدة بهذا اللقب تبطل دعواهم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه: {أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: هذا أمين هذه الأمة}([44]).
ولا يصح أن يرسل معهم ليعلمهم أمور الدين من هو عنده غير أمين، وهو الناصح لأمته صلى الله عليه وسلم الحريص عليها.
وكذا أخرج البخاري ومسلم أيضاً في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: {جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله! ابعث إلينا رجلاً أميناً. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لأبعثن إليكم رجلاً أميناً، حق أمين، حق أمين. قال: فاستشرف لها الناس. قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح}([45]).
ويعني بالناس في قوله: (فاستشرف لها الناس): أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصاً على تحصيل الصفة المذكورة، وهي الأمانة، لا على الولاية من حيث هي([46])، حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه -مع فضله وتقدمه على غيره- قال: [[ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها]]([47]).
ولقد عرف الصحابة لأبي عبيدة هذا الفضل:
فقد روى أحمد بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [[لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح فاستخلفته وما شاورت فيه، فإن سئلت عنه، قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسوله]]([48]).
وفي رواية: [[لو استخلفت أبا عبيدة بن الجراح فسألني عنه ربي: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك وهو يقول: إنه أمين هذه الأمة]]([49]).
أما استشهاد هاشم الحسيني -الشيعي المعاصر- كلام المستشرق لامنس على إثبات هذه الدعوى فهو استشهاد باطل، فما كان لأعداء الإسلام أن يكونوا شهداء على المسلمين.
ولا ريب أن المستشرقين اعتمدوا على مصادر الشيعة اعتماداً كبيراً في إلقاء الشبه والتشكيك في الدين، ومن ثم إعطاء الفكرة المشوهة والمحرفة عن الفكر الإسلامي الأصيل.
خامساً: موقف الشيعة الإثني عشرية من سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه:-
سعيد بن زيد بن نفيل العدوي القرشي من الرعيل الأول من الصحابة، ابن عم عمر بن الخطاب وصهره، أسلم قديماً قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وتوفي وهو عنه راض([50]).
كان مجاب الدعوة، وقصته مع أروى بنت أويس في ذلك مشهورة:(12/384)
وهي ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عروة بن الزبير قال: {إن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين، فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا. فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها وكانت تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت}([51]).
والشيعة قد وجهوا إليه العديد من المطاعن:
فزعموا أنه من شر الأولين والآخرين([52])، وأنه قارون هذه الأمة([53]).
وزعموا أنه من أعداء آل محمد([54]).
وزعموا أنه كان يضع الحديث على رسول الله عليه السلام([55])، إلى غير ذلك من المزاعم الكثيرة والمطاعن المفتراة.
وزعم الشيعة أن سعيداً كان يضع الحديث كزعمهم كذب غيره من الصحابة المكثرين للرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما يزعمون هذا لإبطال الكتاب والسنة اللذين نقلهما إلينا الصحابة رضي الله عنهم.
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة)([56]).
وبهذا يتضح أن موقف الشيعة من العشرة المبشرين بالجنة واحد، من حيث إنكارهم أن يكونوا من أهل الجنة، ومن حيث القول بكفرهم ونسبتهم إلى الارتداد -كباقي الصحابة-، وإنكار عاداتهم، وتوجيه المطاعن المفتراة إليهم -وغير ذلك.
--------------
([1]) الحديث مروي من عدد من الصحابة منهم، سعيد بن زيد، وقد أخرج حديثه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وأخرجه أحمد في مسنده، وصححه أحمد شاكر رحمه الله، سنن أبي داود (5/37-40) كتاب السنة وجامع الترمذي (5/651) كتاب المناقب.
([2]) كفاية الأثر للخزاز (ص: 115)، والاقتصاد للطوسي (ص: 364).
([3]) أخرجه الحاكم في مستدركه (3/364) وقال: صحيح الإسناد.
([4]) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/735)، والاستيعاب لابن عبد البر (1/581)، والمستدرك للحاكم (3/360-361)، وانظر: در السحابة للشوكاني (ص: 241).
([5]) سنن الترمذي (5/646) كتاب المناقب باب مناقب الزبير وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفضائل الصحابة لأحمد (2/737 -738)، وطبقات ابن سعد (3/105-106)، والمعجم الكبير للطبراني (1/78)، والمستدرك للحاكم (3/367) وقال صحيح ووافقه الذهبي.
([6]) صحيح البخاري (5/94) كتاب فضائل الصحابة باب ذكر طلحة.
([7]) جامع الترمذي (5/643 -644) كتاب المناقب باب مناقب طلحة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، والمستدرك للحاكم (3/374)، ومسند أحمد (1/165)، وفضائل الصحابة له (2/744)، وطبقات ابن سعد (3/218).
([8]) الرياض النضرة للمحب الطبري (2/252).
([9]) الشافي في الإمامة للمرتضى (ص: 287)، وتلخيص الشافي للطوسي (ص: 462).
([10]) الجمل للمفيد (ص: 225).
([11]) في ظلال التشيع لمحمد علي الحسيني (ص: 112 -113).
([12]) إحقاق الحق للتستري (ص: 297).
([13]) تقدم تخريجه قبل صفحتين.
([14]) تقدم تخريجه قبل صفحتين.
([15]) صحيح مسلم (4/1880) كتاب الفضائل باب من فضائل طلحة.
([16]) كناية عمن كانت تسافح في الجاهلية.
([17]) الطرائف لابن طاوس (ص: 495)، وإحقاق الحق للتستري (ص: 296)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/65-66))..
([18]) الفهرست للنجاشي (ص: 306-307)، ورجال الحلي (ص: 179).
([19]) ميزان الاعتدال للذهبي (4/304) وديوان الضعفاء (ص: 419).
([20]) صحيح مسلم (4/1876) كتاب الفضائل باب من فضائل سعد.
([21]) صحيح البخاري (5/94) كتاب المناقب باب مناقب سعد، وصحيح مسلم (4/1876) كتاب الفضائل باب فضائل سعد.
([22]) سنن الترمذي (5/649) كتاب المناقب باب مناقب سعد، وانظر: فضائل الصحابة لأحمد (2/751)، والمستدرك للحاكم (3/498)، وصححه ووافقه الذهبي.
([23]) سنن الترمذي (5/649).
([24]) صحيح مسلم (4/1875) كتاب الفضائل باب فضائل سعد.
([25]) صحيح مسلم (4/1878) كتاب الفضائل باب فضائل سعد.
([26]) مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 280).
([27]) السقيفة لسليم بن قيس (ص: 211)، والجمل للمفيد (ص: 45-46)، والأمالي للطوسي (2/327).
([28]) المصادر السابقة نفسها.
([29]) قال عنه الكشي الشيعي: كان من خاصة أمير المؤمنين علي (ع). اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص: 5، 98، 103).
([30]) الأمالي للصدوق (ص: 133).
([31]) إحقاق الحق للتستري (ص: 205).(12/385)
([32]) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/319 -320)، وميزان الاعتدال للذهبي (1/271)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (1/362-363)، وتقريب التهذيب له (ص: 176).
([33]) الخصال للصدوق (2/361-362)، وانظر: حق اليقين لعبد الله شبر (2/169).
([34]) علم اليقين للكاشاني (2/732).
([35]) هو حديث العشرة المبشرين بالجنة، تقدم تخريجه.
([36]) إكمال الدين للصدوق (ص: 243).
([37]) إكمال الدين للصدوق (ص: 243).
([38]) صحيح البخاري (5/100) كتاب المناقب باب مناقب أبي عبيدة، وصحيح مسلم (4/1881) كتاب الفضائل باب فضائل أبي عبيدة.
([39]) الملاحظ أن لفظ الحديث الذي أوردوه مخالف تمام المخالفة للفظه الصحيح، (وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح).
([40]) انظر الصراط المستقيم للبياضي (1/296، 3/154)، وعلم اليقين للكاشاني (2/658)، وتفسير الصافي له (2/570)، والبرهان للبحراني (4/187)، والصوارم المهرقة للتستري: (ص: 77-78)، والأنوار النعمانية للجزائري (4/340، 343)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص: 302-303).
([41]) الكشكول لحيدر الآملي (ص:160).
([42]) السقيفة لسليم بن قيس (ص: 76).
([43]) سيرة الأئمة الإثني عشر لهاشم الحسيني (ص: 281)، وانظر: كتاب المستشرق لامنس الذي نقل عنه هاشم الحسيني -الشيعي المعاصر- وهو بعنوان (الحكام الثلاثة: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة) منوعات الكلية الشرقية، (4، 1910).
([44]) صحيح مسلم (4/1881) كتاب الفضائل باب فضائل أبي عبيدة.
([45]) صحيح البخاري (5/100) كتاب المناقب باب مناقب أبي عبيدة، وصحيح مسلم (4/1882) كتاب الفضائل باب مناقب أبي عبيدة.
([46]) فتح الباري لابن حجر (7/93-94).
([47]) المصدر نفسه، وانظر: الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري (2/347).
([48]) فضائل الصحابة لأحمد (2/742-743)، وانظر: مسند أحمد (1/18)، والمستدرك للحاكم (3/268).
([49]) فضائل الصحابة لأحمد (2/742-743)، وانظر مسند أحمد (1/18)، والمستدرك للحاكم (3/268).
([50]) الاستيعاب لابن عبد البر (2/2)، والإصابة لابن حجر (2/46).
([51]) صحيح مسلم (3/1230-1231) كتاب المساقاة باب تحريم الظلم.
([52]) الخصال للصدوق (2/457، 460).
([53]) الخصال للصدوق (2/457، 460).
([54]) الكشكول لحيدر الآملي (ص: 160).
([55]) الطرائف لابن طاوس (ص: 523).
([56]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 49).
-------------
المجلس التاسع/ موقف الشيعة الإثني عشرية من الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفواضل
مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل شين وباطل
لا يخفى على المسلم فضل أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن، وما خصهن الله به من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتهن، وما تمتعن به من منزلة سامية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهن من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم، وأعزهن عنده، وأعرفهن بمطارح أنظاره، وأسرعهن إلى التعلق بأسباب رضاه في كل ما تقر به عينه صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن الصديقة بنت الصديق، والحبيبة بنت الحبيب، والطاهرة العفيفة المبرأة من فوق سبع سماوات، عائشة رضي الله عنها أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة:
فقد حازت قصب السبق إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر أزواجه، فهي الحبيبة المدللة، ابنت حبيبه وصدّيقه، ولم يتزوج بكراً غيرها، ولم ينزل عليه الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه بقوله لزوجه أم سلمة رضي الله عنها: {يا أم سلمة.. لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها}([1]).
وكان لعائشة رضي الله عنها شرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وتمريضه في أيام حياته الأخيرة، فما إن نزل به مرضه الأخير الذي مات فيه حتى أخذ يسأل: {أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ يريد أن يكون في بيت عائشة}([2])، ثم استأذن أزواجه أن يكون في بيتها، فأذن له، فبقي عندها ترعاه وتخدمه، وتسهر عليه في مرضه إلى أن قبضه الله إليه، وإن رأسه لفي حجرها بين سحرها ونحرها، وحاقنتها وذاقنتها([3])، وريقه قد خالط ريقها([4])، فكان موته في بيت أحب الناس إليه، كما ثبت عنه في الصحيح لما سئل: {أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة}([5]).
وقبض وهو راض عنها، وقبر في بيتها، فرضي الله عن عائشة وأرضاها.
فهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب الناس إلى قلبه وأحبهم إليه.
والمؤمن يحب ما يحبه الله ورسوله.(12/386)
فهل يحب الشيعة أم المؤمنين عائشة ويحترمونها، وينزلونها المنزلة التي أنزل الله وأنزلها رسوله عليه السلام؟ المنزلة التي تستحقها لكونها زوجة سيد ولد آدم، وخير الأولين والآخرين، ولكونها أحب الناس وأقربهم إلى قلب هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم؟
والجواب: أن الشيعة يبغضون عائشة رضي الله عنها أشد البغض:
ويتجلى ذلك في سبها وإيذائها ونسبتها على ما برأها الله منه، وطمس فضائلها وتوجيه العديد من المطاعن إليها.
وليس الأمر تحاملاً على الشيعة أو تجنياً عليهم، فكتبهم هي الشاهد على صدق هذه الدعوى.
والمطاعن التي وجهها الشيعة إلى عائشة رضي الله عنها كثيرة، وسأقتصر على نماذج منها.
فمنها:
أولاً: ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها، وزعمهم أنها من أهل النار:-
أسند العياشي -وهو من علماء الشيعة - إلى جعفر الصادق -زوراً وبهتاناً- والقول في تفسير قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92]، قال: [[التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً: عائشة هي نكثت إيمانها]]([6]).
وتبدو النزعة الباطنية في هذا التفسير جلية، فالشيعة قد نحوا منحى التأويل الباطني بتحريفهم معنى نقض الغزل إلى نقض الإيمان، وزعمهم أن التي نقضت غزلها –أي: إيمانها على حد قولهم- هي عائشة رضي الله عنها، بينما إجماع المفسرين على عكس ذلك، فإنهم أجمعوا على أن المرأة التي نقضت غزلها امرأة خرقاء من أهل الجاهلية، تسمى: ريطة، كانت تغزل هي وجوار لها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وكانت معروفة عندهم، فضربها الله مثلاً لهم لئلا يتشبهوا بها فينقضوا العهود من بعد توكيدها، فشبه نقض العهود بنقض الغزل. ولم يقل أحد منهم: إن المرأة المعنية بهذه الآية هي الصديقة عائشة رضي الله عنها، ولم يؤول واحد منهم نقض الغزل بنقض الإيمان، ولم يشبهه به([7]).
وزعم الشيعة أيضاً أن لعائشة رضي الله عنها بابا من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق -رحمه الله، وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال: في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: ((لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)) [الحجر:44]: [[يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... إلخ]]([8]).
وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها، كما زعم ذلك المجلسي([9]).
ووجه الكناية عن اسمها بعسكر، كونها كانت تركب جملاً -في موقعة الجمل- يقال له: عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضاً.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ(أم الشرور)([10])، وبـ (الشيطانة)([11]).
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم([12])، وأن لقبها (حميراء) من الألقاب التي يبغضها الله تعالى([13]).
فعائشة رضي الله عنها إذاً كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
ومعلوم أن الشيعة يوجهون هذه المطاعن المفتراة المجردة عن الدليل إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يحب إلا طيباً، والكافر خبيث لا يحب، فكيف تتفق مزاعم الشيعة مع ما تواتر -تواتراً معنوياً- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة الصديقة رضي الله عنها؟!
أخرج أحمد وأبو حاتم وغيرهما بأسانيدهم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دخل على عائشة وهي تموت، فقال لها: [[كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طيباً]]([14]).
وسمع عمار بن ياسر رضي الله عنهما رجلاً ينال من عائشة رضي الله عنها، فزجره ووبخه وقال له: [[اغرب مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم]]([15]).
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: {من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة}([16]).
ثم الشيعة بعد هذا كله يزعمون أنها كانت كافرة حاشاها بل هي من أفضل المؤمنين، ومن عباد الله الصالحين.
وقد فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر النساء بقوله: {فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام}([17]).
ويتناقض ما زعمه الشيعة عن عائشة بكونها من أهل النار مع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بشارته لها رضي الله عنها بالجنة في قوله: {لقد رأيت عائشة في الجنة كأني أنظر إلى بياض كفيها، ليهون بذلك علي عند موتي}([18]).
ويتناقض أيضاً مع ما ثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، من قوله عنها رضي الله عنها: [[إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة]]([19]).
ثم الشيعة بعد هذه الأدلة الواضحة الصريحة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفوا من زعموا أنه إمام لهم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه-، وزعموا أن عائشة رضي الله عنها أنها كافرة، وأنها من أهل النار، حاشاها من ذلك، بل هي مؤمنة طاهرة، من أهل الفردوس الأعلى في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(12/387)
ثانياً: الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات إلى الفاحشة:-
لما رمى رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، غضب الله جل وعلا لانتهاك حرمة نبيه فنفى التهمة عن الصديقة، وأنزل تبرئتها من فوق سبع سموات آيات حوت الوعيد الشديد في الدنيا، والتوعد بالعذاب العظيم في الآخرة.
ولو فتشت في آيات القرآن، وتأملت الآيات التي أوعد الله فيها العصاة لما رأيته غلظ في عقوبة شيء تغليظه في عقوبة من رمى الصديقة عائشة رضي الله عنها بالإفك، فالآيات القوارع مشحونة بالوعيد الشديد، والزجر العنيف، واستعظام ما جاء به رأس النفاق ومن رددوا قوله من الإفك، واستفظاع ما أقدموا عليه من التلقي بالألسنة والقول بالأفواه، يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، فجعل القَذَفَةَ ملعونين في الدنيا والآخرة، وتوعدهم بالعذاب الشديد في الآخرة، وأخبر أن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بإفكهم وبهتانهم، وهذا ليس ظلماً لهم، بل هو جزاؤهم الحق الذي هم أهله بسبب خوضهم في عرض نبيه، وتكلمهم على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنبيهاً لهم على علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنافة محله صلوات الله وسلامه عليه.
وقد انتهى ذلك الإفك بجلد الخائضين فيه، وتوبتهم، واعتذارهم إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم وزوجه الطاهرة العفيفة.
وبعد ذلك بقرون أحدث الشيعة إفكاً آخر اتهموا به العفيفة الطاهرة في عرضها مرة أخرى، ولم يحاسبهم أحد إلا الله فإنه مطلع عليهم وهو يدافع عن رسوله وحبيبه، ويذب عن عرض خليله صلى الله عليه وسلم.
فقد زعم الشيعة أن قوله تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10] مثل ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم بالخيانة بارتكاب الفاحشة -والعياذ بالله تعالى-:
قال القمي في تفسير هذه الآية: والله ما عنى بقوله: (فخانتاهما) إلا الفاحشة([20])، وليقيمن الحد على (عائشة)([21]) فيما أتت في طريق (البصرة)([22])، وكان (طلحة)([23]) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى (البصرة)([24]) قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من (طلحة)([25]).([26]).
ووجه إقامة الحد عليها -على حد زعم الشيعة -: كونها زوجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع حرمة ذلك، فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده أبداً.
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة وتزوجت طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في طريقها إلى البصرة -كما زعم الشيعة -؟.
المثل مضروب لعائشة وحفصة معاً -على حد زعم الشيعة المتقدم-.
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذن التي يقام عليها الحد -كما زعم الشيعة - لتزويجها نفسها من طلحة مع حرمة ذلك عليها.
- ولا بد أن يقام هذا الحد عند رجعة الأئمة وأعدائهم، حسب معتقد الشيعة الباطل في ذلك-.
ومما يؤكد أن الشيعة الذين لم يذكروا اسم (عائشة) صراحة، عنوا بـ(فلانة) عائشة رضي الله عنها -مع أن الآخرين ذكروا اسمها صريحاً كما تقدم-:
ما رواه الشيعة في كتبهم من المزاعم المكذوبة التي جاء فيها: أنه لما نزل قول الله تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] وحرم الله نساء النبي صلى الله عليه وآله على المسلمين غضب طلحة، فقال: [[يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو بنسائنا، لئن أمات الله محمداً لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا]] -وفي رواية أخرى ذكروها: لأتزوجن عائشة -([27])، -وفي رواية ثالثة- (وكان طلحة يريد عائشة)([28])، فأنزل الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً)) [الأحزاب:53].
ولم يكتف الشيعة بهذا، بل نسبوا إليها أقوالاً في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت أن لا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحابة رضي الله عنهم، لذا فإني أذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر:
فلقد ذكر رجب البرسي -وهو من علمائهم- أن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي([29]).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي -وهو من علمائهم أيضاً- أن عائشة (زينت يوماً جارية كانت عندها، وقالت: لعلنا نصطاد بها شاباً من شباب قريش بأن يكون مشغوفاً بها)([30]).(12/388)
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته وأحب الناس إليه، لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مناقشة هذه المفتريات:
لا يشك عاقل في أن هذه المزاعم الشيعية من البهتان المبين والإفك المفترى، فالله سبحانه وتعالى لم يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، بل هو مثل مضروب للذين كفروا مطلقاً، كما قال الله تعالى في رأس الآية: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ)) [التحريم:10]، والشيعة لما كانوا يحقدون على عائشة وحفصة رضي الله عنهما، ويعتقدون كفرهما قصروا المثل المضروب عليهما وخصوه بهما.
ولم يقل أحد من مفسري أهل السنة أن الخيانة من امرأة نوح وامرأة لوط هي الوقوع في الفاحشة، وإنما أولوها بأنها الخيانة في الدين([31])، وقد أولها بعض الشيعة بذلك([32]).
وفي ذلك يقول حبر هذه الأمة: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [[ما زنتا، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه]]، وتبعه على ذلك جميع المفسرين([33]).
والقصة التي افتراها الشيعة لا شك في كذبها، وقد وقع واضعها في أخطاء تدل على كذبها، منها: ادعاؤه أن عائشة خرجت بدون محرم، ولما أخبرت أنه لا يجوز الخروج بغير محرم زوجت نفسها من طلحة -على حد زعمهم-.
ودعوى أنها خرجت بغير محرم يبطلها ما أجمع عليه أهل السنة وجمهور الشيعة من أن ابن أختها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان معها وفي عسكرها، وما رواه الشيعة من أنه –أي: ابن أختها- عبد الله هو الذي حرضها على المسير إلى البصرة، وحرض أباه على محاربة علي رضي الله عنه، وعندما عزم أبوه على الإقلاع عن حربه لما التقيا في البصرة أخذ يلح عليه حتى عاد إلى حربه، وهذه كلها مزاعم ذكرها الشيعة في كتبهم([34]).
فكيف يقال: إنها خرجت من غير محرم، وعبد الله بن الزبير ابن أختها هو محرمها؟
لاشك أن قول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)) [الأحزاب:57].
وقوله جل وعلا: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) [الأحزاب:58].
منطبق على من قذفها؛ لأن في قذفها من حيث كونها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقذفها من حيث كونها مؤمنة غافلة إيذاء لها، ولمن اتهموه بها رضي الله عنهما.
وينبغي أن يعلم أن سب عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه يعتبر مروقاً من الدين -حسبما تقرر في القواعد الشرعية- وسابها كافر، وعلى هذا إجماع علماء المسلمين، مستدلين بقوله تعالى: ((يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [النور:17]، وبغيرها من آيات الكتاب الحكيم.
قال القاضي أبو يعلى: (من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف)([35]).
وروي عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين أخي الحسن بن زيد [[أنه لما قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء! فقال: هذا سمى جدي([36]). قرنان، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل]]([37]).
وروي عن أخيه الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: [[أنه كان بحضرته رجلاً فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام! اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26]، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه. فضربوا عنقه، وأنا حاضر -على حد قول الراوي-]]([38]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين)([39]).
وقال ابن حجر الهيتمي بعد ما ذكر حديث الإفك: (علم من حديث الإفك المشار إليه أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافراً، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم؛ لأن في ذلك تكذيب النصوص القرآنية، ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض؛ لأنهم ينسبونها إلى ذلك قاتلهم الله أنى يؤفكون)([40]).
وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي حاكياً عن عائشة رضي الله عنها: (والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عما يقول القاذف فيها)([41]).
ويقول في موضع آخر: (ومن كذب الله فقد كفر)([42]).(12/389)
ونقل قول بعض أهل البيت في ذلك: [[وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد؛ لأنه تكذيب لسبع عشرة آية من كتاب الله كما مر، فيقتل ردة... ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه فهو من ضرب عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين..]]([43]).
وأقوال علماء المسلمين كثيرة في هذا الباب وكلها متضافرة في كفر من رمى الصديقة بما برأها الله منه، أو نسبها إلى الفاحشة -عياذاً بالله- وهم في ذلك متبعين لكتاب ربهم الذي قرر أن الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي دلت دلالة قطعية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الصديقة الطيبة عائشة حباً لم يساو بها فيه أحداً من الناس، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيباً.
ثالثاً: مطاعن مشتركة وجهها الشيعة إلى عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم:-
وجه الشيعة إلى عائشة وحفصة رضي الله عنهما العديد من المطاعن، أكتفي بذكر بعضها. فمنها:
التبرؤ منهما ولعنهما:-
ذكر الكركي والمجلسي - وهو من كبار علماء الشيعة [[أن جعفر الصادق - رحمه الله، وحاشاه من ذلك -كان يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعة من النساء: التيمي والعدوي - أبا بكر وعمر - وعثمان ومعاوية يسميهم، وعائشة وحفصة وهنداً وأم الحكم أخت معاوية]]([44]).
هذا في لعنهما، أما في التبرؤ منهما: فقد نقل ابن بابويه القمي -الملقب بالصدوق - والمجلسي إجماع الشيعة على ذلك، فقالا -واللفظ للمجلسي -: (وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام([45]). الأربعة: أبي بكر، وعمر، و عثمان، ومعاوية، ومن النساء الأربع: عائشة، وحفصة وهند، وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض([46])، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم)([47]).
فهم إذاً يلعنون أبا بكر وعمر و عثمان ومعاوية رضي الله عنهم، ويتبرؤون منهم ولا يكتفون بذلك، بل يلعنون ابنة أبي بكر عائشة، وابنة عمر حفصة، ويتبرؤون منهما، ويزعمون أنهم وأتباعهم وأشياعهم -يعنون أهل السنة - شر خلق الله على وجه الأرض.
ويعلم كل مسلم أن أبا بكر وعمر وعثمان خير خلق الله على وجه الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، وأن ابنتي أبي بكر وعمر عائشة وحفصة من خير خلق الله، وزوجتا خير خلق الله، وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وأن معاوية رضي الله عنه صحابي من الصحابة الذين هم من خير خلق الله عز وجل. وأن أهل السنة القائمين بكتاب الله العاملين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم السائرين على منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خير خلق الله. فكيف نجعل المسلمين كالمجرمين، بل وكيف نجعل المتقين كالفجار؟!
دعوى الشيعة أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما سقتا السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:-
يدعي الشيعة الإثنا عشرية أن عائشة وحفصة تآمرتا مع أبويهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذاعتا سره وهتكتا ستره، وسقتاه السم، فكان ذلك سبب موته صلى الله عليه وسلم -على حد مزاعمهم الكاذبة-.
والقصة المكذوبة التي ذكر فيها الشيعة تآمر أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة على وضع السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزعمون -بالرغم من كذبها- أنها ثابتة، واستدلوا على إثباتها بآية من القرآن الكريم حملوها ما لا تحتمل من المعاني لتوافق أهواءهم ومعتقداتهم في الصحابة رضي الله عنهم، وهذه الآية هي قوله تعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] فقد أسند العياشي -بسنده المسلسل بالكذابين- إلى أبي عبد الله جعفر الصادق -رحمه الله وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال: [[تدرون مات النبي صلى الله عليه وآله أو قتل؟ إن الله يقول: ((أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] فسُم قبل الموت، إنهما سقتاه([48]). قبل الموت، فقلنا: إنهما وأبويهما شر من خلق الله]]([49]).
ووصف المجلسي -شيخ الدولة الصفوية، ومرجع الشيعة المعاصرين- سند هذه الرواية المكذوبة بأنه معتبر، وعلق عليها بقوله: (إن العياشي روى بسند معتبر عن الصادق (ع) أن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله بالسم دبرتاه)([50]).
وقد نقل هذه الحادثة المكذوبة عدد كبير من مصنفي الشيعة، وذكروا اسم عائشة وحفصة وأبويهما صراحة، وزعموا أنهم وضعوا السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات بسببه([51]).(12/390)
وهذه القصة من القصص الباطلة التي افتراها الشيعة، وألصقوها بخيار الصحابة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومات راضياً عنهم -كما تقدم ذلك كله- ولم يقل بها أحد من أهل السنة، بل ولا غيرهم؛ عدا الشيعة الذين يريدون إظهار خيار الصحابة -بما يلصقونه بهم من مفتريات كاذبة- بمظهر الخائنين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن العجيب حقاً أنهم يلقون التهم جزافاً مجردة عن الدليل، مخالفة للنقل المتواتر الصحيح.
ومن عرف حال أبي بكر وعمر وخصالهما، وفضائلهما وشدة قربهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختصاصهما به، ويقول بملء فيه: هذا بهتان مبين.
وعائشة وحفصة رضي الله عنهما قد ثبت علو درجاتهما، وأنهما زوجتا نبينا صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنهما يحلفان بالله أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة([52]).
وكذا أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فيما رواه عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: {إن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة وقال له: إن الله يقرئك السلام، ويقول: إنها لزوجتك في الدنيا والآخرة، فراجعها}([53]).
فعائشة وحفصة رضي الله عنهما من أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وأبواهما من أحب الناس إليه عليه السلام، ومن أقربهم إلى قلبه صلى الله عليه وسلم.
ومن له أدنى إلمام بسيرة هؤلاء الصحابة الأخيار يجد نفسه عند قراءة ما بهتهم به الشيعة، يقول: سبحانك هذا بهتان مبين.
---------------
([1]) صحيح البخاري (5/107) كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عائشة.
([2]) صحيح البخاري (5/107) كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عائشة.
([3]) كناية عن أن رأسه عليه السلام كان مسنداً إلى صدرها.
([4]) صحيح البخاري (6/31-36) كتاب المغازي باب ما جاء في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الشيعة يعترف أن ريقه صلى الله عليه وآله وسلم خالط ريقها قبل وفاته، فقد أسند الأشعث في كتابه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما: أن أبا ذر أخبره أن رسول الله قبل أن يموت دعا بالسواك فأرسله إلى عائشة فقال: لتبلينه لي بريقك، ففعلت، ثم أتي به فجعل يستاك به ويقول بذلك: ريقي على ريقك يا حميراء، ثم شخص يحرك شفتيه كالمخاطب، ثم مات (الأشعثيات (ص: 212)) وهذا يدل بمفهومه -لما تقدم من رغبته في أن يكون في بيتها، تشرف عليه وترعاه، ومن إقباله عليها عند موته، ومخالطة ريقه الشريف لريقها- على موته صلى الله عليه وسلم وهو راض عنها.
([5]) صحيح البخاري (5/68) كتاب الفضائل باب فضائل أبي بكر.
([6]) تفسير العياشي (2/269)، وانظر: البرهان للبحراني (2/383)، وبحار الأنوار للمجلسي (7/454).
([7]) انظر: تفسير ابن كثير (2/583-584)، وفتح القدير للشوكاني (3/190)، وروح المعاني للألوسي (14/221-222).
([8]) تفسير العياشي (2/243)، وانظر: البرهان للبحراني (2/345)، وبحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
([9]) بحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
([10]) الصراط المستقيم للبياضي (3/161).
([11]) المصدر نفسه (3/135).
([12]) الخصال للصدوق (1/190).
([13]) الأصول من الكافي للكليني (1/247).
([14]) راجع السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري (ص: 30).
([15]) جامع الترمذي (5/707) كتاب المناقب باب فضل عائشة رضي الله عنها، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
([16]) صحيح البخاري (5/68) كتاب الفضائل باب فضائل أبي بكر.
([17]) أخرجه البخاري (6/340) كتاب الأنبياء باب قول الله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين).
([18]) مسند أحمد (6/138)، وفضائل الصحابة له (2/871)، وطبقات ابن سعد (8/65)، وانظر: السمط الثمين للمحب الطبري (ص: 29).
([19]) تاريخ الطبري (5/225).
([20]) وليس هذا القول بدعاً من القمي، فقد سبقه إليه الكليني -شيخ الاسلام عند الشيعة، ومرجعهم- ونسبه إلى أبي جعفر الباقر، راجع البرهان للبحراني (4/357-358).
([21]) عند القمي فلانة بدل عائشة، وهذا من باب التقية، وقد صرح غيره باسمها فكشف ما حظرت التقية كشفه بزعمهم.
([22]) في الطبعة الحديثة (..).
([23]) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة، وهو من التقية كما أسلفنا.
([24]) في الطبعة الحديثة (..).
([25]) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة.
([26]) تفسير القمي (ط حجرية ص: 341) (ط حديثة 2/377)، وانظر: البرهان للبحراني (4/358)، وتفسير عبد الله شبر (ص: 338)، وقد ساقاها موضحة كما أثبتها في المتن.(12/391)
([27]) تفسير القمي (ط حجرية ص: 290)، (ط حديثة 2/195-196)، ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص: 38)، والشافي للمرتضى (ص: 258)، والطرائف لابن طاوس (ص: 492-493)، والصراط المستقيم للبياضي (3/23، 35)، ومنار الهدى لعلي البحراني (ص: 452)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 36/ب)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/363)، والبرهان للبحراني (3/333- 334)، وإحقاق الحق للتستري (ص: 260-261)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص: 58)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/56)، وسيرة الأئمة الإثني عشر لهاشم الحسيني (1/381)، والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص: 36).
([28]) الطرائف لابن طاوس (ص: 492-493)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 36/ب)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص: 58).
([29]) مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي (ص: 86).
([30]) الاحتجاج الطبرسي (ص: 82).
([31]) راجع: جامع البيان للطبري (28/169-171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255-256).
([32]) كالبياضي في الصراط المستقيم (3/165 -166)، والكاشاني في تفسير الصافي (2/720).
([33]) راجع: جامع البيان للطبري (28/ 169 – 171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255 – 256)، وغيرها من تفاسير أهل السنة فكلها أجمعت على ذلك.
([34]) الاختصاص للمفيد (ص: 119)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/ 167، 170، 4/ 480، 482- 483)، وأحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري (1/227-268 -269).
([35]) نقله عنه ابن تيمية في الصارم المسلول (ص: 571).
([36]) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([37]) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول (ص: 566 – 567).
([38]) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول (ص: 566).
([39]) الصارم المسلول (ص: 568).
([40]) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (ص:101).
([41]) رسالة في الرد على الرافضة لمحمد التميمي (ص: 24-25).
([42]) المصدر نفسه.
([43]) المصدر نفسه.
([44]) نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت للكركي (ق: 74/ب)، وعين الحياة للمجلسي (ص: 599).
([45]) وضع الملقب بالصدوق (الأوثان) موضع الأصنام.
([46]) زاد الملقب بالصدوق: ونعتقد فيهم أنهم أعداء الله وأعداء رسوله.
([47]) الهداية للصدوق (ق:110/أ)، وحق اليقين للمجلسي (ص: 519).
([48]) زاد الكاشاني: (يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما) تفسير الصافي (1/305).
([49]) تفسير العياشي (1/200)، وانظر: تفسير الصافي للكاشاني (1/305)، والبرهان للبحراني (1/320)، وبحار الأنوار للمجلسي (6/504، 8/6).
([50]) حياة القلوب للمجلسي (2/700).
([51]) راجع تفسير القمي ط حجرية (ص 340)، ط حديثة (2/375 – 376)، وانظر: الصراط المستقيم للبياضي (3/168- 169)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/457)، وإحقاق الحق للتستري (ص: 308)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/716-717)، والبرهان للبحراني (1/320، 4/352- 353)، والأنوار النعمانية للجزائري (4/336-337).
([52]) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (المستدرك 4/6)، وانظر: تاريخ الطبري (5/225).
([53]) أخرجه ابن سعد، والبزار، والطبراني في الأوسط والكبير، والحاكم –وصححه-، وابن عساكر في الأربعين -وحسنه-، وذكره ابن عبد البر، والمحب الطبري، وابن حجر وغيرهم. انظر: طبقات ابن سعد (8/84)، والاستيعاب لابن عبد البر (4/269)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (2/50)، والمستدرك للحاكم (4/15)، والأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر (ص: 91)، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري (ص 68)، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/244)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 323)، وغيرها.
-----------
المجلس العاشر/ ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة الإثنا عشرية إلى بعض الصحابة الآخرين
موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة متشابه من حيث نسبتهم جميعاً إلى الارتداد إلا ثلاثة، وذمهم، ولعنهم، والتبرؤ منهم، وإيراد المطاعن المفتراة وتوجيهها إليهم.
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الشيعة من التعرض للصحابة بالذم والشتم.
ولكثرة المطاعن التي وجهها الشيعة إلى الصحابة الآخرين، أردت أن أقتصر على ذكر نماذج من تلك المطاعن يدرك القارئ عند قراءتها منزلة الصحابة رضي الله عنهم عند الشيعة الإثني عشرية، فيدين الشيعة من فيها.
وفيما يلي أورد نماذج من أقوالهم في معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد رضي الله عن الصحابة أجمعين.
أولاً: ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة الإثنا عشرية إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:-
طعنهم في صدق إسلامه، وزعمهم أنه كان كافراً منافقاً وأنه يخلد في النار يوم القيامة:-(12/392)
يدعي الشيعة أن معاوية رضي الله عنه لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبي صلى الله عليه وآله بمدة طويلة([1])، وكان تظاهره بالإسلام قبل موت النبي بخمسة أشهر([2])، ولم يسلم إلا خوفاً من السيف([3])، لذلك لم يكن مسلماً إلا بالاسم([4])، إذ أنه بقي على جاهليته الأولى([5])، ولم يمت حتى علق الصليب في عنقه([6])، -كما زعم الشيعة ذلك كله-.
ويزعمون أيضاً أنه كان شراً من إبليس([7])، وأن زندقته أشهر من كفر إبليس([8])، وأنه كان رأساً من رؤوس الضلالة([9])، إماماً من أئمة الكفر([10])، فرعون هذه الأمة([11])، طليقاً، منافقاً، معانداً لله ولرسوله وللمؤمنين([12])، من أعداء آل محمد، وخاصة علي بن أبي طالب منهم([13]).
ويزعم الشيعة أيضاً أن معاوية رضي الله عنه مات كافراً، لذلك فإنه يخلد في النار يوم القيامة.
واستدلوا على خلوده في النار بما أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، -زوراً وبهتاناً- فزعموا -وكذبوا عليهم متعمدين- أنه قال: {إن الله عز وجل عرض علي في المنام مني القيامة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وما فيها وعذابها، فاطلعت في النار إذا أنا بمعاوية وعمرو بن العاص قائمين في جمر جهنم، يرضخ رؤوسهما الزبانية بحجارة من جمر جهنم، يقولان لهما: هلا آمنتما بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام..}([14]).
وأسند المفيد -كذباً- إلى جعفر الصادق أنه قال: [[معاوية وعمرو بن العاص لا يطمعان في الخلاص من العذاب]]([15]).
ومعاوية رضي الله عنه في معتقد الشيعة يعذب في النار منذ مات، وقد كذبوا على عدد من أئمتهم فنسبوا إليهم -كذباً- أنهم رأوه –أي: معاوية - مغلولاً في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً في واد من أودية جهنم:
فقد كذبوا على أبي جعفر الباقر، وزعموا أنه قال: [[كنت خلف أبي، وهو على بغلته، فنفرت بغلته، فإذا هو شيخ في عنقه سلسلة، ورجل يتبعه فقال: يا علي بن الحسين اسقني؟ فقال الرجل: لا تسقه، لا سقاه الله -وكان الشيخ معاوية -]]([16]).
وزعم الشيعة أن نفس الواقعة حصلت مع أبي عبد الله جعفر الصادق ومع أبيه محمد الباقر([17]).
وذكروا في الرواية التي نسبوها للباقر [[أن معاوية سأله أن يستغفر له، فقال له الباقر ثلاث مرات: لا غفر الله لك]]([18]).
ولأن معاوية رضي الله عنه ممن محض الكفر محضاً -عند الشيعة - فإنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة، ويُنتقم منه أشد الانتقام -على حد زعم الشيعة -([19]).
مناقشة هذه المزاعم:
لا شك أن زعم الشيعة تأخر إسلام معاوية رضي الله عنه، إلى ما قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر لا يصح. بل الثابت أنه أسلم في عام الفتح في السنة الثامنة الهجرية، أي قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاث سنين.
وعلى هذا القول جمهور علماء المغازي والسير([20])، وذكر بعضهم أنه أسلم قبل ذلك([21]).
وقد أسند ابن سعد إلى معاوية رضي الله عنه أنه أخبر عن وقت إسلامه بقوله: [[لقد أسلمت قبل عمرة القضية، ولكني كنت أخاف أن أخرج إلى المدينة؛ لأن أمي كانت تقول لي: إن خرجت قطعنا عنك القوت. ولقد دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته، فرحب بي]]([22]).
وقد ذكر البياضي -وهو من الشيعة- أن معاوية أظهر إسلامه في عام الفتح، فقال: (قد صح من التاريخ أنه أظهر الإسلام سنة ثمان من الهجرة)([23]).
فهذا شاهد منهم ينقل أنه قد صح إظهار معاوية لإسلامه في السنة الثامنة -عام الفتح-، وقوله حجة على من زعم تأخر ذلك.
وأقل أحوال معاوية أن يكون من الطلقاء أو المؤلفة قلوبهم، وكونه منهم لا يقدح به؛ لأن أكثر الطلقاء المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم، (وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس)([24]).
ومعاوية رضي الله عنه ممن حسن إسلامهم، ولذلك استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابة الوحي، وهذا أمر مجمع عليه عند أهل السنة([25]).
وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بقوله: {اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهد به}([26])، وقوله: {اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب}([27]).
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا ربه أن يهدي معاوية ويهدي به، وأن يقيه العذاب، والشيعة مع ذلك يزعمون أن معاوية رضي الله عنه كان كافراً، وأنه يخلد في النار دونما دليل صحيح، وإنما اتباعاً لأهوائهم وما تزينه لهم أنفسهم.
وما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إخباره عن معاوية أنه يخلد في النار، كذب متعمد عليه صلى الله عليه وسلم، ومن كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمداً فليتبوأ مقعده من النار -كما أخبر بذلك- صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث المتواتر.(12/393)
والحق أنه لم تكن ثمة عداوة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين معاوية رضي الله عنه، فمعاوية كان صغيراً حين أسلم، ولم يحضر معركة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحاربه في أي موقعة، لكن الشيعة نقلوا عداوة أمه وأبيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفا عن أمه وأبيه، وهما ممن قد حسن إسلامه، وتابا توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها.
زعم الشيعة وجوب بغض معاوية ولعنه والتبرؤ منه:-
قل أن يخلو كتاب من كتب الشيعة ذكر فيه معاوية رضي الله عنه من لعنه رضي الله عنه والتبرؤ منه([28]).
قال ابن أبي الحديد: (علي إذا برئ من أحد من الناس برئنا منه كائناً من كان، وقد برئ من المغيرة وعمرو بن العاص، ومعاوية)([29]).
وقال المجلسي: (من ضروريات دين الإمامية: البراءة من معاوية)([30]).
وكتب الأدعية عندهم من الشواهد على ذلك، وخاصة ما يقرأ من الأدعية عند زيارة الأئمة، سيما الحسين منهم، فعلى سبيل المثال: ذكر الكفعمي دعاء يقرؤه الشيعة عند زيارتهم الحسين في يوم مقتله -يوم عاشوراء- هو:
[[اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية، وابن آكلة الأكباد([31])، اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك. اللهم العن أبا سفيان ومعاوية، ويزيد بن معاوية، ومروان، وآل مروان...]]([32]).
وحكم لعن معاوية عند الشيعة كحكم لعن باقي الصحابة هو: الوجوب.
ولا شك أن سب معاوية رضي الله عنه، وغيره من الصحابة يعد من الموبقات.
وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه ذكر عنده أن قوماً يشتمون معاوية، فقال: [[ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية]]، ثم قال: [[إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام]]([33]).
وقد نص رضي الله عنه على وجوب تعزير من يسبه واستتابته حتى يرجع بالجلد، وإن لم ينته حبس حتى يموت أو يراجع. وقال: ما أراه على الإسلام، وقال: (واتهمه على الإسلام، وقال: أجبن عن قتله).
وبنحو قوله قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله([34]).
وقال إبراهيم بن ميسرة([35]): (ما رأيت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ضرب إنساناً قط إلا رجلاً شتم معاوية فضربه أسواطاً)([36]).
فشتم معاوية رضي الله عنه، وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم لا يجوز، وهو من الموبقات كما نص على ذلك سلف هذه الأمة رضي الله عنهم، فكيف بمن ينسبه إلى الكفر والزندقة -عياذاً بالله تعالى-، وقد تقدم من أقوال الشيعة في ذلك، وهناك أشد من ذلك أيضاً مما يندى له الجبين، نسأل الله العافية.
أما تمسك الشيعة بما وقع بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وبين معاوية فلا ريب أن خصم معاوية -أعني: أمير المؤمنين- خصم كريم ومن درس سيرته لمس ذلك بوضوح، وهذا ما أكده الحافظ أبو زرعة الرازي رحمه الله لمن ادعى أنه يبغض معاوية:
فقد روى الحافظ ابن عساكر رحمه الله في كتابه تاريخ دمشق، في ترجمة معاوية رضي الله عنه أن رجلاً قال لأبي زرعة الرازي: (إني أبغض معاوية. فقال له أبو زرعة: ولم؟ قال: لأنه قاتل علياً. فقال له أبو زرعة: ويحك!! إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما؟!).
ثانياً: ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه:-
ومنها:
طعنهم في نسبه:-
زعم الشيعة أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ابن زنا([37]).
وذكروا أن أمه كانت من أصحاب الرايات في الجاهلية، وأنه قد وقع عليها خمسة نفر، فأتت بعمرو بن العاص -على حد قول بعضهم-([38]). وفي ذلك يقول محمد جواد مغنية - وهو من الشيعة المعاصرين ـ: النابغة أم عمرو بن العاص كانت بغياً، فوقع عليها أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن الحرب، والعاص بن وائل فأتت بعمرو وادعاه الأربعة فقالت أمه: هو من العاص. ولما قيل لها: لماذا اخترت العاص؟ قالت: كان ينفق علي وعلى أولادي أكثر منهم، وكان عمرو أشبه بأبي سفيان([39]).
ولم ينف الشيعة الآخرون هذه الفرية بل أكدوها إلا أنهم زعموا أنه قد وقع عليها ستة نفر لا خمسة، فولدت عمراً([40]).
قال من سمى نفسه عبد الواحد الأنصاري - وهو من الشيعة المعاصرين - عن عمرو بن العاص: لم يشك أحد من المؤرخين في أنه ولد سفاح، اشترك في إخراجه من أعماق أمه ستة نفر: أبو سفيان، وأمية بن خلف , والعاص بن وائل، وهشام بن المغيرة، وأبو لهب، وخلف الجمحي، وادعاه كلهم فحكموا أمه فحكمت فيه للعاص بن وائل وكان ينفق عليها كثيراً، وهيهات أن ينجب ابن الزنا. وقد ورث هذا المجرم -يقصد عمرو بن العاص - من آبائه الستة أخس الصفات وأرذل السمات؛ فقد ورث من أبي سفيان الغدر والتهتك، ومن أبي لهب الكفر والإلحاد، ومن العاص العداوة لله ولرسوله، ومن شابه أباه فما ظلم([41]).(12/394)
وهذه الافتراءات من الشيعة ليس لهم على إثباتها دليل وهي مجرد إفك محض، وفرية بينة حملهم عليها حقد عظيم على الصحابة عموماً، وعلى سادتهم وكبارهم خصوصاً، وقد لحق عمرو من حقدهم وبغضهم ما لحق غيره من كبار الصحابة، وهو قد مات وانقطع عمله، ولكن الله لم يشأ أن يقطع عنه الثواب.
وهذه التهمة التي يوردها الشيعة جزافاً، يحاولون إلصاقها بأكثر الصحابة، بل قل ما ذكروا صحابياً إلا وحاولوا وصمه بهذه الفرية([42]). وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
نماذج من أقوال الشيعة في عمرو بن العاص:-
أطلق الشيعة الإثنا عشرية سيما المعاصرون منهم مجموعة من الألقاب على عمرو بن العاص رضي الله عنه تحمل في طياتها حقداً يعتمل في صدورهم، وسُمَّاً ينفثونه على هذا الصحابي الجليل.
ومن الأقوال الخبيثة التي أطلقوها عليه على سبيل الاتهام له: (العاصي ابن العاصي)([43])، (ابن العاهرة)([44])، (الماكر)([45])، (الخبيث)([46])، (المنافق)([47])، (ممن اشتهر نفاقهم، وظهر شكهم في الدين وارتيابهم)([48])، (المجرم)([49])، (من شر الأولين والآخرين)([50])، (يرفض الآخرة ويطلب الدنيا)([51])، (من الذين عادوا النبي وآذوه وكادوا له وكذبوه)([52]). إلى آخر ما أوردوه في ذلك من أقوال كثيرة مكذوبة.
والقارئ المنصف المتجرد يلاحظ أن هذه الأقوال مجردة عن الدليل، فالشيعة لم ينسبوها لأحد، حتى ولا لأئمتهم، كما جرت العادة عندهم في نسبة الأقوال المكذوبة إليهم، ويرجع السبب في ذلك إلى صدور هذه الأقوال عن أناس معاصرين لم يجدوا في الكتب السابقة أقوالاً مكذوبة منسوبة إلى الأئمة تطعن في بعض الصحابة، فاقتضت الضرورة أن يدلوا بدلوهم مقلدين سلفهم ومن سبقهم من علمائهم الوضاعين، فيخترعوا ما يرونه مناسباً من قصص ملفقة أو تهم مزورة، ثم يطلقونها جزافاً على الصحابة بمجموعهم أو بأعيانهم، كما حدث في اتهام الصحابة بأنهم أبناء زنا، وفي غير ذلك من الاتهامات.
وهذا يرشد القارئ اللبيب إلى أن أمثال هذه المطاعن قد صدرت عن هوى وأغراض شخصية، ومن هنا احترز أئمة الجرح التعديل في الرواية عن المبتدعة، سيما إذا رووا ما يقوي بدعتهم.
والشيعة -وخاصة المعاصرون منهم- والذين طعنوا في عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إنما وجهوا هذه المطاعن إلى من فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه عندما أسلم، وأخبر بصدق إسلامه، وأثنى عليه بعد ذلك ووصفه بالصلاح:
فقد روى الترمذي وأحمد وغيرهما بأسانيدهم عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص}([53]).
وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن عمراً -رضي الله تعالى عنه- لما جاء مسلماً جاء مصدقاً بقلبه ولسانه، راغباً في العمل الصالح، طامعاً في المغفرة من ربه.
وقد طلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه ذات يوم فلما جاءه قال له: {يا عمرو! إني أريد أن أبعثك وجهاً فيسلمك الله ويغنمك، أرغب لك من المال رغبة صالحة. قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني لم أسلم رغبة في المال وإنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك. قال: يا عمرو! نعماً بالمال الصالح للمرء الصالح}([54]).
وهذا الحديث يدل على إيثار عمرو لما عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين أنه -رضي الله عنه- لم يسلم رغبة في حطام الدنيا الفانية وإنما رغبة في الثواب والأجر من الله، وطمعاً في مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يرد على من زعم من الشيعة أن عمراً كان طالباً للدنيا رافضاً للآخرة.
ولقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته فقال فيه: {إن عمرو بن العاص من صالح قريش}([55]).
وفيه وفي ابنه عبد الله وفي أم ولده عبد الله قال صلى الله عليه وسلم: {نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله}([56]).
فرحم الله الصحابي الجليل عمرو بن العاص ورضي عنه، وعامل بعدله شانئيه ومبغضيه.
ثالثاً: الشيعة يقولون عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: إنه سيف الشيطان المشلول:-
ينكر الشيعة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصف خالداً -رضي الله عنه- بأنه سيف من سيوف الله، ويزعمون أن هذه التسمية أتته من قبل أهل السنة، ويقولون: لو أن أهل السنة أنصفوا لسموه سيف الشيطان المشلول:
فهذا مقاتل بن عطية، وهو من علمائهم يقول عن خالد: (إنه سيف الشيطان المشلول) ويزعم أن أهل السنة لقلة إنصافهم سموه بسيف الله المسلول، ثم يذكر سبب تسميتهم له بذلك فيقول: (حيث إنه كان عدواً لعلي بن أبي طالب... سماه بعض السنة بسيف الله)([57]).
وبنحو قول مقاتل هذا قال الحلي([58]). -وهو من علماء الشيعة أيضاً-.
ويرد عليهما بما يلي:
إن تسمية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بسيف الله لم تأت من قبل أهل السنة، وأول من سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.(12/395)
وكان بدء تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة([59]). فقد روى البخاري وغيره بأسانيدهم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: {إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً، وجعفراً، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب –وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان-. حتى أخذ سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم} وفي رواية: - {حتى أخذها سيف من سيوف الله؛ خالد..}([60]).
ولقد كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاق هذه التسمية على خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في غير ما موضع، فمن ذلك: قوله -عليه السلام-: {نعم عبد الله، وأخو العشيرة خالد بن الوليد، وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين}([61]). ولما بلغه -صلوات ربي وسلامه عليه- أن أحد الصحابة تكلم في خالد، قال صلى الله عليه وسلم: {لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار}([62]).
وهذا الحديث حجة على الشيعة الذين يطعنون على خالد، ويسبونه، ويؤذونه بشتى أنواع الأذى.
فأهل السنة لم يسموا خالداً بسيف الله ابتداءً، بل أول من سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم أطلق أهل السنة هذا اللقب على سيف الله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك مطاعن أخرى كثيرة مكذوبة نسجها الشيعة على منوال هذه المطاعن، ووجهوها إلى عدد كبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخيار، لكن التزامي الإيجاز في هذا الكتاب حال دون إيراد تلك المطاعن.
-----------------
([1]) منهاج الكرامة للحلي (ص: 116).
([2]) منهاج الكرامة للحلي (ص: 114)، وإحقاق الحق للتستري (ص: 266)، وعقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني (3/61).
([3]) نفحات اللاهوت للكركي (ق: 14/ب-15/أ، 26/ب).
([4]) في ظلال التشيع لمحمد علي الحسني (ص: 286).
([5]) مقدمة مرآة العقول لمرتضى العسكري (1/38).
([6]) الصراط المستقيم للبياضي (3/50).
([7]) منهاج الكرامة للحلي ص: (116).
([8]) تنقيح المقال للمامقاني (3/222).
([9]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (20/15).
([10]) الشافي للمرتضى (ص: 287)، وتلخيص الشافي للطوسي (ص: 462).
([11]) الإيضاح للفضل بين شاذان (ص: 43)، والخصال للصدوق (2/457-460)، والملاحم لابن طاوس (ص: 90)، وسعد السعود له (ص: 133)، والصراط المستقيم للبياضي (3/50)، والكشكول لحيدر الآملي (ص: 200)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/740)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص: 263، 341)، وأصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء (ص: 45-47).
([12]) المصباح للكفعمي (ص: 552)، والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص: 39)، وأبو طالب مؤمن قريش للخنيزي (ص: 51).
([13]) الجمل للمفيد (ص: 49)، ومنهاج الكرامة للحلي (ص: 116)، والكشكول للآملي (160)، والشيعة في الميزان لمغنية (ص: 255).
([14]) نقله البحراني في البرهان (4/477-478).
([15]) الاختصاص للمفيد (ص: 344).
([16]) بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص: 304-307)، والاختصاص للمفيد (ص: 275-277)، وانظر: الخرايج والجرايح للراوندي (ق: 134)، ومختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 111)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/491، 740)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 203-204)، وحق اليقين لشبر (2/89).
([17]) المصادر الشيعية السابقة نفسها.
([18]) نفس المصادر.
([19]) مختصر بصائر الدرجات للحلي (ص: 29)، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي (ص: 363 -364).
([20]) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/395)، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (4/428-429، 436-439)، والبداية والنهاية لابن كثير (8/ 118)، والإصابة لابن حجر العسقلاني (3/433)، وتطهير الجنان لابن حجر الهيتمي (ص: 8-11).
([21]) المصادر السابقة نفسها.
([22]) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (8/118)، والحافظ ابن حجر في الإصابة (3/433).
([23]) الصراط المستقيم للبياضي (3/46).
([24]) منهاج السنة النبوية (4/384).
([25]) راجع في ذلك: تاريخ الطبري (6/179)، وتاريخ الخليفة (1/77)، والوزراء والكتاب للجهشياري (ص: 12)، وتجارب الأمم لابن مسكوية (1/291)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (4/385)، والبداية والنهاية لابن كثير (5/350)، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأعظمي (ص: 103-105).
([26]) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. جامع الترمذي (5/687) كتاب المناقب، باب مناقب معاوية.
([27]) روى الحديث بأسانيد متعددة يعضّد بعضها البعض وتصل بالحديث إلى درجة الحسن لغيره-كما ذكر ذلك محقق كتاب فضائل الصحابة-. (انظر: فضائل الصحابة لأحمد (2/913-915)، ومسند أحمد (4/127)، وتاريخ الفسوي (2/345)، والاستيعاب لابن عبد البر (3/401).(12/396)
([28]) انظر مثلا: الاختصاص للمفيد (ص: 131)، والمصباح للكفعمي (ص: 484 – 485)، وكشف الغمة للإربلي (1/563)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق: 26 /ب)، والرجعة للأحسائي (ص: 195).
([29]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (20/35).
([30]) الاعتقادات للمجلسي (ق: 17).
([31]) مراده من آكلة الأكباد: هند بنت عتبة، أم معاوية؛ لأنها لاكت كبد حمزة يوم أحد..
([32]) المصباح للكفعمي (ص: 484).
([33]) الصارم المسلول لابن تيمية (ص: 568).
([34]) الصارم المسلول لابن تيمية (ص: 568).
([35]) الطائفي نزيل مكة. روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحواً من ستين حديثاً أو أكثر. قال فيه سفيان الثوري: -لم تر عيناك والله مثله- (كان من أوثق الناس وأصدقهم)، وقد أجمع العلماء على ثقته وعدله وضبطه. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/133)، وتقريب التهذيب لابن حجر (1/172)).
([36]) الاستيعاب لابن عبد البر (3/403)، والصارم المسلول لابن تيمية (ص: 569).
([37]) الإيضاح للفضل بن شاذان (ص: 43).
([38]) الشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص: 53)، وانظر: عقائد الإمامية للزنجاني (3/66).
([39]) الشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص: 53).
([40]) الدرجات الرفيعة للشيرازي (ص: 160).
([41]) أضواء على خطوط محب الدين للأنصاري (ص: 81).
([42]) من أراد الاطلاع على ذلك فليراجع كتابي: موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم.
([43]) أطلق عليه هذا اللقب: محمد جواد مغنية، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: الشيعة والحاكمون (ص: 39).
([44]) وصفه بهذه الصفة محمد علي الحسني، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: في ظلال التشيع (ص: 188).
([45]) سماه بهذا الاسم محمد علي الحسني، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه في ظلال التشيع (ص: 212).
([46]) سماه بهذا الاسم إبراهيم الموسوي الزنجاني، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: عقائد الإمامية الإثني عشرية (3/111).
([47]) وصفه بهذه الصفة الكفعمي في كتابه المصباح (ص: 552).
([48]) قال ذلك المرتضى في كتابه: الشافي في الإمامة (ص: 240).
([49]) أطلق عليه ذلك من سمى نفسه بالأنصاري، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: أضواء على خطوط محب الدين العريضة (ص: 112).
([50]) وصفه بهذا الوصف الملقب بالصدوق في كتابه: الخصال (2/457).
([51]) وصفه بهذه الصفة محمد علي الحسني، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: في ظلال التشيع (ص: 132).
([52]) اتهمه بذلك محمد جواد مغنية، وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه: الشيعة والحاكمون (ص: 53).
([53]) قال محقق فضائل الصحابة إسناده صحيح. انظر: جامع الترمذي، (5/687) مناقب الصحابة باب: ومن مناقب عمرو بن العاص، وفضائل الصحابة لأحمد (2/912)، وأسد الغابة لابن الأثير (4/117).
([54]) أخرجه أحمد في المسند (4/202)، وفي الفضائل (2/912) - وقال محققه: إسناده صحيح، والحاكم في المستدرك (2/2) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
([55]) أخرجه الترمذي في جامعه (5/688) كتاب المناقب، باب ومن مناقب عمرو، وأحمد في المسند (1/161)، وفي فضائل الصحابة (2/911، 912، 913)، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي (9/354).
([56]) أخرجه الترمذي في جامعه (5/688) كتاب المناقب باب: ومن مناقب عمرو، وأحمد في المسند (1/161)، وفي فضائل الصحابة (2/911، 912، 913)، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي (9/354).
([57]) مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص: 60).
([58]) منهاج الكرامة للحلي (ص: 115).
([59]) مؤتة قرية بأرض الشام، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها بعثاً سنة ثمان من الهجرة -مغازي عروة بن الزبير (ص: 204)، ومراصد الاطلاع للبغدادي (3/1330)-.
([60]) صحيح البخاري (5/103) كتاب فضائل الصحابة باب مناقب خالد بن الوليد و(5/294) كتاب المغازي - باب غزوة مؤتة، ومسند أحمد (3/113، 117- 118)، (5/299،300-301)، والحديث مروي أيضاً عن أبي قتادة الأنصاري وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. -انظر: مسند أحمد (ط الحلبي- 5/299 و300-301) -و (ط المعارف - 3/192-194)، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير (4/251-252)، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/349).(12/397)
([61]) الحديث مروي عن أبي بكر الصديق وأبي عبيدة بن الجراح وأبي هريرة رضي الله عنهم. فحديث أبي بكر أخرجه أحمد في المسند (1/8)، وفي فضائل الصحابة (2/ 815 -816) وقال المحقق: إسناده حسن، والطبراني في المعجم الكبير (4/120)، وابن سعد في الطبقات (7/418)، والحاكم في المستدرك (3/298)، وانظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/408)، والإصابة لابن حجر (1/474)، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/348)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 433)، وحديث أبي عبيدة أخرجه أحمد في مسنده (4/90) بإسناد قال عنه الشوكاني: رجاله رجال الصحيح، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي (9/348)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 433 – 434)، وحديث أبي هريرة أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب (5/687) كتاب المناقب باب من مناقب خالد.
([62]) فضائل الصحابة لأحمد (2/815، 817، وطبقات ابن سعد (7/395)، والمعجم الكبير للطبراني (4/121)، والمستدرك للحاكم (3/298)، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي (9/349)، ودر السحابة للشوكاني (ص: 434).
-------------
وخلاصة ما تقدم
أن الشيعة الإثني عشرية سلفهم وخلفهم على عقيدة واحدة في الصحابة -رضي الله عنهم- من حيث القول بكفرهم، وارتدادهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حيث توجيه المطاعن المفتراة إلى ساداتهم وخيارهم:
فقد قالوا بكفر الشيخين: أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وكفر عثمان، وكفر بقية العشرة المبشرين بالجنة -عدا علي -.
ولم يكتفوا بهذا، بل نسبوا الصديقة بنت الصديق عائشة إلى الفاحشة، وأنكروا أن تكون آيات البراءة قد نزلت في شأنها.
واتهموا بقية الصحابة، وطعنوا في صدق إيمانهم، واستطالوا على أعراضهم، وزعموا أن بعضهم من أبناء الزنا، ومن يطالع كتبهم، ويطلع على ما كتبوه في ذلك يجد العجب العجاب.
ولا ريب أن أئمة أهل البيت الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة الإثنا عشرية من أكاذيب وترهات زعموا أنها صدرت منهم في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يحبون الصحابة ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي أنزلهم الله تعالى إياها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وينبغي على الشيعة علمائهم وعوامهم -إن كانوا يحبون أهل البيت- أن يحبوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان يحبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحبهم أهل بيته الطيبون الطاهرون -رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين-، فإنما تعلم المحبة بالاتباع.
قال الشاعر:
لو كان حبُك صادقاً لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع
وفي الختام: أنقل إلى كل شيعي غرر به، وهو في باطنه محب لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم نصيحة صادقة خاطب الإمام الشوكاني -رحمه الله- من خلالها العقول، بعد ما نقل إجماع أهل البيت من اثني عشر طريقاً على تحريم سب الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، وتحريم التكفير والتفسيق لأحد منهم، يقول فيها -رحمه الله-: (فيا من أفسد دينه بذم خير القرون، وفعل بنفسه ما لا يفعله المجنون! إن قلت: اقتديت في سبهم بالكتاب العزيز. كذبت في هذه الدعوى؛ من كان له في معرفة القرآن أدنى تبريز، إنه مصرح بأن الله -جل جلاله- قد رضي عنهم، ومشحون بمناقبهم، ومحاسن أفعالهم، ومرشد إلى الدعاء لهم، وإن قلت: اقتديت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهرة قام في وجه دعواك الباطلة ما في كتب السنة الصحيحة من مؤلفات أهل البيت وغيرهم من النصوص المصرحة بالنهي عن سبهم، وعن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنهم خير القرون، وأنهم من أهل الجنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راضٍ عنهم، وما في طي تلك الدفاتر الحديثية من ذكر مناقبهم الجمة كجهادهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيعهم نفوسهم وأموالهم من الله، ومفارقتهم الأهل والأوطان، والأحباب والأخدان طلباً للدين وفراراً من مساكنة الجاحدين، وكم يعد العاد من هذه المناقب التي لا تتسع لها إلا مجلدات، ومن نظر في كتب السير والحديث عرف من ذلك ما لا يحيط به الحصر، وإن قلت أيها الساب لخير هذه الأمة من الأصحاب: إنك اقتديت بأئمة أهل البيت في هذه القضية الفظيعة، فقد حكينا لك في هذه الرسالة إجماعهم على خلاف ما أنت عليه من تلك الطرق..)([1]). إلى آخر ما قال رحمه الله في ذلك المصنف القيم.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك عل سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والحمد لله رب العالمين.
(27-ذو القعدة-1410هـ).
----------
([1]) إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي (ق: 4/ب).
-----------
ثبت المصادر
ثبت المصادر السنية:-
- الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين: لابن عساكر الشافعي. دار الفكر، دمشق، سوريا، ط1، 1406هـ- 1986م.(12/398)
- إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم: للشوكاني. مخطوط يوجد في جامعة الملك سعود، في الرياض.
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لابن عبد البر. ط مطبعة دار الفكر، بيروت، لبنان.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير الجزري. مطبعة الشعب بالقاهرة، مصر.
- الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط دار الفكر، بيروت، لبنان.
- أنساب الأشراف: للبلاذري؛ أحمد بن يحيى بن جابر. نشر مكتبة المثنى، بغداد، العراق.
- البداية والنهاية: لابن كثير الدمشقي. تصوير مكتبة المعارف، بيروت، 1977م.
- بغية المرتاد: لابن تيمية. تحقيق: د/ موسى الدويش. نشر مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1408هـ- 1988م.
- تاريخ خليفة بن خياط. ط دار القلم، دمشق، 1397هـ- 1977م، تحقيق: د/ أكرم ضياء العمري.
- تاريخ الطبري. نشر دار المعارف بمصر. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.
- تاريخ دمشق: لابن عساكر. مخطوط مصور في الجامعة الإسلامية يحمل الرقم (1343).
- تاريخ الفسوي: محمد بن يعقوب الفسوي.
- تاريخ المدينة المنورة: لابن شبه. ط دار الأصفهاني للطباعة، جدة، السعودية، ط2، 1393م. تحقيق: فهيم شلتوت.
- التاريخ: ليحيى بن معين. طبع مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1399هـ- 1979م.
- تذكرة الحفاظ: للذهبي، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان: لابن حجر الهيتمي. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1405هـ- 1985م.
- تفسير القرآن العظيم: لابن كثير. دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1380هـ- 1969.
- تقريب التهذيب: لابن حجر العسقلاني. ط دار الرشيد، حلب، سوريا، ط1، 1406هـ. قدم له وقابله بالأصل: محمد عوامة.
- تلخيص المستدرك للذهبي (بهامش كتاب المستدرك للحاكم) نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا.
- تهذيب التهذيب: لابن حجر العسقلاني. تصوير دار صادر بيروت عن ط1 بمطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد الدكن، 1327هـ.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للمزي. نسخة مصورة عن النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية. تصوير: دار المأمون للتراث، دمشق- بيروت، ط1، 1402هـ- 1982م.
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: للطبري. مطبعة البابي الحلبي، مصر، ط3، 1388هـ- 1968م.
- جامع الترمذي. ط مطبعة البابي الحلبي بمصر، ط2، 1977م. تحقيق: أحمد محمد شاكر.
- الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم. تصوير دار الفكر، بيروت. عن ط1 بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، 1361هـ- 1924م.
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم الأصبهاني. تصوير دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1387هـ- 1967م.
- الخطوط العريضة: لمحب الدين الخطيب. ط القاهرة- مصر.
- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: للشوكاني. ط دار الفكر، دمشق، ط1، 1404هـ- 1984م.
- ديوان الضعفاء: للذهبي. نشر مكتبة النهضة الحديثة. ط2، 1409هـ. تحقيق: الشيخ حماد الأنصاري.
- الذرية الطاهرة النبوية: للدولابي. ط الدار السلفية، الكويت، ط1، 1407هـ- 1986م. تحقيق: سعد المبارك الحسن.
- ذيل ديوان الضعفاء: للذهبي. نشر مكتبة النهضة الحديثة. ط1، 1406هـ. تحقيق: الشيخ حماد الأنصاري.
- رسالة في الرد على الرافضة: للشيخ محمد بن سليمان التميمي. ط مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط2، 1400هـ. تحقيق: ناصر بن سعد الرشيد.
- الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق. مخطوط مصور عن المكتبة البلدية بالإسكندرية.
- الرياض النضرة في مناقب العشرة: للمحب الطبري. ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ- 1984م.
- سراب في إيران: للدكتور أحمد الأفغاني.
- سلسلة الأحاديث الصحيحة: للألباني. ط المكتب الإسلامي، ومكتبة المعارف.
- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين: للمحب الطبري. مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1402هـ- 1983م.
- سنن أبي داود. الناشر: حمص، سوريا. ط1، 1388هـ- 1969م. تحقيق: عزت عبيد الدعاس.
- سنن ابن ماجة: ط عيسى البابي الحلبي، القاهرة. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
- سنن النسائي: نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا. مصورة عن الطبعة الأولى المصرية سنة 1348هـ- 1930م. طبعة أولى مفهرسة.
- السيرة النبوية لابن كثير ط دار الفكر، بيروت، لبنان. ط2 1398هـ- 1978م. تحقيق: مصطفى عبد الواحد.
- السيرة النبوية لابن هشام: ط مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2، 1375هـ. تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الإبياري، وعبد الحفيظ شلبي.
- شرح الكوكب المنير: للحنبلي. تحقيق: د محمد الزحيلي، و د نزيه حماد، دار الفكر، دمشق- سوريا.
- الشفا بتعريف حقوق المصطفى: للقاضي عياض. ط دار الفكر، بيروت- لبنان.
- الصارم المسلول على شاتم الرسول: لابن تيمية. ط عالم الكتب، بيروت، 1402هـ- 1982م. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.(12/399)
- الصحاح: للجوهري. ط2، 1402هـ- 1982م. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار.
- صحيح البخاري: تصوير عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط2، 1402هـ- 1982. مصورة عن الطبعة المصرية المنيرية.
- صحيح الجامع الصغير: للألباني. ط المكتب الإسلامي، ط2، 1406هـ- 1986م.
- صحيح مسلم. ط دار إحياء التراث العربي. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: لابن حجر الهيتمي. ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1405هـ- 1985م.
- الضعفاء: للعقيلي. ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1404هـ- 1984م. تحقيق: عبد المعطي القلعجي.
- ضعف الجامع الصغير: للألباني. ط المكتب الإسلامي. ط3، 1406هـ- 1986م.
- طبقات خليفة بن خياط. ط مطبعة العاني، بغداد، العراق، ط1، 1387هـ- 1967م. تحقيق: د/ أكرم ضياء العمري.
- طبقات ابن سعد: ط دار صادر، بيروت، لبنان، 1376هـ- 1957م. نشر دار بيروت.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني. ط المكتبة السلفية. تصحيح وتعليق: الشيخ عبد العزيز بن باز.
- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: لأحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي. ط1، مصر، 1371م.
- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: للشوكاني. تصوير بيروت. نشر محفوظ العلي.
- فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل. ط مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ- 1983م. تحقيق: وصي الله بن محمد عباس.
- القاموس المحيط: للفيروز آبادي. منشورات عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- الكامل في التاريخ: لابن الأثير. ط دار صادر، بيروت، لبنان، 1385هـ- 1965م.
- كتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم: د/ محمد مصطفى الأعظمي. ط شركة الطباعة السعودية، الرياض، ط3، 1401هـ- 1981م.
- كشف الأستار عن زوائد البزار: للهيثمي. تصوير مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي.
- الكفاية في علم الرواية: للخطيب البغدادي. ط القاهرة، مصر.
- لسان العرب: لابن منظور الإفريقي. ط دار صادر، بيروت، لبنان، 1388هـ.
- لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني. تصوير مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان.
- لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة: للزبيدي. نشر دار الباز، مكة المكرمة.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي. نشر دار الكتاب، بيروت، لبنان. مصورة عن ط2= 1967م.
- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي.
- المحكم والمحيط الأعظم: لابن سيده. نشر مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر، ط1، 1377هـ- 1958م. تحقيق: السقا، وحسين نصار.
- مرآة الجنان وعبر اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: لليافعي. تصوير مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت، عن ط2، 1390هـ- 1970م.
- مراصد الإطلاع: لصفي الدين البغدادي. طبعة عيسى البابي الحلبي، 1373هـ- 1954م.
- المستدرك على الصحيحين: للحاكم النيسابوري. نشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل: ط الحلبي، القاهرة، 1313هـ. نشر دار صادر، بيروت، لبنان.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل. ط المعارف، القاهرة، 1365- 1374هـ/ 1946- 1955م. تحقيق: الأستاذ أحمد شاكر.
- المعجم الكبير: للطبراني. ط وزارة الأوقاف العراقية بالدار العربية للطباعة ببغداد. ط1، 1399هـ- 1979م. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي.
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف: رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين. ونشره د. أ. ي. ونستك. ط 1936م، مكتبة بريل في مدينة ليدن.
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وضعه محمد فؤاد عبد الباقي. نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
- المعجم الوسيط لمجموعة من الأساتذة. طبع مطابع دار المعارف بالقاهرة، 1392هـ- 1972م.
- المعرفة والتاريخ: ليعقوب بن سفيان الفسوي. مطبعة الإرشاد، بغداد، العراق، 1394هـ. تحقيق: د/ أكرم ضياء العمري.
- مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعروة بن الزبير. برواية الأسود عنه. نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض. تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي.
- منال الطالب: لابن الأثير الجزري. من مطبوعات جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
- المنتقى من منهاج الاعتدال: للذهبي. ط المطبعة السلفية، القاهرة. تحقيق: الشيخ محب الدين الخطيب.
- منهاج السنة النبوية: لابن تيمية. ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1406هـ- 1986م. تحقيق د/ محمد رشاد سالم.
- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: للهيثمي. تحقيق: عبد الرزاق حمزة. ط دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان.
- الموطأ: للإمام مالك. ط عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1370هـ- 1951م. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
- ميزان الاعتدال: للذهبي. تصوير دار المعرفة، بيروت، لبنان، عن ط1، 1382هـ- 1963م.(12/400)
- النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب: لمحمد بن عبد الواحد المقدسي. مخطوط يوجد في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري، ويحمل الرقم 540.
ثبت المصادر الشيعية:-
- أبو طالب مؤمن قريش: لعبد الله الشيخ علي الخنيزي. من منشورات المكتب العالمي للتأليف والترجمة، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ط1، 1381هـ- 1961م. قدّم له النصراني: بولس سلامة.
- أحاديث أم المؤمنين: لمرتضى العسكري. دار الزهراء للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ- 1985م.
- الاحتجاج: لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. مطبعة سعيد، مشهد، إيران، نشر المرتضى، 1403هـ. تعليقات محمد باقر الموسوي. قدم له: محمد بحر العلوم.
- إحقاق الحق: لنور الله التستري. المطبعة المرتضوية في النجف، العراق، 1273هـ. طبعة حجرية، منسوخة بخط أبي القاسم الخوانساري.
- الأخبار الطوال: للدينوري.
- الاختصاص: للمفيد؛ محمد بن محمد بن النعمان. من منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1402هـ- 1982م. صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري.
- اختيار معرفة الرجال: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. دانشكا، مشهد، إيران.
- الإرشاد: للمفيد. انتشارات كتاب فروشي إسلامية. طهران، إيران، 1351هـ.
- الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار: لمحمد بن الحسن الطوسي. نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران، 1390هـ. مطبعة النجف في النجف 1375هـ. يقع في أربعة مجلدات. حققه وعلق عليه: حسن الموسوي الخراساني.
- الاستغاثة في بدع الثلاثة: لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي. خال من تاريخ الطبع، ومكانه.
- الأشعثيات: لأبي علي محمد بن محمد الأشعث الكوفي. إصدار مكتبة نينوى الحديثة، طهران، إيران.
- أصل الشيعة وأصولها: لمحمد حسين كاشف الغطاء. المطبعة العربية بالقاهرة، ط10، 1377هـ- 1958م. قدم له: مرتضى العسكري.
- الأصول من الكافي: للكليني. المطبعة الإسلامية، ط طهران – إيران، 1388هـ.
- أضواء على خطوط محب الدين العريضة: لعبد الواحد الأنصاري. خال من مكان الطبع، وتاريخه.
- الاعتقادات: لمحمد باقر المجلسي. مخطوط، يوجد في مكتبة رضا لايبراري، رامبور، الهند، يحمل الرقم 1915.
- إعلام الورى بأعلام الهدى: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1399هـ- 1979م. صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري.
- الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد: لمحمد بن الحسن الطوسي. مطبعة الآداب في النجف، العراق، 1399هـ- 1979م.
- إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الرجعة: لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، الملقّب بالصدوق. المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط1، 1389هـ- 1970م. قدّم له السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخراساني.
- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: لعلي اليزدي الحائري. مؤسسة مطبوعاتي حق بين، قم، إيران. من منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط4، 1397هـ- 1977م.
- الأمالي لابن بابويه القمي: المعروف بالصدوق. انتشارات كتاب خانه إسلامية، طهران، إيران، 1362هـ.
- الأمالي: لمحمد بن الحسن الطوسي. مطبعة النعمان، النجف، العراق، 1384هـ- 1964م.
- الأمالي: للمفيد. منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، إيران، المطبعة الإسلامية، 1403هـ. تحقيق: الحسين أستاد ولي، وعلي أكبر الغفاري.
- أمل الآمل في تراجم جبل عامل: لمحمد بن الحسن الحر العاملي، مطبعة نمونة، قم، إيران. نشر دار الكتاب الإسلامي، قم، إيران.
- الانتفاضات الشيعية: لهاشم معروف الحسيني.
- الأنوار النعمانية: لنعمة الله الموسوي الجزائري. مطبعة شركة جاب، تبريز، إيران.
- أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: للمفيد. مكتبة الداوري، قم، إيران، ط2، 1371هـ.
- الإيضاح: للفضل بن شاذان الأزدي. منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، ط1، 1402هـ- 1982م.
- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: للحر العاملي. انتشارات نويد، إيران، 1362هـ. صححه هاشم الرسولي المحلاتي.
- بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار: لمحمد باقر المجلسي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1403هـ- 1983م. وقد طبع على نفقة: دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران.
- البرهان في تفسير القرآن: لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني. المطبعة العلمية، قم، إيران، ط2 وط3، 1393هـ. يقع في أربع مجلدات.
- بصائر الدرجات الكبرى: لمحمد بن الحسن الصفار. طبع في مطبعة الأحمدي، طهران. من منشورات الأعلمي، طهران، 1342 ش – 1404ق.
- بيان غيبة حضرت إمام موعود: لمحمد علي كرئلائي – مخطوط – من مكتبة رضا – الهند -.
- تاريخ اليعقوبي: لأحمد بن أبي يعقوب. دار صادر، بيروت، لبنان.
- تجريد الاعتقاد: لنصير الدين الطوسي. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ- 1979م.
- تحفة العوام مقبول: لمنظور بن حسين. مطبوعة حيدري بريس، لاهور، باكستان.(12/401)
- تفسير الصافي: لمحسن الفيض الكاشاني. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ- 1979م.
- تفسير العياشي: لمحمد بن مسعود بن عياش. المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، إيران. صححه وعلق عليه: هاشم الرسولي المحلاتي.
- تفسير فرات الكوفي: لفرات بن إبراهيم الكوفي. المطبعة الحيدرية، النجف، العراق. من منشورات مكتبة الداوري، قم، إيران.
- تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي. مطبعة النجف، العراق. منشورات مكتبة الهدى. صححه وعلق عليه وقدم له: السيد طيب الموسوي الجزائري. يقع في مجلدين. وهذه التي أشرت إليها بـ (الطبعة الحديثة).
- تفسير القمي. ط حجرية بخط اليد، طهران، إيران، 1313هـ.
- تلخيص الشافي: لمحمد بن الحسن الطوسي. طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد. نسخها مير أبو القاسم بن مير محمد صادق الخوانساري. فرغ من نسخها في شهر رجب، سنة 1301هـ. طهران، إيران.
- تنقيح المقال في علم الرجال: لعبد الله المامقاني. طبعة حجرية منسوخة بخط اليد. يقع في ثلاث مجلدات.
- جامع الأخبار: لمحمد بن محمد الشعيري. مطبعة أمير قم، ومنشورات الرضى، قم، إيران، ط2، 1363هـ.
- جلاء العيون: لمحمد باقر المجلسي –باللغة الفارسية-.
- الجمل = النصرة في حرب البصرة: للمفيد. منشورات مكتبة الداوري، قم، إيران، ط3.
- حق اليقين في معرفة أصول الدين: لعبد الله شبر. دار الكتاب الإسلامي. لبنان. ط1 1404هـ- 1983م. مجلدان.
- حق اليقين: لمحمد باقر المجلسي. انتشارات علمية إسلامية، بازار شيرازي، جنب نوروز خان، إيران.
- الحكومة الإسلامية: للخميني. منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى. إيران.
- حياة القلوب: للمجلسي.
- الخرايج والجرايح: للقطب الراوندي. مكتوبة على الحجر.
- الخصال: للصدوق. الناشر: مكتبة الصدوق، طهران، جنب مسجد سلطاني، إيران. 1389هـ. ق- 1348هـ. ش.
- دائرة المعارف الشيعية: لمحمد حسن الأعلمي. من مطبوعات إيران.
- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: لصدر الدين علي خان الشيرازي الحسيني. منشورات مكتبة بصيرتي، قم، 1397هـ. قدّم له: محمد صادق بحر العلوم.
- دلائل الإمامة: لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري. منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف- العراق. 1383هـ- 1963م.
- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: لآغا بزرك الطهراني. دار الأضواء، بيروت، لبنان، ط3، 1403هـ- 1983م. يقع في ثمانية وعشرين مجلداً.
- رجال الحلي: لابن المطهر الحلي. طبع مطبعة الخيّام، قم- إيران، الناشر: مكتبة الرضى، قم، إيران، والمطبعة الحيدرية في النجف، العراق، ط2، 1381هـ- 1961م. تحقيق: محمد صادق بحر العلوم.
- رجال الطوسي: لمحمد بن الحسن الطوسي. المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط1، 1380هـ- 1961م.
- رجال النجاشي= فهرست أسماء مصنفي الشيعة.
- الرجعة: لأحمد زين الأحسائي. من مطبوعات إيران. نشر: مكتبة العلامة الحائري العامة، كربلاء، ط الثانية.
- روضات الجنات: للخوانساري. تحقيق: أسد الله إسماعيليان. ط دار المعرفة، بيروت- لبنان.
- الروضة من الكافي: للكليني. طبعة حجرية بخط اليد على هامش المجلد الرابع من مرآة العقول للمجلسي. طهران، إيران، كتبت سنة 1354هـ.
- سعد السعود: لأبي القاسم علي بن موسى المعروف بابن طاوس، مطبعة أمير، قم، الناشر: مكتبة الرضى، قم، إيران، 1363هـ.
- السقيفة= كتاب سليم بن قيس: لسليم بن قيس الكوفي الهلالي العامري. منشورات دار الفنون للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1400هـ- 1980م.
- سيرة الأئمة الاثني عشر: لهاشم معروف الحسيني. دار القلم، بيروت، لبنان، ط3، 1981م. يقع في مجلدين.
- الشافي في الإمامة: لأبي القاسم علي بن الحسين بن موسى، المعروف بالشريف المرتضى. طبعة حجرية بخط اليد، كتبت في طهران، سنة 1354هـ. كتبها عباس الحائري.
- شرح الخطبة الشقشقية: لمحمد رضا الحكيمي. مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ- 1983م.
- شرح نهج البلاغة: لعبد الحميد بن أبي الحديد. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، مصر، ط2، 1387هـ- 1967م. يقع في عشرين جزءاً في عشر مجلدات. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.
- شرعة التسمية في زمن الغيبة: للسيد الداماد الحسيني. مخطوط يوجد في مكتبة (رضا)، رامبور، الهند. ويحمل الرقم (1927).
- الشعائر الحسينية: لحسن الشيرازي. دار الصادق، بيروت، لبنان.
- الشيعة في الميزان: لمحمد جواد مغنية. دار الشروق، بيروت، لبنان.
- الشيعة والحاكمون: لمحمد جواد مغنية. دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان.
- الشيعة والرجعة: للطبسي النجفي. من مطبوعات النجف، مطبعة الحيدرية، 1375هـ- 1956م.
- الصافي في تفسير القرآن: للفيض الكاشاني. من منشورات المكتبة الإسلامية، طهران، إيران، نسخة خطية كتبها محمد علي التبريزي الغروي، سنة 1374هـ.
- صحيفة علوية: سيد مرتضى حسين صاحب فضل. مطبعة غلام علي، لاهور، باكستان.(12/402)
- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: لأبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي. مطبعة الحيدري. نشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، ط1، 1384هـ. صححه وعلق عليه: محمد الباقر البهبودي.
- الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة: للتستري. طبع كتاب جان خانه، شركت سهامي، إيران، ط1، 1367هـ. عني بتصحيحه: جلال الدين الحسيني.
- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: لابن طاوس. مطبعة الخيام، قم، إيران، 1400هـ.
- عقاب الأعمال: للصدوق. نشر كتبي نجفي، قم، إيران، ومكتبة الصدوق، طهران، إيران. صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري.
- عقائد الإمامية الإثني عشرية: لإبراهيم الموسوي الزنجاني. مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1402هـ- 1982م. يقع في ثلاث مجلدات.
- عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر: (د.م). مخطوط يوجد في مكتبة (رضا)، رامبور، الهند، يحمل الرقم (2003).
- علم اليقين في أصول الدين: للفيض الكاشاني. خال من مكان الطبع وتاريخه.
- عين الحياة: لمحمد باقر المجلسي. انتشارات قائم، طهران، إيران.
- عيون أخبار الرضا: للصدوق. الناشر: رضا مشهدي، شهريور، إيران، 1363هـ.
- عيون المعجزات: لحسين عبد الوهاب. المطبعة العلمية في قم، إيران.
- الغارات = الاستنفار والغارات: لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي. دار الأضواء، بيروت، لبنان، ط1، 1407هـ- 1987م. حققه وعلق عليه: عبد الزهراء الخطيب.
- الغيبة: لمحمد بن الحسن الطوسي. مطبعة النعمان، النجف، العراق، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، إيران، 1385هـ.
- فرق الشيعة: لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي. المطبعة الحيدرية، النجف، العراق. علق عليه: محمد صادق آل بحر العلوم.
- الفروع من الكافي: للكليني. مطبوع على هامش مرآة العقول للمجلسي. طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد سنة 1354، طهران، إيران.
- فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب: لحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي. طبعة حجرية، مكتوبة بخط اليد سنة 1298هـ، إيران.
- الفصول المختارة من العيون والمحاسن: للمفيد. دار الأضواء، بيروت، لبنان، ط4، 1405هـ- 1985م.
- الفصول المهمة في أصول الأئمة: للحر العاملي. منشورات مكتبة بصيرتي، قم، إيران، ط3.
- الفصول المهمة في معرفة الأئمة: لعلي بن محمد، الشهير بابن الصباغ. مطبعة العدل، النجف، العراق.
- الفهرست: لابن النديم. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت، لبنان، 1398هـ- 1978م.
- الفهرست: لمحمد بن الحسن الطوسي. منشورات المكتبة المرتضوية ومطبعتها، النجف، العراق، ومكتبة الشريف الرضي، قم، إيران. صححه وعلق عليه: محمد صادق آل بحر العلوم.
- فهرست أسماء مصنفي الشيعة: لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي. مكتبة الداوري، قم، إيران.
- في ظلال التشيع: لهاشم معروف الحسيني. مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ- 1983م.
- قرة العيون في المعارف والحكم: للفيض الكاشاني. الناشر: مكتبة الألفين، الكويت، ط2، 1399هـ.
- الكافي: للكليني. ويشتمل على الأصول، والفروع، والروضة. وهو مطبوع عدة طبعات، أشهرها طبعة دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران
- كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي. طبع المطبعة العلمية، قم، إيران، الناشر: مكتبة بني هاشم، تبريز، إيران، 1381هـ. علق عليه: هاشم الرسولي المحلاتي. يقع في مجلدين.
- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: لابن المطهر الحلي. منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ- 1979م. مع حواشي وتعليقات لإبراهيم الموسوي الزنجاني.
- الكشكول فيما جرى على آل الرسول: لحيدر بن علي العبيدي الحسيني الآملي. مطبعة أمير، قم، إيران، منشورات الرضى، قم، إيران، ط2، 1372هـ.
- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: لأبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي. مطبعة الخيام، قم، إيران، انتشارات بيدار، ط1، 1401هـ. حققه: عبد اللطيف بن علي أكبر الحسيني.
- الكنى والألقاب: لعباس القمي. المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط2، 1389هـ- 1969م.
- مجمع البيان في تفسير القرآن: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي. مطبعة العرفان، صيدا، لبنان، سنة 1333هـ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران، 1403هـ. يقع في خمس مجلدات.
- مختصر بصائر الدرجات: لحسن بن سليمان الحلي. انتشارات الرسول المصطفى، قم، خيابان، أرم باساز قدس. منشورات المطبعة الحيدرية في النجف، العراق، ط1، 1370هـ- 1950م.
- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول؛ وهو شرح لكتاب الأصول والفروع والروضة من الكافي: لمحمد باقر المجلسي. طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد سنة 1354هـ، طهران، إيران.
- مروج الذهب: للمسعودي. شرح وتقديم الدكتور: مفيد محمد قميحة. ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ- 1986م.(12/403)
- مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين: لرجب البرسي. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط10.
- مصباح الكفعمي= جنة الأمان الواقية، وجنة الإيمان الباقية لإبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد العاملي الكفعمي. مطبعة أمير، قم، إيران. منشورات الرضى ومنشورات زاهدي. ط2، 1405هـ.
- معاني الأخبار: للصدوق. الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1399هـ- 1979م.
- معجم رجال الحديث: لأبي القاسم الموسوي الخوئي. منشورات مدينة العلم؛ آية الله العظمى الخوئي، قم، إيران، ط3، 1403هـ- 1983م. يقع في ثلاثة وعشرين مجلداً.
- مفاتيح الجنان: لعباس القمي. منشورات دار التربية، بغداد، العراق. عرَّبه: محمد رضا النوري النجفي.
- مفتاح الجنان. (د.م). نشر مكتبة الماخوزي، البحرين.
- المقالات والفرق: لسعد بن عبد الله القمي. مطبعة حيدري، طهران، إيران، 1963م. صححه وقدم له وعلق عليه: الدكتور محمد جواد مشكور.
- مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار: لأبي الحسن بن محمد طاهر النباطي العاملي الفروي. وهي مقدمة على تفسير البرهان للبحراني. المطبعة العلمية، قم، إيران، ط3، 1393هـ.
- مقدمة مرآة العقول: لمرتضى العسكري. وهي مقدمة على مرآة العقول للمجلسي. طبع على نفقة مكتبة ولي العصر، طهران، إيران. الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران- إيران، 1398هـ. يقع في مجلدين.
- الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر: لابن طاوس. منشورات مطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط3.
- منار الهدى في النص على إمامة الأئمة الاثني عشر: لعلي البحراني. دار المنتظر، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ- 1985م. حققه وعلق عليه: عبد الزهراء الخطيب.
- مناقب آل أبي طالب: لمحمد بن علي بن شهر آشوب. المطبعة العلمية، قم، إيران. مؤسسة انتشارات علامة. يقع في ثلاث مجلدات.
- منهاج الكرامة في إثبات الإمامة: لابن المطهر الحلي. مطبوع مع منهاج السنة النبوية لابن تيمية. بتحقيق: محمد رشاد سالم.
- مؤتمر علماء بغداد: لمقاتل بن عطية. ط3، 1399هـ. وهو مخطوط في مكتبة راجا محمود آباد، بخط المؤلف. قام بطبعه ونشره: هداية الله المسترحمي الأصفهاني الجرقوني. قدّم لهذا الكتاب: شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي.
- الميزان في تفسير القرآن: لمحمد حسين الطباطبائي. ط مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، ط2، 1394هـ.
- النصرة في حرب البصرة: للمفيد= الجمل.
- نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت: لعلي بن عبد العالي العاملي الكركي. مخطوط يوجد في مكتبة (رضا) برامبور، الهند. تحمل الرقم (1998).
- نهج البلاغة: لأبي الحسن محمد بن الحسن، المعروف بالشريف الرضي. دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة، بيروت، لبنان، ط3، 1983م. بتحقيق صبحي الصالح. (يقع في مجلد واحد).
- نهج البلاغة: للشريف الرضي، بتحقيق وشرح محمد عبده. ط دار الكتاب العربية. (يقع في مجلدين).
- الهداية: للصدوق. مخطوط يوجد في مكتبة الجمعية الآسيوية، كلكتا، الهند. ويحمل الرقم (22).
- الهداية الكبرى: للحسين بن حمدان الخصيبي. ط مؤسسة البلاغ، بيروت- لبنان، ط1، 1406هـ- 1986م.
- الهفت الشريف من فضائل مولانا جعفر الصادق (ع). رواية المفضل بن عمر الجعفي. دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط3، 1980م. تحقيق وتقديم: مصطفى غالب.
- وقعة صفين: لنصر بن مزاحم المنقري.
=================
فضائل الصحابة وخطر الشيعة
الشيخ/ محمد حسان
** أسباب المقام الرفيع الذي اعتلاه الصحابة **
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فلا شك أن جيل الصحابة رضي الله عنهم أفضل الأجيال على الإطلاق، وأنهم خير الأمم بالنص القاطع من القرآن الكريم، حيث يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً الصحابة رضي الله عنهم: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ))[آل عمران:110].(12/404)
والمتأمل في أسباب هذا المقام الرفيع الذي اعتلاه الصحابة رضي الله تعالى عنهم يجد أن هذا أمر يمكن في عظمة وجلالة المربي الذي رباهم صلى الله عليه وآله وسلم، فلك أن تتخيل! يعني: أي إنسان لو كان له شيخ عالم رباني يدله على الآخرة كيف يكون شعوره نحوه، فكيف إذا كان هذا المربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير من عبد الله، وخير من ربى؟! وهذا هو السبب الأول في تفضيل جيل الصحابة، أنهم ثمرة تربية وتنشئة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، فهو خير النبيين، وأمته خير الأمم صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم.
أيضاً: ما كان يعلمه الصحابة رضي الله عنهم من الدين، كان يقترن في الواقع بالعمل بهذا العلم والثبات عليه، فمن ثم أثمر لهم ذلك، ما اتصفوا به من الصلاح والتقى والخير والفلاح.
ومن ذلك أيضاً أنهم آثروا الآخرة الرفيعة على هذه الدار الدنيا الوضيعة، فكانوا رضي الله تعالى عنهم في الآخرة راغبين، وفي الدنيا زاهدين، وأضف إلى هذا إيثارهم لبذل النفس لإعلاء كلمة التوحيد، ونشر هذا الدين الحميد، فكانوا رضي الله تعالى عنهم مؤثرين للجهاد، ونصبه على الراحة والدعة في حياتهم، ومؤثرين أنفسهم بشهادة الله عز وجل على الموت على فرشهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وقد امتدح الله تعالى أمة الصحابة قبل أن يخلقوا، وقبل أن يوجدوا في الكتب السابقة، وعلى ألسنة الأنبياء السابقين، فقال سبحانه وتعالى: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ))[الفتح:29] فمدح ظاهرهم بقوله: (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) وامتدح وزكى باطنهم بأنهم يعبدون الله مخلصين لوجه الله لا رياء الناس: (( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ ))[الفتح:29]، فهذه الآية وكذلك قوله تعالى: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ))[آل عمران:110] فهي بعمومها تشمل أمة المسلمين وأمة الإسلام كلهم، لكن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يدخلون فيها دخولاً أولياً؛ لأنهم هم المخاطبون أصالة بهذه الآيات الكريمات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الناس خير؟ فقال عليه الصلاة والسلام: قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ...) إلخ الحديث، وهو حديث متفق عليه، وهو بلا شك نص في تفضيل الصحابة رضي الله عنهم على من جاء بعدهم، وكذا من سبقهم من غير الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي زمان يغزوا فئام من الناس فيقال: فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح)، فهذا أيضاً مما يدل على فضيلة الصحابة رضي الله عنهم.
**من أصول أهل السنة تجاه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين**
ومن ثم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم.
وهذا هو محور كلامنا، أن هذا من أصول العقيدة، يعني: ضمن موقف أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم ذكر في جميع المتون أو المصنفات التي صنفت في العقيدة فهي تتناول أمهات مسائل الإيمان، فعقدوا في كل مؤلفات العقيدة فصولاً أو فصلاً حول مكانة الصحابة رضي الله عنهم، ومعلوم أن أصول أهل السنة والجماعة تعني أنه لا يخالفهم فيها إلا من كان من الفرق الضالة، من الفرق النارية، أما الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وأهل الحق فإنهم لا يحيدون عن هذا الأصل أبداً.
فمن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم رضي الله تعالى عنهم، كذلك يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: اتفق أهل السنة على أن الجميع –يعني: على أن جميع الصحابة- عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. هذا مع إيماننا بأنهم ليسوا بمعصومين في الجملة من الذنوب والسيئات، وإنما الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم كلهم عدول كما هو معلوم من أصول أهل السنة والجماعة.(12/405)
وقد أشرنا مراراً من قبل أن كتب العقيدة إنما تتناول المسائل التي حصل فيها تفرق في الجانبين عن الوسط الذي هو أهل السنة والجماعة، فمن انحرف عن السلف في أي قضية من القضايا التي تضمنتها كتب العقيدة أو متون العقيدة فيكون هو الخارج عن المنهج السوي والمعتدل والوسط وهو منهج أهل السنة والجماعة.
** موقف الرافضة من الصحابة والمسلمين **
ففي شأن الصحابة أيضاً هناك طرفان ووسط، فالوسط هو ما أسلفنا من مقام الصحابة وتعظيمهم، وإمساك الألسنة عن الخوض فيما شجر بينهم، وكذلك الاعتراف بفضلهم ومكانتهم، فإذا اتجهنا إلى أحد الطرفين نجد فرقة من الفرق الضالة هلكت في الصحابة، وهي فرقة الروافض وغلاة الشيعة قبحهم الله، يقول فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الرافضة أمة ليس لها عقل صريح ولا نقل صحيح -الرافضة هم الشيعة الهالكة- ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، بل هم من أعظم الطوائف كذباً وجهلاً، ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد، كما دخل فيهم النصيرية والإسماعيلية وغيرهم، فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة فيعادونهم، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين فيوالونهم. وإذا استقرأنا التاريخ فسنأتي بشواهد كثيرة جداً من ذلك، ولذا كان الرافضة -قبحهم الله وخذلهم، ونكس راياتهم دائماً- في كل عداوة للمسلمين وأهل السنة كانوا ينضمون إلى أعدائهم من اليهود أو النصارى أو المشركين، والحديث يطول في ذلك، وله مقام آخذ، ولكن يكفي أن نعرف تآمرهم مع التتار من أ جل قتل الخليفة العباسي، وعلماء من علماء المسلمين وخيارهم، وتدمير الخلافة العباسية في بغداد وغير ذلك من جرائمهم، يكفي أن نشير إشارة عابرة إلى دور الحروب الصليبية، وتحالفهم مع الصليبيين ضد أهل السنة في الدولة الفاطمية هنا في مصر.
كذلك يكفي أن نراجع تاريخ الشيعة وتسببهم في منع انتشار الإسلام في أوروبا، فقد أوشك العثمانيون مرات ومرات على أن يفتحوا كل أوروبا، وعلى الأقل شرق أوروبا التي كانت تابعة لإمبراطورية النمسا، وكانوا قد تغلغلوا داخل قلب أوروبا حتى وصلوا النهر الذي هناك، وحصلت مقتلة عظيمة كاد المسلمون أن يغزوا عاصمة هذه الإمبراطورية، وفتحها كان سيكون تقريباً سبباً في دخول معظم أوروبا في الإسلام، فهم الذين تسببوا في تقهقر الخلافة وتراجعها فكانوا كلما وصل الخليفة العثماني بجيش إلى هذا الموقع الحساس يطعنونه في ظهره، ويهددون الاستانة مقر الخلافة، فيضطر إلى أن يقطع الجهاد للعودة إليهم ليطاردهم، فكانوا مستديمة دائماً في قلب أهل الحق، وفي قلب الإسلام.
والتاريخ يعيد نفسه، وشواهدهم ناطقة بذلك وصارخة.
يقول الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والصحابة الذين تواليهم الرافضة نفر قليل بضعة عشر، وإما نحو ذلك، وأما العدد الأعظم من الصحابة فاستقدح فيهم الرافضة قبحهم الله؛ لأنهم يعتقدون أن عامة الصحابة قد ارتدوا، وصاروا مرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يصفوا دين المسلمين بعبارات شنيعة جداً كزعمهم بأن أبا بكر وعمر هما صنما قريش وجبتاها وطاغوتاها، ويلعنون الصحابة ويعنون أبا بكر وعمر، ويلعنون أمهات المؤمنين، ويزعمون أن أبا بكر إنما صادف النبي عليه السلام؛ لأن كاهناً في الجاهلية أخبره بأنه سيخرج نبي، وأنك إن تقربت منه سوف تلي الحكم من بعده، إلى آخر هذه الأباطيل والخرافات التي يقوم عليها جل دينهم، فعامة دين النصارى قائم على خرافات وأكاذيب وأحقاد وزعم باطل وزائف!
يقول شيخ الإسلام: وأصل قول الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه نصاً قاطعاً... وأنه –أي: علي- إمام معصوم، ومن خالفه كفر، وأن المهاجرين والأنصار كفروا النص وكفروا بالإمام المعصوم، واتبعوا أهواءهم وبدلوا الدين، وغيروا الشريعة، وظلموا واعتدوا، بل كفروا إلا نفراً قليلاً، إما بضعة عشر أو أكثر، ثم يقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زالوا منافقين، يعني: منذ البداية ما دخلوا في الإسلام مخلصين والعياذ بالله، إنما يزعمون أنهم كانوا من المنافقين.
بل ومنهم من قال: إنهم آمنوا ثم كفروا بعد ذلك، وأكثرهم يكفر من خالف قولهم، ويسمون أنفسهم المؤمنين، ومن خالفهم كفاراً. هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فهم المؤمنون، أما نحن فتارة يسموننا الناصبة، وتارة يسموننا العامة، وغير ذلك من الألقاب، وفي كل الأحوال هم يعدوننا كفاراً، فنحن في نظرهم كفار لأننا لا نؤمن بالإمام بالأئمة ولا الإثني عشر.
** الرافضة يعادون المسلمين ويوالون أعداءهم **(12/406)
ويجعلون مدائن الإسلام التي لا تظهر فيها أقوالهم دار ردة، أسوأ حالاً من مدائن المشركين والنصارى، فلهذا يوالون اليهود والنصارى والمشركين على بعض جمهور المسلمين، ومنهم من ظهرت أمهات الزندقة والنفاق كزندقة القرامطة الباطنية وغيره، ولا ريب أنهم أبعد الطوائف عن الكتاب والسنة، ثم يقول شيخ الإسلام: ولهذا ذكر العلماء أن الرفض أساس الزندقة، فهذا المذهب هو أساس الزندقة، وأن أول من ابتدع الرفض إنما كان منافقاً زنديقاً، أول من أسس هذا هو عبد الله بن سبأ، فإنه إذا قدح في السابقين والأولين فقد قدح بنقل الرسالة أو فهمها أو في اتباعها، لأن هدف الشيعة من الطعن في الصحابة هو التوصل إلى الطعن في الدين الذي نقله الصحابة؛ لأنه إذا كان الصحابة هم شهود الشريعة الذين نقلوها إلينا، فبتالي الطعن فيهم يعني: الطعن في الشريعة وعدم الوثوق بها، ولذلك قال الإمام الرضا رحمه الله تعالى: [[إذا رأيت الرجل يسب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، فإنما أدى إلينا هذا الكتاب والسنة]] يعني: الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقال: [[إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليعطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة]].
طبعاً: نحن نعلم جميعاً نعلم ما ورد في فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العموم، أو على الخصوص كالمهاجرين والأنصار، أو العشرة المبشرين بالجنة أو الخلفاء الراشدين، أو غيرهم من آحاد الصحابة رضي الله عنهم، لكن الذي نريد أن نلفت النظر إليه أنه حتى ولو لم يثبت في حق واحد من الصحابة رضي الله تعالى عنه خصوصية له بذاته، فلا يعني هذا نفي الفضيلة عنه، فإننا كما نقول مثلاً في فضائل فلان، فلا يعني أن غيره ليس له فضيلة فعندما نقول: لم يصح شيء معين في فضل قراءة (يس) بخصوصها مثلاً، هل يعني ذلك أن سورة (يس) ليس لها فضيلة؟! هذا جهل، بالعكس لها فضائل كثيرة جداً، ثابتة في القرآن، تشير إليها كل آية فيها مدح وفضيلة من قرأ القرآن وتلا كتاب الله سبحانه وتعالى، كذلك فيها كل حديث ثبت فيه فضل قراءة القرآن عموماً، فأي حرف يقرؤه الإنسان من القرآن له أجر معلوم: (من قرأ آية من كتاب الله فله بكل حرف عشر حسنات ...) إلخ الحديث المعروف.
فعموم القرآن لا شك أن له هذه الفضائل، أما الخصوص فقد يفضل بعضه على بعض كبعض الفضائل الخاصة.
كذلك الصحابة: كون بعضهم لم يثبت فيه فضيلة معينة فهذا لا يعطي أحداً الحق في أن يسلبه فضيلة الصحبة، فإن فضيلة الصحبة لا تقاربها ولا تدانيها فضيلة على الإطلاق.
فهذه كانت مقدمة استعراض: نرى أنه لابد منه للفت النظر إلى هذه الظاهرة التي انفتحت، وهي ظاهرة انتشار مجموعة من الأشرطة: قصص من التاريخ الإسلامي للأخ الدكتور: طارق السويدان، فكثرت القصص وانتشرت الروايات عنه، ولكن في الحقيقة أن الأمر يحتاج إلى نوع من الفرملة، ونأخذ الأمر بحذر، حتى وإن كان في هذه الأشرطة كثير من الخير والتوضيح وكثير من البيان، لكن هناك مسألة مبدأ لابد أن يكون هو الأساس، والخروج عن هذا المبدأ ينبغي أن يكون هو الاستثناء.
** وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ **
أحاول أن أتلو هذه الرسالة: وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي. للشيخ خالد بن محمد الغيث، قسم التاريخ الإسلامي في جامعة أم القرى، يقول: استمعت إلى أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي للداعية الفاضل الدكتور: طارق السويدان، فألفيتها قد خصصت للحديث عما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، مع أن السلف رحمهم الله قد أوصوا بالسكوت عما شجر بينهم، وقيدوا الحديث في هذه المسألة الشائكة بضوابط محددة ينبغي مراعاتها عند تناول هذا الموضوع.
فلما كانت أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي قد انتشرت بين عامة الناس دون أن يراعى فيها ما قرره أهل العلم من ضوابط عند الحديث في هذه المسألة فإنه تحتم تقويمها، والرد عليها في وقفات هادئة تأتي من باب التواصي بالحق الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به، وختاماً لا أقول إلا كما علمنا إلهنا ومولانا: (( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10] وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الوقفة الأولى: حول اختيار الموضوع، سوف نلاحظ أن بعض هذه الوقفات هي وقفات موضوعية، وبالذات موضوع الخروج عن الأصل وهو: السكوت عما شجر بين الصحابة، ثم بعد ذلك قضايا جزئية إن كانت تستحق تفصيلاً أكثر من هذا، لكن سأشير إلى الأمور المهمة في غاية الأهمية عند تناول هذا الأمر.(12/407)
يقول: لم يوفق المحاضر في اختيار الموضوع الذي يتحدث عنه، حيث ترك جميع الصفات المشرقة من سير الصحابة رضي الله تعالى عنهم، واختار الحديث عما شجر بينهم وطرحه على العامة في أشرطة سيارة. والحقيقة هذا هو لب الموضوع أن تطرح هذه القضايا بهذه التفاصيل على عموم الناس، وفي أشرطة سيارة تنتشر في كل مكان، وكلها تتناول فقط حوالي ثمانية أشرطة، كلها مخصصة في الكلام فيما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى أجمعين.
يعني: حتى لو كان لابد من الكلام في هذا الموضوع فله قيود وشروط، ويكون مع طلبة العلم أو المختصين، أما أن يطرح الموضوع وهذا الكلام طرحاً عاماً فقد لا تطيق قلوبهم كثيراً من الأشياء، وقد تحدث عند بعضهم نوعاً من البلبلة.
قلنا: الحقيقة أعتقد أن هذا الموضوع غير نافع؛ لأن الذي ينبغي أن نتكاتف من أجله هو نشر فضائل الصحابة رضي الله عنهم التي نطق بها القرآن الكريم، ونطقت بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونطقت بها أعمالهم وأمجادهم، وحسناتهم إلى البشرية كلها، عن طريق فتح البلاد والجهاد في سبيل الله والتضحية بكل نفيس وغير ذلك، فهذا هو الأصل أن يكون الكلام عن الصحابة، وأن يغلب تماماً على الكلام إشاعة فضائلهم ومناقبهم وحسناتهم رضي الله تعالى عنهم.
** منهج أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة **
يقول: هذا ونظراً لأهمية هذه المسألة فلا بأس باستعراض طائفة من أقوال السلف رحمهم الله في هذا الموضوع المهم حتى يقف القارئ بنفسه على منهج أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين: سئل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عن القتال يوم الجمل ويوم صفين، فقال: دماء لم أغرس فيها يدي أغمس فيها لساني؟ وفي بعض الروايات أنه أتاه رجل وذكر أنه قد أرسل من لدن قومه يسألونه: ماذا يقول فيما شجر أو ما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما؟
قال: تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أخضب بها لساني. ثم قال له: قل لهم: أقول فيهما قول الله تبارك وتعالى: (( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[البقرة:134].
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إلى أن قال الإمام أحمد: وترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم، وحدث بفضائلهم وأمسك عما شجر بينهم. فهذه صفة من صفات المؤمن من أهل السنة والجماعة، الذين هم كما يقول شيخ الإسلام: نقاوة أهل الإسلام، وأفضل أهل الإسلام هم من كانوا محققين لمنهج أهل السنة والجماعة، فيقول: صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم، وحدث بفضائلهم وأمسك عما شجر بينهم. فانظر إلى هاتين المتقابلتين: حدث بفضائلهم إيجاباً، وأمسك عما شجر بينهم سلباً، فلا بد أن يجمع بين هذين الأمرين: أن يشيع ويزين المجالس بذكر فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وفي نفس الوقت يمسك عما شجر بينهم ولا يخوض في ذلك.(12/408)
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10] ومناسبة هذه الآية الكلام في كيفية مال الفيء، (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[الحشر:7] ثم شرع عز وجل يبين من هم المستحقون من مال الفيء، فأول طائفة: (( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ))[الحشر:8] بعد ذلك ذكر الطائفة الثانية وهم الأنصار بعد ما ذكر المهاجرين فقال: (( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ))[الحشر:9] ثم بين من هم الطائفة الثالثة الذين يستحقون من مال الفيء وهم من عدا المهاجرين والأنصار، ومن أتى بعد المهاجرين والأنصار بشرط، فإذا ما توفر هذا الشرط فلا يستحقون أن يعطوا من مال الفيء، فالذين يستحقون الفيء الصحابة: المهاجرون ثم الأنصار، ثم من يأتي بعدهما في الزمان إلى أن تقوم الساعة، لكن بشرط واحد: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) يشترط أن يكونوا محبين للصحابة، وأن يكونوا مجتهدين بالدعاء لهم: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ )) يعني: من صفتهم أنهم يقولون (( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10].
إذاً: فمن وجد في قلبه غلاً لأحد من الصحابة فليتهم نفسه، ولا يستحق مال الفيء، كما قال الإمام مالك أيضاً رحمه الله تعالى حينما استدل بقول الله تعالى: (( وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ ))[الفتح:29] فقال: من وجد في قلبه غيضاً للصحابة فهو كافر، وهذا رأي الإمام مالك وإن كان فيه نظر، التكفير مطلقاً في هذه القضية يحتاج إلى مزيد من الضوابط، ولذلك علق بعض المفسرين على عبارة الإمام مالك مستنكراً إياها فقال: إذا اشتد البياض صار برصاً، لكن ليس هذا موضوعنا الآن، إنما موضوعنا الاستدلال بهذه الآية.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، والمد: هو ما يملأ كفي الرجل المعتدل الكفين سواء كان حبوباً أو ذهباً أو كذا، فلو أن الرجل من غير الصحابة تصدق بمثل جبل أحد ذهباً، -جبل أحد طوله حوالي ستة كيلو متر- بكل كتلته من الذهب فلو تصدق به لوجه الله فلا يمكن أن ينال الثواب الذي كان يناله الصحابي بمقدار المد أو النصيف، لماذا؟
بفضل الصحبة التي شرفهم الله تبارك وتعالى بها.
يقول شيخ الإسلام: ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك -أي: أهل السنة والجماعة- لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، ولهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.
فربما بعدهم من يعمل كبيرة لا تغفر لكن إذا فعلها واحد من الصحابة تغفر له، لماذا؟ لأن الصحابة عندهم من الحسنات المتوفرة ما يمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم.
وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم خير القرون، وإن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم.
ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو: بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين؟(12/409)
إن أصابوا فلهم فيها أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم، ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جانب فضائل القوم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة، والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ولهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم؛ لأنا لا نسأل عن ذلك، لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم وذكر ما ...... بعلم وعدل.
يعني: قد يضطر المسلم إلى الكلام في الذب عن الصحابة والدفاع عنهم رضي الله تعالى عنهم إذا اضطرهم المبتدعون إلى ذلك، فإذا أظهر المبتدعون ما يقدح في الصحابة بالباطل يجب أن يذب عن الصحابة ويرد عنهم هذا الباطل.
** أعداء الله وتشويههم لتاريخ المسلمين **
وأقبح من المبتدعين من يجبرون التلاميذ والطلاب على دراسة مناهج مشبعة بالتنقيص من قدر الصحابة أو من قدر بعضهم، وتزوير التاريخ الإسلامي، وهذا مناهج مفضلة لكل من أراد أن يسمم عقول الأجيال بقطع الصلة بينها وبين سيرة الصحابة وجهادهم كي لا يتخذوا مثلاً أعلى، وليس هذا في الحقيقة فقط في حق الصحابة، وإنما هو في حق التاريخ الإسلامي بعامته، فهناك بعض الناس من يقوم بتشويه هذا التاريخ؛ لأن هذا القدح هم قد أعلنوا عنه في مؤتمراتهم ومؤامراتهم، أنه كي نقضي على المسلمين لابد أن نقطع صلتهم بأسلافهم وبأمجاد أسلافهم، ويشوهون هذه السير بكل ممكن، حتى صار هذه الأشياء من الأمور المسلمة، فمثلاً زعمهم في قصة التحكيم التي لم يتثبت أن عمرو بن العاص كان داهية ماكراً، وأما أبو موسى فكان غراً يخدع به، وأن عمرو بن العاص خدع أبا موسى وقال له: أنا خالعت صاحبي، وقال: أنا ثبت صاحبي، يعني: هذه القصة باطلة، والكلام الذي فيها يشهد ببطلانها، وأنه إذا كان أبو موسى يقول: خلعت صاحبي، يعني: خلعت أمير المؤمنين هل هذا حصل؟ كيف.. ليس له أن يخلعه، والثاني يقول: ثبت صاحبي، معاوية أصلاً ما كان أمير المؤمنين ولا كان يطمح في ذلك، وما كان ينبغي له ذلك في وجود علي رضي الله عنه، وإنما تاق إلى الخلافة بعد وفاة علي رضي الله عنه، فهي نفسها تحمل ما يدل على كذبها، وعلى ضعف أسانيدها، وغير ذلك من أمثال هذه الروايات في سير الصحابة، وأنهم كانوا دمية، وكانوا يتقاتلون من أجل المال والسلطة والسياسة والسيادة والرئاسة وغير ذلك، تشويهاً لتاريخهم، يعني: يضعون الحواجز، وكل ذلك لأجل ألا يقتدي المسلمون بالصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
طبعاً! كتب التاريخ عموماً تشوه تاريخ الصحابة بالذات، وتشوه التاريخ الإسلامي بعامة، يعني: كثرة الطعن في التاريخ الإسلامي، وإظهاره أنه كله عبارة عن قتل وذبح وصراعات، هذا كله خلاف الحقيقة، بل إنما حتى الدولة الأموية والدولة العباسية لابد أن الناس في زمانهم أشبه منهم بآبائهم، وكلما بعدوا عن القرون المفضلة كلما حصل نوع من الانحراف عن المنهج السوي، لكنه انحراف درجته كانت خفيفة بالنسبة لما نحن عليه الآن، وأضعف مثال للخلافة الإسلامية هي الخلافة العثمانية المتأخرة، لاشك أنه كان لها من الآثار الإيجابية ومن الأمجاد ما لا نطمح إلى عشر أعشاره اليوم، حتى الخلافة الأموية أو الخلافة العباسية ليست بالصورة المشوهة التي يصورونها، لكنها صحيح تسلط الضوء على الصراعات التي لم تخل منها أمة ولا يخلو منها زمان، لكن هذا لا يصرف النظر عن الخيرات التي كانت موجودة كالنهضة العلمية، والجهاد في سبيل الله، وفتح الفتوح، وأخلاق المسلمين والتزامهم وغير ذلك من فوائد هذه الدول، أقيم فيها الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وتطبيق شريعة الله، وقمع أهل البدعة والضلال، فضلاً عن مجاهدة الكفار في أطراف الأرض، كل هذا يجحد ولا يسلط عليه الضوء، وإنما يسلط على صورة ما يعلق في أذهان الناس كالجواري والغناء والمعازف وكل هذه الأشياء والأكاذيب والخمر وكل هذا كذب وطعن.
إذا رجعت إلى سيرة هارون الرشيد رحمه الله تعالى وجدت العجب في عبادته ودفاعه أو جهاده في سبيل الله تعالى، كان يحج سنة ويجاهد سنة، طوال عمره، تسليط الضوء فقط على السلبيات هذه مؤامرة مقصودة، وأما التاريخ فهو حافل بالإيجابيات، لكن لا يسلط الضوء على الإيجابيات.(12/410)
يقول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: كما تقرر عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وما زال ذلك يمر بنا في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، فهذه فتوى الإمام الذهبي في عملية تفتيش وتنقيش من خلال التراث المنقول عما شجر بين الصحابة، يقول: وما زال ذلك يمر بنا في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه؛ لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة رضي الله عنهم والترضي عنهم، وكتمان ذلك –وتأملوا هذه العبارة لأنها في غاية الأهمية- وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء.
كتمان هذا الأمر وعدم الخوض فيه وعدم إشاعته، وكتمان ذلك متعين يعني: واجب.
قال: وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله حيث يقول: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا ))[الحشر:10] فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادته ممحصة.
وقال أيضاً: فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليهم، فأكثره باطل وكذب وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد. الروافض بين أمرين عند نقل الأخبار: إما ترويج الأباطيل و الخرافات والأساطير والكذب المحض، فهم أكذب فرقة في التاريخ مطلقاً، فهم إما أنهم يعرضون الأباطيل والأساطير والخرافات والأكاذيب، وإما يردون الصحاح والمسانيد، لأنهم لا يعتدون بشيء من كتب السنة عندنا.
وقال ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى: ويجب الإمساك عما وقع بينهم من الاختلاف صفحاً عن أكثر المؤرخين لاسيما الروافض وضلال الشيعة والمبتدعين القادحين في أحد منهم.
مما سبق نخلص إلى أن الأصل في منهج أهل السنة والجماعة هو السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، لكن إن دعت الحاجة إلى الحديث في هذه المسألة الشائكة فينبغي مراعاة الضوابط التالية التي ذكرها أهل العلم في ثنايا حديثهم.
قبل أن نستطرد في مثل هذه الضوابط نشير أيضاً إلى قول الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. هذا ما قاله الإمام الطحاوي في الفصل الخاص بعقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم.
قوله: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم) هذه العبارة يشير بها الإمام الطحاوي رحمه الله إلى الرد على الروافض والنواصب، فرقتان على طرفي نقيض، فالروافض يلعنون الصحابة رضي الله عنهم، أو بصورة أخرى: يفرطون في حب بعض الصحابة كعلي مثلاً، ويكفرون باقي الصحابة رضي الله عنهم إلا قليل.
وقد أثنى الله ورسوله على الصحابة ووعدهم بالحسنى، فقال عز وجل: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح:29] وقال تبارك وتعالى: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ))[التوبة:100] السابقون الأولون هم الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقيل: هم من صلى إلى القبلتين، ولا دليل عليه، والصلاة إلى القبلة منسوخة، وليس فيه فضيلة، لأن النسخ ليس من فعلهم، وقال تبارك وتعالى: (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ))[الحديد:10].(12/411)
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) وذلك لأن عبد الرحمن من السابقين الأولين، وهم أخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامه إلى فتح مكة، فسموا الطلقاء منهم أبا سفيان وابناه يزيد ومعاوية رضي الله عنهم، فالمقصود أنه نهى من له صحبة أخرى يعني: متأخرة أن يسب من له صحبة أولى الذي سبقه، فكيف بحال من ليس من الصحابة مع الصحابة؟! يعني: كان هذا الخطاب: (لا تسبوا أحداً من أصحابي) لمن وجهه النبي عليه السلام؟ وجهه إلى خالد بن الوليد حينما سب عبد الرحمن بن عوف، مع أن كلاهما من أصحابه، لكن فضل عبد الرحمن لأنه من السابقين الأولين، وأما خالد فهو ممن تأخر إسلامه، فإذا كان النبي نهى من له صحبة أخرى متأخرة عن أن يسب من له صحبة أولى، فكيف بحال من ليس له صحبة لا أولى ولا أخرى؟ لا شك أنه أولى أن ينزجر عن الخوض في شأن الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم. يعني: لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم كما فعلت الشيعة فنكون من المعتدين، قال تعالى: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ))[النساء:171]، وقد غلت الشيعة في بعض الصحابة وبالذات أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنهم غلواً شديداً.
ولا نتبرأ من أحد منهم كما فعلت الروافض أيضاًَ، فعندهم لا ولاء إلا ببراء، يعني: لا يتولى أحد أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، أما أهل السنة فهم يوالونهم كلهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب، وهذا معنى قول بعض السلف من الصحابة والتابعين كأبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإبراهيم النخعي والحسن البصري والضحاك: الشهادة بدعة والبراءة بدعة. يعني: الشهادة على معين من المسلمين أنه من أهل النار أو أنه كافر بدون العلم بما ختم له سبحانه وتعالى له به.
** خدعة التقريب بين السنة والشيعة وتورط الداعين إليها **
ثم قال: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. طبعاً هذه المسألة كما قلنا هي من أصول الإيمان عند أهل السنة، ولم ينحرف عنها إلا من كان شاذاً خارجاً عن الجماعة، وعن إجماع الأمة، فعملية تهوين هذا الأمر هذه خدعة كبرى، ولا يتورط فيها في الغالب إلا جاهل بأشياء كثيرة، يعني: جاهل بعقيدة أهل السنة التي ينتمي إليها اسمياً، انتماء مسطحاً، ليس له أي أعماق، انتماء، اسمه فقط أنه سني، لكن في الحقيقة هذه من أصول الدين والإيمان، فبعض الناس حينما يتكلمون في موضوع التقريب بين السنة والشيعة، والكفار يتحدون علينا، فيقولون: ونحن ينبغي أن ننسى خلافاتنا فضلاً عن أن نذكر بعض الموغلين في الدس، فيورطون أنفسهم في كلام لا يدركون مغزاه، فيقولون: نتعاون مع الشيعة فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. مصيبة ولم يعرف ولا يدري ما يقول، إنما نطق بهذه العظيمة، لأن معنى تقول: نتعاون فيما اتفقنا فيه، لكن كيف تعذرهم فيما اختلفنا فيه؟! تعذرهم في سب أبي بكر وعمر وفي تكفير الصحابة، وفي الاعتقاد بأن القرآن الحقيقي خلاف القرآن الموجود بين أيدينا الآن! وفي عصمة الأئمة! وفي كذا وكذا من طاماتهم! فهذا نقول فيه: إنه جاهل بالإسلام، وجاهل بعقيدة أهل السنة، وجاهل بتاريخ الرافضة الذي يعجز أن يقدم دليلاً واحداً يبرئ الرافضة من خيانتهم لأمة المسلمين في كل العهود، وهذا الكلام يكون الشخص الذي يقع فيه ويتورط فيه في أحسن أحواله إنسان جاهل ساذج منخدع، وأما إن كان يعلم فهذه مصيبة.
إن كنت لا تدري فهذه مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
فالمصيبة أعظم؛ لأن معناه أنه يخون الأمة، وكم جلب دعاة التقريب بين السنة والشيعة من مصائب وبنوا للشيعة جسراً عبروا عليه إلى جوار العالم الإسلامي! وكم جلبت لنا فكرة التقريب هذه من مصائب! لأن الشيعة ليس لهم غير مفهوم واحد للتقريب، وهو تقريب أهل السنة للشيعة على سبيل القطع والجزم يدل عليه بشواهد كثيرة جداً من أئمتنا، فهم قد حاولوا أن يحسنوا الظن بالشيعة، ثم انكشف لهم الأمر فرجعوا يحذرون المسلمين من خيانتهم.(12/412)
فالذي نقطع به أن هؤلاء القوم التقريب عندهم له معنى واحد فقط لا ثاني له، وهو تقريب السنة إلى الشيعة، ولكن لا يعرفون على الإطلاق، أو لا يريدون بهذه الكلمة أبداً تقريب الشيعة إلى السنة، فالتقريب له معنى واحد هو أن يتنازل أهل الحق عن عقيدتهم ويتابعوهم على باطلهم، أما العدل فليس عند الشيعة كما كان عندنا، فلذلك عملنا وحدة وطنية مع الشيعة، وهذا كان زمان فكرة التقريب وانتعشت حتى أقحم المذهب الجعفري في دراسات الأزهر ويا أسفاه! وحتى صدرت فتوى مؤلمة موجعة من أكبر مرجع ديني في مصر، يقول فيها: إنه يجوز التعبد بمذهب الشيعة الإثني عشرية كسائر المذاهب الأربعة. ويجوز للإنسان أن ينتقل من مذهب إلى آخر بحيث يغير مذهبه من مذهب حنبلي أو شافعي مثلاً إلى جعفري فلا حرج، وهذه خطيئة تاريخية، ليس خطأ شخصياً، خطيئة تاريخية نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن من تورط وورط المسلمين فيها، وذلك كان في العام الذي قامت فيه -ثورتهم ثورة الخميني عليه من الله ما يستحقه- في نفس العام كانت هذه الفتوى أول ما صوروها توزع بملايين النسخ في موسم الحج، وهذه الفتوى صادرة من الأزهر بصورة رسمية حتى أنها توزع على أهل السنة وسهلوا لها الغزو الفكري للرافضة.
فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر ولا نقبل أبداً من أي شخص كائناً من كان ممن ينادي على نفسه بالجهل الفاحش، وأنه ما تحكمه إلا العاطفة فقط، لكن لا تحكمه بصيرة ولا علم ولا وعي، وأما أهل السنة والجماعة ممن ما زالوا ينددون بالشيعة يعتبرون بمن قبلهم، يعني: حاولوا وحاولوا وفشلوا ابتداء من الشيخ رشيد رضا رحمه الله، وانتهاء بالأستاذ سعيد حوى في البداية أيضاً أثنى على الشيعة وكذا وكذا.. ثم في الآخر لما اكتشف الدجل والغش والخيانة أصدر كتابه الرائع: الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في الأحكام.
والتجارب كثيرة ومريرة أن الشيعة لا أمل فيهم، كما كنت أذكر فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن الشيعة في التقريب فقال: هؤلاء لا يرجى منهم توبة إلا كما ترجى توبة اليهود، لا ترجى توبة الشيعة إلا كما ترجى توبة يهودي، لكن قليل جداً، يعني: حتى لما تنظر إلى أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام تجدهم نوادر قلة، وذلك من فمن قسوة قلوبهم يندر منهم الإسلام والتوبة، لكن يرجى توبة الله التي هي التوفيق الرباني والاختيار الإلهي، لكن هل لهم توبة كتوبة العصاة أو غيرهم من أهل البدع؟ لا، قال: هم كاليهود لا ترجى منهم توبة.
التنازل في هذا الموقف المحوري من أعمدة وعقيدة أهل السنة أنه غير قابل للتنازل وغير قابل أبداً لأن نعذرهم فيه، فأفضل عذر للشخص الذي يقول: يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه مع الشيعة أنه جاهل، هذا أفضل عذر له، لأنه كيف نقول هذا نعذرهم؟ في سب الصحابة وتسمية كلابهم بأسماء الصحابة رضي الله عنهم ولعن الصحابة، وعندهم: لعن أبي بكر وعمر أفضل من التسبيح؟!!
وأنتم إذا طالعتم كتب شيخ الإسلام -وهو من أخبر الخلق بالشيعة قبحهم الله- ففيها عبارات لشيخ الإسلام كأنه يعيش فينا في كل عصر، من عبارات شيخ الإسلام يقول في شأن الشيعة يقول: يعظمون المشاهد ويهجرون المساجد. كلمة قالها منذ قرون، لكن أي إنسان يذهب لعمرة أو لحج ينظر الشيعة كيف يفعلون! وأنت خارج من المسجد النبوي من صلاة الفجر تراهم قادمين أفواجاً من جهة البقيع، يعني: البقيع أهم شيء عندهم، ويهجرون المساجد فلا يهتمون بصلاة الجماعة، أهم شيء يطلبونه، وأكثر ما ينكرونه على الوهابية هدم البنيان الذي كان على قبور الصحابة، وما زالوا إلى اليوم يشتمون الوهابية للسبب هذا.
الشاهد أنهم فعلاً يعظمون المشاهد ويخربون المساجد، لا يعمرون بيوت الله سبحانه وتعالى، إنما أهم شيء عندهم الذهاب إلى البقيع والبكاء فالمناديل مبتلة من شدة البكاء والصراخ، ثم بعد أن تنتهي المهمة انتهى الأمر ولا كأن شيئاً حصل وهذا يذكرنا بقول من قال من السلف رحمه الله تعالى: إن الفاجر إذا كمل فجوره ملك عينيه، فمتى شاء أن يبكي بكى أو كما قال، كأنها آلات يشغلها بواسطة زرار، يشتغل كله ويبكي ويخرج المناديل، وأول ما يكمل انتهى الأمر، والزرار انقفل، ويعود بصورة طبيعية.(12/413)
فأكرر أن التنازل في موضوع الشيعة تنازل عن قضية أساسية ومحورية من صلب عقيدة أهل السنة والجماعة، وأن الخداع بالتقريب، ونقول لدعاة التقريب: ائتونا بدليل واحد فقط على أنهم يقصدون بالتقريب شيئاً غير تقريب أهل السنة و الجماعة إليهم، والمصريون بالذات من الشعوب التي عندها قابلية لمرض التشيع؛ لأن المصريين بشؤم الدولة الفاطمية الملحدة الكافرة زرعت في عواطف المصريين الميل إلى الشيعة، لأن الشيعة كانوا خبثاء جداً حينما أرادوا أن يتقربوا من المصريين تقربوا عن طريق تعظيم أهل البيت، وتباع كثير من الكتب التي ما زالت باقية إلى اليوم، فهم فالشيعة عندهم أمل أن يستردوا مصر وتعود لهم الدولة الفاطمية الخبيثة حتى يقول بعض شيوخ الشيعة في المصريين لما قابلوه في أحد المؤتمرات قال له: نحن نعدكم في مصر مثل الشيعة. سهل جداً اللعب على هذا الوطن، وقد تشيع للأسف الشديد، وهذا أمر ما كنا نتخيله أن يتشيع بعض الشباب المصري، وأحدث شيعي مصري انتكس من أهل السنة والجماعة إلى عقيدة هؤلاء الضلال المجرمين رجل صحفي يدعى: صالح الورد... وهو يؤلف كتباً هي موجودة في الأسواق، وأخبثها على الإطلاق: أهل السنة والجماعة شعب الله المختار. يعني: يشبهنا باليهود، ويشتم أهل السنة والجماعة ويطيل سبه في حقهم، والكتاب موجود.
وهذا حديث نرجو إن شاء الله أن يكون له تفصيل فيما بعد- لكن هذه إشارات عابرة تتعلق بهذه القضية، فنحن لا نفرط بحب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم.
يقول الطحاوي رحمه الله تعالى: ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. فحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دين وإيمان؛ لأنه امتثال لأمر الله الذي أمر النبي في هذه النصوص، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله يوشك أن يأخذ).
** شروط وضوابط الإمساك عما بين الصحابة **
نعود إلى الشروط التي ذكرها الشيخ خالد بن محمد الغيث فيما يتعلق بشروط السكوت عما حصل بين الصحابة، يقول: الأصل في منهج أهل السنة والجماعة هو السكوت عما صدر بين الصحابة رضوان الله عليهم، لكن إن دعت الحاجة إلى الحديث في هذه المسألة الشائكة فينبغي مراعاة الضوابط التالية التي ذكرها أهل العلم في ثنايا حديثهم، ولم تأت ضرورة شرعية تستدعي مناقشة هذا الأمر، كالمنافحة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهار أمرهم، والرد على أهل البدع القادحين في أحد منهم. فهذا فعلاًَ مبرر أو مسوغ قوي للجهر في الكلام في هذه الأمور للدفاع عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، مثل ذلك إذا كانت المناهج التعليمية مفعمة بالسموم التي تحاول أن تنال من مكانة الصحابة، فلا شك أن هذا من المسوغات للكلام والتوضيح لتبرئتهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ثانياً: أن من يتصدى لهذا الأمر يجب عليه أن يتسلح بالحجة والبرهان حتى لا يفتي بغير علم، وبالذات علم الأسانيد وعلم الحديث، وتنقيح الروايات صحيحها من ضعيفها، وحقها من باطلها، الآن هذه آخر الأخبار كما يقولون: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
لابد أن من يتكلم في هذا الموضوع ألا يقفز فوق الاعتبارات العلمية التي وضعها العلماء في قبول الأخبار، أما من يكون في ذلك حاطب ليل يحفظ كل بيضاء شحمة وكل سوداء فحمة، لابد أن ينقش وأن يفتش وأن يكون متسلحاً بالطرق العلمية التي بها يمحص الصحيح من الضعيف، فمن يتصدى لهذا الأمر يجب عليه أن يلزم العدل والإنصاف حتى لا يظلم نفسه ولا يظلم غيره.
من شروط هذا الأمر الإمساك عن مناقشة هذا الأمر والتحدث به أمام العامة، فهذا ليس مما يعني العوام، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فالخوض في تفصيل هذه المسائل، وتفاصيل كذا وكذا هي أحوال تصدم عواطف العوام، مع جهلهم بهذه الأصول التي ذكرناها، وأن الصحابة معظم ما روى عنهم من الأخباريين فيه كذب كثير، وإن صح منه شيء فهم كلهم ليسوا معصومين، ولكن يجب أن يحمل على أحسن المحامل، ويؤمن إيماناً جازماً أنهم كانوا مجتهدين، وأنهم يدورون بين التأويل وبين الخطأ، فلهم أجر واحد وخطؤهم مغفور لهم بجانب ما لهم من الفضائل والأعمال الصالحة والبلاء في سبيل الله وغيره، مما يمحو نحو هذه السيئات.
** مآخذ على طارق السويدان في أشرطته المتحدثة عن الصحابة **(12/414)
فهذا مبدأ مهم جداً، وهذا هو الذي أخذه على المجموعة من الأشرطة كثير من العلماء، أن هذا ينافي منهج أهل السنة والجماعة، ليس المقياس أن يلقى الشريط رواجاً عند العوام، هذا غير صحيح، لأن بعض الناس يقول: قد انتشر وشاع وتلقته الأمة بالقبول، ليس هذا هو المقياس، ولكن المقياس هو أصول المنهج السلفي أن هذه الأمور مما لا ينبغي إثارتها أمام العوام على هذا المدى وعلى هذا النطاق الواسع إلا بالشروط التي ذكرنا.
• زعمه أن أوثق المراجع تاريخ الطبري:
ثم أخذ عليه في الوقفة الثانية: أنه قال: لعل من أوثق المراجع ما كتبه الإمام العظيم الطبري رحمه الله تعالى. فيقول: هذه المقولة لا يسلم له بها؛ لأن الطبري قد سار في تاريخه على منهج الجمع، فقيد فيه الغث والسمين من الأخبار دون اشتراط الصحة ذلك، بل إنه رحمه الله نبه إلى هذه المسألة في مقدمة تاريخه حيث قال: فلا يخلو كتابة هذا من خلل ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه؛ من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض الناقلين إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا، لأن الراوي متى ما ذكر الخبر بإسناده فقد برئت منه عهدته، لأنه سرد الخبر بالآلة والوسيلة التي تعين علي التثبت من صحة الحديث، فإذاً: لا عهدة عليه.
ثم يقول: فإن تلك المقولة التي ذكرها المحاضر عن تاريخ الطبري تبين المنهج الذي سار عليه في مناقشة ما صدر بين الصحابة رضي الله عنه، وهو منهج لا يصمد أمام المنهج العلمي، فإننا نبني المسائل على مجرد النقل من المصادر دون نقد أو تمحيص أمر لا تحمد عقباه، ولذلك حذر منه العلماء، وفي ذلك يقول ابن خلدون رحمه الله: وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمؤلفين وأئمة النقد من المغاليط في الحكاية والوقائع؛ لاعتمادهم على مجرد النقل غثاً أو سميناً.
يقول ابن خلدون: أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأجيال، إذ هو في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول، والسوابق والقرون الأول، تنمو فيها الأجيال وتضرب فيها الأمثال، وتطرق بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تخللت بها الأحوال، وقد تفعل الدول فيها ال........، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الامتحان وحان منهم الدوان، هذا في ظاهره، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليم للكائنات ........، وعلم بكيفيات الوقائع .........ز، فهو بذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يدع في علومها ......
• إثارة تولية عثمان لبعض أقاربه:
يقول في الوقفة الثالثة: إثارة المحاضر قضية تولية عثمان رضي الله عنه لأقاربه، هذا مما أخذه المتمردون على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، قام الشيخ خالد الغيث بسرد أسماء الولاة في خلافة عثمان رضي الله عنه، ذكر واحداً وخمسين من الولاة عمال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه على البلاد:
سعد بن أبي وقاص في الكوفة.
أبو موسى الأشعري في البصرة من الكوفة.
المغيرة بن شعبة، عمرو بن العاص، ثم وضع رمز (ق) أمام أي واحد من أقارب عثمان رضي الله عنه، ثم انتهى إلى أن قال: مما سبق نلاحظ أن عدة الولاة من أقرباء عثمان رضي الله عنه تقارب سبع الولاة الذين ولاهم، وحتى هذا السبع معظمهم من الصحابة الذين تولوا مناصب قبل خلافة عثمان رضي الله عنه مثل معاوية مثلاً وغيره، وهذه قضية ضئيلة قياساً على كثرة أقرباء عثمان رضي الله عنهم، مما يدل على أنه كان يختار من يتوسم فيهم الكفاءة الإدارية أو العسكرية منهم أو من غيرهم، وكذلك أن عهد عثمان رضي الله عنه كان عهد جهاد وفتوحات، مما يستوجب تجديد جميع طاقات الأمة وعدم تعطيلها، فتولية الأقارب لم ينفرد به عثمان رضي الله عنه، وكذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه إما بولاية وإما بمال.(12/415)
وقال أيضاً: ونحن لا ننكر أن عثمان رضي الله عنه كان يحب بني أمية، كما أننا لا ننكر أن علياً ولى أقاربه. يقول شيخ الإسلام: فوجدنا علياً إذ ولى قد استعمل أقاربه، ابن عباس على البصرة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقثماً ومعبداً ابني عباس على مكة والمدينة، وجعل ابن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب على خراسان، ومحمد بن أبي بكر وهو ابن امرأته وأخو ولده على مصر، فتولية عثمان رضي الله عنه لأقاربه لم تمنعه من إقامة الحدود عليهم أو عزلهم إن أهملوا، فقد أقام حد الخمر على الوليد بن عقبة رضي الله عنه وعزله عن الكوفة، كما أنه عزل سعيد بن العاص رضي الله عنه عن الكوفة حين أخرجه منها بعض أهلها، وعين عليها من يحبون. وبالتالي شيخ الإسلام لفطانته وبصيرته يعلق على هذا الأمر، فيقول: وهو من عزل سعيد بن العاص رضي الله عنه عن الكوفة حينما أخرجه منها بعض أهلها وعين عليهم من ارتضوه وأحبوه.
ويقول شيخ الإسلام: مجرد إخراج أهل الكوفة لا يدل على ذنب يوجب ذلك، فإن القوم كانوا يثورون على كل وال، أهل العراق والشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق كما وصفهم الحجاج، فإن حدث أنه عزله عن الكوفة فليس معناه أنه يستحق العزل أو أنه أتى شيئاً سيئاً أو ذنباً، فإن القوم كانوا يقومون على كل وال، وقد قاموا على سعد بن أبي وقاص وهو الذي فتح البلاد، وكسر جنود كسرى، وهو أحد أهل الشورى، ولم يتول عليهم نائب مثله، وقد شكو غيره مثل عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم، ودعا عليهم عمر بن الخطاب فقال: اللهم إنهم قد لبسوا علي فلبس عليهم.
فإذا قدر أنه قد أذنب ذنباً فمجرد ذلك لا يوجب أن يكون عثمان راضياً بذنبه، ونواب علي قد أذنبوا ذنوباً كثيرة، بل كان غير واحد من نواب النبي صلى الله عليه وسلم يذنبون ذنوباً كثيرة، وإنما يكون الإمام مذنباً إذا ترك ما يجب عليه من إقامة حد أو استيفاء حق أو نحو ذلك.
• إيراد بعض روايات الإخباريين الضعيفة:
الوقفة الرابعة: يؤخذ عليه أيضاً إيراد ما جاء عن الأخباريين عما صدر بين الصحابة رضوان الله عليهم، الأخباريين جمع أخباري، وهو من يروي الحكايات والقصص والأخبار، لقد قرن المحاضر في تلك الأشرطة مزاعم الأخباريين عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم دون نقد أو تمحيص، مثلاً: أورد قصة استشهاد عثمان رضي الله عنه، وبيعة علي رضي الله عنه، وخروج عائشة وطلحة والزبير من مكة إلى البصرة، وأخبار معركة الجمل كما وردت في تاريخ الطبري، ومن طريق الأخباري سيف بن عمر على وجه الخصوص، ومعظم ما نقله بالنقل عن روايات ضعيفة لم تصح.
• المراسلات بين علي ومعاوية والتحكيم:(12/416)
بعد ذلك تحدث المحاضر عن المراسلات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ثم القتال والتحكيم والخوارج وما واكب ذلك من أحداث حتى وفاة علي رضي الله عنه، معتمداً في ذلك على الروايات الضعيفة التي أوردها الطبري في تاريخه، من وجه خاص من طريق الأخباري أبي مخنف يقول فيما يتعلق بقضية المراسلات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وما فيها من مبالغات وإثارة، يقول ابن كثير: ثم ذكر أهل السير كلاماً طويلاً جرى بينهم وبين علي، وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر. كذلك قضية رفع أهل الشام للمصاحف وما فيها من مبالغات، واتهام علي رضي الله عنه برد التحاكم إلى كتاب الله، وحقيقة هذا الأمر ما أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، عن عبد العزيز بن ...... قال: حدثني ابن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي في النهروان، وهي الوقعة التي قتل بها الخوارج: فيم استجابوا له؟ وفيم فارقوه؟ وفيم استحل قتلهم؟ قال: كنا في صفين، فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتل، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرسل إلى علي بمصحف وادعه إلى كتاب الله، فإنه لم يأل عليه، فجاءه رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ))[آل عمران:23] فقال علي: نعم أنا أولى بذلك، بيني وبينكم كتاب الله، قال: فجاءته الخوارج ونحن ندعوهم يومئذٍ ...... وسيوفهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين! ما ننتظر بهؤلاء القوم الذين على التل، ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فتكلم سهل بن حنيف فقال: يا أيها الناس! اتهموا أنفسكم -يعني: لا تعصوا علياً رضي الله عنه وأطيعوه في قضية التحاكم إلى كتاب الله مع أهل الشام- فلقد رأتينا يوم الحديبية ولو مضى قتال لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟! أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: (يا ابن الخطاب! إني رسول الله ولن يضيعني أبداً، قال: فرجع وهو متغيض فلم يصبر حتى أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على الحق وهم على الباطل، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله أبداً، قال: فنزلت سورة الفتح، قال: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأها إياه، قال: يا رسول الله! وفتح مبين؟ قال: نعم).
• اتهام أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
وأيضاً: مما ذكره الدكتور طارق السويدان اتهام أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه بخلع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أثناء التحكيم، وهذا الأمر غير صحيح، وذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم مجمعون على أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة، يعني: أصل لجنة التحكيم لم يكن عندهم نزاع على الخلافة، لأنه حتى معاوية ومن معه كلهم مقرون بأن علياً أحق بالخلافة بلا شك، ولم ينازعه أحد، فكانت هذه نقطة إجماع، فمن أين أتى بأن أبا موسى وعمرو بن العاص خلعا أمير المؤمنين أثناء التحكيم؟! فالصحابة كانوا مجمعين على أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة، وليس هذا محل شك أو خلاف بينهم حتى يثيروا هذه القضية أثناء التحكيم، بل إن معاوية رضي الله عنه وأهل الشام كانوا مقرين بأحقية علي رضي الله عنه بالخلافة وبأفضليته، يعني: قضية أن علي أولى بالخلافة هذه مفروغ منها، لكن اختلفوا مع علي في مطالبتهم في إقامة الحدود على قتلة عثمان رضي الله عنه، والتي من أجلها انعقد التحكيم.(12/417)
يقول الحافظ ابن حجر: وذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين من تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع علياً في الخلافة، أوَ أنت مثله؟ قال: لا، فإني أعلم أنه أفضل مني، وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه ووليه أطالب بدمه، فائتوا علياً وقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان. فكان هذا هو محور الخلاف أن معاوية رضي الله تعالى عنه كان هو الولي الشرعي لعثمان بن عمه، فكان يطالب بدمه لأنه قتل مظلوماً، فطلب منهم أن يكلموا علياً أن يسلمه قتلة عثمان رضي الله تعالى عنه، فأتوه وتكلموا، فقال علي: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي، أولاً: يدخل في البيعة ثم بعد ذلك يطالب بالقصاص، فامتنع معاوية، فسار علي بالجيوش من العراق حتى نزل بصفين، وسار معاوية حتى نزل هناك، وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ......، فلم يتم لهم أمر فوقع القتال.
• اتهام معاوية بتنصيب نفسه خليفة للمسلمين:
أيضاً: من هذه الوقفات اتهام معاوية بتنصيب نفسه خليفة للمسلمين ومبايعة أهل الشام له على ذلك بعد التحكيم، وهذا من أباطيل الأخباريين، لأن معاوية رضي الله عنه لم يتطلع لخلافة المسلمين إلا بعد استشهاد علي رضي الله عنه، يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: كانت بيعة أهل الشام لمعاوية عند مقتل علي، وذلك في سنة أربعين، لكن أهل الشام ما بايعوه في حياة علي، علق ابن كثير على ذلك بقوله: لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المسلمين؛ لأنه لم يبق له عندهم منازع، أما في حياة علي فما فيه شك أنهم كانوا يعرفون أن علياً أفضل وأحق بالخلافة من معاوية رضي الله عن الجميع.
• تخصيص السويدان علياً والحسين ببعض عبارات التكريم:
من المؤاخذات العابرة ولكن لا بأس من الاستفادة بها تخصيص الدكتور طارق السويدان علياً والحسين رضي الله تعالى عنهما ببعض عبارات التكريم، مثل قوله: كرم الله وجهه، أو قوله: عليه السلام، دون سائر الصحابة رضوان الله عليهم، نقول في هذه المسألة -مسألة التخصيص- قد أجاب عنها ابن تيمية رحمه الله تعالى حين سئل عمن يقول إذا ذكر علي: صلى الله عليه، هل يجوز له أن يخصه بالصلاة دون غيره؟ فأجاب: ليس لأحد أن يخص أحداً بالصلاة عليه دون النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: مكن تصلي عليه فتقول: وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين يعني: تأتي بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من عداه تبع، لكن أن يخص شخص معين بقوله: صلى الله عليه أو عليه السلام فيقول: ليس لأحد أن يخص أحداً بالصلاة عليه دون النبي صلى الله عليه وسلم لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ومن فعل ذلك فهو مبتدع، بل إما أن يصلي عليهم كلهم أو يدع الصلاة عليهم كلهم، بل المشروع أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وقال الإمام ابن كثير في هذه المسألة أيضاً: قد غلب هذا في عبارة كثير من المؤلفين للكتب أن يفرد علياً بأن يقال: عليه السلام من دون سائر الصحابة، أو كرم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحاً، ولكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين.
وقد علق فضيلة الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله على هذه المسألة فقال: أمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لم يرد تخصيصه بذلك -لم يرد أنه يخص بقوله: كرم الله وجهه أو عليه السلام- لكن هذا من فعلات الرافضة وسريانه إلى أهل السنة فيه هضم للخلفاء الثلاثة قبله رضي الله عنهم، فلنتنبه إلى مسالك المبتدعة وألفاظهم، فكم من لفظ ظاهره السلامة وباطنه الإثم.
• قضية تحريض عبد الله بن الزبير للحسين في الخروج على يزيد:
أيضاً أوغل المحاضر في مسألة زعم الأخباريين حول تحريض عبد الله بن الزبير للحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين على الخروج على يزيد بن معاوية، وحقيقة الأمر أن عبد الله بن الزبير كان من جملة الصحابة التابعين الذين نصحوا الحسين رضي الله عنه بعدم الخروج، فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن بشر بن غالب قال: لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال: يا أبا عبد الله! بلغني أنك تريد العراق، قال: أجل، قال: فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك، وإن أتيتهم قتلوك. فهو لم يحرضه على الخروج، بل بالعكس حرضه على ألا يذهب إلى العراق.
ثم يختم الباحث هذه الرسالة اللطيفة بقوله: إن أبرز النتائج التي يمكن الخروج بها من هذا البحث ما يلي:
أولاً: ضرورة الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، وما فيه من الضوابط الشرعية والمنهجية العلمية.(12/418)
ثانياً: أهمية اعتماد كتب السنة في دراسة تاريخ صدر الإسلام، بما فيها من الروايات المهمة عن هذه الفترة ........ بها في المصادر التاريخية.
ثالثاً: خطورة الركون إلى أحاديث الأخباريين فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم.
رابعاً: أهمية دراسة الروايات التاريخية التي تتحدث عن هذه الفترة دراسة نقدية لأسانيدها ومتونها قبل الاعتماد عليها ونشرها بين الناس.
خامساً: أهمية التناصح بين طلبة العلم مع لزوم العدل والإنصاف في ذلك.
وفي الختام أرجو من الله أن تكون هذه الوقفات حافزاً للأخ المحاضر نحو مزيد من الإتقان الذي هو أهل له، فالعلم .... بين أهله، والمسلم قليل بنفسه كثير بإخوانه، ونسأل الله إن يوفقنا وإياه وكل مسلم إلى ما يحبه ويرضاه.
ونذكر الإخوة بأنه مما لابد منه في هذا الموضوع بالذات مما ينبغي فعله الإشاعة بفضائل الصحابة ومكانتهم، وذكر مناقبهم ومآثرهم وأمجادهم في كل أبواب الخير التي قد حفل تاريخهم بنماذج كثيرة جداً منها، والإمساك عما شجر بينهم إلا لضرورة، وبالشروط التي أشرنا إليها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
================
شبهات وأباطيل حول معاوية رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد
نكمل اليوم ما بدأناه من هذه السلسلة ( شبهات وأباطيل حول معاوية رضي الله عنه ) وقد تقدم معنا في الحلقة الماضية الحديث عن شبهة لعن علي رضي الله عنه على المنابر بأمر من معاوية .. واليوم سيكون الرد إن شاء الله ، عن مسألة بيعة الحسن لمعاوية ، واشتراط الحسن أن تكون ولاية العهد من بعد معاوية له .. وإن قضية كهذه فيها إساءة بالغة لشخص الحسن بن علي رضي الله عنه ، حيث اتهمته هذه النصوص بالسعي للصلح من أجل الملك و الدنيا ومتاعها الفاني ..
وتقدم معنا في حلقة مضت – الحلقة رقم ( 13 ) - الحديث عن شبهة اتهام معاوية بدس السم للحسن وقتله .. ولكن هذه الشبهة لم تأتي من فراغ خاصة أن هناك رواية يتمسك بها المبتدعة تتحدث عن معاهدة الصلح والتي اشترط فيها الحسن على معاوية بأن تكون الخلافة له من بعده .. فكان أمام معاوية هذه العقبة ، لذا فإنه لما بدأ يفكر في البيعة ليزيد لم يجد من أن يدس السم إليه ، ليتخلص من الشرط !!!
ولمعرفة أبعاد هذه القضية وهذه الشبهة ، ثم الخروج بحكم صحيح كان لابد من معرفة كيفية الصلح وما هي الشروط التي اقتضاها ذلك الصلح ..
كان الحسن رضي الله عنه معارضاً لخروج أبيه لقتال أهل الجمل وأهل الشام ، كما جاء ذلك بإسناد حسن عند ابن أبي شيبة في المصنف (15/99-100) ، و ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 42/456-457) .. ثم لما رأى تلك المعارك التي لاشك أنها تركت في نفسه جرحاً بليغاً ، خاصة بعد أن رأى تحول المسلمين من فاتحين ومجاهدين إلى جماعات متناحرة شاهرين الرماح في وجوه بعضهم البعض .. ورأى كيف سقط الآلاف من المسلمين ، بسبب تلك الحروب التي لاتخدم إلا أعداء الإسلام .. ثم إنه بالتأكيد قد أحس بتلك الأصابع الخفية ، التي ساعدت على تأجيج وتوسيع الخلاف بين المسلمين ..
بعد استشهاد علي رضي الله عنه ، اجتمع أنصار علي واختاروا الحسن خليفة لهم من بعد أبيه ، وبايع الحسن أهل العراق على بيعتين : بايعهم على الإمرة ، وبايعهم على أن يدخلوا فيما يدخل فيه ، ويرضوا بما رضي به . انظر : طبقات ابن سعد الطبقة الخامسة ( 5/257 ) بإسناد حسن .
وبعد أن أخذ البيعة منهم قال لهم : الحقوا بطينتكم وإني والله ما أحب أن ألي من إمرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يزيد على ذرة خردل يهراق منهم محجم دم . انظر : طبقات ابن سعد الطبقة الخامسة ( 5/257 ) بإسناد صحيح .
هنا ارتاب أهل العراق من شرط الحسن عندما بايعهم ، ووقع في حسّهم أن الحسن ليس بصاحب قتال ، وقد تعرض الحسن رضي الله عنه لمحاولة اغتيال من قبل أحد الخوارج حينما طعنه في وركه طعنة خطيرة ، مرض منها الحسن طويلاً وكادت أن تودي بحياته .. انظر : المعجم الكبير للطبراني ( 3 / 61 ) بإسناد حسن .
وهذا التصرف جعل الحسن يزداد بغضاً لأهل الكوفة ، فراسل معاوية في الصلح . وفي المقابل راسل معاوية الحسن ووافق على الصلح ، هنا استشار الحسن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في هذا التصرف فأيده . طبقات ابن سعد ، الطبقة الخامسة ( 269 ) بسند صحيح .
هذا وقد مرت قضية الصلح بمراحل عدة ، أشار إليها الدكتور خالد الغيث في كتابه القيم مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري ( ص 126 – 135 ) وهذا مختصرها :-
( المرحلة الأولى : دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بأن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، فتلك الدعوة المباركة هي التي دفعت الحسن رضي الله عنه إلى الإقدام على الصلح بكل ثقة وتصميم .(12/419)
( المرحلة الثانية : الشرط الذي وضعه الحسن أساساً لقبوله مبايعة أهل العراق له ، بأن يسالموا من يسالم ويحاربوا من يحارب .
( المرحلة الثالثة : محاولة الاغتيال التي تعرض لها الحسن رضي الله عنه على يد الخوارج ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/323 ) بسند حسن .
( المرحلة الرابعة : إجبار الحسن رضي الله عنه على الخروج لقتال أهل الشام من غير رغبة منه ، وهذا الأمر أشار إليه ابن كثير رحمه الله في البداية ( 8/14 ) بقوله : ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحد ، ولكن غلبوه على رأيه ، فاجتمعوا اجتماعاً عظيماً لم يسمع بمثله ..
( المرحلة الخامسة : خروج معاوية رضي الله عنه من الشام وتوجهه إلى العراق ، بعد أن وصل إليه خبر خروج الحسن من الكوفة ..
( المرحلة السادسة : تبادل الرسل بين الحسن ومعاوية ، ووقوع الصلح بينهما رضان الله عليهما .
( المرحلة السابعة : المحاولة الثانية لاغتيال الحسن رضي الله عنه ، حيث أنه بعد أن نجحت المفاوضات بين الحسن ومعاوية ، شرع الحسن في تهيئة نفوس أتباعه على تقبل الصلح الذي تم ، فقام فيهم خطيباً ، وبينما هو يخطب إذ هجم عليه بعض معسكره محاولين قتله ، ولكن الله أنجاه منهم . انظر هذا الخبر في الأخبار الطوال للدينوري ( ص 216 – 217 ) .
( المرحلة الثامنة : تنازل الحسن بن علي عن الخلافة وتسليمه الأمر إلى معاوية رضوان الله عليهم أجمعين . انظر خبر هذه المرحلة عند الطبراني في الكبير ( 3 / 26 ) بسند حسن وفضائل الصحابة للإمام أحمد ( 2 / 769 ) بسند صحيح .
قال أبو سلمة التبوذكي رحمه الله في معرض الإشادة بجمع عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن : وكان في جمعه القرآن كابي بكر في الردة . السنة للخلال ( 322 ) .
قلت : وكذلك كان الحسن رضوان الله عليه في صلحه مع معاوية رضي الله عنه في حقنه لدماء المسلمين ، كعثمان في جمعه القرآن وكأبي بكر في الردة .
ولا أدل على ذلك من كون هذا الفعل من الحسن يعد علماً من أعلام النبوة ، والحجة في ذلك ما سجله البخاري في صحيحه لتلك اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة المسلمة حين التقى الجمعان ، جمع أهل الشام وجمع أهل العراق ، عن أبي موسى قال : سمعت الحسن – أي البصري - يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها . فقال له معاوية - و كان والله خير الرجلين - : أي عمرو ، إن قتل هؤلاء ، هؤلاء و هؤلاء ، هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس – عبد الله بن سمرة و عبد الله بن عامر بن كريز – فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه و قولا له و اطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما و قالا له و طلبا إليه . فقال لهما الحسن بن علي : إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال – أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحاً ، قال ابن حجر : فنبه على ذلك خشية أن يرجع عليه بما تصرف فيه ( 13 / 70 ) – و إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها – أي المعسكرين الشامي والعراقي قد قتل بعضها بعضاً ، فلا يكفون عن ذلك إلا بالصفح عما مضى منهم - قالا : فإنه يعرض عليك كذا و كذا و يطلب إليك و يسألك ، قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه ، فقال الحسن - أي البصري - : و لقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر - و الحسن بن علي إلى جنبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى و يقول - : إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . صحيح البخاري مع الفتح (5/361) و الطبري (5/158) .
و في هذه القصة فوائد كثيرة أفادها الحافظ في الفتح (13/71-72) منها :-
1- عَلَمٌ من أعلام النبوة .
2- فيها منقبة للحسن بن علي رضي الله عنهما ، فإنه ترك الملك لا لقلة و لا لذلة و لا لعلة ، بل لرغبته فيما عند الله ، و لما رآه من حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين و مصلحة الأمة .
3- فيها ردّ على الخوارج الذين كانوا يكفرون علياً و من معه و معاوية و من معه ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين .
4- فيها دلالة على فضيلة الإصلاح بين الناس ، ولا سيما في حقن دماء المسلمين .
5- فيها دلاله على رأفة معاوية بالرعية و شفقته على المسلمين ، و قوة نظره في تدبير الملك و نظره في العواقب .
6- فيها جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحاً للمسلمين .
7- و فيه جواز ولاية المفضول مع وجود الأفضل ، لأن الحسن و معاوية ولي كل منهما الخلافة و سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ) و سعيد بن زيد (ت51هـ) في الحياة و هما بدريان .(12/420)
قال ابن بطال معلقاً على رواية البخاري : هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح ، وأنه عرض على الحسن المال ورغبه فيه ، وحثه على رفع السيف ، وذكره ما موعده جده صلى الله عليه وسلم من سيادته في الإصلاح به . انظر : الفتح ( 13 / 69 ) .
وهناك رواية أخرى أخرجها ابن سعد في الطبقات ( 1 / 330 – 331 ) بسند صحيح وهي لا تقل أهمية عن رواية البخاري في الصلح ، وتعد مكملة لها ، وهي من طريق عمرو بن دينار : إن معاوية كان يعلم أن الحسن أكره للفتنة ، فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأسلح الذي بينه وبينه سراً ، وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حي لَيُسَمِّينَّهُ – أي يرشحه للخلافة من بعده - ، وليجعلن هذا الأمر إليه ، فلما وثق منه الحسن ، قال ابن جعفر : والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب بثوبي وقال : اقعد يا هَناهُ – أي يا رجل – اجلس ، فجلست ، قال : إني قد رأيت رأياً وأحب أن تتابعني عليه ، قال : قلت : ما هو ؟ قال : قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث ، فقد طالت الفتنة ، وسقت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام ، وقطعت السبل ، وعطلت الفروج – يعني الثغور - ، فقال ابن جعفر : جزاك الله عن أمة محمد فأنا معك على هذا الحديث ، فقال الحسن : اع لي الحسين ، فبعث إلى الحسين فأتاه فقال : يا أخي أني قد رأيت رأياً وإني أحب أن تتابعني عليه ، قال : ما هو ؟ قال : فقص عليه الذي قال لابن جعفر ، قال الحسين : أعيذك بالله أن تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية ، قال الحسن : والله ما أردت أمراً قط إلا خالفتني إلى غيره ، والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري ، قال : فلما رأى الحسين غضبه قال : أنت أكبر ولد علي ، وأنت خليفته ، وأمرنا لأمرك فافعل ما بدا لك .
والحقيقة أن الرغبة في الصلح كانت موجودة لدى الطرفين الحسن ومعاوية ، فقد سعى الحسن رضي الله عنه إلى الصلح ، وخطط له منذ اللحظات الأولى لمبايعته ، ثم جاء معاوية فأكمل ما بدأه الحسن ، فكان عمل كل واحد منهما مكملاً للآخر رضوان الله عليهم أجمعين .
ومن خلال النصين السابقين ، وبالتدقيق في الروايات التي تنص على طلب الحسن الخلافة بعد معاوية ، نجد أنها تتنافى مع قوة و كرم الحسن ؛ فكيف يتنازل عن الخلافة حقناً لدماء الأمة و ابتغاء مرضاة الله ، ثم يوافق على أن يكون تابعاً ، يتطلب أسباب الدنيا و تشرأب عنقه للخلافة مرة أخرى ؟!
و الدليل على هذا ما ذكره جبير بن نفير قال : قلت للحسن بن علي ، إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة ، فقال كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز . البلاذري في أنساب الأشراف (3/49) و طبقات ابن سعد ، الطبقة الخامسة ( ص 258) بسند جيد .
وفي اعتقادي أن هذه القصة عبارة عن إشاعة سارت بين الناس وبالذات بين أتباع الحسن ، ثم إنه من الملاحظ أن أحداً من أبناء الصحابة أو الصحابة أنفسهم ، لم يذكروا خلال بيعة يزيد شيئاً من ذلك ، فلو كان الأمر كما تذكر الروايات عن ولاية العهد ، لاتخذها الحسين رضي الله عنه حجة ، وقال أنا أحق بالخلافة ، ولكن لم نسمع شيئاً من ذلك على الإطلاق .
ومما يؤيد هذا الاعتقاد ، ما قرره الأستاذ محمد ضيف الله بطاينة في مقال له منشور في مجلة الجامعة الإسلامية العدد ( 83 – 84 ) سنة 1409هـ ، حيث قال : وربما أن هذه الإشاعة – قضية ولاية عهد الحسن بعد معاوية – أطلقت في ظروف متأخرة ، أرادت التعريض بالبيعة ليزيد ، واتهام معاوية بالخروج على الشورى في استخلافه ولده يزيد ، وهي قضية جرت في فترة تالية من الصلح بين الحسن ومعاوية .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ومع شبهة استغناء معاوية عن المطالبة بقتلة عثمان ، مقابل توليه الخلافة ..
وتقبلوا تحيات أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
====================
الرد على الجاني علي الميلاني
في طعنه في أسانيد روايات صلاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
بقلم : ماجد بن إبراهيم الصقعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الميلاني في بداية رسالته : ( لقد بحثت عن الخبر من أهم نواحيه ، وسبرت ما قيل فيه ، وتوصلت على ضوء ذلك إلى واقع الحال ... وحق المقال .... فإلى أهل التحقيق والفضل ... هذا البحث غير المسبوق ولا المطروق من قبل ، أرجو أن ينظروا فيه بعين الإنصاف ... بعيداً عن التعصب والاعتساف ... وما توفيقي إلا بالله ) ، وكنا نود والله أن يكون الميلاني صادقاً في كلامه لنرى هل نحن على صواب أم لا ؟؟؟ ولكن يعلم الله أنه هو أبعد الناس عن الإنصاف ، وأقربهم إلى التعصب والاعتساف ، وفيما يأتي أكبر دليل ، وأصدق شاهد ، وأوضح برهان .(12/421)
ثم إن من القواعد المتفق عليها عند علماء الجرح والتعديل عند عرض الروايات أن يؤخذ رأي الفريق الذي تم أخذ الرواية من كتبه عند الحكم عليها ، فمثلاً عندما يأتي أحدنا بحديث من كتاب الكافي للكليني ، لا بد أن يحكم على الرواية بالاستناد على أقوال علماء الشيعة ، وكذلك الحال إذا استشهد أحدنا بحديث من صحيح البخاري ، فلا بد أن نأخذ بأقوال علماء أهل السنة والجماعة في الحكم على الرواة ، أما من أراد أن يحكم على رواة الأحاديث في كتب السنة بآراء علماء الشيعة ، فهذا لا بد له أن يرضى – أيضاً - بآراء علماء أهل السنة والجماعة في حكمهم على رواة الشيعة ، لأن معظم رواة الشيعة غير مقبولي الرواية عند علماء أهل السنة والجماعة ، وكذلك فإن معظم رواة أهل السنة والجماعة غير مقبولي الرواية عند علماء الشيعة ، إذاً فلا بد من الحكم على كل فريق بكتبه وبأقوال علمائه .
والملاحظ في الرسالة المذكورة أن المؤلف الميلاني قد ضرب بهذه القاعدة عرض الحائط !! حيث حكم على عبدالله بن عمر ، وعائشة ، وأبي موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وأبي بردة بن أبي موسى ، وعروة بن الزبير ، وأبي وائل ، رضوان الله عليهم بحكم لم يكن في محله ، حيث اعتمد في طعنه على مرويات في كتب الشيعة ، أو في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ، وعلى ذلك ؛ فلا أقل من المقابلة بالمثل ، وهي إسقاط جميع الروايات التي وردت في كتب الشيعة برمتها ، لأن رواتها مطعون فيهم عند أهل السنة والجماعة ، وهكذا وبكل سهولة يكون المذهب الشيعي قد انهار إلى أبد الآبدين ، ولم أكن أتصور أن مسألة الرد ستكون بهذه السهولة !!!
في بداية الرسالة ذكر المؤلف الروايات التي ذكرت في الكتب الستة عن هذا الخبر بالإضافة إلى مسند الإمام أحمد ، والطريف اللطيف الذي يدل على تبحر هذا الناقد في كتب الحديث وعلومه هو إدراجه موطأ الإمام مالك في الكتب الستة !! فاقرأ وتعجب ، إضافة إلى أن إدراجة للموطأ قد أوقعه في مأزق كبير جداً ، يأتي في محله إن شاء الله تعالى .
ثم إن المؤلف المتتبع قد أغفل بعض الأسانيد التي جاءت تذكر هذا الخبر ، ولكن ولله الحمد فرواية واحدة من الروايات التي ذكرها تغنينا عن تتبع باقي الأسانيد التي لم يذكرها أوالنظر فيها ، لأن أسانيد الخبر لا يرقى إليها الشك بأي حال من الأحوال ، ولنحكم بما اختاره هو من روايات ، ولنعرض عما أغفله من الروايات التي وردت في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما .
ولنبدأ الآن معه في نقده للأسانيد التي ذكرها ، وهي مرتبة حسب الرواة كالتالي . ( ملاحظة : ذكرت جميع الأسانيد بالعنعنة للاختصار ) .
1) أحاديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه :
البخاري : عن إسحاق بن نصر ، عن حسين ، عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى .
مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى .
الإمام أحمد : عبدالله ، عن أبيه ، عن حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عبدالملك ابن عمير ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي موسى .
قال في نقده لهذه الأسانيد ما يلي :
( إنه مرسل ، نص عليه ابن حجر وقال : يحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة ) ، وأحال إلى مصدره وهو فتح الباري ، ولكن لنلق نظرة على ما قاله ابن حجر عن هذا الإسناد ، حيث قال : ( قوله عن أبيه عن عائشة كذا رواه جماعة عن مالك موصولا وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة ... والظاهر أن حديث أبى موسى من مراسيل الصحابة ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال ) .
فهنا ذكر ابن حجر أن أكثر نسخ الموطأ ليس فيه ذكر لعائشة رضي الله عنها ، ومن باب التنازل مع الخصوم : فحتى لو كان الحديث من مراسيل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ؛ فإنه نقل إما عن عائشة ، أو عن بلال رضي الله عنهما ، ومع ذلك تذكر عائشة فقط لحاجة في نفس يعقوب ، ومع ذلك كله ، ومن باب التنازل مع الخصوم إلى آخر درجة ؛ فحتى لو كان الحديث مرسلاً عن عائشة ؛ فهذا ليس بقادح فيه على الإطلاق ، لأن الصحابة كلهم عدول ، فنقل بعضهم عن بعض دون التصريح ليس فيه حرج ، وهذا كثير شائع .
ثم قال في طعنه بأبي بردة رحمه الله : (وهذا الرجل فاسق أثيم ، له ضلع في قتل حجر بن عدي ، حيث شهد عليه ـ في جماعة شهادة زور أدت إلى شهادته ) .
وكنا نتمنى من هذا المحقق بالإضافة إلى تحقيقه وطعنه لما تواتر من الأخبار ؛ أن يقوم بتحقيق الشاذ منها أيضاً ، وأن يفرغ نفسه قليلاً لها ، ولكن العقول المنكوسة قد أعيت الأطباء ، وبالرجوع إلى تاريخ الطبري رحمه الله نجد أن مدار هذه الروايات التي تطعن في أبي بردة رحمه الله يدور على أبي مخنف يحيى بن لوط الشيعي المحترق ، وقد قال عنه يحيى بن معين : ليس بثقة ، وقال أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال الدارقطني : أخباري ضعيف !!! فهنيئاً مريئاً له هذا الإسناد .(12/422)
وأما الخبر الثاني الذي ذكره فهو : ( وروي أيضاً أنه قال لأبي الغادية ـ قاتل عمار ابن ياسر رضي الله تعالى عنه ـ : أ أنت قتلت عمار بن ياسر؟ قال : نعم . قال : فناولني يدك . فقبلها وقال : لا تمسك النار أبداً ! ) ، وقد أحال المرجع إلى شرح النهج لابن أبي الحديد الشيعي ، وقد رواه ابن أبي الحديد الشيعي بإسناد منقطع عن عبدالرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف ، وابن عياش لم أجد له ترجمة ، والمسعودي إن كان هو المؤرخ المشهور فهو ساقط في مقام الاحتجاج لتشيعه المغالي .
ثم انظروا في محصلة الأمر لهذا الميلاني المائل عن الحق : يحتج بالمنقطع المبتور من الروايات ، وبخزعبلات يحيى بن لوط الفاسق الأثيم لتضعيف أبي بردة رحمه الله تعالى الثقة الثبت ، والذي قال فيه علماء الجرح والتعديل وصيارفة الحديث والنقل : ( الإمام الفقيه الثبت ... وكان من أئمة الاجتهاد ... قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال العجلي كوفي تابعي ثقة ) . ( راجع الترجمة في سير أعلام النبلاء ) ، فياللعجب !!
ثم ذكر تضعيف عبدالملك بن عمير بقوله : ( وهو« مدلّس » و« مضطرب الحديث جداً » و« ضع ر .
فما ذكره عن هؤلاء الأعلام صحيح إلى حد كبير ، وإن كان قد ابتلع تتمة كلام هؤلاء الأعلام ، وهو أن عبدالملك بن عمير رحمه الله إنما تغير حفظه في آخر حياته ، حيث عاش 103 سنين ، ولا يستغرب أن يتغير حفظ من بلغ هذا العمر ، ولكن هل معنى ذلك أن نرمي بجميع رواياته في البحر ؟! بالطبع لا ، وإنما يتم التفريق بين ما رواه كبار تلامذته ، وما رواه صغارهم ، وعلى هذا فروايات قدماء أصحابه عنه صحيحة موثقة ، أما روايات الأصاغر عنه فلا ، والراوي عن عبدالملك بن عمير هنا هو زائدة بن قدامة رحمه الله ، وهو من كبار أتباع التابعين كما نص عليه ابن حجر في تهذيب التهذيب الذي قام الميلاني بالرجوع إليه لقراءة الترجمة ، ومعنى كونه من كبار أتباع التابعين أنه في الطبقة التي تلي عبدالملك بن عمير بقليل ، لأن عبدالملك بن عمير من طبقة صغار التابعين ، بل كان زائدة من كبار أصحاب عبدالملك بن عمير ، وممن رووا له الكثير من الروايات ، وممن لازموه فترة طويلة قبل اختلاطه ، ولذلك فرواية زائدة عن عبدالملك بن عمير لا غبار عليها .
إضافة إلى ما سبق ؛ فكان من الأمانة العلمية والإنصاف ذكر من وثّق عبدالملك بن عمير ، وإليك ما قاله العلماء في عبدالملك بن عمير ، فقد وثقه العجلي وابن معين والنسائي وابن نمير ، وقال ابن مهدي : كان الثوري يعجب من حفظ عبدالملك ، وقال أحمد بن حنبل : مضطرب الحديث تختلف عليه الحفاظ ، وقال ابن البرقي عن ابن معين : ثقة إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين ، وقال ابن حجر : احتج به الجماعة ( أي أصحاب الكتب الستة ) ، وأخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج ، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات ، وإنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه لأنه عاش مائة وثلاث سنين ، ولم يذكره ابن عدي في الكامل ، ولا ابن حبان …… فواضح مما سبق أن التضعيف إنما كان لسوء حفظه في آخر حياته ، أما رواية القدماء عنه ( ومنهم زائدة بن قدامة ) فهي مقبولة ، وقائمة في مقام الاحتجاج .
أما بالنسبة لتهمة التدليس ؛ فيبدو أن حجة الإسلام في الحديث السيد الميلاني بحاجة لتوضيح معنى التدليس عند المحدثين .
فالتدليس هو : أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه ، أو عمن عاصره ولم يلقه موهماً أنه سمع منه ، أو أن يصف من روى عنه يصفة لا تبين من هو ؟ وينتفي التدليس تماماً إذا صرح الثقة بتحديث شيخه له ، حتى وإن كان من كبار المدلسين إن كان صدوقاً ، فضلاً عن أن يكون دلَّس مرة أو مرتين لخطأ ورد عنه ، والملاحظ أن تهمة التدليس ليس لها أي مقام هنا ، لأن عبدالملك بن عمير رحمه الله صرح بتحديث أبي بردة رحمه الله له ، وعلى هذا فجميع الطعون في عبدالملك بن عمير ساقطة لا اعتبار لها .
ثم يواصل هراءه الذي لا ينتهي بقوله : ( وعبدالملك ـ هذا ـ هو الذي ذبح عبدالله بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي ، وهو رسول الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة ، فانه لما رمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبه رمق ؛ أتاه عبدالملك بن عميرفذبحه ، فلما عيب ذلك عليه قال : « إنما أردت أن أريحه ! » ) .
فنقول لهذا المائلاني : إن الرواية التي احتججت ساقطة باطلة ، وما أعجب الرافضة في معارضتهم للمتواتر من الأحاديث بالباطل منها ، ومع أن ابن كثير رحمه الله قد ذكر هذه الحادثة في كتابه البداية والنهاية ( جزء 8 ص 168 ) إلا أنها ساقطة أيضاً لأنها من روايات أبي مخنف يحيى بن لوط هذا أولاً .(12/423)
ثانياً : وهي الطامة التي ما بعدها من طامة : أن الشخص الذي قتل قيس بن مسهر هو عبدالملك بن عمير البجلي ، أما الراوي الذي نحن بصدده ، فهو عبدالملك بن عمير القرشي ويقال اللخمي ويقال الكوفي ويعرف بالقبطي ، ولكن إطلاقاً لا يعرف بالبجلي !!! وهذه هي قمة النزاهة الشيعية المشهورة .
ثم يجترئ هذا الميلاني بالطعن على أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول عنه : ( ثم الكلام في أبي موسى الأشعري نفسه ، فإنه من أشهر أعداء مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد كان يوم الجمل يقعد بأهل الكوفة عن الجهاد مع الإمام علي عليه السلام ، وفي صفين هو الذي خلع الإمام عليه السلام عن الخلافة ، وقد بلغ به الحال أن كان الإمام عليه السلام يلعنه في قنوته مع معاوية وجماعة من أتباعه ) .
أقول رداً على هذا الجاهل : إن الحكم على أبي موسى الأشعري من كتب الشيعة خاضع لما ذكرناه سابقاً من أن ذلك يستلزم رضا الشيعة بنقد رواياتهم من وجهة نظر أهل السنة والجماعة ، وهذا ما لا يرضاه الشيعة على الإطلاق ، وأبو موسى الأشعري صحابي ، والصحابة كما ذكرنا مراراً وتكراراً كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة ، أما الاستشهاد على عداء أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لعلي بن أبي طالب في نهيه الناس عن القتال ، فهذا كاتهام النصارى للمسلمين ببغض عيسى بن مريم عليهما السلام لأنهم ينهون الناس عن اعتقاد الألوهية فيه !!!!!! وقد كان الزمان زمان فتنة ، والقاعد في الفتنة خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، ففعل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه هو عين الصواب ، وقد وردت الروايات الكثيرة في اعتزال الفتن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلماذا يُلام أبو موسى رضي الله عنه لاتباعه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟!! وأعجب من ذلك كله أن يوكل علي بن أبي طالب عنه في مسألة التحكيم رجلاً يضمر له العداء والبغض ويكون من أشهر المنحرفين عنه ، ومن المثبطين عنه في موقعة الجمل !!!!! فهل كان علي بن أبي طالب أحمقاً إلى هذه الدرجة أن يوكل رجلاً يضمر له كل هذا العداء والبغض ؟؟!!! ومهما قيل في الأسباب التي دعته إلى توكيل أبي موسى ، وأنه قد أكره على ذلك !!! فهل كان علي رضي الله عنه متساهلاً في أمر الإمامة والأمة بأن يوكل في تحديد مصيرها رجلاً هذه صفته فيما يزعم الشيعة ؟؟؟!!! ثم أين شجاعة علي بن أبي طالب في الحق ؟؟!! وأين طاعة شيعته وأتباعه له ؟؟!!! إذا كان هذا هو حال الرعيل الأول من الشيعة في مخالفتهم لأئمتهم ؛ فما بالكم بمن وراءهم ؟؟؟!!! وأما ما روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يلعن أبا موسى الأشعري ومعاوية رضي الله عنهما في صلاته فإن هذا مردود من وجهين : الأول : أن الروايات خالية من الأسانيد ، ونحن هنا في مقام نقاش علمي ، وكل رواية لا تحمل إسناداً ثابتاً فإنما هي كالهباء المنثور ، ليس لها أي وزن أو قيمة ، وأما الثاني : فقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينهى أهل العراق عن لعن أهل الشام ، ويقول لهم : إني أكره لكم أن تكونوا لعانين ، وهذا هو المتوقع من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم لماذا يلعن رجلاً هو الذي وكله عن نفسه بنفسه ؟؟؟!!!
ثم إن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قد روى بعض الروايات في مدح أهل البيت ، فمن ذلك ما رواه ابن ماجة : ( عن أبي موسى الأشعري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فأقبل حسن وحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذهما فوضعهما في حجره فقال صدق الله ورسوله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته ) . قال الشيخ الألباني : صحيح .
فجميع الطرق الثلاثة التي وردت عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه صحيحة لا غبار عليها ، والعاقل المنصف يكتفي بهذه الروايات ، وحسبه بها ، ولكن للمزيد من الإفحام في الرد على هذا المعاجز نكمل النظر في بقية الأسانيد ، وإن كانت بما سبق من الأسانيد قد قامت في مقام الاحتجاج ، إلا أننا ننظر في البقية من باب زيادة الطرق الصحيحة ، ومن باب الشواهد والمتابعات .
2) أحاديث عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما :
البخاري : عن يحيى بن سليمان ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن حمزة بن عبدالله عن أبيه .
مسلم : عن محمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع ـ عن عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن حمزة عن عبدالله بن عمر عن عائشة(12/424)
ذكر أن مدار الحديثين على رواية الزهري ، واتهم الزهري بعدة اتهامات منها قوله : ( محمد بن شهاب الزهري وهو رجل مجروح عند يحيى بن معين ، وعبدالحق الدهلوي ) . وترجم ليحيى بن معين رحمه الله في الحاشية ما يلي : ( هو من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، اتفقوا على أنه أعلم أئمة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكرة الحفاظ 2|429 وغيرها ) !!
فلا أزيد على أن أقول : إن حال هذا المؤلف الجاهل يدعو والله إلى الرثاء ، لأن الإمام الزهري قد أطبق العلماء على رسوخه في الحديث ، وعلى وثاقته ، وعلى قوة حفظه التي تضرب بها الأمثال ، ولكن المؤلف كعادة كُتّاب الشيعة يقرؤون كيفما يشاؤون ، دون تمييز أو تدقيق أو تمحيص ، تماماً كجامع القمامة عند دخوله إلى الحديقة ، لا يرى فيها إلا القاذورات ، لأن الإمام الزهري رحمه الله هو : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى القرشي أبو بكر ، وهو ثقة بالاتفاق ، وقد وثقه : عمر بن عبد العزيز ، ومالك بن أنس ، ويحيى بن معين !! ويحيى بن سعيد القطان ، ومكحول ، وقتادة ، وأيوب ، وعمرو بن دينار ، وأبو بكر الهذلى ، ومعمر ، وعلي بن المديني ، وأبو زرعة ، وابن سعد ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، والليث ، وعبدالرحمن بن إسحاق ، والنسائي ، وعراك بن مالك ، وبقية علماء الإسلام ، بل قال عنه ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب : الفقيه الحافظ ، متفق على جلالته وإتقانه وثبته !!!! ولم يرد عن يحيى بن معين تضعيف له !!!!!! بل إن مجرد التفكير في الطعن فيه يعتبر خطيئة لا تغتفر !!! وإنما فضل ابن معين الأعمش على الزهري ، مع أن الزهري أحفظ من الأعمش ، وهذا كل ما في الأمر .
ثم يواصل طعونه في الزهري رحمه الله بقوله : ( وكان من أشهر المنحرفين عن أمير الؤمنين عليه السلام ) !!! ، وقال أيضاً : ( قال ابن أبي الحديد : « وكان الزهري من المنحرفين عنه ، وروى جرير بن عبدالحميد عن محمد بن شيبة قال : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة ابن الزبيرجالسان يذكران علياً فنالا منه . فبلغ ذلك علي بن الحسين فجاء حتى وقف عليهما فقال : أما أنت يا عروة ، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك ، وأما أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتُك كير أبيك ) ، والرد عليه تماماً كالرد على ما سبق من الهراء ، وهو أن روايات ابن أبي الحديد الشيعي ليست حجة على رواة أهل السنة والجماعة ، فضلاً عن أنها ساقطة سنداً لانقطاعها .
ثم يواصل ويقول عن الزهري : ( ومن الرواة عن عمر بن سعد اللعين ) !!!
وأقول : بالنسبة لرواية الزهري رحمه الله عن عمر بن سعد ، فأين هي هذه الروايات ، وأين عثر عليها هذا الميلاني ؟؟!! لقد ذكر الذهبي أنه أرسل عنه ، وهذا يعني أنه لم يرو عنه مباشرة ، ويبدو أن الأمر قد التبس على هذا الميلاني المسكين ؛ حيث روى الزهري عن عامر بن سعد !! وليس عمر بن سعد قاتل الحسين !! ثم أين هي هذه الروايات حتى يحكم عليها أهل السنة والجماعة ؟ وإذا كانت وثاقة الراوي تعتمد على وثاقة من روى عنه ؛ فلماذا لا يتم توثيق الزهري لأنه قد روى عن علي بن الحسين رحمه الله ؟؟!! وحتى لو ثبتت رواية الزهري عن عمر بن سعد ؛ فإن علماء الشيعة لا يرون بأساً بالرواية عن أصحاب المذاهب الفاسدة أو الضعفاء ، فهم يروون عن الواقفة والجارودية والغلاة والمفوضة وغيرهم ، ولم نسمع من علماء الشيعة تضعيفاً لرجل من رجالهم لأنه روى عن واقفي يعادي علي الرضا الإمام الثامن عند الشيعة ومن خلفه من الأئمة !!! وكذلك بالنسبة للرواية عن الضعفاء ؛ فهذا العياشي الشيعي صاحب التفسيرالمشهور يذكر عنه النجاشي في كتابه الرجال في الترجمة رقم 944 ما نصه : ( محمد بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر ، المعروف بالعياشي ، ثقة ، صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً !!!!!!!!!!!! ) فإذن في نظر الميلاني أن الرواي إن روى عن الضعفاء وكان سنياً فهذا أمر قادح فيه أشد القدح ، أما إن كان هذا الراوي شيعياً فهذا لا بأس به !!! وهذا هو عين الإنصاف الشيعي المعهود !!!! وهذا هو ما يسمى ( بالكيل بمكيالين ) .(12/425)
وأما ما ذكره عن عبدالحق الدهلوي في قوله : ( إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء وبقلة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزهاد ياخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرهم ! فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ) ، فمن هو الدهلوي في مقابل من ذكرناه من العلماء ؟؟!! وأما مصاحبة الأمراء فلم نسمع من قبل أنها تضعف الحفظ ، أو أنها تسبب الاختلاط على الشخص ؛ خاصة إذا كان مصاحباً لهم في الخير دون الشر ، ولم يكن الزهري يسكت عن شرهم كما ذكر الدهلوي ، إضافة إلى أن علماء الشيعة لا يرون إعانة الحكام الظلمة قادحاً في العدالة ، ومن الأمثلة على ذلك : الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، حيث كان أميراً للمدينة من قبل أبي جعفر المنصور ، وعمل له على غير المدينة أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين ، وراجع هذه المعلومات في كتاب أعيان الشيعة الجزء الخامس الترجمة رقم 228 ، فهذا الرجل قد تولى الولايات للمنصور ، وصاحب المهدي العباسي أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه مع أنهم ذوي رحم عنده ، فقام الحسن بن زيد بقطع رحم ماسة له ، وأودى ببني عمه موارد الهلاك من أجل رضا الوالي ، ولم يمنع ذلك كله الطوسي شيخ الطائفة الشيعية من عدّه في رجاله ، وقد ذكره في أصحاب جعفر الصادق في باب الحاء ، الاسم الرابع منها !!!!!!! فيبدو مما مضى أن معاونة الظلمة في جورهم – أيضاً - تقدح في عدالة الرجل إذا كان سنياً !!!! أما إن كان شيعياً فقد يكون هذا مما يزيد وثاقته ، والله أعلم !!!!!!!!!!
يضاف في الرد على ما ذكره عبدالحق الدهلوي : أن قوله مردود بتوثيق أقران الزهري له ، وبمدحهم له ، ومنهم أبو الزناد ، حيث يقول : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس !! وصالح بن كيسان أيضاً يقول : كنت أطلب العلم أنا والزهري ، فقال : تعال نكتب السنن ، قال : فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : تعال نكتب ما جاء عن الصحابة ، قال : فكتب ولم نكتب ، فأنجح وضيعت ، وسأل إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أباه : بم فاقكم ابن شهاب ؟ قال : كان يأتي المجالس من صدورها ، ولا يلقى في المجلس كهلاً إلا ساءله ، ولا شاباً إلا ساءله ، ثم يأتي الدار من دور الأنصار ، فلا يلقى شاباً إلا ساءله ، ولا كهلاً ولا عجوزاً ولا كهلة إلا ساءله ، حتى يحاول ربات الحجال !!! وأنا لا أدري بعد هذه النصوص : من هم أقران الزهري الذين نقموا عليه ؟؟
وأما الرواية عن الزهري أن أول من أسلم هو زيد بن حارثة رضي الله عنه ؛ فكان من الأولى أيضاً بهذا المحقق أن يذكر أقوال الزهري الأخرى ، وهو أن له قولاً آخر ( تدريب الراوي : جزء 2 ص 227 ) وهو أن أول من أسلم خديجة رضي الله عنها ، إضافة إلى اتفاق العلماء أن أول من أسلم هو خديجة ؛ ثم خلافهم فيمن هو بعدها ، فمن ذكر أن أول من أسلم هو فلان ؛ فإنه يقصد إسلامه بعد خديجة رضوان الله عليها .
وأعجب من هذا كله قوله : ( وقال ابن حجر بترجمة الأعمش : « حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال : أجود الأسا وإلا فما معنى قول رجال الحديث من السنة أو الشيعة أو الخوارج أو النواصب أو القدرية أو المعتزلة أو اليهود أو النصارى أو الجن أو الإنس أو الملائكة أو الشياطين : ( إن فلاناً أعلم أهل عصره ) ؟ أو : ( إن فلاناً أثبت الناس ) ؟؟ وهل معنى ذلك إسقاط عدالة البقية ؟؟!! ولكن الهوى يعمي ويصم .
وأما قول الميلاني : ( ولأجل كونه من عمال بني أمية ومشيدي سلطانهم كتب إليه الإمام السجاد عليه السلام كتاباً يعظه فيه ، جاء فيه : « إن ما كتمت ، وأخف ما احتملت ، أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له الطريق الغيّ ... جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلماً إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيهم ، سالكاً سبيلهم ، احذر ، فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت ) ؛ فنحن بانتظار أن يقوم بإرسال نسخة أخرى من هذه الرسالة إلى الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما للتنبيه والتحذير .(12/426)
ثم يجترئ مرة أخرى على خير القرون ، ويقوم بالطعن في عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، فيقول : ( فإنه ممن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد عثمان ، وقعد عن نصرته ، وترك الخروج معه في حروبه ، ولكنه لما ولي الحجّاج بن يوسف الحجاز من قبل عبدالملك جاءه ليلاً ليبايعه فقال له : ما أعجلك ؟! فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية !! فقال له : إنّ يدي مشغولة عنك ـ وكان يكتب ـ فدونك رجلي ، فمسح على رجله وخرج !! ) . ويستشهد بهذه الرواية التي لا خطام لها ولا زمام في الطعن فيمن زكاه الله في كتابه ، ويحتج هذا الحشرة بكلام لا يدري ما عواقبه على جبل من جبال الإسلام ، وعلم من أعلامهم ، ولكن الشيعة قوم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ، وتذكيراً لهم – فقط – نقوم بالرد على بعض ما ذكره ، وإن كان كلامه السخيف لا يحتاج إلى رد .
فأولاً : امتناع ابن عمر عن بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد عثمان فهو من الكذب المجاني ، ولأن الكذب لا حامي له ؛ فإن هذا الميلاني يأخذ منه ويعبُّ كيفما يشاء ، وقد ورد في سير أعلام النبلاء عن ابن عيينة عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال : بعث إليّ علي فقال : ( يا أبا عبدالرحمن ! إنك رجل مطاع في أهل الشام ، فسر فقد أمرتك عليهم ) !! ورجال الإسناد كلهم ثقات ، فكيف يوليه دون أن يبايعه ؟؟!!
ثانياً : ترك النصرة والخروج معه إلى صفين ، فقلنا : إن الزمان زمان فتنة ، وكان ابن عمر يتأسف على عدم خروجه مع علي إلى صفين ، لأن الحق تبين له أنه مع علي رضي الله عنه ، فقد جاء في الاستيعاب : عن أبي أحمد الزبيري ، عن عبدالجبار بن العباس ، عن أبي العميدس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال حين احتضر : ( ما آسى على شيء إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه ) ، ورجال الإسناد كلهم ما بين الثقة والصدوق .
ثالثاً : وأما قصة ابن عمر مع الحجاج ؛ فهي تدعو والله إلى السخرية من هذا المتهوك ، ولكن أنى له أن يدرك ذلك ، ولننظر فيما رواه الإمام الذهبي عن العلاقة الحميمة بين عبدالله بن عمر والحجاج ، فيقول الذهبي رحمه الله في السير : حدثني إسماعيل بن عياش ، حدثني مطعم بن المقدام قال : كتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور ، فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري .
وقال أيوب : عن نافع قال : أصابت ابن عمر عارضة محمل بين أصبعيه ثم الجمرة فمرض ، فدخل عليه الحجاج ، فلما رآه ابن عمر غمض عينيه ، فكلمه الحجاج فلم يكلمه ، فغضب وقال : إن هذا يقول إني على الضرب الاول .
وقال أحمد بن يعقوب المسعودي : حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي ، عن أبيه ، عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدوا لله ، استحل حرم الله ، وخرب بيت الله ، فقال : يا شيخا قد خرف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسودته ، فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج فلم يرد عليه ، وكلمه فلم يجبه .
وروى هشام عن ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ، لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت ، قال : إنك شيخ قد خرفت الغد ، قال : أما إنك لو عدت عدت .
وقال الأسود بن شيبان : حدثنا خالد بن سمير ، قال : خطب الحجاج فقال : إن ابن الزبير حرف كتاب الله ، فقال ابن عمر : كذبت ، كذبت ، ما يستطيع ذلك ولا أنت معه ، قال : اسكت ، فقد خرفت وذهب عقلك ، يوشك شيخ أن يضرب عنقه فيخر ، قد انتفخت خصيتاه ، يطوف به صبيان البقيع .
فقال روح بن عبادة : حدثنا العوام بن حوشب ، عن عياش العامري ، عن سعيد بن جبير قال : لما احتضر ابن عمر قال : ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث : ظمأ الهواجر ، ومكابدة الليل ، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا يعني الحجاج .
ويكفي من جبن هذا المؤرخ أنه ذكر القصة دون إسناد ، لأن وجودها فقط في خياله وخيال الشيعة المريض ، بينما لا نصيب لها من الواقع .
ثم في آخر الكلام ؛ فعبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحابة الأجلاء ، الذين لا يقدح فيهم سباب حثالة البشرية فيهم ، وعدالتهم أعلى من أن يتطاولها أقزام التاريخ !!
وعلى هذا يتبين أن طعن هذا المحقق الفاشل في روايتي البخاري ومسلم ليس له وجه من الصحة ، وعلى هذا فقد ازداد الحديث صحة إلى صحة بزيادة طرقه الصحيحة ، ولننظر في بقية افتراءاته على الأسانيد .(12/427)
هذا وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما من رواة فضائل أهل البيت ، فمن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال عن الحسن والحسين : ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم : هما ريحانتاي من الدنيا ) .
3 ) أحاديث عبدالله بن زمعة رضي الله عنه :
أبو داود : عن عبدالله بن محمّد النفيلي ، عن محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالصمد بن الحرث بن هشام ، عن أبيه عن عبدالله بن زمعة .
أبو داود : أحمد بن صالح ، عن ابن أبي فديك ، عن موسى بن يعقوب ، عن عبدالله بن إسحاق ، عن ابن شهاب ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن عبدالله بن زمعة .
ولم يجد هذا المخذول من طعون في أسانيد هاتين الروايتين إلا أن يقول وبكل وقاحة وجرأة : ( وأما حديث عبدالله بن زمعة ... فقد رواه أبو داود عنه بطريقين ، والمدار في كليهما على « الزهري » وقد عرفته ) !!!!!!!!!! هكذا !! وكأن الزهري قد غدا أكبر الوضاعين !! ولكني أقول : إي والله عرفنا من هو الزهري المقصود ؟ وعرفنا مقدار البحث والتدقيق والأمانة العلمية والسخافة فالذهنية التي يتمتع بها البعض !!
4 ) أحاديث ابن عباس رضي الله عنه :
ابن ماجة : عن علي بن محمد ، عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس .
الإمام أحمد : عن عبدالله عن أبيه ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه ، عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس .
أقول : إن مدار هذه الأسانيد الثلاثة على أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل ، ولم يذكر لأبي إسحاق رواية عن أرقم بن شرحبيل ، وقد استبشر الميلاني بهذه النتيجة وكأنه حاز على كنوز كسرى وقيصر ، لدرجة أنه تمادى في الطعن على أبي إسحاق بقوله : ( قال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه ) ، وأغفل ثناء العلماء عليه ، وأنه صدوق حافظ ، وأنه إنما كان الخطأ من صغار من رووا عنه لا منه ، وأنه لم يختلط في آخر حياته ، وإنما نسي مع كبره لتجاوزه المائة عام ، وهذا كله مبثوث في كتب الرجال ، ولكن الميلاني لا يحسن القراءة جيداً ، لأنه مصاب بالتخليط منذ نعومة أظفاره .
ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن أبا إسحاق السبيعي ( والأعمش كما سيأتي ) ممن رموا بالتشيع ، والتشيع في عرف القدماء هو تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما دون المساس بقضية أفضلية أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع ، إلا أنهما كانا من أهل الصدق ، فلا يصرحان بالتحديث إلا عمن لقياه ورويا عنه ، ولكن قد يدلسان أحياناً لروايتهما عن الضعفاء ، ويرويان بالعنعنة أو بالأنأنة ، ولذلك ؛ فإن علماء الإسلام يحتاطون في الأحاديث التي لم يصرحا فيها بالسماع عمن فوقهما ، ويسقطونها من مقام الاحتجاج ، ما لم تأت قرينة تنفي التدليس ، والطريف في الموضوع كونهما من الرواة المعتبرين عن الشيعة !! وقد وثقهما ودافع عنه بكل قوة عبدالحسين الموسوي في كتابه المراجعات !!! ولكن يجوز الطعن عند الشيعة في الرواي بدون سبب عند الضرورة !!!
وعموماً ؛ فإن إسقاط الرواية بسبب سندها أمر غير مستساغ ، لأن المتن قد روي من طرق أخرى صحيحة ، وكفى بها في مقام الاحتجاج والاعتبار ، وهذا الإسناد قد زاد من صحة الرواية ، لأن أبا إسحاق السبيعي على تشيعه لم يكن من أهل الكذب ، وغاية ما رمي به التدليس .
4 ) رواية ابن مسعود رضي الله عنه :
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وهناد بن السري ، عن حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبدالله .
أقول : وقع عاصم بن أبي النجود الكوفي رحمه الله في أسانيد الرواية عن عبدالله بن مسعود رضي الله ، وكان سيئ الحفظ رحمه الله ، فلو انفرد برواية هذا الحديث لم يُتابَع عليه ، ولكان الحديث ساقطاً ، ولكنه لم ينفرد بروايته ، حيث ورد متن الحديث من طرق أخرى صحيحة ولله الحمد ، وهذا الاعتبار أيضاً غير مسقط لصحة الرواية بل عاضد لها ، لأن عاصم لم يكن كاذباً كحال الكثيرين من رواة الشيعة ، وإنما غاية ما رمي به أنه كان سيء الحفظ رحمه الله .
5 ) حديث بريدة رضي الله عنه :
الإمام أحمد : عبدالله ، أبيه ، عن عبدالصمد بن عبدالوارث ، عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن ابن بريدة ، عن أبيه .(12/428)
قال في بداية هجومه على هذه الرواية : ( وأمّا حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، فمع غضّ النظر عما قيل في رواية ابن بريدة ـ سواء كان « عبدالله » أو « سليمان » ـ عن أبيه فيه ... إلخ ) ، وكأنه تفضل علينا بكرمه الدفّاق ألا يناقشنا في تعيين الرواي عن بريدة رضي الله عنه : هل هو عبدالله أم سليمان ؟ إلا أن رأيه – بدون اعتذار – غير ملتفت إليه ، لأن عبدالله بن بريدة ، وسليمان بن بريدة كلاهما ثقة ، وكلاهما روى عن أبيه ، فما الضير في عدم تعيين الراوي .
ثم يقول الميلاني عن السند أن فيه : ( عبدالملك بن عمير وقد عرفته ) ، وأقول : نعم ، لقد عرفناه .
وهذا الإسناد صحيح لا غبار عليه ، يضاف إلى قائمة الأسانيد الصحيحة السابقة .
6 ) حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه :
ابن ماجة : عن نصر بن علي الجهضمي ، عن عبدالله بن داود ، عن سلمة بن نبيط ، عن نعيم بن أبي هند ، عن نبيط بن شريط ، عن سالم بن عبيد رضي الله عنه .
ثم ابتدأ حديثه بتمويه ومراوغة كبيرين ، حيث قال : ( فقد قال فيه ابن ماجة : هذا حديث غريب ) ، وكالعادة ابتلع بقية كلام ابن ماجة رحمه الله التي تبين للقارئ المعنى من قوله : هذا حديث غريب ، حيث قال ابن ماجة رحمه الله بعد إيراده هذا الحديث : ( قال أبو عبد الله : هذا حديث غريب لم يحدث به غير نصر بن علي ) ، فواضح من سياق الكلام أن الغرابة المقصودة ليست بمعنى الغموض والخفاء والمخالفة لما هو مشهور بين الناس ، وإنما الحديث الغريب في مصطلح أهل السنة والجماعة هو الحديث الذي تفرد أحد الرواة بروايته في أي طبقة من طبقات السند ، حتى لو كانت طبقة واحدة ، وهنا لم يحدّث بهذا الحديث فيما بلغ أبا عبدالله سوى نصر بن علي ، فالحديث غريب بهذا الاعتبار ، وهذا دليل آخر على النزاهة والتحري والدقة في البحث !!!!!!!!!!!! فاتقوا الله فيما تسطره أيديكم يا عباد الله !!!
ثم يقول : ( وفي سنده نظر... فإن نعيم بن أبي هند تركه مالك ولم يسمع منه ؟ لأنه كان يتناول علياً رضي الله عنه ) .
فأقول : إن كان الإمام مالك قد ترك الرواية عنه ؛ فقد روى عنه غير مالك ، فروى عنه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة ، وقد قال فيه ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب : ( ثقة رمي بالنصب ) ا.هـ ، فلنا وثاقته ، وعليه بدعته ، والرواية عنه ليست بأقل من رواية علماء الشيعة عن الواقفة الذين ابتلعوا أموال موسى الكاظم ، وجحدوا إمامة علي الرضا من بعده ، وإمامة محمد الجواد ، وعلي الهادي ، والحسن العسكري ، ومحمد بن الحسن العسكري المزعوم وناصبوهم العداء ، ففي الواقفة شبه من النواصب إلا أن النواصب امتازوا بالقدم الزماني فقط ، فإذا ارتضى علماء الشيعة رواية الواقفي الثقة الذي أنكر إمامة خمسة من أئمة الشيعة ؛ فلماذا لا يرتضون رواية الناصبي الثقة ، مع أن علماء الشيعة يقولون : إن من جحد إمامة إمام واحد ؛ كان كمن جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم !!!!!!! راجع في ذلك رسالة الاعتقادات للصدوق ، ص 103 ط مركز نشر الكتاب الإسلامي ، إيران ، 1370 هـ .
ومن الواقفة الذين وثقهم علماء الشيعة الحسن بن محمد بن سماعة حيث قال النجاشي فيه : ( من شيوخ الواقفة ، كثير الحديث ، فقيه ، ثقة ، وكان يعاند في الوقف ويتعصب ) ص 27 ط قم ، فهذا معاند ومتعصب ضد علي الرضا ، ومع ذلك ثقة عندهم !! وكذلك أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار ، حيث قال النجاشي فيه : ( قال أبو عمرو الكشي : كان واقفاً ، وذكر هذا عن حمدويه عن الحسين بن موسى الخشاب ، قال أحمد بن الحسن واقف ، وقد روى عن الرضا عليه السلام (( شيء طريف حقاً : واقفي يروي عن علي الرضا )) !!! وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث ، معتمد عليه ، له كتاب نوادر ) رجال النجاشي ص 53 ، وذكره الطوسي أيضاً أنه يروي عن الرضا ، راجع الفهرست للطوسي ص 25 ، وكذلك صفوان بن يحيى ، قال عنه محمد بن علي الأردبيلي : ( مذهبه من الوقف وجماعة من الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً ، وكانت له منزلة من الزهد ) راجع جامع الرواة للأردبيلي ج 1 ص 413 ، وكذلك منهم إدريس بن الفضل ، وسليمان الخولاني ، وإسحاق بن جرير البجلي الكوفي ، وجعفر بن محمد بن سماعة ، والحسين بن أبي سعيد ، وهشام بن حيان المكاري ، والحسين بن المختار القلانسي وغيرهم الكثير ممن ناصبوا علي الرضا وأولاده من ( العترة الطاهرة الذين افترض الله طاعتهم وإمامتهم على الناس بالنص والوحي الإلهي ) العداء وجحدوا إمامتهم ، ومع ذلك فهم ثقات عدول أثبات مقبولو الرواية عند الشيعة !!!!!!!!!!! ثم يقولون : نعيم بن أبي هند ضعيف !!! يا لصلابة الوجوه !!(12/429)
ثم يقول : ( وسلمة بن نبيط لم يرو عنه البخاري ومسلم ، قال البخاري : اختلط بآخره ) ، فأقول : قد قال فيه أحمد بن حنبل : كان ثقة ، وكان وكيع يفتخر به ، يقول : عن سلمة بن نبيط ، وكان ثقة ، وقال فيه يحيى بن معين : سلمة بن نبيط ثقة ، وقال فيه ابن نمير : سلمة بن نبيط من الثقات ، كوفى كان يفتخر به أبو نعيم ، وعن عبد الرحمن ، قال : سألت أبى عن سلمة بن نبيط ؟ فقال : ما به بأس هو صالح ، وذكر ابن حجر في تقريب التهذيب : ثقة ، يقال : اختلط ، فذكر الاختلاط بالتضعيف حيث قال : ( يقال ) ، أما تضعيف البخاري له ؛ فمتى كان توثيق البخاري معتمداً عند الشيعة حتى يكون تضعيفه معتمداً كذلك ، وقد قلنا سابقاً أن الاختلاط في آخر العمر لا يعني إسقاط الروايات التي رواها عن الراوي كبار أصحابه ممن أدركوه في شبابه وقبل اختلاطه ، خاصة وأن سلمة بن نبيط من صغار التابعين ، والراوي عنه هنا عبدالله بن داود من صغار أتباع التابعين ، فهو ممن أدركه في شبابه ، وقبل كبر سنه ، وهذا كله على افتراض صحة الاختلاط في آخر عمره .
وأما ترك البخاري ومسلم للرواية عنه ، فهذا لا يُعد قدحاً في الرجل وإسقاطاً لعدالته ، لأنهما لم يرويا عن كل الثقات ، وإلا فإن أول من لم يرو عنه البخاري هو جعفر الصادق ، مع أنه من كبار الثقات بلا خلاف ، فهل يسوغ في العقل أن يكون هذا طعناً في جعفر الصادق ؟؟!! ولكن يترك البخاري الرواية عن الثقات إذا كان الرواة عنهم ضعفاء أو غير مقبولي الرواية عنده ، وهذا هو كل ما في الأمر ، كما هو الحال في جعفر الصادق وغيره .
ثم قال في آخر الأمر : ( ثمّ إن « سالم بن عبيد » لم يرو عنه في الصحاح ، وما روى له من أصحاب السنن غيرحديثين ، وفي إسناد حديثه اختلاف ! قال ابن حجر : « سالم بن عبيد الأشجعي ، من أهل الصفة ، ثم نزل الكوفة وروى له من أصحاب السنن حديثين بإسناده صحيح في العطاس . وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وكلام أبي بكر في ذلك . أخرجه يونس بن بكير في زياداته ) .
وأقول : الحمد لله رب العالمين ، الميلاني نفسه يذكر أن سالم بن عبيد روى الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، فما الضير في ذلك ؟ وما وجه الغرابة ؟ لقد زاد الإسناد حسناً إلى حسن ولله الحمد !!
7 ) أحاديث أنس رضي الله عنه :
روايات الزهري عن أنس رضي الله عنه :
البخاري : عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك الأنصاري .
مسلم : عن عمرو الناقد وحسن الحلواني وعبد بن حميد ، قال عبد : أخبرني وقال الآخران : حدثنا يعقوب ـ وهو ابن إبراهيم بن سعد ـ ، عن أبيه عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك .
مسلم : عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أنس .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن يزيد ، عن سفيان ـ يعني ابن حسين ـ ، عن الزهري ، عن أنس .
فابتدأ بقوله : ( أما حديث أنس بن مالك ، فمنه ما عن الزهري عنه ، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد .
والزهري من قد عرفته ) !! وأقول : نعم عرفنا الزهري جيداً ، كان نادرة التاريخ في الحفظ رحمه الله ، وعرفنا الذين يخبطون خبط العشواء أثناء تحقيقهم للروايات .
ثم يقول : ( مضافاً إلى أن الراوي عنه عند البخاري هو شعيب ، وهو : شعيب بن حمزة ، وهو كاتب الزهري وراويته ) !! ولا أدري ما وجه الإضافة في هذه الجملة ؟ فشعيب بن حمزة والزهري كلاهما ثقات ، ولكن يبدو أن الشيعة يستغربون عندما يجدون حديثاً يرويه ثقة عن ثقة ، لندرة ذلك عندهم .(12/430)
إلا أنه يكمل كلامه فيقول : ( ويروي عن شعيب : أبو اليمان ، وهو : الحكم بن نافع ، وقد تكلم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب ، حتى قيل : لم يسمع منه ولا كلمة ) ، ثم يحيل هذا الوقح المرجع إلى تهذيب التهذيب !!!! ولننظر في أقوال هؤلاء العلماء الذين ضعفوا رواية أبي اليمان عن شعيب في كتاب تهذيب التهذيب ، لننظر مدى الإسفاف والتمويه الذي وصل إليه البعض ، فمما قاله ابن حجر رحمه الله نقلاً عن العلماء في ترجمة أبي اليمان ما يلي : ( فكان ابن شعيب يقول : إن أبا اليمان جاءني ؛ فأخذ كتب شعيب مني بعد ، وفي قصة أهل حمص مع شعيب أنه قال لهم : ارووا عني تلك الأحاديث ، وكان ممن حضر أبو اليمان !! وقال أبو اليمان : قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب ؟ قلت : قرأت عليه بعضه ، وبعضه قرأ علي ، وبعضه أجاز لي ، وبعضه مناولة ، فقال : قل في كله : أخبرنا شعيب !! وعن يحيى بن معين قال : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب بن أبي حمزة ، فقال : ليس هو مناولة ، المناولة لم أخرجها لأحد ، وعن أبي زرعة الرازي : لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثاً واحداً ، والباقي إجازة ) ، ومن أبسط البديهيات أن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، فهؤلاء كلهم أثبتوا إجازة شعيب لأبي اليمان ؛ ولكن الميلاني رمى بهذه الأقوال كلها في البحر ، واحتج بقول أبي داود فقط !! وهذا هو الإنصاف الذي يطالبنا الشيعة بامتثاله .
ثم اعجب في آخر الأمر لهؤلاء الشيعة قليلي الحياء : فعلى جلالة قدر هؤلاء العلماء الأجلاء ، وعلى دقتهم في البحث عن أحوال الرواة ، حتى علموا رواية كل رجل عن أشياخه ، بل بتعداد الأحاديث التي أخذها عن ذلك الشيخ ؛ يأتي أقزام التاريخ ليطعنوا في هؤلاء الجبال ، وليسفهوا آراءهم ، فقبحاً والله وسحقاً لمن يعمل هذه الأعمال ، ولكن الشيعة رأوا قصور كتب علمائهم الكبار في نقد الروايات ، وجهلهم التام بطريقة تتلمذ كل راو عن شيخه ، فأصبحوا يخبطون في قبول الروايات خبط عشواء ، يثير الضحك والحزن معاً ، وبمجموع هذا الخبط العجيب في الروايات ، وبما حصلوه من روايات ضعيفة وموضوعة قاموا بتأسيس ما يسمى بدين الإمامية ، ثم يطالبوننا باتباعه ، وهيهات هيهات .
الحاصل أن الأسانيد الصحيحة قد زادت بما رواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب ، وبروايتي الإمام مسلم .
ثم تناول الإسناد الوارد في مسند الإمام أحمد بن حنبل في رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، فقوله صحيح في عدم موافقته فيما يرويه عن الزهري ، إلا أنه ثقة في نفسه وفي روايته عن غير الزهري بالاتفاق كما ذكر ذلك ابن حجر في تقريب التهذيب ، وفي الجرح والتعديل ما يلي : قال يحيى بن معين : سفيان بن حسين ليس به بأس ، وليس من أكابر أصحاب الزهرى ، وقال عنه : إنه ثقة ، وهو صالح ، حديثه عن الزهرى قط ليس بذاك ، إنما سمع من الزهرى بالموسم ، وكما قال الميلاني في ترجمة الزهري ؛ ((( فالإمام يحيى بن معين من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، اتفقوا على أنه اعلم أئمة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكرة الحفاظ 2|429 وغيرها ))) فليأخذ بقوله هنا كما أخذ بقوله في طعنه في الزهري !!!
ثانياً : روايات حميد عن أنس رضي الله عنه :
النسائي : عن علي بن حجر ، عن إسماعيل ، عن حميد ، عن أنس .
الإمام أحمد : عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا عبدالله بن الوليد ، ثنا سفيان ، عن حميد عن أنس بن مالك .
فقال فيما قاله من افتراءات : ( ومنه ما عن حميد عن أنس ، وقد أخرجه النسائي وأحمد ، وحميد هو : حميد ابن أبي حميد الطويل ، وقد نصوا على أنه كان مدلساً ، وعلى أن أحاديثه عن أنس مدلسة وهذا الحديث من تلك الأحاديث ) ، وكعادته ، وبكل وقاحة يحيل إلى تهذيب التهذيب لتوثيق ما قاله ، وبالنظر إلى تهذيب التهذيب نجد ما يلي من أقوال العلماء : ( قال ابن خراش : يقال : إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت ، وقال مؤمل عن حماد : عامة ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت ، وقال أبو عبيدة الحداد عن شعبة : لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثاً ، والباقي سمعها من ثابت ، أو ثبته فيها ثابت ، وقال ابن عدي : له أحاديث كثيرة مستقيمة ، وقد حدث عنه الأئمة ، وأما ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذكر ، وسمع الباقي من ثابت عنه فأكثر ما في بابه أن بعض ما رواه عن أنس يدلسه ، وقد سمعه من ثابت ، وقال الحافظ أبو سعيد العلائي : فعلى تقدير أن يكون أحاديث حميد مدلسة ؛ فقد تبين الواسطة فيها ، وهو ثقة صحيح !! ) .
إذا فحتى لو كان هذا الحديث مدلساً ؛ فإن الواسطة قد عرفت ، وانتفى الطعن في هذا الإسناد ، وأنا أعلم علم اليقين أن الميلاني قد اطلع على هذا ولا ريب ، ولكنه لا يريد أن يذكره لأنه يأخذ ما يريده حسب مزاجه المتعكر الغريب .(12/431)
ثم يقول : ( مضافاً إلى أن الراوي عنه ـ عند أحمد ـ هو سفيان بن حسين ، وقد عرفته ) !!! وكأن سفيان هو أكبر الوضاعين ، وكأن العلماء لم يقولوا بصريح العبارة عنه : إنه ثقة في غير الزهري !! ومنهم يحيى بن معين الحائز على إعجاب الميلاني ورضاه .
ثم ابتدأ هذا المخذول في الطعون في شخص أنس بن مالك رضي الله عنه ، مغفلاً بكل جرأة سندين وردا عند البخاري ومسلم هما :
البخاري : عن أبي معمر ، عن عبدالوارث ، عن عبدالعزيز ، عن أنس .
مسلم : عن محمد بن المثنى وهارون بن عبدالله ، عن عبدالصمد ، عن أبيه ، عن عبدالعزيز ، عن أنس .
لأن هذا المسعور حاول أن ينهش منهما بأي وسيلة ، ومن أي جهة ، ولكن لم يستطع إلى ذلك سبيلاً ، فقام بتجاوز هذه العقبة الكؤود عليه بتجاهلها ، ويا له من رد مفحم !!
ثم يقول بملء فمه ملأه الله من جمر جهنم ، وبأسلوب ملتوٍ ما يلي : ( هذا ، وسواء صحت الطرق عن أنس أو لم تصح فالكلام في أنس نفسه : فاول ما فيه كذبه !!! وذلك في قضية حديث الطائر المشوي ، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا الله سبحانه أن يأتي بعلي عليه السلام ( وسيتبين لنا كذبه في هذه النقطة عند ذكر الحديث بتمامه ) ، وكان يترقب حضوره ، فكان كلما يجيء علي عليه السلام ليدخل على النبي صلى الله عليه وسلّم قال أنس : « إن رسول الله على حاجة » حتى غضب رسول الله وقال له : « يا أنس ، ما حملك على رده ؟! » ( أخرجه غير واحد من الأئمة في كتبهم ، راجع منها المستدرك 3|130 ) .
فأما حديث الطائر المشوي ؛ فكان من الأولى بالعلامة البحاثة الميلاني ألا يأخذ الأحاديث على إطلاقها ، وإنما يأخذها بعد نقد أسانيدها حتى تطمئن النفس إليها ، ولكن ما أولع الشيعة بالغرائب ، يأتينا هذا النكرة برواية لا أصل لها ولا فصل يعارض بها توثيق صحابي قد أثنى الله عليه في محكم تنزيله !!! وقد رواها الحاكم بإسنادين بلفظ : ( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ) في أحدهما ، وليس ( بعلي ) !!! وفي الأخر : ( بأحب خلقك إليك وإليّ ) ، وكلا السندين ساقط .
إضافة إلى أن النظر في متن الحديث الأول يغني عن النظر في سنده ، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه : ( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ) ، وهذا يعني أن الله يحب علياً أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم !! كبرت كلمة تخرج من أفواههم .
وأما الحديث الثاني فقد وقع في إسناده عبيد بن كثير العامري ، وفيه قال الدوري والغلابي عن ابن معين : ليس بثقة ، وقال ابن الجنيد عن ابن معين : كذاب ، وقال عبد الخالق بن منصور : سئل ابن معين عنه فقال : لا ولا كرامة ، وكان من أحسن الناس سمتا ، وقال أبو زرعة : واهي الحديث ، حدث أحاديث منكرة لا ينبغي أن يحدث عنه ، وقال بن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : ضعيف الحديث ، ذاهب الحديث ، ولم يحدثني عنه ، وقال صالح بن محمد : كذاب ، كان يضع الحديث ، وله أحاديث منكرة ، وهو ابن أخت سفيان ، وقال البخاري : ليس بشيء ، وقال الآجري عن أبي داود : كان يضع الحديث ، وما علمته قريبا لسفيان ، قلت له : هكذا قال ابن معين فسكت ، وقال النسائي وأبو بكر الجعابي : متروك الحديث ، وقال بن حبان : كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات ، حدث عن هشام بن عروة بنسخة موضوعة ، وقال أبو نعيم الأصبهاني : لا شيء متروك !!!!!!!!!!!! فهنيئاً للشيعة بهذا الإسناد العالي ، واعجب مرة أخرى لهذا الميلاني الذي يستدل ويستشهد بحديث يرويه الكذابون الوضاعون ، ويرد الأحاديث التي غاية ما وجد فيها من الطعن نسيان أحد الرواة ، أو اختلاطه في آخر عمره !!!!! مع أن النسيان ( لو وجد ) ؛ فإنه يُعضد برواية غيره معه ، وهذا ما يسمى بالشواهد والمتابعات ، أما أحاديث الكذابين الوضاعين فهي إهداء مجاني لمن أراد أن يتدين بدين الزنادقة .(12/432)
وأما نص الحديث الذي ورد من الطريق الثاني ؛ فهو : عن ثابت البناني ، أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان شاكياً ، فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له ، فجرى الحديث حتى ذكروا علياً رضي الله عنه ، فتنقصه محمد بن الحجاج ، فقال أنس : من هذا ؟ أقعدوني . فأقعدوه ، فقال : يا ابن الحجاج ، ألا أراك تنقص علي بن أبي طالب ، والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ، وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام من أبناء الأنصار ، فكان ذلك اليوم يومي ، فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطير فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم أيمن ، ما هذا الطائر ؟ قالت : هذا الطائر أصبته فصنعته لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم جئني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر ، وضرب الباب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس انظر من على الباب ؟ قلت : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، فذهبت فإذا علي بالباب ، قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ، فجئت حتى قمت من مقامي ، فلم ألبث أن ضرب الباب ، فقال : يا أنس ، انظر من على الباب ، فقلت : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، فذهبت فإذا علي بالباب ، قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ، فجئت حتى قمت مقامي فلم ألبث أن ضرب الباب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس ، اذهب فادخله فلست بأول رجل أحب قومه ، ليس هو من الأنصار ، فذهبت فأدخلته ، فقال : يا أنس قرب إليه الطير ، قال : فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلا جميعاً ، قال محمد بن الحجاج : يا أنس ، كان هذا بمحضر منك ؟ قال : نعم ، قال : أعطي بالله عهداً أن لا أنتقص علياً بعد مقامي هذا ، ولا أعلم أحداً ينتقصه إلا أشنت له وجهه .
والملاحظات على متن هذا الحديث ( إن صح سنده ، مع أنه باطل ) : أن هذا الحديث يثبت ولاء أنس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، فمع مرضه طلب من جلسائه أن يجلسوه ، ثم قعد وذكر هذا الحديث في مدح علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويكفي من ذلك كله أن أحد أعداء علي بن أبي طالب قد أصبح من محبيه بعد سماعه هذا الحديث من أنس رضي الله عنه !!! والمفترض أن يعدها الشيعة هذه الحادثة منقبة لأنس لا مذمة ، وما دام أن الميلاني يصدق بهذه الرواية ؛ فكيف يزعم أن أنساً كان يضمر العداء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وكيف تسول له نفسه الطعن فيه بشتى الطعون ؟؟ ولكن الكيل بمكيالين ، والأمانة والموضوعية في النقل تختلف حسب الظروف !!
ثم إن أنس لم يكن يقصد علياً رضي الله عنه بالذات ، ولو جاء أبو بكر أو عمر أو عثمان قبل علي لفعل أنس معهم ( حسب ما تزعم الرواية ) نفس ما فعله مع علي رضي الله عنهم ، لأنه كان يحب قومه ، فأراد أن تكون هذه المنقبة في أحدهم ، ومع ذلك كله ، لم يوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما علم ما في نفسه ، بل قال له : اذهب فأدخله فلست بأول رجل أحب قومه ، ولو كان ما فعله خطأ ( إن صحت الرواية قبل ذلك كله ) لوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعله .
وعموماً القصة ساقطة السند ، وإنما ذكرت المتن ليتبين للناس كيف يقلب الشيعة المناقب إلى مثالب .
ثم يكمل كيل الاتهامات المجازفة لأنس رضي الله عنه ، فيقول : ( ثم كتمه الشهادة بالحق ، وذلك في قضية مناشدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به ، فشهد قوم وأبى آخرون ـ ومنهم أنس ـ فدعى عليهم فأصابتهم دعوته ، ومن المعلوم أن الكاذب لا يقبل خبره ، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك ) .
وقد أحال مرجعه في ذكر القصة إلى كتاب الغدير للأميني !! وهو كتاب ساقط من الاعتبار عند أهل السنة والجماعة ، لأن رواته ساقطو العدالة ، والكثير منهم كذابون ، ومؤلفه يروي عن الضعفاء كثيراً ، وواحدة بواحدة ، والبادئ أظلم .(12/433)
ثم يقول بكل ثقة : ( ومن المعلوم أن الكاذب لا يقبل خبره ) !!! فأقول : على فرض صحة القصة ، فأنس رضي الله عنه لم يكذب فيها ، وحاشا لله أن يكذب وقد عدّله الله من فوق سبع سماوات في كتابه الكريم ، ولكن بالنسبة للرواية عن الكذابين وقبول أخبارهم فلننظر إلى آراء علماء الشيعة في هذا الموضوع ، ولننظر في ترجمة محمد بن سنان أبي جعفر الزاهري ، فهذا الزاهري قد افتخر به عبدالحسين الموسوي في المراجعات ، وقال عنه الحر العاملي : ( وثقه المفيد ! وروى الكشي له مدحاً جليلاً يدل على التوثيق ! وضعفه النجاشي والشيخ ظاهراً ، والذي يقتضيه النظر أن تضعيفه إنما هو من ابن عقدة الزيدي ، ففي قبوله نظر ، وقد صرح النجاشي بنقل التضعيف عنه ، وكذا الشيخ ( يعني الطوسي شيخ الطائفة ) ، ولم يجزما يضعفه ، على أنهم ذكروا وجهه ، وهو أنه قال عند موته : كل ما رويته لكم لم يكن لي سماعاً ، وإنما وجدته ، وهو لا يقتضى الضعف إلا بالنسبة إلى أهل الاحتياط التام في الرواية ، وقد تقدم ما يدل على جوازه ، ووثقه أيضاً ابن طاوس ! والحسن بن علي بن شعية ! وغيرهما ، ورجحه بعض مشائخنا ، وهو الصواب ، واختاره العلامة في بحث الرضاع من المختلف وغيره ، … ) .
هذه أقوال العلماء في محمد بن سنان الزاهري ، والآن للنظر إلى كتب الرجال الشيعية – أيضاً - لنعرف حال هذا ( الزاهري ) ، حيث نقل الكشي عن حمدويه أنه قال : ( لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان ) ، وروى الكشي عن الفضل بن شاذان أنه قال : ( لا استحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان ، رجال الكشي ص 332 ، وذكر الفضل في بعض كتبه أنه من الكذابين المشهورين ، ابن سنان وليس بعبدالله ) رجال الكشي ص 428 ، وقال السيد هاشم معروف : ( أما محمد بن سنان فهو من المتهمين بالكذب على الأئمة عليهم السلام ، وجاء عن الفضل بن شاذان أنه قال : لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان ، كما عده في بعض كتبه مع الكذابين كأبي الخطاب ، ويونس بن ظبيان ، ويزيد الصائغ وغيرهم ) ، الموضوع في الآثار والأخبار ص 219 ، وقال عنه أيضاً : قال عنه الفضل بن شاذان أنه من الكذابين المشهورين ، وبالتالي فإن أكثرهم اتفقوا على تكذيبه ) ، دراسات في الحديث ص 297 ، ومع هذه العبارات الواضحة في رميه بالكذب ، وليس مجرد النسيان والخطأ ؛ إلا أننا نجد المدح والتبجيل من الموسوي ، والحر العاملي ، والمفيد ، بل عده الطوسي في الممدوحين في كتابه الغيبة ص 290 !!!!!!!!! ولكن في أصول علم الحديث عند الشيعة أن كذب الراوي لا يقدح في عدالته إذا كان شيعياً ، لأن الدين عندهم هو محبة رجل أو رجال !!!
والرواة المتهمون بالكذب عند الشيعة ، والمقبولة روايتهم في نفس الوقت كثر ، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب الشيعة يلق العجب العجاب ، والأسماء أكثر من أن تحصر لكثرتها .
وأنس أيضاً كان من رواة فضائل أهل البيت رضوان الله عليهم ، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي .
9 ) أحاديث عائشة رضي الله عنها :
فيقول بعد أن ذكر الرواة عن عائشة وطرقهم وبكل ثقة : ( ولا شيء من هذه الطرق بخال عن الطعن والقدح المسقط عن الاعتبار والاحتجاج ) ، وسننظر جميعاً الآن إلى طعونه ، لنرى وبكل ثقة أنه كاذب في كل ما قاله .
أولاً : روايات الأسود بن يزيد النعيم :
البخاري : عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة .
البخاري : عن مسدّد ، عن عبدالله بن داود ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .
البخاري : عن قتيبة بن سعيد ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .
مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبو معاوية ووكيع وعن يحيى بن يحيى ـ واللفظ له ـ أخبرنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .
النسائي : عن محمد بن العلاء ، عن أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن وكيع ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن أبي معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .
ابن ماجة : عن أبوبكر بن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ووكيع ، عن الأعمش وعن علي بن محمد ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة .(12/434)
فقال في البداية عن الأسود رحمه الله : ( فإن « الأسود » من المنحرفين عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ) ، وأحال المرجع إلى شرح النهج لابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ، وفضلاً عن أن الرواية التي تتهمه بذلك في النهج ساقطة لعدم وجود الإسناد ، وفضلاً عن أن ابن أبي الحديد ليس أهلاً للحكم على الرجال بآرائه ؛ إلا أن لنا وقفة مع هذه الرواية في آخر كلامنا عن الأسانيد ، في ذكر الروايات التي رواها الأسود في فضل علي رضي الله عنه .
وإن كان هذا الميلاني يريد إسقاط عدالة الأسود باتهامه زوراً بأنه كان من المنحرفين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ فإن كل رواة الشيعة من المنحرفين عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، وبهذا فجميع روايات الشيعة بهذا الاعتبار ساقطة مردودة !!! ولكن – وللأسف – الشيعة يريدون أن يكون الطعن من جهة واحدة فقط !! وكأن أهل السنة والجماعة صم بكم عمي لا يستطيعون رد الافتراء بالحجة الدامغة ، وبيان الكذب والتخليط بالدليل الساطع .
ثم يقول مؤكداً جهله المدقع : ( والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد النخعي ، وهو من أعلام المدلّسين ... قال أبوعبدالله الحاكم ـ في الجنس الرابع من المدلسين : قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا ـ قال : « أخبرني عبدالله بن محمد بن حمويه الدقيقي ، قال : حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، قال : حدثني خلف بن سالم ، قال : سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين ، فاخذنا في تمييز أخبارهم ، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن ، أبراهيم بن يزيد النخعي ، لأن الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواما مجهولين ، وربما دلس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم ؛ وأبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبدالله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربّما دلس عنهم ) .
فأقول : أما ما ذكره الحاكم رحمه الله فقد قيده برواية إبراهيم عن إصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، وهذا الحديث ليس من ذلك ، حيث يرويه عن خاله الأسود بن يزيد مباشرة ، وقد روى الكثير عنه ، ولم يكن يدلس عنه لأنه من أشهر الرواة عنه ، هذا فضلاً عن أن الحاكم رحمه الله قال : وربما دلّس عنهم ، فأتت الأمانة العلمية عند الميلاني لتحول العبارة إلى : وهو من أعلام المدلسين ) !!!! فضلاً عن أن إبراهيم النخعي لم يوصف بالتدليس في كتب الرجال .
إضافة إلى أن كتب التراجم التي قام الميلاني بالرجوع إليها تذكر عن النخعي رحمه الله أن قال عن نفسه : ( إذا حدثتكم عن رجل عن عبدالله فهو الذي سمعت ، وإذ قلت : قال عبدالله ، فهو عن غير واحد عن عبدالله ) ، وعموماً فروايته هنا ليست عن ابن مسعود حتى يقيم الميلاني الدنيا
ويقعدها ، وإن كان الإرسال ( في نظر الميلاني ) يعد مسقطاً لعدالة الراوي فعلى كتب الحديث الشيعية السلام ، وعلى رأسها نهج البلاغة ، والاحتجاج للطبرسي ، حيث إن الأول ( كله ) مراسيل ، والثاني عامته كذلك .
وهناك نقطة أخرى طريفة ، ألا وهي أن هني بن نويرة وسهم بن منجاب ، ثقات !!! وخزامة الطائي لم أعثر له على ترجمة ، ومن هنا يتبين أن كلام الحاكم رحمه الله كان خطأ في حق إبراهيم النخعي رحمهما الله .
ثم أخذ يطعن في الأعمش متهماً إياه بالتدليس ، ونسي هذا أن الأعمش من كبار رواة الإسلام ، وأن من يطعن في الأعمش ؛ فإنما يطعن في نفسه ، لأن الأعمش لم يكن يتعمد التدليس ، هذا فضلاً عن أنه من الرواة المعتبرين عند الشيعة والسنة ، وقد دافع عنه عبدالحسين الموسوي في المراجعات .
ثم لننظر إلى هذا المخذول كيف يهذي ، فإنه حينما أراد الطعن في الزهري استشهد بقول ابن معين رحمه الله في تفضيل الأعمش على الزهري ، مع أن يحيى بن معين رحمه الله ابتدأ كلامه الذي فهمه هذا الغبي خطأ بقوله : أجود الأسانيد : الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله !!! أي أن رواية الأعمش عن إبراهيم تعد من أبرز الروايات ، لملازمته الطويلة له ، ولانتسابها إلى سلسلة من السلاسل الذهبية ، وقد علمنا الميلاني أن يحيى بن معين من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، اتفقوا على أنه أعلم أئمة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكرة الحفاظ 2|429 وغيرها .
فطعنه في رواية الأعمش وإبراهيم النخعي ليس لها أساس ، وإن كان يريد أن يقيم لها أساساً فعليه بنقض ما بناه من دعاويه في الطعن في الزهري معتمداً على هذه الرواية ، ولكن يبدو أنه غبي لا يفهم ما يكتبه ، وكعادة الشيعة : يقررون القاعدة ، ثم يهدمونها بأيديهم عند الحاجة إلى نقيضها ، وما أكثر التناقضات في دينهم ، ومن راجع ساحات الحوار المنتشرة على الإنترنت لعلم مصداق ما أقول .(12/435)
ثم يطعن في وكيع الجراح رحمه الله بقوله : ( والراوي عن « الأعمش » عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأخرى هو : وكيع ابن الجراح ، وفيه : أنه كان يشرب المسكر ، وكان ملازماً له ) ، والمشهور عن وكيع الجراح رحمه الله أنه يرى جواز شرب النبيذ ، وهذا خلاف في فروع الدين ، وإن كان مخطئاً في اجتهاده ، فله أجر واحد لخطئه ، ويغفر الله له ، أما عن أمانته ووثاقته في الرواية فليس فيها مطعن ، وعموماً : فالشيعة لا يرون في الكبائر التي يقترفها الشخص إسقاطاص لوثاقته ، فهذا محمد بن نصير النميري يبيح اللواط ، ويقول عنه إنه أحد الطيبات ، ومع ذلك أحاديثه في الكتب الأربعة ، ويأتي عبدالحسين الموسوي في المراجعات يزعم صحة كل ما في الكتب الأربعة ، فهو من طريق آخر يوثق هذا الشخص اللوطي القذر ، فرحمك الله يا وكيع !!
ثم يطعن في حفص بن غياث رحمه الله بقوله : ( ثم إن الراوي عن أبي معاوية في إحدى طرق البخاري هو : حفص بن غياث ، وهو أيضاً من المدلسين ) ، ويحيل المرجع إلى تهذيب التهذيب ، فلنذكر ما ورد فيه ، حيث قال ابن حجر رحمه الله : (من الأئمة الأثبات ، أجمعوا على توثيقه والاحتجاج به !!!! إلا أنه في الآخر ساء حفظه ، فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه ، قال أبو زرعة ، وقال ابن المديني : كان يحيى بن سعيد القطان يقول : حفص أوثق أصحاب الأعمش ، قال : فكنت أنكر ذلك ، فلما قدمت الكوفة بآخرة أخرج إليّ ابنه عمر كتاب أبيه عن الأعمش ، فجعلت أترحم على القطان ) ، وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري : ( اعتمد البخاري على حفص هذا في حديث الأعمش لأنه كان يميز بين ما صرح به الأعمش بالسماع ، وبين ما دلسه ، نبه على ذلك أبو الفضل بن طاهر ، وهو كما قال ، روى له الجماعة ) فالحديث بهذا الإسناد لوحده كما جاء في صحيح البخاري يقوم مقام الاحتجاج ، ويلقم الخصوم الإغبياء أحجاراً في أفواههم تردهم على أدبارهم ، لأن طعنه هنا في حفص بن غياث أورده المهالك ، لأن حفصاً من أثبت أصحاب الأعمش ، فروايته عنه ليس فيها تدليس أبداً ، بل كيف يروي عمن روى عن الأعمش وهو صاحب الأعمش ، وروايته عن الأعمش كانت مميِّزة لما دلسه الأعمش مما لم يدلسه ، فهذا إسناد كعين الشمس ، ولكن مرحى للأمانة العلمية !!
وأخيراً : يثبت غباءه بغباء آخر ، ويؤكد قولنا : إن الشيعة يبنون القاعدة ثم يهدمونها عند الضرورة ، وذلك بقوله : ( مضافاً إلى أنه كان قاضي الكوفة من قبل هارون ، وقد ذكروا عن أحمد أنه : « كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلما ولّي القضاء هجره ) ، وكفى بهذا توثيقاً ومدحاً لوكيع !!! مع أنه ليس بقادح في حفص رحمهما الله .
ثانياً : روايات عروة بن الزبير رحمه الله .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن شبابة ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة .
البخاري : عن زكريا بن يحيى ، عن ابن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ، قالا : عن ابن نمير عن هشام وعن ابن نميرـ وألفاظهم متقاربة ـ عن أبي هشام ، عن أبيه ، عن عائشة .
ابن ماجة : ـ عن ابن أبي شيبة ، عن عبدالله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
البخاري : عن عبدالله بن يوسف ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
الترمذي : عن إسحاق بن موسى الأنصاري ، عن معن ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
مالك في الموطأ : عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة .
وفي : الموطأ : عن عروة بن الزبير مرسلاً ، ولكنها موصولة ببقية الطرق .
فابتدأ الهجوم ببداية ضعيفة واهية سخيفة ، حيث يقول : ( فإن عروة بن الزبير ولد في خلافة عمر ، فالحديث مرسل ، ولابدّ أنه يرويه عن عائشة ) ، ويبدو أنه يظن أن كثرة الكلام والثرثرة تزيد من الطعون في الأسانيد ، وإلا فإن أمامنا عدة كلها موصولة الإسناد ، وليست مرسلة ، وحتى رواية الموطأ فإنها تلحق ببقية الروايات ؛ لأن رواية البخاري والترمذي إنما رويتا عن طريق الإمام مالك ، والإسناد فيهما متصل ، فبان بأن طريق الإمام مالك موصول إلى عائشة ، ولكن أنى لمن أعمى الله بصيرته أن يبصر .
إضافة إلى أنه ليس في البخاري ولا في مسلم حديث يسنده عروة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل جاء التصريح بالإسناد في بعضها إلى عائشة رضي الله عنها ، وبقيتها إلى أبيه الزبير بن العوام عن عائشة رضي الله عنهما ، فالحديث متصل الإسناد ، ولله الحمد .(12/436)
ثم يكذب على القارئ ، وعلى سلف الأمة ، وعلى أعلام الرجال ، على كل شيء عندما يقول : ( وكان عروة من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السلام ـ كما عرفت من خبره مع الزهري ، والخبر عن ابنه ـ وحتى حضر يوم الجمل على صغر سنه ، وقد كان هو والزهري يضعان الحديث في تنقيص الإمام والزهراء الطاهرة عليهما السلام ، فقد روى الهيثمي عنه حديثا ـ وصححه ـ في فضل زينب بنت رسول الله جاء فيه أنه كان يقول : « هي خير بناتي » قال : « فبلغ ذلك علي بن حسين ، فانطلق إليه فقال : ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تنقص حق فاطمة ؟! فقال : لا أحدث به أبداً » ) .
فيقول : إن عروة بن الزبير رحمه الله :
1 – كان من المشهورين ببغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
2 – حضر معركة الجمل على صغر سنة ، وأحال المرجع إلى تهذيب التهذيب بكل وقاحة .
3 – وكان يضع الأحاديث ضد علي وفاطمة رضوان الله عليهما .
ولنناقش هذه التهم الباطلة نقطة نقطة :
أولاً : قضية البغض إنما هي هرطقة لا طائل من ورائها ، وكذبة رخيصة يتعلق بها الشيعة عند نقدهم لروايات أهل السنة ، وإثباتها يحتاج إلى مقدمات طويلة ، فضلاً عن أن هذا الميلاني اعتمد في الطعن على ما روي في شرح نهج البلاهة ، والرواية فيه منقطعة الإسناد !!! وكذلك الرواية الأخرى عن ابنه يحيى منقطعة الإسناد !! وبهذه الروايات المنقطعة الإسناد وأمثالها ، وبالقشة والنقير والقطمير يريدون أن يهدموا دين الإسلام !!!
ثانياً : ذكره أن عروة بن الزبير حضر معركة الجمل ، فلننظر في كتب الرجال ماذا قالت ؟ قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : ( قال أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه : رددت أنا وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام من الطريق يوم الجمل ، استصغرنا !!! ... وكان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة ، فاستصغر !!! ) ، وبهذا تتضح الأمانة العلمية عند هذا الميلاني ، بل يتضح كذبه وتزويره ، ومن كانت هذه حاله ، فهو أحقر من أن يناقش أو يرد عليه ، ولكن وجدنا كل مؤلفي الشيعة على هذا المنوال في الكذب والتزوير ، فأردنا ضرب المثال بالرد على أحدهم ، حتى يتبين للناس كلهم أي نوع من المؤلفين هم ؟؟
ثالثاً : وضعه للأحاديث ضد علي وفاطمة ، ثم استشهاده بالرواية التي ذكرها ؛ فهذا يدل على حماقته ، لأن الرواية تصرح بتطلب عروة بن الزبير رضى علي بن الحسين وفاطمة ، فامتنع عن التحديث بهذا الحديث إرضاء له ، وإن كان الحديث يمكن أن يؤول على عدة معاني ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لما أحضروا زينب من مكة إلى المدينة ، وبعد أن روعها هبار بن الأسود ، وعُقر بعيرها ، وأسقطت جنينها رضوان الله عليها ، فلما وصلت إلى أبيها صلوات الله وسلامه عليه قال : ( هي خير بناتي ، أصيبت فيّ ) .
إضافة إلى أن رواية عروة بن الزبير – كما سيأتي – لفضائل ومناقب فاطمة وعلي رضي الله عنهما ترد على كل من زعم أنه من أعدائهما ، ولكن أنى للبهائم أن تفهم .
ثم أخذ يطعن في أسانيد البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة بقوله : ( والراوي عنه ولده « هشام » في رواية البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة ... وهوأيضاً من المدلسين ، فقد قالوا : « كان ينسب إلى أبيه ما كان يسمعه من غيره ، وقد ذكروا أن مالكاً كان لا يرضاه ، قال ابن خراش : بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرات ، قدمة كان يقول : حدّثني أبي ، قال : سمعت عائشة . وقدم الثانية فكان يقول : أخبرني أبي ، عن عائشة . وقدم الثالثة فكان يقول : أبي ، عن عائشة » وهذا الحديث من تلك الأحاديث ) ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! وأضف ما شئت من علامات الاستفهام والتعجب !!!!!! لأن هذا المخذول يقول عن هشام : إن مالكاً قد نقم عليه ، مع أن الراوي عن هشام بن عروة هو الإمام مالك نفسه في رواية البخاري والترمذي ؛ فضلاً عن الإمام مالك قد روى هذا الحديث عنه في الموطأ ، ومن المعلوم لدى الجميع أن الإمام مالك سمع من هشام بن عروة في المدينة ، وقد نقم عليه الإمام مالك أحاديثه في زيارته الأخيرة للكوفة ، ثم يقول الميلاني بكل وقاحة وصفاقة عن هذا الحديث : ( وهذا الحديث من تلك الأحاديث ) !!!!!!!!!!!!!!!!!!
ملاحظة هامة : الرافضة : الكذب شعارهم ، والنفاق دثارهم ، خيارهم شرارهم ، وشيخهم حمارهم ، قوض الله ديارهم ، وقطع أدبارهم .
وبهذا يتبين وبكل وضوح لكل ذي عينين أن هذا الحديث مما حدث به هشام بن عروة في المدينة ، ولم يكن هذا الحديث مما نقم عليه الإمام مالك فيه ، لأنه رواه عنه ، وإنما نقم عليه حديثه لأهل العراق ، مع أنه صحيح بالجملة .(12/437)
وهناك نقطة أخرى لا بد من ذكرها ، ألا وهي أن البخاري رحمه الله قد روى في الحديث رقم 3204 : ( عن بدل بن المحبر أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها مري أبا بكر يصلي بالناس … ) ، وهذا الحديث رواه عن عروة بن الزبير رحمه الله سعد بن إبراهيم ، وليس ابنه هشام ، وقد أغضى الميلاني الطرف عن هذا الحديث ، أو أنه قد أصيب ( بالعمى المؤقت ) عند قراءته لهذا الحديث ، لأن رواة هذا الحديث كلهم ثقات ، لم يرد في أي منهم أي مطعن بأي وجه من الوجوه المعتبرة !!!!!! ومرة بعد مرة يضرب لنا الميلاني الأمثلة على كيفية النزاهة والموضوعية في البحث !!!!!
ثالثاً : روايات عبيدالله بن عبدالله بن عتبة :
البخاري : عن أحمد بن يونس ، عن زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة .
مسلم : عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن زائدة ، عن موسى ابن أبي عائشة ، عن عبيدالله بن عبدالله ، عن عائشة .
النسائي : عن محمود بن غيلان ، عن أبي داود ، عن شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيدالله بن عبدالله عن عائشة .
النسائي : عن العباس بن عبدالعظيم العنبري ، عن عبدالرحمن بن مهدي ، عن زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيدالله بن عبدالله ، عن عائشة .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، أبيه ، عن عبدالأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبدالله ، عن عائشة .
فيقول بحماقته المشهورة : ( فإن الراوي عن عبيدالله عند البخاري ومسلم والنسائي هو : موسى بن أبي عائشة ، وقد قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول : تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيدالله بن عبدالله في مرض النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ويحيل إلى تهذيب التهذيب ، بينما صاحب تهذيب التهذيب يقول بعد ذكره لهذه العبارة : ( قلت : عني أبو حاتم أنه اضطراب فيه ، وهذا من تعنته ، وإلا فهو حديث صحيح ) !!!
بل قال صاحب تهذيب الكمال الذي هو أصل كتاب تهذيب التهذيب : ( وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيد الله بن عبد الله في مرض النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : ما تقول فيه ؟ قال : صالح الحديث ، قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : يكتب حديثه ) !! فأين الميلاني عن هذه النصوص ؟؟ هل كان مشغولاً إلى الدرجة التي يعجز معها عن قراءة وفهم هذه المقولات ؟؟ أم أنه يخفي شيئاً في صدره ؟؟ إضافة إلى أن طعن أبي حاتم في رواية موسى بن أبي عائشة عن عبيدالله بن عبدالله إنما كان للاضطراب الذي فيها ، والذي ملأ الميلاني الدنيا نهيقاً لما وجده ، وظن أن الروايات متعارضة في ذكر الحادثة .
ثم يقول وبكل ثقة : ( والزهري من قد عرفته سابقاً ) !!! وهذا القول لا يحتاج إلى مزيد رد .
ثم يطعن في عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود بقوله : ( هذا مضافاً إلى ما في عبيدالله بن عبدالله نفسه ... فقد روى ابن سعد ، عن مالك بن أنس ، قال : جاء علي بن حسين بن علي بن أبي طالب إلى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشيء ! وأصحابه عنده ، وهو يصلي ، فجلس حتى فرغ من صلاته ، ثم أقبل عليه عبيدالله . فقال أصحابه : أمتع الله بك ، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي موضعه ، يسألك عن بعض الشيء !! فلو أقبلت عليه فقضيت حاجته ، ثم أقبلت على ما أنت فيه ! فقال عبيدالله لهم : هيهات ! لابد لمن طلب هذا الشان من أن يتعنى !! ) !!! وهذه الرواية تقف الآن في طابور الروايات التي ننتظر من الميلاني تخريج أحاديثها والحكم على أسانيدها ، ونحن في انتظار هذه الخطوة ( الجريئة ) من الميلاني الجبان .
إضافة إلى أن القصة يمكن النظر إليها من وجهتي نظر ، الأولى : وجهة النظر الشيعية ، وهم ينفون هذه الرواية ، لأن هذه الرواية تثبت أن علي بن الحسين كان يتعلم من عبيدالله بن عتبة ، بينما الشيعة يقولون إن علي بن الحسين ليس بحاجة إلى تعليم !!! أما الثانية : فوجهة النظر الإسلامية ، وهي وجهة نظر أهل السنة والجماعة ، حيث يعدون هذه إحدى مناقب عبيدالله بن عبدالله ، وإنما ذكروا هذه الرواية في باب مناقبه ، فقلبها الشيعة بفهمهم المنكوس إلى مثلبة !!!
الحاصل : أن هذه خمسة أسانيد ليس فيها مطعن ، تضاف إلى قائمة الأسانيد الصحيحة بحمد الله تعالى .
رابعاً : روايات مسروق عن عائشة :
النسائي : عن محمد بن المثنى ، عن بكر بن عيسى صاحب البصري ، عن شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، أبيه ، عن بكر بن عيسى ، عن شعبة بن الحجاج ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل عن مسروق ، عن عائشة .
الإمام أحمد : عن عبدالله ، عن أبيه ، عن شبابة بن سوار ، عن شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة .(12/438)
فطعن في أبي وائل بكل حماقة وقلة عقل ، حيث قال : ( أبو وائل : وهو شقيق بن سلمة ، يرويه عن مسروق ، وقد قال عاصم ابن بهدلة : قيل لأبي وائل : أيهما أحبّ اليك : علي أو عثمان ؟ قال : كان عليّ أحب إلي ثم صار عثمان ) !!!! ونذكر الميلاني بأن كل أهل السنة والجماعة يحبون عثمان أكثر من علي رضي الله عنهما ، لأنهم يرون أن عثمان أفضل من علي ، ونرد على الميلاني بالمثل ونقول : إن كل رواة الشيعة بأجمعهم مردودو الرواية ، لأنهم يفضلون علياً على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما !!!
ثم واصل الطعون لورود نعيم بن أبي هند ، وقلنا إن نعيم بن أبي هند ثقة رمي بالنصب ، وعرفنا معه بعض الرواة الشيعة الواقفة وهم : الحسن بن محمد بن سماعة ، وأحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار ، وصفوان بن يحيى ، وإدريس بن الفضل ، وسليمان الخولاني ، وإسحاق بن جرير البجلي الكوفي ، وجعفر بن محمد بن سماعة ، والحسين بن أبي سعيد هشام بن حيان المكاري ، والحسين بن المختار القلانسي وغيرهم الكثير ممن ناصبوا علي الرضا العداء ، واستحلوا أموال الكاظم ظلماً وزوراً ، ومع ذلك فهم ثقات أجلاء معتبرو الرواية عند الشيعة !!!
ثم طعن في شبابة بن سوار لأنه مرجئ داعية للإرجاء ، وهذا هو قول علماء الجرح والتعديل فيه ، وأن روايته يتثبت فيها ، ولا تؤخذ على إطلاقها ، ولكن قال يحيى بن معين رحمه الله عن شبابة إنه ثقة في شعبة ، وكما قال الميلاني : ((( فالإمام يحيى بن معين من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، اتفقوا على أنه اعلم أئمة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكرة الحفاظ 2|429 وغيرها ))) !!!
خامساً : رواية حمزة بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :
البخاري : عن أحمد بن يونس ، عن زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة .
وقد أغضى الميلاني الطرف عن هذه الرواية لحاجة في نفسه قبحه الله ، ولأنه لم يجد فيها مطعناً ينهش فيه ليطفئ حرارة السعار الذي أصابه تجاه فضائل الصديق رضي الله عنه ، فتباً له وسحقاً .
وأخيراً : لما نفدت السهام من جعبته قام في الطعن في أم المؤمنين عائشة ، الطاهرة المطهرة ، الصادقة بنت الصديق ، رضي الله عنها وأرضاها ، وجمعنا بها في المنازل العليا من جنته ( آمين ) :
قال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، فإذا كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ، فكيف بأقرب الأرحام إلى الشخص ألا وهي أمه ، فهي أمٌّ للمؤمنين فقط ، ومن كذب بذلك فهو خارج من الملة لمخالفته صريح القرآن ، وهي أمنا قبل أن تكون أمهاتنا اللاتي ولدننا أمهات لنا ، لأن عائشة وبقية أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن أمهات لمن سبقنا ، ولنا ، ولمن سيولد من المؤمنين حتى آخر الزمان ، ومحبتنا لهن رضوان الله عليهن أشد من محبتنا لأمهاتنا اللاتي ولدننا ، كيف لا وهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فأسأل الله أن يجمعنا بعائشة وبقية أمهات المؤمنين في أعلى جناته ، إنه سميع مجيب ، وأنا أحتسب الأجر على الله في دفاعي عنها رضوان الله عليها ، فأقول :
بالنسبة لزعم الميلاني أنها تمدح نفسها ، وتنتقص غيرها فالأحاديث التي جاءت بعكس هذا تماماً كثيرة متضافرة ، فمن ذلك :
في نفس الحديث الذي نحن بصدده ، روت عائشة أنها لما راجعت النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها أن يختار رجلاً غير أبي بكر ليصلي بالناس ! وبخها قائلاً : ( إنكن صواحب يوسف ) !! فأين مدحها لنفسها هنا ؟؟!!
وروى مسلم : أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك ؟ فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منهالملائكة ، وهنا مدحت عثمان في مقابل أبيها أبي بكر ، فلو كانت تطلب الفضائل لنفسها ولذويها لقلبت ترتيب دخولهم ، حتى يكون آخرهم دخولاً أبو بكر ، ثم يمتدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشدة حيائه ، وحاشاها رضوان الله عليها أن تفعل ذلك .(12/439)
وروى مسلم أيضاً : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم : ( وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ، ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفينة ) ، فهاهي هنا تمتدح ضرتها التي تساميها عند زوجها .
روى الحاكم في مستدركه : عن عائشة رضي الله عنها قالت ك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه : ( أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا ) . قالت عائشة : فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا ، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة ، قال : وكانت زينب امرأة صناعة اليد ، فكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله عز وجل ، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مرحبا بابنتي ، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسر إليها حديثا فبكت ، فقلت لها : لم تبكين ؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عما قال ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها ، فقالت : أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت ، فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك ، ولا أدري لماذا يغض الشيعة الطرف عن مثل هذه الأحاديث ؟؟!!
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها : ( أن قريشا أهمهم شأن المخزومية ، فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن علي ، عن سفيان قال : ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية فصاح بي ، قلت : لسفيان فلم تحتمله عن أحد ؟ قال : وجدته في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن امرأة من بني مخزوم سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يجترئ أحد أن يكلمه ، فكلمه أسامة بن زيد فقال : إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ، لو كانت فاطمة لقطعت يدها ) ، ولولا عظم منزلة فاطمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرها في قوله ( ولو كانت فاطمة لقطعت يدها ) ، وحاشا سيدة نساء العالمين رضوان الله عليها أن تسرق ، ولو كانت عائشة رضوان الله عليها تنسب الفضائل لنفسها لقالت : قال : ولو كانت عائشة لقطعت يدها ، أو قال : لو كان أبا بكر لقطعت يده !!!!!
وأما الحديث الذي ملأ الشيعة الدنيا بذكره فهو ما رواه مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا : عن محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : قالت عائشة : خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " !!!!! فهذا الحديث من رواية عائشة أيضاً .
وفي سنن أبي داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا ، ( وقال الحسن : حديثا وكلاما ، ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل برسول الله صلى الله عليه وسلم ) من فاطمة كرم الله وجهها ، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذها بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها ، صححه الألباني ، فهل بعد هذا المدح من مدح ؟ وهل بعد هذا الثناء من ثناء ؟؟!!(12/440)
وفي سنن الترمذي : عن محمد بن بشار ، عن عثمان بن عمر ، أخبرنا إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها ، فلما مرض النبي صلى الله عليه وسلم دخلت فاطمة فأكبت عليه فقبلته ، ثم رفعت رأسها فبكت ، ثم أكبت عليه ، ثم رفعت رأسها فضحكت ، فقلت : إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا ، فإذا هي من النساء ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لها : أرأيت حين أكببت على النبي صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسك فبكيت ، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت ، ما حملك على ذلك ؟ قالت : إني إذا لبذرة ، أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ، ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به ، فذاك حين ضحكت ، قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عائشة ، وصحح الألباني هذا الحديث .
وفي مستدرك الحاكم : عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
وفي صحيح مسلم : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها ، فقالت : يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة … ) إلى آخر الحديث ، ولولا عظم منزلة فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن لما أرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر الذي يخصهن لوحدهن ، ولو كانت عائشة تكره ذكر علي وفاطمة رضوان الله عليهما لأخفت اسم فاطمة هنا ، ولقالت : فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه امرأة تكلمه في شأنهن ووو … إلخ .
وفي صحيح مسلم : عن شريح بن هانئ قال : سألت عائشة عن المسح على الخفين ، فقالت : ائت عليا ، فإنه أعلم بذلك مني ، فأتيت عليا ، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله !!!!!!
بل وروت الفضائل عن غير أهل البيت من الصحابة ، فمن ذلك ما رواه البخاري : حدثنا يحيى بن قزعة ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيها ، فسارها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها فضحكت ، قالت : فسألتها عن ذلك ، فقالت : سارني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت . وهذا الإسناد فيه عروة بن الزبير أيضاً .
وجاء عنها أيضاً في صحيح مسلم قالت : ثم أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ، قالت : السلاح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله جئت أحرسك ، قالت عائشة : فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه .
وعنها رضي الله عنها قالت : ثم بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ببيت في الجنة .
وعنها رضي الله عنها قالت : ثم ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ، ولقد هلكت قبل أن يتزوجنى بثلاث سنين ، لما كنت أسمعه يذكرها ، ولقد أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة ، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها .
وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد رزقت حبها . تعني خديجة رضي الله عنها .
وكفى بهذه الأحاديث عبرة وعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فأين استئثار عائشة رضي الله عنها لنفسها وأبيها ومن تحب من قرابتها وذويها بالفضائل ، ولكن ربما أن الشيعة يفهمون أن الأحاديث السابقة الذكر من الرذائل ، فلذلك لا يعترفون بها !!!(12/441)
وأما ما كانت عائشة رضوان الله عليها تفعله من غيرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا أمر فطر الله النساء عليه ، ولا يماري فيه أحد ، ولا يُمكن أن يُعاب إنسان بفطرة فطره الله عليها ، وإلا فإن النصارى يتشدقون صباحاً مساءً بالطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم في زواجه من تسع نساء ، وفي خفاء الغيبيات عليه ، وعاب عليه المشركون أكله ومشيه في الأسواق ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وغير ذلك من الأمور التي تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية كونه بشراً ، فما يُقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقال في حق جميع البشر رجالاً ونساء ، ومنهم عائشة رضوان الله عليها .
وأما قول عائشة عن خديجة : ( حمراء الشدقين ) ، فمحمول على ما سبق ذكره من غيرة النساء الطبيعية ، وقد رواه البخاري ومسلم ، ولكن في إسناده هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، فإذا كان الميلاني يريد الأخذ بهذه الرواية مع وجود هشام بن عروة فيها ؛ فليأخذ أيضاً بروايته السابقة في إمامة أبي بكر رضي الله عنه الناس في الصلاة .
وأما حديث الخال المروي في كنز العمال ، وطبقات ابن سعد ، وما ذكر فيه من اتهام عائشة رضوان الله عليها بالكذب والخيانة !!! فإنه ساقط متناً قبل أن يكون ساقطاً سنداً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن غبياً كي يرسل زوجة من زوجاته لكي تنظر إلى امرأة يريد خطبتها ، وهذا من أبده البديهيات ، وأما السند فمجهول !!! فكيف يحتج بهذه الرواية ؟ إن الشيعة يريدون منا أن نأخذ الروايات الساقطة سنداً ومتناً أخذ المسلمات في نفس الوقت الذي يريدون منا فيه أن نرمي بالأحاديث الصحيحة المتواترة عرض الجدار !!!!!
ثم يواصل طعونه في أم المؤمنين التي ليست له بأم بقوله : ( ولقد ارتكبت ذلك حتى بتوهّم زواجه صلى الله عليه وآله وسلم ... فقد ذكرت : أن عثمان جاء النبي في نحر الظهيرة . قالت : فظننت أنه جاءه في أمر النساء ، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه ) ، والطريف أنه لم يذكر الحديث كاملاً ، حيث روى الإمام أحمد أن عائشة قالت : ثم ما استمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الا مرة ، فان عثمان جاءه في نحر الظهيرة فظننت انه جاءه في أمر النساء ، فحملتني الغيرة على ان أصغيت إليه ، فسمعته يقول : ( إن الله عز وجل ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه ) ، فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه ؛ علمت أنه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه !!! ومعلوم موقف الرافضة من هذا الحديث برمته ، حيث يثبت خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه .
ثم ما دخل الإصغاء بالكذب والخيانة ، وما هو الرابط بينهما حتى يقول هذا الكاذب : ( ولقد ارتكبت ذلك ( أي الكذب والخيانة ) حتى بتوهّم زواجه صلى الله عليه وآله وسلم … فقد ذكرت : أن عثمان جاء النبي في نحر الظهيرة . قالت : (( فظننت أنه جاءه في أمر النساء ، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه )) ) ؟؟!! فمتى كذبت ؟؟!!
وأما قوله : ( أما بالنسبة إلى من تكرهه … فكانت حرباً شعواء ) ، فلا أدري والله بعد ما ذكرته من الأحاديث من هم الذين تكرههم عائشة رضوان الله عليها حتى تكون حرباً شعواء عليهم ؟ وهل يعقل أن تكره عائشة علياً ؟؟!! وقد روت الأحاديث التي تذكر فضله وعلمه رضي الله عنهما ؟؟!!
ثم يستشهد على هذه الكراهية العظيمة ، والحرب الشعواء المزعومة بقوله : ( فقد جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة . فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا ، وأمّا عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يخير بين أمرين إلآ اختار أرشدهما ) !!!!
فعائشة لن تقول شيئاً في علي لأنه لا يحتاج إلى أن تقول فيه شيئاً ، ويكفي أن عمار قد اختار فئة علي على فئة معاوية ؛ فكان اختياره هو الأرشد ، وفي هذا الحديث مدح من عائشة لعلي رضي الله عنهما .
وحديثنا كله في هذا الخبر على فرض صحة إسناده ، وإلا فإن في إسناده حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار ، وقد قال علماء الحديث عن حبيب بن أبي ثابت : أن له أحاديث عن عطاء بن يسار لم يتابع عليها .
وأما الحديث الذي زعم وقوعه ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب رجلاً يحدثهم ، ففي إسناده فرج بن فضالة ، وهو منكر الحديث ، وهكذا يريد الشيعة الحمقى أن يطعنوا في عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الترهات الساقطة التي يرويها الضعفاء .(12/442)
وحتى لو صح هذا الحديث ؛ فما هو وجه الطعن من عائشة في علي رضي الله عنهما ؟؟!! ولكن الشيعة يجعلون من الحبة قبة لكي توافق أهواءهم ، وما وجه الدلالة والاستشهاد في هذا الحديث بأنها تضع الحديث ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ثم لماذا يستشهد الميلاني بهذا الحديث مع أنه يقول عنه : إنه موضوع ؟! ، ويقول عنها رضوان الله عليها : ( ولا تغفل عن كتمها اسم الرجل الذي دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد أن أبى عن الإرسال خلف أبي بكر وعمر ـ وهو ليس إلا أمير المؤمنين عليه السلام ) !!!!!!!!
ثم يقول عنها رضوان الله عليها : ( فانظر كيف أيدت في تلك الأيام معاوية على مطالبته الكاذبة بدم عثمان ! وكيف اعتذرت عن تحريضها الناس على قتل عثمان ) !! ولا أدري من أين نقل هذه الفرية أن عائشة حرضت الناس على قتل عثمان رضي الله عنهما ، مع أنها تروي في الأحاديث التي يستشهد بها عن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بأنه سيتولى الخلافة !!!
ثم يواصل سعاره ونهيقه بقوله : ( فاذا كان هذا حالها وحال رواياتها في الأيام العادية ... فإن من الطبيعي أن تصل هذه الحالة فيها إلى أعلى درجاتها في الأيام والساعات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تكون أخبارها عن أحواله في تلك الظروف أكثر حساسية ... فتراها تقول : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله لعبد الرحمن ابن أبي بكر : إيتني بكتف ولوح حتى أكتب لأبي بكركتاباً لا يختلف عليه . فلمّا ذهب عبدالرحمن ليقوم قال : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر » ، وتقول : « لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة . فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس » ، وتقول : « قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري » ، تقول هذا وأمثاله ... ) !!
وأقول : يا لهف قلبي على هذا الرسول المسكين ، الذي لم يجد من بين نساء العالمين من يتخذها زوجة له سوى هذه التي يزعم فيها الرافضة أنها حاقدة حسودة حقودة طماعة !!!! فيا لهذا الرسول الذي يزعمونه ولاختياره الأخرق . وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضيره لمز الرافضة له .
وأما حديث كتابة الكتاب لأبي بكر رضي الله عنه ، فليس في المسند فقط ؛ بل رواه مسلم أيضاً حيث قال : عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ( ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) .
وأما كثرة رواياتها لأحاديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ فلأنه كان صلوات الله وسلامه عليه في بيتها ، فكانت أعلم الناس بما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وبماذا أوصى ؟ وماذا فعل ؟ وأما اختلاقها الفضائل لنفسها وأبيها ، وكتمانها فضائل علي بن أبي طالب وفاطمة رضوان الله عليهم أجمعين فهو من خطل القول الذي لا دليل عليه ، بل إن كل الأدلة الصحيحة ضده .
وأما ما رواه البخاري في صحيحه : قالت عائشة : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذنَّ له ، فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض ، وكان بين العباس ورجل آخر ، قال عبيد الله : فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة ، فقال لي : وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت : لا ، قال : هو علي بن أبي طالب .
وإن كان ابن عباس قد قال : ( هو عليّ ولكن عائشة لا تقدر على أن تذكره بخير ) كما نقل الميلاني عن عمدة القاري ؛ فننتظر الحكم كذلك على هذه الرواية ، ولو صحت ؛ فإن ابن عباس قد علم شيئاً ، وخفيت عليه أشياء ، ومما خفي عليه ثناء عائشة على علي رضي الله عنه في الحديث الذي ذكرته سابقاً ، وعموماً ؛ فإن الرواية في كل الكتب الستة لم تذكر مقولة ابن عباس : (( ولكن عائشة لا تقدر على أن تذكره بخير )) !! وإنما اقتصرت مقولة ابن عباس رضي الله عنه بقوله : هو علي !!!!! وراجع في ذلك كتب الحديث المعتبرة ، وعلى رأسها البخاري ومسلم ، وهذا دليل آخر على الأمانة العلمية المفقودة ، وإنما هي زيادة من ابن إسحاق في مغازيه ، وللإسماعيلي فقط ، وبأسانيد الله أعلم بحالها .
ثم إن حديث الخروج إلى الصلاة بين رجلين قد جاء أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ( فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض ) ، وعلى قاعدة الأستاذ الميلاني ؛ يكون ابن عباس عدواً لأبيه العباس ، ولعلي بن أبي طالب ، لعدم تصريحه بأسمائهما ، مع أن الشيعة يعدون ابن عباس من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما .(12/443)
وبعد أن علمنا أن مقولة ( ولكن عائشة لا تقدر على أن تذكره بخير ) لم ترو بسند مقبول عن ابن عباس ؛ بل إن المعروف المعلوم أن عائشة قد ذكرت علي بن أبي طالب وفاطمة وبقية أصحاب الكساء بالخير والفضل ؛ فلا بد من معرفة السبب الذي دعاها رضوان الله عليها للتصريح باسم العباس دون اسم الرجل الآخر ؟؟ والسبب بكل بساطة هو : أن الروايات قد جاءت مصرحة باسم الرجل الآخر ، ولكن فيها اختلاف في تسمية الرجل الآخر ، ولذلك فقد حُمل الحديث على أنهم كانوا يتعاقبون حمل الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة واحدة ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحدهم ، بينما العباس رضي الله عنه كان ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم طوال مسيره من الجهة الثانية ، وهذا هو كل ما في الموضوع ، أما الكراهية والبغض والشحناء ، وعدم المقدرة على ذكر الفضائل وغيرها ، فهي كلام هباء منثور كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، فكيف يصدق به عاقل ؟؟؟؟ وقد خفي هذا الأمر على ابن عباس ، لأنه رأى علياً يعضد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم ير الباقين ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، ومن رأى حجة على من لم ير ، وهل ننفى الرواية لأن ابن عباس رأى جزءاً منها وغاب عنه الباقي ؟؟!!
ثم لننظر إلى هذا المؤلف القدير كيف ينسف كل ما بناه في السابق عند قوله : ( فإذا عرفناها تبغض علياً إلى حد لا تقدر أن تذكره بخير ، ولا تطيب نفسها به ، وتحاول إبعاده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتدعي لأبيها ولنفسها ما لا أصل له ، بل لقد حدثت أمّ سلمة بالأمر الواقع فقالت : ( والذي أحلف به ، إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : عدنا رسول الله غداة بعد غداة فكان يقول : جاء عليّ ؟!! ـ مراراً ـ قالت : أظنه كان بعثه في حاجة ، قالت : فجاء بعد ، فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله ) ، ولا أدري كيف تطيب نفس هذا الأحمق بقبول هذه الرواية ، مع أن فيها الكثير من المخالفات والمحاذير ، ومع أن الحاكم قال : إن هذا الحديث صحيح ، إلا أن الحاكم معروف بتساهله في تصحيح الأحاديث ، ولننظر نظرة سريعة في رجال الإسناد لنطبق ما تعلمناه من المحقق الكبير الميلاني :
جاء في المستدرك : أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن شيبة قال : ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن أم موسى عن أم سلمة رضي الله عنها ، ولا أدري لماذا لم يطبق الميلاني إجراءات الفحص والتحري والسلامة للتأكد من صحة هذا الحديث مثلما قام به في نقده لروايات إمامة إبي بكر رضي الله عنها ، ولكن يبدو أنه قد أحس بالتعب فجأة !!! ولكي أختصر عليه الموضوع ، ففي سند هذا الحديث جرير بن عبدالحميد ، وهو ثقة عند أهل السنة والجماعة ، ولكنه اختلط في آخره عمره ، فحاله تماماً كحال عبدالملك بن عمير الذي رفض الميلاني قبول روايته لأنه اختلط في آخر عمره ، مع أن روايتهما لم تكن مما روياه في آخر عمرهما ، فلماذا تقبل رواية جرير ؟ ولا تقبل رواية عبدالملك بن عمير ؟؟!! وكذلك فقد رمي بالتدليس ، فحاله كالأعمش وغيره ، وكان أيضاً يسب معاوية علانية !! وحاله ليس بأقل من حال من أسقط الميلاني زوراً وبهتاناً عدالتهم لظنه أنهم أعداء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
والمغيرة بن مقسم : كان يدلس ، وكان عثمانياً ، فحاله تماماً كحال أبي وائل : شقيق بن سلمة ، وقال عنه إسماعيل القاضي : ليس بقوي فيمن لقي لأنه يدلس ؛ فكيف إذا أرسل ؟
وأما أم موسى : سرية علي بن أبي طالب ؛ فقد قال الدارقطني عنها : يخرج حديثها اعتباراً ، أي أن ما وافقت غيرها فيه فيعتضد به ، أما إن خالفت غيرها فحديثها مردود عليها ، ومن ذلك هذا الحديث ، لأن كبار الحفاظ قد أخرجوا خلاف ما ذكرت .
فما رأي الميلاني بهؤلاء الرواة ؟؟؟
وحتى إن صح حديث أم سلمة ، فلا معارضة بينه وبين حديث عائشة ، فيكون علي بن أبي طالب آخر من رآه من عموم الناس ، وعائشة هي آخر من رآه من خواصه ، لأنه كان في بيتها رضوان الله عليها ، مع أن الحديث باطل .
وأما قول الميلاني في آخر موضوعه : ( إذا عرفنا هذا كله ، وهو قليل من كثير ) فلا أدري أين هو هذا الكثير ؟ ولكن من المعلوم أن الكثير هو ما ذكرته قبل قليل من رواية عائشة رضي الله عنها فضائل علي وفاطمة رضي الله عنهما ، ولذلك فنحن ننتظر هذا الكثير الذي عند الميلاني .(12/444)
وأما قول الميلاني في آخر هذا الفصل : ( ومما يؤكد ذلك اختلاف النقل عنها في القضية وهي واحدة ) ، فهذا إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على تحامله الشديد ، لأن كل من قرأ كتب الشيعة وجدهم يؤمنون بروايات وردت من طرق الشيعة والسنة تحكي قصة واحدة ، وتتضارب بينها أشد التضارب ، ومن ذلك الحادثة المزعومة في تصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخاتم ، وحديث أصحاب الكساء ، وحديث تظاهر عائشة وحفصة رضوان الله عليهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك من الأحاديث التي اختلفت الرواية فيها ، فأهل السنة والجماعة لهم ضوابط في هذه المسألة في الجمع والترجيح عند صحة الأسانيد ، ولكن يبدو أن الأخ الميلاني غير مقتنع بهذا كله ، فليطبق هذه القاعدة على كتب الحديث الشيعية فقط إذاً ، وليسقط جميع الأحاديث التي اختلف النقل فيها ، وننتظر منه الخروج بشيء ولو كان يسيراً !!
وجميع روايات البخاري ومسلم صحيحة الإسناد ، ولا خلاف في رواتها ، ولا غبار عليها ، وبلا شك فهناك ابن ماجة عن ابن عباس ، فهي ضعيفة الإسناد ، ولكن لا مطعن في الروايات الباقية ولله الحمد والمنة على إظهاره الحق .
وبعد هذا العرض لطريقة تفكير هذا الشخص ، وطريقته الفذة في قبول الأخبار ؛ لا داعي للاستطراد في الرد عليه في بقية كلامه من طعنه في متون الأحاديث ، لأن غالب ما يستشهد به أحاديث ضعيفة قد مر بنا بعض النماذج منها ، ويأخذ هذه الأحاديث الضعيفة وكأنها من المتواتر الذي لا يمكن رده ، ويريد بهذه الأحاديث الضعيفة أن يطعن فيما أثبته كبار الحفاظ والأئمة في كتبهم ، وهيهات له ذلك .
ولنأخذ في هذه العجالة حديثاً واحداً مما ذكره ، حيث ذكر الحديث : ( في المسند : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا يونس بن عمرو عن أبيه ، عن الأرقم بن شرحبيل ، قال : سألت ابن عباس أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قلت : فكيف كان ذلك ؟ قال : قال رسول الله : ابعثوا إلى علي فادعوه ، فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ؟ وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ؟ فاجتمعوا عنده جميعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا ، فإن تك لي حاجة ابعث إليكم ) !!!! وهو بهذا الحديث يريد أن يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد علياً ، ولكن هذا السخيف قد حذف بقية الحديث التي هي : ( فانصرفوا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آن الصلاة ؟ قيل : نعم . قال : فأمروا أبا بكر ليصلي بالناس !! فقالت عائشة : إنه رجل رقيق فمر عمر . فقال : مروا عمر . فقال عمر : ما كنت لأتقدم وأبو بكر شاهد . فتقدم أبو بكر ، ووجد رسول الله خفة فخرج ، فلما سمع أبو بكر حركته تأخر ، فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فأقامه مكانه ، وقعد رسول الله فقرأ من حيث انتهى أبو بكر ) !!!! فياللأمانة العلمية ، فالميلاني يؤكد صحة خبر إمامة أبي بكر رضي الله عنه للناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم باستشهاده بهذا الخبر .
علماً بأن يونس بن عمرو : قال فيه يحيى بن معين : كانت فيه غفلة شديدة ، وقد علمنا مقدار أقوال يحيى بن معين عند الميلاني ، وقال الأثرم : سمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه ، وقال : حديث إسرائيل أحب إلي منه ، وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه : حديثه مضطرب ، وقال أبو حاتم : كان صدوقاً إلا أنه لا يحتج بحديثه .
إضافة إلى أن طعنه في أن أبا بكر رضي الله عنه كان في جيش أسامة لا وجه له ، لأن أبا بكر كان في جيش أسامة ، ثم استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره بالصلاة بالناس في المدينة .
وأما عدم دلالة الصلاة بالناس على الإمامة بدليل تولية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أم مكتوم عند مغادرته المدينة ؛ فهذا أمر طريف حقاً ، لأن جميع من سبقوا أبا بكر رضي الله عنه ؛ إنما ولاهم الرسول صلى الله عليه وسلم الإمامة حال غيابه عن المدينة ، أما في قصتنا هذه ؛ فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس وهو مقيم معهم في المدينة ، ليتنبه الناس أن من ارتضاه الرسول صلى الله عليه وسلم لدينهم ؛ فقد ارتضاه لدنياهم ، ومن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بهم ؛ فهو أولى الناس بالخلافة .
وأما الاستشهاد بأحاديث ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ؛ فنذكر الميلاني وغيره بالرواية التي رواها ابن أبي الحديد في كتاب شرح نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أن قال : ( ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي ) شرح النهج : 3/131 باب 44 .(12/445)
وعموماً : فجميع رواة خبر صلاة أبي بكر رضي الله عنه ليس فيهم كذاب ، ولا وضاع ، ولا منكر الحديث ، وإنما غاية ما وجده هذا المسكين : اتهام بالتخليط في آخر العمر ، أو الوهم ، أو الخطأ اليسير ، وحتى على فرض ثبوت هذه التهم ؛ فهناك أسانيد لا يستطيع القدح فيها بأي صورة ، وقد تبين بالعرض السابق مدى العقلية التي يفكر بها ويحكم بها هذا الشخص .
ولقد فتح الشيعة على أنفسهم باباً لا يستطيعون إغلاقه أبداً عندما بدؤوا بالطعن في روايات أهل السنة والجماعة ، وذلك لأن الشيعة قوم لا نقل لهم ، وهذا ما يشهد به الشيعة قبل السنة ، فكتب الحديث عندهم ، وكتب الرجال ، وكتب نقد الأسانيد والمرويات ، فيها اختلاط وتضارب عجيب غريب ، وفي أسانيدهم عدد لا يحصيه إلا الله من المجاهيل ، إضافة إلى اعتمادهم على مرويات الكذابين والوضاعين والمغالين وغيرهم من أصحاب النحل الفاسدة ، والشواهد المصدقة لهذا من كتب الشيعة كثيرة متضافرة ، فقد جاء في بحار الأنوار 2 / 246 عن جعفر الصادق قوله : ( إن الناس أولعوا بالكذب علينا ) ، وكانت مصيبة جعفر أن ( اكتنفه قوم جهال ، يدخلون عليه ويخرجون من عنده ، ويقولون حديثنا جعفر بن محمد ، ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليستأكلوا الناس بذلك ، ويأخذوا منهم الدراهم ) ، وانظر في ذلك رجال الكشي ص 208 ، 209 .
وأما أعداء الأئمة الاثني عشر عند الشيعة ومدى قبول رواياتهم وردها ، فإن هذا الأصل لم يعمل به الشيعة إلا في حق الصحابة رضوان الله عليهم !!! حيث ردوا روايات الصحابة ، ولكنهم لم يردوا روايات من أنكر بعض الأئمة من أسلافهم من الشيعة ، مع أن من أنكر إمامة واحد من الأئمة ولو كان الغائب المزعوم فهو كإبليس !!! كما نص على ذلك صدوقهم ابن بابوية القمي في إكمال الدين ص 13 !! وقد أكد شيخهم الحر العاملي على أن الطائفة الإمامية عملت بأخبار الفطحية ، مثل : عبدالله بن بكير ، وأخبار الواقفية ، مثل : سماعة بن مهران ، وكثيراً ما تقرأ في تراجم رجال الشيعة بأن فلاناً فطحي ، وذاك واقفي ، وهذا من الناووسية الذين أنكروا إمامة من بعد جعفر الصادق .
فكل هذه الطوائف الثلاث تنكر بعض أئمة الاثني عشر ، ومع ذلك يعدون جملة من رجالها ثقات ، جاء في رجال الكشي على سبيل المثال : ( في محمد بن الوليد الخزاز ، ومعاوية بن حكيم ، ومصدق بن صدقة ، ومحمد بن سالم بن عبدالحميد ، قال أبو عمرو ( الكشي ) : وهؤلاء كلهم فطحية ، وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول ، وبعضهم أدرك الرضا ، وكلهم كوفيون ) . رجال الكشي ص 563 ، وغيرهم الكثير والكثير .
وعندما يتهم أهل السنة الشيعة بأنهم يكفرونهم ، ويحتجون عليهم بالأحاديث التي عندهم أن من أنكر أحد الأئمة فقد كفر ؛ تجد الشيعة يحتجون في إنكارهم لتكفير أسلافهم لأهل السنة والجماعة ، أن ما ذكره الأئمة من كفر من جحد إمامة أحد الأئمة ؛ إنما جاء متعلقاً بمن اعتقد بإمامته أولاً ، ثم جحدها بعد ذلك ، فيكون حكمه كحكم المرتد !! وعلى هذا الأساس ؛ فالصحابة كلهم مؤمنون ، بينما الفطحية والناووسية والواقفة كفار ، وما أعجب هذا الدين الذي يعارض روايات المؤمنين بروايات الكفار !!!!!!!!!!
وعلى أقل الأحوال ؛ فالجميع من الناووسية والفطحية والواقفة يشتركون مع الصحابة رضوان الله عليهم في نفس العلة المزعومة التي من أجلها رفض الشيعة مرويات الصحابة ، وهو إنكار أحد الأئمة ، وإذا أدركنا ذلك ؛ أدركنا عظيم تناقضهم ، وأنهم ليس لهم ميزان ثابت ، وأن الهوى المذهبي ، والتعصب والتحزب قد أعمى أبصار شيوخهم ، فأضلوا أتباعهم سواء السبيل ، وحرموهم من منبع العلم والإيمان .
وهل ثمة مجال لمقارنة بين من أثنى الله عليهم ورسوله ، بمجموعة من حثالة الأفاكين والمفترين إلا لبيان أنهم في مذهبهم في رد روايات الصحابة ليسوا على شيء .
الكتب الأربعة في الميزان ( باختصار شديد ) :
الكتب الأربعة التي ملأ الشيعة الدنيا ضجيجاً في إثبات صحتها ، وتواتر مضامينها ، والقطع بصدورها عن الأئمة لم تسلم من يد الدس والتحريف ، كما اعترف بذلك رجال الشيعة أنفسهم ، فمثلاً اختلفوا هل كتاب الروضة من الكافي للكليني من تأليف الكليني أم زيد فيما بعد على كتابه ؟ انظر روضات الجنات 6/118-176 .
أما متون هذه الكتب ونصوصها فالملاحظ فيها ظاهرة الاختلاف والتضاد ، ولقد تألم شيخهم محمد بن الحسن الطوسي ( لما آلت إليه أحاديثهم من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد ، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه … ) ، واعترف بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الأخرى ، وأن هذا كان من أعظم الطعون على مذهبهم ، وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الاختلاف والتناقض ) ( تهذيب الأحكام 1 / 2-3 ) .(12/446)
وهذا هو ما يجعل بعض الشيعة المعاصرين يهجرون التشيع ، ولكن الخطوة الأولى لا بد أن تبدأ من نقد الأحاديث نقداً موضوعياً ، وعلى كثرة من جالسناهم من الشيعة ؛ فإن المطلعين منهم على كتب الحديث عندهم ، وعلى طرق التخريج ، والحكم على الروايات قلة قليلة ، بل لم أجد في حياتي شخصاً يستطيع أن يناقش نقاشاً شفهياً علمياً موضوعياً جاداً ، ومن أراد التأكد من ذلك من الشيعة ، فليفعل ذلك بنفسه ، وليأتنا بالأحاديث الموثقة ( من وجهة النظر الشيعية ) التي تدعم قضية الإمامة ، أو قضية العصمة ، أو قضية ولادة المهدي المنتظر ، فمن وجد شيئاً فليدلنا عليه حتى نشاركه هذا الكنز العظيم الذي لن يوجد .
وممن نقدوا الأحاديث الواردة في تلك الأبواب في هذا العصر : أحمد الكاتب ، ولقاؤه الشهير في قناة الجزيرة أشهر من أن يذكر ، وسمعنا من الردود الشيء الكثير من التسخط والاعتراض ، ولكن للأسف لم نستمع لشخص واحد يقول لأحمد الكاتب : لقد روى الراوي الفلاني في كتابه الفلاني : عن فلان عن فلان عن الإمام الفلاني : بأن المسألة الفلانية كذا وكذا ، مما يدعم إحدى القضايا التي أنكرها أحمد الكاتب ، ويكون الإسناد متصلاً صحيحاً ، وذلك لأن الشيعة أعجز من أن يقوموا بذلك .
وقد حكم الله تعالى على كل دين يضعه البشر بالتناقض والتضاد ، ولهذا فنقد الأحاديث عند الشيعة بطريقة موضوعية لن يتم على الإطلاق ، والمنصف يفهم معنى كلامي ويعقله ، لأن الشيعة القدماء كانوا جهلة في علم قبول الأخبار ونقدها ، فتراهم يحتجون على أهل السنة برويات ساقطة الإسناد في كتب أهل السنة ، ولم يتم تقسيم الأحاديث عندهم إلى صحيح وضعيف وموثق وحسن إلا في أيام العلامة الحلي في القرن السابع الهجري تقريباً !!! ومن نقد أحاديثهم بالرجوع إلى كتب الرجال المشهورة عندهم ؛ فلن يصفى له بين يديه إلا أقل القليل من الأسانيد ، لأن كل أسانيدهم لا تخلو من مجاهيل أو مطعونين ، ولهذا قام الشيعة المعاصرين كالخوئي في كتابه معجم رجال الحديث ، والعاملي في كتابه أعيان الشيعة بمحاولة يائسة للدفاع عن هؤلاء الرواة وتوثيقهم ، ولكن حكم الله بالتناقض والوضع باق لا يزول ، لأنهم بتوثيقهم لهذا الجمع الضخم من الرواة المجهولين أو المطعونين قد وقعوا في مأزق آخر ، ألا وهو أن هؤلاء الرواة هم أنفسهم الذين رووا المخازي العظيمة في كتب الشيعة : من روايات حلول الله في الأئمة ، وعلم الأئمة الغيب ، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ، وأن بيدهم الأرزاق ، بالإضافة إلى الوصمة التاريخية العظيمة ألا وهي ألفا حديث في كتبهم تروي خرافة تحريف القرآن الكريم ، إضافة إلى التقية ، والرجعة ، والبداء إلى غير ذلك مما يطول ذكره ، فتوثيق هؤلاء الرواة توثيق لما رووه ، ولكن خرجوا لنا بحيلة إبليسية جديدة بقولهم : ( كل حديث يخالف القرآن فهو زخرف ) ، و ( أي حديث يخالف العقل فهو باطل ) ، وأنا لا أدري والله إلى الآن : كيف يمكن أن يأتينا حديث صحيح الإسناد يكون مخالفاً للقرآن أو للعقل ؟؟؟ إن ذلك يدعو للطعن في طريقة وصول هذا الحديث وصحته إلينا ، أما عند أهل السنة والجماعة : فلا يمكن أن يصح إسناد حديث ، ثم يكون متنه مخالفاً للقرآن أو العقل ، كما لا يمكن لأي متن يخالف القرآن أو العقل أن يكون صحيح الإسناد ولله الحمد ، لأن السنة عند أهل السنة كلٌّ لا يتجزأ ، ولا يأتي شيخ متعمم عندهم ليقول : هذا الحديث بهذا الإسناد مقبول ، وذاك الحديث بنفس الإسناد السابق ردوه ، لا لشيء إلا لمخالفته العقل !!!
نعوذ إلى تناقض الكتب الأربعة الرهيب العجيب ، فقد قام شيخهم الطوسي يمحاولة يائسة لتدارك هذا الاختلاف وتوجيه هذا التناقض فلم يفلح ، بل زاد الطين بلة ، حيث علق كثيراً من روايات الاختلاف على التقية بلا دليل ، سوى أن هذا الحديث أو ذاك يوافق أهل السنة .
والدليل المادي على أن محاولته لم تنجح هو كثرة اختلافهم ، وقد اشتكى بعض شيوخهم من هذه الظاهرة ، وهو الفيض الكاشاني صاحب الوافي ، فقال عن اختلاف طائفته : ( تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً ، أو ثلاثين قولاً ، أو أزيد ، بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها ) ( الوافي ، المقدمة ص 9 ) .
والملاحظ أن اختلافهم هو اختلاف في الأحاديث أو النصوص ، وليس اختلافاً في الاستنباط ، أي يأتي الحديث ليقول إن الأمر الفلاني على الصورة الفلانية ، ويأتي الحديث الآخر مناقض تماماً للحديث الأول ، وليس لهم ملجأ إلا التقية المزعومة .(12/447)
أما معاني هذه الروايات ، ومادتها فإن فيها ما يحكم المرء بوضعه بمجرد النظر في متنه لمخالفته لأصول الإسلام وضروراته ، وما علم بالتواتر ، وما أجمع المسلمون عليه ، مع مخالفته لصريح العقل ، وقد جاء في بحار الأنوار عن جعفر الصادق أن رجلاً أتاه فسأله : جعلت فداك إن رجلاً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب ، فيحدث بالحديث فنستبشعه ، فقال أبو عبدالله : يقول لك إني قلت لليل إنه نهار ، وللنهار إنه ليل ؟! قال : لا ، قال : فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به ، فإنك إنما تكذبني ( البحار 2/211 ) .
وأما مدى صحة هذه المدونات فهذا بحث طويل واسع ، إلا أني أستطيع أن أقوم هنا في مقام التحدي بأن يأتيني أي شخص بأسانيد مرضية عند الشيعة من هذه الكتب الأربعة تثبت القضايا التي خالف الشيعة فيها أمة الإسلام ، وسأظل أنتظر إلى أبد الآبدين ، لأني أعلم قطعاً خلو كتب الشيعة من هذه الأسانيد المرضية عندهم ، ومن طالع كتاب كسر الصنم علم الواقع الأليم في كتب الشيعة ، وعلى رأسها أصح كتبهم وأعني به الكافي .
وبهذه المناسبة أريد أن أنقل نصاً هاماً لشيخ الشيعة عبدالله الممقاني من كتابه الشهير تنقيح المقال ( 1/183 ) حيث قال : ( إن كون مجموع ما بين دفتي كل واحد من الكتب الأربعة من حيث المجموع متواتراً مما لا يعتريه شك ولا شبهة ، بل هي عند التأمل فوق حد التواتر ) !!!!!!!! وكذلك فقد قطع عبدالحسين الموسوي بصحة مضامين كل أحاديث الكتب الأربعة في كتابه المراجعات ، المراجعة رقم 110 ، حيث قال : ( وهي متواترة ، ومضامينها مقطوع بصحتها ) ، مع أن هذه الكتب الأربعة قد اشتملت على أخبار التجسيم ، والتشبيه ، وقدم العالم ، وثبوت المكان ، والزمان .
وقد حاول بعض الأذكياء من الشيعة التهرب من هذا القول ؛ بأن قالوا : ( إن المقصود من تواترها : هو تواترها من عصر الكليني إلى عصرنا هذا ، وأن القطع المقصود هو القطع بكونها مما جمعه الكليني ، وأما ما قبل الكليني فهذا خاضع للإسناد ) ، ولكن أقول لهؤلاء المساكين : ما معنى قول عبدالحسين الهالك : ( ومضامينها مقطوع بصحتها ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
وقد وقع الشيعة في مشكلة أخرى هي أن أصحاب الكتب الأربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم لا يذكرون إلا الصحيح ، خاصة أن الكليني عاش في زمن الغيبة الصغرى ، وكان في بغداد بلد النواب الأربعة ، وابن بابوية القمي أدرك من الغيبة الصغرى نيفا وعشرين سنة ، فيجيب جعفر النجفي في كتابه كشف الغطا ص 40 بقوله : ( فلا بد من تخصيص ما ذكر في المقدمات ، أو تأويلة على ضرب من المجازات … ) إلى غير ذلك من التعليلات الغير مقبولة عقلاً ، صحيح أن هؤلاء المؤلفين قد قالوا : إذا خالف حديثنا القرآن ؛ فارموا بحديثنا عرض الحائط ؛ إلا أنهم قد صرحوا مع هذا التصريح بتصريح آخر مزعج للشيعة ، ألا وهو : أنهم يعتقدون بكل ما رووه في كتبهم !!! وهنا المشكلة الأخرى التي وقع الشيعة فيها إلى اليوم ، وما زالوا يفكرون في كيفية التخلص منها ؟ بينما يتخلص جعفر النجفي من كل هذه التبعات بقوله : ( وأنه لا يجب على الأئمة المبادرة إليهم بالإنكار ولا تمييز الخطأ من الصواب لمنع التقية المتفرعة على يوم السقيفة ) !!!
قد ذكرنا رأي الأخباريين فيما سبق ، ولنذكر الآن رأي الأصوليين من الشيعة ، ولننظر في مسلك التصحيح والتضعيف عندهم ، وهل لهم بصر بالرجال ، ودراية بعلم الجرح والتعديل أم لا ؟
فأولاً : لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتى ألف الكشي في المائة الرابعة كتاباً لهم في ذلك جاء على غاية الاختصار ، وليس فيه ما يغني في هذا الباب !! وقد أورد أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل ، ( كما أنه في كثير من الأسانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال أو آبائهم أو كناهم أو ألقابهم ) انظر تنقيح المقال للممقاني ، 1/177 .
وأما التأليف في أصول الحديث وعلومه ؛ فقد كان معدوماً عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني ، والمقتول سنة 965 هـ !!! وهذا ما يعترف به علماء الشيعة أنفسهم ، ومنهم الحائري في مقتبس الأثر 3/73 .
وأما رجال الأسانيد في هذه الكتب ، فيقول الطوسي عنهم : ( إن كثيراً من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، - ومع هذا يقول – إن كتبهم معتمدة ) ( الفهرست ص 24 / 25 ) ، فالمهم عندهم التشيع ، ثم لينتحل الشخص ما يشاء من المذاهب الفاسدة .
بل قرر جملة من علماء الرجال عندهم كابن الغضائري ( على تشدده وتحامله في نقد الرجال ) ، وابن المطهر الحلي بأن القدح في دين الرجل لا يؤثر في صحة حديثه ، ( رجال الحلي ص 137 ) !!!!!!!!!!(12/448)
ومن رواة الحديث عند الشيعة جابر الجعفي ، قال عنه الحر العاملي : ( روى سبعين ألف حديث عن الباقر عليه السلام ، وروى مائة وأربعين ألف حديث ، والظاهر أنه ما روى بطريق المشافهة عن الأئمة عليهم السلام أكثر مما روى جابر ) ( وسائل الشيعة 20 / 151 ) ، يعني أن رواياته تقريباً اثنين وأربعين ضعفاً لجميع مرويات أبي هريرة بصحيحها ، وضعيفها ، وموضوعها ، ومكررها ، فلماذا لم يملأ الشيعة الدنيا صراخاً وعويلاً على جابر الجعفي في كيفية روايته لهذا العدد الفلكي من الأحاديث ، بينما نرى هجماتهم على أبي هريرة لا تكل ولا تمل ، مع أن الكشي روى عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبدالله عن أحاديث جابر ؟ فقال : ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة ، وما دخل علي قط ) ( رجال الكشي ص 191 ) ، فإذا كان أبو هريرة رضي الله عنه قد روى خمسة آلاف حديث في مدة لا تقل بأي حال من الأحوال ، وبعد القطع والبتر الشيعيين قدر الإمكان للمدة التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تقل هذه المدة عن سنة وتسعة أشهر ، مع أنه عاش أكثر منها ، أما جابر الجعفي فلا غرابة أن يروي سبعين ألف حديث من جلسة واحدة ، ولكن يبدو أن جابر كان يملك تقنية الحاسب الآلي في ذلك الوقت ، وأن الباقر قد قام بتخزين هذه العلوم التي علمها جابر على أقراص سيدي روم ، فقام بتحميلها في دماغة في تلك الجلسة اليتيمة التي جلسها عنده ، ثم بعثه إلى الآفاق يروي الأحاديث عنه !!!!!!!!!!!
ولم يجد الخوئي ما يدافع به عن هذه الرواية إلا قوله : ( لا بد من حمله على نحو من التورية ) ( معجم رجال الحديث : 5/25 ) ، ولو كانت هذه القاعدة صحيحة ، لما احتاج أحد إلى كتابة رد على أحد ، لأنه وبكل بساطة سيقول : إن طعن الأئمة من علماء أهل السنة والجماعة في عبدالملك بن عمير ، وعاصم بن أبي النجود ، ونعيم بن أبي هند ، وسلمة بن نبيط ، وغيرهم إنما جاء من قبيل التورية والتقية ، إلا أن هذا الرد معروف قطعاً أنه من وسائل الهروب الآمنة المريحة ، فمرحى للشجعان .
وبالنظر البسيط إلى أسانيد هذه الكتب الأربعة وغيرها من كتب الشيعة ؛ يعلم المنصف علم اليقين أن هذه الأسانيد إنما وضعت بأسماء رجال لا مسمى لهم ، فلا يكاد إسناد واحد عندهم يسلم من مجهول ضمن رجاله ، ودونكم كتب الشيعة جربوا فيها بأنفسكم ، ووافونا بالنتائج .
وقد يعجب البعض من تضعيف علماء السنة لأكثر من 99 في المائة من مرويات الشيعة في كتبهم ، حتى لو حكموا عليها من وجهة النظر الشيعية البحتة ، وقد يجعله البعض تحاملاً من أهل السنة والجماعة على الشيعة ، ولكن ليطمئن الجميع ، فهذا يوسف البحراني الشيعي يقول في كتابة لؤلؤة البحرين ص 47 : ( والواجب إما الأخذ بهذه الأخبار ، كما هو عليه متقدمو علمائنا الأبرار ، أو تحصيل دين غير هذا الدين ، وشريعة أخرى غير هذه الشريعة لنقصانها وعدم تمامها ، لعدم الدليل على جملة من أحكامها ، ولا أراهم يلتزمون شيئاً من الأمرين ، مع أنه لا ثالث لهما في البين ، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر ، غير متعسف ولا مكابر ) !!!!!!!!!!
وسيظل الشيعة إلى أبد الآبدين ينتقلون من مأزق إلى مأزق في هذا الموضوع ، ولذلك نراهم قد أفرغوا أذهانهم من مسألة نقد كتبهم ، وتفرغوا تماماً لنقد روايات أهل السنة والجماعة ، في حين نراهم يجهلون الكثير والكثير عن كتبهم ، ولو فرغوا أنفسهم لنقد مروياتهم لتبين لهم بطلان المذهب ، ولهذا فالشيعة يتهربون وبشدة من إظهار الروايات الصحيحة عندهم مع التصريح بصحة إسنادها ، لأنهم إن سلموا من انقطاع السند لم يسلموا من تضمن السند على مجاهيل ، وإن سلموا من المجاهيل لم يسلموا من روايات الضعفاء المردودي الرواية ، وإن سلموا بعد الترميمات الجبارة التي قام بها الخوئي والعاملي ليتم اتصال الإسناد ، ويتبين حال كل راو لم يسلموا من وجود حديث آخر بنفس هذا الإسناد ، وخاضع لنفس شروط السند الأول يرفض الشيعة الاعتراف به ، لأن فيه ما يخزيهم ، ولهذا فهم يدورون في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله ، ولكن لعل المتبصرين منهم يقومون بتلك الخطوات الجريئة ، ولهم في تجربة الشيخ إبي الفضل بن البرقعي في كتابه كسر الصنم خير دليل على ذلك ، فلعل الله أن يفتح على قلوبهم ويهدينا وإياهم إلى سواء السبيل ، والله أعلم .
قبل الختام ، أود ذكر هذه الأبيات من معلقة الأعشى حيث يقول :
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة أبا ثبيت ! أما تنفك تأتكل ؟
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ؟ ولست ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرة يوماً ليفلقها ! فلم يَضِرْها وأوهى قرْنه الوَعِل
=====================
الفهرس العام :
رابعا- شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم ... 1
الطعن في الصحابة / الصحابة والمنافقون في صدر الإسلام ... 1
تمهيد ... 5
الفصل الأول: كيف ميز القرآن بين الصحابة والمنافقين؟ ... 7
الفصل الثاني: مفهوم الصحابة والعدالة في الإسلام ... 25(12/449)
الفصل الثالث: شبهات حول الصحابة ... 30
حديث الحوض ... 49
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار}، والرد عليه. ... 58
الفصل الرابع: الصحابة والإمامة ... 80
حملة رسالة الإسلام الأولون وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير ... 96
آية الولاية ... 114
آية ذوي القربى ... 122
آية التطهير ... 124
حديث الثقلين ... 131
حديث الإثني عشر ... 135
حديث الغدير ... 145
حديث الدار ... 151
شبهة حديث الحوض ... 158
شبهة جيش أسامة ... 161
شبهة قضية فدك ... 162
شبهة رزية يوم الخميس ... 169
تقسيم الصحابة بين أهل السنة والجماعة والرافضة الاثني عشرية ... 175
تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أقسام والزعم أن منهم من نزل القرآن بتوبيخهم والتحذير منهم ... 226
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الأول أبو بكر الصديق والرد عليه في ذلك ... 228
مطاعن التيجاني في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والرد عليه في ذلك ... 284
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثالث عثمان بن عفان والرد عليه في ذلك ... 317
مبحث مطاعن التيجاني في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر والرد عليه في ذلك ... 329
مبحث مطاعن التيجاني في طلحة والزبير والرد عليه في ذلك ... 348
شبهات شيعية والرد عليها هل التحسين يكون بالعقل أم بالشرع؟ ... 378
الموضوع عبارة عن محاضرة ألقاها الشيخ عثمان الخميس ... 385
حد العورة عند الشيعة. ... 414
بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة. ... 415
فساء وضراط الأئمة كريح المسك. ... 415
الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر: ... 415
إعارة الفروج. ... 415
يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة. ... 416
الله يزور قبر الحسين. ... 417
طلب الاستعانة من الأنبياء والملائكة في الصلاة. ... 418
الإمامة عند الرافضة. ... 418
التراب شفاء كالعسل. ... 419
التشبه بالنصارى. ... 419
عقيدة الفداء. ... 420
فاطمة إله ظهر بصورة امرأة. ... 421
الله يتجلى بمظاهر النبي والأئمة. ... 421
وحدة الوجود المحب والمحبوب شيء واحد. ... 422
خرافات كثيرة ... 422
غرائب الشيعه ... 432
لماذا هاج الرافضة من موضوع "من المعصوم و المعصومة؟ ... 446
أتمنى التفكر في هذه الآية ... 453
تناقضات الشيعة ... 464
زعمهم أن الإمامة أهم مطالب الدين ... 477
الشبهة(1): احتجاجهم بحديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسى - عليه السلام " ... 502
الشبهة(26): احتجاجهم بحديث " لأعطين الراية .. " ... 570
قولهم : «إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان» !! ... 580
شهادة الخميني في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 583
كف العصابة عما شجر بين الصحابة ... 599
همسة في أذن عقلاء الشيعة لماذا التجني على الصحابة ... 618
فتوحات معاوية بن أبي سفيان .. بين البخس والإنصاف ... 623
الشيعة المعاصرون والصحابة ... 633
الوصائل والتصافي بين آل بيت النبي وصحابته رضوان الله عليهم ... 639
فداء وحسن بلاء ..صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 670
ثناء السنة والقرآن على صحابة الرحمن ... 698
تعس وانتكس من شمت الأعداء بالأصحاب ... 811
فضائل الصحابة وخطر الشيعة ... 956
شبهات وأباطيل حول معاوية رضي الله عنه ... 986
الرد على الجاني علي الميلاني ... 992(12/450)
الباب السادس- شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم 2
قبر فاطمة عليها السلام
ذوالفقار ... بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله على ما ألهم.
و أفضل الصلاة و ازكى التسليم على خير الخلائق اجمعين محمد و آله الطاهرين.
واللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم دين.
اين هو بالتحديد قبر فاطمة الزهراء-عليها السلام-بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-و كيف و متى شيعها المسلمون الى قبرها؟
------------------
ولا تقف ما ليس لك به علم
asdqw ... وفاة فاطمة عليها السلام
توفيت فاطمة عليها السلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بستة أشهر و كانت أول أهله لحوقًا به تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم ، و لما حضرها الموت قالت لأسماء بنت عميس : يا أسماء ، إني قد استقبحت ما يصنع النساء ، يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، قالت أسماء يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة ؟ ، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ، ثم طرحت عليها ثوبًا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا و أجمله ، فإذا أنا مِتُ فاغسليني أنت و علي ، و لا تدخلي علي أحدًا ، فلما توفيت غسلها زوجها علي رضي الله عنه ، و أسماء بنت عميس رضي الله عنها .
و هي أول من غطي نعشها في الإسلام عليها ، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها ، و صلى عليها علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، و قيل صلى عليها العباس رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، و أوصت أن تدفن ليلاً ، فدفنت ليلاً عليها السلام ، و نزل في قبرها زوجها علي رضي الله عنه والعباس ، و الفضل بن العباس رضي الله عنهما .
أظن أصبح من الواضح أن سبب دفنها ليلاً لم يكن إلا بسبب شدة حيائها كما أنها كانت تستحي أن يراها أحد عند غسلها رضي الله عنها ، ثم أنها دفنت في البقيع مع بقية الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا وأهل السنة إذا زاروا البقيع ترضوا على أصحاب النبي صلى الله عليهم جميعًا وترحموا عليهم ، لا كما يذهب الشيعة (وقد رأيتهم بعيني هناك عند المسجد النبوي الشريف) يتركون الصلاة ويتجهون نحو القبور يدهونها من دون الله ، مع أن الصلاة تكون مقامة والمسلمون يصلون جماعة ، والشيعة يشتغلون ببدعهم تاركين للصلاة .
فأي الفريقين أحق بالأمن ؟
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى ذريته وأزاوجه وآل بيته والصحابة أجمعين ، رغم أنف المارقين .
------------------
نوح
الشيباني ... يا ذو الفقار ... الحمد لله أنكم لا تعرفونه !!!!!
فها أنتم قد عرفتم قبر السيدة زينب على زعمكم فماذا فعلتم ؟؟؟؟؟ طواف !!!! دعاء !!!!! استغاثة !!!!! نذور !!!!! مدد !!!!
فكيف بالله عليك لو علمتم قبر من هي أفضل منها بلا شك فماذا يكون الحال ؟؟؟؟؟؟ يا الله سترك !!!!
جزاك الله خيراً يا رابع الخلفاء الراشدين على إخفاء قبرها ،،،،،
------------------
إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر
=====================
البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان
البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان
رواة الشيعة في الميزان :
إن مصيبة جعفر الصادق -كما نصّت كتب القوم -أن قوماً جهّالاً يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون حدثنا جعفر بن محمد ويحدثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليتلأكلوا الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم !
ومن هنا ندرك كبير الخطر حينما قالوا بأنه رَوي عن الإمام الصادق أربعة آلاف راوِ وذهب بعض علمائهم إلى القول بتوثيق الأربعة آلاف راوِ بدون استثناء و قبول روايات الكذابين على الأئمة وتوثيق هؤلاء الذين اكتنفوا جعفر مع إن أبا عبد الله شكى من كثرة الكذابين عليه، بل ويذكر أنه لا يوجد من هؤلاء الذين يدعون التشيع ولا سبعة عشر رجلاً من شيعته !.
عوف العقيلي : ومن رواتهم ممن كان يتعاطون المسكرات كعوف العقيلي ! فقد روى الكشي في رجاله (ص 90) عن الفرات بن أحنف قال : العقيلي كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان خماراً ولكنه يؤدي الحديث كما سمع !! .
ولا أدري كيفية تأديته للحديث هل في حالة السكر أم بعد أن يفيق !! .
محمد بن أبي عبّاد : ومن رواتهم أيضاً الذين كانوا يتعاطون المسكرات والمعاصي ، فقد ذكر محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (2/31 رقم500): وكان مشتهراً بالسماع وبشرب النبيذ !!
حفص بن البختري : ومن رواتهم حفص بن البختري فقد ذكر النجاشي في رجاله (1/324 رقم 342): أصله كوفي ثقة !! روى عن أبي عبد الله(ع) وأبي الحسن(ع) ... فغمزوا عليه بلعب الشطرنج !! .(13/1)
حمّاد بن عيسى : ومن رواتهم حمّاد بن عيسى الذي بلغ من العمر ستين سنة ! ولا يجيد الصلاة ! ولا شيئ من أحكامها ، وقد نقل رياض محمد في كتابه" الواقفة دراسة تحليليّة"(1/311-317): ورد في أصحاب الإمام الصادق(ع) حماد بن عيسى الجهني البصري أصله كوفي ...له كتب ثقة !! ... وفي (ص 317) قال: وجاء في كتاب الوسائل الصحيحة المشهورة في باب الصلاة قال: قال لي أبو عبد الله(ع) يوماً: يا حمّاد: أتحسن أن تصلّي قال: فقلت يا سيدي أنا احفظ كتاب حريز في الصلاة قال: لا عليك! قم صل فقمت بين يديه متوجهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال: يا حمّاد: لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة يحدودها تامة قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة فقام أبو عبد الله(ع) مستقبل القبلة ... فصل ركعتين على هذا ثم قال: يا حماد هكذا صل .
أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار: ومن رواتهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار وكان خماراً !
روى الكشي بسند الأول عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب قال:كنت أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعه الأزدي وحجر بن زائدة جلوساً على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشت عليّ أبا عبد الله فقلت أبو حمزة يشرب النبيذة !!! فقال له عامر: ما حرشت عليك أبا
عبد الله ولكن سألت أبا عبد الله عن المسكر فقال: كل مسكر حرام فقال: لكن أبا حمزة يشرب قال: فقال أبوحمزة :أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه! وقال علي بن الحسن بن فضال: وكان أبوحمزة يشرب النبيذ ومتهم به .
علي بن أبي حمزة البطائني: ومن رواتهم أبو حمزة وكان يسرق أموال المعصوم وخمس الشيعة .وهذا ما نصت عليه كتب الرجال عندهم. فهذا رياض محمد صلى الله عليه وسلم الشيعي) يذكر في كتابه "الواقفية دراسة تحليلية " (1/418-428) ترجمة علي بن أبي حمزة أنه من الواقفة الملعونين الكذّابين ... إلى غير ذلك .
ففي (ص420): وقال الصدوق ... عن الحسن بن علي الخزاز قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال!! ومتاع فقلنا: ما هذا ؟ قال: هذا للعبد الصالح (ع) - أي الامام - أمرني أن أحمله إلى علي ابنه(ع) وقد أوصى إليه .
قال الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى بن جعفر(ع) وحبس المال عن الرضا(ع) !!
وليس أبو البطائني الوحيد الذي كان يسرق خمس الشيعة وأموال المعصوم!! بل شاركه كثير من رواتهم الذين يدّعون التشيع للأئمة ومولاتهم !
ففي (ص422): وقال الشيخ في كتاب الغيبة: روى الثقات: أن أول من ظهر الوقف علي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي عثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها،و استمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوا من الأموال نحو حمزة بن يزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم !! .
وأما ما ورد في ذمّه بأنه ملعون وكذّاب وأنه رجل سوء وأنه من أهل النار .
ففي (ص 423وص424وص429): روى الكشي في ذمّه روايات كثيرة منها: عن حمدوه عن الحسن بن موسى عن داود بن محمد عن أحمد بن محمد قال: وقف على أبي الحسن وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت لبيك، قال: أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهد الناس في اطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين . فلما توفى أبو الحسن(ع) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في اطفاء نور الله فأبى إلا أن يتم نوره.
وما في الكشي قال: قال ابن مسعود: حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال قال: علي بن أبي حمزة كذّاب متهم .
وقال في موضع آخر قال: ابن مسعود: سمعت علي بن الحسين يقول: ابن أبي حمزة كذاب معلون ....إلآ إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثاً واحداً .
وفي(ص423): الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء .
وأما دِينه فإنه فاسد المذهب والعقيدة ، ففي (ص427): قال الوحيد في تعليقته في البطائني: قال جدي ( رحمه الله) مطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا الثقات !!
أقول: وفساد مذهبه وعقيدته لأنه من الواقفة ، والواقفة كفّار عند أصحاب الإمامية ، لأنهم لا يُقرّون بالأئمة الاثنى عشر .
وفي (ص423): وفي معالم العلماء ترجمة لأبيه: علي بن أبي حمزة البطائني ، قائد أبي بصير، واقفي .
وأما توثيقهم لهذا الراوي فلا بد منه ،لأن سقوط هذا الراوي معناه سقوط مذهب الإمامية !! لأن الواقفة وغيرهم ، هم الذين رووا الروايات في النص على الأئمة !!
ولو تأمل أخي القارئ كتب الرجال عندهم لوجد أن الذي وضع أساس الإمامة أمثال هؤلاء الرواة الذين ينتمون إلى أمثال هذه المذاهب الفاسدة كما مرّ عليك وهم من الفطحية والواقفة والناووسية والاسماعيلية ... إلى غير ذلك من الفرق والتي تجاوزت أكثر من مائة فرقة كما نصوا على ذلك .. .(13/2)
عبد الله بن أبي يعفور: ومن رواتهم عبد الله بن أبي يعفور وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح !! .
روى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه فدخل على أبي عبد الله فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكنه فقال له: لا تشرب ، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب فساعة شرب منه سكن عنه فعاد إلى أبي عبد الله فأخبره بوجعه وشربه فقال له: يا أبن أبي يعفور لا تشرب فأنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب .
أبو هريرة البزاز : ومنهم أبي هريرة البزاز قال العقيقي ترحم عليه أبوعبدالله(ع) وقيل له إنه كان يشرب النبيذ فقال أيعز على الله أن يغفر لمحب علي على شرب النبيذ والخمر!! .
السيد الحميري : ومن الموثقين عندهم شاعرهم الذي يلقبونه " بشاعر أهل البيت" السيد الحميري وكان لا يبالي من شرب الخمر !!! فعن محمد بن النعمان أنه قال: دخلت عليه في مرضه بالكوفة فرأيته وقد أسودّ وجهه وازرقّ عيناه وعطش كبده فدخلت على الصادق (ع) وهو يومئذ بالكوفة راجعا من عند الخليفة ، فقلت له : جعلت فداك إني فارقت السيدبن محمد الحميري وهو - لما به - على أسوء حال من كذا وكذا. فأمر بالاسراج وركب ومضينا معه حتى دخلنا عليه ،وعنده جماعة محدقون
به فقعد الصادق(ع) عند رأسه فقال: يا سيد! ففتح ينظر إليه ولا يطيق الكلام فحرّك الصادق(ع) شفتيه ، ثم قال له : يا سيد! . قل الحق ، يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه .
وعن الصادق (ع) أيضاً أنه ذكر عنده السيد بعد وفاته ، فترحم عليه ، فقيل : إنه كان يشرب النبيذ ! فقال (ع) ثانياً : رحمه الله ! ثم قيل له : إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ! قال: تعنى الخمر ؟ قلت: نعم ! قال (ع) رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحبّ علي (ع) شرب النبيذ... .
أقول : هذا الخمّار السكّير مات على ذلك الحال، ورغم ذلك فإنه من أهل الجنة ،ولا يبالي ولا خوف عليه ، لأن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا ! وصدق أحمد أمين ، وإليك بعضاً من أبيات هذا السكّير :
كذب الزاعمون أن علياً - لا ينجي محبّه من هنات - قد وربي دخلت جنة عدن - وعفالي الإله عن سيئاتي - فابشروا اليوم أولياء علي - و تولّوا علي حتى الممات - ثم من بعده تولاّ بينه - واحدا بعد واحد بالصفات .
وأورد الخاجوئي أيضاً بعضاً من أبيات هذا السكّير من شعراء أهل البيت! منها :
أحب إلي من مات من أهل وده تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك * ومن مات يهوي غيره من عدّوه فليس له إلاّ إلى النار مسلك
فهؤلاء كلهم ثقات في نظر القوم لأنهم يؤمنون بالولاية المزعومة لعلي رضي الله عنه ، بينما الصحابة كفّار لأنهم لم يؤمنوا بهذه الولاية ، فهل رأيتم مثل هذا الدين ، مثل هذا المنهج ! مثل هذا المذهب !! .
ولنختم هذا الباب بالقول أن الوضاعين هم الذين رووا عن الباقر والصادق والرضا وغيرهم من الأئمة .
أخرج الكشي( ص195): عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله وقال لي : أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .
وأخرج الكشي(ص196): بسنده عن هشام إنه سمع أبا عبدالله يقول : " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم" .
و نقل عالمهم في الرجال المامقاني في مقدمة كتابه "تنقيح المقال"(1/174):" أن المغيرة بن سعيد قال:" دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث"!
هذا هو مذهب أهل البيت يدس المغيرة بن سعيد أحاديث الكفر والزندقة -كتلك المروية في الكافي وتفسير القمي والعياشي وبحار الأنوار- فيأتي عبد الحسين الموسوي فيقول إنها روايات أخرجها أصحاب الأئمة الثقات !!!
ولابأس أن نمر مُرورًا سريعاً على بعض الرواه الذين أثنى عليهم عبد الحسين في "مراجعاته" الذي لفقه ، وتذكر يا أخي القارئ قول جعفر الصادق رضي الله عنه : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس.(13/3)
زرارة بن أعين : أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل وتصحيح ما يصح عنه رغم أنه من الملعونين على لسان أهل البيت ! كما قال الطوسي في فهرسته . ومع هذا فقد اثنى عليه عبد الحسين في "مراجعاته" الموضوعة على الشيخ البشري فقال ما نصه : ( وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين (ع) فمنهم أبو
القاسم بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن مراد البختري المرادي وأبو الحسن زرارة بن أعين وأبو جعفر محمد بن مسلم ...أما هؤلاء الأربعة فقد نالوا الزلفى وفازوا بالقدح المعلى والمقام الأسمى حتى قال فيهم الصادق وقد ذكرهم : " هؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه " وقال " ما أجد أحداً أحيا ذكرنا إلا زرارة وأبو بصير ليث ومحمد بن مسلم وبريد " ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ثم قال : " هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة "وقال " بشر المخبتين بالجنة .
ثم ذكر الأربعة وقال فيه :( كان أبي ائتمنهم على حلاله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري وأصحاب أبي حقاً وهم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم الفضل والشرف والكرامة والولاية ما لا تسع بيانه عبارة ، ومع ذلك فقد رماهم أعداء أهل البيت !! بكل أفك مبين .. وليس ذلك بقادح في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله ! والمؤمنين ! كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء الله إلا رفعة ولا أثروا في شرائعهم إلا انتشاراً عند أهل الحق وقبولاً في نفوس أولى الألباب ) .
وقال هذا المؤلف: ( إنالم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع إنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان ) .
وقال محشي خاتمة "الوسائل"(20/ 196 ( الحاشية ) ما نصه :
( والروايات التي ذكرها الكشي في شأن زرارة تنقسم إلى قسمين ، فبعض منها فيه المدح والثناء له والإشارة بمكانته السامية ومنزلته العظيمة عند الإمام الصادق وأبيه وتقدمه على أصحابه في العلم والمعرفة وحفظ أحاديث أهل البيت عن الضياع والتلف، وبعض منها يدل على عكس ذلك وأن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً داساً في الأحاديث ).
قلت: والحقيقة إنا إذا حققنا هذه الأحاديث المادحة والقادحة ، لخرجنا بنتيجة أن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً ،وأنه كان يكذب على الأئمة ويكذّبهم وأنه كان سيء الأدب معهم ولاسيما مع جعفر الصادق حتى أنه روي أنه ضرط في لحية الصادق كما سيأتي .
وأما الأحاديث المادحة فلا تفيد في شيء وإنها ضعيفة ، ولو فرض جدلا إنها صحيحة ، لا تدل على فضله أو مدحه ، لأنه إذا اجتمع الجرح والتعديل يقدم الجرح المفصل على التعديل ، وفوق ذلك فربما استعمل الإمام معه التقية !حسب عقيدتهم في التقية!
وقد رأيت المتأخرين منهم كصاحب "معجم رجال الحديث" -للخوئي- (7/ 230وص234 وص 238) ، يحاول عبثاً أن يوّثق هذا الراوي الملعون على لسان الأئمة وذلك بقوله:( إن الروايات الذامة على ثلاث طوائف .
الطائفة الأولى : ما دلت على أن زرارة كان شاكاً في إمامة الكاظم فإنه لما توفى الصادق بعث ابنه عبيداً إلى المدينة ليختبر أمر الإمامة .
الطائفة الثانية : روايات دالة على إن زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه !! .
الطائفة الثالثة : ما ورد فيها قدح زرارة من الإمام ) .
وإليك هذه الروايات المستفيضة في ذم زرارة التي رواها الكشي في رجاله .
جعفر الصادق يخرج مخازي زرارة :
حدثنا محمد بن مسعود قال:حدثنا جبرئيل بن أحمد الفاريابي قال:حدثني العبيدي محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان قال : سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة فقلت له: وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه .
زرارة يفتي برأيه في الحلال والحرام :
ففي" الكشي "( ص156 ح257 ): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني العبيدي عن يونس عن ابن مسكان قال تذاكرنا عند زرارة في شيء من أمور الحلال والحرام فقال قولاً برأيه فقلت أبرأيك هذا أم برواية ! فقال إني أعرف أو ليس رب رأي خير من أثر .
زرارة يفترى على الصادق :
وفي (ص 157ح258): حدثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك قال حدثني أبو سعيد الآدمي قال حدثني ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال لي زرارة بن أعين لا ترى على أعوادها غير جعفر ، قال فلما توفى أبو عبد الله أتيته فقلت له تذكر الحديث الذي حدثتني به ؟ وذكرته له وكنت أخاف أن يجحدنيه فقال إني والله ما كنت قلت ذلك إلا برأي .
زرارة يتوقف في أمر الإمامة :(13/4)
وفي (ص 157ح260): محمد بن مسعود قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن حمران قال : حدثني زرارة قال : قال لي أبو جعفر: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : قلت:جعلت فداك والله إن في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم قال : وأي شيء هو يا زرارة ؟ قال : فاختلس من قلبي فمكث ساعة لا أذكر شيئاً مما أريد قال : لعلك تريد الغيبة ؟ قلت : نعم قال : فصدق بها فإنها حق .
والحديث يدل على وهن في زرارة لأنه ما سكت ولا سلّم لما قاله الإمام إلا تقية يدل على ذلك جملة من الروايات وإنه توقف في أمر الإمامة حتى مات وانطبق عليه الحديث الشيعي المشهور " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " .
زرارة يشك في علم الصادق :
ففي " الكشي" ( ص 158 ح261): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال : حدثني محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان قال سمعت زرارة يقول : كنت أرى جعفراً أعلم ممن هو وذاك يزعم إنه سأل أبا عبد الله عن رجل من أصحابنا مختفٍ من غرامه فقال : أصلحك الله أن رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غرامه فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتى يخرج مع القائم وإن كان فيه تأخير صالح غرامه فقال أبو عبد الله يكون إن شاء الله تعالى فقال زرارة : يكون إلى سنة ؟ فقال أبو عبد الله: يكون إن شاء الله فقال زرارة : فيكون إلى سنتين ؟ فقال: أبو عبد الله: يكون إن شاء الله، فخرج زرارة فوطن نفسه على أن يكون إلى سنتين فلم يكن فقال: ما كنت أرى جعفراً إلا أعلم مما هو .
زرارة يُكذِّب الصّادق :
وفي (ص 158ح 262):محمد بن مسعود قال : كتب إليه الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويعقوب الأحمر قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) فدخل عليه زرارة فقال : إن الحكم بن عيينة حدث عن أبيك إنه قال : " صل المغرب دون المزدلفة فقال له أبو عبد الله أنا تأملته: ما قال أبي هذا قط كذب الحكم على أبي قال : فخرج زرارة وهو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه .
أقول: صدق جعفر الصادق رضي الله عنه حينما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس منهم هذا الراوي .
زرارة يخالف الصّادق في الاستطاعة :
روى الكشي(ص145 ): عن هشام ابن إبراهيم الختلي - وهو المشرقي - قال : قال لي أبو الحسن الخراساني: كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة ومذهب زرارة هو الخطاء ؟ فقلت لا، ولكنه بأبي أنت وأمي ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قّدر ونحن منه براء وليس من دين آبائك قال فبأي شيء تقولون ؟ قلت بقول أبي عبد الله وسأل عن قول الله عزوجل :{ وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما استطاعته ؟ قال ، فقال أبو عبد الله: صحته وماله فنحن بقول أبي عبد الله نأخذ قال صدق أبو عبد الله هذا هو الحق .
قلت: وهو الذي أشار إليه النجاشي في رجاله والطوسي أيضا بأن له كتاب في الاستطاعة والجبر .
وصدق جعفر الصادق رضي الله عنه عندما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس .
الصّادق يلعن زرارة ثلاث مرات :
ففي " الكشي" (ص 147): حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه عن زياد بن أبي الحلال قال قلت لأبي عبد الله إن زرارة روى عنك في الاستطاعة فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك ! فقال هاته ! قلت فزعم إنه سألك عن قول الله عزوجل : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} فقلت: من ملك زاداً وراحلة فقال: كل من ملك زاداً وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت: نعم فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت: كذب علّي والله كذب عليّ والله، لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت وقد وجب
عليه ، قال فمستطيع هو ؟ فقلت لا حتى يؤذن له قلت فأخبر زرارة بذلك قال نعم قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله وسكت عن لعنه فقال أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال .(13/5)
فبدلاً من أن يعتذر زرارة يصر على أن الإمام لا يعلم , وليس للإمام بصر أو بصيرة بكلام الرجال على حد زعمه .... ولكن يأبى أولياء زرارة إلا رفع منزلة زرارة وضرب أقوال إمامهم - الذي هو معصوم وحجة عندهم - عرض الجدار وتكذيبه ، فهم يصدقون زرارة بينما يكذّبون الإمام المعصوم! مع أنهم رووا عن المعصوم في حديث صحيح عن يحيى الخثعمي قال : سأل حفص الكناسي أبا عبد الله وأنا عنده عن قول الله عزوجل : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه مخلي سر به له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال : ممن كان له مال فقال له : حفص الكناسي فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلي في سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم .
وفي" رجال الكشي "(2/ 148 ح236): حدثنا محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن عن عمر ابن أبان عن عبد الرحيم القصير قال قال لي أبو عبد الله أئت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ أما علمتا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كل بدعة ضلالة ؟ فقلت له إني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي ! فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله فقال والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر فأما بريداً فقال لا والله لا أرجع عنها أبداً .
وفي (ص 150ح243): عن محمد بن مسعود قال حدثني محمد بن عيسى عن حريز قال خرجت إلى فارس وخرج معنا محمد الحلبي إلى مكة فإتفق قدومنا جمعاً إلى
حين فسألت الحلبي فقلت له إطرفنا بشيء قال : نعم جئتك بما تكره قلت لأبي عبد الله ما تقول في الاستطاعة ؟ فقال ليس من ديني ولا دين آبائي ، فقلت الآن ثلج عن صدري والله لا أعود لهم مريضاً ولا أشيع لهم جنازة ولا أعطيهم شيئاً من زكاة مالي قال فاستوى أبو عبد الله جالساً وقال لي: كيف قلت: ؟ فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله: كان أبي يقول: أولئك قوم حّرم الله وجوههم على النار فقلت جعلت فداك: فكيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائي ؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه .
وفي( ص146ح231) : حدثني محمد بن نصير قال حدثني محمد بن عيسى عن حفص مؤذن علي بن يقطين يكنى أبا محمد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله { الَّذَينَ آمَنُوا وَ لَم يَلْبَسُوا إِيمَنَهُم بِظُلْم } قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ذلك ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه .
.زرارة يموت تائهاً :
ففي " معجم الرجال"( 7/241): محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد عن العبيدي عن يونس عن هارون بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لا يموت زرارة إلا تائهاً .
زرارة لايثق بالصّادق :
ففي" رجال الكشي"( ص152ح247): حدثني حمدويه قال حدثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن حمران عن الوليد بن صبيح قال : دخلت على أبي عبد الله فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبو عبد الله يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له لا !! فيروي عني ؟ ثم قال يا وليد متى كانت الشيعة تقول من أكل طعامهم وأكل شرابهم واستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا .
زرارة يتجسس على الصّادق :
وفي(ص 140 ): حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن الوشا عن هشام بن سالم عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال ؟ فقال : لا بأس به قال ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان .
الصّادق يذم زرارة وآل أعين :
وفي (ص 149 ح 238 ): حدثني محمد بن مسعود قال : حدثني جبرئيل بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله قال : ذكر عنده بنو أعين فقال: الله ما يريد بنو أعين إلا أن يكونوا على غلب .
وفي (ص 153ح250 ): حدثني حمدوية قال : حدثني أيوب عن حنان بن سدير قال: كتب معي رجل أسأل أبا عبد الله عما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا هو ممن يشاء أن يقولوا قال قال لي: أن ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ولا دين آبائي قال قلت ما معي مسألة غير هذه .
قلت: الأخبار قد مرّت في الاستطاعة وإنها ليس من دين الصادق ولا من دين آبائه الكرام وقد أنكر الصادق على زرارة هذا المذهب ولكن زرارة حرّف الكلام فما كان من الصادق إلا أن أخرج أكاذيبه ومخازيه ولعنه ثلاثاً .
زرارة يقول بتحريف القرآن :(13/6)
وفي (ص 155ح254 ): حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الله المسمعي عن علي بن أسباط عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : بعث زرارة عبيد ابنه يسأل عن خبر أبي الحسن فجاءه الموت قبل رجوع عبيد إليه ، فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال : إن الإمام بعد جعفر بن محمد من اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب الله طاعتهم على خلقه انا مؤمن به قال: فأخبر بذلك أبو الحسن الأول فقال : والله كان زرارة مهاجراً إلى الله تعالى .
وفي كمال الدين (ص80 ): روى ابن بابويه القمي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : لما بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة يسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما أشتد به الأمر أخذ المصحف ! وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي .
استنكار عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته "
أولاً : ففي(ص59) أورد عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته": أخرج الشيخان البخاري ومسلم من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بن منبه قال: هذا ما حدّثنا به أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال:َ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وزاد أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً : في سبعة أذرع عرضاً قال: فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وطوله ستون ذراعاً ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ .
وأخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:(وهذا مما لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على غيره من الأنبياء ولا على أوصيائهم (ع). ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - وإليك نصها بعين لفظه قال: فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم .
تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ... ومرة رواه بلفظ : إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته).
قلت : ونختصر لرد على مفتريات وأباطيل عبد الحسين، إن هذا الحديث رواه قومك بطرقهم الخاصة عن من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة، ونحن لا يسعنا إلا كشف تدليسه..يزعم أنه بالغ في الفحص وأغرق في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم يجد إلا الأنكار عليه ، سبحان الله ما أتقاه ! .
لقد أثبت صحة هذا الحديث الخميني في كتابه "زبدة الأربعين حديثاً" (ص264) الحديث الثامن والثلاثون بعنوان " أن الله خلق آدم على صورته" والذي أورد من طريق أهل البيت حجج الله على خلقه حسب اعتقادهم، وإليك نص الحديث:
فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع) عما يروون أن الله عزوجل خلق آدم على صورته فقال: هي صورة محدثة مخلوقة ، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال تعالى: { بيتي } وقال: { ونفخت فيه من روحي}، ثم قال الخميني: ( وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين السنة والشيعة، ويستشهد به دائماً، وقد أيّد الإمام الباقر(ع) صدروه وتولّى بيان المقصود منه ) .
وقد علق شيخهم محمد الكراجكي في "كنز الفوائد تحت عنوان " تأويل الخبر" ما نصه: ( إن سأل سائل ، فقال: ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله تعالى خلق آدم على صورته ، أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه ، فإن لم يكن على ظاهره ، فما تأويله ؟ : الجواب: قلنا : أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله تعالى ، والمعنى أنه خلق على الصورة التي أختارها ، وقد يضاف الشيئ إلى مختاره . ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم ، ويكون المراد أن الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها ، لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذي يكون أحدهم نطفة ثم علقة مضغة ،ويخلق خلقا من بعد خلق ، ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا كهلا ، ولم يكن آدم (ع) كذلك ، بل خلق على صورته التي مات عليها .(13/7)
و منها ما رواه الزهري عن الحسن قال مرّ النبي برجل من الأنصار وهو يضرب وجه الغلام له ويقول : قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بئسما قلت ، إن الله خلق آدم على صورته ، يعني صورة المضروب . وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله) .
فهل " عبد الحسين " أعلم من الخميني ؟! أم من الشيخ الكراجكي ؟! أم يريد أن يعلم الخميني و الشيخ الكراجكي وأمثاله علم الحديث ؟!! .
وقال شيخهم المحقق السيد هاشم الحسيني معلق كتاب التوحيد عند شرحه لهذا الحديث ما نصه:( هذا الكلام وجوه محتملة : فان الضمير إما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الإمام (ع) هنا على أن يكون الاضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجملة قابلا للتخلق باخلاقه ومكرما بالخلافة الاليهة ، وإما يرجع إلى آدم (ع) فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهيز ذاته و ذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما ، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره ، وإما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع ) .
و أخرج الصدوق بإسناده عن أبي الورد بن ثمامة عن علي (ع) قال: سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال: مه، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته .
قال الصدوق في شرح الحديث ما نصه: ( تركت المشبهة من هذا الحديث أوّله و قالوا: إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا ) .
مسكين( عبد الحسين ) كم مرة يستعمل التقية والكذب والدجل فلا يفلح أبداً! يقول تقية أن :( أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود ) .
فهل الخميني والأئمة من أهل البيت أخذوا عن اليهود بواسطة كعب الأحبار؟!! أو غيره ؟! نعوذ بالله من هذا الاثم والبهتان .
أربعة فطاحل يروون الحديث ويأبى " عبد الحسين " إلا أن يتحامل على أبي هريرة رضي الله عنه دحضاً للحق ونصرة للباطل!ولكن هل يستحي" آية الكذب والدجل " ؟! بالطبع لا ، فيقول دجلا : ( على أن أبا هريرة قد تطور في هذا الحديث كما هي عادته فتارة رواه كما سمعت ، وتارة رواه بلفظ : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته،ومرة رواه بلفظ: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) .
فاستمع إلى هذه الرواية الذي أخرج الصدوق بإسناده عن الحسين بن خالد ، قال: قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله قال: إن الله خلق آدم على صورته ، فقال: قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه ، قبح الله وجههك ووجه من يشبهك ، فقال: يا عبدالله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته.
فلماذا يا عبد الحسين لم تنكر على أئمتك في روايتهم لهذا الحديث بعينه؟!!
ولماذا لم تنكر على رواتك كمحمد بن مسلم والحسين بن خالد، وأبي الورد بن ثمامة وغيرهم ، تزعم أنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم تجد إلا الإنكار عليه !! ، أليس هذا من الكذب والدليس على المسلمين ؟! .
ومن هنا تدرك أيها القاري مدى تدليسه وكذبه، وما لفقه من تهم باطلة ، فهو يعلم موضع هذه الأحاديث وأقوال علماء الحديث عنده ، لأنه يعتبر من كبار مجتهدي الشيعة، ومن وصل إلى درجة الاجتهاد عندهم لابد وأن قرأ كل الكتب،ككتب علم الكلام والحديث والتفسير والرجال والنحو ، و...، وإلا لما لقب " بآية الله " عندهم ، ولكن هذا" الآية " يريد فقط أن ينتقم من أبي هريرة ويشفي غليله وحقده الأسود ، ولو أدى ذلك إلى الطعن في أئمته المعصومين، وعلمائه ، فهو يظن أن كل الناس مغفلين ! مثله ، لا يقرأون ولا يريدون أن يجهدوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب .
وأما قوله تحت عنوان تنبيهان :( أنه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً يجب مع تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسبع الذراع ، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع لأن عرض الانسان مع استواء خلقه بقدر سبعي طوله فما بال أبي هريرة يقول طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً ؟ فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟ كلا!(13/8)
بل قال الله تعالى وهو أصدق القائلين { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فىِ أَحْسَنِ تَقْوِيم } .
قلت: إن هذا الحديث قد رواه ثقتك الكليني في كافيه الذي تقول أنه أفضل وأتقن الكتب الأربعة عن أئمتك الذي تعتقد فيهم العصمة وبأنهم أفضل من الأنبياء!!
ففي روضة الكافي(ص 195 ح 308) بإسناده عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان قال سألت أبا عبد الله صلى الله عليه وسلم ع) كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء ؟ قال وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (ع) إن الله عزوجل لما أهبط آدم وزجته حواء عليها السلام إلى الأرض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله عزوجل إلى جبريل عليه السلام إن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً بذراعه وأغمز حواء غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها .
فهذا إمامك المعصوم يقول :" إن رجلي آدم كانت بثنية الصفا ورأسه دون الأفق ! بل يقول: إنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس .. فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً ! ، فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟
إن علماءك عدّوا هذا الحديث من مشكلات الأخبار !! .
قال نعمة الله الجزائري في قصص الأنبياء (ص35) ما نصه: ( أقول هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار من وجهين .... ) .
ثم بين الجزائري هذين الوجهين، فراجعهما .
كما أن السيد عبدالله شبر قد شرح هذا الحديث الشريف في كتابه " مصابيح الأنوار(1/405) في حل مشكلات الأخبار" من عشرة وجوه ، فراجعها إن شئت .
كما أن المجلسي في مرآته (26/171- 177 ) شرح هذا الحديث من عدة وجوه، قال:( إعلم إن هذا الخبر من المعضلات التي حيرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين )
=====================
عقائد الأشاعرة - شبهات وردود
قوله تحت عنوان "من عقائد الأشاعرة": "إن هذه العقيدة الأشعرية مخالفة لصريح القرآن وما خالف القرآن فهو مردود". اهـ. وللاستدلال على ذلك من كلام الأشعرية نقل نص الإمام النووي. قال: قال النووي:"مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم كله ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عادلاً، وأنعم على الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك". اهـ
ثم احتج على مخالفة هذه العقيدة لصريح القرآن بقوله تعالى: (إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ( و(إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا(. والمعنى أن الله تعالى قد وعد عباده المؤمنين بأن يدخلهم الجنة، فإن أجزنا أن لا يدخلوها فهذا خلاف وعد الله لهم.
ثم أتى بحجة عقلية مفادها أنه لو عذب الله المطيع لكان ذلك قبيحاً منه سبحانه؛ فقال: "كيف يمكن أن يعذب الله المطيعين والصالحين أجمعين ويدخلهم النار ومنهم الأنبياء والشهداء!؟ وهذا الفعل قبيح بين الناس، فلو أن سيداً أمر عبده بإنجاز عمل ما، ووعده بأجره. وبعد إنجاز العمل قام السيد وعاقب العبد. لو فعل هذا لاستنكر الناس فعل السيد وعابوه، فكيف نتصور صدور هذا الفعل من الله عز وجلّ؟!". اهـ كلامه
ثم أتى بنص آخر هو تبويب العلامة المحقق عضد الدين الإيجي في كتابه المواقف قال: "المقصد السابع: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا- أي الأشاعرة" اهـ فقال خليفات: "وهذه عقيدة أخرى يرفضها القرآن، قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(، و(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا(. اهـ.
فنقول: لما كان الكلام دائراً في أحكام العقل الثلاثة الوجوب والاستحالة والجواز قدمنا بفصل في توضيح معانيها فائدة لمن لم يقف على ذلك. ثم نحرر المقصود بالقضايا المختلف فيها؛ لأن محل النزاع هو صحة أو فساد قضيتين تعبران عن اعتقادين من اعتقادات أهل السنة. الأولى: أنه لا يقبح من الله سبحانه شيء. والثانية: استحالة وجوب شيء على الله سبحانه، المعبر عنه في كلام المشايخ بأنه لا يجب على الله شيء. ويتفرع عن هاتين القضيتين مسائل ذكر خليفات منها اثنتين: الأولى: جواز تعذيب المطيع وتنعيم العاصي. والثانية: جواز التكليف بما لا يطاق. فهاتان قضيتان ينبني إثبات صحتهما أو فسادهما على فهم معاني الأحكام العقلية: الجواز والاستحالة والوجوب. وكذلك يتوقف على إثبات أصليهما. وسنبين كل ذلك بتفصيل إن شاء الله.
(فصل) في بيان مفهوم الأحكام العقلية(13/9)
الوجوب العقلي هو عدم قبول الانتفاء في العقل، فالواجب ما لا يتصور العقل نفيه، أي ما لا يمكن للعقل أن ينفك عن إثباته. والاستحالة ضد الوجوب فهي عدم قبول الثبوت في العقل، فالمستحيل ما لا يتصور العقل ثبوته، أي أن العقل لا ينفك عن نفيه وسلبه والحكم بعدمه كلما عرض مفهومه على العقل. أما الجواز أو الإمكان العقلي فهو تمام القسمة العقلية بين الوجوب والاستحالة، فهو قبول الثبوت والانتفاء في العقل؛ فالجائز العقلي هو ما يتصور العقل ثبوته ونفيه، أي أنه عند عرضه على العقل فإن العقل ينفك عن إثباته كما ينفك عن نفيه. ودليل الحصر أن المعلوم إما أن لا ينفك العقل عن إثباته وهو الواجب، أوْ ينفك عن إثباته كما ينفك عن نفيه وهو الجائز، أو لا ينفك عن نفيه وهو الممتنع لذاته. ولا ثالث بين الإثبات والنفي كما هو مقرر. فثبت بذلك انحصار الأحكام المذكورة في الثلاثة.
مما مضى نلاحظ أن المستحيل لا يمكن للعقل أن يحكم بوقوعه لأن ذات المستحيل غير قابلة للثبوت في نفسها، فلا تقبل إلا الانتفاء. أما الممكن فذاته تقبل الثبوت والانتفاء. وذات الواجب متصفة بالثبوت قطعاً ودائماً لأنها غير قابلة للانتفاء. وهذه الأحكام الثلاثة عقلية، بمعنى أن الحاكم فيها إنما هو محض العقل، إذ لا يحتاج العقل في الحكم بالجواز أو الاستحالة أو الوجوب على أمر ما إلا إلى فهمه وإدراك معناه، أي تصوره ولو من وجهٍ ما بما يكفي للحكم عليه بهذه الأحكام. فإن تعذر تصوره مطلقاً ولو ببعض لوازمه الكافية لغرض الحكم عليه، تعذر الحكم عليه مطلقاً. وهذا هو المراد من عبارة المشايخ: (الحكم على الشي فرع عن تصوره). وهذه القضايا وإن بدت لك سهلة إلا أنها دقيقة عميقة لقربها من مبادئ العقول، وفيها بحوث وتفصيلات تطول، فتأملها جيداً لأنها مبادئ لا غنى عنها في دراسة أي علم من العلوم.
وما أريد قوله هنا، هو أن المحتاج إليه لإطلاق هذه الأحكام لا يتعدى إدراك ذات المحكوم عليه إلى شيء آخر خارج عن مفهومه أبداً. وإن بعض الأمور الممكنة لذاتها أي بالنظر إلى ذاتها قد تكون واجبة لغيرها، أي أن العقل عند ملاحظة غيرها قد لا ينفك عن إثباتها فيحكم بوجوبها لا لذاتها بل لغيرها. وكذلك فإن بعض الأمور الممكنة لذاتها قد تكون مستحيلة لغيرها لأن العقل حين يلاحظ أمراً خارجاً عنها فإنه لا ينفك عن نفيها، فيحيلها لا لذاتها بل لغيرها. أما المستحيل لذاته فلا يجب ولا يمكن لغيره أبداً بأي حال من الأحوال، وكذلك الواجب لذاته فإنه لا يمكن ولا يستحيل لغيره أبداً. وأخيراً فإن هذه الأحكام لا تنقلب لذاتها أبداً، أي أن المستحيل لذاته لا يمكن أن ينقلب لذاته واجباً أو جائزاً، وكذلك الكلام في الواجب لذاته والجائز لذاته، فلا يمكن أن ينقلب أي منهما لذاته ليستحق حكماً عقليّاً آخر. وهذا هو المقصود من قول المشايخ: (انقلاب الأحكام العقلية محال). وهذا ما أردنا توضيحه هنا بخصوص الأحكام العقلية. نهاية الفصل.
إذا اتضح معنى الأحكام عندك أيها القارئ فلن يصعب عليك بعد ذلك أن تحكم بأن تعذيب المطيع وتنعيم العاصي أمران بالنظر إلى ذاتيهما جائزان عقلاً، ولكنك عند ملاحظة الشرع ووعد الله سبحانه بالجنة للمؤمنين وبالنار للكفار يحكم عقلك باستحالتهما لا لذاتيهما بل لغيرهما، وغيرهما هذا هو العلم باستحالة وقوعهما المأخوذ من خبر الصادق القطعي. وكذلك فإن التكليف بما لا يطاق أمر جائز عقلاً بالنظر إلى ذاته، وإلا لما صح في العقول تصوره بل إن كل واحد منا يستطيع أن يكلف غيره بما لا يطاق؛ فالحكم بجوازه عقلاً أمر يختلف عن وقوعه أو عدم وقوعه في الشاهد، كما يختلف عن أنه هل هو ممتنع الوقوع لغيره أم لا. وليعلم خليفات بأن الآيتين الكريمتين إن سلّم أنهما تدلان على عدم وقوع التكليف بالمحال فلا تدلان أبداً على استحالة وقوعه. وليرجع من شاء إلى التفاسير، ويتأمل المعنى الذي نفته الآيتان ليدرك معنى ما نقول. وبهذا الكلام بانَ المراد من قول الأشعرية إجمالاً، وهو كاف لأذكياء القلوب في الرد على الشبهة الواردة على أهل السنة. ومع ذلك فإننا سنبحث في الشبهة وإجابتها أكثر، لما أنه قد كثر تشدق الشيعة بها.(13/10)
ولنقرأ كلام النووي كاملاً معلقاً على حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن ينجي أحداً منكم عمله، قال رجل: ولا إياك؟ يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا). وفي رواية (برحمة منه وفضل)، وفي أخرى (بمغفرة منه ورحمة)، وفي أخرى (يتداركني) بدل (يتغمدني)؛ وفي أخرى (لا يدخل أحداً منكم عملُه الجنة، ولا يجيره من النار... إلخ). فقال النووي رحمه الله تعالى: (اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، ولا إيجاب ولا تحريم، ولا غيرهما من أنواع التكليف. ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع. ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، تعالى الله، بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه. ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك. ولكن الله أخبر وخبره الصدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصلح، ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله تعالى: (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، وقوله (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث؛ بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة، والله أعلم.) اهـ كلامه.
أقول: إن الأشعرية لم يأتوا بهذا القول بدعاً أو عن هوى، بل هو مستنبط من الحديث الشريف، إذ بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح ليس علة موجبة لدخول الجنة. وهذا يفهم أيضاً من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(، وقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( فكانت العبادة مظنة ورجاء التقوى، والتقوى مظنة ورجاء الرحمة لأن لعل كلمة لا تفيد اليقين بل هي كلمة شك، والمراد من الآية الحث على العمل وتأميل العبد بالرحمة عند اتقائه وعمله بإخلاص، ولو كان التقوى والعمل موجبان للرحمة لكان التعبير بما يفيد ثبوت الثواب لا الشك فيه. فالمطلوب إتقان العمل وطلب السداد أي الصواب وهو بين الإفراط والتفريط قاله النووي، فلا تغلوا ولا تقصروا. وعند العجز فالمطلوب المقاربة أي الاقتراب من الصواب قدر الوسع. ثم إن الله سبحانه (لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(، فنعمل وسعنا ونحسن الظن بالله، وحسن الظن من حسن العمل كما ذكره علماؤنا، ونرجو رحمة الله تعالى.
ولما لم تكن الأعمال علة موجبة لدخول الجنة صحت قضيتنا: (إدخال المطيع الجنة ليس بواجب على الله تعالى) وكانت مأخوذة من الشرع. والحديث قد نفى كون الطاعة علة موجبة لدخول الجنة، فقيس عليه نفي كون المعصية علة موجبة لدخول النار فصحت قضيتنا (إدخال العاصي النار ليس بواجب على الله تعالى) من طريق الشرع أيضاً.
ثم لنا من الشرع طريق آخر، وهو ثبوت الاختيار له تعالى: (يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ(، و(فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(، وهذا يستلزم انتفاء وجوب شيء عليه جل وعلا مطلقاً، المستلزم لصحة قضيتينا في العاصي والمطيع. وقد مر بك أن الأحكام العقلية ثلاثة حصراً، فنفي الوجوب إثبات للإمكان أو الاستحالة. ولأنه لا يستحيل دخول المطيع للجنة والعاصي للنار اتفاقاً، فبقي الجواز. ولا يخفى أن القول بجواز دخول المطيع الجنة والعاصي النار تجويز لنقيض ذلك أي لدخول المطيع النار والعاصي الجنة. فإن قيل نقيضها عدم دخول الجنة، لا دخول النار قلنا إن كل إنسان فمآله للجنة أو للنار لقوله تعالى: (وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(، فصارت الجنة والنار بمنزلة النقيضين حال كونهما ضدين لا يرتفعان عن القابل لهما في مآل يوم القيامة. والله تعالى أعلم. فتأمل.(13/11)
وقد بين الإمام النووي أن هذه الأقوال مبنية على بعض أصول أهل السنة وهي أولاً: أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، وهذه إشارة إلى مسألة الحسن والقبح التي سنتكلم فيها عما قريب. وثانياً: أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، وهذه القضية أصل لمسألة الحسن والقبح. وثالثاً: أن الله تعالى فاعل بالاختيار، وهذا أصل للمسألتين السابقتين، وهو ما أشار إليه بقوله يفعل ما يشاء ويختار. ورابعاً: أنه لا تصرّف لأحد في الوجود إلا لله سبحانه وتعالى، أي لا فاعل إلا هو، وهو ما أشار إليه بقوله بل العالم كله في سلطانه وهذا مأخوذ من دليل الوحدانية. فلما ثبت عندنا وجوب كونه تعالى فاعلاً مختاراً واحداً أحداً متفرداً بالتصرف في هذا العالم وتدبيره ولا فاعل غيره، انتفى مبدأ العليّة في الكون مطلقاً من طريق الشرع، فانتفى وجوب شيء على الله تعالى، فصح أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب، ومما يفهم من ذلك أن العقل كما يجيز الثواب على المطيع فإنه يجيز العقاب عليه، ومثله يقال في حق العاصي. ولما لم يثبت شيء من الثواب والعقاب بالعقل بل ثبوته إنما هو بالشرع، نظرنا في الشرع فقرأنا حديث مسلم وغيره فقلنا: إن الله تعالى ينعّم المطيع تفضلاً ويعذب العاصي عدلاً فثبت عند العقل هاتان القضيتان على الجواز بتوسط علمنا بوجوب الصدق في خبره تعالى وخبر رسوله (، وحين قرأنا قوله تعالى: (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، و(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(، و(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(، وأمثال ذلك كثير من الآيات والأحاديث التي تعد المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار، وجب عند العقل هاتان القضيتان بتوسط وجوب الصدق وملاحظة الوعد لا من نفس القضيتين. فتنبه. وهذا ما أشار إليه النووي بقوله: (ولكن الله أخبر وخبره الصدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه). وهذا حقيقة قول أهل السنة.(13/12)
ولنحرر الآن المقصود من قول أئمة أهل السنة بأنه لا يجب على الله شيء. إن (لا) هنا أداة للنفي. و(يجب) أي فعله عقلاً، وقد عرفنا معنى الوجوب العقلي، فيصير المراد من (يجب) ما لا يتصور العقل من الله عدم فعله (أي إيجاده أو إعدامه)، أو ما لا ينفك العقل عن تصور أن الله لا محالة فاعله. و(الله) سبحانه وتعالى علم على الذات الواجب الوجود المتصف بجميع صفات الكمال والمسلوب عنه كل نقص وعيب، والذي لا مستغنيَ عن كل ما سواه ومحتاج إليه كل ما عداه إلا هو سبحانه وتعالى. و(الشيء) لغة هو ما يصح أن يُعلم ويخبر عنه فيشمل الموجود والمعدوم، ممكناً كان أو محالاً. واصطلاحاً هو الموجود خارجياً كان أو ذهنياً، قديماً أو حادثاً.(1)[1] ولكن لما كان الكلام في أفعال الله سبحانه وتعالى، كانت هذه القرينة مخصصة لعموم كلمة شيء، وقاصرة إياها على الجائزات العقلية فحسب. لأن المستحيل غير قابل للوجود لذاته فلا تعلق لقدرة الله سبحانه به إيجاداَ وإعداماً. وأما الواجب أي واجب الوجود، فليس هناك ما هو واجب الوجود إلا الله سبحانه المتصف بصفات الكمال؛ ولما كان من شأن الله سبحانه الإيجاد والإعدام بقدرته، فإن هذه القدرة لو جاز تعلقها بالواجب على وجه الإيجاد لزم تحصيل الحاصل (أعني إيجاد الموجود)، وهو محال. ولو جاز تعلق القدرة بالواجب على وجه الإعدام لزم إعدام الواجب كيف وهو الذي لا يتصور في العقل عدمه، هذا خلف؛ أو لزم انقلاب الواجب لذاته جائزاً وكلاهما محالان أيضاً. وعلى ما بيناه، يكون حاصل عبارتهم: ( لا يجب على الله فعل أمر ممكن عقلاً)، وبتحليل القضية أكثر نعرف أن موضوعها هو (فعل أمر ممكن) ومحمولها (واجب على الله) وقد دخل النفي على القضية فصارت (فعل أمر ممكن ليس بواجب على الله). ومما سبق عرفنا أن فعل الله إنما هو إيجاد أو إعدام، وهما لا يجوزان إلا على الممكنات، وعليه يمكن جعل موضوع القضية هو فعل الله مطلقاً لما أن فعله يستلزم أن يكون المفعول ممكناً. فتصير القضية (فعل الله ليس بواجب على الله). فتأمل هذه القضية، وانظر هل يستطيع أحد أن ينكر صحتها. ومع ذلك لنناقش القضية أكثر؛ إن كان (مطلق الفعل على الله ليس بواجب) فماذا يكون؟ إما أن يكون مستحيلاً أو يكون جائزاً. والأول محال لأنا نرى العالم كله الذي هو من فعل الله متحققاً، فيبقى أن مطلق الفعل على الله جائز عقلاً، فهل يخالف في هذه القضية أحد؟ إن المخالف في هذه القضية لا بد وأن يدعي أن الفعل على الله واجب عقلاً، أي أن الله تعالى مضطر إلى الفعل. وهذا عين القول بأن الله علة للعالم بلا اختيار منه سبحانه وتعالى. فلا تجد قائلاً يقول بأن الفعل واجب على الله تعالى إلا وهو يقول أو يلزم عن قوله القول بالفيض والعلة والمعلول، ودوام الجود الذي يعني أن الله تعالى دائم التخليق منذ الأزل، وستجده يقول بقدم العالم بالنوع لأن هذا من لوازم دوام الجود على المعنى المشار إليه. وستجده يؤول إرادة الله إلى معانٍ أخرى غير المعنى الذي يثبته أهل السنة وهو أنها (صفة قديمة تتعلق بجميع الممكنات وتوجب تخصيصها ببعض ما يجوز عليها)، كأن يقول إرادة الله هي عين فعله، أو عين علمه أو تجده ينفي الإرادة مطلقاً من جهة أخرى وهي أن القديم لا يتعدد، ويتغافل عن أن أحداً من أهل السنة لم يقل أبداً بتعدد القدماء، بل هو إله واحد قديم متصف بصفات منها العلم والقدرة والإرادة، لكن من شأن العقل حين يلاحظ في الشيء الواحد أكثر من معنى أنه يفصل هذه المعاني عن بعضها وأنه يقدر على ملاحظة كل منها بالاستقلال عن الآخر، في حين أن نفس هذا العقل قد أقام البرهان على استحالة تعدد القدماء في الخارج، وعليه فلا يمكنه أن يتصور أكثر من قديم.
__________
(1) - راجع الكليات لأبي البقاء الكفوي ص525، ط 2 مؤسسة الرسالة(13/13)
وعلى أي حال، ما نريد قوله هو أن القضية الأولى التي يذكرها المشايخ وهي أنه لا يجب على سبحانه شيء، أو أنه يجوز على الله سبحانه فعل كل ممكن أو تركه، هي أصل من أصول الدين؛ وأن منكرها لا بد أن يقول بنفي الاختيار عن الله سبحانه وإثبات الاضطرار له تعالى عن ذلك بطريقة أو بأخرى، وأن يقول بقدم العالم بالنوع، أو بنفي وجود العالم وتأويل معنى الخلق والفعل وصرفه عن معنى الإيجاد من العدم كما هي حال الذين ينعقون بوحدة الوجود من حيث يدركون أو لا يدركون لوازم أقوالهم، إلى غير ذلك من اللوازم الفاسدة التي تؤول إلى نفي الصانع جل وعلا كما هو مبين في محله من كتب الكلام. واعلم أنه لا مناص من التسليم بهذا الأصل لأن الأمر الممكن إن لم يكن فعله ممكناً فلا بد وأن يكون إما مستحيلاً أو واجباً. والأول محال لأن الممكن إذا استحال فعله لم يكن ممكناً بل مستحيلاً أو واجباً. وإذا وجب فعله لزم نفي الاختيار عن الفاعل، وقدم العالم بالنوع لكون الإله علة للعالم، أو القول بكونه تتخصص إرادته وقدرته بشيء من العالم أو شيء منه، إلى غير ذلك من المفاسد، وهذا كله ليس هو دين الله الذي أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . واعلم أنه لا فرق بين أن توجب على الله الفعل مطلقاً وأن توجب عليه بعض الأفعال، كما سيأتي بيانه. فتأمل. وبهذا تم لنا الاستدلال على صحة كلام النووي من طريق الشرع والعقل.
قوله: (لو عذب الله المطيع لكان ذلك قبيحاً منه سبحانه)، قلنا: بل القبيح قولك وقول من قال بقولك. لأن أفعال الله تعالى لا توصف بالقبح. ليس لأنه تعالى لا يفعل القبيح، بل لأن أصل القبح لا يتصور في فعله كما سنبينه إن شاء الله. ثم إن هذا الذي تقوله أيها المخالف قياس لله تعالى على مخلوقاته، فلا يصح. بل إنكم لا تصححون الاحتجاج بالقياس في الشرعيات مطلقاً، فكيف تقيسون الخالق على المخلوق؟
ونأتي الآن إلى تحرير المراد من قول علماء أهل السنة: (لا يقبح من الله سبحانه وتعالى شيء). وسأستعين في توضيح ذلك بنص للعلامة الأصفهاني رحمه الله تعالى في شرح مطالع الأنظار قال: (المسألة الثالثة في التحسين والتقبيح. التحسين هو الحكم بالحسن، والتقبيح هو الحكم بالقبح. ولا قبيح بالنسبة إلى الله تعالى. أما بالنسبة إلى أفعال نفسه فلاتفاق العقلاء على أن الفعل الصادر منه لا يتصف بالقبح لكونه نقصاً، والنقص على الله تعالى محال. وأما بالنسبة إلى أفعال العباد فلأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء ويختار، لا علة لصنعه ولا غاية لفعله. وأما بالنسبة إلينا فالقبيح ما نهي عنه شرعاً وهو منحصر في الحرام إن أريد بالنهي نهي التحريم، وإن أريد بالنهي نهي التنزيه فالقبيح هو الحرام والمكروه. والحسن ما ليس كذلك أي ما ليس بمنهي عنه شرعاً، ففعل الله تعالى والواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف حسن، وكذلك المكروه إن أريد بالنهي نهي التحريم) اهـ.(1)[2]
أقول: هذا تصوير لمذهب أهل السنة في هذه المسألة يبين مرادهم واصطلاحهم بكل وضوح. ولنحرر الخلاف بيننا وبين غيرنا مقتصرين على ما يهمنا في هذا المقام رغبة في الاختصار. نحن نقول: (لا قبيح بالنسبة إلى الله تعالى) والمعنى الدقيق لهذا الكلام أننا نقول باستحالة تصور القبح في فعل الله تعالى، فمثلاً يستحيل تصور الظلم في حقه تعالى لأن معنى الظلم هو التصرف في ملك الغير ولا ملْكَ إلا ملك الله سبحانه فلا ملك للغير على الاستحالة، وعليه فمهما تصورنا من أفعال الله تعالى فلا يمكن أن يكون ما تصورناه مصداقاً لمفهوم الظلم. ومن يخالفنا في هذه القضية لا بد أنه يقول بنقيض قضيتنا لأنه لا ثالث بين النفي والإثبات، فإن خالف نفينا للقبح عن فعل الله سبحانه فإنه مثبت له لا محالة. فتكون قضيته: (بعض القبيح ينسب إلى الله تعالى) لأن قضيتنا سالبة كلية فنقيضها موجبة جزئية. ولتقليل الانتشار دعونا نخرج من عموم النسبة إلى الله تعالى إلى قضية أخص تتعلق بفعله، لأن غير فعله إما أن يكون صفته أو ذاته ولا قائل بقبح شيء منها بالاتفاق. واعلم أنه لا أحد ممن يخالفنا من العقلاء يقول إن الله يفعل القبائح، أو ينسب إلى الله القبح في فعل. بل هو قائل باستحالة أن يفعل الله القبيح لكونه عالماً بقبحه، وعالماً بكونه غنياً عنه، فيجب عليه ترك القبيح. فتأمل. وهذا هو سبب كون مسألة الحسن والقبح فرعاً لمسألة عدم وجوب شيء على الله. وقد أبطلناه.
__________
(1) - شرح مطالع الأنظار على طوالع الأنوار، ص 195 ط1 المطبعة الخيرية سنة 1323 هـ(13/14)
على أي حال، فاللائق بالمخالف أن تكون قضيته (فعل القبيح منه سبحانه وتعالى جائز عقلاً، ولكنه لا يفعله). فنقول: إما إنه لا يفعله مضطراً فيلزم منه نفي كونه إلهاً لعجزه عن دفع ما يضطره، وبالتالي نفي العالم لانتفاء إرادته سبحانه ولعجزه. وإما أن يفعله مختاراً. ولا حاجة لأن أنبه خليفات إلى أن القول الثاني هو عين قولنا بأن الله يجوز عليه عقلاً تعذيب المطيع ولكنه لا يفعل ذلك بإرادته واختياره وقدرته، مع فارق أننا لا نقول أنه لو فعل ذلك لكان قبيحاً منه أو أنه يفعل ذلك مضطراً. فتأمل. فإن قلتم إنه يفعله مختاراً فما المخصص لتعلق إرادة الله تعالى وقدرته بشيء من الممكنات دون شيء آخر، ونحن نعلم أنه لا فرق بين ممكن وممكن، أي أن جميع الجائزات متساوية بالنسبة لقدرته تعالى وإرادته، أي في تعلق قدرة الله تعالى وإرادته به؟ واعلم أن هذا السؤال في غاية الصعوبة ولا يمكنهم الانفكاك عنه. فإن جعلوا المخصص شيئاً من الحوادث كان الحادث ذا أثر في القديم وهو ظاهر الفساد، وإن جعلوا المخصص قديماً فإما أن يقولوا إنه الإرادة أو القدرة أو العلم. والأولان باطلان لأن القدرة والإرادة لا يتعلقان بالواجب كما بيناه. والأخير باطل لأن العلم ليس بصفة تأثير وتخصيص.
واعلم أنه لا فرق بين قولك يجوز على الله فعل القبيح وقولك إن الله يفعل القبيح من حيث لزومهما لثبوت النقص لذاته تعالى. ولك الآن أن تلاحظ ركاكة قول القائل: (إن الله تعالى يجوز عليه فعل القبيح ولكنه يستحيل عليه فعله لأنه يعلم أنه قبيح) فقد أورد حكمين عقليين لا يمكن اجتماعهما على موضوع واحد.
والحق أن من قال بالحسن والقبح العقليين أوجب على الله أشياء منها فعل الحَسَن وترك القبيح، ومنها الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وغير ذلك. وللناظر في أي أمر يحكم العقل بقبحه دون واسطة الشرع –أي لا بمعنى ترتب الذم عليه حالاً والعقاب مآلاً- أن يلاحظ أنه ممكن في ذاته فَلِمَ ارتفع تعلق قدرة الله وإرادته به دون غيره من الممكنات، وصار فعله مستحيلاً على الله تعالى؟ فيعود عليهم الكلام السابق. وإن من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال دون أن تتناقض أقواله مع قطعيات الشرع والعقل، ومن يستطيع أن يثبت أن للأشياء حسناً وقبحاً من ذاتها نسلم له قوله بوجوب ترك القبيح.(13/15)
واعلم أن أصل الخلاف إنما كان في أنه هل للأشياء حسن وقبح في نفسها أم أن ذلك إنما هو من وضع الشرع، حيث أضاف الشارع لبعض الأفعال وصف القبح ولبعضها وصف الحسن كما بينه الأصفهاني رحمه الله. والتفصيل في الأقوال ومناقشتها وإبطال الحسن والقبح الذاتيين للأشياء مبحوث باستفاضة في كتب الأصول والكلام، فليرجع إليها من يشاء. وهذا بعض كلام الإيجي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ممزوجاً بكلام الشارح العلامة الشريف الجرجاني، قالا: (اعلم أن الأمة قد اجتمعت إجماعاً مركباً على أن الله لا يفعل القبيح، ولا يترك الواجب. فالأشاعرة من جهة أنه لا قبيح، ولا حاكم بقبح القبيح منه ووجوب الواجب عليه إلا العقل. فمن جعله حاكماً بالحسن والقبح قال بقبح بعض الأفعال منه، ووجوب بعضها عليه. ونحن قد أبطلنا حكمه –أي حكم العقل- وبينا فيما تقدم أنه تعالى الحاكم فيحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، لا وجوب عليه كما لا وجوب عنه، ولا استقباح منه وأما المعتزلة فإنهم أوجبوا عليه تعالى بناء على أصلهم أموراً فنذكرها هنا ونبطلها بوجوه مخصوصة بها، وإن كان إبطال أصلها كافياً في إبطالها ... إلى أن قالا: ... الثاني من الأمور التي أوجبوها الثواب على الطاعة لأنه مستحق للعبد على الله بالطاعة فالإخلال به قبيح، وهو ممتنع عليه تعالى. وإذا كان تركه ممتنعاً كان الإتيان به واجباً، ولأن التكليف إما لا لغرض وهو عبث، وإنه لجد قبيح خصوصاً بالنسبة إلى الحكيم تعالى، وإما لغرض إما عائد إلى الله تعالى وهو منزه عنه، أو إلى العبد إما في الدنيا وإنه مشقة بلا حظ، وإما في الآخرة وهو إما إضراره وهو باطل إجماعاً وقبيح من الجواد الكريم، وإما نفعه وهو المطلوب، لأن إيصال ذلك النفع واجب لئلا يلزم نقض الغرض (قلت: وهذا ما أشار إليه النووي بقوله: وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ... ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم). فيقال لهم الطاعة التي كلف بها لا تكافىء النعم السابقة لكثرتها وعظمها وحقارة أفعال العبد وقلتها بالنسبة إليها، وما ذلك إلا كمن يقابل نعمة الملك عليه مما لا يحصره بتحريك أنملته فكيف يحكم العقل بإيجابه الثواب عليه واستحقاقه إياه. وأما التكليف فنختار أنه لا لغرض ولا استحالة فيه كما سيجيء عن قريب، أو هو لضر قوم كالكافرين ونفع آخرين كالمؤمنين كما هو الواقع، أو ليس ذلك على سبيل الوجوب بل هو تفضل على الأبرار وعدل بالنسبة إلى الفجار. الثالث من تلك الأمور العقاب على المعصية زجراً عنها فإن في تركه التسوية بين المطيع والعاصي وهو قبيح كما في الشاهد إذا كان له عبدان مطيع وعاص، وفيه أي في تركه أيضاً إذنٌ للعصاة في المعصية وإغراء لهم بها وذلك لأنه تعالى ركّب فيهم شهوة القبائح، فلو لم يجزم المكلف بأنه يستحق على ارتكاب القبيح عقاباً لا يجوز الإخلال به بل جوز ترك العقاب، لكان ذلك إذناً من الله سبحانه وتعالى للعصاة في ارتكاب الشهوات بل إغراء بها، وهو قبيح يستحيل صدوره من الله تعالى. فيقال لهم: العقاب حقه والإسقاط فضل فكيف يدرك امتناعه بالعقل، وترك العقاب لا يستلزم التسوية، فإن المطيع مثاب دون العاصي، وحديث الإذن والإغراء مع رجحان ظن العقاب بمجرد تجويز مرجوح ضعيف جداً، يعني أنه ليس يلزم من جواز ترك العقاب على المعصية إذن وإغراء، وإنما يلزم ذلك إذا لم يكن ظن العقاب رجحان على تركه إذ مع رجحانه لا يلزم من مجرد تجويز تركه تجويزاً مرجوحاً الإذن والإغراء، كما أن جواز تركه بل وجوبه على تقدير إثابته التي يمكن صدورها عنه لا يستلزمهما) اهـ (1)[3]
وهذا تمام الكلام في المسألة السابقة وفيه الكفاية لمن رزق الفهم، والهداية.
__________
(1) - شرح المواقف المجلد الرابع/ ج7/ ص216-218 / ط1/ دار الكتب العلمية(13/16)
أما مسألة التكليف بما لا يطاق، فاعلم أن هنالك فرقاً بين تجويزه عقلاً – وقد أصبحت خبيراً في معنى الجواز العقلي- وبين كونه واقعاً أو غير واقع في الشرع. ولقد استدل الإيجي رحمه الله بأدلة على إمكان التكليف بالمحال، أظهرها أنه مجمع على وقوع بعض مراتبه. ومثاله تكليف أبي لهب بالإيمان بكل ما جاء به النبي عليه السلام والذي من جملته أنه لا يؤمن، فيكون تكليفاً بالجع بين المتناقضين، وهذا مما لا يطاق. ولا يخفى أن وقوعه هو أكبر دليل على جوازه عقلاً. وسيأتي في كلامه رحمه الله أن التكليف بالمحال مختلف في تجويزه، فجوزه من صحح إمكان تصوره والحكم عليه، ومنعه من منع ذلك، ولكن الإجماع واقع على عدم وقوع التكليف بالمحال لذاته وهو أعلى مراتب ما لا يطاق. وأود أن ألفت النظر قبل مناقشة الموضوع إللى ما ذكره السعد التفتازاني في شرح المقاصد حيث لخص المسألة ثم فصل فيها ببراعة، ومما قاله هناك: "لا يمتنع تكليف ما لا يطاق... ثم المتنازع في الأول ما أمكن في نفسه ولم يقع متعلقاً لقدرة العبد أصلاُ: كخلق الأجسام، أو عادة: كالصعود إلى السماء، لا ما امتنع لذاته كجمع النقيضين، فإن الجمهور على امتناع التكليف به... ولا ما امتنع لسابق علم الله أو إخبار من الله تعالى بعدم وقوعه، فإن التكليف به واقع وفاقاً. ثم النزاع في الجواز، وإلا فالوقوع منفي بحكم النص والاستقراء، وفي التكليف بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به، واستحقاق العذاب على الترك.." اهـ (1)[4]
فحبذا لو رجعت إليه. وما أردته من نقل نصه أمران: الأول تحديد محل النزاع والإشارة إلى الخلاف في بعض مراتب التكليف في بما لا يطاق، والثاني التفريق بين تكليف التحقيق بمعنى طلب الفعل والمعاقبة على تركه، والتكليف لأسرار أخرى كالتحدي والتعجيز كقوله تعالى: (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ( فإنه واقع وفاقاً.
__________
(1) - شرح المقاصد ج4/ 296-297، ط2 عالم الكتب(13/17)
ولنترك الكلام الآن للعلامة المحقق الإيجي رحمه الله تعالى إذ لا كلام لأمثالنا في حضرة كلامه، ولأن اعتراض خليفات كان على كلامه هذا أصلاً؛ فهذا كلام الإيجي ممزوجاً ببعض كلام الشارح الجرجاني: (إن ما لا يطاق جائز عندنا لما قدمنا آنفاً في المقصد السادس من أنه لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء. إذ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه. ومنعه المعتزلة لقبحه عقلاً كما في الشاهد (قلت: وهذا أحد استدلالات خليفات في منع التكليف بما لا يطاق. فتنبه إلى الجواب عنه)، فإن من كلف الأعمى نقط المصاحف والزَّمِنَ المشي إلى أقاصي البلاد، وكلف عبده الطيران إلى السماء عد سفيها، وقبح ذلك في بداية العقول، وكان كأمر الجماد الذي لا شك في كونه سفهاً (قلت: هذا احتجاج المعتزلة وقد أبطلناه فيما مضى). واعلم أن ما لا يطاق على مراتب: أدناها أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه أو تعلق إرادته أو إخباره بعدمه، فإن مثله لا تتعلق به القدرة الحادثة لأن القدرة مع الفعل ولا تتعلق بالضدين والتكليف بهذا جائز بل واقع إجماعاً وإلا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلفاً بالإيمان وترك الكبائر بل لا يكون تارك المأمور به عاصياً أصلاً، وذلك معلوم بطلانه من الدين ضرورة. وأقصاها أن يمتنع لنفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق وإعدام القديم؛ وجواز التكليف به فرع تصوره، وهو مختلف فيه؛ فمنا من قال: لو لم يتصور الممتنع لذاته لامتنع الحكم عليه بامتناع تصوره وامتناع طلبه إلى غير ذلك من الأحكام الجارية عليه، ومنهم من قال: طلبه يتوقف على تصوره واقعاً أي ثابتاً لأن الطالب لثبوت شيء لا بد أن يتصور أولاً مطلوبه على الوجه الذي يتعلق به طلبه ثم يطلبه، وهو أي التصور على وجه الوقوع والثبوت منتفٍ ههنا، أي في الممتنع لنفس مفهومه فإنه يستحيل تصوره ثابتاً، وذلك لأن ماهيته من حيث هي هي تقتضي انتفاءه وتصور الشيء على خلاف ما تقتضيه ذاته لذاته لا يكون تصوراً له بل لشيء آخر كمن يتصور أربعة ليست بزوج، فإنه لا يكون متصوراً للأربعة قطعاً بل الممتنع لذاته إنما يتصور على أحد وجهين إما منفياً بمعنى أنه ليس لنا شيء موهوم أو محقق هو اجتماع الضدين، أو بالتشبيه بمعنى أن يتصور اجتماع المتخالفين كالسواد والحلاوة، ثم يحكم بأن مثله لا يكون بين الضدين؛ وذلك أي تصوره على أحد هذين الوجهين كاف في الحكم عليه دون طلبه لأنه غير تصور وقوعه وثبوته، ولا مستلزم له. صرح ابن سينا به أي بأن تصوره كذلك كما نقلناه عنه في باب العلم. ولعله معنى قول أبي هاشم العلم بالمستحيل علم لا معلوم له، كما أشرنا إليه هناك أيضاً. ولعله مراد من قال المستحيل لا يُعلم أي لا يعلم من حيث ذاتُه وماهيتُه. والمرتبة الوسطى من مراتب ما لا يطاق أن لا يتعلق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلقها به لا لنفس مفهومه بأن لا يكون من جنس ما تتعلق به كخلق الأجسام، فإن القدرة الحادثة لا تتعلق بإيجاد الجوهر أصلاً، أم لا بأن يكون من جنس ما تتعلق به لكن يكون من نوع أو صنف لا تتعلق به كحمل الجبل والطيران إلى السماء، فهذا أي التكليف بما لا يطاق عادة نجوزه نحن وإن لم يقع بالاستقراء، ولقوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(. وتمنعه المعتزلة لكونه قبيحاً عندهم. وبه أي بما ذكرناه من التفصيل وتحرير المتنازع فيه يُعلم أن كثيراً من أدلة أصحابنا مثل ما قالوه في إيمان أبي لهب، وكونه مأموراً بالجمع بين المتناقضين نصب للدليل في غير محل النزاع، إذ لم يجوزه أحد. (قلت: واعترض عليه الجرجاني، قال: ولقائل أن يقول: ما ذكره من أن جواز التكليف بالممتنع لذاته فرع تصوره وإن بعضاً منا قالوا تصوره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه). اهـ.(1)[5]
ورد المحشي عبد الحكيم السيالكوتي اعتراض الجرجاني بقوله: "يرد عليه أن هذا الاعتراض إنما يتوجه على ما حمل هو كلام المصنف عليه من أن المراد بما قالوا في إيمان أبي لهب: إنه مكلف بأن يؤمن بجملة ما أتى به النبي عليه السلام ومن جملتها أنه لا يؤمن فيكون تكليفاً بالجمع بين المتناقضين. وأما إذا حمل على أن المراد بما قالوه أنه تعالى علم عدم إيمانه وأخبر به، ومع هذا كلفه بالإيمان فيكون تكليفاً بما لا يطاق، فصح قول المصنف إنه ليس بمحل النزاع لأنه من القسم الأول ولم يرد عليه ما أورد". اهـ
وقد حرصت على نقل كلام الإيجي حيث اعترض عليه خليفات بتمامه في هذه المسألة لنتشارك مع القارئ التأمل في كلامه وكلام خليفات، ليسهل علينا الحكم على كلام العلامة الإيجي، الذي أعتقد أنه في غاية الرصانة، وإني أتحدى خليفات وغيره أن يبيّنوا فساده بقوة المنطق والبرهان لا الخطابة والسفسطة. وفي النصين المنقولين عنه رحمه الله إجابة شافية عن أسئلة خليفات، إذا انتهى القارئ إلى كلامه قبل التسليم بقول الأشعرية.
__________
(1) - شرح المواقف المجلد الرابع/ ج7/ ص222-223(13/18)
وإننا لم نأت بشيء يذكر مما أودعه المتكلمون في كتبهم في نفي وجوب شيء على الله تعالى، وفي إبطال التحسين والتقبيح بالعقل، وفي نفي أن تكون أفعال الله تعالى معللة بعلة، وفي تفهيم قول من قال بجواز التكيف بالمحال. ولمن أراد الاستزادة فعليه مراجعة هذه الأبواب والمسائل في كتب الكلام والأصول كالأربعين والمحصول للإمام الرازي، وشرح المواقف مع الحواشي التي عليه، وشرح المقاصد، والإرشاد لإمام الحرمين، وكتب التفسير عند قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(، وقوله تعالى: (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ(، وقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا(، وقوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(... وغير ذلك مما له علاقة بالموضوع. والحمد لله رب العالمين.
=====================
آيات يحتج بها الشيعة
إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه
• ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تحزن إن الله معنا(؟ أليس أبو بكر داخلا فيها؟ أليس أبو بكر كان يخاف على نفسه؟
• إن النبي كما أنه لم يخلف على فراشه جبناء فإنه لم يصطحب جبناء وإلا كان ذلك طعنا فيه. أليس النبي عندكم يعلم الغيب؟
• ليس كل من يحزن يكون جبانا.
• قالت الملائكة لسيدنا لوط (لا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 33). فهل كان سيدنا لوط جبانا؟
• وقال جبريل لمريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24).
• وقال تعالى للمؤمنين (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران139). هل معنى ذلك ولا تكونوا جبناء؟
• لفظ (مع) تتعدد معانيه بحسب سياق النص.
• (وهو معكم أينما كنتم) تفيد العلم أم النصر والتأييد؟
• (واعلموا أن الله مع المتقين) تفيد العلم أم النصر والتأييد؟
• (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ) هل هذه المعية معية علم أم معية نصر وتأييد؟
• فإذا كانت المعية معية النصر لا معية العلم ولا المصاحبة ثبت الثناء على أبي بكر. ولا يخالف في كون المعية هنا معية التأييد إلا جاهل أو مكابر جبار عنيد.
• وإذا لم نجد السكينة على أبي بكر في هذه الآية فإننا نجدها فيه وفي غيره في آيات أخر تثبت السكينة على كل أصحابه وليس فقط في أبي بكر.
• قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً( (الفتح:18).
• وقال تعالى ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً( (الفتح:26).
• وقال تعالى ( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ 26 ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 27(.
• وقد كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فقط في هجرته وإنما في غزواته وفي بيعة الشجرة.
أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
هل يتناقض القرآن؟ كيف يفهم من هذا ارتدادهم وهو الذي أثنى عليهم مهاجرين وأنصارا؟ كيف يمكن الله للمنقلبين أن يتملكوا المنصب الإلهي ويحرم منه من وعدهم بالتمكين؟
فهل عندكم من مخرج سوى القول بالبداء؟
الآية لا تفيد تحقق الارتداد. فقد قال تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين(. فلماذا أخذتم القرآن عنهم وهم مرتدون محرفون للنصوص؟ وهل عندكم بدائل عنهم؟
الله يستهزئ بهم
كل صفات الله وأفعاله خير حتى استهزاؤه بالمستهزئين ومكره بالماكرين وخديعته للمخادعين. وأما فعل العبد ذلك فهو شر.
فتختص الصفة بما تليق بالله ويختص بالعبد ما يليق به.
فنثبت هذه الصفات وإلا يلزم من ذلك تكذيب الله وعدم التسليم له بما وصف به نفسه.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت يا علي وشيعتك (تفسير الطبري12/657).(13/19)
فيه أبو الجارود: زياد بن المنذر الكوفي : قال عنه الحافظ ابن حجر » رافضي كذبه يحيى بن معين« (التقريب 2101) وفيه عيسى بن فرقد وهو الذي يروي عن الكذابين والمتروكين مثل جابر الجعفي (جامع الجرح والتعديل 1/122) الرافضي الذي كان يؤمن أن عليا هو دابة الأرض وأنه لم يمت وإنما هو في السحاب وسوف يرجع وحكيم بن جبير (جامع الجرح والتعديل1/190). كما حكاه عن عيسى ابن ابي حاتم في (الجرح والتعديل 6/284).
أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما
زاغت ومالت عن الحق في حب ما كرهه النبي صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل.. وكان عليه السلام يحب العسل والنساء.. أي إن تتوبا كان خيرا لكما إذ قد صغت قلوبكما (القرطبي18/124) وهذا الزيغ متعلق بالغيرة لا غير.
وهذا زيغ في هذه المسألة ليس زيغا عن الاسلام إلى الكفر.
والرسول لم يطلقهما بعدما علم ذلك منهما بل أقر زواجهما منه، وحاشاه أن يقر ببقائهما ولا يطلقهما إن كان الأمر يستحق ما ينفخ فيه الرافضة. لأنه يلزم من هذا الطعن بالنبوة وأن الرسول لم يطلق من تستحق الطلاق.
ولم يمنع الحق عمر أن يقول «هما عائشة وحفصة» وذلك عندما سئل عن معنى هذه الآية.
وإذا كانت عائشة وحفصة قد اتفقنا على مظاهرة كل منهما الأخرى فإن صالح المؤمنين هما أبو بكر وعمر فقد ظاهر أبو بكر وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد ابنتيهما بتوبيخ كل منهما ابنته على ذلك. وقد وردت الروايات في شرح الآية (وصالح المؤمنين) أي أبو بكر وعمر (تفسير الطبري).
وعائشة من أهل البيت ومع ذلك ليست معصومة. كما أن عليا خطب من لا يجوز أن يخطب مما أدى إلى غضب النبي صلى الله عليه وسلم .
إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم
رويتم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال « إن الحرب خدعة» (منتهى المطلب2/913 للحلي منهاج الصالحين/373 للخوئي).
وأن عمروا قال لعلي رضي الله عنه « خدعتني! فقال له علي «الحرب خدعة» (منتهى المطلب2/913 تذكرة الفقهاء للحلي1/414 و9/83).
انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
يسميها الشيعة «آية الوِلاية» بكسر الواو وهو خطأ والصحيح بفتح الواو. وسياق الآية يناسب هذا التنبيه لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
ما زلنا نطالب بنص جلي واضح يليق بما تعتبرونه أصلا من أصول الدين أهم من الصلاة والصيام. ولا يقوم الدين إلا به ولا يقبل العمل إلا معه. وهيهات أن تجدوا.
• أما الرواية التي تحكي أن عليا أدى الزكاة وهو راكع. فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
• قال ابن كثير: رواه ابن مردويه من حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعمار بن ياسر وليس يصح منها شيء بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها" (تفسير ابن كثير 3/130).
• والذي زعم أنها نزلت في علي هو الثعلبي وهو الملقب بحاطب الليل لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير.
• قال ابن حجر العسقلاني " رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" (الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 1/649).
• فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
سبب نزول الآية
• الآية نزلت في عبادة بن الصامت حين تبرأ من حلفه السابق مع اليهود لما أعلن اليهود الحرب عليه. فقد روى ابن جرير أنها نزلت في عبادة بن الصامت لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليهم عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلصهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم« (تفسير الطبري 6/288 وتفسير ابن كثير 2/71).
• قلت: وفيه السائب بن محمد الكلبي والضحاك عن ابن عباس. لم يصح فإن الضحاك لم يثبت لقياه ابن عباس.
الأدلة العقلية على بطلان الاحتجاج بالآية
• هل عند الشيعة رواية عن علي تتضمن احتجاج علي بهذا لآية على تقديم إمامته على غيره؟ أو أنه احتج عليهم بيوم الغدير؟
• سياق الكلام في الآية متعلق بالنهي عن موالاة الكفار وقد سبق هذه الآية قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء( لا بموضوع من الأولى بالإمامة بعد الرسول (.
• الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك كان لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع. فلا يتولى علي سائر الصحابة والقرابة.(13/20)
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن في الصلاة لشغلا« فكيف يكون أداء الزكاة داخل الصلاة؟ وبالتحديد عند حالة الركوع؟ ولم لا يكون أداؤها في حال القيام أو السجود أو عند التشهد مثلا؟
• قوله (والذين) صيغة جمع وعلي واحد.
• وعلي لا زكاة عليه وقد كان فقيرا باعتراف الشيعة.
• أن أكثر العلماء على أن إخراج الخاتم في الزكاة لا يجزئ.
• أن في الصلاة شغل عن الأعمال الخارجة. أليس من الغريب أن لا يصبر علي على أداء الزكاة حتى يخرج من صلاته؟ أم أن الشرع أوجب أن تؤدى الزكاة على هذا النحو؟
الولي هو القريب والمحب والنصير
• إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون.
• يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. ومن يتولهم منكم فأولئك هم الخاسرون.
• يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. والنهي لم يكن عن مبايعتهم. وإنما كان النهي في السياق عن محبتهم ومودتهم.
• والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (التوبة).
• لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
• وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.
• ومن يتولهم منكم فإنه منهم. وليس المعنى أن نبايعهم على السمع والطاعة فإن هذا معروف ضرورة. وإنما على مطلق المحبة والمودة والاقتراب منهم.
• (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا). وهذا في النصرة لا في الإمامة.
• ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.
• بل الله مولاكم وهو خير الناصرين.
• فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين.
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا«
قال الهيثمي » فيه محمد بن مصعب: وهو ضعيف الحديث سيء الحفظ« (مجمع الزوائد9/167).
وقال ( نزلت هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) في علي وفاطمة
قال الهيثمي » رواه البزار وفيه بكير بن يحيى بن زبان وهو ضعيف« (مجمع الزوائد9/167).
أهل بيت الرجل زوجته قال تعالى لزوجة ابراهيم
(رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال امكثوا) (فراغ الى أهل فجاء بعجل سمين) (فأسر بأهلك بقطع من الليل).
قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) (بخاري رقم 6360 كتاب 80 باب33). مسلم (1/306) أحمد (5/374).
وكان إذا دخل بيت عائشة قال » السلام عليكم أهل البيت). (بخاري 4793).
أينما تولوا فثم وجه الله
وجه الله عند الرافضة هم الأئمة: قال المجلسي « عن داود بن كثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام : أنتم الصلاة في كتاب الله عزوجل وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟ فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عزوجل، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله( (بحار الأنوار42/303 و108/341 تفسير كنز الدقائق1/221 تفسير القرآن للخميني2/469 اقتصر على (نحن الصلاة).
().
تأويلهم للآية يتناقض مع النص الذي في الكافي: عن المفضل قال: " سألت أبا الحسن عن شيء من الصفة فقال: لا تجاوزوا ما في القرآن" (الكافي 1/79 كتاب: التوحيد- باب: النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى).
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
فأعينوني بقوة أجعل لكم ردما
هذا من باب ما يتعاون الناس فيه فيما يقدرون عليه. وليس فيه جواز استغاثة الحي بالميت.
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
إذا كان علي هو نفس رسول الله فهل كان دخول علي على فاطمة هو دخول رسول الله؟
أذا كان علي هو نفس الرسول لزم أن يكون علي نبيا.
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين(
ما المراد بالاحتجاج علينا بهذه الآية؟ وهل ننكر أن تكون فاطمة والحسن والحسين من أهل البيت النبوي؟ أم أننا ننكر فضلهم؟
أما الاحتجاج بالآية لإثبات أن الإمامة لا تكون إلا لعلي والحسن والحسين؟ فعلي هو الذي تخلى عنها. والحسن سلمها لمعاوية. والحسين لم يتمكن منها.
ما معنى ونساءنا ونساءكم؟
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم.
فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم.
ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما.
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
• زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الآية » من هؤلاء الذين أمرك الله بمودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما« وهذا الحديث ساقط الاسناد كما قال الحافط ابن حجر (فتح الباري 8/564). وقال ابن كثير » هذا إسناد ضعيف فيه متهم لا يعرف عن شيعي محترق وهو حسين الأشقر« .(13/21)
• ومعلوم أن الآية مكية بالاتفاق. (تفسير البغوي 4/119) وعلي تزوج فاطمة بعد غزوة بدر. وولد الحسن في الثانية من الهجرة. فكيف تنزل الآية بمودة من لم يخلق بعد؟ أهكذا خاطب الله قريشا أن تود من لم يكن قد خلق بعد؟
• واذا كانت هذه الآية نصا على الإمامة فلماذا لم يطالب الشيعة بأن تكون فاطمة إمامة؟ ولماذا لم يطالبوا بأن يكون الأربعة: علي وفاطمة والسبطان أئمة في عهد النبي(؟
• روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية: فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة« (البخاري رقم 4818).
• قال ابن تيمية » إنه قال: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. ولم يقل إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى، فلو أراد المودة لذوي القربى لقال: (المودة لذوي القربى) كما قال: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى( وهكذا في غير موضع. فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم وذوي قرب الانسان إنما قيل فيها ذوي القربى، ولم يقل في القربى. فلما ذكر هنا المصدر دون الإسم دل على أنه لم يرد ذوي القربى« (منهاج السنة4/28).
لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ.
( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً 74 إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا( (الاسراء74-75).
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
• القرض لا يكون للحاجة فقط. وهذا ما أكده الكليني في رواياته. (الكافي1/537). والذي أكد أن القرض معناه صلة الإمام. يعني قرض الله يعني قرض الإمام. فعاد الضمير كالعادة على الإمام. فما عند الرافضة من تفسير هذه الآية شر مما ظنوه شرا. فقد قالوا « سئل أبو عبد الله عن هذه الآية فقال: نزلت في صلة الإمام. قال: درهم يوصل إلى الإمام أفضل من ألف درهم في غيره في سبيل الله» (الكافي1/538 مجمع الفائدة 4/182 للمحقق الأردبيلي).
•
• القرض هنا هو أن يسلف العمل الصالح بإعطاء الدرهم للفقير فيودع عمله الصالح عند الله فيضاعفه الله له يوم القيامة. ونوع الإسلاف هو العمل الصالح وليس قرض الله الدرهم والدينار. وعملة الحسنة أعظم من عملة الدينار.
• جاء في نهج البلاغة « جعل تقديم العمل الصالح بمنزلة القرض والثواب عليه بمنزلة قضاء الدين،إظهارا لتحقق الجزاء على جنس العمل» (نهج البلاغة159).
• والآية مسوقة للحث على الصدقة على الفقير. والسياق يرفع اللبس والإشكال. كقول الله في الحديث القدسي: « ابن آدم إستطعمتك فلم تطعمني. فيقول: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي» (مسلم2569).
• ولم يتوهم عامة المسلمين ما يورده الزنادقة للمساومة على التأويلات الباطلة.
• إذا كانت هذه الآية لا تليق بالله فافتحوا القرآن الذي جمعه لكم علي لعلكم لا تجدون فيه هذه الآية.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23).
ليس في هذه الآية ذم للبعض الآخر بأنهم لم يصدقوا ما عاهدوا الله عليه. وهي للجنس لا للتبعيض.
ولو فرضنا هناك تبعيضا. فقد جاء وصف المؤمنين عاما وليس معنى الآية (من الصحابة رجال).
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس.. المتكبر
واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن
• إبراهيم أوتي النبوة والإمامة فلماذا بقي الإمام أفضل من إبراهيم. ومن كان نبيا وإماما فهو خير ممن أوتي إمامة من غير نبوة.
• قال إني جاعلك للناس إماما. قال ومن ذريتي. قال لا ينال عهدي الظالمين.
• كذب من زعم أن هذه الآية دليل على المرتبة الخاصة بأهل البيت. قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ( (الفرقان:74) فهذا دعاء يدعو به كل مؤمن من عباد الرحمن. ولهذا ادعى الزنادقة أنها لم تنزل هكذا. فرووا عن أبي عبد الله أنه قال:« إنما نزلت هكذا: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما( (تفسير القمي1/36).
• إن كانت الآية دليلا على إمامة المسلمين السياسية فإن إبراهيم يكن إماما.
• وإن كانت دليلا على إمامة العلم بطل استدلالكم بالآية فإن الخلاف بيننا وبينكم ليس على إمامة العلم.(13/22)
• وإن كانت دليلا على العصمة فيبطله قول إبراهيم (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين(. فإذا كانت الآية تدل على العصمة فهل كان يعلم إبراهيم ذلك؟ فإمامة الهدى ليست خاصة بمعصومين فقد جعلها الله لبني اسرائيل (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون( وجعلها عامة لكل مستضعف فقال (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ( (القصص:5) وأنتم تستخرجون من هذه الآية مرتبة لا تليق إلا بطينة خاصة من البشر وهي طينة المعصومين.
• وإن كانت دليلا على القدوة فقد قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (الممتحنة:4). وهل تقبلون أن يكون علي قدوة لكم وقد بايع من لا يستحق البيعة عندكم. فإن زعمتم أنه كان مجبرا أبطله تفسيركم لقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( (النور:55). الله لا يخلف وعده. فكيف نال عهده أبا بكر وعمر وعثمان وهم عندكم ظالمون؟ ثم يبايعهم علي مهنئا لهم على غصبهما للامامة التي أمر الله أن يبلغ رسوله بشأنها.
• الإمامة هي أن يكون الإمام قدوة. وأين هذه القدوة الحسنة في بيعة علي المعصوم لأبي بكر وعمر وعثمان وبيعة الحسن والحسين المعصومين لمعاوية الكافر عندكم. قارن ذلك بإبراهيم وقومه من الكفار (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ( (الممتحنة:4).
• أمر الله جميع عباد الرحمن أن يتطلعوا لمرتبة الإمامة: مرتبة الهدى والعلم والقدوة فقال (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما(. ولهذا الآية الرافضة أنها محرفة وأنها لم تنزل هكذا، وإنما (واجعل لنا من المتقين إماما).
• الآية لا علاقة لها بالامامة المختلف عليها عادة بين السنة والشيعة. وإنما هي أمامة العلم والهدى والقدوة كما قال تعالى (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده(.
• هل خان الحسن عهد الله ومكن منه الظالمين حين سلم الخلافة الى معاوية وبايعه؟
• النبي إمام هدى يدعو الى حكم وإمام قائد ينفذ حكم الله ويسود قومه. فإما أن يكون إمام هدى من غير قيادة. وإما أن يمكنه الله من كلا الامامتين: هذا سليمان آتاه الله الإمامتين.
• علي خالف المشيئة الإلهية التي قضت بأن لا ينال عهده الظالمين فمكن للظالمين وبايعهم.
• الحسن مكن للظالمين أن ينالهم العهد مناقضا بذلك القرآن. فأمكن معاوية مع أن الله وعد أن لا ينالها ظالم.
• ومن الأنبياء من أوتي ملكا لم يؤتاه أحد من بعده كنبي الله سليمان. فهو أوتي ملكا عظيما. قارن هذا بهذا الملك العظيم المهدي المختبىء في السرداب أو السائح في البلاد.
واستعينوا بالصبر والصلاة
عن الصادق قال « إذا نزلت بالرجل النائبة والشدة فليصم، فإن الله يقول واستعينوا بالصبر والصلاة» (كشف الغطاء 2/324 لجعفر كاشف الغطاء).
قال الطبرسي « أي في حوائجكم إلى الله بالجمع بين الصبر والصلاة» (تفسير جوامع الجامع1/100 لأبي على الطبرسي).
وفي زبدة البيان « بأن تصلوا صابرين على تكليف الصلاة» (زبدة البيان ص128 للمحقق الأردبيلي).
وقد فسروا الصبر بالصيام حيث جاء وصف رمضان بأنه شهر الصبر (مدارك الأحكام6/9 للسيد محمد العاملي ذخيرة المعاد 3/494 للسبزواري كشف الغطاء2/324 لجعفر كاشف الغطاء غنائم الأيام).
وعن أبي عبد الله « كان علي عليه السلام إذا هاله أمر فزع إلى الصلاة. ثم تلا هذه الآية» (الذكرى للشهيد الأول ص256).
وإن من شيعته لإبراهيم
ألم يكن عليا من شيعة أبي بكر وعمر وعثمان؟
هل تعني هذه الآية أن مذهب التشيع كان معروفا وله وجود في عهد إبراهيم؟(13/23)
( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( (الروم:32).
( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( (الأنعام:159).
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا
هذه الآية حجة على مذهب الإمامية الذين يفضلون الإمام على النبي.
هؤلاء أئمة من بني إسرائيل ليسوا بأنبياء. مع أن الامامية يفضلون الإمام على النبي.
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
يبطل احتجاج الشيعة هذه الآيات:
( فاجتنبوا الرجس من الأوثان(.
مُؤْمِنِينَ( (الانفال64).
( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( (البقرة185).
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
هم عند ربهم أحياء لا عندنا. لو كانوا عندنا أحياء لكلمونا وكلمناهم. ولخرجوا من قبورهم.
قال تعالى ( ولو سمعوا ما استجابوا لكم( فحتى لو كانوا أحياء لا يسمعوننا كما قال تعالى.
وحتى لو كانوا شهداء فإنهم لا يصيرون بذلك شهادء علينا. فإن عيسى قال ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد(.
وورث سليمان داود.. وقوله يرثني ويرث من آل يعقوب
قبل كل شيء الله آتى سليمان ملكا عظيما. فهل الملك مسبة. لما تطعنون في ملك بني أمية وترضون ملك سليمان.
الآية ما قبل هذه بينت أن الله آتى سلمين وداود علما. قال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ 15(.
فالارث ليس إرث المال بدليل أن لداود أبناء كثيرين. وفي حصر الارث بالعلم والنبوة مدح لسليمان لأن الله يختص لميراث النبوة والعلم من يشاء. أما ميراث المال فشرع الله أن تكون للإخوة بالتساوي لا لواحد منهم دون الآخر. ولذلك قال النبي للذي نحل ابنه أرضا دون إخوته الآخرين: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال لا. قال: أشهد على ذلك أحدا غيري.
وينزه القرآن عن أن يتضمن أخبارا لا فائدة فيها كأن يحكي خبر إرث الأبناء أموال آبائهم. فإن مثل هذا الخبر مما لا فائدة منه.
وكذلك زكريا كان نجارا ولم يترك مالا.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ما تركناه فهو صدقة للمسلمين) يبطل كل ادعاء بالإرث المادي.
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك
قبل أن نذكر لكم معنى الآية نود أن لا يفوتكم أن تفسير الآية عند الشيعة هم الأئمة فإنهم وجه الله.
• قال الصدوق « أي التوجه إلى الله» (من لا يحضره الفقيه1/334).
• لكن المحقق خالفه فقال بأن معنى وجه الله أي أنبياؤه وحججه» ثم تناقض الصدوق وقال بأن معناه النظر إلى الأنبياء والأئمة (عيون أخبار الرضى2/106 الاحتجاج للطبرسي2/190 بحار الأنوار4/3 و31 نور البراهين1/300 مسند الرضا لعزيز الله العطاردي1/19).
• وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب « نحن وجه الله ونحن الآيات ونحن حدود الله» (مناقب آل أبي طالب3/63 مستدرك سفينة البحار10/253).
• وعند المجلسي أيضا « نحن وجه الله» (بحار الأنوار24/192-196 تفسير القمي2/345).
• وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي وجه علي (بحار الأنوار39/88).
• وعند المجلسي « وجه الله أي دينه» (بحار الأنوار4/5).
• وعند المجلسي المتناقض « وجه الله» أي ذاته. (بحار الأنوار4/6).
• وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي ربك الظاهر بالأدلة ظهور الإنسان بوجهه» (6/323 87/232).
• وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي فثم التوجه إلى الله صلى الله عليه وسلم بحار الأنوار83/206).
• وعند المازندراني وجه الله أي عنايته وقيوميته (شرح أصول الكافي3/125).
•
•
• وروى في مستدرك الوسائل حديث « الدنيا ملعونة ملعون من طلبها وأحبها» (مستدرك الوسائل12/38 مستدرك سفينة البحار3/355). مما يؤكد أنه فهم منها التوجه إلى الله بالعمل وعدم طلب الدنيا بعمل الآخرة. وهذا ما نقوله نحن.
• وعند الشيخ إبراهيم الأنصاري « إن الله سبحانه وتعالى هو الوجود المطلق بلا قيد... فجميع الكون هو وجه الله ومظهره» وهذا عنده معنى قوله تعالى ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (أولياء الله ص 1).
معناها عندنا
( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن( (البقرة112).
( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ( (النساء:125).
( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ( (الأنعام:52).
( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ( (الكهف:28).(13/24)
( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( (القصص:88).
( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ( (لقمان:22).
( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (الزخرف:17).
( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (الملك:22).
هل للوجه معنى واحدا أم معنيين؟
معنى الوجه القصد والتوجه عند الشيعة. فقد قال علماؤكم أن الوجه على معنيين: الوجه المركب الذي فيه عينان.. والوجه بمعنى أول كل شيء وصدره كما قال تعالى ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( (آل عمران:72).. والوجه القصد بالفعل من ذلك قوله تعالى ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله( وقال الفرزدق:
وأسلمت وجهي حين شدت ركائبي ... إلى آل مروان بنات المكارم
أي جعلت قصدي وإرادتي لهم. وأنشد الفراء يقول:
... ... أستغفر الله ذنبا لهم محصيه ... ... رب العباد إليه الوجه والعمل
ومنه قولهم في الصلاة: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض. أي قصدت قصدي بصلاتي وعملي. ومنه قوله تعالى ( فأقم وجهك للدين القيم( .. والوجه الذهاب والجهة والناحية. (الأمالي3/46-47).
وفسر قوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه( بمعنى أن كل فعل يتقرب به إلى غيره فهو هالك» (الأمالي3/50).
وجمع الطبرسي بين الآيتين (كل شئ هالك إلا وجهه( وقوله تعالى ( ويبقى وجه ربك( أثناء تعليقه على حديث « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها» (مكارم الأخلاق453).
إذن فالوجه يأتي بمعنى القصد والتوجه
ومعنى الآية ما أريد به وجهه كما قال تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). أي وجهة دعائهم إلى الله أي الإخلاص في دعائهم لله فقط. لا كما يفعل الشيعة بدعائهم يريدون وجه المخلوقات بدعائهم.
العلماء فسروه بمعنى ما كان وجه العمل فيه إلى الله. مثل الآية الأخرى: كل شيء هالك إلا وجهه.
وقد قال لبيد الشاعر:
ألا كل ما خلا الله باطل
لكن تفسير الشيعة فيه تصريح بأن عليا هو الله. فقالوا ( ويبقى وجه ربك(
وابتغوا إليه الوسيلة
قال مفسرو الشيعة أي ابتغوا « السبب الذي يقربكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة» (تقريب القرآن6/83).
وقال أبو علي الطبرسي « أي أطلبوا إليه القربة بالطاعات» واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم « سلوا الله لي الوسيلة» (تفسير مجمع البيان3/327).
وفي البحار « أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي» (بحار الأنوار67/271 تفسير الصافي2/33).
وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (فصلت42).
1 - ما الذي جعلنا نقول إن القرآن ليس له يد. أننا نظرنا إليه فحكمنا عليه بأنه ليس له يد. ولكن من منكم نظر إلى الله فحكم على الله بنفي اليد أو إثباتها؟ فكيف قدمتم النفي على الإثبات؟ هل عندكم من علم بهذا النفي؟
2 – كيف علمتم أن صفات سميع بصير يجب إثباتها وعدم تأويلهما؟
3 – لا يجوز لكم تأويل السمع والبصر بالعلم. فإن الله قال: إني معكما أسمع وأرى. ويا ويل من نفى عن الله الرؤية وأولها بالعلم. أسأل الله أن يصيبه بالعمى في الدنيا ويذيقهما نار جهنم في الآخرة.
2 - ليس كل كتاب بمعنى المجلد ذو الدفتين.
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى (الأحقاف30) وهم قد سمعوا آيات واكتاب لا يُسمع.
وأنزلنا إليك الكتاب () أي آيات الله. فهل أنزل الله كتابا أم آيات؟
وهذا كتاب أنزلناه () أي آيات منزلة وليس بمعنى مجلدا ذا دفتين.
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم () وليس معنى الكتاب هنا هو المجلد ذو الدفتين.
يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة () ولم يكن معهم كتاب بل كانت آيات مكتوبة على الصحائف والرقاع والجلد وأكثره محفوظ في الصدور.
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (آل عمران145).
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس (الأنعام7).
2 – قد يقول قائل وهل للكتاب يدان؟
هذا مما تعارف عليه العرب في عرف التخاطب أن ما بين االيدين هو الشيء المتقدم. المقصود به ما تقدمه قبله قال ابن منظور في لسان العرب «لا أَي أَن الكتب التي تقدّمته لا تبطله ولا يأْتي بعده كتاب يبطله».
والقرينة الأخرى ورود لفظ الخلف بعد ذلك.
تأملوا هذه الآيات:
• ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (الأعراف17)
• وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9).(13/25)
• فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13) إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله صلى الله عليه وسلم فصلت14).
• له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله صلى الله عليه وسلم الرعد11).
• واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه (الأحقاف21).
• قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (البقرة97).
• نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (آل عمران3).
• وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه (يونس37).
• يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (الحجرات1). أي لا تسرعوا في الأشياء قبله.
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت توضع له سترة ثم يمر الناس بعد ذلك من بين يديه. قال الشارح: من بين يديه أي من قدام.
وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي.
وفي مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء ذهابه إلى الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! اجعل لي في قلبي نورا، وفي لساني نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلفي نورا.
وكفى الله المؤمنين القتال بعلي
فيه الفضل بن القاسم قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال « لا أعرفه». وفيه عباد بن يعقوب شيعي صدوق (ميزان الاعتدال4/45).
وقرن في بيوتكن
من يكمل الآية يعرف المعنى وهو عدم الخروج بتبرج أهل الجاهلية الأولى.
هل يفهم من الآية عدم الخروج من المنزل لشراء حاجة أو صلاة في مسجد
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
يحتج الرافضة بهذه الآية كثيرا على أنها نص على إمامة علي. ولكنهم في نفس الوقت يوصون بكتمان دينهم بل ويروون عن علي أنه كتم القرآن الذي جمعه حتى يخرج به الإمام المنتظر. فهل بلغ علي ذلك القرآن الذي جمعه؟
عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله: كف عن هذه القراءة . إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده. وأخرج المصحف الذي كتبه علي. وقال: أخرجه علي إلى الناس حسن فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جمعته من اللوحين. فقالوا: هوذا عندنا مصحف جماع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا. إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه" (الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب).
الآية تتعارض مع مبدأ الكتمان عند الشيعة. ونستعرض لكم هذه الروايات:
قال أبو عبد الله: " يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله " ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- عن أبي جعفر قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا، فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا" ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان).
- يقول أبي جعفر: " أحب أصحابي إلي أكتمهم لحديثنا " (الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو عبد الله "من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان" ( الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).
- عن أبي عبدالله "ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد " (الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).
- قال أبو عبدالله: " يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعل ظلمة تقوده إلى النار، إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، إن المذيع لأمرنا كالجاحد له " ( الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو جعفر: " ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه السلام وأسرها جبرئيل إلى حمد صلى الله عليه وسلم وأسرها محمد إلى علي عليه السلام وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك " ( الكافي 2/178 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
=====================
دعوى الرافضي أن الصحابة ردوا نص:(الغدير) وأبعدوا علياً عن الخلافة والرد عليه في ذلك
قال الرافضي ص198 «من فكرة الاجتهاد واستعمال الرأي مقابل النصوص نشأت و تكونت مجموعة من الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، وقد رأيناهم يوم الرزية كيف ساندوا وعضدوا رأي عمر مقابل النص الصريح.(13/26)
... ومن ذلك أيضاً نستنتج أن هؤلاء لم يقبلوا يوماً نصوص الغدير، التي نصب بها النبي صلى الله عليه وسلم علياً خليفة له على المسلمين...
... ولما ولي الإمام علي أمور المسلمين وجد صعوبة كبيرة، في إرجاع الناس إلى السنة النبوية الشريفة وحظيرة القرآن، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أُدخلت في الدين، ولكن بعضهم صاح واسنة عمراه...».
... قلت: تقدم الرد عليه مفصلاً في مسألتي: (كتابة الكتاب) و(دعوى النص على خلافة علي يوم الغدير) بما اظهر الله به زيغه وضلاله.(1) وإنما أشير هنا لتناقضه في مسألة النص على الخلافة فهاهنا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 276 ومابعدها و ص 463 ومابعدها.
أن عمر لم يقبل النص على الوصية -المزعومة لعلي- يوم الغدير، ورفض ذلك النص ورده، بينما نجده في موضع آخر من هذا الكتاب يقول ما نصه: «والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة، فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله (: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع، فعقد لعلي موكب للتهنئة، حتى إن أبا بكر نفسه وعمر، كانا من جماعة المهنئين للإمام يقولون: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة». (1)
... قلت: ما أقصر حبال الكذب!! وقديماً قالوا: (ومن آفة الكذاب نسيان كذبه).
... وقال أبو حاتم: (إن من آفة الكذب أن يكون صاحبه نسياً، فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه بالخزي في كل لحظة
وطرفة).
... وقال نصر بن علي الجهضمي: (إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان). (2)
... وهذا الرافضي لما اتخذ الكذب مطية له في تقرير معتقده الفاسد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص161.
(2) ... أورد هذه الأقوال ابن حبان في روضة العقلاء ص52-53.
وقع في هذا، وأظهر الله أمره، وكشف ستره، فبينما هو يقرر في
سياق حديثه عن النص على الوصية المزعومة لعلي: إن الصحابة عقدوا لعلي يوم الغدير موكباً مشهوداً للتهنئة بالوصية، وكان في مقدمة المهنئين المبارِكِين: أبو بكر وعمر، اللذان كانا يرددان عبارة (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة) نجده بعد هذا بصفحات ينسى هذا كله، فيقرر أن هؤلاء الصحابة لم يقبلوا يوم الغدير، ولا في يوم من الأيام النص على علي بالخلافة، بل وقفوا من ذلك موقف المعارض المعاند، وفي مقدمة هؤلاء عمر بن الخطاب، فلعنة الله على الكذابين الظالمين.
... وأما قوله: إن علياً وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنة... الخ كلامه.
... فكلام باطل من أصله: فإن البدع لم تظهر في عهد الشيخين، بل كان الناس طيلة عهدهما على السنة، لم يعرفوا البدع، ولم تعرف البدع إليهم طريقاً، وكان أمر الدين فيهم ظاهراً وقوياً، والسنة عزيزة مشهورة. وكذلك عهد عثمان -(- فإنه وإن بدأت بوادر البدع تظهر في آخره، إلا أنه لم يعرف في الناس بدعة ظاهرة، بل كانت السنة هي السائدة، والخير هو المنتشر، وأهل الإسلام في عز واجتماع، وأهل الشر في ذل وصغار، وأما عهد علي رضي الله عنه فقد كثرت فيه الفتن، وظهرت فيه البدع، حيث خرج الخوارج، وفشى التشيع، وافترقت الأمة، وسفكت فيه الدماء المسلمة المؤمنة، فضعف بذلك أهل الخير، وقوي أهل الشر وتسلطوا على الناس، حتى إن علياً
-(- كان يقول في قتلة عثمان: (القوم يملكوننا ولا نملكهم)(1) وهذا أمر يعلمه كل من له أدنى اطلاع على التأريخ ولا ينكره أحد من المسلمين، لا من أهل السنة، ولا من أهل البدع، لكن مع التجرد والإنصاف.
... وأما عند غلبة الهوى، وتمكن الجهل، فتختلف المقاييس، وتنعكس المفاهيم، وتتغير الحقائق، كما هو حال هذا الرجل، فإنه يتخبط في الأمر تخبطاً عجيباً، فنراه أحياناً يقرر أن علياً -(- عندما تولى أمر الأمة قد طبق السنة، ونبذ البدع، يقول في كتابه الشيعة هم أهل السنة: «أضف إلى ذلك أن الإمام علياً عندما تولى الخلافة بادر بإرجاع الناس إلى السنة النبوية، وأول شيء فعله هو توزيع بيت المال». (2)
... ويقول مؤكداً هذا في موضع آخر من الكتاب نفسه: «ومع ذلك فإن أمير المؤمنين علياً لم يجبر الناس على البيعة بالقوة والإكراه، كما فعل الخلفاء من قبله، ولكن تقيد -سلام الله عليه- بأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقد تخريجه ص 241.
(2) ... الشيعة هم أهل السنة ص189.
القرآن والسنة، ولم يغير ولم يبدل أبداً....
... إلى قوله: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، يامن أحييت القرآن والسنة، بعدما أماتها غيرك». (1)
... فهذا ما قرره المؤلف هنا لكنه في موضع آخر ينقض كلامه هذا رأساً على عقب.
... فيقول في الكتاب نفسه: «وإذا كان علي بن أبي طالب(13/27)
-(- هو المعارض الوحيد، الذي حاول بكل جهوده في أيام خلافته إرجاع الناس للسنة النبوية: بأقواله، وأفعاله، وقضائه، ولكن بدون جدوى لأنهم شغلوه بالحروب الطاحنة». (2)
... ويقول أيضاً في معرض حديثه عن علي رضي الله عنه في كتابه: (لأكون مع الصادقين): «وقضى خلافته في حروب دامية، فُرِضت عليه فرضاً من الناكثين، والفاسقين، والمارقين، ولم يخرج منها إلا باستشهاده سلام الله عليه وهو يتحسر على أمة محمد». (3)
... ونحن لا نعلم أي القولين نصدّق؟! القول بأن علياً -(- أعاد الناس للسنة، وأنفذ أحكام القرآن في رعيته، فنهنئه بذلك كما فعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص198.
(2) ... المرجع نفسه ص260.
(3) ... لأكون مع الصدقين ص81.
المؤلف في أحد قوليه، أم أنه بحسب قوله الآخر: لم يستطع أن يعيد
الناس للسنة، بسبب الحروب الطاحنة، التي لم يخرج منها إلا باستشهاده فنتحسر عليه، كما تحسر هو على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
... وهذا السؤال في هذا مطروح على (السماوي) لعله أن يمدّ الأمة بإجابة عاجلة وسريعة تحدد موقفها من هذه المسألة الحساسة، وتخرجها من هذا الاضطراب الذي أوقعها فيه، ولا بأس أن يستعين في هذا بمن شاء من تلاميذ أهل السنة في المراحل الأولى من التعليم ليطلعوه على مادرسوه من سيرة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، فيحل هذا الإشكال، ويستفيد منهم في هذا المجال، كما استفاد من قبل من صبيان الحوزة العلمية في (النجف الأشرف) كما صرح بذلك في بداية كتابه. (1)
... وبهذا ختام الرد على الرافضي في كتابه الأول: (ثم اهتديت) أسأل الله الكريم أن يجعله خالصاً لوجهه، وقربة إلى مرضاته، وأن يغفر لي ما حصل فيه من خطأ أو زلل، وأن ينفع به المسلمين، ويدحض به شبه المحرفين المبدلين.
... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: كتاب ثم اهتديت ص53-54.
=====================
شبهات وردود
منها أن أكثر الصحابة انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التى جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو وأشتغلوا بالتجارة ، وذلك دليل على عدم الديانة.
والجواب أن هذه القصة إنما وقعت في بدء زمن الهجرة ( 1 ) ، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الاداب الشريعة كما ينبغي ، وكان للناس مزيد رغبة في الغلة ، وظنوا أن لو ذهبت الإبل يزيد الغلاء ويعم البلاء ، ولم يخرجوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنده ( كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ( 2 ) ، ولذا لم يشنع عليهم ( 3 ) ولم يوعهم سبحانه بعذاب ولم يعاتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً .
ومنها ان اهل السنة رووا في صحاحهم عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فاقول : أصحابي اصحابي ، فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد . فيقال : إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم )) .(13/28)
والجواب أنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا ، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به ( المتبعين له ، وهذا كما يقال لمقلدى ابي حنيفة أصحاب ابي حنيفة ولمقلدي الشافعي اصحاب الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع ، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في مذهب أصحابنا ، مع ان بينه وبينهم عدة من السنين ، ومعرفته ( لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم ، فقد جاء في الخبر أن عصاة هذه الأمة يمتازون يوم القيامة من عصاة غيرهم كما أن طائعيهم يمتازون عن طائعي غيرهم ، وجذبهم إلى ذات الشمال كان تاديباً لهم وعقاباً على معاصيهم ، ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو معلوم في العرف فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق ( ، وقوله ( (( أصحابي أصحابي )) لظن انهم لم يرتدوا كما يؤذن به ما قيل في جوابه من انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك . فإن قلت : إن (( رجالاً )) في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة . أجيب : إن ما ورد في حقهم من الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمته الشيعة . أما الآيات فكقوله تعالى ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم ( وقوله تعالى ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون ، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها ابداً إن الله عنده أجر عظيم ( وقوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ( وقال تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( إلى غير ذلك من الآيات التى لا تحصى . وأما الأحاديث فقوله ( (( أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم أهتديتم )) قوله ( (( الله الله في أصحابي )) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار التى يضيق عنها المقام ، وأما اقوال الأئمة فقد مر لك شئ منها ، ولا مساغ للتخصيص الذى يزعمه الشيعة بوجه من الوجوه .
ومنها ان كثيراً من الصحابة فر من الزحف في غزوتي أحد وحنين ، الفرار من الزحف من أكبر الكبائر .
والجواب أن الفرار يوم أحد كان قبل النهي ، ولئن قلنا كان بعده فهو معفو عنه ، بدليل قوله تعالى ( ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم ( واما الفرار يوم حنين فبعد تسليم أنه كان فراراً في الحقيقة معاتباً عليه ما يصر عليه اولئك المخلصون بل أنقلبوا وظفروا بدليل قوله تعالى ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم انزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ( .
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أى قوم أنتم ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : كما أمرنا الله تعالى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا بل تتنافسون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض )) فإن هذا صريح في وقوع التنافس والتدابر والتباغض فيما بين الصحابة .
والجواب ان الخطاب وإن كان للصحابة لكن باعتبار وقوع ذلك فيما بينهم ، وهو لا يستدعى ان يكون منهم ، ويدل على ذلك أن الصحابة إما مهاجرون او انصار ، والحديث صريح في ان أولئك الفرقة ليسوا مهاجرين ، والواقع ينفى كونهم من الأنصار لأنهم ما حملوا المهاجرين على التحارب ، فتعين أنهم من التابعين ، وقد وقع ذلك منهم ، فإنهم حملوا المهاجرين على التحارب بينهم كمالك الأشتر وأضرابه ، ولا كلام لنا فيهم ( 4 ) .
ومنها أن الصحابة قد آذوا علياً وحاربوه ، وقد قال ( (( من آذى علياً فقد آذاني )) .
والجواب أن تلك المحاربات كانت لأمور اجتهادية فلا يلحقهم طعن من ذلك . ولا بد ههنا من التفصيل ، ليتبين من هو على الحق ممن سلك التضليل فأقول : أعلم أن أعظم ما تداولت الألسن من الاختلاف الواقع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما وقع في زمن الأمير كرم الله تعالى وجهه ، فنشأ منه وقعتان عظيمتان : وقعة الجمل ، ووقعة صفين . والأصل الأصيل لذلك قتل عثمان . ( ، وأنكر الهشامية تلك الوقعتين ، وإنكار ذلك مكابرة لا يلقى لها سمع ، لأن الخبر متواتر في جميع مراتبه .(13/29)
وتلخيص الأولى أنه لما قتل عثمان ( عنه صبراً توجع المسلمون ، فسار طلحة والزبير وعائشة – وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها – نحو البصرة ، فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام ، ففاتوه ، وأرسل ابنه الحسن وعماراً يستنفران أهل المدينة واهل الكوفة ، ولما قدموا البصرة أستعانوا باهلها وبيت مالها ، حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله تعالى وجهه حاول الصلح واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك ، فثار قتلة عثمان وكان ما كان ، وانتصر علي كرم الله تعالى وجهه ، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة .
ولما ظهر علي ( جاء إلى أم المؤمنين ( فقال (( غفر الله لك )) قالت (( ولك . وما أردت إلا الإصلاح )) ثم انزلها دار عبدالله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على سنيه بنت الحارث أم طلحة الطلحات ، وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل : يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة فامر القعقاع بن عمر ان يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وان يجردهما من ثيابهما ففعل .
ولما ارادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع واذن لمن نجا من الجيش ان يرجع إلا أن يحب المقام ، وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها اخاها محمداً . ولما كان اليوم الذى ارتحلت فيه جاء علي كرم الله تعالى وجهه فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت : (( يا بني لا يغتب بعضكم بعضاً ، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب ( في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه لمن الأخيار )) فقال علي كرم الله تعالى وجهه (( صدقت ، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك ، وإنها زوجة نبيكم ( في الدنيا والآخرة )) وسار معها مودعاً أميالاً ، وسرح نبيه معها بقية ذلك اليوم .
وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها . ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله تعالى وجهه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها – وحاشاها رضي الله عنها – وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة ، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك . وقال غير واحد إنها أجتهدت ولكنها أخطات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على أجتهاده ( 5 ) وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه .
نعم قالت الشيعة إنه يبطل إجتهادها أنه ( قال يوماً لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب ، فإياك أن تكون يا حميراء والحوأب كجعفر منزل بين البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع .
والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحه همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلاً من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحوأب ، على أن (( إياك أن تكوني يا حميراء )) ليس موجوداً في الكتب المعول عليها عند أهل السنة فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد ، على أنه لو كان فلا يرد محذوراً أيضاً لأنها أجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان ، لو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه . وليس في الحديث بعد هذا النهي امر بشئ لتفعله ، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة .
واما طلحة والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه . وأما طلحة فقد روى الحكم عن ثور بن مجزأة أنه قال : مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي : من أنت ؟ قلت : من اصحاب أمير المؤمنين علي ( ، فقال : أبسط يدك أبايعك ، فبسطت يدى فبايعني وقال : هذه بيعة علي ، وفاضت نفسه . فأتيت علياً ( فأخبرته فقال : الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله ( ابي الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه .
وأما الزبير ( فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي صلى الله عليه وسلم له : لتقاتلن علياً وأنت له ظالم ، فقال : لقد اذكرتني شيئاً أنسانيه الدهر ، لا جرم لا أقاتلك ابداً ، فخرج من العسكرين نادماً وقتل بوادي السباع مظلوماً قتله عمرو بن جرموز . وقد ثبت عند الفريقين أنه جاء بسيفه واستاذن على الأمير كرم الله تعالى وجهه فلم ياذن له ، فقال : أنا قاتل الزبير ، فقال : أبقتل أبن صفية تفتخر ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( بشر قاتل ابن صفية بالنار )) .(13/30)
واما عدم قتله فلقيام الشبهة على ما قيل ، ونظيره ما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن أن أناساً من الصحابة ( ذهبوا يتطرقون ، فقتل واحد منهم رجلاً قد فر وهو يقول : إني مسلم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ولم يقتل القاتل . وكذا قتل أسامة ( فيما أخرجه السدى رجلاً يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم جداً ولم يقبل عذره وقال له : كيف أنت ولا إله إلا الله ؟ ونزل قوله تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ( الآية وأجاب آخرون بأن العلماء أختلفوا في أنه هل يجب على الحاكم القصاص إذا لم يطلبه الولي أم لا ؟ ولعل الأمير كرم الله تعالى وجهه ممن لا يرى الوجوب بدون طلب ولم يقع . وروى أيضاً أن الأمير ( قال لما جاءه عمر بن طلحة بعد موت أبيه (( مرحباً بابن أخي ، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ( )) وهذا ونحوه يدل على أنهما رضي الله تعالى عنهما لم يذهبا إلا طاهرين متطهرين .
وأما تلخيص الواقعة الثانية فقد ذكر المؤرخون أن معاوية ( كان قد أستنصر ابنا عثمان ( ووكلاه في طلب حقهما من قتله أبيهما ، فلما بلغه فراغ علي كرم الله تعالى وجهه من وقعة الجمل ومسيرة إلى الشام خرج عن دمشق ( 6 ) حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات ، فلما ورد الأمير ( دعاهم إلى البيعة فلم يفعلوا ، وطلبوا منه قتلة عثمان – وكانوا قد أنحازوا إلى عسكره ، ولهم عشائر وقبائل ومع هذا لم يمتازوا بأعيانهم – فمال ( إلى التأخير حتى يمتازوا ويتحقق القاتل من غيره ، فأبي معاوية إلا تسليم من يزعمونه قاتلاً . وكثر القيل والقال حتى أتهم بنو أمية الأمير كرم الله تعالى وجهه بأنه الذى دلس على قتلة عثمان ( ، وكان كرم الله تعالى وجهه قد تصرف بسلاح عثمان فقال لذلك قائلهم :
ألا ما لليلى لا تغور كواكبه
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ( 7 )
بني هاشم لا تعجلونا فإنه
وإنا وإياكم وما كان منكم
بني هاشم كيف التعاقد بيننا
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله ( 8 )
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... ... إذا غار نجم لاح نجم يراقبه
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
سواء علينا قاتلوه وسالبه
كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه
وعند علي سيفه وحرائبه
وهل ينسين الماء ما عاش شاربه
كما فعلت يوماً بكسرى مرازبه
وكان الأمير كرم الله تعالى وجهه يلعن القتلة ويقول (( يا معاوية ، لو نظرت بعين عقلك دون عين هواك لرأيتنى أبرأ الناس من قتلة عثمان )) . وتصرفه ( بسلاحه لأنه كان من الأشياء الراجعة إلى بيت المال ، وحكمه إذ ذاك كحكم المدافع في زماننا في أن حق التصرف في ذلك للإمام .
ثم إنه قد وقع الحرب بينهم مراراً وبقى كرم الله تعالى وجهه بصفين ثلاثة أشهر وقيل سبعة وقيل تسعة ، وجرى ما تشيب منه الرءوس وتهون معه حرب البسوس ، وليلة الهرير أمرها شهير ، وآل الأمر إلى التحكيم ، وحدث من ذلك ما أوجب ترك القتال مع معاوية والاستغال بأمر الخوارج ، وذلك تقدير العزيز العليم . وأهل السنة إلا من شذ يقولون : إن علياً كرم الله تعالى وجهه في كل ذلك على الحق لم يفترق عنه قيد شبر ، وعن مقاتليه في الوقعتين مخطئون باغون وليسوا بكافرين خلافاً للشيعة ، ولا فاسقين خلافاً للعمرية أصحاب عمر بن عبيد من المعتزلة . وأما أن الحق مع علي كرم الله تعالى وجهه فغني عن البيان ، وأما كون المقاتل باغياً فلأن الخروج على الإمام الحق بغي ، وقد صح عنه ( أنه قال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية وقد قتله عسكر معاوية . وقوله حين اخبر بذلك (( قتله من أخرجه )) ومما لا يلتفت إليه وإلا لصح أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل حمزة وأضرابه ممن قاتل معه ( ، وكذا قول من قال : المراد من الفئة الباغية الفئة الطالبة أى لدم عثمان ، فلا يدل الخبر على البغي بالمعنى المذموم ، وأما كونه ليس بكافر فلما في نهج البلاغة أن علياً كرم الله تعالى وجهه خطب يوماً فقال : (( أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة )) ، وقوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يجب المقسطين ( فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلين (( مؤمنين )) وامر بالإصلاح بينهما . واجاب بعض الشيعة عن الآية بأنها في قتال المؤمنين بعضهم مع بعض دون القتال مع الإمام والبغي عليه ، والخطاب فيها للأئمة أمروا أن يصلحوا بين طائفتين من المؤمنين أقتتلوا فيما بينهم ، وأن يقاتلوا إذا بلغت إحداهما حتى تفئ .(13/31)
ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن وعدم نفعه للمجيب اصلاً ، لأن الأمر الثاني يستدعى أن يكون القتال مع الإمام ضرورة فافهم . ومما يدل على ؟أن المحارب غير كافر صلح الحسن ( مع معاوية ، وهو مما لا مجال لإنكاره . وقد روى المرتضى وصاحب ( الفصول المهمة ) من الإمامية أنه لما أبرم الصلح بينه ( وبين معاوية خطب فقال : إن معاوية نازعني حقاً لي دونه ، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة ، وقد كتنم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني ، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ولم ارد بذلك إلا صلاحكم أنتهى . وفي هذا دلالة ظاهرة على إسلام الفريق الصالح وأن المصالحة لم تقع إلا أختياراً ، ولو كان المصالح كافراً لما جاز ذلك ولما صح أن يقال (( فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة )) أهـ . فقد قال سبحانه وتعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( . ويدل على وقوع ذلك أختياراً أيضاً ما رواه صاحب ( الفصول ) عن ابي مخنف من أن الحسين ( كان يبدى كراهة الصلح ويقول لو جز أنفى كان أحب إلى مما فعله أخى ، فإنه لا معنى لهذا الكلام لو لم يكن وقوع الصلح من اخيه رضي الله عنهما أختياراً فإن الضرورات تبيح المحظورات وهو ظاهر .
وبعد هذا كله قد ثبت عند جمع أن معاوية ( ندم على ما كان منه في المقاتلة والبغي على الأمير كرم الله تعالى وجهه واتفق أن بكى عليه كرم الله تعالى وجهه . فقد أخرج ابن الجوزى عن ابي صالح قال : قال معاوية لضرار : صف لي علياً . فقال : أو تعفيني . قال : بل تصفه . فقال : أوتعفيني . قال : لا أعفيك . قال : أما ولابد فإنه كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته . كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ويخاطب نفسه . يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما خشن . كان والله كاحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه . إلى أن قال : لا تطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، فاشهد بالله لقد رايته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، فكأنى اسمعه يقول : يا دنيا يا دنيا ألى تعرضت أم بي تشوقت ؟ هيهات هيهات ، غرى غيرى قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطوك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق . قال : فذرفت دموع معاوية ، فما يملكها وهو ينشفها بكمه ، وقد أختنق القوم بالبكاء . ثم قال معاوية : رحم الله تعالى أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها . انتهى .
وما يذكره المؤرخون من ان معاوية ( كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي ان يعول عليه او يلتفت إليه ، لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف ، واكثرهم خاطب ليل لا يدرى ما يجمع فالاعتماد على ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمهمة القفر الذى تضل فيه القطا وتقصر دونه الخطا مما لا يليق بشان عاقل فضلاً عن فاضل .
وما جاء من ذلك في بعض روايات صحيحة وكتب معتبرة رجيحة فينبغي ايضاً التوقف عن قبوله والعمل بموجبه ، لأن له معارضات مسلمة في الصحة والثبوت . على أن من سلم من داء التعصب بما يندفع به الطعن عن أولئك السادة الماثل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل .
( 1 ) وعندما كانت خطبة الجمعة بعد الصلاة لا قبلها كما في تفسير سورة الجمعة للحافظ ابن كثير عن ابي داود في مراسيله .
( 2 ) في حديث جابر بن عبدالله ان الذين ثبتوا مع النبي أثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر .
( 3 ) أى على اللذين خرجوا عند وصول القافلة التجارية إلى المدينة ، وكان الذى جاء بالقافلة دحية بن خليفة .
( 4 ) أنظر البيان الوافى عن الأشتر في تعليقات ( العواصم من القواصم ) ص 109 ثم في ص 116 – 119 وص 122 وتقدم في هامش ص 259 أنه هو أحد اثنين زورا الكتاب على لسان عثمان إلى والى مصر . وفي تاريخ الطبري ( 5 : 194 ) أعتراف الأشتر بانه أحد قتلة عثمان ، وذلك عند ما سخط على علي كرم الله تعالى وجهه لأنه ولي عبدالله بن عباس البصرة فقال الأشتر (( ففيم قتلنا الشيخ إذن ؟ )) أما أضراب الأشتر ممن شاركه في قتل عثمان فتجد البيان عنهم في ( العواصم من القواصم ) .(13/32)
( 5 ) إنها أجتهدت واصابت ، لأنها أرادت الإصلاح والتعاون مع أمير المؤمنين علي على إقامة حدود الله في القتلة المجرمين . والدماء التى سفكت في وقعة الجمل كانت جريمة اخرى من جرائم قتلة عثمان لا يلحق منها شئ بعلي ولا بعائشة ومن معها ، ولو توفقوا إلى إقامة الحدود على قتلة عثمان ، لتغيرت الحوادث بعد ذلك ، ولما وجدت الخوارج ولا الروافض ، ولما قتل علي كرم الله تعالى وجهه . ولكن لله في كل شئ حكمه قد يطلعنا عليها وقد تخفى عنا .
( 6 ) لما أنتهى على من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الأثنين 12 من رجب ، وأرسل جرير بن عبداله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته ، فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام وأستشارهم فيما يطلب علي . فقالوا : لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان ، أو يسلمهم إلينا . فرجع جرير إلى علي بذلك . فأستخلف علي على الكوفة ابا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام م العراق . وبلغ معاوية أن علياً تجهز وخرج بنفسه لقتاله فخرج هو ايضاً قاصداً صفين .
( 7 ) لأن عثمان كانت جدته لأمه البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم وكنيتها أم حكيم .
( 8 ) هي أروى بنت كريز أم عثمان ، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب .
=====================
الصحابة يشهدون على أنفسهم
طعن الرافضي على الصحابة بقول أنس (فلم نصبر) والرد عليه
... قال الرافضي ص132 تحت عنوان: (الصحابة يشهدون على أنفسهم).
... «روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قال أنس: فلم نصبر.
... وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.
... وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين، الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، ورضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به ( وتنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده، ويرتدون على أدبارهم...»
... قلت: إن من أغرب الغريب أن يطعن هذا الرافضي الحاقد، فيمن يعترف لهم بفضل الصحبة والسبق للإسلام، مضمناً كلامه في
الطعن عليهم، ما دلت عليه الآية الكريمة في الثناء على أولئك السابقين
الأولين وهي قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}(1) وهو بهذا يؤكد أنه أثناء طعنه في الصحابة غير غافل عن هذه الآية وغيرها من الآيات المتضمنة ثناء الله العظيم على هؤلاء الصحابة، وإخبار الله أنه رضي عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار.
... وهذا تكذيب منه صريح لنص القرآن، ورد قبيح لأخباره، ومشاقة ومعاندة لأحكامه، وهذا والله هو الكفر الصريح الذي لا يشك فيه أحد من أهل العلم، خصوصاً إذا ما اقترن الرد لأحكام القرآن بشيء من السخرية والاستهزاء، وذلك في قول الرافضي: «وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ورضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به ( ...» الخ كلامه.
... وأما استشهاده بقول أنس -(- (فلم نصبر) على طعنه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آيه 18.
الصحابة، وما ادعاه من إحداثهم وردتهم بعد الرسول (، فليس في
قول أنس ما يدل على تلك الدعوى الفاسدة لامن قريب أو بعيد.
... وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد للأنصار عهداً أنهم سيلاقون أثرة وظلماً شديداً بعده، كما جاء في الصحيحين من حديث أنس، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (... إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قال أنس فلم نصبر).(1)
... فقول أنس -(- متعلق بما أوصاهم به من الصبر على ظلم الولاة واستئثارهم بالحقوق عليهم، وغاية ما يدل عليه أنهم لم يصبروا على ظلم الولاة، بخلاف ما ادعى الرافضي من الإحداث والردة فهذا لايتحمله السياق ولا يدل عليه.
... والصبر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار وأمر به غيرهم في
حق الولاة جاء مفسراً في أحاديث أخرى، ففي الصحيحن من
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... جزء من حديث أنس في خبر قسمة الغنائم يوم حنين رواه البخاري(13/33)
... في (كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم...) ... فتح الباري 6/251، ح3147، ومسلم (كتاب الزكاة، باب إعطاء
... المؤلفة قلوبهم) 2/733،734، ح1059.
مات ميتة جاهلية).(1)
... وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية).(2)
... فتبين أن الصبر على الولاة يكون بلزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على السلطان، وعلى هذا فأنس -(- وسائر الأنصار من الصابرين على الولاة المتمسكين بوصية نبيهم ( إذ لا يعرف في تأريخ الأنصار أن أحداً منهم خرج على الحكام، لا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا فيما أدركوا من عهد الدولة الأموية، وقد كان أنس -(- من آخر الصحابة موتاً كما تقدم(3)، وقد أدرك بعض الأمراء الظلمة مثل الحجاج بن يوسف الذي كان أميراً عليه عندما كان في العراق، ومع هذا لا يعرف من سيرته أنه نازعه في سلطانه، ولا خرج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري (في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أموراً ... تنكرونها) فتح الباري 13/5، ح7053، ومسلم (كتاب الإمارة، باب ... وجوب ملازمة جماعة المسلمين...) 3/1478، ح1849.
(2) ... رواه البخاري (في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أموراً ... تنكرونها) فتح الباري 13/5، ح7054، ومسلم (كتاب الإمارة، باب ... وجوب ملازمة جماعة المسلمين ...) 3/1477، ح1849.
(3) ... انظر ص381 من هذا الكتاب.
عليه، مع ما هو معروف به الحجاج من الظلم والبطش بل كان في ذلك صابراً محتسباً، وكان الحجاج لربما تعرض له بشيء من السب والشتم فلا يخرجه ذلك عن صبره -(- على ما نقل ابن كثير من رواية علي بن يزيد قال: (كنت في القصر مع الحجاج وهو يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج: هي ياخبيث جوال في الفتن مرة عليّ، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع
ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما تجرد الضب.
... قال يقول أنس: إياي يعني الأمير؟ قال: إياك أعني أصم الله سمعك قال: فاسترجع أنس).(1)
... وهذا مما يدل على صبر أنس تحقيقاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكاً بالعهد الذي عهده إليه -(- وأرضاه، وأما قول أنس -(- (فلم نصبر) فهذا لا يشكل على من عرف سيرة الصحابة رضوان الله عليهم وما كانوا عليه من مقتهم لأنفسهم واستعظامهم ذنوبهم لشدة خوفهم من الله تعالى، وتعظيمهم له، ولذا ثبت في صحيح البخاري عن أنس -(- أنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 9/96.
النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات). (1)
... ولعل أنس -(- أراد بقوله: (لم نصبر) ما قام به من شكوى الحجاج على الخليفة لما اشتد أذاه له على ما روى ابن كثير عن أبي بكر بن عياش أن أنساً بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ويقول: (والله لو أن اليهود والنصارى رأوا من خدم نبيهم لأكرموه وأنا خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين). (2)
... وقد تقدم نقلاً عن ابن حجر أن أنساً -(- قدم دمشق شاكياً الحجاج على الخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك. (3)
... ومعلوم أن شكوى أنس للحجاج لاتنافي الصبر، ولا تقدح في أنس -(- فإن الحجاج كان ظالماً مستبداً مؤذياً للأخيار ومنهم أنس، فرفع أمره للخليفة دفع لظلمه، وانتصار بالحق، وهذا جائز في الشرع، بل محمود قال تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}(4)، وقال -(-: {إلا الذين آمنوا وعموا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب الرقاق، باب مايتقى من محقرات الذنوب) فتح ... الباري 11/329، ح6492.
(2) ... البداية والنهاية 9/96.
(3) ... انظر: ص 379 من هذا الكتاب.
(4) ... سورة الشوري آية 41.
الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا}(1)، وقال تعالى في وصف المؤمنين في معرض الثناء عليهم: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} . (2)
... فأنس -(- انتصر لنفسه بحق ثم إنه رأى بعد هذا أن الأولى هو عدم ذلك، وأن الأليق بمقامه هو العفو والصفح، وعليه يتنزل قوله: (لم نصبر) والله تعالى أعلم.
... وأما قول البراء بن عازب -(-: (إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)(3) فمحول على ماتقدم من مقت الصحابة رضوان الله عليهم لأنفسهم، لكمال إيمانهم، وتعظيمهم لربهم.
... قال ابن حجر في شرحه: «يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها، فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله». (4)(13/34)
... قلت: وهذا حال كل مؤمن كامل الإيمان، فهو دائماً يستصغر عمله ويستقله، ويستعظم ذنبه ويستكثره، وذلك لكمال علمه بالله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الشعراء آية 227.
(2) ... سورة الشورى آية 39.
(3) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية) فتح الباري ... 7/449، ح4175.
(4) ... فتح الباري 7/450.
وقوة تعظيمه له، بخلاف الفاسق، فإنه يستعظم عمله، ويستقل ذنبه، لضعف الإيمان في نفسه وجرأته على ربه.
... روى البخاري عن عبدالله بن مسعود -(- أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا). (1)
... ولهذا كثرت الآثار عن الصحابة، وخيار سلف الأمة في لوم النفس، واستشعار التقصير لكمال إيمانهم وعلمهم بالله -(- وما قول البراء وأنس بن مالك إلا من هذا الباب، ولو كان في هذا مطعن عليهما للزم ذلك الطعن على خيار الصحابة وسلف الأمة، الذين نقل عنهم من أمثال ذلك ما يصعب حصره.
... وإنما اذكر هنا بعض ما جاء من ذلك عن الصحابة الذين هم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب الدعوات، باب التوبة...) فتح الباري ... 11/102، ح6308، وهذا الحديث مختلف فيه، هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم ... أو من قول ابن مسعود، لأن رواي الحديث عن عبدالله بن مسعود وهو ... الحارث بن سويد قال: حدثنا ابن مسعود حديثين: أحدهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم ... والآخر عن نفسه، وذكر هذا الحديث ثم ذكر (لله أفرح بتوبة العبد...) ... وذكر النووي أن المرفوع هو الثاني، شرح صحيح مسلم 17/61.
... قال ابن حجر: «وكذا جزم ابن بطال بأن الأول هو الموقوف، والثاني هو ... المرفوع وهو كذلك) فتح الباري 11/105.
محل تقدير الرافضة وتعظيمهم، فمن ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه من ندمه يوم الجمل ندماً عظيماً حتى إنه قال لابنه الحسن: (يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبه قد كنت أنهاك عن هذا قال: يابني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا). (1)
... وفيه رواية: (أنه لما اشتد القتال يوم الجمل ورأى علي الرؤوس تندر، أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره، ثم قال: إنا لله ياحسن؟ أي خير يرجى بعد هذا؟). (2)
... وروى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب (أن سعد بن مالك وعبدالله بن مسعود دخلا على سلمان -(- يعودانه فبكى فقالا: ما يبكيك يا أبا عبدالله؟ فقال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحفظه أحد منا قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب). (3)
... وعن أبي ذر -(- أنه قال: (والله لوددت أني شجرة تعضد).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7/251، والطبري في تأريخه 4/537، ... ولم يذكر قول الحسن.
(2) ... ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7/251.
(3) ... حلية الأولياء 1/196.
(4) ... أخرجه أحمد في المسند 5/173، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على ... شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ... ... ... ==
... فإذا كانت مثل هذه الآثار لا تستلزم الطعن في هؤلاء الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم ممن تعتقد الرافضة عدالتهم وفضلهم، فكذلك الشأن فيما ثبت عن أنس والبراء -رضي الله عنهما- لايلزم منه الطعن عليهما أو تنقصهما.
... وأما ما ادعاه الرافضي من أن تلك الآثار تصديق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن أصحابه سيحدثون بعده، فقد تقدم الرد على ذلك مفصلاً بما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(=) ... المستدرك مع التلخيص 4/625، وليس في رواية الحاكم النص على أن هذه ... العبارة من كلام أبي ذر، وإنما جاءت مدرجه في حديث: (إني أرى مالا ... ترون وأسمع ما لا تسمعون...) والصحيح أنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ... بل هي من كلام أبي ذر -(- وقد نبه على ذلك الشيخ الألباني
... -حفظه الله- في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/300.
(1) ... انظر: ص 350 من هذا الكتاب.
طعن الرافضي على الشيخين ببعض ما أثر عنهما من أقوال في شدة خوفهما من الله والرد عليه
... قال الرافضي ص133 تحت عنوان: (شهادة الشيخين على نفسيهما).
... «خرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يُجَزِّعُهُ: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.(13/35)
... قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منّ الله جل ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أراه.
... وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: ياليتني كنت كبش أهلي يسمنونني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديداً، ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً. كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: طوبي لك ياطائر تأكل الثمر وتقع على الشجر، وما من حساب ولا عقاب عليك، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مرّ على جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر.
... إلى أن قال: فكيف يتمنى الشيخان أبو بكر، وعمر، أن لا يكونامن البشرالذي كرمه الله علىسائرمخلوقاته،وإذاكان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يخرن... فما بال عظماء الصحابة الذين هم خيرالخلق بعدرسول الله-كما تعلمنا ذلك-يتمنون أن يكونواعذرة».
... والرد عليه من عدة وجوه:
... الوجه الأول: أن هذه الآثار المذكورة تدل على شدة خوف الشيخين من الله تعالى وتعظيمهما لربهما، وهذا من كمال فضلهما وعلو شأنهما في الدين، ولذا أثني الله في كتابه على عباده الخائفين منه المشفقين من عذابه في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( فإن الجنة هي المأوى} (1)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النازعات آيتا 40-41
وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}(1)، وقال تعالى: {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}(2)، وقال تعالى في وصف المؤمنين: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار}(3)، وقال في وصفهم: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}(4)، والآيات في هذا كثيرة، وهي تدل على أن الخوف من الله من صفات المؤمنين التي أثنى الله بها عليهم، وأحبها منهم، ورتب على ذلك سعادتهم ونجاتهم في الآخرة بخوفهم منه في الدنيا. والشيخان -رضي الله عنهما- ماقالا الذي قالا إلا لتحقيقهما أعلى مقامات الخوف من الله الذي استحقابه ذلك الفضل العظيم عند الله تعالى وسبقا به غيرهما من الأمة فكانا أفضل هذه الأمة بعد نبيها (.
... الوجه الثاني: أن حمل الرافضي شدة خوف الشيخين على مخالفتهما ومعصيتهما، وأنهما لولا ذلك ما حصل لهما هذا، فهذا من جهله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الرحمن آية 46.
(2) ... سورة الأنبياء آية 49.
(3) ... سورة النور آية 37.
(4) ... سورة الرعد آية 21.
العظيم بالشرع فإنه من المعلوم أن الخوف والخشية من لوازم العلم، كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ}(1)، وكل ماقوي ذلك العلم قويت الخشية في نفس العبد، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)(2)، وهذا كله يورث الإستقامة على الطاعة، وحسن العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار}(3)، وقال (: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون}(4)، فَوَصْف الله عباده بالخوف والعبادة دليل تلازمهما واجتماعهما.
... وبعكس هذا عدم الخوف فإنه مصاحب للتفريط وترك العمل، قال تعالى في وصف الكفار: {ما سلككم في سقر ( قالوا لم نك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة فاطر آية 28.
(2) ... أخرجه الحاكم في المستدرك 4/623، وقال صحيح الإسناد على شرط ... الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. انظر: التلخيص مع المستدرك.
(3) ... سورة النور آية 37.
(4) ... السجدة آية 16.
من المصلين( ولم نك نطعم المسكين( وكنا نخوض مع الخائضين( وكنا نكذب بيوم الدين}(1)، إلى أن قال: {كل بل لا يخافون الآخرة}(2)، فوصفهم بعدم العمل وعدم الخوف.
... وبهذا يتبين جهل الرافضي في ذمه الشيخين بالخوف، الذي هو من أخص صفات المؤمنين العاملين.
... الوجه الثالث: أن الله تعالى أخبر عن مريم -عليها السلام- بنظير ما ثبت عن أبي بكر، وعمر في قوله: {قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً}. (3)
... قال ابن عباس في معنى نسياً منسياً أي: (لم أُخلق ولم أك شيئاً).(13/36)
... وقال قتادة أي: (شيئاً لا يُعرف ولا يُذكر).
... وقال الربيع بن أنس هو: (السَّقْط). (4)
... وثبت عن علي-(- كما تقدم في النقل عنه أنه قال يوم الجمل لابنه الحسن: (ياحسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة). (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المدثر الآيات من 42-46.
(2) ... سورة المدثر الآية 53.
(3) ... سورة مريم الآية 23.
(4) ... تفسير الطبري 8/325-326.
(5) ... تقدم تخريجه ص 409.
... كما ثبت عن أبي ذر قوله: (والله لوددت أني شجرة تعضد)(1)، فهل هؤلاء مذمومون بهذا؟ فإن لم يكونوا مذمومين فلم القدح في الشيخين بمثل ما ثبت عن هؤلاء؟
... الوجه الرابع: أن قول الرافضي إن المؤمن العادي تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة، وأنه لا يخاف ولا يحزن، وهو يشير بهذا لقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا}(2)، فهذا من جهله العظيم وفهمه السقيم لمعنى الآية فإن هذه البشارة الواردة في الآية إنما تكون عند الموت، كما ذكر ذلك المفسرون ونقلوه عن أئمة التفسير: كمجاهد والسدي وزيد بن أسلم، وابنه وغيرهم(3)، والمسلم قبل ذلك لايدري هل يبشر بهذا أم لا، فهو دائماً خائف وجل، لايعلم بم يختم له، وخوف الشيخين من ربهما أمر طبيعي، بل هو اللائق بهما لكمال علمهما بالله ومعرفتهما به، والله يقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}(4)ولايشكل على هذا بشارة النبي( للشيخين بالجنة فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 409.
(2) ... سورة فصلت آية 30.
(3) ... انظر: تفسير الطبري 11/108، وتفسير ابن كثير 4/99.
(4) ... سورة فاطر أية 28.
الخوف من الله من أخص صفات المؤمنين الراسخة في قلوبهم، التي لا ترتفع بشيء ولايستطيعون دفعها، بل كلما ازداد العبد إيماناً وعلماً وطاعة لله ازداد خوفاً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخشى الأمة لله كما أخبر بذلك عن نفسه وأقسم عليه في قوله: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)(1)، وهكذا حال أنبياء الله كما أخبر الله عنهم في قوله: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}(2) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم خشية لله من الشيخين وسائر الأمة، وكذلك أنبياء الله هم أعظم خشية لله منهما بلاشك، فأي لوم عليهما في ذلك، وإذا كان المؤلف يرى بفهمه السقيم أن الواجب على المؤمن أن لا يخاف لأنه مبشر من الله بالجنة، ويقدح في الشيخين-رضي الله عنهما- بالخوف، فإن أولى الناس بعدم الخوف لو كان ما ادعاه صحيحاً هم رسل الله الذين اصطفاهم الله برسالته، ووعدهم بأعلى الدرجات في الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح...) فتح الباري 9/104، ح 5063، ومسلم: (كتاب النكاح، باب استحباب النكاح...) ... 2/1020، ح1401.
(2) ... سورة مريم آية 58.
... الوجه الخامس: أنه ظاهر أن الحامل للشيخين على ما قالا هو شدة خوفهما من الله، والخوف من الله من الصفات الفاضلة الممدوح بها باتفاق العقلاء، كما أن عدم الخوف من الله من الصفات الرذيلة المذموم بها عند العقلاء، ولهذا يصف الناس من أرادوا مدحه بقولهم: (فلان يخاف الله) ويصفون من أرادوا ذمه بعكس ذلك فيقولون: (فلان لا يخاف الله) فتبين أن ذم الرافضي للشيخين بخوف الله، معارض بالشرع والعقل، بل إنه غاية في العجب عند أهل العقول والنظر.
... وبهذا يتبين لك أيها القارئ صدق كلام أهل العلم في
الرافضة.
... كقول الشعبي -رحمه الله-: (نظرت في هذه الأهواء وكلمت أهلها فلم أر قوماً أقل عقولاً من الخشبية)(1)، [يعني الرافضة].
... وقول الشافعي -رحمه الله-: (لم أر أحداً من أصحاب الأهواء أكذب في الدعوى، ولا أشهد بالزور منهم). (2)
... وقول شيخ الإسلام -رحمه الله- فيهم: «والقوم من أضل الناس على السواء، فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 125.
(2) ... تقدم تخريجه ص 130.
المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}(1)». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الملك آية 10.
(2) ... منهاج السنة 1/8.
=====================
شبهات حول عصر الصحابة (6) : ماذا بين أبي بكر الصديق وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما!!
خالد الغيث(13/37)
إن الحديث عن موقف فاطمة رضي الله عنها من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتنفه شيء من الغموض الناتج عن الاختصار الذي سارت عليه معظم الروايات التي تحدثت عن هذه القضية ، لذا فإن الجمع بين الروايات المتعددة والمتفرقة في بطون الكتب كفيل بتجلية هذا الغموض.
وخلاصة هذا الأمر ما أخرجه البخاري في صحيحه ، أن فاطمة رضي الله عنها (أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا نورث ، ما تركنا صدقة) وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت).
قلت : وقد يظن بعض القراء أن الزهراء رضي الله عنها لم ترض بحكم الله سبحانه وتعالى في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن حاشا لفاطمة رضي الله عنها أن تقف هذا الموقف ، وهي من هي ديناً وتقى وورعاً ، غير أن الرواية تحتاج إلى شيء من التفسير حتى تزول هذه الشبهة.
وخلاصة الأمر أن فاطمة رضي الله عنها عتبت على الصديق رضي الله عنه في أمر آخر مختلف تماماً ، إلا وهو أنها رضي الله عنها كانت ترغب أن يكون زوجها علياً رضي الله عنه قيًّماً على صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو موضح في رواية البيهقي.
ولكن الصديق رضي الله عنه كان يرى أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القيًّم على ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما جملة ( فهجرته فلم تكلمه) الواردة في الرواية ، فقد بين الترمذي في سننه ، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة ، أن المقصود هو أن فاطمة رضي الله عنها تركت تكليم الصديق رضي الله عنه في أمر الميراث.
أي أنها تركت تكليمه في أن يكون زوجها علياً رضي الله عنه قيًّماً على صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحرصاً من الصديق رضي الله عنه على تطييب خاطر فاطمة رضي الله عنها فقد عادها في مرضها، وترضاها حتى رضيت رضوان الله عليها ، وهو ما أخرجه البيهقي ( أن أبا بكر عاد فاطمة ، فقال لها علي : هذا أبو بكر يستأذن عليك .
قالت: أتحب أن آذن له ؟
قال : نعم .
فأذنت له ، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت).
وهذا الفعل من أبي بكر رضي الله عنه يدل على محبته العظيمة لآل البيت ، كيف لا ، وهو القائل في الرواية التي أخرجها البخاري في صحيحه : ( والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي).
ولما توفيت فاطمة رضي الله عنه تولت أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تغسيل الزهراء ، كما أن الصديق كان ممن صلى عليها عند وفاتها رضوان الله عليهم أجمعين.
=====================
فدك بين أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة - مناقشة علمية
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 04-05-99 20:42 PST
فدك بين أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما
أرض فدك ، قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود ، ولمّا فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر ، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فدك ، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب.
ورغم أنّّ خلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمة رضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبو بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة.
ولو أننا استبدلنا شخصيات القصة ( أبو بكر وفاطمة ) بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه وإتهام نيته ، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجود نصوص وأدلة يستند إليها الطرفين في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما.
لكن أمام ( ابو بكر ) و ( فاطمة ) الأمر يختلف ، فأبو بكر عدو للشيعة وما دام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه ، هكذا توزن الأمور!!! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي!!!
لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان ، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف
فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر.
فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر وغيرهما.(13/38)
فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( إنّا لا نورّث ، ما تركناه صدقة )(39) وفي رواية عند أحمد ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث )(39) ، فوجدت(32) فاطمة على أبي بكر بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }.(39)
ولنكن حياديين ها هنا ولننسى أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها ، لنقول : كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد ، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد ان نقبله ونرفض ما سواه ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟!!
لقد صح حديث ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) عند الفريقين السنة والشيعة ، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة حقها في فدك؟!! أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه:
روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر )(39) قال عنه المجلسي في مرآة العقول 1/111 ( الحديث الأول ( أي الذي بين يدينا ) له سندان الأول مجهول والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح ) فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به ، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم!!
والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحة عند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان (صحيحة القداح ) : ( روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح ( عبد الله بن ميمون )(89) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ) ويعلق على الحديث بقوله ( رجال الحديث كلهم ثقات ، حتى أنّ والد علي بن إبراهيم ( إبراهيم بن هاشم ) من كبار الثقات ( المعتمدين في نقل الحديث ) فضلاً عن كونه ثقة )(67) ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول ( وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف ، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح ، لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد اله عليه السلام قال: ( إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم … )(39) )(38)
إذاً حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ) صحيح كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله ، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعين على أنه لا اجتهاد مع نص؟!! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك؟!! فهل المسألة يحكمها المزاج؟!!
إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا عليه السلام { فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته ، وذلك لعدة أمور هي:
أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداّ لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله ، إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده ، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة.
ثانياً: المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً ، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً ، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثاً: إنّ لفظ ( الإرث ) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا }(39) وقوله تعالى { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون }(39) فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال.
رابعاً: حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم) الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء ، وهذا كاف بحد ذاته.(13/39)
وكذلك الحال في قوله تعالى { وورث سليمان داود }(39) فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين:
الأول: أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة أي أمة ، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام؟!! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد.
الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك وتعالى ، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده ، ( والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه!! ، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان عليه السلام وما خصه الله به من الفضل ، وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت ، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء ، إذ لا فائدة فيه ، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل ( مات فلان وورث فلان ابنه ماله ) مثل قوله عن الميت ( ودفنوه ) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا ) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن )(93)
وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين وهي أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار والأرض شيئاً ، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟!!
فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان ( إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً ) روى فيه عن أبي جعفر قوله : ( النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً )(34)
وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث ، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما)(39)
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً)(39) وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام(39) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً)
كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان لنساء النبي ومنهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها ، لكن أبا بكر لم يعط ابنته عائشة ولا أحد من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث ، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة وحدها؟!!
هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي 3/186 فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً.
فعلى فرض صحة الرواية والتي تناقضها مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك كأرث لا كهبة من أبيها ، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام.
إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ، إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أكُلّ أولادك أعطيت؟ قال: لا ، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه ( اذهب فإني لا أشهد على جور )(39)
فسمّى النبي صلى الله ليه وآله وسلم تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشيء من العطاء جوراً ، فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور ( عياذاً بالله )؟!! ، هل يُظن به وهو أمين من في السماء أو يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته؟!! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة ، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة ، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟!!
والثبات من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبو بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(13/40)
ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة ، وهذا ما كان يراه الإمام علي نفسه إذ أنه لمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث ، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي { للذكر مثل حظ الأنثيين } وهذا معلوم في التاريخ ، فلماذا يُشنع على أبي بكر في شيء فعله علي بن أبي طالب نفسه ؟!! بل يروي السيد مرتضى ( الملقب بعلم الهدى ) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه ( إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك ، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر )(2)
وما كدت أشرف على إغلاق ملف قضية فدك ومناقشة أدلتها حتى وقعت على رواية طريفة تُعبر بالفعل عن المأساة الحقيقة التي يعيشها من يريدون القدح بأبي بكر بأي طريقة كانت ( شرعية وغير شرعية )!!
روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قوله ( … وردّ على المهدي ، ورآه يردّ المظالم ، فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا تُرد؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك … ، فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي ، فقال: حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل ).(29) فأين أرض في خيبر من مساحة كهذه ؟!! ألهذا الحد يُستخف بعقول الناس؟!!
الكاتب: العاملي العاملي اضيف الموضوع يوم 05-05-99 10:02 PST
بسم الله الرحمن ارحيم
موقف فاطمة الزهراء من خلافة أبي بكر
بقلم : العاملي
إن موقف الزهراء عليها السلام من أبي بكر وعمر يتضمن عدة قضايا ، لا بد أن نحددها أولا ، ونوضح حدود كل واحدة منها تحديدا شرعيا وقانونيا ، ثم نبحثها . ولا يصح أن نصادر المسألة ، ونصورها على أنها مسألة مطالبة من الزهراء بمزرعة فدك ، وأن أبا بكر أجابها بأن الانبياء مستثنون من قانون الارث الشرعي وانتهى الامر.
إن موقف الزهراء من خلافة أبي بكر وعمر يتضمن عدة مسائل وقضايا أساسية:
القضية الاولى : أن الزهراء أدانت بيعة السقيفة ، واتهمتهم بأنهم خالفوا الرسول
ونكثوا بيعة علي في يوم الغدير ، وانقلبوا على أعقابهم !
وكان موقفها نفس موقف علي والعباس وعدد كبير من المهاجرين والانصار الذين امتنعوا عن البيعة وأدانوا السقيفة ، وكانوا مجتمعين في بيت علي وفاطمة ، في راسم تعزية أهل البيت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فهاجمهم عمر وجماعته بأمر أبي بكر لا لكي يعزوهم ، بل ليهددوهم إما أن يبايعوا وإما أن يحرقوا عليهم الدار !!
وبالفعل أحرقوا باب الدار الخارجي وضربوا فاطمة الزهراء ، التي خرجت محاولة أن تردهم لعلهم يحترمون بنت نبيهم وهي في اليوم الثاني من مصيبتها بفقد أبيها !!
ثم قامت الزهراء بعدة أعمال لنصرة الامام الشرعي علي (ع) وإفشال المؤامرة ..
ومن ذلك أنها ذهبت مع علي وأولادهما الى بيوت زعماء الانصار تذكرهم أنهم بايعوا
النبي على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم !!
ثم قامت بإعلان تحريم بيعة أبي بكر والدعاء عليه وعلى عمر ..
ثم خطبت حطبتها التاريخية في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بحضور المسلمين وأدانت خلافة أبي
بكر وعمر .
ثم لما صادروا منها مزرعة فدك ، أدانت عملهم وطالبت بها وبما صادروه من إرثها
من النبي صلى الله عليه وسلم ص).
ثم قامت بمقاطعة أبي بكر وعمر ولم تكلمهما الى آخر حياتها ، ولم تقبل منهما
عندما جاء ا الى زيارتها واعتذرا عن مهاجمة بيتها !!
وهذه القضية فيها عدة مسائل عقيدية وفقهية ..
منها : هل أن فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة أخطأت لانها لم تبايع أبا بكر
وماتت ميتة جاهلية ، لان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات موتة جاهلية ؟!
منها : هل تكون بيعة أبي بكر وعمر شرعية ، بعد أن شهدت سيدة نساء أهل الجنة
بأنها خيانة ؟!
ومنها: لماذا أصرت فاطمة على أن تدفن خفية ولا يشارك في جنازتها أبو بكر ولا عمر
وأنصارهما ؟!!
ومنها .. ومنها ...الخ.
القضية الثانية : موقف السلطة من المنح التي كان أعطاها الرسول للمسلمين في
حياته ، وهي إقطاعات كثيرة تركتها السلطة بأيدي أصحابها ولم تصادر منها إلا مكان
أعطاه لاهل بيته خاصة ، فصادرت مزرعة فدك من يد فاطمة وعلي !!
القضية الثالثة : موقف السلطة من التشريع الاسلامي المجمع عليه الذي يحرم الصدقات
والزكوات على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويشرع لهم بدلها الخمس ..
فلماذا حرمت السلطة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من حقهم الشرعي في ميزانية الدولة ؟!
فمسألة فدك أيها الاخ ( المحب لاهل البيت ) إنما هي مفردة واحدة من سياسة
الدولة الاقتصادية في اضطهاد أهل بيت نبيهم بمجرد رحيله الى ربه !!
ـ وهي تشمل مسائل عديدة أيضا :(13/41)
المسألة الاولى : هل أن مزرعة فدك إرث ، أم أنها كانت منحة أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم (في حياته لفاطمة واستلمتها ، وجعلت عليها وكيلا واستغلتها سنة أو سنتين في حياة النبي ؟
نحن نثبت أنها كانت بيدها ، واليد على الشئ علامة الملكية ، وأن أبا بكر صادرها
وعليه هو أن يأتي ببينة على جواز مصادرته لملكية شرعية صحيحة تحت يد مالكها ؟
ومن العجيب أن عددا ممن منحهم الرسول منحا وإقطاعات من الاراضي بعد فاطمة
أبقاها أبو بكر في أيديهم ، ولم يصادرها ولم يطالبهم بدليل كما طالب فاطمة ؟!!!
الثانية : أن القرآن ينص على قانون الارث وتشريعات الاسلام عامة شاملة للرسول
وغيره ، إلا ماخرج منها بدليل مثل حق الرسول في الزواج بأكثر من أربع زوجات ..
فأين الدليل هنا على استثناء الرسول من قانون الارث ؟!
إنه لايوجد دليل إلا مارواه أبو بكر وأجاب به فاطمة الزهراء ! ولم يروه أحد غيره
من المسلمين أبدا !! حتى أن الهيتمي اعترف في مجمع الزوائد مجلد 9 ص 40 ، بأن
روايتهم للحديث عن حذيفة في الطبراني الاوسط فيه الفيض بن وثيق وهو كذاب !
ولهذا السبب تجد في علم الاصول بحثا اسمه ( هل يجوز نسخ القرآن أو تخصيصه بخبر
الواحد ؟ ) لان رواي هذا النسخ أو التخصيص هو أبو بكر وحده !!
وهنا يحق للمسلم أن يسأل :
ـ هل يعقل أن النبي لم يخبر أهل بيته ولا أحدا من المسلمين بأنه مستثنى من قانون
الارث الشرعي ، وأخبر بذلك أبا بكر وحده فقط وفقط ؟!!
ـ وهل يعقل أن فاطمة تعرف ذلك وتطالب بما ليس لها به حق ، وتريد أن تطعم
أولادها من المال الحرام ، وفي طليعتهم سيدا شباب أهل الجنة ؟!!
أو تسرق لهم من أموال المسلمين ؟!!
إن كل واحد من هذه المسائل والقضايا فيها بحوث وكتب .. فأرجو أن تقرأ أكثر ..
ولا تستعجل بالاحكام . ,
أما الحديث الذي ذكرت أنه ورد في مصادرنا ، وأن بعض العلماء صححوه ، فياليتك
قرأته جيدا ، لتعرف أنه يختلف عن حديث أبي بكر اختلافا أساسيا !
فهو إخبار عن سيرة الانبياء وسنتهم بأنهم لم يهتموا بتوريث المال ، بل بتوريث
العلم ، ولكن ذلك لايعني أنهم مستثنون من قانون الارث الشرعي ، وأن ما يملكون من
مال ينزع من أيدي أولادهم وذرياتهم !!
إن نص حديث أبي بكر ( لا نورث ) ونص هذا الحديث ( لم يورثوا ) !! (
نعم إنهم لم يهتموا بتوريث المال بل بتوريث العلم ، وما ورثوه من المال لايعتبر
ذا قيمة مالية ، ولكنه ذو قيمة شرعية وحقوقية كبيرة !!
وليتك تسأل حقوقيا عن الفرق بين : لا نورث ، ولم يورثوا .. والسلام .
نصوص تتعلق بالموضوع :
_ فى صحيح البخارى ـ مجلد 5 ص 82
عن عائشة أن فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبى بكر تسأله
ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما
بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث
ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من
صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التى كان عليها في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك
فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت !!
- وفي السنن الكبرى للبيهقي ـ مجلد: 6 ص 298
فقال أبو بكر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ص) لا نورث ماتركنا صدقة فرأيتماه
كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق .
ثم توفي أبو بكر فقلت أنا ولي رسو ل الله صلى الله عليه وسلم ص) وولي أبي بكر رضي الله عنه
فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ! والله يعلم انى صادق بار راشد تابع للحق
ـ وفي المستصفى للغزالي ـ مجلد 1 ص 228
وكلام من ينكر خبر الواحد ولا يجعله حجة في غاية الضعف ، ولذلك ترك توريث
فاطمة رضي الله عنها بقول أبي بكر : نحن معاشر الانبياء لا نورث ...الحديث ..
فنحن نعلم أن تقدير كذب أبي بكر وكذب كل عدل أبعد في النفس من تقدير كون
آية المواريث مسوقة لتقدير المواريث لا للقصد إلى بيان حكم النبي عليه الصلاة والسلام.
الكاتب: الناشر الرسالي اضيف الموضوع يوم 05-05-99 10:55 PST
---
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعا
أشكر الاخوة جميعا على هذا النقاش الجميل ...
لكن لو يتكرموا ويعرضوا لنا خطبة سيدة نساء العالمين عليها السلام ليرى الجميع رأيها مباشرة..
ولكم جزيل الشكر
الكاتب: shames22 اضيف الموضوع يوم 06-05-99 07:56 PST
---
هل هذا أستهزاء بعلي من الشيعه
قالوا أن عمر رضي الله عنه
ضرب فاطمه رضي الله عنها وهددهم وأسقط جنينها
وكانت غاضبه منه وعلي رضي الله عنه واقف هكذا بكل بساطه
أين كلامكم الحيدر والضرغام ويحمل باب خيبر والقوه والمنعه
عنده ويقف ساكتا وعمر يضرب زوجته فاطمه رضي الله عنها
ويسقط جنينها(13/42)
ثم يزوج عمر رضي الله عنه من أبنه فاطمه رضي الله عنها
أم كلثوم الى عمر
اذن علي يشاركهم بالخطأ هذا ما تقولون
اذن طالما فاطمه زعلانه وغاضبه من أبو بكر وعمر رضي الله عنهم
لابد أن يكون علي أيضا غاضب حسب حججكم
وهو معصوم وقوي علي رضي الله عنه
اذن كيف يخطئ هذا الخطأ ويزوج بنت فاطمه لعمر وهي أبنته أيضا
اذن أين غضب فاطمه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فعلي معهم
بالأضافه
الى أن علي أخذ من السبي أم محمد أبن علي أبن أبي طالب
وكان ذلك في عهد أبو بكر رضي الله عنهما
وهذا لايجوز عند الشيعه لأنه قبول بالظلم وخصوصا من امام معصوم وليس واحدا من البشر أي شخصا عاديا
وهذا وما سبقه يدحض ما تقول عن قصصكم بأنه ضرب فاطمه
رضي الله عنها وأسقط جنينها وهدد بحرق الدار
أصلا هذا لايجوز بحق علي رضي الله عنه
الشجاع المقدام
يموت الرجل ولاتهتك داره
فما بالك بعلي رضي الله عنه
وهذه القصه بأنه ضرب فاطمه وهدد ملفقه
ولا تنطبق على علي بتاتا
الحيدر الذى ضحى بنفسه ونام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم في صغره
الشجاع القوي وكما تقولون المعصوم
يترك الأمر هكذا للداخل والخارج في داره
وبعد هذا يكافئ عمر رضي الله عنه بتزويجه من أبنه فاطمه الغاضبه
على عمر رضي الله عنهما
وغاضبه على أبو بكر أيضا كما تزعمون
ويدخل علي رضي الله عنه الحرب والحاكم أبو بكر رضي الله عنها
ويسبي أم .......أبنه محمد بن الحنفيه.......... من بني حنيفه
فمن أعان ظالما .......
اذن تعريفكم ان ابو بكر ظالم
وعلي ساند وأعان الظالم
فهل تقبلون أن يعين علي ظالما ويكون ظالما مثله
أم أن أبوبكر ليس ظالما وعلى حق وعلي يعينه على الحق
اذن أين المعصوميه أين العداله أين الأنصاف في رواياتكم
فالله المستعان
[حرر الموضوع بواسطة shames22 (06-05-99).]
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 06-05-99 08:16 PST
---
السلام عليكم
رغم اني طرحت موضوع فدك لا الخلافة الا أن العاملي مصر على ان يجرنا إلى موضوع الخلافة!!!
ورغم اني ذكرت ان الحديث صحيح عند الفريقين السنة والشيعة الا ان العاملي مع ذلك يشكك فيه بطريقة غير مباشرة ، فسبحان الله ، الى هذا الحد يصل التعصب!!!
كما ذكرت في المقالة نفسها انه لا وجه لاستشهاد بالآيات السابقة ومع ذلك العاملي كأنه ما قرأ شيئاً!!
ثم ما دخل كون فاطمة رضوان الله عليها كسيدة في الجنة من حديث فدك ، وهل يعيني كونها سيدة نساء الجنة أن لا تخطأ ( مع ان العصمة للأنبياء فقط ) فلماذا تقحم هذه الأمور في ردك؟!!
وما دخل حديث ( من لم يعرف امام زمانه ... ) في فدك؟
فالموضوع المطروح هو فدك ، فاما ان يكون الرد على القضية ذاتها او يستحسن ان لا يكون هناك رد ، على الأقل لعدم اشغالنا فيما لا نفع فيه.
الكاتب: ALABBASY اضيف الموضوع يوم 06-05-99 12:53 PST
---
جزاك الله يا محب اهل البيت و ياليت لو تتكلم أيضا عن القضايا الشركية عند الشيعة فلقد شاهدت شريط فيديو فيه احد اهل العمامامات السود يدعو فيها الشيعة في ليلة السابع اوا لثامن من محرم التي يسمونها ليلة العباس ابو فاضل و يدعوهم ويحثهم على الستغاثة بالعباس بن علي رضي الله عنه حتي انني و الله تقززت من كلامه و لا اجد فرقا بين استغاثتهم و استغاثة النصاري بعيسي عليه السلام ... بل و يحكي من الأكاذيب في قصة حرب الحسين مع جيش الكوفة ما جعل فيها العباس اقوي من سوبر مان ... و الغريب انهم لا يذكرون في القصة أي شيء عن ابناء الحسين أو علي الذين اسمائهم عمر و عثمان و قتلوا في نفس المعركة ... سبحان الله اين العقول
---
لا غالب إلا باالله
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 12-05-99 06:59 PST
---
الأخ شامس
جزاك الله خير
هذه المقالة تعتمد على حديث في الكافي صححه المجلسي في مرآة العقول والخميني في الحكومة الاسلامية ، والمطلوب من الشيعة الرد ، خصوصا واني لم اجلب حديث مكذوب او ضعيف عندهم ، فلماذا تتهمون ابو بكر رضوان الله عليه بغصبه فدك مع ان دليله مجمع على صحته بين السنة والشيعة!!
ثم سؤالي هو ، هل يرى الشيعة ان اغضاب السيدة فاطمة لا يجوز واغضاب رسول الله جائز؟!!
ان الاستدلال بحديث ( يغصبني ما يغضبها ) في واقعة فدك غير ملائم لأن اغضاب فاطمة رضوان الله عليها مشروط بعدم اغضاب الله ورسوله اولا ، والسيدة فاطمة لم يصلها الحديث وظنت انه غير صحيح في بادئ الأمر
بسم الله والصلاة على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه ومن والاه .
الى العاملي سلام من الله عليك ورحمه ,,,
اليك ردودي المختصره على ردك واعلم اني محب لاهل البيت الكرام ولكني لست الشخص الذي قصديه:-
إن هذا الحديث قد رواه غير أبو هريرة ..فقد رواه جابر بن عبد الله وعائشة وأنس ومن أهل البيت رضي الله عنهم .(13/43)