ولهذا لما قيل لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير : " لا تحدثونا إلا بالقرآن قال : والله ما نبغي بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن .
وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل يحمل تلك الشبهة : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ، ثم قال أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا ، إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك " .
وإما أن يكون بيان القرآن بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحُجَجاً على خلقه .
فكل حكم بينته السنَّة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة ، فالقرآن مبَيِّن له حقيقة ، لأنه أرشد إليه وأوجب العمل به ، وبهذا المعنى تكون جميع أحكام الشريعة راجعة إلى القرآن .
فنحن عندما نتمسك بالسنة ونعمل بما جاء فيها إنما نعمل في الحقيقة بكتاب الله تعالى ، ولهذا لما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه وقالت : إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأتِ {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }( الحشر 7) ؟! قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه .
وحُكِي أن الشافعي رحمه الله كان جالساً في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِم إذا قتل الزُّنْبُور ؟ فقال لا شيء عليه ؟ فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فقال : قال الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه }( الحشر 7) ، ثم ذكر إسناداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) رواه الترمذي وغيره ، ثم ذكر إسناداً إلى عمر رضي الله عنه أنه قال " للمُحْرِم قتل الزُّنْبُور " فأجابه من كتاب الله .
قال الإمام الخطابي رحمه الله " أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً ، وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله سبحانه : {لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }(النحل44) ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " أهـ .
وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم ، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبياناً لكل شيء ، والحمد لله أولاً وآخراً .
تقدمت الإشارة - في الجزء الأول من هذا الموضوع - إلى بعض الشبه التي استند إليها منكروا حجية السنة في العصر الحديث ، حيث استدلوا ببعض الآيات التي أساءوا فهمها وتأوَّلوها على غير وجهها ، محرفين فيها الكلم عن مواضعه .
وإضافة إلى ما استدلوا به من آيات ، فقد تمسكوا أيضاً بجملة أخبارٍ منسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤيد - بحسب زعمهم - ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بالسنة ، ووجوب عرض ما جاء فيها على كتاب الله .
ومن هذه الأخبار ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود فحدّثوه فخطب الناس فقال : ( إن الحديث سيفشو عنِّي ، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي ) ، فقالوا : إذا أثبتت السنة حكماً جديداً فإنها تكون غير موافقة للقرآن ، وإن لم تثبت حكماً جديداً فإنها تكون لمجرد التأكيد فالحجة إذاً في القرآن وحده .
ومن هذه الأخبار التي استدلوا بها ما روِي أنه - صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ، قلته أم لم أقله فصدّقوا به ، فإني أقول ما يُعرَف ولا يُنكَر ، وإذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدِّقوا به ، فإني لا أقول ما يُنكَر ولا يُعرَف ) ، فقالوا هذا يفيد وجوب عرض الحديث المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم - على المستحسن المعروف عند الناس من الكتاب أو العقل ، فلا تكون السنة حجَّة حينئذ .
ومن تلك الأخبار أيضاً ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه ) ، وفي رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ، فإني لا أحلُّ لهم إلا ما أحلَّ الله ولا أحرَّم عليهم إلا ما حرَّم الله ) .
هذه هي خلاصة الشبه التي أوردوها ، وهي شبه ضعيفة متهافتة لا تثبت أمام البحث والنظر الصحيح ، وتدل على مبلغ جهلهم وسوء فهمهم .
وجواباً على ما أوردوه من أحاديث يقال :(11/54)
أما الحديث الأول : ( إن الحديث سيفشو عني .... ) فإن أحاديث العرض على كتاب الله ، كلها ضعيفة لا يصح التمسك بشيء منها كما ذكر أهل العلم ، فمنها ما هو منقطع ، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول ، ومنها ما جمع بين الأمرين ، وقد بَيَّن ذلك ابن حزم ، و البيهقي ، و السيوطي ، وقال الشافعي في الرسالة : " ما روَى هذا أحدٌ يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل هذه الرواية في شيء " ، بل نقل ابن عبد البر في جامعه عن عبد الرحمن بن مهدي قوله : " الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث " ، ثم قال : " وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه " .
بل إن الحديث نفسه يعود على نفسه بالبطلان ، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً له ، فلا يوجد في كتاب الله أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل منه إلا ما وافق الكتاب ، بل إننا نجد في القرآن إطلاق التأسي به - صلى الله عليه وسلم - ، والأمر بطاعته ، والتحذير من مخالفة أمره على كل حال ، فرجع الحديث على نفسه بالبطلان .
ومما يدل على بطلانه كذلك معارضته الصريحة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) رواه أبو داود .
وعلى التسليم بصحة الخبر فليس المراد منه أن ما يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم نوعان : منه ما يوافق الكتاب فهذا يُعمل به ، ومنه ما يخالفه فهذا يُردُّ ، بل لا يمكن أن يقول بذلك مسلم ، لأن في ذلك اتهاماً للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يمكن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، وكيف لمؤمن أن يقول ذلك وقد ائتمنه الله على وحيه ودينه وقال له : {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي }(يونس 15) .
فالرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، ولا يمكن أن يوجد خبر صحيح ثابت عنه مخالفٌ لما في القرآن .
فيكون معنى الحديث إذاً : " إذا رُوِي لكم حديث فاشتبه عليكم هل هو من قولي أو لا فاعرضوه على كتاب الله ، فإن خالفه فردُّوه فإنه ليس من قولي " ، وهذا هو نفسه الذي يقوله أهل العلم عندما يتكلمون على علامات الوضع في الحديث ، فإنهم يذكرون من تلك العلامات أن يكون الحديث مخالفاً لمحكمات الكتاب ، ولذلك قال " فما أتاكم يوافق القرآن : فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي".
وعندما نقول : إن السنة الصحيحة لابدَّ وأن تكون موافقة للقرآن غير مخالفة له ، فلا يلزم أن تكون هذه الموافقة موافقة تفصيلية في كل شيء ، فقد تكون الموافقة على جهة الإجمال ، فحين تبين السنة حكماً أجمله القرآن ، أو توضِّح مُشْكِلاً ، أو تخصص عامَّاً ، أو تقييد مطلقاً ، أو غير ذلك من أوجه البيان ، فهذا البيان في الحقيقة موافق لما في القرآن ، غير مخالف له .
بل حتى الأحكام الجديدة التي أثبتتها السنة ودلَّت عليها استقلالاً ، هي أيضاً أحكام لا تخالف القرآن ، لأن القرآن سكت عنها على جهة التفصيل ، وإن كان قد أشار إليها وتعرض لها على جهة الإجمال حين قال : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }( الحشر 7) .
وأما الحديث الثاني : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ....) ، فرواياته ضعيفة منقطعة كما قال البيهقي و ابن حزم وغيرهما ، فضلاً عما فيه من تجويز الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عبارة : ( ما أتاكم من خبر فهو عنِّي قلته أم لم أقله ) ، وحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله : ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار ) أخرجاه في الصحيحين .
وقد رُوي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها لفظ ( قلته أم لم أقله ) منها رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد : ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ) .
والمراد منه أن من أدلَّة صحة الحديث وثبوته أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن ، وأن يكون قريباً من العقول السليمة والفطر المستقيمة ، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على عدم صحته ، وهذا هو الذي يقوله علماء الحديث عند الكلام على العلامات التي يعرف بها الوضع وليس هذا مجال بسطها .(11/55)
نعم قد تقصر عقولنا عن إدارك الحكمة والعلَّة ، فلا يكون ذلك سبباً في إبطال صحة الحديث وحجيته ، فمتى ما ثبت الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب علينا قبوله وحسن الظن به ، والعمل بمقتضاه ، واتهام عقولنا ، قال ابن عبد البر : كان أبو إسحاق إبراهيم بن سيار يقول : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من فم القربة ، فكنت أقول : إن لهذا الحديث لشأناً ، وما في الشرب من فم القربة حتى يجيء فيه هذا النهي ؟ فلما قيل لي : إن رجلاً شرب من فم القربة فوكعته حية فمات ، وإن الحيات والأفاعي تدخل أفواه القرب علمت أن كل شيء لا أعلم تأويله من الحديث أن له مذهباً وإن جهلته ".
وأما الحديث الثالث : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ....) ، فهو حديث منقطع في كلتا روايتيه كما قال الشافعي و البيهقي و ابن حزم .
وعلى فرض صحته فليس فيه أيُّ دلالة على عدم حجية السنة بل المراد بقوله : ( في كتابه ) ما أوحى الله إليه - كما قال البيهقي - فإن ما أوحى الله إلى رسوله نوعان : أحدهما وحي يتلى ، والآخر وحي لا يتلى ، ففسَّرَ الكتاب هنا بما هو أعم من القرآن .
وقد ورد في السنة استعمال الكتاب في هذا المعنى في الحديث الذي رواه الإمام البخاري حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) فغدا إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرُجِمت ، فجعل - صلى الله عليه وسلم -حكم الرجم والتغريب في كتاب الله ، مما يدُلُّ على أن المراد عموم ما أوحي إليه .
وحتى لو سلمنا أن المراد بالكتاب القرآن ، فإن ما أحلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حرمه ولم ينص عليه القرآن صراحة ، فهو حلال أوحرام في القرآن لقول الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ( الحشر 7) ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله ) رواه الترمذي وغيره .
وأما رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ...) ، فقد قال فيها الشافعي إنها من رواية طاووس وهو حديث منقطع .
وعلى افتراض ثبوتها فليس معناها تحريم التمسك بشيء مما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أو الاحتجاج به .
وإنما المراد أنه -صلى الله عليه وسلم - في موضع القدوة والأسوة ، وأن الله عز وجل قد خصَّه بأشياء دون سائر الناس فأبيح له ما لم يبح لغيره ، وحُرِّم عليه ما لم يُحرَّم على غيره ، فكان المعنى : لا يتمسكن الناس بشيء من الأشياء التي خصني الله بها ، وجعل حكمي فيها مخالفاً لحكمهم ، ولا يقس أحدٌ نفسه عليَّ في شيء من ذلك ، فإن الحاكم في ذلك كله هو الله تعالى ، فهو الذي سوى بيني وبينهم في بعض الأحكام ، وفرَّق بيني وبينهم في بعضها الآخر
وبهذا يتبين أن الأحاديث التي استند إليها أصحاب هذه الشبهة منها ما لم يثبت عند أهل العلم ، ومنها ما ثبت ولكن ليس فيه دليل على دعواهم ، فلم يبق لهؤلاء المبتدعة - الذين نابذوا السنة ، وتأولوا القرآن على غير وجهه - من حجة إلا اتباع الهوى ، وصدق الله إذ يقول : {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }(القصص 50) ، نعوذ بالله من اتباع الهوى ، ومن الزيغ بعد الهدى .
==============
شبهة حول صحة الأحاديث النبوية والجواب عنها
تاريخ الفتوى : 29 صفر 1422 / 23-05-2001 السؤال
هناك خلاف مع أحد الزملاء حول موضوع معين هو: يقول إن الأحاديث قد تكون غير صحيحة حتى ما ثبت أنه صحيح أي ما تفق عليه أنه صحيح أي رواه البخاري ومسلم وغيرهم ، يقول إنها غير صحيحة في النقل فمثلا يقول إن أركان الإسلام سته فالجهاد عنده من الأركان ويقول إن الناقل للحديث لم يكن معاصرا وإن القران اهتم بالجهاد أكثر من أي شئ فيقول إن رواة الأحاديث جاءوا بعد مئات السنين بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ويدلل على ذلك أن هناك أئمة أربعة اختلفوا في بعض الأمور فهو يقول إن القرآن صحيح والأحاديث أغلبها محرفة والدليل وجود فرق ضالة فما رأيكم الكريم في هذة المسألة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث النبوية منها: الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف والموضوع، وهذا يعرفه المختصون بهذا العلم الشريف.(11/56)
وقد تلقت الأمة بالقبول ما جاء في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وقد جعل العلماء أعلى مراتب الصحيح: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما كان على شرطهما، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم الصحيح عند غيرهما.
ويدلك على منزلة صحيح البخاري ما قاله الحافظ أبو نصر السجزي: أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه لم يحنث.
وما ذكره عن الجهاد شبهة لا قيمة لها في هذا الباب، فإن الأركان الخمسة هي أعظم ما بني عليه الإسلام كما في الحديث المتفق عليه " بني الإسلام على خمس " . ولا يعني هذا أن الفرائض والواجبات محصورة في هذه الخمس ، بل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين من الفرائض المعلومة ، والجهاد ذروة سنام الإسلام كما في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد
وقوله: إن الأحاديث أغلبها محرفة. قول لا أساس له من الصحة، فإن أكثر ما في الكتب المشهورة صحيح، أعني البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبا داود، وابن ماجه، وأحمد، والموطأ، وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان.
ووجود الفرق الضالة ليس دليلاً على تحريف الأحاديث، بل يرجع وجود كثير من هذه الفرق إلى رفضهم السنة، وطعنهم وتشكيكهم فيها، أو تأويلها وتحريفها وعدم الأخذ بظواهرها، وهل القول بالاكتفاء بالقرآن، واطّراح أكثر السنة إلا أحد الأقوال المنحرفة التي قامت عليها قواعد المعتزلة والجهمية ومن أطلق عليهم : "القرآنيون" وغيرهم من أهل الضلال.
ونصيحتنا لهذا المتكلم أن يعلم أن هذا العلم له قواعده وأسسه، وأنه لا يجوز لأحد أن يقول هذا حديث صحيح، أو ضعيف، لمجرد خيال، أو شبهة عقلية عرضت له، بل لابد من دراسة الإسناد، والنظر في المتن، وتحقيق القواعد والضوابط التي وضعها علماء الإسلام على مر القرون.
وأن يحذر أن يكون خصماً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك برده لسنته واعتراضه عليها، وأن يعلم أن الله تعالى تولى حفظ هذا الدين، وحفظ كتابه، ولا يتم ذلك إلا بحفظ سنة نبيه التي هي وحي كالقرآن، كما قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [النجم: 3-4].
وقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل: 44].
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
السنة بيان لما أجمل في القرآن
تاريخ الفتوى : 05 رجب 1424 / 02-09-2003 السؤال
لماذا لم يتم تفصيل الصلاة في القرآن الكريم وتم تفصيل الزكاة والصوم والحج وغيرها من العبادات في القرآن الكريم؟ يرجى التكرم بالرد. وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: لا شك أن الرب تبارك وتعالى له الحكمة البالغة في تشريعاته، فلا يصدر شيء من ذلك إلا ووراءه من الحكم ما لا يعلمه إلا هو، هذه حقيقة لابد أن نعتقدها كمسلمين. والله سبحانه وتعالى قد يطلع الناس على بعض هذه الحِكَم، كما يظهر ذلك في ما هو معلل من الأحكام، كقول الله سبحانه: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]. وقد يخفي هذه الحِكَم أو بعضها ابتلاء لعباده، هذا من حيث العموم. وبخصوص ما ورد في هذا السؤال، فإن الحاصل أن الصلاة كغيرها من العبادات من الزكاة والحج وغير ذلك قد وجد في القرآن نوع بيان لبعض أحكامها، كالقبلة ومواقيت الصلاة، وصلاة الخوف، والقيام في الصلاة، وغير ذلك من أحكام. وبينت السنة باقي الأحكام، وتفاصيل الأقوال والأفعال، وذلك لأن السنة حجة، إذ أنها وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [لنجم:3-4]. وقال سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44]. ومن هنا أوجب الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من طاعته سبحانه، فقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:80]. وراجع الفتوى رقم: 3879، والفتوى رقم: 26320. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
الاستناد إلى الوحيين طريق الصواب
تاريخ الفتوى : 05 شعبان 1424 / 02-10-2003 السؤال
بعض الناس يطبق ما جاء في القرآن الكريم فقط,ولا يلتفت إلى السنة؛ لأن الله تعالى قال: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء))، وبعضهم يأخذ من السنة وحدها؛ لأنها توضح القرآن وتفصل مجمله، وبعضهم يستند إليهما جميعا، فأي هؤلاء على صواب، وأيهم على خطأ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(11/57)
فاعلم أن مصدر القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة واحد هو الله جل وعلا، فالتفريق بينهما تفريق بين الله ورسله هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن طاعة الله ورسوله متلازمتان، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حكم لله المبلغ عنه.
فلا يجوز التفريق بين كلام الله وكلام رسوله فكلاهما وحي، والسنة مبينة للكتاب شارحة له، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].
فلا يمكن التفريق بين المبين والبيان، وقد حكم الله تعالى وهو أحسن الحاكمين أن يرد الأمر عند التنازع إلى الله ورسوله، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [النساء:59].
والرد إلى الله أي إلى القرآن وإلى رسوله أي السنة.
قال ابن القيم في تفسير الآية السابقة: فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه. انتهى.
وعليه فأهل الفلاح والفوز هم أهل طاعة الله ورسوله، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].
وأما من زعم أنه يستغنى بالقرآن عن السنة فهو ضال مضل، فليأت إن كان صادقاً من القرآن بأن صلاة الظهر أربع وصلاة العصر أربع، وأن نصاب الزكاة في الذهب عشرون مثقالاً وفي الفضة مائتا درهم، وما استدل به هؤلاء من القرآن على فكرهم لا دليل فيها، فقول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]،لا يدل على ما زعموا وذلك من وجوه:
الأول: أن الكتاب هنا فسر على أنه اللوح المحفوظ وليس القرآن.
الثاني: على فرض أنه القرآن فلا يمكن حمل الآية على ظاهرها من العموم، وأن القرآن اشتمل على بيان وتفصيل كل شيء، سواء أكان من أمر الدين أم الدنيا، لأنه يلزم من ذلك الخلف في خبير الله تعالى، كما هو الظاهر في الأمور الدنيوية، فوجب تأويل الآية والعدول بها عن ظاهرها، وأحسن ما قيل في تأويلها:
أن الكتاب لم يفرط في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال، وأنه بين جميع كليات الشريعة دون النص على جزئياتها وتفاصيلها، وأنه ترك تفاصيل ذلك للسنة لأنها المبينة للقرآن والمخصصة لعمومه والموضحة لمشكله... إلخ.
وفي هذا القدر كفاية لبيان ما أشكل على السائل وننصحه بمراجعة كتاب: حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
محمد في كتابين من كتب المستشرقين
(الشبكة الإسلامية) د. مصطفى السباعي
مقدمات لا بد منها :
1. قدسية الاستشراق الفني
2. الاستشراق اللغوي المشبوه : فن الاتصال :
3. الاستشراق الاجتماعي : فحص جسد الأمة :
4. التاريخ : استشراق بلا نزاهة :
جون لافن
موسنيه
مدخل :
في سنة 1979م التي نشر فيها كتاب جون لافن اليهودي : (خنجر الإسلام) أطلق عدد من السياسيين وأهل الرأي في الغرب جملة من التصريحات عالية النبرة ، تخوف وتحذر من الإسلام ، وتعده قنبلة موقوتة يخشى على العالم أن تنفجر فتأتي على الأخضر واليابس ، وتقوض بنيان الحضارة المعاصرة ، وتقضي على المنجزات الإنسانية العظيمة التي عانى إنسان القرن العشرين في إبداعها وإخراجها للوجود ،
يصرح كل من كريستوفر روبسون ورونالد باين في الصنداي تلغراف في مارس 1979 صفحة 25 محذرين : ها هو الإسلام يتحرك ثانية في مسيرة جهادية خارج جزيرة العرب ليمارس جهاداً مقدساً دينياً وثقافياً .. ترى أي شيئاً أعد الهّبة الإسلامية طليقة في دنيانا ؟؟
وفي الجارديان الأسبوعية صرح رئيس تحريرها في 14/4/1979 من أبريل أن الإسلام يقيم من نفسه قوة ثالثة ذات شأن في المسائل الدولية .
وقالت Le pion Intenational إن موجة من التعصب الديني أخذت تجتاح العالم العربي كله حاملة عواقب خطيرة .
وقال كينيث كراج وهو أمريكي متعصب عمل رئيساً لقسم الأديان في هاتفورد ، ودرَّس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة :
"لقد فرض الإسلام نفسه على الجنس البشري في الدنيا كلها مقيماً عالميته على القهر والإخضاع ".
التصريحات كثيرة.. والدراسات كثيرة .. والكتب أكثر من أن تحصى .. وكلها تخوف من وباء داهم أخطر على الحضارة - في زعمهم - من القنبلة النووية ، وأشد هولاً من الطاعون والإيدز .. هذا الوباء اسمه الإسلام .
ونحاول في هذه الإطلالة على الفكر الاستشراقي في السنين العشر الأخيرة أن نستعرض كتابين من أخطر وأهم ما صدر عن الإسلام في العقد الأخير .(11/58)
أولهما ، وأهمها كتاب جون لافن : (خنجر الإسلام) دليل نفيس لأكثر القوى تفجراً على مسرح الأحداث اليوم - ومؤلفه يهودي من أكثر الكتّاب شهرة في الشرق الأوسط - سافر إلى أنحاء العالم الإسلامي ، وقابل الكثير من قواده ومفكريه ، وله مؤلفات كثيرة منها :
رحلة الشرق الأوسط ، الفدائيون : المعضلة العربية الإسرائيلية ، العقلية العربية ، العقل الإسرائيلي .
ويشارك في تحرير عديد من الصحف العالمية والموسوعات الكبرى .
والكتاب الثاني هو ( تاريخ الحضارات العام ) من منشورات عويدات - الجانب المتعلق بمحمد صلى الله عليه وسلم والإسلام في الجزأين الثالث والرابع - وقام على إعدادهما من أساتذة (السوربون) البارزين كل من : الأستاذ موسنيه والأستاذ كاهن .
مقدمات لا بد منها :
ولعل مما يحسن في هذا المقام أن أقدم ببعض المقدمات التي أظنها ضرورية بين يدي هذه الترجمة .
وأولى المقدمات : أن أذكّر أن أعداء الإسلام قد فحصونا جيداً ، ودرسوناً خلية خلية ، وتغلغلوا في الكيان الإسلامي بكل محاوره وأجزائه : جامعين للمعلومات ، ومحللين للظواهر ، ومخططين لمستقبل التعامل مع العالم الإسلامي في أحيانه كلها - من سلم وحرب ، وتبعية واستغناء ، وقوة وضعف ، وغنى وفاقة - من خلال مراكز البحوث والدراسات المنثبّة في أرجاء العالم الإسلامي ، تحت لافتات موهمة ، وعناوين خداعة .
وليست عملية الإرصاد والتربص هذه جديدة ، ولست ممن يسلمون بأن الغزو الفكري بدأ مع الحملة الصليبية التاسعة أيام القائد الصليبي لويس ، ولست مسلماً بمقولة من يربط ذلك بحملة نابليون بونابرت ، اللهم إلا إذا أريد بذلك المرحلة الحالية من مراحل ( سرطنة ) العقل الإسلامي وإسقاطه في أحابيل الغرب .
بل إنني أزعم أن بدايات ضرب الإسلام - صليبياً ويهودياً - بدأت مع بداية الإسلام نفسه من خلال يهود يثرب ومنافقي خيبر ، ثم من خلال البلاطات الإسلامية التي فسحت للنصارى واليهود لتتمكن داخلها ، كما كان من يوحنا الدمشقي وابن يختيشوع وثابت بن قرة وابن ماسويه ، وغيرهم ممن كانت لهم حرية إثارة الشبهات بين المسلمين في إطار الانفتاح الفكري الذي تمتع به الناس ردحاً من الزمن .
لكن لا شك أن المسألة تعاظمت مع الحروب الصليبية ، وأخذت منحىً منهجياً تتولاه الكنيسة ، ويرعاه البابوات وكبار الكهنة الذين وجههم لويس التاسع - الذي سمي بالقديس St. Lewis - وأقيمت باسمه صروح تعليمية في بلاد المسلمين !! لمحاربة الإسلام ذهنياً وفكرياً ، من خلال المغالطات المكشوفة والتقبيح الممجوج ، لإقامة سد من الوحل والصديد والبشاعة ، يحول بين الأوروبي والإسلام ، ويقبح ديننا في نظر العالمين .
وبدأت سلسلة من التخريب الفكري والكذب الكهنوتي (المقدس) منذ عام 1143 م ، حين قام بطرس الكلوني وبعده جورج سال ولودفيج مراتشي وبيبلياندر يكتبون للنصارى (قرآناً) مخترعاً مليئاً بالتلفيق والسخف ، مصورين المسلمين على أنهم شواذ ، غلاظ الأكباد ، دمويون .
وزيّف أولئكم ما أسموه ( قرآن محمد ) أو (القانون التركي) أو (أحاديث محمد على المائدة ) التي يعد فيها أتباعه بالغلمان والمرد ، والنعيم (المادي) التافه ، ويفتح أبواب الجنات لمن يقتل عشرة من النصارى .
وتعاظم الأمر مع الحملات الاستعمارية لبلاد المسلمين ، واستمر هذا التشويه والحقد اليهودي والنصراني بدخول المستشرقين - مع الاستعمار- إلى بيوت المسلمين ومخادعهم ، وليفتشوا دخائل ثيابهم ، ويطلعوا على عاداتهم وتقاليدهم ، فلم تتغير لهجتهم ولا منهجهم الذي يمتلئ بالكذب والمين ، حتى كتب الفرنسي شابرول Comte E Chabrol أن محمداً صلى الله عليه وسلم لفق دينه بشكل ماهر ، مخادعاً البسطاء من أتباعه ، مستغلاً جهلهم وسذاجتهم ليخلق ملكية وراثية في أولاده ، وكان يغض الطرف عن هفوات الأتباع ، وادعى أن الممارسات اليومية للمسلمين - في وقته ذاك - هي من أوامر محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم ينجح في إقامة بنيان فكري على قوة من الأخلاق ، ولم ينر السبيل أمام أمته ، وعاب على محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يورث البنات - كما يفعل العامة والجهلاء - وأنه شرع لهم في رمضان أوقاتاً للمسرات واللهو تعويضاً لهم عن الحرمان الذين يعانون نهاراً .
المقدمة الثانية : هي أن كثيراً من هؤلاء المستشرقين والباحثين لم يكونوا مجرد مفكرين بل كانوا جواسيس يعملون على كل المحاور ، وبكل الوسائل ، وفي كل الميادين ، لم يقتصر أمرهم على الاستشراق الديني كما قد يتوهم بعضنا .
فقد كان هناك استشراقٍ فني مبكر ، رافق حملة نابليون ، الذي حرص حرصاً بيناً أن يصحب معه جنداً ذوي قدرات مختلفة ، ابتداءاً من المقاتلة المحاربين ، مروراً بالرسامين والطباعين ، وانتهاءً بالمومسات اللواتي كن أخطر سلاح أتى به لضرب الشرق والقضاء على الدين فيه .(11/59)
وقد شارك أولئك الرسامون في إنجاز العمل الضخم المسمى وصف مصر - Description de L'Egypt Description de L'Egypt - بأمر من نابليون نفسه ، وصدرت تعليقات ولوحات في شروح وتفاصيل حواها كتاب عظمة مصر Splender of Egypt ، الذي يكشف عن المقدرة الهائلة على التجسس الفني لدى هؤلاء .
وكان الرسامون يقومون مقام الكاميرات والسينما والتلفزيون الآن ، فلم يتركوا حجراً ولا زقاقاً ولا ظاهرة إلا صوروها بدقة بالغة باهرة ، تعكس حرصهم الشديد على نقل كل شيء إلى فرنسا الاستعمارية العتيدة ، حتى إنك لتعجب من أنهم كانوا ينقلون الخطوط الموجودة - على خفائها ودقتها - من المساجد والأسبلة والتكايا والقصور والمقابر بدقة غير عادية ، وكانوا ينقلون الكتابة الهيروغليفية من المعابد الفرعونية ببراعة متناهية ، وحرصوا على نقل عادات الناس وتقاليدهم ، شوارعهم وحرفهم ، وأزيائهم واحتفالاتهم وخلواتهم وجلواتهم ، ودخلوا (الحريم) فصوروا النساء في المخادع ، والحمامات فصوروا الناس عراة ، واختلطوا بالشعب في الموالد والأفراح والأتراح وغيرها .
ويسّر دخولهم إلى العالم الإسلامي - كله تقريباً - سقوط بلاد الشرق في أيدي القوى الاستعمارية المختلفة بعد سقوط الجزائر سنة 1983م .
قدسية الاستشراق الفني :
ومن أشهر الرسامين الذين جاؤوا ضمن الحملات الاستعمارية الفنان الشهير والمستشرق الفرنسي ديلا كروا De La Croix الذي وثّق رحلته إلى المغرب العربي في لوحات مشهورة وكثيرة عن النساء الجزائريات .
وتبعه كثيرون إلى أنحاء المغرب العربي ومصر والشام وجزيرة العرب ، حتى صار السفر إلى هذه البلاد بالنسبة للمصورين ( أكثر أهمية من الحج إلى إيطاليا ) كما قال الشاعر تيوفل جوتييه Gotier .
من أشهر الرسامين المستشرقين كيس فان دوننجن ، وأندره لوت ، وبيزومب ، وليوبولد كارل مولر ، وفوروسيلا ، وهارنتس ، وبتشي .. (الذين رسموا لوحات - أو وثقوا بدقة - عن : سوق طنطا وسوق العبيد وقارئي البخت ومروضي الثعابين ، والحريم ، والرقص ، ومواكب رمضان ، ورقص الدراويش وغير ذلك .
الاستشراق اللغوي المشبوه : فن الاتصال :
وفي الجانب اللغوي حرصوا - ولا يزالون - على إتقان اللهجات بأدق دقائقها وخصوصياتها ، ليكون ذلك عوناً لهم على التنصير ، وعلى بث ما يريدون من أفكار بين العامة ، وقد ذكر شاتليه في (الغارة عن القسيس 36 على العالم الإسلامي) - ص 36 - عن القسيس (فليمنج) أنه أمر أعوانه أن يتعلموا اللهجات العربية العامية ، واصطلاحاتها ، نظرياً وعملياً ، وأن يخاطبوا المسلمين على قدر عقولهم ومستوى علمهم ، وألا تتخلل خطاباتهم كلمات أجنبية غريبة على آذان الناس حتى ينجحوا في استمالتهم .
لهذا لا نعجب من حرصهم - بجانب تعلم الفصحى والتعرف إلى مصادرها الكبرى - على معرفة العاميات ، والتدقيق فيها ، وتجهيز المعاجم لها ، وترجمة الأناجيل إلى اللهجات العامية المختلفة ، ولقد رأيت صفحات من ترجمة الأناجيل بلهجة أهل الخليج ، وأخرى بلهجة أهل صعيد مصر !!
ولهذا فإننا بالبحث غير المتعمق يمكن أن نجدهم قد كتبوا دروساً في المصرية الدارجة واللهجات الفلاحية في جنوبي مصر العليا ، ولهجة العوامرة في محافظة الشرقية ، ولهجة الدمشقيين ، ولهجة أهل حماة ، واللهجات المحلية في الأردن وفلسطين وسوريا والعراق والسودان ومكة وزنجبار والمغرب وتونس وعشرات غيرها .. وتخصص في ذلك من كبارهم كراتشكوفسكي ، وبريل وكريستمان ، وشولتنس ، ومولر وباور ، وبلانك وغيرهم.
الاستشراق الاجتماعي : فحص جسد الأمة :
وعن الجانب الاستشراقي الاجتماعي حدّث ولا حرج ، فقد عاش مئات من المستشرقين يذرعون جيئة وذهاباً بلاد المسلمين ، ويستقرئون عقائدهم وعوائدهم ، ويتأملون سلوكياتهم وأحوالهم ، وتسللوا متلصصين ابتداء بأهون النجوع شأنًا وحتى البلاطات وكراسي الحكم ؛ ليدرك كثير من دارسي علوم الاجتماع المسلمين - فيما بعد - أنهم قاموا بدور الجاسوس الممهد للحملات الاستعمارية العسكرية .
وقد ذكر الدكتور محمد محمد حسين عليه رحمة الله : ( أن دراسات الفلكلور والممارسات الشعبية والاجتماعية انصرفت - في أكثر الأحيان - إلى المجتمعات المتخلفة وإلى المستعمرات ، بقصد التعمق في تحليل نفوس أصحابها ، وإدراك نوازعها ودوافعها ، وفهم ما ينتظم عواطفها وتفكيرها ) .(11/60)
وكانت النساء المستشرقات يختلطن - زمن الحرملك واليشمك والبرقع - بالنساء يدققن - هن الأخريات - في عوائد المصريات والبيوت المصرية من الداخل بدقة وعناية ، فتروي الدكتورة نبيلة إبراهيم عن المستشرقة الدكتورة هيلما جرانكفست أنها - استفادت - بوصفها امرأة - من العمل الميداني استفادة جمة ، إذ اختلطت بالنساء الفلسطينيات اللاتي كن يتعلقن - بحرص بالغ - بالتقاليد والعادات الاجتماعية ، وكانت جرانكفست تدخل البيوت دون حرج ، وتأكل مع النساء ، وتنام معهن بعض الأحيان ، ثم أصبحت تعرف بينهن ؛ بالست حليمة ، وقد وجد هذا الاسم ارتياحاً وألفة بينهن لأنه مرتبطة في الذاكرة الشعبية الإسلامية بحليمة مرضع النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أقام بالعالم الإسلامي عدد من المستشرقين الاجتماعيين البارزين ، ومن أشهرهم إدوارد لين Edward W. Lane الذي كتب عن عادات المصريين وشمائلهم كتاباً ، يعد مرجعاً رئيساً لكل باحث في هذا الميدان .
وكتبت وينفريد بلاكمان Winfred Blackman عن الفلاحين في صعيد مصر مع ربط عوائدهم بجذور مصرية فرعونية ، وكتبت هانز ألكسندر فينكلر Hans Alexaner Winkler دراسات ميدانية عن قرية الكيان - قنا - وكتبت عن الفلوكلور المصري كتاباً من أهم الكتب بعد كتاب Lane . كما كتب إنّو ليثمان Enno Lithmann عن أخلاق وعادات سكان وادي النيل .
كتابات كثيرة كثيرة - عن مصر وحدها - فضلاً عما كتب عن غيرها ، لم تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها ، لتكون في خدمة الاستعمار العسكري والثقافي والاقتصادي .. فتأمل .
وتأكيداً على دعوانا هذه نسوق ما قاله الناصر البقلوطي في دراسته عن المأثورات الشعبية في تونس كما وردت في بعض كتب الرحالين الأوروبيين من أن حب الاستطلاع لدى أولئك الباحثين كان في خدمة نوايا أوربا التوسعية وطموحاتها .
يحكي البقلوطي عن بعض الرحالين الذين قدموا معلومات قيمة ودقيقة عن البلاد التي زاروها في القرنين الثامن والتاسع عشر ، فوصفوا معطياتها الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية والأمنية ، وحللوها تحليلاً شاملاً ، ومنهم من ذهب إلى حد تقديم مشاريع لاجتياح بعض البلدان مثل فنتوي دي بارادي Venture De Paradis الذي اقترح مشروعاً لغزو مصر بعد التحولات الاجتماعية والسياسية والتقدم الصناعي في أوربا التي احتاجت إلى اكتشاف البلاد المعنية والتعرف إليها ، تسهيلاً لإقامة مصارف تجارية بها ، ثم اكتساحها في مرحلة لاحقة إن لزم الأمر .
التاريخ : استشراق بلا نزاهة :
وأما المحور التاريخي للاستشراق فقد كان ميداناً فسيحاً للعبث والتزييف (المنهجيين) إذ بذل أولئكم جهودهم في إبراز الصراع بين الفرق الإسلامية ، وأثاروا شرر فتنة أحيت موات خلافات صار كثير منا عبداً لها بفضل جهود هؤلاء المستشرقين ( الأثبات ) الذين عنوا بتاريخ الزندقة والزنادقة ، وجعلوا من المارقين عن الدين والخلافة سادة الحرية وحملة مشاعل الاستنارة ، ولم يعثروا في تاريخ أمتنا - بطوله وعرضه وحلاوته ومرارته - إلا على الزط والزنج وإخوان الصفا والشعوبيين وأدعياء النبوة ليصّيروهم نجوماً يهتدي بهم الناس في ظلمات الأفكار !! كما أحيوا الشعوبيات المنتنة ، والوثنيات السابقة على الإسلام ، وعبثوا بتاريخ الأمة عبثاً يرد كل ما يستترون به من دعاوى المنهجية والتجرد والحياد .
وأما الاستشراق المتجه نحو الدراسات الدينية فقد قتله العلماء بحثاً ، ويمكن معرفة المزيد من كتابي الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله عن الاستشراق والمستشرقين ، ما لهم وما عليهم ، والسنة ومكانتها في التشريع ، وكتاب المنهج في كتابات الغربيين للدكتور الديب ، وكتاب الاستشراق : الخلفية الفكرية للصراع الحضاري للدكتور زقزوق وغيرها من الكتب والدراسات .
ولا يزالون يقاتلونكم :
المقدمة الثالثة : التي أقدم بها بين يدي هذه الترجمة : هي أن التشويه المتعمد والكيد للإسلام ليس أمراً تاريخياً ، بل إنه أمر لا يزال قائماً ومستمراً - وإن ادعى القوم غير ذلك - ودعونا من مقولة الوعي والمسامحة والعلمنة وحرية الأديان والإنسانية وحملات الإغاثة (المشروطة) وغير ذلك من القفازات الحريرية التي لا تخفي مخالب الحقد التي ظهرت جلية في البوسنة والهرسك وسنجق وكوسوفا والشيشان والصومال .(11/61)
ولقد طور القوم - مع التطور التقني الهائل - من أساليبهم وضاعفوا من أشكالها ووسائلها ، فصاروا يستخدمون الإعلام بمهارة فائقة وإتقان بالغ في رسالتهم التعصبية ، حتى بات البث التلفزيوني (العالمي) والإرسال الإذاعي ، وأفلام السينما والفيديو والمجلات والكتب والمناظرات والمؤتمرات - باتت هذه كلها - وجهاً واحداً من وجوه العمل الحاذق ضد الإسلام والمسلمين ، فأخذوا يكتبون عن خنجر الإسلام The Dagger of Islam وهو الكتاب الذي نعرض له - ويعرض التلفزيون البريطاني في القناة الرابعة سيف الإسلام The Swoard of Islam ( والحريم) سهرة من حرملك السلطان العثماني - مثّلها ممثل عربي عالمي - وخرجت البرامج الوثائقية تقول : العرب قادمون ، وتوالت المسلسلات الفكاهية وبرامج الأطفال الكرتونية تحوي مشاهد تدين وتحتقر المسلم العربي ، وتعرض .. حتى في بلاد المسلمين .
وتستمر الدراسات المشبوهة والكيدية في السنوات العشر الأخيرة تحت وشاح الأكاديمية ، ومنها دراسة (مارسيا إلياد) عن تاريخ الأفكار والعقائد الدينية MERCIA ELIADE : HISTOIRE DES CROTANCES ET DES IDEE'S RELICIUSUS وفيها يسب الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام كله سباً موجعاً .
كما أن المستشرقين لا يزالون يدورون في بلاد الدنيا كلها تحت وشاح البحث والدرس ليرصدوا أنفاس الناس ، ويحصوا عليهم خطاهم ، ولعل قارئي الكريم لا يستغرب مقابلتي لشاب أمريكي قبل نحو ثلاث سنين أقام باليمن أعواماً عدة وسط الفلاحين ليدرس أسلوب الزراعة والتقويم الزراعي اليمني من خلال أرجوزة ركيكة ، وصبر الشاب ، ودرس الأرجوزة وشرحها ، وحل طلاسمها ، على معاناته في فهم الألفاظ العربية وانعقاد لسانه بها كما لاحظت .. فتأمل .
المقدمة الرابعة : التي أقدم بها بين يدي الدراسة هي أن من طبيعة البحث الجاد ألا يسقط صاحبه في شّرَك التعميم أو القفز للنتائج ، وألا يتكلم بغير بينة ، ومن الاستقراء الذي يمكن إثباته ، أستطيع أن أذهب إلى أن الكثرة من المستشرقين يصدرون عن روح عدائية ، وقصد سيء ، وكراهية مستترة أو معلنة للإسلام والمسلمين ، ويتجلى ذلك من بحوثهم ونتائجهم التي توصلوا إليها ( والإفرازات) التي ترتبت على ما أخرجوه من دراسات ، وكان من أشدهم عداوة للذين آمنوا مشتشرقون كبار من أمثال جولدزيهر ، وكراج ، وزويمر ، وإسرائيل ولفنسون ، وماسينيون ، وجرونباوم ، ومرجليوث ، ولامنس وجيوم وغيرهم .
وهم في زعمي كقوم نوح عليه السلام لا يلدون إلا فاجراً كفّاراً ، وما يؤمن منهم إلا قليل ، ومن حاول منهم أن ينظر بروح البحث المنصف والحياد الصادق والمنهجية القويمة ، فإنه يشهد شهادات عادلة وجيدة ، وكثيراً ما يعتنق الإسلام ديناً ، كما كان من إتين دينيه (ناصر الدين دينيه ) ومحمد أسد رحمهما الله ، وكذا جارودي وموريس بوكاي وخالد سانتوس وغيرهم .
من فمك أدينك :
وتأكيداً لما ذهبنا إليه في المقدمات السابقة سأعرض - مستعيناً بالله تعالى - لفكر اثنين من المستشرقين المعاصرين من خلال كتابين صدرا في أوائل الثمانينيات :الأول كتاب ( خنجر الإسلام ) الذي صدر بلندن سنة 1979م ، والثاني صدر في طبعته الثانية سنة 1983م بعنوان ( تاريخ الحضارات العام ) وسنرى مناهج المستشرقين من خلال العرض إذا وفقنا الله عز وجل .
فأما الكاتب الأول فهو ( جون لافن ) وهو حاقد موتور ، يعتمد التزييف منهجاً ، والسب أسلوباً ، ويربط في مغالطة متعمدة بين الواقع المتخلف للعالم الإسلامي وبين أصول الإسلام ، ليصل إلى نتيجة مكذوبة ، خلاصتها أن الإسلام دين تخلف ودموية ، وصراعات وانقسامات ، وأنه يزدري المعتقدات الأخرى كلها ، ويرفض التطور كنهج علمي ، ويستشهد على رأيه بأقوال بعض المستشرقين السابقين ممن دخلوا بلاد المسلمين وعرفوها عن قرب من أمثال ( رينان ) المفكر الفرنسي الذي قال في محاضرة له : ( إن الإسلام والعلم على طرفي نقيض ، وأتباعه ضيقو الآفاق ، يحيط برؤوسهم طوق حديدي يجعلهم لا يتقبلون أية فكرة جديدة ) .
كما يستشهد برأي ( اللورد كرومر ) الذي ( حكم ) مصر زمناً ، وزعم أن الإسلام نظام اجتماعي فاشل ينتقص من المرأة ، ويجمد القوانين .
ويرى ( لافن ) أن الإسلام دين ذو طبيعة وحشية قاسية ، وقد فرض على معتنقيه سنوياً صياماً يعد من أقسى أساليب تعذيب الجسد الإنساني ، ويشيد بأتاتورك الذي اجتث جذور التراث الإسلامي - كما يزعم - وأبقى ( المحمدية ) ديناً ، وألغى كل المعوقات التي وضعها الإسلام ، ونفى تأثير الخضوع السخيف لقوانين القرآن ، حتى الطربوش رآه أمارة جهل وتعصب وكراهية للحضارة ، ورأى في علماء الإسلام مجموعة من قراء البخت والسحرة ورماة النرد ، وبائعي الأحجبة والتعاويذ .(11/62)
وتحدث أيضاً عن حال الأغبياء الذي رفضوا ( تكريم ) الإنجليز بالبقاء بينهم لتطويرهم ، كما أظهر حزنه على إسرائيل التي كان المسلمون على استعداد لخوض معاركهم معها ( على بساط من الدم ) حينما شنوا هجومهم عليها في اكتوبر 1973م ، ويلوم أمريكا التي منعت الجيش الصهيوني من تدمير الجيش الثالث المصري الذي كان محاصراً في حرب رمضان ، لأنهم - يقصد الأمريكان - صنعوا بذلك "أسطورة "النصر العربي الهزيل في حرب يوم كيبور Yum Kippur War ومهدوا بذلك أيضاً لصحوة الإسلام ، ويحلل ( لافن ) أسباب العنف السياسي في العالم الإسلامي عازياً إياها لأسباب ثلاثة هي : المستوى المتدني للمعيشة والتعليم ، وغياب الديمقراطية ، والاستياء الشديد من الغرب .
ويذهب إلى أن تدني مستوى التعليم مع إفراط الساسة في كبح الديمقراطية ، وتماديهم في ذلك ، وتجاهلهم للرأي العام يصبح سبباً رئيساً من أسباب الانفجار ، كما حصل في إيران قبل الثورة .
ويكيل لحركة الإخوان نصيبها من الزراية ، وينعى على الشيخ البنا رحمه الله قوله : ( إن أية فكرة جديدة غير قائمة على أساس من الدين هي بعد عن الصواب ، وينبغي مقاومتها وإزالتها بشتى الطرق ) .
كما يعيب على المسلمين إنكارهم للعلمانية والفهم الأوروبي للدولة المدنية ، وتحدث بعد ذلك عن الريف المصري ، والعلماء ، وأثنى على الكاتب المتحرر ( سيد أمير علي ) الذي زعم أن القرآن من عمل محمد صلى الله عليه وسلم وليس كلمة الله الموحاة إليه ، شافعاً ذلك بكلام ( مكسيم رودنسون) - الذي يثنى عليه كثير منا - بأن القرآن ( ليس تجلياً لفظياً لكائن أعظم يملي مبادئ لتطبق في أشكال المجتمع الممكنة ، ولكن عمل إنسان ألهمته إياه مثل معينة تحدد ملامح العصر الذي كان يعيش فيه ) .
وينعى ( لافن ) على الأنظمة العربية استمدادها دساتيرها من القرآن ، ويجمع عدداً كبيراً من آيات الجهاد في حشد مرعب ليقول لقرائه : هذا هو الإسلام فاحذروه ، وهؤلاء هم المسلمون فإياكم وإياهم .
ولعل فيما تقدم كفاية من عرض الكتاب كله ، الذي حوى ثمانية عشر فصلاً تحدث فيها عن الأزهر ، والإسلام والنصرانية ، والإسلام والغرب ، والإسلام والاقتصاد ، والروس والإسلام ، وحملة الخناجر ، والجهاد المقدس ، وتحدث عن الإسلام في مصر وباكستان والسعودية وإيران وتركيا والجزائر ولبنان وتونس ، ناسباً كل ما رآه من سلبيات في هذه البلاد إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولأدخل الآن إلى ترجمة ما كتبه ( لافن ) عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السنة المشرفة ، فلعل في هذا بلاغاً وإعذاراً ، ولعلنا نقيم الحجة على من يقولون : إن المستشرقين أقلعوا عن التدليس والتقبيح ، فهذا برهاني وحجتي :
ترجمة النص :
تحت عنوان ( وخضع التاريخ لمشيئتنا ) كتب صاحب (خنجر الإسلام ) يقول :
لقد وضع أسس الإسلام - الذي يزعم المسلمون أنه موحىً به - محمد الذي ولد نحو عام 570 ميلادية لرجل من عشيرة مكية ذات مكانة (بني هاشم ) .
وقد أعلن أتباعه في مرحلة لاحقة أنه - عند مولد محمد - اهتز قصر امبراطور فارس ، وأن نوراً غامضاً شع من ثدي أمه - أم محمد صلى الله عليه وسلم . فأضاء الطريق إلى سوريا يمتد ثمانمائة ميل .
ولقد قيل إن بدن محمد لم يكن له ظل ، وإنه لو سقطت شعرة من شعره في النار فإنها لا تحترق .
لم تصدر هذه الدعاوى عن محمد نفسه ، لكنه كان دائماً يؤكد أنه حلقة الوصل بين الله وبين البشر .
قبض والد محمد قبل ميلاده بفترة وجيزة ، كما ماتت أمه وهو في السادسة من عمره ، وبعدها بعامين مات جده عبد المطلب تاركاً الصبي في كنف عم له فقير هو أبو طالب .
وعندما شب محمد عن الطوق رعى الإبل لعمه ، وهي مهمة كان يعدها أمارة فضلٍ حين قال لأصحابه : ( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ) .
وكشاب فتي أثارت محمداً المناظرات الدينية ولهفة لمناقشات شائعة آنئذٍ - في بلاد الشرق الأوسط كلها - واستمع باشتياق ولهفة لمناقشات اليهود والنصارى لعقائدهم . ولعل هذه المناقشات عمقت في نفسه - بقوة - رفضه وعدم اقتناعه بالدين الوثني التقليدي الذي دانت به العرب ؛ بآلهته الكثيرة المتعددة في كل قبيلة ، وباعتقاده في الجن .
وفي الخامسة والعشرين قبل محمد عرضاً بالزواج من خديجة - وهي أرملة غنية من مكة في الخمسين من عمرها - كان محمد قاد قافلة تجارية رابحة لها .
وبتحقق الأمن المالي له - من خلال ثروة خديجة - بدأ مغامرته في الصحراء وحيداً ، متأملاً ومصلياً .
وطبقاً لما جاء في بعض الشروح - ورغم كون محمد أميًّا لم ينل شيئاً من التعليم - فقد طارت شهرته في قومه كرجل حكيم مبارك قبل أن ينزل عليه جبريل بالوحي بزمن طويل .(11/63)
فبينما كان ينظر من شرفة منزله بمكة ذات يوم !! إذ رأى أربعة أشخاص من أربع قبائل يتجادلون أيهم يحظى بشرف حمل الحجر الأسود - وهو حجر نيزكي Meteorite يعتقد أنه مقدس - إلى مكانه الجديد في أحد الأماكن المقدسة التي أعادوا بناءها ، ويعرف الآن باسم الكعبة . ودون أن يعلم محمد فإنهم كانوا قد اتفقوا على أن يفصل بينهم أول داخل إلى الحرم . ولأنه كان أول من دخل فقد وضع الحجر الأسود على قطعة قماش كبيرة وطلب من كل رجل أن يرفع طرفاً ، ثم وضع هو بنفسه الحجر في موضعه الجديد . ويعتقد المسلمون أن الكعبة هي الموضع الذي هيأ فيه إبراهيم ولده إسماعيل للذبح امتثالاً لأمر الله ( !! ) .
وقضى محمد ستة أشهر ، منعزلاً في كهف عند سفح جبل حراء ( ! ) حيث ظهر له الملك جبريل حاملاً الأمر : اصدع .. كررها ثلاثاً .
كانت الأوامر دقيقة ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ) . وكان ذلك سنة 610 م . ومحمد في الأربعين من عمره . وقد بدأ يدعو إلى عقيدة الإسلام الجديد التي أوحيت إليه - تدريجياً - كقرآن ، خلال فترات إقامته بالصحراء . وبعض هذا الدين كان مألوفاً تماماً للعرب الذي عرفوا تعاليم التوحيد عن اليهود والنصارى !!
طرد محمد من مكة ؛ لأن معتقداته الجديدة هددت جو التسامح الديني بها ، ذلك الجو الذي كان عامل الازدهار التجاري هناك .
=================
الله متم نوره ولو كره الكافرون
تاريخ الفتوى : 21 رمضان 1425 / 04-11-2004 السؤال
أريد رداً سريعاً و مقنعا لماهوجم به الإسلام والنبي في الرسالة الآتية علما أنه نستند لموقع إسلامي مشهور:
كان يأتيه الوحي و هو في لحاف عائشة
صحيح البخاري .. كتاب المناقب .. باب فضل عائشة رضي الله عنها
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=5672
مات ورقة بن نوفل و فتر الوحي و حاول محمد الانتحار مرارا
صحيح البخاري .. كتاب التعبير .. باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله
عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=10403
أفخاذ خديجة و برهان الوحي
السيرة النبوية لابن هشام .. باب مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
تسليما
http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes1250.htm
محمد يصلي من غير وضوء
صحيح البخاري .. كتاب الأذان .. باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله
الإمام إلى يمينه
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=1122
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=13931&doc=6
أمر بالوضوء بماء مخلوط بحيض و لحم كلاب و نتانة
سنن أبي داود .. كتاب الطهارة .. باب ما جاء في بئر بضاعة
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=60&doc=4
المرأة لها قبل شهي و الرجل له ذكر لا ينثني
سنن ابن ماجه .. كتاب الزهد .. باب صفة الجنة
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=5&Rec=5931
ألا خمرته؟
صحيح مسلم .. كتاب الأشربة .. باب في شرب النبيذ و تخمير الإناء
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=3753&doc=1
الرسول خبير في الخمور
صحيح البخاري .. كتاب الأشربة .. باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا
كان مسكرا
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=5173&doc=0
ينبذ له يوم الإثنين و يظل يشرب منه إلى يوم الأربعاء
مسند أحمد .. و من مسند بني هاشم .. بداية مسند عبد الله بن عباس
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=2036&doc=6
محمد يتوضأ بالنبيذ
مسند أحمد .. مسند المكثرين من الصحابة .. مسند عبد الله بن مسعود رضي
الله تعالى عنه
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=3594&doc=6
صحيح مسلم .. كتاب الحيض .. باب تحريم النظر إلى العورات
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=512&doc=1
الإسلام يحلل نكاح الرجل ابنته من الزنى أو أخته من الزنى أو بنت ابنه من
الزنى
راجع تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?l=arb&taf=KORTOBY&nType=1&nSora=25&nAya=54
يشك في الوحي
صحيح البخاري .. كتاب أحاديث الأنبياء .. باب قوله عز وجل ونبئهم عن ضيف
إبراهيم
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=5206
يباشر عائشة و هو صائم
مسند أحمد .. باقي مسند الأنصار .. حديث السيدة عائشة رضي الله عنها
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=6&Rec=24170
يمص لسان عائشة و هو صائم
مسند أحمد .. باقي مسند الأنصار .. حديث السيدة عائشة رضي الله عنها
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=23769&doc=6
سنن أبي داود .. كتاب الصوم .. باب الصائم يبلع الريق(11/64)
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=4&Rec=2861
محمد يعري ابنته فاطمة أمام العبيد
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=4&Rec=5179
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعداء الله من النصارى لما عجزوا عن تنصير المسلمين -أخذوا في تشكيكهم في دينهم ليخرجوهم عن الإسلام- قال الله تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء {النساء:89}، وإن ما ورد في رسالتك منه ما هو كذب صراح، ومنه ما هو تحريف للنصوص ومنه ما هو شبهات لا تثبت عند التمحيص، ولكن لكثرتها، وضيق وقتنا وتوارد الأسئلة علينا نكتفي بالرد على شبهة واحدة كمثال لطريقتهم الخبيثة في تشكيك المسلمين في دينهم، فقد ذكروا قول النبي "ألا خمرته؟" في باب شرب النبيذ وتخمير الإناء من صحيح الإمام مسلم -وكأنه يبيح للمسلمين شرب الخمر- والحديث -كما في صحيح مسلم- عن أبي حميد الساعدي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع ليس مخمراً، فقال: ألا خمرته، ولو أن تعرض عليه عوداً؟ قال: أبو حميد: إنما أمر بالأسقية أن توكأ ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً. انتهى.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله (ليس مخمراً) أي ليس مغطى، والتخمير: التغطية، ومنه: الخمر لتغطيتها على العقل، وخمار المرأة لتغطيته رأسها. انتهى.
ومن هذا المثال يتضح تلبيسهم ويظهر سوء طويتهم وخداعهم للسذج الذين لا يميزون بين الحق والباطل فيما نقلوه ونسبوه للنبي صلى الله عليه وسلم، هذا وننصحك بعدم الدخول على هذا الموقع ولا غيره من المواقع التي تشكك المسلم في دينه وفي صدق نبيه وعصمته.
وإن الشبهات التي يثيرونها اليوم قد أثارها المستشرقون وغيرهم من قديم، ولم تؤثر ولن تؤثر بإذن الله تعالى في الإسلام، ذلك ما يجب أن يعتقده كل مؤمن بالله تعالى مصدق بوعده حيث يقول: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {التوبة:32}، وما مثل هؤلاء إلا كما يقول الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها**** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
وانظري طائفة من ردود العلماء على أباطيل هؤلاء وأمثالهم في موقع الأزهر على الإنترنت.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
لماذا يدرس المستشرقون الإسلام ؟
(الشبكة الإسلامية)
تساؤلات وعلامات استقهام تثيرها دراسة المستشرقين للإسلام فهم لا يؤمنون به ولا يتخذونه عقيدة بل لا يكفون عن الطعن فيه وربما عاش الواحد منهم عمرا كاملا يدرس الإسلام من دون أن يغير في فكره شيئا بل ربما ازداد حنقا على الإسلام والمسلمين فلماذا إذا يدرسون ديننا ويعكفون عليه السنين الطوال ؟ وفي هذه الأسطر نحاول الإجابة على هذا السؤال .. فالمستشرقون يسلكون في دراستهم منهجا غير علمي وغير سليم ، فهدفهم دائما التشكيك في الإسلام في الدين والألوهية والنبوة والرسالة ولهم خطوط فكرية ثابتة ينفثون من خلالها ادعاءاتهم وسمومهم .
ومن أهداف المستشرقين فى دراستهم للإسلام ما يلي :
أولا : محاولة التشكيك في الدين والألوهية ومحاولة التشكيك في النبوة والرسالة وفساد تناولهم لمفهوم الدين عامة والإسلام خاصة .
يرتبط مفهوم الاستشراق للإسلام بمفاهيم اللاهوت من ناحية العلمانية والمادية من ناحية أخرى فهم في النظرة إلى الإسلام لا يستطيعون أن يخرجوا عن مفهوم العلاقة بين النصرانية - الغربية - وبين المجتمع الأوربي ، ولا يستطيعون التحرر من - فردية النصرانية - وارتباطها بالتطبيق السائد في الغرب .
كذلك فإن اعتمادهم على منهج علم الأديان لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الديانات فالإسلام فوق الحقائق الطبيعية والاجتماعية والفلسفية والعلمية التي يقول بها المستشرقون .
كذلك فإن رؤية المستشرقين بزعم العالم أوجد نفسه دون حاجة إلى علة خارجية كما يعبرون هذا المفهوم يرفضه الإسلام تماما : ذلك أن النظرة الدهرية مستوحاة من فلسفة هرقليط اليوناني ومن هيجل ونيتشه في العصر الحديث .
وكذلك أخطأوا في فهم صفات الألوهية فبعضهم يرى أن نسبة الباري إلى العالم كنسبة المخرج إلى المنظر ، وهو فهم لا يقره الإسلام فالله تبارك وتعالى هو عالم الغيب والشهادة وهو ممسك السموات والأرض لحظة بعد لحظة ، وهو ذات مطلقة قائمة بنفسها لا تحل بالعالم ولا تتحدد به .(11/65)
ويختلف مفهوم الإسلام للدين عن مفهوم مدرسة العلوم الاجتماعية - المستشرقون دور كايم وليفي بريل وأتباعهم طه حسين وغيره - هذه المدرسة التي تعتبر الدين ظاهرة من الظواهر الاجتماعية لم ينزل من السماء ولم يهبط إلى الأرض وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها ، وهذا المفهوم الذي يعتبره الاستشراق للدين في محاولة فهمه للإسلام مفهوم خاطئ لأنه يعتمد على الفلسفة المادية ولا يعترف بعالم الغيب الذي يقرر الوحي والنبوة والجزاء والبعث والحساب ومن هنا فإن منهج علم الأديان الذي يعتمده الاستشراق الغربي لا يستطيع أن يعالج الإسلام أو ينظر اليه على نحو بقية الديانات .
كذلك يرفض الإسلام مفهوم هيجل الذي يقول إن العالم أوجد نفسه بدون حاجة إلى علة خارجية عنه وهو مفهوم خاطئ فإن الله تبارك وتعالى هو خالق الكون من العدم وهو سبحانه القائم عليه وهو الذي علم الإنسان ما وصل إليه من أسرار هذا الكون .
كذلك فإن الإسلام بعيد عن المثالية التي نشأت من فلسفة الديانات كما أنه ليس منهجا يقتفي أثر العلوم الاجتماعية ، إنه دين ودنيا بتنظيم هذا وذلك تعاليمه لا تفرق بين العلوم الدينية والدنيوية فالإسلام لا يقر مفهوم أن الدين ظاهرة اجتماعية أو ظاهرة مرحلية تلت الوثنية وتعقبها مرحلة العلم من ذلك الادعاء بأن الشعوب الراقية لا تحتاج إلى الدين أصلا .
بل يقرر الإسلام حاجة البشرية إلى هداية الدين والتماس منهجه في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
ثانيا : محاولة التشكيك في النبوة والرسالة :
محاولة اختراق السيرة النبوية وإخضاع حياة النبي لعلوم التربية والسيكولوجيا في محاولة للنيل منها وقد باءت المحاولة بالفشل .
فالطفل محمد صلى الله عليه وسلم الذي حرم من نعمة الأمومة والأبوة وافتقد الحنان منح الدنيا بأسرها عاطفة وحنانا ورحمة مع أن القاعدة المعروفة أن فاقد الشيء لا يعطيه .
والطفل الذي لم يتعلم - علم الدنيا - أدبني ربي فأحسن تأديبي والطفل الفقير أغني الدنيا " أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) " صدق الله العظيم
يقول دكتور رشدي فكار كما نقلت عنه مجلة منار الإسلام : إن محاولة إخضاع العصر النبوي للإطار التراثي ترمي إلى محاولة جعل العصر النبوي تراثا
باسم الفضول العلمي حتى يرفع عنه رداء القدسية والألوهية .
وقد جاء منهج المستشرق - لا منس - وغيره الذين طرحوا القضايا الخاصة بالعصر النبوي بهدف - دينونته - لتدنيس المقدسات والتشكيك فى أنها دينونه ولا صلة لها بالوحي وأنها مجرد تراث بشري قابل للأخذ والرد .
وذلك في إطار محاولتهم التشكيك في الأنبياء والرسل وفي محاولة أن يسقطوا كل هذا الفكر المادي على العصر النبوي وإدخاله في إطار وضعي راحوا يبحثون عن تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية والبيئة في جزيرة العرب وهم أساسا منكرون للعقيدة ومحاولة هذا الاستغراب الإلحادي أن يعكس ظلماته على الأمة الإسلامية باستشراق مادي ملحد .
وقد شجع هؤلاء على ذلك الانتصارات التي حققها التجريب العلمي فى الغرب والسيطرة على الظواهر واكتشاف القوانين للعديد من مكونات الطبيعة مما فتح شهيتهم ليقدموا للإنسان بدلا من الإله ويستبدلوا حوار السماء والأنبياء بحوار الأرض والإنسان .
يقول رشدي فكار : من المحزن أننا وجدنا بعض النفايات من المثقفين العرب والمسلمين ممن لا يحملون من الانتماء إلى هذه الأمة إلا مجرد الاسم ثم يستبيحون لأنفسهم أن يضعوا أنفسهم لقاء حفنة من المال في خدمة هؤلاء ويبسطوا لهم بعض القضايا ويعاونوهم في دراساتهم المقنعة السوداء وقد تنكر هؤلاء المثقفون العملاء لأمتهم وعقيدتهم ووضعوا أقدارهم لصالح أصحاب المآرب .
وجملة القول أنهم أرادوا أن يخترقوا السيرة النبوية ويخضعوا حياة بني الإسلام لعلوم التربية والسيكولوجيا فضاربوا على فروع القضية وهوامشها ولم يصلوا إلى جوهرها وأساسها واختلت موازينهم وباءت محاولاتهم بالفشل الذريع وقد رد على شبهات المستشرقين في هذا المجال كثير من الباحثين المسلمين وفي هذا المجال كتب الدكتور زاهر عوض الألمعي كتابه - مع المفسرين والمستشرقين - في زواج النبي بزينب بنت جحش وفيه عرض قصة زواج النبي صلي الله عليه وسلم ورد على شبهات :
1- ميل درمنجم فى كتابه حياة محمد الذي زعم أن النبي شعر فى العقد الأخير من عمره بالميل الي النساء
2- عرض لرأي المستشرق مونتجمري وات في كتابه - محمد فى المدينة - في زواج النبي بكثير من الزوجات واتخاذه الجواري ودعواه في افتتانه بزينب بنت جحش .
3- عرض لما قاله جوستان لوبون في كتابه حضارة العرب ترجمة عادل زعبير بعد أن أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم ادعى أن النبي كان ضعيفا فيما أسماه حبه الطارئ للنساء بعد أن اقتصر على زوجة واحدة حتى بلغ الخمسين .(11/66)
ثالثا : الطعن في طرق جمع السنة الشريفة زاعمين أن السنة لم يكتب لها البقاء لأنها لم تدون بل كانت تتناقل شفاهة بين الرواد ولمدة قرنين من الزمن - الفريد حيوم - تريتون - وقد بذل المستشرقون جهدهم لتغيير معالم العقيدة الأصلية ولكنهم باؤوا بالفشل والخسران المبين ومن أوائل من افتروا على الإسلام جولدن زيهر وكان من قواعده هدم بنيان السنة بصفة عامة ومن ذلك دعواه أن الحديث النبوي هو نتيجة لتطور المسلمين وهي دعوى منهارة أمام المقاييس الثابتة من الكتاب والسنة فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد نزل على المسلمين سبيل الهداية كاملا ممثلا في الكتاب والسنة " تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي " الحاكم فى المستدرك عن أبي هريرة .
رابعا : الافتراء على التاريخ الإسلامي جملة البحث عما ظنوه ثغرات وتناقضات في محاولة لتشويهه ومحاولة تفسيره بمنهج المادية عملا على إطفاء نور القوة فيه ووهج الواقع .
وهناك محاولة الفلاسفة الوضعيين في التهوين من شأن الإسلام وحركة التاريخ - أوجست كونت - كريستيان سرفيس - في محاولة للقول بأن الإسلام مرحلة كانت ضرورية في سلسلة تطور البشرية ولكنها انتهت وتجاوزتها البشرية إلى الدين الوضعي وذلك باعتبار الإسلام مرحلة مضت وانقضت .
ومن ذلك وصف التاريخ الإسلامي بأنه سلسلة متصلة من الحكام الطغاة والغمز بصلاح الدين والحديث عن شجاعة الصليبيين واتهام المسلمين بحرق مكتبة الإسكندرية .
وقد حصر الدكتور عبد الحليم عويس ادعاءات المستشرقين وسمومهم في تشويه التاريخ الإسلامي في عدة خطوط فكرية ثابتة :
- القول بأن فترة التزام المسلمين بالإسلام لا تعدو أن تكون فترة عصر الراشدين
- التركيز على افتراءات الخلاف بين المسلمين وتوسيع دائرة الحديث عنها والإغضاء بالتالي عن المساحات الكبيرة المتألقة .
- إثارة الخصومات وتعميقها بين العرب والبربر والأتراك والفرس بهدف إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين .
- محاولة إبراز كلمات العروبة والفكر العربي والحضارة العربية بغرض إثارة الشعوب الإسلامية التي ساهمت في صنع الحضارة الإسلامية ضد العرب
- ابراز دور الأقليات المسلمة وتحريكها ضد الأمة والزعم بأنها ظلمت وانتهكت حقوقها .
- كراهية كل الدول والجماعات التي أنقذت المسلمين ووقفت ضد الزحف الصليبي مثل المماليك والأيوبيين والعثمانيين ويفوز العثمانيون بالنصيب الأوفى من حقد هؤلاء .
- محاولة إرجاع ما يوجد من صور النهضة في الحياة الإسلامية إلى الاحتلال الأوربي مثل الحملة الفرنسية على مصر وبعثات محمد علي إلى أوربا .
- تمجيد كل الذين خانوا الإسلام وحاربوه مثل مصطفي كمال أتاتورك في تركيا وأكبر شاه في الهند والانتقاص من قدر المجاهدين والمصلحين وتلفيق التهم ضدهم .
- التشكيك في التراث الحضاري الإسلامي بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن الحضارة الهيلينية وأن المسلمين بالتالي لم يكونوا إلا نقله ومترجمين .
تشويه منصب الخلافة الإسلامية ورميه بأبشع الصفات وإعلان حرب دائمة عليه حتى بعد زواله
===============
المُسْتَشرقُونَ وَالتُراثُ
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / عبد العظيم الديب
الحلقة الأولى
مدخل إلى القضية :
ربما كان المدخل الصحيح لتقويم عمل المستشرقين ودورهم في مجال تراثنا ، هو الإجابة على هذه الأسئلة :
· كم كان حجم تراثنا ؟ بمعنى : كم كان يقدر عدد الكتب التي تصلنا ، لو لم يقدر له أن يلقى ما لقي ، من تحريق وتغريق ، وسطو وابتزاز ، وإهمالٍ وتهاون ؟
الدكتور / عبد العظيم الديب
· ثم كم بقي لنا بعد ذلك كله ؟
· ثم كم منه في أيدينا الآن ؟
· وكم في أيدي المستشرقين ؟
· وماذا صنعنا بما في أيدينا ؟
· وماذا صنع المستشرقون بما في أيديهم ؟
· وكم حُقِّق ونُشر منه ؟
· وكم حقَّقنا ؟
وكم حقق المستشرقون ؟
أعتقد أنَّ الإجابة الدقيقة المحددة عن هذه الأسئلة هي التي تعطي الصورة الصادقة ، والحكم الصائب على عمل المستشرقين ، ما دمنا بصدد تقييمه ووضعه في مكانه ، وإعطائه قدره .
ومع أنَّ هذه الأسئلة في جملتها تبدأ بـ( كم ) أي تحتاج إلى إجابة رقمية محددة ، فإننا لا نملك إلاّ إجابة تقريبية عن بعضها ، وعن بعضها الآخر لا نملك إجابة أصلاً ، وعن بعض ثالث يستحيل أن نملك إجابة ، فمن يستطيع أن يُقدِّر لنا حجم تراثنا، كلِّه لو لم يصبه ما أصابه ؟؟ إنَّ ذلك فوق كل حَدْسٍ ، وأبعد من كل تخمين .(11/67)
إنَّ ما ضاع من تراثنا لا يمكن بحال أن يخضع لتقدير ، فمن يستطيع أن يقدِّر عدد المجلدات التي صنعت الجسر ، بل السَّدّ الذي عبرت عليه خيولُ هولاكو وجنوده بين شاطئي دجلة ، ومن الذي يستطيع أن يحصي ما حرَّقه الصليبيون في حملاتهم التي جاءت في موجات متتالية مثل موجات التتار ، وأشد فتكاً ، وظلت نحو مائتي سنة تتشبث بمواطئ أقدامها ، وبالإمارات التي اتخذتها رءوس جسور لاجتياح بلاد الإسلام جملة ، وكانت الكتب والمكتبات طوال هذه المعارك هدفاً مقصوداً للصليبيين حيناً ، ووقوداً للنيران الطائشة حيناً آخر ، وإن ما أصاب القدس ، وطرابلس ، وعسقلان ، وغزة، والمعرّة ، وغيرها من المدن تدميراً وإهلاكاً وإحراقاً ، وكيف يبقي على مكتباتها ؟ وبحسبنا أن نذكر أن " بعض المؤرخين قدّر ما أتلفه الصليبيون في ( طرابلس ) وحدها بثلاثة ملايين مجلد "
ويحدثنا التاريخ " أن أحد الأطباء رفض دعوة سلطان بخاري للإقامة في بلاطه لأنه يحتاج إلى أربعمائة بعير لنقل مكتبته ".
فإذا كانت الكتب في مدينة واحدة ( طرابلس ) نحو ثلاثة ملايين ، والكتب التي في مكتبةٍ خاصة لواحد من الأطباء تبلغ حمل أربعمائة بعير ، فكم يبلغ ما كان في المدن الإسلامية كلها ؟ وما كان في المكتبات الخاصة كلِّها؟
فإذا كان هذا هو حجم التراث ، وكان الباقي منه نحو ثلاثة ملايين مخطوطة فقط فإذا عرفنا ما بقي بأيدينا ، وما بقي بأيدي المستشرقين ، وما نشرناه ، وما نشره المستشرقون ، وماذا نشروه من التراث ؟ ولماذا نشروه ؟ وكيف نشروه ؟
إذا عرفنا ذلك ، نستطيع أن نفصل في القضية ، وأن نقدِّر للقوم عملهم حقّ قدره ، لا ننقُصُهم ، ولا نبخسهم ، ولا نزيدهم ، ولا نمجدهم ، بدعوى ( الاعتدال ) و ( الإنصاف ) أو تغطيةً لشعور العجز والهوان .
وسنحاول في الصفحات القادمة أن نقدم أنموذجاً لهذه الدراسة ، علها تكون خطوة على الطريق ، نحو الحكم ( المنهجي ) ( العلمي ) ( الموضوعي ) على عمل المستشرقين ، ودورهم في التراث .
اتجاهات النشر عند المستشرقين
للآن ـ فيما أعلم ـ ليس لدينا دراسةٌ دقيقة ، تقوم على حصر أعمال المستشرقين ، في مجال تحقيق التراث ونشره ، ونحن ـ لا شك ـ أحوج ما نكون إلى هذه الدراسة ، بل نراها تأخرت طويلاً ، وإلى أن تتم سيظل الحديث في هذا المجال ( عمل المستشرقين ) يقوم على الحدس والتخمين ، ويعتمد على ملاحظاتٍ سريعة ، ويتأثر بأهواء مزاجية ، وصلاتٍ شخصية ، ومواقف نفسية تجذبه من يمين ويسار .
وحينما نقوم بهذه الدراسة ـ إن شاء الله ـ نستطيع أن نرى في ضوئها ما يلي :
أولاً : عدد الكتب التي أخرجها المستشرقون بجهودهم العلمية ، وتحديد ( الكم ) الذي قاموا بخدمته من تراثنا ، ويتبع ذلك ، بالضبط المقدار الذي أسهموا به في نشر تراثنا ، فلا نغمطهم فضلهم ـ إن كان لهم فضل ـ ولا ننسب إليهم ما لا يستحقون استجابة لعُقدة الهوان ، ومركبات النقص التي سيطرت على كثيرين ممن سمَّوْا أنفسهم ، وأسمتهم أجهزة التضليل ( قادة الفكر ) .
ثانيا :معرفة اتجاهات النشر لدى المستشرقين ، بمعنى أن نعرف الكتب التي تحظى باهتمامهم ، وتجذب انتباههم ،من أي لونٍ هي ومن أي فرعٍ من فروع المعرفة ، وما قيمتها في هذا الفن ، ثم ما علاقتها بما ينشرونه من فنون أخرى .
ثالثاً : درجة الدقة والإتقان في هذه الأعمال ، بل درجة الصحة والصواب ، وماذا فيها من خلل أو زلل نتيجة للعجز عن إدراك سرّ العربية ، وامتلاك ذوقها ، العجز عن استكناه سرّ التراث، واستلهام روحه الرباني الإلهي .
بل ماذا فيها من خلل أو زلل ، نتيجة للأحكام المسبَّقة ، والمواقف غير المحايدة ، بلل العدائية التي تدعوا إلى تعمد التشويه والتحريف .
وعند ذلك تفرغ الأمة من هذه القضية ويصدر الحكم فيها بالأدلة الدامغة والحقائق الثابتة ، فننتهي منها ، ومن اللجاجة حولها ، ونفرغ لما سواها .
نموذج :
وقد حاولت إجراء نموذج مصغر لهذه الدراسة ، لا يشمل عمل المستشرقين كله ـ كما نرجو ـ وإنما شمل شريحة ، أو قدراً لا بأس به من أعمالهم ، ويتمثل هذا القدر في مجموعتين ، من مجموعات المخطوطات المطبوعة :
الأولى : معجم المخطوطات المطبوعة ( المجلدات الثلاثة الأولى ) وهو من عمل الدكتور صلاح الدين المنجد.
الثانية : ذخائر التراث العربي ( الجزء الأول ) وهو من عمل الدكتور عبد الجبار عبد الرحمن .
وكان ذلك على النحو التالي :
أولاً : بالنسبة لمعجم المخطوطات المطبوعة اتبعت الخطوات الآتية:
1 ـ أحصيت كل المخطوطات المنشورة ، فكانت النتيجة كالآتي :
في الجزء الأول : 414 أربعة عشر وأربعمائة ( عنوان ما بين كتاب ، وجزء من كتاب ، ورسالة صغيرة .
( وذلك في الفترة من 1954 ـ 1960 م . سبع سنوات ) .
في الجز الثاني : 352 اثنان وخمسون وثلاثمائة ( عنوان ما بين كتاب ، وجزء من كتاب ، ورسالة صغيرة.
( وذلك في الفترة من 1961 م ـ 1965 م . خمس سنوات ) .(11/68)
في الجزء الثالث : 430 ثلاثون وأربعمائة ( عنوان) ما بين كتاب ، وجزء كتاب ، ورسالة صغيرة .
( وذلك في الفترة من 1966 ـ 1970 م ) خمس سنوات ).
2ـ أحصيت ما قام بنشره المستشرقون في كل جزء ، فكانت النتيجة كالآتي ك
في الجزء الأول 58( عنواناً ) ( صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات ).
في الجزء الثانية 17( عنواناً ) ( صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات ).
في الجزء الثالث 18 (عنواناً ) ( صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات ).
3ـ وعلى ذلك تكون النسبة المئوية لما نشره المستشرقون إلى ما نشرناه كالآتي :
في الجزء الأول 14%
في الجزء الثاني 4%
في الجزء الثالث 4%
ويكون متوسط النسبة بين الأجزاء كلها هو :7%.
وبالنظر إلى هذه النتائج نلاحظ أن الفرق شاسع بين الجزء الأول والجزأين الثاني والثالث ، وحيث ترتفع النسبة إلى أكثر من ثلاثة أمثال . والأمر في حاجة إلى تفسير أو تعليل ، ولعلنا لا نعدو الصواب إذا أرجعناه لما يلي :
1 ـ نحن نعتقد أن ( للزمن ) دخلاً في ذلك ، حيث اختص الجزء الأول بفترة السنوات السبع من أول سنة 1954م ـ إلى سنة 1960م ، وهي ما بعد سنوات الحرب والتعمير ، ذلك أن فترة الحرب العالمية الثانية ، التي انتهت سنة 1945م ، وما تلاها من مرحلة بناء ، [ وكانت أشد وأقسى من السنوات الحرب ذاتها] كانت فترة خمول وركود ، أعني أن عمل المسترقين توقف أو كاد في ثناء الحرب وما تلاها من مرحلة بناء ، فلما استقرت الأمور ، وبدأ رجال الاستشراق يعودون لمؤسساتهم ، ومواقعهم ، كان لديهم عندما عادوا رصيد من الأعمال توقف نشره ، فأضافوه إلى ما جدَّ من عمل ، وولد من نتاج ، فكان ذلك هو السبب في تضاعف نسبة أعمالهم في هذه الفترة التي أعقبت فترة الحرب والتعمير .
ولعلَّ ما يؤيدنا في ذلك ، ما ذكره نجيب العقيقي ( وهو واحد منهم ) حيث قال : ( وأصيب نشاط لجنة دائرة المعارف الإسلامية بعد الحرب بشيء من الاضطراب ، وقضي على بعض أعضائها في ساحتها ، ثم استأنفت من بعدُ نشاطها ).
يلفت نظرنا في عبارته ، قوله : ( بعد الحرب) مما يؤكد ما قلناه من أن فترة ما بعد الحرب كانت فترة شدة وجهد ، لا تقل عن فترة الحرب ذاتها .
كما يلفت النظر أيضاً قوله : ( قضي على بعض أعضائها في ساحتها ) فهذا يؤكد ما سنقوله من علاقة المستشرقين بوزارات المستعمرات ، وأنهم كانوا طلائع الغزو الاستعماري ، وأنهم كانوا في قلب معارك بلادهم وحروبها .
2 ـ ونستطيع أن نضيف عاملاً آخر ، وتفسيراً آخر لنقص إنتاجهم ، وهو أن سنة 1960م هي السنة التي أعلنتها الأمم المتحدة سنة إنهاء الاستعمار ، وبعدها اختفت من نظم السياسة ( وزارات المستعمرات ) وكما هو مقرر ومعروف للجميع ، كانت هذه الوزارات هي الملجأ الأول الذي يعيش في كنفه الاستشراق ، ويرعى حركته .
فلما زالت هذه الوزارات ، أو ضعف شأنها ، فقدت حركة الاستشراق أكبر معين لها ، وتحول من كان في كنفها من المستشرقين ، إلى ما بقي من أوكار التبشير والاستخبارات ، والمراكز والاستشارية ونحوها .
فكانت هذه الهزة سبباً ـ فيما نقدر ـ لهذا الانخفاض الواضح في إسهامات المستشرقين .
3ـ كم كنا نتمنى أن نقول : إن انخفاض نسبة أعمال المستشرقين هذا جاء نتيجة لزيادة أعمالنا ، وثمرة لكثرة إنتاجنا نحن في هذا المجال ، بمعنى أن ( حجم ) عمل المستشرقين بقي كما هو ، لكن بسبب ازدياد نشاطنا وجهودنا بدا عملهم ضئيلاً وجهدهم قليلاً . نعم كنا نتمنى أن نقول ذلك . ولكن هذا لا يستقيم ، ولا يكون صحيحاً ، بسبب ما هو واضح من مجرد النظر إلى العدد الكلي في الفترات الزمنية الثلاث التي كانت موضع الدراسة ، فالتفاوت بينها يسير .
ويمكن التعبير عن ذلك بالأرقام بصورة أكثر وضوحاً هكذا :
60 كتاباً (متوسط العدد الكلي في السنة الواحدة من الفترة الأولى : 1954 ـ 1960م).
70كتاباً (متوسط العدد الكلي في السنة الواحدة من الفترة الثانية 1961ـ1965 م ).
80 كتاباً (متوسط العدد الكلي في السنة الواحدة من الفترة الثالثة : 1966ـ 1970م).
ونسبة ما يخص المستشرقين في كل سنة من السنوات كالآتي :
8.2 كتاب في السنة الواحدة من الفترة الأولى .
3.4 كتاب في السنة الواحدة من الفترة الثانية .
3.6 كتاب في السنة الواحدة من الفترة الثالثة .
وبذلك يتأكد تماماً انخفاض إنتاج المستشرقين منذ سنة 1960م .
كما يتضح أن هناك زيادة في معدل إسهامنا ، وإنجازنا ـ نحن المسلمين ـ في هذا المجال ، إلا أنها كما أشرنا آنفا زيادة طفيفة ، لا تتناسب مطلقاً مع ازدياد وعدد الجامعات والخريجين ، عدد المؤسسات العلمية ، ومراكز البحوث ، والهيئات العاملة في مجال خدمة التراث ، ولا مع معدل الثراء والرخاء ، الذي حظي به العالم العربي ، ولا مع هذه الصحوة الإسلامية الفكرية الرشيدة ، التي يموج بها العالم الإسلامي اليوم.(11/69)
ثانياً: بالنسبة لكتاب ذخائر التراث للدكتور عبد الجبار عبد الرحمن ن فهو قد حدد مجال عمله بقوله : " يحاول هذا الكتاب ـ جهد المستطاع ـ حصر وتسجيل ما طبع من المخطوطات التي صنفها المؤلفون العرب والمسلمون في شتى فنون العلم والمعرفة منذ بدء التدوين إلى نهاية القرن الثاني عشر الهجري ، سواء ما أخرجته المطابع الشرقية ، أو الغربية ، وما حققه ونشره المستشرقون أو الشرقيون ، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين " أي أنه معجم للمخطوطات المطبوعة منذ بدأت الطباعة ، على أن تكون هذا المخطوطات من عمل ونتاج القرون العشرة الأولى من الهجرة ، كما جعل سنة 1980 حداً ينتهي إلى الكتب التي طبعت عنده .
ولما يصل إلى يدنا للآن إلا الجزء الأول ، وقد أجرينا الإحصاء بطريق العينة العشوائية ، فاخترنا عدداً متساوياً من الصفحات من كل مائة بدون ترتيب، فحصلنا على ست وخمسين صفحة ، وبواقع ثماني صفحات من كل مائة ، من المئات السبع .
ثم أجرينا باقي العمليات الإحصائية بالطريقة السابقة نفسها :
1 ـ حصرت عدد المؤلفات المنشورة في هذه الصفحات، فكانت (320 ) عشرين وثلاثمائة كتاب.
2ـ أحصينا ما قام المستشرقون بنشره فكانت النتيجة 32 كتباً اثنين وثلاثين كتاباً .
3 ـ وعلى ذلك تكون النسبة المئوية 10% عشرة في المائة .
ويلاحظ أن هناك تفاوتاً بين هذه النتيجة والنتائج السابقة ، بمعنى أنها في الواقع تسجل زيادة وارتفاعاً في السنة ، حيث كان متوسط الأجزاء الثلاثة في معجم صلاح الدين المنجد 7% .
ونستطيع في النهاية أن نخرج بالنتائج الآتية:
1ـ أن معدل إسهام المستشرقين وإنتاجهم سجل هبوطاً ملحوظاً منذ مطلع الستينيات ، ولا يزال مستمراً .
2 ـ أنه كانت هناك طفرة في السنوات التي تلت انتعاش الغرب بعد الحرب العالمية الثانية .
3 ـ أن نسبة الـ10% تعبر مؤشراً صادقاً إلى حد ما ، لمتوسط إنتاج المستشرقين . بالنسبة لمجموع ما نشر من مخطوطات منذ الطباعة للآن .
تحفُّظ:
ولنا أن نتحفظ على هذه النتيجة ( مؤقتاً ) إلى أن يتم الحصر الشامل الكامل لجميع المخطوطات المطبوعة ، وما قام به المستشرقون منها .
بل سيظل هناك شيء من التحفظ [ ولو تم الحصر الشامل ] ، ذلك أن النسبة التي ستفلت من الحصر ( وهذا شيء متوقع ، بل مقطوع به ) سيكون أكثرها من عملنا ، وبالذات من نشر الأفراد ، ( العمل الشخصي ) ذلك أن المستشرقين يحُسنون تسجيل أعمالهم وجدولتها ، والنشر عنها ، والإعلام بها ، ونحن نحسن استقبالها والتنويه بها ، أما جهود الأفراد بل الهيئات الإسلامية ، فيقيني أن قدراً لا باس به من عملها سيظل خارج الإحصاء والحصر ، وعندها يبدو عمل هؤلاء أكبر من حجمه ، 0وأكثر من واقعه.
===============
تأخر التدوين هل فتح مجالاً للوضع ؟!
(الشبكة الإسلامية)
من الشبه التي يثيرها كثير من المستشرقين وأذنابهم للطعن في السنة والتشكيك فيها وفي حجيتها ، أن تأخر تدوين الحديث الذي بدأ في المائة الثانية للهجرة قد أعطى فرصة للمسلمين ليزيدوا فيه وينقصوا ، ويضعوا بذلك أحاديث تخدم أغراضهم ، وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم جولد زيهر ، وشبرنجر ، ودوزي ، فقد عقد " جولد زيهر " فصلاً خاصاً حول تدوين الحديث في كتابه " دراسات إسلامية " وشكك في صحة وجود صحف كثيرة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، ورأى " شبرنجر " في كتابه " الحديث عند العرب " أن الشروع في التدوين وقع في القرن الهجري الثاني ، وأن السنة انتقلت بطريق المشافهة فقط ، أما " دوزي " فهو ينكر نسبة هذه " التركة المجهولة " - بزعمه - من الأحاديث إلى الرسول .
وقد أراد المستشرقون من وراء هذه المزاعم إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور ، والتشكيك في صحة الحديث واتهامه بالاختلاق والوضع على ألسنة المدونين ، وأنهم لم يجمعوا من الأحاديث إلا ما يوافق أهواءهم .
والمتتبع لتاريخ السنة ودواوينها ، يجزم بأنه لم يخل عصر من عصور المسلمين من كتابة الحديث وتقييده ، بدءاً بعصر النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده ، بل إن الروايات بالأسانيد الثابتة التي تدل على كتابة الحديث في عصره - صلى الله عليه وسلم - تبلغ درجة التواتر .
فقد أذن - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه بالكتابة ، وأمر بعضهم بها ، ومن ذلك أن رجلاً من أهل اليمن قال في فتح مكة : اكتب لي يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( اكتبوا لأبي شاة ) كما عند أبي داود .(11/70)
وأخرج البخاري من حديث وهب بن منبهعن أخيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : " ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب " ، وكان عبد الله بن عمرو قد استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتب بيده ما سمعه منه فأذن له ، يقول عبد الله: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه فنهتني قريش ، وقالوا : أتكتب كل شيء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بأصبعه إلى فيه _ أي فمه - فقال : ( اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ) رواه أبوداود .
وروى البخاري عن أبي ججيفة قال : قلت لعلي : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا إلا ما في كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة ، قال : قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : " العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر " .
وكتب - صلى الله عليه وسلم - للملوك والعظماء كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وكتب أيضاً إلى أمرائه وعماله كتبًا حددَّ لهم فيها الأنصبة ومقادير الزكاة والجزية والديات .
ولا يعكر على هذا الأحاديث التي تدل على النهي عن الكتابة كحديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم وفيه يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ) ، فإن هذا النهي كان في أول الأمر حين خيف اشتغال الصحابة عن القرآن واختلاط غيره به ، ولتوجيه جهود الصحابة الذين كانوا يحسنون الكتابة إلى كتاب الله ، وقد " استقر الإجماع بعد ذلك وانعقد - كما يقول الحافظ ابن حجر - على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم " .
فقام جماعة من الصحابة بكتابة ما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبعضهم كتب ذلك في صحف خاصة كالصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكصحيفة جابربن عبد اللهوغير ذلك ، وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب - في كتابه " السنة قبل التدوين " - جملة كبيرة مما كتبه الصحابة رضي الله عنهم في صدر الإسلام ، ومما كتبه التابعون رحمهم الله كصحيفة همام بن منبه ، حتى كثرت الكتابة وانتشرت .
أضف إلى ذلك ما كان يتمتع به الصحابة رضي الله عنهم من قوة الحافظة وصفاء الذهن ، فلم يكونوا بحاجة إلى تدوين الحديث بفضل ما وهبهم الله من هذه الصفات ، فحفظوا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حفظهم لكتاب الله ، وأدوه أداءً أميناً لمن بعدهم وكانت صدورهم أوعية للحديث استغنوا بها عن استيداعه القراطيس ، ومع ذلك فقد وجد من يكتب ، وبذلك تضامنت الذاكرة والأقلام جنباً إلى جنب في حفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأما التدوين الذي حصل في أوائل القرن الثاني على يد عمر بن عبد العزيز فهي مرحلة متقدمة من مراحل التدوين ، وهو تدوين السنة تدويناً رسميا ً من قبل الدولة ، بحيث تكون مرجعاً يعتمد عليه الناس ويتداولونه فيما بينهم ، وكان أول من استجاب له الإمام الزهري ، فهذا التدوين الرسمي العام لا ينافي أن السنة كانت تكتب قبل ذلك ، ولا ينافي ما كتبه الصحابة وقيده التابعون من قبل ، إذ إن تقييد الحديث لم ينقطع بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أودع في المصنفات المختلفة .
وبذلك يتضح أن الحديث كان محط أنظار المسلمين ومحل عنايتهم ورعايتهم في مختلف العهود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان في كل عهوده محفوظاً في الصدور ، ومكتوباً في السطور ، وقد تناقله المسلمون بكل حرص وأمانة جيلا بعد جيل بالمشافهة والكتابة حتى أودع المصنفات والكتب والمسانيد ، وبذل علماء الإسلام غاية الجهد في خدمته ، فميزوا صحيحه من ضعيفه ، وأودعوا ذلك كتباً ظلت موضع قبول الأمة وإجماعها إلى يوم الناس هذا كالصحيحين وغيرهما ، فظهر بذلك كذب هؤلاء المستشرقين وتهافت ادعاءاتهم وافتراءاتهم ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
===============
التدوين وأثره في الفقه
(الشبكة الإسلامية)
من الشبه الشائعة التي أصبحت عند البعض كأنها من المسلمات ، وقد يلقيها بعض المتخصصين في الدراسات الفقهية على الطلاب في الجامعات ، أن تدوين الحديث تأخر عن تدوين الفقه وانتشار المذاهب الفقهية ، الأمر الذي أدى إلى الخلاف بين الفقهاء ، بل بالغ بعضهم إلى درجة توهم البعد بين بعض المذاهب الفقهية المعتمدة وبين السنة النبوية . . !! .
وهذه الشبهة من أصلها قول من أبعد النجعة عن الحقيقة ، والحقيقة التاريخية تثبت خلاف ما ادعاه هؤلاء ، وذلك للأمور التالية :(11/71)
1 - إن حفظ الحديث قد توفر لدى الصحابة رضوان الله عليهم بأقوى ما يكون ، وكان جماعة من الصحابة على إحاطة بجملة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وجد في كل قطر من الأقطار من يؤدي الحديث بجملته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ثم من التابعين وهكذا ، ناهيك عن حفظهم للقرآن واعتنائهم بدراسته والتفقه فيه ، وهو الأصل الأول في التشريع ، فكانوا بذلك في غنى عن التدوين لما وعته صدورهم من العلم .
2 - ما سبق ذكره من تحقق التدوين منذ عهده صلى الله عليه وسلم ، وهو على كل حال يدل على أن الحديث حظي من التدوين والنشر بما لم يحظ به الفقه إلا بعد عهد .
3 - أن تدوين الفقه بدأ في ضمن تدوين الحديث ، حيث جَمَعت المصنفات والموطآت الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة ، فالحقيقة أن العكس هو الصواب ، وهو أن تدوين الحديث سبق تدوين الفقه ، وانتشار المذاهب .
4 - أن أسباب الخلاف بين الفقهاء ترجع في حقيقتها إلى أمور جوهرية أوسع وأبعد بكثير من غياب حديث أو روايةٍ عن الفقيه ، ولو استقصينا المسائل التي وقع فيها الخلاف بسبب ذلك لكانت مسائل يسيرة من أبواب الفقه ، أما سائر المسائل الخلافية فيرجع الخلاف فيها إلى أسباب جوهرية أخرى تتصل بطبيعة تلك المسائل الاجتهادية التي من شأنها ومن سنة الله أن تختلف فيها العقول والأفهام ، وقد وقع الخلاف في عهده صلى الله عليه وسلم بين الصحابة في نص واحد وجَّهه إليهم جميعاً يوم بني قريظة ، ولم يعنف صلى الله عليه وسلم أحداً من الفريقين .
فهذا كله وغيره كثير من الوجوه التي تبطل ادعاء تأخر تدوين الحديث عن تدوين الفقه ، وتبطل زعم أن ذلك التأخر كان منشأ تفرق المذاهب الإسلامية الفقهية .
منهج النقد في علوم الحديث د . نور الدين عتر بتصرف
=================
مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين
(الشبكة الإسلامية)
الاستشراق اتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة الإسلام والعرب بصفة خاصة ، وقد كان مقتصراً في بداية ظهوره على دراسة الإسلام واللغة العربية ، ثم اتسع ليشمل دراسة الشرق كله ، بلغاته وتقاليده وآدابه ، فالمستشرقون هم علماء الغرب الذين اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية ، ولغات الشرق وأديانه وآدابه .
أهداف الاستشراق
انطلق المستشرقون في دراستهم للإسلام من منطلقين كان لهما أبلغ الأثر في توجيه الدراسات الاستشراقية .
المنطلق الأول : النزعة الصليبية التنصيرية التي خيمت على أذهان المستشرقين وغطت على أفكارهم ، فجاءت دراساتهم في ثوب تنصيري ، فقد ارتبط الاستشراق في جميع مراحله ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسات الكنسية التنصيرية .
المنطلق الثاني : النزعة الاستعمارية السياسية المادية التي تهدف إلى بث النفوذ الغربي على البلدان الإسلامية ، ونهب خيراتها وثرواتها .
ومن خلال ما سبق يمكن تلخيص أهداف المستشرقين والدراسات الاستشراقية في الآتي :
1. إفساد صورة الإسلام ، بطمس معالمه ، وتشويه محاسنه ، وتحريف حقائقه ، وتقديمه للعالم على أنه دين متناقض .
2. تشكيك المسلمين في دينهم ، بإثارة الشبهات حول الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، لإضعاف صلتهم بهذا الدين وارتباطهم به .
3. إحياء النعرات القبلية ، والعصبيات المذهبية ، والنزعات الطائفية والعقائدية ، وإثارة الخلافات ، لتفريق وحدة المسلمين ، وإضعاف روح الإخاء بين المسلمين ، وإثارة اللهجات العامية وذلك بالتشكيك في اللغة العربية ومصادرها.
4. غرس المبادئ الغربية في نفوس المسلمين وتمجيدها ، والعمل على إضعاف القيم الإسلامية وتحقيرها حتى يتم لهم إفساد أبناء المسلمين وتحللهم ثم توجيههم لخدمة مصالحهم .
5. إزالة الثقة بعلماء وأعلام الأمة الإسلامية ، وذلك لقطع الصلة بين المسلمين وماضيهم ، وفي المقابل تمجيد الشخصيات الغربية وتعظيمها ليسهل التأثير والانقياد لهم .
منهج المستشرقين في دراسة الإسلام والدافع من ورائه
الدافع الذي دفع هؤلاء المستشرقين لدراسة الإسلام هو في الحقيقة العداء السافر لهذا الدين وللرسول صلى الله عليه وسلم ، هذا العداء الذي بدأ منذ فجر الإسلام ، فالمستشرقون ليسوا سوى امتداد لليهود والنصارى الذين بذلوا كل ما في وسعهم لطمس دين الإسلام ، وإزالة معالمه من الوجود ، ولم تخفف من هذا العداء القرون المتطاولة ، بل ظل يأخذ صوراً شتى وأشكالاً متنوعة ، تعلن تارة وتخفي أخرى ، وتظهر في ثوب الود والولاء تارة وتكشر عن أنياب العداء أحياناً ، واشتدت هذه العداوة بعد الحروب الصليبية ( 1097-1295م ) التي كانت نقطة تحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي وبين الشرق الإسلامي ، فقد عاش المستشرقون في هذه البيئة المفعمة ببغض الإسلام وارتضعوا من لبانها ، ولذا جاء منهجهم يحوي بين طياته كل دسيسة وشبهة تطعن في هذا الدين ، وأبرز سمات هذا المنهج الذي درسوا الإسلام على أساسه :(11/72)
1. تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوربية ، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام .
2. تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها .
3. اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار وغض الطرف عما هو صحيح وثابت.
4. تحريف النصوص ونقلها نقلاً مشوهاً وعرضها عرضاً مبتوراً وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه .
5. غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي .
6. تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها ، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث ، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه ، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ ، كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق .
7. إبراز الجوانب الضعيفة والمعقدة والمتضاربة ، كالخلاف بين الفرق ، وإحياء الشبه وكل ما يثير الفرقة ، وإخفاء الجوانب المشرقة والإيجابية وتجاهلها .
8. الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو الأخرى ، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم .
9. النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية .
صلتهم بالفكر الإسلامي وأثر تلك الصلة في إثارة الشبه حول السنة
سبق أن الحروب الصليبية كانت نقطة التحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم ، وأنها الدافع الأساسي للنشاط الاستشراقي المكثف ، ولكن اتصال الغرب بالشرق في ذلك الوقت وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي كان اتصالاً عدائياً مسلحاً ، متمثلاً في الحروب الطاحنة التي ظلت آثارها باقية حتى الآن .
وفي نهاية القرن السادس عشر الذي يعتبر منطلق الإصلاح الديني في الغرب ، كانت بداية الاتصال الاقتصادي المتمثل في اكتشاف موارد الثروة في العالم الإسلامي ، واستغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري وغير ذلك ، وتبع هذا الاتصال السياسي المتمثل في سيطرة الغرب ونفوذه على العالم الإسلامي حتى بلغ أوجه خلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين ، وخلال هذه الفترة الاستعمارية عمل الغربيون على تخلف المسلمين بإبعادهم عن دينهم حتى يتمكنوا من إخضاعهم إخضاعاً تاماً للسيطرة الغربية .
ففي تلك الفترة كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر لهم الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية ، فبحث المستشرقون في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة ، وصبغوا كل ذلك بصبغة علمية مما أدى بتلك البحوث والدراسات أن تكون مراجع للكثير من الباحثين في المعاهد والجامعات العالمية .
وقد غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم ، وكان العديد من قادة الفكر الإسلامي قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين عن طريق إيفادهم إلى الخارج ، أو استقدام المستشرقين إلى البلاد الإسلامية للعمل في المؤسسات الفكرية ومناهج التعليم ، وهكذا ظلت العلاقة قائمة ، والصلة وثيقة بين العالم الغربي والفكر الإسلامي ، ولكنها علاقة تستهدف الإسلام بدرجة أولى .
والمستشرقون الذين بحثوا في كل جوانب الإسلام لم يغب عنهم أهمية السنة النبوية فقد علموا أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن ، وفيها توضيحه وبيانه ، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه والشبه ليتسنى لهم بعد ذلك أن يتلاعبوا بالقرآن ويؤولوه بما يحلو لهم ، فطعنهم في السنة هو في الحقيقة طعن في القرآن وهدم لصرح الإسلام .
وسنعرض في مواضيع لا حقة بإذن الله لأهم شبهات المستشرقين حول السنة ، وتفنيد هذه الشبة والرد عليها .
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف
==============
عداوة المستشرقين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية) الدكتور /على مشاعل - خاص للشبكة -
اللهم لك الحمد كما أنت أهله، وصل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كما هو أهله، وافعل بنا ما أنت أهله ، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة .. أما بعد:(11/73)
فيا أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة، ينبغي علينا أن نعرف أعداءنا الذين يحقدون علينا ، ويكرهوننا ويكرهون ديننا ونبينا ، ويشوهون كل ذلك أمام الناس والتاريخ، ثم يتظاهرون أمام الجميع بأنهم الباحثون المنصفون ، والدارسون المتخصصون حتى في ديننا وعلومنا ولغتنا، ولكن من وجهة نظهرهم هم، ومن عجب أن احتاجت الأمة في طور انحدارها الذي تعيشه أن تسمح لأبناءها وبناتها بإرسالهم إلى ديار الحقد والمكر والخداع، ديار أدعياء الحرية والديموقراطية ، ونحن بهذا لا نذم البلاد ولا الشعوب، إنما نذم القوانين التي تنهار بسرعة وتتبدل بسرعة وتموت بسرعة أمام شهوات الانتقام والاحتيال والاستغلال والأطماع التي تخطط لها عقول وكفاءات متخصصة من أجل السيطرة على أمة الإسلام وإخضاعها لنزوات المتسلطين في النظام العالمي الجديد، والذين لا هم لهم سوى أنفسهم أو مصالح أعداء الإسلام والمسلمين
لقد امتدت ألسنة المستشرقين وأقلامهم إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل المشركون من قبل، وحاولوا جاهدين تشويه سيرته العطرة وأخلاقه العظيمة كي تنفر الناس من محبته والدخول في دينه أو الاطلاع عليه .
والعاقل المنصف الذي يعرف الإسلام ويقرأ عنه يرفض كل أقوال المستشرقين وافتراءاتهم التي تصب في هذا الاتجاه، لأنها تقطر حقدًا وسفاهة وعداوة بكل وضوح، وخذ لذلك هذه الأمثلة:
1- ينفث الشاعر الإنجليزي جون لوجيث سمومه وحقده وسفاهته حين يصف في الحديث عن سيد ولد آدم على الإطلاق ويقول: {إنه الساحر والزاني ووضيع الأصل ومنتحل شخصية المسيح، والمصاب بالصرع، الذي تأكل الحمامة الحب من أذنه، ويحمل له الثور على قرنيه جرار اللبن والعسل...} الظاهرة الاستشراقية 3/9 .
أسمعت بمثل هذه الحماقات والإسفاف الإنساني والحضاري ألا يدل هذا على صرع وجنون وانفلات أخلاقي لا يعذر به صاحبه أبدًا ؟!
الله عز وجل يصطفي رسوله ويختاره من العالمين ويزكي عقله وقلبه ولسانه وبصره وجليسه وشرعه وخلقه، حث يقول جل جلاله:{والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى }.[النجم:1- 18] .
ويقول سبحانه وتعالى:{وإنك لعلى خلق عظيم }.[القلم:4] .
إن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن ساحرًا ولا كاهنًا ولا شاعرًا، ولم يأت بسحر ولا كهانة ولا شعر، وذلك بشهادة الله عز وجل، وهو أصدق القائلين والشاهدين، وباعتراف أعدائه من المشركين ، وقال تعالى:{وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين }.[الحاقة:41 - 43] .
ولقد قال الوليد بن المغيرة بعد أن سمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما هذا بشعر ولا كهانة إني أعرفكم بالشعر والكهانة والسجع، ثم قال عن القرآن:إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه .
ثم إن القائلين بأنه سحر يعلمون تمامًا أن الساحر إذا سحر الناس سحرهم جميعًا، فسحرة فرعون سحروا كل من يشاهدهم حتى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام: {قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم }.[الأعراف:116] . حتى إن نبي الله موسى عليه السلام كان :{يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى }(طه:66] .
لكن الناس أمام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمنوا كلهم، بل آمن أبو بكر وكفر أبو جهل، وهكذا ، فلماذا وقع السحر على بعضهم دون البعض الآخر هذا على أنه ليس بسحر .(11/74)
2- ويكتب جولدزيهر عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فيقول: كانت ولادته نحو عام 570م في الفرع الهاشمي الفقير، المنتمي إلى قبيلة قريش القوية، والذي له القيادة بمكة، وقد ولد يتيمًا رباه أقاربه وكان يكسب رزقه بطريقة قاسية وبسيطة، في آن واحد، فقد اشتغل راعيًا ثم أصبح تاجرًا لحساب سيدة غنية اسمها خديجة عندما بلغ من العمر خمسة وعشرين سنة، وبعد أن تزوج من هذه الأرملة الغنية التي تكبره بخمسة عشر عامًا، انتهت همومه المادية، وأصبح بدوره تاجرًا.. إنه خلال رحلاته المتعددة التقى ببعض اليهود والنصارى الزاهدين، وأصبح يفكر شيئًا فشيئًا في الحياة الخلقية والدينية السيئة بمكة، وأصبح ضميره يتعمق في هذه الأمور عن طريق التفكير والتأمل، وهكذا أصيب بقلق مؤلم ظهر على السطح عن طريق الاضطرابات العصبية، فانزوى في الجبال مفكرًا في مصير أمته، وهكذا أصبح ثائرًا ضد نظام الحياة المكية، واختلطت تجاربه الشخصية بالمعارف التي استقاها من اليهود والنصارى إلى أن تحولت على هيئة رؤى وأحلام وهلوسة، فعكست شعوره بالثورة ضد الماضي، وكونت هذه الأمور في مجملها ما أذاعه وبشر به في قادم الأيام..(الظاهرة الاستشرقية 3/12) .
لقد ابتعد جولدزيهر كثيرًا عن الفهم الصحيح والموضوعية المنصفة، فهو يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يترعرع في رعاية الله وعنايته كما لو تحدث عن أبسط إنسان رآه جولدزيهر ويضخم في التصوير بأنه صلى الله عليه وسلم أصبح تاجرًا لحساب خديجة، ويضلل القارئ عندما يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح تاجرًا وانتهت همومه المادية بعد زواجه من خديجة، ويجهل جولدزيهر أو يتجاهل أن خديجة رضي الله عنها هي التي رغبت فيه أولاً.
وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى لمال أو جاه أو تجارة، إنما كان يريد أن يساعد عمه أبا طالب في كسب الرزق وكفاية العيال ليرد له بعض الجميل الذي قدمه له في صغره وكفالته .
وأما الزعم بأنه صلى الله عليه وسلم التقى ببعض اليهود والنصارى الزاهدين، فهي دعوى باطلة دأب المستشرقون على إثارتها والمبالغة فيها ليصلون إلى الفرية القاتلة بأنه صلى الله عليه وسلم تأثر بهم، مع أن الحقيقة واضحة جلية غنية عن البيان يعرفها مشركو ذلك الزمان بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين من عند يهود ولا نصارى ولا فرس ولا رومان ولا جاهلية ولا عروبة، إنما من عند الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
ولو كانت افتراءات المستشرقين ممكنة ولها مستند من العقل والواقع ،لما سكت المشركون عن مثلها، ولكنهم يعلمون سيرته وبعده عن كل مصدر بشري يمكن أن يكون معلمًا أو مشيرًا، مع أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عجز عن بعضه كل الخلق من يهود ونصارى وعرب وفرس وروم وغيرهم، مع أن القرآن يشير إلى سخافات وقع بها العرب وهم يتدافعون الحق والدين والقرآن. فقال:{يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين }ٌ.[النحل: 103].
فكيف يمكن للأعجمي والرومي والفارسي واليهودي والنصراني أن يعلم العربي ويأتيه بقرآن عربي مبين عجز العرب عن الإتيان بمثله .
إن هذه الافتراءات لشيء عجاب لا تصدر عن شخص يحترم عقله وعلمه وأبحاثه، لكن الحقد يعمي ويصم .
===============
خيانة المنهج عند المستشرقين
(الشبكة الإسلامية) د. عبد العظيم الديب
ليسو أمناء :
إن أكثر ما يلوكه المسبِّحون بحمد المستشرقين ، هو الإشادة بدقتهم وتجردهم للبحث والعلم ، وقدرتهم على التمحيص والتدقيق ، وأنهم قادة هذا الميدان وفرسان هذا المجال ، والمستشرقون أيضًا حرصوا كل الحرص على أن يُضفوا على أنفسهم هيبة العلم وقداسة محرابه ، وأن يخفوا تحت شارته وردائه كل " أغراضهم " و " أهوائهم " ، وأصبحت كلمات : " الأكاديمي " ، " البحث العلمي " ، " المنهج " ، " حرية الرأي " ، " قيمة العقل " ، " والحيدة العلمية " …إلخ ، أصبحت هذه الشعارات درعًا سابغًا توارت تحته مكنونات الصدور ، وخفيات الضمائر وسموم الأحقاد ، ولكن لله درّ الإمام ، أمير المؤمنين " أبي جعفر المنصور " حين قال : " إنه ما أسرّ أحد معصيةً قط إلا ظهرت في آثار يده وفلتات لسانه".
ولو وضع تلاميذ المستشرقين وأتباعهم ، والذاكرون الشاكرون لهم ، هذه الغشاوة عن أعينهم ، وهذه الحجب عن بصائرهم ، لرأوا ما خلف هذه الأقنعة ، وعلموا أن كلام المستشرقين في العلم والمنهجية وحرية
البحث والحيدة العلمية مجرد أقنعة تتراكم وتتراكب إمعانًا في إخفاء ما تحتها ، ولو نظرنا في عمل هؤلاء المستشرقين بمقاييس " العلم " و "المنهج العلمي " و " البحث الأكاديمي " … لوجدناهم أول من يصفع هذا المنهج على قفاه ، ويدوسه بقدميه ، وهو في نفس الوقت رافع رايته ، متقدم باسمه ، ضارب بسيفه .(11/75)
وإن القوم لعلمهم أن حربَ الكلمة والفكر ، ليست كحرب السلاح والدم ، ففي الثانية كلما تكاثفت الضربات ، وتوالت الطعنات ، وتقدمت الجيوش تحرق وتدمر ، كان النصر، لكن في حرب الكلمة والفكر " كلما كانت الضربة " أخف وأرق وألطف ، وكلما تباعدت الضربات ، وكلما كانت الضربات والطعنات مغلفة بغلاف كافٍ من الحقائق والصدق ، كان ذلك أوجع وأوقع وأخطر .
نماذج من تحريف النصوص وخيانة المنهج :
" جولد تسيهر " :
يحمل المستشرق " جولد تسيهر " على السنة المطهرة حملة شعواء ، ويحشد لما يقوله من التشكيك فيها ، أدلةً من أوهامه ، وتزييفاته ، وتحريفاته ، نكتفي بعرض نموذجٍ واحد لهذه التحريفات ، التي يزيف بها النصوص ، ويغيرها ، لتحقق له هدفه .
وهو محاولة الطعن في رواية الحديث جملةً ، فيستعرض بعض ما يقوله علماءُ الرجال في الرواة ، ويُخرجونه مخرج الجرح والتعديل ، ليوهم بأن هؤلاء الرواة مجروحون ، كذابون .
فمن ذلك قوله : " … ويقول وكيع عن زياد بن عبد الله البكّائي " إنه مع شرفه في الحديث كان كذوبًا ، ولكن ابن حجر يقول في التقريب : " ولم يثبت أن وكيعًا كذبه".
يريد " جولد تسيهر " بهذا أن يقول إن زيادًا البكّائي كان كذوبًا ، مع علوّ منزلته في الحديث ، وذلك بشهادة " وكيع " أحد أعمدة الجرح والتعديل ، فإذا كان مثل زياد البكّائي " كذوبًا " فأي ثقة بالحديث ، والسنة ؟؟!! .
فلننظر أصل النص ، وكيف حرّفه " جولد تسيهر " : جاء في التاريخ الكبير للإمام البخاري : " وقال ابن عُقبة السَّدوسي " عن وكيع : هو " أي زياد بن عبد الله البكّائي " أشرف من أن يكذب ".أهـ .
هذا هو النص كما ترى ينفي عن " زيادٍ " الكذب أشدَّ النفي وأبلغه ، فهو " أشرف من أن يكذب " ، أي أنه أبعد من الكذب بسجيته وفطرته ، وطبعه وشرف نفسه ، وعلوّ همته وسموّ نفسه ، فلو كان الكذب " حلالاً " غير منهي عنه شرعًا ما كذب ، كما روي عن بعضهم " لو كانت خيانتُك حلالاً ما خُنتك " مبالغة في بعد الخيانة عن طبعه ، ومجافاتها لشيمه .
ومع وضوح هذا النص يحرّفه المستشرق إلى " أنه كان مع شرفه في الحديث كذوبًا" .
* ومن تحريفات " جولد تسيهر " أيضًا في نفس المجال ، اتهامه للإمام " الزهري " بأنه كان " مستعدًا لأن يضع الأحاديث لبني أمية ، وأن يكسوَ رغبات الحكومة باسمه المعتَرف به عند الأمة الإسلامية ، ولم يكن " الزهري " من أولئك الذين لا يمكن الإتفاقُ معهم ، ولكنه كان ممن يرى العمل مع الحكومة ، فلم يكن يتجنب الذهاب إلى القصر ، بل كان كثيرًا ما يتحرك في حاشية السلطان ، بل إننا نجده في حاشية " الحجاج " عندما ذهب إلى الحج ، وهو ذلك الرجل المبغَض … " إلخ .
يريد بذلك أن يوهم القارئ أن " الزهري " كان تابعًا لذوي السلطة ، يجري في فلكهم ويستمتع بالقرب منهم ، في مقابلة ما يؤديه لهم من خدمات في تخصصه ، أي العلم بالحديث ، حيث يخترع لهم الأحاديث التي " تكسو رغبتهم ثوبًا دينيًا " .
ولا يعنينا هنا تفنيد هذه التهم ، فليس هذا مجاله ، ولكن يعنينا أن نضع أمام القارئ الصورة البشعة لتحريف النصوص وتزييفها ، بقصد تنفير الناس من الإمام " الزهري " أحد أعمدة السنة وأركانها ، فـ " الزهري " لم يكن مع " الحجاج بن يوسف الثقفي " في حاشيته حين حج ، وإنما كان مع " عبد الله بن عمر " ـ رضي الله عنه ـ حين اجتمع مع " الحجاج " ، وإليك النص على حقيقته كما ورد في " تهذيب التهذيب " لـ " ابن حجر : " أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري ، قال : كتب عبد الملك إلى الحجاج أن اقتد بابن عمر في المناسك ، فأرسل إليه ـ أي إلى ابن عمر ـ الحجاجُ يوم عرفة إذا أردت أن تروح فآذِنّا ، فراح هو وسالم ، وأنا معهما ، فـ " الزهري " إنما كان مع " عبد الله بن عمر " حين اجتمعا بـ " الحجاج " لا في معية " الحجاج " .
ثم هو يتعامى أيضًا ، عن ورع " عبد الملك " ، وأمره لـ " الحجاج " بالاقتداء بـ " ابن عمر " ، وعن طاعة " الحجاج" واقتدائه بـ " ابن عمر " ، ولكنه لا يرى شيئًا من ذلك ، حتى يؤكد ما قرروه في أذهان تلاميذهم من مؤرخينا ، عن ظلم بني أمية وفسادهم .
- ونموذج ثالث لتحريف هذا المستشرق نفسه ، في نفس المعنى ، أعني اتهام الإمام "الزهري" بالوضع ـ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ـ قال عن " الزهري " واستعداده لمسايرة الحكام ، ووضع ما يرون من أحاديث : " قد كانت تقواه تجعله يشك أحيانًا ، ولكنه لا يستطيع دائمًا أن يتحاشى تأثير الدوائر الحكومية ، وقد حدثنا مَعْمر عن "الزهري" بكلمة مهمة ، وهي قوله : أكرهنا هؤلاء الأمراء على أن نكتب " أحاديث " .
فهذا الخبر يُفِهم استعداد " الزهري " أن يكسوَ رغباتِ الحكومة باسمه المعتَرف به عند الأمة الإسلامية " .(11/76)
ونلاحظ أنه في نفس الوقت يحاول أن يظهر بمظهر الحيدة العلمية ، الخالية من الغرض ، فلا يحرم الزهري من وصف " التقوى " المعروف به ، بل يُضفي على عبارته ما يجعلها أولى بالتصديق ، فيجعل الزهري ذلك التقي الصالح ، يستشعر الندم أحيانًا ، ويعترف بخطئه ، ويبرر لنفسه ذلك بأنه واقع تحت الإكراه من السلطة ، وهكذا بهذا الملمس الناعم يسوق تزيينه وتحريفه ، وينفثه في خفةٍ ومهارةٍ .
وهو في كل ذلك يرتكز على ذلك النص المنقول عن "معمر " ليوهم القارئ بأنه يوثق ما يقول ، ويملك دليلاً على ما يدّعي .
وهذا النص الذي نقله فيه تحريف متعمد يقلب المعنى رأسًا على عقب ، وأصله كما عند " ابن عساكر " ، و " ابن سعد " ، أن " الزهري " كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس ـ كان يفعل ذلك ليعتمدوا على ذاكراتهم ، ولا يتكلوا على الكتابة ـ فلما طلب منه هشام ، وأصر عليه أن يُملي على ولده ليمتحن حفظه ، وأملى عليه أربعمائة حديث ، خرج من عند هشام ، وقال بأعلى صوته : يا أيها الناس ، إنا كنا منعناكم أمرًا ، قد بذلناه الآن لهؤلاء ، وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة " الأحاديث " فتعالوْا حتى أحدثكم بها ، فحدثهم بالأربعمائة حديث .
هذا هو النص التاريخي لقول " الزهري " ، وقد رواه " الخطيب البغدادي " بلفظٍ آخر ، وهو : " كنا نكره كتابَ العلم ـ أي كتابته ـ حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء ، فرأينا أن لا نمنعه أحدًا من المسلمين ".أهـ .
ونترك التعليق لقلم الدكتور " مصطفى السباعي " ـ رحمه الله ـ إذ يقول : " فانظر كم الفرق بين أن يكون قول " الزهري " ، كما روى " جولد تسيهر" : "أكرهونا على كتابة أحاديث" ، وبين أن يكون قوله كما رواه المؤرخون "أكرهونا على كتابة الأحاديث" ، أو كما رواه "الخطيب " "على كتابة العلم " ، ثم انظر إلى هذه الأمانة العلمية حذف " ال " من (الأحاديث) ، فقلبت الفضيلة رذيلة .. حيث كان النص الأصلي يدل على أمانة " الزهري " وإخلاصه في نشر العلم ، فلم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس ، إلا أن يبذله للناس جميعًا ، فإذا (أمانة) هذا المستشرق تجعله ينسب لـ " الزهري " أنه وضع للأمراء أحاديث أكرهوه عليها ، فأين هذا من ذاك ؟؟ .
" وِل ديورانت " :
وإذا شئنا نماذج أخرى لتحريفاتهم ، فإليك ما أورده "ول ديورانت " في كتابه (قصة الحضارة) :
- يقول عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء واجبات الحب والحرب ، ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسعة والخمسين من عمره ، وظن أن يهود خيبر قد دسوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت ، فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات ، ونوبات غريبة … إلخ " .
ولا يعنينا أن نناقش القبح والفحش الذي كتب به المؤلف ما كتبه عن نبينا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ بأبي هو وأمي وبنفسي وبالناس أجمعين ـ فليس هذا مجال مناقشته ، ولكن الذي يعنيني أن أضبط هذا المستشرق العلامة متلبسًا بخيانة المنهج ، وذلك في قوله : " وظن أن يهود خيبر قد دسوا له السم في اللحم " فهذا التعبير بـ " ظن " يريد به أن ينفي صحة الخبر ، ليبرئ اليهود بالتالي من جريمة محاولة قتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالسم ، ومن قتل الصحابي الجليل الذي أكل معه .
وهذا الخبر " خبر دس السم " موجود مشهور في مصادر السيرة النبوية المختلفة ، فقد أورده ابن هشام في سياق غزوة خيبر ، وأورده " ابن سعد " في طبقاته ، ورواه البخاري في غير موضع " 5/176 " ، ومسلم " 7/14ـ15 " ، كلاهما من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ ، وأحمد برقم " 2885 " من حديث ابن عباس ، وأبو داود : " 1/146 " ، والدارمي "1/33 " عن جابر ـ رضي الله عنه ـ … ، " وفيه اعتراف اليهود بدس السم وعفو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا الجرم الفظيع ، مع موت الصحابي الجليل "البراء بن معرور" ـ رضي الله عنه ـ بهذا السم " .
ومع ثبوت هذا الخبر ووفرة مصادره تأبى " الأمانة العلمية " و " الحيدة الأكاديمية " و " منهج البحث " على هذا المستشرق العتيد إلا أن يزيف ويحرّف ، فينكر الخبر ، وينسب الحادثَة في إيجاز بارع إلى مجرد ظنٍّ ووهم .
وعلى حين ينكر هذا الخبر الثابت ، يحرف ويزيف خبرًا آخر ، يزيد فيه وينقص منه .
فيقول في " ص77 " ، وهو يتحدث عن الثراء الذي جاء المسلمين نتيجةً للفتح : " … وكانت للزبير بيوت في عدة مدن مختلفة ، وكان يمتلك ألف جواد ، وعشرة آلاف عبد…" .
وهذا الخبر بهذه الصورة وبهذا الإيجاز ، يجمع ألوانًا وأفانين من التحريف ، ففيه زيادة ، وفيه نقص ، وفيه تغيير وتبديل ،وبيان ذلك :
إن الخبر ورد في المصادر المعروفة والمشهورة هكذا : " كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم ، فما يُدْخلُ إلى بيته منها درهمًا واحدًا يتصدق بذلك جميعه " هكذا ورد الخبر في :
1- الإصابة لـ " ابن حجر العسقلاني "1/546 .
2- أسد الغابة لـ " ابن الأثير " 2/198 .(11/77)
3- البداية والنهاية " لـ " ابن كثير " 7/251 .
4- صفة الصفوة " لـ " ابن الجوزي " 1/346 .
5- الاستيعاب لـ " ابن عبد البر " (بهامش الإصابة) 1/583 .
وبعض هذه المراجع من منشورات المستشرقين ، أعني أن هذا الخبر بهذه الصبغة كان متاحًا له وبين يديه ـ وهم يزعمون ، ويزعم تلاميذهم أنهم يستقصون المراجع ، ولا يخطون حرفًا إلا بعد جمع كل ما يتصل بموضوعهم ـ ولكنه كما ترى ارتكب التحريفات الثلاثة الآتية :
(1) زيادة " ألف جواد " من عنده ، فقد أقحمها في الخبر ، ولا وجود لها فيه أصلاً .
(2) نقص الجزء الأخير من الخبر عن تصدق الزبير بخراج هؤلاء المماليك .
(3) زيادة الألف مملوك إلى عشرة آلاف .
وهكذا تكون " الأمانة العلمية " و " النزاهة " و " الحيدة " و " التجرد " و " المنهج " إلى آخر هذا الركام من الأحجار التي يُلقمونها لمن يريد أن ينظر في عمل المستشرقين .
* وهاك نموذجا آخر للتحريف وخيانة المنهج ، وهو ما قاله هذا المستشرق عن " هارون الرشيد " ، ذلك الخليفة العظيم ، وعلاقته بالبرامكة ، قال : " وكان هارون يحب جعفر حبًا أطلق ألسنة السوء في علاقتهما الشخصية ، ويقال " إن الخليفة أمر بأن تصنع له جبة ذات طوقين ، يلبسها هو وجعفر معًا ، فيبدوان كأنهما رأسان فوق جسم واحد ، ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية "(كذا)( الجزء الثاني من المجلد الرابع ـ مسلسل رقم " 13 " ـ ص: 93 سطر 5-8 ، ولا يعفي " ديورانت " أنه عزا هذا الكلام إلى " مرجليوث " في كتابه (محمد ومطلع الإسلام) بل إن هذا يضاعف الجرم (أفعى ترضع سماً) ويشهد بعراقة الإفساد ، وتمكن الحقد من نفوس القوم ، وإحكام الكيد وسوء المكر ، وإن الإنسان ليعجب أيُّ علاقة لهذا الكلام عن هارون الرشيد بكتابِ عن "محمد ومطلع الإسلام" ؟؟ أية منهجية هذه ؟؟؟)
انظر مؤرخ الحضارة ، عملاق الفكر ، وربيب الأكاديمية ، وسادن العلم ، وأستاذ البحث والمنهج ، ينكر الحديثَ الثابت والخبر المتفق عليه ، الذي تردد في كل الكتب تقريباً ، " عن دس اليهود السم للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ، ويضيف ويغير في خبر ثروة " الزبير " ـ رضي الله عنه ـ ، ويأتي هنا بخبر (لقيط) لا يُدرى له أصل ، فيحتفي به أيما احتفاء ، بل يبني عليه من عنده ، فيتخذ منه مناسبةً ليطعن بغداد دار السلام عاصمة الدنيا كلها في ذلك الوقت ، فيقول : " ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية " ، هكذا يقذف المجتمعَ كله بهذه الفرية ، ولنا على هذا الكلام ملاحظتان :
الأولى : أن هذا الخبر على فرض صحته ، كان الأولى به أن يعف عن ذكره ، فلا (يلوِّث) به كتابه ، ولا يؤذي به حياء قارئه ، فهذا شأن العلماء ، والباحثين ، لاسيما وأن الخبر في سياقه مقحم لا قيمة له ، فإثبات قوة الصلة بين هارون الرشيد والبرامكة لا يحتاج إلى مثل هذا الفحش ، الذي يعف عنه عامة الناس ، بله كبار العلماء ، (آهٍ ، متى يعود لأمتنا مكانها حتى تقيم حدود الله ، وتجلد هؤلاء القذفة) .
الثانية : أن هؤلاء المستشرقين دائماً يدعون إلى العقل ، وتحكيم العقل في الخبر، مهما كانت صحة سنده ،والسؤال للمستشرق العملاق : هل يقبل عقلُ عاقل (أي عاقل) ، بله عقل متحضر ، بله عقل (مؤلف عالمي) ، هل يقبل العقل أن يمشي رجلان في ثوب واحد ؟؟ وكيف ؟ وبأي سعةٍ يكون هذا الثوب ؟ وأيهما يمشي أولاً ؟ وأيهما يمشي ثانيا؟ أم كان هناك إيقاع موسيقي يضبط حركتهما ؟؟!
وإذا تركنا هذا الإمكان (العملي) ، فهل يقبل العقل أن حاكماً في مثل منزلة هارون الرشيد كان فارغاً لهذا العبث ، بل لهذا الفساد؟ وهل يعقل أن من يصل إلى هذا الحد من (السقوط) يمكن أن يكون صاحب هذا التاريخ الذي زحم الدنيا ، من الغزوات والانتصارات والسفارات ، والبناء والتعمير ، وقيادة (الدنيا كلها) في طريق الحضارة والنور ، هذه الخطوات الفساح التي تمت في عهد " الرشيد " ، هل يقبل عقلُ عاقل أن " هارون الرشيد " الذي كان يقود الجيوش بنفسه ، ويقضي الشهور تلو الشهور في ملابس الميدان ، هذا الذي أذلّ أباطرةَ الروم ، ودفع عن ثغور المسلمين دسائسَهم ومؤامراتهم ، حتى مات مجاهداً ودفن هناك في (طوس) على أطراف دولته ، بعيداً عن عاصمته و (قصره) مسيرة أيام ، هل يعقل عاقل أن هذا المجاهد يصل إلى هذا المنحدر من السقوط ؟؟ إلا في عقل هؤلاء المستشرقين .
بل إن " جعفر البرمكي " هذا كان قائداً محنكاً ، ولاشك أن مؤرخ الحضارة قرأ عن أعماله الحربية العظيمة ، وأن " هارون الرشيد " كان يرمي به في أخطر المآزق ، ويلجأ إليه في أشق المضايق ، فطالما قمع الفتنة ، وردع العدوان ، وسدّ الثغور ، وحمى الحصون ، وجال في أرض العدو وصال .(11/78)
أفمثل هذين العظيمين الطاهرين المجاهدين يكون فارغاً لما يرمز إليه بهمزه ولمزه ، ذلك المؤلف العالمي " الهمزة اللمزة ".(نحن نعرف ويعرف " ول ديورانت " أكثر منَّا مِنْ مَنْ قادة الفكر والرأي في بلاده يصدق عليهم يقيناً ما حاول أن يرمي به هارون الرشيد وجعفر ، بل حاول أن يرمي به المجتمع المسلم في بغداد كلها ، نحن نعرف ولكن نعفّ ونطهر قلمنا وكتابنا أن نذكر ، ولا نهمز ولا نلمز) .
مستشرق ثالث : " فان فلوتن " :
يعتبر" فان فلوتن " أحد المستشرقين المعنيين بالتاريخ الإسلامي ، خاصة فترة الأمويين والعباسيين ، ونستطيع أن نجد اسمه يتردد في كثير من الكتب الجامعية مرجعاً من مراجعهم يباهون به ، ويفتخرون بالاعتماد عليه ، وهو يغريهم بما ينسبه إلى " الطبري " ، و " البلاذري " ، و " اليعقوبي " ، و " الواقدي " ، ونحوهم ، فيخيل للباحثين والدارسين أنه (وثَّق) كل أخباره ، وأتى بها من منابعها ، فيعجبون به ، ويطمئنون إليه .
السيطرة العربية :
لـ " فلوتن " كتاب بهذا الاسم " السيطرة العربية " ، ونظراً لأهميته في مجال التاريخ ، فقد حظي بعناية من رجال التاريخ عندنا ، فترجمه إلى اللغة العربية سنة " 1934م " الدكتور " حسن إبراهيم حسن " ، و " محمد زكي إبراهيم " ، وطبعت هذه الترجمة طبعتين ، ثم ترجمه سنة " 1980م " مرة ثانية الدكتور " إبراهيم بيضون " .
و " فلوتن " متخصص في تاريخ هذه الفترة حيث كانت أطروحته للدكتوراه في نفس الموضوع ، ودراساته ومقالاته وأبحاثه تتجه كلها هذه الوجهة .
ومن هنا كان لكلامه وزن وقيمة ، وكان ( لتحريفه) للمصادر و (خيانته) للمنهج خطر عظيم ، وكان هذا منه جرماً أي جرم .
ونحن نلتزم بهدفنا هنا ، فلا يعنينا ما في الكتاب من تهجم على الإسلام والمسلمين ، الذي لا يعدو أن يكون سباً وشتماً (بأسلوب أكاديمي) ، وإنما يعنينا هنا جريمته في حق(التراث)، وكيف حرف المصادر والمراجع وزيفها . وإليك هذا المثال :
جاء في " ص67 " قوله : " وقد فرضت حالةُ الترف المتصاعدة هذه (يقصد الترف الذي أصابه المسلمون ثمرة للفتوح) تغطيةً دائمة لمواجهة متطلبات جديدة ، واللجوء إلى الاستدانة كطريقةٍ فذّة من أجل إشباع رغباتهم... " ثم أحالنا على الطبري : " 1/2811 "، فماذا نجد في الطبري في هذا الموضع ؟
لم نجد في الطبري إلا خبراً عن استدانة سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ من بيت مال الكوفة ، وكان خازن بيت المال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ ، وكان سعد والي الكوفة ، فاستقضى عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ سعداً ، واشتدّ في مطالتبه ، فاستمهله سعد فلم يقبل ، وكان بينهما تلاوم ، ووصل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً ، فلامهما معاً ، وقال لهما : أنتما أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكيف تتلاحيان هكذا أمام الناس ؟ ، وعزل سعداً ، وأقرّ عبد الله بن مسعود على عمله .
هذا هو ما ذكره الطبري ، فكيف يفهم منه أيُّ قارئ ، بَلْهَ باحث ضليع ، يقتعد مقعد الأستاذية ؟؟
كيف يفهم من هذه الحادثةَ أن الاستدانة قد صارت ظاهرة في المجتمع ؟؟ ، وأنها أصبحت وسيلة (فذة) لإشباع الترف الذي شاع فيه ؟ كيف يفهم هذا ؟ ، وبأي منطق يقال هذا ؟ ، وأي ترفٍ كان في مجتمع الكوفة سنة " 26 هـ " ؟
ثم لو نظر إلى هذه الحادثة بعين مجردة ، ودون تعمق ولا (منهج بحث) ولا … ولا… ألا يجد فيها فخراً للإسلام والمسلمين ؟؟ ألا يرى كيف لم يستطع الحاكم (والي الكوفة) أن ينال من مال الجماعة إلا قرضاً ؟ ثم ألا يرى كيف كانت أمانة خازن بيت المال الذي لم يسعه السكوت عن (الوالي) واصطناع يدٍ عنده ، وأي (يدٍ)؟ بالتأجيل فقط طبعاً (لا بالتنازل) ، ثم ألا يرى تلك الحرية التي وسعت (موظفاً) (صرافاً) (خازناً) يلاحي الأمير ، ويناصيه ، ويغلظ له ؟؟!! أية (حرية) هذه ؟؟ ألا تهز أعطافه ؟ ألا تروعه ؟ ألا تبهره؟
ثم ألا يتبادر إلى الذهن أن الحاجة ، والفاقة هي التي ألجأت سعداً إلى الاستدانة ؟؟ وهذا هو الواقع ، ففيم كان يستدين سعد في ذلك الوقت ؟؟ وفي أي مجالٍ كان ينفق في ذلك الحين ؟؟ فقد كانوا يعيشون عيش الكفاف !! .
ثم لو مدّ بصره قليلاً ، لقرأ في الأسطر التالية بقية القصة ، وكيف أن سعداً لشدة ألمه من عنف " عبد الله بن مسعود " ، وعدم رفقه وتأنيه به ، رفع يديه إلى السماء ، وقال: اللهم رب السماوات والأرض … فقاطعه " عبدُ الله بن مسعود " قائلاً : " ويلك !! قل خيرًا ولا تلعن " ، وخاف أن يدعو سعد عليه ، فقال سعدُ عند ذلك : أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك !!! كلماتُ تقطر تقوى ، وتندى بالحب والإخاء ، ومواقف تنطق بالطهارة والتعفف .
ولو قرأ بقيةَ الصفحة لوجد أن الأمير الذي تولى بعد سعد على الكوفة مكث خمس سنين ، وليس على داره باب !!! فأي ترف ؟ وأي استدانة ؟.(11/79)
ولكن هكذا بهذا التحريف ، وبهذا التزييف ، استكره النص ، واستنطقه ما لا ينطق به ، وقال على الطبري ما لم يقل ، وقلب الحسنات سيئات .
* والأمثلة لا تنتهي ، ولكننا نكتفي بنموذج آخر من كلام (فلوتن) في نفس الكتاب في نفس الموضوع جاء في ص 66 : " ولقد أصابت الأسرُ المرموقة في الكوفة ثراءً ، فاحشاً كان مصدره (المغانم) والأعطيات السنوية ، فكان الكوفي إذا ما ذهب إلى الحرب ، يصطحب معه أكثر من ألف من الجمال ، عليها متاعه وخدمه " ، ثم نسب ذلك إلى الطبري : "2/810
===============
جوانب إعلامية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية) محمود عوض
الدارس لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من جوانبها الإعلامية لابد له أن يتوقف عند جانبين مهمين وأساسيين في مثل هذه الدراسة .
الجانب الأول :
الشخصية القيادية التي تقود الرأي وتمثل محور هذه السيرة ، وهذه الشخصية هي شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومواقفه في الدعوة ونشر الإسلام وتبليغ الوحي تعطي أبلغ الدروس وتؤصل لأعظم النظريات في الإعلام دون أن تحمل اسم الإعلام أو مصطلحاته الحديثة ، وهذه الشخصية المحمدية محورية في إيصال الرسالة الإعلامية الأولى والخالدة للجماهير وهي القرآن الكريم الذي يمثل الجانب الآخر من دراسة السيرة النبوية إعلاميًا ، وسوف نتوسع قليلاً في الحديث عن هذين الجانبين ، ونبدأ أولاً بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في جانبها الإعلامي مذكرين بأن السيرة النبوية تمثل الآليات العملية التي اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم لإيصال الرسالة الإعلامية الأولى ـ وهي القرآن الكريم ـ إلى الجماهير مع شرحها وبيان ما أجمل منها .
أولاً : شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من منظور إعلامي :
إذا كان علماء النفس والاجتماع وغيرهم قد صنفوا السلوك الإعلامي ( الاتصالي ) إلى ثلاثة مستويات ، فإن الذي يعنينا في دراسة السيرة النبوية من جوانبها الإعلامية هو المستوى الثاني الذي يسمونه مستوى الاتصال الغرضي أو الهادف ـ purposive Commuocatoin ـ الذي يتميز بوجود غرض لدى البادئ بالاتصال في أن يؤثر في سلوك من يستقبل الرسالة ، والسيرة النبوية تحكي الجانب العملي للرسالة التي حملها الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية بغرض الهداية إلى سبيل الله عز وجل والتبشير بالإسلام والدعوة إليه ، وبغرض الإنذار لمن تنكّب صراط الله المستقيم ، وتحذيره وإعلامه بخطورة الإعراض عن رسالة الإسلام والكفر بها وجحدها ، ومن هنا كان من الجوانب المهمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم الجانب الاتصالي ، وهو أول ما يلفت النظر في دراسة تلك الشخصية العظيمة من خلال القرآن الكريم ، ومن خلال السنة المشرفة وجانبها العملي في السيرة النبوية ، ومن خلال شهادات الصحابة رضوان الله عليهم للشخصية المحمدية ووصفهم لها ، وإنا لنجد في سورة الأحزاب وفي غيرها آيات تحدد معالم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمهمة التي أرسل من أجلها وسلوكه الاتصالي ( الإعلامي ) في هذه المهمة ، قال الله عز وجل ( يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا * وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا * وبشّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيرًا * ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) (الأحزاب 45-48) فهو شاهد على المدعوين ومبشر لهم ونذير وداع لهم إلى سبيل الله عز وجل ، وسراج ـ على المستوى السلوكي ـ منير في هذه السبيل . صلى الله عليه وسلم ، بل إننا نذهب أبعد من ذلك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الشخصية الإعلامية المثلى على مر التاريخ فقد كان قائد الرأي ـ Opinion Leader ـ والمصدر المؤثر في المدعوين وتابعي الرأي ـ Opinion Follower ـ ، وكان يصدر في تأثيره عن وحي سماوي جعله ( لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى ) ، وجعله يبذل نفسه لنصح الناس ودعوتهم وإرشادهم والسعي إليهم من أجل ذلك واستقبالهم كذلك ، ولقد صور القرآن الكريم حال الرسول صلى الله عليه وسلم في حرصه على دعوة الناس وهدايتهم ، قال تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم * فإن تولّوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكّلت وهو رب العرش العظيم ) (التوبة/128- 129) ، وقال أيضًا ( فعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) (الكهف/6) ، وهكذا كان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وديدنه وشغله الشاغل الاتصال بالناس وتبصيرهم وإرشادهم ومحاولة هدايتهم إلى طريق الحق ، وهذه هي الرسالة الحقيقية التي ينبغي أن تكون للإعلام ـ عمومًا ـ ، وللإعلام الإسلامي ـ خصوصًا ـ الذي يشتغل بالحقيقة الصادقة نقلاً وإخبارًا بما يخدم أهداف المجتمع الإسلامي في إطار من الحلال وبعيدًا عن الحرام .
مزايا إعلامية سامية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم :(11/80)
والمتتبع لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في جانبها الإعلامي سوف يجد مزايا إعلامية عالية تتمتع بها هذه الشخصية المعصومة ، ويمكن إجمال بعض هذه المزايا فيما يلي :-
(1) أخلاقه صلى الله عليه وسلم التي بلغت الذروة في الكمال ، وقد شهد له الله عز وجل في القرآن الكريم بعظم خلقه ، قال عز وجل ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم/4) ، وشهدت له قريش الشهادة ذاتها وهو الذي ولد فيهم وتربى بينهم حتى قالت عنه السيدة خديجة رضي الله عنها في مبدأ الوحي [ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا ، ووالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتحمل الكلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ] ، وأما بعد الوحي والرسالة فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها [ كان خلقه القرآن ] .
(2) أمانته صلى الله عليه وسلم وقد اشتهر بها منذ نشأته حتى وصفته قريش بالأمين ، وهو ما جعل السيدة خديجة تسعى لتوليته أمر تجارتها من فرط أمانته وسمو أخلاقه ، وقد تقدم من كلامها رضي الله عنها ما يشير إلى أمانته صلى الله عليه وسلم وصدقه .
(3) صدقه صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق الأمين الذي شهد له قومه بالصدق ، وشهد له القرآن الكريم بالصدق المطلق في ذاته وفي الكتاب الذي أنزل عليه ، قال الله عز وجل ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون )(الزمر33) وقال أيضًا ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى ) (النجم/3 -4) .
(4) استقامته ورجاحة عقله وحلمه ، ولينه ورحمته صلى الله عليه وسلم بحيث أنه لم يعاقر خمرًا ولم يعبد صنمًا ولم يعرف طريقًا إلى الفاحشة كما لم يعرف الخنا إليه سبيلا ، قال الله عز وجل ( وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم ) (الشورى/52) ، وقال عز من قائل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ) (الأحزاب/21) ، وهذه أعظم شهادة ترفع استقامة النبي ـ بأبي هو وأمي وبالناس أجمعين ـ إلى عليين ، وكفى بها شهادة .
ومجمل القول في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الإنسان المسلم الكامل الذي حباه الله من الصفات الكاملة والحلم ورجاحة العقل والرحمة واللين ما لم يتهيأ لغيره من البشر ، قال الله سبحانه وتعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واسغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) (آل عمران/159) ، وهذه الآية الجامعة تحدد بعض السلوكيات الإعلامية أو الاتصالية اتي ينبغي أن يكون عليها الإعلامي المثالي ـ الذي كانه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حيث ينبغي له أن يكون لين الجانب رحيمًا بأمته وبمن يضع رسالته الإعلامية فيهم وألا يكون فظًا غليظ القلب حتى لا ينفض الجمهور من حوله وأن يعفو عنهم أذاهم وانتقادهم ويغفر لهم ما كان منهم ، وأن يشاورهم مادام يعنيهم برسالته الإعلامية .
(5) علمه صلى الله عليه وسلم ، وما ظن الناس بعلم رجل يوحى إليه من ربه عز وجل ؟! إنه صلى الله عليه وسم رباني المعرفة ، إلهي العلم ، ولو لم يكن إلا قول الله عز وجل فيه ( وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا ) (النساء/113) لكفاه تزكية لعلمه وشهادة على ترفعه صلى الله عليه وسلم .
عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم الإعلامية :
ونكتفي بهذه المزايا التي ذكرنا إذ أنها تكفي لتبرهن على علو كعب صاحبها وعبقريته في الجانب الاتصالي ، ونورد قول الإمام أبي الحسن إبراهيم بن سليمان بن وهب في كتاب " البرهان في وجوه البيان " حيث قال ( إن أصحاب الخير ينبغي أن يكونوا من أصح العمال ديانة وأكملهم أمانة وأظهرهم صيانة ، كما أنه ليس ينبغي أن يتقدمهم في الصدق والأمانة غير القضاة ومن جرى مجراهم ، وهم من لا يكون فيهم شيء من الحسد والحدّة والغفلة ،والعجلة ) لندلل به على عدم وجود هذا الإخباري أو الإعلامي في دنيا الناس الآن على الرغم من تفوق القضاة عليه في الصدق والأمانة ، ولكن نموذجًا عبقريًا لهذا الإعلامي المتفوق على كل فئات البشر من قضاة ، وعلماء ، وأئمة ،وأنبياء ، قد وجد في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وإن كنا نجلّه عن أن نصفه بالإعلامي ولكنها ضرورة البحث ـ الذي كملت ديانته وأمانته وصيانته وصدقه وعقله وحلمه صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان الإعلام هو نشر المعلومات بعد جمعها وانتقائها فقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم نشر الأحكام والشرائع والمعلومات الإلهية مع شرحها وبيان تنفيذها وتطبيقها عمليًا(11/81)
أما إذا كان الإعلام يعني الدعوة أو الإصلاح القديم الذي أطلق عليه في القرون الوسطى لفظ (بروبا جاندا ) Propoganda أي النشاط الهادف إلى نشر الدعوة والتبشير بها وكسب المؤمنين بها ، فقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من بدء البعثة إلى وفاته سلسلة متصلة من الدعوة والنشاط لنشر الدعوة ، وباستعراض يسير لوقائع السيرة النبوية ، يقف القارئ على نوعية هذا النشاط الدعوي للرسول صلى الله عليه وسلم ، إما بقراءة رسالة الإسلام الإعلامية الخالدة ـ أي القرآن - على الناس وتبيانه لهم ، أو إرسال الرسائل إلى الملوك والأمراء لدعوتهم إلى الدخول في الدين الجديد ، أو إيفاد الدعاة إلى القبائل لدعوتها وتبصيرها بالإسلام ، أو الجهاد بالسيف لإعلاء كلمة الله عز وجل وفتح البلاد أمام الدين الجديد ، أو ترتيب البيت المسلم والمجتمع الإسلامي من الداخل ، أو غير ذلك .
وإذا قلنا إن الإعلام يعني الدبلوماسية المفتوحة أو الدبلوماسية الشعبية والعمل السياسي الخارجي فإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصّلت لهذا المعنى وقامت به على أكمل وجه وأمثله سواء كان ذلك في البيعات التي بويعها الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، أو كان في المعاهدات والاتفاقات التي أبرمها صلى الله عليه وسلم مع غير المؤمنين به .
تقويم عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الإعلامي من خلال سيرته :
لا يمكن بالطبع ـ لأي أحد أن يحكم على عمل الرسول صلى الله عليه وسلم إعلاميًا أو دعويًا او سياسيًا أو غير ذلك لسبب يسير وعظيم في نفس الوقت وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي صادق لا ينطق عن الهوى وأنه معصوم من الله عز وجل عن أي خطأ أو زلل أو فاحشة والعياذ بالله .
وحتى لو أعملنا مقاييس الإعلاميين في تقييم العمل الإعلامي التي تقوم على محاور ثلاثة فسوف نجد هذا التقويم يبلغ القمة في بلوغ الغاية والأثر كما يأتي :-
(1) المحور الأول : القياس الكمي للانتاج الإعلامي ، وطبيعي أن يبلغ هذا الانتاج القمة بأحاديث الرسول التي بلغت مئات الآلاف وشروح وتطبيقات الصحابة إضافة إلى الرسالة الإلهية الخالدة وهي القرآن الكريم
(2) المحور الثاني : تحديد نوع الاستقبال المحتمل لرسالة الإعلام ، وفي هذا المحور نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعث للناس كافة وأن أمته فوق الأمم وقد جاء هذا في القرآن الكريم في آيات كثيرة ، وجاء في خطابه صلى الله عليه وسلم للأنبياء عند اجتماعه بهم في رحلة الإسراء والمعراج قال [ الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ، وأنزل عليَّ الفرقان فيه بيان لكل شيء ، وجعل أمتي خير أمةٍ أخرجت للناس ، وجعل أمتي أمة وسطًا ، وجعل أمتي هم الأولون ، وهم الآخرون ،، انظر قصة الإسراء في تفسير الطبري .
(3) المحور الثالث : تحديد التأثير الممكن للوسائل الإعلامية ، ويكفي هنا أن نقول إن تأثير القرآن الكريم والسنة المشرفة والرسول صلى الله عليه وسلم أنتج دولة قوية مهابة الجانب دوليًا وعالميًا ، خلال ثلاث وعشرين سنة ،وشكّل أمة هي خير الأمم على الإطلاق خلال الفترة نفسها ، وهذا التأثير جعل الباحثين الغربيين - فضلاً عن غيرهم - يضعون صاحبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قمة هرم العظماء من البشر .
ثانيًا القرآن الكريم كرسالة إعلامية :
القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد على مرّ التاريخ الذي أسس دولة إسلامية عظمى أصبحت الدولة الأولى في العالم الجديد على عهد الصحابة ،بعد أن نقل ـ أي القرآن ـ العرب والناس من طور البداوة والتخلف والذلة إلى طور آخر من العزة والمنعة والحضارة والتقدم ، ولأنه موجه إلى البشرية جميعًا فقد حمل بين دفتيه أنجح وأرقى المداخل والأساليب الإعلامية المؤثرة ، كما يقول الدكتور حسن على محمد في كتابه " الإعجاز الإعلامي في القرآن الكريم " جاءت الرسالة القرآنية معجزة في بلاغتها مذهلة في منهجها الإعلامي وفنونها التعبيرية وهذا ما قرره الدكتور إحسان عسكر في كتابه " فنون التبليغ القرآني ونظرياته " فالمتأمل لآي القرآن الكريم يجد فيه المكي والمدني ولعله ما يدرس في معاهد الإعلام ـ الآن ـ تحت عنوان المنطق الإعلامي والمرتكزات الإعلامية بأنواعها ، والثابت أن القرآن الكريم بما له من ذاتية إعلامية قد جمع في وقت واحد بين نمطين من الاتصال ، فهو شخصي الوسيلة جماهيري الخطاب ، فقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ القرآن عن طريق الاتصال الشخصي إلا أن هذا الاتصال كان له طابع جماهيري فهو موجه إلى الناس من رب الناس من خلال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
بعض الخصائص الإعلامية للقرآن الكريم :(11/82)
(1) الإيجاز : القرآن الكريم مثال فريد للإيجاز البليغ والإعجاز اللفظي والمعنوي بحيث أن اللفظ الواحد يؤدي معنى تعجز عن أدائه ألفاظ كثيرة ، وقد يرسم اللفظ الواحد صورة ذهنية تغني عن ألفاظ كثيرة ، وقد يؤدي اللفظ الواحد عدة معاني في آن واحد ، وهذا كثير في القرآن الكريم ، ومن الأمثلة على ذلك ما كانت تحدث به العرب من أنهم أتوا بأخصر جملة وأوجزها وهي " القتل أنفى للقتل " فهي ثلاث كلمات وتؤدي معاني كثيرة ، ولكن التكرار فيها لكلمة القتل أخل بها من جهة البلاغة ، فنزل القرآن الكريم بأوجز من هذه العبارة ، قال الله عز وجل ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) (البقرة/179) ، فعبارة ( القصاص حياة ) كلمتان فقط وليس فيها تكرار وهي تنفي القتل وتدعو للحياة في ذات الوقت بعكس العبارة العربية التي نفت القتل وفقط ، والأمثلة في القرآن الكريم كثيرة جدًا على مثل هذا .
(2) النظام الصوتي والجمال اللغوي : يقول الزرقاني في مناهل العرفان " النظام الصوتي في القرآن الكريم هو ذلك الاتساق في حركاته وسكناته ومدّاته وغنّاته واتصاله وسكتاته " ، واللغة العربية عمومًا ، ولغة القرآن خاصة لغة جميلة يتوافق فيها النظام الصوتي مع جمالها ، والأصوات الحادثة من التقاء الحروف ببعضها وأدائها على وجهها الصحيح من الصفات والمخارج يأسر الأسماع والقلوب معًا ، فتكرار الصوت يؤدي إلى تكرار المعنى مثل هدهد ، رجرج ، زلزل ، وكل صوت في اللفظ قد يؤدي جزءًا من المعنى مثل " ذلك " حيث ذا للإشارة واللام للبعد والكاف للخطاب ، وهناك علاقة بين الحرف ومخرجه ، فالفاء تدل على الوضوح مثل فتح .. فضح .. فرح ،والضاد تدل على الشدة والكآبة مثل ضرب .. ضجر .. ضيق .. ضنك .. وهكذا ، ومن النظام الصوتي تكرار الأصوات مما يحدث أثرًا قويًا في النفس وخشوعًا في القلب مثل قوله تعالى ( كلاّ إذا دكت الأرض دكًّا دكًّا * وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا ) (الفجر21-22) . ومجمل القول أن جمال اللغة في القرآن الكريم قرين النظام الصوتي وهما يشكلان وحدة واحدة تصب في جمال التأثير وقوته .
(3) عناية القرآن الكريم بالمداخل الإعلامية : ومن ذلك المدخل التربوي النفسي ، والمدخل التعريفي الذي يهتم بتعريف الإنسان بنفسه وبربه وبالكون ، والمدخل العقيدي الذي يعّرف بالعقيدة الصحيحة ، والمدخل الاجتماعي الذي يهتم بالأسرة والمجتمع والفرد ، والمدخل الاقتصادي الذي يتعلق بالمال والاقتصاد والإنفاق والربا ، والمدخل العسكري الذي يهتم بشؤون الجهاد والحرب ، وغيرها من المداخل التي أولاها القرآن الكريم رعاية كبيرة ، واستعمل لتقريبها وتوضيحها والاعتبار بها أساليب كثيرة منها الأمثال ، والقصص ، وغير ذلك من أساليب القرآن الكريم .
وبعد فتلك كانت بعض الكلمات الإعلامية عن عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم في الجانب الإعلامي من سيرته الطاهرة ، وتلك أيضًا كانت بعض الكلمات الإعلامية عن القرآن الكريم الذي يعتبر بحق كتاب الحياة الأول بكل ما تعنية كلمة الحياة من جوانب شرعية وعقلية ، دينية ودنيوية وأخروية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية وإعلامية ، وقد يعجب المرء من أن القرآن يحوى كل نظريات الإعلام ، ولكن يذهب عجبه حينما يزداد يقينًا بأن منزل الكتاب هو خالق الإعلام ورجاله واساليبه ، وهو سبحانه يعلم من خلق ويعلم حرب الأعداء على كتاب الله وعلى رسوله وقد سجل بعض دعايتهم المضادة فقال عز وجل ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) (فصلت/26) وقال أيضًا ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) (محمد16) ، ومع ذلك فإننا نزعم ختامًا لهذه الكلمات أن القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة النبوية لم يدرسوا الدراسة الإعلامية الجديرة بهم كمصادر لأعظم دين شرع ... والله
===============
هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟
(الشبكة الإسلامية) السيرة النبوية للشيح: محمد أبوشهبة
من الأكاذيب التي يرددها أعداء الإسلام والمسلمين أن الإسلام قام على السيف وأنه لم يدخل فيه معتنقوه بطريق الطواعية والاختيار ، وإنما دخلوا فيه ، بالقهر والإكراه ، وقد اتخذوا من تشريع الجهاد في الإسلام وسيلة لهذا التجني الكاذب الآثم ، وشتان ما بين تشريع الجهاد وما بين إكراه الناس على الإسلام فإن تشريع الجهاد لم يكن لهذا ، وإنما كان لحكم سامية ، وأغراض شريفة .(11/83)
وهذه الدعوى الباطلة الظالمة كثيراً ما يرددها المبشرون والمستشرقون ، الذين يتأكلون من الطعن في الإسلام وفي نبي الإسلام ، ويسرفون في الكذب والبهتان ، فيتصايحون قائلين : أرأيتم ؟!! هذا محمد يدعو إلى الحرب ، وإلى الجهاد في سبيل الله ، أي إلى إكراه الناس بالسيف على الدخول في الإسلام ، وهذا على حين تنكر المسيحية القتال ، وتمقت الحرب ، وتدعو إلى السلام ، وتنادي بالتسامح ، وتربط بين الناس برابطة الإخاء في الله وفي السيد المسيح عليه السلام .
وقد فطن لسخف هذا الادعاء كاتب غربي كبير هو : ( توماس كارليل ) صاحب كتاب الأبطال وعبادة البطولة ، فإنه اتخذ نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام ، مثلاً لبطولة النبوة ، وقال ما معناه : ( إن اتهامه ـ أي سيدنا محمد ـ بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به من لا يقدرون على حرب خصومهم ، فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ) [ حقائق الإسلام وأباطيل خصومة للعقاد صـ227] .
ومن الإنصاف أن نقول : إن بعض المستشرقين لم يؤمن بهذه الفرية ، ويرى أن الجهاد كان لحماية الدعوة ، ورد العدوان ، وأنه لا إكراه في الدين .
هل المسيحية تنكر القتال؟
وأحب قبل الشروع في رد هذه الفرية أن أبين كذب مزاعمهم في أن المسيحية تنكر القتال على إطلاقه ، وتمقت الحرب ، وتدعو إلى السلام ، من الكلام المنسوب إلى السيد المسيح نفسه -من كتبهم - قال : " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً ، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه ، والابنة ضد أمها ، والكنة ضد حماتها ، وأعداء الإنسان أهل بيته . من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني ، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ، من وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها " ( إنجيل متى - الإصحاح العاشر فقرة 35 وما بعدها) فما رأي المبشرين والمستشرقين في هذا ؟ أنصدقهم ونكذب الإنجيل ؟ أم نكذبهم ونصدق الإنجيل ؟! الجواب معروف ولا ريب .
وأما التوراة فشواهد تشريع القتال فيها أكثر من أن تحصى ، على ما فيه من الصرامة وبلوغ الغاية في الشدة ، مما يدل دلالة قاطعة على الفرق ما بين آداب الحرب في الإسلام ، وغيره من الأديان .
دلائل الوقع على افترائهم
وليس أدل على افترائهم من أن تاريخ الأمم المسيحية في القديم والحديث شاهد عدل على رد دعواهم ، فمنذ فجر المسيحية إلى يومنا هذا ، خضبت أقطار الأرض جميعها بالدماء باسم السيد المسيح .
خضَّبها الرومان ، وخضَّبتها أمم أوروبا كلها ، والحروب الصليبية إنما أذكى المسيحيون ـ ولم يذك المسلمون ـ لهيبها ، ولقد ظلّت الجيوش باسم الصليب تنحدر من أوروبا خلال مئات السنين قاصدة أقطار الشرق الإسلامية ، تقاتل ، وتحارب ، وتريق الدماء وفي كل مرة كان البابوات خلفاء المسيح - كما يزعمون - يباركون هذه الجيوش الزاحفة للاستيلاء على بيت المقدس ، والبلاد المقدسة عند المسيحية ، وتخريب بلاد الإسلام .
أفكان هؤلاء البابوات جميعاً هراطقة ، وكانت مسيحيتهم زائفة ؟! أم كانوا أدعياء جهالاً ، لا يعرفون أن المسيحية تنكر القتال على إطلاقه؟! أجيبونا أيها المبشِّرون والمستشرقون المتعصبون !! .
فإن قالوا : تلك كانت العصور الوسطى عصور الظلام - عندهم - ، فلا يحتج على المسيحية بها ، فماذا يقولون في هذا القرن العشرين الذي نعيش ، والذي يسمونه عصر الحضارة الإنسانية الراقية ؟ ! .
لقد شهد هذا القرن من الحروب التي قامت بها الدول المسيحية ، ما شهدت تلك العصور الوسطى المظلمة - عندهم - بل وأشد وأقسى !!. ألم يقف ( اللورد اللنبي ) ممثل الحلفاء : إنجلترا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، ورومانيا ، وأميركا ، في بيت المقدس في سنة 1918 ، حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: ( اليوم انتهت الحروب الصليبية )؟! .
وألم يقف الفرنسي ( غورو ) ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم ( صلاح الدين الأيوبي ) قائلاً ( لقد عدنا يا صلاح الدين ) ؟!!
وهل هدمت الديار ،وسفكت الدماء ،واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟
بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا ؟واندونيسيا ؟ و...غيرها ؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية ؟(11/84)
إن الإسلام إنما غزا القلوب وأسر النفوس بسماحة تعاليمه : في العقيدة ، والعبادات ، والأخلاق ، والمعاملات ، وآدابه في السلم والحرب ، وسياسته الممثلة في عدل الحاكم ، وإنصاف المحكومين ، والرحمة الفائقة ، والإنسانية المهذبة في الغزوات والفتوح ، إنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فلا عجب أن أسرعت إلى اعتناقه النفوس ، واستجابت إليه الفطرة السليمة ، وتحملت في سبيله ما تحملت ، فاستعذبت العذاب ، واستحلت المر ، واستسهلت الصعب ، وركبت الوعر ، وضحت بكل عزيز وغالٍ في سبيله.
من واقع تاريخ الدعوة الإسلامية
والآن وقد فرغنا من تفنيد ما بنوا عليه مزاعمهم الكاذبة ، من دعوة الإسلام إلى الجهاد ، وتحريم المسيحية له ، فلنأخذ في تفنيد هذه الدعوى الظالمة من واقع تاريخ الدعوة الإسلامية قبل فرض الجهاد ، ومن حكم تشريعه في الإسلام ، ومن نصوص القرآن والسنة المتكاثرة ، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسير خلفائه الراشدين وأصحابه ، ومن واقع تاريخ المسلمين اليوم ، وما تعرضوا له من اضطهاد وحروب ومظالم ، لم تزدهم إلا صلابة في التمسك بالإسلام ، والعض عليه بالنواجذ ، فأقول وبالله التوفيق :
1 - لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاما ، وهو يدعو إلى الله بالحجة والموعظة الحسنة ، وقد دخل في الإسلام في هذه الفترة من الدعوة خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم ، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثراء ما يغري هؤلاء ، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان ، وقد تحمَّل المسلمون - ولاسيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم - من صنوف العذاب والبلاء ألواناً ، فما صرفهم ذلك عن دينهم ، وما تزعزعت عقيدتهم ، بل زادهم ذلك صلابة في الحق ، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم ، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه ، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه ، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء ، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوةً وصلابةً ، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة ، وفي المرارة حلاوة .
ثم كان أن هاجر بعضهم إلى بلاد الحبشة هجرتين ، ثم هاجروا جميعاً الهجرة الكبرى إلى المدينة ، تاركين الأهل والولد والمال والوطن ، متحملين آلام الاغتراب ، ومرارة الفاقة والحرمان ، واستمر الرسول بالمدينة عاماً وبعض العام يدعو إلى الله بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وقد دخل في الإسلام من أهل المدينة قبل الهجرة وبعدها عدد كثير عن رضاً واقتناع ويقين واعتقاد ، وما يكون لإنسان يحترم عقله ويذعن للمقررات التاريخية الثابتة ، أن يزعم أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في هذه الأربعة عشر عاماً أو تزيد حول أو قوة ترغم أحداً على الدخول في الإسلام ، إلا إذا ألغى عقله وهدم التاريخ الصحيح .
2- إن تشريع الجهاد في الإسلام لم يكن لإرغام أحد على الدخول في الإسلام كما زعموا ، وإنما كان للدفاع عن العقيدة وتأمين سبلها ووسائلها ، وتأمين المعتنقين للإسلام ، وردِّ الظلم والعدوان ، وإقامة معالم الحق ، ونشر عبادة الله في الأرض ، فلما تمالأ المشركون على المسلمين أمرهم الله بقتالهم عامة ، ثم ماذا يقول هؤلاء المغرضون في قوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولَّوهم ، ومن يتولَّهم فأولئك هم الظالمون ) (الممتحنة/8،9)
فالإسلام لم يقف عند حدِّ أن من سالمنا سالمناه ، بل لم يمنع من البر بهم والعدل معهم ، وعدم الجور عليهم ، وكذلك كان موقف القرآن كريماً جداً مع الذين قاتلوا المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، أو ساعدوا عليه ، فلم يأمر بظلمهم أو البغي عليهم ، وإنما نهى عن توليهم بإفشاء الأسرار إليهم أو نصرتهم وإخلاصهم الودِّ لهم ، فإن حاربونا حاربناهم ، وصدق الله ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ) (البقرة/190)
3- نصوص القرآن والسنة الصحيحة تردان على هذا الزعم وتكذبانه ، وقدصرح الوحي بذلك في غير ما آية قال تعالى :
( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، والله سميع عليم ) (البقرة/256)(11/85)
وإليك ما ذكره ثقات المفسرين في سبب نزول هذه الآية : روي أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصران قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت ، فلزمهما أبوهما وقال : لا أدعكما حتى تسلما ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ فأنزل الله تعالى : ( لا إكراه في الدين … ) الأية ، فخلَّى سبيلهما .
وقال الزهري سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين … ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحداً في الدين ، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوه ، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له ، ومعنى ( لا إكراه في الدين ) أي دين الإسلام ليس فيه إكراه عليه .
وقال سبحانه : ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (يونس/99) .
وقال :( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (الكهف/29) .
فالآية نص في أن من اختار الإيمان فباختياره ، ومن اختار الكفر فباختياره ، فلا إكراه ، ولكن مع هذا التخيير فالله سبحانه يحب الإيمان ويرضاه ويدعو إليه ، ويكره الكفر ويحذر منه ، ونصوص القرآن حافلة في هذا المعنى ، ولهذا عقَّب الله التخيير بقوله محذراً ومنفراً :( إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها ) (الكهف/29) .
والكفر رأس الظلم ، فلا يتوهمن أحد أن حمل الآية على التخيير وعدم الإكراه يشعر بإباحة الكفر أو الرضا به، حاشا لله أن يكون هذا ، ولعل خوف هذا التوهم هو الذي حدا كثيراً من المفسرين على حمل الآية على التهديد والوعيد ، حتى مثَّل علماء البلاغة للأمر الذي يراد به التهديد بهذه الآية ، فالآية بنصها تخيير ، ولكنه تخيير يستلزم تهديداً ووعيداً لا محالة في حال اختيار الكفر على الإيمان ، وهي نصوص صريحة في عدم الإكراه على الإسلام .
وأما السنة فقد جاءت مؤيدة لما جاء به القرآن ، وإليك طرفاً منها : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال : [ اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغُلُّوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ، أو خلال ، فأيتهنَّ ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم . . . فإن هم أبَوا فسَلْهم الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم ، فإن هم أبَوا فاستعن بالله وقاتلهم ] ، وهكذا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالقتال إلا بعد أن تستنفد الوسائل السلمية ، وليس بعد استنفادها إلا أنهم قوم مفسدون أو يريدون الحرب ، و في هذا السياق فإن الجزية ليست للإرغام على الإسلام ، وإنما هي نظير حمايتهم وتأمينهم وتقديم شتى الخدمات لهم ، وليس أدل على هذا مما رواه البلاذري في فتوح البلدان أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع ، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لواقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الجزية وقالوا : ( قد شُغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم ) فقال أهل حمص : ( لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ، ولندفعن جند هرقل ـ مع أنه على دينهم ـ عن المدينة مع عاملكم ) ، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود .
وقالوا : إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه ، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد …
وقد يقول قائل فما تقول في الحديث الشريف : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ] ؟
قلنا : المراد بالحديث فئة خاصة ، وهم وثنيو العرب ، أما غيرهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم على التخيير بين الأمور الثلاثة التي نص عليها حديث مسلم .
على أن بعض كبار الأئمة كمالك والأوزاعي ومن رأى رأيهما يرون أن حكم مشركي العرب كحكم غيرهم في التخيير بين الثلاثة : الإسلام ، أو الجزية ، أو القتال ، واستدلوا بحديث مسلم السابق .
وإذا نظرنا بعين الإنصاف إلى الذين حملوا حديث المقاتلة على وثنيي العرب ، لا نجده يجافي الحق والعدل ، فهؤلاء الوثنيون الذين بقوا على شركهم لم يدعوا وسيلة من وسائل الصد عن الإسلام إلا فعلوها ، ثم هم أعرف الناس بصدق الرسول ، فهو عربي من أنفسهم والقرآن عربي بلغتهم ، فالحق بالنسبة إليهم واضح ظاهر ، فلم يبق إلا أنهم متعنتون معوِّقون لركب الإيمان والعدل والحضارة عن التقدم .(11/86)
هذا إلى أن الشرك مذهب فاسد ، والمذاهب الفاسدة تحارب ويحارب دعاتها بكل الوسائل ، من قتل أو نفي أو سجن ، وهذا أمر مقرر في القديم والحديث . وها هي دول الحضارة اليوم في سبيل سلامتها ، بل وفي سبيل إرضاء نزواتها وأهوائها تزهق الآلاف من الأرواح ، ويغمض الناظرون أعينهم عن هذا ولا يعترض المعترضون ، فهل هذا حلال لهم ، حرام على غيرهم ؟! .
فالإسلام حينما لم يقبل من مشركي العرب المحاربين إلا الإسلام بعد ما تبين لهم الحق ، وأصبحوا قلة تعتنق مذهباً فاسداً بجانب الكثرة الكاثرة من العرب التي أسلمت طواعية واختياراً لم يكن متجنياً ولا ظالماً ، فالحديث كيفما فهمناه لا ينهض دليلاً للمفترين على الإسلام .
سماحة و رحمة
4- ويرد هذه الفرية ويقتلعها من أساسها ما التزمه الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته من التسامح مع أناس أُسروا وهم على شركهم ، فلم يلجئهم على الإسلام ، بل تركهم واختيارهم .
فقد ذكر الثقات من كُتَّاب السير والحديث أن المسلمين أسروا في سرية من السرايا سيد بني حنيفة ـ ثمامة بن أُثال الحنفي - وهم لا يعرفونه ، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه وأكرمه ، وأبقاه عنده ثلاثة أيام ، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضاً كريماً فيأبى ويقول : إن تسأل مالاً تُعطه ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أطلق سراحه .
ولقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة ، وهذه المعاملة الكريمة ، فذهب واغتسل ، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً مختاراً ، وقال له : [ يا محمد ، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى . والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك ، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ . والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك ، فقد أصبح أحب البلاد إلي َّ ] .
وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سروراً عظيماً ، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه ، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له آثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية ، فقد ذهب مكة معتمراً ، فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة ، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئاً من الحبوب حتى يؤمنوا ، فجهدوا جهداً شديداً فلم يرَوا بُدّاً من الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ترى ماذا كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ؟ أيدع ثمامة حتى يلجئهم بسبب منع الحبوب عنهم إلى الإيمان ؟ لا ، لقد عاملهم بما عرف عنه من التسامح ، وأن لا إكراه في الدين ، فكتب إلى ثمامة أن يخلِّي بينهم وبين حبوب اليمامة ، ففعل ، فما رأيكم أيها المفترون ؟ .
بل امتد أثر دخوله في الإسلام على أساس من الاختيار والرغبة الصادقة إلى ما بعد حياة النبي ، ذلك أنه لما ارتد بعض أهل اليمامة ، ثبت ثمامة ومن اتبعه من قومه على الإسلام ، وصار يحذر المرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب ، ويقول لهم : ( إياكم وأمراً مظلماً لا نور فيه ، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم ، وبلاء على من لم يأخذ به منكم ) ، ولما لم يجد النصح معهم خرج هو ومن معه من المسلمين وانضموا للعلاء بن الحضرمي مدداً له ، فكان هذا مما فتَّ في عضد المرتدين ، وألحق بهم الهزيمة .
عفو وحلم
و إليك قصة أخرى : لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها ظافراً منتصراً كان صفوان بن أمية ممن أهدرت دماؤهم ؛ لشدة عداوتهم للإسلام ، والتأليب على المسلمين ، فاختفى وأراد أن يذهب ليلقي بنفسه في البحر ، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال : يا نبي الله ، إن صفوان سيد قومه ، وقد هرب ليقذف نفسه في البحر فأمِّنه ، فأعطاه عمامته ، فأخذها عمير حتى إذا لقي صفوان قال له : ( فداك أبي وأمي . جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس ، وأحلم الناس ، وخير الناس ، وهو ابن عمك ، وعزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ) فقال صفوان : إني أخافه على نفسي . قال عمير : هو أحلم من ذلك وأكرم ، وأراه علامة الأمان و هي العمامة ؛ فقبل برده ، فرجع إلى رسول الله فقال : إن هذا يزعم أنك أمنتني ، فقال النبي : " صدق " . فقال صفوان : أمهلني بالخيار شهرين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل أربعة أشهر ) ، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه.
فهل بعد هذه الحجج الدامغة يتقوَّل متقوِّل على الإسلام زاعماً أنه قام على السيف والإكراه ؟ ! .(11/87)
5- ثم ما رأي المبشرين والمستشرقين في أن من أكره على شيء لا يلبث أن يتحلل منه إذا وجد الفرصة سانحة له ؟ بل ويصبح حرباً على هذا الذي أكره عليه ؟ ولكن التاريخ الصادق يكذب هذا ، فنحن نعلم أن العرب ـ إلا شرذمة تسور الشيطان عليها ـ ثبتوا على ما تركهم عليه الرسول ، وحملوا الرسالة ، وبلَّغوا الأمانة كأحسن ما يكون البلاغ إلى الناس كافة ، ولم يزالوا يكافحون ويجاهدون في سبيل تأمين الدعوة وإزالة العوائق من طريقها حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار في أقل من قرن من الزمان ، ومن يطَّلع على ما صنعه العرب في حروبهم وفتوحاتهم لا يسعه إلا أن يجزم بأن هؤلاء الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله ، لا يمكن أن يكون قد تطرق الإكراه إلى قلوبهم ، وفي صحائف البطولة التي خطوها أقوى برهان على إخلاصهم وصدق إيمانهم ، وسل سهول الشام وسهول العراق ، وسل اليرموك والقادسية ، وسل شمال إفريقيا تخبرك ما صنع هؤلاء الأبطال .
6- ثم ما رأي هؤلاء المفترين على الإسلام في حالة المسلمين لمَّا ذهبت ريحهم ، وانقسمت دولتهم الكبرى إلى دويلات ، وصاروا شيعاً وأحزاباً وتعرضوا لمحن كثيرة في تاريخهم الطويل كمحنة التتار ، والصليبيين في القديم ، ودول الاستعمار في الحديث ، وكل محنة من هذه المحن كانت كافية للمكرهين على الإسلام أن يتحللوا منه ويرتدوا عنه ، فأين هم الذين ارتدوا عنه ؟ أخبرونا يا أصحاب العقول !!.
إن الإحصائيات الرسمية لتدل على أن عدد المسلمين في ازدياد على الرغم من كل ما نالهم من اضطهاد وما تعرضوا له من عوامل الإغراء ، وقد خرجوا من هذه المحن بفضل إسلامهم وهم أصلب عودا وأقوى عزيمة على استرداد مجدهم التليد وعزتهم الموروثة .
بل ما رأي هؤلاء في الدول التي لم يدخلها مسلم مجاهد بسيفه ؟ وإنما انتشر فيها الإسلام بوساطة العلماء والتجار والبحّارة كأندونيسيا ، والصين ، وبعض أقطار إفريقيا ، وأوروبا وأمريكا ، فهل جرَّد المسلمون جيوشاً أرغمت هؤلاء على الإسلام ؟ ألا فليسألوا أحرار الفكر الذين أسلموا من أوروبا وغيرها ، وسيجدون عندهم النبأ اليقين .
لقد انتشر الإسلام في هذه الأقطار بسماحته ، وقربه من العقول والقلوب ، وها نحن نرى كل يوم من يدخل في الإسلام ، وذلك على قلة ما يقوم به المسلمون من تعريف بالإسلام ، ولو كنا نجرد للتعريف به عشر معشار ما يبذله الغربيون من جهد ومال لا يحصى في سبيل التبشير بدينهم وحضارتهم ، لدخل في الإسلام ألوف الألوف في كل عام . ولن ترى ـ إن شاء الله ـ من يحل عروة الإسلام من عنقه أبداً مهما أنفقوا في سبيل دعاياتهم التبشرية ، وبعثاتهم التعليمية والتنصيرية .
أما بعد : فقد لاح الصبح لذي عينين ، وتبيَّن الحق لكل ذي عقل وقلب ، وما إخالك ـ أيها القارئ المنصف ـ إلا ازددت بسماحة الإسلام وسماحة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إليه ، وأن ما ردَّده المستشرقون والمبشرون ما هو إلا فرية كبرى :
( كبرت كلمةً تخرج من أفواههم ، إن يقولون إلا كذبا ) (الكهف/5)
================
موازين البحث عند المستشرقين
(الشبكة الإسلامية) د. مصطفى السباعي
يعتمد جمهرة المستشرقين في تحرير أبحاثهم عن الشريعة الاسلامية على ميزان غريب بالغ الغرابة في ميدان البحث العلمي ، فمن المعروف أن العالم المخلص يتجرد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه ويتابع النصوص والمراجع الموثوق بها ، فما أدت إليه بعد المقارنة والتمحيص كان هو النتيجة المحتمة التي ينبغي عليه اعتقادها .
ولكن أغلب هؤلاء المستشرقين يضعون في أذهانهم فكرة معينة يريدون تصيد الأدلة لإثباتها ، وحين يبحثون عن هذه الأدلة لا تهمهم صحتها بمقدار ما يهمهم إمكان الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية ، وكثيراً ما يستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية ، ومن هنا يقعون في مفارقات عجيبة لولا الهوى والغرض لربأوا بأنفسهم عنها ، وسنضرب لذلك بعض الامثلة :
1- في محاولة المستشرق جولد تسيهر لإثبات زعمه بأن الحديث في مجموعه من صنع القرون الثلاثة الأولى للهجرة وليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ادعى أن أحكام الشريعة لم تكن معروفة لجمهور المسلمين في الصدر الأول من الاسلام ، وأن الجهل بها وبتاريخ الرسول صلى الله عليه كان لاصقاً بكبار الأئمة ، وقد حشد لذلك بعض الروايات الساقطة المتهافتة ، من ذلك ما نقله عن كتاب الحيوان للدميري من أن أبا حنيفة رحمه الله لم يكن يعرف هل كانت معركة بدر بعد أُحد أم كانت أُحد قبلها !..(11/88)
ولا شك في أن أقل الناس اطلاعاً على التاريخ يرد مثل هذه الرواية ، فأبو حنيفة وهو من أشهر أئمة الإسلام الذين تحدثوا عن أحكام الحرب في الاسلام حديثاً مستفيضاً في فقهه الذي أثر عنه وفي كتب تلامذته الذين نشروا علمه كأبي يوسف ومحمد ، يستحيل على العقل أن يصدق بأنه كان جاهلاً بوقائع سيرة الرسول ومغازيه وهي التي استمد منها فقهه في أحكام الحرب ، وحسبنا أن نذكر هنا كتابين في فقه في هذا الموضوع يعتبران من أهم الكتب المؤلفة في التشريع الدولي في الإسلام .
أولهما - كتاب الرد على سير الأوزاعي لأبي يوسف رحمه الله .
ثانيهما : كتاب السير الكبير لمحمد رحمه الله ، وقد شرحه السرخسي ، وهو من أقدم وأهم مراجع الفقه الإسلامي في العلاقات الدولية ، وقد طبع أخيراً تحت إشراف جامعة الدول العربية برغبة من جمعية محمد بن الحسن الشيباني للحقوق الدولية .
وفي هذين الكتابين يتضح إلمام تلامذة الإمام - وهم حاملو علمه - بتاريخ المعارك الاسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين .
وجولد تسيهر لا يخفى عليه أمر هذين الكتابين ، وكان بإمكانه لو أراد الحق أن يعرف ما إذا كان أبو حنيفة جاهلاً بالسيرة أو عالماً بها من غير أن يلجأ إلى رواية " الدميري " في " الحيوان " وهو ليس مؤرخاً وكتابه ليس كتاب فقه ولا تاريخ ، وإنما يحشر فيه كل ما يرى إيراده من حكايات ونوادر تتصل بموضوع كتابه من غير أن يعني نفسه البحث عن
صحتها ، ولا يخفى ما كان بين أبي حنيفة ومعاصريه ومقلديهم من بعدهم من عداء منهجي فكري ، وقد كان هذا العداء مادة دسمة لرواة الأخبار ومؤلفي كتب الحكايات والنوادر لنسبة حوادث وحكايات منها ما يرفع من شأن أبي حنيفة ، ومنها ما يضع من سمعته . وأكثرها ملفق موضوع للمسامرة والتندر من قبل محبيه أو كارهيه على السواء ، مما يجعلها عديمة القيمة العلمية في نظر العلماء والباحثين .
فجولد تسيهر أعرض عن كل ما دُوِّن من تاريخ أبي حنيفة تدويناً علمياً ثابتاً ، واعتمد رواية مكذوبة لا يتمالك طالب العلم المبتدئ في الدراسة من الضحك لسماعها ليدعم بذلك ما تخيله من أن السنَّة النبوية من صنع المسلمين في القرون الثلاثة الاولى .
2- ومثال آخر عن هذا المستشرق أيضاً : فقد أعرض عما أجمعت عليه كتب الجرح والتعديل وكتب التاريخ من صدق الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري رحمه الله ( 50 - 124 هـ ) وورعه وأمانته ودينه وزعم أن الزهري لم يكن كذلك بل كان يضع الحديث للأمويين ، وهو الذي وضع حديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد إلخ .. " لعبد الملك بن مروان ، وكل حجته أن هذا الحديث من رواية الزهري ، وأن الزهري كان معاصراً لعبد الملك بن مروان ! .. وقد ناقشت هذا الزعم مناقشة مفصلة في كتابي " السنَّة ومكانتها في التشريع الاسلامي " ص 385 وما بعدها .
3- يحاول المستشرقون أن يؤكدوا تعالي العرب الفاتحين عن المسلمين الأعاجم وانتقاصهم من مكانتهم ، وفي ذلك يقول المستشرق " بروكلمان " في كتابه " تاريخ الشعوب الاسلامية " : " واذا كان العرب يؤلفون طبقة الحاكمين فقد كان الأعاجم من الجهة الثانية هم الرعية أي القطيع - وجمعها رعايا - كما يدعوهم تشبيه سامي قديم كان مألوفاً حتى عند الآشوريين " .
فهذا المستشرق قد أعرض عن جميع الوثائق التاريخية التي تؤكد عدالة الفاتحين المسلمين ومعاملتهم أفراد الشعب على السواء من غير تفرقة بين عربي وغيره ، وتعلق بلفظ " الرعية " تعلقاً لغوياً واستنتج منها أن المسلمين نظروا إلى الأعاجم نظر القطيع من الغنم ، ولو رجعنا إلى مادة " رعى " في قواميس اللغة وجدناها تقول كما في القاموس المحيط : والراعي كل ولي أمر قوم ، والقوم رعية ، وراعيته : لاحظته محسناً اليه ، وراعيت أمره : حفظته ، كرعاه .
فالراعي في اللغة يطلق على راعي الغنم وعلى رئيس القوم وولي امرهم ، والرعية تطلق على الماشية وتطلق على القوم ، ومن معاني الرعاية : الحفظ والإحسان .
فلما أطلقها الاسلام على القوم لم يخص بها الأعاجم ليشير إلى أنه يراهم كالقطيع من الغنم ، وإنما أطلقها على الشعب عامة ، والأحاديث في ذلك كثيرة معروفة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره : " كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " . قال الحافظ ابن حجر ( فتح الباري 13/96) في شرح هذا الحديث " والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه " .(11/89)
وقد جاء في حديث آخر إطلاق الرعية على المسلمين في الحديث الذي رواه البخاري وغيره " ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم إلاَّ حرَّم الله عليه الجنة " .
فكيف أغمض برو كلمان عينيه عن هذا كله واستجاز لعلمه أن يدَّعي بأن المسلمين نظروا إلى الأعاجم نظرة القطيع وأنهم أطلقوا عليهم وحدهم لفظ " الرعية " ؟ ليس له سند إلا أن لفظ الرعية يطلق على الغنم أيضاً ، وقد علمت معانيها اللغوية ، أما تخصيص إطلاقها بالإعاجم فليس له سند ولا شبه يتعلق بها ، وإنما هو الهوى والغرض .
4- زعم المستشرق " مايور " كما نقله عنه " مرجليوث " أن أهل البدو كانوا كثيري الاهتمام بتعلم البلاغة وطلاقة اللسان فلا يبعد أن النبي ( عليه الصلاة والسلام ) مارس هذا الفن حتى نبغ فيه .
وهذا يعطينا صورة عن موازين البحث عن هؤلاء ، فالمسألة عنده تقوم على استنتاج وهمي من أمر لم يقع ، فلا العرب كانوا يتعلمون البلاغة ، ولا كانت لها مدارس وأساتذة يضعون قواعدها ، ولا النبي صلى الله عليه وسلم عرف عنه قبل النبوة فعل ذلك ، ولبس بين أيدينا نص واحد يثبته بل إن المؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أثر من نثر أو شعر قبل النبوة وقبل أن يتنزل عليه القرآن الكريم .
وأمر آخر يكشف لنا عن أساس ثالث من أسس النقد والبحث عند هؤلاء المستشرقين هو إفراطهم في اختراع العلل والاسباب والحوادث التي يدرسونها اختراعاً ليس له سند إلا التخيل والتحكم ، ويزيد في فساد أسلوبهم هذا انهم يتخيلون أحداث الشرق والغرب وعاداتهم وأخلاقهم بأوهامهم وخيالاتهم الغربية عن الشرق والغرب والمسلمين ، ولا يريدون أن يعترفوا بأن لكل بيئة مقاييسها وأذواقها وعاداتها .
وقد أحسن المستشرق الفرنسي المسلم " ناصر الدين دينيه " في حديثه عن أسلوب المستشرقين وموازينهم في الحكم على الأشياء مما جعلهم يتناقضون فيما بينهم تناقضاً واضحاً في الحكم على شيء واحد ، كل ذلك لأنهم حاولوا أن يحللوا السيرة المحمدية وتاريخ ظهور الاسلام بحسب العقلية الأوربية فضلُّوا بذلك ضلالاً بعيداً لأن هذا غير هذا ، ولأن المنطق الاوربي لا يمكن أن يأتي بنتائج صحيحة في تاريخ الأنبياء الشرقيين .
ثم قال إن هؤلاء المستشرقين الذين حاولوا نقد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الأوروبي البحت لبثوا ثلاثة أرباع قرن يدققون ويمحصون بزعمهم ، حتى يهدموا ما اتفق عليه الجمهور من المسلمين من سيرة نبيهم ، وكان ينبغي لهم بعد هذه التدقيقات الطويلة العريضة العميقة أن يتمكنوا من هدم الآراء المقررة والروايات المشهورة من السيرة النبوية ، فهل تسنى لهم شيء من ذلك ؟
الجواب ، أنهم لم يتمكنوا من إثبات أقل شيء جديد ، بل إذا أمعنا النظر في الآراء الجديدة التي أتى بها هؤلاء المستشرقون ، من فرنسيين وإنجليز وألمان وبلجيكيين وهولانديين - إلخ - لا نجد إلا خلطاً ، وإنك لترى كل واحد منهم يقرر ما نقضه غيره من هؤلاء المدققين بزعمهم أو ينقض ما قرره .
ثم أخذ " دينيه " يورد الأمثال على هذه المتناقضات وختم كلامه بقوله :
وإن أردنا استقصاء هذه التناقضات التي نجدها بين تمحيصات هؤلاء الممحصين بزعمهم يطول بنا الأمر ، ولا نقدر أن نعرف أية حقيقة ، ولا يبقى أمامنا إلا أن نرجع إلى السير النبوية التي كتبها العرب ، فأما المؤلفون الذين زعموا أنهم يريدون ترجمة محمد بصورة علمية شديدة التدقيق فلم يتفقوا منها ولو على نقطة مهمة ، وبرغم جميع ما نقبوه ونقروه ، وحاولوا كشفه بزعمهم ، فلم يصلوا ولن يصلوا إلا إلى تمثيل أشخاص في تلك السيرة ليسوا أعرق في الحقيقة الواقعية من أبطال أقاصيص فالتر سكوت وإسكندر دوماس ، فهؤلاء القصاص تخيلوا أشخاصاً من أبناء جنسهم يقدرون أن يفهموهم ، ولم يلحظوا إلا اختلاف الأدوار بينهم ، أما أولئك المستشرقون فنسوا أنه كان عليهم قبل كل شيء أن يسدُّو الهوة السحيقة التي تفصل بين عقليتهم الغربية والأشخاص الشرقيين الذين يترجمونهم ، وأنهم بدون هذه الملاحظة جديرون بأن يقعوا في الوهم في كل نقطة .
==============
شبهات حول الصحابة (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)
(الشبكة الإسلامية)
منزلة الصحابة ومكانتهم في الدين أمر لا يجادل فيه مسلم صادق في إسلامه ، فهم الذين اختصهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فصدقوه وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزله معه ، وبذلوا في سبيل دينهم المهج والأرواح والغالي والنفيس ، حتى اكتمل بنيانه واشتدت أركانه ، فكانوا خير جيل عرفته البشرية ، وخير أمة أخرجت للناس ، وكانوا أهلا لرضوان الله ومحبته .(11/90)
والصحابة رضي الله عنهم هم أمناء هذه الأمة ، وحملة شريعتها ، ونقلتها إلى من بعدهم ، ولذا فإن الطعن فيهم والتشكيك في عدالتهم يفضي في الحقيقة إلى هدم الدين والقضاء على الشريعة ، وعدم الوثوق بشيء من مصادرها ، والإطاحة بجملة وافرة من النصوص والأحاديث التي إنما وصلتنا عن طريقهم وبواسطتهم ، وبالتالي إبطال الكتاب والسنة .
وهذا ما حدا بعلماء المسلمين إلى أن يقفوا موقفا صارماً ممن يطعن في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو يشكك في عدالتهم .
قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة" ( الكفاية في علم الرواية 97 ) .
وقال يحيى بن معين رحمه الله في تليد بن سليمان المحاربي الكوفي : " كذاب كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ( تهذيب التهذيب 1/447) .
وقال أبو أحمد الحاكم الكرابيسي ( ت378هـ) في يونس بن خباب الأسيدي مولاهم أبو حمزة الكوفي :" تركه يحيى - يعني ابن معين- وعبدالرحمن – يعني بن مهدي- وأحسنا في ذلك لأنه كان يشتم عثمان ، ومن سب أحداً من الصحابة فهو أهل أن لا يروى عنه " ( تهذيب التهذيب 11/385) .
ومع الأسف الشديد فقد أشرع أقوام سهامهم في وجه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعمدوا إلى تشويه صورتهم ، وتسويد صحائفهم ، واتهامهم بالنفاق والخيانة ، والردة والتبديل بعد رسول الله مستدلين بأحاديث أساؤوا فهمها ، وحرفوها عن مواضعها ليتوصلوا من خلالها إلى ما يريدون ، فادعوا أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا وارتدوا على أدبارهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا القليل منهم .
واستدلوا على ذلك بأحاديث ، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( بينا أنا قائم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : أين قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ، خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم : قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) .
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض ، حتى عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي : فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك ) .
- وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } ، فأول من يكسى إبراهيم ، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال ، فأقول أصحابي : فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : عيسى ابن مريم {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ) .
- وعن سهل بن سعد قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( إني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ) ، زاد أبو سعيد : ( فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي ) .
ولرد هذه الشبهة نقول :(11/91)
أولا : إن الذي حكم بعدالة الصحابة وديانتهم هو الله جل وعلا ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم – كما هو معلوم ومتواتر في نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – منها قوله سبحانه :{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود الآية } (الفتح 29) ، وقوله تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }( التوبة 100) ، وقوله : { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون } ( التوبة 88) ، وقوله : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً }(الفتح 18) . – وقوله عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيحين- : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، وقوله: ( لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) أخرجاه في الصحيحين ، وقوله: ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه )رواه الترمذي .
إلى غير ذلك من النصوص التي تزكيهم ، وتشيد بفضلهم ومآثرهم وصدق إيمانهم وبلائهم ، وتدعو إلى حفظ حقهم وإكرامهم وعدم إيذائهم بقول أو فعل ، وأي تعديل بعد تعديل الله لهم ؟! ، وأي تزكية بعد تزكية رسوله - صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى .
قال الإمام – ابن النجار - : "إن من أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلا ؟ فإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف لا تثبت العدالة بهذا الثناء العظيم من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم" ( شرح الكوكب المنير 2/475 ) .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله بعدما ذكر جملة من فضائل الصحابة رضي الله عنهم - :" كلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة ، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له .... على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين ، الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين وهو مذهب كافة العلماء " ( الكفاية في علم الرواية 48-49) .
فالزعم بأن أحاديث الذود عن الحوض ، المقصود بها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- - الذين آمنوا به وصدقوه وعزروه ونصروه - ، تكذيب بجميع النصوص الصريحة السابقة التي تبين رضى الله عنهم ، وتشيد بفضلهم ومكانتهم ، كما أنه طعن في كلام الله جل وعلا ، إذ كيف يمكن أن يرضي الله سبحانه عن أقوام ويثني عليهم ويزكيهم ، وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟! اللهم إلا أن يقال - تعالى الله عن ذلك - : إن الله جل وعلا لم يكن يعلم ذلك حتى وقع ، وهذا هو الكفر الصراح .
وهو أيضاً طعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم- الذي ترضّى عن صحابته ودافع عنهم وبشر بعضهم بالجنة فقال : ( أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ) رواه الترمذي وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية ) ، وتوفي - صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض ، فهل من الممكن أن يتناقض الرسول - صلى الله عليه وسلم- مع نفسه ويقول للصحابي أنت في الجنة ثم يجده ممن ارتد عن الحوض !؟ أليس هذا طعن صريح في النبي صلوات الله وسلامه وعليه ؟! ، وكيف يجيب هؤلاء عن رواية الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه وحسنها الحافظ في الفتح ، وفيها أنه قال : " يا رسول الله ادع الله أن لا يجعلني منهم ! قال : لست منهم " ، فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يعلم حال بقية الصحابة الذين أثنى عليهم ورضي عنهم كما علم حال أبي الدرداء عندما استثناه من المذادين عن الحوض ؟! .(11/92)
ثانياً : من المعلوم أن الذين لقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا صنفاً واحداً ، فهناك المنافقون الذي كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون ، ومع ذلك كانوا يشهدون المشاهد والمغازي ، وهناك المرتابون ورقيقوا الدين من جفاة الأعراب الذين ارتد كثير منهم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ، وقد قال سبحانه : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } (التوبة 101) .
وهذه الأحاديث قد ورد فيها ما يبين أسباب الذود عن الحوض ، وأوصاف أولئك المذادين عنه ، وهي أوصاف لا تنطبق على الصحابة رضي الله عنهم الذين رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم- على عينه وتوفي وهو عنهم راض ، ولذا أجمع الأئمة والشراح على أن الصحابة رضي الله عنهم غير معنيين بهذه الأحاديث ، وأنها لا توجب أي قدح فيهم .
قال الإمام الخطابي رحمه الله : " لم يرتد من الصحابة أحد ، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب ، ممن لانصرة له في الدين ، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين ، ويدل قوله : ( أصيحابي ) على قلة عددهم " ( فتح الباري 11/385 ) ، وكما يدل قوله ( أصيحابي) على قلة عددهم، فإنه يدل أيضاً على قلة صحبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم- ولقائهم به وملازمتهم له .
قال الإمام البغدادي في كتابه : (الفَرْق بين الفِرق) : " أجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- من كندة ، وحنيفة وفزارة ، وبني أسد ، وبني بكر بن وائل ، لم يكونوا من الأنصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة ، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل فتح مكة وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم " .
وقد اختلف العلماء في أولئك المذادين عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد اتفاقهم على أن الصحابة رضي الله عنهم غير معنيين بذلك .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (3/136-137) عند كلامه على بعض روايات الحديث والتي فيها قوله عليه الصلاة والسلام : ( وهل تدري ما أحدثوا بعدك ) : " هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال :
أحدها : أن المراد به المنافقون والمرتدون ، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل ، فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم- للسيما التي عليهم ، فيقال: ليس هؤلاء مما وعدت بهم ، إن هؤلاء بدلوا بعدك : أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم .
والثاني : أن المراد من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد بعده ، فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء ، لما كان يعرفه - صلى الله عليه وسلم - في حياته من إسلامهم ، فيقال : ارتدوا بعدك .
والثالث : أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد ، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام " أهـ .
وذكر هذه الأقوال أيضاً القرطبي في المفهم ( 1/504 ) ، والحافظ ابن حجر في الفتح (11/385) .
فعلم أن الصحابة رضي الله عنهم غير داخلين في هذه الأوصاف ، ولو رجعنا إلى تعريف العلماء للصحابي لوجدنا ما يبين ذلك بجلاء ، فقد عرفوا الصحابي بأنه : " من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على ذلك " ، وهذا التعريف يخرج به المنافقون والمرتدون فلا يشملهم وصف الصحبة أصلاً .
كيف والصحابة رضي الله عنهم هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم ، ووقفوا في وجوههم ، ونصر الله بهم الدين ، في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام حين ارتد من ارتد من العرب ، حتى أظهرهم الله على عدوهم ، وأعز بهم دينه وأعلا بهم كلمته ، وهم كذلك أبعد الناس عن النفاق لما علم من صدق إيمانهم ، وقوة يقينهم ، وإخلاصهم لدينهم .
وكذلك الحال بالنسبة للابتداع والإحداث في الدين ، فالصحابة رضي الله عنهم كان وجودهم هو صمام الأمان الذي يحول دون ظهور البدع وانتشارها ، ولم تشتد البدع وتقوى شوكتها إلا بعد انقضاء عصرهم ، ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم- : ( النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " رواه مسلم ، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم- : ( وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) : " معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك مكة والمدينة وغير ذلك ، وهذه من معجزاته - صلى الله عليه وسلم – " .(11/93)
ومواقف الصحابة من البدع التي ظهرت بوادرها في زمنهم ، وشدة إنكارهم على أصحابها من أكبر الأدلة على بغضهم للبدع والإحداث في الدين ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لمن أخبره عن مقالة القدرية : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء ، وهم منه برآء ثلاث مرات " أخرجه الآجري ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما- : " ما في الأرض قوم أبغض إلىَّ من أن يجيئوني فيخاصموني في القدر من القدرية " أخرجه الآجري ، ونقل البغوي إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع فقال : " وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم " ( شرح السنة للبغوي 1/194) .
فهذه المواقف العظيمة للصحابة رضي الله عنهم من أهل الردة والابتداع هي من أعظم الشواهد على صدق تدينهم ، وقوة إيمانهم ، وحسن بلائهم في الدين ، ولذا فهم أولى الناس بحوضه عليه الصلاة والسلام لحسن صحبتهم له في حياته ، وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته .
ثالثاً : ليس هناك ما يمنع من أن يكون أولئك المذادون عن الحوض هم من جمع تلك الأوصاف الواردة في الأحاديث ، حتى ولو لم يكن ممن لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - طالما أنه اشترك في نفس الوصف ، وقد ورد في بعض روايات الحديث ما يقوي هذا الاحتمال ، ففي بعضها يقول - صلى الله عليه وسلم- : ( سيؤخذ أناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي ) وفي بعضها : ( بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة ) ، وفي بعضها : ( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه ....الحديث ) ، وذكر من يذادون وأنهم من هذه الأمة ، وفي بعضها: ( ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ) .
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد بين أن سبب الذود عن الحوض هو الارتداد كما في قوله : ( إنهم ارتدوا على أدبارهم ) ، أو الإحداث في الدين كما في قوله : ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ، فمقتضى ذلك أن يُذاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- من الأعراب ، أو من كان بعد ذلك ، ومثلهم في ذلك أهل الإحداث والابتداع ، وهذا هو ظاهر قول بعض أهل العلم ، قال الإمام ابن عبد البر : " كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض .... قال : وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق ، والمعلنون بالكبائر ، قال : وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم " (شرح مسلم للنووي 3/137) .
وقال القرطبي في التذكرة(1/348) : " قال علماؤنا -رحمة الله عليهم أجمعين- فكل من ارتد عن دين الله ، أو أحدث فيه ما لا يرضاه ولم يأذن به الله ، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه .....".
وكونه عليه الصلاة والسلام قد عرفهم لا يلزم منه أنه عرفهم بأعيانهم ، بل بسمات خاصة كما جاء في رواية مسلم : ( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا : يا نبي الله أتعرفنا ؟ قال : نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء ، وليُصدَّن عني طائفة منكم فلا يصلون ، فأقول : يارب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ ) .
فقوله ( منكم ) أي من الأمة ، وهذا يعني أنهم يحشرون جميعاً بنفس سيما المؤمنين كما في حديث الصراط : ( ....وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها.. ) ، مما يدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين ويعرفهم النبي - صلى الله عليه وسلم- بسمات هذه الأمة .
رابعاً : هذه الأحاديث رواها الأئمة في كتب الصحاح والمسانيد والمعاجم عن عشرات الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر و أبو هريرة و عائشة ، و أم سلمة ، و حذيفة ، و أبوسعيد الخدري ، و ابن مسعود ، و أنس ، و سهل بن سعد ، و ابن عباس ، فإذا كان هؤلاء هم المعنييون بهذه الأحاديث ، فهل من المعقول أن يثبتوها ويرووها لنا كما جاءت ، مع أن فيها ما يحكم بردتهم وتبديلهم وإحداثهم في الدين بعد نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ؟! .
خامساً : لو كان المقصود بهذه الأحاديث الصحابة الذين وجه إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كلامه ، لما احتاج عليه الصلاة والسلام أن يقول : ( ليردن علي الحوض أقوام ) ، أو ( بينا أنا قائم إذا زمرة ) ، أو ( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض ) ، أو ( ثم يؤخذ برجال من أصحابي ) ، ولتوجه بالخطاب إليهم صراحة كأن يقول : ( لتردن علي الحوض ثم لتختلجن دوني ) ، وما أشبه ذلك ، مما يقطع بأن الصحابة رضي الله عنهم غير معنيين بهذه الأحاديث .
سادساً : وردت هذه الأحاديث بألفاظ تدل على التقليل والتصغير ، مثل قوله " أقوام " و" رهط " ، و" زمرة " ، و" أصيحابي " بالتصغير مما يرد الزعم بأن المقصود بهذه الأحاديث هم الأكثرية .(11/94)
ألا ترى أن القائل إذا قال : أتاني اليوم أقوامٌ من بني تميم ، وأقوامٌ من أهل الكوفة فإنما يريد قليلاً من كثير ، ولو أراد أنهم أتوه إلا نفراً يسيراً ، لقال أتاني بنو تميم وأتاني أهل الكوفة ، ولم يجز أن يقول قوم ، لأن القوم هم الذين تخلفوا .
وأما الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم- : ( فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) أي : " ضوال الإبل " بأن المراد بذلك أن الأكثر هم الذين يذادون عن حوضه - صلى الله عليه وسلم- ، فهو استدلال يدل على جهل صاحبه باللغة ، لأن الضمير في قوله : ( منهم ) ، إنما يرجع على أولئك القوم الذين يدنون من الحوض ثم يذادون عنه ، فلا يخلص منهم إليه إلا القليل ، وهذا ظاهر من سياق الحديث ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( بينما أنا قائم ، فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلَمّ ، فقلت أين؟ قال: إلى النار والله ، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال: هلم ، قلت : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم ) ، فليس للصحابة في الحديث ذكر ، وإنما ذكر زمراً من الرجال يذادون من دون الحوض ، ثم لا يصل إليه من هؤلاء المذادين إلا القليل ، ولذا قال الحافظ رحمه الله في تعليقه على قوله : ( فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم ) : " يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه ... والمعنى لا يرده منهم إلا القليل لأن الهَمَل في الإبل قليل بالنسبة لغيره " .
سابعاً : من أين لهؤلاء المدعين تحديد بعض الصحابة بأنهم من المرتدين المحدِثين المذادين عن حوضه - صلى الله عليه وسلم- ، وتحديد آخرين بأنهم من المستثنين من ذلك ، والنصوص لم يرد فيها أي تحديد أو تقييد ، أليس ما جرى على أولئك المذادين يمكن أن يجري على غيرهم ؟ وما استدلوا به على ردتهم يمكن أن يستدل به خصومهم على ردة غيرهم – ونحن لا نقول بذلك - طالما أن النصوص لم يرد فيها تحديد ، فإن قيل : قد ثبتت جملة الأحاديث تثني على هؤلاء الصحابة المستثنين وتثبت أنهم من أهل الجنة ، فنقول : وكذا الصحابة الذين تحاولون إدخالهم فيمن يرتد عن الحوض ، هناك عشرات الأدلة من الكتاب والسنة تثبت رضى الله عنهم ، وتزكية رسوله - صلى الله عليه وسلم- لهم ، وتثني عليهم غاية الثناء ، وأنهم هم المؤمنون حقاً ، وتثبت بالدليل القاطع أنهم من أهل الجنة .
وبذلك يتضح الحق ، وتنكشف الشبهة ، ويظهر فساد الاستدلال بهذه الأحاديث على الطعن في صحابة رسول الله - صلى الله عيه وسلم- ، وبراءتهم مما نسبوا إليه ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وحشرنا في زمرتهم .
===============
شبهات حول أحاديث المهدي
(الشبكة الإسلامية)
أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة بظهور رجل في آخر الزمان من آل بيته يوافق اسمه اسم النبي - صلى الله عليه وسلم- واسم أبيه اسم أبيه ، يتولى إمرة المسلمين ، يملك سبع سنين ، ويصلي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه ، ويؤيد الله به الدين ، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ويكتب الله على يديه خيراً كثيراً ، وتنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط ، فتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء قطرها ويعطى المال بغير عدد .
وهذه الأحاديث رواها الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد ، وأفردها بعضهم بالتأليف كأبي نعيم ، و السيوطي ، و ابن كثير ، و الشوكاني وغيرهم ، وعدها بعضهم من المتواتر تواتراً معنوياً ، ومن هذه الأحاديث :
بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي
- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ) رواه الترمذي و أبو داود ، وفي رواية لأبي داود ( يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ) .
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين ) رواه أبو داود وغيره .
- حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) . رواه أبوداود .
- حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ) رواه أحمد و ابن ماجه .
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : ( يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطى المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ، يعيش سبعاً أو ثمانياً (يعني حججا) أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي .(11/95)
- حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ( ينزل عيسى بن مريم ، فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بإسناد جيد كما قال ابن القيم في المنار المنيف .
وقد ردَّ بعض المعاصرين هذه الأحاديث ، وشككوا في نسبتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، واعتبرها البعض خرافة لا تتفق والعقل الصحيح ، متعللين ببعض الشبه التي سنناقش أهمها في هذه السطور .
عدم إخراج صاحبي الصحيح أحاديث المهدي
فمن الشبه التي أثيرت حول أحاديث المهدي أن صاحبي الصحيح لم يعتدا بهذه الروايات ، ولذلك لم يذكرا شيئاً منها في كتابيهما ، مع أنهما في المقابل أخرجا حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه ، والذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الساعة لا تقوم حتى يخرج ، مما يدل على ضعف هذه الأحاديث عندهما ، ولو كان شيء منها صحيحاً لذكروه كما ذكروا غيره .
والجواب أن عدم إيراد الشيخين شيئاً من الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا يدل على ضعفها ، لأنه كما هو معلوم أن السنة لم تدون كلها في الصحيحين فقط ، بل ورد في غيرهما أحاديث كثيرة صحيحة في السنن والمسانيد والمعاجم وغيرها من دواوين الحديث .
ولم يقل أحد - حتى صاحبا الصحيح أنفسهما - أنهما قصدا استيعاب الصحيح كله في كتابيهما ، حتى يحكم بأن كل ما لم يخرجاه ضعيف عندهما ، بل جاء عنهما التصريح بخلاف ذلك - كما نقل عنهما الأئمة - .
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله في كتابه " علوم الحديث " : "لم يستوعبا - يعني البخاري و مسلم - الصحيح في صحيحيهما ، ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحيح لحال الطول " ، وروينا عن مسلم أنه قال : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعنى في كتاب الصحيح - إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه " أهـ .
وقال النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم (1/24) - بعد أن ذكر إلزام جماعة لهما إخراج أحاديث على شرطهما ولم يخرجاها في كتابيهما- : " وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح ، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جُمَل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جُمَل من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله " أهـ .
ولذلك نجد أنهما قد يصححان أحاديث ليست في كتابيهما كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده بل في السنن وغيرها .
ومن المعلوم أيضاً أن المقبول عند المحدثين أعم من الصحيح فهو يشمل الصحيح لذاته ، والصحيح لغيره ، والحسن لذاته ، والحسن لغيره ، والصحيح موجود في الصحيحين وفي غيرهما ، أما الحسن فمظانه في غير الصحيح .
والعلماء رحمهم الله قسموا الصحيح بحسب القوة إلى مراتب سبع :
1. صحيح اتفق الشيخان على إخراجه .
2. صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم .
3. صحيح انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري .
4. صحيح على شرطهما معاً ولم يخرجاه .
5. صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه .
6. صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه .
7. صحيح لم يخرجاه وليس على شرطهما معاً ، ولا على شرط واحد منهما .
وليس في الصحيحين من هذه المراتب إلا الثلاث الأولى ، أما الأربع الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين .
ولم يزل دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة بل والحسنة الموجودة خارج الصحيحين ، والعمل بها مطلقاً ، واعتبار ما دلت عليه ، من غير حط من شأنها أو تقليل من قيمتها ، سواء أكان ذلك في أمور الاعتقاد أو في أمور الأحكام.
على أننا نقول إن أحاديث الصحيح وإن لم يرد فيها التصريح بذكر المهدي على جهة التفصيل ، إلا أنه قد وردت أحاديث في الصحيح تدل إجمالاً على ظهور رجل صالح يؤم المسلمين عند نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، يصلي عيسى ابن مريم خلفه .
ومن ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله في باب نزول عيسى بن مريم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) ، والحديث أخرجه مسلم عن جابر رضي اللّه عنه أنه سمع النبي - صلى اللّه عليه وسلم - يقول: ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) .
وجاء ما يفسر هذه الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها ، ويبين اسم هذا الأمير- الذي يصلى عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه - وصفته وأنه هو المهدي ، والسنة يفسر بعضها بعضاً .(11/96)
ومنها حديث جابر الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم- : ( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا ، فيقول : لا إن بعضهم أمير بعض ، تكرمة الله لهذه الأمة ) قال ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " : وهذا إسناد جيد ، وصححه الألباني في السلسلة ، مما يدل على أن أصل هذه الأحاديث موجود في الصحيح .
تعارض الأحاديث واختلافها
ومن الشبه المثارة أن الروايات الواردة في شأن المهدي فيها من التعارض والتناقض والاختلاف ، ووقوع الإشكالات في معانيها ، ما يتعذر معه الجمع بينها ، ويجعلنا نجزم أنها ليست من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ومن ذلك الروايات التي تفيد بأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وهي تدل على خلو الأرض تماماً قبل زمنه من أهل الحق والخير ، وانتهاء الشر والفساد بظهوره .
مما يعارض الأحاديث الثابتة التي تفيد بقاء طائفة من الأمة في كل زمان على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه ، ويعارض كذلك وجود الشر والصراع بين الحق والباطل في زمنه .
أضف إلى ذلك أنه قد ورد ما يعارض ظهور أي مهدي غير عيسى عليه السلام وذلك في حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) .
والجواب أن التعارض إنما نشأ عن الروايات غير الصحيحة ، ودعاوى المهدية التي ادعتها طوائف عبر التاريخ فحاولت كل طائفة أن تؤيد دعواها بهذه الأحاديث الباطلة ، والمثبتون لأحاديث المهدي من أهل السنة لم يقولوا بأن كل ما ورد في شأنه هو من قبيل الصحيح المحتج به ، بل إنهم متفقون على أن فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف ، وفيها الموضوع أيضاً ، فما كان منها موضوعاً أو ضعيفاً فلا حجة فيه ولا يلتفت إليه ولا يعارض به غيره .
وأما ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ، ومتفق غير مفترق ، وهو يتعلق بشخص واحد يأتي في آخر الزمان قبيل خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو محمد بن عبد اللّه الموصوف بالمهدي .
وأما ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الأرض ظلماً وجوراً قبل خروجه ، وامتلائها عدلاً في زمانه ، فليس فيها أي دلالة على خلو الأرض تماماً من أهل الحق ، واضمحلال الخير وتلاشيه قبل ظهوره ، وإنما المقصود منها كثرة الشر وظهور الغلبة لأهله ، ولا يعني ذلك بالضرورة عدم وجود طائفة على الحق قائمة بأمر الله .
كما لا يعني انتشار العدل في زمن المهدي ألا يكون للشر والباطل أي وجود ، لأن المقصود كثرة الخير ، وقوة أهل الإسلام ، وحصول الغلبة والعاقبة هم ، وقهرهم لعدوهم ، وهذا لا ينفي وجود أشرار مغمورين في ذلك الزمان .
وسنة اللّه في خلقه أن يستمر الصراع بين الحق والباطل ، وأن يقوى في بعض الأزمان جانب الخير على جانب الشر ، وفي أزمان أخرى يقوى جانب الشر على جانب الخير ، ولا تخلو الأرض من الأخيار إلا قبيل الساعة حين تقوم على شرار الخلق ، ولا يبقى فيها من يقول الله الله .
وأحاديث المهدي نفسها تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع فكيف يعارض بها غيرها ! فإن من الأحاديث التي أصلها في الصحيحين ووردت مفسرة في غيرهما – كما سبق – الحديث الذي رواه مسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة ) .
وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره : ( لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم ) .
فهو حديث ضعيف جداً لأن مداره على محمد بن خالد الجندي ، قال فيه الذهبي ( ميزان الاعتدال 3/535) : " قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول ، قلت – القائل الذهبي – : حديثه ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) وهو خبر منكر ، أخرجه ابن ماجه " أهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (منهاج السنة النبوية 4/211) : " وهذه الأحاديث - يعني أحاديث المهدي - غلط فيها طوائف ، فطائفة أنكرتها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه ، وليس مما يعتمد عليه ، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي و الشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد ابن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به ، وليس هذا في مسند الشافعي ، وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه ، وأن يونس لم يسمعه من الشافعي " أهـ .
وعلى فرض ثبوته فإنه لا يعارض الأحاديث الثابتة في المهدي ، لأنه يمكن الجمع بينها بأن المراد هو أنه لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى عليه السلام ، وذلك لا ينفي إثبات خروج مهدي غير معصوم كما قال بذلك بعض أهل العلم كالقرطبي و ابن القيم و ابن كثير وغيرهم ، وبهذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض .(11/97)
تضعيف ابن خلدون لأحاديث المهدي
ومن الشبه التي تعلق بها المنكرون لأحاديث المهدي ما اشتهر عن ابن خلدون من تضعيفه لهذه الأحاديث حيث قال في المقدمة (1/322) - بعد أن استعرض كثيراً من أحاديث المهدي وطعن في كثير من أسانيدها- : " فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان . وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه " .
ولو رجعنا لكلام ابن خلدون لوجدنا أنه صدَّر الفصل الذي عقده عن المهدي في مقدمته بقوله : " اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته ، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة ، وتكلم فيها المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الاخبار ....إلخ .
وهي شهادة منه على أن اعتقاد خروج المهدي في آخر الزمان هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار ، فهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ ؟ مع أن الأمر يتعلق بأمر غيبي لا مجال للاجتهاد فيه ، ولا يسوغ لأحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم – ، هذا أمر .
الأمر الثاني كيف يسوغ لنا أن نعتمد على كلام ابن خلدون في التصحيح والتضعيف مع أنه ليس من فرسان هذا الميدان ، ونطرح كلام أئمة الحديث قبل ابن خلدون وبعده الذين تكلموا على أحاديث المهدي ونقدوها وبينوا صحيحها من سقيمها ، واحتجوا بكثير منها ، بل حكى بعضهم تواترها تواتراً معنوياً .
ومنهم على سبيل المثال : الحافظ أبو جعفر العقيلي تـ322هـ فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل النهدي : " قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلا به ، ثم قال : وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه " أهـ .
والإمام ابن حبان تـ354 هـ ، قال الحافظ في الفتح (13/21) عند كلامه على حديث ( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) : " واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا " .
والإمام البيهقي تـ 438 هـ فقد قال في كتاب " البعث والنشور" بعد كلامه على تضعيف حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) : " والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا " .
والحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري صاحب كتاب " مناقب الشافعي " تـ363، نقل عنه الإمام ابن القيم في (المنار المنيف 1/142) ، والحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ، و" فتح الباري " قوله : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذكر المهدي وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " .
وممن صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي الإمام الترمذي في جامعه ، و الحاكم في مستدركه ووافقه الإمام الذهبي في تصحيح جملة منها ، ومنهم القرطبي صاحب التفسير فقال في كتابه " التذكرة " - بعد ذكر حديث : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) وبيان ضعفه - : " والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التنصيص على خروج المهدى من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه" .
ومنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله فقد صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي في كتابه " منهاج السنة " والإمام ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " والإمام ابن كثير في تفسيره وفي كتابه " النهاية في الفتن والملاحم " وغيرهم كثير .
بل حكى بعضهم تواتر هذه الأحاديث تواتراً معنوياً كما سبق عن الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري ، والإمام السخاوي حين مثل في كتابه " فتح المغيث " للأحاديث المتواترة اعتبر أحاديث المهدي من هذا القبيل ، و للشوكاني - رحمه الله - رسالة أسماها " التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح " ومما جاء فيها قوله : " فالأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " .(11/98)
وقال الشيخ الكتاني في كتابه : " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام " .
فهل نطرح كلام كل هؤلاء ونقبل كلام ابن خلدون على عواهنه .
الأمر الثالث أن ابن خلدون لم يقل إن أحاديث المهدي كلها ضعيفة فضلا عن القول بأنها موضوعة ، فعبارته تدل على أن هناك عدداً قليلاً من هذه الروايات قد سلم من النقد ، ونحن نقول لو سلَّمْنا بكلام ابن خلدون فهذا القدر القليل كاف في الاحتجاج بهذه الأحاديث واعتقاد موجبها.
وقد رد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على ابن خلدون في تعليقه على المسند فقال : " أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحما لم يكن من رجالها.. " ، وقال : "إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا ، وغلط أغلاطا واضحة.." ، وقال : "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.." أهـ .
ليست من عقائد أهل السنة
ومن الشبه التي يرددها المنكرون أن فكرة المهدية ليست في أصلها من عقائد أهل السنة وإنما هي دخيلة علينا من عقائد الفرق الأخرى ، التي تؤمن بظهور إمام غائب منتظر يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
ونحن نقول إن الأحاديث ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في خروج المهدي في آخر الزمان ، وقد رواها أئمة أهل السنة في كتبهم المعتمدة بأسانيد تنتهي إلى رسول الله - صلى اللّه عليه وسلم- من طريق صحابته الكرام رضي اللّه عنهم ، والثقات من الرواة ، واعتمد أهل الحديث في تصحيحها على قواعد دقيقة في الحكم على الرجال والأسانيد ، حتى لم يبق صاحب بدعة أو كذب إلا وكشفوا أمره .
فما صح من هذه الأحاديث الواردة لا علاقة له بعقيدة أي فرقة أو طائفة ، لأنه لم ينقل من طريقهم ، وإذا كان هناك روايات موضوعة في المهدي تعصباً ، فإن ذلك لا يجعلنا نترك ما صح من الروايات فيه .
فإذا عينت طائفة شخصاً وزعمت أنه هو المهدي دون أن تؤيد زعمه بما ثبت من أحاديث صحيحة ، فإن ذلك لا يؤدي إلى إنكار المهدي على ما جاء في أحاديث أخرى ، فالحكم العدل هو الكتاب والسنة الصحيحة ، وأما عقائد الفرق الأخرى فلا يجوز أن تكون عمدة يرد بها ما ثبت من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد نص أهل العلم الذي صنفوا في عقائد أهل السنة أنه متى ما صح النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سواء كان في أمور ماضية أو مستقبلة ، وجب التصديق به واعتقاد موجبه ، وهو مقتضى الشهادة بأن محمدا رسوله الله ، ومن أولئك الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه " لمعة الاعتقاد " حيث قال : "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه ، مثل حديث الإسراء والمعراج ، ومن ذلك أشراط الساعة ، مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأشباه ذلك مما صح به النقل " أهـ . فكلام ابن قدامة هذا يدخل فيه التصديق بخروج المهدي لأنه مما صح به النقل .
وقال السفارينى رحمه الله في عقيدته المسماة " لوامع الأنوار البهية " بعد أن ذكر طائفة من الأحاديث والآثار : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة ، وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " ا.هـ . وقال في موضع آخر : " وقد كثرت الأقوال في المهدي ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي ... " .
وذكر ذلك الشيخ الحسن بن علي البربهاري الحنبلي المتوفى سنة 329 هـ في عقيدته ، المثبتة ضمن ترجمته في كتاب " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى الحنبلي .
ثم إن هناك فرقاً كبيراً بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الفرق الأخرى في هذا الباب ، فالمهدي عند أهل السنة لا يعدو كونه إماما من أئمة المسلمين ، يخرج في آخر الزمان خروجاً طبيعياً ، يولد كما يولد غيره ، ويعيش كما يعيش غيره ، وهو غير معصوم ، فقد يقع منه الخطأ ، ويحتاج إلى إصلاحٍ مثل غيره من الناس ، ثم يكتب الله على يديه خيراً كثيراً وبرًّا وصلاحاً للأمة ، وينشر العدل ، ويطبق شريعة الإسلام ، ويجمع الله به شمل المسلمين .
وأما عند غيرهم فهو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد في منتصف القرن الثالث تقريباً ، ودخل سرداباً في سامراء وعمره تسع سنين ، وهم ينتظرون خروجه ، وهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم الذين يعتقدون فيهم العصمة ، فعقيدة أهل السنة مغايرة تماماً لعقيدة غيرهم في هذا الباب .
أكبر مثارات الفساد والفتن عبر التاريخ(11/99)
ومما أثير حول أحاديث المهدي أن دعوى المهدية كانت سبباً في إثارة الكثير من الفتن والمفاسد عبر التاريخ ، كما أن هذه الأحاديث قد أسهمت بشكل أو بآخر في تخدير المسلمين وهروبهم من واقعهم إلى التعلق بالأوهام والخيالات وانتظار المخلص الذي يظهر فجأة ليخلصهم من الظلم والطغيان ، وينشر العدل في العالمين .
والجواب أنه قد سبق أن خروج المهدي في آخر الزمان هو أمرٌ غيبي يتوقف التصديق به على ثبوت النص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وقد ثبتت بذلك النصوص ، وحكم بثبوتها العلماء المحققون ، والجهابذة النقاد من أهل الحديث .
ووجود مدعين للمهدية عبر التاريخ حصل بسببهم العديد من الفتن والفساد ، لا يؤثر في التصديق بمن عناه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة وهو المهدي الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه .
والواجب قبول الحق ورد الباطل لا أن يُرَد الحق ، ويُكَذَّب بالنصوص الثابتة من أجل أن هذه الدعوى تدثر بها بعض الجهلة والمبطلين .
والمتتبع لنصوص القرآن والسنة يجدها تأمر بالاجتهاد في العمل والأخذ بالأسباب في أمور الدنيا والآخرة ، وقيمة العمل من أعظم القيم التي جاء الإسلام لتقريرها وترسيخها في النفوس ، حتى مع يقين الإنسان بانتهاء الدنيا وقيام الساعة كما هو واضح من قوله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس : ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل ) .
وفي بعض الروايات :( إذا سمعت بالدجال وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحها ، فإن للناس بعد ذلك عيشا ) .
ولا يوجد نص في القرآن والسنة يدل على أننا متعبدون بانتظار المهدي أو ترقبه ، أو توقف شيء من شعائر الإسلام على خروجه ، غاية ما في هذه الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- بشَّر برجل من أهل بيته ، ووصفه بعدد من الصفات من أهمها أنه يحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس وليس أكثر من ذلك ، فليس في هذه الأحاديث أبداً ما يعفينا من تبعة التكاليف الشرعية والصبر والجهاد ، والعلم والعمل ، والسعي في الإصلاح والتغيير ، وعلى هذا درج الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وتتابع عليه أئمة العلم على تعاقب العصور ، ومر الدهور ، ولم يفهم أحد منهم هذا الفهم السلبي ، فإذا فهم البعض هذه الأحاديث فهماً خاطئاً يدعو إلى القعود والكسل وترك العمل ، فلماذا نحمل هذه النصوص مسؤولية هذا الفهم المنحرف ؟! .
ثم إن أحاديث نزول عيسى نفسها قد يفهم منها البعض ما يدعوه إلى القعود والكسل، فهل نقول ببطلانها لأجل هذه الفئة أو تلك !!
فالخلاصة أنه من المجازفة أن يقال إن كل هذه الأحاديث التي رواها الأئمة ، وصنف فيها المصنفون ، وحكى تواترها جماعة ، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة ، لا أساس لها من الصحة ، أو أنها خرافة لا يقبلها العقل الصحيح ، وهل العقل إلا تابع للشرع في قضايا الغيب والاعتقاد ؟! وما قيمة الإيمان بالغيب إذا كنا كلما جاءنا نص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عرضناه على عقولنا ؟!. ، ورحم الله الإمام الزهري إذ يقول : " من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم " .
==================
قصة الغرانيق في الميزان
(الشبكة الإسلامية)
لما كان القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساسي لشرائع الإسلام ، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام ، وجه أعداء الإسلام سهامهم إليه بغرض إثارة الشبهات حوله ، والتشكيك في مصدريته ، ومحاولة رفع الثقة عنه ، مستغلين في ذلك بعض الروايات الواهية والإسرائيليات المبثوثة هنا وهناك لتأييد صحة دعواهم ، فأخذوا يزيدون فيها ، ويحورونها بما يتفق ونواياهم الخبيثة في هدم الإسلام وتشويه صورته باسم التحقيق العلمي والبحث الموضوعي .
نجد ذلك على سبيل المثال في " دائرة المعارف الإسلامية " التي وضعت من قبل المستشرقين للتعريف بدين الإسلام ، حيث يقول المستشرق الهولندي " شاخت " تحت مادة (أصول ): " إن أول مصادر الشرع في الإسلام وأكثرها قيمة هو الكتاب ، وليس هناك من شك في قطعية ثبوته وتنزيهه عن الخطأ على الرغم من إمكان سعي الشيطان لتخليطه " .
ويقول بروكلمن في كتابه " تاريخ الشعوب الاسلامية " : " ولكنه – يعني الرسول صلى الله عليه وسلم- على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات اللّه ، ولقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله : ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضى ) .
ويقول المستشرق الدنماركي " بوهل " : " .... تشير الروايات الموثوقة المعتمد عليها أنه سمح لنفسه أن تغوي بواسطة الشيطان لمدح اللات والعزى ومناة إلى حدٍّ ما ، لكنه اكتشف زلته فيما بعد ثم أوحيت إليه الآية 19 من سورة النجم " .(11/100)
وأما " مونتجومري وات " فقد قال في كتابه : " محمد الرسول والسياسي " : " رتَّل محمد في وقت من الأوقات الآيات التي أوحى بها الشيطان على أنها جزء من القرآن ، ثم أعلن محمد فيما بعد أن هذه الآيات لا يجب أن تعتبر جزءاً من القرآن ، وقال : وكان يريد قبولها في الوهلة الأولى ...... " .
وهم يشيرون بذلك إلى قصة الغرانيق التي أوردها بعض المفسرين وأصحاب المغازي والسير ورويت بألفاظ مختلفة حاصلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان بمكة ، فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى }(النجم19-20) ، فجرى على لسانه : ( تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ) ، فسمع ذلك مشركوا مكة ، فَسُرُّوا بذلك ، فاشتَدَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فأنزل الله تعالى قوله : {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم }(الحج 52).
وقد اعتمد المستشرقون على هذه القصة مع أنها ظاهرة التهافت ، واضحة البطلان ، مع تعرض الأئمة لها بالنقد من قديم الزمان وحتى عصرنا الحاضر ، لما فيها من القدح في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير المتعلق بأمور الوحي والتبليغ والاعتقاد ، وجواز أن يجري الكفر على لسانه ، وأن يزيد في القرآن ما ليس منه ، وأن يكون للشيطان عليه سبيل ، وحينئذ ترتفع الثقة بالوحي جملة ، وينتقض الاعتماد عليه بالكلية ، وينهدم أعظم ركن من أركان الشريعة ، وهو ما يريده أعداء الدين .
وسنناقش فيما يلي أوجه رد هذه القصة من حيث الرواية والدراية .
رد القصة من حيث الرواية
من المعلوم أن الاحتكام في قبول الأحاديث أو ردها يجب أن يكون إلى القواعد والضوابط التي وضعها أهل هذا الفن لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، فليس كل ما يروى وينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يلزم أن يكون من قوله ، ومن تلك القواعد النظر في الأسانيد والرواة ، ولو تتبعنا أسانيد هذه القصة فإننا سنجد أن الحديث الوارد فيها لم يرو موصولاً إلا عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وإن كان قد روي مرسلاً عن عدد من التابعين .
وجميع الطرق الموصولة إلى ابن عباس واهية شديدة الضعف لا يصح منها شيء ألبتة كما قال المحدثون .
وأما المرسلة فلا يصح منها إلا أربع روايات وهي رواية سعيد بن جبير و أبي العالية و أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث و قتادة .
وهذا الروايات وإن صحت إليهم فإن ذلك لا يعني قبولها ، والاعتماد عليها لأنها مراسيل ، والمرسل- كما هو معلوم عند جماهير المحدثين - في عداد الحديث الضعيف ، وذلك لجهالة الواسطة ، واحتمال أن يكون غير صحابي ، وحينئذ يحتمل أن يكون ثقة وغير ثقة ، فلا يؤمن أن يكون كذاباً .
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : " والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة " ، ومثله قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته : " ...و ما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضَعفه ، هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، و نقاد الأثر، و قد تداولوه في تصانيفهم ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية ( 7/435) : " وأما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل : " ثلاث علوم لا إسناد لها ، وفي لفظ ليس لها أصل : التفسير والمغازي والملاحم ويعني أن أحاديثها مرسلة " .
ولو نظرنا فيمن صحت عنه هذه المراسيل لوجدناهم من طبقة واحدة ، فوفاة سعيد بن جبير سنة (95) و أبي بكر بن عبد الرحمن سنة (94)، و أبي العالية سنة (90) ، و قتادة سنة بضع عشرة و مائة ، و الأول كوفي ، و الثاني مدني ، و الأخيران بصريان .
فجائز أن يكون مصدرهم الذي أخذوا عنه هذه القصة واحداً ، وجائز أن يكون جمعاً ولكنهم جميعاً ضعفاء ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقَبول حديثهم هذا ، لا سيّما في مثل هذا الأمر العظيم الذي يمسّ مقام النبوة ، فلا جرم حينئذ أن يتتابع العلماء على إنكار هذه الرواية والتنديد ببطلانها .
فقد سئل عنها الإمام بن خزيمة فقال : " هذه القصة من وضع الزنادقة " نقل ذلك الفخر الرازي في تفسيره (23/44) ، ونقل عن الإمام البيهقي قوله : " هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل " .
وقال ابن حزم في كتاب " الفصل في الأهواء والنحل " (2/311) : " وأما الحديث الذي فيه : ( وأنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى ) فكذب بحت موضوع ، لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، ولا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد " اهـ .(11/101)
وقال القاضي عياض في الشفا (2/79) : " هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل....، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية ، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب - الشك في الحديث - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان بمكة ....، وذكر القصة " ، ثم نقل كلام البزار وقال : " فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه ، مع وقوع الشك فيه ، كما ذكرناه ، الذي لا يوثق به ، ولا حقيقة معه .
قال : وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الراوية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البراز رحمه الله ، والذي منه في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ : (والنجم ) وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس " اهـ .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/239) : " قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم " . اهـ .
وقال الشوكاني :" ولم يصح شيء من هذا ، ولا يثبت بوجه من الوجوه " .
وهذا هو مذهب أكثر المفسرين والمحدثين ، وممن ذهب إليه الجصاص ، و ابن عطية و أبو حيان ،و السهيلي ،و الفخر الرازي ،و القرطبي ،و بن العربي ،و الآلوسي ، و أبو السعود ، و البيضاوي ، و القاسمي و الشنقيطي ، و المنذري ، و الطيبي ، و الكرماني و العيني وغيرهم
ولولا الرغبة في الاختصار لاستعرضنا هذه الروايات وعللها ، وكلام أهل العلم عليها على وجه التفصيل ، ومن أراد الاستزادة حول الروايات والطرق فليرجع إلى كتاب الشيخ الألباني رحمه الله : " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " ، وكتاب " التحقيق في قصة الغرانيق " لأحمد بن عبد العزيز القصير .
رد القصة من حيث الدراية
ومع كون الرواية لا تثبت من جهة الإسناد ، فهناك عدة دلائل في المتن يستحيل معها ثبوت مثل هذا الكلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك :
أولاً : مصادمة القصة لصريح القرآن ، وذلك لأن ما تفيده هذه القصة مخالف مخالفة صريحة لآيات كثيرة في القرآن ، تنص على أن الله جل وعلا لم يجعل للشيطان سلطاناً على النبي - صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين ، مثل قوله تعالى : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } (الإسراء 65 ) ، وقوله سبحانه : {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } (النحل 99- 100 ) ، وقوله سبحانه {وما كان له عليهم من سلطان } (سبأ 21 ) ، وقوله : {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } ( إبراهيم 22) ، وأي سلطان أعظم من أن يلقي الشيطان على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم – هذه العبارة الشركية الصريحة .
هذا عدا عن مصادمتها للآيات الصريحة التي تفيد حفظ الذكر وصيانته من التحريف والتبديل ، والزيادة والنقص ، كقوله سبحانه : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9) ، وقوله : {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }( فصلت 42) ، وقوله تعالى : {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى }(النجم 3- 4 ) ، ومن المعلوم أن من الأسباب التي يرد بها الخبر مناقضته الصريحة والواضحة للقرآن .
ثانياً : أنه قد قام الدليل القطعي ، وانعقد الإجماع على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جَرَيان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمداً ولا سهواً ، أو أن يتقول على الله لا عمداً ولا سهواً ما لم ينزل عليه ، قال تعالى : {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي } (يونس 15) وقال جل وعلا : {ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين }(الحاقة 44- 46) ، و قال : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً * إذاً لأذقناك ضِعف الحياة و ضِعفَ الممات }( الإسراء 74- 75) ، وهذه الرويات تناقض تماماً دليل العصمة .(11/102)
ثالثاً : أن سياق الآيات نفسها من سورة النجم - والتي ذُكر في الرواية أنه تخللها إلقاء الشيطان- فيها قرينة واضحة على بطلان هذه الرواية ، لأنه لو كان السياق كما ذكرت الرواية : ( أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى – تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى - ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل بها من سلطان ) ، لكان في الكلام من الاضطراب والتناقض وعدم الانسجام ما ينزه عنه العقلاء من البشر فكيف بكلام الله جل وعلا الذي هو أفصح الكلام وأبينه ، إذ ليس من المعقول أن يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - آلهة المشركين ثم يذمها في أربع آيات متعاقبة ، ويبين أنها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان .
لا شك أن مثل هذا لا يخفى على من له أدنى تأمل في الكلام ؟ فضلاً عن فصحاء العرب وبلغائهم الذين كانت الكلمة بضاعتهم ، ونظم القصائد ونقد العبارة حديث مجالسهم وأسواقهم ، فهل كان يخفى عليهم مثل هذا الكلام المتناقض ؟! .
رابعاً : أن بعض روايات القصة ذكرت أن فيها نزل قوله تعالى : {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } (سورة الإسراء 73- 74 ) .
وهاتان الآيتان تردان القصة ، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه ولولا أن الله ثبته لكاد أن يركن إليهم ، مما يدل على أن الله عصمه حتى لم يكد يركن إليهم قليلاً فكيف كثيراً ، فنفى عنه قرب الركون فضلاً عن الركون نفسه ، وهذه القصة تدل على أنه زاد على الركون بل والافتراء بمدح آلهتهم ، وأنه - صلى الله عليه وسلم – قال كما في بعض الروايات– وحاشاه من ذلك - : " افتريت على الله ، وقلت ما لم يقل " وهذا ضد مفهوم الآية ، ومن أوضح الأدلة على بطلان القصة .
خامساً : من المعلوم أن مشركي قريش كانوا أحرص الناس على دفع نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ودحض حجته ، والتشكيك في رسالته ، والبحث عن أي مدخل يمكن أن ينفذوا من خلاله ، ولو صحت هذه القصة لكانت من الشهرة والذيوع واستمساك المشركين بها ما يغنيهم عن تكلف المشاق ، وبذل المهج والأرواح ، ولوجدوا بها الصولة على المسلمين ، ولتسببت في إحداث فتنة لكثير ممن أسلم ، ومع ذلك لم يرو عن معاندٍ فيها كلمة ، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئًا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ، مما يدل على بطلانها واجتثاث أصلها .
سادساً : أن الحديث المروي من طرق صحيحة متعددة في الصحيحين وغيرهما عن عدد من الصحابة كابن عباس و ابن مسعود و ابن عمر و أبي هريرة وغيرهم : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ) وليس في هذه الطرق أي ذكر لقصة الغرانيق ، ولو كانت صحيحة لنقلت عبر هذه الأسانيد .
سابعاً : أنه مع ضعف هذه الروايات و انقطاع أسانيدها ، فإن الاضطراب الحاصل في متنها واختلاف كلماتها أمر بين ظاهر ، فقائل يقول : إن ذلك حصل منه عليه الصلاة والسلام وهو في الصلاة ، وآخر يقول : قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة ، وآخر يقول : قالها وقد أصابته سِنةٌ من نوم ، وآخر يقول : بل حَدَّثَ نفسه فسها ، وآخر يقول : إن الشيطان قالها على لسانه وإن النبي - صلى الله عليه و سلم- لما عرضها على جبريل قال : ما هكذا أقرأتك؟! ، وآخر يقول : بل أعلمهم الشيطان أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأها ، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك ، قال : والله ما هكذا أنزلت ، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة الذي يضعف به الحديث لاضطرابه وإن صح سنده ، فكيف إذا اجتمع مع اضطراب المتن ضعف السند .
معنى الآية
والأقرب في معنى قوله تعالى في سورة الحج : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم }(الحج 52) ، سواء قلنا إن لفظ تمنى بمعنى قرأ وتلا - وهو ما عليه جمهور المفسرين – أو قلنا بأنه من التمني المعروف الذي أداته " ليت " ، أن يقال : إن إلقاء الشيطان هو ما يقذفه من الشبه والوساوس والشكوك والمعاني الباطلة للصد عن دين الله عز وجل ، والتكذيب بالقرآن .
فعلى القول بأن تمنى بمعنى قرأ وتلا يكون المعنى : ما من نبي ولا رسول إلا إذا قرأ وتلا ألقى الشيطان عند قراءته من الشبه والوساوس ليصد الناس عن اتباع ما يقرؤه الرسول أو النبي ، كإلقائه عليهم أن هذه الآيات سحر أو شعر أو أساطير الأولين ، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده .
وعلى القول بأنه من التمني المعروف يكون المعنى : ما من نبي ولا رسول إلا إذا تمنى هداية قومه وإيمانهم ألقى الشيطان في سبيل أمنيته العقبات ، من الشبه والوساوس والشكوك للصد عن دين الله ، حتى لا يتم للنبي أو الرسول ما تمناه .(11/103)
فينسخ الله تلك الشُّبَه والوساوس التي ألقاها الشيطان ، بمعنى أنه يبطلها ويذهبها ، لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي : ومعناه الإبطال والإزالة ، ثم يحكم آياته فلا يبقى إلا الحق الذي أراده سبحانه.
ومما يؤكد أن هذا هو الأقرب في معنى الآية ، أن الله جل وعلا بين أن الحكمة في هذا الإلقاء المذكور في الآية إنما هو الابتلاء والامتحان فقال سبحانه : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم } ( سورة الحج53) . ثم قال : {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم }( سورة الحج 54) .
فقوله : {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق } يدل على أن الشيطان يلقي عليهم أن الذي يقرأه النبي ليس بحق ، فيصدقه الأشقياء ويكون ذلك فتنة لهم ، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم والإيمان ، ويعلمون أنه الحق لا الكذب كما يزعم الشيطان في إلقائه ، ومثل هذا الامتحان لا يناسب شيئا زاده الشيطان من نفسه في القراءة .
ومما يشهد لهذا المعنى نظائر كثيرة من الآيات تبين دور الشيطان في الصد عن سبيل الله وزخرفة الباطل ، وفتنة الذين في قلوبهم مرض كقوله تعالى : {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } (الأنعام 112) ، وقوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } (الأنعام 121) ، وقوله : {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } ( المدثر31 ) ، وقوله : {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن } (الإسراء 60 ) ، وقوله في الآية الأخرى : {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم } (الصافات 62-64 ) .
وأما سجود المشركين في آخر سورة النجم كما هو ثابت في الصحيح وغيره ، فليس فيه ما يدل على ثبوت هذه القصة أبداً ولا على أنهم فهموا من ذلك ما يشعر بمدح آلهتهم ، لأنه يمكن أن يكون سجودهم لأسباب عدة منها :
أن يكون لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة خصوصاً وقد ورد في آخرها من الوعيد الشديد ، وإهلاك الله للأمم قبلهم وذلك في قوله : {وأنه أهلك عاداً الأولى * وثمود فما أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ماغشى } ( النجم : 50- 54) ولم يكونوا قد سمعوا مثل هذا الوعيد منه - صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك ، وهو في هذا المقام وهذا الجمع بين يدي ربه سبحانه ، فاستشعروا نزول هذا العذاب بهم .
ومثله ما حصل لعتبة بن ربيعة حين قرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- آيات من سورة فصلت وهي قوله سبحانه :{فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود }( فصلت 13) فأمسك عتبة بفم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وناشده بالرحم واعتذر لقومه ، حين ظنوا به أنه صبأ ، وقال : " كيف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب " أخرجه البيهقي في الدلائل .
ويمكن أن يكون سبب سجودهم كما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت ، ويمكن أن يكونوا أرادوا بسجودهم معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم .
ويمكن أن يكونوا سجدوا لله جل وعلا لأن المشركين ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه ، ولكنهم كانوا يعبدون معه آلهة أخرى كما أخبر الله عنهم ، فكان هذا السجود من عبادتهم لله
فتلخص من ذلك أن هذه القصة الواردة في سبب نزول الآية ضعيفة بل باطلة ، وكل الروايات الواردة فيها معلَّة إما بالإرسال ، أو الضعف ، أو الجهالة ، وليس فيها ما يصلح للاحتجاج به ، لا سيّما في مثل هذا الأمر الخطير ، الذي يمس مقام نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم- ، فضلاً عن الاضطراب الحاصل في متن الروايات كما سبق بيانه ، وبذلك يتضح أن هذه الآية لا يصح في سبب نزولها شيء ، وأن معناها ما سبق بيانه من وسوسة الشيطان وكيده وحرصه على إغواء الناس وصدهم عن سبيل الله .
*************
الفهرس العام
شبهات حول السنة النبوية ... 1
الرد على شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض ... 1
الرد على شبهة معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ... 3
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة لأنها أسنت ... 6
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق إحدى زوجاته لأنه وجد فيها بياض ... 8
الرد على شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم الشاة ... 10
رد عام ... 14(11/104)
أما القول بأن الزواج مثل الزنى لأنه يتضمن نفس الأفعال و أن الزواج أكثر من مرة هو سقط فى الهاوية على حد زعم هؤلاء الضلال فهو كذب و إفتراء . ... 16
هل هناك أحاديث نبوية متناقضة ؟؟ ... 19
ولادة النبى محمد صلى الله عليه وسلم عادية ... 24
الرد على شبهة اهتمامه صلى الله علية وسلم بالغنائم ... 26
شبهة سجود الشمس تحت عرش الرحمن ... 29
الرد على شبهة الألفاظ غير المناسبة فى بعض الأحاديث ... 33
شبهات حول أحاديث الدجال ... 42
طريق الجنة هو السرقة و الزنى ... 61
الطعن في أئمة الحديث ... الإمام الزهري نموذجاً ... 64
شبهة اختلاف سيرة رسول الله فى كتب السنة ... 72
هل ركن الرسول صلى الله عليه وسلم للكفار؟ ... 83
المستشرقون وإسناد الحديث ... 93
شبهه قتل ام قرفه ... 100
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم زعيما سياسيا أو مصلحا اجتماعيا فحسب؟ ... 103
الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام ... 112
الرد المتين على شبهة عدم زهد الأمين ... 143
قالت عائشة زوجة محمد له في سخرية وتهكم: عجباً يا محمد أرى إلهك يسرع في هواك (73), ... 158
الرد على قوله:- ! يا الله ألهذا الحد يعكس الإسلام الأشياء؟ ... 160
تقول:- مسيح المحبة والسلام الذي لم يحمل سيفاً ولم يهدر دم أحد ... 162
تقول:-بل شواهدي كلها من المصادر الإسلامية، القرآن والأحاديث وكتبة المسلمين من الأئمة والمؤرخين والمفكرين وكلهم مسلمون,, ويمكنك الرجوع إلى مصادري لمعرفة الحق وإذا كانت لديك رغبة في الانطلاق للحياة الأفضل. ... 170
إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة ويمكننا أن نجملها فيما يلي: ... 176
تقول:-أن النبي كان عفيفاً زاهداً، ولم يأخذ صدقة من أحد, وقلت أن هذا علامة على صدق رسالته، وأعطيت دليلاً على ذلك بواقعة المنافق الكبير سلمان ... 183
الرد على شبهات عديدة ... 184
لماذا لم تدون السنة كما دون القرآن ؟ ... 186
إذا كان من المعلوم أن الذهب حرام على الرجال فكيف ركب الرسول لذلك الصحابي الجليل الذي قطعت أنفه في أحد الغزوات أنفا من ذهب وكذلك سمح لرجل [ سراقة بن مالك] أن يرتدى سواري كسرى من الذهب بعد سقوط كسرى بالرغم من أن الذهب حرام على الذكور ؟؟؟؟؟ ... 190
ما صحة الحديث...أن امرأة (أم أيمن) شربت بوله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليها كما رواه الدارقطني و صححه القاضي عياض في الشفاء؟ ... 191
اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب مطامع دنيوية ... 196
قال الله تعالى : { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الأحزاب50 ... 199
محمد صلى الله عليه وسلم أُمّى فكيف علّم القرآن ؟ ... 201
أجمعت الأمة على توقير وإكرام وتعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبِرِّه، وحَرَّم الله تعالى إيذاءه. ... 202
قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب الجحيم ... 206
سؤال عن حديث ماء الرجل و ماء المرأة ... 211
قصة الغرانيق المكذوبة ... 214
شبهه ذاك رجل بال الشيطان في اذنه ... 216
الوحي في ثوب عائشة ... 217
اثبات الوحي عن طريق خديجة رضي الله عنها ... 220
قصة الحمار يعفور ... 223
هل كان الرسول - صلي الله عليه و سلم - ينسى ؟ ... 226
قاتل محمد صلى الله عليه وسلم فى الشهر الحرام ... 229
الأصول فى اثبات طهاره آمنة أم الرسول ... 231
كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن ... 234
مات النبى صلى الله عليه وسلم بالسم ... 235
سؤال : نصراني يريد التعرف على بعض من صفات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ... 237
الرد على شبهة اهتمامه صلى الله علية وسلم بالغنائم ... 245
رضاع الكبير في الإسلام ... 248
بركات المتعال في دحض شبهة زواج الأطفال ... 268
الردُ على الشبهةِ المثارةِ حول روايةِ : " قردةٌ في الجاهليةِ زنت فرُجمت " ... 272
رسول الله يستقبل زائريه وهو لابس مرط عائشة ... 279
محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن ... 283
شبهات حول حديث غمس الذباب في الإناء ... 285
تقييم دقيق لحادثة الراهب بحيرى ... 294
آمنت بك وبمن أنزلك ... 311
شبهات و ردود متنوعة حول الرسول الكريم ... 321
الرد على شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض ... 321
الرد على شبهة قراءة النبى صلى الله عليه وسلم للقرأن فى حجر عائشة و هى حائض . ... 322
الرد على شبهة معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... 323
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة لأنها أسنت ... 326
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق إحدى زوجاته لأنه وجد فيها بياض . ... 328
الرد على شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم الشاة ... 330
كيف لنبي الرحمة ان يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة ... 339
ناوليني الخمره ... 341(11/105)
شبهة قول عائشة رضي الله عنها يابن أخي، هذا من عمل الكُتَّاب ... 342
الرد العلمي على الطعن في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ... 344
ردود تاريخية وحديثية على جولدزيهر ... 351
علماء أستراليون يستخرجون مضادات حيوية من الذباب ... 355
ورقة ابن نوفل المعلم المزعوم ... 357
يحاول الحاقدون على الإسلام من النصارى أن يثيروا الشبهات في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ... 376
شبهة أن الوحى مقتبس من اليهودية والنصرانية ... 390
اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالإرهاب ... 404
شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى بامرأة من الأنصار" والرد عليها ... 420
سؤال : ما معنى قول عائشة للرسول : (( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك )) عندما رأت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن له ؟ ... 425
محاولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم الانتحار ... 427
الرد على فرية أن جسد النبى الشريف قد أسن ... 430
محمد صلى الله عليه وسلم الأكثر ًتأثيرا ... 437
الرد على شبهة الصرع ... 446
محاولة خائبة لجاهليّ معاصر "قسّ ونبي: بحث في نشأة الإسلام" ... 451
الجواب السخيف عن رضاعة الكبير للرد على المسيحيه ... 457
شِرْلُوك هُولْمِز والرسول الكريم؟! كيف؟ ... 460
تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ... 487
أمية العرب والرسول ... 499
لعن رجلين ... 515
شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ... 518
الرد على ما أثير حول شبه بني قريضة ... 521
شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ" ... 530
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -ووجدك ضالا فهدى- ... 537
شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه على نسائه ؟ ... 542
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -نبوة محمد عليه الصلاه والسلام- ... 550
عصمته الرسول من أكل ما ذبح على النصب؟ ... 567
شهادة المنصفين من أهل الكتاب والكفار وأعدائه له بالصحة والصدق: ... 570
ادعاء التناقض والتعارض بين الأحاديث ... 576
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -أوزار النبي عليه الصلاه والسلام ... 581
الرد على فرية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان سبابا ... 582
شبهة أمرت أن أقاتل الناس ... 587
شبهة الأستيلاء على قوافل قريش ... 589
نسى آدم فنسيت أمته دليل على توريث الخطيئة ... 592
شبهات حول الشفاعة ... 594
شبهة : معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة والرد عليها ... 599
رد الشيخ محمد الغزالي على شبهة تعدد زوجات الرسول عليه الصلاه والسلام ... 608
شبه حديث رأيت القَسّ ... 616
لماذا حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر ، وسمل أعين العرنيين؟ ... 617
شبهات حول حجية السنة ... 619
التشكيك فى صحة الأحاديث والاستغناء عنها بالقرآن ... 627
شبهة أن الرسول طلق سودة لأنها أسنت ... 631
شبهة : النساء ناقصات عقل ودين ... 633
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن ... 636
شبهة تعلم محمد صلى الله عليه وسلم من الشعوب المحيطة ... 645
تحرير الفكرة في حديث الفأرة ... 655
شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش والرد عليها ... 659
العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ... 670
عَبَسَ وَتَوَلَّى } * { أَن جَآءَهُ الأَعْمَى } ... 693
الرد على شبهة زواج الرسول عليه السلام من أمنا صفية قبل إنقضاء عدتها ... 697
محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر الأسود ... 699
شبهتمونا بالحمير والكلاب ... 705
vسحر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ... 711
هل كان الرسول والصحب الكريم قاطعي طريق ؟؟؟ ... 731
الرد على التشكيك بالتداوي بالحبَّةَ السوداء التي هي شِفاءٌ مِن كل داء ... 734
ما صحة حديث رأيت امرأة معلّقة ... 737
شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله بتعرض الشيطان له والجواب عنها ... 739
الرد على من قال بعدم ظهور المعجزات على يد الرسول عليه السلام ... 744
رحمة الله الهندي ... 744
حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة ... 752
الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ... 756
سؤال : ما صحة الحديث الذي جاء فيه ان الرسول كان يقبل نسائه وهو صائم و يمص لسان زوجته عائشة ؟ ... 763
الرد المبين في الدفاع عن أمنا مارية ... 764
الرد على شبهة ماتت فاضطجع معها . ... 767
الرد على شبهة اكشفي عن فخذيك ... 774
حديث أبوال الابل وألبانها ... 775
جهود العلماء في مقاومة الوضع" ... 777
فضل اتباع السنة ... 797
التشكيك فى صحة الأحاديث والاستغناء عنها بالقرآن ... 825
شبهات حول عذاب القبر ونعيمه ... 829
الرد على التشكيك بالتداوي بالحبَّةَ السوداء التي هي شِفاءٌ مِن كل داء ... 834
شبهات حول حجية السنة 1 ... 838
التدوين وأثره على صحة الحديث ... 845
ما صحة هذا الحديث وما المقصود فيه؟ ... 848(11/106)
صيام عاشوراء ... 850
شبهة اختلاف سيرة رسول الله فى كتب السنة ... 852
شبهة : سجود المرأة لزوجها فى الإسلام ... 863
نصراني يستنكر حديث أبوال الابل وألبانها ... 872
شبهة سجود الشمس تحت عرش الرحمن ... 874
هل حقا ً سُحر سيدنا محمد ؟! ... 885
العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ... 903
الجزية فى الإسلام وبراءته مما ألحقه به الزاعمون ... 926
الإعجاز العلمي في حديث الأبهر ... 940
شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله ... 949
إقرار الله تعالى لمحمد ولدعوته واستجابة دعائه ... 954
مريم القبطية و ريحانة ... 957
في حكم سب النبي ... 958
حادثة الإفك والعبر العظيمة ... 967
من معجزات الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ... 972
شبهة سرقة الحديث من أقوال بولس ... 1000
البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة و الإنجيل ... 1003
والله يعصمك من الناس ... 1028
شبهه حول حديث التثاؤب والعطاس ... 1030
أقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ... 1040
ما هو الرد على من يقول إن النبي خلق من نور؟ ... 1042
الرد على من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم غدر بكعب بن الأشرف اليهودي وأمثاله ... 1044
ما صحة هذا الحديث وما معناه وما مناسبته -ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء ... 1046
بحث قيم جداً يدحض شبهة إعجاب الرسول بزينب بنت جحش وهى لازالت فى عصمة زوجها ... 1049
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ... 1067
هل صحيح أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الأطفال والنساء. ... 1077
شبهات تحت عنوان [ هفوات البخارى ..جل من لا يخطئ] ... 1078
شبهه حديث عن غسل النبي –صلى الله عليه ... 1088
رد الافتراء عن ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إبراهيم )) ... 1094
شبهه عشر رضعات معلومات يحرّمن ... 1096
الرد على : شبهة رسول الإسلام والحمير ... 1098
الشمس و القمر هم ثوران مكوران يوم القيامة و الله يعاقبهما في جهنم ... 1102
الرد على شبهة أعود بالله منك ... 1103
كيف اتبع محمد الذى مات , واترك المسيح الحى ؟ ... 1109
الشمس طلعت من مغربها على المريخ طوال شهر سبتمبر ... 1111
جنة عدن داره ومسكنه ... 1114
نخس الشيطان لكل مولود ومنهم النبي محمد , الا المسيح فلماذا ؟ ... 1115
إعجاز السنة النبوية في الختان ... 1117
لماذا يبعث الله تعالى في آخر الزمان عيسى عليه الصلاة والسلام وليس نبينا صلى الله عليه ... 1119
فضح كلام الدجال عن حديث شد الرحال ... 1120
تخريج حديث الديك ... 1126
حديث :فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا ... 1129
فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ... 1130
الرسول يمص لسان الحسن و شفته ... 1132
مقارنه بين حادثة في الإنجيل وحادثة وقعت في عصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ... 1138
صورة ابن مريم وأمه في الكعبة .. رواية الأزرقي ... 1142
اُغْزُوا تَبُوك تَغْنَمُوا بَنَات الْأَصْفَر وَنِسَاء الرُّوم ... 1144
رسول الإسلام يتزوج من مريم بنت عمران !! ... 1147
نسب الأسد أم نسب المختل ( بْنِ كِلَابِ ) ... 1153
شبهه جديدة الوحي والجرس ... 1154
أين قال النبي أن اليهود والنصارى حرفوا كتبهم؟! ... 1156
حديث طعن الشيطان في جنب ابن آدم ... 1160
أحاديث الفتن وأشراط الساعة ... 1163
شبهة حول أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ... 1184
شبهات حول حديث الذباب ... 1190
الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام ... 1201
منهج المستشرقين ودوافعهم ... 1232
الطعن في أئمة الحديث ... الإمام الزهري نموذجاً ... 1238
عدالة الصحابة ... 1246
أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه ... 1253
الإسرائيليات والحديث النبوي ... 1266
المستشرقون وإسناد الحديث ... 1278
ادعاء التناقض والتعارض بين الأحاديث ... 1286
الطعن في منهج النقد عند المحدثين ... 1291
رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين ؟!! ... 1294
شبهات حول منهج المحدثين في الجرح والتعديل ... 1298
هل كانت عناية المحدثين بنقد السند دون المتن ؟ ... 1304
شبهات حول حجية خبر الآحاد ... 1310
علم السنة له قواعد وأصول من حيث الصحة والضعف ... 1318
لماذا لم تدون السنة كما دون القرآن ؟! ... 1320
شبهات حول حجية السنة ... 1324
شبهة حول صحة الأحاديث النبوية والجواب عنها ... 1331
السنة بيان لما أجمل في القرآن ... 1333
الاستناد إلى الوحيين طريق الصواب ... 1334
محمد في كتابين من كتب المستشرقين ... 1336
الله متم نوره ولو كره الكافرون ... 1350
لماذا يدرس المستشرقون الإسلام ؟ ... 1354
المُسْتَشرقُونَ وَالتُراثُ ... 1359
تأخر التدوين هل فتح مجالاً للوضع ؟! ... 1367
التدوين وأثره في الفقه ... 1370
مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين ... 1371(11/107)
عداوة المستشرقين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ... 1375
خيانة المنهج عند المستشرقين ... 1379
جوانب إعلامية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... 1390
هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟ ... 1398
شبهات حول الصحابة (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ... 1414
شبهات حول أحاديث المهدي ... 1424
قصة الغرانيق في الميزان ... 1437(11/108)
الباب السادس- شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم 1
الطعن في الصحابة / الصحابة والمنافقون في صدر الإسلام
(سمات وإشارات - شبهات وردود)
تقديم فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الدرويش
الحمد لله الذي اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم على العالمين، واختار مكة لبعثته، وجعلها أشرف البقاع، وفيها بيت الله الحرام، ومشاعر الحج.
فالكعبة بناها أبونا إبراهيم عليه السلام تمهيداً لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [البقرة:127] ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة:128].
ثم اختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم دار الهجرة، فهاجر إلى المدينة، وارتبطت باسمه؛ فيقال: مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها قبره الشريف، صلوات ربي وسلامه عليه.
فانظر يا رعاك الله إلى هذا الترابط بين مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرته وبين فضل تلك البقاع، وما لتلك المساجد من المكانة والمنزلة([1]).
وهذا لبركة دعوة إبراهيم عليه السلام، ومناجاته لربه، لما ترك الطفل مع أمه بالوادي، قال: ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) [إبراهيم:37].
وانتقل معي إلى أعماق التاريخ..
وتصور في ذهنك مكة وهي خاليةٌ، لا بَشَرَ فيها ولا مأوى، بجبالها الشاهقة، وَوِدْيَانِها الضيقة، تحيط بها الجبال السوداء والحجارة الصماء من كل جانب، وتخيل تلك المرأة (أم إسماعيل) وقد جاءت من بلاد الخيرات والأنهار، من بلاد النيل، بلاد مصر، وابنها وحيد أبيه وأمه، ووالده عليه السلام قد بلغ من الكبر عتياً، وابنها طفل في المهد، يعيش مع أمه في هذه البقعة، وبالتحديد كان موقعه يبعد عن الحجر الأسود بضعة أمتار (مَقَرُّ عَيْن زمزم)؛ لأن الكعبة آنذاك ربوة مرتفعة، فجلسوا في سفحها لأجل الظل، والقصة معروفة مشهورة رواها أهل الصحاح.
فمن تلك اللحظة بدأت الحياة في مكة لأجل بِعثَةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعِمَارَةِ البيت الحرام، فتحققت دعوةُ إبراهيم عليه السلام واستجاب الله له، هذه بداية الحياة في مكة.
أما المدينة فلها شأن آخر، واستقرار الأوس والخزرج فيها بأمر الله، لما تركوا بلاد غامد على الأصح([2]).
وأرض الهجرة موصوفة في التوراة، ولأجل هذا ترك اليهود الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، وفيها مبعث رسلهم عليهم السلام، ومنزلة فلسطين لدى اليهود لا تخفى، فتركت بعض قبائل اليهود تلك الأراضي وسكنوا المدينة؛ لأنهم علموا أوصافها من التوراة وأنها دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام أري دار هجرته في أرض سبخة ذات نخل بين حرتين.
وقصة سلمان الفارسي رضي الله عنه مشهورة، وقد وصف له الراهب النصراني عالم زمانه أرض مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره بالذهاب إليها، وقد أخبر سلمان رضي الله عنه أنه لما رآها عرفها بالوصف، وأنها هي الأرض التي سيخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم..
فانظر يا رعاك الله! إلى لطف الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن المولى عز وجل قد بيَّن في التوراة والإنجيل المكان الذي سيخرج فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بشَّر موسى وعيسى عليهما السلام ببعثته، وكذلك ذكروا أوصاف أصحابه.
وقد أخبرنا الله سبحانه بأوصاف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، وأخبرنا بوصفِهِم ومَثَلِهِم في التوراة والإنجيل.
ولا يعقل أن تذكر أوصاف مقر إقامته وبعثته، ويكون لها فضل ومنزلة، ثم يترك أصحابه، فلا يُذْكَرون، ومعلوم في شرعنا المطهر تفضيل الأحياء على الجمادات، فكيف يكون لمقر بعثته وإقامته اختصاص مزية، ولا يكون لأصحابه منزلة وفضل؟!.
وهذه المقدمة العقلية والقياس الجلي الواضح لمن كان في قلبه شبهات حول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعضهم.
والنصوص في كتاب الله كثيرة جداً في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم، وفيها الآيات التي فيها تفصيل، والآيات التي فيها إجمال.
وقد أورد المؤلف - وفقه الله - جملة من الآيات، فلا نطيل على القارئ الكريم بذكرها.
ولكنني أنبه إلى مسألة في غاية الأهمية..(12/1)
وهي أن من الناس من خاف على سلطانه وجاهه، فأظهر إسلامه، وهو مستتر بالكفر، وهؤلاء هم المنافقون، ولم يكن في مكة نفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له دولة وسلطة، بل أصحابه في حال ضعف شديد، وحصل لهم من الأذى ما الله به عليم، وهاجر بعضهم إلى الحبشة، ثم جاءت الهجرة إلى المدينة، كل ذلك فراراً بدينهم، وخوفاً من قومهم.
ولما وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة كانت الغلبة لأهل الشرك فيها، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها قوة تجعل أهل الكفر يخافون على أنفسهم منه، حتى جاءت موقعة بدر يوم الفرقان -كما سماه الله عز وجل- يومٌ أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الشرك وأهله، فعلم أهل الكفر في المدينة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت شوكته لما قتل صناديد الكفر بمكة، فأظهروا النفاق، حيث أعلنوا إسلامهم ظاهراً وبقوا على كفرهم باطناً، فالمهاجرون لا يمكن أن يوصف أَحَدٌ منهم بنفاق، والأنصار الذين أسلموا قبل موقعة بدر لا يمكن أن يوصف أَحَدٌ منهم بنفاق، كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله([3]).
وهذا إجماع من جميع الفِرَق والطوائف المنتسبة للإسلام، ومن خالف من المتأخرين فلا عبرة بقوله.
كما أن العقل يشهد لذلك، ودلالة العقل على هذا في غاية الوضوح؛ فإنه عليه الصلاة والسلام في مكة كان أصحابه يتحملون من الأذى ما لا يتحمله إلا أشداء الرجال، ثم تركوا بلادهم وهاجروا إلى أرض الحبشة، حيث لا أهل لهم فيها ولا أقارب، وذلك بسبب الاضطهاد الذي لقوه من قومهم بمكة، فكيف يمكن أن يكون معهم من هو منافق، فماذا كان يرجو من ذلك؟! وماذا يستفيد؟! وما هي مصالحه؟!!
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى في المنافقين آيات تتلى إلى يوم القيامة، وبيَّن فيها سبحانه وتعالى أوصافهم، وأطلع المولى نبيه عليهم، وفضحهم الله سبحانه بسورة الفاضحة (سورة التوبة) فلا يمكن أن يُخلط بينهم وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمع سبحانه وتعالى في السورة بين ذكر السابقين الأولين - وهم المهاجرون والأنصار - وبين ذكر المنافقين، ففرق سبحانه وتعالى بينهم.
وهذه الرسالة التي بين يديك، سلط فيها المؤلف الضوء على هذه المسألة، وبيَّن فيها حال الصحابة رضي الله عنهم وحال المنافقين، وهي لطيفة في بابها، والحاجة ماسة إليها وإلى أمثالها، بسبب انتشار الشبهات التي يروج لها من في قلبه حقد على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو تأثر بالحاقدين، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تجاهل الفرق بين الصحابي والمنافق!!!
بل زعم من نسب نفسه إلى العلم أن من السابقين المهاجرين من هو من المنافقين، فتأمل بارك الله فيك آثار الكراهية كيف تحاول طمس الحقائق وحجبها.
ولا عجب في ذلك؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين قضوا على دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأقباط، وقضوا على أهل الردة كبني حنيفة وغيرهم، فخصومهم وأعداؤهم كثيرون.
فجزى الله المؤلف خيراً، ونفع برسالته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه:
صالح بن عبد الله الدرويش
القاضي بالمحكمة العامة بالقطيف
________________
([1]) الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما عداه، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدل ألف صلاة فيما عداه من سائر المساجد.
([2]) يرى بعض المؤرخين أنهم قدموا من بلاد اليمن من مأرب، وقيل: بل قدموا من بلاد غامد، وهو الأرجح؛ كما أنه يشملها اسم اليمن أيضاً.
([3]) انظر: منهاج السنة النبوية: (8/449، 474)، تفسير ابن كثير: (1/76).
--------------------
تمهيد
الحمد لله الذي ميَّزَ الإنسانَ بالعقل، وفضله على سائر المخلوقات، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف رسله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد:
فقد مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى دين الله جل وعلا مستضعفاً هو ومن معه، حتى أذن الله لهم في الهجرة تاركين ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8].
ولما أذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة خرج مهاجراً إلى المدينة المنورة، فآمن به من آمن، وكفر به من كفر؛ فلما قويت شوكة الإسلام أظهر قوم الإسلام، وأبطنوا الكفر، وعملوا على الدس والكيد في الخفاء للإسلام والمسلمين، وهم المنافقون.. ومن هنا انقسم الناس إلى: مؤمنين وكفار ومنافقين.
وقد التبس على بعض الناس الحال، فلم يميزوا بين الصحابة والمنافقين، فظنوا أن بعض الصحابة من المنافقين أو العكس؛ ولذا كان لزاماً تجلية هذه القضية وسبر غورها لمن التبست عليه، وشتان ما بين اليزيدين.(12/2)
ولم أكن أتصور أن يحصل مثل هذا اللبس، حتى شاء الله تعالى أن ألتقي ببعض الشيعة، وسمعت ما لم يكن يخطر ببال أو يدور في خيال، مما سأذكر شيئاً منه في ثنايا هذه الرسالة..
وسوف أحاول جاهداً التعريج على هذه القضايا، وقد قسمت هذه الرسالة إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: كيف ميز القرآن بين الصحابة والمنافقين؟
الفصل الثاني: مفهوم الصحبة والعدالة في الإسلام.
الفصل الثالث: مسائل مهمة حول الصحابة.
الفصل الرابع: الإمامة والنص.
وقد حرصت على الاستشهاد بالآيات القرآنية..
لأن القرآن هو المرجع عند الاختلاف.. وبهذا أوصى أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، كما جاء عن الإمام الباقر رحمه الله أنه قال: «وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردوه»([1]).
وعن جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: «اتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »([2]).
وقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة»([3]).
كما استشهدت ببعض الروايات من كتب الشيعة المعتمدة عندهم.. لأنه أدعى لقبولهم لها، وأقوى في إقامة الحجة عليهم، ولبيان كثير من الحق الذي جاء في كتبهم وأخفي عنهم..
وهذه الرسالة -التي بين يديك- جُهد سنواتٍ من البحث والنقاش مع بعض الشيعة في ميدان العمل أو غيره، والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به ويبارك، إنه جواد كريم، والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
المؤلف
12/3/1426هـ
0000000000
([1]) الأمالي للطوسي: (1/232)، وسائل الشيعة: (27/120)، البحار: (2/236).
([2]) رجال الكشي: (ص195)، تحت تذكرة المغيرة بن سعيد، البحار: (2/250)، رجال ابن داود: (279).
([3]) رجال الكشي: (ص195)، البحار: (2/250)، معجم رجال الحديث للخوئي: (19/300).
-------------------
الفصل الأول: كيف ميز القرآن بين الصحابة والمنافقين؟
المبحث الأول
الآيات الصريحة في وجود فئتين
(صحابة ومنافقين)
القرآن الكريم هو الفصل ليس بالهزل، فلا مجال لاشتباه الحق بالباطل، ومن ذلك ثناؤه على الصحابة، وذمه للمنافقين، وبيان صفات كل منهم وما يميزه..
«فالقرآن ذكر المؤمنين والمنافقين في غير موضع، كما ذكرهم في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والعنكبوت والأحزاب والفتح والقتال والحديد والمجادلة والحشر والمنافقين؛ بل عامة السور المدنية يذكر فيها المنافقين..»([1]).
وذكر الطائفتين في القرآن في موضع واحد يدل على التغاير بينهما والتمايز، ومن الخطأ البيِّن أن نستشهد بآية وردت في إحدى الطائفتين على الطائفة الأخرى..
فمن الآيات التي بيَّنت الفرق بينهم قوله سبحانه: ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ)) [التوبة:56] الآية.
فبيَّن سبحانه وتعالى أن المنافقين يحلفون بأنهم من الصحابة رضي الله عنه، ثم أخبر بأنهم ليسوا منهم..
وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100] ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)) [التوبة:101].
ففي هاتين الآيتين.. بيَّن الله سبحانه وتعالى أنه وعد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار جنات تجري تحتَها الأنهار خالدين فيها أبداً، وَوَعْدُ الله حقٌ لا يقع الخُلْفُ فيه، ثم بيَّن وجود المنافقين في المدينة وما حولها، فدَلَّ هذا على أن هؤلاء السابقين ليسوا هم المنافقين وكذا العكس، وسيأتي مزيد بيان ذلك -إن شاء الله- عند الحديث عن هذه الآية.
وبهذا يتضح لك عزيزي القارئ أن لكل طائفة صفاتها وخصائصها وما يميزها عن غيرها.
المبحث الثاني
الثناء على الصحابة وبيان صفاتهم وتفاضلهم
جاءت آيات كثيرة تثني على الصحابة الذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجاهدوا معه ونشروا الإسلام، ويكفيهم شرفاً وفخراً أنهم صحبوا خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كان مما يُثنى به على طالب العلم كونه درس وتعلم على العالم الفلاني، ويعتبر هذا من مناقبه، فكيف بمن أخذ عن خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه؟! فهذا والله هو الشرف والفخر، فبصحبته تحصل البركات، ويحل على من صحبه من الخيرات ما لا يحصل لغيره، فالصحبة تاج فوق رءوسهم، وميزة لا يدركها من جاء بعدهم، فمنزلة الصحبة وشرفها راجح على سائر الأعمال.(12/3)
وقد حصل للصحابة الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التزكية والعلم ما شهد به رب العالمين، فقال جل شأنه: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة:2].
فبيَّن أنهم كانوا في ضلال مبين، ثم حصلت لهم التزكية وعِلْم الكتاب والسنة بفضل صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذهم عنه..
ومن ثَمَّ نقلوا القرآن والسنة إلى من بعدهم، فكانوا هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين من جاء بعدهم، ولو لم يكونوا عدولاً لما حصلت الثقة بنقلهم للقرآن الكريم، ولا بالسنة النبوية، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين..
ومن الآيات التي بينت فضلهم قوله سبحانه: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8] ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9] الآيات.
فوصف المهاجرين بالصدق، ثم وصف الأنصار بالفلاح، ثم قال: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
فهل نحن مِمَّن يدعو لهم بالمغفرة، ويصفهم بما وصفهم الله به، أم لنا أَوصافٌ أُخر غير هذه الأوصاف؟!!
ومنها قوله سبحانه: ((وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال:63]. فقد ألَّفَ الله سبحانه وتعالى بين قلوبهم، ونصر نبيه بهم، في معركة بدر وما بعدها.
ومنها قوله سبحانه: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10] فتأمل قوله: ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10]، فهذه الآية شملت مسلمة الفتح، فقد أخبر سبحانه بأنه وعدهم الحسنى، مع كون مرتبتهم أقل من مرتبة من أسلم قبل الفتح.
والحسنى هي الجنة، كما قال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101] ((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
ولقد حصلت المودة معهم بعد العداوة تحقيقاً لوعد الله؛ وَوَعدُه حق،كما قال سبحانه وتعالى: ((عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [الممتحنة:7].
وثمت آيات أخر سأذكرها في فصل مستقل بشيء من التفصيل، كقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100]، وقوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29]، وقوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18].
هذا غيض من فيض من الآيات الواردة في الصحابة رضي الله عنهم، وحريٌّ بالمسلم تدبر كتاب ربه سبحانه وتعالى، ففيه الهداية والنور، كما قال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [الإسراء:9].
المبحث الثالث
ذم المنافقين وبيان حقيقتهم وما تنطوي عليه نفوسهم
لقد ذَمَّ الله المنافقين في القرآن، وبَيَّن صفاتهم وأعمالهم، وفَضَحَ مخططاتهم ومؤامراتهم ضد هذا الدين العظيم.
والمتأمل في صفاتهم في القرآن الكريم يدرك حقيقة الفرق والتمايز بينهم وبين الصحابة رضي الله عنهم، مما لا يدع مجالاً لأن يوصف هؤلاء بصفات هؤلاء؛ إذ لكلٍ منهم صفاتٍ تميزه وتختص به..(12/4)
ومن تدبر الآيات علم عظيم الفرق بينهم، وعلم أن هؤلاء المنافقين كانوا نشازاً في المجتمع الإسلامي، وأنه ليس لهم دور ألبتة في الجهاد ولا في العلم ولا في تبليغ هذا الدين.
«..والله سبحانه وتعالى يعلم المؤمنين من المنافقين لا تخفى عليه سبحانه وتعالى خافية، ولكنه سبحانه لم يعلم نبيه بكل من لم يظهر نفاقه؛ بل قال: ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)) [التوبة:101]، ثم إنه ابتَلى الناسَ بأمور تميز بين المؤمنين والمنافقين، كما قال سبحانه: ((وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)) [العنكبوت:11]، وقال تعالى: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ)) [آل عمران:179].. » ([2]).
وإليك شيئاً من صفاتهم التي تميزوا بها عن المؤمنين:
فمن ذلك قوله سبحانه عن المنافقين: ((إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) [التوبة:93] ((يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) [التوبة:94].
فمن صفات المنافقين وخصالهم عدم الخروج للجهاد([3])، وهذا في غالب أحوالهم، وقد يخرجون نفاقاً أو إرجافاً أو غير ذلك، وهذا في القليل النادر.
فهم لا يألون جهداً في الاعتذار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن صحابته رضي الله عنهم في عدم الخروج للجهاد: ((يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ)) [التوبة:94] فالمنافقون لم يخرجوا في غزوة تبوك، وإنما خرج الصحابة وكان عددهم قرابة ثلاثين ألفاً، باستثناء بضعة أشخاص من فئة المنافقين نزلت فيهم آيات بخصوصهم، وجل المنافقين ممن تخلف في المدينة.
وحينما يحس هؤلاء المنافقون بافتضاح أمرهم يحاولون جاهدين أن يقسموا الأيمان المغلظة أنهم من الصحابة، ولكن الله يفضحهم ويبين كذب دعواهم، قال سبحانه: ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)) [التوبة:56].. فالصحابة صنف والمنافقون صنف آخر.
إن المنافقين لا يجدون بداً من التخلف عن الجهاد وإبداء الأعذار الواهية، فبعضهم يعلل عدم خروجه للقتال بعدم تمكنه من إعداد العدة، ولكن الله يفضحهم ويبين أن سبب عدم خروجهم للقتال هو عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، كما قال سبحانه: ((إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)) [التوبة:45] ((وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)) [التوبة:46].
«فهذا إخبار من الله بأن المؤمن لا يستأذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ترك الجهاد، وإنما يستأذنه الذي لا يؤمن، فكيف بالتارك من غير استئذان؟!»([4]).
وعلل بعضهم بخشية الفتنة كما زعم! قال سبحانه: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)) [التوبة:49].
وتقاعس بعضهم عن الخروج لبُعد السفر وحصول المشقة؛ قال سبحانه: ((لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) [التوبة:42].
ولك أن تتخيل أشكالهم عندما يُذكَرُ القتال فتدور أعينهم من الخوف والهلع، كما قال جل شأنه: ((فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ)) [محمد:20]، وقال سبحانه عنهم: ((رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)) [الأحزاب:19].(12/5)
وقد سماهم الله بـ(المخلفين) في غير ما آية، كما قال سبحانه: ((فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)) [التوبة:81].
ولا ينافي هذا خروجهم في القليل النادر، سواء كان إرجافاً أو طمعاً في غنيمةٍ أو غيرَ ذلك، كما قال سبحانه عن طائفة منهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [المنافقون:8].
وقال عن طائفة منهم خرجوا في غزوة تبوك ونالوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قالوا مستهزئين: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء قط أرغب بطوناً، ولا أكذب أَلْسُناً، ولا أجبن عند اللقاء» فأنزل الله فيهم: ((يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ)) [التوبة:64] ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)) [التوبة:65] ((لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)) [التوبة:66] ([5]).
وإذا كان من تخلف في المدينة هم المنافقون ومن عذر الله، فإنه تخلف ثلاثة من الصحابة، فبرأهم الله من جملة المنافقين، وأخبر أنه تاب عليهم في عدم خروجهم، فقال سبحانه: ((وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [التوبة:118] وهم: مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك..
فأي بيان أوضح من هذا البيان في كشف حقيقة المنافقين وحالهم؟! كيف لا وقد تعهد الله بفضحهم وبيان ما تخفيه صدورهم؟! كما قال سبحانه: ((يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ)) [التوبة:64].
فأخرج الله ما يحذرون وفضحهم، فلم يعد شأنهم خافياً بين الصحابة رضوان الله عليهم، فضلاً عن أن يلتبس هؤلاء بهؤلاء ولا يميز بينهم.
أما الصحابة فعلى العكس من ذلك، فقد وصفهم الله بنصرة الدين، وبالجهاد مع النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، ولهذا استحقوا الثناء والوعد بالثواب والجنات يوم القيامة؛ قال سبحانه واصفاً المهاجرين: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [الحشر:8].
فمن صفاتهم: ((وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [الحشر:8] ومواقف النصرة تراها جلية في غزواتهم مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفيما تلاها من الفتوحات الإسلامية..
وخلاصة القول: أن الله بين من صفات المنافقين ما يميزهم عن غيرهم «ولهذا لما كشفهم الله بسورة براءة بقوله: ومنهم ومنهم، صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرف نفاق ناس منهم لم يكن يعرف نفاقهم قبل ذلك، فإن الله وصفهم بصفات علمها الناس منهم، وما كان الناس يجزمون بأنها مستلزمة لنفاقهم، وإن كان بعضهم يظن ذلك، وبعضهم يعلمه، فلم يكن نفاقهم معلوماً عند الجماعة، بخلاف حالهم لما نزل القرآن..»([6]).
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم، حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذكر فيها»([7]).
«..وإن جاز أن يخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال بعض الناس فلا يعلم أنه منافق، كما قال: ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ)) [التوبة:101] فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم، ولهذا لما جاءه المخلفون عام تبوك، فجعلوا يحلفون ويعتذرون، وكان يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لا يصدق أحداً منهم، فلما جاء كعب وأخبره بحقيقة أمره، قال: (أما هذا فقد صدق) أو قال: (صدقكم)..»([8]).(12/6)
ولهذا فتزكية الله سبحانه وتعالى للصحابة، ووعده لهم بالجنة -خاصة السابقين الأولين، وأصحاب بدر، وأصحاب بيعة الرضوان- فيها أعظم دليل على تبرئة هؤلاء الصحابة من النفاق، والشهادة لهم بالإيمان الصادق.
وأما المنافقون فلم تقع لهم التزكية ولا الوعد بالجنات، بل أظهر الله من صفاتهم ما ميزهم به عن المؤمنين، وتوعدهم بالعذاب الأليم، وبالدرك الأسفل من النار.
ومن الآيات التي ميز الله بها جملة من المنافقين قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) [التوبة:107] ومسجد الضرار معروف، ومن بناه معروف..
وقال تعالى: ((وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)) [محمد:30].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذيفةَ بنَ اليمان رضي الله عنه بأسماء جملة من المنافقين، وفي ذلك حِكَمٌ كثيرة، منها: أن وظيفةَ حذيفةَ رضي الله عنه أن يفضح هؤلاء المنافقين إذا ما حاولوا إثارة الفتنة أو التصدي لمواقع قيادية، أو ممارسة التحريف في أي شكل من أشكاله، ثم إن أسماء هؤلاء المنافقين ليس لها صلة بتبليغ الرسالة، ولا في إذاعتها لكافة الناس مصلحة، وإلا لأخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه جملة ولم يُؤْثر بها حذيفة رضي الله عنه، فدل هذا على أن المصلحة في كتمها.
وأما سؤال عمر لحذيفة رضي الله عنهما: هل عدَّهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنافقين؟ ففيه دليل على فضل عمر وتقواه، وشدة خوفه من الله، وإلا لو كان يعلم من نفسه النفاق لما سأل حذيفة، ثم إن حذيفة قال له: لا، ولا أبرئ أحداً بعدك([9]).
وقد قال بعض السلف عن النفاق: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق([10]).
وقد ذكر الله من صفات المؤمنين أنهم يفعلون الطاعات وقلوبهم خائفة وجلة أن لا تقبل منهم أعمالهم، كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:58] ((وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)) [المؤمنون:59] ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) [المؤمنون:60].
ولو رأى حذيفةُ أو عليٌ رضي الله عنهما أيَّ أحدٍ من المنافقين يتولى قيادة الأمة أو شيئاً من ولاياتها، لم يجز له أن يسكت بحال من الأحوال، وإلا لعُدَّ غاشاً للأمة.
ومن صفات المنافقين أيضاً: التكاسل عن الصلاة وقلة ذكر الله، والشح والبخل، والجبن والخوف والهلع.. قال تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء:142] ((مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)) [النساء:143].
أما أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهم: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29]. وفي هذا المعنى يقول علي رضي الله عنه: «لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، والله إن كانوا ليصبحون شعثاً غبراً صُفراً بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذُكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين»([11]).
وقال تعالى عن المنافقين: ((وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء:142]. وأعظم الذكر هو القرآن، ولهذا لم يكن للمنافقين أي دور في حفظه أو إقرائه أو تبليغه.
وإنما نقله إلينا بالتواتر الصحابة الكرام: كعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت..
ولو طعنَّا في نقلة القرآن هؤلاء لحصل الطعن في القرآن الكريم وفي تواتره، بل لوقع الطعن في الدين كله...
وإذا علمنا هذا تبين سببُ أمرِ الله لنا باتباعهم بإحسان؛ إذ الدين نقل عن طريقهم رضي الله عنهم..
اللهم اهدنا للحق ووفقنا إليه، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
المبحث الرابع
موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة
إن القارئ لكتاب الله تعالى يجد عشرات الآيات التي تثني على الصحابة وتبين فضلهم وتعدهم بالجنات والخلود فيها.(12/7)
وأمام هذه الحقيقة الناصعة لجأ بعض الشيعة إلى الزعم بأن الصحابة بدلوا ونافقوا بعد ذلك، أو غير ذلك من الشبهات، وأترك المجال لك أيها القارئ لتحكم بنفسك..
الآية الأولى:
قال الله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
فهذه البيعة سُمِّيَت بـ(ببيعة الرضوان) لإخبار الله عز وجل أنه رضي عنهم.
وعدد الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة في أصح الأقوال ألف وأربعمائة.
وقد أقرَّ بهذا بعض علماء الشيعة الكبار.
يقول أحدهم وهو الطبرسي في تفسيره: «يعني بيعة الحديبية، وتُسَمَّى (بيعة الرضوان)؛ لهذه الآية، ورضا الله سبحانه عنهم، وإرادته تعظيمهم وإثابتهم، وهذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة...، وكان عدد الصحابة رضوان الله عليهم يوم بيعة الرضوان ألفاً ومائتين، وقيل: وأربعمائة، وقيل: وخمسائة، وقيل: وثمانمائة»([12])اهـ.
فهؤلاء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة حصل لهم ثلاثة أمور: أن الله رضي عنهم، وأنزل عليهم السكينة، وأثابهم فتحاً قريباً..
فهل سلم الشيعة بهذا الفضل؟ أم أن لهم فهماً مغايراً أو مخرجاً آخر؟!
استدل أحد علماء السنة في إحدى المناظرات بين السنة والشيعة بهذه الآية فقاطعه المناظر الشيعي بقوله: «إذ.. إذ..» أي: أن الله رضي عنهم وقت المبايعة فقط، ثم سخط عليهم بعد ذلك، وكان فيهم منافقون! ثم قرأت الكلام نفسه لأحد علماء الشيعة الكبار([13]).
وأقول لهذا ولغيره:
إن الله عز وجل لا يرضى إلا عن القوم المؤمنين، وقد أخبر في هذه الآية أنه رضي عنهم حين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وزكى بواطنهم وشهد لهم بإخلاص النية، فقال: ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:18] وأنزل السكينة عليهم، ووعدهم بثواب فتح قريب ومغانم كثيرة.
فرضاه عنهم وإخباره بذلك دليل على إيمانهم، أما المنافق فلا يمكن أن يرضى الله عنه أبداً حال نفاقه؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وقوله: ((إِذْ يُبَايِعُونَكَ)) [الفتح:18] فيه أمران:
أولاهما: أن فيه إشارة إلى أن من خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبايع أنه حينئذ ليس بمؤمن، ومعلوم أنه لم يحضر في الحديبية أحدٌ من المنافقين على الصحيح إلا الجدُّ بن قيس كما ذكر ذلك النووي في شرح مسلم([14])، وبعض علماء التاريخ والسير([15])، ولكنه لم يبايع وتنحى بعيداً.
وثانيهما: أن الظرف «إذ» متعلق بقوله: رضي، وفي تعليق هذا الظرف «إذ يبايعونك» بفعل الرضا إشارة إلى أن سبب الرضا هو ذلك الظرف الخاص وهو المبايعة، مع ما يعطيه توقيت الرضا بهذا الظرف «إذ» من إشارة لطيفة بتعجيل حصول الرضا، وكون الرضا حصل عند تجديد المبايعة ولم ينتظر به تمامها.
ويشهد لهذا قوة المؤكدات في هذا الرضا، حيث أتى باللام الموطئة للقسم، وقد -وهي للتحقيق- والقسم المقدر.
ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه سخط على من بايع تحت الشجرة كما أخبر برضاه عنهم، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما كما ترويه عنه كتب الشيعة: «أخبرنا الله أنه رضي عن أصحاب الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدثنا أحد أنه سخط عليهم بعد؟»([16]).
بل هذه الآية تتلى إلى يوم القيامة، فهل يتلى الرضا ويستمر ذكر الثناء إلى يوم القيامة على أناس قد بدلوا وغيروا ونافقوا؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
ومن العجائب أن تجد من ينسب نفسه للفقه والتحقيق يجعل المنافقين مع الذين بايعوا! فينسب الجهل إلى الله تعالى؛ إذ كيف رضي سبحانه وتعالى عنهم وفيهم المنافقون؟!
وتارة يفر من الآية ويقول: الرضا حصل لدقائق محدودة -أي ساعة المبايعة- ثم سخط بعد ذلك؟!
فيقال لهذا: هل كان الله يعلم أنهم سيبدلون أم لا؟ فإن قال: لا، فهي طامة كبرى؛ حيث اتهم الله بالجهل عياذاً بالله! وإن قال: نعم، فيقال: كيف يجعل الله الرضا يتلى إلى يوم القيامة وهو يعلم أن الفضل لن يستمر إلا سنواتٍ محدودة ثم يبدلون؟! فقائل هذا كأنه يصف القرآن بغش الأمة.. وحاشا ذلك أن يكون!
اللهم اجعلنا ممن رضوا عنك ورضيت عنهم يا رب العالمين..
الآية الثانية:(12/8)
قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29].
هذه الآية من أعظم الآيات في الثناء على الصحابة، ومن أدل الدلائل على إعجاز القرآن، وعلى عظمة الباري وسعة علمه..
والغريب ما ذكره لي بعض الشيعة أن هذه الآية لا دلالة فيها على فضل الصحابة. فسألته مستغرباً: لماذا؟!
فقال: لأن الله قال في آخر الآية: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:29] فـ(منهم) أي: بعضهم، فلا يراد بها إلا من آمن وعمل الصالحات، ولم يرتد عن دينه أو ينافق، وعليه فلا تشمل الآية جميع من كان معه..
فقلت له: جوابي ألخصه لك فيما يلي:
أولاً: حصرك «من» في قوله سبحانه: ((مِنْهُمْ)) [الفتح:29] بأنها تبعيضية تَحكُّم!!
ثانياً: أوّل الآية لم يذكر إلا من آمن وعمل الصالحات: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29] فهذه الصفات لا يتصف بها غير المؤمنين، والمؤمنون كلهم أهل للمغفرة والثواب، ولو أن الآية شملت المنافقين لصح قولنا بأن «منهم» للتبعيض، ولكنها لم تذكر إلا صنف المؤمنين الصادقين والذين وصفهم الله بقوله: ((رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الفتح:29] فتأمل!
وقد لجأ الشيعة إلى القول بالتبعيض؛ لعلمهم بدلالة الآية على فضل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذين جاهدوا معه في حياته، وبعد وفاته جاهدوا المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب ومانعي الزكاة، وهم الذين فتحوا الأمصار، وفتحوا بلاد فارس والروم.
ثالثاً: أن هذا الوصف -كما نصت الآية- قد جاء في التوراة والإنجيل، فهو وصف وثناء عليهم قبل أن يخلقوا، ولو كانوا سيبدلون ويغيرون لاستحقوا الذم لا المدح..
ولهذا فآخر الآية تأكيد لما سبق، ولا يمكن أن تناقض كلمات الله بعضها بعضاً.. وكذا القرآن لابد أن يؤخذ بجميعه؛ فلا يؤخذ بعضُه ويترك البعضُ الآخر، ولا يؤخذ جزءٌ من آية ويترك الجزءُ الآخر منها..
فهؤلاء الذين ذكر الله أنهم في عبادة دائمة وأنهم يبتغون فضلاً منه ورضواناً لا شك أنهم آمنوا وعملوا الصالحات..
وعليه يكون معنى (من) في الآية أحد أمرين:
الأمر الأول: إما أنها لبيان الجنس، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من جنس هؤلاء وأمثالهم مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك كقوله سبحانه: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] أي: من جنس هذه الأوثان، وليس معناها: اجتنبوا الرجس من الأوثان وأما باقي الأوثان فلا تجتنبوها! وهذا ما ذكره علماء أهل السنة كما ذكره بعض علماء الشيعة([17])..
والأمر الثاني: أن تكون مؤكدة، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء بالذات مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك مثل قوله سبحانه: ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [الإسراء:82] وليس قوله: ((مِنْ الْقُرْآنِ)) [الإسراء:82] أي: بعض القرآن شفاء ورحمة وبعضه ليس كذلك، بل (مِن) هناك مؤكدة فكذلك هنا([18])..
ثم إن هذا الوصف لمجموع الصحابة رضوان الله عليهم، فهذه الصفات المذكورة في الآية تنطبق تماماً على أصحابه الذين قاتلوا معه في غزواته كلها، بل وقاتلوا بعد وفاته المرتدين والنصارى والمجوس، فهم كما وصفهم الله: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29].
والمعية في قوله: (والذين معه) ظاهرة بينة؛ فهم معه في سلمه وحربه، وفي حله وسفره، وفي سائر أحواله، وقد خرج معه في غزوة تبوك وحدها نحو ثلاثين ألفاً.
ثم تأمل هذا الحديث من كتب الشيعة:
جاء في كتاب (كامل الزيارات)([19]) وهو من كتب الشيعة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات في أحد الحرمين: مكة أو المدينة، لم يعرض على الحساب، ومات مهاجراً إلى الله، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر.
فالرواية تشير بوضوح إلى فضل أصحاب بدر خاصة، من دون تقييد بأَحَدٍ دون أَحَد، وفي مقدمتهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة رضي الله عنهم.(12/9)
أخي الحبيب: تأمل الوصف التالي من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
يقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»([20]).
فإذا تأملت وصفه رضي الله عنه، فستجده مطابقاً لكتاب الله، وكأنه يشرح الآية ويبينها..
الآية الثالثة:
قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100] ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)) [التوبة:101].
فقال سبحانه: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم قال في الآية التي تليها مباشرة: ((وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ)) [التوبة:101].
فَفَرَّق سبحانه وتعالى بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وبين المنافقين.
ولكن من هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟
هل المراد بالسابقين من المهاجرين علي بن أبي طالب وحده كما ذكر لي بعض الشيعة، أم إن هذا وصف عام يدخل فيه كل من حصل له سبق في ذلك؟
لا شك أن هذا وصف عام لكل من حصل منه السبق للهجرة أو النصرة..
وقد بين بعض علماء الشيعة؛ كالطباطبائي في (تفسير الميزان)؛ أن السابقين من المهاجرين والأنصار غير محصورين بشخص معين، وأنهم كل من توفرت فيه صفات السبق، كأصحاب الهجرتين..
يقول الطباطبائي: المراد بالسابقين هم الذين أسسوا أساس الدين، ورفعوا قواعده، قبل أن يشيد بنيانه وتهتز راياته؛ صِنْفٌ منهم بالإيمان واللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على الفتنة والتعذيب، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة، وصِنْفٌ بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع([21]).
فلاحظ قول الطباطبائي: «صنف.. بالهجرة إلى الحبشة والمدينة»، وقوله: «وصنف بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين.. ».
ثم قال بعد ذلك: « قبل وقوع الوقائع»؛ حيث يشير إلى أن الحد الفاصل لاعتبار السبق هو ما كان قبل غزوة بدر.
وعلى كلٍّ ففي المسألة خلاف في وَضعِ حَدٍ يحصل به السبق، وأمثل الأقوال وأعدلها في هذا أنه في فترة ضعف الإسلام، وذلك قبل غزوة بدر؛ إذ ليست المزية فيمن آمن في وقت ضعف الإسلام واستذلال أهله كمن آمن في وقت قوته وتمكنه، ولهذا لم يظهر النفاق في الفترة المكية؛ فلما ظهر الإسلام وقوي، ظهر النفاق.
وأخيراً أقول:
لقد وعد الله من يتبعون السابقين من المهاجرين والأنصار بإحسان أن ينالوا من رضاه سبحانه وتعالى ودخول الجنة ما وعد به أولئك السابقين، فقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]، وأخبر بأنهم يشاركونهم في الخير، كما قال سبحانه: ((وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)) [الجمعة:3]، وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10].
واتِّبَاعُهُم بإحسان يكون بأخذ العلم عنهم، هذا العلم الذي أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يكون أيضاً بمحبتهم ومعرفة فضائلهم والذب عن أعراضهم، ورَدِّ الكذب عنهم، والاقتداء بهم..، ولا يكون بالكذبِ عليهم وسبِّهم وشتمِهم وتَنَقُّصِهم والطعنِ فيهم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وبعد كلِّ هذا فلسائل أن يقول: وهل يعني ثناء الله عليهم أنهم لا يعصون الله أبداً؟ وما هو مفهوم الصحبة الذي نُعَرِّف به الصحابي من غيره.
والجواب تجده مستوفى في المبحث التالي..
000000000000
([1]) الفتاوى: (7 /463)، بتصرف يسير.
([2]) الصارم المسلول على شاتم الرسول: (1/37)، بتصرف يسير.(12/10)
([3]) جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" رواه مسلم: (1910).
([4]) [الفتاوى 28/ 439].
([5]) تفسير الطبري: (6/408)، وذكر نحوها الطبرسي في مجمع البيان: (5/81-82).
([6]) الفتاوى: (7/214).
([7]) البخاري: (4503)، ومسلم: (5359)، وانظر: التبيان: (5/167)، ومجمع البيان: (5/5).
([8]) منهاج السنة النبوية: (8/429).
([9]) رواه البزار: (2285)، وقال في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله ثقات، (1/157).
([10]) صحيح البخاري: (كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر).
([11]) رواه أبو نعيم في الحلية (1/76).
([12]) مجمع البيان: (9/193)، وانظر البحار: (20/326).
([13]) وهو آية الله جعفر السبحاني في كتابه: حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف حول الصحبة والصحابة (159)..
([14]) شرح النووي عند حديث برقم: (2780).
([15]) انظر: الاستيعاب (1/3)، البداية والنهاية (4/168)، الكامل في التاريخ (2/200)، تاريخ الطبري (2/279).
([16]) الإرشاد: (13)، روضة الواعظين: (75)، بحار الأنوار: (38/243).
([17]) فتح القدير للشوكاني: (3/81)، تفسير الثعالبي: (4/119)، وذكره من علماء الشيعة الطبرسي في مجمع البيان: (9/157)، عند كلامه عن قوله سبحانه: ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل)) [الأحقاف:35].
([18]) معاني القرآن للنحاس: (4/187)، فتح القدير للشوكاني: (3/253).
([19]) وانظر: الكافي: (4/548)، البحار: (96/387)، نور الثقلين: (1/541)، كامل الزيارات: (44).
([20]) نهج البلاغة، خطبة: (97) شرح ابن أبي الحديد: (7/77)، شرح محمد عبده: (1/190)، البحار: (66/307)، الحلية لأبي نعيم (1/76).
([21]) تفسير الميزان: (9/373).
_____________
الفصل الثاني: مفهوم الصحابة والعدالة في الإسلام
المبحث الأول
مفهوم الصحبة
أما مفهوم الصحبة: فإنه عند الإطلاق يراد به المعنى الشرعي لا اللغوي، فلا بد من التفريق بين معنى الصحبة اللغوي ومعناه الشرعي، والصحابي بالمعنى الشرعي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته مؤمناً به ومات على الإسلام([1]).
فبناءً على هذا التعريف نعلم أن لفظ الصحابة لا يراد به المنافقون؛ لعدم إيمانهم أصلاً، وكذا لا يراد به من ارتد ومات على الكفر، كما لا يراد به من آمن بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو آمن في حياته ولكنه لم يلتق به.. إلخ.
مع أننا نقول: إن من طالت صحبته وجاهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل ممن لم يصحبه إلا يسيراً، وإنْ كان كلٌ منهما حصل له فضل صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم..
المبحث الثاني
مفهوم العدالة
وأما مسألة عدالة الصحابة فالمراد بعدالتهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كونهم يوافون الله سبحانه وتعالى عدولاً..([2]).
ثم إن العدالة تشمل الصدق على وجه العموم، وكذلك التقى، وقولنا بأنهم: (عدول) لا يعني أنهم سواء، فالخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في أعلى درجات العدالة، وأقل منهم معاوية رضي الله عنه، وهكذا..، فالصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في العدالة، وإن كان الجميع داخلاً في ضمنها، كما قال سبحانه وتعالى: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10] فهذه الآية شملت من آمن قبل فتح مكة ومن آمن بعده وهم مسلمة الفتح، وإن كانوا في مرتبة أقل بكثير من السابقين الأولين، والجميع وعدهم الله الحسنى، والحسنى هي الجنة، كما قال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101] ((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو السهو أو الغلط، بل هم بشر كغيرهم، قد تحصل منهم الذنوب والمعاصي، ولكنهم يتوبون منها، ولهم من الحسنات ما تذوب فيه هذه السيئات.(12/11)
ولقد ذكر الله المتقين وأثنى عليهم ووعدهم بالجنة، وأخبر بعدم عصمتهم، وأنه يمكن أن تحصل منهم الذنوب والمعاصي، ومع ذلك وصفهم بالمتقين، كما قال سبحانه: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) [آل عمران:133] ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [آل عمران:134] ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [آل عمران:135].
فانظر كيف وعدهم هذا الجزاء العظيم، ووصفهم بالتقوى، ومع ذلك بيَّن سبحانه أنهم غير معصومين، وأنه قد يحصل من بعضهم الوقوع في بعض الذنوب أو الفواحش، ولكنهم يتوبون منها ولا يصرون على فعلها، فهم يوافون الله سبحانه وتعالى مع وصفهم بالمتقين، فهذا هو المراد من عدالة الصحابة عند الإطلاق... فتأمل!
وخلاصة القول: أنهم قد يقعون في بعض المعاصي، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، فقد يغفر لهم بسابقتهم، أو بما لهم من الحسنات التي تمحو السيئات، أو بحبِّهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو بالمصائب، أو بظلمِ وسبِّ من يأتي بعدهم، أو بتوبةٍ صادقة منهم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم -وهم أحق الناس بها- ونحو ذلك، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها.
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائلهم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح([3]).
وقد زنى بعض الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجمه، ومع ذلك شهد له بتوبة عظيمة لو قسمت بين أمة لوسعتهم([4]).
وشرب الخمرَ أحدُ الصحابة فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة مرات، فلما لعنه أحد الصحابة لكثرة ما يؤتى به، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله)([5]).
والمراد بعدالتهم عند أهل الحديث قبول روايتهم مطلقاً([6])، مع جواز ورود النسيان والغلط عليهم، ولكن هذا يندفع بعدم معارضة أحد من الصحابة رضي الله عنهم له، مما يدل على قبول حديثه مطلقاً، ولو نسي أو غلط لهيّأ الله من يرد عليه خطأه، وبهذا يتحقق حفظ الله لدينه، والأمة معصومة بمجموعها كما هو مقرر في الأصول([7])..
وعدالة الصحابة أمر لازم لحفظ هذا الدين، فهم نقلة الكتاب والسنة، وليست مجرد شرف شخصي لهم، ولهذا نقلوا إلينا الكتاب والسنة على أتم وجه.
فمن طعن في عدالتهم فقد طعن في القرآن والسنة، كيف لا! والأخبار لا تؤخذ من الفاسق، فكيف بالقرآن؟!
ويؤيد هذا ما جاء في (الكافي) عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبدالله: «..فَأَخْبِرْنِي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقوا على محمد أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا..»([8])، فالرواية تثبت عدالة الصحابة رضي الله عنهم في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما المنافقون فلم ينقلوا شيئاً ألبتة، فهم لا يتجرءون على الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يستطيعون الكذب في هذا الشأن؛ ولهذا فإن الآيات التي تفضح المنافقين وتعريهم كثيرة جداً، وليس فيها آية واحدة تدل على أنهم استطاعوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وتأمل قوله سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ)) [الحاقة:44] ((لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ)) [الحاقة:45] ((ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)) [الحاقة:46] ((فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)) [الحاقة:47]. فإذا كان هذا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم لو تقول على الله سبحانه، فكيف بغيره لو حاول أن يكذب أو يحرف؟!
والحماية ربانية لا بشرية، والبشر إنما هم من الأسباب المسخرة لهذه الحماية.
وهذه حقيقة ناصعة، فلا الصحابة يكذبون لعدالتهم، ولا المنافقون يقدرون على الكذب في هذا الميدان تحديداً([9]).
أما مسلمة الفتح فهم كغيرهم من الصحابة، لا يمكن أن يتعمدوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يتحملوا من السنة ما تحمله الصحابة الملازمون للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، مع ما اشتهر به كثير منهم من الصدق والديانة وغاية الأمانة، وأما من أُخِذَ عليه بعضُ المآخذ منهم -كوقوعه في بعض المعاصي- فقد تتبع أئمة الحديث أحاديثهم، فلم يجدوا في ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو يشهد له، فلم يبقَ بعد ذلك حجة لأحد([10])..
00000000000000(12/12)
([1]) الإصابة في تمييز الصحابة: (9).
([2]) فتح الباري، شرح حديث رقم: (690)، (3462)، منهاج السنة: (7/220)، وانظر ما ذكره محقق كتاب (تدريب الراوي) الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: (2/215)، فقد ذكر عدة إطلاقات للعدالة، وذكر منها تجنب تعمد الكذب، ثم ذكر جملة من أقوال العلماء، فليراجع.
([3]) مجموع الفتاوى: (3/155).
([4]) هذا اللفظ لمسلم: (1695)، وهو وارد في حق ماعز الأسلمي رضي الله عنه.
([5]) صحيح البخاري: (6780).
([6]) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة: (11).
([7]) انظر: منهاج السنة: (2/456-458).
([8]) الكافي: (1/65)، وسائل الشيعة: (27/208)، البحار: (2/228).
([9]) انظر كتاب: (براءة الصحابة من النفاق) لمنذر الأسعد: (36 – 37).
([10]) الأنوار الكاشفة: (262) بتصرف.
-------------------
الفصل الثالث: شبهات حول الصحابة
المبحث الأول
حديث الحوض
يستدل بعض الشيعة على ارتداد الصحابة أو بعضهم بحديث الحوض حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُجلونَ عَن الْحَوْضِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى»([1]).
والجواب عن ذلك أن يقال:
أولاً: الحديث ورد بصيغ متعددة، منها ما سبق، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ! فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَالله! قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ! قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَالله! قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»([2]).
ثانياً: يقال لهؤلاء: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يَعلَم من هم الذين بدلوا بعده إلا حين يَرِدُونَ عليه الحوض ثم يُرَدُّونَ عنه، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلمهم، فمن الذي حددهم لكم وعيَّنهم بأسمائهم؟! فهل أنتم تعلمون ما لا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! وهل أنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ثالثاً: يقال أيضاً: أنتم بين أمرين:
[1] إما أن تجعلوا حديث الحوض يشمل الخلفاء الثلاثة، ولفظ الحديث يدل على أن التغيير محصور فيما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بدليل قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
فيلزم من هذا:
أنهم كانوا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الإيمان، ولذلك ظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم استمروا على ذلك، وأنهم سَيَرِدُونَ على الحوض، فَأُخبر أنهم أحدثوا بعده، وبالتالي يلزم بطلان ما نُسب إليهم من كُفر أو نِفاق أو استحقاق لِلَّعن ونحو ذلك؛ لقوله: «لا تدري ما أحدثوا بعدك».
[2] وإما أن لا تدخلوهم ضمن حديث الحوض، وهذا هو المطلوب.
رابعاً: لو قال لنا قائل: إن النص عام، فيشمل أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وكذلك يشمل المقدادَ وعماراً وسلمانَ وأبا ذر رضي الله عنهم، فما الجواب؟
نقول له: إن الأدلة قد دلت على عدم شمول حديث الحوض للمهاجرين والأنصار؛ لأن الله وعدهم بالجنة.
فالأدلة التي دلت على خروج هؤلاء دلت كذلك على خروج باقي إخوانهم من المهاجرين والأنصار.
ولهذا فنحن نقول: إن هذا الحديث صحيحٌ عندنا ولا شك، لكنه لا يراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه قطعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد له بالجنة، وكذلك لا يراد به غيره من الصحابة السابقين للإسلام ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعمار والمقداد وغيرهم من الصحابة رضي الله عنه.
وكذلك لا يمكن أن يراد به السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ لأن الله أخبر ووعد بأن لهم: ((جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)) [التوبة:100].
فهل هؤلاء الذين وعدهم الله بالجنات هم المرتدون الناكثون، أو أن الله وعدهم بالجنات وهو لا يعلم أنهم سيرتدون، تعالى الله وتقدس عن الجهل والنقائص والعيوب؟!.
خامساً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا رهط» ولم يقل: فإذا أكثر أصحابي، والرهط في اللغة من ثلاثة إلى عشرة، فدل على أن الذين يمنعون عن الحوض قليل، ومثله يقال في قوله: «فإذا زمرة».(12/13)
فإن قيل: إن هذا الحديث يدل على أن أكثر الصحابة يُرَدّون عن الحوض، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»([3]).
فالجواب ظاهر: وهو أن هؤلاء الذين يخلصون (مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ)، هم من بين تلك الزمر التي عرضت عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وليسوا يخلصون من بين سائر الصحابة؛ أي: لا أراه يخلص من بين تلك الزمر التي تُردُّ عن الحوض إلا مثل همل النعم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي»([4]). وفي رواية: «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ... فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»([5])، ولم يقل: تُعرَضُون أنتم..
وتوضيح ذلك: أن الصحابة عددهم كثير جداً، وهؤلاء الصحابة يعرضون على الحوض ويشربون منه، ولكنْ هناك زمرٌ (أي: مجموعات) منها من تُردُّ عن الحوض؛ لأنها بدلت وغيرت، فيعفى عن مجموعة يسيرة من بين تلك المجموعات، وذلك فضل من الله سبحانه وتعالى([6]).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بينا أنا قائم فإذا زمرة)، ولم يقل: بينا أنا قائم فإذا أكثر أصحابي، أو: فإذا أنتم يا من تسمعونني الآن، وهذا يدل على أن هذه الزمر عددها قليل بالنسبة لمجموع الصحابة رضي الله عنهم؛ ولهذا فبقية الصحابة لا يدخلون في هذا الحديث، بل هم أول من يَرِدُ الحوضَ ويشرب منه، فأين هذا من زعم الشيعة ارتداد الصحابة إلا نفراً قليلاً؟!
ومثاله: لو قال مسئول عنده ثلاثة آلاف موظف: عُرِضَ علي أسماء مجموعة من الموظفين بسبب إهمالهم وكسلهم فعاقبتهم، إلا مجموعة يسيرة عفوت عنهم لأسباب ما، فإن السامع لهذا الكلام يعلم أن الذين عُرِضوا عليه لا يشكلون نسبةً تذكر إلى بقية الموظفين.
سادساً: في المراد بمن يذاد عن الحوض عِدَّةُ أقوالٍ:
القول الأول: قيل إنهم أناسٌ ممن أسلموا ولم يحسن إسلامهم، كأولئك الذين في أطراف الجزيرة وحصلت الردة منهم بعد ذلك، أو الذين منعوا الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قاتل الصحابة رضي الله عنهم هؤلاء، ونحن نعلم أنه قَدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح مكة عشراتُ الوفود بالإسلام من قومهم، وأن الذين شهدوا حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتجاوز عددهم مائة ألف..، وهذا القول من أعدل الأقوال وأحسنها.
فكيف بالله يتهم هؤلاء الصحابة الذين زكاهم الله تعالى، ويترك مانعو الزكاة ممن قُتِل تحت سنابك خيل المهاجرين والأنصار، وكيف يُترك أتباع سَجَاح وطليحة بن خويلد وأمثالهم، ويُتهم صفوة الخلق الذين قاتلوهم، بل وقاتلوا قبل ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
وتأمل هذا المعنى الجليل الذي تنقله كتب الشيعة عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه إذ يقول: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر ألفا، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار، ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير»([7]).
فالإمام جعفر الصادق رضي الله عنه يمتدح اثني عشر ألفاً من الصحابة جلهم من المدينة، ويشهد بأنهم لم يغيروا ولم يبدلوا حتى ماتوا، ثم يأتي الشيعة اليوم وقبل اليوم ليقولوا: لا؛ بل إن هؤلاء الصحابة قد غيروا وبدلوا وارتدوا على أعقابهم!!
القول الثاني: قال بعض أهل العلم: إن لفظ الصحابي في اللغة – لا الاصطلاح الشرعي - يشمل المنافق، فيحتمل أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين الذين لم يعرفهم أو لم يظهر له نفاقهم، وقد قال تعالى: ((لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ))، وإن كان يعلم غالبهم بالصفات التي وصفهم الله بها؛ والدليل على ذلك: أن رأس المنافقين وهو عبد الله بن أبيِّ بن سلول لما قال: أقد تداعَوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث - يعني: عبدَ الله بن أُبَي بن سلول - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»([8]).
ففي هذه الرواية دليل على أن مسمى الصحابة في اللغة يطلق على المنافقين أيضاً، ومن ثَمَّ يمكن حمل روايات الذم على هؤلاء، أي: يراد بلفظ الصحبة الوارد في حديث الحوض هؤلاء المنافقون، وليس الصحابة بالمصطلح الشرعي، والذين وعدهم الله بالحسنى والخلود في الجنات، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات.
سابعاً: تأمل -هداني الله وإياك للحق- إخبارَ الله سبحانه وتعالى أنه غفر للمهاجرين والأنصار الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)) [التوبة:117].(12/14)
فأي جريمة والله فيمن ينال من هؤلاء الذين أخبر سبحانه أنه تاب عليهم ورضي عنهم ووعدهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً؟!
وأي افتراء على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين اتبعوه في ساعة العسرة، وتركوا ديارهم وأموالهم من أجل الله سبحانه وتعالى!
وأي مخالفةٍ لتزكية الله لهم في كثيرٍ من الآيات! بل أي جريمةٍ أن يأتي أحدٌ ويحدد من لم يحدده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الحوض، فيحدده بالمهاجرين والأنصار ويترك أولئك المرتدين في أرض اليمامة وغيرها!
وقد وصف الله المؤمنين الذين جاءوا من بعدهم بسلامة قلوبهم واستغفارهم للمهاجرين والأنصار، كما قال تعالى بعد ذكره للمهاجرين والأنصار: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
المبحث الثاني
الطعن فيمن فَرَّ يوم أحد من الصحابة رضي الله عنهم
يطعن البعض([9]) في الصحابة أو يستدل على ردتهم بقوله سبحانه: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] الآية.
فيقال:
أولاً: هذه الآية نزلت في معركةِ أحدٍ، وهي تشير إلى ما كان من بعض المسلمين من الضعف والوهن والتأخر عن القتال حين أشيع موت النبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود من الآية العتاب لهؤلاء، وكذلك الثناء على الذين ثبتوا؛ ولهذا قال تعالى في آخر الآية: ((وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران:144]، ولا دلالة في الآية على ارتداد الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: في الآية إثباتٌ لفضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خصوصاً، وبقية الصحابة عموماً، حيث ثبت أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثبت ثانياً بعد موته، وقاتل المرتدين، ومعه المهاجرون والأنصار..
ولو كان الصحابة مرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بضعة نفر، فكيف بقي الإسلام؟! ومن الذي قاتل مسيلمة الكذاب؟! ومن الذي هزم فارس والروم؟!
ثم إن الذين ثبتوا في معركة أحد ولم يفروا كثر، منهم: أبو بكر وعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم، وقد عدَّ بعضُ العلماء أسماء اثني عشر صحابياً لم يفروا([10])، ناهيك عن الذين قتلوا بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وكذلك الحال في غزوة حنين، فقد ثبت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكذا العباس وغيره رضي الله عنهم، وقد جاء في بعض الروايات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار)([11]).
ثالثاً: بيَّن الله عز وجل أنه تاب على من فرَّ من الصحابة يوم أحد، كما قال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ)) [آل عمران:155]، كما أخبر أيضاً أنه تاب عليهم بعد غزوة تبوك كما في آخر سورة التوبة: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)) [التوبة:117].
وإذا كان الله تعالى قد تاب عليهم فإنه لا يجوز التشنيع عليهم في شيء قد عفي عنهم فيه، إذ التشنيع في ذلك نوعُ اعتراضٍ على عَفوِ الله لهم ومغفرتِه لذنوبهم، ومع ذلك فلهم من فضل الصحبة ونصرة الدين ما لا يدانيهم فيه أحد.
المبحث الثالث
مظلومية الزهراء رضي الله عنها
إن من أعظم ما تشعل به الشحناء والبغضاء بين السنة والشيعة دعوى ظلم الزهراء رضي الله عنها وضربها وكسر ضلعها، فهل هذه الدعوى ثابتة؟ وهل ورد فيها روايات صحيحة أم لا؟ وهل هناك من علماء الشيعة من أنكرها؟
فيقال أولاً: هذه الدعوى لم يثبت فيها سند صحيح، وجميع أسانيدها إما ضعيفة وإما موضوعة.
وثانياً: كل عاقل يعلم أن هذه الروايات لا تتفق بحال مع ما هو معروف من شجاعة علي رضي الله عنه، فلو كانت ثابتة فأين علي؟! وأين دفاعه عن بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!
لقد كان معروفاً عند العرب في الجاهلية -فضلاً عن الإسلام- دفاعهم عن أعراضهم وأهليهم حتى لو أدى ذلك إلى ضرر أنفسهم بل وهلاكها، حتى قال قائلهم:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال
وحمية بني هاشم وأنفتهم وشجاعتهم وكونهم سادة لقريش يجعل العقل يرفض مثل هذه القصة؛ إذ في إثباتها طعن فيهم عامة وفي سيدنا علي رضي الله عنه خاصة.(12/15)
بل إن الإسلام أمر بالدفاع عن المال، وجعل من قتل دون ماله شهيداً، فكيف بالعرض؟! وقد قال الخليل صلى الله عليه وآله وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد»([12]) والدفاع عن الزوجة أعظم من ذلك، فكيف يتركها تضرب ويكسر ضلعها ويسقط جنينها وهو ساكت؟!!
وقد استبعد حصول هذه القضية بعضُ مراجع الشيعة المعاصرين وهو السيد محمد حسين فضل الله، وذلك من جهة النقل والعقل؛ حيث قال: «أنا من الأساس لم أقل: إنه لم يكسر ضلع الزهراء عليها السلام، وكُلُّ من ينسب إليَّ ذلك فهو كاذب، أنا استبعدت الموضوع استبعاداً، رسمت علامة استفهام على أساس التحليل التاريخي، قلت: أنا لا أتفاعل مع هذا؛ لأن محبة المسلمين للزهراء عليها السلام كانت أكثر من محبتهم لعلي وأكثر من محبتهم للحسن والحسين، وفوقها محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: إنه من المستبعد أن يُقْدِمَ أحدٌ على فعل ذلك، مع الإقرارِ بوجودِ نوايا سَيِّئة ومُبيَّتة، ليس لبراءة فلانٍ من الناس، بل خوفاً من أن يهيج الرأي العام الإسلامي، وفي هذا المجال هناك روايات مختلفة، فبعضهم يقول: دخلوا المنزل، والبعض الآخر يقول: لم يدخلوا، فقلت: أنا أستبعد ذلك ولا أتفاعل مع الكلمة نفسها، وضَجَّت الدنيا وانقلبت السموات على الأرض، وبدأت تُنسج الأقوال وتتفشى عند البعض»([13])اهـ.
فأنت تلحظ أنه استبعد القضية من جهة العقل -إضافة إلى اختلاف الروايات- وذكر أن مكانة الزهراء رضي الله عنها عند الصحابة رضي الله عنهم تنافي مثل هذا القول، فلا يمكن أن يَسكت الصحابة لو حصلَ شيءٌ من ذلك، ولاسِيَّما مع عظم محبتهم لها ولأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.. وإن كنا لا نوافق هذا المرجع الشيعي في تعريضه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وملخص القول: أن من عرف حَثَّ الإسلام على الدفاع عن الأعراض، وعرف شجاعةَ عليٍ رضي الله عنه وأنفته، عَلِمَ بُطلانَ أمثال هذه القصص، ناهيك عما عُرف عن بقية الصحابة الذين كانوا يُجلِّون الزهراء ويبذلون الأرواح دونها..
ويقال ثالثاً: إن من تأمل ثناء عليٍّ على عمرَ رضي الله عنهما علم بطلان هذه القصص، إذ لا يمكن الثناء عليه بالتقوى والورع والموت على الإيمان لو صحت هذه القصص.
يقول علي رضي الله عنه واصفاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «لله بلاء فلان([14]) لقد قَوَّمَ الأَودَ، وداوى العَمَدَ([15])، خَلَّف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نَقِيَّ الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيها الضال، ولا يستيقن المهتدي»([16]).
فهذه شهادة من أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه بأن عمر رضي الله عنه ذهب نقيَّ الثوبِ قليلَ العيبِ، ولو أنَّ عمرَ ضرب الزهراء وكسر ضلعها لما وصفه الإمامُ عليٌّ بهذا الوصف.
وجاء في (نهج البلاغة) أيضاً أن علياً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما شاوره في الخروج إلى غزو الروم: «إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفةٌ دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرّباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت رِدءاً للناس ومثابةً للمسلمين»([17]).
وهذا من أعظم الأدلة على تعظيم عليٍّ لعمرَ رضي الله عنهما ومعرفته لقدره، وحرصه على حياته، ويكفي قوله: « ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه».
بل قال علي رضي الله عنه فيه وفي صاحبه الصديق رضي الله عنهما: «لعَمْرِي إنّ مكانهما في الإسلام لعظيمٌ، وإن المصاب بهما لجرحٌ في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا»([18]).
فهذه نبذة يسيرة من المناقب، ولو أُحصيت لبلغت المجلدات..
وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه لم يقتصر على هذه الثناء فحسب بل سمى أحد أبنائه رضي الله عنهما (عمر)، وزوج ابنته أم كلثوم رضي الله عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي بيانه.
والمؤسف أن الشيعة لم يرضهم هذا الكلام؛ إذ هو عقبة أمامهم، وهذا ما دفع الشيخ ميثم البحراني لأن يقول: «واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً، فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين -يعني: أبا بكر وعمر- تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأً»([19]).
ونقول: بل إن هذا هو كلامه، فهو في كتاب لا شك في صحته عند الشيعة، فلم يبق إلا الاحتمال الآخر.
فهذا الثناء يدل دلالة قاطعة على بطلان تلك المزاعم بضربه لفاطمة وكسره ضلعها، وإلا لم يستحق هذا الثناء.(12/16)
ثم إن القول بعدم ضربها هو الحق، وفيه اطمئنان لقلب من يعتصر قلبه لضربها، ويود أنها لم تضرب بناءً على ما توهمه، وفيه مدحٌ لأمير المؤمنين عليٍ رضي الله عنه ووصفه بالشجاعة وعدم الجبن، وفيه سعادة القلب وطمأنينته وأنسه وراحته، ونحن -ولله الحمد- نفرح بهذا، ونُقرُّ به ونعتقده، والذين في قلوبهم بغض للصحابة يأبون إلا أن فاطمة رضي الله عنها أوذيت وظلمت، ولم يوجد لها ناصر ولا معين، وكأنه لا زوج لها ولا عشيرة.
وأما قضية فدك فنجمل الكلام في الآتي:
أولاً: أن أصل الحديث صحيحٌ دون ما وقع من زيادات لا صحة لها؛ فأبو بكر رضي الله عنه لم يعط فدكاً لفاطمة رضي الله عنها، لأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّا لا نورث، ما تركنا فهو صدقة»([20])، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر»([21]).
وقد وجدت عليه فاطمة رضي الله عنها في ذلك وهجرته، فلم تكلمه حتى ماتت([22]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في توجيه اجتهادها: «وأما سبب غضبها [أي فاطمة رضي الله عنها] مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور، فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: (لا نورث) ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك»([23]).
وعدم كلامها له إنما هو في شأن الإرث، فلم تكلمه فيه حتى ماتت، وليس فيه دلالة على عدم كلامها له ألبتة، وإن كان فحسبه أنه عمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أنه دخل عليها فترضاها فرضيت([24]).
هذا هو القدر الثابت من الحديث، وأما ما يروى من خروج فاطمة رضي الله عنها ووقوفها على مجامع الرجال وغير ذلك، فلم يثبت فيه حديث صحيح، والعقل يستبعده كما سبق ذكره في مظلومية الزهراء رضي الله عنها.
والعجيب أن الرواية الثانية وهي قوله: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، رواها الشيعة في كتبهم عن جعفر الصادق رضي الله عنه([25])، ولكنَّ علماءهم أعرضوا عنها وتناسوها، فهل أعرضوا عنها لضعفها؟!
لا.. بل قد صححها بعض كبار علمائهم كالمجلسي والخميني!!
فالمجلسي قال عن هذا الحديث: «..له سندان: الأول: مجهول، والثاني: حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح»([26]).
وأما الخميني فقال: «رجال الحديث كلهم ثقات، حتى إنّ والد علي بن إبراهيم (إبراهيم بن هاشم) من كبار الثقات المعتمدين في نقل الحديث، فضلاً عن كونه ثقة..»([27]).
فهذه الرواية لا تحتاج إلَّا إلى تدبُّرٍ يسيرٍ وبُعْدٍ عن الهوى،، إذ صَرَّح النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأنَّ الأنبياء لم يورثوا قليلاً ولا كثيراً من المال، وإنما ورثوا العلم..
ثانياً: أن عمر وعثمان وعلياً والحسن رضي الله عنهم تولوا الخلافة بعد ذلك، فلم يعط أحدٌ منهم شيئاً لورثة فاطمة رضي الله عنها، ولو كان ثمة حق لها فإنه لا يبطل بِمَرِّ السنين([28])، وهذا يرد على من زعم ضعف الحديث واختلاقه.
ثالثاً: وأيضاً لو ورث النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أحدٌ لورثه أزواجه وعمه العباس رضي الله عنه، وكل هؤلاء لم يعطوا شيئاً، فَلِمَ حُصرت القضية في فاطمة رضي الله عنها؟!! ولِمَ لَمْ يطالب البقية بإرثهم لو صح ما يذكرونه من قضية فدك؟!
رابعاً: إن قيل: بأن سليمان عليه السلام ورث داود عليه السلام بنص القرآن، كما قال سبحانه: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16].
فالجواب عن هذا:
أن المراد إرث النبوة لا المال، فسليمان عليه السلام له إخوة من أبيه، فلا يمكن أن يرث المال وحده، ثم إنه من البدهي إرث كل ابن من أبيه، فلو كان المراد إرث المال، فما الفائدة من ذكره؟! ونحو هذا يقال في قوله سبحانه: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6].
خامساً: أن فاطمة رضي الله عنها أمرت بأن تغسلَها زوجةُ أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي أسماء بنت عميس، التي تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد ذلك، كما أمرت أن تُدفن حيث لا يراها الرجال الأجانب؛ وذلك لشدة حيائها، وقد قامت أسماء بنت عميس على تمريضها، وشاركت في غسلها، ثم دفنت ليلاً([29])، ولا يمكن أن تمرضها وتغسلها إلا بإذن زوجها -الصديق- وعلمه([30]).
المبحث الرابع
عمر وزواجه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
جرى حوار بيني وبين أحد الشيعة حول قضية تسمية أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه أحدَ أبنائِه (أبا بكر)، وآخر (عمر)، وآخر (عثمان)، وكلهم قُتِلَ مع الحسين رضي الله عنه في كربلاء([31]).(12/17)
وكذا فعل عددٌ من الأئمة، فقد سمى الحسنُ والحسينُ أبناءهما باسم (أبي بكر) و(عمر)، وكذا عليُّ بنُ الحسين سمى باسم أبنائه (عمر) و(عثمان)، وكان يحب أن يكنى بـ(أبي بكر)، وكذا الكاظمُ سمى باسم (أبي بكر) و(عمر)، وكان الرضا يحب أن يكنى بـ(أبي بكر)..، وغيرهم كثير وليس هذا مجال حصره([32]).
فلماذا هذا التكرار العجيب؟! ألا يدل دلالة قوية على عظم المحبة؟!
فرد عليَّ قائلاً: ليس في هذا دلالة على المحبة.
فقلت له: إذن فسم ابنك باسم شارون إن كنت صادقاً!
فقال: هذه أسماءٌ أعجميةٌ ولو كانت عربيةً لسميت بها!
فقلت له: وهل ترضى أن تسمي ابنك باسم أبي لهب، أو غيره من صناديد قريش؟! فصمت ولم يجب..
قلت له: دع عنك هذا، وأخبرني: لم زَوَّجَ أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه ابنته أم كلثوم لعمر رضي الله عنه؟ هل كان عليٌّ رضي الله عنه يجهل ما عمل عمر رضي الله عنه من ضربٍ وإيذاءٍ لأمها فاطمة رضي الله عنها، ولهذا زَوَّجَه ابنته؟!.
يا تُرى! هل كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يجهل أعمال هؤلاء التي نسجها القصاصون بعد ذلك، أم أن علياً رضي الله عنه كان يريد التزلف والتقرب من الطغاة، حاشاه وحاشاهم رضي الله عنهم.
قال: لا يصح هذا الزواج كما قال العلماء..
وهذه حِيلةٌ من أراد التخلص من مثل هذه القضية، فتجده يتبرأ مباشرة منها لعلمه بأنها تدل على قوة الأواصر والمحبة بينهم.
وأحاديث تزويج علي رضي الله عنه ابنته لعمر رضي الله عنه روتها كتب الشيعة، بل وصححها بعض علمائهم الكبار؛ فإن المجلسي -وهو من أكبر علماء الشيعة في القرون المتأخرة- ذكر في كتابه: (مرآة العقول) بأن أحاديث تزويج علي ابنته أم كلثوم بعمر بن الخطاب صحيحةٌ لا شكَّ فيها، وقد ذكر الأحاديث التي أوردها صاحبُ (الكافي) ثم حكم على الأول والثاني بأن درجتهما حسن([33])، والثالث بأن درجته موثق، والرابع بأن درجته صحيح([34]).
وقد ذكر المجلسي إنكارَ المفيدِ لهذا التزويجِ، ثم قال: (.. وكذا إنكارُ المفيدِ (ره) أصلَ الواقعة إنما هو لبيانِ أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود تلك الأخبار وما سيأتي بأسانيد أن علياً رضي الله عنه لما توفي عمرُ أتى أمَّ كلثومَ فانطلق بها إلى بيته، وغير ذلك مما أوردتُه في كتابِ بحارِ الأنوار، إنكارُ ذلك عجيبٌ، والأصلُ في الجوابِ هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار، ولا استبعاد في ذلك.. إلخ)([35]).
ولا أظن المفيد يجهل مثل هذه الأحاديث، ولكنه وقع في معضلة لابد له أن يتخلص منها؛ إذ كيف يزوج عليٌ رضي الله عنه ابنته أم كلثوم رضي الله عنها لطاغوت منافق! ولا يمكن لرجل عاقل تزويج ابنته لرجل بهذه المثابة مهما كانت الأمور، فضلاً عن علي رضي الله عنه.
أما المجلسي فإنه أثبت هذا الزواج؛ بناءً على صحة هذه الأحاديث، ولكنه يقول: إنه زوَّجه تقيةً واضطراراً..
ولا تدري من أيهما تعجب!
أَمِنْ إِنكارِ أحاديثٍ ثابتةٍ والتعامي عنها، أم من جعل الأعراض بهذه المثابة؟! فهل وصل أمر الأعراض عند علي رضي الله عنه إلى هذه الدرجة من المهانة حتى يزوجه تقية واضطراراً؟!
وهل هذه هي قيمة بنت فاطمة رضي الله عنها عند الشيعة حتى تُجعل عند طاغوت منافق تقية واضطراراً!!
ولعلهم معذورون جميعاً فيما ذهبوا إليه؛ فالإقرار بصحة الزواج وأنه لا يمكن تزويج غير المؤمنين يصعب عليهم الإقرار به، ولكن ماذا نفعل إذا كانت هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواقع؟!.
وإذا كان بعض الشيعة يستدلون على إيمان أبي طالب بأن زوجته مؤمنة والكافر لا يتزوج مؤمنة، مع أن التحريم جاء متأخراً ولم يكن في أول الإسلام، وكان جائزاً في شرع من قبلنا بدليل كفر امرأتي نوح ولوط عليهما السلام، فإنه عندما يأتي مثل زواج عمر بأم كلثوم ينسون أو يتناسون ما استدلوا به على إيمان أبي طالب.
وخلاصة القول: أن هذا هو قول علي رضي الله عنه وفعله وصنيعه، ولم يبق على من يريد الحق إلا أن يزيح عن عينيه غشاوة التقليد ويبصر حقيقة الحال، والله الهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الخامس
شبهة حول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
لقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يريد الزواج بالبحث عن امرأة صاحبة دين وخلق، فكما أن الزوج يبحث عن امرأة سليمة من العيوب الخَلْقِيَّة والأمراض العضوية كمرض السرطان مثلاً، فكذلك ينبغي أن يبحث عن صاحبة الدين والخلق.
قال تعالى: ((الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [النور:3].
ولو تزوج الرجل امرأة صالحة، ثم ارتدت عن الإسلام، لوجب عليه طلاقها، وكذا إن زنت والعياذ بالله، وأما سائر المعاصي فلا يسلم منها أحد، ومن تابَ تاب الله عليه.(12/18)
ومن المحزن أن نفترض لأنفسنا الزواج من امرأة كفؤ ومن بيت كريم، وفي المقابل ننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من امرأة منافقة أو كافرة أو رأسٍ في الفتنة، ويَعلم ذلك من حالها، ثم يبقيها معه حتى يموت، وكأننا ننزه أنفسنا عما لا ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل وما لا ننزه عنه ربنا سبحانه وتعالى حيث رضيها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ولم أكن أصدق أن يعتقد أحد مثل هذا الكلام حتى قرأت قول بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى حجرة عائشة، عنها فقال: «ألا إن الفتنة هاهنا» ([36])!!
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أشار إلى جهة المشرق، فانظر كيف وصل بهم الحال إلى النيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن زوجه، وهل يعقل أن يمسكها لو كانت كذلك؟ ولو قُدِّر وجاءه أولادٌ منها فهل سيكون أبناؤه صلى الله عليه وآله وسلم من أُمٍ هي رأسٌ في الفتنة والنفاق؟!!
والزواج من المشركة لا يجوز في شريعة الإسلام، وإن كان جائزاً في شريعة الأنبياء السابقين كحال لوطٍ ونوحٍ عليهما السلام، وأما فرش الأنبياء جميعاً فهي محفوظة، وأعراضهم لا شك مصونة.
ألا يحق لنا بعد ذلك أن نقول: إن الطعن في بعض زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعن فيه؟!!
لقد خَيَّر الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين اختيار الآخرة والبقاء مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين اختيار الدنيا ومفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ لذا لم يطلّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً منهن، قال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)) [الأحزاب:28] ((وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:29].
ولو لم يحصل مقتضى هذا التخيير لكان عبثاً، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فأبقاهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.
-------------
([1]) البخاري: (6097).
([2]) البخاري: (6215).
([3]) البخاري: (6215).
([4]) البخاري: (6215).
([5]) البخاري: (6215).
([6]) انظر: كتاب انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية: (442).
([7]) الخصال: (640)، البحار: (22/305)، حدائق الأنس: (200).
([8]) صحيح البخاري: (3518).
([9]) انظر على سبيل المثال: كتاب ثم اهتديت: (114). بل صرح التيجاني – عياذاً بالله – بنفاق خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير...، وذلك في كتابه: مؤتمر السقيفة.
([10]) البداية والنهاية: (4/29)، منهاج السنة: (4/169). نعم.. ثبت أن عمر قعد في مكانه لما أشيع موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من هول الصدمة، لكنه عاود القتال لما نادى بعضُ الصحابة: موتوا على ما مات عليه..، فالقعودُ لفترةٍ يسيرةٍ شيءٌ، والفرارُ شيءٌ آخر.
([11]) البداية والنهاية: (4/380).
([12]) البخاري: (2348)، مسلم: (141)، وأيضاً: الكافي: (5/52)، (7/296) من لا يحضره الفقيه: (4/96).
([13]) الزهراء المعصومة، أنموذج المرأة العالمية: (ص55 - 56).
([14]) ورويت: (لله بلاد فلان). قال ابن أبي الحديد: سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي؟ فقال لي: هو عمر. فقلت له: أيثني عليه أمير المؤمنين ÷ هذا الثناء؟ فقال: نعم، أما الإمامية فيقولون: إن ذلك من التقية واستصلاح أصحابه، وأما الصالحيون من الزيدية فيقولون: إنه أثنى عليه حق الثناء، ولم يضع المدح إلا في موضعه ونصابه، وأما الجارودية من الزيدية فيقولون: إنه كلام قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له والتنقص لأعماله، كما يمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحي بعده، فيكون ذلك تعريضاً به. فقلت له: إلا أنه لا يجوز التعريض والاستزادة للحاضر بمدح الماضي إلا إذا كان ذلك المدح صدقاً لا يخالطه ريب ولا شبهة، فإذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه، فهذا غاية ما يكون المدح، فيه إبطال قول من طعن على عثمان بن عفان، فَلَم يُجِبْنِي بشيء، وقال: هو ما قلت لك. ا.هـ [شرح نهج البلاغة: 12/4].
([15]) قوم الأود، أي: قوم العوج، وداوى العَمَد، أي: داوى العلة.
([16]) نهج البلاغة، خطبة: (228)، شرح ابن أبي الحديد: (12/3)، وشرح محمد عبده: (2/222).
([17]) نهج البلاغة، خطبة: (134)، شرح ابن أبي الحديد: (8/296)، وشرح محمد عبده: (2/18).
([18]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: (15/76).
([19])شرح نهج البلاغة لميثم البحراني: (4/98).
([20]) البخاري: (3810) مسلم: (1761).(12/19)
([21]) الترمذي: (2682)، أبو داود: (3641).
([22]) البخاري: (4240-4241)، مسلم: (1759).
([23]) فتح الباري: (6/202).
([24]) المرجع السابق.
([25]) الكافي: (1/32 – 34)، بحار الأنوار: (2/92، 151).
([26]) بحار الأنوار: (2/...).
([27]) مرآة العقول: (1/111)، الحكومة الإسلامية، تحت عنوان: صحيحة القداح: (ص93).
([28]) منهاج السنة النبوية: (4/220).
([29]) قال المجلسي في بحار الأنوار: ".. وروي أنه لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس: " إذا أنا مت فانظري إلى الدار.."، ثم ذكر المجلسي من حضر وفاتها: ".. وأنه لم يحضرها إلا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس" (30/347-348)، وفي الأمالي للمفيد: (281) قال: "وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس.."، وانظر: الأمالي للطوسي: (109)، كشف الغمة: (2/122-126) (ذكر وفاتها وما قبل ذلك).
([30]) جاء في كشف الغمة: (2/126) أن أسماء منعت عائشة من الدخول على فاطمة بعد موتها، فذكرت عائشة ذلك لأبي بكر، فجاء أبو بكر فوقف على الباب، فقال: يا أسماء ما حالك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.." إلخ. فهذا صريح في علم أبي بكر بوفاة فاطمة رضي الله عنها، وكيف لا يعلم وزوجته عندها؟!
([31]) انظر: الإرشاد: (ص167)، المناقب: (4/112)، الكافي: (1/286)، معجم الخوئي: (13/45).
([32]) الغريب أيضاً أن هذه الأسماء نقلتها كتب الشيعة، فلماذا تخفى عنهم؟!! وانظر مثلاً: مقاتل الطالبيين: (92/453)، المناقب: (4/112، 175)، إعلام الورى: (212، 243)، البحار: (10/250)، (44/163، 168، 169)، (45/36، 63، 67)، التنبيه والإشراق: (263)، كشف الغمة: (2/217، 341).
([33]) مرآة العقول: (20/42) باب تزويج أم كلثوم.
([34]) مرآة العقول: (21/197) باب المتوفى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد؟
([35]) مرآة العقول: (20/45) باب تزويج أم كلثوم.
([36]) انظر: الصراط المستقيم: (3 /142)، وصول الأخيار للعاملي (83).
==================
حديث الحوض
... قال الرافضي ص119 تحت عنوان: (رأي الرسول ( في الصحابة).
... «قال رسول الله (: (بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
... وقال (: (إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي).
... فالمتمعن في هذه الآحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده (، إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الآحاديث على القسم الثالث: وهم المنافقون لأن النص يقول: فأقول أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي (، وإلا
فأصبح المنافق بعد وفاة النبي ( مؤمناً».
... والجواب: (أن هذين الحديثين اللذين ذكرهما صحيحان أخرجهما البخاري في صحيحه(1)، وأخرج مسلم الثاني منهما(2)، وللحديثين روايات أخرى أخرجهما الشيخان وغيرهما من الأئمة في كتب السنة، ولا حجة في هذه الأحاديث -بحمد الله- على مازعم هذا الرافضي من القول بردة الصحابة إلا القليل منهم، كما هو معتقد سلفه من الرافضة أخزاهم الله. وذلك أن أصحاب النبي ( مما لا يقبل النزاع في عدالتهم أو التشكيك في إيمانهم بعد تعديل العليم الخبير لهم في كتابه، وتزكية رسوله ( لهم في سنته، وثناء الله ورسوله عليهم أجمل الثناء، ووصفهم بأحسن الصفات، مما هو معلوم ومتواتر من كتاب الله وسنة رسوله ( على ما تقدم نقل بعض النصوص في ذلك. (3)
... ولهذا اتفق شراح الحديث من أهل السنة، على أن الصحابة غير معنيين بهذه الأحاديث وأنها لا توجب قدحاً فيهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب في الحوض) فتح الباري 11/464- ... 465، ح 6584-6587.
(2) ... صحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب إثبات الحوض) 4/1793،
... ح229.
(3) ... انظر ص 215-217 ، 345-348.
... قال ابن قتيبة في معرض رده على الرافضة في استدلالهم بالحديث على ردة الصحابة: «فكيف يجوز أن يرضى الله -(- عن أقوام ويحمدهم، ويضرب لهم مثلاً في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله ( إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم وهذا هو شر الكافرين».(1)
... وقال الخطابي: «لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لانصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) على قلة عددهم». (2)(12/20)
... وقال الدهلوي: «إنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ماهو المعلوم في عرفنا، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به ( المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة، ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي، وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب أصحابنا، مع أنه بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفتة ( لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تأويل مختلف الحديث ص279.
(2) ... نقله عنه ابن حجر في فتح الباري 11/385.
... إلى أن قال: ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف، فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق، وقوله: أصحابي أصحابي، لظن أنهم لم يرتدوا كما يُؤْذِن به ما قيل في جوابه: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
... فإن قلت: إن (رجالاً) في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب، يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة أجيب: إن ما ورد في حقهم من الآيات والآحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمته الشيعة». (1)
... ثم ساق الآيات والأحاديث في فضل الصحابة.
... وإذا ثبت هذا فاعلم أيها القارئ: أن العلماء قد اختلفوا في أولئك المذادين عن حوض النبي ( -كما في الأحاديث- بعد اتفاقهم أن الصحابة -(- غير مرادين بذلك.
... قال النووي في شرح بعض روايات الحديث عند قوله (: (هل تدري ما أحدثوا بعدك): «هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال:
... أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي ( للسيما التي عليهم، فيقال: ليس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مختصر التحفة الإثني عشرية ص272-273.
هؤلاء مما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك: أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
... والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي ( ثم ارتد بعده فيناديهم النبي (، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه ( في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك.
... والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله ( فيدخلهم الجنة بغير عذاب». (1)
... ونقل هذه الأقوال، أو قريباً منها، القرطبي، وابن حجر
-رحمهما الله تعالى-. (2)
... قلت: ولا يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض هم من مجموع تلك الأصناف المذكورة، فإن الروايات محتملة لكل هذا، ففي بعضها يقول النبي ( فأقول: (أصحابي) أو (أصيحابي -بالتصغير-)، وفي بعضها يقول: (سيؤخذ أناس من دوني فأقول ياربي مني ومن أمتي) وفي بعضها يقول: (ليردن عليّ أقوام أعرفهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح صحيح مسلم 3/136-137.
(2) ... انظر: المفهم للقرطبي 1/504، وفتح الباري لابن حجر 11/385.
ويعرفوني)(1)، وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة.
... وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة، فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب، فيجتمع في العقوبة الواحدة كل من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب.
... كما روى عن طائفة من الصحابة منهم عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}(2): قالوا: (أشباههم يجئ أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا، وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر)(3)، وإذا كان النبي ( قد بين أن سبب الذود عن الحوض هو الارتداد كما في قوله: (إنهم ارتدوا على أدبارهم)، أو الإحداث في الدين، كما في قوله: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)(4)، فمقتضى ذلك هو أن يُذاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الروايات في صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب الحوض) فتح ... الباري 11/463-465، وصحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب اثبات ... الحوض) 4/1792-1802.
(2) ... سورة الصافات آية 22.
(3) ... تفسير ابن كثير 4/4.
(4) ... انظر: الروايات في الصحيحين بحسب ما جاء في الحاشية رقم (1) من هذه ... الصفحة.
بعد موت النبي ( من الأعراب، أو من كان بعد ذلك، يشاركهم في هذا أهل الإحداث وهم المبتدعة.
... وهذا هو ظاهر قول بعض أهل العلم.
... قال ابن عبد البر: «كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم». (1)(12/21)
... وقال القرطبي في التذكرة: «قال علماؤنا -رحمة الله عليهم أجمعين- فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائهاء، فهؤلاء كلهم مبدلون). (2)
... وإذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به الرافضة فالذود عن الحوض إنماهو بسبب الردة أو الإحداث في الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقلاً عن النووي في شرح صحيح مسلم 3/137.
(2) ... التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/348.
والصحابة من أبعد الناس عن ذلك، بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي ( على ماروى الطبري في تأريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: (قد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم ( وقلتهم وكثرة عدوهم). (1)
... ومع هذا تصدى أصحاب النبي ( لهؤلاء المرتدين وقاتلوهم قتالاً عظيماً وناجزوهم حتى أظهرهم الله عليهم فعاد للدين من أهل الردة من عاد، وقتل منهم من قتل، وعاد للإسلام عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة -(- وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
... وكذلك أهل البدع كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد الناس إنكاراً عليهم، ولهذا لم تشتد البدع وتقوى إلا بعد انقضاء عصرهم، ولما ظهرت بعض بوادر البدع في عصرهم أنكروها وتبرؤا منها ومن أهلها.
فعن ابن عمر-(-أنه قال لمن أخبره عن مقالة القدرية:(إذا لقيت هؤلاءفأخبرهم أن ابن عمرمنهم بريء،وهم منه برآء ثلاث مرات). (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 3/225.
(2) ... أخرجه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة 2/420، والآجري في الشريعة ... ص205.
... وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ما في الأرض قوم أبغض إلىّ من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر). (1)
... ويقول البغوي ناقلاً إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع: «وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم». (2)
... وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أهل الردة وأهل البدع، من أكبر الشواهد الظاهرة على صدق تدينهم، وقوة إيمانهم، وحسن بلائهم في الدين، وجهادهم أعداءه بعد موت رسول الله (، حتى أقام الله بهم السنة وقمع البدع، الأمر الذي يظهر به كذب الرافضة في رميهم لهم بالردة والإحداث في الدين، والذود عن حوض
النبي (. بل هم أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته، وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته.
... ولا يشكل على هذا قول النبي (: (ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني)(3) فهؤلاء هم من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الآجري في الشريعة ص213.
(2) ... شرح السنة للبغوي 1/194.
(3) ... جزء من حديث سهل بن سعد أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب الرقاق، باب الحوض) فتح الباري 11/464، ح6582.
مات النبي ( وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد ذلك، كما ارتدت كثير من قبائل العرب بعد موت النبي (، فهؤلاء في علم النبي ( من أصحابه، لأنه مات وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد وفاته ولذا يقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وفي بعض الروايات: (إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري) (1) فظاهر أن هذا في حق المرتدين بعد موت النبي (. وأين أصحاب النبي ( الذين قاموا بأمر الدين بعد نبيهم خير قيام، فقاتلوا المرتدين، وجاهدوا الكفار والمنافقين، وفتحوا بذلك الأمصار، حتى عم دين الله كثيراً من الأمصار، من أولئك المنقلبين على أدبارهم.
... وهؤلاء المرتدون لا يدخلون عند أهل السنة في الصحابة، ولا يشملهم مصطلح (الصحبة) إذا ما أطلق. فالصحابي كما عرفه العلماء المحققون: «من لقي النبي ( مؤمناً به ومات على الإسلام». (2)
... وأما قول النبي (: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الروايات في صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب الحوض) فتح ... الباري 11/464-465، وصحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب إثبان ... الحوض) 4/1796.
(2) ... الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/7.
(3) ... تقدم تخريج الحديث ص 350، وهَمَل النعم: ضوال الإبل، واحدها: هامل، أي الناجي منهم قليل في قلة النَّعَم الضالة، النهاية لابن الاثير 5/274.(12/22)
واحتجاج الرافضي به على تكفير الصحابة إلا القليل منهم فلا حجة له فيه، لأن الضمير في قوله (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم الذين يدنون من الحوض ثم يذادون عنه، فلا يخلص منهم إليه إلا القليل وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه: (بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلَمّ فقلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم). (1)
... فليس في الحديث للصحابة ذكر وإنما ذكر زمراً من الرجال يذادون من دون الحوض ثم لا يصل إليه منهم إلا القليل.
... قال ابن حجر في شرح الحديث عند قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) «يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه... والمعنى لا يرده منهم إلا القليل لأن الهَمَل في الإبل قليل بالنسبة لغيره». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريج الحديث ص 350.
(2) ... فتح الباري 11/474-475.
... وبهذا يظهر كذب الرافضي وتلبيسه، وبراءة الصحابة من طعنه وتجريحه، على أن أحاديث الحوض في الجملة لو استقام للرافضي الاحتجاج بها على ردة بعض الصحابة -مع أن ذلك لا يستقيم بما تقدم ذكره -فأين الدليل على تعيين المرتدين المحدثين منهم الذين تعتقد الرافضة ردتهم من الصحابة، فإن هذا يحتاج إلى دليل، ولو احتج الخوارج الذين يكفرون علياً -(- بهذه الآحاديث على ردة علي -(- حاشاه ذلك- ما استطاع الرافضة الذب عنه، بل لو قال الخارجي الواقع يشهد بصحة ما اعتقد فإن الحروب والفتن وتفرق المسلمين وسفك دمائهم إنما كان في عهده دون من سبقه من الخلفاء، لانقطع الرافضي في الخصومة، وهذا لايعني صحة قول الخارجي ولا قوة حجته بل قوله فاسد، معلوم فساده بالاضطرار من دين المسلمين بما تواتر من الأدلة القاطعة بعدالة الصحابة وتزكية الله ورسوله لهم، وبما اشتهر من الأدلة الخاصة في فضل علي -(-، لكن الرافضة بفساد عقولهم وضعف أفهامهم لما قدحوا في كل الأصول الدالة على عدالة الصحابة جميعاً، لا يستطيعون بعدها أن يقيموا حجة واحدة على عدالة علي، إلا ألزمهم الخوارج بمثل قولهم في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وهذا أصل عظيم في الرد على الرافضة ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول:«وهكذا أمر أهل السنة مع الرافضة في أبي بكر، وعلي، فإن الرافضي لا يمكنه أن يثبت إيمان علي
وعدالته وأنه من أهل الجنة، فضلاً عن إمامته إن لم يثبت ذلك لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وإلا فمتى أراد إثبات ذلك لعلي وحده لم تساعده الأدلة، كما أن النصراني إذا أراد إثبات نبوة المسيح دون محمد لم تساعده الأدلة. فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون علياً أو النواصب الذين يفسقونه: إنه كان ظالماً طالباً للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه، فهذا الكلام وإن كان فاسداً ففساد كلام الرافضي في أبي بكر، وعمر، أعظم، وإن كان ما قاله في أبي بكر، وعمر، متوجهاً مقبولاً فهذا أولى بالتوجه والقبول...». (1)
... وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة وزيف ما ادعاه الرافضي.
... فلله الحمد والمنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... منهاج السنة 2/58، وانظر: كلاماً لشيخ الإسلام قريباً من هذا في مجموع ... الفتاوى 4/468.
=====================
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار}، والرد عليه.
... قال الرافضي ص112: «المثال الأول على ذلك هو آية
محمد رسول الله يقول تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}. (1)
... قال بعد ذلك: «.. فكلمة (منهم) التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لاتشملهم مغفرة الله ورضوانه، ودلت أيضاً على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الإيمان والعمل الصالح، فهذه الآيات المادحة والقادحة في آن واحد فهي بينما تمدح نخبة من الصحابة تقدح في آخرين».
... قلت: تضمنت هذه الآية الكريمة أبلغ الثناء والمدح من الله تعالى لأصحاب النبي ( ووصفه لهم بتلك الصفات العظيمة، الدالة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(12/23)
(1) ... سورة الفتح آية 29.
علو قدرهم في الدين، ورسوخ قدمهم في الإيمان والعمل الصالح، وأما
ما ادعاه هذا الرافضي أن (منهم) في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم...}(1) للتبعيض وأنها تدل على انتفاء الإيمان والعمل الصالح عن بعضهم، فهذا من فرط جهله، وجرأته على الله، وكذبه عليه بما لا تحتمله الآية ولا يستند لقول أحد من أهل العلم في تفسيرها.
... والذي عليه المفسرون وأهل العلم أن (من) في الآيه لبيان الجنس فيكون المعنى: (وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس) وهم
الصحابة.
... قال القرطبي: «وليست من في قوله: (منهم) مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مجنسة مثل قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(2) لايقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس أي: فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب فأدخل (من) يفيد بها الجنس وكذا (منهم) أي: من هذا الجنس، يعني: جنس
الصحابة، ويقال: أنفق نفقتك من الدراهم أي: اجعل نفقتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آية 29.
(2) ... سورة الحج آية 30.
هذا الجنس».(1)
... وكذا قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «من هذه لبيان الجنس».(2)
... ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: «فإن قيل لم قال: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم}(3) ولم يقل: وعدهم كلهم؟
... قيل: كما قال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات}(4) ولم يقل: وعدكم و(من) تكون لبيان الجنس، فلا يقتضي أن يكون قد بقي من المجرور بها شيء خارج عن ذلك الجنس، كما في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(5) فإنه لا يقتضي أن يكون من الأوثان ما ليس برجس.
... وإذا قلت: ثوب من حرير فهو كقولك: ثوب حرير، وكذلك قولك: باب من حديد كقولك: باب حديد، وذلك لا يقتضي أن يكون هناك حرير وحديد غير المضاف إليه، وإن كان الذي يتصوره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الجامع لأحكام القرآن 16/282.
(2) ... تفسير ابن كثير 4/205.
(3) ... سورة الفتح آية 29.
(4) ... سورة النور آية 55.
(5) ... سورة الحج آية 30.
كلياً فإن الجنس الكلي هو: مالا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وإن لم يكن مشتركاً فيه في الوجود، فإذا كانت (من) لبيان الجنس كان التقدير: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من هذا الجنس وإن كان الجنس كلهم مؤمنين مصلحين»(1).
... فتبين بهذا بطلان ما ادعاه الرافضي من أن (من) في الآية تبعيضية واستدلاله بها على انتفاء الإيمان والعمل الصالح عن بعض الصحابة، لمخالفة ذلك لما ذكره العلماء هنا، بل مخالفته لعموم نصوص الكتاب والسنة، القاطعة بعدالة الصحابة وتزكيتهم، والشهادة لهم بالإيمان والتقوى، والسبق في ذلك، وما أخبر الله عنهم من رضاه عنهم، ورضاهم عنه، ووعده لهم بأعلى الدرجات في الجنة، ومخالفته كذلك لما هو معلوم بالاضطرار للمسلمين، وما انعقد عليه إجماعهم من حسن الثناء عليهم، والاعتراف لهم بالفضل والسبق في الدين، وأن الأمة بعدهم لا يبلغوا مراتبهم، ولا يدانوهم في الفضل، مما يجعل الطعن فيهم طعن في الأمة، والقدح فيهم قدح في الكتاب والسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 2/38-39.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {وما محمد إلارسولٌ قد خلت من قبله الرسل} والرد عليه.
... قال المؤلف ص114: «قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.(1)
... ثم قال بعدها: «فهذه الآية صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول ( مباشرة، ولا يثبت منهم إلا القليل، كما دلت على ذلك الآية في تعبير الله عنهم -أي:عن الثابتين الذين لاينقلبون- بالشاكرين، فالشاكرون لايكونون إلا قلة، كما دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {وقليل من عبادي الشكور}».(2)
... إلى أن قال ص115: «والمهم أن آية الانقلاب تقصد الصحابة مباشرة، الذين يعيشون معه في المدينة المنورة، وترمي إلى الانقلاب مباشرة بعد وفاته بدون فصل...».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران آية 144.
(2) ... سورة سبأ آية 13.(12/24)
... قلت: قاتل الله الجهل ما أضره بأهله!! ولو اطلع هذا المتشدق بما لا يعلم في كتاب مختصر من كتب التفسير، على سبب نزول هذه الآية، التي زعم أنها في الردة بعد موت النبي (، ورمى الصحابة بذلك، لم يقل ما قال، ولكان في ستر من هذه الفضيحة، التي تشهد بجهله وتقوله على الله بلا علم ولا بصيرة، وذلك أن هذه الآية نزلت يوم أحد، عندما أصاب المسلمين ما أصابهم، وشج رسول الله (، وكسرت رباعيته، وشاع في الناس أن الرسول ( قتل، فقال بعض المنافقين: إن محمداً قد قتل فالحقوا بدينكم الأول فنزلت هذه الآية.
... روى الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}(1)، «ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق، قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله (، وشج فوق حاجبه، وكسرت رباعيته، قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول، فذلك قوله: {أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}». (2)
... وروى أيضاً عن ابن جريج قال: «قال أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي (: قد قتل محمد، فالحقوا بدينكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران من الآية 144.
(2) ... تفسير الطبري 3/458.
الأول فنزلت هذه الآية». (1)
... فالمقصود بالانقلاب على الأعقاب في الآية هو: ما قاله المنافقون لما أُشيع في الناس أن رسول الله ( قتل، وهو قولهم: ارجعوا إلى دينكم الأول. ولم تكن هذه الآية فيمن ارتد بعد موت النبي ( وإن كانت هي حجة عليهم، مع أنها لو كانت فيمن ارتد بعد موت النبي ( لكانت أظهر في الدلالة على براءة أصحاب النبي ( من المرتدين، فإنهم هم الذين قاتلوهم، وأظهر الله دينه على أيديهم، وخذل المرتدين بحربهم لهم، فرجع منهم من رجع إلى الدين، وهلك من هلك على ردته، وظهر فضل الصديق والصحابة بمقاتلتهم لهم.
... ولهذا ثبت عن علي -(- أنه كان يقول في قوله تعالى: {وسيجزي الله الشاكرين}(2)، (الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه). (3)
... وكان يقول: (كان أبو بكر أمين الشاكرين، وأمين أحباءِ الله، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله). (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 3/458.
(2) ... سورة آل عمران من الآية 144.
(3) ... تفسير الطبري 3/455.
(4) ... المصدر نفسه.
... وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجهادون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}(1)، أنها كانت في أبي بكر وأصحابه، لما كان في علم الله أنهم سيقاتلون أهل الردة.
... روى الطبري بسنده عن علي -(- أنه قال في قوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، (بأبي بكر وأصحابه).
... وعن الحسن البصري قال: (هذا والله أبو بكر وأصحابه).
... وعن الضحاك قال: (هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام جاهدهم أبو بكر وأصحابه، حتى ردهم إلى الإسلام).
... وبهذا قال قتادة وابن جريج وغيره من أئمة التفسير. (2)
... فتأمل أيها القارئ كيف أن هذا الرافضي الحاقد يرمي أصحاب النبي ( بالردة بعد موت النبي (، في حين أنهم هم الذين قاتلوا المرتدين، وأثنى الله عليهم بذلك، واشتهر في الأمة فضلهم بما قاموا به من نصرة دين الله بعد موت النبي (، وجهادهم أولئك المرتدين على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة آية 54.
(2) ... تفسير الطبري 4/623-624.
كثرتهم، مما لا يجهله أحد من عوام المسلمين اليوم، فضلاً عن علمائهم، ثم يأتي هذا الرافضي فيتهم هؤلاء الصحابة بالردة مصادماً بذلك النصوص والواقع، بل وحتى العقل. فلو كان لهذا الرجل عقل، لما قال ما قال، فيصبح أضحوكة بين الناس، بهذا الهذيان الذي يدل على سخافة في العقل وبلادة في الفهم.
... ولقد أحسن الشعبي -رحمه الله- في قوله: (ما رأيت قوماً أحمق من الشيعة، لو كانت الشيعة من الطير لكانت رخماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً). (1)
... ولقد صدق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في وصفهم بقوله: «القوم من أضل الناس على السواء، فإن الأدلة: إما نقلية، وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الخلال في السنة 1/497، واللالكائي في شرح السنة 7/1267.
(2) ... منهاج السنة 1/8. والآية من سورة الملك آية 10.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض...} والرد عليه.(12/25)
... قال المؤلف ص115 قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ( إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شئ قدير}.(1)
... ثم قال: «هذه الآية صريحة في أن الصحابة تثاقلوا عن الجهاد، واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا، رغم علمهم بأنها متاع قليل، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه، وتهديده إياهم بالعذاب الأليم واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين بهم.
... وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من الآيات، مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة، فقد جاء في قوله تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيتا 38-39.
أمثالكم}. ..».(1)
... إلى أن قال: «ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي [(]، واختلفوا، وأوقدوا نار الفتنة، حتى وصل بهم الأمر إلى القتال والحروب الدامية، التي سببت انتكاس المسلمين وتخلفهم، وأطمعت فيهم أعداءهم».
... وجوابه: أنه ليس في هاتين الآيتين مطعن على أصحاب
النبي (، وإنما فيهما حث الله تعالى الصحابة على الجهاد، وذلك عندما أمر النبي ( أصحابه في غزوة تبوك بغزو الروم، وكان ذلك في زمن عسرة وفاقة من أصحاب النبي (، مع شدة الحر وبعد السفر، فشق ذلك على بعضهم، فنزلت الآيات في الترغيب في الجهاد في سبيل الله، والتحذير من التثاقل عنه فاستجاب أصحاب النبي ( لأمر ربهم.
... قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض}(2): «وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة محمد آية 38.
(2) ... سورة التوية آية 38.
الروم، وذلك غزوة رسول الله ( تبوك». (1)
... ولاشك أن هاتين الآيتين تضمنت نوع عتاب من الله ( لبعض من ثقل عليهم الخروج في الجهاد، وهذا قطعاً لا يرد على عامة أصحاب النبي ( الذين استجابوا لله ورسوله بالمسارعة في الخروج في سبيل الله، وهم غالب الصحابة وأكثرهم.
... قال ابن كثير في تفسير الآية: «هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله ( في غزوة تبوك». (2)
... قلت: ومعلوم أنه لم يتخلف عن النبي ( في غزوة تبوك أحد من أصحابه من غير أهل الأعذار، إلا ثلاثة نفر كما دل على ذلك حديث كعب بن مالك المشهور في الصحيحين(3) وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، ومع هذا فقد ثبت بنص كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن الله تاب على الجميع، وأنزل في توبته على سائر الصحابة وحياً يتلى في كتابه وذلك في قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 6/372.
(2) ... تفسير ابن كثير 2/357.
(3) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك) فتح ... الباري 8/113-116، ح4118، وصحيح مسلم: (كتاب التوبة، باب ... حديث توبة كعب وصاحبيه) 4/2120-2128، ح2769.
والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}. (1)
... فتضمنت هذه الآيات إخبار الله تعالى عن توبته على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا الرسول ( في غزوة تبوك، والتي تسمى غزوة العسرة فلم يتخلفوا عنه مع ما أصابهم فيها من الجهد والشدة والفقر، حتى جاء في بعض الروايات أن النفر منهم كانوا يتناولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا، ثم يشرب عليها حتى تأتي على آخرهم. (2)
... كما تضمنت توبة الله على الثلاثة المخلفين(3) الذين تأخروا عن رسول الله ( في تلك الغزوة بعد هجر النبي ( لهم، وندمهم ندماً
عظيماً حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيتا 117،118.
(2) ... انظر: تفسير الطبري 6/502، وتفسير البغوي 2/333.
(3) ... وصفوا بالمخلفين لأنهم خلفوا عن التوبة عندما جاءوا للنبي ( واعترفوا ... بذنوبهم فقال لهم قوموا حتى يقتضي الله فيكم، ثم أنزل الله توبتهم في ... الآيات المذكورة أعلاه، انظر تفسير الطبري 6/505.(12/26)
... فلم يبق بعد ذلك عذر لأحد في النيل من أصحاب النبي ( أو غمزهم بشيء مما قد يقع منهم، بعد مغفرة الله لهم وتوبته عليهم، وثنائه عليهم الثناء العظيم في كتابه، وتزكية الرسول ( لهم في سنته -(- أجمعين.
... والرافضة يدركون هذا وإنما يحملهم حقدهم على أصحاب النبي ( وبغضهم لهم على تنقصهم وسبهم بغير حق، وغمط مناقبهم، وفضائلهم الثابتة في الكتاب والسنة، التي لا يجهلها أحد من الأمة.
... ولهذا ذكر هذا الرافضي الآيات السابقة في حث الله ( الصحابة على الجهاد في سبيل الله، مستدلاً بها على ذمهم وتنقصهم، وأغفل ما جاء في سياق هذه الآيات وبعدها مباشرة، وهو قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}(1) وذلك حجباً منه لما تضمنته الآية من إثبات تلك المنقبة العظيمة لأبي بكر، وهي صحبة رسول الله ( في الهجرة، وكذلك تجاهله الآيات الأخرى في السورة نفسها، المشتملة على ثناء الله تعالى على الصحابة كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيه 40.
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}(1) وكالآيات المتقدمة في توبة الله تعالى عليهم، ومغفرته لهم، يحمله على ذلك ضغنه الكمين وحقده الدفين على أصحاب النبي ( فعليه من الله ما يستحق.
... وأما قوله: «إن الصحابة اختلفوا واقتتلوا ونتج عن ذلك حروب دامية تسببت في انتكاس المسلمين».
... فجوابه: أن اقتتال الصحابة إنما نشأ في عهد علي -(- وقد كان علي طرفاً من أطرافه، فإذا كان لايرد في ذلك ذم على علي -(- وهو إمام المسلمين والمسؤل عن سلامة الرعية فمن باب أولى أن لا يذم بذلك غيره من الصحابة.
... وقد تقدم الحديث عن أسباب الاختلاف بين الصحابة في الفتنة، وبيان وجهة كل فريق، وبراءتهم من كل ما يلصق بهم في ذلك، وأن عامة ما صدر منهم إنما كانوا مجتهدين فيه، ليس لأحد أن يذمهم بشيء منه، وإنما الامساك عما شجر بينهم والترحم عليهم هو السبيل الأمثل، والمنهج الأقوم في حقهم، فرضي الله عنهم أجمعين.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيه 100.
(2) ... انظر تقرير ذلك ص 240 من هذا الكتاب.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ...} والرد عليه.
... قال المؤلف ص117: «قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}. (1)
... وفي الدر المنثور لجلال الدين السيوطي قال: لما قدم أصحاب رسول الله ( المدينة، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا، بعدما كان بهم من الجهد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا فنزلت: {ألم يأن للذين آمنوا}. وفي رواية أخرى أن الله ( استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله: {ألم يأن للذين آمنوا}.
... وإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنة والجماعة، لم تخشع قلوبهم لذكر الله، وما نزل من الحق طيلة سبعه عشر عاماً، حتى استبطأهم الله وعاتبهم، وحذرهم من قسوة القلوب، التي تجرهم إلى الفسوق، فلا لوم على المتأخرين من سراة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آيه 16.
قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة. فهذه بعض الأمثلة التي استعرضها من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على
أن الصحابة ليسوا كلهم عدولاً، كما يقول أهل السنة والجماعة...».
... وجوابه: أن هذه الآية لا تدل بحال على ما ادعاه: من زعمه أن قلوب الصحابة لم تخشع لذكر الله طيلة سبعة عشر عاماً، بل هذا من أقبح الكذب والافتراء على الله الذي لا تحتمله الآية، ويعرف هذا بمعرفة أقوال المفسرين في سبب نزولها وتفسيرها، فهذه الآية قد اختلف المفسرون في سبب نزولها.
... فقيل: إنها نزلت في المنافقين، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص}(1)، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً}(2)، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية، فعلى هذا تأويل قوله: {ألم يأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة يوسف آية 3.(12/27)
(2) ... سورة الزمر آية 23.
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}(1) يعني في العلانية وباللسان.
... وقال آخرون: نزلت في المؤمنين، قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين. (2)
... وقيل: هي خطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لانه قال عقيب هذا: {والذين آمنوا بالله ورسله}(3)، أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل، أن تلين قلوبهم للقرآن، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم. (4)
... فهذه أقوال المفسرين في سبب نزول الآية، وعلى قول من قال: إنها نزلت في المنافقين أو في أهل الكتاب، فلا وجه لتنزيلها على الصحابة بحال.
... وأما على القول بنزولها فيهم: فإنها لا مطعن فيها على الصحابة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آية 16.
(2) ... انظر: تفسير البغوي 4/297، وتفسير القرطبي 17/240.
(3) ... سورة الحديد من الآية 19.
(4) ... انظر: تفسير القرطبي 17/240.
لأن غاية ما في الآية هو حثهم على أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل عليهم من القرآن، وأن أوان ذلك قد حان، دون أن تتعرض الآية لذمهم أو تنقصهم.
... قال الطبري في معنى الآية: «ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله فتخضع قلوبهم له، ولما نَزَل من الحق، وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله (».(1)
... وقال ابن كثير: «يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تلين عند الذكر والموعظة، وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه». (2)
... وليس في الآية ما يدل على نفي أصل الخشوع من القلب، وهو الخشوع الواجب -كما ادعى هذا الرافضي الحاقد- بل وصف الله تعالى لهم بالإيمان في قوله: {ألم يأن للذين آمنوا} دليل على أن أصل الخشوع موجود، لكنه أراد أن ينقلهم إلى درجة أعلى منه، وذلك أن الخشوع منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب، قيل: نعم، لكن الناس فيه على قسمين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 11/681.
(2) ... تفسير ابن كثير 2/310.
مقتصد، وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة». (1)
... وعلى هذا فالخطاب في الآية يكون في حق من لم يحقق تلك الدرجة العالية من الخشوع، دون من بلغها من الصحابة، يؤيد هذا ما
نقله الشوكاني عن الزجاج في سبب نزول الآية حيث قال: (نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع، فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء). (2)
... وقد ثبتت هذه المنزلة العالية من الخشوع وكثرة البكاء لبعض الصحابة قبل نزول هذه الآية، ومن ذلك ما ثبت عن أبي بكر الصديق -(- من رواية عائشة -رضي الله عنها- في قصة جوار ابن الدّغنّة لأبي بكر في بداية البعثة وفيها: (... ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف(3) عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر -(- رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 7/29.
(2) ... فتح القدير للشوكاني 5/172.
(3) ... أي يزدحمون، النهاية لابن الأثير 4/73.
المشركين). (1)
... وهذه الحادثة في بداية البعثة وهي قبل نزول الآية قطعاً، فإن الآية في سورة الحديد، وسورة الحديد مدنية.
... وأما زعمه أن نزول الآية في الحث على الخشوع كان بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن، فهذا إن جاء في بعض الروايات فهو معارض بما جاء في غيرها.
... فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن).(2)
... وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود -(- (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآيه {ألم يأن للذين آمنوا..} إلا أربع سنين).(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي ()
... فتح الباري 4/475-476، ح: 2297، وأخرجه أيضاً في: (كتاب ... الصلاة، باب المسجد يكون في الطريق) فتح الباري 1/563،564، ... ح476.
(2) ... ذكره البغوي في تفسيره 4/297، وابن كثير في تفسيره 4/310.
(3) ... أخرجه مسلم (كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {ألم يأن للذين ... آمنوا ...}) ... 4/2319، ح3027.(12/28)
... ورواية ابن مسعود أصح من غيرها فإنها في صحيح مسلم، وهي دليل على أن عتاب الله لهم بالآية كان في بداية إسلامهم، خلافاً لما زعمه الرافضي أنه بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن.
... وأما طعن الرافضي في الصحابة بزعمه أنه لم تخشع قلوب السابقين منهم فكيف بمن أتى بعدهم...!
... فهذه دعوى باطلة وفرية ظاهرة، يردها ما ثبت في سيرة
الصحابة -(- من أخبار تدل على تحقيقهم أعلى مقامات الخشوع، وشدة خوفهم من الله وكثرة بكائهم من خشيته مما لاينكره إلا مكابر أو جاهل.
... فمن ذلك ما رواه الشيخان من حديث أنس -(- قال: (خطب رسول الله ( خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قال: فغطى أصحاب رسول الله ( وجوههم لهم حنين...).(1) وفي رواية مسلم (خنين)
... والحنين هو: الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر، والخنين:
من الأنف(2)، والمقصود شدة بكائهم من موعظة رسول الله (.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري (كتاب التفسير، باب لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فتح الباري 8/280، ح4621، وصحيح مسلم (كتاب الفضائل، باب توقيره (..) 4/1832، ح2359.
(2) ... فتح الباري لابن حجر 8/281.
... وفي رواية أخرى لمسلم: (فأكثر الناس البكاء، حين سمعوا ذلك من رسول الله ().(1)
... وقد ثبت البكاء لبعض الصحابة، بل كان بعضهم معروفاً به
مما يدل على شدة خوفهم من الله وخشيتهم له ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- في أمر النبي ( أبا بكر أن يصلي بالناس: (...فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قرأ القرآن لايملك دمعه).
... وفي روايه: (إن أبابكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء). (2)
... وفي الحلية لأبي نعيم عن عبدالله بن عيسى قال: (كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء).(3)
... وعن هشام بن الحسن قال: (كان عمر يمر بالآيه في ورده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجها مسلم من حديث أنس (كتاب الفضائل، باب توقيره (..) ... 4/1832.
(2) ... أخرج الحديث الشيخان واللفظ الأول لمسلم والثاني للبخاري، صحيح ... البخاري (كتاب الأذان، باب أهل العلم والفضل أحق بالامامة) فتح الباري ... 2/164، ح679، صحيح مسلم (كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام ... إذا عرض له عذر..) 1/313.
(3) ... حلية الأولياء 1/51.
فتخنقه فيبكي حتى يسقط).(1)
... وعن عثمان -(- أنه جاء إلى بيت النبي ( فأخبرته عائشة -رضي الله عنها- أنهم لم يطعموا طعاماً منذ أربعة أيام، قالت عائشة -رضي الله عنها-: (فبكى عثمان ثم قال: مقتاً للدنيا، ثم أحضر لهم
طعاماً كثيراً وصرة دراهم).(2)
... وعن عبدالرحمن بن عوف -(- أنه أتي بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى فقيل له: يا أبا محمد ما يبكيك؟ قال: هلك رسول الله ( ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لها لما هو خير منها.(3)
... وكان ابن عمر لا يذكر النبي ( قط إلا بكى. (4)
... وأخبارهم في ذلك تطول، وإنما ذكرت هنا أمثلة، للرد على ما افتراه هذا الرافضي في حق الصحابة، وزعمه عدم خشوعهم وخشيتهم، وبيان براءتهم من طعنه وقدحه بهذه الأمثلة الدالة على قوة إيمانهم وشدة خوفهم من الله تعالى، وحسبهم قبل ذلك وبعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... حلية الأولياء 1/51.
(2) ... أورده ابن قدامة المقدسي في الرقة والبكاء ص188.
(3) ... أورده أبو نعيم في الحلية 1/100.
(4) ... رواه الدارمي في سننه 1/54 ح86.
تزكية الله ورسوله لهم، وما ثبت في الكتاب والسنة من فضائلهم ومناقبهم التي اختصهم الله بها على من بعدهم من الأمة فرضي الله عنهم أجمعين، وأعلى درجاتهم في جنات النعيم.
... فثبت بهذا الاستعراض لما ذكره المؤلف من آيات زاعماً أنها دلت
على الطعن في الصحابة، ثم الوقوف على النصوص الأخرى وأقوال أهل العلم المفسرة لهذه الآيات، والموضحة لمقصودها، والمبينة لأسباب نزولها: بطلان ما ادعاه الرافضي في حق الصحابة، وأن هذه الآيات لا تدل بحال على ذم الصحابة أو تنقصهم، وإنما يحمل الرافضة على تأويلها على غير مراد الله منها وتحريفها عن مواضعها، ماامتلأت به قلوبهم من حقد وضغينة على أصحاب رسول الله ( هذا مع ماعليه هؤلاء الرافضة من جهل عظيم بالشرع، ونقص كبير في العقول، وبلادة في الأفهام، مصحوب ذلك بهوى وظلم وكذب وافتراء.
... ولذا ذكر شيخ الإسلام في وصفهم: «والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلاً بعد جيل».(1)
... وفي ختام هذا المبحث المتعلق بالرد على المؤلف في ما يستدل به(12/29)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 1/8.
من آيات في الطعن على الصحابة اذكر بعض الأوجه العامة في الرد على استدلاله ببعض الآيات بعد ذكر الرد المفصل عليه عند كل آيه.
... فأقول مستعيناً بالله:
... الوجه الأول: أن كل ما يستدل به المؤلف وغيره من الرافضة
من آيات في الطعن على الصحابة لايخلو من ثلاثة أقسام:
... إما أن تكون آيات نزلت في الكفار والمنافقين، ينزلونها على الصحابة بجهل وظلم، لاحجة لهم فيها بوجه عند أهل العلم.
... وإما أن تكون آيات عامة نزلت في حث الأمة على الخير، وأمرها به، أو تحذيرها من الشر ونهيها عنه، والخطاب فيها للصحابة ولمن بعدهم من الأمة، وهي مصدرة في الغالب: بـ(يا أيها الذين آمنوا) وذلك كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}(1) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم}(2) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}(3) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة آيه 54.
(2) ... سورة الأنفال آيه 27.
(3) ... سورة المائدة آيه 87.
(4) ... سورة الأنفال آيه 24.
وقوله: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن}(1) والأمثلة على هذا كثيرة جداً في القرآن، وليس فيها أي طعن على الصحابة.
... وقد خاطب الله تعالى بمثل هذا رسوله ( كما في قوله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(2) وقوله: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}(3) وقوله: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاء من العلم إنك إذا لمن الظالمين}(4) وقوله: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}(5) وقوله: {ولاتمنن تستكثر( ولربك فاصبر}(6) وغيرها من الآيات في معناها فكما أن هذه الآيات بما تضمنته من الأوامر والنواهي من الله لرسوله، ليس فيها أي مطعن عليه، فكذلك ما ثبت من ذلك في حق الصحابة ليس فيه أي مطعن عليهم.
... وأما القسم الثالث من الآيات فآيات تضمنت نوع عتاب من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحجرات آيه 12.
(2) ... سورة المائدة آيه 67.
(3) ... سورة الزمر آيه 65.
(4) ... سورة البقرة آيه 145.
(5) ... سورة الأحقاف آيه 35.
(6) ... سورة المدثر آيتا 6، 7.
الله لبعض الصحابة، كما في قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}(1) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض}(2) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}(3) فهذه الآيات وما في معناها ليس فيها كذلك مطعن على الصحابة، وإنما عاتب الله بها أفراداً منهم، بل ربما كان العتاب لفرد واحد منهم، كما في الآية الأخيرة، فإنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة -(-(4) ومن الخطأ تعميم ذلك على الصحابة كلهم، كما هو صنيع الرافضة، وأيضاً فإن الله تعالى خاطبهم فيها بوصف الإيمان الدال على تزكية الله لهم وثنائه عليهم، ولهذا أُطلق على هذه الآيات وأمثالها على أنها عتاب من الله للمؤمنين،كمافي أثر ابن مسعود المتقدم: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآيه {ألم يأن للذين آمنوا..} (5) إلا أربع سنين).(6) ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آيه 16.
(2) ... سورة التوبة آيه 38.
(3) ... سورة الممتحنة آيه 1.
(4) ... انظر تفسير ابن كثير 4/344.
(5) ... سورة الحديد من الآيه 16.
(6) ... تقدم تخريجه ص 336.
... وكذلك قال ابن عباس: (إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم).(1)
... والعتاب عرفه أهل اللغة بأنه: «مخاطبة الإدْلاَل وكلام المُدِلّيِن أَخِلاَّءَهم طالبين حسن مراجعتهم» (2) ولهذا عاتب الله رسوله وخليله ( في أكثر من آية كما في قوله تعالى: {عبس وتولى( أن جاءه الأعمى}(3) وقد كان النبي ( بعدها يكرم ابن أم مكتوم ويقول له إذا رآه: (مرحباً بمن عاتبني فيه ربي) (4) وقال تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم}(5) وقال تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه}.(6)
... إلى غير ذلك من الأمثلة في هذا الباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 336.
(2) ... لسان العرب لابن منظور 1/577.(12/30)
(3) ... سورة عبس آيتا 1-2.
(4) ... ذكره البغوي في تفسيره 4/446، والقرطبي في تفسيره من رواية سفيان ... الثوري 19/203.
(5) ... سورة التحريم آيه 1.
(6) ... سورة الأحزاب آيه 37.
... والمقصود هنا: هو التأكيد على أن كل ما ثبت في حق الصحابة من عتاب الله تعالى لهم، لا يوجب انتقاصهم به، إذا ما ثبت جنس ذلك في حق الرسول ( وهو بالمكانة المعروفة من ربه.
... فثبت بهذا أنه لاحجة للرافضة فيما استدلوا به من آيات للطعن في الصحابة عند النظر والتدقيق، والبحث والتحقيق.
... الوجه الثاني: أنا لو سلمنا جدلاً أن في تلك الآيات التي ذكر المؤلف ذماً لبعض الصحابة، فمن أين له الحكم على بعضهم أنهم هم المعنيون بها دون البعض الآخر، ممن تعتقد الرافضة عدالتهم من الصحابة، وعلى رأسهم علي -(-، فإن هذا التعيين يحتاج إلى دليل، وإلا فلغيره أن يدعى ما يشاء، وينزل تلك الآيات على من شاء من الصحابة، كما لو احتج الخوارج بتلك الآيات على تكفير علي -(- أو النواصب على تفسيقه، فلن يجد المؤلف ولا غيره من الرافضة حجة يدفعون بها عن علي -(- إلا بقول أهل السنة واعتقاد عدالة الصحابة جميعاً.
... الوجه الثالث: أن الله تعالى أثنى في كتابه على الصحابة أبلغ الثناء، وزكاهم أعظم تزكية، وأخبر أنه رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووصفهم بالإيمان والتقوى، ووعدهم بالحسنى، كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري
تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.(1)
... وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}.(2)
... وقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}.(3)
... وقوله: {لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى}.(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التوبة آيه 100.
(2) ... سورة الفتح آيه 18.
(3) ... سورة الفتح آيه 29.
(4) ... سورة الحديد آيه 10.
... فقد تضمنت هذه الآيات ثناء الله ( العظيم على الصحابة
ووصفه لهم بتلك الصفات الفاضلة الدالة على علو شأنهم في الدين، وسمو مكانتهم فيه، وإخباره بما أعد لهم في الآخرة من الأجر والثواب والمغفرة والرضوان، والخلود في جنات تجري من تحتها الأنهار، مما يدل دلالة واضحة على بطلان ما ادعاه الرافضي من أن بعض الآيات جاءت بذمهم وتنقصهم، وذلك أنه كتاب محكم لا يناقض بعضه بعضاً كما قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.(1)
... ولو افترض وجود بعض الآيات تدل بظاهرها على ما ادعى الرافضي، فالواجب حملها على هذه الآيات الصريحة القاطعة بعدالة الصحابة جميعاً، فكيف والنصوص كلها من الكتاب والسنة بعدالتهم متواترة، وبإيمانهم قاطعة.
... الوجه الرابع: أن الله تعالى أثنى على المستغفرين لهم السائلين الله تعالى أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، فقال بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(2) فكيف يتصور بعد هذا أن يذمهم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء آيه 82.
(2) ... سورة الحشر آيه 10.
تعالى في آيات أخرى بما يوجب تنقصهم وبغضهم، فإن هذا من أبعد ما يكون عند أصحاب العقول، أن يتضمن مثل ذلك كتاب الله المحكم المنزه عن الاختلاف والاضطراب.
... الوجه الخامس: أن الله تعالى جعل أصحاب نبيه غيظاً للكفار فقال: {ليغيظ بهم الكفار}(1) فمن المحال بعد ذلك أن يجعل للكفار حجة عليهم بذمهم في كتابه، وقد قال الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}.(2)
... وبهذا يظهر زيف دعوى الرافضي في أن القرآن قد جاء بذم الصحابة.
... فلله الحمد والمنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح من الآيه 29.
(2) ... سورة النساء من الآيه 141.
=====================
الفصل الرابع: الصحابة والإمامة
المبحث الأول
الصحابة والنّص على الإمامة
قد يقول قائل: ما علاقة موضوع النص والإمامة بموضوع الصحابة؟(12/31)
والجواب: أن الشيعة يعتقدون أن الله نص على إمامة اثني عشر إماماً([1])، وهذا من أصول الدين وجحده كفر([2])، ولهذا قالوا بارتداد الصحابة لما جحدوا هذا الأصل وبايعوا الصديق رضي الله عنه، وقد أُجبِرَ عليٌّ رضي الله عنه على البيعة وأكره عليها.. إلخ.
فهل كان علي رضي الله عنه يرى النص على الإمامة؟ وهل يعتقد في الإمامة ما يعتقده الشيعة اليوم؟
لنترك الكلام له رضي الله عنه حيث يقول متحدثاً عن بيعته لأبي بكر رضي الله عنه:
«..فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور، فيسر وسدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً»([3]).
وهذه الرواية جاء في أولها أن علياً رضي الله عنه امتنع عن المبايعة أول الأمر؛ إما لأنه كان يرى أنه أحق بها لقرابته، أو لأنه يرى أن له حقاً في اختيار الإمام والخليفة، ولكنه بايع بعد ذلك، وأثنى هذا الثناء، ولا يمكن أن يثني هذا الثناء على أبي بكر رضي الله عنه ويشهد له بأنه يسر وسدد وقارب لو لم يكن كذلك.
وقد صرح السيد محمد آل كاشف الغطاء بهذه الحقيقة، فقال: (وحين رأى أن الخليفتين -أعني: الخليفة الأول والثاني- بذلا أقصى الجهد في نشر التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح، ولم يستأثرا ولم يستبدا بايع وسالم)([4]).
وبهذا يظهر فساد القول بمخالفة الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله ورسوله، واغتصاب الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم لحق عليٍّ رضي الله عنه وتصرفهم في الأرض بغير وجه حق، وقد رأيت كلام علي رضي الله عنه مع ما سيأتي من ظاهر أحوالهم معه وأحواله معهم، مما ينبئ بخلاف ذلك، فلم يكن يجمعهم سوى المحبة والاحترام وإقرار كل واحد منهم بفضيلة الآخر..
وعلي رضي الله عنه لا يعتقد النص على الإمامة؛ بل كان يرى أن الخلافة الشرعية هي ما تمت بمشورةٍ من المهاجرين والأنصار، وكان يرى شرعية خلافة أبي بكر وعمر، بل وكان يثني عليهما كثيراً..
يقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً، كان ذلك لله رضاً، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى»([5]).
فقد احتج بهذا على معاوية ليلزمه ببيعته، ومبيناً أن الحق هو: أن من بايعه المهاجرون والأنصار تمت بيعته، وكان هذا وفق مرضاة الله سبحانه.
وما كان لمثل علي رضي الله عنه أن يحابي أحداً في دين الله، ولا أن يَستدِلَّ بباطلٍ ليثبت حقاً، ولا أن يتفوه بباطلٍ عمداً مسايرةً لأحد، كيف والشيعة تدعي أنه معصوم، وأنه قمة في الشجاعة؟! رضي الله عنه وأرضاه.
علاوة على ذلك نجد أنه يقول عن بيعة المهاجرين والأنصار: «فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً»، وهم ولا شك قد اجتمعوا على بيعته، كما اجتمعوا قبل ذلك على بيعة أبي بكر ثم بيعة عمر ثم بيعة عثمان، وسموا كل واحد منهم: «إمام المسلمين..» بل لم يحصل من الاجتماع عليه كما حصل لمن سبقه.
وجاء في (نهج البلاغة) أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قال: «دعوني والتمسوا غيري..» إلى أن قال: «وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً»([6]).
وهذا القول يدل على عدم النص؛ إذ لو كان هناك نصٌ لم يجز بحال من الأحوال أن يقول هذا الكلام، بل لوجب عليه أن يقول: خير الأمور أن أكون أميراً عليكم؛ إذ مقتضى كونه حكم الله أن يكون خير الأمور، وأن يُظهر النَّص ويصرح به وقت الحاجة، ولاسيَّما والناس يطلبون منه البيعة وهو يعتذر عنها، ولو ساغ له كتم النص أول الأمر، فكيف يصح له في مثل هذا الموقف؟!!
فتبين من هذين النصَّيْن عن علي رضي الله عنه عدم وجود نص على الإمامة..
وقد اشتمل القرآن على أصول العقائد والأحكام -وإن كانت تفاصيلها في السنة المطهرة- ومع ذلك لا نجد من بينها النص على الإمامة نصاً ظاهراً يفهمه كل من قرأ القرآن بلسان عربي مبين، وأما الروايات فكلٌ يستطيع وضع رواياتٍ على ما يريد تفسيراً للقرآن أو غير ذلك، ومن ثَمَّ نحتاج إلى التمحيص ومعرفة الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود.
ثم إن الاستدلال بهذه الروايات لا يستقيم؛ إما لضعفها، وإما لعدم دلالتها، ناهيك عن كون بعضها ينقض بعضاً.
فحديث غدير خم([7])، وما روي فيه من قول بعض الصحابة لعلي رضي الله عنه: «هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة» ([8])، يُبْطِلُ الاستدلالَ بما قبله من روايات، كحديث يوم الدار([9])؛ فإن كون هذا الحديث ينص على الإمامة وأنه في هذا اليوم صار مولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ؛ حيث هنأه بعضهم على ذلك، كل هذا يدل على أن الإمامة لم ينص عليها قبل ذلك.(12/32)
وحديث رزية يوم الخميس([10])، إذا كان من أجل النص على الإمامة يبطل الاستدلال بما قبله من أحاديث، وهكذا..
هذا على فرض التسليم بدلالة الحديث على الإمامة، والحق أنه لا دلالة فيه على ذلك؛ فلفظ المولى هنا معناه المحبة، وذلك كقوله سبحانه: ((فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)) [التحريم:4] ولا يستقيم معنى المولى هنا إلا بجعله بمعنى المحبة المقتضية للنصرة والتأييد؛ ولا يمكن جعل المولى بمعنى الخليفة؛ لأن جبريل وصالح المؤمنين ليسوا خلفاء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث تجب عليه طاعتهم واتباعهم.
ومثل هذا أيضاً يقال في قوله سبحانه: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)) [المائدة:55] فإن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه أمير على عباده، بل هو ربهم وخالقهم وإلههم، وكذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يقال بأنه أمير عليهم، وإنما هو نَبِيٌّ تجب طاعته، وطاعته طاعة لله سبحانه وتعالى.
وأيضاً فما روي عن بعض الصحابة من قوله: «اليوم أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن» يدل على أن المراد هو المحبة؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يكون خليفة على المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم، وقوله: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»([11]) يفسر بعضه بعضاً، حيث جعل العداوة في مقابل الموالاة.
أضف إلى ذلك أن لفظ «المولى» له معانٍ كثيرة جداً، ولو أراد النص على الإمامة لذكره بنصٍ صريحٍ يرفع النزاع ويحسم مادة الخلاف.
وهنا مسألة أختم بها هذا الحديث: وهي أن غديرَ خمٍ مكانٌ بالقرب من المدينة، حيث خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن بقي معه من أهل المدينة ومن كان في طريقهم، وسببُ هذه الخطبة أن بعض الصحابة وجد في نفسه على علي رضي الله عنه لما شدد عليهم في قسمة الغنائم في اليمن، فأتى مشتكياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخطبة مشيراً إلى وجوب محبة علي رضي الله عنه ([12])، ولو أراد أمراً كالإمامة، لخطب به في مجمع الحجيج قبل تفرق الناس عنه كأهل اليمن ونجد والبحرين وغيرهم..
وحديث المنزلة([13]) -وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»- يكفي في ردِّ الاستدلال به على الإمامة ورود حديث الغدير بعده، مع أنه لا يفيد إلا تشبيه استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي على المدينة باستخلاف موسى عليه السلام لهارون عليه السلام على قومه، ولو أراد بذلك الخلافة بعد موته لشبَّهَهُ بيوشع عليه السلام؛ فإنه استُخلِف على بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام، وهارون توفي في حياة موسى عليهما السلام.
ومن جعل التشبيه في الحديث تشبيهاً مطلقاً لزمه أن يجعل التشبيه شاملاً للنبوة زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا غير مراد قطعاً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث قال: «إلا أنه لا نبي بعدي».
وهذه لطيفة لغوية هامة توضح المراد من الحديث، وأنه لا يراد به التشبيه الكلي، فلم يقل أحدٌ بأن علياً رضي الله عنه كان نبياً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أن هارون عليه السلام كان نبياً مع موسى عليه السلام، فدل على أن المراد بقوله: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » تشبيه استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي على المدينة، باستخلاف موسى لهارون لما ذهب لميقات ربه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الكلام تطييباً لخاطر علي رضي الله عنه لما استخلفه على المدينة، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه، فحزن علي رضي الله عنه ولحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فطيب خاطره بهذا الكلام وأرجعه إلى المدينة([14]).
والمقصود أن الاستدلال بهذه الروايات لا يسلم من معارض، فضلاً عن كون بعض الروايات أو الألفاظ ضعيفاً أو موضوعاً..
ويكفينا قول علي رضي الله عنه: «وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً..»([15]).
بقي مسألة مهمة: وهي قول بعض الشيعة: إن علياً رضي الله عنه ترك حقه -يعني: الخلافة- ولم يقاتل عليها الخلفاء الذين قبله، وكذلك لم يدافع عن بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ لأنه خشي أن يضيع الإسلام، أو حفاظاً على بيضة الإسلام، ونحو ذلك!!
وهذا القول لا شك أن قائله لم يعقل ما يقول، وإلا لم تفوه به، فلو كانت الإمامة ركن الإسلام الأعظم، فماذا بقي في الإسلام حتى يخشى عليه؟! ولو كان سيترك ما يراه حقاً لم يبرز لمعاوية ولا لغيره!!
بل كان رضي الله عنه لا يخشى في الله لومة لائم، وما كان لمثله أن يسكت عن فرع من فروع الدين لو أجمع الناس على تركه، فكيف بركن من أركانه؟!(12/33)
كيف وهو القائل كما في النهج: «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصرٌ جنده..»([16])؟!
فلو كانت إمامته من أركان الدين لم يتوانَ عليٌّ رضي الله عنه في طلبها، إذ الله تعالى قد تكفل بحفظ الدين، فليس العبرة بالكثرة ولا بالقلة، ولكن الحقيقة التي لا تخفى أنه بايع طائعاً مختاراً عالماً، وشارك معهم في جهادهم وفتوحاتهم ونشرهم للإسلام.
وحرب أمير المؤمنين عليٍ رضي الله عنه مع معاويةَ وطلحةَ والزبيرِ رضي الله عنهم لم تكن من أجل الإمامة، ولا شك أن علياً رضي الله عنه وطائفته كانوا أولى بالحق من طائفة معاوية رضي الله عنه، وطائفة معاوية هي الطائفة الباغية، ومع ذلك وصفهم الله جميعاً بالإيمان، كما قال سبحانه: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [الحجرات:9] فسمى الله الفئة الباغية مع ذلك مؤمنة كما هو ظاهر في الآية..
فالقتال الذي حصل بينهم إنما هو قتالٌ بسبب التأوُّلِ في دمِ عثمانَ رضي الله عنه، ولم يكن بسبب العداوة في الدين، فأمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه كان يقول: لا بد من مبايعة جميع المسلمين ثم بعد ذلك نقتص من قتلة عثمان، ومعاوية كان يقول: لا نبايع إلا بعد الاقتصاص من قتلة عثمان، فهذا هو سبب قتالهم([17]).
وهذا ما كان يصرح به عليٌ رضي الله عنه، فقد كان يقول -كما في (نهج البلاغة)- ذاكراً فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: «وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء»([18]).
وإلا هل يعقل أن يتنازل سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما لعدو الإسلام والمسلمين كما يزعم البعض؟!!.
وهل يعقل أن يقول عن شيعته الذين شنعوا عليه لَمّا صالح معاوية: «أرى والله معاويةَ خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثَقَلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي، خيرٌ من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي»([19]).
ولا شك أن سيدنا الحسن رضي الله عنه قد فعل ما هو الأصلح له وللأمة حين تنازل عن الخلافة، لحديث: «إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ([20]).
وكذا عمل الأصلح سيدنا الحسين رضي الله عنه لما صبر طيلة فترة معاوية رضي الله عنه ولم يخرج عليه، حتى تولى يزيد ابنه فخرج عليه، ويزيد كما هو معلوم ليس بصحابي..
فمما سبق يتضح لك لِمَ تنازل الحسنُ لمعاويةَ رضي الله عنهما، وكذا الحسين رضي الله عنه لِمَ لم يخرج في زمن معاوية، بل كان مطيعاً له تابعاً لإمرته، فلما ولي يزيد خرج عليه ولم يبايعه..
وأمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: «هم إخواننا بغوا علينا»([21]). فوصفهم بما وصفهم الله جل وعلا به في قوله: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [الحجرات:9].
وكان رضي الله عنه ينهى عن السب والشتم واللعن، حيث قال لشيعته كما في (نهج البلاغة): «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين»([22])، فالمسلم لا يكون سباباً ولا لعاناً، ومعلوم أن اللعّانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة.
والمحزن هو انشغال بعض الشيعة هداهم الله بالشتمِ واللعنِ والسبِّ بدل انشغالهم بما ينفعهم في الآخرة من التسبيح والتحميد والتهليل.
فرحم الله الصحابة وآل البيت أجمعين، ورضي عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
المبحث الثاني -الإمامة بين النص والعقل والواقع
تبين مما سبق عدم وجود نص على الإمامة، ولا شك أن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح.
فهل القول بالإمامة يوافق العقل ويطابق الواقع أم لا؟
أما من جهة العقل فإن قيام المصاهرات بينهم، وتسمية أبنائهم بأسماء بعض، وثناء بعضهم على بعض أعظم دليل على عدم الإمامة.
ومن جهة أخرى فإن الأئمة -عند الشيعة- معصومون، ويتعاملون بالتقية عند الخوف على أنفسهم وأتباعهم([23])، وهاتان قضيتان متنافيتان متضادتان، وكذلك فإن تمييز التقية لا يمكن.(12/34)
ولا شك أن ضبط ما قيل تقية من غيره متعذر، ولنا أن نسأل المراجع بالذات: هل يوجد لديكم ضابط يستطيع به طلاب العلم والحوزات والمثقفون أن يفرقوا بين ما قاله الأئمة على وجه التقية، وما قالوه على وجه الحقيقة، خاصة وأن العلماء أنفسهم اختلفوا في مسائل بسبب اختلافهم في هذه الرواية أو تلك هل قيلت على وجه التقية أو الحقيقة، فضلاً عن غير العلماء؟!!
ثم يقال: هل التقيةُ حالَ الضرورة جائزةٌ أم لا، وهل المعصومُ تجوز عليه التقية؟
والجواب: أن التقية حال الضرورة جائزةٌ لغير المعصوم؛ ودليل هذا ما حصل لعمارٍ رضي الله عنه عندما آذاه المشركون فتكلم بما يرضيهم حتى يتركوه، فلما تركوه وذهب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «إن عادوا فعد»([24]).
أما المعصوم، فإنه لا تجوز له التقية بحال من الأحوال.. لأن مقتضى العصمة هو عدم الغلط في تبليغ هذا الدين، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، كما قال سبحانه: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى)) [النجم:3] ((إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:4] ويترتب على هذا أن كل ما يقوله من أمور الدين حقٌ ووحيٌ وتشريعٌ، ولهذا لا يمكن أن يكذب حتى في حال الضرورة، وهذا معنى كونه معصوماً.
وتجويز الكذب عليه في الدين حتى حال الضرورة تجويزٌ للكذب على الله سبحانه، ولهذا لما سأل أحدُ الصحابة النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: هل يكتب كلَّ ما يقول حتى في حال الغضب؟ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « اكتب فإني لا أقول إلا حقاً»([25])..
وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل: «بئس أخو العشيرة؛ فلما دخل عليه هَشَّ في وجهه وابتسم»([26])، فهذا ليس تقيةً؛ لأن التبسم في وجوه الناس خلقٌ إسلاميٌ رفيعٌ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له: أنت نعم أخو العشيرة، وإلا لعد كذباً في حقه.
وعليه فإنَّ كَونَ المعصوم لا يكذب أبداً أمرٌ لا غبار عليه، ولا مرية فيه، وإنما جَعَلَ الشيعةُ علياً رضي الله عنه معصوماً، لما فوجئوا بكلام له رضي الله عنه يصادم عقائدهم ويهدمها، فلجئوا للقول بالتقية، فكيف يجتمع عقلاً القول بالعصمة والتقية؟!!. اللهم إلا إذا عاش السمك والضب معاً في مكان واحد..
والحقُّ أن الأئمة كانوا لا يخشون أحداً إلا الله، ولا يتقون أحداً من الناس، ويدل لهذا حديث الخواتيم، فقد روى علماء الشيعة -كالكليني في الكافي- هذا الحديث، وفيه: (أن كل إمام فَضَّ الخاتمَ الخاص به في أول إمامته، ولما فتح الباقرُ خاتَمه وجد فيه: «فسِّر كتاب الله تعالى، وصدِّق أباك، وورِّث ابنك، واصطنع الأمة، وقم بِحَقِّ الله عز وجل، وقل الحق في الخوف والأمن، ولا تخش إلا الله» ففعل)([27])، ثم ذكر في الرواية التي تليها نحو هذا عن الصادق رحمه الله.
فالرواية تشير بوضوح إلى أن الباقر والصادق رحمهما الله لم يكونا يتقيان أحداً من الناس، وإنما كانا يقولان الحق في الخوف والأمن ولا يخشيان إلا الله.
ولعمر الله لقد صدق ميثم البحراني حين قال: «إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين -يعني: أبا بكر وعمر- تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأً»([28]).
ولم يجعل هذا على سبيل التقية كما قال غيره، وإنما جعله محتملاً لأحد أمرين: إما أن لا يكون من كلامه، وإما أن يكون إجماع الشيعة خطأً.
وقد صرح عدد من علماء الشيعة بأن كتاب: (نهج البلاغة) لا شك في نسبته إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ([29])، فلم يبق إلا الأمر الآخر، وهو أن ما أجمع عليه الشيعة هو الخطأ..
وبهذا يتبين من جهة العقل بطلان القول بالنص على الإمامة.
وأما من جهة الواقع: فإن الشيعة يعتقدون عصمة الأئمة الاثني عشر، وأنه يجب تنصيبهم للخلافة، وأن خلافة من سواهم باطلة؛ لأن غير المعصوم لا يؤمن عليه الغلط في تبليغ هذا الدين فكيف يصلح لخلافة المسلمين؟! فكان وجود المعصومين إلى يوم القيامة أمراً لازماً لحفظ الدين.. إلخ.
فأقول:
هذه القضية لو سلمنا بها فإنها قضية خيالية، وموجودة في الذهن فقط ولا وجود لها في الخارج -أي: في الواقع-.
فإننا نشاهد أن الإسلام باقٍ -بحمد الله- إلى يومنا هذا، ولا معصوم بيننا يمكن مشاهدته والرجوع إليه، وإنما اعتماد الأمة على علمائها، سواء عند السنة أو الشيعة.
فإذا صح اعتماد الأمة على اجتهاد العلماء وعلى نقلهم ما يزيد على ألف سنة، فمن باب أولى أن يصح اعتمادها عليهم قبل ذلك، أي: من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، وهذا هو الواقع الذي عليه الجميع وإن كابر البعض.(12/35)
فكما يصح الاعتماد على اجتهاد العلماء على وفق الدليل، فكذلك يصح الاعتماد على اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم على وفق الدين، بل هو أولى؛ فهم نقلة الكتاب والسنة بلا واسطة، وأعرف بلغة العرب ولهجاتها، وعايشوا التنزيل وشهدوا الوقائع، فإدراكهم أقوى من إدراك من جاء بعدهم بلا نزاع.
وكما يصح عند الشيعة الاعتماد على نقل الرواة عن الأئمة، فصحة الاعتماد على نقل الصحابة ومن بعدهم من الرواة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، فكلهم غير معصوم؛ فضلاً عن كون الصحابة مقطوعاً بعدالتهم في النقل كما سبق، وأما غيرهم فلا؛ ففيهم العدل وغيره، بل فيهم كذابون وزنادقة..
وإذا صححنا حكم بعض الحكومات المعاصرة وهم غير معصومين، فتصحيح خلافة الصحابة وهم غير معصومين من باب أولى.
وخلاصة القول: أن دين الإسلام دين موافق للعقل ولواقع الناس، والقول بالنص على الإمامة لا يمكن تطبيقه في الواقع، وإنما هو مجرد نظرية في الذهن يستحيل تطبيقها والعمل بها.
ولكن لا شك أن هناك من يستفيد من هذه النظرية وينافح عنها من أجل مصالحه الدنيوية، فمن هذه المصالح: الأموال الطائلة التي تؤخذ بغير حق باسم الأئمة المعصومين منذ مئات السنين، وتؤخذ من متوسطي الحال ومن الفقراء، بل وتؤخذ ممن ينتسب إلى آل البيت أنفسهم بدلاً من أن يعطوا إياها، والله أعلم أين تصرف وأين تذهب هذه الأموال..
ومن المصالح أيضاً: تلك القداسة التي افترضها أصحابها وترفعوا بها عن الناس، وتلك المناصب والحكومات الدنيوية التي تخالف ما ينظِّره أصحابها من بطلان كل خلافةٍ وحُكمٍ غير حكم الأئمة المعصومين..
فنسأل الله تعالى أن يهدينا للرشاد، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
-------------
([1]) وهم: علي ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم، ثم تتسلسل الإمامة في أبناء الحسين: علي بن الحسين (زين العابدين) ثم محمد (الباقر) ثم جعفر (الصادق) ثم موسى (الكاظم) ثم علي (الرضا) ثم محمد (الجواد)، ثم علي (الهادي) ثم الحسن (العسكري) ثم محمد (المهدي المنتظر عند الشيعة)، وقد أثبت عدم وجوده أصلاً بعض الشيعة كأحمد الكاتب في كتابه: تطور الفكر السياسي الشيعي.
وقد ذكر الخوئي عدم وجود رواية صحيحة تنص على أسماء الأئمة كما في صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: (2/452).
([2]) يقول الصدوق كما في الاعتقادات (103) ما نصه: "واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله".
([3]) شرح النهج لابن أبي الحديد: (6/95)، البحار: (33/568)، الغارات للثقفي: (2/305 - 307).
([4]) انظر: أصل الشيعة الاثني عشرية وأصولها: (123-124).
([5]) نهج البلاغة، خطبة (6)، شرح ابن أبي الحديد (14/35)، شرح محمد عبده: (3/7)، البحار: (32/368)، (33/77).
([6])نهج البلاغة خطبة (93)، بحار الأنوار (32/35، 36) (33/116)، شرح ابن أبي الحديد ( / )، شرح محمد عبده ( / ).
([7]) أصل الحديث في صحيح مسلم: (2408)، وأما الزيادات عليه فجلها ضعيف. وانظر: الكافي: (1/289).
([8]) مسند الإمام أحمد: (18011)، والحديث ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، ضعفه النسائي: (السنن:7/29) والدارقطني: (السنن:1/77)، وانظر: مشكاة المصابيح: (6094). وهو في البحار: (37/159).
([9]) مسند الإمام أحمد: (885)، وأيضاً: بحار الأنوار: (18/178)، والحديث مكذوب، قال عنه الألباني: موضوع، السلسلة الضعيفة: (4932) .
([10]) البخاري: (5669)، مسلم: (1637). وانظر: وسائل الشيعة: (1/15)، بحار الأنوار: (22/474)، ورزية الخميس كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب).
([11]) سنن ابن ماجه: (116)، مسند الإمام أحمد: (953). وانظر: بحار الأنوار: (35/184).
([12]) انظر البداية والنهاية: (5/106)، السيرة لابن هشام: (4/603)، مغازي الواقدي: (3/1080).
([13]) البخاري (3704)، ومسلم (2404)، وانظر: الكافي: (8/107).
([14]) البداية والنهاية: (5/7)، وانظر: الإرشاد: (1/156)، بحار الأنوار: (2/226).(12/36)
([15]) العاقل المنصف الذي يدرس الروايات بإمعان سيخرج بما خرج به الباحث عن الحقيقة خليفة الإمام الشيرازي أحمد الكاتب في كتابه تطور الفكر السياسي الشيعي..، وأحمد الكاتب من الشيعة المعاصرين المعروفين بتعصبهم سابقاً للمذهب الشيعي كما لا يخفى، وممن ناقش هذه العقيدة من أهل السنة فيصل نور في كتابه الإمامة والنص، وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
([16]) نهج البلاغة، خطبة: (146)، شرح ابن أبي الحديد: (9/100)، شرح محمد عبده: (2/29).
([17]) تاريخ الطبري: (4/437)، البداية والنهاية: (7/239)، وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل: (4/160)، مجموع الفتاوى: (25/72).
([18]) نهج البلاغة، خطبة (58)، شرح ابن أبي الحديد: (17/141)، شرح محمد عبده: (3/114)، بحار الأنوار: (33/307).
([19]) الاحتجاج للطبرسي (2/290)، بحار الأنوار: (44/20).
([20]) صحيح البخاري: (2704)، وانظر: بحار الأنوار: (43/298).
([21]) وسائل الشيعة: (11/62)، الاحتجاج: (2/40)، تفسير العياشي: (2/20، 151)، البحار: (32/324).
([22]) نهج البلاغة، خطبة (206)، شرح ابن أبي الحديد: (11/21)، شرح محمد عبده: (2/185)، البحار: (32/561).
([23]) انظر مثلاً: تهذيب المقال للأبطحي، لما تحدث عن زرارة بن أعين: (5/356).
([24]) المستدرك: (3362)، سنن البيهقي الكبرى: (16673)، وأيضاً: الكافي: (2/219)، وسائل الشيعة: (16/226)، بحار الأنوار: (19/35).
([25]) سنن أبي داود: (3646)، وانظر تاريخ دمشق: (31/258)، وأيضاً: بحار الأنوار: (2/147).
([26]) البخاري: (6032)، مسلم: (2591)، وأيضاً: الكافي: (2/326)، مستدرك الوسائل: (9/36)، بحار الأنوار: (16/281).
([27]) الكافي: (1/280)، البحار: (36/210)، التبصرة: (39).
([28]) شرح نهج البلاغة لميثم البحراني: (4/98).
([29]) انظر كتاب: بحوث في فقه الرجال – تقرير بحث الفاني، لعلي مكي العاملي: (113)، حيث قال: ".. النهج كان على مرأى من علمائنا وأصحابنا المتقدمين، ولم نجد منهم من طعن في صحته أو غمز فيه، مما يدل على تسالمهم بأن ما فيه هو من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه..". وقد أطال الكلام على هذه المسألة ورجح أن هذا الكلام صحيح في الجملة، ولا يلزم أن يعم كل كلمة أو حرف.
مسك الختام
وفي نهاية المطاف.. أقف وإياك بعد كل هذه الحقائق من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم من كلام أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى.
- وقد تبين لنا أن المنافقين كانوا معلومين في الجملة، وليس لهم أي أثر في جهاد أو دعوة أو تبليغ للدين، وإنما فرسان ذلك هم الصحابة رضي الله عنهم، الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قاتلوا بعد وفاته المرتدين وفتحوا الأمصار وبلغوا دين الله تعالى في الآفاق.
- وتبين أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته مؤمناً به ومات على الإسلام، كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين لم يظهر فيهم النفاق، حيث أسلموا في فترة ضعف الإسلام، فلم يسلموا طمعاً في دنيا، بل لم يلاقوا إلا التعذيب والإخراج من ديارهم وأموالهم، فآمنوا طمعاً في رضوان الله تعالى، فاستحقوا بذلك مزيد فضل، حيث كانوا سبباً في نشر الإسلام ومثلاً في الصمود من أجله.
وقد كانوا كما أخبر الله عنهم: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الفتح:29] فسطروا أروع الأمثلة في ذلك، وكانوا هم وآل البيت كالجسد الواحد، وما تلك المصاهرات والتسميات وثناء بعضهم على بعض إلا دليل واضحٌ بيِّنٌ على ذلك.
وهذه الشهادة ليست من قبل أنفسنا، بل من قبل آل البيت رحمهم الله، والذين أبطلوا بأنفسهم مزاعم من يقول بالنص على الإمامة.
فلم يبق بعد ذلك إلا التمسك بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
ومن نِعَمِ الله علينا أن أنزل هذا القرآن العظيم، وتكفل بحفظه إلى يوم الدين، ونَصَّ فيه على أصولِ العقائدِ والأحكامِ ليبقى مرجعاً عند التنازع والخصام.
فهذا كتاب الله بين يديك، فانظر لنفسك ماذا أنت تختار! وأَعِدَّ للسؤال جواباً.
اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
===================
حملة رسالة الإسلام الأولون وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير
وكيف شَوَّه المغرضون جمال سيرتهم
محب الدين الخطيب
روى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، (قال عمران بن حصين: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً) "ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن".(12/37)
وروى البخاري مثله بعده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود هذا عند الإمام أحمد أيضاً في مسنده، وفي صحيح مسلم، وفي سنن الترمذي. وروى مسلم مثله في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
فالهدى كل الهدى، مما لم تر الإنسانية مثله -قبله ولا بعده- هو الذي تلقاه الصحابة عن معلِّم الناس الخير. وكان الصحابة به خيَر أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم بشهادته هُوَ لَهم؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الذين يدَّعون خلاف ذلك فهم الكاذبون.
إن الخير كل الخير فيما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الدين كل الدين ما اتبعهم عليه صالحو التابعين، ثم نشأ على آثارهم التابعون لهم بإحسان.
ومن أحطِّ أكاذيب التاريخ زَعْمُ الزاعمين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضمر العداوة بعضهم لبعض، بل هم كما قال الله سبحانه عنهم في سورة الفتح: (أِشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم) وكما خاطبهم رَبُّنا في سورة الحديد: (وَلِلَّهِ مِيراثُ السماواتِ والأرضِ لا يَسْتَوي مِنْكُم مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتَلوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنى) ولا يخلف الله وعده. وهل بعد قول الله عز وجل في سورة آل عمران: (كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يبقى مسلماً من يكذِّب ربَّه في هذا، ثم يكذِّب رسولَه في قوله: “خَيرُ أمَّتي قرني، ثم الذين يلونهم ..”؟!
في صدر هذه الأمة حفظ الله كتابه بحفظته أميناً على أمين، حتى أدوا أمانة ربهم بعناية لم يسبق لها نظير في أمة من الأمم، فلم يفرطوا في شيء من ألفاظ الكتاب على اختلاف الألسنة العربية في تلاوتها ونبرات حروفها، وتنوّع مدودها وإمالاتها، إلى أدق ما يمكن أن يتصوره المتصور، فتم بذلك وعدُ الله عز وجل في سورة الحجر: (إنَّا نحنُ نزَّلنا الذِّكْر وإنَّا له لحافِظون).
ومن صدر هذه الأمة تفرّغ فريق من الصحابة فالتابعين وتلاميذهم لحمل أمانة السنة، فكانوا يمحِّصون أحاديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذرعون أقطار الدنيا ليدركوا الذين سمعوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم فيتلقوها عنهم كما يتلقون أثمن كنوز الدنيا. بل كانت دار الإمارة في المدينة المنورة منتدى الفقهاء الأولين في صدر الإسلام يجتمعون إلى أميرهم مروان بن الحكم، فإذا عزيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة غير الذي كان معروفاً عندهم أرسل مروان في تحقيق ذلك إلى من نسبت تلك السنة إليه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أزواجه، حتى يرد الحق إلى نصابه.
وبينما كان حفظة القرآن وحملة السنة المحمدية يجاهدون في حفظ أصول الشريعة الكاملة، كان آخرون من أبناء الصحابة وأبطال التابعين يحملون أمانة الإمامة والرعاية والجهاد والفتوح، ويعملون على نقل الأمم إلى الإسلام: يعربون ألسنتهم، ويطهرون نفوسها، ويسلكونها في سلك الأخوة الإسلامية لتتعاون معهم على توحيد الإنسانية تحت راية الهدى، وتوجيهها إلى أهداف السعادة.
وقد بارك الله لهؤلاء وأولئك بأوقاتهم، وأتمَّ على أيديهم في مائة سنة ما يستحيل على غيرهم -من أهل الطرائق والأساليب الأخرى- أن يعملوه في آلاف السنين.
هؤلاء هم الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم خير أمته، وقد صح ما أخبر به، فإن الإسلام إنما رأى الخير على أيديهم، فبهم حفظَ اللهُ أصولَه، وبهم هدى الله الأمم. والبلاد التي دخلت في الإسلام على أيديهم نبغ منها في ظل طريقتهم وعلى أساليبهم كبار الأئمة كالإمام البخاري والإمام أبو حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك، فكانت الأمم تقبل على هذه الهداية بشغف وتقدير وإخلاص، لما ترى من إخلاص دعاتها وصدقهم وإيثارهم الآجلة على العاجلة، والأمة التي تولت الدعاية لهذه الهداية تستقبل نوابغ المهتدين بصدر رحب، وتبوىء المستأهلين منهم المكانة التي هم أهلٌ لها.(12/38)
هكذا كانت الحال في البطون الثلاثة الأولى التي امتدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفها بأنها خير أمته. أما العصور التي أتت بعدهم فإن المسلمين يتميزون فيها بمقدار اتباعهم للصدر الأول فيما كان عليه من حق وخير. وهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره." رواه أحمد في مسنده و الترمذي في سننه عن أنس، ورواه ابن حبان والإمام أحمد في مسنده أيضاً من حديث عمار، ورواه أبو ليلى في مسنده عن علي بن أبي طالب، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو، كل هؤلاء الصحابة رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى خير في كل زمان ومكان ما تحرَّت الطريق الذي مشى فيه هداة القرون الثلاثة الأولى وتابعوهم فيه. بل يرجى لمن يقيم الحق في أزماننا كما أقامه الصحابة والتابعون في أزمنتهم أن يبلغوا منزلتهم عند الله ويعدوا في بقيتهم، ولعلهم المعنيون بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله، أأحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجهدنا معك. فقال صلى الله عليه وسلم: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يَروني." وإسناده حسن، وصححه الحاكم. واحتج الحافظ أبو عمر بن عبد البر بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار في الأرض، وصبرهم على الهدى وتمسكهم به، إلى أن عَمَّ بهم في أرجائها. قال ابن عبد البر: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن، كانوا أيضاً عند ذلك غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء."
ومن غربة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى ظهور مؤلِّفين شوَّهوا التاريخ تقرباً للشيطان أو الحكام؛ فزعموا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا إخواناً في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضاً، ويمكر بعضهم ببعض، وينافق بعضهم لبعض، ويتآمر بعضهم على بعض، بغياً وعدواناً. لقد كذبوا. وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل، وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامهما ورحمهما وقرابتهما وأوثق صلة وأعظم تعاوناً على الحق والخير.(12/39)
حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلاً في سجن الإنجليز سنة 1332هـ أن رجلاً من العرب يعرفونه كان يتنقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا أن اسمه (عمر)! قلت: وأي بأس يرونه باسم (عمر)؟ قالوا: حباً بأمير المؤمنين علي. قلت: وكيف يكونون من شيعة علي وهم يجهلون أن علياً سمى أبناءه -بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية- بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) رضوان الله عليهم جميعاً، وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر بن الخطاب ولدت له زيداً ورقية، وبعد مقتل عمر تزوجها ابن عمها محمد بن جعفر بن أبي طالب ومات عنها فتزوجها بعده أخوه عون بن جعفر فماتت عنده. وعبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمى أحد بنيه باسم (أبي بكر) وسمى ابناً آخر له باسم (معاوية)، ومعاوية هذا -أي ابن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب- سمى أحد بنيه (يزيد). وعمر بن علي بن أبي طالب كان من نسل عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب اشتهر بالمبارك العلوي وكان يكنى (أبا بكر). والحسن السبط بن علي ابن أبي طالب سمى أحد أولاده باسم أمير المؤمنين (عمر) تيمناً وتبركاً. ولِعمر هذا ذرية مباركة منهم العلماء والشرفاء. والحسن السبط كان مصاهراً لطلحة بن عبيد الله، وإن أم إسحاق بنت طلحة هي أم فاطمة بنت الحسين بن علي. وسكينة بنت الحسين السبط كانت زوجاً لزيد بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي. وعقد لها قبله على الأسبغ ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي. وأختها فاطمة بنت الحسين السبط بن علي بن أبي طالب كانت زوجة عبد الله الأكبر بن عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت قبل ذلك زوجة الحسن المثنى، وله منها جدُّنا عبد الله المحض. وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بن أبي طالب كانت زوجة لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ثم تزوجها علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب. وأم كلثوم بنت جعفر ذي الجناحين كانت زوجة للحجاج بن يوسف وتزوجها بعد ذلك أبان بن عثمان بن عفان. والسيدة نفيسة المدفونة في مصر (وهي بنت حسن الأنور بن زيد بن الحسن السبط) كانت زوجة لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وولدت له. وعلي الأكبر ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفي وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب الأموي. والحسن المثنى بن الحسن السبط أمه خولة بنت منظور الفزارية وكانت زوجة لمحمد بن طلحة بن عبيد الله، فلما قتل يوم الجمل -ولها منه أولاد- تزوجها الحسن السبط فولدت له الحسن المثنى. وميمونة بنت أبي سفيان بن حرب جدة علي الأكبر ابن الحسين ابن علي لأمه. ولما توفيت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تزوج علي بعدها أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية.
فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام، والمحبة في الله، والتعاون علىالبر والتقوى؟(12/40)
لقد تواتر عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أنه كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر". روي هذا عنه من أكثر من ثمانين وجهاً، ورواه البخاري وغيره، ولا يوجد في تاريخ في الدنيا، لا تاريخ الإسكندر المقدوني، ولا تاريخ نابليون، صحت أخباره كصحة هذا القول -من الوجهة العلمية التاريخية- عن علي بن أبي طالب. وكان كرم الله وجهه يقول: "لا أُوتَى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حدَّ المفتري" أي أن هذه الفرية توجب على صاحبها الحدَّ الشرعي، ولهذا كان الشيعة المتقدمون متقفين على تفضيل أبي بكر وعمر. نقل عبد الجبار الهمداني في كتاب (تثبيت النبوة) أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في (كتاب النقض على ابن الراوندي): سأل سائل شريك بن عبد الله فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، من لم يقل هذا فليس شيعياً. والله لقد رقي هذه الأعواد علي فقال: “ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر” فكيف نردّ قوله؟ وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً. وفي ترجمة يحيى بن يعمر العدواني من (وفيات الأعيان) للقاضي ابن خلكان أن يحيى بن يعمر كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم، وكان شيعياً من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل آل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم. ثم ذكر قصة له مع الحجاج، وإقامته الحجة على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من آية (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) إلى قوله تعالى: (وزكريا ويحيى وعيسى). قال يحيى بن يعمر: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وسلم فأقرّه الحجاج على ذلك وكبر في نظره وولاه القضاء على خراسان مع علمه بتشيعه. وأنت تعلم أن الحجاج هو ما هو، ومع ذلك فقد كان -مع فاضل متجاهر بشيعيته المعتدلة محتج للحق بالحق- أكثرَ إنصافاً من هؤلاء الكذبة الفجرة الذي جاءوا في زمن السوء، فصاروا كلما تعرضوا لأهل السابقة والخير في الإٍسلام، ومن فُتحت أقطار الأرض على أيديهم، ودخلت الأمم في الإسلام بسعيهم ودعوتهم وبركتهم، وكلهم من أهل خير القرون بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وما منهم إلا من يتصل ببني هاشم وآل البيت بالخؤولة أو الرحم أو المصاهرة؛ وبالرغم من كل ذلك يتعرضون لسيرتهم بالمساءة كذباً وعدواناً، ويرضون لأنفسهم بأن يكونوا أقل إنصافاً وإذعاناً للحق حتى من الحجاج بن يوسف. وإني أخشى عليهم لو أنهم كانوا في مثل مركز الحجاج بن يوسف كانت فيهم مآخذ كل الصالحين عليه، مع التجرد من كل مزاياه وفضائله وفتوحه التي بلغت تحت رايات كبار قواده وصغارهم إلى أقصى أقطار السند، وغشيت جبال الهند وما صاقبها.
وإن خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نعت صديقه وإمامه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر يوم وفاته من بليغ ما كان يستظهره الناس في الأجيال الماضية. وفي خلافة عمر دخل علي في بيعته أيضاً وكان من أعظم أعوانه على الحق، وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة، وقد علمتَ أنه بعد أخيه وصهره سمّى ولدين من أولاده باسميهما ثم سمى ثالثاً بعثمان لعظيم مكانته عنده، ولأنه كان إمامه ما عاش، ولولا أن عثمان -بعد أن أقام الحجة على الذين ثاروا عليه بتحريض أعداء الله رجال عبد الله بن سبأ اليهودي- منع الصحابة من الدفاع عنه حقناً لدماء المسلمين، وتضييقاً لدائرة الفتنة، ولما يعلمه من بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم به بالشهادة والجنة، لولا كل ذلك لكان علي في مقدمة من في المدينة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا كلهم على استعداد للدفاع عنه ولو ماتوا في سبيل ذلك جميعاً. ومع ذلك فإن علياً جعل وليده الحسن والحسين على باب عثمان، وأمرهما بأن يكونا طوع إشارته في كل ما يأمرهما به ولو أدى ذلك إلى سفك دمهما، و أوعز إليهما بأن يخبرا أباهما بكل ما يحب عثمان أن يقوم له به. وكذبٌ على الله وعلى التاريخ كلُّ ما اخترعه الكاذبون مما يخالف ذلك ويناقض وقوف الحسن والحسين في بابه واستعدادهما لطاعته في كل ما يأمر. ولقد كان من عادة سلفنا أن يدوِّنوا أخبار تلك الأزمان منسوبة إلى رواتها، ومن أراد معرفة قيمة كل خبر على طريقة (أنَّى لكَ هذا؟) فرجع إلى ترجمة كل راوٍ في كل سند لتمحَّصت له الأخبار، وعلم أن الأخبار الصحيحة التي يرويها أهل الصدق والعدالة هي التي تثبت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا كلهم من خيرة من عرفت الإنسانية من صفوة أهلها، وأن الأخبار التي تشوِّه سيرة الصحابة وتُوهِمُ أنهم كانوا صغار النفوس هي التي رواها الكذبة من المجوس الذين تسموا بأسماء المسلمين.
ولعلك تسألني: إذن ما هو أصل التشيع، وهل لم يكن لعلي شيع ة في الصدر الأول؟ وما هي وقعة الجمل، وما الباعث على وقوعها؟ وما هي حقيقة التحكيم؟(12/41)
إن الجواب على هذه الأسئلة بالأسانيد التي ترتاح إليها قلوب المنصفين مهما اختلفت مشاربهم ومذاهبهم، يحتاج إلى كتابة تاريخ المسلمين من جديد، وإلى أخذه -عند كتابته- من ينابيعه الصافية، ولا سيما في المواطن التي شوهها أهل الذمم الخَرِبَة من ملفِّقي الأخبار. وأعيد هنا ما قلته غير مرة، وهو أن الأمة الإسلامية أغنى أمم الأرض بالمادة السليمة التي تستطيع أن تبني بها كيان تاريخها، إلا أنها لا تزال أقل أهل أمم الأرض عناية ببناء تاريخها من تلك المواد السليمة، والناس الآن بين قارئ لكتب قديمة أراد مؤلفوها أن يتداركوا الأخبار قبل ضياعها فجمعوا فيها كل ما وصلت إليه أيديهم من غثّ وسمين، منبهين على مصادر هذه الأخبار وأسماء رواتها ليكون القارئ على بينة من صحيحها وسقيمها، ولكن لبعد الزمن وجهل أكثر القراء بمراتب هؤلاء الرواة ودرجتهم في الصدق والكذب، وفي الوفاء للحق أو الميل مع الهوى، تراهم لا يستفيدون من هذه المصادر، ولا من الكتب التي اعتمدت عليها بلا تمحيص وتحقيق. وهنالك كتب قديمة أيضاً ولكنها دون هذه الكتب، لأن أصحابها من أهل الهوى، وممن لهم صبغات حزبية يصبغون أخبارهم بألوانها، فهي أعظم ضرراً، ولعلها أوسع من تلك انتشاراً. أما الكتب الحديثة كمؤلفات جرجي زيدان، والبحوث التي يستقيها حملة الأقلام من مؤلفات المستشرقين على غير بصيرة بدسائسهم، فإنها ثالثة الأثافي وعظيمة العظائم، ولذلك باتت هذه الأمة محرومة أغزر ينابيع قوتها وهو الإيمان بعظمة ماضيها، في حين أنها سليلة سلف لم ير التاريخ سيرة أطهر ولا أبهر ولا أزهر من سيرته.
ومع أن كثيراً من أمهات الكتب النفيسة فُقِدَت في كارثة هولاكو، ثم في الحروب الصليبية واكتساح الأندلس، وما تلا ذلك كله من انحطاط المستوى العلمي في القرون الأخيرة، إلا أن كثيراً من تحقيقات لمحققين لا تزال منبثة في مطاوي الكتب الإسلامية. والأمل عظيم في قيام نهضة جديدة لبعث ماضي هذه الأمة المجيد على ضوء ما تركه علماؤها من نصوص وتوجبهات.
وأعود بعد هذا إلى الأسئلة التي تقدمت آنفاً عن أصل الفتن والتشيع، فقد زعم الزاعمون لعليٍّ -كرم الله وجهه- ما لم يكن له به علم: زعموا أن النبي e عيّنه للخلافة بعده يوم استخلفه على المدينة وهو متجه إلى الشام في غزوة تبوك، وقال له يومئذ: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي”. ورجال الحديث مختلفون في درجة هذا الخبر من الصحة، فبعضهم يراه صحيحاً، وبعضهم يراه ضعيفاً، وذهب الإمام أبو الفرج بن الجوزي إلى أنه موضوع مكذوب. ونحن إذا رجعنا إلى الظروف التي قالوا إنها لابست هذا الحديث نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله له أن يتوجّه نحو تبوك- أمر علياً بأن يتخلف في المدينة، وكان رجالها والقادرون على الحرب من الصحابة قد خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد علي في نفسه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أتجعلني مع الناس والأطفال والضعفة؟” فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تطييباً لنفسه: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟” أي في استخلاف موسى أخاه هارونَ لما ذهب إلى الجبل ليعود بالألواح. فهذا الاستخلاف لم يكن في نظر سيدنا علي -كرم الله وجهه- هذا المعنى الوهمي الذي اخترعه المتحزبون فيما بعد، بل هو على عكس ذلك كان يراه حرماناً له من مكانة أعلى وهي مشاركة إخوانه الصحابة في ثواب الجهاد لتكوين الكيان الإسلامي المنشود. زِدْ على ذلك أن هذا النوع من الاستخلاف لم ينفرد به علي كرم الله وجهه، بل تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم استخلاف ابن أم مكتوم على المدينة نفسها، وكان ابن أم مكتوم يتولى الإمامة بالناس في المدينة مدة خلافته عليها. وقد ناظر كبارُ الشيعة في هذا الحديث علاَّمةَ العراق السيد عبد الله السويدي عندما جمعه بهم نادر شاه في النجف سنة 1156 هـ فأفحمهم السويدي وخذل باطلهم، كما ترى ذلك فيما دوَّنه رحمه الله بقلمه عن هذه الواقعة وأثبتناه في رسالة طبعناها بعنوان (مؤتمر النجف).
فالإمام علي كرم الله وجهه كان يعلم أن الخلافة الحقة هي التي انضوى فيها إلى إجماع إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قدَّر الله لها بحكمته ما شاء، وقضي فيها بعدله ما أراد. وما كان لمسلم من عامة المسلمين -فضلاً عن مثل علي في عظيم مكانته في الأولين والآخرين- أن يسخط لقدر الله، أو يتمرد على قضاءه، أو يرضى غير الذي ارتضاه إخوانه من الصحابة، أو يداجي في إجماعه معهم على ما فيه صلاح المسلمين. ومن الافتئات عليه والانتقاص من قدره والتشويه لجمال الإسلام وتاريخه الشكُّ في إخلاص علي أو في اغتباطه بما بايع عليه خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق وصاحبيه من بعده عمرَ وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين.(12/42)
ومن المزايا التي تفرّد بها عليّ وطبقته ممن ولي الخلافة أو دخل في بيعتها في الصدر الأول أنهم كانوا يرون ولاية هذا الأمر واجباً يقوم به الواحد منهم إذا وجب عليه كما يقوم بسائر واجباته، ولا يرونها حقاً لأحدهم يعادي عليه المسلمين، ويعرّض دماءهم للخطر والشر، ليستأثر بها على غيره.
وجميع الوقائع -إذا جرِّدت من زيادات أهل الأهواء- تدل على هذه المكانة السامية لعلي وإخوانه، فلما شُوِّهت الوقائع وأخبارها بما دسَّه فيها المتزيِّدون من أكاذيب لا مصلحة فيها لعلي وآله، كانت بها لعلي وبنيه صورة قبيحة لا تنطبق على الحقيقة والواقع، وظن المخدوعون بها أن تلك الطبقة -الممتازة على جميع أمم الأرض بعفَّتها وطهارة نفوسها وترفُّعِها عن الصغائر- إنما كانت على عكس ذلك: تتنازع كالأطفال والرعاع على توافه الدنيا وسفاسف العاجلة. فالخلافة كانت في نظر الراشدين عِبئاً يتولَّى الواحد منهم حمله بتكليف من المسلمين أداءً للواجب، ولم تكن عند أحد منهم متاعاً ولا مأكلة حتى يتنازع غيره عليها. ولما تآمرت المجوسية واليهودية على سفك دم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأبقى الله من حياته بقيَّة يدبر فيها للمسلمين أمرهم بعده، جعل الأمر شورى، واقترح عليه بعض الصحابة أن يريح المسلمين من ذلك فيعهد إلى ابنه عبد الله بن عمر -ولم يكن عبد الله بن عمر دون أبيه في علم أو حزم أو بعد نظر أو إخلاص لله ورسوله والمؤمنين- رفض عمر ذلك وقال: "بحسب آل الخطاب أن يليها واحد منهم؛ فإن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان رزءاً فقد قمنا بنصيبنا فيه." وعبد الله بن عمر نفسه عرضت عليه الإمامة فيمن عرضت عليهم عند مقتل عثمان في ذي الحجة سنة 35 هـ فهرب منها كما كان يهرب منها طلحة والزبير وعلي، ولم يتولَّها عليٌّ إلا قياماً بواجب، ولم يستمدَّها من خرافات المتحزِّبين وسخافاتهم، بل من إرادة الأمة في ذينك اليومين (الخميس ذي الحجة والجمعة منه) ما أعلن ذلك على رءوس الأشهاد وهو واقف على أعواد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليٌّ إلى تلك الساعة لم تكن له شيعة خاصة به يعرفها وتتصل به، ولم يخطر على باله أن يجعل أحداً من الناس شيعة له، لأنه هو نفسه وسائر إخوانه من الصحابة كانوا شيعة الإسلام الملتفَّة حول خلفاء نبيها صلى الله عليه وسلم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان. ولو حدَّثته نفسه باتخاذ شيعة خاصة به غير جمهور الأمة الذي يتشيع للبيعة العامة لكان ذلك نقضاً منه لما عقد عليه صفقة يمينه لإمامه، وما طُوِّق به عنقه من بيعة الإسلام لأصحابها. ولا شك أنه استمر على ذلك إلى عشية الخميس 24هـ من ذي الحجة سنة 35 للهجرة، وكان أهلاً لأن يستمر على ذلك بأمانة وإخلاص. ولو لم يكن علي كذلك لما كان في هذه المنزلة السامية عند الله والناس. ومن الثابت عنه في عشية ذلك اليوم أنه كان يدافع الخلافة عن نفسه، ويحاول أن يقنع أخاه طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرين بالجنة- بأن يتولى هو هذا الأمر عن المسلمين، بينما طلحة أيضاً كان يدافعها عن نفسه ويحاول إقناع علي بأن يكون هو حاملَ هذا العبء القائمَ على المسلمين بهذا الواجب. وانظر الحوار بينهما في ذلك كما رواه عالم من كبار علماء التابعين وهو الإمام محمد بن سيرين على ما أورده أبو جعفر الطبري في تاريخه: فيقول علي لطلحة: ابسط يدك يا طلحة لأبايعك. فيقول له طلحة: أنت أحق، فأنت أمير المؤمنين، فابسط يدك. وكاد الثائرون من جماعة الفسطاط والكوفة والبصرة يثبون بعلي وطلحة والزبير فيقتلونهم لهربهم من ولاية الأمر وتعففهم جميعاً عن قبول الخلافة، فانتهى الأمر بقبول علي، وارتقى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي (الجمعة 25 من ذي الحجة سنة 35هـ) فخطب خطبة حفظ الطبري لنا نصها، فقال: أيها الناس عن ملأ وأذن، إن هذا أمركم، ليس لأحد فيه حق إلا من أمَّرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر (أي على البيعة له) فإن شئتم قعدتُ لكم، وإلا فلا أجد على أحد. وبذلك أعلن أنه لا يستمد الخلافة من شيء سبق، بل يستمدها من البيعة إذا ارتضتها الأمة.(12/43)
ومن مزايا الطبقة الأولى في الإسلام التي صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وتأدبت بأدبه وتشبعت بسنته أنها كانت ترى الاعتدال ميزان الدين، والرفق جمال الإسلام؛ لأن نبيها صلى الله عليه وسلم كان يقول لها: إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نُزِع من شيء إلا شانه. وكان يقول لها: من يحرَم الرفق يحرَم الخير كله. ويقول: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق. ويقول: إياكم والغلوّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوّ فيه. فلما نشأت الطبقة الثانية في حياة الطبقة الأولى أدَّب الآباء بنيهم بهذا الأدب. ولكن أكثر ما كانت هذه الطريقة ناجحة في الحجاز ونجد والشام. وكان في ناشئة الكوفة والبصرة والفسطاط من أخذ بهذه الطريقة، كما أن فيهم من شبَّ على الغلوِّ في الدين. ومن أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسلُّط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لها بالإسلام وادَّعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله، وبدأ يرمي شبكته في الحجاز والشام فلم يعلق بشيء بسبب تشبُّعهم بفطرة الإسلام في اعتداله ورفقه، وحذَرِهم من طرفي الإفراط والتفريط. فذهب الملعون يتنقل بين الكوفة والبصرة والفسطاط ويقول لحديثي السن وقليلي التجربة من شبابها: عجباً لمن يزعم أن عيسى يرجع ويكذِّب بأن محمداً يرجع، وقد قال عز وجل: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى. وكان يقول لهؤلاء الشبان: كان فيما مضى ألف نبي، ولكل نبي وصي، وإن علياً وصي محمد. ويقول لهم: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم يقول لهم محرضاً على عثمان، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان سنة 30: ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله، وممن يثب على عليّ وصيِّ رسول الله وينتزع منه أمر الأمة. ويقول لهم: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وهنالك علي وصي رسول الله فانهضوا فحركوه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس.(12/44)
إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يسمى ابن السوداء وكان يبث دعوته بخبث وتدرُّج ودهاء. واستجاب له ناس من مختلف الطبقات، فاتخذ بعضهم دعاة فهموا أغراضه وعوَّلوا على تحقيقها. واستكثر أتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة ممن يظنون الغلوَّ فضيلة والاعتدال تقصيراً. فلما انتهى ابن سبأ من تربية نفر من الدعاة الذين يحسنون الخداع ويتقنون تزوير الرسائل واختراع الأكاذيب ومخاطبة الناس من ناحية أهوائهم، بث هؤلاء الدعاة في الأمصار -ولا سيما الفسطاط والكوفة والبصرة- وعُني بالتأثير على أبناء الزعماء من قادة القبائل وأعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلوّ من المتنطعين جماعاتٌ كان على رأسهم في الفسطاط الغافقي بن حرب العكي، وعبد الرحمن بن عديس البَلَوي التُّجيبي الشاعر، وكنانة بن بشر بن عتاب التجيبي، وسودان بن حمران السكوني، وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعروة بن النباع الليثي، وقتيرة السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابنُ سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم، وزيد بن صوحان العبدي، والأشتر مالك بن الحارث النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم. ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي، وحُكيم بن جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح، والحطم بن ضبيعة القيسي، وابن المحرش بن عبد عمرو الحنفي. أما المدينة فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلا ثلاثة نفر وهم: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس، وعمار بن ياسر. ومن دعاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبثُّ في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي (وعلي لا يعلم ذلك)، وفي جماعة الكوفة الدعوةَ لطلحة، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير، وليس هنا موضع تحليل نفسيات المخدوعين بدعوة هذا الشيطان، ولا نريد أن ننقل ذمَّ علي وطلحة والزبير لهم وما قالوه فيهم يوم نزل الثائرون في ذي خُشُب والأعوص وذي المروة، وكيف زوَّر ابنُ سبأ وشياطينه رسالة على لسان علي بدعوة جماعة الفسطاط إلى الثورة في المدينة، فلما واجهوا علياً بذلك قالوا له: أنت الذي كتبتَ إلينا تدعونا، فأنكر عليهم أنه كتب لهم، وكان ينبغي أن يكون ذلك سبباً ليقظتهم ويقظة علي أيضاً إلى أن بين المسلمين شيطاناً يزوِّر عليهم الفساد لخطة مرسومة تنطوي على الشر الدائم والشرر المستطير، وكان ذلك كافياً لإيقاظهم إلى أن هذه اليد الشريرة هي التي زوَّرت الكتاب على عثمان إلى عامله بمصر بدليل إن حامله كان يتراءى لهم متعمِّداً ثم يتظاهر بأنه يتكتم عنهم ليثير ريبتهم فيه، فراح المسلمون إلى يومنا هذا ضحيةَ سلامة قلوبهم في ذلك الحين. إن دراسة هذا الموضوع الآن على ضوء القرائن القليلة التي بقيت لنا بعد مضي ثلاثة عشر قرناً تحتاج إلى من يتفرغ لها من شباب المسلمين، وسيجدون مستندات الحق في تاريخهم كافية لوضع كل شيء في موضعه إن شاء الله.(12/45)
فأول فتنة وقعت في الإسلام هي فتنة المسلمين بمقتل خليفتهم وصهر نبيهم الإمام العادل الكريم الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان رضوان الله عليه. وقد علمتَ أن الذين قاموا بها وجنوا جنايتها فريقان: خادعون ومخدَعون. وقد وقعت هذه الكارثة في شهر الحج، وكان عائشة أم المؤمنين قد خرجت إلى مكة مع حجاج بيت الله ذلك العام، فلما علمت بما حدث في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أحزنها بغي البغاة على خليفة نبيهم. وعلمت أن عثمان كان حريصاً على تضييق دائرة الفتنة، فمنع الصحابة من الدفاع عنه، بعد أن أقام الحجة على الثائرين في كل ما ادعوه عليه وعلى عمَّاله، كان الحق معه في كل ذلك وهم على الباطل، وكان هو المثل الإنساني الأعلى في العدل وكرم النفس والنزول على قواعد الإسلام واتباع سننه، وكان في مدة خلافته أكرم وأصلح وأكثر إنصافاً بالحق واتباعاً للخير مما كان هو عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعت عائشة بكبار الصحابة، وتداولت الرأي معهم فيما ينبغي عمله -وقد عرف القراء ما كانوا عليه من نزاهة، وفرار من الولاية، وترفُّع عن شهوات النفس- فرأوا أن يسيروا مع عائشة إلى العراق ليتفقوا مع أمير المؤمنين علي على الاقتصاص من السبئيين الذي اشتركوا في دم عثمان وأوجب الإسلام عليهم الحد فيه، ولم يكن يخطر على بال عائشة وكل الذين كانوا معها -وفي مقدمتهم طلحة والزبير المشهود لهما من النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة- أنهم سائرون ليحاربوا علياً، ولم يكن يخطر ببال علي أن هؤلاء أعداء له وأنهم حرب عليهم. وكل ما في الأمر أن أولئك المتنطعين الغلاة الذين انخدعوا بدعوة عبد الله ابن سبأ واشتركوا في قتل عثمان انغمروا في جماعة علي، وكان فيهم الذين تلقنوا الدعوة له وتتلمذوا على ذلك الشيطان اليهودي في دسيسة أوصياء الأنبياء ودعوى خاتم الأوصياء، فجاءت عائشة ومن معها للمطالبة بإقامة الحد على الذين اشتركوا في جناية قتل عثمان، وكان علي -وهو ما هو في دينه وخلقه- ليتأخر عن ذلك، إلا أنه كان ينتظر أن يتحاكم إليه أولياء عثمان. وقبل أن يتفق الفريقان على ذلك شعر قتلةُ عثمان بأن الدائرة ستدور عليهم، وهم على يقين بأن علياً لن يحميهم من الحق عند ظهوره، فأنشب هؤلاء حرب الجمل، فكانت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري معتمداً على كتاب (أخبار البصرة) لعمر بن شبة، وعلى غيره من الوثائق القديمة التي جاء فيها عن ابن بطال قولُ الملهب: ... إن أحداً لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعَه مِن قَتْلِ قتلة عثمان وترك القصاص منهم. وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتصَّ منه، فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نُسِبَ إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم (أي بين فريقي عائشة وعلي) إلى أن كان ما كان.(12/46)
ونجح قتلة عثمان في إثارة الفتنة بوقعة الجمل، فترتب عليها نجاتهم وسفك دماء المسلمين من الفريقين، وإنك لتجد الأسماء التي سجلها التاريخ في فتنة عثمان يتردد كثير منها في وقعة الجمل، وفيما بين الجمل وصفِّين، ثم في وقعة صفين وحادثة التحكيم، وفي هذه الحادثة الأخيرة اتسعت دائرة الغلوّ في الدين، فكثر المصابون بوبائه، وتفننوا في مذاهبه، إلى أن انتهى بانشقاق الخوارج عن علي، وتميَّز فريق من المتخلِّفين مع علي باسم الشيعة، ولم يقع نظري على اسم للشيعة في حياة علي كلها إلا في هذا الوقت سنة 37 هـ. ومن الظواهر التي تسترعي الأنظار في تاريخ هذه الفترة أن الغلاة من الفريقين -فريق الشيعة وفريق الخوارج- كانوا سواء في الحرمة للشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، تبعاً لما كان عليه أمير المؤمين علي نفسه، وما كان يعلنه على منبر الكوفة من الثناء عليهما والتنويه بفضلهما. أما الخوارج فإنهم والإباضية ظلوا على ذلك لم يتغيروا أبداً، فأبو بكر وعمر كانا عندهم أفضل الأمة بعد نبيها، استرسالاً منهم فيما كانوا عليه مع علي قبل أن يفارقوه. وأما الشيعة فإنهم عندما جددوا بيعتهم لعلي بعد خروج الخوارج إلى حروراء والنهروان قالوا له أوَّلاً: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. فشرط لهم -كرم الله وجهه- سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي يوالوا من والى على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعادوا من عادى على سنته صلى الله عليه وسلم، فجاء ربيعة بن أبي شداد الخثعمي -وكان صاحب راية خثعم في جيش علي أيام الجمل وصفين- فقال له علي: بايِع على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ربيعة: وعلى سنة أبي بكر وعمر. فقال علي: لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونا على شيء من الحق. أي أن سنة أبي بكر وعمر إنما كانت محمودة ومرغوباً فيها لأنها قائمة على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، فبيعتكم الآن على كتاب الله وسنة رسوله تدخل فيها سنة أبي بكر وعمر.
هكذا كان أمير المؤمنين من أخويه وحبيبيه خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر في حياته كلها، وهكذا كانت شيعته الأولى: من خرج عليه، ومن جدد البيعة له بعد التحكيم.
وحكاية التحكيم هذه كانت مادة دسمة للمغرضين من مجوس هذه الأمة أتاحت لهم دسَّ السموم في تاريخنا على اختلاف العصور، وأول من شمَّر عن ساعديه للعبث بها وتشويه وقائعها أبو مخنف لوط بن يحى، ثم خلف خلْفٌ بعد أبي مخنف بلغوا من الكذب ما جعل أبا مخنف في منزلة الملائكة بالنسبة إلى هؤلاء الأبالسة، وأبو مخنف معروف عند ممحِّصي الأخبار وصيارفة الرجال بأنه أخباريٌّ تالف لا يُوثَق به. نقل الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) عن حافظ إيران ورأس المحققين من رجالها الرازي رحمه الله أنه تركه وحذَّر الأمة من أخباره، وأن الدار قطني أعلن ضعفه، وأن ابن معين حكم عليه بأنه ليس بثقة، وأن ابن عدي وصفه بأنه شيعيٌّ محتَرق.
ومن براعة هؤلاء المغرضين في تحريف الوقائع ودس أغراضهم فيها، وتوجيهها بحسب أهوائهم، لا كما وقعت بالفعل، أنهم كانوا يعمدون إل حادثة وقعت بالفعل فيوردون منها ما كان يعرفه الناس، ثم يلصقون بها لصيقاً من الكذب والإفك يوهمون أنه من أصل الخبر ومن جملة عناصره، فيأتي الذين من بعدهم فيجدون الخبر القديم مختصراً فيحكمون عليه بأنه ناقص، ويقولون: من حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. ويتناولون الخبر بما لصق به من لصيق مفترى، حتى تكون الرواية الجديدة وما في بطنها من الإثم هي المتداولة بين الناس. وقد يعمد هؤلاء المغرضون إلى موهبة من مواهب النبوغ عرف بها أحد أبطال التاريخ الإسلامي وعظماء الدعاة الفاتحين، ولم يعرف عنه استعمالها إلا في سبيل الحق والخير، فيطلعون على الناس بأكاذيب يرتبونها على تلك الموهبة، ويوهمون أن رجل الحق والخير الذي حلاَّه الله بتلك الموهبة ولم يستعملها إلا في نشر دين الله وتوسيع نطاق الوطن الإسلامي، قد انقلب بزعمهم مع الزمن، وسخَّر نبوغه للباطل والشر؛ فإذا أخذ المحققون في تمحيص ذلك، وتحرِّي مصادر هذه التهم التي لا تلتئم مع ما تقدمها من سيرة ذلك البطل المجاهد، وجدوها من بضاعة الكذَّابين ومفترياتهم، ولكن قلَّما يُجدي ذلك بعد أن يكون (قد قيل ما قيل إن صِدقاً وإن كَذباً).(12/47)
هذا أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل السهمي بطل أجنادين، وفاتح مصر، وأول حاكم ألغى نظام الطبقات فيها، وكان السبب الأول في عروبتها وإسلام أهلها، وشريك مسلميها في حسناتهم من زمنه إلى الآن لأنه الساعي في دخولهم في الإسلام - هذه الرجل العظيم عرفه التاريخ بالدهاء ونضوج العقل وسرعة البادرة، وكان نضوج عقله سبب انصرافه عن الشرك ترجيحاً لجانب الحق واختياراً لما دلَّه عليه دهاؤه من سبيل الخير، فجاء مزيِّفو الأخبار من مجوس هذه الأمة وضحاياهم من البلهاء فاستغلُّوا ما اشتُهر به عمرو من الدهاء استغلالاً تقرُّ به عين عبد الله بن سبأ في طبقات الجحيم.
يقول قاضي قضاة أشبيلية بالأندلس الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري (المولود في أشبيلية سنة 468 والمتوفَّى بالمغرب سنة 543) في كتابه (العواصم من القواصم) ص177 بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسألة تحكيم عمرو وأبي موسى، وما زعموه من أن أبا موسى كان أبله وأن عمْراً كان محتالاً: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع. وإنما الذي روى الأئمة الأثبات أنهما -يعني عمراً وأبا موسى- لما اجتمعا للنظر في الأمر، في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر، عزَل عمروٌ معاوية. ذكر الدار قطني بسنده عن حضين بن المنذر أنه لما عزل عمرو معاويةَ جاء (أي حضين) ضرب فسطاطه قريباً من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا (يعني عمرو بن العاص) كذا وكذا (يعني اتفاقه مع أبي موسى على عزل الأميرين المتنازعين لحقن دماء المسلمين وردَّاً للأمر إليهم يختارون من يكون به صلاح أمرهم). فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه. قال حضين: فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولقد قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يُسْتَعَنْ بكما ففيكما معونة، وإن يُسْتَغْنَ عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. فقال: فكانت هي التي فتل معاوية منها نفسه. فأتيته (أي أن حضيناً أتى معاوية) فأخبرته أن الذي بلغه عنه كما بلغه. أي أن الذي بلغ معاوية من أن عمراً وأبا موسى عزلاه هو كما بلغه، وأنهما رأيا أن يرجع في الاختيار من جديد إلى النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. ثم ذكر القاضي أبو بكر بن العربي بقية خبر الدارقطني عن إرسال معاوية رسولاً -وهو أبو الأعور الذكواني- إلى عمرو بن العاص يعاتبه، وأن عمراً أتى معاوية وجرى بينهما حوار وعتاب، فقال عمرو لمعاوية: إن الضجور قد يحتلب العلبة. وهو مثل معناه أن الناقة الضجور التي لا تسكن للحالب قد ينال الحالب من لبنها ما يملأ العلبة. فقال له معاوية: وتربذ الحالب فتدق عنقه وتكفأ إناءه.
فرواية الدار قطني هذه -وهو من أعلام الحديث- عن رجال عدول معروفين بالتثبت، ويقدرون مسئولية النقل، هي التي تتناسب مع ماضي عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجربين. وأما الافتئات على أبي موسى والإيهام بأنه كان أبله فهو أشبه بالرقعة الغريبة في ردائه السابغ الجميل. يقول القاضي أبو بكر بن العربي (ص174): وكان أبو موسى رجلاً تقياً ثقفاً فقيهاً عالماً أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ، وقدَّمه عمر بن الخطاب وأثنى عليه بالفهم. وزعمت الطائفة التاريخية أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعاً في القول. ثم ردَّ هذه الأكاذيب وأحال في تفصيل الرد على كتاب له اسمه سراج المريدين.
وبعد فإن صحائف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كقلوبهم نقاء وسلامة وطهراً. وما نتمناه من تمحيص التاريخ أول ما يشترط له فيمن يتولاه أن يكون سليم الطوية لأهل الحق والخير، عارفاً بهم كما لو كان معاصراً لهم، بارعاً في التمييز بين حملة الأخبار: من عاش منهم بالكذب والدس والهوى، ومن كان منهم يدين لله بالصدق والأمانة والتحرز عن تشويه صحائف المجاهدين الفاتحين الذي لولاهم لكنا نحن وأهل أوطاننا جميعاً لا نزال كفرة ضالين.
==================
آية الولاية
قال الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } .
يستدلون بهذه الآية على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه قبل أبي بكر وقبل عمر وقبل عثمان(12/48)
وجه الدلالة ليس في هذه الآية وإنما في سبب نزول هذه الآية , فالآية إذا كما ترون عامة يقول الله فيها {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } لا ذكر فيها أبداً لعلي رضي الله عنه ولا ذكر فيها لأحد من أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه , إنما تذكر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } إذاً أين الدلالة ؟؟ الدلالة هي في تفسير هذه الآية وهو سبب نزولها كما يزعم القوم فما سبب نزول الآية عندهم ؟؟
إنّ سبب نزول الآية عندهم دعوى أنّ علياً رضي الله عنه كان يصلي فجاء سائل يسأل الناس فلم يعطه أحد شيئاً , فجاء إلى علي وهو راكع فمد علي يده وفيها خاتم فأخذ الرجل الخاتم من يد علي رضي الله عنه فأنزل الله جل وعلا هذه الآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } فيقولون الذين آتوا الزكاة وهم راكعون هم واحد وهو علي بن أبي طالب فهذه الآية أو ما تسمى عندهم بآية الولاية وهي أقوى دليل عندهم بهذه المسألة كما قرأت لبعض علمائهم .
لنرى هل هذه الآية فعلاً تدل على مرادهم أو لا تدل , هذه الآية طُرحت في أثناء المناظرة وتم الرد على بعض شبههم فيها ولكن كما قلت نحتاج إلى أن نسهب أكثر في بيان معنى هذه الآية وبيان مدى دلالتها على ولاية علي رضي الله عنه وأرضاه .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } , ويقول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه : ( إن في الصلاة لشغلاً ) متفق عليه .
وعلي عندنا معاشر أهل السنة والجماعة من أئمة المسلمين ومن أئمة المتقين ومن أئمة الخاشعين فلا نقبل أبداً أن ينسب إلى علي رضي الله عنه أن يشتغل بإخراج الزكاة وقت الصلاة , بل نرى أن علياً رضي الله عنه ممن يلتزم بقول الله تبارك وتعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } ويلتزم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن في الصلاة لشغلاً ) , ثم يقال بعد هذا كله إن الأصل في الزكاة أن يتقدم بها المزكي لا أن ينتظر الفقير أو المحتاج حتى يأتيه ويطلب منه هذه الزكاة , فهذا لا يُمدح وإنما يُمدح الذي يعطيها إبتداءاً للذي ينتظر الفقير حتى يأتيه ويعرض نفسه للسؤال , ونحن كذلك ننزه علياً رضي الله عنه من أن يفعل ذلك وهو أن ينتظر الفقير حتى يأتيه ثم يعطيه زكاة ماله .
ثم كذلك نقول إنّ الزكاة لم تجب على علي رضي الله عنه في زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه بل كان فقيراً , إسألوا أنفسكم ماذا أمهر علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها ؟؟
أمهرها درعاً , لم يكن ذا مال , كان فقيرا ما كان يستطيع أن يشتري خادماً لفاطمة , ولذلك لما سمع علي رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها بقدوم سبي للنبي صلى الله عليه وسلم ذهبا يطلبان خادماً , ما كانا يملكان حتى شراء خادم , ومع هذا يأتي علي ويتزكى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم !! هذا لا يمكن أبداً , ما كانت الزكاة واجبة على علي زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك نقول ليس في هذه الآية مدح لمن يعطي الزكاة وهو راكع , إذ لو كان الأمر كذلك لكان إعطاء الزكاة أثناء وقت الركوع أفضل من غيره من الأوقات !! ونقول لجميع الناس أعطوا زكاة أموالكم وأنتم ركوع لأن الله مدح الذين يعطون زكاة أموالهم وهم ركوع !! ولقلنا للفقراء إبحثوا عن الراكعين وأسألوهم الزكاة ولا أظن أنه يقول احد من أهل العلم مثل هذا الكلام .(12/49)
ثم إن الله جل وعلا ذكر إقامة الصلاة ولم يذكر أدائها , فلنحاول أن نتدبر الآية قليلاً , إن الله جل وعلا يقول : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ثم وصفهم الله جل وعلا قال { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فلم فصل بين الركوع والصلاة وأدخل بينهما الزكاة , إن القرآن يعلم جميع المسلمين أنه أفصح القول ولا يستطيع أحد أن يمسك على القرآن ولا غلطة واحدة في نحوٍ ولا بلاغة ولا صرف ولا في غيرها من الكلمات أبداً لا يمكن هذا , أحسن الحديث وأحسن الكلام , إذا كان الأمر كذلك - ولا أظن أن مسلماً يخالفني في ذلك - فكيف دخلت الزكاة بين الصلاة والركوع ؟ ثم إن الصلاة إنما ذكرت بالإقامة فقال جل ذكره { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } إن إقامة الصلاة تختلف تماماً عن أدائها وذلك أن إقامة الصلاة هي أن تؤدى هذه الصلاة بكمال شروطها وأركانها وواجباتها بل ومستحباتها مع حسن وضوء وحسن خشوع , هذه هي إقامة الصلاة ولذا جاء بعده ذكر الزكاة أما قوله جل وعلا { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فليس له دخل في الصلاة أصلا وإنما الركوع هنا بمعنى الخضوع لله جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى عن داوود عليه السلام {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ 24 } ومعلوم أن داوود عليه السلام إنما خر ساجداً ولذا نسجد نحن إذا قرأنا هذه الآية سجود التلاوة , وداوود خر راكعاً فكيف يكون هذا ؟؟ نقول إن داوود خر ساجداً ولكن الله قال {َخَرَّ رَاكِعًا } نقول أي خاضعاً لله جل وعلا , فالركوع هو الخضوع لله جل وعلا .
ومنه قول الله جل وعلا عن مريم عليها السلام { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي إخضعي مع الخاضعين ولذا مريم كانت تعيش بيت المقدس , وهبتها أمها لبيت المقدس وأمرأة لا تجب عليها صلاة الجماعة مع الراكعين , وإنما المقصود إخضعي لله جل وعلا مع الخاضعين له سبحانه وتعالى .
فيكون مراد الله جل وعلا في هذه الآية كما ذكر أهل العلم ذلك { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي وهم في كل أحوالهم خاضعون لله جل وعلا .
كذلك نقول : لا نوافق أبداً بأن هذه الآية نزلت في علي رضي الله عنه وذلك أننا نعتقد جازمين أن هذه القصة غير صحيحة , لم يأت سائل ولم يسأل علياً وهو راكع ولم يدفع علي رضي الله عنه الزكاة وهو راكع لم يحدث شيء من ذلك أبداً .
ومن يقرأ هذه الآية وما سبقها وما يتبعها من الآيات يعلم علم اليقين أن الآية لها سبب آخر غير هذا السبب , وذلك أن الله جل وعلا يقول قبيل هذه الآية بثلاث آيات : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فنهى الله جل وعلا المؤمنين أن يتولوا اليهود والنصارى .
وقد جاء في الحديث وهو حديث حسن الإسناد أن سبب هذه الآية هي قصة وقعت لعبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه وذلك أن عبد الله بن أُبي بن سلول شفع عند النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع , لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلهم شفع لهم عبد الله بن أبي بن سلول وأكثر في هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تركهم له صلوات الله وسلامه عليه فأراد إخوانهم اليهود من بني النظير أن يشفع لهم عبادة بن الصامت كما شفع عبدالله بن أُبي بن سلول لإخوانه اليهود فرفض رضي الله عنه أن يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولذلك عبادة بن الصامت من أصحاب بيعة العقبة , عبادة بن الصامت من المؤمنين , عبد الله بن أبي من المنافقين بل رأس المنافقين , فكيف يصنع عبادة بن الصامت كما صنع عبد الله بن أبي بن سلول , ولذلك رد عليهم قولهم ورفض الشفاعة لهم فأنزل الله تبارك وتعالى قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } حتى قال الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ.. } فنجد أن الآيات تتكلم عن ولاية المؤمنين بشكل عام ولا تتكلم عن قضية رجل تصدق بصدقة وهو يصلي , ولذلك يستطيع كل أحد أن يدعي مثل هذه الدعوى فيأتينا شخص فيؤلف لنا حديثاً مكذوباً على طلجة بن عبيد الله ويقول إن طلحة تصدق وهو راكع إذاً هي في طلحة !! .(12/50)
ويأتينا ثالث ويقول هي في الزبير ورابع يأتينا ويقول هي في خالد بن الوليد وخامس يقول هي في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولا تنتهي هذه القضية , قضية وضع حديث وكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها يسير من حيث الإحداث ولكنها عند الله تبارك وتعالى عظيمة وذلك أنه من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإن عليه أن يتبوأ مقعداً من النار أعاذنا الله وإياكم من النار .
حتى لو قلنا أنها نزلت في علي - تنزلا وإلا هي لم تنزل في علي رضي الله عنه - أين الخلافة ؟؟؟
أين الولاية ؟؟؟
أبداً للخلافة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } أين الخلافة ؟؟ الحكم وليكم يعني حاكمكم ؟؟!!
هل يقال إن الله حاكم سبحانه وتعالى , الله خالق الخلق , الله رب العالمين سبحانه وتعالى , أين الخلافة ؟؟!! .
أين ربط هذه الآية بالآيات السابقة والآيات اللاحقة ؟ أين هذا كله ؟ لا نجده عندما نقول هي في الخلافة! .
وهناك دعاوى عريضة وجدتها لبعضهم حول هذه الآية يحاولون فيها التلبيس على الناس من ذلك ما قرأته للموسوي في مراجعاته مثلاً , في المراجعة رقم 12 ص 137 يقول عبد الحسين شرف الدين الموسوي أنظروا إلى هذه الجرأة : (أجمع المفسرون على أن هذه الآية إنما نزلت في علي حين تصدق راكعاً في الصلاة ) , ثم يزعمون بعد ذلك أن هذه المراجعات تمت بين عبد الحسين شرف الدين الموسوي والشيخ سليم البشري رحمه الله تعالى ( شيخ الأزهر في ذلك الوقت ) وهذا لا شك أنه كذب وليس هذا مجال حديثنا عن المراجعات ولكن من شاء أن يرجع إليها فهناك أربعة أشرطة نزلت في تكذيب هذه المراجعات وبيان تأليف عبد الحسين شرف الدين لها وزج إسم الشيخ سليم البشري في هذا الموضوع وهو منه براء - رحمه الله تعالى - .
على كل حال نسمع أقوال المفسرين في هذه الآية , هؤلاء المفسرون الذين جمعت كلامهم في هذه الآية :
إبن كثير -رحمه الله تعالى- قال :
( وأما قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقد توهم البعض أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } - يعني أنهم يؤتون الزكاة والحال أنهم راكعون - حتى أن بعضهم ذكر هذا أثراً عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية قد نزلت فيه وأن مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه) ثم ذكر بن كثير الآثار التي رُويت عن علي وأنها نزلت فيه وبين ضعفها جميعاً ثم قال : ( وليس يصح منها شيء بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها ) .
بن عطية في المحرر الوجيز يقول : ( قال مجاهد : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع , وفي هذا القول نظر والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور ولقول الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم الذين يقيمون الصلاة المفروضة بجميع شروطها ويؤتون الزكاة ) وهذا قول - كما قلنا - جماهير المفسرين نقلها عنهم بن عطية رحمه الله تعالى .
النيسابوري في هامشه على تفسير الطبري قال : (فيها قولان الأول أن المراد عامة المسلمين لأن الآية نزلت على وفق ما مر من قصة عبادة بن الصامت رضي الله عنه , والقول الثاني أنها في شخص معين ورُوي أنه أبو بكر وروي أنه علي .. ) ثم رد القول الثاني وهو أن المراد فيهاشخص بعينه .
وهذا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال : ( والذين عام في جميع المؤمنين , وقد سؤل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه - الذي هو الباقر - عن معنى قول الله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال : علي من المؤمنين , يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين , قال النحاس : ( وهذا قول جيد ) ) .
الرازي في تفسيره يقول: - بعد أن ذكر كلاماً طويلاً في إبطال القول في أنها نزلت في علي - ( وعلي بن أبي طالب أعلم بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض ولو كانت هذه الآية دالة على إمامته لأحتج بها في محفل من المحافل , وليس للقوم أن يقولوا إنه تركه للتقية , فإنهم ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر يوم الغدير وخبر المباهلة في جميع فضائله ومناقبه ولم يتمسك البته بهذه الآية لإثبات إمامته وذلك يوجب القطع بسقوط قول هؤلاء الروافض لعنهم الله ) هكذا قال .
وكذلك قال : ( وأما إستدلالهم بأن هذه الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع و قد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة ) يعني ليس في علي .
وهذا الألوسي كذلك في المعاني يقول : ( وهم راكعون حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذُكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله جل وعلا ) .(12/51)
وهذا بن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول : ( يعني تعالى ذكره في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر الله تعالى , وقيل أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرأه من من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين , وأما قوله { وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فإن أهل التأويل إختلفوا في المعنيّ به فقال بعضهم عُني به علي وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين ) ثم ذكر من قال بهذين القولين .
وهذا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى يقول : ( فولاية الله تُدرك بالإيمان والتقوى فكل من كان مؤمناً تقياً كان ولياً لله ومن كان ولياً لله فهو ولي لرسوله وقوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي خاضعون لله ذليلون .
والشوكاني كذلك في فتح القدير وبن الجوزي في زاد المسير . فأين الإجماع ؟!
كل هؤلاء المفسرين وغيرهم كثير لايقولون أنها نزلت في علي , وهؤلاء يدعون أنه أجمع المفسرون أنها نزلت في علي رضي الله عنه وأرضاه!! .
كذلك نقول الآية - كما يلاحظ الجميع - { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فهي جمع وعلي واحد فهذه تعمية لحال علي , لو كان المراد علياً رضي الله عنه فعلى الأقل يأتي إما بإسمه أو بشيء يدل عليه , والذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع على الأقل هذه أوضح أما أن تأتي هكذا معماه إذا قلنا إن المقصود علي رضي الله عنه هذا لايمكن أن يكون أبداً ولايجوز أن يُنسب إلى الله جل وعلا الذي هو أحسن قيلا وأحسن حديثاً سبحانه وتعالى كيف نحن من قول الله تعالى { يريدُ اللهُ ليبينَ لكم ويهديَكُم سُنَنَ الذين مِنْ قبلكم ويتوبَ عليكم } أين نحن من هذه الآية ؟ أين البيان في هذه الآية!؟ , إنها دعوى والدعوى مرفوضة لا تُقبل .
وهناك جزئية ذكرها بعض أهل العلم مفيدة في هذا الجانب وهي قولهم أن الزكاة بالخاتم لا تُجْزئ , الزكاة إنما تكون بالدراهم والدنانير وأما إن يتزكى بالخاتم فإن هذا لا يجزئ أبداً .
على كل حال هذه هي الآية الأولى التي يستدلون بها ووجه الإستدلال عندهم - حسب ما قرأتُ لبعضهم - أنه كلمة إنما { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله } قالوا إنما هذه للحصر كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) أي حصر الأعمال لا تُقبل إلا تكون مصحوبة بنية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وهو علي رضي الله عنه ! سلمنا جدلاً أنها في علي ثم ماذا ؟؟ ...
أين خلافة الحسن والحسين وعلي بن الحسين , أهذه للحصر ؟ , إذاً ليس لكم ولي إلا الله وليس لكم ولي إلا رسول الله وليس لكم ولي إلا علي إذاً أبطلوا خلافة الحسن أبطلوا خلافة الحسين أبطلوا خلافة التسعة من أولاد الحسين لأن الله قال { إِنَّمَا } أي فقط , فإذا إلتزموا بذلك فهذا شأنهم .
==============
آية ذوي القربى
آية ذوي القربى هي قول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يقول للناس { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} , ويقولون القربى هنا علي وفاطمة والحسن والحسين .
{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} نجد أن بعضهم يفسر هذه الآية كما فعل الأنطاكي مثلاً في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , فلا يتقي الله تبارك وتعالى , وإن كنت أعتقد جازماً أن هذا الكتاب ليس له وإنما ألفه غيره ونسبه إليه , والعلم عند الله تبارك وتعالى ولكن على كل حال لما يأتي إلى هذه الآية وهي قول الله تبارك وتعالى : { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فينقل حديثاً من صحيح البخاري وفيه أن بن عباس رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى هذه الآية { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فيقول سعيد بن جبير : ( إلا أن تودوا قرابتي ) فيرد عليه بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه فيقول: (عجِلتَ فوالله ما من بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة ولكن إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ) هذا معنى الآية ..(12/52)
ماذا فعل الأنطاكي أو من نسب الكتاب إلى الأنطاكي قطع هذا الحديث من وسطه ,بتره , وهذا موجود في البخاري فقال : قال بن عباس : ( ألا أن تودوا قرابتي ) وترك رد بن عباس على سعيد بن جبير , ونسب قول سعيد بن جبير إلى بن عباس رضي الله عنهما ! , ماذا تسمون هذا الصنيع ؟ سموه ما شئتم ! , ولكن ليس هذا سبيل المؤمنين وما هذا طريقهم أبداً لايقطعون ولا يبترون الأحاديث ويدلسون ويكذبون ولكن نقول الله المستعان .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} , هذه المصارف سهم لله والرسول , سهم لذوي القربى , سهم لليتامى , سهم للمساكين , وسهم لأبن السبيل , هذا ما يسمونه بالخُُمُس , وهذا الخُمس إنما يؤخذ من غنائم الجهاد لأن الله تبارك وتعالى يقول {وأعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم } غنيمة في الجهاد , غنائم الجهاد .
غنائم الجهاد صارت وللأسف بعدما كانت تؤخذ من الكفار صارت تؤخذ من المسلمين , الله تبارك وتعالى جعل لذوي القربى خمس خمس الغنيمة , وذلك أن الغنيمة تُقسم إلى خمسة أخماس فلوا فرضنا أن الغنيمة 10 آلاف فتقسم هذه الغنيمة إلى خمسة أخماس ألفين ألفين هكذا ثم أربعة أخماس تعطى للمجاهدين للذين قاتلوا وشاركوا في المعركة 8 آلاف يبقى ألفان يقسمان على خمسة أخماس لله والرسول لذوي القربى لليتامى للمساكين لأبن السبيل 400 لكل سهم , إذا هذه الأخماس تقسم بهذه الطريقة , إذا خمس الخمس لذوي القربى .
ماذا يفعل القوم اليوم ؟ خمس كامل ويؤخذ ممن ؟ من المسلمين !! والله إنما أعطى ذوي القربى خمس خمس من الكفار وهؤلاء يأخذون خمسا كاملا من المسلمين ليس هذا من دين الله في شيء أبدا ولا نقبل هذا أبداً .
المهم أن الله تبارك وتعالى لما ذكر ما لذي القربى قال { ولذي القربى } باللام بينما الآية تقول { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } في القربى ففرق بين في القربى و للقربى في قول الله تبارك وتعالى { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...} ولا بد لنا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يطلب أجراً , كيف يطلب أجراً وهو الذي يقول الله له { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } .
إن الأنبياء جميعاً لا يسألون أقوامهم أجراً قال الله تبارك وتعالى عن نوح { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } وقال عن هود { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } , وقال صالح كذلك وكذا قال لوط وقال شعيب كذلك { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ }
, ومعلوم أن نبينا محمداً هو أكرم الأنبياء وسيد الأنبياء و المرسلين صلوات الله وسلامه عليه , فإذا كان إخوانه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم كنوح ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم لا يسألون الناس أجراً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك أن لا يسأل الناس أجراً إنهم لا يسألون الأجر إلا من الله سبحانه وتعالى وهذا معنى قول الله جل وعلا إذاً { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } , إلا هنا في الآية بمعنى لكن وليست إستثناءاً , هو لا يسأل أجرا قطعاً صلوات الله وسلامه عليه وإنما يكون معنى الآية قل لا أسألكم عليه أجرا ولكن المودة في القربى , ودوني في قرابتي كما قال بن عباس رضي الله عنه وأرضاه .
===============
آية التطهير
إن آية التطهير هي قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 } الأحزاب .. يقولون إن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين بدلالة حديث الكساء ! ما هو حديث الكساء ؟ , حديث الكساء ترويه أم المؤمنين عائشة - التي يزعمون أنها تبغض آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ويخرجه من ؟ الإمام مسلم الذي يزعمون أنه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
عائشة تروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه علي فأدخله في عباءته - في كساءه - ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جللهم أي غطاهم صلوات الله وسلامه عليه بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) , فقالوا هذا الحديث يفسر الآية وهو قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 }.(12/53)
ثم الإستدلال الآخر وهو أن إذهاب الرجس والتطهير أي العصمة ! فيكونون بذلك معصومين , فيكون علي رضي الله عنه معصوماً وكذا الحسن والحسن وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين , فإذا كان الأمر كذلك فهم أولى بالإمامة من غيرهم ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها و قالوا إن الإمامة في علي والحسن والحسين ثم في أولاد الحسين كما هو معلوم عند الكثير .
هذه الآية هل هي فعلا في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم كما قلنا قبل قليل في قوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ثم إقرأوا ما قبل هذه الآية وماذا بعد هذه الآية , تدبروا القرآن لا نريد أكثر من ذلك أليس الله جل وعلا يقول { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } ويقول : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } إن هذا الخطاب من الله جل وعلا ليس متوجها فقط لأناس معينين هم الذين يحق لهم أن يتدبروا القرآن , بل إن الله تبارك وتعالى يطلب من جميع المسلمين بل وغير المسلمين أن يتدبروا القرآن وأن يقرءوا القرآن ويتعرفوا على الله جل وعلا من خلال القرآن , فإنهم إذا قرءوا القرآن وتدبروه وعرفوه حق المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بداً من الانصياع إليه وإتباعه والإقرار بكماله وحسن رسمه وغير ذلك من الأمور , كذلك الأمر هنا لا نريد أكثر من أن تتدبر القرآن أنتم بأنفسكم - أنا أعنيكم يا عوام الشيعة - دعوا علمائكم جانباً ارجعوا إلى كتاب ربكم سبحانه وتعالى أقرءوه افتحوا هذا القرآن الكريم , افتحوه على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين والجزء الحادي والعشرين فنجد أن الله تبارك وتعالى يقول في آخر الجزء الحادي والعشرين وفي أول الجزء الثاني والعشرين : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31 يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا 34} كل الآيات متناسقة , آيات في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لانريد أكثر من أن يتدبر الإنسان كتاب الله جل وعلا , آيات في نساء النبي يا نساء النبي .. يانساء النبي .. يانساء النبي .. وقرن في بيوتكن .. ولا تبرجن .. ثم قال : { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } فنجد أن الآيات كلها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذاً كيف لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذا المقطع من الآية لأن قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } ليست آية إنما هي جزء من آية { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} جزء من آية , كيف تقبلون في كلام الله جل وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } ثم يقول : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } يا علي يا حسن يا حسين يا فاطمة ثم يعود مرة ثانية { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } ما دخل علي والحسن والحسين وفاطمة(12/54)
في الخطاب عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ , ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات ؟ لا توجد مناسبة , إذاً ماذا علينا أن نفعل هل نطعن في كلام الله أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادعوا دعوى غير صحيحة وهي أن قول الله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } هي في علي وفاطمة والحسن والحسين , نقول هذه دعوى باطلة , هذه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كان مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى يقول ( هي في نساء النبي ومن شاء باهلته ) أي في هذه الآية , القصد أن هذه الآية هي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث الكساء في علي وفاطمة والحسن والحسين وبهذا نجمع بين الأمرين أن علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث الكساء , وأزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته بدليل آية التطهير , وغيرهم كالفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث أبنا عم النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال : ( إنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد ) ويدخل آل جعفر وآل عقيل وآل العباس لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه .
فقصر هذه الآية على علي وفاطمة والحسن والحسين لا يستقيم معه نص الآية أبداً ولذلك نقول إن هذا القول مردود .
هنا إشكال وهو إذا كان الأمر كذلك وهي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما مفهوم { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ } ولم يقل عنكن , هذا الذي يدندنون عليه , هذه ذكر لها أهل العلم معاني كثيرة منها :
أولاً : وهو أصح هذه الأقوال أن النبي داخل معهن صلوات الله وسلامه عليه وذلك أن الخطاب كان للنساء .. للنساء .. للنساء ثم لما تكلم عن البيت دخل سيد البيت وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب فطبيعي جداً أن تلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } أي يا نساء النبي ومعكن سيدكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا إذاًً معنى هذه الآية لماذا تأتي بميم الجمع ولم تأتي بنون النسوة , وتصح أيضاً لما قال الله عن إمرأة إبراهيم { رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } وهي إمرأة إبراهيم , إذاً لماذا جاء بميم الجمع هنا عليكم ولم يقل عليكن ولم يقل عليكِ أيضاً ؟؟ وإنما عليكم .. يريد أهل البيت يريد النص مراعاة اللفظ .. واللفظ للأهل .
على كل حال إنّ نون النسوة هنا لم يُؤتَ بها لإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل معهن .
ما دلالتها كذلك أيضاً على التطهير , هو الله يريد أن يُذهبَ الرجس , يريد أن يُطهر سبحانه وتعالى , طيب هل هم مطهرون خلقة أو يريد الله الآن أن يطهرهم ؟؟ , بدعوى القوم أنهم مطهرون خلقة , خُلِقوا مطهرين فإذا كانوا خُلقوا مطهرين فما معنى قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } بعد أوامر ونواهي قال يريد ليذهب عنكم الرجس أي طهركم وأذهب عنكم الرجس , إذاً ما معنى حديث الكساء وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جللهم بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء هم أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) يدعو لماذا ؟ وبماذا ؟ يدعو بذهاب الرجس الذي هو أصلاً هو ذاهب عنهم , هم مطهرون خلقة !! فكيف النبي يطلب من الله أن يُذهب عنهم الرجس !! تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
إذاً هذه الآية لا تدل على العصمة , كيف تدل على العصمة وعلي رضي الله عنه يقول ( فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن من أن يقع مني ذلك ) الكافي ج8 ص 293 .
ويقول للحسن إبنه : ( ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما إختلف الناس فيه من أهواءهم وأراءهم مثل الذي إلتبس عليهم ) نهج البلاغة ص 576 .
وقال له أيضا : (ً فأعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظلماء ) نهج البلاغة ص 577 . وقال له كذلك : ( فإن أشكل عليك من ذلك - يعني أمر - فأحمله على جهالتك به فإنك أو ل ما خُلقت جاهلاً ثم عُلمتَ وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك أو يضل فيه بصرك ) نهج البلاغة ص 578 .
وهذا من يسمونه بالشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي يقول : ( فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفاءها عليهم بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ) حقائق الأيمان ص 151 .
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } ما هو الرجس ؟؟
الرجس قال أهل اللغة : هو القذر , هو الذنْب , هو الإثم ,الفسق ,الشك ,الشرك , الشيطان .. كل هذا يدخل في مسمى الرجس .(12/55)
وردت كلمة رجس في القرآن في مواضع عدة قول الله تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } .
وقال سبحانه وتعالى { كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } , وقال سبحانه وتعالى { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ } وكذلك يقول الله جل وعلا عن الكفار من اليهود { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } ويقول { سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ } وغيرها جاءت في القرآن الكريم تبين معنى الرجس وهو الإثم , الذنْب , القذر , الشك , الشيطان , الشرك وما شابهها من المعاني .
ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه أنه قال { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } قال : هو الشك , وقال الباقر : الرجس هو الشك والله لا نشك بربنا , وفي رواية : في ديننا , وفي رواية لا نشك في الله الحق ودينه , هذا هو الرجس .
أذهب الله عنهم الرجس فكان ماذا ؟
هل كل من أذهب الله عنه الرجس يصير إماماً .. معصوما؟! .
الله سبحانه وتعالى يقول عن جميع المؤمنين , في أهل بدر لما كانوا معه { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } وقُرأت رجس بالسين , هل صاروا معصومين إذاً , كل هؤلاء صاروا أئمة ثلاثمئة وبضعة عشر كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
هل كل من طهره الله سبحانه وتعالى يكون إماماً يقول الله جل وعلا { وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يقولها لجميع المؤمنين .
وقال سبحانه وتعالى { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } , الله يريد سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين كما قال أهل العلم :
1- إرادة شرعية وهي ما يحبه الله و يرضاه - سبحانه وتعالى- .
2- إرادة كونية قدرية وهي ما يوقعه الله سبحانه وتعالى .
والآية إنما هي فيما يحبه الله ولذلك سُبقت بأمر ونهي , { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم قال بعدها { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } أي مع هذه الأوامر وهذه النواهي يريد الله سبحانه أي يحب جل وعلى أن يُذهب عنكم الرجس إذا إلتزمتم بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر , فهذه إرادة شرعية يحبها الله ورسوله , وهذه الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } هل جميع الناس تاب الله عليهم ؟ لا , منهم من غضب الله عليهم سبحانه وتعالى ومنهم من لعنه جل وعلا ومنهم من جعل منهم عبدة الطاغوت وجعلهم حطب جهنم وما تاب عليهم سبحانه وتعالى لأنها إرادة شرعية ليست قدرية .
أما الإرادة القدرية الكونية فهي التي يوقعها الله سبحانه وتعالى وهذه تقع على ما يحبه الله وما لا يحبه , ككفر الكافر مثلاً هل كفر الكافر رغماً عن الله أو بإرادة الله ؟ , بإرادة الله سبحانه وتعالى , ما يقع شيء في هذا الكون إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } سبحانه وتعالى فكفر الكافر ليس رغماً عن الله بل هو بإرادة الله القدرية الكونية سبحانه وتعالى وإن كان الله لا يحب هذا - أي لا يحب أن يكفر الكافر - , ولا يريد الله سبحانه وتعالى أن يمتنع إبليس عن السجود لآدم ولكن وقع هذا بإرادة الله الكونية القدرية وليس بإرادته الشرعية التي هي بمعنى المحبة - ما يحبه الله ويرضاه - ولذلك يحاسب الله على ترك إرادته الشرعية ولا يحاسب على ترك إرادته الكونية القدرية لأنه لا يستطيع أحد أصلاً أن يتركها ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها أعني إرادة الله الكونية القدرية
ومن الأدلة التي استدلوا بها على الإمامة والعصمة أدلة من السنة أي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا في بداية حديثنا أننا سنتكلم عن مجموعة من الأحاديث تسعة تقريباً أولها حديث الثقلين .. حتى أُلفت كتبت عناوينها تحمل هذا المضمون :
==================
حديث الثقلين(12/56)
ما هو حديث الثقلين , حديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به ) , قال زيد : فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
ماذا فيه ؟ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إني تارك فيكم الثقلين ) الثقل الأول كتاب الله وكما هو وارد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ به والتمسك به ثم الثقل الثاني وهم أهل بيته قال ( أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) .
ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث أعني حديث زيد بن أرقم وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة وحديث علي وحديث أبي سعيد الخدري , أما حديث علي رضي الله عنه ففيه ( إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيد الله وسببه بإيديكم وأهل بيتي ) ظاهره أنه أمر بالتمسك بأهل بيته وهذا أخرجه بن أبي عاصم في السنة , ولكن مشكلته أنه لا يصح حيث إن في رواته سفير بن زيد ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وبن المديني فلا يمكن الإستدلال بمثل هذا الحديث , ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده وهو حديث أبي سعيد الخدري وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني قد تركت الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهذا أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلا وبن أبي عاصم ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم بل هو متفق على ضعفه عند أهل العلم إذاً لا يسلم هذا أيضاً .
الحديث الرابع وهو حديث زيد بن ثابت وفيه ( إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) أخرجه أحمد والطبراني وفيه القاسم بن حسان وثقه أحمد بن صالح والعجلي وذكره بن حبان في الثقات وضعفه البخاري وبن قطان وسكت عنه بن أبي حاتم وضعفه الذهبي وقال بن حجر مقبول وفيه شريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ .
الحديث الخامس حديث جابر بن عبد الله ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) أخرجه الترمذي والطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم مُنْكر الحديث وكذا قال الذهبي وقال بن حجر ضعيف .
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة , وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة , والأمر إنما هو في التمسك بكتاب الله لذا جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبداً إن إعتصمتم به , كتاب الله ) فقط ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة وهذا رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وبن تيمية , نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره ولكن العبرة بما يكون فيه البحث العلمي وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر إلى الأسانيد والدلالات و هذه منهجية أهل السنة والجماعة وأنهم لا يقلدون أحداً في مثل هذه الأمور بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة .
صح هذا الحديث فكان ماذا ؟ سلمنا بصحته فكان ماذا ؟ أمر بالتمسك بالثقلين , من هم الثقلان ؟ كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول بن الأثير ( سماهما الثقلين لإن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ويُقال لكل خطير نفيس ثَقَل فسماهما ثقلين إعظاماً لهما وتفخيماً لشأنهما ) قاله بن الأثير ج1 ص 216 في غريب الحديث .
ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ حقوقهم , ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم , هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول : ( إرقبوا محمداً في أهل بيته ) وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وقال : ( والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصِلَ من قرابتي ) أخرجه البخاري كذلك في صحيحه .
ثم نرد على شبهتهم هذه من عدة وجوه :
الوجه الأول : من عترة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
عترة الرجل هم أهل بيته , وعترة النبي صلى الله عليه وسلم هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم , بنو هاشم , هؤلاء هم عترة النبي صلى الله عليه وسلم , ولننظر من أولى الناس بالتمسك بهؤلاء السنة أم الشيعة ؟(12/57)
الشيعة ليس لهم أسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقرون بأنه ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم , وإنما هي كتب وجدوها فقالوا أرووها فإنها حق .
أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلا ولا يعولون على الأسانيد , فأين لهم أن ما يروونه في كتبهم ثابت عن عترة النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
بل نحن أتباع عترة النبي صلى الله عليه وسلم الذين أعطيناهم حقهم ولم نزد ولم ننقص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله " .
الوجه الثاني : إمام العترة علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وبعده يأتي في العلم عبد الله بن عباس الذي هو حبر هذه الأمة , وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل عليّ رضي الله عنه بل إن عليّ بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال : ( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ) .
بل ثبت عنه عند الشيعة أنه قال : (أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً ) , فعليّ يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة .
الوجه الثالث : هذا الحديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً , كتاب الله وسنتي " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " , فأمر بالعضِّ عليها بالنواجذ .
وقال : " اقتدوا بالَذّين من بعدي , أبي بكر وعمر " .
وقال : " اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود " , ولم يدل هذا على الإمامة أبداً , وإنما دلَّ على أن أولئك على هدى الرسول صلى الله عليه وسلم , ونحن نقول إن عترة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة أبداً .
الوجه الرابع : إن الشيعة يطعنون في العباس , ويطعنون في عبد الله ابنه , ويطعنون في أولاد الحسن , وقالوا : إنهم يحسدون أولاد الحسين , ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن عليّ , وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري , وغيرهم فهم ليسوا بأولياء النبي صلى الله عليه وسلم وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم .
الوجه الخامس : نظرة الشيعة ليست نظرة اتباع وإنما هي نزعة شعوبية فارسية , فالنظر عندهم ليس نظراً في إسلام وكفر , وإنما النظر نظر فرس وعرب , وهذا يدل عليه أمور منها
1. تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالوا إنه يوحى إليه , لماذا ؟!! لأنه من فارس .
2. تعظيمهم لأولاد الحسين دون أولاد الحسن .. لماذا ؟! لأن أخوال أولاد الحسين من الفرس , من شهربانو بنت يزدجرد وهي أم عليّ بن الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين , فيرون أن الشجرة الساسانية الكريمة التقت مع الشجرة الهاشمية .
3. قالوا كسرى في النار والنار محرمة عليه , لماذا ؟! نظرة فارسية تعظيم لكسرى حتى وهو قد مات على الكفر قالوا : النار محرمة عليه .
4. ثم جاء آخرهم ولعله ليس بأخيرهم وهو الإحقاقي الحائري , وقال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحوا بلاد فارس : ( أولئك العرب الأعراب الأوباش عُبَّاد الشهوات الذين يتعطشون إلى عفة نساء فارس ) .
انظر كيف يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يصف نساء فارس في ذلك الوقت , لما كُنَّ مجوسيات , يقول عنهن : عفيفات ويقول عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم عطاشا لأعراض نساء فارس , فالنظرة إذاً ليست نظرة إسلام وكفر , أو نظرة إمامة عليّ وترك إمامة غيره , لا , إنما النظرة نظرة شعوبية بحتة .
================
حديث الإثني عشر
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) وفي روايات أخرى لهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة في الصحيحين وغيرهما ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً حتى يلي إثنى عشر خليفة كلهم من قريش ) هذا الحديث يستدلون به على إمامة الأثني عشر عندهم , فهل الأثني عشر في الحديث الشريف هم الأثنى عشر الذين يقول الشيعة إنهم أئمتهم ؟! وإنهم هم المقصودون في هذا الحديث أو لا؟ .
هذه دعوى للنظر هل هذه الدعوى صحيحة أو غير صحيحة , من هم أئمة الشيعة الأثنى عشر نعدهم :
1. علي بن أبي طالب .
2. الحسن بن علي .
3. الحسين بن علي .
4. علي بن الحسين .
5. محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) .
6. جعفر بن محمد ( الصادق ) .
7. موسى بن جعفر ( الكاظم ) .
8. علي بن موسى ( الرضا ) .
9. محمد بن علي ( الجواد ) .
10. علي بن محمد ( الهادي ) .
11. الحسن بن محمد العسكري .
12. محمد بن الحسن وهو المهدي .
يقولون هؤلاء هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( يكون بعدي إثنى عشر خليفة ) قلنا فلننظر هل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح ؟ .(12/58)
نقول أولاً جاء في كتب القوم أن الأئمة ثلاثة عشر , في الكافي مثلاً عن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ( إني وأثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي سر الأرض ) الاثنى عشر غير علي أي ثلاثة عشر هؤلاء وهذا في الكافي ج 1 ص 534 .
وجاء كذلك عن جابر أنه قال دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم . إذا كلمة أثني عشر هذه كلمة غير صحيحة ولذلك جاء في حديث جابر هذا أنه قال : ( فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي ) من هم محمد , محمد الباقر , محمد بن علي ( الجواد), محمد بن الحسن ( المهدي ) , من هم الثلاثة علي ؟ , علي بن الحسين ( السجاد ) , علي بن موسى ( الرضا ) , علي بن محمد (الهادي ) وهذا في الكافي ص 532 .
إذاً هم ثلاثة عشر ولذلك ذكرت بعض كتب الشيعة التي تكلمت عن الفرق أن هناك فرقة من فرق الشيعة تسمت بالثلاثة عشر يعني إعتقدت بثلاثة عشر إماماً من هذان الحديثان الموجودان في الكافي يقولان أن الأئمة ثلاثة عشر وليسوا إثني عشر كما يقولون .
وهنا نقطة مهمة جداً في هذه المسألة , هم يقولون نحن الأثنى عشر وأئمتنا هم فلان وفلان وفلان .. الذين ذكرناهم الآن .. طيب النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في زمنه بينما نجد أن كبار رواة الشيعة الذين عاصروا الباقر وعاصروا الصادق , الباقر قلنا هو الخامس والصادق هو السادس ولهما تلاميذ أتباع رواة ما كانوا يعرفون أن الأئمة أثنا عشر ولذلك كان الإختلاف يقع بينهم كآل زرارة لما حضره الموت قال ( ليس لي إمام وأشار إلا هذا الكتاب وأشار إلى القرآن ) رجال الكشي ص 139 .
ونجد أن أقطاب الشيعة الكبار زرارة بن أعين , هشام بن سالم الجواليقي و محمد بن النعمان الأحول ( شيطان الطاق ) , عمار الساباطي هؤلاء يذهبون ويبايعون عبد الله بن جعفر !! ولم يبايعوا موسى بن جعفر بل بايعوا عبد الله بن جعفر الذي هو الأفطح , ولذلك ذكر النوبختي وغيره أن جل رواة الشيعة فطحية لأن جل الروايات عندهم عن جعفر الصادق ومحمد الباقر وجل أتباع محمد الباقر وجعفر الصادق إتبعوا بعد ذلك عبد الله بن جعفر وبايعوه وهو الأفطح ولذلك قالوا جل رواتنا فطحية , وهذا هشام بن سالم يقول : ( رجعنا من عبد الله بن جعفر ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد ) الكافي ج 1 ص 351 .
إذاً قضية أنهم إثنى عشر ومحسومون وأخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما كان يعرفه الشيعة الكبار ولذلك فرق الشيعة لم تقل بالأثني عشر , متى جاءت تسمية فرقة الأثني عشر ؟ ..
الأمام جعفر الصادق ما فيه شيء إسمه الأثني عشر وقبله من باب أولى أيام محمد الباقر وعلي بن الحسين والحسن والحسين وعلي ما كان فيه شيء إسمه الفرقة الأثني عشرية .. فيه شيعة , أيام علي بن الحسين شيعة , أيام الباقر شيعة , أيام جعفر شيعة , أيام موسى الكاظم شيعة , أيام علي الرضا شيعة فقط ما فيه شيعة أثنا عشر أبداً وكذا في زمن الجواد والهادي وزمن العسكري شيعة , متى خرجت هذه الفرقة ؟ ..
لما مات الحسن العسكري ولم يكن له ولد صُدموا ماذا نصنع ؟ ما عنده ولد ونحن قلنا الإمامة مستمرة ماذا نصنع ؟ ... قالوا ألفوا له ولد .. ألفوا له ولداً .. ما صدقهم أحد لذلك أخذت أمه الميراث مع أخيه جعفر , ما ظهر له ولد أصلاً , دعوى باطلة , ولذلك هم يردون على الإسماعيلية أنه ليس لإسماعيل بن جعفر ولد ... ويردون على الفطحية والفطحية يردون عليهم وهكذا ..(12/59)
فهنا كذلك يُقال لهم في دعوى أنه ليس له ولد , من يقول أنه ليس له ولد ؟ ولذلك نقول مت جاءت الفرقة الأثنا عشرية .. أيام علي بن أبي طالب مافيه شيء إسمه الفرقة الأثنا عشرية ولا أيام الحسن ولا أيام الحسين رضي الله عنهم أجمعين ولا كذلك أيام علي بن الحسين ولا محمد البقر ولا جعفر الصادق رضي الله عنهم , بل ولا أيام موسى الكاظم ولا علي الرضا ولا محمد الجواد رضي الله عنهم مافيه شيء إسمه فرقة الأثنا عشرية , بعد الجواد علي الهادي والحسن العسكري لا توجد كذلك فرقة إثنا عشرية طيب لماذا لم يُتبنى هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر ! , لماذا تُبنيى بعد ذلك ؟ أتدرون لماذا ؟ .. لأنه مات الحسن العسكري وليس له ولد .. ماذا يصنعون ؟ من أين يأتون له بولد , إدعوا ولداً .. ما صدقهم الناس ولذلك أخذت أمه ميراثه مع أخيه أعني ميراث الحسن العسكري , أين الولد قالوا ولد غائب , وطبيعي جداً أن يكون غائباً لأنه لا يمكن أن يحضر لأنه ليس موجوداً أصلاً , طيب هذا الولد أليس له ولد ؟ طبيعي جداً أن لا يكون له ولد لأنه أصلاً لم يُخلق فكيف يُخلق له ولد ؟ !! فكان لا بد إذاً أن يقفوا عند الأثني عشر .. ولذلك تسموا بالأثني عشرية , ثم بعد ذلك إما أن يكون سول لهم الشيطان - أعني شيطان الجن - أو شيطانهم من شياطينهم من شياطين الإنس فوجد حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يخبر فيه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون بعده إثنا عشر خليفة فقالوا بس .. أثنا عشر وأثنا عشر الرقم نفس الرقم إذاً النبي يخبر عن الثاني عشر .. هذا لا شك أنه لعب بكتاب الله جل وعلا ولعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولعب على عقول الناس .
ولذلك جاءت روايات كثيرة عند الشيعة أن القائم ليس هو محمد بن الحسن المهدي هذه رواية مثلاً تقول : ( تابعون قائمون ) الكشي ص 373 وقال جعفر عن المهدي
( سمي فالق البحر ) الغيبة 46 وقال أيضا ( إسمه على إسم حديدة الحلاق ) الغيبة 47
لو نظرنا من السابع ؟ موسى الكاظم عدوا معي :
علي
الحسن
الحسين
علي بن الحسين
محمد بن علي
جعفر
موسى
موسى هو السابع من هو سمي فالق البحر .. موسى نبي الله موسى , من الذي إسمه على إسم حديدة الحلاق الموس .. موسى إذاً هذا هو القائم , ما كان عندهم شيء إسمه الثاني عشر .. القائم السابع من وين جاءت الثاني عشر ؟!!
وكذلك الحديث فيه يقول : ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً ما ولي إثنى عشر خليفة ) الثاني عشر هم يزعمون و يدعون أنه موجود حالياً من سنة 260 ه , عندما مات الحسن العسكري هم يدعون أنه ولد عام 256 من سنة 260 هو موجود .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يقول ؟ قال (لا يزال أمر هذا الدين قائماً ) ( لا يزال الدين منيعاً ) ( لا يزال الدين عزيزاً ما ولي إثنا عشر خليفة ) طيب وين هذا هل ترون الآن منذ سقوط الخلافة إلى يومنا هذا هل الدين عزيز ؟؟!! انظروا إلى أحوال المسلمين اليوم .. هل الذين عزيز ؟ , هل الذين منيع ؟ هل الإسلام عالٍ في الأرض ... أين إذاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم نكذب النبي أو نكذب الذين يزعمون هذه الدعوى يدعونها زوراً ويقولون إنه أخبر النبي بالإثني عشر بهذا الحديث ! .
كذلك هم يقولون أن أئمتهم كانوا يتقون وكانوا مستترين وكانوا خائفين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الدين منيع ) الدين قوي !!
أين الدين قوي والدين منيع مع خوف وإستتار .. إذا كان القائم على الدين خائفاً مستترا متقياً فكيف يكون الدين قائما عزيزا منيعاً ؟! .
ثم إن الحديث ليس فيه حصر يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في أثناء خلافة إثني عشر خليفتاً يكون الدين منيعاً , هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ولن يحكم غيرهم , وسيتوقف الأمر عند هؤلاء وستقوم القيامة على الثاني عشر من هؤلاء , ما فيه أي شيء من هذا الحديث أبداً , الحديث يتكلم بخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستقبلية , وكما قال سبحانه وتعالى { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 26 إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا 27 لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا 28 } فيخبر الله جل وعلا نبيه ببعض غيبه ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ما يقع , وهذا من علامات صدق النبي صلوات الله وسلامه عليه .(12/60)
كذلك النبي قال : ( كلهم من قريش ) وهم يقولون كلهم أولاد علي بن أبي طالب , نحن نعلم علم اليقين لا مرية عندنا في هذا أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وصدق أنه أوتى جوامع الكلم , فهل الذي أوتى جوامع الكلم يقول كلهم من قريش وهم من أولاد علي أصلاً , وهو كما نعلم علم اليقين كذلك أنه أنصح الناس للناس صلوات الله وسلامه عليه , نصوح .. كيف يضيعنا ! كيف يقول من قريش وهو يريد علياً وأبناءه , كان يقول علي وأبناء علي وأنتهى الأمر , بل يذكر أسماءهم وينتهي الأمر لكن يقول كلهم من قريش ويعمي المسألة على الناس لماذا !؟ نحن لا نؤمن بذلك أبداّ .. لو كان النبي يريد علياً وأولاده كان يقول علي وأولاده , ولذلك لو جئت أنا وقلت مثلاً سأعطي كل عربي مئة دينار فجاءني العرب إجتمعوا على بابي ماذا تريدون ؟
قالوا نريد مئة دينار , كل واحد منا يريد مئة دينار ..
قلت لا عفواً أنا سأعطي الليبيين فقط ..
لماذا تعطي الليبيين فقط ..؟
قلت الليبيين عرب ..
قالوا : ونحن عرب ! ..
قلت طيب أنا ما أخطأت ..
قالوا : ولكنك لم تحسن الكلام لو كنت تحسن الكلام لقلت سأعطي كل الليبيين ولا يحتاج أن نأتي أصلاً ..
قلت طيب أنا آسف لكن لن أعطي إلا الليبيين إسمحوا لي بارك الله فيكم ..
فرجعوا فإجتمع عندي الليبيون فقالوا : صفا لنا الجو ..
قلت ماذا تريدون ؟
قالوا : كل واحد مئة دينار ..
قلت : لا أنا سأعطي فقط أهل طرابلس .. أما غير أهل طرابلس عفواً لن أعطيهم شيء ..
قالوا :لماذا ؟
قلت : أنا أريد أعطي فقط أهل طرابلس ..
قالوا : أنت قلت كل الليبيين ..
قلت : طيب أهل طرابلس ليبيين أو ما هم ليبيون ؟ ..
قالوا : أحسن الكلام .. أنت في الأول أحرجتنا مع العرب والآن أحرجتنا مع أنفسنا وأخرجتنا من الحسبة وضيعت علينا وقتنا .. كان قلت من أول سأعطي أهل طرابلس وإنتهى الأمر ..
قلت طيب أنا آسف إسمحوا لي وأعطيت أهل طرابلس ..
فأنا هل أُلام على إختيار مثل هذه الكلمات أو لا أُلام ؟؟ .. أتريدون أن ننسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كلهم من قريش ) وهو يريد علياً وأبناءه ؟! .. أليس كان من الأفضل أن يقول ( كلهم من بني هاشم ! ) وحتى هذه ما تصلح لإن بني هاشم كثيرون مشكلة هذه .. إذاً كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ( كلهم أولاد علي ) ويحددهم بأسماءهم يقول الحسن والحسين لإن علي له تسعة عشر ولداً رضي الله عنه وذرية الحسين دون الحسن حدد هكذا حتى نقول أوتى جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه .. ولكن الأمر ليس كذلك .. الأمر أن النبي قال : ( كلهم من قريش ) ونحن نعتقد يقيناً أن النبي أوتى جوامع الكلم وأن الذين زعموا على النبي أنه لم يؤتَ جوامع الكلم نؤمن يقيناً كذلك أن قولهم مردود لا نقبل قولهم أبداً لأنهم يريدون أن يطعنوا في نبينا ونحن لا نقبل هذا في نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
القضية إذاً هم استدلوا العدد على العدد فقط ! أثنى عشر خليفة ونحن نؤمن بإثني عشر إذاً هؤلاء هم هؤلاء إنتهى الأمر .. نقول فاتكم أنه جاء في حديث مسلم
( سيكون في أمتي إثنا عشر منافقاً ) .. هذه مشكلة إذا كانت قضية قضية العدد يوافق فكيف توفقون بين هذه وهذه وتلك إثني عشر خليفة وإثنى عشر إمام وإثنى عشر منافق ؟؟ هل كل إثنا عشر هي في أئمتكم أو لا تدبروا هذا الأمر .
لو رجعنا إلى كتاب الله جل وعلا ما وجدنا أن الله جل وعلا نص على إمامة أحد منهم أبداً , وقد مر بنا أدلتهم من القرآن وبينا أنه لا يصح منها شيء , أين كتاب الله جل وعلا عن الإمامة التي هي عندهم أهم من الصلاة وأهم من الزكاة وأهم من الحج وأهم من كل شيء ما ذكرها الله سبحانه وتعالى ولا نص على هؤلاء الأئمة الإثني عشر في كتابه العزيز , لما لم ينص الله تبارك وتعالى على هذا مع أهمية هذا الأمر هو عندهم أهم ركن من أركان الإسلام
ذكر الله جل وعلا الرسل ورسالاتهم , ذكر الله تبارك وتعالى أحوالهم مع أممهم ولم يذكر شيئاً أبداً عن هؤلاء الأئمة لا من قريب ولا من بعيد أتقصير من الله أو دعواهم باطلة إختر أي الأمرين شئت .(12/61)
ولذلك زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه وزيد هذا أخو محمد الباقر عم جعفر الصادق , بن علي زين العابدين , تنتسب إليه طائفة الزيدية , زيد بن علي بن الحسين يقولون إنه جلس مع مؤمن الطاق , ويسميه أهل السنة شيطان الطاق محمد بن النعمان , فقال له : يا أبا جعفر , بعد أن بعث إليه وكان مستخفياً , أخرج معي ساعدني فيما خرجت إليه فقال له شيطان الطاق أو مؤمن الطاق كما يحبون أن يسموه قال : إن كان الخارج أباك أو أخاك فنعم خرجت معك أما أنت فلا . قال يا أبا جعفر - يعني الأحول هذا - : كنت أجلس مع أبي على الخيوان - طاولة الطعام - فيلقمني اللقمة السمينة ويبردها لي شفقة عليّ ولم يشفق علي من حر النار حيث أخبرك بالإمامة ولم يخبرني أنا !!! - أن الإمام بعد علي محمد وبعد محمد جعفر - ما أخبرني أبي بهذا على شفقته عليّ وحبه لي , قال : جُعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك , خاف عليك ألا تقبل فتدخل النار , وأخبرني أنا فإن قبلت نجوتُ وإن لم أقبل فلي ان أدخل .
هذا منطق !! , هذا عقل ! لا يخبر ولده بالإمامة لأهم ركن من أركان الدين ويخبر الأجنبي البعيد ! ولذلك أصاب أهل السنة عندما سموه شيطان الطاق , الذي يتكلم هكذا مع واحد من أئمة أهل البيت وهو زيد بن علي بن الحسين .
كذلك هناك قضية مهمة .. هناك شخص إسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب هذا يُقال له النفس الزكية سنة 130 هـ خرج هذا الرجل وقال إنه هو المهدي وتبعه أقوام كثير ومن أهل البيت وهذا جد أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب , ليست القضية في خروجه , القضية في أن جعفر الصادق الذي هو في منزلته أمر ولديه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح أمرهما أن يخرجا معه تابعين له فإنظما إلى ثورته وهذا في مقاتل الطالبيين ص 244 , مع أنهم يروون ( أن كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايِع والمبايَع له ) بحار الأنوار ج 53 ص 8 .
أحاديث المهدي لو نظرنا إليها في كتب الشيعة لوجدناها لا تُحصى من كثرتها لا أقول مئات تتجاوز المئات ومع هذا نجد أن جل فرق الشيعة لا تؤمن بالمهدي لماذا ؟ خاصة القديمة , الفطحية لا تؤمن بالمهدي , الناووسية لا تؤمن بالمهدي , البترية لا تؤمن بالمهدي , الصالحية لا تؤمن بالمهدي , الكيسانية لا تؤمن بالمهدي , الإسماعيلية لا تؤمن بالمهدي , الجعفرية القديمة لا تؤمن بالمهدي , الموسوية القديمة لا تؤمن بالمهدي ..
هذه الأحاديث الكثيرة , لماذا كلهم يغفلون عنها بل رواة أحاديث الشيعة الكبار هذه أسمائهم :
عمار الساباطي , عبد الله بن أبي يعفور , أبان بن تغلب , هشام بن الحكم , جميل بن دراج , هشام بن سالم , محمد بن نعمان وظف إليهم زرارة وأسال إن شئت أو إقرأ في رجال الكشي عن هؤلاء ماذا يكونون في رواة الشيعة ؟ ! . كل هؤلاء يضيعون بعد جعفر الصادق لا يدرون إلى أين يتوجهون لماذا ؟ لأنه ما توجد مثل هذه الروايات كلها روايات متأخرة موضوعة بعد ذلك كُذبت بعد ذلك , ولذلك هذا البياضي مثلاً عالمهم يقول: ( إن علياً لم يذكر النص للصحابة على نفسه لسببين , لو ذكر ثم أنكروه لكفروا ولم يرد ذلك , أنهم قصدوا في الشورى تقديم الأفضل فشارك ليعترفوا بأنه الأفضل فقط ) إذاً هذا البياضي يعترف أنه ما فيه نص لعلي , علي لم يذكر النص لنفسه فكيف يكون ذُكر النص لأحد عشر من ولده , وإذا كانت الإمامة نصاً في الإثني عشر هؤلاء لماذا تنازل الحسن لمعاوية , إسألوا علمائكم ! والله نريد لكم الخير إسألوهم لماذا تنازل الحسن لمعاوية وهو إمام منصوص من عند الله تبارك وتعالى لماذا تنازل يقولون لأن الإمامة ليست في الحكم ليس الحكم شرطاً يمكن أن يكون إمام وليس بحاكم , إذاً لماذا خرج الحسين على يزيد , كان الحسين إمام وليس بحاكم لماذا خرج على يزيد ؟! إذا كانت القصية الإمامة لا شأن لها بالحكم أو لايلزم من الإمامة الحكم , طيب الحسين يقول كذلك لا يلزمني الحكم ويظل إماماً بدون أ، يخرج على يزيد .. لماذا خرج على يزيد ؟! سلوهم ..
لكن أيضاً اسألوهم سؤالاً آخر , لماذا خرج الحسين على يزيد ولم يخرج على معاوية ؟ , مع أنه عاش خلافة معاوية بعد موت الحسن إحدى عشرة سنة بعد الحسن , سنة 49 توفي الحسن رضي الله عنه وأنتهت خلافة معاوية رضي الله عنه سنة 60هـ , من سنة 49 هـ إلى سنة 60 هـ الحسين لم يحرك ساكناً ضد معاوية وإنما خرج على يزيد ولم يخرج على معاوية ..
فكروا لماذا ؟(12/62)
إما أن تقولوا أن معاوية كان رجلاً صالحاً فهذه جيدة نقبلها منكم , ويزيد ليس بصالح لاشيء فيها هناك كثير من علماء السنة يقولون يزيد ليس بصالح , أنا أقول لك يزيد ليس بصالح لكن لا نسبه نحن لا نتقرب إلى الله بسبه , لكن بدون شك هناك بكثير من هم أصلح منه وأولى منه بالخلافة , لكن لماذا لم يخرج الحسين على معاوية .. ولماذا تنازل الحسن لمعاوية والإمامة نص للأثني عشر ؟! , إما أن نقول إن فعلهم خطأ وإما أن نقول أنه لا يوجد نص وهذا هو الصحيح إنه لا يوجد نص صحيح على شيء إسمه إثني عشر .
إذاً كان الأمر شورى كما قال علي رضي الله عنه : ( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن إجتمعوا على رجل وكان لله إماماً كان ذلك لله رضا ) نهج البلاغة ص 367 .
وقال : ( بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ) نهج البلاغة ص 366 .
وقال كذلك لمن جاءه يطلبه أن يكون خليفة قال : ( دعوني وألتمسوا غيري فإننا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن تركتموني فإني كأحدكم ولعلي أسمعُكم وأطوعُكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً ) نهج البلاغة ص 336 .. يغش الناس ؟ لا والله ما يغش الناس رضي الله عنه وأرضاه .
==================
حديث الغدير
ومن الأدلة التي استدلوا بها كذلك ما يسمى بحديث الغدير ..
أي غدير ؟ غدير خم وهو غدير قريب من الجحفة بين مكة والمدينة , وكان هذا في حجة الوداع في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحج قبيل وفاته بثلاثة أشهر تقريباً .
هذه الحادثة أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قال : [ قام رسول الله فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه وأثنى عليه ووعظ وذَكّر ثم قال : ( أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به ) قال : فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ,أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) قال حصين الراوي عن زيد ومن أهل بيته يا زيد أليس نساءه من أهل بيته قال : نعم ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس . قال : كل هؤلاء حُرم الصدقة ؟ , قال : نعم . ] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
جاءت زيادات لهذا الحديث عند أحمد والنسائي في الخصائص والترمذي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك المكان : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وجاءت كذلك زيادات أخرى منها ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) يمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى أربعة أقسام .
القسم الأول : ما جاء في حديث مسلم وهو ليس فيه من كنت مولاه فعلي مولاه .
القسم الثاني : الزيادة خارج مسلم وهي عند كما قلنا الترمذي وأحمد والنسائي والخصائص وغيرهم و هي التي فيها زيادة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
القسم الثالث : زيادة أخرى عند الترمذي وأحمد وهي ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) .
القسم الرابع : وهي زيادة عند الطبراني وغيره (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) .
أما القسم الأول فهو في صحيح مسلم ونحن مسَلّمون بكل ما في صحيح مسلم .
القسم الثاني وهو ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فهذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد إذ لا يلزم أن يكون الحديث الصحيح فقط عند مسلم والبخاري والصحيح أن هذا حديث صحيح جاء عند الترمذي وأحمد وغيرهما .
أما زيادة ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) فهذه إختلف فيها أهل العلم , هناك من أهل العلم من صححها وهناك من ضعفها حتى الأولى قوله( من كنت مولاه فعلي مولاه ) هناك من ضعفها كإسحاق الحربي وبن تيمية وبن حزم وغيرهم .
أما الزيادة الأخيرة وهي (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) هذه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا الحديث يستدلون به على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بدلالة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) قالوا المولى هو الحاكم والخليفة إذاٍ علي هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة .(12/63)
أولا نريد أن نعرف لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لعلي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وهل أوقف الناس في هذا المكان ليقول هذا الكلام أو أنه أوقفهم لشيء آخر .. لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راجعاً في سفره من مكة إلى المدينة بعد أن أنهى حجه صلوات الله وسلامه عليه , رحلة السفر كما هو معلوم تستغرق ما بين خمسة إلى سبعة أيام وكان من عادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر أن يمشي في الليل ويرتاح في النهار , فهذه كانت مرحلة من مراحل السفر التي كان يتوقف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام وإنما توقف لأن هذه من عادته وهذا أمر طبعي لأنه مستحيل أن يسيروا خمسة أيام متصلة معهم نساء ومعهم رجال وقادمون من حج و ما ورائهم شيء آخر , فطبيعي جداً أن يرتاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل السفر , فكان يرتاح في النهار ويسير في الليل صلوات الله وسلامه عليه كما قلنا , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام .
القضية الثانية لما قال هذا الكلام ؟ لما قاله في علي , هم يقولون قاله يريد الخلافة ! يريد أن علياً هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن نقول لا ليس الأمر كذلك .. لماذا نحن نقول لا ؟ .. لإمور .. ما قلنا هذا رداً لخلافة علي رضي الله عنه أبداً , نحن نتقرب إلى الله بحب علي رضي الله عنه , ولكن نرد هذا لأن هذا ليس بحق , لماذا ليس بحق ؟ ..
نقول أولاً لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد خلافة علي كان يقول هذا في يوم عرفه الحجاج كلهم مجتمعون , هناك يقول هذا الكلام صلوات الله وسلامه عليه , حتى إذا غدر أهل المدينة شهد له باقي المسلمين من غير أهل المدينة , هم يقولون النبي كان خائفاً !! أن يبلغ هذه الخلافة , يخاف أن يُرَد قوله , يخاف من أهل المدينة ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط !! ما هذا التناقض ؟ لا يُقبل مثل هذا الكلام .
ثم لماذا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم يخاف ممن من الصحابة !! الذين تركوا أموالهم وأولادهم وديارهم وهاجروا في سبيل الله , الذين قاتلوا في سبيل الله , الذين شاركوا في بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر وحنين وفتح مكة وتبوك هؤلاء هم الذين يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم !! , بذلوا المُهَج بذلوا الأموال في سبيل الله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ما يقبلون خلافة علي رضي الله عنه .
على كل حال وجهة نظرنا نحن لماذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام لأهل المدينة خاصة ومن جاورها ولم يقل هذا الكلام لأهل الحج كلهم من أهل المدينة وغيرهم خاصة إذا علمنا أن غدير خم يبعد عن مكة قريباً من 250 كيلو متر , ولذلك لجهله بهذا المكان يقول : قال النبي في مجتمع الحجيج !! أي مجتمع الحجيج ؟! مجتمع الحجيج مكة مجتمع الحجيج عرفة ليس في غدير خم يبعد عن مكة 250 كلم وهو أقرب من المدينة منه إلى مكة وبين مكة والمدينة 400 كلم .
إذاً خص النبي أهل المدينة.. لِمَ خص أهل المدينة قال أهل العلم لسببين :(12/64)
السبب الأول : النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج إلى الحج كان في المدينة وكان قد أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن في قتال , إنتصر خالد بن الوليد في جهاده أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنّا إنتصرنا وعندنا غنائم فأرسل إلينا من يخَمِّس هذه الغنائم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ليخمس الغنائم ثم أمره أن يدركه في مكة في الحج , إذا النبي في المدينة وعلي في المدينة ثم أمر علياً أن يخرج إلى اليمن والموعد مكة , ذهب علي إلى اليمن وصل إلى الغنائم قُسمت الغنائم كما هو معلوم إلى خمسة أقسام أربعة أخماس للجنود للذين قاتلوا للذين فتحوا للذين جاهدوا وخمس واحد يقسم إلى خمسة أخماس خمس لله والرسول , خمس لذوي القربى , خمس لليتامى , خمس للمساكين , خمس لأبن السبيل , قُسمت الغنائم .. الآن علي سيذهب إلى مكة يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم هناك في حجة الوداع , الذي وقع أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أخذ الخمس الذي لذوي القربى وهو سيد ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والخمس عبارة عن ماذا ؟ عبارة عن أموال , بهائم كالخيل والبغال والإبل والبقر والغنم وسبي من نساء وأطفال ورجال .. ماذا صنع علي رضي الله عنه ؟ أخذ إمرأة من السبي فدخل عليها - يعني جامعها - فغضب بعض الصحابة كبريدة بن الحصين .. كيف علي يفعل ذلك !! يأخذ إمرأة من السبي ومن نصيب ذوي القربى من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم هناك يوزعه في المدينة ليس هنا ! .. فأخذ إمرأة من السبي ودخل بها وخرج وقد إغتسل فغضب بريده فذهب إلى النبي في المدينة صلوات الله وسلامه عليه فقال يا رسول الله : حصل كيت وكيت وذكر له ما وقع من علي , لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , فرجع بريده وقال : حصل كذا وكذا من علي أيضا لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , جاء الثالثة قال يا رسول الله : علي فعل كيت وكيت , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا بريدة أتبغض علياً ) قال : نعم يا رسول الله , فقال : ( لا تفعل فإن له من الخمس أكثر من ذلك ) يقول : فأحببته بعد ذلك لأن النبي قال : لا تبغضه , خلاص يطيعون النبي صلى الله عليه وسلم فأحبه فدافع النبي عن علي صلوات الله وسلامه عليه .
إذاً هذه مشكلة الآن داخلية بين بريدة وعلي وبريدة لعله جاء وتكلم بها في المدينة وأيضا قد يكون شارك بريدة في الإنكار على علي كخالد بن الوليد وغيره في هذه العملية .
السبب الثاني : أنه لما خرج علي من اليمن إلى مكة و النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة وهو في الطريق علي رضي الله عنه أخذ معه نوقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يعني ساق الهدي معه فلما كان في الطريق أمر أصحابه أن يتقدموا عليه ونهاهم أن يركبوا على الإبل ونهاهم أن يلبسوا بعض الثياب التي من الغنائم وسبقوه , فلما أدركهم علي وجد أن الإبل رُكبت أو أن الملابس لُبست فغضب ونهرهم رضي الله عنه كيف ما تطيعوا أمري ؟ أن قلت لكم لا تركبوا أنا قلت لكم لا تلبسوا كيف تفعلون كذا .. فتضايقوا من هذه المعاملة ومنهم أبو سعيد الخدري , يقول فلما لقينا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إشتكينا علياً ,أن علي فعل كيت وكيت وكان قاسياً معنا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإني علمت أن علي قد أحسن فلا تبغضوا علي ) وسكت القوم , أيضاً هذه مشكلة داخلية مع علي رضي الله عنه عندها لما إنتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الحج ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وصار قريباً من المدينة قريباً من 150 كلم أو 170 كلم من المدينة في أثناء الطريق أثناء راحتهم توقف هناك في يوم من الأيام و قال كلمته تلك ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) أي يا من تكلمتم في علي إحذروا فعلى مني وأنا منه , علي أنا يحبني من يحب علي , يودني من يود علياً ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) , هم يقولون المولى الحاكم ونحن نقول المولى المحب بدليل قوله بعد ذلك ( اللهم وال من والاه وعادي من عاداه ) ما معنى وال من والاه وعاد من عاداه وقوله من كنت مولاه فعلي مولاه .. المعنى واحد إذاً هذه قصة غدير خم .
المولى كما يقول بن الأثير تقع هذه الكلمة على : الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب و الحليف والعبد والمعتق وبن العم والصهر .. تصوروا كل هذه تطلق عليها كلمة مولى قالوا نحن نريد الخليفة .
لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الخليفة كان يأتي بكلمة صريحة واضحة ما يأتي بكلمة تحتمل أكثر من عشرة معاني .. يأتي بكلمة واضحة سهلة بينة يعرفها كل أحد علي هو الخليفة من بعدي .. إنتهى الأمر , لكن لم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة التي تنهي كل خلاف .(12/65)
وأما كلمة مولى أنها حاكم هذا ليس بسليم قال الله تبارك وتعالى { فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } سماها مولى وذلك لشدة الملاصقة وشدة اللُحمة والقرب , ثم إن الموالاة وصف ثابت لعلي رضي الله عنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه فهو في زمن النبي مولى وبعد وفاة النبي مولى والآن مولانا رضي الله عنه وأرضاه ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فكل المؤمنين بعضهم أولياء بعض كما قال الله تبارك وتعالى .
إذا ً هذا دليل الموالاة الذي يستدلون به على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نرى لا دلالة فيه أبداً . ولذلك نص عالمهم النوري الطبرسي يقول : ( لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يُحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن ) فصل الخطاب ص 205 و 206 إذا كان الأمر كذلك فكيف بعد ذلك يُقال أن هذا الحديث نص على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
=================
حديث الدار
أو حديث الإنذار يوم الدار وهو مرتبط ارتباطا قوياً بقول الله تبارك وتعالى { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214} الشعراء .
يرون أنه لما نزل قول الله جل وعلا { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقاربه على النحو الآتي .
عن علي قال : لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ورهطك المخلصين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فقال : ( أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلهم يأبى ذلك حتى أتى عليّّ فقلت أنا يا رسول الله فقال : ( يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) قال فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب : قد أمرك وتطيع لهذا الغلام ) وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار الأنوار ج 18 ص 178 والبرهان ج 3 ص190 والميزان ج 15 ص 336 وأما كتب أهل السنة فجاء في مسند أحمد ج 1 ص 111 وص 159 .
يستدلون بهذا الدليل على أن علي رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
نقول هذا الحديث ذكره الموسوي في كتاب المراجعات وذكره كذلك الأنطاكي في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , وذكره تقريباً كل علماء الشيعة الذين ألفوا كتباً يستدلون بها على أهل السنة في إثبات خلافة علي رضي الله عنه بعد رسول الله مباشرة , وقد بالغ عبد الحسين شرف الدين في كتابه المراجعات حيث قال : ودونك ما أخرجه أحمد في مسنده ج 1 ص 111 تجده يخرج الحديث عن أسود بن عامر عن شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مرفوعاً , ثم قال , وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند الخصم وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام ..
ثم صار يترجم لكل رجل من رجال هذا السند فقال :
الأسود بن عامر إحتج به البخاري و مسلم , شريك إحتج به مسلم , الأعمش إحتج به البخاري و مسلم , المنهال إحتج به البخاري , عباد بن عبد الله الأسدي قال : هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي إحتج به البخاري ومسلم .
وللأسف لا أقول لقلة بل أقول لعدم وجود الأمانة العلمية حاول أن يدلس ويلبس بهذا الحديث فعباد بن عبد الله الأسدي يختلف تماماً عن عباد بن عبد الله بن الزبير , هذا شخص وذاك شخص آخر عباد بن عبد الله الأسدي هو الذي يروي عنه المنهال وهو الذي يروي عن علي رضي الله عنه وأرضاه بينما عباد بن عبدالله بن الزبير بن العوام هذا لاير وي عنه المنهال ولا يروي هو عن علي رضي الله عنه , ولكن لإرادة التدليس والتلبيس على الناس جعلوا عباد بن عبد الله الأسدي هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي كذلك , فهذا من التلبيس والكذب , ولذلك عباد بن عبد الله الأسدي يترجم له صاحب التهذيب وهو الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى يترجم له في الصفحة ذاتها التي يترجم لعبد الله بن عبد الله بن الزبير فقال :
عباد بن عبد الله الأسدي روى عنه المنهال وروى عن علي .. ضعيف .
بينما عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي لا يُعرف بالأسدي وإنما يعرف بعباد بن عبد الله بن الزبير لكن جعله مكان هذا حتى يلبس على الناس وليس هو راوي هذا الحديث بل الذي يرويه عباد بن عبد الله الأسدي الضعيف وهذا من كذبهم الله المستعان .(12/66)
على كل حال عباد بن عبد الله الأسدي قال عنه البخاري : فيه نظر , وكلمة فيه نظر عند البخاري كما قال الحافظ بن كثير هي من أشد عبارات الجرح عند الإمام البخاري كما قاله الحافظ بن كثير في الباعث الحثيث . وأحمد ضرب على حديثه , وقال بن حزم مجهول فهذا عباد بن عبد الله الأسدي , فالحديث إذاً لا يصح من طرق أهل السنة , أما من طرق الشيعة فالحديث روي من طرق كثيرة ولكن بعد تتبع هذه الطرق عندهم كذلك لا يصح هذا الحديث من كتبهم ومن رجالهم أيضاً فلا يصح عند أهل السنة ولا يصح كذلك عند الشيعة وجاء عند السنة أيضا من طريق آخر عند الطبراني والطبري من طريق عبد الغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري قال عنه بن المديني : كان يضع الحديث , وقال أبو داوود وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب , وقال أبو حاتم والنسائي متروك , وقال الذهبي ليس بثقة .
إذاً هذا الحديث من حيث المتن لا يصح ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالقصة هذه مكذوبة من أصلها , ثم هي أصلاً باطلة من حيث المتن متنها باطل لا يصح كذلك لماذا ؟
أولاً لو نظرنا إلى قول علي رضي اله عنه عندما يقول : ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصون رجلاً ) .. هل بني عبد المطلب يصلون إلى أربعين ؟ .. لا يصلون إلى أربعين فهل أخطأ علي في الحسبة أو كذبوا عليه , الأقرب أنهم كذبوا عليه , تعالوا معنا نحسب ونعد أبناء عبد المطلب من هم أبناء عبد المطلب ؟ :
أبناء عبد المطلب كما ذكر أهل الأنساب عشرة والمشهور منهم , إثنان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم , وإثنان لم يسلما وعاصرا النبي صلى اله عليه وسلم , وستة لم يعاصروا النبي صلى الله عليه وسلم , فاللذان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم هما حمزة والعباس , وإثنان عاصرا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما وهما أبو طالب وأبو لهب , وستة من بني عبد المطلب لم يدركوا البعثة أصلاً فلم يحضروا هذه القصة فلم يكونوا في ذلك اليوم من أهل الأرض بل كانوا من أهل باطن الأرض وهم : عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والحارث بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والمقوم وغيداق والسادس قيل صفار وقيل ضرار .. على كل حال هؤلاء الستة لم يدركوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم إذاً لم يكونوا موجودين .
إذاً من كان يمكن أن يكون موجوداً من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة هم الأربعة حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب , من أولاد هؤلاء ؟ ..
أما حمزة والزبير وضرار والمقوم والغيداق لا يُعرف لهم ذرية من الذكور قد تكون ذريتهم إناث كما هو الحال بالنسبة لحمزة , كما هو الحال بالنسبة للزبير ,قصة ضباعة بنت الزبير التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عمه , هؤلاء إناث ولكن من الذكور لا يُعرف لهم ذرية من الذكور .
وعبد الله ليس له ذرية إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي أربعة :
العباس له ذرية أبو طالب له ذرية الحارث له ذرية وأبو لهب له ذرية , إذاً عندنا أربعة من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأربعة آخرون لهم ذرية ..
العباس من ذريته كُثُر تسعة ولا واحد منهم أدرك هذه الحادثة ما أدركها إلا واحد وهو الفضل بن العباس أكبر أولاده فقط , لأن بعد الفضل يأتي عبد الله بن العباس وعبيد الله وهذان أدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن متى ؟ ..
عبد الله بن العباس ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وهذا في أول البعثة إذاً لم يحضر إذاً من باب أولى عبيد الله لم يحضر ومن باب أولى الستة الآخرون من أبناء العباس وهم معبد وتمام وقثم وكثير وعبد الرحمن والحارث هؤلاء لم يحضروا هؤلاء من التابعين أصلاً لم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذاً من الذي سيحضر من ولد العباس .. واحد وهو الفضل , إذا ضفنا إلى الأعمام الأربعة واحد وهو الفضل بن عباس صاروا خمسة .
أبناء أبي لهب : عتبة , عتيبة ومعتب نفرض كلهم حضروا مع الخمسة ثلاثة صاروا ثمانية بقي عندنا أولاد ابي طالب وأولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم فقط ..
أولاد أبي طالب :
طالب , عقيل , جعفر , علي(12/67)
علي رضي الله عنه أصغرهم , طالب المشهور أنه لم يدرك البعثة أصلاً مات قبل البعثة , ولنفرض أن طالب كان موجوداً إذاً هؤلاء أربعة .. أربعة مع ثمانية هؤلاء صاروا إثنى عشر رجلاً فقط .. لم يبق عندنا إلا أولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم أولاد الحارث : عبيدة بن الحارث , أبو سفيان بن الحارث , أمية بن الحارث , عبد الله بن الحارث , نوفل بن الحارث خمسة أضفهم إلى إثني عشر رجلا يصبحون سبعة عشر رجلاً وإذا تركنا طالباً وقلنا إنه مات يصبحون ست عشر رجلاً ولكن نضيفه وليكونوا سبعة عشر رجلاً .. أين الأربعين ؟؟ ! ويقول ( أربعين رجلا يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ) هؤلاء كل أولاد عبد المطلب .. أين أربعون رجلاً ؟! كلام لا مصداقية له , ولذلك هذا الذي وضع الحديث لم يفكر تفكيراً دقيقاً في قضية أولاد عبد المطلب وإنما أرسلها إرسالاً هكذا دون أن يمعن النظر فيها ثم فوجئ بأنه بالغ فيها بالعدد تعدى أكثر من الضعف , إذاً هذا أول مطعن في هذا الحديث سنداً . ولعل هذه أربعون رجلا أو ينقصون رجلا من باب الدقة !! يعني محسوبة تماماً وهذا كله كلام باطل .
ثم كذلك يُقال علي هو الذي قام وقال : ( أنا أتابعك ) عجيب ! علي أصغرهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي 8 سنوات فكيف علي يقول أنا أتابعك ؟ ألم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم غير علي من بني عبد المطلب ألم يؤمن قبل علي جعفر ؟ الذي هو أكبر من علي بعشر سنوات , أليس هو أمير القوم الذين هاجروا إلى الحبشة , جعفر بن أبي طالب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو علي الكبير أكبر من علي بعشر سنوات , لماذا لا يكون جعفر هو الخليفة ؟ بالعكس أثر جعفر في مكة أكبر من أثر علي رضي الله عنه علي كان صغيراً فكيف يقوم علي ألم يقم جعفر في ذلك الوقت , جعفر من الأوائل الذين أسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم .
عبيدة بن الحارث من الأوائل الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي خرج مع حمزة وعلي في بدر للقاء عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة , لماذا لم يقم ويقول أنا
أين حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم أليس أسلم وتابع النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله وأسد رسوله أين هو ؟؟ ..
يعني إذا أردنا أن نمدح علياً رضي الله عنه فلا مانع من هذا ومدائحه كثيرة جداً لكن لا يكون هذا على حساب الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي أقارب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تابعوه وأسلموا وأتبعوا ما جاء به صلى الله عليه وسلم .
ثم هل يكفي أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له : ( أنا أتابعك ) يعني يكون وزيره ويكون خليفته ويكون كذا ..!!! ما يصلح هذا , هل الرسول صلى الله عليه وسلم بُعثَ لبني عبد المطلب , الأنبياء السابقون كانوا يُبعثون إلى أقوامهم والنبي بُعث للأنس والجن , بُعث للثقلين بُعث للأسود والأحمر ( كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة وبُعثت للناس كافة ) يقوله صلى الله عليه وسلم , ثم يحكرها هكذا يقول أيكم يتابعني يكون خليفتي من بعدي !! كيف يعقل هذا أن يخرج من النبي صلى الله عليه وسلم , وهل يكفي مجرد المتابعة أن يكون خليفته من بعده لا يلزم هذا .
ثم كذلك لنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عامر بن الطفيل وجاءه بنو كلاب وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لهم الأمر من بعده ويتابعونه على الإسلام فقال : ( الأمر لله يضعه حيث شاء ) ولم يقل لهم الأمر لعلي بعدي وإنما قال الأمر لله يضعه حيث شاء سبحانه وتعالى .
وآخرها أليس الشيعة الأثني عشرية يزعمون أن علي كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان وصياً له قبل خلق الخلق , فكيف يعرض النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مفروغاً منه , الأمر عندهم مفروغ منه , والنبي صلى الله عليه وسلم جُعل خليفته علي رضي الله عنه قبل مبعثه قبل خلق السماوات والأرض , كانوا أشباحاً كما يقولون في كتبهم !! تحت العرش , إذاً قضية أن النبي يعرض شيئاً عليهم .. طيب إفرض أن حمزة قال أنا العباس قال أنا إفرض أبو طالب قال أنا .. طيب حق علي يضيع!! كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : ترى علي منتهي الأمر علي هو الخليفة لا أحد يفكر لا أحد يناقش أم يأتي يعرض عليهم شيئاً هو أصلاً مفروغ منه عند الله سبحانه وتعالى .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..(12/68)
ولنفرض أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها لعلي وهو قد حصل في الحديث أنه قال ( أنت خليفتي ووصيي ) هل صار خليفته هل صار وصيه ؟! الوعد لم يُنجز لأن الخليفة من بعده صار أبو بكر ثم عمر ثم عثمان , إذاً لم يُنجز وعده أترضون هذا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينجز وعده , قال هو يكون خليفتي يكون وصيي يكون وزيري .. ما صار شيء من هذا أبداً , إذاً النبي لم ينجز وعده أو أنه مكذوب على النبي .. نقول مكذوب على النبي أفضل بدل أن نتهم النبي أنه لم ينجز وعده صلى الله عليه وسلم .
ثم أنظروا إلى خاتمة الحديث , لا يمكن أن تُعقل ولا يمكن أن تُقبل , الآن هم لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول لهم أنا رسول الله يقولون كذاب , ساحر , شاعر , كاهن , مجنون ما قبلوه أن يكون هو رسولاً من عند الله صلوات الله وسلامه عليه ثم بعد ذلك يريدهم أن يقبلوا أن يكون علي وصياً من بعده .. طيب هم لم يقبلوا بالأصل حتى يقبلوا بالفرع , إذاً إذا كان الأمر كذلك ننتهي إلى نهاية مهمة جداً مع ضعف أسانيد هذه القصة عند السنة وعند الشيعة لا تصح أسانيد هذه القصة - حسب بحثي- , بعد ذلك نستطيع أن نقول هذه قصة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .
تصوروا أنتم لما يسمع العرب و يسمع الناس الذين يريدون أن يتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم , ومن الآن يسمعون هذه القصة .. يقولون ما هذا الرسول ؟؟ من بدايتها جعلها في أولاده علي خليفتي بني عبد المطلب الذي يسمع كلامي يصير خليفتي من بعدي طيب وباقي الناس مالهم حق ؟؟ ! كلها لبني عبد المطلب !! , يشكون في دعوته إذاً يقولون كأنه يريد ملكاً كما قال هرقل لأبي سفيان قال : هل كان من أباءه من ملك ؟؟ , قال أبو سفيان لا , قال هرقل : قلت لو كان في أباءه من ملك لقلت رجلا يطلب ملك أباءه ..
إذا كان الأمر كذلك إذا علي رضي الله عنه يكون خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بن عمه فقط , ونحن لا نقبل بذلك .. نحن نقول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل من أصحابه هو الخليفة ليست القضية لإنه قريبي أعطيه الملك بعدي هذه إذاً قضية هذا الحديث .
===============
شبهة حديث الحوض
حديث الحوض فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يَرِدُ علي رجال أعرفهم ويعرفونني فيذادون عن الحوض - يعني حوض النبي يوم القيامة - فأقول أصحابي أصحابي فيقال : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ) ولهذا الحديث روايات أخرى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فأقول سحقاً سحقاً ) هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من هم ؟ قالوا هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لكم أن تثنوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الأصل يذادون عن الحوض ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم سحقا سحقاً .. فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى :
أولاً أن المراد بهؤلاء الصحابة المنافقون وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 } ..
وقد يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين فنقول نعم كان يعرف بعضهم ولم يكن يعرفهم كلهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } فبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم جميع المنافقين وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين .
ثم الشيء الثاني أن المراد بهم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه بعد توفي النبي صلوات الله وسلامه عليه إرتد بعض العرب .. إرتدوا عن دين الله تبارك وتعالى حتى قاتلهم أبو بكر الصديق مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسميت تلك الحروب بحروب الردة , فقالوا المراد بالذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هم الذين أرتدوا بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه .
على الأول أو على الثاني لا يدخل أًصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لماذا ؟ لأننا في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نقول ؟ ..
نقول كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك .
فإذا قلنا أنهم هم المنافقون فالمنافقون لم يؤمنوا بالنبي يوماً صلوات الله وسلامه عليه , وإذا قلنا هم المرتدون فالمرتدون لم يموتوا على الإسلام .. فهؤلاء لا يدخلون في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .(12/69)
وأما إذا قصدوا أن الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل أبو جهل في الصحابة وأبو لهب وأمية بن خلف وأبي بن خلف والوليد بن عتبة وغيرهم من المشركين يدخلون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقول بذلك أبداً .. ولكن نقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وفاطمة وعائشة والحسن والحسين وغيرهم كثير .. هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فمن من هؤلاء كان منافقاً ومن من هؤلاء إرتد عن دين الله تبارك وتعالى بل كل هؤلاء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولقوه وماتوا على ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى .
فالقصد أن الجواب الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هو للمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم , أو هم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أصلاً من المسلمين ثم إرتدوا وتركوا دين الله جل وعلا .
وهناك جواب ثالث وهو أن المعنى كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتابعه , وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي بن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال : لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , وهو الذي قال ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما الأول سمن كلبك يأكلك . فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه فيكون هذا هو المقصود ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر . ولذلك لما قال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته الخبيثة ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يا عمر لا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه ) , فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين , فهو غير داخل فالذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
كذلك قد يكون المقصود بالأصحاب أي من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين ولو لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم فندخل نحن في هذا المسمى ولذلك جاءت بعض روايات الحديث ( أمتي أمتي ) بدل ( أصحابي ) فنكون من أمته صلوات الله وسلامه عليه , وقد يقول قائل كيف وقد جاء في الحديث ( أعرفهم ويعرفونني ) فنقول أنه قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف أمته بآثار الوضوء صلوات الله وسلامه عليه .
ولنا سؤال هنا لو جاءنا النواصب , والنواصب هم الذين يبغضون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يبغضون علياً وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وقالوا هؤلاء الذين إرتدو وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم ؟؟!
الرد عليهم بأن نقول لهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل ..
فنقول أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر !!
فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
================
شبهة جيش أسامة
يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جهز جيش أسامه وذلك لينتقم أسامة رضي الله عنه لأبيه زيد بن حارثة لما قُتل في مؤته جهز النبي جيش أسامة ليذهب إلى مؤته وقالوا جعل من ضمن هذا الجيش أبا بكر وعمر حتى يصفو الجو لعلي رضي الله عنه ويستطيع النبي أن يعينه خليفة !! أنظروا كيف جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً يخاف من أبي بكر وعمر فيرسلهما في الجيش حتى يستطيع أن يبين للناس أن علياً هو الخليفة !! هكذا يكتم الدين بهذه الدرجة .. وهذا طعن في النبي صلوات الله وسلامه عليه , الله سبحانه وتعالى يقول له : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } يقول : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 قُمْ فَأَنذِرْ 2} { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } وهم يقولون يخاف من هؤلاء الصحابة صلوات الله وسلامه عليه وحاشاه من ذلك .
ثم يضيفون إلى هذا الأمر أموراً أخرى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) حتى تصيب اللعنة أبا بكر وعمر .
فنقول أولاً : إن أبا بكر لم يكن أبداً في جيش أسامة , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة , بل هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما كون عمر في جيش أسامه فهذا هو المشهور في السير , أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عمر في جيش أسامة .(12/70)
كيف يكون أبا بكر في جيش أسامة والنبي أمر أبا بكر ان يصلي بالناس في فترة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ,هذا تناقض لا يمكن أن يحدث ولذلك لما أراد أسامة أن يخرج إستأذن أبو بكر أسامةَ أن يبقي عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل ما سير جيش أسامة إلا أبو بكر الصديق , وذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشار بعض الصحابة على أبي بكر أن يبقي جيش أسامة في المدينة خوفاً على المدينة من المرتدين ومن العرب الذين لم يسلموا بعد فأبا أبو بكر أن ينزل راية رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يخرج جيش أسامة , وخرج جيش أسامة بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , فكيف جعلوا أبا بكر الصديق الذي أخرج جيش أسامة جعلوه ممن تخلف وجعلوه ممن يستحق اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم وما هذا إلا من شيء في قلوبهم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
==============
شبهة قضية فدك
قضية أقيمت لأجلها الدنيا , تكلموا فيها كثيراً وشنعوا فيها كثيراً على أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه وهي قضية فدك وما أدراك ما فدك . فدك أرض للنبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وذلك من المعلوم أن خيبر لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وحاصرها إنقسمت إلى قسمين , إلى قسم فُتح عنوة وإلى قسم فُتح صلحاً , من الذي فُتح صلحاً في خيبر ما فيه فدك .
فدك أرض صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غلتها للنبي صلى الله عليه وسلم , فنصف غلة فدك تكون للنبي صلى الله عليه وسلم
بعد أن توفي صلوات الله وسلامه عليه جاءت فاطمة رضي الله عنها تطالب بورثها من النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى أبي بكر لأنه خليفة المسلمين الذي كانت تعتقد خلافته , فذهبت إليه و طلبت منه أن يعطيها فدك ورثها من النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لها أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) , وهنا لو قلنا لأبي بكر الصديق تعال يا أبا بكر عندك فاطمة تطالب بإرثها وعندك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ) تطيع من ؟ ..
لا شك أنه سيقول سأطيع النبي صلى الله عليه وسلم .. طيب وفاطمة لماذا لا تطيعها فيقول أطيعها لو لم يكن عندي أمر من النبي صلى الله عليه وسلم , هذا النبي معصوم صلوات الله وسلامه عليه وفاطمة غير معصومة والنبي صلى الله عليه وسلم أمرني قال (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) وإن أحببتم فسألوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , هذا الحديث رواه أبو عبيدة ورواه عمر ورواه العباس ورواه علي ورواه الزبير ورواه طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) ..
طيب ماذا أصنع أنا عندي حديث النبي وعندي قول فاطمة ؟ .. لا شك أي واحد منا يخاف الله سبحانه وتعالى ويقدر النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد ..
فقال لها لا أستطيع أن أعطيك شيئاً الرسول قال : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .. فرجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تأخذ ورثها ..
دعونا نوزع إرث النبي صلى الله عليه وسلم لو كان له إرث من الذي يرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
يرثه ثلاثة : ترثه فاطمة ويرثه أزواجه ويرثه عمه العباس .
أما فاطمة فلها نصف ما ترك لإنها فرع وارث .. أنثى ..
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في الثُمُن لوجود الفرع الوارث وهي فاطمة ..
والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الباقي تعصيباً ..
هذا هو إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا ليست القضية خاصة بفاطمة ولذلك أين العباس لماذا لم يأت ويطالب بإرثه من النبي صلى الله عليه وسلم , أين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلم يعطها الإرث , قد يقول قائل كيف تحرمونها من الإرث ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ويقول عن زكريا عليه الصلاة والسلام أنه قال عن يحى لما طلب الولد قال: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } , وأنتم تقولون ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) هذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آية والآية إذا عارضت الحديث فالآية مقدمة على الحديث ..
فنقول ليس الأمر كما قلتم لماذا .. تعنتاً .. لا ليس والله تعنتاً وما يضيرنا لو أخذت فاطمة نصيبها رضي الله عنها وأرضاها إن كان لها نصيب ..(12/71)
ولكن نقول إقرأوا الآيات وتدبروها قليلاً لا نريد أكثر من ذلك , الله جل وعلا ماذا يقول عن زكريا ؟ قال { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ما الآيات التي قبلها , يقول الله تبارك وتعالى عن زكريا { كهيعص 1 ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا 3 قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6} .. سياق الآيات هل هي وراثة مال ؟ إقرأوا كتب السيرة ماذا كان حال زكريا .. فقير .. زكريا كان نجاراً كان فقيراً ما هو المال الذي عند زكريا حتى يطلب وارثاً له , ثم هل يعقل أن رجلاً صالحاً يسأل الله الولد ليرث ماله !! أين الصدقة في سبيل الله .. أين البذل ؟ يطلب ولداً ليرث ماله !! لا نقبل هذا لرجل صالح فكيف تقبلونه لنبي كريم !! أن يسأل الله الولد لأي شيء قال : حتى يرث أموالي !! هذا لا يمكن أن نقبله في نبي كريم مثل زكريا عليه الصلاة والسلام , ثم ماذا يقول : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد ؟ مئات السنين عشرات إن لم نقل مئات الآباء بين زكريا ويعقوب , موسى بين زكريا ويعقوب أيوب بين زكريا ويعقوب , داوود وسليمان بين زكريا ويعقوب , يونس بين زكريا ويعقوب , يوسف بين زكريا ويعقوب .. كل أنبياء بني إسرائيل تقريباً بين زكريا ويعقوب زكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا يحى عيسى .. إنتهت النبوة ويعقوب هو إسرائيل , كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب ونحن لانتكلم عن جميع الأنبياء نتكلم عن بني إسرائيل أمة كاملة ..
كم سيكون نصيب هذا الولد { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وكم وكم من الذين سيحجبونه عن الميراث , الأولاد الأقرب ..
هذا كلام لا يُعقل .. إذاً ماذا أراد زكريا .. أراد ميراث النبوة هذا الميراث الحقيقي ميراث النبوة .. يرث النبوة .. يرث الدعوة إلى الله تبارك وتعالى يرث العلم , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم ) , هذا الذي أراده زكريا صلوات الله وسلامه عليه , ومنه ميراث سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما قال الله تبارك وتعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ورث ماذا ؟ .. ورث العلم ورث النبوة ورث الحكمة , لم يرث المال لو كان مالاً ما فائدة ذكره ؟.. طبيعي جداً الولد يرث أباه , هذا أمر طبيعي فلماذا يذكر في القرآن ؟ إذاً الذي ذكر في القرآن أمر ذا أهمية عندما يقول الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أراد أن ينبه إلى شيء مهم ليس مجرد وراثة مال , ثم كم لداوود من الأبناء إرجعوا إلى سيرة داوود , داوود على المشهور كانت له ثلاثمئة زوجة وسبع مئة سُرّية - يعني أمة - ذكروا لداوود أولاد كثر ألا يرثه إلا سليمان ! صلوات الله وسلامه عليه .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً .
ولنفرض أنه ورث , طيب ما شأن أبي بكر وعمر وعثمان هل أخذوا هذا المال لهم ؟ , كانوا يعطونه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما ذنبهم .. ما الخطيئة التي أرتكبوها .. هل أبو بكر إستدخل فدك له , هل إستدخلها عمر .. هل إستدخلها عثمان أبداً لم يستدخلوها , إذاً لماذا يُلامون ؟ !
لماذا نزرع الكراهية في قلوب الناس لأبي بكر وعمر وعثمان ؟! ماذا صنعوا بفدك ؟!
خاصة إذا قلنا إن عمر وعثمان عاشا بعد فاطمة زمن الخلافة , فاطمة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها بعده بستة أشهر على المشهور .. ما شأن عمر وعثمان بفدك ؟! ..
دعونا نسلم بأن فدك إرث لفاطمة رضي الله عنها .. نصيبها الذي هو النصف إذا ماتت فاطمة من يرث فاطمة ؟ يرثها أولادها وزوجها من أولاد فاطمة ؟ .. اربعة : الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وزوجها علي , أبوها توفي صلى الله عليه وسلم وأمها توفيت وهي خديجة رضي الله عنها , مابقي من الورثة إلا الأولاد والزوج .. الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث فربع الميراث لعلي , وبقية الميراث - ميراث فاطمة - لأولاد فاطمة للذكر مثل حظ الأنثيين ..
طيب علي في خلافته لم يعط فدك لفاطمة ولم يعطها لأولاد فاطمة ..
فإن كان أبو بكر ظالماً وعمر كان ظالماً وعثمان كان ظالماً لفدك فعلي كان ظالماً كذلك , فكلهم لم يعطوا فدك لأهلها .. أبو بكر لم يعطها لأهلها , عمر لم يعطها لأهلها , عثمان لم يعطها لأهلها , علي لم يعطها لأهلها , وإسألوا علمائكم في هذا الأمر هل أعطى علي فدك لأولاد فاطمة ؟ لم يعطهم فدك .(12/72)
الحسن إستخلف بعد علي هل أعطى فدك لأخيه الحسين ولأخته زينب لم يعطهم , لأن أم كلثوم كانت قد توفيت ..
إذاً لماذا يُلام أبو بكر وعمر وعثمان ولا يُلام علي رضي الله عنه ؟! إما أن يُلام الجميع وإما أن لايُلام أحد ..
ننظر موقف أهل السنة وموقف الشيعة , أهل السنة لا يلومون أحداً , لماذا لا تلومون أحداً .. قالوا لأنها أصلاً ليست ميراثاً لفاطمة ولذلك لا نلوم أحداً .
أما الشيعة فيلومون أبو بكر ويلومون عمر ويلومون عثمان ويلزمهم أن يلوموا علي ولذلك خرجت طائفة من الشيعة يُقال لها الكاملية هذه الطائفة تطعن في علي مع أنها شيعية .. قالوا أبو بكر وعمر وعثمان ظلمة أخذوا الخلافة من علي , وعلي لم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمره بالخلافة و بايعهم وترك أمر الخلافة فعلي أيضاً مذنب ..
وهذا يلزمهم لأنهم لو فكروا بعقولهم بناءً على الأدلة الباطلة التي إستدلوا بها , إذاً فدك ليست إرثاً لفاطمة رضي الله عنها وأبو بكر خيراً صنع لأنه إتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سمعه يقول : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
هناك قول آخر وهو أن فدك هبة وهبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة كيف وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة .. قالوا لما فتح الله تبارك وتعالى فدك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى فاطمة وأعطاها إياها .. هل هذا صحيح ؟
قالوا نعم لما نزل { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } بعد فتح خيبر ناداها قال هذا حقك خذي حقك وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها .. هل هذا الكلام صحيح .. هل يُقبل أصلاً هذا الكلام ..
للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ثلاثة ذكور وأربعة إناث .. الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم كلهم ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار لا دخل لهم هنا إذاً , بقي للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات أصغرهن فاطمة رضي الله عنها , ثم تأتي بعد فاطمة رقية ثم أم كلثوم ثم زينب وهي الكبيرة هؤلاء هن بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
يقولون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة فدك ولم يعطي باقي البنات , بنات النبي صلى الله عليه وسلم توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة لما خرج إلى بدر صلى الله عليه وآله وسلم , لكن أم كلثوم وزينب توفيتا بعد ذلك , أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة من الهجرة , وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة .. خيبر في أول السنة السابعة من الهجرة .. أنظروا كيف يتلاعب الشيطان بالناس , فيكون النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح الله عليه خيبر له ثلاث بنات أحياء فاطمة وزينب وأم كلثوم .. تصوروا كيف ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن النبي يأتي إلى بناته الثلاث ويقول تعالي يا فاطمة هذه فدك لك وأنتما يا أم كلثوم ويا زينب مالكما شيء .. أيجوز أن يُقال هذا في النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وقال : يا رسول الله إني أريد أن أنحل إبني هذا حديقة وأريدك أن تشهد على ذلك , والنبي يعلم أن له أولاد آخرون غير هذا الولد , فقال له صلوات الله وسلامه عليه : ( أكل أولادك أعطيت ؟ ) يعني أعطيت بقية أولادك أو أعطيت هذا فقط , قال : لا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذهب فإني لا أشهد على جور ) .
والنبي يقول : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) ويقول : ( لا أشهد على جور ) الله أكبر ! أنرضى أن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا يشهد على الجور والذي قول لنا : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) أرضى أن يكون هو بذاته صلى الله عليه وسلم الذي يفرق بين أولاده !! الذي لا يشهد على الجور هل يفعل الجور ؟! صلى الله عليه وآله وسلم .. لا يمكن هذا أبداً , إذاً لن يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بناته .
ثم يا عقلاء إن كان النبي أعطاها لفاطمة فجاءت تطالب بماذا إذاً في عهد أبي بكر , إذا أخذتها وأستلمتها تطالب بماذا ؟ هي ملكك تطالبيني بماذا ؟ ! تقول أعطاها النبي في السنة السابعة من الهجرة وتوفي بعد أن أعطاها بأربعة سنوات .. وتأتي في عهد أبي بكر تقول أعطني الذي أعطاني النبي قبل أربع سنين !! أيعقل هذا الكلام .. لا يُعقل هذا أبداً ولا يُقبل مثل هذا الكلام .(12/73)
بقي شيء واحد يقولون لما غضبت فاطمة إذاً رضي الله عنها وأرضاها .. فاطمة إستدلت بعموم قول الله تبارك وتعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } فعلى هذا الأساس جاءت تطالب بإرثها رضي الله عنها فلما قال لها أبو بكر رضي الله عنه ( لا نورث ما تركناه صدقة ) إنتهى الأمر ورجعت , عائشة رضي الله عنها التي تروي هذه القصة وتروي هذا الحديث تقول : فوجدت على أبي بكر أي غضبت أنه لم يعطيها فدك , لكن ليس في الحديث شيء أن فاطمة تكلمت على أبي بكر بشيء وإنما هذا فهم عائشة فهمت أن فاطمة وجدت وتضايقت وأنها لم تكلم أبا بكر , طبيعي جداً أنها لم تكلم أبا بكر لأنها كانت مريضة وما كان أبا بكر يخالطها أصلاَ , ليست إبنته وليست قريبة له , هي إبنة النبي وزوجة علي رضي الله عنه ما شأن أبي بكر بها ؟ ولذلك زارها قبل موتها رضي الله عنها , بل وعلى المشهور أن التي غسلتها والتي كانت تمرضها هي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق هي التي غسلت فاطمة رضي الله عنها .. فقضية أن فاطمة وجدت على أبي بكر الله أعلم بذلك . هذا فهم عائشة تقول أنها وجدت لكن ليس الحديث نص أن فاطمة تكلمت في أبي بكر أو طعنت فيه أبداً .. سكتت رجعت إلى بيتها بعد أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
================
شبهة رزية يوم الخميس
أو حديث الرزية , والرزية يعني المصيبة التي وقعت هذا الحديث يرويه بن عباس يقول : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني الوفاة - وفي البيت رجال فيهم عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلم أكتب كتاباً لا تضلون بعده ) , فقال عمر : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) , وأختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لا تضلوا بعده , ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والإختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
هم يطعنون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر من خلال هذا الحديث , مدار طعنهم في ماذا ؟ :
أولا قالوا إن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر , وهذه قالها التيجاني كذباً وزوراً في كتاب فسألوا أهل الذكر ص144 وص 179 ونسبه إلى البخاري كذباً وزوراً وهو ليس في البخاري أن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر وإنما قال غلب عليه الوجع .
ما معنى قول عمر : ( حسبنا كتاب الله ) هل معنى هذا أننا لا نريد السنة , هكذا هم يلبسون على الناس , إن معنى قول عمر ( حسبنا كتاب الله ) أي ما جاء في كتاب الله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } يكفي كمل الدين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاح , إجتهد عمر في هذه .. أصاب أو أخطأ هذا موضوع آخر , لكن هل نقول إن عمر كتم الدين رضي الله عنه وأرضاه !! عندما قال ( حسبنا كتاب الله ) , هل كان الذي سيبلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمراً لازماً واجباً لابد منه واحذروا قبل أن تقولوا نعم , لأننا إذا قلنا نعم هو أمر لازم واجب لابد منه والنبي لم يبلغه معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الرسالة ولم يكملها وكتم بعضها والله جل وعلا يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } قبل هذه الحادثة بثلاثة أشهر في حجة الوداع قال الله هذا الكلام سبحانه وتعالى وأنزله على نبيه قرآناً يتلى .
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله والجنة إلا وأمرتكم به , وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ) إذاً النبي بلغ الرسالة .
بقي أمر وهو ما هو هذا الأمر الذي أراد النبي أن يبلغه ؟ , جاء في مسند أحمد بإسناد مرسل ولكنه صحيح - صحيح مرسل - إلى حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أن علياً رضي الله عنه كان حاضراً في هذه الحادثة فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إئتوني بكتاب قال علي : يا رسول الله إني أحفظ , قل أحفظ , فقال :
( أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) إذاً بلّغ ما كان يريد صلوات الله وسلامه عليه ..
ولنا أن نسأل هل كان علي حاضراً رضي الله عنه في هذه الحادثة .. قطعاً نعم عند الجميع عندنا وعند الشيعة هو حاضر , إذاً لما لم يكتب لما لم يذهب ويأتي بالدواة والقلم ويكتب مع من كان علي مع الذين منعوا أو مع الذين لم يمنعوا ؟! ..(12/74)
هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : ( قوموا عني ) أمرهم أن يقوموا عنه صلوات الله وسلامه عليه .. لماذا قال قوموا عني ؟ .. لأنه صار صياح هذا يقول قرب وهذا يقول لا تقرب والنبي صلى الله عليه وسلم في وادي وهم في وادٍ آخر , ولذلك أمرهم بالخروج صلوات الله وسلامه عليه .
نعم هناك من قال يستفهم: أهجر ؟؟ يعني أهذا الذي يقوله النبي صلى الله عليه وسلم هجراً أو لا ؟؟ ولكن نقول من يقول أن الذي قال هذا عمر ؟ لماذا لا يكون قاله علي ! ونحن أيضاً نقول علي لم يقل هذا , إذاً من الذي قال : أهجر ؟ , لعله أحد الذين كانوا حديثي إسلام وحضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا مثل هذه الكلمة .. ولكن لم يثبت أبداً أن أبا بكر قال هذه الكلمة أو عمر أو عثمان أو علي أو الزبير أو طلحة أو أحد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
النبي صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لما أصابه الوجع قبيل موته لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة كما قال بن عباس إذ كان الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم شديداً صلى الله عليه وآله وسلم .. ولذلك بن مسعود لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت وجده يعرق عرقاً شديداً يتصبب العرق من جبينه , فقال يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال : ( إني أوعك كرجلين منكم ) , قال : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ , قال : ( نعم ) .
فشفقة عمر على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي دفعته أن يقول ( حسبنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ) يعني دعوا النبي يرتاح صلى الله عليه وسلم .
وقلنا ونعيد ونكرر قبلتم هذا أو لم تقبلوه , لكن هل هذا يُخرج عمر من الملة ؟ , هل هذا يجعل عمر عاصياً لله جل وعلا ..
طبعاً هناك دعوى عريضة لا دليل عليها وهي أن هذا الكتاب هو خلافة علي ! دعوى من يقول إن هذه الدعوى صحيحة , أنا الآن في هذا المقام سأقول أن هذا الكتاب هو خلافة أبو بكر .. من يمنعني ؟ بل أنا صاحب الدليل لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إئتوني بكتاب فإني أخشى أن يتمنى متمني ويأبى الله إلا أبا بكر ) ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر هو الذي يصلي بالناس في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه .
من يقول أن هذا الكتاب هو خلافة علي ؟ ثم هذا الكتاب هو خلافة علي أليس النبي قد بلّغ خلافة علي - كما يدعي القوم - في الغدير وقبل الغدير في تبوك , وقبل تبوك في مكة في حديث الإنذار حديث الدار فلماذا صار الأمر إلا الآن .. الآن فقط يريد أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم تعالوا ننظر إلى ما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن ومن السنة كم نسبة المكتوب من غير المكتوب ولا شيء جل ما بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم مسموع غير مكتوب , والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
( نحن أمة أمية لا نكتب الشهر عندنا هكذا وهكذا وهكذا ) يعد بأصابعه صلوات الله وسلامه عليه , ولذلك أنظروا كم حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتبه الصحابة وكم حديث للنبي صلى الله عليه وسلم الذي وعاه الصحابة وحفظوه لا مقارنة فلماذا هذه بالذات تُكتب , فالقصد أننا ننظر في هذا الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هل هو أمر واجب أو أمر مستحب .. قطعا هو أمر مستحب وليس من الأمر الواجب لأننا قلنا قبل قليل إذا قلنا إنه من الأمر الواجب فإننا نقول إن النبي قد كتم والنبي لم يكتم صلى الله عليه وسلم , هذا ليس امر واجب بل هو من المستحبات التي تركها للمصلحة صلوات الله وسلامه عليه .
خاتمة :(12/75)
وختاماً نقول إقرأوا كتاب الله تبارك وتعالى تدبروا كلام الله جل وعلا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} , أي الذين أنفقوا من قبل الفتح والذين أنفقوا من بعد الفتح كلهم وعدهم الله تبارك وتعالى الحسنى , وماذا يترتب على وعد الله تبارك وتعالى بالحسنى , قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ 101 لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} , تدبروا قول الله تبارك وتعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } , تدبروا قول الله تبارك وتعالى { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.. } , تدبروا قول الله تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 8 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 9} , اقرأوا قول الله تبارك وتعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18} , أيرضى الله عن المنافقين لا يرضى الله تبارك وتعالى أبداً عن المنافقين , إن الله لا يرضى إلا عن المؤمنين لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما كان ويعلم ما يكون سبحانه وتعالى فالله بكل شيء عليم ولا يرضى الله عن المنافقين أبداً .
إن من أبرز صفات المنافقين في كتاب الله جل وعلا وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي واقع الأمر أنهم أجبن الناس , يخافون على أنفسهم ويخافون الموت ولذلك تجدهم مذبذبين كما قال الله جل وعلا { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} , فهل هذه الصفات هي صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم , إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين باعوا أنفسهم وأشتروا الجنة والذين بذلوا كل شيء في سبيل الله تبارك وتعالى هم الذين قاتلوا المرتدين , هم الذين فتحوا البلاد هم الذين فتحوا الهند والسند وفتحوا الشام ومصر وفتحوا العراق وفتحوا بلاد فارس هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , هم هؤلاء الذين تطعنون أنتم فيهم الله يقول { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } والله سبحانه وتعالى يقول { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } الله تبارك وتعالى يقول { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ويقول بعدها { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وأنظروا أنتم ماذا تقولون أنتم وماذا يقول علمائكم عن أولئك الصحابة , أتصدقون الله ورسوله أو تصدقون علمائكم ؟ إنكم بين أمرين , كيف بمن جلس مع طلابه ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم صلوات الله وسلامه عليه وهو رسول الله أوتي جوامع الكلم .. أحرص الناس على الخير .. أتقى الناس لله .. أعلم الناس بالله .. أصدق الناس مؤيد من عند الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك لم ينجح أحد !! إلا ثلاثة .. إلا أربعة إلا خمسة .. إلا سبعة على روايات متفاوتة عندهم ... أتقبلون هذا !!؟ ..
أتقبلون أن يُقال فشل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه .. إنه الكفر بعينه إنه الطعن في ذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .(12/76)
إن صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن تكون صفات المنافقين .. إقرأوا كتاب الله وتدبروه .. إقرأوا سورة التوبة لتعلموا ما هي صفات المنافقين وأقرأوا باقي القرآن , آل عمران والفتح وغيرها من كتاب الله حتى تعلموا صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , إنكم تطعنون في أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة , إنكم تطعنون في أقوام كان علي يحبهم وكان أولاده يجلونهم , علي رضي الله عنه زوج إبنته أم كلثوم لعمر يا من تطعنون في عمر , علي رضي الله عنه سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان , الحسن سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر , علي بن الحسين سمى إبنته عائشة وسمى ولده عمر , سُكينة بنت الحسين من زوجها ؟ مصعب بن الزبير بن العوام .
إن العلاقات بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم كانت حميمة جداً والله ما كان بينهم ما يدعون من كفر أولئك وعصمة الآخرين بل كانت علاقة ود وصفاء ومحبة هكذا كانوا .. لماذا نقبل من الآخرين أن يسيروا فكرنا ولا ننظر نحن في كتب التاريخ وكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم هؤلاء لنعرف الحقيقة بأنفسنا , كل منا سيحاسب في قبره لوحده سيحاسبه الله تبارك وتعالى لماذا أبغضت هؤلاء ؟ .. ما ذنبهم ؟ .. إنهم أولياء الله جل وعلا والله سبحانه وتعالى يقول : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) , وإنما توعد الله بالحرب ثلاثة .. توعد آكل الربا , وتوعد الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً , وتوعد الذين يحاربون أولياءه فأحذر ..
والله ما أردنا من هذا الشريط ولا أردنا من هذه الجلسة إلا أن نقدم النصح والله لا نريد لكم إلا الخير لا نريد لكم إلا الجنة .. ليست بأيدينا ولكن الله تبارك وتعالى بين لنا طريقها وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقها , إنه بقدر ثبوت قدمك على الصراط في هذه الدنيا يكون ثبوت قدمك على الصراط في الآخرة نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا ويهديكم وأن يوفقنا ويوفقكم ودعونا نقول جميعاً .. اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه ثم بعد ذلك نسعى سعياً حثيثاً لمعرفة الحق وطلبه حتى نتبعه ولمعرفة الباطل حتى نجتنبه ونبتعد عنه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته .
==================
تقسيم الصحابة بين أهل السنة والجماعة والرافضة الاثني عشرية
يبدأ التيجاني ( المهتدي ) بحثه للوصول للحق كما يدعي في أهم قضية كما أسلفت والتي تعتبر مفرق الطريق وجوهر الخلاف بين أهل السنة والشيعة ( الرافضة ) وهي البحث في حياة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأول ما يبدأبه التيجاني بحثه هو رأى السنة والشيعة في تقسيم الصحابة، فيذكر أن الشيعة يقسمون الصحابة إلى ثلاثة أقسام فيقول (( وقد استنتجت من خلال الحديث مع علماء الشيعة أن الصحابة في نظرهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام.
فالقسم الأول وهم الصحابة الأخيار الذين عرفوا الله ورسوله حق المعرفة وبايعوه على الموت وصاحبوه بصدق في القول وبإخلاص في العمل، ولم ينقلبوا بعده، بل ثبتوا على العهد وقد امتدحهم الله جل جلاله في كتابه العزيز في العديد من المواقع، وقد أثنى عليهم رسول الله في العديد من المواقع أيضاً، والشيعة يذكرونهم باحترام وتقديس ويترضون عليهم كما يذكرهم أهل السنة باحترام وتقديس أيضاً.
والقسم الثاني هم الصحابة الذين اعتنقوا الإسلام واتبعوا رسول الله أما رغبة أو رهبة، وهؤلاء كانوا يمنون إسلامهم على رسول الله، وكانوا يؤذونه في بعض الأوقات ولا يمتثلون لأوامره ونواهيه بل يجعلون لآرائهم مجالاً مقابل النصوص الصريحة حتى ينزل القرآن بتوبيخهم مرة وتهديدهم أخرى وقد فضحهم الله في العديد من الآيات وحذرهم رسول الله أيضاً في العديد من الأحاديث النبوية والشيعة لايذكرونهم إلا بأفعالهم بدون احترام ولا تقديس.(12/77)
أما القسم الثالث من الصحابة فهم المنافقون (!!) الذين صحبوا رسول الله للكيد له وقد تقربوا ليكيدوا للإسلام والمسلمين عامة وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة وذكرهم في العديد من المواقع وتوعدهم بالدرك الأسفل من النار وقد ذكرهم رسول الله وحذّر منهم وعلّم بعضاً من أصحابه أسماءهم وعلاماتهم، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنة على لعنهم والبراءة منهم ))(4) هذا هو التقسيم الشيعي للصحابة كما ذكره التيجاني في كتابه بالإضافة لقسم خاص من الصحابة يتميزون بالقرابة وبفضائل خلقية ونفسية وهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم(5) ثم ينقل اعتقاد أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام فيقول (( أما أهل السنة والجماعة مع احترامهم لأهل البيت وتعظيمهم وتفضيلهم(*) إلا أنهم لا يعترفون بهذا التقسيم ولا يعدّون المنافقين في الصحابة، بل الصحابة في نظرهم خير خلق الله بعد رسول الله، وإذا كان هناك تقسيم فهو من باب فضيلة السبق للإسلام والبلاء الحسن فيه فيفضلون الخلفاء الراشدين بالدرجة الأولى ثم الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة على ما يروونه (!) ))(6) هذا هو اعتقاد أهل السنة في الصحابة كما ذكره التيجاني في كتابه، والآن وقبل أن أشرع بالرد على تقسيم الصحابة في نظر الشيعة الاثني عشرية وبيان عواره و بطلانه لابد من تحديد من هو الصحابي ؟ من هو المنافق ؟ سواء من الجانب اللغوي والاصطلاحي ومن ثم لا بد أن نعرف من هم المعنيون في تقسيمات الشيعة ( الرافضة ) الاثني عشرية من الصحابة حسب ما جاء في مصادرهم المعتمدة حتى يسهل على القارئ معرفة القول الحق من القول الباطل سواء كان سنياً أو شيعيا ،ومن ثم أشرع في الرد على تقسيم الرافضة الاثني عشرية للصحابة وتبيان مجانبتها للحق والله المستعان.
1ـ تعريف الصحابي لغةً واصطلاحاً:
ففي اللغة: (( صحبه كسمعه، صحابة، ويكسر وصُحبةً عاشره. وهم أصحاب وأصاحيب وصحبانُ وصحابٌ وصحابة وصحبٌ واستصحبه: دعاه إلى الصحبة ولازمه ))(7)، (( وكل شئٍ لاءم شيئاً فقد استصحبه ))(8) (( والصاحب المعاشر ))(9) فالمصاحبة في اللغة تعني الملازمة والمعاشرة.
وفي الاصطلاح: (( الصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمن به ومات على ذلك ))(10)، وهذا التعريف يقتضي أنه من رأى النبي غير مؤمن به ومات على ذلك لا يدخل في مسمى الصحبة له.
2ـ تعريف المنافق لغةً واصطلاحاً:
ففي اللغة: (( نافق ينافق منافقةً ونفاقاً، وهو مأخوذ من النفقاء: أحد حجر اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر، وخرج منه، وقيل: هو من النَّفَق: وهو السَّرَب الذي يُستتر فيه، لِسَترِه كُفرَه))(11)، فالنفاق في اللغة يعني التقلب على أكثر من وجه والاستتار.
وفي الاصطلاح: (( المنافق الذي يظهر الإسلام ومتابعة الرسول ويبطن الكفر ومعاداة الله ورسوله ))(12). وبعد هذا البيان التعريفي لكلمتي ( الصحابي والمنافق) نخلص إلى أنهما لا يتفقان لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الاصطلاحية فالصحابي هو الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومات على الإسلام والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، فلا يتوافق أن يكون الصحابي منافقاً ولا المنافق صحابياً، ولعل أحداً يتساءل،كيف نعرف الصحابي من المنافق؟ أقول للمنافق صفات وعلامات ظاهرة بالكتاب والسنة نستطيع من خلالها أن نميزه عن الصحابة وسيأتي بعد قليل ذكر بعض من صفات المنافق عند الرد على تقسيم الرافضة الاثني عشرية للصحابة.
ثانيا: التقسيم الحقيقي للصحابة في اعتقاد الرافضة الاثني عشرية:
ذكر المؤلف التيجاني أن الشيعة الرافضة قسموا الصحابة إلى ثلاثة أقسام(13) ولكن الحقيقة تشهد على أن الرافضة يقسمون الصحابة إلى قسمين لا ثالث لهما وذلك ما يقوله علماؤهم بأفواههم وتشهد عليهم بذلك كتبهم:(12/78)
1ـ أما القسم الأول من الصحابة والذين تترضى عنهم الرافضة وذكرهم التيجاني في القسم الأول لا يقلّون عن ثلاثة ولا يتجاوزون السبعة!! فقد روى الكشي ـ وهو عمدتهم في الرجال ـ باسناد (معتبر)! عن الباقر (ع) (( أنه ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد. قال الراوي فقلت فعمار، قال كان حاص حيصة ثم رجع ))(14)، وفي رواية أخرى ((....ثم أناب الناس بعد، وكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري، وعمار، وأبوعميرة، وشتيرة، وكانوا سبعة فلم يعرف حتى أمير المؤمنين (ع) إلا هؤلاء السبعة ))(15)، وروى الكليني كبير علماء الاثني عشرية في كتابه ( الأصول من الكافي ) ـ وهو يمثل أحد أربعة كتب تعتبر مرجع الأمامية في أصول مذهبهم وفروعه(16) ـ عن حمران بن أعين قال (( قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال : ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلاـ وأشار بيده ثلاثة......الخ ))(17)، وروى في الروضة (( عن عبد الرحيم القصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال يا عبد الرحيم إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية، يا سعد أنت المرجاء وشعرك المرجل وفحلك المرجم ))(18) فهذ هو القسم الأول من الصحابة المعتمدين في نظر الرافضة الاثني عشرية.
2ـ أما القسم الثاني في نظر الرافضة فهم بقية الصحابة دون المذكورين في القسم الأول وهم أهل النفاق والارتداد والانقلاب وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة ثم العشرة المبشرون بالجنة ثم البقية الباقية من الصحابة. هذه هي عقيدة الرافضة الاثني عشرية في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مصادرهم الأصيلة....... ولكن ما السبب في تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أقسام في كتاب التيجاني ( المهتدي )؟ السبب هو لمحاولة تضليل القارئ وخاصة إذا كان من أهل السنة بإيهامه أن الصحابة ليسوا مرتدين ولكنهم يريدون الدنيا فاتبعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رغبة في الدنيا أو رهبة منه ( أى نفاقاً ) وحتى يفتح المجال للقارئ ويسهل عليه إلقاء من يريده من الصحابة في باب الردة يضع القسم الثاني ويتبعه بالقسم الثالث وهم المنافقون ويقحمه غصباً في باب الصحابة ثم بعد ذلك يخلط المؤلف في كتابه بين القسمين الثاني والثالث ويدمجهما في قسم واحد فيصبح الصحابة قسم مرضي عنه وقسم منقلب مرتد وبذلك يسهل إستدراج القارئ ليتقبل التقسيم الحقيقي للصحابة في نظر القوم،ولعل أحداً يظن التيجاني يقصد بالمنافقين عبدلله بن أبي بن سلول رأس النفاق وأصحابه، بل ستراه يدافع عنه في حادثة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه وموقف بعض الصحابة من ذلك(19).
ثالثاً: الرد على تقسيم الشيعة الاثني عشرية للصحابة.
1ـ إذا كان المنافقون جزءاً من الصحابة ( زعموا ) فمعنى ذلك أن كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو صحابي لعدم اشتراط الإيمان به والموت على ذلك ولأن المنافق من جملة الكافرين فليس صحابياً ولكن الرافضة لا يشترطون الإيمان فيدخلونه في مسمى الصحابي ومعنى ذلك أن اليهود والنصارى والمشركين الذين رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيدخلون في مسمى الصحابة لأنه لا يشترط الإيمان في الصحبة وهذا الكلام لا يقوله إلا من تشبع بالغباء فضلاً عن العقلاء، فإذا اعترف الرافضة بأن الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك فقد أبطلوا الادعاء بأن المنافق صحابي لأنه ليس من أهل الإيمان بالاتفاق.
2ـ لاشك أن علياً وبقية الصحابة الذين تترضون عنهم سيدخلون في باب المنافقين لأنكم فتحتم الباب على مصراعيه ولم تحددوا من هم الصحابة ومن هم المنافقون ومن حق كل إنسان أن يعتقد بمن شاء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم منافقون بحجة أن أهل النفاق في الصحابة (!) ومن هذا الباب دخل الملاحدة والزنادقة والمستشرقون للطعن في الإسلام وأهله.
3ـ القارئ لكتاب هذا التيجاني سيخلص إلى أن أهل النفاق أكثر كماً من الصحابة الذين يمثلون القلة ممن أحاط بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لقد استولوا على المراكز القيادية ( وهذا هو اعتقاد الرافضة ) والتيجاني نفسه يقول في قسم الصحابة الثالث أن المنافقين قد أظهروا الإسلام وانطوت سرائرهم على الكفر وقد تقربوا ليكيدوا للإسلام والمسلمين فإذا كانت هذه هي أهدافهم وكانوا هم الكثرة فلماذا لم يحيطوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته ليقضوا عليهم ويدمروا دولة الإسلام الفتية؟ ولكن الواقع يشهد بأن الإسلام قد انتصر وانتشر في بقاع الأرض وعلت رايته وتهاوت أمامه رايات الكفر، فانظر أيها القارئ رعاك الله كيف تتصادم أقوال هؤلاء الروافض مع الحقائق العقلية والوقائع التاريخية.(12/79)
4ـ لم يكن المنافقون مجهولين في مجتمع المدينة إنما كانوا فئة مفضوحة فقد عُلم بعضهمبعينه والبعض الآخر عرف بالأوصاف المذكورة في القرآن ويبين هذه الحقيقة حديث كعب بن مالك ـ وهوأحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ـ وذلك حين قال (( فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء.....الخ ))(20) ومن أوصافهم الظاهرة أيضاً (( وصفهم بالإفساد في الأرض والاستهزاء بدينه وبعباده وبالطغيان واشتراء الضلالة بالهدى، والصم والبكم والعمى والحيرة والكسل عند عبادته(*)، والتردد والتذبذب بين المؤمنين والكفار فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والحلف باسمه تعالى كذباً وباطلاً وبعدم الفقه بالدين وبالجبن، وبعدم الإيمان بالله وباليوم الآخر والرب، وأنهم يحزنون بما يحصل للمؤمنين من الخير والنصر، ويفرحون بما يحصل لهم من المحنة والإبتلاء، وأنهم يتربصون الدوائر بالمسلمين وبكراهتهم الانفاق في مرضاة الله وسبيله وأنهم يفرحون إذا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكرهون الجهاد في سبيل الله وأنهم أحلف الناس بالله قد اتخذوا أيمانهم جنة تقيهم من إنكار المسلمين عليهم، وبأنهم مضرة على أهل الإيمان يقصدون التفريق بينهم والفجور عند الخصام ويؤخرون الصلاة إلى آخر وقتها ويتركون حضور الجماعة وأن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشاء ))(21) فهذه بعض صفات المنافقين التي وصفهم الله سبحانه بها، فبالله هل هذه الأوصاف يوصف بها من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!..هل هذه الأوصاف يستحق من يوصف بها أن يكون قسماً من الصحابة؟!..لا شك أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أبعد الناس من أن يوصفوا بتلكم الأوصاف وقد استحقوا رضى الله سبحانه ومرضاته حتى قال فيهم { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران 110) وقال تعالى { ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } ( الأنفال 64) وقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } ( الفتح 29 ) وقال سبحانه { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم } ( الأنفال 74) فالذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا هم المهاجرون من الصحابة، والذين آووا ونصروا هم الأنصار من الصحابة وقد وصفهم الله بصيغة الجمع بأنهم هم المؤمنون حقا ثم يأتي بعد ذلك أولي النهى والخبول ليجعلوا الصحابة والمنافقين في خندق واحد!!؟
5ـ من المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علّم بعض أصحابه أسماء المنافقين وقد أقر المؤلف بذلك وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ترضى عن صحابته وأوجب حبهم والثناء عليهم وحمى أقدارهم من التعرض لهم بسوء فقال (( لاتسبوا أصحابي(22) فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدُهم ولا نصيفه ))(23) وقال (( من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ))(24) وقال أيضاً صلوات الله وسلامه عليه (( إحفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،....الخ ))(25) وهذا يقتضي بالضرورة عدالة جميع الصحابة ولا يمكن بحال إدخال المنافقين في جملة هذه الأحاديث وقد أنزل الله فيهم قوله (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )) و( الـ ) للإستغراق اللهم إلا إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتناقض في أقواله وحاشاه ذلك.(12/80)
6ـ ثم نسأل هذا ( المهتدي ) الوبي! إذا كان القسمان الثاني والثالث من الصحابة هم من المجروحين الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رغبة أو رهبة والمنقلبين على أعقابهم بالإضافة إلى النفاق الذي استشرى بينهم ( وهم الأكثرية من الصحابة ) وقسم واحد ( وهم القلة القليلة من الصحابة ) ـ كما بينت سابقاً ـ هم المرضي عنهم والمعدلين من جملة الصحابة فما الذي يعنيه ذلك؟! فإذا كانت الأغلبية من الصحابة منقلبين ومنافقين يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلملم يستطيع أن يربي أصحابه على الحق والعدل فأصبح مربياً فاشلاً!!؟ وهل ربّى بعد كل هذه الفترة صحابة لا يقلون عن ثلاثة ولا يتجاوزون السبعة؟؟! فحاشاه ذلك بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ... أقول لطالب الحق أليس هذا طعناً صريحاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فبالله ماذا كان يفعل طيلة هذا المدة مع أصحابه وهل تعلموا منه السوء فقط سبحان الله! أهذا النبي العظيم الذي أنشأ جيلاً فريداً من البشر فتح الله بهم الدنيا وأنقذ بهم الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام ومن ظلمات الجاهلية إلى أنوار الحرية ودخل الناس من كل فجٍ عميق في دين الله أفواجاً حتى اعترف بعظمة هذا الجيل الفريد أحبار اليهود والنصارى ثم يأتي بعد ذلك أحفاد عبد الله بن سبأ ليفاجئونا بعد خمسة عشر قرناً بأن جيل الصحابة كانوا منافقين منقلبين على أعقابهم في النار؟!
7ـ من المعلوم لدارس سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن النفاق لم يكن له أثر في بداية الدعوة في مكة نظراً للإضطهاد الذى كان يلقاه المسلمون وقتئذ ولكنه ظهر بالمدينة بعدما مكن الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصبح الإسلام واقعاً معترفاً به ومن المتفق عليه أن أبابكر وعمر وعثمان وغيرهم قد أسلموا في بداية محنة الإسلام في مكة وهذا يبين أنهم من أبعد الناس عن النفاق.
8ـ لقد فضح الله المنافقين في سورتي ( المنافقين، والتوبة ) مبيناً حالهم ودسائسهم وما تكنه صدورهم تجاه المؤمنين لذلك سُمّيت سورة التوبة بالفاضحة والمدمدمة لما أظهرت من صفاتهم ونواياهم ثم أظهرت حال أهل الإيمان من الصحابة الميامين بشهادة رب العالمين، وبالنسبة لسورة المنافقين فقد نزلت في رأس النفاق عبد الله ابن أبي بن سلول وأصحابه فقد أخرج البخاري في صحيحه عند تفسير سورةالمنافقين عن زيد بن الأرقم أنه قال (( كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي ـ أو لعمر ـ فذكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثلُهُ قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومقتك، فأنزل الله تعالى ( إذا جاءك المنافقون ) فبعث إليّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ فقال: إن الله قد صدقك يازيد))(26) ولعل ( المهتدي ) يشك في ذلك وحتى أُشككه في هدايته إلى ما هُدي إليه أحيله إلى مراجعة كتاب ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) للإمام الطبرسي ـ وهو من أكابر علمائهم ـ فقد أورد سبب نزول سورة المنافقين في ابن أبي سلول فقال (( نزلت الآيات في عبد الله بن أبي ـ المنافق ـ وأصحابه ... ))(27) ثم ذكر الروايات التي أوردها البخاري التي تثبت ذلك، ومعلوم أن أصحاب ابن أبي كانوا معروفين بأعيانهم عند الصحابة وهذا واضح جداً من سياق الحديث. وأما بالنسبة لسورة ( التوبة ) فقد دمدمت على أهل النفاق في مواضع عديدة وفضحت الكثير من صفاتهم ففي قوله تعالى { لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين } إلى قوله { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } ( التوبة 44 ـ49)، ومعلوم أن الصحابة جميعاً قد خرجوا للقتال وقد تخلف في بادئ الأمر أبوذر وأبوخيثمة ثم لحقا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تخلف أيضاً من الصحابة ثلاثة وهم ( كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع ) وهم من الأنصار وسيأتي أن الله سبحانه غفر لهم وتاب عليهم، وبقي في المدينة أهل النفاق والمعذورين من الجهاد وقد ذكرت سابقاً قول كعب بن مالك وهوأحد الثلاثة المتخلفين ذكر أنه لم يبق في المدينة إلا رجل ممن عذر الله أو رجلاً مغموصاً عليه بالنفاق وهذا يدل على أن أهل النفاق كانت لهم علامات يعرفهم بها الأصحاب ولا يجهلونها.(12/81)
وقوله تعالى { يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون } ( التوبة 64) يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية (( قال مجاهد: يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لايغشى علينا سرنا هذا، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى { وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير } أي أن الله سينزل علي رسوله ما يفضحكم به ويبين لكم أمركم كقوله تعالى { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ـ الى قوله ـ ولتعرفنهم في لحن القول } الآية، ولهذا قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة فاضحة المنافقين ))(28) أي أن الله فضحهم أمام الخلائق وبين حقيقتهم للناس بعد ما كان مكرهم سراً وفي الخفاء وبعد هذا لايقول أنهم والصحابة الكرام قسم واحد إلا من تسربل بالغباء! .
وقوله تعالى { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم } إلى قوله تعالى { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } ( التوبة 95 ـ 96) هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وجاؤوا يعتذرون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا بضعة وثمانين رجلاً ليس فيهم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم راجع صحيح البخاري رواية عبد الله بن كعب(29) في سبب نزول هذه الآية. وقوله تعالى { والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين....} إلى قوله { والله يحب المطهرين } ( التوبة 107 ـ 108) وهذه الآية أيضاً فضحت المنافقين وذلك عندما بنوا مسجد ضرار لأبي عامر الراهب الفاسق لحرب المؤمنين وأرادوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي فيه فأخبره جبريل بأمرهم فأمر بعض ( أصحابه ) بهدمه وأمره بالصلاة في المسجد الذي أسس على التقوى ... ولا شك أن الذين قاموا ببناء مسجد ضرار غير مجهولين عن الصحابة ولكن في نظر المؤلف المتشيع للحق والعقلانية أن أكثر الصحابة منافقون، والبداهة تقول أن المسجد الذي يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو مسجد الصحابة، والمسجد الذي أمر بهدمه هو مسجد أهل النفاق، فإذا كان أكثر الصحابة منافقون(30) وصلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الصحابة المنافقين فهل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هدم مسجد المؤمنين ليصلي في مسجد المنافقين أيها العقلانيون؟! وفي نفس السورة يخبر الله برضاه عن الصحابة من السابقين الأولين مهاجرين وانصاراً بقوله سبحانه { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ( التوبة 100 ) فانظر أيها القارئ كيف يخبر الله برضاه عن الصحابة من المهاجرين والأنصار (( فياويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم؟! وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ويسبون من سبه الله ورسوله ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله وهم متبعون لا مبتدعون ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون وعبادُه المؤمنون ))(31) وقوله سبحانه { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤف رحيم } ( التوبة 117) وهذه الآية أيضاً صريحة في مدح الصحابة من المهاجرين والأنصار وصفاء ضمائرهم وسرائرهم، فهاتان الآيتان تصرحان بعدالة الصحابة الأخيار بشهادة الكبير المتعال، ثم رضي الله سبحانه على الثلاثة الذين تخلفوا وهم من جملة الصحابة خلاف بقية المتخلفين عن الغزوة من المنافقين الذين قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن ظاهرهم، وهذا أعظم دليل على الفارق الكبير بين الصحابة المعدلين من الله سبحانه رغم أخطائهم والمنافقين الذين فضحهم الله سبحانه في كتابه الكريم والحمد لله رب العالمين.(12/82)
9ـ لابد من أن أسوق رأى كبارعلماء الرافضة الإثني عشرية الذين أنطقهم الله الذي أنطق كل شيء ....أنطقهم بالحق الذي لا مرية فيه وذلك من كتبهم المعتمدة فقد أورد أبو النصر محمد بن مسعود المعروف بالعياشي في تفسيره لقوله تعالى { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } رواية تنفي النفاق صراحة عن صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رواها عن محمد الباقر ( وهو خامس الأئمة الاثني عشرالمعصومين ) عند القوم (( فعن سلام قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه حمران بن أعين فسأله عن أشياء فلما همَّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام أخبرنا أطال الله بقاك وأمتعنا بك إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترقَّ قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا وتهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟ قال فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرّة يصعب عليها الأمر ومرّة يسهل، ثم قال أبو جعفر: أما إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله تخاف علينا النفاق، قال:فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا إنا إذا كنا عندك فذكرتنا روعنا ووجلنا نسينا الدنيا وزهدنا فيها حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والأولاد والمال يكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شيء أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا ( ! ) هذا من خطوات الشيطان ليرغبنكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق خلقاً لكي يذنبوا (*) ثم يستغفروا فيغفر لهم إن المؤمن مفتن توّاب أما تسمع لقوله { إن الله يحب التوابين } وقال {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } ))(32) ويقول الإمام الحسن العسكري ، وهوالإمام الحادي عشر عند القوم ـ في تفسيره مبيناً منزلة الصحابة الكرام عندما سأل موسى عليه السلام الله بضع أسئلة منها قوله ((..هل في صحابة الأنبياء أكرم عندك من صحابتي قال الله عز وجل: يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبييين وكفضل محمد على جميع المرسلين ))(33) وأختم أخيراً برأي وصي القوم وإمامهم ـ بزعمهم ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أوثق كتب الإمامية ليستيقن طالب الحق ويزداد الذين آمنوا إيماناً فيصفهم لشيعته المتخاذلون عن نصرته متأسياً بهم فيقول (( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما أرى أحداً يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجّداً وقياماً يراوحون بين جباهِهِم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم رُكب المعزي من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبُلَّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب ))(34) وأورد أيضاً إمام القوم إبراهيم الثقفي في كتابه ( الغارات ) ـ من أهم كتب الشيعة الاثني عشرية ـ قول علي عندما سأله أصحابه ((...ياأمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: عن أي أصحابي؟ قالوا: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل أصحاب محمد أصحابي ))(35)! فهذا هو قول أعظم أئمتهم ( كما يدعون ) في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين أكثرهم منافقون كما يدعي المهتدي والهداة المهديين من الرافضة، فهل يبطلون قولهم الساقط هذا ويلجمون ألسنتهم عن الصحابة الكرام أم سيبطلون قول إمامهم؟!
وبعد هذا البيان أرجو منك أخي القارئ أن تراجع هذه الأدلة وأنت تقرأ في ثنايا هذا الكتاب لتعرف صحة ما نقلناه من اعتبار الرافضة لأكثر الصحابة وأولهم الخلفاء الثلاثة في عداد المنافقين المنقلبين على أعقابهم.
أولاـ الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في صلح الحديبية:(12/83)
يقول التيجاني ((مجمل القصة أن رسول الله (ص) خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف و أربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب، وأحرم هو وأصحابه بذي الحليفة و قلدوا الهدي ليعلم قريش أنه إنما جاء زائرا معتمرا و ليس محاربا، و لكن قريشا بكبريائها خافت أن يسمع بأن محمداً دخل عنوة الى مكة و كسر شوكتها فبعثوا اليه بوفد يرأسه سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرة من حيث أتى على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام، وقد اشترطوا عليه شروطاً قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحى إليه ربه عزوجل، ولكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي وعارضوه في ذلك معارضة شديدة وجاءه عمر بن الخطاب فقال: ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال رسول الله (ص): إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قال عمر:أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال عمر: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، ثم أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال: يا أبابكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، ثم سأله نفس الأسئلة التي سألها رسول الله، وأجابه أبو بكر بنفس الأجوبة قائلاً له: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، ولما فرغ رسول الله من كتاب الصلح قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يمتثل لأمره منهم أحد، فدخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحداً منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعض، .. هذه مجمل قصة الصلح في الحديبية وهي من الأحداث المتفق عليها عند الشيعة والسنة وقد ذكرها المؤرخون وأصحاب السير كالطبري وابن الأثير وابن سعد وغيرهم كالبخاري ومسلم، وأنا لي هنا وقفة، فلا يمكن لي أن أقرأ مثل هذا ولا أتأثر ولا أعجب من تصرف هؤلاء الصحابة تجاه نبيهم، وهل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يمتثلون أوامر رسول الله ( ص ) وينفذونها، فهذه الحادثة تكذبهم وتقطع عليهم مايرومون، هل يتصور عاقل بأن هذا التصرف في مواجهة النبي هو أمر هين، أو مقبول، أو معذور قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } ))(2)
قلت رداً عليه:(12/84)
1ـ يبدو أن هذا التيجاني قد أجمل الرواية كثيراً حيث أخفى الجزء الهام منها مما يدل على سوء خبيئته ومدى تجنيه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في جزء من حديث صلح الحديبية المستشهد به قول عروة بن مسعود لقومه (( .....فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أى محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويَدَعُوكَ، فقال له أبو بكر: امصص بظرَ اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخِّر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم(3) رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره (!!)، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، فرجع إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمداً (!!) والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ))(4) فهؤلاء هم الصحابة المعظِّمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم يشهادة رجل من المشركين..... سبحان الله أرأيت أخي القارئ إلى هذا التيجاني المنصف والأمين كيف يخفي هذا الجزء الهام من الحديث، وأنا في الحقيقة أعذره في ذلك لأنه بإيراده لهذا الجزء سيهدم كلامه من أوله إلى آخره إذ كيف يتوافق ما جاء في الحديث مع تهويلاته؟!
2ـ لم يعارض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة كما يدعي التيجاني ولا يظهر في الحديث ما يدل على أنهم أرادوا مخالفة نبيهم صلى الله عليه وسلم ولكنهم فعلوا ما فعلوه حباً لدينهم وعقيدتهم وحنقاً على الكافرين، وظنوا كما يظن أي إنسان تعتريه الأعراض البشرية أن ما جاء في المعاهدة التي أبرمت من الشروط ما يعتبر إجحافاً في حق المسلمين وهذا ما كان ظاهراً وجلياً في هذه المعاهدة، وليسوا هم معصومون ويوحى إليهم مثل نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم كيف يخالف الصحابة نبيهم ولا يمتثلون أمره ثم ينزل فيهم قوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } ( الفتح 18) فهذه الآية نزلت في صلح الحديبية، فكيف يخبر الذي يعلم السر وأخفى برضاه عن الصحابة لعلمه ما في قلوبهم من الصدق والوفاء والسمع والطاعة ويبشرهم بالفتح القريب ثم يأتي هذا ( المتشيع للهدى )! ليشكك في نيات الصحابة تجاه نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ فلا أقول له إلا كما قال الصديق امصص بظر اللات !؟؟(5).(12/85)
3ـ وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً لدى القارئ سأنقل رواية مسلم في صلح الحديبية، ـ وقد عزى التيجاني نفسه إليها في هامش كتابه ـ وهي رواية أخرى غير رواية البخاري والتي توضح مَن مِنَ الصحابة بالتحديد الذي خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورفض الإذعان لأمره فقد أخرج مسلم عن البراء بن عازب قوله (( لما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيقيم بها ثلاثا. ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، السيف وقرابه، ولا يخرج معه من أهلها، ولايمنع أحدا يمكث بها ممن كان معه. قال لعلي ( أي ابن أبي طالب ) أكتب الشروط بيننا. بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما قضى عليه محمد رسول الله، فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك، ولكن أكتب: محمد بن عبد الله، فأمر عليا أن يمحاها. فقال علي: لا والله لا أمحاها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرني مكانها، فأراه مكانها فمحاها. وكتب: ابن عبد الله فأقام بها ثلاثة أيام ...))(6) وإذا أردت أن أستخدم عقلية هذا التيجاني وتفكيره وإنصافه المزعوم فسأقول أنا لي هنا وقفة فلا يمكن لي أن أقرأ مثل هذا ولا أتأثر ولا أعجب من تصرف هذا الصحابي، وهل يقبل عاقل قول القائل بأن هذا الصحابي كان يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم وينفذه، فهذه الحادثة تكذبه وتقطع عليه مايروم، فهل يظن نفسه أكثر حرصا من النبي صلى الله عليه وسلم حتى دفعه بأبي هو وأمي أن يمحي الكلمة بيده الشريفة ويكتبها بنفسه، فلا أظن أن عاقلا يقول بأن هذا التصرف في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم هو أمر هين أومقبول أو معذور ... فهذه هي العقلية التي يكتب بها هذا التيجاني التي تفتح الباب لكل (جاهل ) ليحمل كل فعل لصحابي مع النبي صلى الله عليه وسلم على أنه مخالفة له وعدم امتثال لأمره وسوء تصرف...الخ، ولا نكلف أنفسنا الرجوع لأقوال أهل العلم من شُراح الأحاديث، فأقول لهذا التيجاني هل تقبل هذا التفسير لفعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قبلت بذلك فعليك أن تحكم على عليٍ بما حكمت به على بقية الصحابة، وإن لم يعجبك هذا التعليل فقد حكمت على قولك بحق الصحابة الكرام بالبطلان فتصبح قد رددت على عقلك بنفسك والحمد لله رب العالمين.
ثم يقول (( فهل سلّم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضى الرسول ( ص )؟! أم كان في موقفه تردد فيما أمر النبي؟ وخصوصاً في قوله أولست نبي الله حقاً؟ أولست كنت تحدثنا؟ إلى آخره، وهل سلم بعد ما أجابه رسول الله بتلك الأجوبة المقنعة، كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبابكر نفس الأسئلة، وهل سلم بعدما أجابه أبوبكر ونصحه أن يلزم غرز النبي، لا أدري إذا كان سلم بذلك، أو اقتنع بجواب النبي أو بجواب أبي بكر(!!)، وإلا لماذا تراه يقول عن نفسه فعملت لذلك أعمالاً... فالله وحده ورسوله يعلم ما هي الأعمال التي عملها عمر، ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فلم يستمع إلى أمره أحد منهم حتى كررها عليهم ثلاث مرات بدون جدوى، سبحان الله أنا لا أصدق ما أقرأ، وهل يصل الأمر بالصحابة لهذا الحد في التعامل مع أمر الرسول، ولو كانت هذه القصة مروية من طريق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على الصحابة الكرام، ولكن القصة بلغت من الصحة والشهرة أن تناقلها كل المحدثين من أهل السنة والجماعة أيضا، وبما أنني ألزمت نفسي توثيق ما اتفقوا عليه فلا أراني إلا مسلما ومتحيراً: ماذا عساني أن أقول؟ وبماذا أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاماً من البعثة إلى يوم الحديبية، وهم يشاهدون المعجزات وأنوار النبوة؟ والقرآن يعلمهم ليلاً نهاراً كيف يتأدبون مع حضرة الرسول وكيف يكلموه، حتى هددهم الله بإحباط أعمالهم إن رفعوا أصواتهم فوق صوته ))(7). أقول:
1ـ مما شك فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلَّم بما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أبدى شيئاً من الإعترض على شروط الاتفاق لأن(12/86)
الشبهة لم تنكشف له بوضوح، خصوصاً إذا عرفنا أنهوجه أسئلته تلك للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده أبي بكر بعدما اشترط المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم شروطاً قاسيةً منها أنه من جاء مسلماً يجب أن يرد إليهم ففي الحديث (( ....فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل ـ وإن كان على دينك ـ إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله!! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتب بعد قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:فأجزه لي، قال ماأنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبوجندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله، قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم .... الخ )) ثم سأل أسئلته تلك فلهذا كان وقع الأمر على عمر بن الخطاب بل وعلى أغلب الصحابة شديداً، ثم وإذا أضفنا إلى ذلك أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به......الخ ) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه رأى في منامه أنه يعتمر ويدخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم(8)، لهذا وتلك سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك منه حرصاً على إذلال المشركين وحرصاً على نصرة الدين وأسئلته واضحة بهذا الشأن، ولم يكن ذلك شكاً بالطبع فقد وقع في رواية ابن اسحاق (( أن أبابكر لما قال له: الزم غرزه فإنه رسول الله، قال عمر وأنا أشهد أنه رسول الله ))(9) لذلك يقول الإمام إبن حجر العسقلاني (( والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة في القصة وتنكشف عنه
الشبهة ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي، وإن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة، وإنما عمل الأعمال(10) المذكورة لهذه، وإلا فجميع ماصدر منه كان معذوراً فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه ))(11) والذي يؤكد أن عمر توقف في ذلك ليعلم الحكمة وتنجلي له
الشبهة هو ما وقع في رواية مسلم في قصة الحديبية عند سؤال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم تلكم الأسئلة قول الراوي ((....فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله أو فتح هو؟! قال: نعم فطابت نفسه ورجع ))(12) وفي سورة الفتح نزل قوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } وروى أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لن يدخل النار رجل شهد بدراً والحديبية ))(13) فقد أخبر الله برضاه عن المؤمنين المبايعين للنبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وشهد لهم بالجنة.. لماذا؟ لأنه علم صفاء ظواهرهم وبواطنهم، ولا شك أن عمر بن الخطاب من أوائلهم، فإذا كان الله سبحانه علام الغيوب يخبر عن صفاء قلوب الصحابة ثم يأتي هذا الرويبض المهتدي! ليطعن في قلوب الصحابة ألا يكون هذا طعناً بالدين؟!
2ـ أما قوله أن عمر قال (( فعملت لذلك أعمالاً )) وقوله (( والله وحده ورسوله يعلم ما هي الأعمال التي عملها عمر )) فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظيم جهله، فقد ورد عن عمر التصريح بقوله ( أعمالاً ) ففي رواية ابن إسحاق (( وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به . وعند الواقدي من حديث ابن عباس: قال عمر: لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً، وصمت دهراً ))(14) وذلك ليكفر عما بدر منه من التوقف في الامتثال للأمر من أوله وهذا أيضاً من اجتهاده رضي الله عنه وفي هذا دلالة واضحة على ورعه وتقواه وانابته للحق وأنه ما أراد إلا إظهار العزة للمسلمين وإذلال المشركين كما هو واضح من سياق الحديث.
3ـ بالنسبة لقوله ( ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله قوموا فانحروا ثم احلقوا....الخ )(12/87)
فأقول لهذا التيجاني لقد أوضحت في الحديث الذي رواه مسلم بأن علياً كان من جملة الصحابة الحاضرين في صلح الحديبية وكان من المعارضين لشروط الاتفاقية على رأي عمر بن الخطاب، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم قوموا فانحروا فلم يقم منهم أحد، فلا شك أن علياً أيضاً كان واحداً منهم ولم يمتثل لأمره صلوات الله وسلامه عليه، وأنت تقول ( ماذا عساني أن أقول؟ وبماذا أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاماً....) ويبدو أنه قد غاب عنك أن علياً واحداً من هؤلاء الصحابة، فإذا استطعت أن تعتذر عن علي في هذه الحادثة فأعتقد أن هذا يُعد اعتذار يشمل بقية الصحابة، وإذا لم تستطع أن تجد عذراً لعليٍ فالطعن الذي وجهته للصحابة موجه له يقيناً، وهنا لا يسعني إلا أن أقول إعتذر عن عقلك خير لك!!
4ـ أما بالنسبة لعدم امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم يعود لعدة أمور بينها ابن حجر بقوله (( قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور، أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، وسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ، ويحتمل أن يكونوا ألهتهم صورة الحال فإستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم وليس فيه حجة لمن أثبت أن الأمر للفور ولا لمن نفاه ولا لمن قال إن الأمر للوجوب لا للندب، لما يطرق القصة من الاحتمال ))(15) (( ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح من أمره لهم بالفطر في رمضان، فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه شرب شربوا ))(16) فهذه هي الاحتمالات التي يضعها العلماء ليعتذروا عن الصحابة الكرام أما الجهلاء فأول ما يطرق عقولهم هو حمل أفعال الصحابة على أسوء المحامل وأسخفها في الوقت ذاته وذلك لما تكنه صدورهم من الحقد والكراهية فنعوذ بالله ممن أصمه الله وأعمى بصيرته.
ثم يهذي فيقول (( ويدفعني إلى الاحتمال بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين ودفعهم إلى التردد والتخلّف عن أمر الرسول ـ زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالاً لم يشأ ذكرها ـ ما يردده ( هو ) في موارد أخرى قائلاً: مازلت أصوم واتصدق واعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به.....إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية مما يشعرنا بأن عمر نفسه كان يدرك بعد الموقف الذي وقفه ذلك اليوم، إنها قصة عجيبة وغريبة ولكنها حقيقية ))(17)
1ـ هذا من الدس الرخيص على الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ كيف علم أن عمر هو الذي أثار بقية الحاضرين للتخلف والتردد عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فهل يعلم ما في قلب عمر أم أوحي إليه بذلك؟! فلا يدل ذلك إلا على تحامل هذا الرافضي على عمر، ثم على أي شيء استند هذا الدعي في تقوله على عمر؟ فهل في الحديث ما يدل على ذلك؟! فإذا كان فيه ما يدل على ذلك وهيهات فليرينا إياه بدلاً من إلقاء الكلام جزافاً على خير الناس.
2ـ ألا يدل هذا الكلام أيضاً على أنه طعن في بقية الصحابة لأنهم بزعمه تخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رأي عمر! وعلي بن أبي طالب من جملتهم بالطبع! أرأيت أخي القارئ كيف يمهد هذا الرافضي (المهتدي) لقرائه ويستدرجهم من حيث لم يحتسبوا رويداً للطعن في مجموع الصحابة العظام ليصل بهم إلى تقبل اعتقاد الرافضة بأن الصحابة ارتدوا إلا ثلاثة أو سبعة!؟ ولست أدري كيف لم ينتبه هذا الرافضي إلى أنه يطعن في إمامه الأول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه من الصحابة المترددين عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
3ـ أما قوله ( زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالاً لم يشأ ذكرها ) ثم قوله (ما يردده هو في موارد أخرى قائلاً: ما زلت أصوم وأتصدق...الخ ) فلست أدري حقاً هل يعني هذا الرجل ما يكتب؟! فكيف يعمل أعمالاً لم يشأ ذكرها ثم يردد (هو) في موارد أخرى أنه فعل كذا كذا، فهو هنا يريد أن يوهم القارئ أن هناك أعمالاً أخرى غير التي ذكرت قد أخفاها عمر، فيبدو أن لهذا التيجاني حاسة ثامنة قد استطاع من خلالها اكتشاف ما عجز عنه المحققون والشراح، ثم ماذا تعني بقولك (موارد أخرى )؟ أليست هذه روايات أخرى لهذا الحديث؟ فما الذي يجعلك تتمسك برواية البخاري التي يقول عمر فيها ( فعملت لذلك أعمالاً ) وتشكك في الروايات الأخرى والتي توضح هذه الأعمال مع أن المتكلم في جميع هذه الروايات هو عمر نفسه! فلماذا يعترف على نفسه بأنه عمل أعمالاً لم يشأ ذكرها؟!(12/88)
4ـ أما قولك إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية..فما هو المأثور عنه في هذه القضية؟ فإذا كنت تأتي لقول عمر الصريح الواضح فتجعله متشابهاً، فكيف بك لو وجدت ما يدين عمر فلأسرعت لتزيينه في كتابك (الهادي)! ولكنك لم تجد فأوهمت ذلك وهذا إغلال منك في هذه الحادثة.
ثانياً: الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في رزيَّة يوم الخميس:
يقول التيجاني (( ومجمل القصة أن الصحابة كانوا مجتمعين في بيت رسول الله قبل وفاته بثلاثة أيام فأمرهم أن يحضروا له الكتف والدواة ليكتب لهم كتابا يعصمهم من الضلالة، ولكن الصحابة اختلفوا ومنهم من عصى أمره واتهمه بالهجر، فغضب رسول الله وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شيئا، وإليك شيئا من التفصيل، قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه، فقال: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والإختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله (ص) قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: إن الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم، هذه الحادثة صحيحة لا شك فيها، فقد نقلها علماء الشيعة ومحدثوهم في كتبهم، كما نقلها علماء السنة ومحدثوهم ومؤرخوهم، وهي ملزمة لي على ما ألزمت به نفسي، ومن هنا أقف حائراً في تفسير الموقف الذي وقفه عمر بن الخطاب من أمر رسول الله، وأي أمر هو؟ أمر عاصم من الضلالة لهذه الأمة، ولا شك أن هذا الكتاب فيه شيء جديد بالنسبة للمسلمين سوف يقطع عليهم كل شيء ... ثم يتابع فيقول ... ولنترك قول الشيعة بأن الرسول أراد أن يكتب إسم علي خليفة له، وتفطن عمر لذلك فمنعه فلعلهم لا يقنعوننا بهذا الزعم الذي لا يرضينا مبدئياً ولكن هل تجد تفسيراً لهذه الحادثة المؤلمة التي أغضبت الرسول حتى طردهم وجعلت ابن عباس يبكي حتى يبلَّ دمعه الحصى ويسميها رزية، أهل السنة يقولون بأن عمر أحس بشدة مرض النبي فأشفق عليه وأراد أن يريحه، وهذا التعليل لا يقبله بسطاء العقول فضلاً عن العلماء، وقد حاولت مراراً وتكراراً التماس بعض الأعذار لعمر ولكن وقع الحادثة يأبى علي ذلك، وحتى لو أبدلت كلمة يهجر ( والعياذ بالله ) بلفظة ( غلبه الوجع ) فسوف لن نجد مبرراً لقول عمر ( عندكم القرآن ) حسبنا كتاب الله، أوكان هو أعلم بالقرآن من رسول الله الذي أنزل عليه، أم أن رسول الله لا يعي ما يقول (حاشاه) أم أنه أراد بأمره ذلك أن يبعث فيهم الاختلاف والفرقة أستغفر الله ))(1).
وللرد على ما سبق أقول:
1ـ خلط التيجاني في هذا الحديث يبن أكثر من رواية مختلفة فقد ذكر أن الصحابة اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم ( بالهجر ) وفي الحديث الذي ذكره في كتابه لا وجود لهذه الكلمة وفي الحديث أيضاً نقل قول ابن عباس ( يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه ) فهذه الجملة ليست من الحديث المذكور والذي يعزوه للبخاري في باب المرض ( باب قول المريض قوموا عني ) بهامش كتابه ولكنها وكلمة ( يهجر ) جزء من رواية أخرى تجاهلها هذا التيجاني لأنها توضح أموراً هامة في هذه الحادثة وهي رواية سعيد ابن جبير قال (( قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا ماشأنه؟ أهجر، استفهموه، فذهبوا يَرُدُّون عليه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعونني أليه، وأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال فَنَسِيتُها ))(2).
2ـ إذا أراد هذا التيجاني أن يفسر أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لقلب الموازين، فالكاتب الفاضل يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم من ( الضلالة )! هكذا بإطلاق، ومعلوم أن للضلالة معاني مختلفة، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لن تضلوا بعده ) فإنه يخصه بأمر محدد كأن ينص على تعيين خليفة أو كتابة كتاب في الأحكام ليرتفع النزاع في الأمة وإلا فبالله كيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب أمراً يعصم الأمة به من الضلالة؟! فإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن الأمر ليس للوجوب فتركه.(12/89)
3ـ يجب أن يعتقد كل مسلم (( أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكذب ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه ))(3) فإذا عرفنا ذلك تبين لدينا أنه لو أمر بتبليغ شىء حال مرضه وصحته فإنه يبلغه لامحالة ف(( لو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب مالا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره، لقوله تعالى { بلغ ما أنزل إليك } كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه ))(4) فدل ذلك على أن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته يحمل على الندب لا على الوجوب وقد عاش صلوات الله وسلامه عليه أربعة أيام بعد ذلك ولم يأمرهم بإعادة الكتابة، وقوله في الرواية التى أخفاها الكاتب ( وأوصاهم بثلاث ) يدل على أن الذى أراد أن يكتبه لم يكن أمراً محتّماً لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع الاختلاف، ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه، ولبلغه لهم لفظاً كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك(5).
4- أمّا ادعاؤه بقوله ( ولكن هل تجد تفسيراً معقولاً لهذه الحادثة المؤلمة التي أغضبت الرسول حتى طردهم )، قلت:
لم يظهر على النبي صلى الله عليه وسلم أي غضب على صحابته أو أمر بطردهم (هكذا ) ولم يرد هذا المعنى في أيٍ من روايات الحديث السبع التي ذكرها البخاري في صحيحه، ولكنه لشدة إحساسه بالمرض طلب منهم الكف عن الجدال فيما بينهم، ويظهر هذا واضحاً في الرواية التي أوصاهم فيها بثلاثة أمور وذلك بعد جدالهم فلا دليل على أنه غضب منهم أو طردهم ولو فرضنا جدلاً أنه غضب منهم فليس في هذا قدح بهم لأنهم ليسوا معصومين من الوقوع بذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يغضب ويرضى بل لعل غضبه على أصحابه يكون خيراً لهم فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة ))(6) وروى الطبراني في الكبير وأحمد في المسند قوله صلى الله عليه وسلم في جزء من الحديث (( أيما رجل من أمتي سببته سُبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم، أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة ))(7) ثم أقول لهذا التيجاني ( المهتدي ) إذا لم تستطع أن تجد تفسيراً معقولاً ( لغضب ) النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة كما تدعي فأقول لك أخرج البخاري عن علي بن أبي طالب قوله (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يارسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته وهومول يضرب فخذه وهو يقول { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا }))(8)! فهل يجد التيجاني تفسيراً معقولاً لمخالفة (علي) أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واحتجاجه بالقدر حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب على فخذه ويقول معترضاً ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) فإن وجد تفسيراً معقولاً لجدال علي ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم لجدال الصحابة معقول جداً؟!
5ـ أما عن بكاء ابن عباس حتى بل دمعه الحصى وتسميته ذلك رزيّة فلست أدري والله ما الحجة التي فيه على أهل السنة فابن عباس كان يقول ذلك عندما يروي الحديث وليس عندما حدثت الحادثة، والروايات كلها تدل على ذلك ويحتمل أنه تذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فزاد في حزنه بالإضافة إلى أن عدم كتابة الكتاب كان هذا رزية في حق من شك في خلافة أبي بكر فلو كتب الكتاب لزال الشك وكذلك سمى تلك الحادثة رزية لأن ابن عباس كان ممن وافق على ترشيح أبي بكر، وعلى كل حال إذا اعتقد أحد أن قول ابن عباس حق في خلافه مع عمر فأقول لا شك عندنا أن عمر كان أفقه من ابن عباس والحمد الله.
6ـ وقوله ( أهل السنة يقولون بأن عمر أحس بشدة مرض النبي فأشفق عليه وأراد أن يريحه، وهذا التعليل لا يقبله بسطاء العقول فضلاً عن العلماء )(12/90)
فأقول: سبحان الله على هذا العقلاني فإذا كان قول العلماء أن عمر أراد إراحة النبي صلى الله عليه وسلم تعليل لا يقبله بسطاء العقول؟! فهل القول بأن عمر وهو فاروق الأمة ومن خيرة الصحابة بعد أبي بكر تعمد إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم واتهامه بالهجر تعليل يقبله عظماء العقول يا تيجاني؟! فوالله لا يقول هذا إلامن جعل الجهل منهجه وطريقه، ولا شك لدينا أن هذا التعليل مقبول منطقياً خصوصاً إذا عرفنا أنه في الحديث اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، ولكن ليس هذا هو السبب وحده الذي جعل عمر يقول ما قال بل لأنه ظهرت لديه قرينة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلملم يجزم بالكتابة فقال ما قال وهذا من اجتهاده،..كما تبين لعلي عندما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فاحتج بالقدر لأنه تبين أن النبي عليه السلام لم يقل هذا على سبيل الجزم أى بالوحي، والكاتب يدعي أن أهل السنة يتعللون عن عمر بأنه أراد أن يريح النبي صلى الله عليه وسلم شفقة عليه وبما أنه نقل جزءاً من كلام أهل السنة مبتوراً فسأضطر لنقل بعض من أقوال علماء أهل السنة ليظهر للقارئ مدى قوة حجج أهل السنة في تعليل موقف عمر ومدى الفرق بين تعليل جاهل مفرط في جهله وبين عالم راسخ في علمه، يقول المازري عن هذه الحادثة (( إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم، وعزمه صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضاً....))(9) وقال الإمام البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة (( إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لايستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى { بلغ ما أنزل إليك } كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث ))(10) ويقول الإمام القرطبي (( ائتوني أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للإمتثال لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد للأصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك مايشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وقوله تعالى { تبياناً لكل شيء } ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من زيادة الإيضاح، ودلّ أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياماً ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور مالم يجزم بالأمر فإذا عزم امتثلوا ))(11) وقال الخطابي (( لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض مايخالف الاتفاق فكان ذلك سبب توقف عمر، لا أنه تعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ولا جواز الغلط عليه حاشا وكلا ))(12) ويقول النووي في شرحه لمسلم (( أما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لامحالة للاجتهاد فيها فقال عمر: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى { مافرطنا في الكتاب من شيء } وقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلالة على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه ))(13) ومما يدلل على فقه وعلم عمر ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر ))(14) وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها مايبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: ماأولت ذلك يارسول الله؟ قال الدين ))(15) وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى أني لأرى الرَّيَّ يخرج من أظافري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقالوا: فما أولته يارسول(12/91)
الله؟ قال العلم ))(16) وهذا علي بن أبي طالب يمدح عمر بن الخطاب ويشهد بعدالته واستقامته وذلك من كتاب الإمامية الحجة ( نهج البلاغة ) الذي جمعه إمامهم (الشريف الرَّضى ) حيث يقول في جزء من خطبته (( ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ))(17) ويقول ابن أبي الحديد الشيعي شارح نهج البلاغة ((...هذا الوالي هو عمر بن الخطاب ))(18) فأقول للتيجاني المهتدي كما يقول الشاعر:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً..........وآفته من الفهم السقيم.
7ـ وقوله ( وحتى لو أبدلت كلمة يهجر ـ والعياذ بالله ـ بلفظة غلبه الوجع فسوف لن نجد مبرراً لقول عمر ـ عندكم القرآن ـ حسبنا كتاب الله ) فأقول:
لا يوجد في أي من روايات الحديث بأن قائل هذه الكلمة هو عمر فقوله أنه لو أبدل كلمة ( يهجر ، بغلبه الوجع ) إيهام من هذا التيجاني بأن عمر القائل غلبه الوجع قد قال أيضا بأنه يهجر وهذا من الكذب البين على عمر لفروق المعنى بين الكلمتين ومن يجد الكاتب وهو يقول وحتى لو أبدلت كلمة يهجر( والعياذ بالله ) يظن أنه أكثر ورعاً وتورّعا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيالسخافاته الجاهلية !! .
وأما بالنسبة لكمة ( أهَجَرَ ) فإنها جاءت بصيغة الجمع وسبب قولهم ذلك إنكاراً لمن قال لاتكتبوا فقالوا كيف نتوقف هل تظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه ثم قالوا: إستفهموا للإنكار، وإن فرض صدور هذا الكلام عن بعضهم فلعل أحدهم اشتبه عليه الأمر فشك في ذلك لأنه ليس معصوماً والشك جائز عليه ولكن يستبعد ذلك لأنه لا بد أن ينكره الباقون، أو لعل قائل هذا القول هو من قرب دخوله في الإسلام أو أن أحدهم أصيب بالحيرة لدى مشاهدته النبي في حالته هذه فقال ما قال و (( الهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهِم وهو على قسمين: قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحَّة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وسلم كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر، وهذا القسم وإن كان ناشئاً من العوارض البدنية ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول، يعني أنَّا نرى هذا الكلام خلاف عادته صلى الله عليه وسلم فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال ))(19) فعلى العموم كل ما صدر عن الصحابة من أقوال لا تفيد الطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم بيقين وليس فيها ما يقدح بعدالتهم.
8ـ وقوله (( أوكان هو أعلم بالقرآن من رسول الله.....الخ )) فقوله هذا لا يدل إلا على جهله المركب لأن قول عمر حسبنا كتاب الله هو رد على من نازعه لا رداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى أنه تبين لديه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجزم على الكتابة فقال عمر قولته اعتماداً على قوله { اليوم أكملت لكم دينكم } وقوله { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وهذا كما بينت سابقاً يدل على عميق فقهه وعلمه، والرسول صلى الله عليه وسلم يعي ما يقوله هو وما يقوله عمر، لذلك لم ينكر عليه قالته تلك تدليلاً على استصوابه ويعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا لن يبعث فيهم الاختلاف والفرقة وهو ما حدث بالفعل فقد رشح المسلمون ( أبا بكر الصديق ) فقطع الخلاف وكتب الله لصحابته في عهد أبي بكر حب الإئتلاف وبغض الاختلاف.
ثم يقول التيجاني ( ثم لو كان تعليل أهل السنة صحيحاً، فلم يكن ليخفى على رسول الله حسن نية عمر، ولشكره رسول الله على ذلك وقربه بدلاً من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عني ) أقول: يأبى هذا التيجاني إلا أن يبرهن على سوء فهمه وقلة حيلته فيعيد كلامه تكراراً ولله در القائل:
إذا لم يكن لك حسن فهم............أسأت إجابةً وأسأت فهماً!؟
فلو كانت حججك العقلانية صحيحة أن تقول سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على قول عمر ثم توقفه عن الكتابة يدل على موافقته له، ثم يجازف نحوياً فيقول ( بدلاً من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عني ) عجباً فالهاء في ( عليه ) عائدة على عمر والواو في (أخرجوا ) واو الجمع فكيف تستقيم الجملة هكذا؟ فالأصل أن يقال ( أن يغضب عليه ويقول أخرج عني ) ولو قال ذلك فلعلها كانت شبهة له وقول التيجاني هذا أعظم دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن قول عمر ولم يعترض عليه ولكن لما كثر اللغط والاختلاف قال ( دعوني ) وليس فيها ما يفيد الطرد والإخراج خاصةً إذا ما عرفنا أنه أوصاهم بعدها بثلاثة وصايا.(12/92)
ثم يهذي التيجاني فيقول (( وهل لي أن أتساءل لماذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الحجرة النبوية، ولم يقولوا بأنه يهجر؟ ألأنهم نجحوا بمخططهم في منع الرسول من الكتابة، فلا داعي بعد ذلك لبقائهم، والدليل على أنهم أكثروا اللغط والاختلاف بحضرته (ص)، وانقسموا إلى حزبين منهم من يقول: قربوا إلى رسول الله يكتب لكم ذلك الكتاب ومنهم من يقول ما قال عمر أي أنه يهجر ))(20).
الله أكبر!؟ آلصحابة يخططون ضد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من الكتابة!!! فهذا والله اعتقاد من لم يدخل في قلبه حب وتوقير لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين آزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل عليه، وأفدَوهُ بأرواحهم وأهليهم بل وبكل ما يملكون ففتح الله لهم الدنيا وأذل لهم جبابرة الأرض من الفرس والروم بسبب نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي هذا الأنوك ليدعي أن الصحابة يخططون ضد من؟! رسول الله صلى الله عليه وسلم !!؟ فإنها والله لإحدى الكبر فهل هذا هو المنطق السليم والعقلاني الذي أوصله إلى ما يخالف المعقول والمنقول؟!... سبحان الله أكلّ هذا التحريف ليحاول أن يجعل النص يخدم أهداف الرافضة الشنيعة للحط من الصحابة ولكن أَنّى لهم، ثم يعيد ويكرر حجته الخاوية على عروشها بأن عمر يقول بأنه يهجر ودون إطالة أقول الحقيقة ظاهرة والحمد لله.
ثم يدلل هذا المهتدي على أسباب هدايته فيقول (( والأمر لم يعد بتلك البساطة يتعلق بشخص عمر وحده ولو كان كذلك لأسكته رسول الله وأقنعه (!) بأنه لا ينطق عن الهوى ولا يمكن أن يغلب عليه الوجع في هداية الأمة وعدم ضلالتها ولكن الأمر استفحل واستشرى ووجد له أنصاراً كأنهم متفقون مسبقاً (!)، ولذلك أكثروا اللغط والاختلاف ونسوا أو تناسوا (!) قول الله تعالى { ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }
فإن تعجب فعجب قولهم! فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب على عمر ويقول له وللباقين اخرجوا عني ألا يستطيع أن يسكت عمر؟ وفي الحديث أنه أوصاهم بثلاث وصايا، وعدم إسكاته دليل على الموافقة له والرضا بما قال، أما أنهم أكثروا اللغط ونسوا أو تناسوا ( هكذا ) قول الله سبحانه ( الآية ) فأقول لهذا التيجاني: الصحابة لم يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم بل رفعوا أصواتهم على بعضهم البعض وهذا جائز بدلالة الآية وعلى هذا فاحتجاجك السقيم ردٌ عليك.
ثم يخرج التيجاني أوضاره فيقول (( وفي هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الأصوات والجهر بالقول إلى رميه (ص) بالهجر والهذيان والعياذ بالله (!!) ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت معركة كلامية بحضرته وأكاد أعتقد بأن الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر ولذلك رأى رسول الله (ص) عدم الجدوى من كتابة الكتاب لأنه علم بأنهم لم يحترموه (!!) ولم يمتثلوا لأمر الله فيه في عدم رفع أصواتهم بحضرته، وإذا كانوا لأمر الله عاصين فلن يكونوا لأمر رسوله طائعين (!)، واقتضت حكمة الرسول بأن لا يكتب لهم ذلك الكتاب لأنه طعن فيه في حياته فكيف يعمل بما فيه بعد وفاته، وسيقول الطاعنون: بأنه هجر من القول ولربما سيشككون في بعض الأحكام التي عقدها رسول الله في مرض وفاته (!)، إذا اعتقادهم بهجره ثابت، أستغفر الله (!) وأتوب إليه من هذا القول في حضرة الرسول الأكرم (!!)، كيف لي أن أقنع نفسي وضميري الحر(!) بأن عمر بن الخطاب كان عفوياً في حين أن أصحابه ومن حضروا محضره بكوا لما حصل حتى بل دمعهم الحصى وسموها رزية المسلمين، ولهذا فقد خلصت إلى أن أرفض كل التعليلات التي قدمت لتوجيه ذلك، ولقد حاولت أن أنكر هذه الحادثة وأكذبها لأستريح من مأساتها (!) ولكن كتب الصحاح نقلتها وأثبتتها وصححتها ولم تحسن تبريرها ))(21)!(12/93)
هاهو التيجاني يدلي بوعائه ليخرج لنا قيحه الذي سود به صفحات كتابه، ولم يدر أنه بكلامه هذا قد خلع ربقة الإسلام من عنقه! فكيف يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عدم الجدوى من كتابة الكتاب واقتضت حكمته ذلك (( هكذا!! )) بحجة أن الصحابة ( لن ) يحترموه و( لن ) يمتثلوا أمره بالإضافة إلى طعنهم به!! ولو فرضنا ( اعتباطاً ) أن هذا حق فكيف يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة ما أمر ببلاغه وهو الرسول المبلغ عن رب العالمين؟ وليس هو مخيرٌ في ذلك والله يقول { يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فمابلغت رسالته، والله يعصمك من الناس ...} ( المائدة 67) ويقول سبحانه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ( النجم 3ـ 4) فلا بد للنبي صلى الله عليه وسلم من التبليغ سواءٌ بالكتابة أو بالقول كما أمرهم بإخراج المشركين من جزيرة العرب وغيره، وادعاء التيجاني هذا هو طعن بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كيف يتوقف عن التبليغ لمجرد الطعن به؟! ومن قرأ كتاب الله يعلم مدى جهل هذا التيجاني بحقيقة الرسالة لأن الرسل جميعاً تعرضوا من أقوامهم لشتى أنواع التعذيب الجسدية والنفسية فلم تثنيهم هذه العذابات عن المضي قدماً بتبليغ رسالة الله، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء قد تعرض لأنواع من الاغراءات ثم التهديدات والتعذيب ليثنيه المشركون عن تبليغ رسالة السماء، فقاموا بالاعتداء عليه وعلى أصحابه وتعذيبهم وحاصروه وقومه بشعاب مكة ورموه بألقاب السخرية والاستهزاء كالساحر والمجنون فلم تقف هذه الضغوط في طريقه ليبلغ دين الله كاملاً غير منقوص وجاهد في سبيل الله مع أصحابه حتى مكن الله له في الأرض وجعل دينه يعلوا على كل الأديان وبذلك استحق أن يكون خير رسل الله أجمعين، ثم يأتي هذا الرويبض ليدعي على نبي المرحمة صلوات الله وسلامه عليه أنه توقف عن تبليغ أمر الله عاصماً للأمة من الضلالة! لماذا؟ لمجرد عدم احترامه وإطاعة أمره أو الطعن به يتراجع عن تبليغ ما أمر ببيانه! فحاشا نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك، فلا بد من أن يبلغ الرسالة وأن يظهر الحق وإن حاربه أهل الأرض جميعاً وليظهر أهل الحق من أهل الباطل ويعرف أولياءه من أعدائه، فمن اتبع أمر الله ورسوله نجا ومن خالف فقد هلك ولذلك أنزل الله الرسل مبشرين للناس ومنذرين، ومن هنا نعلم أن الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته ليس وحياً بل على سبيل الاختيار ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهوشهيد، ثم يدعي هذا التيجاني على الصحابة بأنهم لم يحترموا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمتثلوا لأمره وطعنوا به!!؟ فيبدوا أن الكلام عند هذا التيجاني لا يشترى بالمال فلا غضاضة إذاً من تسويد الصفحات بالمجازفات والافتراءات، فمرة يقول أن ابن عباس بكى وبل دمعه الحصى ومرة يقول أن الصحابة بكوا حتى بل دمعهم الحصى وفي نفس الوقت يخططون لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة وأكثرهم كانوا على رأي عمر إلى آخر هذه التجنيات التيجانية!!
ثم ينتصر لربعه فيقول (( وأكاد أميل إلى رأي الشيعة في تفسير هذا الحدث لأنه تعليل منطقي وله قرائن عديدة، وأني ما زلت أذكر إجابة السيد محمد باقر الصدر عندما سألته: كيف فهم سيدنا عمر من بين الصحابة ما يريد الرسول كتابته وهو استخلاف علي على حد زعمكم، فهذا ذكاء منه، قال السيد الصدر: لم يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول، ولكن أكثر الحاضرين فهموا ما فهمه عمر، لأنه سبق لرسول الله (ص) أن قال مثل هذا إذ قال لهم أني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وفي مرضه قال لهم: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، ففهم الحاضرون ومن بينهم عمر أن رسول الله يريد أن يؤكد ما ذكره في غدير خم كتابياً، وهو التمسك بكتاب الله وعترته، وسيد العترة هو علي، فأنه (ص) أراد أن يقول: عليكم بالقرآن وعلي، وقد قال مثل ذلك في مناسبات أخرى كما ذكر المحدثون وكان أغلبية قريش لا يرضون بعلي لأنه أصغر القوم ولأنه حطم كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم، ولكنهم لايجرؤون على رسول الله إلى هذا الحد الذي حصل في صلح الحديبية وفي المعارضة الشديدة للنبي عندما صلى على عبد الله ابن أبي المنافق، وفي عدة مواقف أخرى سجلها التاريخ وهذا موقف منها، وأنت ترى أن المعارضة لكتابة الكتاب في مرض النبي شجعت بعض الآخرين من الحاضرين على الجرأة ومن ثم الإكثار من اللغط في حضرة الرسول ص ))(22).(12/94)
في الحقيقة إني والله لست أدري هل أغبط هؤلاء القوم على أحلامهم أم أحزن على سقم عقولهم، فالمهتدي يدعي بأن تفسير الشيعة (الرافضة) منطقي وله قرائن عديدة، فأتساءل ما هي هذه القرائن؟ هل هي تحليل ( باقر الصدر ) لموقف الصحابة؟ من يسمع كلام هذا الباقر يظن أنه يعلم الغيب أو ممن يوحى إليهم!! فإني والله لأعجب ولا أزال أعجب من قوله ( لم يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول ولكن أكثر الحاضرين فهموا ما فهمه عمر )!؟ فيبدوا أن ( باقر الصدر ) هذا قد بقر صدور الصحابة فعلم ما بها!!؟ ثم يقول ( لأنه سبق لرسول الله (ص) أن قال مثل هذا إذ قال لهم أني مخلف فيكم الثقلين...الخ وذكر حديث غديرخُم وفيه قول الرسول ( من كنت مولاه فعلي مولاه )(23) فأقول ( للمهتدي وهاديه ) بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبق وأن ذكر مثل ذلك كما تدعي فلماذا يكرره مرة أخرى وقد نص على ذلك في هذه الأحاديث والتي رواها أهل السنة في صحاحهم ولم تنكروها؟ ألا يكفي هذان الحديثان حجة على أهل السنة؟! والغريب حقاً أن الشيعة الأمامية طالما طبّلوا في آذاننا وزمّروا سواءٌ في كتبهم أو على ألسنة علمائهم أن علياً قد نَص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بنصوص جلية لا تحتمل اللبس فيحتجون بالأحاديث المذكورة آنفاً وبأحاديث أخرى من مثل ادعائهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (( إن هذا أخي ووصي، وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ))(24) بل قد ادعى الموسوي في كتابه المراجعات(25) أن هناك (40 ) نصاً جلياً على إمامة علي، وفي كتاب حق اليقين(26) لعلامتهم عبد الله شبر يورد ثلاثة عشر حديثاً واضحاً وجلياً على ثبوتية النص على خلافة على رضي الله عنه فلماذا بعد هذا تمسكون بالقشة! مؤكدين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد كتابة كتاب ينص فيه على علي بن أبي طالب؟ فإن قلتم لأن أهل السنة ينكرون هذه النصوص أو يؤلونها، فأقول إذا أنكر أهل السنة هذه النصوص ( الجلية ) على حد زعمكم والتي كانت على ملأ من الناس مثل حديث الغدير فلئن ينكروا كتاباً مجهولاً حضره فئة قليلة أحرى وأجدر. ثم أغرب الباقر حين قال ( فكأنه (ص) أراد أن يقول: عليكم بالقرآن وعلي )! فياللعجب وأين إذن موقع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام وهل علي أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقدم عليه فأين هؤلاء من الآيات التي توجب الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس الله يقول { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ( الحشر 7) وقوله سبحانه { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا } ( الأحزاب 36) وقوله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } ( آل عمران 31 ـ 32 ) فأين هذه الآيات من قول هذا عليكم بالقرآن وعلي!؟ وبالطبع الرافضة يدعون بأن علياً معصوم عندهم فهو إذن مثل النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما يقوله حق ومن عند الله فيبدو أن سنة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحت منسوخة؟ ومعلوم أن القرآن تفسر السنة الكثير منه فمعنى هذا أن القرآن سيكون تحت رحمة هؤلاء الرافضة أيضاً بهذه الحجة وهذا هو عين الضلال فمرحى بعقيدة الرافضة!؟ وأقول لهذا المهتدي من إذن الذي ينكر السنة ويدعو إلى تركها أليس قول الباقر هذا يهدم السنة من أساسها، فلماذا أهذيت كثيراً عند تفسير قول عمر بن الخطاب ( حسبنا كتاب الله ) الواضح المعنى وهو الصحابي الجليل ولم تشن حرباً على الباقر وهو الضال المضل؟! فهل المنطق السليم والعقلاني الذي تتمتع به هو الذي أوصلك لهذا؟ فيالله لهذه المهزلة العقلية!
وقوله ( وكان أغلبية قريش لا يرضون بعلي لأنه أصغر القوم ولأنه حطم كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم ) فمن يقصد ( بقريش ) هنا؟ هل هم مشركو مكة أم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟! فإذا كان يقصد المشركين، فهل علي وحده هو الذي حطم وهشم وقتل أبطالهم؟ وهو وحده الذي قاتل في بدر وأحد وغيرها من الغزوات؟! أليس جميع الصحابة يشتركون في ذلك؟ وأولهم أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير...فلا مزية لعلي عن باقي الصحابة في جهاد المشركين.(12/95)
وأما إن كان يقصد بقريش هنا الصحابة وهو الاحتمال الأرجح لأن سياق الكلام الذي يأتي بعد يخص الصحابة، ومما لا شك فيه أن أبابكر وعمر وعثمان وأكثر المهاجرين من قريش وما من شك أيضاً بأن قريشاً قد دخلت في الإسلام وهنا أتساءل هل علي حطم كبرياء الصحابة وقتل أبطالهم؟؟!! ألأنهم دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة؟! فأي عاقل يحترم عقله فيعقل ما يقوله هذا المهتدي فكيف يستقيم هذا القول وعلي من قريش أيضاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (( إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين ))(27) وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ))(*) وعلي نفسه يقول في خطبة يوردها الشريف الرضى في كتابه ( نهج البلاغة ) ـ من أهم كتب الأئمة الإثني عشرية ـ (( إنَّ الأئمة من قريش ))(29) لذلك كان الخلفاء الأربعة من قريش بما فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأي معنى لترهات هؤلاء الرافضة، والأصل أن يقال بأن المنطق السليم والواقع يبرهن على أن أوباش الفرس الذين حطم علي وإخوانه من الصحابة كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم قد حنقوا على الاسلام وأهله فأرادوا بهم كيداً فاتخذوا من أهل البيت ستاراً لتحقيق ذلك فتباكوا على حب آل البيت والانتصار لهم وذرفوا عليهم دموع التماسيح وبعدها راحوا يحاولون تحطيم أركان هذا الدين وذلك بالطعن بمن حملوا القرآن وحفظوه وبمن حملوا السنة وحفظوها وهم الصحابة العدول رضوان الله عليهم جميعاً ثم عدّوهم من أهل النفاق والردة ليسهل عليهم القضاء على هذا الدين ولكن هيهات هيهات فأقول لهم لا يزال هذا الدين عالياً على الأديان حتى قيام الساعة فلتشربوا من ماء البحر!!(12/96)
وأخيراً أقول إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من كتابة الكتاب أن ينص على أحد بالخلافة لأوحى بها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرائن الظاهرة في ذلك منها ما أخرجه البخاري عن القاسم بن محمد قال (( قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه لقد هممت ـ أو أردت ـ أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ))(30) وفي رواية مسلم عن عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه (( ادع لي أبابكر وأخاك، حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر ))(31) وأخرج البخاري ومسلم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال (( أتت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك ـ كأنها تريد الموت ـ قال صلى الله عليه وسلم : إن لم تجديني فأتِ أبابكر ))(32) وأخرج البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بِعَطَنْ ))(33) وعن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم (( أيكم رأى رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبوبكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبوبكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، قال: فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني فساءه ذلك فقال: خلافة نبوة، ثم يأتي الله الملك من يشاء ))(34) وقد قدّمه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس حتى وفاته، فقد أخرج البخاري عن أبي موسى قال (( مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس . فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، قال: مروا أبابكر فليصل بالناس، فعادت، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف. فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ))(35) وروى عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك الأنصاري ـ وكان تَبِع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه ـ (( أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفى فيه، حتى كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتن من الفرح برُؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبوبكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج الى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفى من يومه ))(36) فتقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لإمامة المسلمين في الصلاة إشارة إلى إمامته على المسلمين وهذا الذى قد كان فقول أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يريد من وراء كتابة الكتاب هو أن يوصي لأحد بالإمامة لكان أوصى لأبي بكر والأدلة التي يحتجون بها أقوى احتجاجاً وأوضح بيانا ولا تخالف معقولا ولا ينكرها من عقلها بخلاف أدلة الرافضة الخاوية على عروشها فلا عقل يقبلها لهشاشتها وضعفها. وقد ضربت صفحا عن بقية كلام التيجاني في هذه القضية لأنه تكرار ممل لما سبق ذكره خشية الإطالة على القارىء أكثر بالإضافة أني قد رددت على جميع الشبه المثارة حول هذا الحديث فالحمد لله رب العالمين أولاً وأخيراً.
ثالثاً: الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في سرية أسامة رضي الله عنه:(12/97)
يقول التيجاني (( مجمل هذه القصة: أنه (ص) جهز جيشاً لغزو الروم قبل وفاته بيومين، وأمّر على هذه السرية أسامة بن زيد بن الحارثة وعمره ثمانية عشر عاماً، وقد عبّأ (ص) في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم منهم (!!) في تأمير أسامة، وقالوا: كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب (ص) غضبا شديداً مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج (ص) معصب الرأس محموماً، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض بأبي هو وأمي، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله وأيم الله أنه كان خليقا بالامارة و أن ابنه من بعده لخليق به......ثم يقول ( ثم جعل (ص) يحضهم على التعجيل وجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة أرسلوا بعث أسامة، يمرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون ))(1).
هذا ما قاله والله هذا التيجاني وقد عزا هذا الإجمال في القصة الى أربعة مصادر وهي ( طبقات ابن سعد، تاريخ ابن الأثير، السيرة الحلبية، تاريخ الطبري ) ، وهنا أجدني مضطراً لكي أنقل رواية سرية أسامة من هذه الكتب المعزو اليها لنرى هل أجمل التيجاني ونقل نقلا صحيحا أم كذب كذباً صريحاً؟!
يقول ابن سعد في كتابه ( الطبقات الكبرى في الجزء (الثاني) ص (189) في مبحث سرية أسامة بن زيد بن حارثة بالنص (( ثم سرية أسامة بن زيد بن حارثة الى أهل أُبْني، وهي أرض السراة ناحية البلقاء) .(12/98)
قالوا: لما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: سر الى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أُبْني وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك، فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده ثم قال: اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله، فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الخصيب الأسلمي وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبوبكر وعمر بن الخطاب و أبوعبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن الأسلم بن حريش، فتكلم (قوم)! وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله إن كان للإمارة لخليقاً وإنّ إبنه لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لميخلان لكل خير، واستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، ثم نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي مغمور، وهو اليوم الذى لدوّه فيه، فطأطأ أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعها على أسامة، قال: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الإثنين وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، صلوات الله عليه وبركاته، فقال له: أغد على بركة الله، فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاء يقول: إن رسول الله يموت، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفى صلى الله عليه وسلم صلاة يحبها ويرضاها، حين زاغت الشمس يوم الإثنين لإثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده....))(2)، ويقول ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) في الجزء ( الثاني ) ص(182) في مبحث ذكر أحداث سنة إحدى عشرة بالنص (( في محرم من هذه السنة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى الشام وأميرهم أسامة بن زيد مولاه وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتكلم المنافقون في إمارته وقالوا: أمر غلاماً على جلة المهاجرين والأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنه لخليق للإمارة، وكان أبوه خليقاً لها ) وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون منهم أبوبكر، وعمر، فبينما الناس على ذلك ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه ))(3) ويقول علي الحلبي في كتابه ( السيرة الحلبية ) في الجزء ( الثالث ) ص (207) في مبحث سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه بالنص ((..لما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحاً على أهل أُبنى وحرق عليهم وأسرع السير لتسبق الأخبار فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك فلما كان يوم الأربعاء بدأ به صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لأسامة لواءً بيده ثم قال اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله فخرج رضي الله تعالى عنه بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك منهم أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم فتكلم ( قوم ) وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار أي لأن سن أسامة رضي الله تعالى عنه كان ثمان عشرة وقيل تسع عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة ـ ثم يستشهد على سن أسامة بن زيد بقصة الخليفة المهدي(12/99)
واياس بن معاوية ثم يكمل فيقول ـ ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثة سنه غضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميرى أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وايم الله إن كان لخليقاً بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإنهما مظنة لكل خير فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم وتقدم أنه رضي الله عنه كان يقال له الحب ابن الحب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خشمه وهو صغير بثوبه ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخرجون إلى العسكر بالجرف وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرسلوا بعث أسامة أي واستثنى صلى الله عليه وسلم أبابكر وأمره بالصلاة بالناس أي فلا منافاة بين القول بأن أبابكر رضي الله عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه لأنه كان من جملة الجيش أولاً وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وبهذا يُرَدُّ قول ( الرافضة )! طعناً في أبي بكر رضي الله عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله عنه لما علمت أن تخلفه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلاً(!!!) فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فدخل أسامة من عسكره والنبي مغموراً فطأطأ رأسه فقبله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة رضي الله عنه، قال أسامة فعرفت أنه صلى الله عليه وسلم يدعو لي ورجع أسامة رضي الله عنه إلى عسكره ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فقال له صلى الله عليه وسلم اغد على بركة الله تعالى فودعه أسامة وخرج إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن رضي الله عنها قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، وفي لفظ فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس ))(4)أهـ
ذكر الطبري في كتابه ( تاريخ الأمم والملوك ) روايتين عن قضية سرية أسامة بن زيد في مبحث الأحداث التي كانت في سنة أحدى عشرة الرواية الأولى (( عن عبيد بن حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي مويهبة مولى رسول الله، قال: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدما قضى حجة التمام فتحلل به السير، وضرب على الناس بعثاً، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، وأمره أن يوطئ من آبل الزيت من مشارف الشام الأرض بالأردن فقال ( المنافقون )! في ذلك، ورد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ( إنه لخليق لها ـ أي حقيق بالإمارة ـ وإن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل، وإن كان لخليقاً لها )...)) والرواية الثانية (( عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة فلم يستتب لوجع رسول الله ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر ( المنافقون ) في تأمير أسامة، حتى بلغه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس عاصباً رأسه من الصداع لذلك الشأن وانتشاره لرؤيا رآها في بيت عائشة فقال: إني رأيت البارحة ـ فيما يرى النائم ـ أن في عضدي سوارين من ذهب، فكرهتهما فنفضتهما فطارا، فأولتهما هذين الكذابين ـ صاحب اليمامة وصاحب اليمن ـ وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمارة أسامة ولعمرى لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله وإن كان أبوه لخليقا بالإمارة وإنه لخليق لها، فأنفذوا بعث أسامة، وقال: لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة فضرب بالجرف، وأنشأ الناس في العسكر، ونجم طليحة وتمهل الناس، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستتم الأمر، ينظرون أولهم آخرهم، حتى توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ))(5).
هذا ما ذكره هؤلاء الأربعة في كتبهم في مبحث سرية أسامة بن زيد ولم يذكروا غير ذلك، ولدى مقارنتها بما ذكر التيجاني في كتابه ( والذي ادعى أن ما نقله وأجمله من هذه القصة هو من تلك المصادر الأربعة ) فنستنتج ما يلي:(12/100)
1ـ إدعى التيجاني بأن كبار الصحابة بما فيهم أبو بكر وعمر قد طعنوا في تأمير أسامة فقال ( وقد عبأ (ص) في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم ( منهم) في تأمير أسامة، وقالوا: كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه (!)، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد... ) .
قوله (منهم) (الهاء) هنا عائدة على الصحابة (والميم) ميم الجمع أي أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وكبار الصحابة ( المشهورين ) قد طعنوا في تأمير أسامة وأبيه وأكثروا النقد؟! ولدى مراجعتنا للمصادر الأربعة لا نجد لهذه الفرية أثراً فابن سعد في طبقاته وصاحب السيرة الحلبية يقولان ( فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم بن حريش، فتكلم ( قوم ) وقالوا: .... ) فقوله تكلم ( قوم )، القوم هنا نكرة غير معروفين فلو كان يقصد بهم هؤلاء الصحابة لأضاف الضمير إليهم كما فعل هذا ( المنصف )! فأين هذه من تلك؟ فأي إسلال هذا بحقيقة المعنى!؟ والمصدران المتبقيان لا وجود لهذا المعنى فيهما، ومن هنا نعلم أن هؤلاء الصحابة الكرام أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وغيرهم من وجوه الصحابة هم أبعد الناس عن الطعن في أسامة أو أبيه وحاشاهم ذلك.
2ـ لم يكن أبوبكر في جيش أسامة لأنه قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استخلفه للصلاة في المسلمين وقد سبق أن ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك(6) ومنها الحديث الذي يبين أن أبابكر كان يصلي بالمسلمين يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كشف عن سترة الحجرة فرآهم صفوفا خلف أبي بكر، فكيف يكون في جيش أسامة إذاً؟!
3ـ يحاول التيجاني إستثارة عاطفة القارىء فيتخذ من أسلوب المبالغة ما يخالف به النقل فيقول (..فخرج (ص) معصب الرأس محموما يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض بأبي هو وأمي، من شدة ما به من لغوب ... ) سبحان الله! أي أمانة وإنصاف هذا الذي يجعله يغير الكلم عن مواضعه ويخترع في هذه القضية ما لم ينقله هؤلاء في كتبهم فهم يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم (خرج وقد عصب على رأسه عصابة فصعد المنبر...) أما أنه خرج يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض(!) فهذا ما لم يذكره أحد منهم، وهذا في نظري ليس بغريب على رجل اتخذ من الرفض سبيلاً، لأن الكذب عند الرافضة منقبة وليس بمذمة!؟ وسيرى القارىء في ردودي أن هذا التيجاني قد اعتمد في تأليف كتابه على الكذب والتناقضات العجيبة وإليك المزيد.
4ـ يدعي التيجاني على الصحابة بقوله ( ثم جعل (ص) يحضهم على التعجيل وجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون )!! ولكن ماذا ذكر الكتّاب المساكين في هذه القضية؟ لقد ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنقذوا بعث أسامة وكان ذلك يوم السبت ثم جاء أسامة يوم الأحد فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم مودعاً له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اغد على بركة الله، وعندما أراد أسامة الذهاب وأمر الناس بالرحيل جاءه الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم يموت ولم يذكروا غير ذلك، ولكن هذا ( المهتدي ) قد هان عليه الكذب على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فادعى زوراً أنهم تباطؤوا وتثاقلوا عن أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم، وما من شك أن من يهن عليه الكذب بهذه القباحة على خير الناس أنه من أضلّهم وأبعدهم عن الهداية والله المستعان.
5ـ ولكن من هو المتكلم والطاعن في تأمير أسامة رضي الله عنه؟! فمن خلال ما تقدم ذكره يتبين لنا بما لا يدع مجالاً لشاك بأن وجوه المهاجرين والأنصار من خيار الصحابة لم يطعنوا في تأمير أسامة وأن الذي تكلم في ذلك هم أشخاص نكرات غير معروفين وقد ذكر الطبري والأثير ( والذي يستشهد التيجاني بهما ) أن الذين أطلقوا ألسنتهم في تأمير أسامة هم المنافقون، فلو كانوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر ذلك واحدٌ من المؤرخين فضلاً عن جميعهم، وقد حسمت الأمر في بداية كتابي مبيناً أن المنافقين ليسوا بأي حال من جملة الصحابة ولله الفضل والمنة، ومن هنا نعلم أن الصحابة العدول رضي الله عنهم وأرضاهم براء من ذلك الأمر وعليه تبطل كل خيوط العنكبوت التي نسجها هذا التيجاني حول هذه القضية ويظهر وهاؤها.(12/101)
6ـ ليست الرزية في أن التيجاني يعزو إلى مصادر يكون من خلالها الرد عليه وعلى طائفته، ولكن الرزية كل الرزية! في التناقض الواضح والتخبط الشنيع عند البحث عن مثالب الصحابة، فالتيجاني يدعي أن الصحابة وأولهم أبوبكر قد طعنوا في تأمير أسامة وهذا الذي ذهب إليه التيجاني لم يسبقه إليه أحد على ما أعتقد، لأن كل مبتغاه في هذه القضية هو البحث في أي حادثة يستطيع من خلالها الطعن في الصحابة فيبحث في جنباتها أو زواياها أو ينظرها من أعلاها وأسفلها لعله يظفر بشىء يستطيع منه استخراج ما يطعن به على الصحابة، فإن لم يجد فلا بأس من الإنتقال الى التزوير والتحريف في كتب التاريخ ووضع كلمات مكان أخرى أو حتى إضافة كلمات ليصل بها الى المراد، وهذا عين ما فعله التيجاني ( بالضبط ) في هذه الحادثة ولكن ماذا فعل أسلافه السابقون من ( الهداة المهديين )؟! لقد بحثوا أيضا في جنبات هذه الحادثة علّهم يصلوا إلى ما يطعنون به في الصحابة فكانوا أوفر حظاً من التيجاني... فماذا وجدوا؟ يقول صاحب كتاب السيرة الحلبية ما نصه (.... وبهذا القول يرد قول الرافضة طعناً في أبي بكر رضي الله عنه أنه تخلف(7) عن جيش أسامة رضي الله عنه لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلاً ) أرأيت أخي القارىء تناقضات هؤلاء القوم، فمرة يطعنون في أبي بكر بحجة أنه من الطاعنين في تأمير أسامة وهذا يعني أنه كان في الجيش، ومرة يدّعون أنه تخلف عن جيش أسامة، فأتساءل ما ذنب هذا الصحابي المسكين إذا كان هؤلاء القوم يزيفون التاريخ ويقلبون الحقائق ويعبثون بالروايات للطعن به، وما دروا أن أقوالهم تضاربت ببعضها البعض وظهر زيفها وانقلبت حجة عليهم لا لهم، وأكاد أجزم أن التيجاني لا يستخدم عقله وهو يبحث في كتب التاريخ بل يستخدم عقاله!!
ثم يقول ( إن مثل ذلك يدفعني إلى أن أتساءل: ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟! وما هذا العقوق في حق الرسول الأكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم؟ لم أكن أتصور كما لا يمكن لأحد أن يتصور تفسيراً مقبولاً لهذا العصيان، وهذه الجرأة ).
وأقول لهذا الذي استمرأ الكذب أعجب والله لهذه الجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أليس الذى يزيف الحقائق ويكذب على الأمة للطعن بالصحابة الكرام طعن بمن صحبوه ألا وهو النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فكيف بالله بهؤلاء الصحابة الذين بايعوه على النصرة والدفاع عنه وجاهدوا معه في غزواته وعاشوا معه أعظم أيام حياته وتعلموا منه كل شيء، يطعن بهم؟ أليس الأحرى أن يطعن بمعلمهم لأنه فشل في تربية أصحابه لدرجة أنهم لا يحترمونه!! ولا ينفذون أوامره!! بل ويتآمرون عليه؟!! فأي جرأة هذه على الله ورسوله؟! وماذا بقي لأمة الإسلام بعدما طعن بحملة الكتاب وحفظة السنة؟! أظن أنه لم يبق لدينا إلا خزعبلات الرافضة الإثني عشرية فدونها قاع البحر!!
ثم يقول ( وكالعادة، عند قراءة مثل هذه الأحداث التي تمس كرامة الصحابة من قريب أو بعيد أحاول تكذيب مثل هذه القضايا وتجاهلها، ولكن لا يمكن تكذيب وتجاهل ما أجمع عليه المؤرخون والمحدثون من علماء السنة والشيعة ).
أى سماء تظل هذا السماوي فهو يكذب على الصحابة ثم يكذب ثم يحاول أن يكذِّب نفسه؟!! فيقول أحاول تكذيب مثل هذه القضايا فياللعجب ثم يفرط في الكذب ويدعي أن مؤرخي أهل السنة قد أجمعوا على أكاذيبه!! وقد مر معنا ما ذكره المؤرخون في هذه الحادثة وظهرت عدالة الصحابة وبراءتهم مما ادعاه التيجاني عليهم فلله الحمد والمنة.
ثم يقول ( وقد عاهدت ربي أن أكون منصفاً(!)، فلا أتعصب لمذهبي ولا أقيم وزنا لغير الحق، والحق هنا مرٌّ كما يقال، وقد قال عليه الصلاة والسلام ( قل الحق ولو كان على نفسك وقل الحق ولو كان مراًّ ...) والحق في هذه القضية: هو أن هؤلاء الصحابة الذين طعنوا في تأمير أسامة قد خالفوا أمر ربهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشك ولا تقبل التأويل، وليس لهم عذر في ذلك، إلا ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظا على كرامة الصحابة و( السلف الصالح ) والعاقل الحر لا يقبل بحال من الأحوال هذه المتمحلات، اللهم إلا إذا كان من الذين لا يفقهون حديثا، ولا يعقلون، أومن الذين أعمت العصبية أعينهم فلم يعودوا يفرقون بين الفرض الواجب طاعته والنهي الواجب تركه، ولقد فكرت ملياً عساني أجد عذراً لهؤلاء مقبولاً، فلم يسعفني تفكيري بطائل )(8)، أقول:(12/102)
أما بالنسبة لكونه عاهد الله على أن يكون منصفاً ولم يتعصب لمذهبه ولم يقم وزناً لغير الحق، فهذا القول أدعه للقارىء النبيه ليحكم على بطلانه وزيفه، وأما ادعاؤه أن الصحابة ( قد خالفوا أمر ربهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشك ولا التأويل وليس لهم عذر في ذلك ) فهذا لا يدل إلا على جهله وقلة بضاعته وإلا فمتى وكيف خالف الصحابة أمر ربهم! وأين هي تلك النصوص الصريحة التي لا تقبل الشك ولا تقبل التأويل؟ القضية هي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة على الجيش فطعن بعض الناس في إمارته فتكلم النبي في ذلك ورجع هؤلاء عن طعنهم وامتثلوا أمره، فقد كان الناس يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمور حتى يعزم فإذا عزم امتثلوا، وفي هذه الواقعة امتثل الناس جميعاً لأمر نبيهم صلى الله عليه وسلم بما في ذلك الطاعنون في تأمير أسامة، وأما قوله ( أن البعض يتلمس الأعذار ـ الباردة ـ حفاظاً على كرامة الصحابة و( السلف الصالح )! وأن العاقل الحر لا يقبل بحال من الأحوال هذه المتمحلات )!؟ فهذا والله من أعجب أقواله؟! فمن يقرأ ذلك الكلام يظن أن الصحابة عبارة عن قطاع طرق أو من رعاع الناس وسفهائهم، فكيف يسوغ للبعض تلمس بعض الأعذار الباردة حفاظاً على كرامتهم؟!! قاتل الله الرفض والرافضة، أيحتاج هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم الدفاع عن كرامتهم؟! كيف يكون ذلك وقد دافع الله سبحانه عنهم وترضى عليهم وشهد لهم بالخيرية وعظيم الإيمان وارتضاهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وشهدت لهم الأرض التي وطؤوها والبلاد التي فتحوها على عظمتهم، ثم يأتي هذا الأنوك(9) بهذه السفسطة التي لا يتقبلها أغبياء الناس فضلاً عن العقلاء الأحرار!
ثم يقول (( وقرأت اعتذار أهل السنة على هؤلاء بأنهم كانوا مشايخ قريش وكبراءها، ولهم الأسبقية في الإسلام بينما أسامة كان حدثاً ولم يشارك في المعارك المصيرية لعزة الإسلام، كمعركة بدر وأحد وحنين ولم تكن له سابقة بل كان صغير السن عندما ولاّه رسول الله إمارة السريّة، وطبيعة النفوس البشرية تأبى بجبلتها إذا كانت بين شيوخ أن تنقاد إلى الأحداث وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ولذلك طعنوا في تأميره وأرادوا منه (ص) أن يستبدله بأحد من وجوه الصحابة وكبرائهم، إنه اعتذار لا يستند إلى دليل عقلي ولا شرعي ولا يمكن لأي مسلم قرأ القرآن وعرف أحكامه إلا أن يرفض مثل هذا، لأن الله عزوجل يقول {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } ))(*)
أقول: لهذا المهتدي أتحداك بأن تأتي بمصدر واحد لأهل السنة يعتذر بمثل ذلك الاعتذار المكذوب وأنى له ذلك، لأنه كما بينت سابقاً لم يقل أحد من المحدثين والمؤرخين أن الصحابة ( الكبار ) والذين هم مشايخ قريش وكبراؤها! قد طعنوا في تأمير أسامة فكيف يعتذرون عنهم؟؟!...وهو يقول قرأت اعتذار أهل السنة والقارئ حجة على من لم يقرأ! فعليه أن يبين لنا من أي مصدر قرأ هذا الكلام وإلا فليلقم فاه حجراً ويكف عن أكاذيبه.
ثم يهذي بكلام مكرر فيقول (( وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها وأشهر أقطابها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين هو عمر الملهم من هذه الحقيقة التي أدركها، أم أن في الأمر سراً آخر خفي على المؤرخين أم أنهم هم الذين أسرّوه حفاظاً على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة ( يهجر ) بلفظ ( غلبه الوجع )...))(10)، أقول:(12/103)
هذه الرواية التي ساقها هذا التيجاني رواية ضعيفة لأن فيها سيف بن عمر الضبي ذكره العقيلي في الضعفاء(11) وقال عنه الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) (( مصنف الفتوح والردة وغير ذلك، هو كالواقدي يروي عن هشام بن عروة، وعبيد بن عمر، وجابر الجعفي، وخلق كثير من المجهولين، كان أخبارياً عارفاً روى عنه جبارة بن المفلس، وأبو معمر القطيعي، والنصر ابن حماد العتكي، وجماعة، قال عباس، عن يحي: ضعيف، وروى مطين عن يحي: فلس خير منه، وقال أبو داود: ليس بشئ، وقال أبو حاتم: متروك، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة، وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر ))(12) فالحديث ضعيف ليس بحجة على عمر هذا أولاً، وثانيا: أخفى هذا التيجاني الجزء الهام من الحديث والذي يبين أن عمر طلب هذا الطلب من أبي بكر بأمر أسامة ففي الحديث (( فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه، يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس وحدِّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون.....))(13) ولكن التيجاني أخفى هذا كله ليضيف دليلاً جديداً على إنصافه، وللتدليل على انصافه وعدم تحامله على الصحابة وفي مقدمتهم عمر فإنه لا يسوق إلا الروايات التي يعتقد بجهله أنها تخدم أغراضه ويتغاضى عن الروايات الأخرى فإنه قد تقدمت رواية عمر هذه عند الطبري رواية أخرى(14) ليس فيها أن عمر هو الذي طلب ذلك بل عامة الناس بسبب إرتداد المرتدين ولكن التيجاني تغاضى عن ذكرها لأنها ليس فيها ثلب لأبي بكر وعمر! ثم كيف يكون عمر بن الخطاب من أبرز العناصر التي طعنت في تأمير أسامة وهو الذي رد على الطاعنين وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم(15)!؟ ولا أنسى أن أذكر القراء بأن الكاتب لم يحمد هذا الموقف الذي وقفه أبو بكر من قضية إنفاذ جيش أسامة ويمر عليه مرور الكرام، أما إذا وقف على حادثة يظن هو أن فيها ما يسيء إلى هذا الصحابي الجليل فإنه يضخمها ويبني عليها عروشاً خاوية فهذا يضيف دليلاً جديداً على زعمه أنه منصف في كل ما يقوله، عليه من الله ما يستحق.
ثم يقول (( عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أغضبوه يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله، وكتاب الله يقول لهم في محكم آياته ( قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله ) وكأنهم أعلم بكتاب الله وأحكامه من الذي أنزل عليه وهاهم بعد يومين فقط من تلك الرزية المؤلمة وقبل يومين فقط من لحوقه بالرفيق الأعلى يغضبونه أكثر فيطعنون في تأميره ولا يطيعون أمره، وإذا كان في الرزية الأولى مريضاً طريح الفراش، فقد اضطر في الثانية أن يخرج معصب الرأس مدثراً بقطيفة يتهادى بين رجلين (!) ورجلاه تخطان في الأرض وخطب فيهم خطبة كاملة من فوق المنبر بدأها بتوحيد الله والثناء عليه ليشعرهم بذلك بأنه بعيد عن الهجر ثم أعلمهم بما عرف من طعنهم، ثم ذكرهم بقضية أخرى طعنوا فيها من قبل أربع سنوات خلت، أفهل يعتقدون بعد ذلك بأنه يهجر أو أنه غلبه الوجع فلم يعد يعي ما يقول؟ ))(16).
وأنا عجبي أيضاً من هذا التيجاني الذي يأتي بكلام حجة عليه لا له ليدلل على هشاشة تفكيره فأقول: بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج ليرد على الطاعنين بتأمير أسامة وذكرهم أيضاً بقضية أخرى وهي الطعن في زيد بن حارثة قبل أربع سنوات! فلماذا لم يذكرهم أيضاً بالأمر ( العاصم من الضلالة )؟؟! وهو ولاية علي بن أبي طالب كما يدعي الرافضة، فإذا كان في الأولى بين الصحابة في بيته وقد تمالؤوا عليه ليمنعوه من الكتابة فهو هنا أمام الناس جميعاً فلماذا لم يأمر أحداً بكتابة الكتاب؟! أو حتى التنصيص على ولاية علي ولو بالقول فقط؟ فهو هنا يضمن أن أحداً لم يمنعه أو يتمالأ عليه، فإذا قال التيجاني أنه لم يذكر ذلك لأنه يعلم أنهم سيردوا قوله، قأقول له فما الفائدة إذن من خروج النبي صلى الله عليه وسلم ( بأبي هو وأمي ) معصب الرأس مدثراً بقطيفة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض ويخطب خطبة كاملة ويرد عليهم طعنهم على أسامة ثم لا ينسى أن يذكرهم بطعنهم بأبيه من قبل إذا كان يعلم أنهم لم يحترموه ولم يمتثلوا أمره؟!! فإذا كان هذا الأمر عاصم من الضلالة حقيقةً وبتلك الأهمية لذكره النبي صلى الله عليه وسلم للناس ونبه عليه أشدَّ التنبيه، وهذا أعظم دليل على أن هذا الأمر ليس مما أمر بتبليغه بل هو مخير فيه فأقول للتيجاني المهتدي وشيعته المهديين هاهي بضاعتكم ردت إليكم!
=================
تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أقسام والزعم أن منهم من نزل القرآن بتوبيخهم والتحذير منهم
قال المؤلف ص111 تحت عنوان (رأي القرآن في الصحابة).(12/104)
«قبل كل شيء لابد لي أن أذكر أنه سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه العزيز في العديد من المواقع صحابة رسول الله، الذين أحبوا الرسول r واتبعوه...، وهذا القسم من الصحابة الذين عرف المسلمون قدرهم من خلال مواقفهم وأفعالهم معه، أحبوهم، وأجلوهم، وعظموا قدرهم، وترضوا عنهم كلما ذكروهم.
وبحثي لا يتعلق بهذا القسم من الصحابة، الذين هم محط الإحترام والتقدير من السنة والشيعة، كما لا يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق، والذين هم معرضون للعن المسلمين جميعاً من السنة والشيعة،ولكن بحثي يتعلق بهذاالقسم من الصحابة،الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله r في العديد من المناسبات أو حذر منهم».
قلت: لا يخفى ما في كلامه هذا من الكذب والتلبيس، وذلك أن أهل السنة يعتقدون عدالة الصحابة كلهم،وأما المنافقون فليسوا من الصحابة بحال، فالصحابي في الإصطلاح: هو من لقي النبي r مؤمنا به ومات على ذلك (1) فخرج الكفار والمنافقون من حد الصحبة، لأنهم لم يؤمنوا بالنبي r، وإن كان المنافقون في عهد النبي r يعاملون بما يظهرون من الإسلام.
وتقسيمه الذي ذكره لا يمثل سوى عقيدة الرافضة، دون أهل السنة. فالرافضة هم الذين يقسمون الصحابة إلى قسمين: عدول ومرتدين، وعندهم أن الصحابة كلهم ارتدوا عن الإسلام إلا القليل منهم، لا يتجاوزون أربعة أو سبعة، كما جاء ذلك مصرحاً به في بعض رواياتهم المشهورة، التي تقدم نقلها عند الحديث عن معتقدهم في الصحابة.(2)
فالصحابة الذين قال: إن الفريقين يعتقدون عدالتهم: هم أولئك الأفراد الذين يستثنيهم الرافضة من حكم الردة، والقسم الذي ذكر أنه اختلف فيه هم عامة الصحابة الذين يعتقد الرافضة ردتهم وكفرهم، وأما أهل السنة فلا يقرون هذا التقسيم ولا يعتقدونه فالصحابة عندهم كلهم عدول.
ومع فساد هذا التقسيم الذي ذكره، فكان الأولى به لو كان صادقاً فيما ادعاه من الإنصاف أن يقول بعد هذا: إني سأبحث فيسيرة هذا القسم من الصحابة وأثبت الحق في ذلك، لكنه ذكر هذا القسم ثم حكم عليه مباشرة وطعن فيه فقال: «ولكن بحثي يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله r في العديد من المناسبات أو حذر منهم».
فظهر أن الرجل إنما يقرر عقيدة الرافضة في الصحابة في أصل تقسيمه لهم وحكمه عليهم، خلافاً لما يدعيه من العدل والإنصاف والتجرد في الحكم، ولهذا سبق حُكْمُه بحثه في سيرتهم وأحوالهم، وذكره النصوص التي زعم أنها مستنده فيما يقرر.
ثم شرع المؤلف في ذكر الآيات التي زعم أنها كشفت حال الصحابة ونزلت بتوبيخهم وتهديدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإصابة لابن حجر 1/7.
(2) انظر ص 75 ومابعدها.
موقع فيصل نور
================
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الأول أبو بكر الصديق والرد عليه في ذلك
نال هذا الصحابي الجليل وحده من هذا التيجاني الرافضي الكثير من المطاعن التي أوردها في كتابه المذكور وسأبدأ بذكر مطاعنه وسأرد عليها الواحدة تلو الأخرى مفنِّداً لها وذاباً عن هذا الصحابي الجليل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أبرأ إلى كل خليلٍ من خلّه، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبن أبي قحافة أبو بكر الصديق ، وإن صاحبكم لخليل الله ، والذي شهد له القرآن الكريم { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيزٌ حكيم } التوبة 40 فأقول وبالله التوفيق:
1 ذكر هذا التيجاني كما أسلفت في مبحث سرية أسامة أن أبا بكر كان في السَّرِية وإنه اعترض على إمارته وبيَّنت كذب هذا المفتري على الخليفة الأول وأنه لم يكن في سريَّة أسامة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد انتدبه للصلاة بالمسلمين قبل وفاته، ثم عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على تجهيز أسامة، وجمهور الصحابة أشاروا عليه بأنْ لا يجهزه خوفاً عليه من العدو، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أَحلّ راية عقدها النبي صلى الله عليه وسلم . وكان إنفاذه من أعظم المصالح التي
فعلها أبو بكر رضي الله عنه في أول خلافته ولكن التيجاني المهتدي لم يذكر من ذلك شيئاً مع اعتراف جميع المؤرخين بهذه الحقيقة ليدلّل على إنصافه.
2 وللتدليل على إنصاف التيجاني المزعوم أنه لم يذكر ثبات أبو بكر في غزوة الحديبية وأنه كان أعظم إيماناً وموافقة وطاعة لله ورسوله من عمر وعلي وغيرهما في موقفه في يوم الحديبية.
أولاً الرد على التيجاني بادعائه أن أبا بكر يشهد على نفسه:(12/105)
يقول التيجاني في هذا المبحث كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا، قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولاعقاب عليك، لوددت أنّي شجرة على جانب الطريق مرّ عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر. وقال مرة أخرى: ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة ... تلك بعض النصوص أوردها على نحو المثال لا الحصر ، أقول:
1 بالنسبة للرواية الأولى فقد عزاها لتاريخ الطبري والرياض النضرة وكنز العمال ومنهاج السنة لابن تيمية ولكنني لم أجدها في منهاج السنة ولا في الرياض النضرة ولا في تاريخ الطبري الذي عزا التيجاني اليها اللهم إلا في كنز العمّال وهذا دليل على مصداقية هذا المهتدي المزعومة، وأما بالنسبة للرواية الثانية فقد عزاها للمصادر السابقة أيضاً فلم أجدها في كنز العمّال ولا في تاريخ الطبري ولا في الرياض النضرة اللهم إلا في منهاج السنّة فمرحاً بالإغلال.
2 يريد هذا التيجاني أن يوهم القارئ بعزوه كلام أبي بكر إلى المصادر السابقة على أنها من أقوالهم وكأنهم موافقون لما ذهب إليه التيجاني ولكن بعداً، فكتاب منهاج السنة لابن تيمية اسمه بتمامه منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة القدرية ويرد فيها على كتاب منهاج الكرامة في إثبات الإمامة لابن المطهر الحلّي وهو رافضي ممن هدى إليهم التيجاني والرواية المنقولة عن أبي بكر هي من ادعاء هذا الرافضي الإثنا عشري وأما كتاب الرياض النضرة الذي طالما يعزو إليه هذا التيجاني فعنوانه كاملاً الرياض النضرة في مناقب العشرة أي العشرة المبشرين بالجنة وهم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة والمؤلف يشير هنا إلى الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بشر هؤلاء العشرة وهم على جبل أحد بالجنة والرافضة ينكرون هذا الحديث فكيف يستدلون بالكتاب؟ هذا أولاً، وثانياً: لم أجد الفقرتين المذكورتين عن أبي بكر في الكتاب بالإضافة إلى أن صاحب الكتاب يثبت أن أبا بكرٍ هو الأحق بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بيعة عليٍّ لأبي بكر وردّ فيه على تخرصات الرافضة بل وأفرد في ذكر مناقب أبي بكر واستغرق منه أكثر من ربع الكتاب ثم يأتي بعد ذلك هذا الشانئ ليستشهد بهذا الكتاب على ما يظنه من مثالب أبي بكر موهماً أنه ينقد أبابكر ولكن قد حصحص الحق ولولج الباطل.
3 لو فرضنا جدلاً ثبوت هذا عن أبي بكرٍ فإنه يدل على قوة إيمانه وخوفه من الله سبحانه وتعالى وهذا لا يقدح في إيمانه قط فقد جاء في الصحيحين خبر الرجل الذي أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البحر ونصفه في البر مع أنه لم يعمل خيراً قط، وقال: والله لئن قدر اللهُ عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم سأله الله: ما حملك على ما صنعت. قال: من خشيتك يارب فغفر له، فإذا كان مع شكِّه في قدرة الله على بعثه، إذا فعل ذلك غُفر له بخوفه من الله، عُلم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقة إذا قدِّر أنها ذنوب وقد ورد مثل ذلك عن عدة صحابة منهم عبد الله بن مسعود فقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله بن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلى، فقال عبد الله بن مسعود: لكن ههنا رجل ودَّ أنه إذا مات لم يبعث يعني نفسه وروى الترمذي في سننه وابن ماجة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته لله ساجداً. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصُّعداء تجأرون إلى الله. لوددت أني كنت شجرة تعضد قال أبو عيسى أي الترمذي ، ويروى من غير هذا الوجه أن أباذر قال: لوددت أني كنت شجرة تعضد فعلى ذلك نقول لهذا التيجاني المهتدي أنه ثبت بالرواية الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوددت أني كنت شجرة تعضد فهل يعتبر هذا القول شهادة على نفسه؟! وهل سينطبق عليه ما وصفت به الخليفة أبا بكر؟! ولو فرضنا أن هذا القول صادر عن أبي ذر فهو من الصحابة الذين تترضون عنهم فهل هو أيضاً يشهد على نفسه وإلا فما الفرق بين هذا القول وقول أبي بكر يا أولي الألباب؟! بل روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: نعم فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان فأقول أليس هذا يدل على أن من يخاف الله سبحانه في الدنيا دليلٌ على قوة صدق إيمانه بالله؟(12/106)
4 أما بالنسبة لتاريخ الطبري فلم أجد لهاتين الروايتين أثراً يذكر به ومن أراد التثبت ممن يريد الحق فليرجع لتاريخ الطبري من حوادث السنة الحادية عشرة إلى أواخر السنة الثالثة عشرة، وبالنسبة لكتاب كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين الهندي فلا تعتبر رواياته حجة لأنه لم يراعِ وضع الروايات الصحيحة فقط بل جعله جامعاً لجميع الأقوال والأفعال النبوية والأثرية والعجيب أنه أفرد قسماً خاصاً للأحاديث التي ذكرت في نقد الرافضة وهم الشيعة الاثني عشرية مع العلم أنه لم يوجد فيها حديث صحيح عند علماء الحديث من أهل السنة الذي يدعي التيجاني أنهم يضعفون الأحاديث في أهل البيت ويختلقون الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة زعم فلو كان كلامه حقاً لصحح علماء الجرح والتعديل من أهل السنة الأحاديث التي تطعن في الرافضة ولكنهم لم يفعلوا لأن تصحيح الأحاديث يخضع لضوابط ثابتة ومتفق عليها عند علماء الحديث من حيث المتن والسند وليست حسب الأهواء والكذب الرخيص الذي هو من سمات أهل الرفض، إضافةً إلى أنه أفرد باباً خاصاً في ذكر الصحابة وفضلهم في ثلاثة فصول وابتدأ بالخلفاء الأربعة وأولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إشارة إلى الأفضلية والسبق في الإسلام والخلافة.
ثم يسترسل هذا التيجاني فيقول وهذا كتاب الله يبشر عباده المؤمنين بقوله { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } ويقول أيضاً { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم } صدق الله العلي العظيم. فكيف يتمنى الشيخان أبو بكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرّمه الله على سائر مخلوقاته.
1 هذه الآيات لا تنافي خوف العبد من ربه وقد ذكرنا بالفقرة السابقة ثبوت خوف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الله.
2 وبالنسبة لقوله تعالى في سورة يونس { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ....} قال ابن كثير في تفسير هذه الآية يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقياً كان لله ولياً ف ولا هم يحزنون أي فيما بستقبلونه من أهوال الآخرة ولا هم يحزنون على ما وراءهم في الدنيا فالخوف في هذه الآية هو في الآخرة والصحابة جميعاً كانوا يخافون الله في الدنيا وليس في الآخرة وقوله تعالى ولا هم يحزنون أي على ما وراءهم في الدنيا، ولا شك أن خوف أبي بكر والصحابة لا يدل على أنهم يحزنون على شيء من الدنيا. أما قوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة....} قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية يقول تعالى ذكره إن الذين قالوا ربنا الله وحده لا شريك له، وبرئوا من الآلهة والأنداد ثم استقاموا على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمرونهى ثم أورد الإمام الطبري في تفسير الاستقامة عدة أحاديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ منها عن سعيد بن عمران قال: قد قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا1. ومن هنا نعلم أن هذه الآية المستدل بها لا تنطبق على الخليفة الأول أبي بكر، فلا يقول من عنده مسكة من عقل أن أبا بكر الذي قاتل المشركين والمرتدين وجاهدهم أعظم جهاد وحفظ لله به بيضة المسلمين يكون مشركاً فسبحانك اللهم هذا جهلٌ عظيم.
ثم يهذي المهتدي فيقول وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلف وراءه في الدنيا وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله كما تعلمنا ذلك يتمنون أن يكونوا عذرة وبعرة وشعرة وتبنة، ولو أن الملائكة بشرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنوا أنّ لهم مثل طلاع الأرض ذهباً ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه. قال تعالى { ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } وقال أيضاً { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون } وإنني أتمنى من كل قلبي أن لاتشمل هذه الآيات، صحابةً كباراً أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق 1.(12/107)
أقول: للجهول الفخور بجهله لماذا تظهر للقارئ عظيم جهلك؟! فإن الآيتين اللتين سقتهما هما إخبار الله عن عذاب يوم القيامة حيث لا ينفع الندم ولا التوبة، وليس في الدنيا، ومعلوم لكل عاقل الفرق بين خوف العبد ربه في الدنيا وخوفه منه في الآخرة فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس، وابن المبارك في الزهد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عزوجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي 20، وروى مثل هذا الحديث إمام الاثني عشرية الصدوق ابن بابويه القمي في كتابه الحجة الخصال عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة 21 وهذا لمن له أدنى فهم لهذه الحقيقة فمن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة ولأن خوف العبد ربه في الدنيا مثاب عليه فمن جعل خوف المؤمن من ربه في الدنيا كخوف الكافر في الآخرة فهو كمن جعل الظلمات كالنور، والظل كالحرور، والأحياء كالأموات 22. وإني أتمنى من كل قلبي أن لا يشمل الجهل دكتوراً كبيراً مثل محمد التيجاني السماوي!!؟
ثالثاً: موقفه من أبي بكر في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك:
يبدأ التيجاني محاورته مع من يدعي أنه عالم من علماء أهل السنة في محاورة طويلة ولكني سآخذ المهم من هذه المحاورة المزعومة وهي محاولة التيجاني الطعن في أبي بكر وعمر، ففي معرض محاورته مع ذاك العالم يحاول التشكيك بأبي بكر محتجاً بما رواه الإمام مالك في موطئه فيقول ... فما كان مني إلا أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك وصحيح البخاري وقلت يا سيدي: إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول الله نفسه وفتحت كتاب الموطأ وفيه روي مالك أنّ رسول الله ص قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق، ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله ص: بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال إننا لكائنون بعدك .... وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيّرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ينتظرون ردّ العالم الذي صدم فما كان منه إلا أن رفع حاجبيه علامة التعجب وقال وقل رب زدني علما ..!! أقول:
1 هذا الحديث مرسل ومنقطع عند جميع رواة الموطّأ، ومعلوم أن الحديث المرسل مردود عند جمهور المحدثين والفقهاء للجهل بحال الراوي فيفقد شروط الصحة، وحجة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في الراجح من مذهبه.
2 أما بالنسبة لشرح الحديث فهو خلاف ما اخترعه هذا التيجاني حسب فهمه المقلوب فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : هؤلاء أشهد عليهم أي بالإيمان والبذل في سبيل الله فلما قال ذلك سأله أبو أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى! أي أنتم مسلمون مثلهم ومجاهدين في سبيل الله ولكن لا أدري ما تحدثون أي لا أعلم ما سوف تفعلون بعد وفاتي وأبو بكر لم يسأله عن نفسه ولكنه سأله بصيغة الجمع، فأجاب بنفس الصيغة أنه لا يعلم ما سيكون بعده ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب أي ما سيحدث في المستقبل وبعد مماته إلا بما أخبره به الله سبحانه وتعالى يقول الله سبحانه وتعالى { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء أن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } الأعراف 1 فبكى أبو بكر لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيفارقهم وذلك واضح في قول أبي بكر أئنا لكائنون بعدك أي سنعيش بعدك يا رسول الله وبالطبع لم يبك لأنه يعلم أنه سيحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم !!
3 لو كان تفسير الآيات وفهم النصوص النبوية يعتمد على الأهواء والكذب الرخيص لكانت حجج المستشرقين أقوى من حجج التيجاني ولأصبح الطعن بالكتاب والسنة حجة لكل أبله مثله والعجيب أنه يقول في كتابه فكتاب الله صامت، وحمّال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه ولا بد لفهه من الرجوع إلى الرّاسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي .
فهل تفسيرك للحديث رجعت فيه إلى أهل البيت؟ وعلى أضعف الإيمان هل رجعت إلى الراسخين في العلم حتى تفهم معنى الحديث؟ وإذا قلت أن الحديث مرو عن طريق أهل السنة فإما أن ترفض الحديث أو ترجع فيه لشرح علماء أهل السنة مرغماً وإليك شروحهم:
4 هذا وقد شرح الموطأ لمالك مجموعة من أهل العلم لا بد لنا أن نأتي بأقوالهم وشروحهم لهذا الحديث:(12/108)
أ يقول الزرقاني ...هؤلاء أشهد عليهم بما فعلوه من بذل أجسامهم وأرواحهم وترك من له الأولاد أولاده فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا فلم خص هؤلاء بشهادتك عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى أنتم إخوانهم ألخ ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي فلذا خصصتهم بالشهادة المستفادة من حصر المبتدأ في الخبر بقوله هو لا أشهد عليهم فبكى أبو بكر ثم بكى كرّره لمزيد أسفه على فراق المصطفى ثم قال أئنا لكائنون أي موجودون بعدك استفهام تأسف لا حقيقي لاستحالته من أبي بكر بعد أن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم .
ب يقول ابن عبد البر ... ومعنى قوله: أشهد عليهم أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح والسلامة من الذنوب الموبقات، ومن التبديل والتغيير، والمنافسة في الدنيا، ونحو ذلك والله أعلم. وفيه من الفقه دليل على أن شهداء أحد ومن مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله أفضل من الذين تخلفهم بعده والله أعلم. وهذا عندي في الجملة المحتملة للتخصيص، لأن من أصحابه من أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه، وأما الخصوص والتعيين، فلا سبيل إليه إلا بتوقيف يجب التسليم له. وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، فأفضلهم: أبو بكر وعمر، على هذا جماعة علماء المسلمين إلا من شذ، وقد قالت طائفة كثيرة من أهل العلم: إن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر لم يستثنوا من مات قبله ممن مات بعده ثم قال ... وأما قوله أنا أشهد لهؤلاء وأنا شهيد لهؤلاء ونحو هذا فقد روى هذا اللفظ ومعناه من وجوه ثم ساق عدة روايات ومنها هذه الرواية ...وأخبرنا خلف بن القاسم، قال حدثنا ابن أبي العقب، حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحكم بن نافع أبواليمان، حدثنا شعيب عن الزهري، أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج تلك الخرجة استوى على المنبر فتشهد، فلما قضى تشهده كان أول كلام تكلم به: أن استغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد، ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيّر بين الدنيا وبين ما عند ربه فاختار ما عند ربه ففطن بها أبو بكر الصديق أوّل الناس وعرف إنما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فبكى أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلك سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا اعلم امرءاً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر .
ثم يتقيأ هذا التيجاني ويقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شك في أبي بكر؟ فيا للعجب!(12/109)
ج يقول الإمام الباجي ... وقول أبي بكر رضي الله عنه ألسنا يا رسول الله باخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا على وجه الإشفاق لما رأى من تخصيصهم بحكم كان يرجوا أن يكون حظه منه وافراً وأن يكون حظ جميع من شركه فيه من الصحابة ثابتاً فقال أن عملنا كعملهم في الإيمان الذي هو الأصل والجهاد الذي هو آخر عملهم فهل تكون شهيداً لنا كما أنت شهيدا لهم فقال صلى الله عليه وسلم بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، قال قوم إن الخطاب وإن كان متوجهاً إلى أبي بكر فإن المراد به غيره ممن لم يعلم صلى الله عليه وسلم بما آل حاله وعمله وما يموت عليه وأما أبو بكر رضي الله عنه فقد أعلم أنه من أهل الجنة، والنبى صلى الله عليه وسلم شهيد له بذلك لظاهر عمله الصالح ولما قد أوحي إليه وأُعْلِمَ من رضوان الله تعالى عنه ولكنه لما سأل أبو بكر واعترض بلفظ عام ولم يخص نفسه بالسؤال عن حاله كان الجواب عاماً، وقد بيّن تخصيصه بأنه ليس ممن يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مما يحبط عمله بما تقدم وتأخر عن هذا الحال من تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم له واخباره بما له عند الله من الخير وجزيل الثواب وكريم المآب. قال القاضي أبي الوليد رضي الله عنه ويحتمل عندي وجهاً آخر، وهو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: هؤلاء أشهد عليهم بما شاهدت من عملهم في الجهاد الذي أدى إلى قتلهم في سبيل الله ولذلك لم يقل أنه شهيد لمن حضر هذا اليوم وقاتل وسلم من القتل كعليّ وطلحة وأبي طلحة وغيرهم ممن أبلى ذلك اليوم، ومن هو أفضل من كثير ممن قتل ذلك اليوم، لكنه خصّ هذا الحكم بمن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم جهاده إلى أن قتل، ويكون على معنى هذا قوله لأبي بكر رضي الله عنه: بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، لم يرد به الحدث المضاد للشريعة وإنما أراد به جميع الأعمال الموافقة للشريعة والمخالفة لها، فيكون معنى ذلك أن ما تعملونه بعدي لاأشاهده، فلا أشهد لكم به وأن علمت أن منكم من يموت على ما يرضي الله من الأعمال الصالحة، إلاّ أنها لم تعين لي فيقال لي أنه يجاهد في الموطن كذا وأن الواحد منكم يقتل زيداً أو يقتله عمرٌ، وكما شاهدت من حال هؤلاء، فلذلك لا أكون شهيداً لكم بنفس الأعمال وتفصيلها، كما أشهد على تفصيل عمل هؤلاء وأن شهدت لبعضكم بجملة العمل بالوحي واعلام الله، فعلى هذا يكون قوله: ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي متوجّهاً إلى جميع الصحابة من أبي بكر وغيره. فصل وقوله: فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال أئنا لكائنون بعدك، يريد أنه أطال البكاء وكرره وأظهر معنى بكائه بقوله: أئنا لكائنون بعدك كأنه للإشفاق من البقاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم والإنفراد دونه وفقد بركته ونعمة الله على أمته به،وهذا يدل على أنه قد فهم أبو بكر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي أنه لا يخاف أو يجوز أن يكون من أبي بكر حدث يضاد الشريعة ويخالف به من أجله عن سبيل النبي صلى الله عليه وسلم لأن بكاءه لذلك كان أولى له وكان حكمه على ذلك بأن يقول ائنا لمحدثون بعدك حدثاً يصد عن سبيلك ونخالف به طريقتك ولما لم يقل ذلك ولا بكى من أجله وإنما بكى من أجل فراقه النبي صلى الله عليه وسلم وبقائه بعده علمنا أنه فهم منه ما قدمنا ذكره والله أعلم فهذا هو قول أهل العلم في هذا الحديث والذي يظهر جلياً مدى جهل هذا التيجاني بفقه الحديث وتحامله على الصحابة العظام.
أما قوله فقلت: إذا كان رسول الله ص هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث بعده فأقول:
1 قد ظهر واضحاً لكل عاقل من خلال الشروح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد أبا بكر الصديق بقوله: لا أدري ما تحدثون بعدي. ولكن كلامه عام على جميع الصحابة بخلاف هؤلاء الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم .(12/110)
2 من المسلم به أنّ اليقين لا ينتفي بالشك، ومن المعلوم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لأبي بكر بالجنة في الكثير من الروايات، منها ما رواه الترمذي والطبراني في الكبير عن عائشة قالت: أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت عتيق الله من النار وفي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري في جزء منه فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر . فقلت على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشِّرْهُ بالجنة. فأقبلتُ حتى قلتُ لأبي بكر: ادخُل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبشِّرك بالجنةِ وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الجنة و....الخ وأخرج الترمذي أيضاً عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع أبو بكر، وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هَذَان سيِّدا كهول أهل الجنة، من الأولين والآخرينَ، إلاالنَّبينَ والمُرْسلينَ، يا عليُّ: لاتُخْبِرهُما ، وقد أثبت الله لهذا الصحابي الجليل الصحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا...} التوبة 40 ففي الآية فضل أبي بكر الصديق لأنه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول صلى الله عليه وسلم.في تلك السفرة ووقاه بنفسه ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره: إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبابكر. وقال: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر، لأنه كذَّب القرآن. ثم يدع بعد ذلك التيجاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شك في أبي بكر! ولكن من خلال هذه الأدلة من الكتاب والسنة يعلم طالب الحق يقيناً لا شكاً أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي شهد لأبي بكر بالجنة لا يشك به قطعاً وإلا لكان هذا تناقضاً منه وحاشاه ذلك فيكون قوله : لا أدري ما تحدثون بعدي. على سبيل اليقين والرؤية كما عاين ورأى شهداء أحد. ثم يقول ... فمن حقي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتى أتبيّن وأعرف الحقيقة، ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنهما أقرب للواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة: قال الحاضرون وكيف ذلك؟ قلت: أن رسول الله ص لم يشهد على أبي بكر وقال لو إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي! فهذا معقول جداً وقد قرّر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنهم بدّلوا بعده ولذلك بكى أبو بكر وقد بدّل وأغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول كماسبق وقد بدل حتى ندم قبل وفاته وتمنّى ألا يكون بشراً. أما الحديث الذي يقول لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر فهو باطل وغير معقول: ولا يمكن أن يكون رجلاً قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيل الله، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث؟ لو كان صحيحاً لما كان في آخر حياته يتمنى ألا يكون بشراً. ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء، فاطمة بنت الرسول ص، تغضب عليه وتدعو الله عليه في كل صلاة تصلِّيها .
1 قوله أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها من أشد أقواله عجباً! فلست أدري على أي مبدأ استند في إبطال أحاديث صحيحة؟ فالحديث الذي يستند عليه التيجاني هو حديث مرسل كما بينت سابقاً في حين أنه يرى ضعف الحديث المرسل ففي مكان آخر من كتابه يحتج على أهل السنة بحديث يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي تراه يضعّف حديث كتاب الله وسنتي بحجة أنه حديث مرسل!؟ فيقول بالهامش أخرج مسلم في صحيحه والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبي داود في سننهم الحديث المذكور بلفظ كتاب الله وعترتي مسنداً إلى رسول الله ص. أما لفظ سنتي فلم يرد في أي من الصحاح الست، وأخرج الحديث بهذا اللفظ مالك بن أنس في موطّئه ونقله مرسل غير مسند !!!، وأخذ عنه بعد ذلك البعض كالطبري وابن هشام ونقلوه مرسلاً كما ورد عن مالك فكيف يحتج هنا بالحديث المرسل على بطلان الأحاديث الصحيحة المسندة؟! السبب بسيط أنه يريد أن يظهر حقيقة إنصافه المزعوم وتلاعبه المأثوم بالقراء الكرام فمرحا بالهداية!(12/111)
2 يبدو أن التيجاني عنده من الشجاعة العلمية في إثبات الأحاديث التي يهواها فتتحول إلى أحاديث مسندة في نظره، أما الأحاديث التي تثبت فضائل الصحابة فليس عنده هذه الشجاعة العلمية في نقدها سنداً ومتناً فتتحول بدون مقدمات إلى أحاديث باطلة ولو كانت من أصح الأسانيد! وأقول إذا كانت كل الأحاديث التي تذكر فضائل أبي بكر باطلة فأظن أن شهادة الله سبحانه بفضل أبي بكر وتقواه وبصحبته النبي صلى الله عليه وسلم ليست باطلاً!؟ فشهادة الله هذه لأبي بكر تقتضي أن أحاديث فضائل أبي بكر صحيحة وهذه قضية منطقية ومعقولة جداً، لأن من شهد الله له بالتقوى والطهارة لا بد أن يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
3 أما قوله أن الرسول صلى الله عليه وسلملم يشهد على أبي بكر وقال له إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي.
قلت: بل الرسول صلى الله عليه وسلم شهد لأبي بكر في هذا الحديث عندما قال له أبو بكر ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟! فقال له: بلى! فهذه شهادة منه صلى الله عليه وسلم بذلك ولكنه استدرك بأنه لا يعلم ما سيكون منهم على سبيل الرؤية والتعيين بالإضافة إلى أن سياق الجملة لا يستساغ بلاغياً فكيف يقول التيجاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشهد على أبي بكر ويقول له أنني لا أدري ما تحدثون بعدي، فكيف يخاطب أبا بكر بصيغة الجمع وهو مفرد، بل لأن أبا بكر خاطبه بصيغة الجمع واعترض بلفظ عام ولم يخص نفسه بالسؤال عن حاله، كان الجواب عاماًوعلى أقل تقدير أن يكون هو من ضمن المخاطبين، وبما أننا علمنا أن علياً بن أبي طالب كان من المقاتلين في أحد ولم يستشهد فيها فعلى ذلك لا بد أن يشمله الخطاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما سيحدث له بعده مثله كمثل بقية المخاطبين فكل ما بناه التيجاني الوبيّ على هذا الحديث من الطعن على أبي بكر وعمر يدخل فيه علي!! فهذا معقول جداً؟! أما قوله وقد قرر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنهم بدّلوابعده...!!! فهذا من أقبح الكذب إذ كيف يقرر القرآن أن الصحابة بدلوا ؟! فأين هذه الآيات التي تدل على هذا التخرص فلو كانت عنده بينة لأتى بها اللهم إن كان يقصد مصحف فاطمة؟! وأما إذا ادعى أنه بيّن هذه الكذبة في فصل رأي القرآن في الصحابة فقد دحضت افتراءاته بحول الله تعالى وفضله منه بما يقنع كل من يريد الحق ويرتضيه وأما بالنسبة لما قرره القرآن حقاً فيتضح في قوله تعالى { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، أعدّ الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } التوبة فأسأل هذا التيجاني المهتدي هل هؤلاء المذكورون في الآية هم علي وابناه الحسن والحسين اللذان لم يكونا قد بلغا الحلم؟ بالإضافة إلى الثلاثة أو السبعة الذين يبقي الرافضة على صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم عدا جميع الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير؟! وهل الرسول صلى الله عليه وسلم جاهد المشركين في بدر والذين وصل تعدادهم إلى ألف مقاتل، وفي أحد وكانوا ثلاثة آلاف مقاتل، وغيرها من الغزوات بهؤلاء النفر الذين لم يتجاوزوا العشرة يا تيجاني؟!؟ وقوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } التوبة 0 ، فنسأل التيجاني من هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟!.. هل هم علي والسبعة المرضيون عندكم؟!! سبحان الله فوالله لست أدري كيف يُهدى البعض إلى عقيدة تخالف النقول وتهين العقول؟!، فأسأل الله الكبير المتعال أن يقينا شرور هؤلاء المرجفين وشرور ما يرددون من أباطيلهم وجميع المسلمين اللهم آمين.(12/112)
4 يقول الله سبحانه { للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فؤلئك هم المفلحون } الحشر وإنني لن أسأل التيجاني فيمن تعنيهم هذه الآية وسأوفر عليه الجواب وسأدع الإمام الرابع عند الاثني عشرية وهو عليّ بن حسين يجيب عن ذلك فقد روى علامتهم عليّ بن أبي الفتح الأربلي في كتابه كشف الغمّة في معرفة الأئمة عن علي بن الحسن أنه قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون }؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم { والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } أخرجوا عني فعل الله بكم ! فهذا هو قول الإمام الرابع فيمن نزلت فيهم هذه الآيات، وهو يرد على من أغلقت عقولهم وعمّيت أبصارهم، فأخذوا يطعنون بأبي بكر وعمر وعثمان فأخرسهم بهذه الآيات البينات، فأقول للتيجاني هل ما زلت تصدق أنك قد اهتديت؟؟!
5 وأما قوله أما الحديث الذي يقول لو وزن إيمان أمتي بأيمان أبي بكر فهو باطل وغير معقول ولا يمكن أن يكون رجلاً قضى أربعين سنة من عمره يشرِك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد بأسرها..ألخ، وللإجابة على ذلك أقول:
أ يلاحظ القارئ أن التيجاني أبطل حديثاً لا لشئ سوى أن عقله الواعي لا يقبله، فمعنى ذلك أن علم الجرح والتعديل علم لا قيمة له لأن العقل هو الحاكم الذي يحكم على الحديث بالقبول أو الرد، وهذا يعني أيضاً أنه لو اختلق البعض أحاديث مدعياً أنها من فم الرسول صلى الله عليه وسلم واستساغتها عقول بعضهم لأصبحت أحاديث صحيحة؟! وهذا القول سيفتح الباب على مصراعيه للمستشرقين وأفراخهم للطعن بالسنة بحجة أن عقولهم الصدئة لا تستسيغ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بفضل العلم الجديد الذي استحدثه المجتهد التيجاني في قبول الأحاديث أو ردها؟! فابحث أخي القارئ بعد ذلك عن دينك؟؟!
ب أما الحديث لو وزن ... فهو حديث موقوف على عمر فقد رواه أسحاق بن راهويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عنه ورواية عن عمر هذيل بن شرحبيل، وهو عند ابن المبارك في الرهد، ومعاذ بن المثنى في زيادات مسند مسدد، وكذا أخرجه ابن عدي في ترجمة عيسى بن عبد الله من كامله، وفي مسند الفردوس، معاًمن حديث ابن عمر مرفوعاً، بلفظ: لو وضع أيمان أبي بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها ، وفي سنده عيسى بن عبدالله بن سليمان، وهو ضعيف، لكنه لم ينفرد به، فقد أخرجه بن عدي أيضاً من طريق غيره بلفظ: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجحهم . وله شاهد في السنن أيضاً، عن أبي بكرة مرفوعاً: أن رجلاً قال: يا رسول الله، رأيت كأن ميزاناً أنزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت، ثم وزن أبو بكر بمن بقي فرجح، الحديث 1، وعلى ذلك إن كانت هذه الرواية في رفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ضعف ولكن حديث أبي داود يشهد لها بالصحة وعلى العموم فأبو بكر الصديق من أكثر الناس إيماناًوتقوى وصلاحاً!
ت أما قوله ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهاداً في سبيل الله . وجواب ذلك من وجوه:(12/113)
1 كيف علم التيجاني أن أبا بكر قضى أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام، فهل جاء ببينة على دعواه هذه بدل أن يتقيأ هذا الكذب الذي استمرأه؟ فإن احتج أنه لم يكن أحد مؤمناً قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يعبدون الأصنام ولا شك أن أبا بكركان واحداً منهم. قلت: وكذلك الصبيان كانوا يعبدون الأصنام كعليّ لأن الصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر باتفاق المسلمين وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوَّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تُنْتَج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحسون فيها من جَدْعاء 1، وإن ادّعى التيجاني أن كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ، قلت ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ، فإسلام أبي بكر مخرجاً له من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجاً له من الكفر علي قولين مشهورين ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر20 بالإضافة إلى أن أبابكر لم يتلعثم عند إسلامه فعن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عرضّت الإسلام على أحد، إلا كانت له عنده كبوة وتردد، غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم 21 والغريب في الأمر أن الشيعة الاثني عشرية يروون أن علياً تردّد في قبول الإسلام وطلب الإمهال من الرسول صلى الله عليه وسلم وقال ... إن هذا مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه 22!؟
2 أما بالنسبة لعبادة أبي بكر للأصنام فإنه لم يثبت أنه سجد لصنم قط قال أبو بكر رضي الله عنه في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحكم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مُخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشمّ العوالي، وخلاّني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يجبني، فقلت: إني عار فاكسني فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه 23 فكيف يدعي إذاً هذا التيجاني الأنوك على أبي بكر أنه قضى أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام!؟... وبالنسبة لعلي وأنه سجد لصنم أم لا فليس عندنا نقل يثبت ذلك فلا نجزم بعدم سجوده للأصنام ولأنّ أهل قريش كانوا يسجدون للأصنام الرجال والنساء والصبيان!
3 ولو فرضنا أن أبا بكر مكث أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام فما من شك أن المشرك إذا تحول للإسلام فإن الله يغفر له ما قد سلف كما يقول الله سبحانه { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } الأنفال 3 وفي الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عمرو بن العاص عندما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام ولكنه إشترط أن يغفر الله له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟...24. فاعتناق الإنسان للإسلام يَجُبُّ ما اقترفه وأصابه ويمحوه.
4 وهذه الحقيقة يؤكدها أيضاً الرافضة الإمامية فقد روى إمامهم الكليني في كتابه أصول الكافي تحت باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية فعن أبي جعفر عليه السلام قال إنّ ناساً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حسن إسلامه وصحَّ يقين إيمانه لم يؤاخذه الله تبارك وتعالى بما عمل في الجاهلية، ومن سَخُفَ إسلامه ولم يصحّ يقين إيمانه أخذه الله تبارك وتعالى بالأوّل والآخر 25 وحتى التيجاني نفسه يعترف بهذه الحقيقة فيقول وليست لي أي عداوة لأبي بكر ! ولا لعمر ولا لعثمان ولا لعلي ولا حتى لوحشي قاتل سيدنا حمزة ما دام أنه أسلم والإسلام يجب ما قبله وقد عفى عنه رسول الله ص 26!؟ فكيف يؤاخذ أبو بكر على جاهليته، والإسلام بجب ما قبله؟ الجواب واضح وهو أنه ليست له أي عداوة لأبي بكر؟؟!
5 أنه ليس كل من ولد على الإسلام بأفضل ممن أسلم بنفسه كأبي بكر وعمر، بل قد ثبت بالنصوص المستفيضة أن خير القرون القرن الأول وعامتهم أسلموا بأنفسهم بعد الكفر، وهم أفضل من القرن الثاني الذين ولدوا على الإسلام27.(12/114)
ج أما إدعاؤه أن أبا بكر لا يمكن أن يكون أرجح إيماناً من أمة محمد وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيل الله. قلت: لا يشك أي منصف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من كبار أولياء الله الصالحين والأئمة المهتدين الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيله فهو من أحب وأقرب الناس إلى سيد الأولياء والصالحين محمد صلى الله عليه وسلم لدرجة أنه كان يغضب لمن يؤذي أبا بكر فقد أخرج البخاري فيى صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل أبو بكر آخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، قفال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر، فسلّم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ، فأسرعت إليه ثم ندمتُ، فسألته أن يغفر لي فأبى علىَّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك ياأبابكر ثلاثاً . ثمّ إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّرُ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقَ، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين فما أوذي بعدها 2 وعن أبي عثمان قال حدّثني عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدّرجالاً 2. وهذا رأي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أيضاً، فعن محمد بن الحنفية وهو ابن عليّ قال قلت لأبي: أي الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أبو بكر. قلت ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين 30 وكان أبو بكر أكثر الصحابة عملاً للصالحات فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة 31 إضافة إلى شهوده جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم ومباشرته الأهوال التي كان يباشرها النبي صلى الله عليه وسلم من أول الإسلام إلى آخره، ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل، وكان يقدم على المخاوف، يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله، وهو في ذلك كله مقْدِم 32 وعن علي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ ولأبي بكر: مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيلُ ملكٌ عظيم يشهد القتال أو يكون في القتال 33 فبعد هذه الأدلة الواضحة يتّضح لكل طالب للحق أن أبا بكر كان من كبار أئمة الدين و أوليائه الصالحين، المجاهدين في سبيل الله، ولعل التيجاني لا يقتنع بهذه الحقائق الواضحة فاضطر لإيراد رأي أحد كبار الأئمة الاثني عشرية لتصبح الحقائق دامغة وحجةً على المكابرين والمعاندين وسلسبيلاً للمطمئنين المهتدين، فقد أورد أبي الحسن الأربلي الاثني عشري في كتابه كشف الغمة عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيوف، فقال: لا بأس به، قد حلّى أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه، قلت: فتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة وقال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة 24 فهل يرتدع التيجاني ويكفينا إيراداً للأدلة المكذوبة على هدايته؟؟!، وأما بقية كلامه في هذا المبحث فقد رددنا عليه بحول الله وقوته فيما سبق والحمد لله أولاً وأخيراً.
رابعاً موقفه من أبي بكر في مبحث أسباب الإستبصار والرد عليه في ذلك : أ النص على الخلافة:
يتحدث التيجاني عن الأسباب التي دعته للإستبصار إلى الطريق الحق فيقول أما الأسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جداً ولا يمكن لي في هذه العجالة إلاّ ذكر بعض الأمثلة منها:
1 النص على الخلافة: لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلاّ ما هو موثوق عند الفريقين وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون أخرى، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأنّ الخلافة إنّما كانت بالنص على علي كما يدّعي الشيعة أو بالإنتخاب والشورى كما يدّعي أهل السنة والجماعة.(12/115)
والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنّه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله ص: من كنت مولاه فهذا علي مولاه قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع فعُقد لعلي موكب للتهنئة حتى أنّ أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنئين للإمام يقولان :بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة . وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنّة، ولم أخرّج أنا في البحث هذا إلا مصادر السنّة والجماعة ومع ذلك لم أذكر المصادر كلها فهي أكثر بكثير مما ذكرت، وللإطلاع على المزيد من التفصيل ادعو القارئ إلى مطالعة كتاب الغدير للعلاّمة الأميني وقد طبع منه ثلاثة عشر مجلداً يحصي فيها المنصف رواة هذا الحديث من طريق أهل السنة والجماعة .
فأقول لهذا الدعي:
1 بالنسبة لقوله أن أهل السنة يقولون بأن الخلافة بالانتخاب والشورى فهذا قول ليس صحيحاً، لأن أهل السنة اختلفوا في خلافة أبي بكر، فقالت جماعة ان خلافة أبي بكر ثبتت بالنص الجلي أو الخفي، في حين قالت جماعة أخرى من أهل السنة أن الخلافة كانت بموافقة أهل الحل والعقد، وقد استدل الطرف الأول على وجود النص بالخلافة على أدلة قوية، وعلى العموم يجب أن يُعلم أن ما يقوله هذا التيجاني من أنّ أهل السنة يجعلون الخلافة بالشورى ليس قول الجميع، فإن كان حقاً فهو قول بعضهم، وإن كان الحق هو بالنص الجلي أو الخفي فهو قول البعض الآخر فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة.
2 أما قوله أن الشيعة الرافضة يدعون بأن الخلافة كانت بالنص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستندين على عدة أحاديث فهذا ادعاء فاسد لأنهم يستندون على أدلة واهية ويستدلون على ألفاظ لا تدل أبداً إلى ما ذهبوا إليه وسيأتي تفصيل ذلك قريباً، ومن جانب آخر لو فرضنا أن القول بالنص على الخلافة هو الحق لم يكن لهذا الأمر دليل على ما يدعيه الشيعة الاثني عشرية، فإن الراوندية القائلين بإمامة العباس بن عبد المطلب يدعون النص الثابت عليه كما يدعي الرافضة بأن النص الثابت هو في علي، يقول القاضي أبو يعلى: واختلف الراوندية فذهب جماعة منهم إلى أن النبي نصَّ على العباس بعينه واسمه، واعلن ذلك وكشفه وصرَّح به، وأن الأمة جحدت هذا النص وارتدَّت وخالفت أمر النبي صلى الله عليه وسلم عناداً. ومنهم من قال: إن النص على العباس وولده من بعده إلى أن تقوم الساعة وهذا الادعاء مثل إدعاء الرافضة ويناظره، وكلا القولين لا دليل على أي منهما ولم يقل بهما أحد من أهل العلم قاطبة بخلاف النص على أبي بكر الذي يعضِّده أقوال أهل العلم.
3 أما قوله أن الباحث عن الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنه سيجد النص على عليّ بن أبي طالب واضح جليّ كقوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاة فهذا عليّ مولاه . وللرد على ادعائه أقول:
أ إختلف أهل الحديث في تصحيح وتضعيف هذا الحديث فمنهم من ضعفه ومنهم من حسّنه والذي أراه حقاً أن الحديث صحيح وثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أستطيع أن أضعف هذا الحديث بالهوى كما يضعف هذا التيجاني الأحاديث التي لا يرغب فيها أو يراها تخالف خزعبلات وإلا فالمسألة بسيطة لأهل الأهواء، وهذا لمن أنصف وعلم أن أهل السنة يقفون عند النصوص الحديثية ويثبتونها إن كانت صحيحة الإسناد والمتن.
ب وادعاء التيجاني بأن الحديث نص واضح وجلي على عليّ فأقول يبدو أن الكلام لا يحتاج إلى كثير عناء، فمن السهل على أي إنسان فضلاً عن التيجاني! أن يقول ما يريد، فالكلام لا يشترى بالمال أو يباع، فليس الكلام بحد ذاته يعتبر دليلاً لمن فهم، فهذا التيجاني يدّعي أن هذا الحديث واضح وجلي ولم يتعنَّ ويظهر هذا الوضوح والجلاء، ولا برهان على كلامه وقد وصدق الشاعر:
والدعاوى مالم تقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء
ولكن ومع الأسف البرهان على عدم وجود هذا الوضوح والجلاء هو في نفس النص لأن النص كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع باعتراف التيجاني نفسه عند غدير خُم، ومعلوم أنه بعد حجة الوداع لم يرجع المسلمون كلهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكّتهم وأهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى يمنهم فلم يرجع معه إلا أهل المدينة فلو كان ما ذكره في غدير خُم بلاغاً للناس كافّة لذكره في حجة الوداع التي اجتمع فيها المسلمون كافة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة الإمامة بشيءٍ ولا ذكر علياً أصلاً، ومن هنا نعلم أن إمامة عليّ لم تكن وحياً منزلاً ولا منصوصاً عليها في دين الله عزوجل، ولا مما أُمر ببلاغها، فهذا الحديث ليس حُجّة على خلافته فضلاً عن وضوحه وجلائه!(12/116)
ج وبالنسبة لكلمة مولاه فلم يَرد بها الخلافة قطعاً ولا اللفظ يدل على ذلك لتعدّد معاني المولى ففي مختار الصحاح يقول الرازي المولى المُعتِقِ والمُعْتَقُ وابن العَمِّ والناصر والجار والحليف..... والموالاة ضد المعاداة وقال الوِلاية بالكسر السلطان و الوَِلايةُ بالفتح والكسر النصرة ، وقال فيروز أبادي الوَلْيُ: القرب والدنو، ... والوَلِيُّ: الاسم منه، والمحب والصديق، والنصير، وولي الشئ، وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أو هي المصدر وبالكسر: الخطة والإمارة والسلطان... والمَوْلَى: المالك، والعبد، والمُعْتِقُ، والمُعتَقُ، والصاحب، والابن، والعم، والنزيل، والشريك، وابن الأخت، والوَلِيُّ، والرب، والناصر، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمحب والتابع، والصهر ، ومن هنا نعلم أن المولى جاءت بمعنى النصرة وغيرها من التعريفات السابقة فجعلها في معنى السلطان يحتاج إلى دليل واضح لإثبات ذلك، هذا بالاضافة لتعذر حمل المولى على الوالي يقول شيخ الإسلام وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة. وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } وقال { وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاهُ وجبريلُ وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ } فبيّن أن الرسول وليّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيّن أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويحادّون الله ورسوله ويعادونه. وقد قال تعالى { لا تتخذوا عدوِّي وعدوَّكم أولياء } وهو يجازيهم على ذلك، كما قال تعالى { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } وهو وليّ المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله وليّ المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة، والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعليّ رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولنه، وفي هذا الحديث إثبات موالاة عليّ في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعليّ أيضاً له مولى بطريق الأوْلى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولّنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أسلم وغفار ومُزينة وجهينة وقرشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله، وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم، وفي الجملة فرق بين الوليّ والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية التي هي ضدّ العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من كنت واليه فعليّ واليه. وإنما اللفظ من كنت مولاه فعليّ مولاه وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وأما كونه أوْلى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم ، وكونه أوْلى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته،ولو قُدّر أنه نصَّ على خليفة من بعده، لم يكن لم ذلك موجباً أن يكون أوْلى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لايكون أُزواجه أُمهاتهم، لو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به نفسه وهذا لم يقله أحد، ولم ينقله أحد ومعناه باطل قطعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، وخلافة عليّ لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون عليّ خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة، وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد الخلافة، فإن كونه وليّ كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخّر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليف إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قُدّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قُدّر أنه استخلف أحداً بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه، لا سيما في(12/117)
حياته. وأما كون عليّ مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعليّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات عليّ، فعليّ اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولّياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً .
4 وأما حجة الشيعي سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص وهو إحدى المصادر التي عزى إليها الحديث قوله من أن علماء العربية قالوا أن لفظة الولى ترد على وجوه وذكر عشر معانٍ وهذا اعتراف منه بتعدد معنى المولى ثم رجّح المعنى العشر وهو بمعنى الأولى أي أولى المؤمنين بالإمامة، بحجّة أنّ المعاني الأخرى منتفية عن عليّ! وجعله نصاً صريحاً في إثبات إمامة عليّ فهذا الإدعاء حجة عليه لا له، لأنه لم يُظهر دليلاً بيناً واحداً على أن المولى بمعنى الأولى، فتحديدها بالأولى تحتاج لدلالة واضحة ونص ثابت ولا يوجد ما يدل على ذلك فبطل احتجاجه.
وبعد هذا البيان يظهر بكل وضوح أن هذا الحديث الذي يستند عليه التيجاني يدحض ادعاءه أنه دليل على إمامة عليّ، فالأدلة على الخلافة لا تكون بأدلة ممجوجة وحجج مدحوضة، بل بأدلة واضحة الدلالة والبيان بحث تنتفي معها الشبهات والله المستعان وعليه التكلان.
5 وقال التيجاني والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنه سيجد النص على عليّ بن أبي طالب واضح وجلي كقوله ص من كنت مولاه فهذا علي مولاه قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع فعقد لعليّ موكب للتهنئة حتى أن أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنّئين للإمام يقولان: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة . أقول:
سبحان الله ما أكذب هؤلاء القوم وما أجرأهم على الكذب فهذا التيجاني يدّعي أن علياً قد عقد له موكب للتهنئة وكان في مقدمة المدعوّيين لهذا الحقل البهيج أبو بكر عمر ثم يعزو هذه الرواية المكذوبة إلى عدة مصادر، فلو رجعنا إلى مسند أحمد في الجزء السادس مسند البراء بن مالك حديث رقم 06 لوجدناه يذكر الحديث وفيه فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ولم يذكر أبا بكر أبداً، وتجده أيضاً في كتاب تذكرة الخواص ص 36 وليس فيه ذكر لموكب التهنئة ولا لعمر فضلاً عن أبي بكر، وأورده السيوطي في الحاوي للفتاوي وفيه تهنئة عمر لعلي ولكن لا ذكر لأبي بكر أيضاً! وفي كتاب كنز العمال تجد الحديث في باب فضائل عليّ بن أبي طالب برقم 36340 والأرقام 36341 ، 36342 ، 36343 ، 36344 وفي جزء برقم 3204 ، 3205 ، 320، 32 ولا يوجد فيها ذكر لعمر ولا لأبي بكر فضلاً عن موكب التهنئة!! وذكر ابن كثير الحديث في كتابه البداية والنهاية بروايات مختلفة وكثيرة وليس فيها ذكر لموكب التهنئة ولا لأبي بكر؟! وسأضرب صفحاً عن بقية المراجع المذكورة لأن الذي ذكرته يغني ويكفي ولأن الحديث روي بروايات متقاربة وليس فيها ذكر لموكب التهنئة ولا لأبي بكر الصديق، وأظن أنه قد ظهر الكذب والافتراء على القرّاء بمحاولة تهويل الأمر وتحسينه، وزيادة إضافات له حسب متطلبات الكذب الرافضي، إضافة لمحاولة إقحام إسم أبي بكر في الحديث لا لشيء إلا للتدليس على القارئ المسكين الذي لا يستطيع البحث في هذه المراجع الكثيرة فيظن أن أبا بكر يعلم أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة ولكنه اغتصب حقّه، ولكن أظن أنه قد ظهر الحق من الباطل، وظهر الكذّاب الأفاك من الصادق الأمين، والمنصف ممن يدعي الإنصاف. وبالنسبة للرواية التي فيها هذه الزيادة وهي أن عمر قال لعليّ بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة فهذا الشطر من الحديث لا يصح لتفرّد عليّ بن زيد بن جدعان فهو ضعيف عند أهل الحديث فإذا علمت ذلك فاعرف أن الحق مع الصديق وصاحبه، فلا حجة لهؤلاء الرافضة في هذا الحديث والحمد لله رب العالمين.
ثم يقول التيجاني أما الإجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد، فإنه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلف عن البيعة عليّ والعباس وسائر بني هاشم كما تخلّف أسامة بن زيد والزبير وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيقة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو بريدة الأسلمي والبراء بن عازب وأُبي بن كعب وسهل بن حنيف وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وخالد بن سعيد وغير هؤلاء كثيرون. فأين الإجماع المزعوم ياعباد الله؟ على أنه لو كان علي بن أبي طالب وحده تخلّف عن البيعة لكان ذلك كافياً للطعن في ذلك الإجماع إذ أنه المرشح الوحيد للخلافة من قبل الرسول على فرض عدم وجود النص المباشر عليه ثم يعزو تخلُّف من ذكرهم عن بيعة أبي بكر إلى المصادر التالية الطبري، تاريخ ابن الأثير، تاريخ الخلفاء، تاريخ الخميس، الاستيعاب، وكل من ذكر بيعة أبي بكر !؟ ولم يشر إلى الجزء أو الصفحة في أي من المصادر السابقة!؟؟
فأقول:(12/118)
1 والله الذي رفع السماوات ووضع الأرض لو كان الكذب يتكلم لتبرّأ من هذا الكذّاب قبّحه الله وجزاه بما يستحق على كذبه ودجله، فلو راجعنا هذه المصادر لم نجد في أي منها ما ادّعاه من عدم مبايعة المذكورين للخليفة أبي بكر الصديق، فبالنسبة للمصدر الأول وهو تاريخ الطبري المجلد الثاني عنوان حديث السقيفة يسوق الطبري عدة روايات بعضها صحيح والبعض الآخر ضعيف، فذكر حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري وهو حديث طويل وفيه ... أن عمر بن الخطاب قام على المنبر يخطب الناس ليرد على من يقول: لو مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً فذكر في جملة الحديث قصة السقيفة قوله وأنه كان من خبرنا حين توفّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار.قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم. فقلنا والله لنأتينهم، قال: فأتيناهم وهم مجتمعون في سقفة بني ساعدة. قال: وإذا بين أظهرهم رجل مُزَّمِّل، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم فحمد الله، وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر قريش رهطُ نبينا، وقد دفّت إلينا من قومكم دافة، قال: فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا الأمر. وقد كنت زوّرت في نفسي مقالةً أقدمها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحدّ، وكان هو أوقر مني وأحلم، فلما أردت أن أتكلم، قال: على رسلك فكرهت أن أعصيه، فقام فحمد الله وأثنى عليه، فما ترك شيئاً كنت زوّرت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت، إلا قد جاء به أو بأحسن منه. وقال: أما بعد يامعشر الأنصار، فإنكم لا تذكُرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهلٌ، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحيّ من قريش، وهم أوسط العرب داراً ونسباً، ولكن رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح. وإني والله ما كرهت من كلامه شيئاً غير هذه الكلمة، إن كنت لأقدَّم فتضرب عنقي فيما لا يقرّبني إلى إثم أحبُّ إليَّ من أن أؤمَّر على قوم فيهم أبو بكر. فلما قضى أبو بكر كلامه، قام منهم رجلٌ فقال: أنا جُذيلُها المُحك، وعُذيقُها المُرجَّب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، قال: فارتفعت الأصواتن وكثر اللغط، فلما أشفقت الاختلاف، قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار... ثم ساق الطبري الأثر عن الوليد بن جميع الزهري قال: قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة . قال: فخالف عليه أحدٌ؟ قال: لا إلا مرتدٌّ أو من قد كاد أن يرتدّ، لولا أن الله عز وجلّ ينقذهم من الأنصار، قال: فهل قعد أحد من المهاجرين؟ قال: لا، تتابع المهاجرون على بيعته، من غير أن يدعوهم 1 ثم ساق رواية حبيب بن أبي ثابت قال: كان عليّ في بيته إذا أتي فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء، عجلاً، كراهية أن بيطئ عنها، حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله، ولزم مجلسه 1 ثم ساق الطبري بعد ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري20 والذي ذكرته في مبحث ميراث فاطمة من مبايعة عليّ لأبي بكر بعد وفاة فاطمة21. وأخيراً ساق رواية أنس بن مالك22 في بيعة أبي بكر بيعة عامة بعد بيعة السقيفة ولم يذكر بعدها أي شيء آخر، وأما كتاب تاريخ ابن الأثير 23 فلا يوجد فيه ذكر لما ادعاه هذا الكذّاب بشأن تخلف المذكورين عن بيعة أبي بكر ففي باب حديث السقيفة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ! ذكر حديث السقيفة ورواية مبايعة عليّ بن أبي طالب لأبي بكر في أول الأمر عند سماعه بالبيعة ثم قال ابن الأثير والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر ثم حديث ابن عباس في خلافة عمر بن الخطاب وصعوده المنبر وذكره البيعة الذي سبق ذكره، ثم ذكر رواية أبو عمرة الأنصاري في اجتماع السقيفة الطويلة وخلاصتها اجتماع الناس على بيعة أبي بكر، وأثبت مبايعة عليّ وبني هاشم لأبي بكر بعد وفاة فاطمة، وقد بيّنت ضعف هذه الرواية ومخالفتها للرواية الصحيحة والواقع، فهذا هو ما ذكره ابن الأثير في تاريخه ولم يذكر أبداً ما ادعاه هذا المنصف! وأما بالنسبة لكتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لابن قتيبة فحريّ أن لا نبحث فيه للشك في نسبته على أقل تقدير هذا أولاًوالكتب المعتمدة قد نقلنا قولهم ثانياً، وثالثاً لم يحدد التيجاني الصفحة لنرجع إليها، وأما تاريخ الخميس فلم أجده مع الأسف الشديد ولست(12/119)
أدري لعله من كتب الرافضة؟ وأما كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر فقد ساق فيه المؤلف من الأدلة على خلافته أكثر من أي مطبوع آخر24، فقد أورد رواية النّزّال بن سبرة عن عليّ قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر. وروى محمد ابن الحنيفية وعبد خير و ابو جحيفة عن عليّ مثله ، وكان عليّ رضي الله عنه يقول: سبق رسول لله صلى الله عليه وسلم ، وثنّى أبو بكر، وثلّث عمر، ثم حفتّنا فتنة يعفو الله فيها عمّن يشاء، وقال عبد خير: سمعتُ علياً يقول: رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع بين اللوحين ، وروينا عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من وجوه أنه قال: ولينا أبو بكر فخيرُ خليفة، أرحمه بنا وأحناه علينا. وقال مسروق: حبُّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة ، وساق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في طلبه أن يؤم الناس وذكر حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر،واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ثم قال ابن عبد البر ... وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول اللهصلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من بعد ذلك اليوم، وتخلّف عن بيعته سعد ابن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش، ثم بايعوه بعد غير سعد. وقيل: إنه لم يتخلّف عن بيعته يومئذ أحدٌ من قريش، وقيل: إنه تخلّف عنه من قريش: علي، والزبير، وطلحة، وخالد بن سعيد بن العاص، ثم بايعوه بعد. وقد قيل: إن علياً لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة، ثم لم يزل سامعاً مطيعاً له يُثني عليه ويفضّله ، وساق عن عبد الله بن مسعود كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب: أنشدتكم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يُزيله عن مقام أقامه فيه رسول اللهصلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، ونستغفر الله وروى الحسن البصري عن قيس بن عبادة قال قال لي عليّ بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياماً ينادي بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر يُصلي بالناس، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة عَلَم الإسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر 25 فهذا الذي ذكره ابن عبد البر في كتابه فأقول لمن يبحث عن الحق الواضح من الكذب الفاضح، ماذا بعد الحق إلا الضلال، فهذه يا طالب الحق المراجع التي ساقها هذا التيجاني ليثبت تخلّف هؤلاء الصحابة عن بيعة أبي بكر والتي تجمع على بيعة المسلمين له بيعة السقيفة والبيعة العامة من جميع الناس، ولا يكتفي التيجاني بذلك فيقول بالهامش بعدما يذكر المراجع ... وكل من ذكر بيعة أبي بكر!؟ بل أقول لا يوجد كتاب يتعرض للبيعة إلا ويثبت صحة بيعته وبيعة الصحابة بالإضافة لعلي وبني هاشم بل وكتب الرافضة الاثني عشرية تثبت ذلك أيضاً.(12/120)
2 ولو فرضنا جدلاً أن هؤلاء الصحابة المذكورون لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة، فهذا أيضاً لا يقدح في البيعة لأنها لا تحتاج إلى إجماع كل الناس، ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة، وهذا ما اتفق عليه أهل العلم، يقول النووي أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحّتها مبايعة كل الناس،ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس 26، وقال المازري العذر لعلي في تخلّفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم من كل احد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشقّ العصا عليه، وهذا كان حال عليّ لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، وقد ذكرت سبب ذلك 27. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر، بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة 2، بل وهذا علي نفسه يقول بما ذكره عنه الشريف الرضى في كتابه الحجة للإمامية نهج البلاغة لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامَّة الناس فما إلى ذلك سبيل !!، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، وليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار 2! فانظر أيها القارئ للحق الواضح وإلى كذب التيجاني الناضح!... والسبب في اتفاق العلماء على ذلك لأنه لو اعتبر تخلّف الواحد أو الاثنين أو الفئة القليلة من الناس قدح في الإجماع فلن نستطيع أن نثبت إجماعاً أبداً لأنه قد يتخلّف الإنسان لهوى في نفسه أو لسبب غير مسوّغ، أو لأي أمر آخر، فإذا كان الأمر كذلك فكيف سنجمع على إمام بعينه؟! ويجب أن يقال أيضاً أن إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كا أعظم من إجتماعهم على مبايعة عليّ، فإن ثلث الأمة أو أقل أو أكثر لم يبايعوا علياً بل قاتلوه، والثلث الآخر لم يقاتلوا معه، وفيهم من لم يبايعه أيضاً، والذين لم يبايعوه منهم من قاتلهم، ومنهم من لم يقاتلهم، فإن جاز القدح في الإمامة بتخلف بعض الأمة عن البيعة، كان القدح في إمامة عليّ أولى بكثير. وإن قيل: جمهور الأمة لم تقاتله أو قيل بايعه أهل الشوكة والجمهور ونحو ذلك كان هذا في حق أبي بكر أوْلى وأحرى 30 وإن ادعى هذا التيجاني بأنّ النص على عليّ بالخلافة ظاهر، فأقول له أدلتك قد أثبتُّ أنها ليست حجة بالإضافة إلى أن الأد لّة على خلافة أبي بكر أصح وأقوى وأعظم من أن تنكر31، وعلى ذلك يظهر لدينا تهافت قول التيجاني على أنه لو كان عليّ وحده تخلّف عن البيعة لكان ذلك كافياً للطعن في ذلك الإجماع فرحم الله الإجماع وأهله!؟
ثم يتابع فيقول وإنما كانت بيعة أبي بكر من غير مشورة بل وقعت على حين غفلة من الناس وخصوصا أولي الحل والعقد منهم كما يسميهم علماء المسلمين إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه، وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحُمل الناس على البيعة بعد ذلك قهراً. كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة إن لم يخرج المتخلّفون عن البيعة فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نقول بأن البيعة كانت بالمشورة وبالإجماع 32؟ فأقول وبالله التوفيق:
1 إذا كانت بيعة أبي بكر وقعت من غير مشورة وعلى حين غفلة من المسلمين فكيف يوفّق التيجاني بين قوله هذا وقوله قبلاً أن بعضاً من الصحابة قد تخلّفوا عن البيعة؟! فهل كان المسلمون هم الفئة القليلة؟! ثم يقول أن البيعة وقعت من غير مشورة من المسلمين، فكيف حدث ذلك وقد أثبتنا من مصادر التيجاني أنها وقعت عن مشورة من المسلمين، وبويع أبو بكر في السقيفة وفي البيعة العامة من الناس؟!
2 يقول وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحملوا الناس على البيعة بعد ذلك قهراً ؟!؟
سبحان الله... من حمل سكان المدينة على البيعة قهراً؟ أبو بكر وعمر!؟ فكيف قهروهم؟ فهل قاتلت معهما الملائكة؟ أم ساندتهم قطاعات الحرس الجمهوري أم سرايا الدفاع؟ ... أم حرس الثورة؟؟! يا الله عليّ بن أبي طالب المنصوص عليه بالخلافة بالنص الواضح الجلي، وأهل الحل والعقد والوجهاء، وسكان المدينة لم يستطيعوا إيقاف بيعة أبي بكر بمساندة القلّة القليلة التي معه، ومع ذلك استطاع أن يصبح الخليفة رغم معارضة الأمة له؟ فوالله لو كان الجهل قطاً لأطلقت عليه كلباً!! فما هذا الوَضَر الذي يخرجه قلم هذا العبقري، والذي لا يستند على دليل معقول فضلاً عن المنقول، فمبايعة الأمة للخليفة أبي بكر أكبر من أن تنكر.
فهل يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟(12/121)
فهاهم الشيعة الاثني عشرية يؤكدون هذه الحقيقة ولا يستطيعون إنكارها، فهذا إمام الشيعة الاثني عشرية الحسن بن موسى النوبختي يؤكد ذلك في كتابه فرق الشيعة فيقول ... فصار مع أبي بكر السواد الأعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما 33 وهذا إبراهيم الثقفي أحد كبار الشيعة الاثني عشرية يورد قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جزء من رسالة له لأصحابه ... فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه..34 ثم يشرح محقق الكتاب انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه كما ينثال التراب، على أبي بكر! ويقول قال المجلسي: الإجفال: الإسراع 35! وأما ابن مطهر الحلي فلم يستطع هو الآخر أن ينكر هذه الحقيقة فلجأ إلى الهذيان فقال وبايعه أكثر الناس طالباً للدنيا 36!! ثم يأتي المهتدي بعد كل ذلك ليكتشف ما غاب عن السنة والشيعة الرافضة ، وهو أن أبا بكر وعمر حملوا الناس على البيعة قهراً!؟ ليضيف الدلائل تلو الدلائل على هدايته، فأرجوه أن يتوقف عن ذلك فإنني أخشى أن أُروَّعْ بانثيال الناس وإجفالهم إليه ليبايعوه على الهداية!!!؟
3 أما قوله عن حرق بيت فاطمة فقد أجبت عنه فيما سبق37.
4 ثم يقول وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها، وقال فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، أو قال فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه 3، فأقول:
لم ترد الرواية عن عمر بهذا السياق لا في البخاري ولا في غيره، بل وردت في حديث طويل رواه ابن عباس من أن عمر قام خطيباً في المدينة ليرد شبهة أثارها فلان من الناس وكان مما قال ... ثم لإنه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقى شَرَّها، وليس فيكم من تُقطعُ الأعناقُ إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعهُ تغَّرةً أن يُقتلا 3 ومعنى قول عمر أنها كانت فلته أي فجأة دون استعداد لها، وهكذا وقعت بيعة أبي بكر فجأة من دون أن يستعدوا أو يتهيأوا لها فوقى الله شرها، أي فتنتها، وعلل لذلك بقوله مباشرة وليس فيكم من تُقطعُ الأعناق إليه مثل أبي بكر أي ليس فيكم من يصل إلى منزلة أبي بكر وفضله، فالأدلة عليه واضحة، واجتماع الناس إليه لا يحوزها أحد، يقول الخطابي يريد أن السابق منكم الذي لايلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه، فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى، وليس غيره في ذلك مثله 40 وبالطبع كان سبب قول عمر هذا لأنه علم أنّ أحدهم قد قال لو مات عمر لبايعت فلاناً أي يريد أن يفعل كما حدث لأبي بكر، ويتعذّر بل يستحيل أن يجتمع الناس على رجل كاجتماعهم على أبي بكر فمن أراد أن ينفرد بالبيعة دون ملأ من المسلمين فسيعرّض نفسه للقتل، وهذا هو معنى قول عمر تغرةً أن يقتلا ، أي من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرّضهما للقتل 41 وهنا يظهر معنى ما أراده عمر في هذا القضية، والتيجاني نقل نقلاً مبتوراً عن عمر وذلك لعدم نقله سبب قوله ذاك، فإذا عرف السبب بطلت الحجّة التي يستند عليها هذا التيجاني، بل وانقلبت عليه لأن عمر عندما ذكر ذلك أراد إظهار الفضيلة والسبق لأبي بكر، وهي اجتماع الناس عليه وانثيالهم إليه، وهذا ما حدث والتاريخ يشهد على ذلك، فمن ظنّ أنّ قول عمر منقصة لأبي بكر فليعلم أن هذا بسبب نقصان فهمه ليس إلا!!
ثم يقول كذباً أن علياً قال في حق الخلافة أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير 42 قلت:
1 نحن نجلّ علياً من أن يقول هذا الكلام في حق أبي بكر أو يدعي لنفسه الخلافة، لأنّ أبا بكر لا يتقمص ما ليس من حقه، ولو كان علي محلّه من الخلافة محل القطب من الرحى لما بايعه باتفاق السنة والشيعة.
2 لو فرضنا جدلاً أن علياً قال ذلك فليس فيه أي قدحٍ في أبي بكر، بل القدح في عليّ أظهر منه في أبي بكر، لأننا قد بينا أن الاجماع قد انعقد لأبي بكر دون إكراه لأحد، فالأنصار والمهاجرون وبمن فيهم بنوهاشم بايعوا دون إكراه ولا قهر، فلم يكن هذا تقمصاً من أبي بكر، وأما الإدعاء بأن علياً قال أنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، فأقول حاشى لأبي بكر أن يتقدم أحداً ثبت بالنص أنه الخليفة، فلو كانت الخلافة من حق عليٍّ لبايعه الناس دون أبي بكر، فإذا علم ذلك علمنا أن الذي محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرحى هو أبو بكر وقد كان، واما الأدلة التي يقال أنها تثبت الخلافة لعليّ فهي أوهى من بيت العنكبوت فلا تقف في وجه الأدلة على أحقيّة أبي بكر.(12/122)
3 ثبت بالدليل الواضح مبايعة عليّ بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة سواءٌ في بداية المبايعة أم بعدها بستة أشهر، فكيف يقال أن علياً قال ما قاله فيما يسمّى بالخطبة الشقشقية، فإن قلنا أنه بايع والكلام مكذوب عليه كان كلامناحقاً، ولو قالوا أي الرافضة بل بايع تقيّةً، قلنا حاشا علي أن يكون الحق معه بالنص الواضح والجلي ثم يتنازل عنه لأي أحد وأن يتظاهر بالموافقة على بيعة أبي بكر فهذا عين النفاق والجبن ونحن نعيذ علياً بالله من ذلك.
4 كتاب نهج البلاغة ليس حجة على أهل السنة، فيعارضه ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة43 الذي يثبت مبايعة عليّ لأبي بكر مع اعترافه بالفضل والأحقية.
5 هل قرأ هذا التيجاني المهتدي المنصف كتاب نهج البلاغة كلّه أم اختار فقرات معيّنة لنقلها في كتابه مثبتاً بها ادعاءه؟ ولو راجعنا رسائل علي لوجدنا بها ما يضاد ما نقله التيجاني44 ففي إحدى رسائله إلى معاوية التي يحتج بها على أحقيته بالخلافة والبيعة بقوله إنَّهُ بايَعَني القومُ الذين بايعوا أبا بَكر، وعمر، وعثمان، على ما بايعوهُم عليه، فلم يكُن لشاهد أن يَختار، ولا للغائب أن يَرُدَّ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنِ اجتمعوا على رجُلٍ، وسَمُّوْهُ إماماً، كانَ ذلك لله رِضي، فإن خرج من أمرِهِم خارجٌ بِطَعْنٍ، أو بِدعةٍ، رَدُّوه إلى ما خَرَجَ منه، فإنْ أبَى قاتلوهُ على اتِّباعهِ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه الله ما تولَّى 45.
سبحان ربي... كيف يتوافق قول علي لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة مع قوله هنا لقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان فكيف يكون أبو بكر متقمِّصاً وبنفس الوقت يحتج بها عليّ على صحة خلافته، وكيف يتفق قوله إنه لا يعلم محلي منها محل القطب من الرحى مع قوله فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد !! إضافةً لقوله إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل، وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن، أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين !!! فأقول لأولي النهى والعقول أيوجد تناقض أهزل من هذا؟! أليس ذلك أعظم دليل على أن كتاب نهج البلاغة ليس كله لعليّ بن أبي طالب، بل أكثره منسوب له، فعلي ينصح بعدم التناقض، فكيف يقع بهذه التناقضات الفاضحات؟ ومن هنا نعلم أن واضع هذه الترَّهات التي ينسبها كذباً وزوراً لعليّ هو جامع النهج إمام الرافضة الشريف الرِّضى، ومن رسالة عليّ لمعاوية السابقة نكتشف أن أبا بكر لم تكن مبايعته قهراً وإنما بمبايعة المهاجرين والأنصار بالشورى، فإذا عرفت ذلك أخي القارئ فاتبع الحق تسلم!
ثم يقول أن سعد بن عبادة هاجم أبا بكر وعمر وحاول منعهما من الخلافة وأنه لولا مرضه لقاومهم وقاتلهم إلى آخر هذا الهراء46 فأجيب:
1 أن هذه الرواية لو كانت صحيحة لكانت قدحاً في سعد وليست مكرمة له، ولكنَّ هذا الفعل والقول في الرواية أجلّ من أن يصدر عن صحابي كأمثال سعد بن عبادة سيد الأنصار.
2 مجرد النقل من كتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لابن قتيبة لا يعده صحيحاً.
3 أنا لن أرد على كذب الرواية بالأدلة والحجج السنِّية، بل سأرد بما تحتجُّونَ به أنتم وهو احتجاجُ عليّ السابق على معاوية في كتابكم المهم نهج البلاغة، فقد قال عليّ أن أبابكر بايعه المهاجرون والأنصار، والشورى لهم، وقال أيضاً فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، وعلى فرض صدور ما ادعاه التيجاني على سعد، فأيُّ مدحٍ أو حجة على مهاجمة سعد لأبي بكر وعمر؟ وقد بايعه المهاجرون والأنصار! فهل عمل سعد هذا يبطل شورى المهاجرين والأنصار؟! وهل إذا خرج عليهم بطعنٍ، يريد قتالهم يكون فعله حقاً؟! أم يجب أن يرد عن ذلك ويقاتل على اتباعه غير سبيل المؤمنين؟!! فأقول للتيجاني: إن عارضت ذلك فيلزمك رد أهم كتاب تحتجون به على أعدائكم، وهذا خيرٌ لنا نحن أهل السنة، لأنكم تثبتون أن كتبكم هذه ما هي إلا أكاذيب على عليّ وأهل بيته، وإن قلت أن قول عليّ صحيح فيلزمك هذا أمرين، أما تعترف أن قول وعمل سعد مخالف للحق ولشورى المؤمنين وتكون قد رددت على قولك في حق أبي بكر رضي الله عنه، وإما تقرّ بأن ما روي عن سعد كذب عليه، والرواية هذه عنه باطلة، فيكون هذا الاعتراف خير دليل على أن كتاب تاريخ الخلفاء ما روي فيه باطل ولا يقوم على حجة سواءٌ من حيث السند أو المتن، ويلزمك ذلك أيضاً أن ترد الروايات المنسوبة كذباً على لسان فاطمة رضي الله عنها في حق أبو بكر وعمر، وأظن أن هذا إقرار عفوي وغير مقصود ! من التيجاني المهتدي بأن كتاب تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة منسوب لابن قتيبة، وبعد ذلك أقول للتيجاني فأي القولين تنصف يا منصف؟! وهنا يحق لي وبعد ما فنّدت حجج هذا التيجاني في حق أبي بكر أن أقول:
إذا عرفنا أن قول عمر بن الخطاب في أن بيعة أبي بكر كانت فلتة هو مدح لا ذماً.(12/123)
وإذا عرفنا أن علياً اعترف بأن أبا بكر قد بايعه المهاجرون والأنصار بالشورى الملزمة فكانت من الله رضى.
وإذا كانت بيعة أبي بكر حقاً بالإجماع والشورى عرفنا أن القول المنسوب لسعد بن عبادة في حق أبي بكر باطل.
وإذا عرفنا أن هذه البيعة كانت بمبايعة جميع الصحابة بما فيهم عليّ وبنو هاشم وذلك باتفاق أهل التاريخ كالطبري وابن الأثير والاستيعاب وكل من ذكر بيعة أبي بكر بما فيها كتاب نهج البلاغة ! نعلم أن الحجة ظاهرة وبيّنة على صحة خلافة أبي بكر، وأستطيع الآن الإجابة على سؤال التيجاني.... فما هي الحجة على صحة خلافة أبي بكر؟ فأقول الحجة ظهرت عند أهل السنة والجماعة وبانت بالأدلة الواضحة عند أهل الفتنة والشناعة؟!
خامساً ادعاؤه أن علياً أولى من أبي بكر بالاتباع والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني تحت عنوان علي أولى بالاتباع ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين عليّ بن أبي طالب وأبي بكر. وكما ذكرت في الأبواب السابقة من هذا البحث إني أعتمد على الإجماع الذي يوافق عليه أهل السنة والشيعة. وقد فتشّت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلاّ على عليّ بن أبي طالب فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص ثبتتها مصادر الطرفين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين وقد كنّا ذكرنا ما قاله عمر عن بيعة أبي بكر أقول:
1 يبدو أن الجهل تجاوز بالتيجاني درجات! فإذا كان أهل السنة والجماعة قد أجمعوا مع الشيعة على إمامة عليّ فيما ورد من نصوص على زعمه، فلماذا سوّد كل هذه الصفحات لإثبات إمامة عليّ؟ وما هو الخلاف بين الطرفين إذا كانوا متفقين على إمامة عليّ؟! وكيف يحصل الإجماع على عليّ والتاريخ يشهد أن الإجماع قد ثبت على إمامة أبي بكر بل لا يوجد أصلاً إجماع على إمامة عليّ لا من مصادر السنة ولا من مصادر الشيعة الرافضة ، مع ما يكتنف دين الرافضة من تناقض وكذب وخرافات، ثم أقول لهذا المهتدي إذا كان عندك مصدر واحد من مصادر أهل السنة يجمع على إمامة عليّ بن أبي طالب، فأرجو أن تفحمنا وتدلنا عليه، وإن لم تستطع ذلك فاعلم أنك من أصحاب الكذب الرخيص.
2 ثم يقول بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين قلت: ومع ذلك أصبح الخليفة الأول ودانت له جموع المسلمين راضين به، منقادين له؟! وأما بالنسبة لقول عمر عن البيعة فقد بينّاه سابقاً.
ثم يقول بما أنّ الكثير من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي وثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، ومن عدة طرق لا يتطّرق إليها الشك أقول:
1 سنرى بإذن الله وسيرى القارئ الروايات التي يحتج بها الرافضة ويتطلع على أسانيدها وعلى مدى صحتها ليعلم القول الثابت من التقول الزائف.
2 أما أنها مروية من عدة طرق لا يتطرق إليها الشك فهذا عجب من القول لأنه يعني أنها متواترة فهل كل الأحاديث التي رُوِيَت في علي وصلت إلى درجة التواتر؟ سنرى ذلك! أقول ذلك مع أنني لو حلفت بين الركن والمقام أن هذا التيجاني يهرف بما لا يعرف ويجهل أبسط أصول علم الحديث لن أحنث؟!
ثم يتابع فيقول فقد يروي الحديث في فضائل الإمام علي جمع غفير من الصحابة، حتى قال أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ص من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب. وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيسابوري : لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي ، قلت:
1 ليس المقصود كثرة الروايات في فضائل علي، بل كثرة الرواة وبتالي كثرة المسانيد، بمعنى أن الرواة أكثروا الرواية في مناقب علي الصحيح منها والمكذوب وأصبح للرواية الواحدة أسانيد كثيرة، كرواية من كنت مولاه فعلي مولاه فلها طرق كثيرة جداً مع أنها رواية واحدة، وسبب ذلك يرجع إلى تأخر وفاة علي وما جرى في وقته من الأحداث والفتن العظيمة، وكثرة الطعون التي تعرض لها لذلك يقول ابن حجر قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكأن السبب في ذلك أنه تأخر، ووقع الاختلاف في زمانه وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة رداً على من خالفه .(12/124)
2 إضافة إلى ما سبق فليس كل ما روي في فضائل علي فهو صحيح، يقول الذهبي في تلخيص الموضوعات: لم يرو لأحد من الصحابة في الفضائل أكثر مما روي لعلي رضي الله عنه، وهي على ثلاثة أقسام: صحاح وحسان، وقسم ضعاف، وفيها كثرة، وقسم موضوعات وهي كثيرة إلى الغاية ولعل بعضها ضلال وزندقة أه، فليس كل ما روي في فضائل علي صحيح، بل قد وضع الكذّابون في فضائله الشيء الكثير، وهذا ما يؤكده الإمامية فيقول ابن أبي الحديد الشيعي إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة !، فانهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلقة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم ، ويقر بذلك الكشي حين يورد في كتابه رجال الكشي عن أبي مسكان عمن حدثه من أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول لعن الله المغيرة بن سعيد إنه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد ، وأورد عن يونس قال وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ع ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا ع فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله ع وقال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله ع لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله ع ، فهل يشك شاك بعد ذلك بأن الكثير من فضائل علي كذب من جهة من يزعمون أنهم من شيعته! ومن كتبكم نحاججكم.
3 يحاول التيجاني إيهام القارئ أن الإمام أحمد يرى أفضلية علي على أبي بكر وعمر، ولكن الحقيقة أن الإمام أحمد يرى أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها هو أبو بكر وعمر يقول الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: أما التفضيل فأقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وقال سألت أبي رحمه الله عن التفضيل بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي الرابع من الخلفاء، قلت لأبي: إن قوماً يقولون إنه ليس بخليفة قال: هذا قول سوء ردئ وفي مسائل ابن هانئ قال سمعت أبا عبد الله يقول في التفضيل: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولو أن رجلاً قال علي لم أعنفه ، ثم سأله ابنه عن الخلافة سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي في الخلفاء فهذا هو قول أحمد في التفضيل والخلافة.
ثم يقول أما بالنسبة لأبي بكر فقد فتّشت أيضاً في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الإمام عليّ ، أقول:
أما تفتيش التيجاني فلا يعتمد عليه لأنني واثق وثوق الشمس أنه غير منصف مهما ادّعى الإنصاف، إضافةً إلى أنه لا يفرّق بين الحديث المتواتر والحديث الموضوع!! ثم إنني لست أدري لماذا يناقض الدكتور التيجاني نفسه مرّات ومرّات، فهو قد ذكر قبل قليل قوله فقد أجمع على إمامته أي عليّ الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص أثبتتها مصادرالطرفين إنظر؟ بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين هل نظرت أخي القارئ؟! ثم انظره هنا ماذا يقول أما بالنسبة لأبي بكر فقد فتشت أيضاً في كتب الفرقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله !؟ وتفضيل أهل السنة له يعني إمامته ما يوازي أو يعادل فضائل عليّ فأقول للتيجاني أي الفريقين تختار؟ أهل السنة الذين أجمعوا على خلافة عليّ؟! أم أهل السنة القائلين بتفضيل أبي بكر؟؟ لذلك أود أن أقدم لك نصيحة غالية، أرجوا منك أن تأخذها مأخذ الإعتبار وهي عندما تقوم بطبع هذا الكتاب مرة أخرى الرجاء أن تصحح تخصصك فتكتب على الغلاف ثم اهتديت... تأليف الدكتور محمد التيجاني السماوي... دكتوراة في علم المتناقضات؟!
ثم يقول ورغم أن أبا بكر كان هو الخليفة الأول وله من النفوذ ما قد عرفنا ورغم أنَّ الدولة الأموية كانت تجعل عطاءً خاصاً ورشوة لكل من يروي في حق أبي بكر وعمر وعثمان ورغم أنَّها اختلقت لأبي بكر من الفضائل والمناقب الكثير مما سُوّدت بها صفحات الكتب، مع ذلك فلم يبلغ معشار عشر حقائق الإمام عليّ وفضائله . أقول:(12/125)
ألا لعنة الله على الكاذبين، فكيف عرف هذا الشانئ الكذاب أن الدولة الأموية كانت تجعل عطاءً خاصاً ورشوة لمن يروي في حق أبي بكر وعمر وعثمان، ولماذا لم تُحَلْ أكاذيبه هذه المرة إلى الطبري والكامل وغيرها من كتب التاريخ حتى يثبت صحة ما يقول أم يريد أن يدلل على حقده وتجنيه على العظماء باختلاق الأكاذيب التي لا تنطلي على الأطفال فضلاً على الكبار، ثم ألا يعلم، أن الذي روى الأحاديث في فضائل عليّ بزعمه هم الصحابة أيضاً؟ فقوله هذا طعن مبطن للصحابة الكبار من رواة الأحاديث في أنهم يروون الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فهل القرآن الذي جاءنا عن طريق الصحابة هو مكذوب أيضاً؟ والقرآن الذي جاءنا عن طريق أولاد ابن سبأ اليهودي هو المحفوظ؟ فقاتل الله الرافضة ومن شايعهم في طعنهم على خير القرون ممن صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فأي طعن في نبيّنا أكثر من ذلك؟ فأصحابه ظالمون مغتصبون منافقون جبناء وهنا كذابون مرتشون يختلقون الكذب على من صحبوه من أجل بعض العطاءات والرشاوي!! ورحم الله الإمام مالك حين قال هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان له أصحاب صالحون .
فلِينظرمن يريد الحق إلى ما يدعيه هؤلاء الرافضة ليستنتج من ذلك حقيقتهم وأنهم لا يعدون إلا أن يكونوا من أولاد عبد الله بن سبأ اليهودي الذين لا يريدون إلا تدمير الإسلام وأهله فيدعون بالكذب والزور حب آل البيت الكرام وهم منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف.
ثم يضيف هذا المهترئ فيقول أضف إلى ذلك أنّك إذا حلّلت الأحاديث المروية في فضائل أبي بكر وجدتها لا تتماشى مع ما سجّله له التاريخ من أعمال تناقض ما قيل فيه ولا يقبلها عقل ولا شرع !!
انظر أخي القارئ إلى من لا عقل له ولا فقه يريد أن يخالف الأصول المعلومة... يريد أن يحلل الأحاديث المروية في فضائل أبي بكر لا أن يبحث في سندها أو متنها بل يريد أن يحللها بماذا؟ بعقله أو قُل بتجرده وإنصافه، فيحلل أحاديث فضائل أبي بكر، وهو يقول الأحاديث. وليس حديثاً واحداً وأل تفيد الاستغراق أي كل أحاديث فضائل أبي بكر، فأتساءل يا ترى هل يريد أن يغرسها في التربة القابلة للزراعة ليرى هل ستنمو أم لا ليعلم مدى صحتها أو لعله سيقوم بنقعها في محلول الكذب ويضع عليها ثاني أكسيد الدجل؟! لينظر ماذا يكتشف.
ثم يقول وقد تقدم شرح ذلك في حديث لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أمتي لرجح إيمان أبي بكر ولو كان يعلم رسول الله أن أبا بكر على هذه الدرجة من الإيمان ما كان ليؤّمر عليه أسامة بن زيد ولا ليمتنع من الشهادة له كما شهد على شهداء أحد وقال له إني لا أدري ماذا تحدث من بعدي حتى بكى أبو بكر 1.
أقول: لقد أجبت عن هذه الحجج في غير ما موضع من هذا الكتاب فلتراجع. مع الإشارة إلى أنه لم يشرح الأحاديث كما يزعم هنا بل يحلل! ويحرم؟، إضافة لتحريفه المتكرر للحديث فهنا يقول وقال له إني لا أدري ما تحدث بعدي مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لا أدري ما تحدثون بعدي بصيغة الجمع، ولكن أقول الطبع يغلب التطبع!
ثم يقول ولا أن يُرسل خلفه علي بن أبي طالب ليأخذ منه سورة براءة فيمنعه من تبليغها 1.
أقول: هذا من الكذب الرخيص لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع أبا بكر من تبليغها كما يزعم هذا التيجاني ولم يذكر في أي حديث مثل ذلك، ومعلوم بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر أبا بكر على الحج عام تسع فقد أخرج الطبري وإسحق في مسنده النسائي والدارمي كلاهما عنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كدنا بالعرج ثوّب الصبح، فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا علي عليها، فقال له: أمير أو رسول؟ فقال: بل أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس، فقدمنا مكة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم قدم أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليّ فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك، ثم يوم النفر كذلك 20.
فكان أبو بكر ينادي: أن لا يحج بعد العام المشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ويأمر أصحابه بذلك ويعضده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحَجَّة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنىَ أن لا يحُجَّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميدٌ: ثمَّ أردفَ النبي صلى الله عليه وسلم بعليّ بنأبي طالب فأمرهُ أن يؤذن ببراءة . قال أبو هريرة فأذن معنا عليٌّ في أهل منىَ يوم النَّحر ببراءة، وأن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ ولا يطوف بالبيت عريان21 أقول:(12/126)
وأما إرداف عليّ فلأنه لا يبلّغ هذا الأمر إلا النبي أو أحد من أهل بيته، لما أخرجه الطبراني عن أبي رافع في جزء منه فأتاه فقال إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك 22، فإرسال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كان لهذا السبب وليس لمنع أبي بكر وهو الذي استخلفه على الحج وكان علي من جملة أصحابه.
أما قوله ولا أن يقول يوم إعطاء الراية في خيبر: لأعطين رايتي غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّاراً ليس فرّاراً امتحن الله قلبه بالإيمان، فأعطاهاإلى عليّ ولم يعطها إليه 23 ثم يعزو الرواية إلى صحيح مسلم.
أقول: لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ في مسلم، وإنما الذي ورد في صحيح مسلم هو ما رواه أبو هريرة ! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطيّن هذه الراية رجلاً يُحبُ الله ورسوله. يفتح الله على يده. قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، قال: فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب فأعطاه إياها.وقال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. قال: فسار عليٌّ ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمد رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقّها، وحسابهم على الله 24 ففي هذا الحديث الإخبار عن فضائل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وليس في الحديث تنقيص لأبي بكر البتّه، ولم تكن الراية مع أبي بكر حتى يعطيها لعلي ولا يعطيها لأبي بكر، وليس من المعقول أنْ يُخصّ أبا بكر وحده بالفضل دون جميع الصحابة ويحوز كل الإمتيازات وبقية الصحابة لا فضل لهم، حتى لو أعطيت فضيلة لأحد غيره أصبحت هذه مذمّة له!؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله لاشك أن هذا من فضائل عليّ، ولكن لا يقول عاقل أن هذا مختص بعلي وحده أي لأنه يحب الله ورسوله وحده ولا يشاركه أحد من الصحابة في ذلك، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لعبد الله بن حمار وقد جاء ليحد على شربه للخمر أكثر من مرة، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه، فولله ما علمت إلا أنه يُحب الله ورسوله 25 فهل يقول عاقل أنها تختص به؟ ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كُثر، فليس من المقبول أن توكل جميع الأمور والمدائح والفضائل والأسبقية لصحابي واحد، بل كل صحابي من المقربين، له منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أنّ من شهد الله ورسوله له بالصحبة أنه يحب الله ورسوله، فبطل الاحتجاج بهذا الحديث على أفضلية عليّ على أبي بكر، ولا أنسى أن أذكّر التيجاني أنّ راوي الحديث هو الصحابي الجليل أبو هريرة الذي تتهمه بأنه يختلق ويدسّ الأحاديث في فضائل أبي بكر ومن المتحاملين على الإمام عليّ، فكيف توفّق بين إيراده لهذا الحديث العظيم في فضل عليّ وادعائك المشحون بالكذب والتحامل على خير الخلق؟!
أما قوله ولو علم الله أنّ أبا بكر على هذه الدرجة من الإيمان وأنّ إيمانه يفوق أمة محمد بأسرها فلم يكن الله ليهدده بإحباط عمله عندما رفع صوته فوق صوت النبي 26، قلت:(12/127)
هذه الآية نزلت لتأديب المسلمين عامة وللصحابة بالأخص، في كيفية معاملتهم مع نبي المرحمة صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتبجيله، والآية عامة اللفظ إلا أن يأتي ما يخصصها، فكيف يقول هذا التيجاني أن الله سبحانه يهدده هكذا بإحباط عمله، وقد ذُكِرَ أنّ سبب نزول الآية أكثر من سبب منها أن أبا بكر وعمر تماريا فنزلت هذه الآيات وابتدأت ب{ يا أيها الذين آمنوا...} ومن هنا نعلم أن نزول هذه الآية هي لتربية الصحابة وتعليمهم وتنبيههم لهذا الأمر بالقرآن، ليكونوا خير الناس بصحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم وليست تختص بأبي بكر وحده، فقد روى مسلم أنها نزلت في ثابت بن قيس فعن أنس بن مالك أنه قال لما نزلت هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، إلى آخر الآية. جلس ثابت بن قيس وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أَشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من أهل الجنة 27 فكيف بأبي بكر الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مرات ومرات، والذي كان من أول المستجيبين والمتأدبين مع هذا الأمر الإلهي، فقد أخرج الحاكم في المستدرك موصولاً وابن مردويه من طريق بن شهاب عن أبي بكر قال لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم.. الآية، قال أبي بكر: قلت يا رسول الله آليت أن لا أكلمك إلا كأخي السرار 2 وخلاصة القول أن أبا بكر الصديق ليس معصوماً بل يخطئ ويصيب، وينبّه على خطئه، فالقرآن يؤدبه، والنبي صلى الله عليه وسلم يربّيه، وهذا مدح له وليس قدح به هذا لمن يفهم.
ثم يكرر ما سبق الجواب عليه ثم يقول .. وأنه لم يكن أحرق الفجاءة السلمي 2، أقول: عجباً والله من هؤلاء الزعانف الذين يحتجون بما هو حجة عليهم لا لهم فالإحراق بالنار عن عليّ أشهر وأظهر منه عن أبي بكر، وأنه قد ثبت في الصحيح أن علياً أُتي بقوم زنادقة من غلاة الشيعة، فحرّقهم بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرّقهم بالنار، لنهْي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعذّب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك علياً، فقال: ويح أبن أم الفضل ما أسقطه على الهنات. فعليّ حرّق جماعة بالنار، فإن كان ما فعله أبو بكر منكراً، ففعل عليّ أنكر منه، وإن كان فعل عليّ مما لا يُنْكر مثله على الأئمة، فأبو بكر أولى أن لا ينكر عليه 30.
أما قوله وأنه يوم السقيفة كان قذف الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة 31. قلت:
هذه الحجة المردودة أجاب عليها الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري بما يغني عن الرد فقال وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الأحق بالخلافة بقرينة تقديمه للصلاة وغير ذلك، والجواب أنه استحيى أن يزكي نفسه فيقول مثلا رضيت لكم نفسي، وانضم إلى ذلك أنه علم أنّ كلا منهما لا يقبل ذلك، وقد أفصَح عمر بذلك في القصة، وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد، ففيه إيماء إلى أنه الأحق، فظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخلية من الأمر32، وقال في موضع آخر وتمسّك بعض الشيعة بقول أبي بكر قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين بأنه لم يكن يعتقد وجوب إمامته ولا استحقاقه للخلافة، والجواب من أوجه: أحدهما ان ذلك كان تواضعاً منه، والثاني لتجويزه إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وإن كان من الحق له فله أن يتبرع لغيره، الثالث أنه علم أن كلا منهما لا يرضى أن يتقدمه فأراد بذلك الإشارة إلى أنه لو قدر أنه لا يدخل في ذلك لكان الأمر منحصراً فيهما، ومن ثم لمّا حضره الموت استخلف عمر لكون أبي عبيدة كان إذ ذاك غائباً في جهاد أهل الشام متشاغلا بفتحها، وقد دلّ قول عمر لأن أُقدم فتُضرب عنقي ألخ على صحة الإحتمال المذكور 33.
ثم يقول فالذي هو على هذه الدرجة من الإيمان ويرجح إيمانه على إيمان كل الأمة لا يندم في آخر لحظات حياته على ما فعله مع فاطمة وعلى حرقه الفجاءة السلمي وعلى توليه الخلافة، كما لا يتمنى أن لا يكون من البشر ويكون شعرة أو بعرة، أفيعادل إيمان مثل هذا الشخص إيمان الأمة الإسلامية بل يرجح عليها 34. أعتقد أنني قد أجبت على كل ذلك، ولكن الغريب هنا ملاحظة كثرة تكرار التيجاني لكلامه بما يوحي أن المؤلف نفسه لا يصدق ما يكتب، أو لعله يظن أن القراء قليلو الفهم فيجب تكرار الكلام عليهم حتى يعوهُ، متخذاً المثل القائل تكرار الكلام يعلم الشطار !!(12/128)
ثم يهذي فيقول وإذا أخذنا حديث لو كنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً فهو كسابقه، فأين كان أبو بكر يوم المؤاخاة الصغرى في مكة قبل الهجرة ويوم المؤاخاة الكبرى في المدينة بعد الهجرة وفي كلتيهما اتخذ رسول الله ص علياً أخاً له وقال له أنت أخي في الدنيا والآخرة ولم يلتفت إلى أبي بكر فحرمه من مؤاخاة الآخرة كما حرمه من الخُلّة، وأنا لا أريد الإطالة في الموضوع وأكتفي بهذين المثلين اللذين أوردتهما من كتب أهل السنة والجماعة،أما عند الشيعة فلا يعترفون بتلك الأحاديث مطلقاً ولديهم الأدلة الواضحة على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر 35.
1 لو فرضنا جدلاً صحة ما يقوله هذا السماوي من عدم وجود أبي بكر يوم المؤاخاة الصغرى والكبرى واتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم علياً أخاً له، فهل هذا يوجب القدح لحديث النبي صلى الله عليه وسلم،، وهل يجب أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفضائل كلها لواحد من الصحابة مثل أبي بكر دون الباقين حتى إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفضيلة لغيره مثل عليّ، أصبحت أحاديث أبي بكر ضعيفة؟!
2 يُعرف الحديث الصحيح من المكذوب من ناحيتي السند والمتن، وبالنسبة لحديث اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر خليلاً، فهو من ناحية المتن لا قدح فيه لأن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم من يوم مبعثه حتى وفاته وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجلس مع صحابيّ مثل أبي بكر36، فهو يستحق أن يكون بهذه المنزلة العظيمة، وأما من ناحية السند فلا شك في صحة الحديث، فقد رواه جمع من الصحابة في الصحاح والمسانيد بالإسناد المتصل الثقة الخالي من العلل والجروح.
3 أما حديث المؤاخاة الصغرى والكبرى فهو من الأكاذيب، فالحديث الذي استند عليه هذا التيجاني وهو حديث أنت أخي في الدنيا والآخرة حديث موضوع، أخرجه الترمذي وابن عدي والحاكم كلهم من طريق حكيم بن جبير عن جميع بن عمير، وحكيم بن جبير هذا ضعيف، وجميع بن عمير كذاب قال عنه ابن حبّان: رافضيٌ يضع الحديث ! وقال ابن نمير: كان منأكذب الناس37 وقال ابن تيمية: أن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة3 فكيف يضعّف التيجاني حديث أبي بكر الصحيح محتجاً على ذلك بحديث موضوع؟!
ثم يقول أما عند الشيعة فلا يعترفون بتلك الأحاديث مطلقاً ولديهم الأدلة الواضحة على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر 3.
وهذا الكلام لا غبار عليه، إذ كيف للكاذب أن يصدق الصادق، وكما قيل البعرة تدل على البعير !؟ وأما الادعاء على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر بالأدلة الواضحة لدى الرافضة، فأرجوه رجاءً حاراً أن يأتينا بالأدلة الواضحة ليفحمنا ويخرسنا وصحيح ما قيل رمتني بدائها وانسلّت ؟!
ثم يدعي على أبي بكر بالجهل فيقول وفي هذا الصدد سجّل لنا التاريخ أن الإمام عليّ هو أعلم الصحابة على الإطلاق وكانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل ولم نعلم أنه ع رجع إلى واحد منهم قط فهذا أبو بكر يقول: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن 40.(12/129)
قلت: هذا من الكذب الظاهر فأين النقل الصحيح على ذلك؟ فأهل السنة والجماعة اتفقوا أن أعلم الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم، ولم يُنقل أبداً ان أبابكر قد أخذ العلم عن عليّ بل الثابت أن علياً قد أخذ العلم عن أبي بكر كما في السنن عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه، استحلفته فإذا حلف لي صدّقته، قال: وحدّثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلّي ركعتين ثم يستغفر الله غفر الله له ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } إلى آخر الآية 41 وأيضا الأخذ برأيه في مقاتلته مانعي الزكاة وقتاله معه، وأخرج مسلم في صحيحه وأحمد في المسند في الحديث الطويل وفي جزء منه قوله صلى الله عليه وسلم ... فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا 42 وثبت عن ابن عباس أنه كان يفتي بكتاب الله، فإن لم يجد فبما في سنة رسول الله، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان ولا بعلي، وابن عباس هو حبر الأمة وأعلم الصحابة في زمانه، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدماً لهما على قول غيرهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل 43 وهذا يدلل على عميق فقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل ولم يثبت أنه قد خالف النصوص ولكن عمر وعليّ ثبت أنهما قد خالفا النصوص في أمور وذلك لأن النصوص لم تبلغهما، ويعلم هذه الحقيقة من له بمسائل العلم وأقوال العلماء أدنى معرفة، وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال في جزء من الحديث ...كان أبو بكر أعلمنا أي بالنبي صلى الله عليه وسلم 44 وقال ابن حزم في كتابه القيم الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل كلاماً نفيساً في هذه القضية أَضّطر لنقله على طوله لأهميته قال أبو محمد: واحتج أي الرافضة أيضاً بأن علياً كان أكثرهم علماً، قال أبو محمد: كذب هذا القائل، وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما، أحدهما: كثرة روايته وفتاويه، والثاني: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له، فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له، وهذه أكبر الشهادات على العلم وسعته، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولىّ أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة حضور، كعليّ وعمر وابن مسعود وأُبي، وغيرهم فآثره بذلك على جميعهم، وهذا خلاف استخلافه عليه السلام إذا غزا لأن المستخلف في الغزوة لم يستخلف إلا على النساء، وذو الأعذار فقط، فوجب ضرورة أن نعلم أنّ أبا بكر أعلم الناس بالصلاة، وشرايعها، وأعلم المذكورين بها وهي عمود الدين، ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة أن عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة، لا أقل وربما كان أكثر، أو لا أكثر إذ قد استعمل عليه السلام أيضاً عليها غيره وهو عليه السلام لا يستعمل إلا عالماً بما استعمله عليه، وبرهان ما قلنا من تمام علم أبي بكر رضي الله عنه بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها، والذي يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر الذي من طريق عمر، وأما من طريق عليّ فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة، وهو أن في خمس وعشرين من إبل خمس شياه، فوجدنا عليه السلام قد استعمل أبا بكر على الحج، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة في الحج، وهذه دعائم الإسلام، ثم وجدناه عليه السلام قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البعوث في الجهاد، إذ لا يستعمل عليه السلام على العمل إلا عالماً له، فعند أبي بكر من الجهاد من العلم به كالذي عند عليّ، وسائر أمراء البعوث، لا أكثر ولا أقل، فإذ قد صح التقدم لأبي بكر على عليّ وغيره في علم الصلاة، والزكاة، والحج، وساواه في علم الجهاد، فهذه عمدة العلم، ثم وجدناه عليه السلام قد ألزم نفسه في جلوسه، ومسامرته، وظعنه، وإقامته أبابكر فشاهد أحكامه عليه السلام، وفتاويه أكثر من مشاهدة عليّ لها، فصح ضرورة أنه أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا أبو بكر هو المتقدم فيها الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم، والحمدلله رب العالمين.(12/130)
ثم يقول فإنا غير متّهمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعه فوق مرتبته، لأننا لو انحرفنا عن عليّ رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج، وقد نزهنا الله عز وجل عن الضلال في التعصب ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة، وقد أعاذنا الله من هذا الإفك في التعصب فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو غالين فيه هم المتّهمون فيه إما له وإما عليه، وبعد هذا كله فليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الاستدلال على كثرة العلم باستعمال النبي صلى الله عليه وسلم بمن استعمله منهم على ما استعمله وعليه من أمور الدين، فإن قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل علياً على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا لهم: نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لأقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند عليّ وهو باليمن، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على بعوث فيها أخماس، فقد ساوى علمه علم عليّ في حكمها بلا شك، إذ لا يستعمل عليه السلام إلا عالماً بما يستعمله عليه، وقد صح أن أبا بكر وعمر كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه السلام يعلم ذلك، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم ممن دونهما وقد استعمل عليه السلام أيضاً على القضاء باليمن مع عليّ معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري، فلعليّ في هذا شركاء كثير، منهم أبو بكر ، وعمر، ثم قد انفرد أبو بكر بالجمهور الأغلب من العلم على ما ذكرنا. وقال هذا القائل أي الرافضي : إن علياً كان أقرأ الصحابة، قال أبو محمد: هذه القحة المجردة والبهتان لوجوه أولها إنه رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام قال: يؤم القوم أقرؤهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، ثم وجدناه عليه السلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض فيها وعليّ بالحضرة يراه النبي صلى الله عليه وسلم غدوة وعشية فما رأى لها عليه السلام أحداً أحق من أبي بكر بها، فصح أنه كان أقرؤهم وافقههم واقدمهم هجرة، وقد يكون من لم يجمع حفظ القرآن كله على ظهر قلب أقرأ ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلا، هذا على ان أبا بكر وعمر وعليا لم يستكمل أحد منهم حفظ سواد القرآن كله ظاهرا إلا أنه قد وجب يقيناً بتقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على الصلاة وعليُّ حاضر أن أبا بكر أقرأ من عليّ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علما بالقراءة على الأقرأ أو الأقل فقهاً على الأفقه فبطل أيضاً شغبهم في هذا الباب، والحمد لله رب العالمين 45 ومما سبق يتضح لكل ذي لب تقدم أبي بكر على عليّ في العلم والفقه.
ثم يقول بينما يقول أبو بكر عندما سئل عن معنى الأب في قوله تعالى { وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم } قال أبو بكر: أي سماء تظلني وأي أرض تقلّني أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم 46 أقول:
1 هذه الرواية التي ذكرها ابن كثير رواها إبراهيم التيمي عن أبي بكر وهي ضعيفة، لأن السند منقطع بين إبراهيم وأبو بكر.
2 ولا يفهم من الحديث إن صح أن أبا بكر لا يعرف معنى الأب لأن معناها واضح جداً على أنها من نبات الأرض كما يقول الله { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً..} ولكنه لم يحدد ما هية الأب أي أن يعرف شكله وجنسه وعينه وهذا ما أراده في قوله ذاك، وكما روى أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر { وفاكهة وأبا } هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر47! لذلك جاء معنى الأب عند المفسرين على أنه من نبات الأرض فقال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك: الأب الكلأ، وعن مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد: الأب للبهائم كالفاكهة لنبي آدم، وعن عطاء: كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أب، وقال الضحاك: كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو الأب 4 فالمعنى كما هو واضح ما أنبت على الأرض، ولكن الصحابة لم يحددوه بالكيف والجنس، وهذا لا يدل على عدم العلم ولو وضحه النبي صلى الله عليه وسلم بنوع معين لعرفه الصحابة فيحمل على كل ما أنبت على الأرض.
فدك مرة أخرى(12/131)
ثم يعود إلى خلاف فاطمة مرة أخرى فيقول وإذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول الله مباشرة وسجّلها أهل السنة والجماعة والمؤرخون: هي مخاصمة فاطمة الزهراء لأبي بكر الذي احتجّ بحديث نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ، هذا الحديث الذي كذّبته فاطمة الزهراء وابطلته بكتاب الله، واحتجّت على أبي بكر بأن أباها رسول الله ص لا يمكنه أن يناقض كتاب الله الذي أنزل عليه إذ كيف يقول الله سبحانه { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلحظّ الأنثيين } وهي عامة تشمل الأنبياء وغير الأنبياء، واحتجّت عليه بقوله تعالى { وورث سليمان داوود } وكلاهما نبي، وقوله عز من قائل { فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً } 4 أقول:
1 الغريب في هذا التيجاني أنه يعيد ويكرر هذه القضية حتى كأنه لم يصدق ما يكتب فهو يقوم بعصر رأسه وما يخرج له يسوّده على صفحات كتابه، وهذا الأسلوب يدلل بوضوح على أن قضية فاطمة لا تحتمل ما يحمّله لها هذا التيجاني، ولكنه يأبى إلا أن يجعل من الحجر جبالاً وهذا ديدن الرافضة، وبالنسبة لقوله أن فاطمة كذّبت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطلته بكتاب الله واحتجت على أبي بكر بأن أباها لا يناقض القرآن..الخ فهذا من الكذب الذي لا يخفى على من له مسكة من عقل، فأين المصدر الصحيح الذي يثبت أن فاطمة قالت ذلك أم أن الكذب تمادى بصاحبه حتى جعله يسوق الأعاجيب.
2 ذكر هذا التيجاني قبل صفحات واحتج على أبي بكر بأن فاطمة معصومة لذلك لا يمكن أن تكذب أبداً فالمنطق يقول أن أبا بكر هو الظالم ولهذا السبب غضبت فاطمة ودعت عليه إلى آخر هذيانه، ثم يقول في موضع آخر أن أبا بكر تعمد إيذاء فاطمة وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها عليّ، ولكنه هنا يقول أن أبا بكر احتج بحديث نحن معشر الأنبياء لا نورث وأن فاطمة كذبته بكتب الله سبحانه؟! فبالله كيف يستقيم ذلك كله؟ وهل القصة واحدة أم عدة روايات أو قل عدة أكاذيب؟! فرحم الله أبا بكر وطهّر عرضه من هؤلاء المجرمين، فمرة يدّعي أن أبا بكر هو المخطئ لأن فاطمة معصومة، ومرة يبكي على سخط فاطمة! ومرة أن أبا بكر تعمّد إيذاءها وتكذيبها، وهنا يحتج على فاطمة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك في آن واحد، فماذا يقول القارئ المنصف هنا إلا أن يذعن للحق الذي لا ثانية له، وهو الذي أثبتناه، ولو كانت فاطمة أخي القارئ معصومة لم تحْتَجْ لتكذيب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنها لا تكذب وأبو بكر مخطيء ضرورة، ولكن الحقيقة أن فاطمة ليست معصومة والكلام السابق كفيل بإبطال هذا الادعاء، وأما احتجاج فاطمة على أبي بكر بالقرآن فلا شك في بطلانه وإليك المزيد.(12/132)
3 أما بالنسبة لقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظِّ الأنثيين } فيجاب عليه أنه ليس في عموم لفظ الآية ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث فإن الله تعالى قال { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين، فإن كُنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثُلُثا ماترك وإن كانت واحدةً فلها النّصفُ لكل واحدٍ منهما السُدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن لهُ ولدٌ وورثه أبواه فلأُمِّه الثُلُث فإن كان له إخوةٌ فلأمِّه السُدس } وفي الآية الاخرى { ولكم نِصفُ ما ترك أزواجُكُم إن لم يكُنْ لهُنَّ ولد فإنْ كان لهُنَّ ولد فلكم الرُّبُع مما تركْنَ إلى قوله من بعد وصيَّةٍ يُوصي بها أو دين غير مُضارّ } وهذا الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب وليس فيه ما يوجب أن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بها، و كاف الخطاب يتناول من قصده المخاطب، فإن لم يعلم أن المعيّن مقصود بالخطاب لم يشمله اللفظ، حتى ذهبت طائفة من الناس إلى أن الضمائر مطلقاً لا تقبل التخصيص فكيف بضمير المخاطب؟ فإنه لا يتناول إلا من قُصد بالخطاب دون من لم يُقصد، ولو قدّر أنه عام يقبل التخصيص، فإنه عام للمقصودين بالخطاب، وليس فيها ما يقتضي كون النبي صلى الله عليه وسلم من المخاطبين بهذا 0 ولأنّ كاف الجماعة تأتي بالقرآن وتشمل بالخطاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتأتي دونه كقوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } محمد 33 وقوله تعالى { إن كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغْفر لكُم ذُنُوبكم } آل عمران 31 فإن كاف الخطاب لم تشمل الرسول صلى الله عليه وسلم بل تناولت المخاطبين بالسياق وهذه كقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } فهي مثل الآيات السابقة، وكذلك كقوله تعالى { إنْ خفتُم إلا تُقسِطوا في اليتامَى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مَثْنى وثُلاث ورُباع فإن خِفتم ألا تعْدلوا فواحِدةً أو ما ملكت أيمانُكم ذلك أدنى ألا تعُولوا، وآتُوا النساء صدُقاتِهنَّ نِحلَة فإن طِبنَ لكم عن شيء منهُ نفساً فكُلوه هنيئاً مريئاً } النساء 3 4 فإن هذه الآية تشمل المخاطبين أيضاً دون النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحل له أن يتزوج أكثر من أربعة وبدون مهر، كما ثبت بالنصوص الصحيحة والتي لا تخفى على أحد1.
4 أما بالنسبة لاستدلال التيجاني بقوله تعالى { وورث سليمان داود } وقوله كلاهما نبي فأقول:
أ مجرّد ذكر كلمة الإرث لا يدل على أن المقصود به المال لأن هذه الكلمة تأتي بمعاني كثيرة كقوله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } فاطر 23 وكقوله تعالى { وأورثَكم أرضَهُم وديارهُم وأموالَهم وأرضاً لم تطؤوها } الأحزاب 27 وكقوله تعالى { ولقد كتبْنا في الزبُورِ من بعد الذكْر أنّ الأرضَ يرثُها عبادِيَ الصالحون } الأنبياء 5 فليست الوراثة تعني إرث المال وفقط بل تشتمل على معاني أخرى.
ب وقوله تعالى { وورث سليمان داود } فإن الإرث المقصود في هذه الآية هو إرث العلم والنبوّة لا إرث المال لأن داود كان له من الأولاد الكثير غير سليمان فلا يخصّه بالمال وأيضاً ليس في كونه ورث ماله صفة مدح، لا لداود ولا لسليمان فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان، وما خصّه الله به من النعمة 2 وأيضاً فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس، كالأكل والشرب، ودفن الميت، ومثل هذا لا يُقصُّ عن الأنبياء إذ لا فائدة فيه، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد، وإلا قول القائل مات فلان وورث أبنه ماله مثل قوله ودفنوه ومثل قوله أكلوا وشربوا وناموا ونحو ذلك مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن 3.
ت أما وقوله تعالى { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } ومن المسلّم به أن هذا هو كلام زكريا وهو لا يرث من آل يعقوب مالاً بل يرثهم أولادهم وورثتهم، فلا يدل الارث هنا على أنه إرث المال بالتأكيد، هذا بالإضافة إلى أنّ زكريا كان نجّاراً وليس ذو مالٍ وفير حتى يوّرثه ليحي، إضافةً إلى أننا لو راجعنا بداية هذه الآية والتي أخفاها هذا التيجاني وهي قوله تعالى { وإني خفت المَوالي من ورائي } مريم 5 لتبيّن لنا أنه لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف 4 ومن هنا تبين لنا انه أراد بالوراثة وراثة العلم والنبوة.(12/133)
ج وقد اعترف بهذا المعنى مفسرو الشيعة الاثني عشرية فصاحب التفسير المبين محمد جواد مغنية من كبار علمائهم المعاصرين يقول عند تفسير قوله تعالى { وورث سليمان داود } قال في الملك والنبوة 5! ويقول عند تفسير قوله تعالى { وإني خفت الموالي من ورائي } الموالي: العمومة وبنو العم، ومن ورائي، خاف زكريا إذا ورثوه أن يسيئوا إلى الناس، ويفسدوا عليهم دينهم ودنياهم.... { فهب لي من لدنك وليا } وارثاً، { يرثني ويرث من آل يعقوب} قال: العلم والنبوة 6!؟ بالإضافة لتأكيد إمامهم الكافي لهذه القضية عندما ساق الحديث الصحيح باعتراف إمامهم المتأخر الخميني والذي يثبت أنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم7؟! فهل يوجد حق بهذا الوضوح والبيان يا أيها التيجاني المهتدي؟!
موقع فيصل نور
=================
مطاعن التيجاني في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والرد عليه في ذلك
مما لا شك فيه عند كل مطلع على مذهب الرافضة الاثني عشرية يعلم أن الطعن والسب لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل هام في مذهبهم ولكنه سيلحظ أن من أكثر الصحابة حظّاً في ذلك هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى أن الخليفة عمر هو الذي فتح فارس وأزال مملكتهم، يقول المستشرق الانكليزي الدكتور براؤن موضحاً إن (( من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد، عمر هو أنه فتح العجم، وكسر شوكته، غير أنهم أعطوا لعدائهم صبغة دينية، مذهبية وليس من الحقيقة بشيء ))(1) ثم يضيف قائلاً (( ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه غصب حقوق عليّ وفاطمة، بل لأنه فتح إيران وقضى على الأسرة الساسانية ثم يذكر أبياتاً فارسية لشاعر إيراني تعني: أن عمر كسر ظهور أسود العرنين المفترسة، واستأصل جذور آل جمشيد ( ملك من أعاظم ملوك فارس ) ))(2) وأخيراً يوصلنا إلى النتيجة التي توصل إليها بقوله (( ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من عليّ، بل إن المسألة قديمة يوم فتح إيران ))(3) ومن هذا المبدأ فقد صبّ التيجاني في كتابه أشدّ هجوم على الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وسأبدأ بإيراد مطاعنه عليه وسأردّها عليه بإذن الله تعالى وذلك إجلالاً وتعظيماً لهذا الصحابي العظيم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( لقد كان فيمن قبلكم من بني اسرائيل رجال، يُكَلَّمُون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحدٌ فعمُرُ ))(4) وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم فقال (( بينا أنا نائم، رأيت الناس عُرضُوا علي وعليهم قُمُصُ، فمنها ما يبلغ الثَّدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرض عليَّ عمر وعليه قميص اجتَرَّهُ، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين ))(5) فأقول وبالله التوفيق:
أولاً إبتدأ التيجاني هجومه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مبحث ( الصحابة في صلح الحديبية ) فقد اتهمه أنه لا يمتثل لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وضاق صدره من قضاء الرسول في صلح الحديبية بل ودفع بقية الصحابة للتخلّف عن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وقد رددت على هذا الخطل وفندته بفضل الله ومنه بما يغني عن الإعادة هنا فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(6).
ثانياً طعن التيجاني بعمر بن الخطاب في مبحث ( الصحابة ورزيّة يوم الخميس ) واتهمه بأنه يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر! وأنه يتعالم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحترمه! بل ويخطط هو والصحابة في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة؟! إلى آخر هذيانه، وقد أجبت عن كل ذلك بما لا يدع مجالاً لمشكك في طهارة ونقاء باطن هذا الصحابي وظاهره من الفعل السئ في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعريت كذب هذا التيجاني وجهله في التعامل مع السيرة النبوية فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(7) والحمد لله أولاً وأخيراً.
ثالثاً وفي مبحث ( الصحابة في سرية أسامة ) إتهم عمر بأنه ممن طعن في تأمير أسامة وغيرها من التهم وأجبت عن ذلك في موضعه(8).
رابعاً الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يخالف النبي صلى الله عليه وسلم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ومن أمعن النظر في مثل هذه الرواية فسيجدهم ينزلون أنفسهم فوق منزلته ويعتقدون بأنه يخطئ ويصيبون، بل إن هذا يستتبع تصحيح بعض المؤرخين لأفعال الصحابة حتى لو خالفت فعل النبي أو إظهار بعض الصحابة بمنزلة من العلم والتقوى أكثر من رسول الله (ص) كما حصل ذلك عندما حكموا بأن النبي أخطأ في قضية أسرى بدر وأصاب عمر بن الخطاب، ويروون في ذلك روايات مكذوبة بأنه (ص) قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا بن الخطاب ))(9)، أقول:(12/134)
1 ثبت في الصحيح أن عمر قد وافقه ربه في عدة أمور فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال (( قال عمر: وافقتُ ربي في ثلاث: فقُلتُ يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى }. وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلِّمهن البرُّ والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهنَّ: عسى ربه إن طلَّقكنَّ أن يُبدلَهُ أزواجاً خيراً منكُنَّ فنزلت هذه الآية ))(10)، وأخرجه البخاري في موضع آخر بلفظ (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فدخلتُ عليهن، قلت: إن انتهيتُنَّ أو ليبدِّلنّ الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظُ نساءه، حتى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله { عسى ربُهُ إن طلَّقكنّ أن يبدِّله أزواجاً خيراً منكنَّ مُسلِمات }. الآية ))(11) أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر ))(12). وأخرج أيضاً عن عمر من حديث طويل ((... قال ابن عباس: فلما أسروا الأُسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر يا نبي الله! هم بنوا العمّ والعشرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله ان يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكّنا فنضرب أعناقهم، فمتُكّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكّني من فلان ( نسيباً لعمر ) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهْوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يارسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عَليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ( شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ) وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } ، فأحلّ الله الغنيمة لهم ))(13) وهذه الروايات كما ترى ثابته وصحيحة وإذا قال عنها التيجاني روايات مكذوبة فليُظهر ذلك بالدليل الواضح، لا بالجهل الفاضح والعقل الخرب، وهذه الروايات لا تعني أبداً أن بعض الصحابة عندهم من العلم والتقوى أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول يجتهد في بعض الأمور التي لم ينزل بها الوحي، بحسب المصلحة وليس كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر وحياً كما صلّى على رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال له عمر(( يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما خيرني ربي فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } ))(14) وهذا الأمر ثابت بالكتاب، كما هو واضح، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سَوْقه الهدْي في حجة الوداع (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدْي لأحللت ))(15) وأيضاً عندما رجع لرأي زوجتاه عائشة وحفصة عندما حلف أن لا يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فأنزل الله قوله { يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاتَ أَزواجك والله غفور رحيم } ( التحريم 1) فلو كان كل ما يقوم به عن طريق الوحي لما نزل القرآن يبين له هذه الأمور وليس أن يوافق الله في حادثة أو أكثر أحد الصحابة يُعتبر هذا إنقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم أو أن بعض الصحابة يملكون علماً أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقول ذلك إلا من هو أجهل الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن النبي كان يستشير أصحابه في كثير من الأمور التي لم ينزل بها الوحي كما في قضية الأسرى.(12/135)
2 إذا كانت هذه الروايات باطلة فلماذا يحتجُّ بها إخوانك من الرافضة الأثني عشرية، فقد ردَّ الدكتور علاء الدين القزويني على الدكتور موسى الموسوي في كتابه ( الشيعة والتصحيح ) محتجاًّ عليه بحديث أنس فقال (( ولهذا جاء عن أنس بن مالك وهي رواية عمر الذي يقول فيه وافقت ربي في ثلاث أنه قال، قال عمر: بلغني بعض ما أذين رسول الله (ص) نساؤه، فدخلت عليهنّ، فجعلت أستقريهنّ وأعظهُن، فقلت فيما أقول: لتنتهينّ أو ليبدلنه الله خيراً منكنّ حتى أتيت على زينب فقالت: يا عمر ما كان في رسول الله (ص) ما يعظ نساءه حتى تعظنا أنت، فأنزل الله تعالى { عسى ربه إن طلّقكن ...} ))(16) ثم يذكر عدة روايات أخرى عن عمر ويقول (( هذه جملة من روايات الصحاح ))(17) والغريب في هؤلاء الرافضة أنهم عندما يحتجّون على أهل السنة ببعض الأحاديث يحللونها، فمرة تكون عندهم صحيحة ولكنها قابلة في الوقت ذاته لكي تصبح ضعيفة، فإذا ظنوا أن فيها مدحاً لصحابي يحوّلونها إلى رواية ضعيفة تلقائياً، ولعل هذا الأمر هو الذي يفسّر كيف أن الحديث الذي يحتج به التيجاني على أهل السنة من كتبهم فيما يظنّه طعناً في صحابي يصبح صحيحاً، وأي حديث يظن أن فيه مدحاً لصحابي يتحول إلى حديث مكذوب وغير مقبول شرعاً وعقلاً! وحسب خبرتي فإني أرجع الفضل في هذا التّلون إلى معمل التحليل الحديثي التابع للمحلل التيجاني!؟
3 يبدو أن التيجاني منزعج ومتأثر بهذا الضلال الذي ينفثه أهل السنة بين الناس (!) فإنهم يدّعون أن بعض أفعال الصحابة خير من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأن بعضهم بمنزلةٍ من العلم والتقوى أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتج برواية لست أدري من أين أتى بها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا ابن الخطاب!؟ وبالطبع لم يعزوها لأي مصدر لأنها مكذوبة وباطلة متناً قبل البحث في سندها، فكيف يصيب الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بمصيبة! وليس كذلك فقط فالمصيبة يقع بها النبي صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه أللهم إلا عمر !؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول التيجاني ( والعياذ بالله ) (( .. وكأن لسان حالهم يقول: لولا عمر لهلك النبي (والعياذ بالله )! من هذا الاعتقاد الفاسد المشين الذي لا قبح بعده، ولعمري أن الذي يعتقد هذا الاعتقاد هو بعيد عن الإسلام بعد المشرقين ويجب عليه أن يراجع عقله أو يطرد الشيطان من قلبه، قال الله تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ))(18). أقول:(12/136)
إذن هذا هو حكم التيجاني فيمن يعتقد ذلك الاعتقاد، وحتى أزيده هدايةً سأضطر لكي أكشف عن الذي يرفع بعض الصحابة عن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرهم بمنزلة من العلم والتقوى أكثر منه صلوات ربي وسلامه عليه، يورد ( الكليني ) وهو من كبار أئمتهم في كتابه ( الأصول من الكافي ) الذي يعتبر في منزلته كالبخاري عند أهل السنة على أن عليّ بن أبي طالب كان كثيراً ما يقول (( أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصاء والميْسَم لقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسلُ ِبمثل ما أقرُّوا به لمحمد صلى الله عليه وسلم ولقد حُملتُ على مثلِ حمُولَته وهيَ حمُولةُ الرّب ولقد أُعطِيتُ خِصالاً ما سبقني إليها أحدٌ قبْلي، عُلِّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصْل الخِطاب فلم يفُتْني ما سبقني ولم يَعْزُب عنَّي ما غاب عنَّي، ابشِّر بإذنِ الله وأُؤَدّي عنه، كل ذلك من الله مكّنني فيه بعِلْمه ))(19) ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا ( أبناء ) عليّ أعظم من أنبياء الله!؟ فيورد إمامهم محمد فروخ الصفار في كتابه ( فضائل أهل البيت ) عن عبد الله بن الوليد قال (( قال لي أبو عبد الله (ع): أيّ شيء يقول الشيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين (ع) قلت: يقولون: إن عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين (ع) قال فقال: أيزعمون أنّ أمير المؤمنين (ع) قد علم ما علم رسول الله (ص) قلت نعم ولكن لا يقدّمون على أولو العزم من الرسل أحداً قال أبو عبد الله (ع) فخاصمهم بكتاب الله قال قلت: وفي أيّ موضع منه أخاصمهم قال: قال الله تعالى لموسى { وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء علماً } إنه لم يكتب لموسى كلّ شيء، وقال الله تبارك وتعالى لعيسى { ولأبيّن لكم بعض الذي تخْتلفون فيه } وقال الله تعالى لمحمد (ص) { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ))(20) وعن أبي عبد الله وهو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب!! قال (( إن الله خلق أولو العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضّلهم، وفضّلنا عليهم في علمهم وعلم رسول الله (ص) ما لم يعلموا وعلّمنا علم الرسول (ص) وعلمهم ))(21)!!؟ وبعد ذلك لا يسعني إلا أن أتقدم بأحرّ التعازي للدكتور التيجاني على هدايته للباطل!
ثم يقول (( وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل ( عدلت فنمت ) وقيل دفن عمر واقفاً لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدّث ولا حرج، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوّخ سُنة رسول الله ولم يتقيّد بها، فقد ساوى النبي (ص) بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضّل أحداً على أحد، واتّبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته (!)، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضّل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضّل العرب على سائر العجم، وفضّل الصريح على المولى وفضل مضر على ربيعة، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين وفضّل الأوس على الخزرج، فأين هذا التفضيل من العدل يا أولي الألباب؟ ))(22).
1 أقول نعم كان عمر يفضّل بالعطاء وليس ذلك مما يعاب عليه لأنه لا يوجد دليل في وجوب التسوية في العطاء ولم يقل به أحد من أهل العلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يفضّل بالعطاء فقد أخرج البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً، قال: فسّره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثةأسهم، فإن لم يكن معه فرس فله سهم ))(23).
2 (( والمجوّزون للتفضيل قالوا: بل الأصل التسوية، وكان أحيانا، يفضّل، فدلّ على جواز التفضيل، وهذا القول أصح: أن الأصل التسوية، وأن التفضيل لمصلحة راجحة جائز. وعمر لم يفضّل لهوى ولا حابى، بل قسّم المال على الفضائل الدينية، فقدَّم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم من بعدهم من الصحابة، ثم من بعدهم وكان ينقص نفسه وأقاربه عن نظائرهم، فنقص ابنه وابنته عمّن كانا أفضل منه، وإنما يطعن في تفضيل من فضَّل لهوى، أما من كان قصده وجه الله تعالى وطاعة رسوله، وتعظيم من عظّمه الله ورسوله وتقديم من قدّمه الله ورسوله فهذا ُيمدح ولا يُذم، ولهذا كان يُعطي علياً والحسن والحسين ما لا يعطي لنظائرهم، وكذلك سائر أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ولو سوّى لم يحصل لهم إلا بعض ذلك ))(24).(12/137)
3 قسم عمر أهل العطاء إلى طبقات: الطبقة الأولى فئة البدرّيين من المهاجرين، ثم فئة البدرّيين من الأنصار، ثم المهاجرين الذين لم يشتركوا في بدر، ثم الأنصار الذين لم يشتركوا في بدر واشتركوا في بقية الغزوات، ثم الذين شهدوا الحديبية وفتح مكة، ثم الذين اشتركوا في فتح القادسية واليرموك، ثم فرض لأناس رواتب خاصة منهم الحسن والحسين، وكان يساوي بين العربي والمولى بخلاف ما يقوله هذا التيجاني، فقد أعطى أهل بدر العرب والموالي على السواء وكتب إلى أمراء الجند: ومن أعتقتم من الحمراء الموالي فأسلموا فألحقوهم بمواليهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتكم في العطاء والمعروف(25) أما التقسيمات التي ذكرها التيجاني التي نقلها عن كتّب الشيعة فلا إسناد صحيح لها.
خامساً إدعاء التيجاني على عمر بالجهل والردّ عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لاحصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي. ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أنّ عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: ياأمير المؤمنين إني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصلّ واضطّر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحمّلك ما تحملت، فأين علم عمر من آية التيمّم المنزّلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ))(1).
1 لم يرو البخاري هذا الأثر بهذا اللفظ، إنما جاء عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال (( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفر أنا وأنت، فأما أنت لم تُصلِّ، وأما أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ))(2).
2 من المعلوم أن عمر بن الخطاب كان لا يجيز للجنب التيمم ويأخذ بظاهر قوله تعالى { وإن كنتم جُنباً فاطّهروا } وقوله { ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتى تغْتسلوا } وبقي عمر كذلك حتى ذكره عمار بالحادثة بينهما ولكنه لم يتذكر ذلك، ولهذا قال لعمار كما جاء في رواية مسلم، اتّق الله يا عمار قال النووي شارح مسلم (( معنى قول عمر ( اتق الله يا عمار ) أي فيما ترويه وتتثبّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكرشيئاً من هذا ))(3) ولما قال له عمار:إن شئت لم أحدّث به فقال له عمر: نوليك ما توليت وليس نحملك ما تحملت (( أي لا يلزم من كوني لا أتذكّره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحدّث به ))(4) فكلّ ما في الأمر أن عمر لم يتذكر هذه الحادثة وأعتقد أنه ليس معصوماً حتى يُجعل هذا مما يعاب عليه.
3 وأما قوله ( فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله، وأين علمه من سنة النبي (ص) الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ) فهذا لا يدل إلا على عظيم جهله وسخفه، فعمر يعلم هذه الآية ولم يجهلها ويعلم كيفيّة التيمم، ولكن المشكلة عنده هي هل تشمل الجنب أم لا؟ فالله سبحانه يقول { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً } وعمر لم ير الجنب داخلاً في هذه الآية، والملامسة التي في الآية فسّرها بملامسة اليد لا بالجماع لذلك كان يرى وجوب الوضوء لمن لمس المرأة.
ثم يقول ((... وتجرّأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة ))(5) ويقول في موضع آخر (( وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ))(6) فأقول وبالله التوفيق:(12/138)
1 بالنسبة لتحريم متعة الحج فالصحيح أن عمر لم يحرّمها نهي تحريم، وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لايخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته فعن ابن عباس قال (( سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج ))(7) وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم (8)، ولا شك أن الاعتمار في غير أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الكثير من الفقهاء.
2 ثبت أيضاً عن أبي ذر أنه كان يحرِّم متعة الحج مطلقاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال (( كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ))(9)، وأبو ذر من الصحابة المرضيين عندكم فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!
3 لِيلاحظ القارئ أن التيجاني يستدل بحديث يرويه أهل السنة في كتبهم على أنه صحيح، والسبب اعتقاده أن الحديث يطعن في عمر، وقد أثبتُّ بآثار أُخرى عن عمر ما يخالف هذه الرواية ولا شك أن هذه الآثار باطلة شرعاً وعقلاً والسبب أنها في صالح عمر!؟
4 وبالنسبة لمتعة النساء فلم يحرِّمها عمر من تلقاء نفسه بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (( يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ))(10)وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما (( أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ))(11)، فنكاح المتعة حُرِّم عام الفتح ولا إشكال في الرواية الأخرى التي فيها أنها حرِّمت يوم خيبر والصحيح أنها لم تحرَّم عام خيبر (( بل عام خيبر حرِّمت لحوم الحمر الأهلية، وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم متعة النساء وحرَّم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي رضي الله عنه بينهما في الذِّكْرِ لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع عن ذلك لمَّا بلغه حديث النهي عنهما ))(12)، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول (( قوله ( يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة ))(13)، وقال (( أبو عوانة في صحيحة سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها وإنما نُهي عنها يوم الفتح ))(14)، وقيل أنها حرِّمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرِّمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبي صلى الله عليه وسلم.
5 لقد اعترف بهذه الحقيقة عالم شيعي فتح الله بصيرته فأناب إلى الحق وبيَّن أن متعة النساء حرِّمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن عمر لم يحرَّمها من تلقاء نفسه وقد أقرَّه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول (( إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الامام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الامام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه. والامام علي كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في ادارة الدولة. فإذن اقرار الامام علي على التحريم يعني أنها كانت محرمه منذ عهد الرسول (ص) ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الامام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهائنا أن يضربوا بها في عرض الحائط ))(15)، ومن هنا نعلم أن (( أهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم ،والشيعة الاثني عشرية خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا قول من خالفه ))(16).(12/139)
6 ولما لم يعلم الكثير من الناس بأمر التحريم نبه على ذلك عمر وأعلنه للناس فعن ابن عمر قال (( لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد إذ حرمها ))(17) لذلك قال سعيد بن المسيب (( رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهاراً ))(18)، فأسأل التيجاني هل عرفت حقاً من يخالف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إنهم شيعتك الذين هديت إليهم فحيهلا من هداية!
ثم يقول ((... وهذا عمر يقول:لولاعلي لهلك عمر ))(19)، فأقول:
1 هذه الجملة لها سبب وهو أن عمر أراد أن يرجم امرأة فأخبره علي بأنها مجنونة فترك حدَّها وقال هذه المقولة وفي أثر آخر أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فنبهه علي فقال هذه المقولة، والذي أشار إلى ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ومحب الطبري في الرياض النضرة، إضافة إلى ابن المطهر الذي ذكر هاتين الروايتين بهذا السياق، وأما بالنسبة للرواية الأولى فقد ذكرها أحمد في الفضائل، عن ابن ظبيان الجنبي أن عمر بن الخطاب (( أتى امرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال ما لهذه؟ قالوا زنت، فأمر عمر برجمها فانتزعها علي من أيديهم وردهم فرجعوا إلى عمر فقال ما ردكم؟ قالوا ردنا يعني علي، قال ما فعل هذا علي إلا لشيء قد علمه فأرسل إلى علي فجاء وهو شبه المغضب فقال ما لك رددت هؤلاء؟ قال أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟ قال بلى قال علي هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر لا أدري قال وأنا لا أدري فلم يرجمها ))(20)، وقد تتبعت الرواية من مظانها(21)فلم أجد في أي منها مقولة عمر (( لولا علي لهلك عمر ))!
2 المقولة نفسها تثبت عدم قول عمر لهذه المقولة وهي أنه كان لا يعرف بجنون المرأة عندما قال ( لا أدري ) ولا شك أن عمر يكون في هذه الحالة معذور لأنه خفي عنه أمر المرأة ولا ذنب عليه فلماذا يقول إذاً لولا علي لهلك عمر؟ ولماذا يهلك عمر؟! فإن كان قال ذلك تواضعاً منه فهل هذا مما يعتبر ذماً له!؟
أما الرواية الأخرى وهي أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فقد بحثت عنها فوجدت ابن أبي شيبة قد روى عن أبي سفيان عن أشياخه (( أن امرأة غاب عنها زوجها، ثم جاء وهي حامل فرفعها إلى عمر، فأمر برجمها فقال معاذ: إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع، فوضعت غلاماً له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر ))(22) ثم قال ابن أبي شيبة ((حدثنا خالد الأحمر عن حجاج عن القاسم عن أبيه عن علي مثله ))(23)، وفي سنده الحجاج وهو ابن أرطاه ضعيف، كثير التدليس، ويقول الذهبي (( الحجاج بن أرطاه لا يحتج به ))(23)، فهذه الرواية ضعيفة لا حجة فيها، أما الرواية التي ذكرها محب الطبري (( أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } وقال تعالى { وفصاله في عامين } فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر، أخرجه العقيلي، وأخرجه ابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود ))(24). قلت: قوله أبو حزم خطأ والصواب أبو حرب بن أبي الأسود، وفي سند هذه الرواية عثمان بن مطر الشيباني (( قال يحيى بن معين: ضعيف لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال علي بن المديني: عثمان بن مطر ضعيف جداً، وقال أبو زُرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، وقال صالح البغدادي: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة ))(25)، (( وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان عثمان بن مطر ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ))(26).
2 ولو فرضنا أن هذه الروايات صحيحة، فهي لا تقدح في فضل عمر وعلمه، وليس هو معصوماً عن الوقوع في الخطأ والزلل حتى تصبح هذه القضية منقصة له، ولا تقدح في علمه ولا أن الله وضع الحق على لسانه، فقد وافق حكم الله في اكثر من قضية (( فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك ))(*)، والذي يدل على علمه وفقهه هو رجوعه إلى الحق وعدم تمسكه برأيه فهل في ذلك مذمة أو مثلبة؟
ثم يقول (( وهذا عمر بن الخطاب يقول ( كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ) ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ))(27).(12/140)
1 أقول هذه الرواية ليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله ( كل أحد أفقه من عمر) ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن التيجاني أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال (( خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: { وءاتيتم إحداهن قِنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } فقال عمر: ( كل أحد أفقه من عمر ) مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ))(28) ، قلت: هذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان، الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: ( هذا منقطع ) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب ( المراسيل ) (( سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل ))(29) . والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهو ابن سعيد، قال عنه البخاري (( كان يحي القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي ))(30) وقال النسائي (( كوفي ضعيف ))(31) وقال الجوزجاني (( مجالد بن سعيد يضعّف حديثه ))(32) وقال ابن عدي سألت أحمد بن حنبل عن مجالد فقال (( ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس، وقال ابن عدي أيضاً عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين، لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث ))(33) وقال ابن حجر (( ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره ))(34)، وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
أ أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال (( خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ))(35) فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهو يظهر بطلان الرواية الأخرى.
ب مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر قال (( خير النكاح أيسره))(36)، وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها ))(37)، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ))(38)، وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق.
ت هذه الآية التي استدلت بها المرأة { وآتيتم إحداهُنَّ قِنطاراً } معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثيرالمنوه عنه بالآية بالقنطارلا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.(12/141)
أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور (( وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أنه لا يكون مسجداً كمفحص قطاة ))(39) ، هذا من جهة وأما من جهة ثانية فما نقله أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال ( لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى { وآيتيم } لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وسلم ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين )(40)، نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لو أحب إعطاء زوجته تطوعاً من نفسه فدفع إليها قنطاراً أو قناطير فهذا جائز، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال (( ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} ))(41) وبعد هذا البيان نخلص إلى بطلان هذا الحديث سنداً متناً، ونعلم مقدار فقه وعلم عمر!
2 أما قوله أن عمر ضرب من سأله عن آية بالدرة حتى أدماه وقال (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) والتي عزاها إلى سنن الدارمي وتفسير ابن كثير والدر المنثور، فقد بحثت عنها في هذه المصادر فلم أجد لها أثراً؟!؟ ولا يوجد لها أثر أصلاً، والحمد لله أن هذه الكتب موجودة في كل مكان وليست هي مخفية مثل كتب الرافضة، فليبحث فيها من يريد أن يعرف كيف تألف كتب ثلاث أرباعها كذباً محضاً!؟؟
ثم يقول (( وقد سئل عن معنى الكلالة فلم يعلمها، أخرج الطبري في تفسيره عن عمر أنه قال: لئن أكون أعلم الكلالة أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل قصور الشام، كما أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بيّنهنّ أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة ))(42)، فأقول:
1 هذا من التدليس الرخيص على القارئ ولتوضيح ذلك أنقل ما أخرجه مسلم في صحيحه عن معدان بن أبي طلحة (( أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعةٍ فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر. ثم قال: إني لا أدَعُ بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبَعهِ في صدري، وقال: يا عمر ألا تكفيك آيةُ الصيف التي في آخر سورة النساء؟ وإني إن أعش أقْض فيها بقضية، يقض بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ))(43)، ومن هذا الحديث نعلم أنّ عمر لم تكن عدم معرفته بالكلالة سببه قصوره في العلم بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد له وللصحابة الاعتناء بالاستنباط من النصوص، فأخفى النص الصريح بذلك واكتفى بإرشاده إلى الآية التي تكفيه للوصول لمعنى الكلالة كما في قوله ( ياعمر! ألا تكفيك أية الصيف التي في آخر سورة النساء ) وهي قوله تعالى { يستفتونك قُل الله يُفْتيكم في الكَلالَة } ويقول النووي (( ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحاً وتركهم الاستنباط من النصوص وقد قال الله تعالى { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمْرِ منهم لعلِمه الذين يستَنْبِطونه منهُم } فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم ))(44)، وكان عمر يرى رأي أبي بكر في أن الكلالة من لا والد له ولا ولد وهذا ما اتفقت عليه جماهير العلماء ومن بعدهم وكان عليّ أيضاً يرى رأيهم، مما يدلل على عظيم علم عمر وفقهه، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (( إن الله وضع الحق على لسان عُمر يقول به ))(45).
2 ذكر الطبري في تفسيره خمس عشرة أثراً عن عمر بن الخطاب في الكلالة منها حديث مسلم السالف الذكر، ولكن التيجاني لا يستطيع أن ينفكّ من عقدة الإنصاف المصاب بها فلا ترى عيناه إلا قول عمر: لئن أعلم الكلالة، أحب إليّ من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم. وليس قصور الشام كما نقل التيجاني فسبحان الله حتى مجرّد النقل لا يحْسِنه فكيف بالإنصاف؟ أما هذا الأثر إن صح فغاية ما فيه أن عمر أراد معرفة الكلالة من النبي صلى الله عليه وسلم لكي يكون حكمه موافقاً للصواب، ولا أن يخضع للاجتهاد فقط، وهذا من حرصه على معرفة الحق والصواب في هذه المسألة فهل هذا مما يذم عليه يا تيجاني؟!(12/142)
3 أما الخبر الذي أخرجه ابن ماجة في سننه عن عمر أنه قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بينهن...الخ فهو منقطع لأن مرة بن شراحيل الهمداني لم يدرك عمر(46) وضعّفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة(47)فلا يحتج به لضعفه.
ثم يتابع غثيانه فيقول (( ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول (ص) فعطّل سهم المؤلّفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة وقال: لا حاجة لنا فيكم ))(48)، أقول:
1 الاجتهاد والرأي ثابت عن سائر الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))(49)ولا يكون اجتهادهم مقابل النصوص فهذا من الجهل البيّن، بل اجتهادهم هو في فهم النصوص القرآنية والنبوية، أو في الأمور العارضة المستجدّة، (( لأن الصحابي شاهد التنزيل ووقف على حكمة التشريع وأسباب النزول ولازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة طويلة أكسبته معرفة الشريعة ))(50) إضافة إلى أن بعض الصحابة كانوا يجتهدون بما يخالف النصوص لأنها لم تصلهم فإذا تبيّنوا الحق أنابوا إليه
2 أما بالنسبة لعمر فإنه رأى أن سهم المؤلّفة قلوبهم كان يصرفه النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان المسلمون في ضعف تأليفاً لقلوبهم واتقاءً لشرّهم، أما والحال أنّ الأمة في قوة ومنعة، فإنه لا يجوز أن يُعطى هؤلاء الزكاة، ولا شك أن هذا هو اجتهاد عمر في هذه المسألة، وقد وافقه الصحابة على ذلك فكان إجماعاً منهم في وقته، ولا شك أن هذا ليس اجتهاداً في مقابل النص القرآني بل المراد من النص، ولكن أن يأتي في آخر القرن العشرين رويبض لا يفهم النصوص ومدلولاتها ولا يعلم الاجتهاد وصلاحيّاته، يظن نفسه أدرى من صحابي عايش النبي صلى الله عليه وسلم وتلّقى النصوص القرآنية والحديثية طرية نقية من فمه صلى الله عليه وسلم ليدعي عليه أنه يجتهد في مقابل النصوص، ويسمح لنفسه من أول كتابه إلى آخره أن يفسر الآيات القرآنية والأخبار النبوية حسب الكم الهائل من الجهل والكذب والتدليس الذي يتمتع به فهذا هو المصاب الأليم.
3 لقد اجتهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قاتل في الجمل وصفين الذي أفضى بعد ذلك إلى قتل آلاف المسلمين، ولم يصل إلى ماقصده وطلبه، وبالطّبع لم يأتي بنص من النبي صلى الله عليه وسلم يعزز به دليله على القتال وإنما كان من رأيه ولم يوافقه عليه أكثر الصحابة، فإذا كان هذا من الاجتهاد المغفور لصاحبه فاجتهاد عمر أولى وأقنى.
ثم يقول (( وقد وقعت له حادثة أخرى مع رسول الله (ص) لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشير بالجنة إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة، فخرج ليبشّر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتى سقط على إسته، فرجع أبو هريرة إلى رسول الله يبكي وأخبره بما فعل عمر فقال رسول الله لعمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: هل أنت بعثته ليبشّر بالجنة من قال لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؟ قال رسول الله نعم، قال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس على لا إله إلا الله! ))(51)، أقول:
1 ليلاحظ القارئ أن التيجاني يورد هذا الحديث مسلّماً بصحّته لا أن سلسلة رواته عدول بل لسبب واحد ليس إلا، هو أنه يقدح في عمر حسب عقلية هذا التيجاني ولكن..!(12/143)
2 هذا الحديث من أعظم الدلائل على فقه عمر وأن الحق على لسانه دائماً، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ))(52) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت منهُ فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم ))(53) وأخرج مسلم حديث أبي هريرة هذا وهو حديث طويل وفي جزء منه (( فقال أي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ( وأعطاني نعليه ) قال: إذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلتُ: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشرتُه بالجنة فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررتُ لإستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأجهَشْتُ بُكاءً. وَرَكِبني عُمَرُ. فإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك يا أبو هريرة؟ قلت: لقيتُ عُمَرَفأخبرته بالذي بعثْتني بِهِ. فضرب بينَ ثدْييَّ ضرْبةً. خررتُ لإِسْتى. قال: ارْجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عمر! ما حملك على ما فعلتَ؟ ) قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمِّي. أَبعثتَ أبا هريرةَ بِنَعليكَ، منْ لقيَ يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيْقِناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل. فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها. فخَلِّهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَخَلَّهِمْ. ))(54). ففي هذا الحديث خشي عمر أن يسمع الناس هذا الخبر فيتكلوا عليه ويتركوا العمل فعرض رأيه على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ به تصويباً له! قال القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله: (( وليس فعل عمر رضي الله عنه ومراجعته النبي صلى الله عليه وسلم اعتراضاً عليه ورداّ لأمره إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة غير تطبيب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى عمر رضي الله عنه أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجّل هذه البشرى، فلما عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم صوّبه فيه والله تعالى أعلم ))(55) وأما دفع عمر رضي الله عنه له فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره))(56). وبعد ذلك أقول هل يوجد دليل على أن الحق على لسان عمر وقلبه أبلغ من هذا الحديث الذي احتججت به عليه؟!
ثم يتشبع بالكذب فيقول (( ومن مواقف عمر المتعددة تجاه النبي وسنته نفهم بأنه ما كان يعتقد يوماً بعصمة الرسول بل كان يرى أنه بشر يخطئ ويصيب. ومن هنا جاءت الفكرة لعلماء أهل السنّة والجماعة بأن رسول الله معصوم في تبليغ القرآن فقط وما عدا ذلك فهو يخطيء كغيره من البشر ويستدلون على ذلك بأن عمر صوّب رأيه في العديد من القضايا ))(57). فأقول:
1 ألا لعنة الله على المجرمين المارقين الذين يتخذون من عقولهم الكسيحة وقلوبهم الخسيسة مدخلا للطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم محتجين بأفعال صحابته رضوان الله عليهم وقد ذكرت في بداية كتابي أن طعن هذا الأفاك وإخوانه من الرافضة ما هو إلا غطاء للطعن في خير البرية صلوات الله وسلامه عليه وأي طعن أعظم من إتهام أقرب صحابته إليه بأنه لا يرى عصمته صلى الله عليه وسلم أليس هذا طعن صريح به بأبي هو وأمي.
2 روى البخاري في صحيحه عن الزهري: قال: أخْبَرني عليُّ بن حسين: أن حسين بن عليٍّ أخبره: أن عليَّ بن طالب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقهُ وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً، فقال: ألا تُصلِّيان. فقُلت: يا رسول الله، أنْفُسنا بِيَدِ الله، فإذا شاءَ أن يَبعَثَنا بَعَثَنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولَمْ يَرْجع إليّ شيئاً، ثمَّ سمعتُهُ وهو مولَّ يضربُ فخذهُ وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا ))(58). فهل من موقف علي هذا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفض طلبه وأغضبه نفهم بأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم بتبليغ القرآن فقط، وما عدا ذلك فهو يخطئ ويصيب كغيره من البشر، لذلك لم يُعر طلبه اهتماماً؟! فما هو جواب التيجاني الوبي؟!
3 التيجاني يدّعي أن علماء أهل السنة يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بتبليغ القرآن وفقط، وما عدا ذلك فلا عصمة له وأنا لا أريد من التيجاني إلا أن يأتي ولو بمصدر واحد لأهل السنة يقولون به مثل هذا القول المكذوب، وأنّا له ذلك، والمضحك هنا أن التيجاني لم ينتبه إلى أن أهل السنة لم يُسمَّوا بأهل السنة إلا لأنهم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم المقتفون لها فهنيئاً لهم!.(12/144)
ثم يقول (( وإذا كان رسول الله (ص) كما يروي البعض من الجهلة يقبل مزمارة الشيطان في بيته وهو مستلق على ظهره والنسوة يضربن الدفوف والشيطان يلعب ويمرح إلى جانبه حتى إذا دخل عمر بن الخطاب هرب الشيطان وأسرع النسوة فخبأن الدفوف تحت أستهن وقال رسول الله لعمر ما رآك الشيطان سالكاً فجاً حتى سلك فجاً غير فجك. فلا غرابة إذا أن يكون لعمر بن الخطاب رأي في الدين ويسمح لنفسه لمعارضة النبي في الأمور السياسية وحتى في الأمور الدينية كما تقدم في تبشير المؤمنين بالجنة ))(59)
1 أقول لهذا التيجاني لا يوجد حديث في أيٍّ من كتب السنة بهذا اللفظ، والحمد لله أن كتب الحديث السنية موجودة وتملأ الأسواق بخلاف كتب الرافضة المدفونة فعلى طالب الحق أن يبحث عن هذه الرواية المكذوبة حتى إذا لم يجد شيئاً يعلم أنه سيجدها مروية في الصحيح المسند للمهتدي التيجاني!!
2 لا شك أن هذا التيجاني يشير إلى بعض الأحاديث الصحيحة التي يعرفها، ولكن عقدة الإنصاف أبت عليه إلا أن يتلاعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويخلط ما يريده منها ليُخرج لنا كذباً يعزوه لأهل السنة!؟ وسأسوق روايتين أعتقد أن التيجاني حاول خلطهما فأخرج ما يسميه رواية لأهل السنة الحديث الأول: رواه البخاري في صحيحه (( عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تُغَنِّيان بما تَقَاولت الأنصار يوم بُعاثَ، قالت: وليْستا بِمُغنِّيتين، فقال أبو بكرٍ: أمَزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكرٍ إن لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدُنا ))(60). والحديث الآخر أخرجه الترمذي في سننه عن بريدة: قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جائت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدُّفّ وأتغنّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان هي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عليّ وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ))(61)، وهذان الحديثان لا يوجد ما يقدح بهما فهما حديثان صحيحان، والجاريتان اللتان ذكرتا في الحديث الأول هما فتاتان لم تبلغا الحلم، وكانتا تغنّيان في يوم عيد وبالطبع ليس كالغناء المعروف الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن ويثير الغريزة من الغناء المحرّم، وهذا ظاهر بقول عائشة ( وليستا بمغنّيتين ) وأما انتهار أبو بكر لهما وإضافة الضرب بالدف لمزمار الشيطان فلأنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: دعهما وعلل ذلك بقوله ( إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا ) والحديث الآخر فيه أن جارية سوداء قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أنها نذرت إن رجع سالماً أن تضرب بالدف فقال لها ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ) فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب لايفاء النذر وإلا فلا..... ثم بعد ذلك دخل أبو بكر ثم عليّ ثم عثمان وعندما دخل عمر ألقت الجارية بالدف ثم قعدت عليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مقولته التي أثقلت التيجاني ( إن الشيطان ليخاف منك ياعمر ) فهل بعد هذا المدح من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر من مديح.
ثم يقول التيجاني (( وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي أمور المسلمين فأحل ما حرّم الله ورسوله وحرّم ما أحل الله ورسوله ))ثم يشير بالهامش بقوله (( كقضية إمضائه الطلاق الثلاث وكتحريمه متعة الحج ومتعة النساء ))(62)، فأقول:
1 بالنسبة لادعاء التيجاني أن عمر حرّم متعة الحج ومتعة النساء فقد أجبت عن ذلك وافياً فيما مضى(63) بما يغني عن الاعادة هنا.(12/145)
2 وبالنسبة لامضائه الطلاق الثلاث فعن ابن عباس قال (( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ))(64)، هذا الحديث يبين أن الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً تقع طلقة واحدة، وظل الأمر على ذلك حتى جاءت خلافة عمر وفي السنتين الأولتين أبقى عمر الطلقة الواحد البائنة، ولكن عندما رأى تهاون الناس في التطليق وعبثهم فيه أراد أن يشدد عليهم في ذلك تأديباً وردعاً لهم فأوقع الطلاق ثلاثاً وهذا من اجتهاده وفقهه رضي الله عنه وقد وافقه الصحابة في زمانه على ذلك ولا شك أن علياً واحداً منهم وليس ذلك تحليلاً لما حرم الله ورسوله فإنه لم ينسخ الحكم إنما جعله مرتبطاً بالعلة وهو أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إضافةً إلى أنه الامام المسؤول عن رعيته أمام الله عز وجل، فيجب عليه أن يسوسهم ويرشدهم لما يصلحهم وأن يردهم للصواب إن تقاعسوا عن المطلوب أو قصّروا في الحقوق، وأن يعمل على ما يصلحهم وينفعهم، وعمر قد ثبت أنه من أفاضل الصحابة وأعلمهم بالدين، واجتهاده هذا اجتهاد سائغ، وعلى فرض أنه أخطأ فهذا من الخطأ الذي يرفع الله به المؤاخذة، وقد اعترف بفضله وعلمه خيار الصحابة، فقد روى الشعبي عن عليّ قال (( ما كنّا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ))(65) وقال ابن مسعود (( كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله وأعرفنا بالله، والله لهو أبين من طريق الساعين، يعني أن هذا أمر بيّن يعرفه الناس ))(66) وقال أيضاً (( لو أن علم عمر وُضع في كفّة ميزان ووضع علم أهل الأرض في كفّة لرجح عليهم وقال إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر ))(67) وقال مجاهد (( إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به ))(68) وقال أبو عثمان النهدي (( إنما كان عمر ميزاناً لا يقول كذا ولا يقول كذا ))(69) ولكن لعل التيجاني لن يقتنع بهذا الكلام، فسأضطر لكي أنقل من كتب الرافضة الاثني عشرية والمعتمدة لديهم رأي أهل البيت في عمر، يقول وصي القوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه واصفاً زمن حكم عمر بقوله (( لله بلاء فلان(70) فقد قوّم الأوَد وداوى العمَد، خلّف الفتنة وأقام السنّة، ذهب نقيَّ الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقّه، رحل وتركهم في طرقٍ متشعّبة، لا يهتدي فيها الضاّل ولا يستيقن المهتدي ))(71)وقال عنه أيضاً (( ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرّانه ))(72)وفي كتاب ( الغارات ) لإمام القوم ابراهيم الثقفي يذكر أن علياً وصف ولاية عمر بقوله (( ... وتولى عمر الأمر وكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة ))(73)، وعندما شاوره عمر في الخروج إلى غزو الروم قال له (( إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتَلْقَهُم بشخصك فتُنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(74) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محْرَباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهرك الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأُخرى كنت ردءاً(75) للناس ومثابة للمسلمين ))(76) ويقول أمامهم الآخر محمد آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وأصولها )الذي ادعى التيجاني أنه تمتع بقراءته! (( وحين رأى ( أي عليّ بن أبي طالب ) أن الخليفتين أعني الخليفة الأول والثاني ( أي أبو بكر وعمر! ) بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا ( انظر؟! ) بايع وسالم ))(77) لذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب(78)، وليس ذلك وفقط بل وسمى أحد أولاده باسم عمر باعتراف الأربلي(79) تدليلاً على حبه وتقديره للخليفة عمر بن الخطاب فهل بعد ذلك يشك أحد بأنّ الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه؟!
سادساً: الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يشهد على نفسه:
يقول التيجاني (( أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب: لمّا طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عبّاس وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون، قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منّ الله جلّ ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه. وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: ليتني كنت كبش أهلي يسمّنونني ما بدى لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء ويعطوني قديداً ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً ))(1)، قلت:(12/146)
لا شك أن قول عمر عند وفاته إن دل فإنما يدل عن شديد خوفه من الله سبحانه وتعالى وهذا يدل على مدى قوة إيمانه بربه جل وعلا فعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين وخوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ))(2)، إضافة إلى أن الحديث يثبت الصحبة لعمر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفِّي وهو عنه راضٍ، فخوفه من الله إنما يدل على شدة تقواه رضي الله عنه إضافة إلى أن قاتله ليس رجلاً من المسلمين، وإنما هو مجوسي فارسي كافر وهذه مكرمة له، وأخرج مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( خيار أئمَّتكم الذين تُحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتُصلّون عليهم، وشرارُ أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ))(3) وعمر كان عادلاً تحبه رعيته وتترضى عنه فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن ميمون في جزء منه (( فاحتُمل إلى بيته، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصِبهم مصيبة قبل يومئذٍ، فقائل يقول: لا بأسَ، وقائل يقول: أخافُ عليه، فأُتي بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أُتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه وجاء الناس، فجَعلوا يثْنون عليه، وجاء رجل شابٌّ فقال: أَبشر يا أمير المؤمنين بِبشرى الله لكَ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدِم في الإسلام ما قد علِمتَ، ثمّ وَلِيتَ فعَدَلْتَ، ))(4)، وهذا علي أيضا أثنى على عمر بعد وفاته فعن ابن أبي مليكة (( أنه سمع ابن عباس يقول: وُضع عمر على سريره، فتكفَّنهُ الناس يدْعون ويصلُّون قبل أن يُرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجلٌ آخذٌ منكبي، فّإذا علي بن أبي طالب، فترحَّم على عمر وقال: ما خلَّفت أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثْلِ عملِهِ منك، وايْمُ الله إن كنت لأظُنُّ أن يجعلكَ الله مع صاحبيك، وحسبت: إني كنت كثيراً أسمعُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر ))(5)، وبالنسبة لباقي الشبهات التي أوردها التيجاني في هذا المبحث فقد أجبت عليها إجابات وافية في مبحث ( شهادة أبي بكر على نفسه )(6) فلتراجع.
سابعاً موقفه من عمر بن الخطاب في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ثم فتحت صحيح البخاري وفيه دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال حين رآها من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه. قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. فغضبت وقالت كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيّم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر رسول الله (ص) ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي اسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي (ص) قالت: يا نبي الله، عمر قال كذا وكذا. قال: فما قلت له، قالت: كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم مما قال لهم النبي (ص) ثم يقول فقلت: إذا كان رسول الله (ص) هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده، وإذا كان رسول الله (ص) لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه، فمن حقي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتى أتبين وأعرف الحقيقة ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنهما أقرب للواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة ))(1)، أقول:
1 والله لست أدري كيف يفهم هذا التيجاني وكيف يكتب، بحيث يجعل هذا الحديث يمثّل مطعناً لعمر؟!.. كل ما في الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم فضّل أهل السفينة وهم الذين هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة على أصحاب الهجرة الواحدة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن تفضيلهم هذا ليس على الاطلاق بل من هذا الجانب فقط.(12/147)
2 أما قوله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه ) جهلٌ مركّب لأن الرسول عندما أجاب أسماء قال ( ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ) فقد جمعه مع أصحابه الذين هاجروا هجرة واحدة ولم يعنيه وحده، وعلى ذلك فأسماء خير من أصحاب الهجرة الأولى حسب الفهم المهترئ لهذا التيجاني، ولا شك أن هذا التفضيل سيطال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه من أصحاب الهجرة الأولى! ولكن الفهم الصحيح هو الذي أثبتناه من أن هذا التفضيل ليس على إطلاقه بل من هذه الحيثية فقط.
3 أما قوله ( من المعلوم أن هذا الحديث يناقض كل الأحاديث الواردة في فضل عمر ويبطلها ) فأقول: بالطبع معلوم، وكيف لايكون معلوماً أن جميع الأحاديث الواردة في فضل عمر باطلة وقد خرّجها التيجاني في معمله للتحليل الحديثي!!؟
ثم يقول (( فالشيعة ليس كما يدّعي بعض علمائنا، بأنهم الفرس والمجوس الذين حطّم عمر كبرياءهم ومجدهم وعظمتهم في حرب القادسية ولذلك يبغضونه ويكرهونه! وأجبت هؤلاء الجاهلين بأنّ التشيع لأهل البيت النبوي لا يختص بالفرس بل الشيعة في العراق وفي الحجاز وفي سوريا ولبنان وكل هؤلاء عرب كما يوجد الشيعة في الباكستان والهند وفي أفريقيا وأمريكيا وكل هؤلاء ليسوا من العرب ولا من الفرس. ولو اقتصرنا على شيعة إيران فإن الحجة تكون أبلغ إذ أنني وجدت الفرس يقولون بإمامة الأئمة الأثنى عشر وكلهم من العرب من قريش من بني هاشم عترة النبي، فلو كان الفرس متعصّبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لأتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة على حدّ سواء. بينما وجدت أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فأغلب أئمتهم من الفرس كأبي حنيفة والإمام النسائي والترمذي والبخاري ومسلم وابن ماجة والرازي والإمام الغزالي وابن سينا والفرابي وغيرهم كثيرون يضيق بهم المقام فإذا كان الشيعة من الفرس يرفضون عمر بن الخطاب لأنه حطّم كبرياؤهم وعظمتهم فبماذا نفسر رفض الشيعة له من العرب وغير الفرس فهذه دعوى لا تقوم على دليل، وإنما رفض هؤلاء عمر للدور الذي قام به في إبعاد أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد رسول الله (ص) وما سبّب ذلك من فتن وقلاقل وانحلال لهذه الأمة ويكفي أن يزاح الحجاب عن أي باحث حر (!) وتكشف له الحقيقة حتى يرفضه بدون عداوة سابقة ))(2)، أقول رداً عليه:
1 أول ظهور الرفض كان على يد اليهودي عبد الله بن سبأ فهو الذي ابتدع إمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر يعترف به الرافضة الاثني عشرية ولا يستطيعون إنكاره لذلك يقول إمامهم المتكلم الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الحجة عند الإمامية ( فرق الشيعة ) (( وحكى جماعة من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البرآءة من أعدائه وكاشَفَ مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ))(*) وبما أن عمر بن الخطاب كسر بجيوشه شأفة الفرس وأزال مملكتهم فنقموا عليه فتمالئوا فيما بينهم للكيد للإسلام وأهله فكانت أسلم طريقة لذلك في تلك الفترة وهي فترة ضعف لهم، هو التمسك بشيء مقدس لدي المسلمين فلم يجدوا إلا فكرة عبد الله بن سبأ اليهودي التي تتخذ من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مدخلاً للطعن في دين الله عز وجل فتمسّكوا بها واتخذوها ستاراً لبث ضلالهم العريض في أوساط المسلمين فهذا هو مبتدأ نشأة الرفض باعترافهم أنفسهم.
2 أما ادعاؤه أن نشأة التشيع ليس في الفرس وحدهم، إنما يوجد في العرب وغير العرب فليس هذا مما يغيّر من الحق شيئاً، لأن القضية التي يجب أن تبحث هي في أصل الرفض والتشيع، وقد أثبتُّ أن الأصل هم الفرس، أما أن يسري هذا الداء إلى العرب وغيرهم فهذا شيء سنني في الكون ولا توجد دعوة في الأرض إلا وتجمّع حولها جمع من المؤمنين بفكرتها، فلا يعتبر ذلك دليلاً على الحق، ألا ترى أن الفكرة الشيوعية في فترة سطوتها قد تأثر بها بالاضافة لأصحابها الكثير من العرب والفرس أيضاً فهل هذا يغني من الباطل شيئاً؟! فإذا كانت فكرة إنكار وجود الله قد آمن بها بعض العرب بل وقامت على أرضهم دولاً تؤمن بهذه الفكرة فالأولى أن يتأثر الكثير من العرب بفكرة الرفض خصوصاً إذا كانت تتمسح بشعار موالاة أهل البيت والانتصار لهم! فليس في ذلك أي حجة للتيجاني على صحة دين الرافضة.(12/148)
3 أما أن العرب وغير العرب دون الفرس يبغضون عمر فهذا شيء طبيعي لأن أصل عقيدة الرفض هي الطعن في أبي بكر وعمر، فكل من آمن بهذه الفكرة لا بدّ أن يؤمن بتبعاتها، لذلك أردّ حب الكثير من الفرس لعمر بن الخطاب بالدرجة الأولى لإيمانهم بعقيدة الحق، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا شيء طبيعي أيضاً فهذا هو الذي يفسر عداوة بعض العرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4 أما قوله أنه وجد أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فهذا جهل فاضح، فالصحيح أن يقال أن كل العلماء من العرب وغيرهم ينقطعون في الاعتقاد لمنهج أهل السنة والجماعة، لأن منهج أهل السنة لا يمثله عرب ولا فرس فهو ليس منهجاً طارئاً ومشوهاً مثل أهل الرفض الذي يمثّله أشخاصه، إنما هو منهجاً يمثل أصل الإسلام وجوهره باعتماده على كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكل من ارتضى له هذا المنهج فهو من أهل السنة والجماعة سواءٌ كان عربياً أو غير عربي وليس العكس.
5 أما قوله ( فلو كان الفرس متعصبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لاتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة ) فأقول للتيجاني: إذا كنت بهذه السذاجة فلا أعتقد أن الرافضة الإمامية كذلك هنا، لأن سلمان وإن كان صحابياً جليلاً فهذه مكرمة يتمتّع بها جميع الصحابة بل حتى الكثير من الصحابة يسبقونه بالمنزلة والصحبة، إضافة إلى أنه فارسي الأصل، فلو اتخذته الشيعة الاثني عشرية إماماً من دون الصحابة فستنْفضح اللعبة وتحوم الشبهات، إذن فمن الحنكة والدهاء أن يتخذ الرافضة الاثني عشرية من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ملاذاً لهم، وأما سلمان فقدَّروا أصله الفارسي وجعلوه من الصحابة المرضيين إتماماً للعبة واتقاناً للمخطط.
6 أنا لا أزعم أن كل من التوى تحت لواء الرافضة الإمامية يعرف ذلك بل على العكس فأكثر عوام الرافضة لا يعرفون هذه الحقيقة ويعتقدون أنهم على الحق والصراط المستقيم، والكثير من هؤلاء إذا ظهر لهم الحق يؤوبون إليه ويتمسّكون به، وبالفعل فقد رأينا الكثير منهم يرجعون إلى منهج أهل السنة والجماعة، بل ويصبحون من أنشط الدعاة إليه، بل وحتى العلماء منهم فقد رجعوا إلى الجادة وأنابوا للحق بعدما تكشف لهم ضلال ما هم عليه، من أمثال الدكتور موسى الموسوي وأحمد الكسروي(3) فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدي عوام الشيعة إلى الحق ويقيهم ضلالات الضّالين المضلين من أقوامهم آمين.
ثامناً الرد على التيجاني في موقفه من عمر في أمر الخلافة:
يقول التيجاني (( وكانت خلافة عثمان مهزلة تاريخية، وذلك أن عمر رشّح ستةً للخلافة وألزمهم أن يختاروا من بينهم واحداً وقال إذا اتفق أربعة وخالف إثنان فاقتلوهما وإذا انقسم الستة إلى فريقين ثلاثة في كل جهة فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف. وإذا مضى وقت ولم يتّفق الستة فاقتلوهم، والقصة طويلة وعجيبة، والمهم أن عبد الرحمن بن عوف اختار علياً واشترط عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر فرفض عليّ هذا الشرط، وقَبِله عثمان فكان هو الخليفة، وخرج عليّ من البيعة وهو يعلم مسبقاً النتيجة وتحدث عن ذلك في خطبته المعروفة بالشقشقية ))(4)، أقول:
1 ما أكذب هذا التيجاني وما أشد تحامله فلماذا لم يشر إلى المصدر الذي يستقي منه كذبه؟! أليس لأنه أقل من أن ينظر إليه لتهافته وكذب رواته ولكن ماذا نقول لهؤلاء البشر فهم (( لفرط جهلهم وهواهم يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعُلم أنها وقعت، فيقولون: ما وقعت، وإلى أمور ما كانت ويُعلم أنها ما كانت، فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد، فيقولون: هي خير وصلاح، فليس لهم لا عقل ولا نقل، بل لهم نصيب من قوله { وقالوا لو كنّا نسمعُ أو نعقلُ ما كنّا في أصحاب السّعير } ))(5).(12/149)
2 الحق الثابت في هذه القضية هو فيما أخرجه البخاري في صحيحه في الحديث الطويل عن عمرو بن ميمون في جزء منه ((... أوصِ يا أمير المؤمنين استخلِف، قال: ما أجدُ أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر، أو الرهط، الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمَّي علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدُكُم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ كهيئةِ التعْزِية فإن أصابت الإمْرَة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيُّكم ما أُمّر، فإني لم أعزلْه عن عجزِ ولا خيانَة. وقال: أُوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقّهم ويحفظ لهم حُرمتهُم، وأوصيه بالأنصار خيراً، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يُقبل من مُحسنهم، وأن يُعفى عن مسيئهم، وأُوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردْءُ الإسلام. وجُباة المال وغيظُ العدوِّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلُهُم عن رضاهمُْ، وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصلُ العربِ ومادةُ الإسلام أن يُؤخذَ من حواشيِ أموالِهم ويُردَّ على فُقرائهم، أُوصيه بذمَّة الله تعالى، وذمَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهِم، ولا يُكلَّفوا إلا طاقَتَهم ))(6) فعمر كما ترى جعل الأمر في هؤلاء الستة، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، أما أنه أمر بقتلهم أو قتل بعضهم فهذا أولى به أن يلحق في قصص ألف ليلة وليلة!؟
3 ولو فرضنا أن عمر أمر بقتلهم، فلا شك أن أمره هذا هو منع للفتن والافساد، فأتساءل هل الأمر بقتلهم يمنع الفتن أم يشعلها؟! وهل قتل الستة من خيار الأمة سيمر دون سلام؟! وهل سيقبل به المسلمون؟! ثم لو أمر عمر بالقتل كما يدعي التيجاني، لأَمَرَ بأن يتولّى الأمر أحد من الناس فهل أمر بذلك عمر؟! ومن هنا نعلم أنه لا يحتج بذلك ويصدقه ويكتبه إلا أشدّ الناس غباءً!!
4 أما قوله أن عمر قال ( فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف ) فهذا من الكذب أيضاً على عمر، فإنه جعل الأمر في هؤلاء الستة ليختاروا منهم واحداً ولم يأمر بأخذ رأي من يقف معهم عبد الرحمن بن عوف، ولكن الصحيح أن الستة هم الذين اختاروا عبد الرحمن بن عوف ففي نفس الحديث الذي أخرجه البخاري يقول (( فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليّ، فقال طلحة: قد جعلتُ أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيُّكُما تبرَّأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لَيَنظُرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسكتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفَتَجعلوُنه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلِكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمَّرتُك لتعدلنّ ولئن أمَّرت عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدّار فبايَعوه ))(7) وهنا تظهر براءة أمير المؤمنين عمر من جميع خزعبلات التيجاني والحمد لله رب العالمين.
موقع فيصل نور
===============
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثالث عثمان بن عفان والرد عليه في ذلك
عثمان بن عفان ذو النورين، زوجتاه رقية وأم كلثوم، بنتا النبي صلى الله عليه وسلم ، وعديل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعنوان الجود والكرم، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر رومة وجعله وقفاً للمسلمين، ولكنه لم يَسلم من هذا التيجاني الذي حاول أن يشوّه حقيقة التاريخ بالطعن في هذا الصحابي الجليل وهأنذا سوف أسرد شبهاته من كتابه مفنداً لها وذاباً عن حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بشره بالجنة فأقول وبالله التوفيق:
أولاً قال التيجاني تحت عنوان ( حديث التنافس على الدنيا ) أن عثمان ترك بعد وفاته مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والأراضي والضياع مما لا يحصى، وقد رددت عليه وفنّدت قوله هذا في نفس العنوان السابق فليراجع(1).
ثانياً ادّعى التيجاني أن أول من غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة هو خليفة المسلمين عثمان وقد دفعت هذه
الشبهة عنه بفضل الله ومنّه في غير هذا الموضع بما يشفي المفتون فليراجع(2).
ثالثاً ادّعاء التيجاني بأن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان والرد عليه في ذلك:(12/150)
يقول هذا التيجاني (( وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذي النورين فسيجيبك بأن المصريين وهم كفرة جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين، ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ). كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن، سبحان الله، كيف يقال أنه قتل مظلوماً وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين، وهذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة وأبي بكر، فأمّا أن يكون عثمان مظلوماً وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا قتله بأنهم قتلة مجرمون لأنهم قتلوا خليفة المسلمين ظلماً وعدواناً وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حياً وميتاً أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ، وليس هناك احتمال وسط إلا إذا كذّبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه ( بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه ) (!!) وفي كلا الاحتمالين نفيٌ قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فإمّا أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول وكلّهم من الصحابة وبذلك نبطل دعوانا. وتبقى دعوى شيعة أهل البيت قائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر ))(3)، أقول رداً على أكاذيبه:(12/151)
1 أمّا قوله أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم فهذا مما لا يشك عاقل في كذبه ورده فالصحابة رضوان الله عليهم لم يشاركوا في قتل عثمان، ولم يرضوا بذلك أصلاً، بل على العكس من ذلك فإنهم مانعوا عنه ووقفوا بجانبه ولكنه رضي الله عنه خشي الفتنة فمنعهم من الدفاع عنه ولأنه كان يعلم أنه سيقتل مظلوماً كما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر الفتنة فقال (( يقتل فيها هذا مظلوماً )) يعني عثمان رضي الله عنه(4)، وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري في جزء منه (( ... ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: إئذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه، فإذا عثمان بن عفان ))(5) ، أقول لقد شارك خيار الصحابة في الدفاع عن عثمان وأعلنوا غضبهم لقتله فهذا علي يرفع يديه يدعوا على القتله فعن عبد الرحمن بن ليلى قال: رأيت علياً رافعاً حضينه يقول (( اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ))(6)، وعن عميرة بن سعد قال: (( كنا مع علي على شاطيء الفرات، فمرت سفينة مرفوع شراعها، فقال علي: يقول الله عز وجل { وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام } والذي أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ))(7)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه (( أن علياًّ أرسل إلى عثمان: إنَّ معي خمسمائة ذراع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك تحدث شيئاً يستحلّ به دمك. قال أي عثمان جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سببي ))(8)، وحتى أولاد علي وأولاد الصحابة شاركوا في الدفاع عن عثمان فعن محمد بن سيرين قال (( انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاكي السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: اعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم ))(9) وعن كنانة مولى صفية قال: (( شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم، محمولين، كانوا يدرأون عن عثمان رضي الله عنه، الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن حكم ))(10)، وعن سلمة بن عبد الرحمن أن أبا قتادة الأنصاري ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذن في الحج فأذن لهما ثم قالا مع من تكون إن ظهر هؤلاء القوم؟ قال عليكم بالجماعة قالا أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم وكانت الجماعة فيهم قال: الزموا الجماعة حيث كانت قال فخرجنا من عنده فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً فرجعنا على أثر الحسن لننظر ما يريد فلما دخل الحسن عليه قال يا أمير المؤمنين إنا طوع يدك فمرني بما شئت فقال له عثمان يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء ))(11)، وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن الزبير قال (( قلت لعثمان يوم الدار: اخرج فقاتلهم، فإن معك من قد نصر الله بأقل منه، والله قتالهم لحلال، قال: فأبى ))(12)، وفي رواية أخرى لابن الزبير (( لقد أحل الله لك قتالهم، فقال عثمان: لا والله لا أقاتلهم أبداً ))(13)، و (( وقد لبس ابن عمر درعه مرتين يوم الدار وتقلد سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يقتل ))(14)، وروي الخياط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( قلت لعثمان: اليوم طاب الضرب معك، قال: اعزم عليك لتخرجن ))(15)، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال (( جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب، قالوا: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، قال: أما قتال فلا ))(16)، وعن قيس بن أبي حازم ثقة قال (( سمعت سعيد بن زيد يقول: والله لو أن أحداً انقضّ فيما فعلتم في ابن عثمان كان محقوقاً أن ينقضّ ))(17)، وعن خالد بن الربيع العبسي قال (( سمعنا بوجع حذيفة، فركب إليه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه في نفر أنا فيهم إلى المدائن، قال: ثم ذكر قتل عثمان، فقال: اللهم إني لم أشهد، ولم أقتل، ولم أرض ))(18) وعن جندب بن عبد الله له صحبة (( أنه لقي حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال: أما أنهم سيقتلونه! قال: قلت فأين هو؟ قال: في الجنة، قلت فأين قاتلوه؟ قال: في النار ))(19)، وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي بكرة قال (( لأن أخرّ من السماء إلى الأرض أحبَّ إليَّ من أن أشرَك في قتل عثمان ))(20)، وعن ابن عثمان النهدي ثقة (( قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إن قتل عثمان رضي الله عنه لو كان هدًى احتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً فاحتلبت به دماً ))(21)، وعن كلثوم بن عامر تابعي ثقة (( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سرّني أني رميت عثمان بسهم أصاب أم أخطأ وأن لي مثل أحد ذهباً ))(22)، وروى ابن شبة بإسناد إلى ريطة مولاة أسامة بن زيد قالت (( بعثني أسامة إلى عثمان يقول: فإن أحببت نقبنا لك الدار وخرجت حتى تلحق بمأمنك يقاتل من أطاعك من عصاك ))(23)، وأخرج البخاري عن حارثة بن النعمان شهد بدراً قال لعثمان وهو محصور (( إن شئت أن نقاتل(12/152)
دونك ))(24)، وأخرج أحمد في فضائل الصحابة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال (( لا تقتلوا عثمان فإنكم إن فعلتم لم تصلُّوا جميعاً أبداً ))(25) وروى ابن عساكر في تاريخه أن سمرة بن الجندب قال (( إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان، وأنهم شرطوا شرطة، وإنهم لن يسدّوا ثلمتهم إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم ))(26) وعن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر قال (( لقيت ابن عباس وكان خليفة عثمان على موسم الحج عام قتل فأخبرته بقتله، فعظّم أمره وقال: والله إنه لمن الذين يأمرون بالقسط، فتمَنّيتُ أن أكون قتلت يومئذ ))(27) وبعد هذا السرد لموقف الصحابة العظيم من مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه نعلم جيداً أنهم لم يشاركوا ولم يرضوا بقتل هذا الصحابي الجليل، ونعلم أيضاً الأمانة التي يتمتع بها هذا التيجاني المفتري عندما ادعى أنه درس التاريخ واكتشف أن قتلة عثمان هم الصحابة الكرام في الدرجة الأولى، هكذا! فأقول ألا لعنة الله على الكاذبين، وحتى لا يكون لهذا الدعي أي حجة أسوق بعض روايات الشيعة التي تثبت دفاع الصحابة عن عثمان في مقدمتهم علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما حيث يقول المسعودي الشيعي(28) في كتابه مروج الذهب ((... فلما بلغ علياً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدّوهم عن الدار ))(29) ويقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (( ... وقام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان وأعانه أهل المدينة منهم عقبة بن عمر وعبد بن أبي أوفى وحنظلة الكاتب، وكل هؤلاء من الصحابة، ومن التابعين مسروق والأسود وشريح وغيرهم، وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك وغيرهما من الصحابة، ومن التابعين كعب بن شور وهرم بن حيان وغيرهما، وقام بالشام ومصر جماعة من الصحابة والتابعين، وخرج عثمان يوم الجمعة فصلّى بالناس وقام على المنبر فقال: يا هؤلاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب، فقام محمد بن سلمة الأنصاري، فقال نعم أنا أعلم ذلك فاقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فاقعده قتيرة بن وهب، وثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فادخل داره واستقل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهم سعد بن أبي وقاص، والحسن بن عليّ عليه السلام! وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، فأرسل إليهم عثمان عزمت عليكم أن تنصرفوا فانصرفوا ))(30).(12/153)
2 أما الذين خرجوا على عثمان وتآلبوا عليه وقتلوه فهم على قسمين، أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي حاول إضلال الناس، فتنقّل في الحجاز والبصرة والكوفة ثم الشام فطرد منها، ثم أتى مصر فأقام بها ووضع لهم الرُجعة، وادعى أن الوصي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم هو عليّ، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، ثم بث دعاته وكاتب من استُفْسِدَ من الأمصار وكاتبوه واتفقوا بالسر على ما أرادوا وهم القسم الثاني من الذين تمالئوا على عثمان وهم الأعراب وأوباش العرب وأُصُولُهم من أهل الردة في زمن أبي بكر، وهاهو عليّ يقول لطلحة والزبير عندما اشترطا إقامة الحدود في قاتلي عثمان (( يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم... ))(31) وهذا ما يقرّه إمام الإمامية الاثني عشرية النوبختي حيث يقول ((وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام ودعت بنو حنيفة إلى نبوّة مسيلمة وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقتل مسيلمة وقتل من قتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسموا أهل الردة ولم يزل هؤلاء جميعاً على أمر واحد حتى نقموا على عثمان أموراً أحدثها وصاروا بين خاذل وقاتل إلا خاصة أهل بيته وقليلاً من غيرهم حتى قتل ))(32) وكان الذي يتزعم الحملة على عثمان هم الذين جاؤو من مصر ويترأسهم الغافقي بن حرب العكبي الذين عُرفوا بالمصريين، ولكن التيجاني ينكر ذلك لأنه كما يدعي قرأ التاريخ! ولكن كتب التاريخ وغيرها، تجمع على أن قتلة عثمان هم المصريّون، راجع تاريخ الطبري(33) ، وابن الأثير(34)، والتمهيد والبيان(35)، ومروج الذهب(36)، والبداية والنهاية(37)، وطبقات ابن سعد(38)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(39)، والاستيعاب لابن عبد البر(40)، والتاريخ الاسلامي(41)، والفتوح لابن الأعثم(42) . وبعد ذلك أتساءل والقرّاء أي تاريخ قرأ التيجاني؟ أعتقد أنه قرأ حقاً التاريخ ولكن ليس أي تاريخ، إنه تاريخ الحمقى والمغفّلين!!
3 ثم يدعي أنّ في مقدمة قتلة عثمان أم المؤمنين عائشة ( وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله واباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ) ثم يعزو هذا القول بالهامش: إلى الطبري وابن الأثير والعقد الفريد ولسان العرب وتاج العروس، فأقول:
أ هذه الرواية التي تزعم أن عائشة قالت ذلك مدارُها على نصر بن مزاحم قال فيه العقيلي (( كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير ))(43)، وقال الذهبي (( رافضي جلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذاباً، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف ))(44)، (( وقال الجوزجاني: كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً، وقال صالح بن محمد: نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، وقال الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه ))(45)، وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.
ب الروايات الصحيحة الثابتة تظهر أن عائشة تألمت لمقتل عثمان ودعت على قاتليه، فعن مسروق تابعي ثقة قال (( قالت عائشة: تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش، قال مسروق: فقلت هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه، فقالت عائشة: والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست مجلسي هذا. قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها ))(46)، وأخرج أحمد في فضائله عن عائشة أنها كانت تقول أي في مقتل عثمان (( ليتني كنت نسياً منسياً فأما الذي كان من شأن عثمان فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله حتى لو أحببت قتله قتلت .. ))(47)، وروى ابن شبة عن طلق بن حُشَّان قال (( قلت لعائشة: فيم قتل أمير المؤمنين عثمان؟ قالت: قتل مظلوماً، لعن الله قتلته ))(48)، وأخرج أحمد في الفضائل عن سالم بن أبي الجعد قال (( كنا مع ابن حنيفة في الشِّعب فسمع رجلاً ينتقص وعنده ابن عباس، فقال: يا بن عباس! هل سمعت أمير المؤمنين عشية سمع الضجة من قبل المربد فبعث فلان بن فلان فقال: اذهب فانظر ما هذا الصوت؟ فجاء فقال: هذه عائشة تلعن قتلة عثمان والناس يؤمِّنون فقال عليّ: وأنا ألعن قتلة عثمان في السهل والجبل، اللهم العن قتلة عثمان، اللهم العن قتلة عثمان في السهل والجبل، ثم أقبل ابن الحنيفة عليه وعلينا فقال: أما فيَّ وفي ابن عباس شاهدا عدل؟ قلنا؟ بلى! قال: قد كان هذا ))(49).
ت المعلوم عند جميع المؤرخين أن عائشة خرجت تطالب بدم عثمان فكيف يوفق بين موقفها هذا وقولها ( إقتلوا نعثلا فقد كفر )؟! إلا أن هذا القول كذب صريح عليها.(12/154)
4 وأما قوله ( كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة (!!) وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقاله ). وجواباً على ذلك أقول:
أ أما أن محمد بن أبي بكر من مشاهير الصحابة فهذا أمر ثابت لا يمكن إنكاره لأنه من أكثر المصاحبين للنبي صلى الله عليه وسلم إذ صاحبه ما يقرب الأربعة أشهر!؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفّي ولم يتم محمد بن أبي بكر من عمره أربعة أشهر!!!؟ فياله من صحابي مشهور؟!؟
ب أما أن طلحة والزبير قد حاصرا عثمان ومنعوه من شرب الماء!؟ فهذا من المين الفاضح، فأين النقل الثابت؟ وما هو المصدر الذي استقى منه التيجاني كذبهُ هذا؟ وأنا أتحدّاه بأن يأتي بمصدر واحد يذكر مثل هذه الترّهات، ولكن بعداً له!
ت الروايات الصحيحة الثابتة تبين أن طلحة والزبير تألّما لقتل عثمان غاية الألم بل وحاولا الدفاع عنه فعن أبي حبيبة قال (( بعثني الزبير إلى عثمان وهو محصور، فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي، وعنده الحسن بن عليّ، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فقلت: بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلام ويقول لك: إني على طاعتي لم أبدّل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك وكنت رجلاً من القوم، وإن شئت أقمت، فإنّ بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي، ثم يمضون على ما آمرهم به. فلما سمع الرسالة قال: الله أكبر، الحمد لله الذي عصم أخي، أقرئه السلام ثم قل له: إن يدخل الدار لا يكن إلا رجلاً من القوم، ومكانك أحبّ إليّ، وعسى الله أن يدفع بك عنّي، فلما سمع الرسالة أبو هريرة قام فقال: ألا أخبركم ما سمعت أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: بلى، قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون بعدي فتن وأمور، فقلنا: فأين المنجى منها يا رسول الله؟ قال: إلى الأمين وحزبه، وأشار إلى عثمان بن عفان. فقام الناس فقالوا: قد أمكننا البصائر، فأذن لنا في الجهاد؟ فقال عثمان: أعزم على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل ))(50) وروى الداقطني في فضائل الصحابة (( أن عثمان أشرف على المسجد، فإذا طلحة جالس في شرق المسجد، قال: يا طلحة قال: لبيك قال: نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري قطعة يزيدها في المسجد، فاشتريتها من مالي، قال طلحة: اللهم نعم، فقال: يا طلحة قال: لبيك، قال: نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش العسرة على مائة؟ قال طلحة: اللهم نعم، ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلا مظلوماً ))(51).
ج لا يختلف إثنان في أن طلحة والزبير كانا من أوائل المطالبين بدم عثمان، والاقتصاص من قاتليه، ولم يخرجا، إلا لهذا السبب، فليت شعري إن كانا من المحرضين على قتل عثمان، والمشاركين في حصاره فما معنى موقفهما ممن يريدون قتالهم وهم يشاركونهم في الجريمة؟!
5 ثم يقول ( ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثّته في مقابر المسلمين، فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن )!؟ وفي موضع آخر يقول ( وتحقق لدي ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية)
أ يريد هذا التيجاني أن يصور الصحابة على أنهم مجموعة من الرعاع والهمج الذين يقتلون بعضهم بعضاً، بل ويمنعون خيرة الصحابة من أن يدفن مثل باقي المسلمين، فيضعونه في قبره دون غسل ولا تكفين!! وأنا لا أستغرب هذا القول من هذا المهتدي، لأنه لم يشعر قلبه يوماً بمحبّة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحبُّ أن أعلمه أن هذه الأفعال التي يريد إلصاقها بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم هي أولى بطباعهم وأفعالهم، وكيف لا وهم أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي راعي الفتنة الأولى!
ب أما ادعاؤه بأن الصحابة منعوا دفنه في مقابر المسلمين فدفن في حش كوكب وهي أرض يهودية فلا يدلّ إلا على جهله المطبق لأن حش كوكب ليست أرض يهودية، ولم تكن كذلك إطلاقاً، لأن حش بمعنى البستان، وقد اشتراه عثمان من كوكب وهو رجل من الأنصار(52) وعندما توفي دفن في بستانه الذي اشتراه من ماله، فأي شيء في ذلك؟
ثم يضيف قائلاً (( وتحقق لدى ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية لأن المسلمين منعوا دفنه في بقيع رسول الله، ولمّا استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة اشترى تلك الأرض من اليهود (!!!) وأدخلها في البقيع ليدخل بذلك قبر ابن عمه عثمان فيها والذي يزور البقيع حتى اليوم سيرى هذه الحقيقة بأجلى ما تكون ))(53). وأنا أقول:
لو سألت طفلاً في المرحلة الإبتدائية هل كان اليهود موجودين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخلفاء الراشدين، فسيجيبك باسترخاء بالطبع لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة، ومن ثم أجلاهم عمر من الجزيرة كلها فتاهوا في الأرض، فسبحان الله ويقولون: حاصل على الدكتوراه!؟(12/155)
ثم يقول (( وبالمناسبة أذكر هنا قصّة طريفة ذكرها بعض المؤرخين ولها علاقة بموضوع الإرث. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة: جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما ارثهما من رسول الله (ص). وكان عثمان متكئاً فاستوى جالساً وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهّر ببوله وشهدتما أن رسول الله (ص) قال: نحن معشر الأنبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورّث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورّث لماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلاً فقد كفر ))(54) أقول:
1 فتحت شرح النهج في الجزء السادس عشر ص (220 223 ) كما أشار بالهامش فلم أجد لهذه الرواية المكذوبة أثراً! ولكن وجدت هذه الرواية (( عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله أردن لما توفّي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأله ميراثهنَّ أو قال ثمنهنَّ، قالت: فقلْتُ لهنّ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة ))(55) وهذه الرواية أخرج مثلها البخاري ومسلم في الصحيح، وهي كما ترى تناقض القصة التي ذكرها التيجاني في كتابه.
2 مجرّد عزو التيجاني على شرح النهج لابن أبي الحديد ليس فيه أي حجة لأنه ليس من أهل المعرفة بالحديث فيضع في كتابه من الأحاديث غثّها وثمينها، ومع ذلك فإني لم أستطع العثور على هذه القصة في الموضع المشار إليه، وأخشى أن تكون من عنديّات التيجاني، وعلى العموم فالأحاديث الصحيحة وسيرة كل من عائشة وعثمان رضي الله عنهما تكذّب هذا الخبر وترّده والحمد لله.
ثم يقول (( ولما جاء عثمان بعده أي بعد عمر ذهب شوطاً بعيداً في الإجتهاد فبالغ أكثر ممن سبقوه حتى أثّر اجتهاده في الحياة السياسية والدينية بوجه عام فقامت الثورة ودفع حياته ثمن اجتهاده ))(56)، أقول:
هذا من الكذب الظاهر على عثمان فهؤلاء الأعراب لم يخرجوا عليه إلا لمرض نفوسهم ولم يصيبوا فيما ادعوه عليه، إضافة لدور اليهودي عبد الله بن سبأ في إشعال الفتنة على عثمان فهؤلاء هم المتسببون بالفتنة وليس عثمان ويظهر ذلك في وقوف الصحابة جميعاً مع عثمان والدفاع عنه، ولن أنسى ذكر الأدلة التي تبيّن أن الحق مع عثمان وأن الخارجون عليه هم أهل الفتنة والباطل، فقد أخرج الحاكم في المستدرك وأحمد في الفضائل عن موسى بن عقبة قال (( حدثني أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، يعني عثمان ))(57)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في جزء منه عندما جاء عثمان بن عفان (( قال: فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تكون، قال: فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان، قال: ففتحت وبشرّته بالجنة، قال: وقلت الذي قال، فقال: اللهم صبراً،أو الله المستعان ))(58)، وعن ابن عمر قال: ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة فقال (( يقتل هذا فيها مظلوماً )) لعثمان بن عفان(59) وروى أحمد في الفضائل عن كعب بن عُجرة قال (( ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقرّبها وعظّمها، ثم مر رجل مقنّع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق، فانطلقت مسرعاً فأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: هذا، فإذا عثمان بن عفان ))(60)، فهل بعد ذلك لا زال يظن التيجاني أن اجتهادات عثمان الباطلة! هي السبب في الفتنة عليه؟ فهنيئاً للتيجاني وقوفه مع أهل الفتنة ضدّ أهل السنة!(12/156)
وأخيراً: فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المنزلة، والذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهو الصحابي الحييّ الذي ضرب به المثل في الكرم والانفاق، فكان له فضل توسيع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله واشترى بئر رومة، وجعله وقفاً للمسلمين، وجهز جيش العسرة للمسلمين، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال (( جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار قال الحسن بن واقع: وفي موضع آخر من كتابي: في كمه حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلّبها في حجره ويقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم، مرتين ))(61)، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها حتى هداة التيجاني أنفسهم فهذا أبو الفتح الأربلي من علماء الإمامية يورد في كتابه ( كشف الغمة ) قصة زواج على بن أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهما مثبتاً مساعدة عثمان لعلي في زواجه من فاطمة (( ... قال علي فأقبل رسول الله (ص) فقال: يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك وأت بثمنه حتى أهيء لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي: فانطلقت وبعته باربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال: يا أبا الحسن ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت: بلى، قال: فإن الدرع هدية مني إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله ( ص )، فطرحت الدرع والدراهم بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له بخير ...))(62)!، ويثبت أيضاً حب الأئمة الإثني عشر لعثمان وتعظيمهم لشأنه فيروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسن أنه (( قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا } أخرجوا عني فعل الله بكم! ))(63)؟!، فهل بعد ذلك الاعتراف بفضائل عثمان من السنة والشيعة يدعي التيجاني أن الله هداه للطعن به وبالصحابة الكرام؟!
موقع فيصل نور
================
مبحث مطاعن التيجاني في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر والرد عليه في ذلك
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شرفها الله سبحانه بأن تكون زوجة لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم نالت من هذا المجترىء الكذّاب أشد المطاعن وأعظمها وها أنا سوف أسرد هذه المطاعن راداً عليه وذاباً عن خير نساء الأرض التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (( فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام ))(1)، وقال لها (( إنه لَيُهوَّن عليَّ الموت أنْ أُريتُكِ زوجتي في الجنة، يعني عائشة ))(2) فأقول وبالله التوفيق:
أولاً ادعى التيجاني على عائشة أنها أول من غير في الصلاة وقد فندت هذه الحجة المكذوبة في موضعها فلتراجع(3).
ثانياً ادعاء التيجاني على عائشة في الفتنة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ونتساءل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالإستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى }. ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب. وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة. وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الإمام علياً لأنه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الفك، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة ( إن صحّت ) وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربّها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله أن تركبه وحذّرها أن تنبحها كلاب الحواب، وتقطع المفاسات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبّب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون كل ذلك لأنها لا تحبّ الإمام علياً الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي ))(4)، أقول:(12/157)
1 إن أهل السنة في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض. وأما الرافضة ففي اقوالهم من التناقضات الشيء الكثير وقد ذكرنا أمثلة كثيرة من كتاب التيجاني نفسه وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين.وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر عن الصحابة من السيئّات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفّرة، وإما بغير ذلك، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: أنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم الجنة. ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد منهم باطناً وظاهراً وحسناته وسيئاته واجنهاداته، أمر يتعذر علينا معرفته؟! فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلاماً بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوىً ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاماً بهوىً يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟! فمن تكلّم بهذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجباً للوعيد، ولو تكلّم بحق لقصد إتباع الهوى لا لوجه الله تعالى، أو يعارض به حقاً آخر لكان أيضاً مستوجباً للذّم والعقاب، ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم، ورضى الله عنهم واستحقاقهم الجنة وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، لم يعارض هذا المتيَقَّن المعلوم بأمور مشتبهه: منها مالا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذبه، ومنها مالا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال ))(5).
2 أما أن عائشة أشعلت حرب الجمل فهذا من أبين الكذب، لأن عائشة لم تخرج للقتال، بل خرجت للإصلاح بين المسلمين واعتقدت في خروجها مصلحة ثم ظهر لها أن عدم خروجها هو الأسلم لذلك ندمت على خروجها، وثبت عنها أنها قالت (( وددت أني كنت غصنا رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(6) وعلى فرض أن عائشة قاتلت عليّ مع طلحة والزبير، فهذا القتال يدخل في قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويْكُم } ( الحجرات 9 10 ) فأثبت لهم الإيمان مع أنهم قاتلوا بعضهم بعضاً وإذا كانت هذه الآية يدخل فيها المؤمنين فالأولى دخول هؤلاء المؤمنون أيضاً.
3 أما قوله ( فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرّجْنَ تبرُّج الجاهليةِ الأُلى } ) فجواباً على ذلك أقول:
أ أن عائشة رضي الله عنها بخروجها هذا لم تتبرج تبرّج الجاهلية الأولى!
ب (( والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية نزلة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر بهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن كما كنّ يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين، فتأولت في ذلك ))(7).(12/158)
4 أما ادعاؤه أن عائشة استباحت قتال عليّ بن أبي طالب لأنها لا تحب علياً، والسبب أنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطليقها في الإفك وأن هذا هو جواب علماء أهل السنة! فأقول:
أ إذا كان هذا هو جواب علماء اهل السنة فهلاّ سقت لنا يا تيجاني قولاً لواحد منهم أم أن الكذب تجاوز معك أعلى الحدود، بحيث لا تذكر قضية إلا وتُطَعِّمَها بالباطل والبهتان.
ب وأما حديث الإفك الذي برّأ الله فيه أم المؤمنين من فوق سبعة أعظم، ففي جزء منه يطلب النبي صلى الله عليه وسلم استشارة بعض أصحابه في فراق عائشة فيكون رأي عليّ بقوله (( لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك ))(8) وعليّ بقوله هذا لم يشر عليه بترك عائشة لشيء فيها معاذ الله ولكنه لما رأى شدّة التأثر والقلق على النبي صلى الله عليه وسلم فأحب راحته فأشار عليه بذلك وهو يعلم أنه يمكن مراجعتها بعد التحقق من براءتها، أو بسؤال الجارية لأن في ذلك راحة له أيضاً ولم يجزم عليه بفراقها وهذا واضح من كلام عليّ رضي الله عنه، لذلك يقول ابن حجر (( وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى عليّ أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها ويستفاد منه ارتكب أخف الضررين لذهاب أشدهما ))(9) ويقول النووي (( هذا الذي قاله عليّ رضي الله عنه هو الصواب في حقه، لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده، ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره ))(10)، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (( لم يجزم عليّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله ( سل الجارية تصدقك ) ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة))(11).
5 أما قوله ( ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة إن صحت وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله ان تركبه وحذّرها ان تنبحها كلاب الحوأب، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون ) ويشير بالهامش إلى هؤلاء المؤرخين ( الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرّخوا حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة)(12)، وجواباً على ذلك أقول:(12/159)
أ لو راجعنا تاريخ الطبري الذي أرّخ حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة لما وجدناه يروي عن هذه الحادثة مثل ما يقول هذا التيجاني، مع أنه يذكر الكثير من الروايات التي تتحدث عن وقعة الجمل فيروي خلاف ما يقوله التيجاني ويثبت أن عائشة جاءت مع طلحة والزبير من أجل الإصلاح، فيذكر أن علياً يبعث القعقاع بن عمرو إلى أهل البصرة يستفسرهم عن سبب خروجهم ((... فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها، وقال: أي أُمّة، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنيّة إصلاحٌ بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أم المؤمنين: ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتبعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان ))(13)، ويثبت أن المتسببين بقتل الألوف من المسلمين هم قتلة عثمان فيقول (( فلما نزل الناس واطمأنوا خرج عليّ وخرج طلحة والزبير فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصّلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع، وأنه لا يُدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، وطلحة والزبير إلى عسكرهما، وبعث علي من العشيّ عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشيّ محمد بن طلحة إلى عليّ، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمْسوا وذلك في جمادة الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذين هضُّموا عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلةلم يبيتوا مثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنُّزوع عما اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ماركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهَلَكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلّها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السرّ، واستسرّوا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشرّ، فغدوا مع الغلَس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالاً، وعليهم ظلمة، فخرج مُضَريُّهم إلى مُضرِيِّهم، ورَبعيَهم إلى رَبعيِّهم، ويمانيُّهم إلى يمانيِّهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بَهَتوهم. ...))(14)، وقال الطبري أيضاً (( وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير، وتقدّم بكتاب الله عزّ وجل فادعهم إليه، ودفعت إيه مصحفاً. وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعليّ من خلفهم يَزَعُهم ويأْبون إلا إقداما، فلما دعاهم كعب رشَقوه رِشقاً واحداً، فقتلوه، ورمَوا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: يا بنيَّ، البقيَّة البقيَّة ويعلو صوتها كثرة الله الله، اذكروا الله عز وجلّ والحساب، فيأْبون إلا إقداماً، فكان أوّل شيء أحدثته حين أبوْا قالت: أيُّها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقْبلت تدعو. وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع عليُّ بن أبي طالب الدعاة فقال: ما هذه الضجّة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللهم العنْ قتلةَ عثمان وأشياعهم ))(15)، وهذا هو ما أرخه أيضاً ابن الأثير في تاريخه ولم أجد كتاب المدائن، ويعضد هذه الحقيقة الروايات الصحيحة التي تثبت أن عائشة والزبير وطلحة وعليّ لم يكونوا يريدون قتال بعضهم بعضاً، ولذلك ندمت عائشة على مسيرها وقالت (( وددت أني غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(16)، وقالت أيضاً (( وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير ))(17)، فلو كانت تريد القتال دون الإصلاح فلماذا الندم؟!
ثم يقول (( فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجّل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام عليّ لا يمكن تفسيرها، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثماناً قتل ففرحت فرحاً شديداً ولكنَّها عندما علمت أن الناس قد بايعوا علياًّ غضبت وقالت: وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردّوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجّله المؤرخون عليها، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول (ص): ( بأن حبّ علي إيمان وبغضه نفاق ) حتى قال بعض الصحابة ( كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي ) أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه )... أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكراً لله ))(18)، فأقول:(12/160)
1 قوله بأن عائشة فرحت بقتل عثمان فرحاً شديداً لا يدل إلا كذبه كذباً أكيداً! فلم يقل أحد من أهل التاريخ ذلك بل أثبتوا جميعاً أن عائشة ما خرجت إلا للقصاص من قتلة عثمان، وأنا أتساءل؟ إذا كانت عائشة فرحت لمقتل عثمان فلماذا خرجت؟ هل خرجت من أجل منع علي بن أبي طالب من تولي الخلافة؟! التيجاني يقول نعم! وإذا سئل عن السبب فسيقول بأنها تكرهه لأنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليقها؟! فأقول له إذا كانت عائشة تكره علياًّ فكيف نفسّر خروج الآلاف معها؟! فهل هناك سبب منطقي عند التيجاني يبين فيه سبب موافقة هؤلاء الناس لعائشة؟ أم هؤلاء يكرهونه أيضاً؟ فإذا أجاب بنعم، فأسأله.. هل من سبب لهذا الكره؟ فإن كان يملك جواباً فحيهلا، وإذا لم يملك لذلك جواباً فأُبشِّرُهُ أنه من أضل الناس!!
2 يدعي التيجاني أن المؤرخين سجلوا على عائشة أنها لا تريد ذكر اسم علي، وأنا أسأله من هؤلاء المؤرخون؟ فهل تستطيع أن تحددهم لنا حتى نعرف الصادق من الكاذب؟ وما هي المراجع التي عوَّلت عليها؟ ولكن الصحيح المعلوم أن عائشة ذكرت علي بملأ فمها، فعن شريح بن هانئ قال (( سألت عائشة عن المسح فقالت: إئت علياً فهو أعلم مني قال: فأتيت عليا فسألته عن المسح على الخفين قال: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نمسح على الخفين يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثاً ))(19)، كما أخرج مسلم بسنده إلى شريح بن هانئ قال (( أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله ...ألخ ))(20).
3 ثم يذكر حديثان في فضل علي ويقول ( أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .. أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل أنها لما سمعت بموته سجدت لله شكراً )!! ، فأقول:
أ لقد قلت بأن عائشة لا تبغض علياً ولكنها خالفته لا لشيء إنما للطلب بدم عثمان ولم تذهب لقتاله بل ذهبت من أجل الإصلاح بين الناس لذلك ذهبت تحت رغبة الناس في محاولة للإصلاح ويذكر ابن العماد في ( شذرات الذهب ) (( وحين وصل علي إلى البصرة، جاء إلى عائشة وقال لها: غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح ))(21)، ويوضح ابن العربي ذلك بقوله (( وأما خروجها إلى حرب الجمل، فما خرجت لحرب ولكن تعلّق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق، وظنّت هي ذلك فخرجت عاملة بقول الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم }...الآية، { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ))(22)، ونقل ابن حبان (( أن عائشة كتبت إلى أبي موسى وهو والي الكوفة من قبل عليّ : إنه قد كان من أمر عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلكم بالقرار في منازلهم والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبّون من صلاح أمر المسلمين ))(23).
فهذا هو سبب خروج عائشة وليس بسبب بغضها لعلي فهذا من الكذب المكشوف الذي لا يستند إلى أي دليل صحيح.
ب أما قوله (( ... بل أنها لما سمعت بموته سجدت شكراًلله )) ثم يشير بالهامش إلى المراجع التي استقى منها ادعاؤه هذا وهي (( الطبري وابن الأثير والفتنة الكبرى وكل المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة ))(24)، فرجعت إلى الطبري وابن الأثير في حوادث سنة أربعين فلم أر لهذه الدعوى أثراً فلله أبوه ما أكذبه!
ثم يهذي فيقول (( ونفس السؤال يعود دائماً ويتكرر أيهم علىالحق وأيهم على الباطل، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلاً لأحقّية علي الذي يدور الحق معه حيث دار، نابذاً فتنة ( أم المؤمنين عائشة ) وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفؤوها حتى أكلت الأخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم. ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحة من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: أنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ))(25)، أقول:(12/161)
أ بل هناك احتمال ثالث وهو أن الطرفين قد اجتهدا للوصول للحق ولم يكن أي من الطرفين ظالماً لأن فتنة قتل عثمان فرقت الأمة إلى فرقتين فرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان على الفور وهم طلحة والزبير وعائشة وفرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان ولكن يجب التروي في ذلك حتى تتمكن الوصول لهذا الهدف لأن هؤلاء القتلة كانت لهم قبائل تدفع عنهم وهو رأي علي وأصحابه وهؤلاء القتلة هم المتسببون في وقعة الجمل وليس لكلا الفرقتين أي تسبب في إشعال المعركة كما بينت سابقا.ً
ب أما رواية البخاري التي اطمأن بها قلب التيجاني فهي من أعظم الدلائل على فضل عائشة ولكن ماذا نقول عن جاهل يحتج على أهل السنة بروايات هي حجة عليه وعلى شيعته من قبل أن تكون حجة على أهل السنة ففي الحديث يشهد عمار لأم المؤمنين رضي الله عنهما بأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة! أي في الجنة؟! فهل من فضل ومكرمة أعظم من ذلك وهل استحقت هذا الفضل العظيم إلا برضى الله سبحانه عنها ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة لقول عمار فإنه من أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأراد حث الناس للخروج مع علي ولكنهم ترددوا لأن أم المؤمنين كانت في الطرف المقابل لعلي، فبين لهم أنّ الحق مع علي لأنه الخليفة، ويجب أن يطاع كما أمركم الله سبحانه وذلك قبل المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان كما ترى أم المؤمنين ولا شك أن أم المؤمنين وطلحة والزبير كانوا يرون أن المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان قبل الخضوع لخلافة علي هو أمر الله سبحانه وتعالى أيضاً كما بينت ذلك لعثمان بن حنيف عندما بعث يسألها عن مسيرها فقالت (( والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطّي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث، وآووْا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا تِرَة ولاعذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزّقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارّين مضرّين، غير نافعين ولا متقين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا. وقرأت { لا خير في كثير من نجْواهُم إلا من أمَرَ بِصدقَةٍ أو معْرُوف أو إصلاحٍ بين النَّاس } ننهض في الإصلاح من أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروفٍ نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه، ونحثّكم على تغييره ))(26)، هذا وإذا أضفنا إلى ذلك أن أوّل من رشّح علياً للخلافة هم هؤلاء الغوغاء، وأنهم في جيش عليّ، ومن هنا يتضح أن كل طرف ظن أن الحق معه، وتأوّل خطأ الآخر وخرج الطرفان للإصلاح كما بينت، ولم يكونا يريدان القتال ولكنه وقع، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم يتخرّص فيقول (( كما أخرج البخاري أيضاً في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، قال: قام النبي (ص) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان ))(27)، قلت:
1 فتحت البخاري كتاب الشروط فلم أجد الباب المذكور من ضمن كتاب الشروط، بل الحديث موجود في أبواب الخمس، وهذا يدل أن هذه
الشبهة لقّنت له تلقيناً!
2 والتيجاني يحتج بهذا الحديث على أن عائشة هي مصدر الفتن!؟ وهذا ادعاء ظاهر البطلان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد المشرق، ولو أراد بيت عائشة لقال الراوي ( إلى ) وليس ( نحو )، وفي رواية مسلم عن ابن عمر (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق ))(28)، وعن ابن عمر أيضاً (( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))(29) وحتى أقطع الشك باليقين أذكر رواية مسلم أيضاً عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب حفصة ( وفي رواية عبيد الله بن سعيد: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب عائشة ) فقال بيده نحو المشرق (( الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، قالها مرتين أو ثلاثاً ))(30) وأظن أنه قد ظهر الحق للعيان وافتضح أولياء الشيطان!
ثم يقول (( كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبه في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هدّدها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها ))(31)، فأقول:(12/162)
1 أما قوله بأن البخاري أخرج في صحيحه ما يفيد سوء أدب عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن أبا بكر ضربها حتى أسال دمها فهذا من الكذب الرخيص، إلا فلْيُرنا موضع هذه الرواية في صحيح البخاري ثم بعد ذلك فليخرج ما في قلبه من أوضار!
2 أما قوله ( وفي تظاهرها على النبي صلى الله عليه وسلم حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها ) فأجيب:
أ قلت غير مرّة أن كل إنسان غير معصوم في الواقع من الذنوب، بل معرّض للوقوع في الذنوب الكبيرة والصغيرة، خلا النبي صلى الله عليه وسلم فلو وقع أحد في الذنب، عائشة أو غيرها، فليس ذلك بمستغرب لأنه ليس لأحد العصمة من ذلك، فليس من المقبول ولا من المعقول أن يجعل التيجاني من ذنبٍ وقعت فيه عائشة وتابت منه من مساوئها، ويطعن عليها وكأنها جاءت أمراً إدّا، بالضبط عندما أراد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل مع فاطمة فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال في الحديث (( إن بني هاشم بن مغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لاآذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم...))(32)، وهذا كما ترى تهديد من النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ بتطليق فاطمة، إن هو أقدم على ذلك، فليس من المعقول أن يجعل هذا الأمر من مطاعن ومساوىء عليّ! إلا من هو من أشد الناس جهلاً؟
ب أما قوله أن الله هددها بالطلاق وأن يبدله أي محمد صلى الله عليه وسلم خيرٌ منها فغير صحيح فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال (( اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلّقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن فنزلت هذه الآية ))(33) فالآية كما هو ظاهر ليست تهديداً وإنما تخيير من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في التطليق لذلك سميت آية التخيير، إضافة إلى أنها لا تخص عائشة وحدها بل تشمل أيضاً بقية زوجاته، وعلى فرض أن الآية تخص عائشة وقد هدّدها الله بالطلاق فأقول هل في تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بتطليق فاطمة ما يعتبر ذمّاً؟! فإن كان كذلك فكل ما تُحَمِّله لعائشة من الطعن فسيصيب عليّ، وإن اعتبرت أن علي أخطأ مجرّد خطأ ورجع عنه وليس فيه ما يطعن عليه، فعائشة مثله تماماً فاختر ما شئت يا تيجاني!؟
ثم يتطاول في هذيانه فيقول (( وبعد كل هذا أتساءل كيف استحقت عائشة كل هذا هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه ويشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة ثم يقول ... أم لأنها ابنة أبي بكر! أم لأنها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصيّة النبي لعليّ حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي: قالت من قاله لقد رأيت النبي (ص) وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنت فمات فما شعرتُ فكيف أوصى إلى علي ))(34). فأقول لهذا الشانئ:
1 عائشة استحقّت كل هذا التقدير والاحترام وأكثر، من أهل السنة والجماعة لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الطيب الذي اختارها لأن تكون زوجة له لأنها طيبة أيضاً والله سبحانه يقول { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرّءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور 26) قال (( مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك: نزلت في عائشة وأهل الإفك، واختاره بن جرير الطبري ))(35)وقوله { أولئك مبرءون مما يقولون } : أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ))(36) وعندما يحاول التيجاني إثبات أن عائشة خبيثة ألا يعتبر هذا من أعظم المطاعن في النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكيف لا والله يقول { الخبيثات للخبيثين...}!!؟ ونقدرها لأنها أمنا في الإيمان فالله يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم ..} ( الأحزاب5 )(12/163)
2 أما قوله (( ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه )) ثم يشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة...(37)، فأقول فتحت سنن الترمذي على أبواب الفضائل (باب) فضل عائشة فوجدت هذا الحديث عن (( عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحباتي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير، كما تريد عائشة، فقولي لرسول الله يأمر الناس يهدون إليه أين ما كان. فذكرت ذلك أم سلمة، فأعرض عنها، ثم عاد إليها فأعادت الكلام، فقالت: يا رسول الله إنّ صواحباتي قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فأمرِ الناس يهدون أين ما كنت، فلما كانت الثالثة قالت ذلك: قال: ( يا أم سلمة لا تُؤذيني في عائشة، فإنّهُ أنزل علي الوَحيَ وأنا في لِحافِ امرأَةٍ منْكُنَّ غيرها ) ))(38)، وعن عمرو بن العاص (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: ( يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها ) ))(39)، وعن أنس قال (( قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل من الرجال؟ قال: أبوها ))(40)، وعن عبد الله بن زياد الأسدي قال (( سمعت عمار بن ياسر يقول: هي زوجته في الدنيا والآخرة يعني: عائشة ))(41)، وعن انس بن مالك (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضل عائشة على النساء، كَفَضلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعام ))(42)، وعن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ جِبْرَائيلَ يَقْرَأ عَلَيْكِ السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله ))(43)،عن أبي موسى قال (( ما اشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً ))(44)، عن موسى بن طلحة قال (( ما رأيت أحداً أفصح من عائشة ))(45)، ثم فتحت باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت هذا الحديث عن صفية بنت حيي قالت: (( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم+، وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ( ألا قلتِ: وكيف تكونان خيرا منِّي، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى ) وكأن الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وقالوا: نحن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنات عمه ))(46)، هذه هي الأحاديث الواردة في فضل عائشة وصفية فأقول:
أ لا شك أن عائشة أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لتضافر الأدلة الصريحة في ذلك والصحيحة من أصح كتب الحديث أمثال البخاري ومسلم.
ب بالنسبة لحديث صفية فليس فيه ما يظهر أنها أفضل من عائشة أو حفصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لها ما قال أراد إسترضائها في مقابل ما ذكرته عائشة وحفصة في حقها بخلاف الأحاديث الصريحة التي يؤكد فيها النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على جميع نسائه.
ت أقول ذلك على فرض صحة حديث صفية ولكن الحديث ضعيف الإسناد ف((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك))(47)، وأما الاستيعاب فقد ذكر في ترجمتها نفس الحديث المذكور ولم يذكر غير ذلك(48) وأما في ترجمة عائشة فقد ذكر في فضائلها الكثير فأثبت أنها من أعلم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيروى عن الزهري قوله (( لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل ))(49)، ثم ساق في إثبات أنها أحب النساء وأفضلهن عند النبي صلى الله عليه وسلم حديث عمرو بن العاص، وحديث أنس اللذان سبقا قبل قليل(50). وأما الإصابة فكل الروايات التي ذكرها بالتغاضي عن صحتها لا يوجد بها حديث واحد فيه التصريح بتفضيل حفصة على عائشة إلا الحديث السابق(51).
3 أما قوله (( أما لأنها لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حتى قالت ثم ذكر الحديث ... الخ ))، فأقول:
أ لم تلعب عائشة رضي الله عنها الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعي هذا التيجاني فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي حقاً لما كانت عائشة تستطيع الإنكار أمام الأمة، ولكنها قالت ما تعرفه هي حسب علمها وهو أن النبي مرض وتوفّي عندها ولم تسمع في هذه القضية منه أي شئ.
ب إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي، لا بد أن يذكر ذلك أمام الناس ولا يكتفي بذكره عند امرأته، والتيجاني يدعي أن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة مستفيضة ومعلومة وقد ذكر بعضها في كتابه، وادعى أنها صريحة في استخلاف عليّ، فكيف يتهوّك فيقول أن عائشة لعبت الدور الكبير في إنكار الوصية لعلي؟! فإذا كانت كل هذه الأدلة الظاهرة على إمامة عليّ كما تزعم ليست حجة في نظر أهل السنة فقول عائشة أحْرى أن يكون هو الحق.(12/164)
ت عائشة رضي الله عنها الصدّيقة بنت الصديق لا يمكن أن تنكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ إن كان هذا حقاً، فهي الطيّبة زوجة الطيّب في الدنيا والآخرة، وهي خير زوجاته وأفضلهنّ وأحبهنّ للنبي صلى الله عليه وسلم وما استحقت هذه المنزلة إلا لأنها من خير نساء الأرض، فكيف نصدق التيجاني المتمرّس علىخصلة الكذب الذي يأتي إلى الرواية الصادقة فيكّذبها، ويأتي إلى الرواية الكاذبة فيصدقها، ويتهم خير الناس بأنهم أشر الناس ويدعي على أضلّ الناس بأنهم أصحاب هداية، فكيف برجل هذا حاله، هل نصدقه ونكذّب خير نساء أمهات المؤمنين؟!
ثم يقول (( أم لأنها حاربته حرباً لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة: لاتدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه ( الحسن والحسين سيدّا شباب أهل الجنة ) أو قوله ( أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما )، أو قوله ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم )، وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه... كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الأمة ))(53)، ويقول في موضع آخر (( وإذا كانت فاطمة الزهراء التي أوصت بدفنها سراً فلم تدفن بالقرب من قبر أبيها كما ذكرت فما بال ما حصل مع جثمان ولدها الحسن لم يدفن قرب قبر جده؟! حيث منعت هذا ( أم المؤمنين ) عائشة وقد فعلت ذلك عندما جاء الحسين بأخيه الحسن ليدفنه إلى جانب جدّه رسول الله، فركبت عائشة بغلة وخرجت تنادي وتقول: لا تدفنوا في بيتي من لا أحب. واصطف بنو أمية وبنو هاشم للحرب ولكنّ الإمام الحسين قال لها: بأنه سيطوف بأخيه على قبر جدّه ثم يدفنه في البقيع لأن الإمام الحسن أوصاه أن لا يهرقوا من أجله ولو محجمة من دم. وقال لها ابن عباس أبياتاً مشهورة:
تجمّلت تبغلت ولو عشت تفيّلت لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت ))(54)،
فأقول:
1 أين مصدر هذه الأكاذيب وما مدى صحتها؟ فإن كانت عند التيجاني الجرأة فلْيُرنا من أين استقى هذه السخافة، وإلا فباستطاعة أي أحمق أن يتقول على خير الناس ما يشاء من الهذيان!
2 لا شك في كذب هذه الروايات على أم المؤمنين بل وكل مايروى عنها في هذا الباب فهو كذب فلم أجد لها أثر في أي من كتب أهل السنة، بل وجدت العكس، فقد أورد ابن الأثير في خبر وفاة الحسن بن عليّ رضي الله عنهما أن (( الحسن استأذن عائشة أي في دفن أخيه فأذنت له ))(55)، وفي الاستيعاب (( فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة ))(56)! وفي البداية (( أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك فأذنت له ))(57)، فانظر أخي القارئ إلى الحق الواضح وكيف يحيف التيجاني عن ذلك ثم يدعي الإنصاف والعقلانية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3 أعداء الحسن بن عليّ رضي الله عنهما الحقيقيون هم الذين يزعمون أنهم له شيعة، وهم من أرذل الناس وأفسدهم وذلك باعتراف الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فيروي أبو منصور الطبرسي من أئمتهم عن الحسن بن علي قوله (( أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي (!!) وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي واومن به في أهلي (!؟)، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وبيتي ))(58)!!! فهؤلاء هم أعداء الحسن بن عليّ وليس عائشة يا تيجاني ومن كتب الهداة ندينك!(12/165)
4 أما ادعاؤه على ابن عباس أنه قال عن أم المؤمنين بيتين من الشعر، فمع ركاكة هذين البيتين فينقضها ما قاله في حقها عند وفاتها، فقد أخرج أحمد في الفضائل عن ذكوان مولى عائشة (( أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها إبن اخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت دعني من ابن عباس، ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن أنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله فأذني له ليسلم عليك وليودعك قالت فأذن له إن شئت قال فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب وتلقي الأحبة محمد وحزبه أو قال أصحابه إلا أن يفارق روحك جسدك، فقالت: وأيضاً، فقال ابن عباس: كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن ليحب إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سماوات فليس في الأرض مسجد إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال في طلبها حتى أصبح القوم على غير ماء فانزل الله عز وجل { فتيمّموا صعيداً طيباً } الآية، فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سبيلك، فوالله انك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت لو أني كنت نسيا منسيّا ))(59)، وفي مناقشته للخوارج الذين قاتلهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه احتج عليهم بقوله (( قلت: أي ابن عباس وأم قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، وتستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها، وهي أمكم؟ فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحلّ من غيرها، فقد كفرتم (!!)، ولأن قلتم ليست بأمنا، فقد كفرتم (!!!)، لأن الله تعالى يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم }. فأنتم تدورون بين ضلالتين، فأتوا منهما بمخرج. قلت: فخرجت من هذه؟ قالوا: نعم،... ))(60)، فهذه الروايات الصحيحة ترد هذه الرواية المجهولة المصدر ولعلها من خزعبلات التيجاني.
ثم يتخرص فيقول (( ... أما عن ابنته عائشة وقد عرفنا موقفها من الإمام عليّ فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة ))(61)!؟
1 أقول: للمحدث التيجاني! هل تعرف ما هو الحديث الموضوع؟ الحديث الموضوع هو من كان راويه متهماً بالكذب، وبما أن الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عائشة رضي الله عنها، فهل هي ممن اتهم بالكذب؟! فإن زعمت ذلك فيعزوك الدليل لأن كل الدلائل القرآنية والحديثية، إضافة إلى سيرتها تشير إلى صدقها، وأنها لا يمكن أن تكذب على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعها أحاديث في فضائل أبيها، فلا يتبقّى إلا أن نحكم على التيجاني بأنه الكذّاب، ولا شك أن ذلك لا يضيره أبداً،لأنه يعلم أن من أعظم خصال شيعته الرافضة، والتي يتميزون بها عن سائر الفرق ألا وهي خصلة الكذب والتخرّص!
2 إذا كانت عائشة تروي الأحاديث الموضوعة فكيف تستشهد بالأحاديث التي ترويها مسلّم بها، مثل شهادة عائشة في أن آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة وابنيها(62)، وروايتها لحديث القوم الذين يتنزّهون عما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (63)، وتستشهد بحديث مطالبة فاطمة بحقها من ميراث أبيها والذي ترويه عائشة(64)، وبحديث إنكارها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعليّ(65)، أكل هذه الأحاديث تستشهد بها وتعترف بها، وهي التي ترويها عائشة، ثم تدعي أنها تروي الأحاديث الموضوعة؟! وكيف يستشهد برواياتها شيخ الإمامية ابن بابويه القمي في كتابه ( الخصال ) مسلّم هو أيضاً بها(66) سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله الحق على ألسنتهم.
ثم يختم كذبه فيقول (( مع أن الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانها وعدم ذكرها فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي. أنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون.... ثم يقول وإذا كانت عائشة أم المؤمنين لا تطيق ذكر اسم عليّ ولا تطيب له نفساً كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته والبخاري في صحيحه ( باب مرض النبي ووفاته ) وإذا كانت تسجد شكراً عندما سمعت بموته، فكيف يرجى منها ذكر الوصية لعلي وهي من عرفت لدى الخاص والعام بعدائها وبغضها لعليّ وأولاده ولأهل بيت المصطفى ))(67)، فأقول:
1 الذي يبدو حقاً ان رائحة الكذب الذي امتهنه التيجاني قد فاح وامتلأ به كتابه وادعاءه الهداية!(12/166)
2 أما الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والذي يدعي فيه التيجاني أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعليّ هو حديث عائشة عندما ذكروا عندها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى لعلي فأنكرت ذلك، مستدلّة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عندها ولم يوص، وهي الصادقة في ذلك، والغريب أن يجعل التيجاني هذا الحديث حجة له لا عليه، ولست أدري والله ما نوع الحجة في هذا الحديث فهل قول من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي دون دليل صريح مرفوع منه صلى الله عليه وسلم يعتبر حجة؟! كيف ذلك والحجة أوضح من الشمس متمثّلة في إجابة عائشة الأدرى بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون!؟
3 أما ادعاؤه على عائشة أنها لا تطيق ذكر اسم عليّ فقد أجبت عنه في موضع سابق والحمد لله، ولا يوجد في طبقات ابن سعد مما يدّعيه التيجاني من أن عائشة لا تطيق ذكر اسم عليّ، وأما في البخاري فهو يشير إلى حديث عائشة الذي يدّعي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فيه لعليّ تصريحاً بذكر اسم عليّ، راجع كتاب التيجاني نفسه الذي يذكر فيه هذا الحديث(68)، والحمد لله أولاً وأخيراً.
موقع فيصل نور
===============
مبحث مطاعن التيجاني في طلحة والزبير والرد عليه في ذلك
الصحابيان الجليلان طلحة والزبير اللذان شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة(1) لا بد أن تنالهما يد التيجاني بالطعن تارة، والتحريف لسيرتهما تارة أخرى وسبب ذلك أنهما ممن شاركا في المطالبة بالقصاص من عثمان رضي الله عنه وسوف أسوق مطاعن التيجاني في حقهما وأذود عنهما بالبنان والقلم.
أولاً إدّعى التيجاني في مبحث ( حديث التنافس على الدنيا ) أنهما ممن تنافسا على الدنيا، وأخذا يكنزان الذهب والفضة الخ، وقد رددت على هذه الحجة بالأدلة الواضحة التي تبرىء هذين الصحابيين من الذي نسبه إليهما هذا التيجاني الشانئ فليراجع في موضعه(2).
ثانياً إتهم التيجاني طلحة والزبير بأنهما كانا من ضمن الخارجين على عثمان وأنهما شاركا في حصاره ومنعه وقد فندت هذه الكذبة الممجوجة في مبحث عائشة السابق فليراجع(3).
ثالثاً ادعاء التيجاني على طلحة والزبير أنهما يشهدان الزور والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام وتخلّفهم عن أوامر رسول الله (ص)، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون، قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت ردّوني ردّوني. ولكن طلحة والزبير جاؤوها بخمسين رجلاً جعلوا لهم جعلاً، فأقسموا الله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة، ويذكر المؤرخون أنها أوّل شهادة زور في الإسلام ثم يعزو هذا الخبر إلى الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا السنة ست وثلاثين ثم يقول... دلّونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيّرة على حل لهذا الإشكال، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاّء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله (ص)! فيشهدون شهادة الزور التي عدّها رسول الله (ص) من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار ))(4)، فأقول:
1 حل هذا الإشكال بسيط جداً لأننا لو فتحنا كتاب الطبري وابن الأثير لما وجدنا لهذا الخبر أثراً اللهم إلا هذه الرواية (( فعن الزهري، قال: بلغني أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل عليّ بذي قار انصرفوا إلى البصرة، فأخذوا على المنْكَدِر، فسمعت عائشة رضي الله عنها نُباح الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: الحوأب، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني لهية، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه ( ليت شعري أيَّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب ). فأرادت الرجوع، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال: كذب من قال إنّ هذا الحوأب. ولم يزل حتى مضت ))(5)، والحمد لله أن الكتابين يملآن الأسواق، وليطّلع عليهما القارئ الذي يبحث عن الحق ليعلم إلى أي درجة وصلت بهذا التيجاني جرأة الكذب! ورواية الطبري وابن الأثير كما هو واضح لا تأتي على ذكر طلحة والزبير، وإنما عبد الله بن الزبير، وليس فيها شهادة زور، وحتى مقولة أنّ ابن الزبير: كّذب من قال إن هذا الحوأب، فجاءت بصيغة تمريضية، لأن الزهري قال ( فزعم أنه قال ).
1 هذا الخبر الذي ينسبه التيجاني لطلحة والزبير خبرٌ باطل لسببين:
أ مما لا شك فيه أن طلحة والزبير رضي الله عنهما المشهود لهما بالجنة من أصدق الناس وأعلاهما أخلاقاً، وأجلّ من أن يشهدا شهادة زور في أمرٍ كهذا!(12/167)
ب هذا الخبر المكذوب تعارضه رواية صحيحة في خبر الحوأب فعن قيس بن أبي حازم البجلي ثقة قال (( لما بلغت عائشة رضي الله عنها بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا، قالوا الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب ))(6)، ومع ذلك لا يستحي هذا المهتدي أن يقول يكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون!؟ لا أريد منك إثبات هذا الإجماع الخيالي!؟، ولكن أريد منك مصدراً واحداً يذكر فيه هذا الخبر المكذوب؟، وبعد ذلك أقول للتيجاني أعتقد أنني قد أرشدتك على حل لهذا الإشكال والحمد لله الكبير المتعال.
مبحث مطاعن التيجاني في معاوية بن أبي سفيان والرد عليه في ذلك:
من المسلم به أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان من أبرز من قاتل علياً رضي الله عنه بشأن مقتل عثمان والذي مثل زعامة الجانب المقابل لعلي في معركة صفين فما كان من التيجاني إلا أن صب جام غضبه عليه واتهمه بالظلم والضلال وسوف أسوق ادعاءات التيجاني على هذا الصحابي مفنداً لها ومدافعاً عن كاتب الوحي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ))(*)
يقول التيجاني (( أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرّد
الشبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه أبداً وقد ولاّه أبو بكر وأقرّه عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب واللّوم، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأنّ معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرّجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب، واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرّض له احد بالنقد ولا بالعزل ولمّا ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكّنته من الاستيلاء على الثروة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغضب والتحكّم في رقاب المسلمين وارغامهم بالقوّة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصّة أخرى طويلة بصدد تفصيلها في هذا الكتاب ))(1)، فأقول:
1 يبدو أن التيجاني في كل ما يسوقه لا يستطيع أن يتخلى عن بعض الخصال التي يتمتع بها ومن ضمنها الجهل! فهو يدعي أن أبا بكر قد ولى معاوية فأقره عمر طيلة حياته! ولكن المعروف عند كل من درس سيرة الخلفاء أن أبا بكر قد ولى يزيد بن أبي سفيان الشام، وبقي واليا عليها في خلافة عمر وأقره عمر فلما توفي يزيد ولى أخاه معاوية بن أبي سفيان.
2 أما أن عمر كان يلين مع معاوية ولا يحاسبه أبداً فما هو الدليل على ذلك؟ ومن أين يستقي هذا التيجاني هذه الإدعاءات؟ فهل من مصدر يرشدنا إليه وإلا فأقول له كما يقول الشاعر:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء!
ولكن الثابت يشهد بخلاف ذلك فقد أورد ابن كثير في البداية (( أن معاوية دخل على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله في، فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين؟ وما في قومك مثله؟ فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولو بلغني غير ذلك لكان مني إليك غير ما رأيتم، ولكن رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ ))(2).
3 أما قوله (... رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأن معاوية يلبس الذهب والحرير (!) اللذين حرمهما رسول الله على الرجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب )، فأقول:
أ أما قوله رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية يكذبه الواقع والتاريخ فقد مكث معاوية أربعين عاماً يحكم أهل الشام وكانت علاقته بهم علاقة حب وولاية لدرجة أنهم أجابوه بقوة للأخذ بدم عثمان.
ب أما أنّ عمر قد قال في معاوية بأنه كسرى العرب عندما علم بأنه يلبس الذهب والحرير! فأرجو من المؤلف أن يرشدنا إلى المصدر الذي استقى منه هذا الكذب، والغريب أن يضرب عمر معاوية للبسه حلّة خضراء مباحة، ويسكت عليه عندما يلبس الذهب والحرير المحرّم؟!
ت أما الرواية عن عمر هو ما رواه ابن أبي الدنيا عن أبي عبد الرحمن المدني قال (( كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب ))(3).
4 ثم يقول ( واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الإستيلاء على الثورة الإسلامية ...)، فأقول:(12/168)
أ ليس في تولية معاوية للشام أي مطعن في عمر أو عثمان فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبوه أبو سفيان على نجران حتى توفي بل كان الكثير من أمراء النبي صلى الله عليه وسلم من بني أمية (( فإنه استعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صدقات مَذْحج وصنعاء اليمن، ولم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمل عمرو على تيماء وخيبر وقرى عرينة، وأبان بن سعيد بن العاص استعمله على البحرين برها وبحرها حين عزل العلاء بن الحضرمي، فلم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأرسله قبل ذلك أميراً على سرايا منها سرية إلى نجد ))(4).
ب وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم (( قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لاستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي ))(5)، لذلك استجابوا له عندما أراد المطالبة بدم عثمان وبايعوه على ذلك ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوابثأره أو ينفي الله أرواحهم قبل ذلك(6).
ت أما ادعاؤه على معاوية أنه استولى على الثورة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين فهذا من أكبر الكذب على معاوية فإنه ما أراد الحكم ولا اعترض على إمامة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل طالب بتسليمه قتلة عثمان ثم يدخل في طاعته بعد ذلك، فقد أورد الذهبي في ( السير ) عن يعلى بن عبيد عن أبيه قال (( جاء بو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلّم لهُ فأتوْا علياً فكلّموه بذلك فلم يدفعهم إليه ))(7)، طالما أكّد معاوية ذلك بقوله (( ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان )) ، وهذا هو ما يؤكده عليّ ومن مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فقد أورد الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة في خطبة لعليّ قوله (( وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(8)، فهذا عليّ يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي التيجاني.(12/169)
5 أما قوله بأن معاوية أرغم المسلمين بالقوة والقهر على بيعة إبنه الفاسق شارب الخمر يزيد، فهذا من الكذب الظاهر فإن معاوية لم يرغم الناس على بيعة ابنه يزيد ولكنه عزم على الأخذ بعقد ولاية عهده ليزيد وتم له ذلك، فقد بايع الناس ليزيد بولاية العهد ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وتوفيّ معاوية ولم يرغمهم على البيعة. أما أن يزيد فاسق شارب للخمر فهذا كذب أيضاً وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية (( لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة ))(9).
ثانياً ادعاء التيجاني على معاوية بأنه أمر بسبّ عليّ، وأنه ليس من كتبة الوحي والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وقد بحثت كثيراً عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله (ص)، واكتشفت أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ( كاتب الوحي ) كما يسمّونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سبّ علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب ( فضائل علي بن أبي طالب) مثل ذلك، وأمر عمّاله يعني معاوية في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنّة يقولها الخطباء على المنابر ))(1)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون باجتهاده ويعطوه أجراً وقد حمل الناس على لعن علي واهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ))(2)، وفي موضع آخر يقول (( حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر وأصبحت سنة متبعة لستين عاماً ))(3)، ويقول (( وكيف يسمّونه ( كاتب الوحي )... وقد نزل الوحي على رسول الله (ص) طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله... ولمّا أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول (ص) لم يسكن مكة بعد الفتح..... فكيف تسنى لمعاوية كتابة الوحي يا ترى؟! ))(4)، فأقول:
1 أما ان معاوية أمر بسبّ عليّ من على المنابر فكذب، ولا يوجد دليل صحيح ثابت بذلك، وسيرة معاوية واخلاقه تستبعد هذه(12/170)
الشبهة، أما ما يذكره بعض المؤرخين من ذلك فلا يلتفت إليه لأنهم بإيرادهم لهذا التقول لا يفرقون بين صحيحها وسقيمها، إضافة إلى أن أغلبهم من الشيعة، ولكن بعض المؤرخين رووا في كتبهم روايات فيها الصحيح والباطل، ولكنهم أُعْذروا عندما اسندوا هذه المرويات إلى رواتها لنستطيع الحكم عليها من حيث قبولها أو ردها، ومن هؤلاء الطبري الذي عاش تحت سطوة وتعاظم قوة الرافضة، الذي يقول في مقدمة تاريخه (( ولْيعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما إدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم، إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكَر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، وإنما أُتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأناّ إنما أدينا ذلك على نحو ما أدِّيَ إلينا ))(5)، لذلك يجب على التيجاني عندما يحتج بالمؤرخين أن يذكر الرواية التي تبين أن معاوية أمر بلعن عليّ من على المنابر، ثم يرغي ويزبد بعد ذلك كما يشاء.
2 أما قوله أن مسلم أخرج في صحيحه باب فضائل علي مثل ذلك فكذب أيضاً، فالرواية التي يقصدها هي ما رواه عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال (( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلّفه في مغازيه فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضىأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُ عْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: { قل تعالوْا ندعُ أبْنائنا وأبْناءَكم ...}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي ))(6).
وهذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعداً عن السبب ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي هذا التيجاني، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ فعلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك، ويقول النووي (( قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ ))(7).
3 من الغرائب أنّ هذا التيجاني ينكر سبَّ عليّ ولم يتورّع هو والهداة عن سب خيرة الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان! وكتبهم طافحة بذلك، ومنها كتاب التيجاني نفسه، لذلك لا بد لي من القول أن (( هؤلاء الرافضة، الذين يدّعون أنهم المؤمنون، إنما لهم الذل والصغار ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ))(8).
4 أما أن معاوية من كتبة الوحي فامر ثابت، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مطالب (( فقال للنبي : يا نبي الله ثلاثٌ أعطينهن قال: نعم منها قال: معاوية، تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم ...))(9)، وروى أحمد في المسند ومسلم عن ابن عباس قال (( كنت غلاماً أسعى مع الصبيان، قال: فالتفتُّ فإذا نبي الله صلى الله عليه وسلم خلفي مقبلاً، فقلت: ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ إليّ، قال: فسعيت حتى أختبيء وراء باب دارٍ قال: فلم أشعر حتى تناولني، قال: فأخذ بقفاي، فحطأني حطأةً، قال: اذهب فادع لي معاوية، وكان كاتبهُ، قال: فسعيتُ فقلت: أجِب نبي الله صلى الله عليه وسلم فإنه على حاجة ))(10)، فهذان الحديثان يثبتان أن معاوية كان من كتبة الوحي.(12/171)
5 أما قوله أن الوحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة ثلاثة وعشرين عاماً كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله!؟لقد قلت أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل معاوية كاتباً له فقبل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأصبح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مدة أربع سنوات كاملة فهل هذا أمر يصعب تصديقه؟!
ثم يهذي فيقول ( ولما أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول (ص) لم يسكن مكة بعد الفتح )، أقول:
وهل الرواية السابقة لا تثبت أن معاوية سكن المدينة؟ وهل الرواية التي أخرجها الترمذي عن أبي مجلز قال: خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير، وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( من سره أن يتمثّل له الرجال قياماً، فليتبوّأ من النار ))(11)، لا تثبت ذلك؟ ولكن يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن ينادي معاوية من مكة؟! وأنا لا أعتب على التيجاني بقوله ( لم نعثر على رواية ) لأنه لو بحث لوجدها، ولكن نسأل الله له الشفاء من عقدة الإنصاف!
ثالثاً ادعاء التيجاني أنّ سبب قتل حجر بن عدي على يد معاوية استنكاره لسبّ عليّ والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ولمّا استاء لذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي واصحابه ودفن بعضهم أحياءً لأنهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه ))(1)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبراً ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لأنهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب ))(2)، فأقول:
1 اختلف الناس في صحبة حجر بن عدي ( المشهور )! فعدّه البخاري وآخرون من التابعين، وعده البعض الآخر من الصحابة.
2 لم يقتل معاوية حجراً لأنه امتنع عن سب عليّ، فهذا تخرّص واضح والذي ذكره المؤرخون في سبب مقتل حجر بن عدي هو أن زياد أمير الكوفة من قبل معاوية(3) قد خطب خطبة أطال فيها فنادى حجر بن عدي الصلاة فمضى زياد في الخطبة فما كان من حجر إلا أن حصبه هو وأصحابه فكتب زياد إلى معاوية ما كان من حجر وعدّ ذلك من الفساد في الأرض وقد كان حجر يفعل مثل ذلك مع من تولّى الكوفة قبل زياد، فأمر أن يسرح إليه فلما جيء به إليه أمر بقتله، وسبب تشدد معاوية في قتل حجر هو محاولة حجر البغي على الجماعة وشق عصا المسلمين واعتبره من السعي بالفساد في الأرض، وخصوصاً في الكوفة التي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمان فإن كان عثمان سمح بشيء من التسامح في مثل هذا القبيل الذي انتهى بمقتله، وجرّ على الأمة عظائم الفتن حتى كلّفها ذلك من الدماء أنهاراً، فإن معاوية أراد قطع دابر الفتنة من منبتها بقتل حجر، والغريب أن هذا التيجاني يصيح من أجل قتل حجر ولا يعترض على عليٍّ عندما قاتل الخارجين على خلافته في الجمل وصفين، والتي تسببت في مقتل خيار الصحابة إضافة إلى الآلاف من المسلمين، مع أنّ السبب واحد وهو الخروج على سلطة الخليفة!!
رابعاً ادعاء التيجاني أنّ الحسن البصري طعن في معاوية والرد عليه في ذلك: يقول التيجاني (( وقد أخرج أبو الأعلى المودودي في كتابه ( الخلافة والملك ) نقلا عن الحسن البصري قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
(1) أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة.
(2) إستخلافه بعده ابنه سكيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
(3) ادّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (ص) الولد للفراش وللعاهر الحجر.
(4) قتله حجراً وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. ))(4)
1 هذه الرواية مدارها على أبي مخنف(5)، وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحى الأزدي الكوفي قال عنه الذهبي وابن حجر(( أخباري تالف لا يوثق به ))(6)، (( تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق ))(7)، وعده العقيلي من الضعفاء(8)، وعلى ذلك فالخبر ساقط ولا حجة فيه.(12/172)
2 لو فرضنا صحة هذا الكلام عن الحسن، لما كان فيه أي مطعن في معاوية، فالادعاء بأن معاوية أخذ الامر من غير مشورة فباطل، لأن الحسن تنازل له عن الخلافة وقد بايعه جميع الناس ولم نعلم أن أحداً من الصحابة امتنع عن مبايعته، وأما استخلافه يزيد فقد تم بمبايعة الناس ومنهم عبد الله بن عمر، ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وليس تخلّف من تخلف عن البيعة بناقض لها ولا يمثل أي مطعن في معاوية، أما أن يزيد خميراً يلبس الحريرالخ، فقد كذّبه ابن عليّ محمد بن الحنفية الذي أقام عند يزيد فوجده بخلاف ما يدعون(9)، أما ادعاؤه زياداً بخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال ( لعبد بن زمعة، هو لك الولد للفراش وللعاهر الحجر) باعتبار أنه قضى بكونه للفراش وباثبات النسب فباطل (( لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت النسب، لأن عبداً ادعى سببين: أحدهما الأخوة، والثاني ولادة الفراش، فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم هو أخوك، الولد للفراش لكان اثباتاً للحكم وذكراً للعلة، بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب ولم يصرح به وإنما هو في الصحيح في لفظ ( هو أخوك ) وفي آخر ( هو لك ) معناه فأنت أعلم به بخلاف زياد فإن الحارث بن كلدة الذي ولد زياد على فراشه لم يدّعيه لنفسه ولا كان ينسب إليه فكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب الإمام مالك ))(10)، ومن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنكر ذلك مثل الحسن على فرض صحة نسبة هذا الادعاء له فكيف إذا ظهر كذب هذه النسبة إليه، وعلى كل فالمسألة اجتهادية بين أهل السنة، وأما قتل حجر فقد ذكرت الأسباب التي دعت معاوية لذلك بما يغني عن الإعادة هنا(11)، ومما سبق يتضح لدينا أن هذه المآخذ الأربعة على معاوية لا تمثل في حقيقتها أي مطعن به والحمد لله رب العالمين.
خامساً: الرد على فهم التيجاني السقيم لأحداث الفتنة بين معاوية وعلي:
يقول التيجاني (( وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والأنصار، تلك الحرب الطاحنة التي سبّبت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الإسلام ولم يلتئم حتى اليوم، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين:أن علياً ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية اجتهد وأخطأ فله أجر واحد. وليس من حقّنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون }، هكذا وللأسف تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقرّ بها شرع، اللهم أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الأهواء وأعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربّ أن يحضرون، كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الأبرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول ( إن لله جنوداً من عسل )، كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطوه أجراً وقد كان إمام الفئة الباغية ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين والذي جاء فيه ( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ) وقد قتله معاوية وأصحابه .... والسؤال يعود دائماً ويتكرر ويلح: ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل؟ فأما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق. وأمّا أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق، وقد أوضح رسول الله (ص) كل شيء، وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل، لا ينسجم مع المنطق السليم ))(1)، فأقول:(12/173)
1 لقد قلت أن معاوية لم يقاتل علي إلا في أمر عثمان وقد رأى أنه ولي دم عثمان وهو أحد أقربائه واستند إلى النصوص النبوية التي تبين وتظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين إشارة إلى ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عثمان! إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً، فأَرادكَ المنافقون أن تخْلع قميصك الذي قمَّصَكَ الله، فلا تخلعه ) يقول ذلك ثلاث مرات ))(2)، وقد شهد كعب بن مرة أمام جيش معاوية بذلك فقال (( لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت أي ما قمت بالقتال بجانب معاوية للقصاص من قتلة عثمان وذكر الفتن فقرّ بها فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال: نعم ))(3)، وأيضاً عن عبد الله بن شقيق بن مرة قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر فمر رجل متقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وأصحابه يومئذ على الحق فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو هذا؟ قال هو هذا، قال: فإذا بعثمان بن عفان ))(4)، وقد رأى معاوية وأنصاره أنهم على الحق بناء على ذلك، وأنهم على الهدى وخصوصاً عندما نعلم أن المنافقين الثائرين على عثمان كانوا في جيش علي فاعتبروهم على ضلال فاستحلّوا قتالهم متأولين.
2 إضافة إلى أن أنصار معاوية يقولون لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ونحن إذا بايعنا علياً ظلمنا عسكره كما ظلم عثمان وعلي عاجز عن العدل علينا وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا(5) ويقولون أيضاً أن جيش علي فيه قتلة عثمان وهم ظلمة يريدون الاعتداء علينا كما اعتدوا على عثمان فنحن نقاتلهم دفعاً لصيالهم علينا وعلى ذلك فقتالهم جائز ولم نبدأهم بالقتال ولكنهم بدأونا بالقتال.
3 وعلى ذلك فالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد أن ترك القتال كان خيراً للطائفتين فلم يكن واجباً ولا مستحباً وأن علياً مع أنه أولى بالحق وأقرب إليه من معاوية ولو ترك القتال لكان فيه خيراً عظيماً وكفاً للدماء التي أسيلت ولهذا كان عمران بن حصين رضي الله عنه ينهى عن بيع السلاح فيه ويقول: لا يباع السلاح في الفتنة وهذا قول سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وابن عمر وأسامة بن زيد وأكثر من كان بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار(6) الذين اعتزلوا الفتنة ولم يشاركوا في القتال لذلك قال الكثيرمن أئمة أهل السنة (( لا يشترط قتال الطائفة الباغية فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي ))(7) فادعاء التيجاني أن معاوية هو الذي أمر بقتال علي كذب فاضح.
4 ولو فرضنا أن الذين قاتلوا علياً عصاة وليسوا مجتهدين متأولين فلا يكون ذلك قادحاً في إيمانهم واستحقاقهم لدخول الجنان فالله سبحانه وتعالى يقول { وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسِطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } ( الحجرات 9 10)، فوصفهم بالإيمان وجعلهم إخوة رغم قتالهم وبغي بعضهم على بعض فكيف إذا بغى بعضهم على بعض متأولاً أنه على الحق فهل يمنع أن يكون مجتهداً سواءٌ أخطأ أو أصاب؟! لهذا فأهل السنة يترحمون على الفريقين كما يقول الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم } ( الحشر 10)
5 الأحاديث الثابتة تبين أن كِلا الطائفتين دعوتهما واحدة وتسعيان للحق الذي تعتقدان وتبرئهما من قصد الهوى واتباع البطلان فقد أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان(8) دعواهما واحدة ))(9)، وهذا الحديث كما ترى يثبت أنهما أصحاب دعوة واحدة ودين واحد، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ))(10)، فهذا الحديث يبين أن كلا الطائفتين يطالبان بالحق ويتنازعان عليه أي أنهما يقصدان الحق ويطلبانه ويبين أن الحق هو مع علي لأنه قاتل هذه الطائفة وهي طائفة الخوارج التي قاتلها في النهروان، وقال النووي (( فيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون ))(11).(12/174)
6 بالنسبة لبغي معاوية فإما أن يكون فيه متأولاً أن الحق معه، أو يكون متعمداً في بغيه وفي كلا الحالتين فإن معاوية ليس معصوماً من الوقوع في ذلك أو غيره من الذنوب فأهل السنة لا ينزهونه من الوقوع في الذنوب بل يقولون أن الذنوب لها أسباب ترفعها بالاستغفار والتوبة منها أوفي غير ذلك وقد ذكر ابن كثير في البداية عن المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال: (( فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال قلت: ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له، فقال: لتكلمني بذات نفسك، قال: فلم أدع شيئاًَ أعيبه عليه إلا أخبرته به، فقال: لا تبرأ من الذنوب، فهل لك من ذنوب تخاف أن تهالك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: قلت: نعم، إن لي ذنوباً إن لم يغفرها هلكت بسببها، قال: فما الذي يجعلك أحق بأن ترجوا أنت المغفرة مني، فولله لما إلي من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والاصلاح بين الناس والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر من العيوب والذنوب، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات، والله على ذلك ما كنت لأخيَّر بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه، قال: ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني. قال: فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير))(12)، فكيف إذا كان متأولاً؟
7 بالنسبة لحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية )، فإنه من أعظم الدلائل أن الحق مع عليّ، لكن معاوية تأوّل الحديث فعندما هزَّ مقتل عمار، عمرو بن العاص وابنه تملّكتهما الرهبة ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال (( لمّا قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو بن عاص فزعاً يُرجِّع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قتل عمار فقال معاوية: قتل معاوية فماذا؟ قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دحضْتَ في بولك أو نحنقتلناه؟ إنما قتله عليٌ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال: سيوفنا ))(13)، فخرج الناس يقولون: إنما قتل عماراً من جاء به، فأرجع الثقة لجيشه، والذي جعل معاوية يأول الحديث هذا التأويل أنه لم يكن يتصور أن قتلة عثمان أهل حق في ضوء الأحاديث التي تثبت أن عثمان يقتل مظلوماً، وأن قتلته هم الظالمون، فلا شك أن الفئة الباغية هي التي في جيش عليّ، ولكن الحق الذي يقال أن هذه التأويلات باطلة قطعاً وأن الحق مع عليّ، ولكن فئة معاوية معذورون في اجتهادهم لأنهم أرادوا الحق ولكنهم لم يصيبوه، وهذا هو الذي جعل عمرو بن العاص يقترح رفع المصاحف لايقاف الحرب لأنه كان في قلبه شيء من هذا الحديث.
8 وإذا أصرَّ التيجاني على جعل معاوية ظالماً فسيجيبه الناصبة(14)بأن علياً ظالماً أيضاً لأنه قاتل المسلمين لا لشيء بل لإمارته، وهو الذي بدأهم بالقتال وسفك الدماء دون فائدة تجنى للمسلمين، ثم تراجع وصالح معاوية، فلن يستطيع التيجاني وشيعته الاجابةعلى ذلك، ولو احتج بحديث عمار فسيردّ عليه بأن الله لم يشترط البدء في قتال الطائفة الباغية إلا إذا ابتدأت هي بالقتال ولكن علياً هو الذي بدأهم بالقتال فما هو جواب التيجاني؟ وقد ضربت صفحاً عن حجج الخوارج والمعتزلة التي تقدح في علي، المهم أن نعلم أن كل حجة يأتي بها التيجاني على معاوية سيقابل بمثلها من جانب الطوائف الأخرى ولكن أهل السنة يترضون عن الطائفتين ولا يفسقون أحدهما ويقولون أن الحق مع علي رضي الله عنه ويردون على جميع حجج الطوائف التي تقدح في علي أو معاوية لأن مذهبهم مستقيم بخلاف مذهب الرافضة والحمد لله.
9 من المسلم عند كل من اطلع على مذهب الإمامية يعلم أنهم يكفرون معاوية لقتاله علياً ولكن الثابت أن الحسن بن علي وهو من الإئمة المعصومين عندهم فكل ما يصدر عنه فهو حق والحسن قد صالح(15) معاوية وبايعه على الخلافة فهل صالح الحسن ( المعصوم ) كافر وسلّم له بالخلافة؟! أم أصلح بين فئتين مسلمتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين ))(16)، أرجو من التيجاني الإجابة؟!
10 أما ادعاؤه أن معاوية ارتكب جرائم لا تحصى وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول (إن لله جنوداً من عسل )!! فهذا القول فيه من الجهل والكذب ما لايخفى على عاقل وأنا أريد من التيجاني إرشادنا إلى هؤلاء المؤرخين حتى يتسنى لنا التثبت من هذا الادعاء المكشوف وإلا فالكلام سهل جداً.(12/175)
11 الغريب أن يعترض التيجاني على أبي بكر قتاله لمانعي الزكاة مع أن ذلك باتفاق الأمة، بينما تراه يقف مع عليّ في قتاله لمعاوية والذي اختلف فيه مع الصحابة ولم يأتي بنتائجه المرجوة وتسبب بقتل الألوف من المسلمين ولعل السبب هو إنصافه المزعوم والعقلانيته المذؤومة!
12 أستطيع الإجابة على سؤال التيجاني الذي يتكرر ويلح بالقول أن فريق عليّ على الحق وأما معاوية فليس بظالم ولا داع إلى باطل، ولكنه طالب للحق ولم يصبْهُ وهو مأجور على اجتهاده فليس أحدهما ظالم أو فاسق، والوقع بالذنب لا يقدح بعدالة المذنب وفي كل الأحوال فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مسلّم بالكتاب والسنة والإجماع، وينسجم مع المنطق السليم ولكنه لا ينسجم بالطبع مع المنطق السقيم الذي يتمتع به التيجاني!
وأخيراً إذا لم يقتنع التيجاني بذلك فسأضطر لكي استقي من مصادر هداته الاثني عشرية ما يثبت أن علي ومعاوية على حق ومأجورين على اجتهادهما فقد ذكر الكليني في كتابه( الروضة من الكافي ) الذي يمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية عن محمد بن يحيى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، وقال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ))(17)، وهذا علي بن أبي طالب يقرر أن عثمان وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان فيذكر الشريف الرضي في كتابكم ( نهج البلاغة ) عن علي أنه قال (( وكان بدء أمرنا أن إلتقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(18).
سادساً: إدعاء التيجاني أن معاوية سم الحسن والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف يريدونه صحابياً عادلاً وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وقتله ))(19)، ويقول (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقتله، ولعلهم يقولون: هذا أيضاً من اجتهاده فقد اجتهد وأخطأ!))(20).
فأقول: هذا الادعاء باطل وذلك لأسباب وهي:
أ أنه لم يثبت ولا دليل صحيح عليه وإن كان عند التيجاني نقل ثابت عن عدل فليرشدنا إليه لا أن يتهم صحابيا دون أن يأتي ببينة على ادعائه.
ب كان الناس في تلك المرحلة في حالة فتنة تتصارعهم الأهواء وكل فرقة تنسب للأخرى ما يذمها وإذا نقل لنا ذلك فيجب ألا نقبله إلا إذا نقل بعدل ثقة ضابط.
ج لقد نقل أن الذي سمّ الحسن غير معاوية فقيل هي زوجته وقيل أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك وقيل معاوية وقيل ابنه يزيد وهذا التضارب بالذي سمّ الحسن يضعف هذه النقول لأنه يعزوها النقل الثابت بذلك، والتيجاني لم يعجبه من هؤلاء إلا الصحابي معاوية مع أنه أبعد هؤلاء عن هذه التهمة.
ث حجة التيجاني هذه تستسيغها العقول في حالة رفض الحسن الصلح مع معاوية ومقاتلته على الخلافة ولكن الحق أنّ الحسن صالح معاوية وسلّم له بالخلافة وبايعه، فعلى أي شيء يسمّ معاوية الحسن؟! ولهذه الأسباب أقول أن حجة التيجاني هذه خاوية على عروشها!
سابعا: ادعاء التيجاني على معاوية أنه حوّل الخلافة من الشورى إلى ملكية قيصرية والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف ينزّهونه وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه أولاً ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدّل نظام الشورى بالملكية القيصرية ))(21)(( وبعد علي استولى معاوية على الخلافة فأبدلها قيصرية ملكية يتداولاها بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس أبا عن جد ولم يكن هناك خليفة إلاّ بنص السابق عن اللاّحق أو بقوة السيف والسلاح والإستيلاء، فلم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك الذي قضى على الخلافة الإسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ))(22) (( كيف يحكمون باجتهاده وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه ثم لابنه يزيد من بعده وحوّل نظام الشورى إلى الملكية القيصرية ))(23)، فأقول:(12/176)
1 لم يأخذ معاوية الخلافة بالقوة والقهر وإنما سلمت له من قبل الحسن بن علي وذلك بعدما تم الصلح بينهما وذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن الحسن البصري قال (( استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب امثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوليّ حتى تقْتُل أقرنها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو، إن ْقتلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش، من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمُرة وعبد الله بن عامر بن كُريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه وقولا له، واطلبا إليه. فأَتياهُ فدخلا عليه، فتكلَّما وقالا له فطلبا إليه، فقال الحسن بن عليّ: إنَّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنَّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألُكُ، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به، فصالحة. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن عليّ إلى جنبه، وهو يُقبل على النّاس مرَّة وعليه أخرى، ويقول ( إنَّ ابني هذا سيدٌ، ولعلّ الله أن يُصلح به بين فِئتين من المسلمين))(24)
2 أما بالنسبة لمبايعة ابنه يزيد فقد حرص معاوية على موافقة الناس، فعزم على أخذ البيعة لولاية العهد ليزيد، فشاور كبار الصحابة وسادات القوم وولاة الأمصار فجائت الموافقة منهم، وجاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد وبايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي (( خلافته صحيحة، بايعه ستون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر ))(25)، وقد ثبت في صحيح البخاري أن ابن عمر بايع يزيد وعندما قامت عليه الفتنة من المدينة جمع أهله وحذّرهم من الخروج على يزيد، فعن نافع قال (( لمّا خلع أهل المدينة بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة. وإنَّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يُبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم يَنصُبُ له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خَلَعَهُ، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه ))(26)، وقد خالف ابن الزبير والحسين هذه الموافقة ولا يقدح ذلك في البيعة إذ لا بد من مخالف لذلك، ومن هنا نعلم أن معاوية حرص على موافقة الأمة على بيعة يزيد، ولو أراد معاوية الاستبداد وأخْذ البيعة ليزيد بالقوة والقهر كما يدعي التيجاني لاكتفى ببيعة واحدة، وفرضها على الناس فرضاً، وهذا ما لم يفعله معاوية بل قد خالف من خالف ولم يتخذ معاوية سبيل القوة لارغامهم على البيعة.
3 ولعل السبب الذي دفع معاوية لأخذ البيعة ليزيد، حتى يُبعد الخلاف ويجمع الكلمة في هذه المرحلة المتوتِّرة التي تعيشها الأمة، وكثرة المطالبين بالخلافة فرأى أنه بتوليته ليزيد صلاح للأمة وقطعاً لدابر الفتنة باتفاق أهل الحل والعقد عليه.
4 لم يبتدع معاوية نظاماً جديداً للخلافة بتوريث ابنه يزيد، فقد سبقه إلى ذلك أبو بكر عندما عهد بالأمر لعمر بن الخطاب وقد عمد عمر إلى نفس الأمر فعهد بالولاية وحصرها بستة من الصحابة، أما إذا احتج التيجاني بأن الاستخلاف في عهد الشيخين لم يكن للأبناء أي ملكاً وراثياً فأقول له أن أول من فعل ذلك هو علي عندما عهد بالخلافة من بعده لابنه الحسن فقد ذكر الكليني في ( أصول الكافي) عن سليم بن قيس قال (( شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحُسين ومحمداً أي ابن الحنفية عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ... ))(27).
5 الرافضة الاثنا عشرية يعارضون في الأصل مبدأ الشورى ويدعون أن الولاية يجب أن ينص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص صريح، والتيجاني نفسه عارض خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلماذا يتباكا هنا على نظام الشورى الذي يعارضه هو نفسه، ويعترض على معاوية بولاية العهد لابنه يزيد فهل لو جعلها شورى سيقبلها التيجاني وأخوته الرافضة؟! أم أن الأمر عندهم سيان! الجواب أنهم لن يقبلوها ولو كانت شورى من جميع المسلمين فلماذا هذه الإثارة الممجوجة والورع المكذوب من التيجاني على مبدأ الشورى وأغرب ما في الأمر اعتراض التيجاني أن يورث معاوية ابنه يزيد وراثة قيصرية ملكية! وما درى أن أعظم اعتقاد للرافضة الامامية هو اعتقاد الإمامية وراثية قيصرية ملكية في ولد علي بن أبي طالب بإستخلاف الأب للابن وهكذا فهل هي حلال لهم حرام على غيرهم؟!(12/177)
وأخيراً أما ادعاءه أنه لم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك (!!) الذي قضى على الخلافة الاسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
فأقول: هذا الكلام لا يقوله إلا من هو أقل الناس فهماً وأكثرهم جهلاً وأعماهم بصراً، فأقول للتيجاني على أي شيء استندت على قولك السقيم هذا وما هي شروط البيعة الصحيحة؟ إذا ادعيت أنه لا بد من إجماع الناس على البيعة، قلت: علي بن أبي طالب أبعد الخلفاء الثلاثة عن الإجماع فقد خالفه أضعاف من خالف الثلاثة وقامت الحروب بينه وبين معارضيه وتوفي قبل توحيد المسلمين على البيعة أما إذا قلت أن خلافة الثلاثة كانت بالقوة قلت: هذا من أكبر الكذب والتاريخ يشهد بذلك وأنت بنفسك قلت أن الخلافة كانت شورى حتى استبدلها معاوية بالقيصرية ولو قال معارضو علي بأنه أراد الخلافة بالقوة لكانت حجتهم أقوى من حجتك فإن علياً قاتل على خلافته حتى سقطت دماء الآلاف من المسلمين وإن ادعيت أن خلافة علي صحيحة لأنها ثابتة بالنص من الرسول صلى الله عليه وسلم فأقول: فهذا كذب أيضاً فكل الأدلة التي سقتها لا تفيد النص على علي ولو كان ذلك صحيحاً لما بايع علي الخلفاء الثلاثة إضافة إلى أن النصوص التي تبين أن الخليفة هو أبو بكر أقوى صحة وأظهر دليلاً على نصية الخلافة له(28) فكل حجج التيجاني ظاهرة البطلان والعوار، والغريب حقاً أن التيجاني الذي ينفي وجود خلافة صحيحة إلا لعلي، يقر بالحق من حيث لا يدري فيقول، حتى عهد أتاتورك الذي قضى على الخلافة الاسلامية؟! فسبحان الله كيف يجري الحق على ألسنتهم في حق معاوية، وأظن أنني رددت على جميع الشبه التي ساقها التيجاني والحمد لله رب العالمين.
مطاعن التيجاني في أبي هريرة والرد عليه في ذلك:
أبو هريرة رضي الله عنه سيد الحفّاظ الأثبات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، اسمه: عبد الرحمن بن صخر، نقل عن النبيصلى الله عليه وسلم علماً كثيراً لم يسلم هو الآخر من لسان هذا الشانئ الذي اتهمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بوضعه الأحاديث المكذوبة فضّ الله فاه وسوف أسوق شبهاته في حق هذا الصحابي الجليل وأفنّدها بإذن الله.
أولاً: ادعاء التيجاني على أبي هريرة أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث موضوعة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ولعل نصف الدين الثاني خصّوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقرّبوه وولّوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعدما كان معدماً، ولقّبوه براوية الإسلام. وبذلك سهل على بني أميّة أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنّة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ))(29)، ويقول ((... كذلك يروي فضائل أبي بكر كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة ))(30)، ويقول أيضاً (( ثم قرأت كتاب أبي هريرة لشرف الدين، وشيخ المضيرة ( للشيخ! ) محمود أبو رية وعرفت بأن الصحابة الذين غيروا بعد رسول الله قسمان، قسم غير الأحكام بما له من السلطة والقوة الحاكمة، وقسم غير الأحكام بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) ))(31)، أقول رداً على كذبه:
1 أما قوله أن أبا هريرة روى لبني أمية ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنو له قصر العقيق بعدما كان معدماً ولقبوه براوية الإسلام فكذب صريح لهذه الأسباب:
أ لم يكن أبا هريرة مع أحد الجانبين في الفتنة بل كان من المعتزلين عنها ولم يقاتل مع أحد، وروى في الاعتزال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، ومن تشرّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به ))(32)، وكان هذا أيضاً رأي كبار الصحابة.
ب لم يكن أبا هريرة معدماً ولم تكن ولايته على المدينة بالأولى، ولكن ماذا نقول عن جاهل يعبث في التاريخ؟! فقد ولاهُ عمر في خلافته على البحرين وكان يملك المال فعن محمد بن سيرين (( أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الاموال يا عدوّ الله وعدوَّ كتابه؟ فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدوّ من عداهما. قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيلٌ نُتجتْ، وغلّةُ رقيق لي وأُعطيةٌ تتابعت. فنظروا، فوجده كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكرهُ العمل وقد طلب العمل من كان خيراً منك: يوسف عليه السلام، فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثاً واثنتين، قال: فهلا قلت: خمساً؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي))(33).(12/178)
ت سبب تولية الأمويين لأبي هريرة المدينة أنه كان من كبار الصحابة المتبقين في المدينة وغيرها ومن أعلامها الظاهرين خصوصاً إذا عرفنا أنه كان يقدَّم في الصلاة في أيام عليّ ومعاوية ولو جاء غير الأمويين لكان من المؤكد أن يولوه المدينة، فكان المرشّح لذلك، وكيف لا وقد رشحه من هو خير منهم وهو عمر.
ث يحاول هذا الآبق أن يظهر أبا هريرة بمظهر الحريص على الدنيا وشهواتها، وفي صورة المداهن للأمراء الذي يكذب في سبيل الحصول على مصالحه الغريزية، فتباً له! فهل يقال عن أبي هريرة ذلك، وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أحدهم رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط ))(34)! وكيف يطلب وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ))(35)، ولا شك أن الذي هذه حاله لو رأى من الحاكم شيئاً منكراً أن يسكت عليه، هذا إن لم يحسّن منكره، فهل كان أبو هريرة كذلك؟ اخرج مسلم في صحيحه عن أبي زرعة قال (( دخلت مع أبي هريرة في دار مروان. فرأى فيها تصاوير فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟ فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبّة او ليخلقوا شعيرة ))(36)، وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي مريم مولى أبي هريرة قال (( مر أبو هريرة بمروان وهو يبني داره التي وسط المدينة قال: فجلست إليه والعمال يعملون، قال: ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً، فقال مروان: إن أبا هريرة يحدث العمال فماذا تقول لهم يا أبا هريرة؟ قال: قلت ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً. يا معشر قريش، ثلاث مرات اذكروا كيف كنتم أمس وكيف أصبحتم اليوم، تخدمون أرقاءكم فارس والروم، كلوا الخبز السميد واللحم السمين، لا يأكل بعضكم بعضاً، ولا تكادموا تكادم البراذين، كونوا اليوم صغاراً تكونوا غداً كباراً، والله لا يرتفع منكم رجل درجة إلا وضعه الله يوم القيامة ))(37) فانظر أخي القارئ للحق الواضح ولا تلتفت إلى صاحب الكذب الفاضح والهوى القادح.
2 أما ادعاء التيجاني أن أبا هريرة يروي ما يشتهي الناس، ويروي في فضائل الصحابة خصوصاً أبو بكر أحاديث موضوعة وازداد التيجاني تيقناًمن ذلك، عندما قرأ كتاب أبي هريرة لشرف الدين ومحمود أبو رية فأقول داحضاً حجته المتهافتة ب:
أ لقد اتفق الصحابة على فضل أبي هريرة وثقته وحفظه، وأنه من أكثرهم علماً بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة (( يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه ))(38) وقيل لابن عمر (( هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئاً؟ فقال:لا، ولكنه اجترأ وجبنَّا ))(39)، وعن أشعث بن سليم عن أبيه قال (( أتيت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: وأنت صاحب رسول الله، قال: إنه قد سمع وأن أحدث عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحبُّ إليّ من أن أُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم ))(40)، وعن معاوية بن أبي عياش الانصاري (( أنه كان جالساً مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلّق ثلاثاً قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس وكانا عند عائشة فذْهب، فسألهما، فقال: ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. فقال: الواحدة تُبينها، والثلاث تُحرِّمها، وقال ابن عباس مثله ))(41)، فهل يُتَّهمَ بالكذب من يوثّقه ابن عباس صاحب عليّ ويتأدب معه ويقول له أفتِ يا أباهريرة؟!
ب والسبب في كثرة روايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان مرافقاً له في حلّه وترحاله، ولم يشغله عنه عمل ولا زوجة، إذ لم يكن يعمل ولم يتزوج، فكان يحرص على مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أي مكان يذهب إليه سواءٌ إلى حج أو جهاد، فعن أبي أنس مالك بن أبي عامر قال (( جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟ قال: أمّا أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشُكُّ، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنّا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار وكان مسكيناً، ضيْفاً على باب رسول الله، يدُه مع يدِه، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خيرٌ يقول على رسول الله ما لم يقل ))(42).(12/179)
ت إضافة إلى كثرة مرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم التي جعلته أكثر الصحابة رواية للحديث فقد كان يمتاز بقوة حفظه وإتقانه وذلك بفضل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له، فقد روى البخاري عن الزهري قال (( أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفْقٌ بالأسواق، وكنت ألزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملءِ بطني فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكُنتُ امرأً مسكيناً من مساكين الصفُّة، أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدِّثُه: إنه لن يبسطَ أحدٌ حتى أقْضي مقالتي هذه ثم يجمعَ إليه ثوبه إلا وعى ما أقول. فبسطْتُ نمِرةً عليّ حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء ))(43).
ث لا بد لي من أن أسوق رأي أحد الأئمة الاثني عشر في أبي هريرة ومدى ثقته عنده وهو الإمام الرابع زين العابدين علي بن الحسين فقد أورد شيخهم أبو الحسن الأربلي من كبار الأئمة الاثني عشر في كتابه ( كشف الغمة ) عن سعيد بن مرجانة أنه قال (( كنت يوماً عند علي بن الحسين فقلت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى أنه ليعتق باليد اليد، والرجلِ الرجل وبالفرج الفرج، فقال علي عليه السلام: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال لغلام له: أفره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه أنت حر لوجه الله ))(44)!، هل رأيت أخي القارئ مدى صدق وأمانة أبي هريرة في نظر الإمام علي بن الحسين بحيث بادر إلى تنفيذ ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أي تردد! لذلك ليس بالمستغرب أن يوثّقه أحد كبار علماء الإمامية في الرجال، ويضعه من جملة الرجال الممدوحين فيقول ابن داود الحلي (( عبد الله أبو هريرة معروف، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(45)، وهذا أيضاً إبن بابويه القمي يستشهد به في كتابه ( الخصال ) في أكثر من موضع(46) ولا يتعرض له محقق الكتاب علي أكبر غفاري بالقدح مع تعليقه على الكثير من الرجال في الكتاب، إضافة إلى أن الذي يروي عن أبي هريرة الكثير من الأحاديث هو زوج ابنته سعيد بن المسيب، أشهر تلاميذه، والذي روى عن أبي هريرة حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له حفظ الأحاديث، يقول عنه الكشي من كبار أئمتهم في الرجال ((... سعيد بن المسيب رباه أمير المؤمنين عليه السلام ))(47)، وروى أن أبا جعفر قال (( سمعت علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار وأفهمهم في زمانه ))(48)، فأقول للتيجاني المهتدي، إذا كان علي رباه (( أفلم يسمع رأيه بأبي هريرة وهو في حجره يربيه؟ وكيف يأذن له بأن يتزوج بابنة أكذب الناس وهو ولي أمره وحاضنه؟ ))(49)، وكيف يوثق علمه زين العابدين وهو من أخص تلاميذ أكذب الناس ووارثه؟! أجبنا يا صاحب الهداية المزعومة؟!
3 أما قوله (( كذلك يروي فضائل أبي بكر، كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة وعروة وعكرمة، وهؤلاء كلهم يكشفهم التاريخ بأنهم كانوا متحاملين على الإمام علي وحاربوه إما بالسلاح أو بالدس واختلاق الفضائل لأعدائه وخصومه... ))(*) فأقول:
أ أما بالنسبة لعمرو بن العاص وقتاله لعليّ فهذا صحيح، ولكنه قاتله عندما بدأهم عليّ وجنده، ولم تكن مشاركته بسبب عداوته لعلي كلا، وإنما لاعتقاده انه يقاتل دفاعاً عن الحق وإبطالاً لباطل، وقد ذكرت الأسباب التي دعته ومعاوية وأصحابهما لقتال عليّ في مبحث معاوية بما يغني عن الإعادة هنا، أما أنه كان يختلق الفضائل لأعدائه فهذا صحيح فهو أحد رواة حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية )! بل روى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن قاتله وسالبه في النار )) وعندما اعتُرضَ عليه بأنه يقاتله (( فقيل لعمرو: فإنك هو ذا تُقاتله؟ قال: إنما قال: قاتله وسالبه ))(50).
فانظر أخي القارئ إلى هذا الدس واختلاق الفضائل لأعداء علي!؟ ولكن تهمته الحقيقية الوحيدة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم (( أي الناس أحب إليك قال: عائشة فقلت من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب فعد رجالاً ))(51)، فهذا الحديث يكفي للطعن به!(12/180)
ب إما بالنسبة لأبي هريرة فإنه كان معتزلاً للفتنة بين علي ومعاوية، فليس هو في هذه الناحية متحاملاً ولكن التحامل يظهر بالدس واختلاف الفضائل لأعدائه من مثل ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (( لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ... فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه ))(52) وليس هذا فقط فقد روى أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني يعني الحسن والحسين ))(53)؟ وروى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( اللهم إني أحبهما فأحبهما ))(54) فمرحى بالهداية يا تيجاني.
ت أما بالنسبة لعروة فلست أدري من يقصده التيجاني ولعل أقرب احتمال إلى أنه عروة بن الزبير لأنه لم يعرف رجل باسم عروة أشهر منه خصوصاً وأنه روى عن عائشة وابن عمر أحاديث في فضائل أبي بكر ولم يشارك عروة في الفتنة بين علي ومعاوية، إذ كان صغيراً لم يتجاوز العشر سنين لذلك يقول أحمد بن عبد الله العجلي: عروة بن الزبير تابعي ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن(55).
ث أما قوله وعكرمة فلا شك أنه يقصد عكرمة بن أبي جهل فلا يوجد أحد اسمه عكرمة غيره وقد استشهد رضي الله عنه سنة 13ه واختلفوا في المعركة التي استشهد فيها فقيل قتل في اليرموك وقيل يوم أجنادين لأنهما وقعتا في نفس العام وعلى ذلك فعكرمة توفي قبل دخول الفتن إلى الأمة بسنوات طويلة فلست أدري ما دخله، فيما نحن فيه ويبدو أن التيجاني يتمتع بمعلومات جيدة عن التاريخ الإسلامي ورجاله!
ج أما قوله (( ولكن الله يقول { إنهم يكيدون كيداً، وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً } ))(56). فأقول:
الله أكبر على المجرمين المارقين الذين ينزلون على خير الناس آيات الكفار ويتهمونهم بالكفر والعياذ بالله وما دروا أن هذه الآيات أولى بهم وبأشياعهم، ولكن أقول يأبى الله إلا أن يكشفهم أمام الناس ويخرج ما تكنه صدورهم من حقد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقول لهذا التيجاني لأخوانه الرافضة { فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
رابعاً الغريب ان تجد التيجاني يشن حملة ضاربة ضد أبو هريرة متهماً إياه في أكثر من موضع في كتابه بأنه يروي الأحاديث المكذوبة والموضوعة ثم يحتج بما يرويه! فيستدل بحديث الحوض الذي يطعن به على الصحابة(57)ولم يدر أن راويه هو أبو هريرة! ثم يستدل على أفضلية علي بحديث الراية يوم خيبر(58) مع أن راوي الحديث هو أبو هريرة ويحتج بحديث الرجل الذي بال في المسجد(59) وقد رواه أبو هريرة أيضاً! ثم يدعي بعد ذلك أن أبا هريرة يختلق الفضائل لأعداء علي؟
موقع فيصل نور
====================
شبهات شيعية والرد عليها هل التحسين يكون بالعقل أم بالشرع؟
ليس بإطلاق. فقد ورد أن الله حرم لحوم الحمر الأهلية من أجل ظهورها.
ما هو نظام الحكم في الإسلام إن كان شورى فلماذا وصى أبو بكر لعمر.
أولا: الذي صرح بأنها حصلت شورى هو علي بن أبي طالب وفي أهم مصادركم.
ثانيا: وسواء أوصى أو لم يوص المهم أن عليا أقر ما تثير
الشبهة حوله الآن. ولا أظن أسد أسد الله يقر باطلا.
ثالثا: أنت تحتج علينا بافتراض عقلاني بحت ولا تدري أنك تعارض ما قاله أمير المؤمنين. وهذا عيب في المنهجية.
رابعا: روينا بالأسانيد الصحيحة عن نبينا أنه قال: ويأبى والمؤمنون إلا أبا بكر» وقد تحقق ما قاله. وأنتم زعمتم أن الله أوصى ووعد فلم تثبتوا صحة ما زعمتموه ولم يتحقق.
هل تعتبر تقديم أبي بكر للصلاة دليلا على أفضلية أبي بكر وأنتم تقبلون إمامة الفاسق.
لسنا نحن الذين نقبل إمامة الفاسق. إنما رسول الله عليه الصلاه والسلام. واقتدى به علي. وكتبكم تشهد بذلك فقال: » وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن . ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الاجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر (نهج البلاغة 92).
وقد روت كتبكم أنه تولى ليس فقط الفاسق. بل تولى الجبت والطاغوت. وتنازل الحسن عنها لمن تصفونه بالفاسق الفاجر بل الكافر. فهلا اعترضتم على المعصومين قبل أن تعترضوا علينا؟
نعم امامة الفاسق مباحة لكن عندما يختار النبي اماما فيختار الامام الامثل. واختياره الأمثل فضيلة وأيما فضيلة.
تقديم أبي بكر إماما ليصلي بالناس في عهد النبي عليه الصلاه والسلام فضيلة احتج بها علي على أولوية أبي بكر في الإمامة.
وأبو بكر لم تثبت فضيلته لمجرد تقديمه للصلاة. وإنما لاقتران فضائل كثيرة غيرها مثل صحبته النبي عليه الصلاه والسلام في الغار. وكونه أحب الرجال إلى رسول الله عليه الصلاه والسلام. ثم تأتي قرينة الصلاة.
من هم الخلفاء الإثنا عشر؟
أتقصد حديث لا يزال الدين عزيزا؟(12/181)
ما سماهم النبي عليه الصلاه والسلام حتى أسميهم. لو سماهم لسميتهم. ولو كان في تسميتهم مصلحة لفعل الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
عليك أن توافق مبدئيا على الثلاثة الأول على أقل تقدير موافقة منك لأمير المؤمنين الذي تولاهم.
وعليك أن توافق على معاوية الذي بايعه الحسن بن علي.
لا شك أن الحسين لم يكن منهم لأنه لم يتول كذلك جعفر الصادق والكاظم والباقر.
لا شك أن الدين كان عزيزا في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية. تمت الفتوحات في عهودهم. ولكن لم تقم إمامة لأهل البيت سوى علي وجزءا يسيرا من خلافة الحسن رضي الله عنهما.
لا شك أن مهديكم المنتظر ليس من بين الاثني عشر لأن الدين يكون عزيزا وأي عزة تقوم بمتوار عن الانظار؟
وكيف يكون من الاثني عشر وقد دب خلاف كبير بين الشيعة انقسموا معه إلى عشرات الفرق. منهم من أنكره ومنهم أقر به. ومنهم من كان ينتظر عودة أبيه لا هو. وروى كافيكم أنهم لم يجدوا للحسن العسكري مولودا حتى قسموا ميراثه بين أمه وبين أخيه جعفر.
هل نظام الحكم عندكم بالشورى أم بالنص؟
•بالشورى تم تداول أقوال النبي عليه الصلاه والسلام ونصوصه المفهومة لا المنطوقة أو ما يطلق عليه وصف النص الخفي على أن أكثرهم استحقاقا للخلافة هو أبو بكر. ولا يقال أنه لم تكن شورى. وهذا فيه تعليم مهم وهو أن بعض الثعالب قد يتقلد المنصب بالشورى المحضة ولا يكون فاضلا في صفاته مشهورا بدينه فتكون حتى الشورى وبالا على الأمة كما يحصل في العالم اليوم.
• النبي صرح بأن الخلافة من بعده تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة.
علي أقر بالنظام الذي تنتقدونه وبايع. فما كان من طعن بالنظام يكون طعنا بمن أقر به.
علي صرح بأن الأمر كان شورى من كتبكم:
قال علي لمعاوية « إنما الشورى للمهاجرين والأنصار. فإذا اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه ( إماماً ) كان ذلك لله رضاً » (نهج البلاغة 7:3).
قال علي لمعاويةً « بايعني القوم الذين أبا وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يختار،، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين » (نهج البلاغة 7:3، وانظر كتاب الإرشاد للمفيد 31 ط: الأعلمي. أو 143 طبعة حيدرية).
أنتم ترون الخلافة بالنص وترونها ملكية يتوارثها الابن عن أبيه ولا دخل لأحد بها. فلماذا إثارة خلاف لمجرد التشويش.
لماذا سارع الصحابة إلى السقيفة وانشغلوا بذلك عن دفن النبي عليه الصلاه والسلام؟
كان هناك منافقون يتربصون بالمسلمين الدوائر (النساء141) شرقوا بالإسلام وقالوا للذين كفروا سنطيعكم في بعض الأمر (محمد26) وقالوا لهم: ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين (النساء141).
فكيف لا يسارع الصحابة إلى ملأ الفراغ الذي تركه رسول الله عليه الصلاه والسلام؟ فرحمهم الله على هذه المسارعة لتجنيب الأمة الفتنة التي تترتب على إهمال هذا الأمر.
هل أهل السنة يقولون عن ابن ملجم إنه متأول مأجور
أهل السنة يلعنون ابن ملجم لما فعله بعلي رضي الله عنه. فهذا الهيثمي إذا ذكره (مجمع الزوائد6/249) كذلك الحافظ المنذري (الترغيب والترهيب3/24) والطبراني في (المعجم الكبير 1/97) وانظر معجم البلدان لياقوت الحموي (1/93) والشوكاني في (نيل الأوطار7/43).
قال الحافظ «ولم يذكره أحد في الصحابة إلا القاضي حسين بن محمد الشافعي شيخ المراوزة وذكر أبياتا لعمران بن حطان يرثي فيها ابن ملجم لقتله عليا قائلا:
يا ضربة من تقي ما ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش سلطانا
فرد عليه أبو الطيب الطبري قائلا:
إني لأبرأ مما تذكره عن ابن ملجم الملعون بهتانا
(ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة5/303).
وذكر أهل السنة بأنه من رؤوس الخوارج (سير أعلام النبلاء4/214).
بل وصفوه بأنه من أهل الأهواء (التاريخ الكبير للبخاري6/413) وقالوا: ليس في الأهواء ثقة مثل عمران.
وقد أوصى الرسول عليه الصلاه والسلام بقتلهم. فكيف يكون ثقة بعد ذلك عندانا.
ولله الحكمة البالغة فقد كان هذا القتل ردا على الكذابين القائلين بأن الأئمة عندهم علم ما كان وما يكون.
هل البسملة من القرآن؟
• منشأ الخلاف هو هل يبدأ ترقيم الآيات من البسملة أم من أول آية في السورة؟ وليس الخلاف حول هل نترك البسملة في القرآن أم نزيلها؟ كيف يمكن ذلك والبسملة ثابتة في النسخة الأصل؟ فلم يشكك أحد في كونها ثابتة في الأصل. ولا دعا أحد إلى إزالتها من القرآن.
• والدليل على ذلك أن البسملة مثبتة في كل السور ما عدا سورة التوبة ولم يخالف أحد في ذلك.
• ويمكن للبسملة أن تثبت في القرآن ولا تكون آية منه مثلما أن الله أمرنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن فهل تصير الاستعاذة آية أم لا؟
• هذه(12/182)
الشبهة أطلقها الرافضة الذين ثبت عندهم تصريح كبار أئمتهم بالإجماع الرافضي على وقوع التحريف في القرآن إلا من شذ كالمرتضى والصدوق والطبرسي لمصلحة سد باب الطعن على القرآن حتى لا يقال كيف يجوز أخذ القواعد والأحكام من كتاب محرف؟ (الأنوار النعمانية2/357).
• فسارعوا إلى القول بأن الخلاف حول البسملة يلزم منه التحريف للحاجة الماسة عندهم للحصول على أية ذريعة تشغل أهل السنة وتصرفهم عن اتهام تصريح علماء الرافضة بأن القرآن محرف.
• كبار علماء الرافضة لم يقولوا بأن القرآن محرف بناء على قضية البسملة. وإنما زعموا أن الصحابة حذفوا منه الآيات التي تنص على إمامة علي وأهل بيته.
• لماذا لم يتهم علماء أهل السنة المختلفين حول الآية بأنهم قالوا بتخريف القرآن ولم يقل ذلك إلا الشيعة؟ ألأنهم يغارون على القرآن؟
• إن الشيعة الذين صرحوا بأن القرآن وقع فيه التحريف هم الذين يأتون اليوم بهذا الاتهام الجديد الذي ما وجدنا أسلافهم قد تكلموا عنه حسب علمي.
• إن هذا الطعن الجديد إنما يبين تعصبهم للمذهب والدفاع عنه ولو كان على حساب القرآن والطعن فيه. حتى لو أدى ذلك إلى تجسس النصارى واستفادتهم من هذه
الشبهة ليلقوها على المسلمين ويقولوا: الشبعة إخوانكم وهم قد احتجوا بالاختلاف على
• لم توجد فرقة من فرق المسلمين على تفاوت انحرافها تطعن في القرآن وتصرح بوقوع التحريف فيه مثل الرافضة الذين فتحوا بقولهم القرآن محرف فتحوا بابا في الطعن على الإسلام يدخل منه اليهود والنصارى.
• هل يعقل أن يجمع الصحابة القرآن ثم يختلفوا فيه بعد جمعه؟ هذا ما يريده أن يقوله لنا الرافضة. الذين يحتجون علينا في عدم تضمن مصحف ابن مسعود المعوذتين أو دخول الداجن على منزل عائشة وأكلها صحيفة من القرآن.
• إننا نجد أن الاختلاف وقع في عهد عثمان على كيفية التلفظ بالقرآن مما استدعاه إلى أن يجمع القرآن على لهجة قريش حسما لمادة الخلاف. مما يؤكد على أن الخلاف لم يقع على إثبات آية أو حذفها بعد الجمع. ولم ينقل إلا الاختلاف على قراءة القرآن لغة من اللغات.
• إن الذي يوهم الناس أن الخلاف الذي نجد نماذج منه في كتب الحديث كان قبل جمع القرآن إنما هو زنديق طاعن في القرآن أو جاهل متعصب لا يدري حقيقة ما يقول سوى محاولة تلقف الحجج للدفاع عن المذهب الرافضي الردي.
مذهب الرافضة جواز القراءة وعدمها
عن محمد بن مسلم قال سألت أبي عبدالله عن الرجل يكون إماماً يستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال: لا يضره ولا بأس عليه» تهذيب الأحكام (2/288) وسائل الشيعة 62).
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبدالله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرأ الحمد لله ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (تهذيب الأحكام2/288 وسائل الشيعة6/62).
وعن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال نعم، إن شاء سراً وإن شاء جهراً. فقيل، أفيقرأها من السورة الأخرى، قال لا» الاستبصار1/132 ووسائل الشيعة 6/61 ) وقال الحر العاملي « ذكر الشيخ: يعني الطوسي وغيره ، أن هذه الأحاديث محمولة على التقية.
قال الرافضة
البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة ما عدا براءة (مستدرك الوسائل4/164).
وبينوا أن أبا حنيفة خالف في أنها آية من القرآن محتجا بالروايات الآحادية وتمسك به مع أنه خطأ (كتاب نهج الحق 6).
وقد أجازوا ترك البسملة للتقية (وسائل الشيعة6/60).
قال المجلسي في الذكرى «وقد خالف ابن الجنيد من الشيعة وذهب على أنها في غير الفاتحة افتتاح وهو متروك. انتهى. وما ورد من تجويز تركها في السورة إما مبني على عدم وجوب السورة كاملة أو محمول على التقية لقول بعض المخالفين بالتفصيل» (بحار الأنوار82/21).
الضحى والانشراح والفيل ولايلاف عند الرافضة سورتان فقط
قال الحلي « روى أصحابنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل ولإيلاف، فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كل ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر» (شرائع الإسلام1/66).
وقال بأن « الضحى والإنشراح سورة، والفيل ولإيلاف سورة: ولا بسملة بينهما» (الجامع للشرائع ص81 يحيى بن سعيد الحلي).
وقال « والضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذلك الفيل ولايلاف وتجب البسملة بينهما على رأي» (قواعد الأحكام 1/273 للحلي).
نقل الحلي عن الاستبصار أن سورتي الضحى والإنشراح عند آل محمد سورة واحدة وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا لا يفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم» (). نعم وجدنا الحلي يخالف قول علمائه في ذلك ولكن مخالفته لهم تفيد على الأقل إختلافهم على ثبوت البسملة. فكيف يتناسى الرافضة ذلك؟
وأكد الحلي أن جاحد البسملة لا يكفر لوجود شبهة عنده. (تذكرة الفقهاء1/114).(12/183)
وقال الحلي بأنه لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح وسورة الفيل ولايلاف. وهل تعاد البسملة بينهما؟ أجاب الحلي: الأقرب ذلك لأنها ثابتة في المصحف، وقال الشيخ في التبيان: لا تعاد لأنها سورة واحدةوالاجماع على أنها ليست آيتين من سورة واحدة » (تذكرة الفقهاء1/116 و4/150).
واعترف البهائي العاملي على أن الأكثر من علماء الشيعة على وحدة السورتين (الضحى والانشراح) (الاثنا عشرية للبهائي العاملي ص 63).
وتساءل الخوئي: سورتا الضحى والانشراح وكذلك لايلاف والفيل: هل هما سورتان أم سورة ة واحدة؟
فأجاب بأن « المعروف بل المتسالم عليه عند الأصحاب هو الثاني» وبعد أن أطال في مناقشة هذه المسألة ووقع في تخبط كبير ودوران قال ما يلي:
إلى ما يلي « بعدما عرفت من وجب الجمع بين السورتين عملا بقاعدة الاشتغال: فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة أو يؤتى بهما موصولة؟ فيه خلاف بين الأعلام، بل ينسب الثاني إلى الأكثر، بل عن التهذيب عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة، وعن التبيان ومجمع البيان أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها» (كتاب الصلاة للخوئي 3/354-359).
نقل المجلسي عن الشيخ في الاستبصار أن سورة الضحى والانشراح هما سورة واحدة عند آل محمد وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل بينهما بالبسملة. وحكى المجلسي الاختلاف على ذلك والاكثر على ترك البسملة (بحار الأنوار82/46).
موقع فيصل نور
================
الموضوع عبارة عن محاضرة ألقاها الشيخ عثمان الخميس
الموضوع عبارة عن محاضرة ألقاها الشيخ عثمان الخميس حفظه الله . للاستماع [1] , [2]
إن الحمد الله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات إعمالنا من يهده الله فهو المهتدى ومن يظل فلن تجد له وليا مرشدا . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله .
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أخي المطالع لهذا الموضوع ينبغي أن تعرف أن الحديث هنا ليس عن الشيعة وإنما هو عن التشيع كمذهب ونحلة وندعوك للوقوف معنا بروح التجرد والإنصاف فإلى الموضوع:
الشيعة فيهم الجاهل وفيهم العالم . لكن الموضوع أكبر من هذا بكثير نحن نريد أن نتكلم عن التشيع كتشيع لا نريد أن نتكلم عن الشيعة كأفراد وموضوع الأفراد ليس هذا مجاله وإنما المجال هو الكلام في التشيع ذاته لا في الأفراد الذين ينتمون إلى هذا المذهب أو هذا الدين أو هذه الملة وإنما نتكلم كما قلت عن أصل هذا الدين أو أصل هذا التشيع .
الشيعة الإمامية :- هم الذين يقولون بإمامة على بن أبي طالب – رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله علية وآله وسلم – مباشرة بدون فصل ويرون أن أبا بكر أغتصب الخلافة من على – وكذلك فعل عمر وعثمان .
والصحابة عند الشيعة قسمين :
القسم الأول : وافق أبا بكر وعمر وعثمان على تجنيهم على علي وهؤلاء هم جل الصحابة .
القسم الثاني : هم الذين لم يرضوا بهذا وخالفوا ذلك الأمر ورأوا أن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا الخلافة من على وان الخلافة لعلي ، وهؤلاء قد اختلف الشيعة في أعدادهم أو أسمائهم ولكن أجمعوا على ثلاثة وهم ، سلمان الفارسي رضي الله عنه ، و المقداد بن الأسود رضي الله عنه ، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه .
ولذلك جاءت روايات كما سيأتي أن الصحابة كلهم ، ذهبوا إلا ثلاثة : سلمان والمقداد وأبا ذر ، وجاءت في بعض الروايات ارتد أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم كلهم إلا ثلاثة – وذكروا أولئك الثلاثة ثم بعد ذلك يستثني عمار بن ياسر وبعض الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين .
فإذا الشيعة هم الذين يقولون بإمامة على بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله علية وسلم – بلا فضل ، ولكنهم بعد ذلك اختلفوا اختلافا شديدا في الإمامة بعد رسول الله صلى الله علية وسلم – فبعد أن اتفقوا على – على بن أبي طالب – اختلفوا بعد علي وبعد الحسين وبعد جعفر اختلافا شديدا وكذلك بعد الحسن العسكري والمشهور أيضا أنهم تقريبا بعد كل إمام يختلفون ولكن هذه أكبر خلافات وقعت بين الشيعة بعد علي مباشرة لأن بعض الشيعة قالوا أن علياً لم يمت و مازال عليا باقيا – رضي الله عنه ولم يقولوا بإمامة الحسن بن على بعد علي رضي الله عنه ولكن جمهورهم ذهبوا إلى إمامة الحسن بعد – على بن أبي طالب وبعد الحسن واتفقوا على الحسين وبعد الحسين أيضا اختلفوا وبعضهم قال بأن الإمامة انتهت عند الحسين وبعضهم قال بإمامة محمد بن الحنفية – أي وبعد على قالوا بإمامة محمد بن علي ثم بعد محمد قالوا بإمامة جعفر ولكن بعد جعفر اختلفوا فمنهم من قال بإمامة موسى وهم جمهور الشيعة ومهم من يقال بإمامة إسماعيل بن جعفر وعم مجموعة من الشيعة الذين يسمون بالإسماعيلية ومنهم من وقف في جعفر وقالوا انتهت الإمامة عند جعفر وغير ذلك .(12/184)
واختلفوا كذلك بعد الحسن العسكري : الذي هو الحسن بن علي الهادي اختلفوا في الإمامة بعده فقال بعضهم أن الإمامة وقفت عند وبعضهم قال بإمامة المنتظر الذي هو ادعوه إنه ولد الحسن العسكري وبعضهم قال بإمامة أخيه جعفر- ولذلك يقول النوبختي وهو من علماء الشيعة يقول بعد الحسن اختلفت الشيعة على أربعة عشر فرقة ، هذا بعد الحسن فقط .
وموضوع المنتظر عند الشيعة – موجود في الكافي ما ينكر ذلك – أي ينكر وجود المنتظر فهذا كتاب الكافي للشيعة أخذت منه هذه الرواية – تقول هذه الرواية ، أنه سئل رجل من الأشعريين أبا بكر فقال فما خبر أخيه جعفر يقصدون جعفر أخا الحسن العسكري فقال ومن جعفر فسأل عن خبره أو يقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكه لنفسه خفيف في نفسه ولقد ورد على السلطان إلى أن يقول فلما اعتل الحسن بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركض من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجل ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقافة وخاصته فيهم تحرير فأمر بلزوم دار الحسن وتعرف خبرة وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمره بالاختلاف إليه وتعهده صباحا ومساءا إلى قوله وفتشوا الحجر وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرف الحمل فدخلنا إلى جواريه ينظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فجعلت في حجرة ووكل بها تحرير الخادم وأصحابه ونسوه معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركبت بني هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته – يقول ثم غطيا وجهه وأمر بحمله فحمله من وسط داره ودفن فالبيت الدفن فيه أبوه فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمت ميراثه ولم يعد يزل الذين وكلوا بخفض الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل ، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر – فهذا كتاب الكافي الذي هو الكتاب المعتمد عند الشيعة يقول لنا أنه ليس هناك مهدي منتظر، أي لم يولد للحسن أصلا و لم يكن للحسن العسكري ولد . ولذلك قسم ميراث الحسن بين أمه وأخيه .
يقول النوبختي – توفي الحسن بن علي سنة 260 ودفن في داره ولم يرى له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر ، وهذا قاله النوبختي ، يقول قسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه وهي أم ولد ، فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة وقاله الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية لله حجة من ولد الحسن بن علي وهو وصي لأبيه ، مع أنه فتش فلم يوجد له ولد - وهذا قاله النوبختي في كتاب فرق الشيعة صفحة 108
ما هي معتقدات الشيعة التي خالفوا بها أهل السنة أو ما هي معتقدات الشيعة التي خالفوا بها المسلمين
هذه المعتقدات كثيرة جدا ولعلي أذكر أهمها هنا :
المسألة الأولى : القول بالرجعة : والله تبارك وتعالى كذب القول بالرجعة في كتابه العزيز في ذكره حال الكافرين " قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " المؤمنون 100.
فالرجعة قد كذبها في كتابه العزيز سبحانه وتعالى ولكن نجد أن الشيعة يقولون بالرجعة .
روى الكليني في الكافي عن على رضي الله عنه أنه قال : " ولقد أعطيت السنة علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرات ودوله الدول وإني لصاحب العصا والميتمي والدابة التي تكلم الناس " هذا في الكافي الجزء الأول صفحة 198 – قال محقق الكتاب على أكبر الغفاري : الكرات ، أي الرجعات إلى الدنيا .
ولعلنا نذكر أسماء الأئمة كما يعتقد بهم الاثنى عشرية :
علي بن أبي طالب
الحسن بن علي بن أبي طالب
الحسين بن علي بن أبي طالب
علي بن الحسين بن على بن أبي طالب – وهو الذي بزين العابدين
محمد بن علي وهو يلقب بالباقر
جعفر بن محمد – وهو الذي يلقب بالصادق
موسى بن جعفر – وهو الذي يلقب بالكاظم
على – وهو الذي يلقب بالرضا علي الرضا )
محمد – وهو محمد الجواد
علي – وهو علي الهادي
الحسن بن علي – وهو يلقب بالعسكري
المنتظر – وله ألقاب كثيرة منها – الغائب – المنتظر – الخائف –وغيرها من الألقاب التي لقب بها المنتظر
وقبل أن الخوض في روايات الكليني في الكافي ، أنبه على أمر مهم جدا : أن جميع هذه الروايات التي أذكرها هي كذب على هؤلاء الأئمة ، فنحن ننزه علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسن وجعفر ومحمد وموسى وعلي ومحمد الجواد وكل هؤلاء .
نحن ننزههم من هذه الأكاذيب وندين الله بأن هذا كذب عليهم ، وأنهم لم يقولوا مثل هذا الكلام – لكن القصد أن هذا هو الموجود في كتب الشيعة .(12/185)
فيروي الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد – الذي هو الصادق – رضي الله عنه ، أنه قال " إن الله قال للملائكة الزموا قبر الحسين حتى تروه قد خرج فانصروه وأبكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصره والبكاء عليه ثم ماذا يقول فبكت الملائكة تعديا وحزنا على ما فاتهم على نصرته فإذا خرج يكونون من أنصاره – فإذا خرج ، إذاً سيعود إلى الدنيا مرة ثانية ، فإذا خرج يكونون من أنصاره وذلك عند خروج المهدي المنتظر. فإنهم يروون أيضا أنهم إذا خرج المهدي المنتظر خرج معه جميع الأئمة السابقين – هذه الرواية أخرجها الكليني في الكافي الجزء الأول صفحة 284.
هذا القول بالرجعة – فهذه مسألة عقائدية عظيمة جدا تخالف كما ترون كتاب الله تبارك وتعالى .
المسألة الثانية " وهو القول بردت جمهور الصحابة "
روى الكليني في الكافي عن محمد بن علي الذي هو الباقر أنه قال – كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة وهذه في الروضة من الكافي صفحة 246 .
وفيه أيضاً عن محمد بن علي رضي الله عنه أنه قال – المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ثلاثة – وهذه في الجزء الثاني صفحة 244.
وروى الكليني في الكافي كذلك عن محمد بن جعفر أنه قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم – من أدعى إمامتنا من الله ليست له ، ومن جحد إماما من الله ، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيب – ولهام الضمير يعود على أبي بكر وعمر ، ومن زعم أن لأبي بكر وعمر نصيب في الإسلام – لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم - وهذه الرواية في الكافي الجزء الأول صفحة 373.
المسألة الثالثة : القول بكفر من عدا الشيعة كل من عدا الشيعة فهو كافر بل لم يتوقف الأمر على ذلك بل كل من عدا الشيعة كافر وولد زنا .
قال بن بابويه رئيس المحدثين عندهم – إن منكر الإمام الغائب – أشد كفرا من إبليس – الذي ينكر الإمام الغائب أشد كفرا من إبليس - وهذا قاله في إكمال الدين . صفة 13.
ويروي الكليني في الكافي عن محمد بن علي الباقر – أن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا – وهذا في الروضة من الكافي . صفحة 239 .
ويروي الكليني في الكافي عن الرضا أنه قال : ليس على ملة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا - وهذا في الجزء الأول من الكافي 233.
ويروي الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد الصادق – أنه قال – إن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما يحدث وينكح كما ينكح – قال السائل ، بأي شئ يعرف ذلك " بأي شي نعرف بأن الشيطان نكح هذه المرآة أو الإنسان أي زوجها هو الذي نكحها كيف نعرف من الذي نكح هذه المرآة " قال : بحبنا وبغضنا – فمن أحبنا كان نطفة العبد ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان . وهذا ما قاله في الجزء الخامس من الكافي صفحة 502.
وقال محدث الشيعة في زمنه / نعمة الله الجزائري : إنا لا نجتمع معهم – أي السنة على إله ولا على نبي ولا على إمام وذلك أنهم يقولون أن ربهم الذي كان محمد نبيه وخليفته بعده أبو بكر – ونحن نقول لا نقول بذلك الرب ولا بذلك النبي بل نقول إن الرب الذي خلق خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا – هذا قاله في الأنوار النعمانية في الجزء الثاني صفحة 278.
قال الحر العاملي – السيد نعمة الله الجزائري فاضل عالم محقق جليل القدري .
قال الخنساري كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلائنا المتبحرين واحد عصره ، في العربية والأدب والفقه والحديث !
وهذه أيضا قالها محمد التيجاني –المعاصر قال : الرب الذي يرضى أن يكون أبو بكر هو الخليفة بعد رسول الله ما نريد هذا الرب – وهذه قالها في محاضرة في لندن والشريط موجود .
المسألة الثالثة : القول في تحريف القرآن :
الشيعة يقولون بتحريف القرآن الكريم أو نقول مذهب الشيعة يقول بتحريف القرآن – قال ابن حزم : ومن قول الإمامية كلها قديما وحدثنا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير حاشا على بن الحسين بن موسى ( الشريف المرتضى ) فهو الوحيد الذي لم يثبت عنه القول بتحريف القرآن – والأمر كما قال ابن حزم .
قال نعمة الله الجزائري- الذي ترجمنا له له قريبا : الأخبار مستفيضة بل متواترة والتي تدل بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعرابا – قال هذا الكلام في الأنوار النعمانية الجزء الثاني 357 .
وذهب إلى هذا القول الحر العاملي : ولا بأس أن نترجم له ، فقد قال عنه الخنساري : كان من أعاظم فقهائنا المتأخرين وأفاخم نبلائنا المتبحرين .
وقال النوري : العالم الفاضل المدقق أفقه المحدثين وأكمل الر بانيين(12/186)
فماذا يقول العاملي ؟ ، يقول : أعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتوافرة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – شئ من التغيرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات ولقد قال بهذا القول القمي والكليني ووافق جماعة من أصحابنا المفسرين كالعياشي والنعماني وخرا ش وغيرهم وهو مذهب أكثر محققي محدثي المتأخرين وقول الشيخ الأجل أحمد بن أبي طالب الطبرسي كما ينادى في كتابه الاحتجاج , وقد نصره شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت في كتابه بحار الأنوار وعندي – مازال الكلام للحر العاملي – في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع . وهذا في مرآة الأنوار المقدمة الثانية صفحة 36 .
ومعنى هذا أن القول بتحريف القرآن عند الحر العاملي من ضروريات مذهب التشيع
وقال يوسف البحراني : لا يخص ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه ولو تطرق الطعن إلى هذه الروايات على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كاملا كما لا تخفي – < يقصد روايات التحريف > إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة، لعمري إذ القول بعدم التغير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن في الأمانة الكبرى ، مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى – يقصد إمامة علي بن أبي طالب – التي هي أشد ضررا على الدين – في الدرر النجفية صفحة 294.
وقال عدنان البحراني : الأخبار التي لا تحصى كثيرة وقد تجاوزت حد التواتر ليس في نقلها فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغير بين الفريقين – يقصد السنة والشيعة – وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة – يقصد الشيعة على إن القرآن محرف – يقول وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تظافرت أخبارهم - هذا في شموس الدرية صفحة 126.
وقال على بن أحمد الكوفي : وقد أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله – هذا قاله النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب صفحة 27 .
وقال الشيخ بحي مشهور تلميذ الكركي : مع إجماع أهل القبلة من الخاص والعام أن هذا القرآن الذي في أيدي الناس ليس هو القرآن كله - فصل الخطاب صفحة 32 .
وقال النوري الطبرسي صاحب كتاب فصل الخطاب – من الأدلة على تحريف القرآن فصاحته في بعض الفقرات البالغة ، يقصد الفصاحة أنها بالغة جداً وعظيمة جداً وتصل حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر ، أي سخافة بعض الآيات .
وهذا النوري الطبرسي يقول في بداية كتابه المسمى ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ): هذا كتاب لطيف وسفر شريف ويسمى ، بفصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب .
وقد ذكر كلاما كثيرا في هذا الكتاب يثبت فيها أو يدعي فيها التحريف في هذا الكتاب نقلت لم بعضها:
أولا نقل سورة الولاية المدعاة التي يدعي الشيعة أن السنة أو أن الصحابة حذفوا هذه السورة من كتاب الله تبارك وتعالى وهي سورة الولاية ذكرها النوري الطبرسي في كتابه والسورة تقول " يأيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلواني عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نورا في بعضهما من بعض وأنا السميع العليم ، إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم ظلموا أنفسهم وعصوا وصية الرسول أولئك يسقون من حميم"
إلى قوله " يأيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون قد خصر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون مثل الذين يوفون بعهد إني جزيتهم جنات النعيم إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم وإن عليا من المتقين و إنا لنوفينة حقه يوم الدين ما نحن عن ظلمه بغافلين وكرمناه على أهلك أجمعين فإنه وذريته لصابرون وإن عدوهم إمام المجرمين قل للذين كفروا بعدما آمنوا طلبتهم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون " إلى آخر هذه الترهات التي يدعون أنها سورة نزلت من عند الله تبارك وتعالى ولكن حذفها أصحاب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- وهذه ذكرها – أبي شهر آشوب من علماء الشيعة وكذلك النور الطبرسي – وغيرهم(12/187)
هذه آية الكرسي عند النوري الطبرسي لا كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى يقول هي هكذا قرأ أبو الحسن عليه السلام " له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إلى " إلى آخره ، ويذكرها كذلك مرة ثانية يقول" الله لا إله إلا هو لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " إلى قوله "هم فيها خالدون " وكذلك يقول قرأه على أبي عبد الله عليه السلام : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فقال أبو عبد الله – جعفر الصادق رضي الله عنه – " خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام – فقال كيف أقرئها إذاً ، قال:" كنتم خير أئمة " .
وكذلك هذه سورة الانشراح يقول إنما نزلت عن أبي عبد الله عليه السلام :" فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرى " يقول هكذا نزلت :" ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك "
هذه بعض صور التحريفات وفي فهرس كامل في كل سورة من سور القرآن يعني من البقرة إلى سورة الإخلاص كل سورة ذكر صاحب هذا الكتاب النوري الطبرسي – ما فيها من التحريف .
بقي أن نعرف من هو نوري الطبرسي الذي يقول بتحريف القرآن أو ألف هذا الكتاب في إثبات تحريف القرآن كما يدعي ؟
قال عباس القمي صاحب كتاب الكني والألقاب : وقد يطلق الطبرسي على شيخنا الأجل ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين بن العلامة محمد تقي النور الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل هو نفسه شيخ الإسلام والمسلمين مروج علوم الأنبياء والمرسلين الثقة الجليل والعالم الكامل .
وقال اغابرزك الطهراني في ترجمة النور الطبرسي : إمام أئمة الحديث والرجال في عصره في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن .
هذا الذي يؤلف كتابا ويسميه فصل الخطاب في إثبات تحريف الكتاب هكذا يذكرونه ويثنون عليه !
المسألة الخامسة : الطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
وقد يستغرب البعض كيف يطعنون في عرض النبي – صلى الله عليه وسلم ، يروون عن على بن أبي طالب – رضي الله عنه ، انه قال :سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – ليس له خادم غيري وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة ، يقول كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره – لحاف واحد – الرسول بالوسط وعن يمينه على وعن يساره عائشة، يقول : فإذا قام لصلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ،أي النبي يقوم ويترك عليا وعائشة في فراش واحد في لحاف واحد ، وهذا في بحار الأنوار الجزء رقم 40 صفحة رقم 2
ويروون في الكافي ، أنه إذا وجد رجل مع امرأة في لحاف واحد جلدا حد الزنا ، ثم يروون عن علي وعائشة أنهما كانا في فراش واحد في لحاف واحد تحت نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
القول بالبداء : أيضا من الأشياء الخطيرة في معتقد الشيعة القول بالبداء والبداء هو أن يبدوا لله تعالى شئ لم يكن عالما به، إن هذه من عقائد اليهود كما تعلمون كما سيأتي .
قال السيد الطوسي في تعليقه على تفسير القمي : وقال شيخنا الطوسي في العدة : وأما البراء فحقيقته في اللغة الظهور كما يقال بدا لنا سور المدينة وقد يستعمل في العلم بشيء بعد أن لم يكن حاصلا - وهذا في تفسير القمي في الجزء الأول صفحة 39 .
وروى الكليني في الكافي عن زرارة عن جعفر بن محمد ( الذي هو الصادق ) أنه قال: ما عُبد الله بشيء مثل البداء ، وسيأتي الزيادة إن شاء الله في موضوع البداء وهذه الرواية في الكافي الجزء الأول صفحة 146.
عقيدة الشيعة في الأئمة الإثنى عشر:
ماذا يعتقدون في أئمتهم لا شك أن الشيعة غلوا في أئمتهم غلوا شديدا حتى رووا عن على بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : " والله لقد كنت مع إبراهيم في النار وأنا الذي جعلتها بردا وسلما وكنت مع نوح في السفينة وأنجيته من الغرق وكنت مع موسى فعلمته التوراة وكنت مع عيسى فأنطقته في المهد وعلمته الإنجيل وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد اخوته وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الريح " هذه في الأنوار النعمانية الجزء الأول صفحة 31 – والأنوار النعمانية من الكتب المعتمدة عند الشيعة .
وروى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال " عندنا علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة " وهذا في الجزء الأول صفحة 239.(12/188)
ويقول الكليني أيضاً : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي عن أبي بصير قال :" دخلت على أبي عبد الله فقلت له جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، هاهنا أحد يسمع كلامي قال فرفع أبو عبد الله ، < يعنون جعفر الصادق ، رضى الله عنه > سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا أبا محمد سل عما بدا لك ، قال قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله علية وآله وسلم ، علم علياً عليه السلام بابا يفتح له منه ألف باب قال قلت هذا والله العلم ، قال فنكس ساعتا في الأرض ثم قال ، إنه لعلم وما هو بذاك ثم قال يا أبا محمد ، وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ، قال قلت جعلت فداك وما الجامعة ، قال : صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه من فلق فيه وخط على يمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرشة في الخدش وضرب بيده إلي فقال تأذن لي يا أبا محمد ، قال قلت جعلت فداك ،إنما أنا لك فاصنع ما شئت قال فغمزني بيده ،أي ضربه هكذا بيده – وقال إرش هذا ، يقصد العقوبة المقدرة عليه – موجود قلت هذا ولله العلم – إنه لعلم وليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال و إنا عندنا الجسر وما يدريهم ما الجسر – قال قلت وما الجسر قال ، وعاء من آدم ، فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل – قال قلت إن هذا لهو العلم قال إنه لعلم وليس بذاك ، ثم سكت ساعة ثم قال وإن عندنا لمصحف فاطمة – عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، قال قلت وما مصحف فاطمة قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله وما هو بذاك قال قلت هذا والله العلم ، قال : إنه لعلم وما هو بذاك ثم سكت ساعة ثم قال : إنا عندنا علم والله العلم – قال إنه لعلم وليس بذاك قال قلت: جعلت فداك فأي العلم قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر والشيء من بعد الشيء إلى يوم القيامة . وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة 239
< أما قوله يعني ثلاث أضعاف مصحفكم فجاء في روايات أخرى أن عدد آياته سبعة عشر ألف آية وكلنا يعلم أن عدد آيات القرآن ستة آلاف وقليل ولو ضربنا في ثلاثة لكان العدد كما ذكرت >
وروي الكليني أيضاً في الكافي عن أبي بصير أنه سئل جعفر بن محمد رأي الصادق ،أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرأ العمى والأبرص ؟ قال نعم . وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة 470.
وهذا كتاب [ الدين بين السائل والمجيب ] لسماحة المرجع المعظم الإمام المصلح الحاج ميرزا حسن الحارثي – طبع في الكويت – يقول : بعد أن سئل السؤال التالي : لما مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي توفى فيه أوصى إلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين على عليه السلام " إذا فاضت نفسي المقدسة بيدك فمسح بها وجهك وإذا مت غسلني وكفني واعلم إن أول من يصلي علي الجبار جل جلاله ثم أهل بيتي ثم الملائكة ثم الأمثل فالأمثل من أمتي " يقول السائل ، فما معنى إفاضة النفس وتناولها بيد علي عليه السلام ومسحها بوجهه ثم ما كيفية صلاة الجبار ؟ :
فأجاب : النفس هنا معناها الروح يعني خروج روحي من جسدي فتبرك بها فمسح بها وجهك ولأن روحه الزكية أفضل روح وأشرف روح بين الأرواح فهي مباركة طيبة هذا إذا كانت روحه البشرية وأما إذا كانت النفس اللاهوتية ]الرسول له نفس لاهوتية كقول النصارى عن عيسى عليه السلام [ فهي التي تنتقل من معصوم إلى معصوم بعد وفاة كل منهم وهي الملك المسدد الذي جاء في أخيارنا - وفي بعض الروايات تتجسم كزبده على شفتي الإمام عند وفاته فيتناولها الإمام من بعده بفمها فيأكلها نفس لاهوتية - هكذا يقولون أو هذه عقيدة الشيعة في أئمتهم الأثنى عشر .
استحلال دماء وأموال أهل السنة :
دماء أهل السنة وأموالهم حلال على الشيعة ، ولكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة وخير مثال على ذلك ما قرأتموه في كتب التاريخ عن نصير الطوسي وكذلك ابن العلقمي وغيرها .
فعن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكني اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل ، قلت : فما ترى في ماله ؟ قال توه ماقدرت عليه . علل الشرائع وفي الأنوار النعمانية الجزء الثاني صفحة 308.
والناصب كل من لم يكن شيعياً ، فأنا وأنت وكل سني ناصبي عندهم ، قال الشيخ حسين بن الشيخ آل عصفور الزراري البحراني في كتابه المحاكم النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية : بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا شاء أم أبا وهذا في المحاكم النفسانية صفحة 147. ولذلك إمام النواصب : عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما .
ويروي الطوسي عن ابن عبد الله جعفر أنه قال : خذ مال الناصب حيث وجدته وادفع إلينا الخمس في تهذيب الأحكام الجزء الرابع صفحة 122(12/189)
وقال الخميني : " والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنما منه وتعلق الخمس به " طبعا قوله من أهل الحرب معناها ليست إباحة ماله فقط بل أيضا النفس ولكن ما ذكرها هنا بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسة هذا ما قاله في تحرير الوسيلة الجزء الأول صفحة 352.
وروى الكليني عن جعفر بن محمد أنه قال : قال أبي ، أي محمد الباقر : أماترضون أن تصلوا ويصلوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تزكوا ويزكوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أماترضون ان تحجوا ويحجوا فيقبل الله جل ذكره منكم ولا يقبل منهم والله ما تقبل الصلاة إلا منكم ولا الزكاة إلا منكم ولا الحج إلا منكم فاتقوا الله عزوجل فإنكم في هدنة .
فهم يرون الأمر هدنة فقط متى انتهت هذه الهدنة انتهى كل شيء - وهذا قاله في الروضة من الكافي صفحة 198
وروي المجلسي عن عبد الله جعفر بن محمد أنه سئل عن المنتظر إذا خرج فما يكون من أهل الذمة عنده ؟ [ اليهود والنصارى ] قال : يسالمهم كما سالمهم رسول الله صلى الله عليه واله ، ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون قلت : فمن نصب لكم عداوة ؟ فقال : لا يا أبا محمد مالمن خالفنا في دولتنا من نصيب إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا ، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد ، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين . وهذا في بحار الأنوار الجزء 48 صفحة 376 .
وروي المجلسي أيضا عن جعفر بن محمد أنه قال : ما بقيا بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه وهذا في بحار الأنوار جزء 52 صفحة 349.
هذه المعتقدات التي نجدها في كتب الشيعة كما نقلت لكم الآن من أين جاءت الذي أدين الله تبارك وتعالى به أن هذه المعتقدات أو الدين أو المذهب الذي هو للشيعة هو مذهب دين ملفق أخذ شيء كثيرا من دين المسلمين وأخذ شيئا من دين اليهود وشيئا من دين النصارى وشيئا من دين المجوس وشيئا من دين الهندوس والبوذيين وغيرهم كما سيأتي الآن في بيان جذور معتقدات التشيع أو الشيعة .
جذور هذه المعتقدات :
أولاً التحريف :
من أين لهم التحريف ، كلكم يعلم أن الله تبارك وتعالى قد ذكر في كتابه أن اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) والشيعة كما مر أيضا عندكم أنهم ينقلون الإجماع على أن القرآن محرف من أين أخذوا التحريف ؟ من اليهود والنصارى .
عقيد الطعن في الأنبياء :
الكل يعلم أن اليهود يطعنون في أنبياء الله تبارك وتعالى نذكر لكم قصة : في التوراة : قالت اليهود إن داود عليه السلام رأى امرأة تستحم وكانت جميلة جدا وسئل عن المرأة فقيل إنها امرأة أوريا ، أسم زوجها أوريا فأرسل داود عليه السلام زوجها إلى الحرب وقال اجعلوه في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت ، ففعلوا فتزوج داود امرأته هذا في صامويل الثاني صفحة 11 .
والطعن في الأنبياء عند الشيعة : روي الكليني في الكافي – أن نبي الله إسماعيل عليه السلام ، نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسئل الله أن يزوجها إياه وكان لها بعل ] امرأة متزوجة يتمنى أن يتزوجها ] يقول فقص الله على بعلها بالموت ثم تزوجت إسماعيل - وهذا في الكافي الجزء الثاني صفحة 311.
البداء – عقيدة البداء :
قالت اليهود وكان كلام الرب إلى صاموئيل : قائلا ندمت أني قد جعلت شادا ملك لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي ندمت!! الله يقول ندمت – وهذا في صاموئيل الأول صفحة 15
وقالت اليهود فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته – الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء لأني حزنت أني عملتهم - وهذا في سفر التكوين الصفحة6.
وأما البداء عن الشيعة – فروى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قال : نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون - هذا في الكافي الجزء الأول صفحة 327.
التناسخ :
تناسخ الأرواح عند الأديان السابقة ، عند البراهمة عن باسديوا أنه قال ، إن كنت بالقضاء السابق مؤمنا فعلم أنهم ليسوا ولا نحن نموت ولا ذاهبين ذهابا لا رجوع فيه فإن الأرواح غير مائتة ولا متغيرة وإنما تتردد في الأبدان على تغاير الإنسان – يعني إن الروح تنتقل من إنسان إلى إنسان .
انظر ماذا يقول الشيعة عند زيارة القبور وعند البقيع بالذات يقولون لآل البيت هناك ولم تزالوا بعين الله ينسخكم في أصلاب كل مطهر وينقلكم في أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية [ تنتقل الأرواح كما نقلنا لكم النفس اللاهوتية ] وهذا في الكافي الجزء الرابع صفحة 559 .
وروي الكليني في الكافي عن محمد بن علي الباقر أنه قال : ليس يموت من بني أمية بيت إلا مسخ وزغا . وهذا في الكافي الجزء الثامن صفحة 232 .(12/190)
يعني كل من يموت من بني أمية يمسخ وزغا وهذه عقيدة التناسخ ليست من عقيدة المسلمين بل هي كما رأيتم عقيدة البراهمة .
ادعاء الاصطفاء :
كلكم يعلم أن اليهود والنصارى يدعون أن الله تبارك وتعالى اصطفاهم : " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحبائه " المائدة 18 ، وقالوا كذلك :" وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " البقرة 80 وقالوا : " لن يدخل الجنة إلا من كانوا هوداً أو نصارى " البقرة 111 .
ماذا قال الشيعة ، قالت الشيعة : ليس على ملة إبراهيم إلا الشيعة - وهذا في الروضة من الكافي صفحة 31.
وروى الكليني في الروضة من الكافي أن رجل سأل على بن أبي طالب عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس – فقال نحن الناس وأشباه الناس شيعتنا والنسناس هم السواد الأعظم – أي باقي من ينتسب إلى بني الإسلام وغيرهم ثم قال " إن هم كالأنعام بل أضل سبيلا " الفرقان 44- وهذا في الروضة من الكافي صفحة 204
وروى الكليني في الكافي أيضاً عن محمد بن علي الباقر أنه قال : والله يا أبا حمزة أن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا .
القول بالرجعة:
من أين أتى الشيعة بالرجعة والقول بالرجعة ، قال أحمد أمين وفكرة الرجعة أخذها ابن سبأ من اليهودية ، فعندهم الآن النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيدوا الدين والقانون هذا في فجر الإسلام صفحة 270
وفي كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ويعتقد الصينيون أن مخلصهم وحاميهم فشنوا الذي ظهر فالناسوت باسم فشنا سيأتي ثانيا في الأيام الأخيرة صفحة 106 .
أما عند الشيعة روى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال :" إن الله قال للملائكة ألزموا قبر الحسين حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه ، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج يكونون أنصاره " الكافي الجزء الأول ص 283
قال المفيد وهو أحد أكابر علماء الرافضة : " واتفقت الإمامية على وجوب رجعت كثير من الأموات " هذا ما قاله في أوائل المقالات صفحة 51
وقال الحر العاملي : " إنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتشديد الاعتراف بها فالأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت - وهذا قاله في الإيقاض من الهجعة صفحة 64 .
عقيدة الفداء :
عند النصارى مشهورة جدا أن عيسى عليه السلام فدى الناس بنفسه وكفر عنهم خطيئة آدم وكل من عمل معصية فيكفيه أن يذهب إلى قس من القساوسة فيذكر له خطيئته ثم يدفع مبلغا معينا ثم يقول له القس بعد ذلك تحمل عنك عيسى أي يفديه والفداء موجود أيضا عند الشيعة أخذوه من النصارى ، عندما أقول لكم إن الدين ملفق ،أخذ من كل دين شيء ،هذا هو الذي أقول :
روى الكليني في الكافي عن موسى بن جعفر إنه قال : " إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني بنفسي أوهم فوقيتهم ولله بنفسي " هذا في الكافي الجزء الأول صفحة 260.
الجهاد :
الجهاد ممنوع عند اليهود حتى يخرج المنتظر وهو الدجال – دجالهم ،عندما يخرج يكون الجهاد ، وأما عند الشيعة في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم بوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائع الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر مال الإمام عليه السلام إلا البدئة بالجهاد - وهذا قال في تحرير الوسيلة جزء الأول صفحة 482
وروى الكليني في الكافي عن بشير الدهان قال قلت لأبي عبد الله يعني جعفر الصادق رضي الله عنه – إني رأيت في المنام إني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلت لي هو كذلك ، [ هذا في المنام [ فقال أبو عبد الله : هو كذلك هو كذلك .
أي بعد المنام أيضاً ! ، ولذلك لا تجدهم يقاتلون مع المسلمين أبدا ولم ينصروا المسلمين في معركة قط واقرأ التاريخ إن شئت - وهذه الرواية في الكافي الجزء الخامس صفحة 23.
الغلو :
النصارى غلو في عيسى عليه السلام حتى جعلوه إلها مع الله تبارك وتعالى وقد ذكرنا لكم الغلو عند الشيعة من أين أخذوه ؟ من النصارى وانظر إلى محمد حسين آل كاشف الغطاء : ماذا يقول عن أئمته :
يا كعبة لله إن حجة لها الأملاك منه
فعرشه ميقاتها أنتم مشيئتة التي خلقت بها الأشياء
بل ذرأت بها ذراتها أن فلوري قايل لكم
إن لم أقل – مالم تقله في المسيح غلاتها
الوصي :
القول بالوصي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصي بعد علي ووصى بعد الحسين ووصى بعد على بن الحسين وهكذا و هكذا لا تخلوا الدنيا من وصي من أين أتوا بهذا .
قال البونختي : وهو من علماء الشيعة قال ذلك في فرق الشيعة صفحة 42 قال :" وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم و والا علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام – فقال في إسلامه بعد وفاة النبي في على مثل ذلك .(12/191)
إذا هذه الوصايا أو الإمامة بعد كل إمام لا بد من إمام ثاني يوصى به هذه أخذها من أين ؟ من اليهودية – كما يقول عالمهم النوبختي :
استباحة دماء وأموال غيرهم – وهذه ذكرناها مفصلة ،أخذوها من اليهود والنصارى .. الذين يستبيحون دماء وأموال المسلمين .
تعظيم القبور :
اليهود والنصارى قد اشتهر عنهم تعظيم القبور حتى أن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال :" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياء وصالحيهم مساجد " أخرجه البخاري ( فتح الباري ) رقم 335 ومسلم بشرح النووي( 5/12)
أما تعظيم القبور عند الشيعة عجيب جداً يرون أن الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين بن على رضي الله عنهما عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف .... لماذا ؟
قالوا :لأن أولئك أولاد زناة [ أي الذين في عرفة ] وليس في هؤلاء أولاد زنا . هذا في الوافي المجلد الثاني الجزء الثامن صفحة 222 .
ويروون عن جعفر بن محمد أنه سئل عن من ترك زيارة قبر الحسين من غير علة أي بدون عذر ، قال :هذا رجل من أهل النار – وهذا في وسائل الشيعة الجزء العاشر صفحة 336 .
وانظروا إلى الطامة : ذكر المجلسي أنه يستحسن مع البعد استقبال القبر في الصلاة و استدبار الكعبة ! من يقول هذا ؟ هذا المجلسي في بحار الأنوار الجزء 100 صفحة 135 .
من هذا المجلسي : قال البحراني – المجلسي شيخ الإسلام بدار السلطنة اصفهان رئيسا فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية هذا يقول الذي يبعد عن قبر الحسين يستقبل القبر ويستدبر الكعبة في الصلاة .
جعل الواسطة بين الناس وبين ربهم تبارك وتعالى :
يقول الله تبارك وتعالى :" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " فلا وسيط بينه وبين عباده ، ولكن عند الشيعة هناك واسطة كما عند النصارى ، وقد أخذوا عنهم هذه المسألة .
هذا كتاب بين السائل والمجيب السؤال للحائري الإحقاقي – يقول السؤال : ما حكم من يصلي ويصوم ويؤدي جميع الواجبات المطلوبة منه لله تبارك وتعالى دون تقليد مرجع معين – بل يقوم بعباداته كلها استنادا إلى ما يسمعه من فتاوى من جميع مراجع الشيعة الإمامية دون تفريق بين مجتهد وآخر ؟
الجواب: يجب على كل مؤمن إذا بلغ حد الرشد أن يقلد فقيها عادلا مجتهد جامعا لشرائط الاجتهاد ويعمل بفتواه بعصر الغيبة وكذلك يجب على كل مؤمنة عاقلة فلا عمل لمن لم يقلد ولا تقبل أعماله .
أي بدون واسطة لا يقبل العمل ، ولذلك في كتاب عقائد الإمامية من لم يصل رتبه الاجتهاد يجب عليه أن يقلد مجتهدا حيا معينا وإلا فجميع عباداته باطلة ولا تقبل منه وإن صلى وصام وتعبد طول عمره . وهذا في عقائد الإمامية صفحة 55 .
مسألة الغيبة:
الشيعة يقولون بأن ولد الحسن العسكري ولد وغاب وما زلنا ننتظره وهذا ما يسمى بالغيبة ، فمن أين أخذوا هذه العقيدة ، ومن أين جاءوا بها .
في كتاب < تثبيت دلائل النبوة > أن المجوس يدعون أن لهم منتظراً حيا باقيا من ولد ( بشتاسس) يقال له ( أبشاوثن ) ، وأنه في حصن عظيم بين خرسان والصين .
والغيبة عند الشيعة أمر مجمع عليه لا خلاف فيه بينهم حتى قال قائلهم كثير عزة الشاعر المشهور مع أنه من الكيسانية الذين يؤمنون بعلي والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية
قال :
ألا إن الأئمة من قريش ولات الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت يقود الخيول يقدمها اللواء
تغيب ولا يرى عنا زمانا بربوة عند عسل وماء
وهذا في كتاب الفرق بين الفرق صفحة 28.
وهم يدعون أن عنده أولاداً وذرية في الجزيرة الخضراء ولكن أين الجزيرة الخضراء ؟ العلم عند الله .
هذه النقولات كما سمعتم نقلتها أو نقلت أكثرها من كتاب الكافي الذي هو العمدة عند الشيعة ، وهذا الكتاب نقلت أقوال أهل العلم فيه :
يقول الطبرسي : الكافي بين الكتب الأربعة كالشمس بين النجوم ، وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة حال أحد رجال السند المودعة فيه وتورثه الوثوقة ويحصل له الاطمئنان بصدودها وثبوتها وصحتها ، وهذا في مستدرك الوسائل الجزء الثالث صفحة 532 .
وقال الحر العاملي : أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قال شهود بصحة أحاديث كتبهم وثبوتها - ونقلها من الأصول المجمع عليها فإن كانوا ثقات تعين قبول قولهم ورايتهم ونقلهم الوسائل الجزء 20 صفحة 104 .
وقال شرف الدين الموسوي – عبد الحسين الموسوي ، الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه متواترة مقطوع بصحة مضامينها .
أما قول بعض الشيعة أن الكافي ليس كله صحيح كما يشاع الآن ، فهذا فقط للتهرب من هذه الطوام التي ذكرنا بعضها وإلا هذه عبد الحسين شرف الدين وهو من علمائهم الأصوليين المعتمدين جداً صاحب كتاب المراجعات :
يقول الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه متواترة مقطوع بصحة مضامينها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها - المراجعات مراجعة رقم 110(12/192)
وقال محمد الصادق الصدر في كتاب الشيعة صفحة 127 : والذي يجدر بالمطالعة بأن يقف عليه هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة وقائلها بصحة كل ما فيها من روايات.
وقال على أكبر الغفاري محقق كتاب الكافي : وقد اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة الاثنى عشرية على تفضيل هذا الكتاب والأخذ به والثقة بخبره والاكتفاء بأحكامه وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجة وعلو قدره على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الحديث .
قال الشيخ المفيد : الكافي هو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة - مقدمة الكافي صفحة 26
قال سيد الكاشاني : الكافي أشرفها ( أي كتب الشيعة) وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها - مقدمة الكافي صفحة 27
قال المجلسي : كتاب الكافي أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها- مقدمة الكافي صفحة 27
قال محمد أمين استرابيدي أو الإستبارادي : قد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أن يدانيه - مقدمة الكافي صفحة 27 .
هذا كتاب الكافي الذي نقلنا منه جل أو كل معتقدات الشيعة ، ولا بأس أيضا أن نذكر لكم بعض الأمور المستنكرة والمستبشعة في هذا الكافي الذي رأيتم ثناء علماء الشيعة عليه .
روي الكليني في الروضة من الكافي صفحة 193 : عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال :لله قباب كثيرة ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغربا أرض بيضاء مملوءا حلق يستضيئون بنوره لم يعصوا الله عز وجل طرفة غين – ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق ، يبرؤون من فلان وفلان ، يقصدون أبا بكر وعمر .
فانظر كيف أنهم لا يعرفون آدم ويتبرؤون من أبي بكر وعمر !
قال القمي في تفسيره لقوله تعالى :" وضرب الله مثلا للذي كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " التحريم 10
قال : والله ما عنا بقوله " فخانتاهما " إلا الفاحشة [ لكنه لا يتكلم عن امرأة لوط وامرأة نوح ] وإنما يتكلم عن عائشة وحفصة ولهذا قال : وليقيمن الحد على عائشة ، وكان طلحة يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم ، فتزوجت طلحة .
وقال رجب البرسي – في مشارق أنوار اليقين صفحة 86 : إن عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي على .
وقد مر بكم أنها نامت مع على في فراش واحد ، وفي كتاب بحار الأنوار : أن عليا جاء إلى النبي وهو جالس عند عائشة فجلس على فخذ عائشة وقالت له عائشة : يا على أما وجدت لإستك غير فخذي .
وهذا العياشي في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل )آل عمران 144 .
قال : بالسند عن جعفر الصادق: تدرون مات النبي أو قتل ، إن الله يقول ) أفإن مات أو قتل ( فسما قبل الموت إنهما سقتاه قبل الموت السم. يقصد عائشة وحفصة .
هؤلاء الشيعة يعظمون أئمتهم ويجعلون نفوسهم لاهوتية وأنهم يعلمون الغيب ويتصرفون بالكون ويدعون محبتهم وهم لا يحبونهم في حقيقة الأمر انظر ماذا يرون عنهم .
وروى الكليني في الكافي الجزء السادس صفحة 497 عن عبيد الله الدابغي قال دخلت حماما بالمدينة ( المقصود به حمام بخار ) فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام ، فقلت يا شيخ لمن هذا الحمام قال لأبي جعفر بن محمد بن على بن الحسين ( يعنون محمد الباقر رضي الله عنه) ، فقلت: كان يدخله قال : نعم قلت كيف كان يصنع ، قال : كان يدخل فيبدأ فيقلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ( ذكره ) ويدعوني فأطلي سائر بدنه ، فقلت له يوما الذي تكره أن أراه قد رأيته ( أي عورتك ) قال: كلا إن النمرة سترت ،( يعني الدهن – الدهن ساتر العورة أنت ما رأيت شيئا )
وروي كذلك في الكافي الجزء السادس صفحة 502 : أنا أبا جعفر كان يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر – قال فدخل ذات يوم الحمام فتنور ( يعنون أبا جعفر) فلما أطبقت النوره ( النورة التي هي الدهن ) على بدنه ألقي المئزر فقال له مولى له بأبي أنت وأمي إنك لتوصينا بالمئزر ولزومه وقد ألقيته عن نفسك ، قال أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة .
وروى الكليني في الكافي في الجزء السادس صفحة 501 عن أبي الحسن الماضي قال :العورة عورتان القبل والدبر ، أما الدبر فمستور بالإليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة . وفي رواية : وأما الدبر فقد سترته الإليتان وأما القبل فاستره بيدك .(12/193)
وفي الكافي أيضاً : عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال للإمام عشر علامات وحتى تعرف أن هذا إمام له عشر علامات :" يولد مطهرا مختونا وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين تنام عينه ولا ينام قلبه ولا يتثاءب ولا يتمطى يرى من خلفه كما يرى من أمامه ونجوه كرائحة المسك والأرض موكة بستره وابتلاعه وهو محدث إلى أن تنفضي أيامه ، هذا في الكافي الجزء الأول صفحة 388.
وروى أيضا في نفس الصفحة عن إسحاق بن جعفر عن أبيه : فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه فإذا ولدته ولدته قاعدا وتفتحت له حتى يخرج متربعا ثم يستدير بعد وقوعه إلى الارض فلا يخطئ القبلة . حتى كانت بوجهه ثم يعطس ثلاثا يشير بأصبعه بالتحميد ويقع مسرورا مختونا و رباعيتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ، ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا .
وفي روضة الواعظين صفحة 84 : أنه لما ولد على بن أبي طالب ذهب رسول لله صلى الله عليه وسلم إليه فرآه ماثلا بين يده ( في نفس الوقت الذي ولد فيه ) يقول رآه ماثلا بين يديه واضع يده اليمنى بإذنه اليمنى وهو يأذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله وبرسالته وهو مولود ذلك اليوم ثم قال لرسول الله أقرأ فقال له صلوات الله وسلامه عليه اقرأ : فقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن !
روى الكليني في الكافي عن على بن أبي طالب أن حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعني عفيرا) كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي [ انظروا الإسناد ] إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفنه ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار – الله المستعان هذا الكتاب الذي قالوا فيه لم يؤلف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه .
روى الكليني في الكافي في الجزء الرابع صفحة 580 عن أبي عبد الله قال : لرجل لم يزر قبر علي بأس ما صنعت لو لا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الأنبياء .
وروى الكليني كذلك في الكافي في الجزء الأول صفحة 448 ، عن أبي عبد الله ( أي جعفر الصادق رضي الله عنه ) قال : لما ولد النبي – صلى الله عليه و آله وسلم – مكث أياما ليس له لبن ، ليس له مرضعة ترضعه فألقاه أبو طالب على ثدي حليمة السعدية ، فدفعه إليها . أبو طالب هو الذي راضع النبي – صلى الله عليه وسلم .
وروى الكليني في الكافي الجزء الأول صفحة 464 عن أبي عبد الله قال: لم يرضع الحسين من فاطمة ولا من أنثى ! كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه لليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم ودمه .
لماذا الحسين ؟ لا يذكرون الحسن إلا قليلا ، ولماذا الإمامة في أولا د الحسين ولم تكن في أولاد الحسن أبدا ؟ الإمامة كما تعلمون في أولا د الحسين ، وكل شيء لأولاد الحسين وأكثر الأحاديث مدحا للحسين ، لماذا؟ كل هذا الأمر لأن زوجة الحسين هي شهربانو بنت يزدجرد وابنها على بن الحسين فيقول الشيعة : اجتمعت الشجرة الهاشمية مع الشجرة الساتانية ، فلذلك هم يحبون الحسين وأبناء الحسين لأن أبناء الحسين أخوالهم المجوس ، شهربانو بنت يزدجرد .
أمر آخر الشيعة يقول إن السنة عندهم اختلافات ، يختلفون كثيرا – انظروا ماذا يقول شيخ الطائفة الطوسي الذي يقولون عنه شيخ الطائفة يقول: ذاكرني بعض الأصدقاء أبره الله ممن حقه علينا ، بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم ، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه - هذا قاله في مقدمة التهذيب الأحكام .
بقية مسألة أخيرة وهي ما حكم هؤلاء ؟
ألا تتفقون معي أن من يدين بهذه الأشياء ومن يقول هذا القول أنه ليس من المسلمين ، ألا يحق لنا بعد هذا أن نقول أن من دان بهذه الأمور أنه غير مسلم ، لأن هذه الأمور ليست من دين الإسلام وأنه لا يحق لنا أن نقول مذهب الشيعة بل نقول دين الشيعة .
الذي يدين بهذا لا يقال عنه مسلم بل هذا دين آخر غير الإسلام لا نعرفه أبدا ، الذي نعرفه من دين الإسلام يخالف هذا كله ، فنحن لا نكفر الشيعة بأعيانهم لا يهمنا هذا الأمر ولكن الذي يهمنا أن من يقول هذا الكلام لا شك أنه ليس بمسلم .
من يعتقد هذا الاعتقاد لا شك أنه ليس من دين الله تبارك وتعالى في شئ وانظروا واسمعوا أقوال أهل العلم فيمن يدين بهذا الدين :(12/194)
قال الإمام مالك : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس له نصيب في الإسلام ،. وقال أيضا : من يغتاظ من الصحابة فهو كافر بدليل آية الفتح ) محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ( ثم ماذا قال ) ليغيظ بهم ( لم يقل ليغيظ بهم "ربهم " محمد رسول الله والذين معه " ليغيظ بهم الكفار " ليغيظ بهم الكفار . وهذا في كتاب السنة للخلال الجزء الثاني 557 .
وقال الإمام أحمد : من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة ، ما أراهم على الإسلام - وهذا في كتاب السنة للخلال صفحة 558
وقال : من شتم صحابيا أخاف عليه الكفر مثل الروافض ، لا نأمن أن يكون مرق من الدين - وهذا أيضا في كتاب السنة
وقال الإمام أحمد أيضا : وليست الرافضة من الإسلام في شيء - كتاب السنة للإمام أحمد بن صفحة 82
وقال الإمام أبو زرعة : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعلم أنه زنديق - كتاب الفرق بين الفرق صفحة 356
وقال القاضي عياض ، نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء . كلام القاضي عياض في الإلماع .
أقول بل أوصلوهم إلى مرتبة الألوهية يحيون ويميتون ويتصرفون بالكون وعندهم علم الغيب .
وقال أبو حامد المقدسي لا يمضي على ذي بصيرة من المسلمين أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من تكفير هذه الطائفة الرافضة على اختلاف أصنافها كفر صريح وعناء مع جهل قبيح لا يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين الإسلام .هذا قاله في رسالة له في الرد على الرافضة صفحة 200 .
وقال الإمام الشوكاني :إن أصل دعوة الروافض كياد الدين ومخالفة الإسلام وبهذا يتبين أن كل رافض خبيث يصير كافر بتكفيره لصحابي واحد فكيف بمن يكفر كل الصحابة واستثنى أفرادا يسيره . هذا قاله في نثر الجوهر على حديث أبي ذر .
وقال الألوسي ، ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الاثنى عشرية قاله في كتاب منهج السلامة
وقال ابن باز : الرافضة الذين يسمون الإمامية والجعفرية والخمينية اليوم كفار خارجون عن ملة الإسلام .
بعد هذا كله لا شك أن من يعتقد هذه المعتقدات أنه كافر .
قد يقول قائل طيب الشيعة الموجودين الآن ، فأقول نحن لا نتكلم عن أفراد أبدا بل نقول كما قال أئمة المسلمين من يعتقد هذه المعتقدات فهو كافر .
إن جاءنا رجل قال أنا أعتقد هذه قلنا له أنت كافر بعد أن يقام عليه الحجة طبعا ، وفي بعض الأمور قد لا تحتاج إلى إقامة حجة ، فالقصد أن كل من يدين بهذا الاعتقاد يقال عنه بأنه كافر .
فنحن نرحب بكل من دان بدين الله تبارك وتعالى ونشمئز وننفر من كل من خالف هذا الدين . هذا والله أعالم وصلى الله على نبينا محمد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
================
حد العورة عند الشيعة.
قال الكركي « إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة» (الكافي6/501 تهذيب الأحكام1/374). والدبر: نفس المخرج، وليست الأليتان، ولا الفخذ منها، لقول الصادق عليه السلام: (الفخذ ليس من العورة» وروى الصدوق أن الباقر عليه السلام كان يطلي عورته ويلف الازار على الإحليل فيطلي غيره سائر بدنه» (جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94 المعتبر للحلي 1/122 منتهى الطلب 1/39 للحلي تحرير الأحكام 1/202 للحلي مدارك الأحكام 3/191 للسيد محمد العاملي ذخيرة المعاد للمحقق السبزواري الحدائق الناضرة2/5).
عن أبي الحسن الماضي قال: العورة عورتان: القبل والدبر. الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والأليتين فقد سترت العورة. ولأن ما عداهما ليس محل الحدث. فلا يكون عورة كالساق» (الكافي 6/501 تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365 منتهى الطلب 4/269 الخلاف للطوسي1/396 المعتبر للحلي 1/122).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: « الفخذ ليست من العورة » (تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365).
« والدبر نفس المخرج وليست الأليتان ولا الفخذ منها» (جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94).
ولهذا كان الباقر يطلي عانته ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمام فيطلي سائر بدنه» (الفقيه 1/117 وسائل الشيعة1/378 كتاب الطهارة للخوئي3/356 كتاب الطهارة1/422 للأنصاري).
بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة.
ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة) (أنوار الولاية لآية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني 1409هـ – ص 440).
فساء وضراط الأئمة كريح المسك.(12/195)
قال أبو جعفر " للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختونا وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه (فساؤه وضراطه وغائطه) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر:
يقول الخميني في تحرير الوسيلة ص241 مسألة رقم 11 ( المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة ) !
ولا نملك إلا ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ملعون من أتى امرأة في دبرها )
إعارة الفروج.
روى الطوسي عن محمدعن ابي جعفر قال قلت الرجل يحل لاخيه فرج قال نعم لاباس به له مااحل له منها كتاب الإستبصار 3\136
حتى مجامعة الرضيعة جائزة عند الخميني.
ويقول الخميني « وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة» (تحرير الوسيلة2/216).
الخوئي يبيح لعب الرجل بعورة الرجل والمرأة بعورة المرأة من باب المزاح !
سؤال 784: هل يجوز لمس العورة من وراء الثياب من الرجل لعورة رجل آخر، ومن المرأة لعورة أخرى، لمجرد اللعب والمزاح، مع فرض عدم إثارة الشهوة؟
الخوئي: لا يحرم في الفرض، والله العالم. المصدر: صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ج3 (مسائل في الستر والنظر والعلاقات ).
وانا اقول لك نصيحة أخوية صغيرة : احذر من مجالسة مقلّد للخوئي يكثر المزاح ! والله المستعان
يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة.
أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكد أيهما أسبق من أجل الميراث. فقالوا: ينظر إلى المرآة فيرى شبحا» يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه. (الكافي7/158 وسائل الشيعة26/290 بحار الأنوار60/388).
فضل الله يبيح النظر إلى النساء وهن عاريات !
يقول فضل الله في كتابه النكاح ج1 ص66 ( فلو أنّ النساء قد اعتادت الخروج بلباس البحر جاز النظر إليهن بهذا اللحظ. ) إلى أن قال ( وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها ، كما في نوادي العراة أو السابحات في البحر في بعض البلدان أو نحو ذلك )
قلت: أي دين وأي منطق هذا ؟
لو سألت هذا السؤال :
هل يجوز لأي رجل أن يدخل أية أنثى أي مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ثم يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرد أن يتبادلا التلفظ ببضع كلمات عن الثمن والمدة أو (عدد المرات) و (متعتك نفسي) وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عما إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنها تمتهن البغاء؟
لجاء الجواب ومن أوثق المصادر :
(بسمه تعالى يجوز ذلك) انظر فروع الكافى 5/540 !!!!
يجوز التمتع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنوات - أو سبعا على رواية- بشرط عدم الإدخال في الفرج كراهة العيب على أهلها ) انظر فروع الكافى5/462 !!!! لا تحريما ولا مراعاة لذوق أو خلق
ولك - بعد- أن تطلق لخيالك العنان طويلا لتتصور مستقبل أخلاق طفلة بهذا العمر تتفرج على أعضاء الرجال التناسلية وتلحظ حركاتهم الجنسية وهم يفعلون معها كل شيء إلا الجماع!! والجماع المكروه من الفرج فقط ، أي تجوز المجامعة من الدبر!
هل يرضى إنسان غيور كريم مثل ذلك لابنته الصغيرة أو أخته أو قريبته أو لأي من أطفال العالمين ؟!!!
وما هو شعورك وأنت تتخيل وقوع ذلك مع ابنتك البريئة مجرد تخيل؟!!
إن تحليل هذه الحيوانية الهابطة لا يصدر من شيطان أو وحش عدو لبني الإنسان فكيف ينسب إلى أئمتنا ويلصق بشرعتنا؟ كيف؟!
الله يزور قبر الحسين.
قد تعجبون من هذه الحقيقة. والحقيقة مرة.
روى الكليني وغيره أن أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي قائلا « لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله والملائكة والأنبياء» (الكافي 7/580 تهذيب الأحكام للطوسي 6/20 وسائل الشيعة 14/375 بحار الأنوار25/361 100/258 وبحسب طبعة أخرى 97/257 كامل الزيارات 38كتاب المزار 19 فرحة الغري74 ).
وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة « والله لقد تمنيت أني زرته ولم أحج» (الكافي4/583). فتأمل!!!
ورجعت إلى النسخة المنزلة على الانترنت فلم أجدها. بالرغم من أن الطبعة المنزلة هي نفس الطبعة الورقية (طباعة مؤسسة الوفاء الطبعة الثانية سنة 1983) وهذا يعني تدخل الأيدي الشيعية لتحذف العديد من النصوص.
من حج كان ممن يزوره الله.
بل قالوا « من حج أكثر من خمسين حجة كان ممن يزوره الله عز وجل كل جمعة» (فقيه من لا يحضره الفقيه2/217 وسائل الشيعة 11/127).
طلب الاستعانة من الأنبياء والملائكة في الصلاة.
« قل في آخر سجودك: يا جبرئيل يا محمد يا جبرئيل يا محمد. (تكرر ذلك) إكفياني ما أنا فيه. فإنكما كافيان. واحفظاني بإذن الله فأنتما حافظان» (الكافي 2/406 كتاب الدعاء باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف).
الاستعاذة بالمخلوق والبسملة به.(12/196)
روى الكليني « عن أبي عبد الله كان يدعو " أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ" (الكافي 2/391 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه).
- وعن أبي جعفر قال: واذا اشتكى الانسان فليقل: بسم الله وبالله وبمحمد رسول الله" (الكافي 2/412 باب الدعاء للعلل والأمراض).
الإمامة عند الرافضة.
الإمامة منصب الهي. الله يختار النبي وينص عليه فكذلك يختار الامام وينصبه (أصل الشيعة وأصولها 58). فاختار الله عليا ولكن عليا اختار أن يقول: دعوني والتمسوا غيري فإني لكم وزيرا خير لكم مني أميرا. ثم اختار الله الحسن فسلمها الحسن إلى ألد أعداء الشيعة معاوية. ناسفا بذلك هو وأبوه بنيان عقيدة الإمامة من القواعد.
عقيدة بلع الحصى وآكلة التراب.
»قال عباس القمي « لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الإلتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم« (مفاتيح الجنان547).
تعليق: أخشى أن يكون هذا الرزق الواسع مرضا واسعا وحصيات تتسبب في تلف الكلية وحصر التبول. بالهنا والشفا.
التراب شفاء كالعسل.
• قالوا «تراب قبر الحسين عندهم شفاء من كل داء. وأمن من كل خوف فللتربة فضلها يشرب منها المريض فيتحول إلى صحيح كأن لم يكن به بأس. ويحنك بها الطفل. وتوضع مع الميت في قبره لتقيه من عذاب القبر. ويمسك بها الرجل ويعبث بها فيكتب له أجر المسبحين. لأنها تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح هو» (بحار الأنوار 101/118 و140 أمالي الطوسي 1/326 وسائل الشيعة 10/415 كامل الزيارات 278 و285 ).
• قال أبو عبد الله »حنكوا أولادكم بتربة الحسين فإنه أمان« (كامل الزيارات 275 بحار الانوار 101/124).
• وقال » إن الله جعل تربة جدي الحسين رضي الله عنه شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف. فإذا تناولها أحدكم فايقبلها وليضعها على عينه وليمرها على سائر جسده وليقل : اللهم بحق هذه التربة وبحق من حل بها…« (أمالي الطوسي 1/326 بحار الأنوار 101/119).
التشبه بالنصارى.
أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السلام فقالت يا أمير المؤمنين : إني زنيت فطهرني وهي تبكي فنادى بأعلى صوته يا أيها الناس إن الله عهد إلى نبيه وعهد به النبي إلي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان عليه حد مثل ما عليها فلا يقيم عليها الحد . قال : فانصرف الناس يومئذ كلهم ماخلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم قال : وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام» (الكافي7 الروضة/187).
تعليق: ما أشبه هذا بقول النصارى عن المسيح لما أراد أن يقيم الحد عليها: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها» (مرقس8/8).
حمل وولده بلا دنس.
رووا عن الحسن العسكري أنه قال « قال: انا معاشر الاوصياء لسنا نحمل في البطون وانما نحمل في الجنوب ولا نخرج من الارحام وانما نخرج من الفخذ الايمن من امهاتنا لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات» (كمال الدين390 و393 بحار الأنوار51/2 و13 و17 و26 إثبات الهداة3/409 و414 إعلام الورى394 دلائل الإمامة 264).
تعليق: ما أشبه هذا بقول النصارى حمل بلا دنس.
عقيدة الفداء.
قال عمر بن يزيد: قلت لأبي عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قال: ما كان له ذنب ولا هم بذنب ولكن حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له« (بحار الأنوار17/76) والخميني دائم الاستشهاد بكتاب البحار.
تعليق: ما أشبه هذا بعقيدة الصلب والفداء.
فداهم موسى من غضب الله.
عن موسى الكاظم قال « إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيّرني نفسي أو هم. فوقيتهم والله بنفسي» (الكافي 1/260 كتاب الحجة).
وفديناه بذبح عظيم.
الذبح العظيم هو الحسين. هذا معنى قول الله عندهم كما صرح به علماؤهم ومنهم المهاجري.
استمع الى هذا القول بصوت شيخهم الهاجري ...
تعليق: ما أشبه هذا بعقيدة الصلب والفداء.
كيف ألزمهم الله التأليه من كلام المجلسي.
يقول المجلسي « لما عظم (النصارى) المسيح وأمه تعظيم الآلهة أطلق الله اسم الإله عليهما» (بحار الأنوار).
الأئمة هم أسماء الله الحسنى. هم لسان الله، ووجه الله وعين الله وجنب الله هم يد الله القادرة (الكافي 1/113 كتاب التوحيد باب النوادر).
فاطمة إله ظهر بصورة امرأة.
قال أمير المؤمنين « لم تكن الزهراء امرأة عاديَّة، بل كانت امرأة روحانيَّة، امرأة ملكوتيَّة، إنساناً بكلِّ ما للإنسان من معنى، إنَّها موجود ملكوتي ظهر في عالمنا على صورة إنسان، بل موجود إلهي جبروتي ظهر بصورة امرأة» (الوسيلة إلى الله لابراهيم الأنصاري الكويتي ص7)(12/197)
وزعم أن الآية في قوله تعالى { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} (الإنسان/ 6) تدلُّ على قدرة الأئمة الإلهية المعنوية» (الوسيلة إلى الله).
الله يتجلى بمظاهر النبي والأئمة.
قال ابراهيم الأنصاري «فاكتساب الطهارة والكرم والجمال والعلم وغيرها من الصفات الإلهيَّة يعني الارتباط بالطهارة المطلقة والكرم والجمال والعلم المطلق، وكلُّ هذه الصفات بالمستوى الرفيع متوفِّرة في مظهر المشيئة الإلهيَّة وهم محمَّد وآل محمَّد عليهم السلام» (أوداء الله12)
ويعتقدون أن الله خلق السماوات والأرضين لأجل علي وجعله صراطه المستقيم وعينه وبابه الذي يؤتى منه، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء« (الوافي للفيض الكاشاني المجلد الثاني الجزء الثامن 8/224).
وبهذا يقضون على السبب الحقيقي من خلق الخلق الذي سطره الله في القرآن. { وما خلقت الحن والإنس إلا ليعبدون }. ويأتي المجلسي برواية مكذوبة تتناقض مع هذه الآية وفيها أن الله قال للقلم لما أمره أن يكتب « يا قلم فلولاه ما خلقتك ولا خلقت خلقي إلا لاجله» (بحار الأنوار15/30).
وحدة الوجود المحب والمحبوب شيء واحد.
قال ابراهيم الأنصاري « قال الحكيم السبزواري «قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنَّ للهِ تعالى شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتَّصلوا وإذا اتَّصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم) وهو إشارة إلى شراب المحبَّة بكاس الشوق والإرادة في عالم الأرواح قبل الأجساد حتى لا يبقى بينهم وبينه مغايرة ولا من إنِّيّاتهم (أي الأنا التي تحكي عن التعلُّق و الارتباط بعالم المُلك و الدنيا و التوَرُّط في سجن الطبيعة ، فينبغي الهجرة منها بحيث لا يُسمع أذانها و يخفى جدرانها) بقيَّة وتكون المحبة والمحبّ والمحبوب شيئاً واحداً}
هم سبب خلق السماوات والأرض.
خرافات كثيرة
خلق السماوات والأرضين لأجل علي وجعله صراطه المستقيم وعينه وبابه الذي يؤتى منه، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء« (الوافي للفيض الكاشاني المجلد الثاني الجزء الثامن 8/224).
خلق الله جميع الأشياء وفوض أمورها إليهم. فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون. ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله« (الكافي 1/365 كتاب الحجة. باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته).
الدنيا كلها والآخرة للإمام. يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء « (الكافي 1/337 كتاب الحجة. باب أن الأرض كلها للإمام).
زعموا أن الأئمة قالوا "إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف قال أبو عبد الله: لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا (الفيض الكاشاني/الوافي/المجلد الثاني:8/222)، وأولاد الزنا عند الشيعة هم غير الشيعة من المسلمين"
وزعموا أنهم قالوا » كل الناس أولاد بغايا ما خلا شيعتنا « (الكافي الروضة 8/285).
وزعموا عن إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد قال: ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم الله أن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً، وفي فرج الجارية فكانت فاجرة (تفسير العياشي:2/218،البرهان2/139).
طاعة علي أهم من طاعة الله.
وفي مقدمة تفسير البرهان أن الله تعالى قال:« علي بن أبي طالب حجّتي على خلقي لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من انكره وإن أطاعني » (مقدمة تفسير البرهان ص 23).
الأئمة لا يجنبون بل ويولدون مختونين ونجوهم (فساؤهم وضراطهم وغائطهم) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
لم يجمع القرآن أحد غير الأئمة. ومن ادعى غير ذلك فهو كاذب.
والقرآن نزل سبع عشرة ألف آية. (الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب) قال محمد باقر المجلسي عن هذه الرواية » موثقة« (مرآة العقول الجزء الثاني عشر ص 525)
الأئمة أفضل من أنبياء الله. لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
للأئمة مقام عظيم وخلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون. وهذا المقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. (الحكومة الاسلامية 52).
الله مسح أهل البيت بيمينة فأفضى نوره فيهم
(الكافي 1/365 كتاب الحجة. باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته).
» لا نجاة ولا مفزع إلا أنتم يا أهل البيت، ولا مذهب عنكم يا أعين الله الناظرة" ( بحار الأنوار:94/37).
» أنتم الشفاء الأكبر والدواء الأعظم لمن استشفى بكم« (بحار الأنوار:94/33).(12/198)
بل إن الأنبياء أنفسهم كانوا يتوسلون إلى الله بالأئمة. فعن الرضا عليه السلام قال: لما أشرف نوح عليه السلام على الغرق دعا الله بحقنا فدفع الله عنه الغرق، ولما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً، وإن موسى عليه السلام لما ضرب طريقاً في البحر دعا الله بحقناً فجعله يبساً، وإن عيسى عليه السلام لما أراد اليهود قتله دعا الله يحقنا فنجي من القتل فرفعه الله" (بحار الأنوار:26/325، وسائل الشيعة:4/1143).
مع أنهم يعتقدون أن للنبي « دور رئيسي في قبول توبة العباد عند الله» (الوسيلة إلى الله لابراهيم الأنصاري الكويتي5).
بهم يُعبَد الله وبهم يُعرَف الله وبهم يوحَد الله (بحار الأنوار 23/103).
زعم المجلسي أن الأئمة قالوا » إذا كان لك حاجة إلى الله عز وجل فاكتب رقعة على بركة الله، واطرحها من قبر من قبور الأئمة إن شئت، أو فشدها واختمها واجعل طيناً نظيفاً واجعلها فيه، واطرحها في نهر جار، أو بئر عميقة، أو غدير ماء، فإنها تصل إلى السيد عليه السلام وهو يتولى قضاء حاجتك بنفسه" (بحار الأنوار:94/29).
"يكتب في هذه الرقعة:" بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت إليك يامولاي صلوات الله عليك مستغيثاً...، فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند اللهف، وقدم المسألة لله عزو جل في أمري قبل حلول التلف وشماتة الأعداء، فبك بسطت النعمة علي، وأسأل الله (الخطاب للإمام في قبره) جل جلاله لي نصراً عزيزاً.." (بحار الأنوار:94/3).
يصعد النهر أو الغدير وينادي على أحد أبواب المنتظر (وهم أربعة: عثمان بن سعيد، أو ابنه محمد، أو الحسن بن روح، أو علي السمري. (المصدر السابق:94/30)، وانظر: فصل الغيبة من هذه الرسالة) فينادي أحدهم ويقول:"يا فلان بن فلان سلام الله عليك، أشهد أن وفاتك في سبيل الله وأنت حي عند الله مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله جل وعز، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السلام، فسلمها إليه فأنت الثقة الأمين" (بحار الأنوار:94/3).
"ثم ارم بها في النهر وكأنك تخيل لك أنك تسلمها إليه" (بحار الأنوار:94/3).
تكتب رقعة إلى صاحب الزمان وتكتب فيها"بسم الله الرحمن الرحيم، توسلت بحجة الله الخلف الصالح محمد بن الحسن (جاء عندهم روايات تنهي عن التصريح باسمه (أصول الكافي1/332-333) فهذه الرواية تناقض ما قرروه، وتناقضهم لا يكاد يكتفي) بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، النبأ العظيم، والصراط المستقيم، والحبل المتين، عصمة الملجأ، وقسيم الجنة والنار أتوسل إليك بآبائك الطاهرين .. وأمهاتك الطاهرات، الباقيات الصالحات .. أن تكون وسيلتي إلى الله عز وجل في كشف ضري وحل عقدي وفرج حسرتي، وكشف بليتي ..." (بحار الأنوار:94/29).
" ثم تكتب رقعة أخرى لله سبحانه وتطيب الرقعتين، وتجعل رقعة الباري تعالى في رقعة الإمام رضي الله عنه وتطرحمها في نهر جار أو بئر ماء بعد أن تجعلهما في طين حر (طين حر:أي لا رمل فيه (المصدر السابق:94/28)) (المصدر السابق:94/28/29).
"إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة"
(فروع الكافي:1/324، ابن بابويه/ثواب الأعمال:ص52، الطوسي/تهذيب الأحكام:2/16، ابن قولويه/كامل الزيارات:ص161، الحر العاملي/وسائل الشيعة:10/348).
ومن دعا الله بهم أفلح بغيرهم هلك لأنه حتى الأنبياء إنما استجيب دعاءهم بسبب توسلهم بأئمة أهل البيت« (بحار الأنوار 23/103 وسائل الشيعة 4/1142).
- حتى يونس حبسه الله في بطن الحوت لإنكاره ولاية علي بن أبي طالب ولم يخرجه حتى قبلها « (تفسير فرات 13 بحار الأنوار 26/333).
بالأئمة تثمر الأشجار وأينعت الثمار. وبهم تجري الأنهار، وبهم ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض. ولولاهم ما عبد الله. (الكافي- كتاب التوحيد باب النوادر 1/112).
الإمام هو الصلاة التي أمر الله بها جاء في الكافي { ما سلككم في سقر: قالوا لم نك من المصلين } قال: إنا لم نتول وصي محمد والأوصياء من بعده. لم نك من أتباع الأئمة « (الكافي 1/347 و360 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
خلقهم الله من نور عظمته ثم صوّرهم من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النورَ فيه (الكافي 1/320 كتاب الحجة – باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم).
خلقهم الله في أعلى عليين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه (الكافي 1/321 كتاب الحجة باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم).
من عرف الأئمة كان مؤمنا ومن أنكرهم كان كافرا (الكافي 1/144 كتاب الحجة – باب معرفة الإمام والرد إليه).
بل زعموا أن عليا قال " أنا قسيم الله بين الجنة والنار: لا يدخلها داخل إلا على حد قسْمي أنا فقط. (الكافي 1/152-153 باب أن الأئمة هم أركان الأرض).(12/199)
أعطاهم الله الأرض وفوضهم في التصرف فيها عن أبي عبد الله عليه السلام أن الدنيا والآخرة للإمام. يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء « (الكافي 1/337 كتاب الحجة. باب أن الأرض كلها للإمام).
عندهم خزائن الأرض ومفاتحها ويخرجون سبائك الذهب من باطنها متى شاءوا (الكافي 1/394-395 كتاب الحجة. باب مولد جعفر بن محمد).
يجوز الطواف حول قبر الرسول وحول قبورهم (الكافي 1/287 كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة).
يجوز الاستغاثة بغير الله والاستعاذة بغير الله والبسملة بغير الله.
يعلمون ما في السماوات وما في الأرض ويعلمون ما في الجنة والنار ويعلمون ما كان وما يكون" (الكافي 1/204 كتاب الحجة باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء).
لا يخفى عليهم كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام" (الكافي 1/225 كتاب الحجة باب الأمور التي توجب حجة الإمام).
الأئمة يوحى إليهم. فقد رووا عن أبي جعفر أنه قال » والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبريل« (الكافي 1/330 كتاب الحجة. باب أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من الأئمة).
وعلمهم كامل منذ لحظة ولادتهم. عن يعقوب السراج قال » دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد. فجعل يسارّه طويلا. فجلست حتى فرغ. فقمت إليه فقال لي: أدن من مولاك فسلم. فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم قال لي: إذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس. فإنه اسم يبغضه الله. قال: وكانت ولدت لي ابنى سميتها بالحميراء. فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنته إلى أمره ترشد« (الكافي 1/247 كتاب الحجة: باب الإشارة والنص على بي الحسن موسى).
وكيف يكون طفل في المهد يعرف ما يبغضه الله من الأسماء حتى اسم الحميراء : إلا أن يكون ذلك وحيا من الله وهو الكفر والردة حينئذ!!!
علمهم غيبي مطلق لكن لله البداء.
فبينما الأئمة يعلمون الغيب مطلقا لا يجوز لله عندهم أن يوصف بالعلم المطلق بل يجوز عليه البداء وهو معرفة جديدة لم يكن يعلمها من قبل. فظهر له بعد موت موسى خلاف ما كان يعلمه فبدا له في اسماعيل بن الهادي. ولم يعظّم الله بشيء مثل تعظيمه بإثبات هذا الجهل المسمى بمثل البداء" (كتاب الكافي : كتاب التوحيد: باب البداء 1/113( ولو علم الناس ما في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه. وما تنبأ نبي قط حتى يقرّ لله بخمس خصال: بالبداء…وما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الربا وأن يقرّ لله بالبداء… (الكافي 1/199 كتاب الحجة باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت الى الملائكة والأنبياء)… قالوا "بدا لله في أبي جعفر ما لم يكن يُعرف له" (الكافي 1/263 كتاب الحجة باب الاشارة والنص على أبي محمد). ولا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي إليه" (الكافي 1/218 كتاب الحجة باب أن الامام يعرف الامام الذي يكون من بعده).
• قال أبو الحسن " إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام" (الكافي 1/225 كتاب الحجة – باب الأمور التي توجب حجة الإمام).
الأئمة يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء وهذا الفرق بينهم وبين الانبياء الذين يعلمون ما كان ولا يعلمون ما يكون.
الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا متى يشاؤون.
يجوز دعاء غير الله لقضاء الحوائج وكشف الكرب والنوازل.
الأئمة هم المحاسبون للخلق يوم القيامة. فإلى الخلق إيابهم وحسابهم عليهم وفصل الخطاب عندهم.
لا يجوز على الله أن يصف نفسه بأن له يدا ووجها ولا يجوز أن يصف نفسه بأنه يجيء ويستوي على العرش.
لا يجوز أن يقال إن لله وجها ولكن يجوز أن يوصف علي بأنه وجه الله.
الرسول لم ينجح في تربية أصحابه ولا أزواجه مع أن الله وصفه بأنه قدوة وأنه على خلق عظيم. وإنما نجح الخميني أكثر من رسول الله.
عن أبي عبد الله قال " ثم رفع لهم نارا فقال " أدخلوها بإذني، فكان أول من دخلها محمد صلى الله عليه وسلم. ثم اتبعه أولو العزم من الرسل. وأوصياؤهم وأتباعهم. ثم قال لأصحاب الشمال: أدخلوها بإذني. فقالوا: ربنا خلقتنا لتحرقنا؟ فعصوا؟ فعصوا. فقال لأصحاب اليمين أخرجوا بإذني من النار. لم تَكْلَم النار منهم كَلْماً ولم تؤثر فيهم" (الكافي 2/9 كتاب الإيمان والكفر: باب أن رسول الله أول من أجاب وأقر لله بالربوبية).
الصحابة حرفوا القرآن. تآمروا على النبي.
عائشة وحفصة دبرتا السم لرسول الله. عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي علي.
أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وأهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفاً " ( الكافي 2/301 كتاب الإيمان والكفر باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان).(12/200)
وأهل الشام شر أم أهل الروم؟ فقال: إن الروم كفروا ولم يعادونا وإن أهل الشام كفروا وعادونا " ( الكافي 2/301 كتاب الإيمان والكفر باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان ).
صاحب السرداب أكرمكم الله.
الأصح أن يطلق على صاحب السرداب: إمام في المنفى. مثل حكومات المنفى التي تتخذ قيادة لها في غير المكان المفترض أن تكون فيه.
التفسير الباطني الكاذب.
عن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عزوجل : ( مرج البحرين يلتقيان ) قال :
علي وفاطمة ( بينهما برزخ لايبغيان ) قال : لايبغي علي على فاطمة ولاتبغي فاطمة على علي ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) الحسن والحسين عليهم السلام» (بحار الأنوار24/97 باب 36 الرواية الأولى).
الحكيم يجوّز تفكير الرجل في غير زوجته
الحكيم يجوّز تفكير الرجل في غير زوجته مما في ذلك التفكير بنساء الكفار بمعنى التخايل إذا صاحبه انتصاب لعضو الذكورة من دون إنزال للمني إذا لم ينته تفكير الرجل إلى محرم !
قلت: أعوذ بالله ، أي فقه وأي دين هذا؟ إنه دين فرويد الذي لا يعرف إلا الجنس
الاسلام دين العفة والطهارة والنقاء ، ولا مكان في الاسلام لاغتصاب العفة ولمخالفة الضمير وانتهاك الحرمات.
ذكرنا في المقالة السابقة بعضاً من فتاوى مرجعيات شيعية يقلدها الملايين من شيعة ايران ولبنان والكويت والسعودية والهند وباكستان وغيرها ، واليوم تأتي بقية باقية من هذه الفتاوى ، ليعرف القارئ كم يفتري هؤلاء على الله وعلى أهل البيت ، عاشوا للشهوة وللمتعة وأحلوا لقومهم كل باطل ، باسم الاسلام هم يتكلمون ، هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتا ويقذفون من يخدعونه في نار جهنم مرة بالشهوة وانتهاك الحرمات والأجساد التي حرمها الله ، ومرة بالعقائد الفاسدة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
هذه هي الحقيقة … ولا مجال لتعميتها أو للخداع والمراوغة … بين طيات هذا الملف حقائق دامغة تأجج الغيرة في قلب كل مؤمن … الغيرة على المحارم والغيرة على هذا الدين الذي بات ألعوبة بأيدي هؤلاء يقذفون به يميناً وشمالاً … بإسم أهل البيت هم يتكلمون وأهل البيت يلعنونهم … لولا القبور التي وراتهم عن الحياة الدنيا وضمتهم إلى حياة البرزخ … لرأيتهم اليوم يتبرأون منهم ومن عقائدهم ومذهبهم كما تبرأوا بالأمس منهم.
رحم الله جعفر الصادق المبتلى بهم ، وزيد بن علي وعبد الله بن الحسن بن الحسن الذين سموهم رافضة وتبرأوا منهم ومن طريقتم … لكنه الموت المقدّر { إنك ميت وإنهم ميتون }
هوس الجنس وانتهاك حرمات المسلمات:
الخامنئي يبيح تلقيح المرأة المسلمة المتزوجة بنطفة رجل أجنبي !
سئل الخامنئي والسؤال مسطر في رسالته العملية لمقلديه في العالم ما نصه ( س194 : هل يجوز تلقيح زوجة الرجل الذي لا ينجب بنطفة رجل أجنبي عن طريق وضع النطفة في رحمها ؟ )
أجاب الخامنئي: لا مانع شرعاً من تلقيح المرأة بنطفة رجل أجنبي في نفسه ، ولكن يجب الاجتناب عن المقدمات المحرمة من قبيل النظر واللمس الحرام وغيرهما ، وعلى أي حال فإذا تولّد طفل عن هذه الطريقة ، فلا يلحق بالزوج بل يلحق بصاحب النطفة وبالمرأة صاحبة الرحم والبويضة ، ولكن ينبغي في هذه الموارد مراعاة الاحتياط في مسائل الإرث ونشر الحرمة )
أجوبة الاستفتائات للخامنئي – الجزء الثاني ( المعاملات ) ص 71
قلت: هل يرضى خامنئي هذا لأمه أو لأخته حين يجيز ذلك لنساء المسلمين ! أي خسة وانحطاط هذا ؟! ولا تعليق أكثر
الخميني يجيز التمتع بالزانية !
يقول في كتابه تحرير الوسيلة ( مسألة 18 : يجوز التمتع بالزانية على كراهية خصوصا لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور ) !
تحرير الوسيلة ج2 ص292
قلت: يا لكرم أخلاق الخميني ، يقول رب العزة والجلال { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين } ، فهنيئا للخميني تحديده للصنف الذي يليق به وهو ( مشرك ) ، إذ هو وأمثاله يدعون غير الله ويستغيثون بهم ( يا علي ) ( يا مهدي أدركني ) والله عز وجل يقول له ولأمثاله { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ، أإله مع الله } ، الله يقيم الحجة عليهم وتأتي صيغة الاستفهام استنكارية ، لكن يأتي الخميني وأمثاله ليقولوا ( نعم ) ويقولون ( ناد علياً مظهر العجائب ، تجده عوناً لك في النوائب ) !
أحسن طريقة لمعرفة عفة امرأة مسلمة ما هي؟!
يجيب الرضوي على هذا السؤال الذي افترضناه قائلاً: ( وجدت في مخطوطات للمرحوم جدّي العالم الرباني السيد مرتضى الرضوي الشهير بالكشميري طاب ثراه : إذا أردت أن تعلم أن المرأة عفيفة أم فاسدة ، فاحسب اسمها واسم أمها بالجُمل الكبير أولاً ، وأسقط من الجميع ثلاثة ثلاثة ، فإن بقي واحد فهي فاسدة وإن بقي إثنان فهي عفيفة ، وإن بقي ثلاثة فهي متهمة ، صحيح مجرب ) !
التحفة الرضوية في مجربات الامامية ص214(12/201)
قلت: عفة نساء المسلمين معلومة بأخلاقهن وإيمانهن ، فمن عُرف عنها الخير والصلاح والعفة فهي العفيفة المصون ومن عرف عنها الفساد فهي الفاسدة ، أما أن يأتي هذا وأمثاله كجده أحرق الله ثراه ليفتري على الله الكذب ويشكك في عفة نساء المسلمين ويجعلن عرضة للطعن من أجل حساب جملة فهذا ما لا نرضاه !
ولا أدري هل جرّب الرضوي حساب الجمل مع أمه وأخته وأقاربه أم أنه خاف أن لا يصيب حساب الجمل الواقع ، فيطعن في أهله من حيث لا يدري ! قليل من العقل يا بشر
متعة التجربة
يقول آية الله المطهري ( من حيث المبدأ ، بإمكان رجل وإمرأة يريدان عقد زواج دائم ، ولكن لم تتح لكل منهما الفرصة الكافية لمعرفة الآخر أن يعقدا زواج متعة لفترة محددة على سبيل التجربة ، فإذا وجد كل منهما أنه راض عن شريكه بنتيجة هذا العقد ، يمكنهما عندئذ عقد زواج دائم ، واذا لم يتفقا يفترقا )
قلت: أين ميزان العفة والعذرية عند آية الله ؟ لا إجابة ، بإمكان أي شاب وشابة تجربة بعضهما البعض بكل سهولة باسم الإسلام وتعاليم الإسلام ، ألا ساء ما يعملون !
المتعة من أجل الإنجاب
أحد أنواع زواج المتعة التي يرتبط بها رجل وامرأة لا من أجل الاستقرار العائلي بل من أجل الاتيان بطفل لأحد الطرفين وبعدها يتم الفراق بعد المدة التي اتفقا عليها !
منقول من موقع الشيخ عبد الرحمن الدمشقية ومواقع اخرى
=================
غرائب الشيعه
وهذه خرافات الرافضة منقولة من كتبهم
علي وغيره يطيرون في السحاب.
يروي هاشم البحراني عن علي عليه السلام أنه ركب السحاب فدارت به سبع أرضين (مدينة المعاجز1/542). وأن جماعة يزيد بن معاوية أتوا الى علي بن الحسين ليقتلوه فوجدوه ركب السحاب (مدينة المعاجز4/256).
وكذلك المجلسي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله ركب السحاب فطار (بحار الأنوار39/138 و148 تفسير فرات510 ).
ويروي الطباطبائي أن الله سخر لعلي السحاب فكان يسير في الأرض شرقا وغربا (تفسير الميزان 13/372 للطباطبائي).
الرعد والبرق من تدبير علي ومشيئته.
عن عبد الله بن القاسم بن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما كان من هذا الرعد فإنه من أمر صاحبكم. قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين عليه السلام (الاختصاص للمفيد ص327 بحار الأنوار27/33).
تلقين الميت أسماء الأئمة.
« أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه ، فيقول الملقن: يا فلان ابن فلان أذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين - ويذكر الأئمة إلى آخرهم أئمتك أئمة الهدى الأبرار» (النهاية ص38 للطوسي المبسوط للطوسي1/186 مصباح المتجهد ص20).
ما يورث البرص.
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ ألا لا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ وَلا يَدْلُكَنَّ رِجْلَيْهِ بِالْخَزَفِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ (الكافي6/500).
الشبع يورث البرص.
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ الْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ يُورِثُ الْبَرَصَ (الكافي6/269).
الاغتسال بإناء من فخار مصر يجعلك ديوثا.
عَنْ أَبِى الْحَسَنِ الرِّضَا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَ ذَكَرَ مِصْرَ فَقَالَ قَالَ النَّبِىُّ ص لَا تَأْكُلُوا فِى فَخَّارِهَا وَ لَا تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِينِهَا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ وَ يُورِثُ الدِّيَاثَةَ» (الكافي6/386 و501).
لزوم الحمام يورث السل.
عن أبي الحسن الرضا قال « وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَهُ فَإِنَّ إِدْمَانَهُ يُورِثُ السِّلَّ» (الكافي6/497).
استعمال السواك في الحمام يورث مرض الأسنان.
وَ يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِى الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ يُورِثُ وَبَاءَ الْأَسْنَانِ (من لايحضره الفقيه1/53).
أكل الجزر يسخن الكليتين ويقيم الذكر.
هكذا حكاها الكيني عن أبي عبد الله (الكافي6/372) يسخن الكليتين ويقيم الذكر ويعين على الجماع.
شرب الماء من الليل يورث الماء الأصفر.
عن أبي عبد الله قال « وشرب الماء من قيام بالليل يورث الماء الأصفر» (الكافي6/383).
الكلام أثناء الجماع يورث الخرس.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اتَّقُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُلْتَقَى الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ» (الكافي5/498).
النظر إلى فرج المرأة يورث العمى.
وكَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَ قَالَ يُورِثُ الْعَمَى وَ كَرِهَ الْكَلامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَ قَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ (من لا يحضره الفقيه3/556).
كلوا السداب لتخرج عقولكم من السرداب.(12/202)
رووا عن أبي الحسن أنه قال « كلوا السداب فإنه يزيد في العقل» (الكافي6/367) (والسداب هو الفيجن).
رمضان اسم من أسماء الله الحسنى.
قالوا: إن رمضان اسم من أسماء الله الحسنى (الكافي4/69 من لا يحضره الفقيه 2/172 وسائل الشيعة7/269 و10/319 –320 مستدرك الوسائل7/438).
آه من أسماء الله.
عن أبي عبد الله أنه كان يقول « آه اسم من أسماء الله الحسنى. فمن قال آه: فقد استغاث بالله» (بحار الأنوار78/202 و90/393 التوحيد للصدوق ص219 تفسير نور الثقلين للحويزي 1/12 نور البراهين لنعمة الله الجزائري1/516 مستدرك الوسائل2/148 معاني الأخبار للصدوق ص354).
أسماء عجيبة للملائكة.
يدعي الشيعة وجود ملك من الملائكة اسمه فطرس!!! عصى الله ثم بعد تفاصيل وأكاذيب كثيرة انتهى حاله إلى قبول توبته بعدما ذهب إلى قبر الحسين وتمرغ به.
وهناك ملك آخر اسمه صرصائيل مكتوب على كتفه: تزويج النور من النور (أي علي بفاطمة).
وعن زين العابدين قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].
وهذا الكافي يتحفنا باسم ملك آخر اسمه منصور لا يزال يزور قبر الحسين (4/583).
المهدي يظهر عريانا.
روى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضى عليه السلام (أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس) حق اليقين لمحمد الباقر المجلسي ص347.
لا تذبح الفحل أثناء جماعه.
قال الكليني نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال المحقق: أو نهى أمير المؤمنين) عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه» (6/261). فصار من شروط ذبح الفحل وأكله أن لا يكون متورطا في الشهوة مع أنثاه.
انتبه من لبس النعل الاسود !!!
وروى ابن بابويه أيضا عن أبي عبد الله أنه رأى رجلا وعليه نعل سوداء، فقال : مالك ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت : وما هي جعلت فداك؟ قال : تضعف البصر وترخي الذكر وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال، قال : قلت : وما هي؟ قال : تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم" [كتاب الخصال لابن بابويه القمي باب الثلاثة ج1 ص99].
عن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].
قوه خارقة لعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه
روى الجزائري عن البرسي قوله « أن جبرئيل جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي،. . . وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].
علي يضرب نهر الفرات بقضيب.
يقول زين الدين البياضي في صراطه المستقيم (1/20 و 107ط الأولى المطبعة الحيدرية نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية) » لما رجع – علي - من صفين كلم الفرات فاضطربت وسمع الناس صوتها بالشهادتين والإقرار له بالخلافة وفي رواية عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنه ضربها بقضيب فانفجرت وسلمت عليه حيتانها وأقرت له بأنه الحجة«.
كيف تعرف ان البطيخة مواليه لأهل البيت ام أنها ناصبية(12/203)
حدثنا حمزة بن محمد العلوي ، عن أحمد بن محمد الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن الحسين بن محمد ، عن سليمان بن جعفر ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي جده ، أن أمير المؤمنين أخذ بطيخة ليأكلها ، فوجدها مرة فرمى بها ، فقال : بعداً وسحقاً !! وفقيل له : يا أمير المؤمنين ، وما هذه البطيخة ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تبارك وتعالى أخذ عقد مودتنا على كل حيوان ونبت ، فما قبل الميثاق كان عذباً طيباً ، وما لم يقبل الميثاق كان ملحاً زعاقاً .
أقول : هذه الرواية ترشدنا إلى طريقة عملية لتمييز مذهب كل بطيخة !!
فإذا كانت حلوة الطعم جداً فهي إمامية اثني عشرية .
أما إن كانت ُمرة جداً فهي ناصبية تنصب العداء لأهل البيت !!
الطائر الخارج من المنخر.
عن أبي عبد الله قال "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم: خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة" (الكافي 2/481).
الله يوكل الشياطين بحماية قارئ آية الكرسي.
عن أبي عبد الله قال " من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران (شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة) وآية السخرة وآية السجدة وُكِّل به شيطانان يحميانه من مردة الشياطين" (الكافي 2/392 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه).
مرويات الحمار عُفير.
عن أمير المؤمنين علي أنه قال " إن أول شيء من الدواب توفي: [هو] عفير [حمار رسول الله] توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار" (الكافي 1/184 كتاب الحجة : باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله).
الحسن يتكلم سبعين مليون لغة.
عن أبي عبد الله أن الحسن قال » إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب. وفيها سبعون ألف ألف لغة. يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها. وأنا أعرف جميع تلك اللغات (الكافي 1/384-385 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
أكل التراب شفاء من كل داء.
عن أبي الحسن قال « كُلُّ طِينٍ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إلا طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ لَكِنْ لا يُكْثَرُ مِنْهُ وَ فِيهِ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ» (الكافي3/378).
وجاء في مفاتيح الجنان » لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الإلتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم« (مفاتيح الجنان547).
لكن أكل الطين يورث النفاق (من هنا جاءت التقية).
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَكْلُ الطِّينِ يُورِثُ النِّفَاقَ (الكافي2/265).
عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ ع قَالَ « أَكْثَرُ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ أَكْلُ الطِّينِ وَ هُوَ يُورِثُ السُّقْمَ فِى الْجِسْمِ وَ يُهَيِّجُ الدَّاءَ وَ مَنْ أَكَلَ طِيناً فَضَعُفَ عَنْ قُوَّتِهِ الَّتِى كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ وَ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ حُوسِبَ عَلَى مَا بَيْنَ قُوَّتِهِ وَ ضَعْفِهِ وَ عُذِّبَ عَلَيْهِ» (الكافي6/266).
كيف يذهب وجع العين.
» التوسل بالإمام موسى عليه السلام ينفع لوجع العين« (الباقيات الصالحات745 ملحق بمفاتيح الجنان).
أسماء الأيام أسماء الرسول وأهل البيت.
» السبت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحد أمير المؤمنين عليه السلام والإثنان الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسين عليه السلام والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق« (مفاتيح الجنان86).
مع أنهم صرحوا بأن اسم الأحد إسم من أسماء الله تعالى. (وسائل الشيعة11/350).
أكل الجبن عند أول كل شهر يقضي الحوائج.
» روي أن من يعتد أكل الجبن رأس الشهر أوشك أن لا تُردّ له حاجة« (مفاتيح الجنان366).
ما يعمل للنسيان؟؟(12/204)
» وليدمن أكل الزبيب على الريق.. وليجتنب ما يورث النسيان وهو أكل التفاح الحامض والكزبرة الخضراء، والجبن، والبول في الماء الواقف، والمشي بين امرأتين، وإلقاء القملة الحية على الأرض، والنظر إلى المصلوب والمرور بين القطار على الجمل« (دعوات منتخبة من كتاب الكافي ملحق بمفاتيح الجنان ص802).
قال الكليني « عن أبي الحسن قال: أكل التفاح والكزبرة يورث النسيان» (الكافي6/366).
أكل الرمان من آداب وأعمال يوم الجمعة!!!!
<< أن يأكل الرمان كما كان يعمل الصادق في كل ليلة من ليالي الجمعة والأحسن أن يجعل الأكل عند النوم فقد روي أن من أكل الرمان عند النوم أمن في نفسه إلى الصباح وينبغي أن يبسط لأكل الرمان منديلاً يحتفظ بما يتساقط من حبه فيجمعه ويأكله وكما ينبغي أن لا يشرك أحداً في رمانته« (مفاتيح الجنان60).
ومن اعمال يوم الجمعة » أكل الرمان على الريق وأكل سبعة أوراق من الهندباء قبل الزوال. وعن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: من أكل رمانة يوم الجمعة على الريق نورت قلبه أربعين صباحاً فإن أكل رمانتين فثمانين يوماً فإن أكل ثلاثاً فمائة وعشرين يوماً وطردت عنه وسوست الشيطان ومن طردت عنه وسوست الشيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله أدخله الله الجنة« (مفاتيح الجنان64).
مايزيد في الرزق!!!!!
» أن يقص شاربه ويقلم أظفاره فذلك يزيد في الرزق.. ويوجب الأمن من الجنون والجذام والبرص« (مفاتيح الجنان63-64).
الإمام يتكلم جميع لغات المخلوقات.
عن أبي حمزة نصير الخادم قال » سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم: تُركٍ ورومٍ وصقالبة. فأقبل علي فقال: إن الله تبارك وتعالى يعطيه (أي الإمام الحجة) اللغات ومعرفة الأنساب والحوادث« (الكافي 1/426 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
الحسين يرضع من إصبع النبي ولسانه.
عن أبي عبد الله قال » لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى. كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضع إبهامه في فيه. فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث« (الكافي 1/386 كتاب الحجة. باب مولد الحسين بن علي).
عن أبي الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به. ولم يرتضع من أنثى« (الكافي 1/387 كتاب الحجة. باب مولد الحسين).
وينكرون على أبي هريرة أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة آلاف حديثا، أما أن يتكلم الحسن سبعين مليون لغة مع أن لغات العالم لا تبلغ في عالمنا هذا العدد حتى وإن أضفنا إليهم لغات الحشرات. ويكون للملك أربع وعشرون وجها وأن تكون طبيعة فاطمة رضي الله عنها مختلفة عما ابتلى به سائر النساء وأن يرضع نبينا من ثدي أبي طالب لا أم طالب وأن يرضع الحسين من أصبع النبي ولسانه فهذا معقول عند الشيعة.
وهكذا يستغرب الشيعة أن يضرب موسى الملك ويتعاملون مع نصوصنا تعامل المستشرقين واللاعقلانيين. ولكن ماذا عن رضاع النبي صلى الله عليه وسلم من ثدي أبي طالب ورضاع الحسين من إصبع النبي صلى الله عليه وسلم ولسانه: هل هذا من العقل؟
سيقول لك الشيعة: من قال لك أننا نسلم بكل ما في كتاب الكافي فإن فيه الصحيح والضعيف.
والجواب:
أولا: هذا يتعارض مع ما قاله كبار علماء الشيعة من أن مضامين نصوص الكافي متواترة مقطوع بصحتها وهي أحسن الكتب الأربعة وأتقنها.
نحن معشر أهل السنة قد صححنا أسانيد مصادر عقيدتنا فإذا صح عندنا السند بواسطة الراوي الثقة إلى النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به ولا نبالي باعتراض معترض. أما أنتم معشر الشيعة فماذا تنتظرون؟ مضى على تأليف كتاب الكافي ما يقارب الألف سنة فهلا تحققتم من الأسانيد؟ هذا ما لا يمكن للشيعة فعله لأن
النبي يرضع من ثدي عمه أبي طالب.
عن أبي عبد الله قال » لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم مكث أياما ليس له لبن. فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه. فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها« (الكافي 1/373 كتاب الحجة. باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته).
الوالدان هما العلم.
عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} قال: الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر. هما اللذان ولدا العلم. { وإن جاهداك على أن تشرك بي } يقول في الوصية: وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما« (الكافي 1/354 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
في هذه الرواية تحريف واضح لكلام الله. حيث أخرج الآية عن معناها المتعلق ببر الوالدين الى معنى آخر. وبينما يحث الله على طاعتهما إلا إذا دعا ولدهما إلى الشرك يجعل الله الشرك في طاعة إمام مع أئمة أهل البيت.
النبي دانيال يهدد الله بالعصيان.(12/205)
عن أبي جعفر قال: " إن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك... فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك" (الكافي 2/316 كتاب الإيمان والكفر باب التوبة).
كيف يقبل الشيعة الاعتقاد بعصمة الإمام مع أن أمهات كتبهم تطعن في أنبياء كهذه الرواية التي تزعم أن نبيا من أنبياء الله يخاطب الله بهذه الجرأة قائلا لأعصينك يا رب ثم لأعصينك ثم لأعصينك…!!!
قال رجل لأمير المؤمنين: "يا أمير المؤمنين إن في بطني ماءً أصفر فهل من شفاء؟ قال: أكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن الله عز وجل. ففعل الرجل فبرأ " (الكافي 2/457 كتاب فضل القرآن: بدون باب).
ماذا تقول عند القهقهة.
عن أبي جعفر قال "إذا قهقهت فقل حين تفرغ: اللهم لا تمقتني" (الكافي 2/487 باب الدعابة والضحك).
الصلاة على الآل تغني عن دعاء الله.
عن أبي عبد الله قال "إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها " (الكافي 2/363 كتاب الدعاء باب الاشتغال بذكر الله عز وجل).
النوران يتزوجان.
عن أبي الحسن » بينما رسول صلى الله عليه وسلم جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها. فقال له رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل. يا محمد. بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور. قال: من ممن؟ قال: فاطمة من علي. قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله علي وصيه. فقال رسول الله تعالى منذ كم كُتِبَ هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام« (الكافي 1/383 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
وهكذا يكون أمر الولاية عند مهما إلى درجة أن يكتب ذلك على ظهر الملك غير أنه لا ينزل ولا آية واحدة صريحة في القرآن تنص على أن عليا وصي الله !
مرج البحرين يلتقيان أي علي وفاطمة.
تفسير الميزان (ج19 تفسير سورة الرحمن وتفسير القمي2/345وتفسير نور الثقلين5/197).
فاطمة منزهة عن الحيض.
عن أبي الحسن قال » إن بنات الأنبياء لا يطمثن « (الكافي 1/381 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام).
عن أبي جعفر قال » لما ولدت فاطمة عليه السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتكِ من الطمث. قال أبو جعفر: والله لقد فطمها عن الطمث في الميثاق« (الكافي 1/382 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
التفريق بين الضوء والظلام لإقامة الحد.
وروى المجلسي بحار الأنوار (40/2 دار إحياء التراث العربي_ بيروت) قال علي سافرت مع رسول الله عليه وسلم ليس له خادم غيري وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا» (كتاب سليم بن قيس" ص221 بحار الأنوار38/297 و314 و40/1).
مع أنهم رووا عن أبي عبد الله أنه فتى فيمن يوجد مع امرأة تحت لحاف واحد أنهما يجلدان مئة جلدة (الكافي7/182 تهذيب الأحكام10/40 الاستبصار4/213 وسائل الشيعة20/348 مستدرك الوسائل 14/339 باب تحريم الخلوة بامرأة أجنبية تحت لحاف واحد. بحار الأنوار73/130 و76/57-93 فقيه من لا يحضره الفقيه4/23). فيلزمهم استحقاق علي وعائشة لهذا الحد عليهما.
لكن حضرة المجلسي فرق بين الليل والنهار فزعم أنه إذا وجد رجل مع امرأة ليلا تحت لحاف واحد فلا حد عليهما وأما في النهار فيقام عليهما الحد (بحار الأنوار76/94).
النزاع على الإمامة بين المعصومين.
لقد لجأ الرافضة إلى إثبات إمامة أئمتهم بالشعوذات وفنون السحر والخرافات. و لو كانت عندهم الوصيه وعندهم النص و إليهم الاشارة لما التجوا للخرافات والسحر والشعوذة.
الإمام زين العابدين.
قالت امرأة من شيعة علي بن الحسين الملقب (زين العابدين) « جئت إلى علي بن الحسين وقد بلغت من العمر عتيا، وقد بلغ بي العمر الكبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائه وثلاث عشره سنه، فرأيته راكعا وساجدا أو مشغولا بالعبادة فيئست من الدلاله فأومأ الي بالسبابه فعاد الى شبابي» (الكافي1/347 باب مايفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة).
الإمام الحسين.(12/206)
قالوا « لما قتل الحسين ارسل محمد بن الحنفيه الى علي بن الحسين وقال له: قتل ابوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيه ولا الامامه ولاتحاجني.. فرد عليه علي بن الحسين: إنطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: أبدأ أنت فابتهل الى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل. فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله، ثم دعا الحجر فلم يجبه ... ثم دعا الله علي بن الحسين عليهما السلام ... فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم ان الوصيه والامامه الى علي بن الحسين» (الكافي1/348 إعلام الورى للطبرسي 258 و259).
الإمام موسى بن جعفر.
ونقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل خلاف بينه وبين أخيه عبد الله وكان أكبر ولد جعفر ــ خلاف بالامامه أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل الى أخيه عبد الله يسأله أن يصير اليه، فلما صار اليه ومع موسى جماعه من الإمامية، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ً ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس، فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس» (كشف الغمه للأربلي ج3/73).
وذكر الكليني قصه أخرى لاثبات امامه موسى بن جعفر و أحقيته بها من أخوته الكبار بأن شخصا جاء الى موسى بن جعفر فسأله عن الامام من هو؟
فقال: ان أخبرتك تقبل ؟
قال: بلى جعلت فداك
قال: أنا هو .
قال: فشئ أستدل به ؟
قال: أذهب الى تلك الشجره ـ وأشار بيده الى أم غيلان ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي
قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار اليها فرجعت» (الأصول من الكافي 1/253 وإعلام الورى للطبرسي ص302).
الإمام محمد بن علي الرضا.
أثبت الروافض إمامه محمد بن علي الرضا أنه جاء اليه شخص فقال : والله اني أريد أن أسألك مسأله واني والله لأستحيي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الامام؟ فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت و قالت: إن مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة» (أصول الكافي1/353).
وهكذا عارض القوم أصولهم بأن الإمامه لا تثبت إلا بالنص و الإشارة و لا يكون الإمام إلا منصوصاً عليه مشارا إليه من قبل الذي قبله.
منقول من موقع الشيخ عبد الرحمن الدمشقية ومواقع اخرى
==================
لماذا هاج الرافضة من موضوع "من المعصوم و المعصومة؟
لماذا هاج الرافضة من موضوع "من المعصوم و المعصومة؟
نقلاً عن الاخ الفاضل الشاذلي
مشرف عام لمنتديات السرداب
هذا الموضوع ينسف عقيدة القوم نسفاً ..
إذ بانتفاء العصمة عن واحد ممن يمنحونهم العصمة المكذوبة،
يسقط دين الرافضة الإمامية الإثنى عشرية ...
دار الحديث حول أحاديث صحيحة أولها:
حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي أن الوليد بن كثير حدثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي حدثه أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه
أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها فقلت له لا فقال له فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا
الحديث رقم: 2879 في البخاري و الحديث عن المسور بن مخرمة ..
لما شعر المشركون بإقتراب الخطر ،
حاول الرافضي قاسم أن يلهي الناس عن الموضوع بقول ، لنذهب لموضوع آخر ،
فأعدته بصفعة على قفاه فقرر الرافضة أن يلقوا بكارتهم الأخير ..
التشكيك في المسور بن مخرمة ،
فزنقتهم في شخص المسور ، هل هو ثقة أم لا؟
لاحظ أخي المسلم أن المسور هو صاحب حديث ، فاطمة بضعة مني،
فإن نسفوا شخصه، سوف ينسفون معه هذا الحديث،
فخشوا على الحديث و قال المعتمد في التدليس أن المسور ثقة ..
فقلت إذن يثبت الحديث ،،
فراحوا يبحثون عن ثقب في المتن نفسه ،،
الثقب الذي حاولوا الولوج منه مستحيل ولوجه حتى يلج الجمل في سم الخياط،(12/207)
يعتمد على روايات تاريخية في أن سن المسور كان وقتها 8-10 سنوات بينما هو يقول أنه محتلم،
رغم أن هذا الطعن يصل لشخص الصحابي الجليل و يضيع شخصه و ليس ثقب متن،
إلا أنهم حاولوا الدخول منه،
فقررت لف حبل المشنقة على رقبتهم و قلت لهم الحديث عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
الآن،
إما علي بن الحسين بن علي كاذب ( وحاشاه من ذلك ) و هو في نظر القوم معصوم، فتضيع العصمة ،
أو هو صادق ،
لو صدق علي بن الحسين فإن علي أبو الحسين يثبت فيه إغضابه لأم الحسين،
و لو ثبت فهو غير معصوم ،
فراح الرافضي يبحث عن مخرج آخر ..
بحث فوجد حديث أبي دلود ،
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها
خلاصة درجة الحديث: صحيح
المصدر: صحيح أبي داود
رقم الحديث: 1823
و قال هنا .. إذن هم الذين أرادوا الزواج بعلي ،،
فقلت ،، عجباً .. هم الذين يريدون الزواج بعلي و يستأذنون الرسول في الزواج بعلي ،
مع أن عادة العرب هي أن طلب اليد يكون للأنثى ،
و ليس للرجل ، الرافضي يضع الحديث و كأن علي أنثى و هم يطلبون يده.
عندها أدرك الرافضي أن الوقت قد حان لإفساد الموضوع،
فشتمنا ..
فسكتنا ..
فراح يصرخ كالثور الهائج ..
الآن عندي مفاجأة لكم ..
من منتدى يا "حسين" ...
نفس الموضوع أغلقه المشرف عليه من الله ما يستحق و حذفه .. و هاكم نسخة من الموضوع
...
منتديات موقع يا حسين الأرشيف المواضيع المغلقة علي بن أبي طالب يغضب فاطمة الزهراء
... ... < الموضوع السابق الموضوع التالي >
الكاتب ... الموضوع ... ... ...
...
... الزبير
عضو مميز
تاريخ التسجيل » Dec 2002
البلد »
عدد المشاركات » 514
بمعدل » 3.78 مشاركة لكل يوم
... علي بن أبي طالب يغضب فاطمة الزهراء
روى ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه عن أبي عبدالله ( جعفر الصادق ) أنه سئل :
هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال : فتغير لون أبي عبد الله (ع) من ذلك واستوى جالسا ثم قال :
إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : أما علمت علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت : حقاً ما تقول ؟ فقال : حقاً ما أقول ثلاث مرات . فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك تعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله .
قال : فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء عليّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي ، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد ، وكلما صلى ركعتين دعا الله أ، يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم ، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها : قومي يا بُنية فقامت ، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي (ع) وهو نائم فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رجله على عليّ فغمزه وقال : قم أبا تراب !! فكم ساكن أزعجته !! ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليّ فاستخرجهما من منازلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه . فقال رسول الله عليه وسلم : يا عليّ !! أما علمت أن فاطمة بضعة مني أنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي .
انظر علل الشرائع لابن بابويه القمي ص 185 ، 186 مطبعة النجف ، أيضا أورد الرواية المجلسي في كتابه ( جلاء العيون )
وغضبت عليه (((( مرة أخرى )))) حينما رأت رأسه في حجر جارية أُهديت له من قبل أخيه . وها هو النص :
يروي القمي والمجلسي عن أبي ذر أنه قال :(12/208)
كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة ، فأُهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم ، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي (ع) تخدمه ، فجعلها عليّ في منزل فاطمة ، فدخلت فاطمة عليها السلام يوماً فنظرت إلى رأس عليّ عليه السلام في حجر الجارية ، فقالت : يا أبا الحسن !! فعلتها ؟؟ فقال : والله يا بنت محمد ما فعلت شيئاً ، فما الذي تريدين ؟ قالت : تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لها : قد أذنت لك ، فتجلببت بجلبابها ، وأرادت النبي صلى الله عليه وسلم .
انظر علل الشرائع للقمي ص 163 وأيضاً بحار الأنوار ص 43 ، 44 باب (كيفية معاشرتها مع عليّ )
وغضبت عليه (((( مرة ثالثة )))) كما يرويه القوم .
( إن فاطمة رضي الله عنها لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو بكر أن يعطيها إيّاها فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت ، وغضبت على عليّ لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إيّاها وقالت : يا ابن أبي طالب !! اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم ، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين ، فهذا هو ابن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها لي أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاججني ، ولا ينصرني أحد فليس لي ناصر ولا معين وليس لي شافع ولا وكيل ، فذهبت غاضبة ورجعت حزينة أذللت نفسي تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك ، يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي )
انظر كتاب حق اليقين للمجلسي بحث فدك ص 203 ، 204 ، ومثله في كتاب الأمالي للطوسي ص 295
ولنا مع هذه الروايات بعض الوقفات :
1 ) أنكم تلاحظون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فاطمة بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني .. ) حسب الرواية موجه لعليٍّ رضي الله عنه لكنكم تحولونه إلى الصديق رضي الله عنه فنقول إن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من عليّ رضي الله عنهما .
2 ) هناك وقائع أخرى ذكرها كل من المجلسي والطوسي والأربلي وغيرهم وقعت بين علي وفاطمة رضي الله عنهما التي سببت إيذاءها ثم غضبها على عليّ رضي الله عنه ، فماذا سيُجيب القوم عن هذه الوقائع المُتظافرة ، وبماذا سيحكم المنصفون منهم ؟؟؟!!!
فنحن نريد كل منصف متعقل من الشيعة ونرضاه حكماً ، فما هو جوابهم عن عليّ رضي الله عنه فهو جوابنا عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
فإن قالوا إنها رضيت عن عليّ بعد ما غضبت عليه فنقول : إنها رضيت أيضاً عن الشيخين بعدما غضبت ( فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه ) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 57 ط بيروت ، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 5 ص 507 ط بيروت ، وحق اليقين ص 180 ط طهران
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
20-03-2003 10:12 PM ... ...
... محب الحسن والحسين
عضو مطرود
تاريخ التسجيل » Feb 2003
البلد »
عدد المشاركات » 80
بمعدل » 1.37 مشاركة لكل يوم
...
بارك الله فيك اخي
اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم ، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين
والله من الظلم أن تنسبوا هذا الكلام لفاطمه رضي الله عنها
__________________
{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (6) الأحزاب
نحن المؤمنين لأننا أرتضينا أن تكون زوجات الرسول عليه افضل الصلاة والسلام امهات لنا.
---
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ((اتبعوهم)) بإحسان ((رضي)) الله عنهم ورضوا عنه ((وأعد لهم)) جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}(100) التوبة
{لقد ((تاب)) الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم}(117) التوبة
================
أتمنى التفكر في هذه الآية
(هل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من ((شفعاء)) فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
20-03-2003 10:42 PM ... ...
...
... فاطمة نور
عضو نشط
تاريخ التسجيل » Mar 2003
لبلد » .............
عدد المشاركات » 131
بمعدل » 2.84 مشاركة لكل يوم
...
اللهم صلي على محمد وال محمد والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى.
حشا لله ان تصدر هذه الافعال ممن تربى على يد النبي صلى الله علية والة ثم لو ان الامام لم يكن كفوا لفاطمة عليهما السلام ماكان النبي ليزوجة بضعتة وابنتة التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها.
ثانيا : اختر الاحاديث صحيحة السند والمتن .(12/209)
وماجئت بة فهو من تلفيق اصحابك الذين لم يتركوا كتاب الا دنسوه ليخفوا نور الله والله متم نور ولو كرة المشركون. و لو يسعهم لحرفوا القران الكريم وفي الحقيقة لم يقصروا فقد حرفوا تفسير القران الكريم .
وفي الحقيقة لايهمنا ان عرفتم الحق او اتبعتم الباطل.
واخيرا كلامكم هذا ما يزيدنا الاحبا الى ال البيت عليهم السلام .
ومن لم يصلي عليهم لاصلاة لة.
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 12:13 AM ... ...
...
... المها
عضو نشط
تاريخ التسجيل » Oct 2002
البلد » الولايات المتحده الامريكيه
عدد المشاركات » 142
بمعدل » 0.80 مشاركة لكل يوم
...
الاخت فاطمه نور تقول.
حشا لله ان تصدر هذه الافعال ممن تربى على يد النبي صلى الله علية والة ثم لو ان الامام لم يكن كفوا لفاطمة عليهما السلام ماكان النبي ليزوجة بضعتة وابنتة التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها.
...
فكيف تتهمون ابنة الصحابي الجليل ابو بكر رضي الله عنه وابنة الصحابي الجليل عمر ابن الخطاب؟؟؟
الم يكن الله بعالم بأنهن لسن أكفاء لرسول الله كما تزعمون؟؟؟
حاشاهن رضي الله عنهن وارضاهن جميعا.
سبحان الله تناقضون انفسكم بانفسكم يافاطمه.
__________________
اللهم اغفر لي وللمسلمين جميعا...
اللهم وحد صفوفهم...
اللهم انصر امة حبيبك المصطفى محمد عليه السلام...
اللهم اعلى كلمة الاسلام...
اللهم رد كيد اليهود الى نحورهم ياكريم...
سبحانك اللهم وبحمدك واستغفرك واتوب اليك...
وصلي اللهم وسلم على محمد وعلى ال محمد الطيبين الطاهرين وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين..
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 12:31 AM ... ...
...
... فاطمة نور
عضو نشط
تاريخ التسجيل » Mar 2003
لبلد » .............
عدد المشاركات » 131
بمعدل » 2.84 مشاركة لكل يوم
...
الاخت المها لماذا لاتكلفين على نفسك قليلا وتقراين بعض الكتب الاسلامية الصحيحة وليست المحرفة لتعرفي الفرق بين النبي صلى الله علية والة وممن تربى على يدية الامام علي وفاطمة الزهراء عليهم السلام وبين من تربوا على ايدي عبدة الاصنام وشاربين الخمر.
ثم ان هما اللذان اعطيا ابنتيهما للنبي وليس محبة للنبي بل ليكون الامر لهما بعد النبي اي للمصلحة فقطمما يعني بان النبي .لم يطلبهماللزواج .
وزواجة صلى الله علية والة منهما حجة عليهم جميعا وليس فضلا لهم ياحمقاء .
اليس من الغريب انك تهتمين لابنتي الذين لانعلم فصلهم واصلهم وتفضلنهم وتاخذك الغيرة عليهم لانهم فقط اصحاب النبي.
بينما تفتقدين الغيرة على النبي صلى الله علية والة وسلم وعترتة الطاهرين الذين هم اقرب الية على ما اعتقد ممن تزعمون بانهم اصحاب النبي.
تم تحريره من قبل فاطمة نور في 21-03-2003 عند01:34 AM
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 12:51 AM ... ...
...
... الزبير
عضو مميز
تاريخ التسجيل » Dec 2002
البلد »
عدد المشاركات » 514
بمعدل » 3.78 مشاركة لكل يوم
...
هل غضب الله من غضب الزهراء..........؟؟؟؟
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 01:03 AM ... ...
...
... فاطمة نور
عضو نشط
تاريخ التسجيل » Mar 2003
البلد » .............
عدد المشاركات » 131
بمعدل » 2.84 مشاركة لكل يوم
...
والله حالة:
فعلا انتم لا ثقافة دينية ولامذهب .
ايها الجاهل .
يرسل الله سبحانة وتعالى الرسل ليبلغوا الرسالة وحين تضيق بهم الطرق يلجأون الى الله بالدعاء فينزل الله العذاب على المكذبين.
هنا نجد ان غضب النبي اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى .
اما بالنسبة الى فاطمة الزهراء عليها السلام فقد صرح النبي بان غضبها يغضبة صلى الله علية والة وحين يغضب النبي يوجب غضب الرب سبحانه وتعالى مما يعني بان غضب فاطمة اصلا يغضب الله سبحانة وتعالى .
وقد ذكرت احاديث كثيرة في ذلك منها:
الحديث الأول: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، أو (سيدة نساء هذه الأمة)، أو (سيدة نساء المؤمنين)، أو (سيدة نساء العالمين). هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي مسند أحمد، وفي الخصائص للنسائي، وفي مسند أبي داود الطيالسي، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء، وفي المستدرك وصحيح الترمذي، وفي صحيح ابن ماجة، وغيرها من الكتب(. ففاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
الحديث الثاني: في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي: ( فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني). هذا الحديث بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، وعدة من المصادر((فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها). بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، ومسند أحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح مسلم، وغيرها من المصادر ((12/210)
(إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها). بهذا اللفظ في: صحيح مسلم(4). (إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها). بهذا اللفظ في: مسند أحمد وفي المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح الترمذي(فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها). بهذا اللفظ في: المسند، وفي المستدرك وقال: صحيح الإسناد، وفي مصادر أخرى
الحديث الثالث: (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها). هذا الحديث تجدونه في: المستدرك، وفي الإصابة، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم
الحديث الرابع: في أن النبي أسر إليها أنها أول أهل بيته لحوقا به. هذا كان عند وفاته (صلى الله عليه وآله)، فإنه دعاها فسارها فبكت، ثم دعاها فسارها فضحكت [في بعض الألفاظ: فشق ذلك على عائشة أن يكون سارها دونها ] فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلفتها عائشة أن تخبرها، فقالت: سارني رسول الله أو سارني النبي، فأخبرني أنه يقبض في وجعه هذا فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت. هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما
الحديث الخامس: عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها غير أبيها. هذا الحديث تجدونه في: المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وفي الاستيعاب، وفي حلية الأولياء(9).
الحديث السادس: عن عائشة أيضا: كانت إذا دخلت عليه - على رسول الله (صلى الله عليه وآله)- قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي أيضا().
الحديث السابع: أخرج الطبراني أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: (فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(هذه هي الأحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمة لبحوثنا الآتية، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة، وفي الحوادث الواقعة، وهي أحاديث - كما رأيتم - في المصادر المهمة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضا لا تقبل أي مناقشة.
ومن دلالات هذه الأحاديث: إن فاطمة سلام الله عليها معصومة، بالإضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الأدلة. مضافا إلى أن غير واحد من حفاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضلية الزهراء سلام الله عليها من الشيخين، بسبب هذه الأحاديث، وحديث فاطمة بضعة مني بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليتها من الخلفاء الأربعة كلهم، ولا مستند لهم إلا الأحاديث التي ذكرتها.
ولأقرأ لكم عبارة المناوي وكلامه المشتمل على بعض الأقوال من كبار علماء القوم، ففي فيض القدير في شرح حديث (فاطمة بضعة مني) قال: استدل به السهيلي [وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب] على أن من سبها كفر [ولماذا؟ لاحظوا] لأنه يغضبه [أي لأن سبها يغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)! استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه] وأنها أفضل من الشيخين. وإذا كانت هذه اللام لام تعليل لأنه يغضبه، والعلة إما معممة وإما مخصصة، ولا بد أن تكون هنا معممة، يوجب الكفر، لأنه أي السب يغضبها، فيكون أذاها أيضا موجبا للكفر، لأن الأذى - أذى الزهراء سلام الله عليها - يغضب رسول الله بلا إشكال.
قال المناوي: قال ابن حجر: وفيه - أي في هذا الحديث - تحريم أذى من يتأذى المصطفى بأذيته، فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يتأذى به بشهادة هذا الخبر، ولا شئ أعظم من إدخال الأذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لأنها بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل هو موجب للكفر كما تقدم.
وقال المناوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل من خديجة ثم عائشة. قال المناوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
قال المناوي: وذكر العلم العراقي: إن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق). إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
ثم إن هذه الأحاديث - كما قرأنا وسمعتم وترون - أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله يغضب لغضب فاطمة لا يقول إن كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إن كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أي تقييد، إن الله يغضب لغضب فاطمة، هذا الغضب بأي سبب كان، ومن أي أحد كان، وفي أي زمان، أو أي وقت كان. وعندما يقول: (يؤذيني ما آذاها)، لا يقول رسول الله: يؤذيني ما آذاها إن كان كذا، إن كان المؤذي فلانا، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أي قيد، بل الحديث مطلق يؤذيني ما آذاها.(12/211)
ودلت الأحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنها سلام الله عليها أصدق الناس لهجة ما عدا والدها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله قال كل هذا وفعله مع علمه بما سيكون من بعده.
وهنا في ما يخص الامام علي علية السلام
من آذى عليا فقد آذى رسول الله، وذاك قوله (صلى الله عليه وآله): (من آذى عليا فقد آذاني).
هذا الحديث تجدونه في: المسند، وفي صحيح ابن حبان، وفي المستدرك، وفي الإصابة، وأسد الغابة، وأورده صاحب كنز العمال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني، وله أيضا مصادر أخرى
ولم يقل النبي شيء من هذا في عائشة.
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 02:12 AM ... ...
...
... خادم المعصومين
عضو
تاريخ التسجيل » Jan 2003
البلد »
عدد المشاركات » 10
بمعدل » 0.12 مشاركة لكل يوم
...
الله يرحم والديك يافاطمه
وعساكى على القوة ومن المزيد الى المزيد
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 02:39 AM ... ...
...
... فجر الامل
عضو
تاريخ التسجيل » Sep 2002
البلد »
عدد المشاركات » 52
بمعدل » 0.23 مشاركة لكل يوم
... ياعلي
مااجرأك على الله ورسوله كيف سمحت لقلمك القبيح ان يخط هذه الكلمات على سيد الوصيين وامام المتقين وقائد الغر الحجلين الى جنات النعيم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يعني تبغى توضح انك تحب وتترجى رضى الزهراء اكثر من الامام علي !!!!! صحيح ناس ناقصين عقول مااقول الا اللهم العن ظالمي ال محمد من الجن والانس اجمعين وثبتنا الله على موالاتهم في الدنيا والاخرة
واحب اقول ان لك وقفه عسيرة عند الله مااظن راح تنجى منها
__________________
ياحسين ان لم يجبك بدني عند استقاثتك فقد اجابك قلبي
أخبر المراقب عن هذا الرد | رقم الـ IP
21-03-2003 02:42 AM ... ...
...
... الزبير
عضو مميز
تاريخ التسجيل » Dec 2002
البلد »
عدد المشاركات » 514
بمعدل » 3.78 مشاركة لكل يوم
...
هل يعني هذا أن الله غضب على من أغضب الزهراء ....
حاشا أمير المؤمنين رضي الله عنة ان يغضب علية الله ...فكلام علمائكم يتهمون علي بن ابي طالب بأنه أغضب الزهراء ومن اغضب الزهراء قد أغضب الله ...
عموما والله علمائكم مساكين ومفلسين ...
=====================
تناقضات الشيعة
أدع الرسول وأنت ساجد لله
يروي الكليني عن بعض الرواة قالوا: قال: اذا أحزنك أمر فقل في سجودك " يا جبريل يا محمد – تكرر ذلك – إكفياني ما أنا فيه فإنكما كافيان، واحفظاني بإذن الله فإنكما حافظان" (الكافي 2/406 كتاب الدعاء – باب الدعاء للكرب والهم والحزن).
وناقضه المجلسي فقال « ما سجدت به من جوارحك لله تعالى فلا تدعوا مع الله أحدا» (بحار الأنوار73/62).
وروى عن علي بن موسى « فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها» (بحار الأنوار81/197).
يعلمون الغيب
• عن أبي عبد الله قال « والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين. فقيل له: أعندك علم الغيب؟ فقال له: ويحك! إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء» (بحار الأنوار26/27).
• وقال المفيد » إن الأئمة من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرفون ضمائر بعض العباد، ويعرفون ما يكون قبل كونه« (شرح عقائد الصدوق 239).
• عن أبي جعفر قال » إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق« (الكافي 1/363 كتاب الحجة. باب في معرفتهم وأوليائهم والتفويض إليهم).
• وبوب الصفار بابا بعنوان: باب أن الأئمة يعرفون الإضمار وحديث النفس قبل أن يُخبَروا كما هو مبوب هكذا عند الصفار» (بصائر الدرجات 255). ووضع تحت الباب أحاديث منها:
• عن عمران بن يزيد وخالد بن نجيح أنهما أضمرا في أنفسهما شيئا ليسألا به أبا عبد الله فعرف أبو عبد الله ما في أنفسهم من غير أن يخبراه عمران به. (161 - 255).
تناقض حول علم الأئمة بالغيب
وسأل يحيى بن عبد الله لجعفر الصادق « يقولون: إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب، قال: سبحان الله. ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت شعرة في جسدي إلا قامت. ثم قال: لا والله إلا رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » (رجال الكشي192 بحار الأنوار26/102 الأمالي23).
تارة يقال للقرآن إرفع رأسك وتارة يقال للعقل
يروي الكليني رواية طويلة عن القرآن الذي يأتي في صورة رجل فيخر ساجدا تحت العرش. فيقال للقرآن: إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع» (الكافي2/596 وسائل الشيعة6/165). غير أن الرواية تلمح إلى أن هذا الرجل الذي أخذ القرآن صورته هو علي بن أبي طالب لا سيما وأن في الرواية أن الله قال له يا حجتي الناطق الصادق (بحار الأنوار7/319 ).
ولكن الطبرسي يروي رواية وفيها أن العقل « بقي ساجدا تحت العرش ألف سنة حتى قال الله للعقل: إرفع رأسك (!!!) وسل تعطه واشفع تشفع» (مستدرك الوسائل 11/203 بحار الأنوار1/107).(12/212)
غير أنهم أضافوا القصة نفسها بعد علي والعقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا « إن الناس يأتون ؤيم الموقف رسول الله فيذهب فيخر ساجدا تحت العرش، فيقول الله: يا محمد إرفع رأسك وقل يسمع قولك، واشفع تشفع وسل تعطه» (بحار الأنوار8/46 و48 و18/390 و37/314 تفسير العياشي2/310 تفسير القمي2/25).
فنظر إليها وقال لها: يا سلفع يا جريئة يا بذيّة يا مذكرّة يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي علي منها شيء بين مدلى» (البحار 41/293).
علي ينظر الى الفرج ويقول للآخرين لا تنظروا!!!
• عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر فقالت: هذا قاتل الأحبة، فغضب أمير المؤمنين منها فنظر إليها مليا ثم قال كذبت يا جرية يا بذية يا سلسع يا سلفع يا التي لا تحيض مثل النساء يا التي على شيء منها شيء بين مدلى» (بحار الأنوار24/129 و34/256 و40/141 و41/290 و293 و58/131 والاختصاص 302 بصائر الدرجات) وفي رواية «يا سلقلق» ورواية «يا سلسع يا سلفع يا سلقلو» (بصائر الدرجات354و356 و357) وفي رواية «يا التي على هنها شيء بين مدلى» (بصائر358 الدرجات). (وانظر تفسير العياشي2/248 تفسير فرات228و229).
تكلم فقهاء الشيعة عن مسألة المشكل الذي لا يعرف إن كان ذكرا أم أنثى. فحاروا في المسألة لأنه لا يحل للذكر أن ينظر إلى فرج الأنثى فرووا عن علي نفسه أنه قال: ينظر قوم عدول. يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة فينظرون في المرآة فيرون شبحا فيحكمون عليه. (الكافي 7/159 النهاية للطوسي678 جواهر الكلام للجواهري39/285 ).
أفضل التوسل عند علي
روى الشيعة عن علي بن أبي طالب أنه قال « أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله وكلمة الإخلاص.. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» (نهج البلاغة 163 من لا يحضره الفقيه1/205 وسائل الشيعة1/25 و9/396 و16/288 12/345 بحار الأنوار56/21 و66/386 و71/410 الأمالي216 علل الشرائع 1/247).
لكن المجلسي لا يتفق مع علي
قال المجلسي في الدعاء عند قبر الحسين « لم يتوسل المتوسلون بوسيلة أعظم حقا وأوجب حرمة منكم أهل البيت» (بحار الأنوار98/226).
كل الحوائج من أهل البيت الذين هم أفضل التوسل
ويتناقض الشيعة مع قول علي رضي الله عنه فيقول المجلسي عند حضور قبر الحسين « وبك يتوسل المتوسلون في جميع حوائجهم» (بحار الأنوار98/84 كامل الزيارات237).
هل يعلم الإمام من يخلفه بعد موته؟
قال أبو عبد الله » لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي إليه« (الكافي 1/217 كتاب الحجة باب أن الإمام يعرف الإمام الذي بعده).
وهذا يناقضه الخلاف الذي نقله الكليني بين محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين حول من الأحق بالإمامة حتى دعا أحدهما الأخر إلى المباهلة عند الحجر الأسود فأنطق الله الحجر الأسود فتكلم بلسان فصيح أن الإمامة من بعد الحسين تكون لابنه علي. (الكافي1/348 بحار الأنوار 42/77 و46/111 الاحتجاج2/316 إعلام الورى258 بصائر الدرجات502 دلائل الإمامة 89). فكيف احتاج من يعلمان الغيب إلى مساعدة الحجر ليحكم بينهما؟
الأئمة يجنبون أم لا حلوا لنا هذا المشكل
وذكر الكليني أن الأئمة لا يجنبون بل ويولدون مختونين. ونجوهم (فساؤهم وضراطهم وغائطهم) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
- ويناقضه ما أورده شيخ الطائفة الطوسي عن الصادق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا ينام في مسجدي أحد ويجنب وإن الله أوحى إلي أن اتخذ مسجدا طهورا لا يحل أن يجنب فيه إلا أنا وعلي والحسن والحسين عليهم السلام التهذيب 6/15 البحار، 25/168 .
الله إله الآلهة ولكن؟؟
ورد في كثير من دعائهم هكذا: اللهم يا رب الأرباب وإله الآلهة. (2/566 و3/323 وسائل الشيعة6/340 مستدرك الوسائل2/87 و4/332 و4/464 بحار الأنوار7/292 و82/131 و83/62-233 و88/195 و92/20-94-109-168 و92/337-222).
ولكن تناقض المجلسي فقال « لا يجوز أن يقال أنت خير الآلهة لما لم يكن غيره إلها» (بحار الأنوار14/263).
الأحد اسم الله وعلي
» السبت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحد أمير المؤمنين عليه السلام والإثنان الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسين عليه السلام والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق« (مفاتيح الجنان86).
مع أنهم صرحوا بأن اسم الأحد إسم من أسماء الله تعالى. (وسائل الشيعة11/350).
الله وعدهم بالنصر ولكن؟؟؟
عن أبي عبد الله في قوله تعالى "ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم" قال: هم الأئمة (الكافي 1/150 كتاب الحجة باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله في أرضه).(12/213)
عن أبي عبد الله قال » إن الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وانبيه وجميع الأئمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق ووعدهم أن يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن وأن ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم« (الكافي 1/375 كتاب الحجة. باب مولد النبي- صلى الله عليه وسلم - ووفاته).
استشهاد الحسين يكذبهم
تنازل الحسن إلى معاوية يكذبهم.
تولي علي للأئمة الثلاثة
ذاك فرج غصبناه
عن أبى عبد الله قال « لما خطب عمر أم كلثوم إلى أمير المؤمنين قال له: إنها صبية، قال: فلقى العباس فقال: مالي؟ أبي بأس؟ فقال: وما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لاغورن زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولاقيمن عليه شاهدين بأنه سرق، ولاقطعن يمينه، فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الامر إليه فجعله إليه» فاضحك مع هذه الرواية التي لا تزيد في أبي الحسن إلا طعنا (وسائل الشيعة للحر العاملي 2/561 باب جواز مناكحة الناصب عند الضرورة والتقية (26348).
علي يخرق الأرضين السبع
هذا ما كذبوه على بطل قريش وشجاعها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنظر ما رووا عنه:
روى الجزائري عن البرسي قوله « أن جبرئيل جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي،. . . وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].
تناقض الشيعة في تفضيل الإمام على النبي
ويتناقض الشيعة في عقيدة تفضيل الأئمة على الأنبياء. فبينما يروي الكليني في الكافي أن هشام الأحول سأل أبا جعفر: «جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء» (الكافي1/174 ح رقم 5 كتاب الحجة: باب الإضطرار إلى الحجة). وصحح المجلسي الرواية فقال «موثق كالصحيح 2/277».
يقول الخميني » إن لأئمتنا مقاما ساميا وخلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات هذا الكون… وينبغي العلم أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل« (الحكومة الإسلامية ص 52).
ثم يناقضه قول محمد آل كاشف الغطاء « فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر» (أصل الشيعة وأصولها214).
هل قاله على وجه التواضع؟
إن كان ما قالوه على وجه التواضع فما بال ذلك قد خفي على الرافضة حتى أجمعوا على تفضيل الأئمة على أنبياء الله تعالى؟
كيف يكون الإمام علي أفضل من الإمام والرسول والخليل إبراهيم؟
زعموا أن الإمام أفضل من النبي لأن مرتبة الإمامة أعظم من مرتبة النبوة.
لكن إبراهيم أوتي النبوة والرسالة والخلة فبأي شيء فضلتم عليه من لم ينل النبوة والرسالة والخلة؟
تناقضهم حول حديث من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله
يحتج به الرافضة وهو يناقض ما رووه عن علي « من سبني فهو في حل من سبي» (بحار الأنوار34/19).
والتناقض الآخر هو: كيف رضي الحسن بتسليم الخلافة ذاك المنصب الإلهي الى من سب الله؟
والحديث منكر. رواه أحمد 6/323 والحاكم وصححه ولكن فيه اسحاق السبيعي كان اختلط، ولا يدري أحدث قبل الاختلاط أم لا. والراجح الثاني بأن إسرائيل وهو ابن يونس ابن ابي اسحاق – حفيد السبيعي – إنما سمع منه متأخرا.
وأبو اسحاق مدلس وحديثه مقبول ما دام لم يعنعن فاذا عنعن لم تقبل روايته.
وفيه محمد بن سعد العوفي: ضعفه الخطيب والذهبي وقال الدار قطني لا بأس به. وفيه أبو عبدالله الجدلي: ثقة إلا أنه شيعي جلد وهذا الحديث في نصرة بدعته.
تناقضهم في تضعيف روايات زواج عمر لأم كلثوم(12/214)
• نقل المجلسي عن المفيد أن التناقض في قيمة المهر هو سبب تضعيف الرواية قائلا « منهم من يقول: إن عمر أمهر ام كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم، وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث» (بحار الأنوار38/108).
• وهم قد تناقضوا واضطربوا في شأن المهدي فروت أمهات كتبهم الموثوقة أن أباه مات ولم يعثر له على ولد. وبعضهم روى روايات أنه نمى بسرعة لأن يوما عند أطفال البيت كسنة مما تعدون. فروى المجلسي عن أبيه العسكري أنه قال « يا عمتي اما علمت انا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة» (غيبة الطوسي144 بحار الأنوار51/20، 27، 293).
تناقضهم في العصمة
نفي السّهو هو ممّا أضافه الشّيعة المتأخّرون إلى مسألة العصمة، فأبو عبد الله كان يقول – لمّا ذكر له السّهو -: « أو ينفلت من لك أحد؟ ربّما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي » [بحار الأنوار: 25/351].
عدالة الصحابي
قولهم بأن الصحابة كغيرهم لا مزية لهم. منهم المؤمن ومنهم المنافق والفاسق والكافر. هكذا مع عدم اعتبارهم لثناء القرآن لهم ولا لشرف رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم.
مع أنهم حكموا بتعديل الشيعي لمجرد شرف رؤية المهدي المنتظر. واعتبروا أن الشيعي ينال رتبة هي أعلى من رتبة العدالة (تنقيح المقال للمامقاني 1/211).
في علم الأئمة الغيب
قولهم بأن الأئمة يعلمون الغيب غير أن الحسن لم يكن يعلم بوجود السم الذي وضعه له معاوية فمات. فإما أن يكون عالما بالسم فيكون منتحرا وإلا عودوا عن هذا القول.
وعلي خرج إلى صلاة الفجر ولم يكن يعلم باختباء ابن ملجم له ومن ثم قتله.
والحسين خرج إلى الكوفة ظانا أن له أنصارا وإذا بهم يكونون خونة.
تناقض آخر في علم الأئمة الغيب
فلله البداء لكن لأئمتهم علم الغيب المطلق ولم يثبتوا لأئمتهم بداء ولكن نسبوه إلى الله.
لا يجوز التقليد في العقائد
وهذا بخلاف ما عليه حال الشيعة اليوم.
قال المظفر في عقائد الإمامية (ص66) «وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد ولا يجوز تقليد الغير فيها».
مذبذبون بين التبليغ والكتمان
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
يحتج الرافضة بهذه الآية كثيرا على أنها نص على إمامة علي.
ولكنهم في نفس الوقت يوصون بكتمان دينهم بل ويروون عن علي أنه كتم القرآن الذي جمعه حتى يخرج به الإمام المنتظر. هل بلغ علي ذلك القرآن الذي جمعه؟
عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله: كف عن هذه القراءة . إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده. وأخرج المصحف الذي كتبه علي. وقال: أخرجه علي إلى الناس حسن فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جمعته من اللوحين. فقالوا: هوذا عندنا مصحف جماع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا. إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه" (الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب).
الآية تتعارض مع مبدأ الكتمان عند الشيعة. ونستعرض لكم هذه الروايات:
قال أبو عبد الله: " يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله " ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- عن أبي جعفر قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا، فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا" ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان).
- يقول أبي جعفر: " أحب أصحابي إلي أكتمهم لحديثنا " (الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو عبد الله "من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان" ( الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).
- عن أبي عبدالله "ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد " (الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).
- قال أبو عبدالله: " يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعل ظلمة تقوده إلى النار، إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، إن المذيع لأمرنا كالجاحد له " ( الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو جعفر: " ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه السلام وأسرها جبرئيل إلى حمد صلى الله عليه وسلم وأسرها محمد إلى علي عليه السلام وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك " ( الكافي 2/178 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
من أصول الكفر عند الرافضة(12/215)
اعتقاد أن الله يتراءى لخلقه يوم القيامة (عقائد الإمامية للمظفر71). وهم يناقضون بذلك نصا قرآنيا وهو قوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } .
تحريم تزويج الناصبي ولكن: ماذا عن عمر؟
رووا عن عبد الله بن مسكان قال: « سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن النّاصب الذي عرف نصبه وعداوته هل يزوّجه المؤمن وهو قادر على ردّه ولا يعلم بردّه؟ قال: لا يتزوّج المؤمن النّاصبة، ولا يتزوّج النّاصب مؤمنة ولا يتزوّج المستضعف مؤمنة » (الطوسي : الاستبصار ، ج3 ، ص 183 ، حديث رقم ( 2 ) باب في تحريم نكاح النّاصبة المشهورة بذلك).
وقد أثبتت كتب الشيعة بأن عمر بن الخطاب تزوج من أم كلثوم فما هو حكم علي الآن؟؟؟
تناقضهم في الطعن بعرض النبي - صلى الله عليه وسلم -
وروى المجلسي عن علي أنه كان ينام بجانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة على الجانب الآخر تحت لحاف واحد فإذا قام النبي لصلاة الليل يحط بيده اللحاف بين علي وبين عائشة. (بحار الأنوار 40 /2 وسليم بن قيس221).
مع أن الرافضة رووا عن أبي عبد الله أنه فتى فيمن يوجد مع امرأة تحت لحاف واحد أنهما يجلدان مئة جلدة (فقيه من لا يحضره الفقيه4/23).
المهدي المنتظر عج عج عج
إضطراب الشيعة في شأن المهدي
إختلافهم في مولده
إختلافهم في تاريخ مولده
إختلافهم في إسم أمه
إختلافهم في جواز تسميته
حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المهدي : إسمه إسمي وإسم أبيه إسم أبي
موقف الشيعة وإضطرابهم في تأويل ورد هذا الحديث
النهي عن كتابة إسمه ومن أراد ذلك فعليه بكتابته بحروف مقطعه هكذا ( م ح م د )
إختلافهم في طريقة نشأته بين من جعل الشهر كسنة و من جعل الأسبوع كسنة و من جعل اليوم كسنة
إختلافهم في مدة غيبته
إختلافهم في علة غيبته
رواية من طرق الشيعة تدل على بيعة كل إمام من أئمة الشيعة لخليفة زمانه
إختلافهم في تاريخ خروجه
عشرات الروايات من طرق الشيعة في تحديد تاريخ خروجه وأخرى في النهي عن ذلك
روايات من طرق القوم في أن خروج المهدي يكون بعد ذهاب ثلثي الناس
إذا لم يكن في السرداب فأين هو؟
يقول المجلسي « وأمّا الجواب عن إنكارهم، بقاءه في السّرداب بقاء عيسى "عليه السّلام" في السّماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه، وهو بشر مثل المهدي "عليه السّلام" فلمّا جاء بقاؤه في السّماء والحالة هذه فكذلك المهدي في السّرداب» (47/102).
هذا قياس باطل فإن رفع المسيح ثابت بالقرآن لا خلاف فيه. أما ابن العسكري فلم يثبت فيه وجود. بل الشيعة مختلفون فيه.
وقد ذكر القمي آدابا لزيارة السرداب الطاهر فقال » ثم انزل إلى السرداب وزره« (مفاتيح الجنان598).
وذكر في (معجم أحاديث المهدي ص4/322والمطبوع بإشراف علي الكوراني) نقلا عن (مصباح الزائر ص 332) «فأت إلى السرداب وقف ماسكا جانب الباب كالمستأذن وسم وأنزل وعليك السكينة والوقار وصل ركعتين في عرصة السرداب وقل ( البحار/102 ب 7 ح 2 - كما في مصباح الزائر عن السيد علي بن طاووس بتفاوت ( الصحيفة المهدية ص 179) كما في البحار «إلهى إني قد وقفت على باب بيت من بيوت نبيك محمد صلواتك عليه وآله وقد منعت الناس من الدخول إلى بيوته إلا بإذنه فقلت { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) اللهم وإني أعتقد حرمة نبيك في غيبته كما أعتقد في حضرته وأعلم أن رسلك وخلفاءك أحياء عندك يرزقون فرحين يرون مكاني ويسمعون كلامي ويردون سلامي علي وأنك حجبت عن سمعي كلامهم وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم».
بينما يقول الصّدر « وليس المهدي محبوسًا في السّرداب وليس هناك على وجه الأرض من يعتقد ذلك بحقّ، بل هو يحضر الحجّ، ويكلّم النّاس، وينصّب السّفراء، ويقبض الأموال، ويكتب التّوقيعات» (الغيبة الصغرى ص564).
تارك الإمامة كافر ومتعقد التحريف ليس بكافر
ومن تناقضهم تحرزهم الشديد بل امتناعهم عن وصف معتقد التحريف في القرآن بالكفر، فالخوئي يصف معتقد التحريف في القرآن بأنه ضعيف العقل (تفسير البيان ص259) والمظفر يعتقد بأنه مشتبه مخترق مغالط (عقائد الإمامية ص95).
بينما لا يترددون في وصف منكر إمامة واحد من الأئمة بالكفر وجحد جميع الأنبياء بل وجحد الله.
فالمظفر نفسه قد حكم على منكر إمامة الأئمة منكر لأصل الرسالة النبوية وإن أقر ظاهرا بالشهادتين (عقائد الإمامية ص110).
كل ما خالف القرآن فاضربوا به عرض الحائط
• القرآن ينهى عن الشرك وهم يجيزونه حتى في الصلاة.
• القرآن يقول لا تدع مع الله إلها آخر. وهم يدعون مع الله آلهة أخرى.
• القرآن ينهى عن دعاء الأموات وهم يجيزونه.
• القرآن يقول: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. والرافضة يقولون: الصحابة حذفوا منه نصوصا نصت على علي والأئمة من بعده.
• القرآن يقول إن الله خلق الجن والانس ليعبدوه وخلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا وهم يقولون خلق السموات والأرض من أجل نبينا والأئمة.(12/216)
• القرآن أثبت النسيان للأنبياء وهم ينزهون عنه أئمتهم.
• القرآن أمر النبي أن يصرح بأنه لا يعلم الغيب وهم يتمسكون بأن أئمتهم يعلمون الغيب.
• القرآن يثني على المهاجرين والأنصار وصفون إماما المهاجرين أبا بكر وعمر بأنهما الجبت والطاغوت.
عدم الحيض مدح أم ذم
• عن أبي الحسن قال » إن بنات الأنبياء لا يطمثن « (الكافي 1/381 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام).
• عن أبي جعفر قال » لما ولدت فاطمة عليه السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتكِ من الطمث. قال أبو جعفر: والله لقد فطمها عن الطمث في الميثاق« (الكافي 1/382 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
• غضب أمير المؤمنين على امرأة فنظر إليها مليا ثم قال كذبت يا جرية يا بذية يا سلسع يا سلفع يا التي لا تحيض مثل النساء يا التي على شيء منها شيء بين مدلى» (بحار الأنوار24/129 و34/256 و40/141 و41/290 و293 و58/131 والاختصاص 302 بصائر الدرجات) وفي رواية «يا سلقلق» ورواية «يا سلسع يا سلفع يا سلقلو» (بصائر الدرجات354و356 و357) وفي رواية «يا التي على هنها شيء بين مدلى» (بصائر358). (وانظر تفسير العياشي2/248 تفسير فرات228و229
===============
زعمهم أن الإمامة أهم مطالب الدين
إن قول القائل: «إن مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين»، كذب بإجماع المسلمين سنيِّهم وشيعيِّهم، بل هذا كفر.
فإن الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فالكافر لا يصير مؤمناً حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الذي قاتل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار أولاً، كما استفاض عنه في الصحاح وغيرها أنه قال: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله». وفي رواية: «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها».
وقد قال تعالى: { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ } [سورة التوبة: 5]. فأمر بتخلية سبيلهم إذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. [وكذلك قال لعليّ لما بعثه إلى خيبر].
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في الكفار؛ فيحقن دماءهم بالتوبة من الكفر، لا يذكر لهم الإمامة بحال. وقد قال تعالى بعد هذا: { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، فجعلهم إخواناً في الدين بالتوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولم يذكر الإمامة بحال.
ومن المتواتر أن الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة بحال، ولا نقل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم: لا نقلاً خاصاً ولا عاماً. بل نحن نعلم بالاضطرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يذكر للناس إذا أرادوا الدخول فيه دينه الإمامة لا مطلقاً ولا معيناً، فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين؟
ومما يبين ذلك أن الإمامة – بتقدير الاحتياج إلى معرفتها – لا يحتاج إليها من مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة، ولا يحتاج إلى التزام حكمها من عاش منهم إلى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون أشرف مسائل المسلمين وأهم المطالب في الدين لا يحتاج إليه أحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ أوليس الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته واتبعوه باطناً وظاهراً، ولم يرتدوا ولم يبدِّلوا، هم أفضل الخلق باتفاق المسلمين: أهل السنة والشيعة؟ فكيف يكون أفضل المسلمين لا يحتاج إلى أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين؟
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في حياته، وإنما يُحتاج إلى الإمام بعد مماته، فلم تكن هذه المسألة أهم مسائل الدين في حياته، وإنما صارت أهم مسائل الدين بعد موته.
قيل: الجواب عن هذا من وجوه:
أحدها : أنه بتقدير صحة ذلك لا يجوز أن يقال: إنها أهم مسائل الدين مطلقاً، بل في وقت دون وقت، وهي في خير الأوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين ولا أشرف مسائل المسلمين.
الثاني: أن يقال: الإيمان بالله ورسوله في كل زمان ومكان أعظم من مسألة الإمامة، فلم تكن في وقت من الأوقات لا الأهم ولا الأشرف.(12/217)
الثالث : أن يقال: فقد كان يجب بيانها من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته الباقين [من] بعده، كما بين لهم أمور الصلاة والزكاة والصيام والحج، [وعين] أمر الإيمان بالله وتوحيده واليوم الآخر. ومن المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب والسنة كبيان هذه الأصول.
فإن قيل: بل الإمامة في كل زمان هي الأهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان نبياً إماماً، وهذا كان معلوماً لمن آمن به أنه [كان] إمام ذلك الزمان.
قيل: الاعتذار بهذا باطل من وجوه:
أحدها : أن قول القائل: الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين: إما أن يريد به إمامة الاثني عشر، أو إمام كل زمام بعينه في زمانه، بحيث يكون الأهم في زماننا الإيمان بإمامة محمد المنتظر، والأهم في زمان الخلفاء الأربعة الإيمان بإمامة عليّ عندهم، والأهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بإمامته. وإما أن يراد به الإيمان بأحكام الإمامة مطلقاً غير معين. وإما أن يراد به معنى رابعاً.
أما الأول : فقد عُلم بالاضطرار أن هذا لم يكن معلوماً شائعاً بين الصحابة ولا التابعين، بل الشيعة تقول: إن كل واحد إنما يُعيّن بنص مَنْ قبله، فبطل أن يكون هذا أهم أمور الدين.
وأما الثاني : فعلى هذا التقدير يكون أهم المطالب في كل زمان الإيمان بإمام ذلك الزمان، ويكون الإيمان من سنة سِتين ومائتين إلى هذا التاريخ إنما هو الإيمان بإمامة محمد بن الحسن، ويكون هذا أعظم من الإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، ومن الإيمان بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الواجبات. وهذا مع أنه معلوم فساده بالاضطرار من دين المسلمين، فليس هو مذهب الإمامية، فإن اهتمامهم بعلي وإمامته أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر، كما ذكره هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الشيعة.
وأيضاً: فإن كان هذا هو أهم المطالب في الدين فالإمامية أخسر الناس صفقة في الدين، لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم والذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا، فلم يستفيدوا من أهم الأمور الدينية شيئاً من منافع الدين ولا الدنيا.
فإن قالوا: إن المراد [أن] الإيمان بحكم الإمامة مطلقاً هو أهم أمور الدين. كان هذا أيضاً باطلاً للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها.
وإن أريد معنى رابع فلابد من بيانه لنتكلم عليه.
الوجه الثاني : أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تجب طاعته على الناس لكونه إماماً، بل لكونه رسول الله إلى الناس. وهذا المعنى ثابت له حيًّا وميتاً، فوجوب طاعته على من بعده، كوجوب طاعته على أهل زمانه. وأهل زمانه فيهم الشاهد الذي يسمع أمره ونهيه، وفيهم الغائب الذي بلَّغه الشاهد أمره ونهيه، فكما يجب على الغائب عنه في حياته طاعة أمره ونهيه، يجب ذلك على من يكون بعد موته.
وهو صلى الله عليه وسلم أمره شامل عام لكل مؤمن شهده أو غاب عنه في حياته وبعد موته، وليس هذا لأحد من الأئمة ولا يستفاد هذا بالإمامة حتى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أمر ناساً معينين بأمور، وحكم في أعيان معينة بأحكام، لم يكن حكمه وأمره مختصاً بتلك المعينات، بل كان ثابتاً في نظائرها وأمثالها إلى يوم القيامة. فقوله صلى الله عليه وسلم لمن شهده: «لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود»، هو حكم ثابت لكل مأموم بإمام أن لا يسبقه بالركوع ولا بالسجود. وقوله لمن قال: لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي. قال: «ارم ولا حرج». ولمن قال: نحرت قبل أن أحلق.
قال: «احلق ولا حرج»، أمر لمن كان مثله. وكذلك قوله لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت وهي معتمرة: «اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت»، وأمثال هذا كثير، بخلاف الإمام إذا أطيع.
وخلفاؤه بعده في تنفيذ أمره ونهيه كخلفائه في حياته، فكل آمر بأمر يجب طاعته [فيه] إنما هو منفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله أرسله إلى الناس وفرض عليهم طاعته، لا لأجل كونه إماماً له شوكة وأعوان، أو لأجل أن غيره عهد إليه بالإمامة [أو غير ذلك]. فطاعته لا تقف على ما تقف عليه طاعة الأئمة من عهد من قبله أو موافقة ذوي الشوكة أو غير ذلك، بل تجب طاعته صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن معه أحد وإن كذبه جميع الناس.(12/218)
وكانت طاعته واجبة بمكة قبل أن يصير له أنصار وأعوان يقاتلون معه، فهو كما قال سبحانه [فيه]: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران: 144]، بيَّن سبحانه وتعالى أنه ليس بموته ولا قتله ينتقض حكم رسالته كما ينتقض حكم الإمامة بموت الأئمة وقتلهم، وأنه ليس من شرطه أن يكون خالداً لا يموت، فإنه ليس هو ربًّا وإنما هو رسول قد خلت من قبله الرسل، وقد بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فطاعته واجبة بعد مماته وجوبها في حياته وأوكد، لأن الدين كمل واستقر بموته فلم يبق فيه نسخ، ولهذا جُمع القرآن بعد موته كماله واستقراره بموته.
فإذا قال القائل : إنه كان إماماً في حياته، وبعده صار الإمام غيره. إن أراد بذلك أنه صار بعده من هو نظريه يُطاع كما يطاع الرسول، فهذا باطل. وإن أراد أنه قام من يخلفه في تنفيذ أمره ونهيه، فهذا كان حاصلاً في حياته فإنه إذا غاب كان هناك من يخلفه.
وإن قيل: إنه بعد موته لا يباشر معيناً بالأمر بخلاف حياته.
قيل : مباشرته بالأمر ليست شرطاً في وجوب طاعته، بل تجب طاعته على من بَلَغه أمره [ونهيه]، كما تجب طاعته على من سمع كلامه، وقد كان يقول: «ليُبَلِّغ الشاهد الغائب فرب مُبلَّغ أوعى من سامع».
وإن قيل: إنه في حياته كان يقضي في قضايا معينة، مثل إعطاء شخص بعينه، وإقامة الحد على شخص بعينه، وتنفيذ جيش بعينه.
قيل: نعم. وطاعته واجبة في نظير ذلك إلى يوم القيامة بخلاف الأئمة، لكن قد يخفى الاستدلال [على نظير ذلك] كما يخفى العلم على من غاب عنه. فالشاهد أعلم بما قال وأفهم له من الغائب، وإن كان فيمن غاب وبُلِّغ أمره من هو أوعى له من بعض السامعين، لكن هذا التفاضل الناس في معرفة أمره ونهيه، لا [لتفاضلهم] في وجوب طاعته عليهم، فما تجب طاعة ولي الأمر بعده إلا كما تجب طاعة ولاة الأمور في حياته. فطاعته واجبة شاملة لجميع العباد شمولاً واحداً، وإن تنوعت طرقهم في البلاغ والسماع والفهم. فهؤلاء يبلغهم من أمره ما لم يبلغ هؤلاء، وهؤلاء يسمعون من أمره ما لم يسمعه هؤلاء، وهؤلاء يفهمون من أمره ما لم يفهمه هؤلاء.
وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته طاعة الله ورسوله لا له، وإذا كان للناس ولي أمر قادر ذو شوكة فيأمر بما يأمر ويحكم بما يحكم، انتظم الأمر بذلك، ولم يجز أن يُوَلَّى غيره، ولا يمكن بعده أن يكون شخص واحد مثله، إنما يوجد من هو أقرب إليه من غيره، فأحق الناس بخلافة نبوته أقربهم إلى الأمر بما يأمر به والنهي عما نهى عنه، ولا يطاع أمره طاعة ظاهرة غالبة إلا بقدرة وسلطان يوجب الطاعة، كما لم يُطع أمره في حياته طاعة [ظاهرة] غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره.
فالدين كله طاعة لله ورسوله، وطاعة الله ورسوله هي الدين كله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله. ودين المسلمين بعد موته طاعة الله ورسوله، وطاعتهم لولي الأمر فيما أُمروا بطاعته فيه هو طاعة لله ورسوله، وأمر ولي الأمر الذي أمره الله أن يأمرهم به وقَسْمُه وحكمه هو طاعة لله ورسوله، فأعمال الأئمة والأمة في حياته ومماته التي يحبها الله ويرضاها كلها طاعة لله ورسوله، ولهذا كان أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فإذا قيل : هو كان إماماً، وأُريدَ بذلك إمامة خارجة عن الرسالة، أو إمامة يُشترط فيها ما لا يشترط في الرسالة، أو إمامة تعتبر فيها طاعته بدون طاعة الرسول، فهذا كله باطل. فإن كل ما يطاع به داخل في رسالته، وهو أن كل ما يطاع فيه يطاع بأنه رسول الله، ولو قُدِّر أنه كان إماماً مجرداً لم يطع حتى تكون طاعته داخلة في طاعة رسول آخر، فالطاعة إنما تجب لله ورسوله ولمن أَمَرت الرسل بطاعتهم.
فإن قيل : أُطيع بإِمامته طاعة داخلة في رسالته. كان هذا عديم التأثير، فإن مجرد رسالته كافية في وجوب طاعته، بخلاف الإمام فإنه إنما يصير إماماً بأعوان ينفذون أمره، وإلا كان كآحاد أهل العلم والدين، إن كان من أهل العلم والدين.
فإن قيل : إنه صلى الله عليه وسلم لما صار له شوكة بالمدينة، صار له مع الرسالة إمامة القدرة.(12/219)
قيل : بل صار رسولاً له أعوان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه. وهو ما دام في الأرض من يؤمن بالله ورسوله ويجاهد في سبيله، له أعوان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه، فلم يستفد بالأعوان ما يحتاج أن يضمه إلى الرسالة، مثل كونه إمامًا أو حاكمًا أو ولي أمر، إذا كان هذا كله داخلاً في رسالته، ولكن بالأعوان حصل له كمال قدره، أوجبت عليه من الأمر والجهاد ما لم يكن واجباً بدون القدرة. والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة والعجز والعلم وعدمه، كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض. والمؤمن مطيع لله في ذلك كله، وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله، ومحمد رسول الله فيما أمر به ونهى عنه، [مطيع لله] في ذلك كله.
وإن قالت الإمامية: الإمامة واجبة بالعقل بخلاف الرسالة، فهي أهم من هذا الوجه.
قيل : الوجوب العقلي فيه نزاع كما سيأتي. وعلى القول بالوجوب العقلي، فما يجب من الإمامة جزء من أجزاء الواجبات العقلية، وغير الإمامة أوجب من ذلك، كالتوحيد والصدق والعدل وغير ذلك من ا لواجبات العقلية.
وأيضاً : فلا ريب أن الرسالة يحصل بها هذا الواجب، فمقصودها جزء من مقصود الرسالة، فالإيمان بالرسول يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته، بخلاف الإمامة.
وأيضاً : فمن ثبت عنده أن محمداً رسول الله، وأن طاعته واجبة عليه، واجتهد في طاعته حسب الإمكان. إن قيل: إنه يدخل الجنة، فقد استغنى عن مسألة الإمامة.
وإن قيل : لا يدخل الجنة، كان هذا خلاف نصوص القرآن. فإنه سبحانه أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع، كقوله – تعالى –: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء: 69]، وقوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة النساء: 13].
وأيضاً: فصاحب الزمان الذي يدعون إليه، لا سبيل للناس إلى معرفته، ولا معرفة ما يأمرهم به، وما ينهاهم عنه، وما يخبرهم به. فإن كان أحد لا يصير سعيداً إلا بطاعة هذا الذي لا يُعرف أمره ولا نهيه لزم أنه لا يتمكن أحد من طريق النجاة والسعادة وطاعة الله، وهذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، وهم من أعظم الناس إحالة له.
وإن قيل : بل هو يأمر بما عليه الإمامية.
قيل : فلا حجة إلى وجوده ولا شهوده، فإن هذا معروف سواء كان هو حيًّا أو ميتًا وسواء كان شاهدًا أو غائبًا. وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكناً بدون هذا الإمام المنتظر، عُلم أنه لا حاجة إليه ولا يتوقف عليه طاعة الله ورسوله ولا نجاة أحد ولا سعادته. وحينئذ فيمتنع القول بجواز إمامه مثل هذا. فضلاً عن القول بوجوب إمامة مثل هذا، وهذا أمر بيّن لمن تدبره، لكن الرافضة من أجهل الناس.
وذلك أن فعل الواجبات العقلية والشرعية، وترك المستقبحات العقلية والشرعية، إما أن يكون موقوفاً على معرفة ما يأمر به وينهى عنه هذا المنتظر، وإما أن لا يكون موقوفاً. فإن كان موقوفاً، لزم تكليف ما لا يطاق، وأن يكون فعل الواجبات وترك المحرمات موقوفاً على شرط لا يقدر عليه عامة الناس، بل ولا أحد منهم، فإنه ليس في الأرض من يدَّعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر أو سمع كلامه. وإن لم يكن موقوفاً على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية والشرعية. وترك القبائح العقلية والشرعية، بدون هذا المنتظر، فلا يُحتاج إليه، ولا يجب وجوده ولا شهوده.
وهؤلاء الرافضة علَّقوا نجاة الخلق وسعادتهم، وطاعتهم لله ورسوله، بشرط ممتنع لا يقدر عليه الناس، بل ولا يقدر عليه أحد منهم، وقالوا للناس: لا يكون أحد ناجياً من عذاب الله إلا بذلك، ولا يكون سعيداً إلا بذلك، ولا يكون أحداً مؤمناً إلا بذلك.
فلزم أحد أمرين: إما بطلان قولهم. وإما أن يكون الله قد آيس عباده من رحمته، وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين وغيرهم. وعلى هذا التقدير فهم أول الأشقياء المعذبين، فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة أمر هذا الإمام الذي يعتقدون أنه موجود غائب، ولا نهيه ولا خبره، بل عندهم من الأقوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة [المتقدمين على هذا المنتظر]، وهم لا ينقلون شيئاً عن المنتظر، وإن قٌدِّر أن بعضهم نقل عنه شيئاً عُلم أنه كاذب. وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية فلا حاجة إلى المنتظر، وإن لم تكن كافية فقد أقروا بشقائهم وعذابهم، حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر.
وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلي يقول: إذا اختلفت الإمامية على قولين، أحدهما يُعرف قائله والآخر لا يعرف قائله، كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب إتباعه، لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة.(12/220)
وهذا غاية الجهل والضلال، فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم، لا يُعلم أنه قال ذلك القول، إذ لم ينقله عنه أحد، ولا عمَّن نقله عنه. فمن أين يجزم بأنه قوله؟ ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله، وهو لغيبته وخوفه من الظالمين لا يمكنه إظهار قوله، كما يدَّعون ذلك فيه؟
فكان أصل دين هؤلاء الرافضة مبنيًّا على مجهول ومعدوم، لا على موجود ولا معلوم، يظنون أن إمامهم موجود معصوم، وهو مفقود معدوم، ولو كان موجوداً معصوماً، فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه، كما [كانوا] يعرفون أمر آبائه ونهيهم.
والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره، فإذا كان العلم بأمره ممتنعاً، كانت طاعته ممتنعة، فكان المقصود [به] ممتنعاً. وإذا كان المقصود [به] ممتنعاً، لم يكن [في] إثبات الوسيلة فائدة أصلاً، بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه والعبث والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع، و[باتفاق] العقلاء القائلين بتحسين العقول وتقبيحها، بل باتفاق العقلاء مطلقاً. فإنهم إذا فسروا القبح بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يُعلم بالعقل، والإيمان بهذا الإمام الذي ليس فيه منفعة، بل مضرة في العقل والنفس والبدن والمال وغير ذلك، قبيح شرعاً وعقلاً.
ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا، لا تنتظم لهم مصلحة دينهم ولا دنياهم إن لم يدخلوا في طاعة غيرهم، كاليهود الذين لا تنتظم لهم مصلحة إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم. فهم يوجبون وجود الإمام المنتظر المعصوم، لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به عندهم، وهم لم يحصل لهم بهذا المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا، والذين كذَّبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا، بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه.
فعلم بذلك أن قولهم في الإمامة، لا ينال به إلا ما يورث الخزي والندامة، وأنه ليس فيه شيء من الكرامة، وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين، فهم أبعد الناس عن الحق والهدى في أعظم مطالب الدين، وإن لم يكن أعظم مطالب الدين، ظهر بطلان ما ادَّعوه من ذلك، فثبت بطلان قولهم على التقديرين، وهو المطلوب.
فإن قال هؤلاء الرافضة: إيماننا بهذا المنتظر المعصوم، مثل إيمان كثير من شيوخ الزهد والدين بإلياس والخضر والغوث والقطب [ورجال الغيب]، ونحو ذلك من الأشخاص الذين لا يعرف وجودهم، ولا بماذا يأمرون، ولا عمَّاذا ينهون، فكيف يسوغ لمن يوافق هؤلاء أن ينكر علينا ما ندعيه؟
قيل: ا لجواب من وجوه:
أحدها : أن الإيمان بوجود هؤلاء ليس واجباً عند أحد من علماء المسلمين وطوائفهم المعروفين، وإذا كان بعض الغلاة يوجب على أصحابه الإيمان بوجود هؤلاء، ويقول: إنه لا يكون مؤمناً وليًّا لله إلا من يؤمن بوجود هؤلاء في هذه الأزمان، كان قوله مردوداً كقول الرافضة. فإن من قال من هؤلاء الغلاة: إنه لا يكون وليًّا لله إن لم يعتقد الخضر، ونحو ذلك، كان قوله مردوداً، كقوله الرافضة.
الوجه الثاني : أن يقال: من الناس من يظن أن التصديق بهؤلاء يزداد به الرجل إيماناً وخيراً وموالاة لله، وأن المصدِّق بوجود هؤلاء أكمل [وأشرف] وأفضل عند الله ممن لم يصدِّق بوجود هؤلاء. وهذا القول ليس مثل قول الرافضة من كل وجه، بل هو مشابه له من بعض الوجوه، لكونهم جعلوا كمال الدين موقوفاً على ذلك.
وحينئذ فيقال: هذا القول أيضاً باطل باتفاق علماء المسلمين وأئمتهم. فإن العلم بالواجبات والمستحبات، وفعل الواجبات والمستحبات كلها ليس موقوفاً على التصديق بوجود أحد من هؤلاء، ومن ظن من أهل النسك والزهد والعامة أن شيئاً من الدين – واجبة أو مستحبة – موقوفاً على التصديق بوجود هؤلاء، فهو جاهل ضال باتفاق أهل العلم والإيمان العالمين بالكتاب والسنة، إذ قد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته التصديق بوجود هؤلاء، ولا أصحابه كانوا يجعلون ذلك من الدين، [ولا أئمة المسلمين].
وأيضاً، فجميع هذه الألفاظ: لفظ الغوث والقطب والأوتاد والنجباء وغيرها، لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد معروف أنه تكلم بشيء منها ولا أصحابه. ولكن لفظ الأبدال تكلم به بعض السلف، ويُروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف، وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع].
الوجه الثالث : أن يقال: القائلون بهذه الأمور منهم من ينسب إلى أحد هؤلاء ما لا تجوز نسبته إلى [أحد من] البشر، مثل دعوى بعضهم أن الغوث أو القطب هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم ونصرهم ورزقهم، فإن هذا لا يصل إلى أحد من أهل الأرض إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص، وهذا باطل بإجماع المسلمين، وهو من جنس قول النصارى في الباب.(12/221)
وكذلك ما يدَّعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد يعلم كل وليٍّ لله كان ويكون، واسمه واسم أبيه، ومنزلته من الله، ونحو ذلك من المقالات الباطلة، التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك الله في بعض خصائصه، مثل أنه بكل شيء عليم، أو على كل شيء قدير، ونحو ذلك. كما يقول بعضهم في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شيوخه: إن علم أحدهم ينطبق على علم الله، وقدرته منطبقة على قدرة الله، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر الله عليه.
فهذه المقالات وما يشبهها من جنس قول النصارى والغالية في عليٍّ، وهي باطلة بإجماع علماء المسلمين. ومنهم من ينسب إلى الواحد من هؤلاء ما تجوز نسبته إلى الأنبياء وصالحي المؤمنين من الكرامات، كدعوة مجابة، ومكاشفة من مكاشفات الصالحين، ونحو ذلك.
فهذا القدر يقع كثيراً من الأشخاص الموجودين [المعاينين]، ومن نسب ذلك إلى من لا يُعرف وجوده، فهؤلاء وإن كانوا مخطئين في نسبة ذلك إلى شخص معدوم، فخطؤهم كخطأ من اعتقد أن في البلد الفلاني رجالاً من أولياء الله وليس فيه أحد، أو اعتقد في ناس معينين أنهم أولياء الله ولم يكونوا كذلك. ولا ريب أن هذا خطأ وجهل وضلال يقع فيه كثير من الناس، لكن خطأ الإمامية وضلالهم أقبح وأعظم.
الوجه الرابع : أن يقال: الصواب الذي عليه محققو العلماء أن إلياس والخضر ماتا، وأنه ليس أحد من البشر واسطة بين الله وبين خلقه في رزقه وخلقه، وهداه ونصره، وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته، لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل. وأما خلقه ورزقه، وهداه ونصره [فلا يقدر عليه إلا الله تعالى]، فهذا لا يتوقف [على حياة الرسل وبقائهم. بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلاً]، بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة [أو غيرهم]، وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر.
وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر، أو أن أحداً من البشر يتولى ذلك كله، ونحو ذلك، فهذا كله باطل. وحينئذ فيُقال للرافضة إذا احتجوا بضلال الضلال: { وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: الآية 39] .
وأيضاً: فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين، وأهم المطالب في الدين، ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها، وبيان الرسول لها أولى من بيان غيرها. والقرآن مملوء بذكر توحيد الله، وذكر أسمائه وصفاته وآياته، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقصص والأمر والنهي، والحدود الفرائض، بخلاف الإمامة. فكيف يكون القرآن مملوءً بغير الأهم الأشرف؟
وأيضاً: فإن الله تعالى قد علَّق السعادة بما لا ذكر فيه للإمامة فقال: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء: 69] ، وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ* وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة النساء: 13، 14]. فقد بيَّن الله في القرآن أن من أطاع الله ورسوله كان سعيداً في الآخرة، ومن عصى الله ورسوله كان سعيداً في الآخرة، ومن عصى الله ورسوله وتعدَّى حدوده كان معذباً، فهذا هو الفرق بين السعداء والأشقياء، ولم يذكر الإمامة.
فإن قال قائل: إن الإمامة داخلة في طاعة الله ورسوله.
قيل : غايتها أن تكون كبعض الواجبات: كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله، فكيف تكون هي وحدها أشرف مسائل المسلمين وأهم مطالب الدين؟
فإن قيل: لا يمكننا طاعة الرسول إلا بطاعة إمام فإنه هو الذي يعرف الشرع.
قيل : هذا [هو] دعوى المذهب ولا حجة فيه. ومعلوم أن القرآن لم يدل على هذا كما دلّ على سائر أصول الدين. [وقد تقدم أن هذا الإمام الذي يدعونه لم ينتفع به أحد في ذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ما جاء به الرسول لا يحتاج في معرفته إلى أحد من الأئمة].
الوجه الثاني:
أن يقال : أصول الدين عن الإمامية أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة. فالإمامة هي آخر المراتب، والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك. وهم يدخلون في التوحيد نفي الصفات، والقول بأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة. ويدخلون في العدل التكذيب بالقدر، وأن الله لا يقدر أن يهدي من يشاء، ولا يقدر أن يضل من يشاء، وأنه قد يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، وغير ذلك. فلا يقولون: إنه خالق كل شيء، ولا إنه على كل شيء قدير، ولا إنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. لكن التوحيد والعدل والنبوة مقدم على الإمامة، فكيف تكون [الإمامة] أشرف وأهم؟(12/222)
وأيضاً : فإن الإمامة إنما أوجبوها لكونها لطفاً في الواجبات، فهي واجبة وجوب الوسائل، فكيف تكون الوسيلة أهم وأشرف من المقصود؟
الوجه الثالث :
أن يقال: إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين، وأشرف مسائل المسلمين، فأبعد الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة. فإنهم [قد] قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين، كما سنبينه إن شاء الله تعالى [إذا تكلمنا عن حججهم]. ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفاً في مصالح دينهم ودنياهم، وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم، فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم لا يُرى له عين ولا أثر، ولا يُسمع له حس ولا خبر، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء.
وأي من فرض إماماً نافعاً في بعض مصالح الدين والدنيا، كان خيراً ممن لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة. ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة، يدخلون في طاعة كافر أو ظالم لينالوا به بعضهم مقاصدهم. فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم، أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور. فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة، وعن الخير والكرامة، ممن سلك منهاج الندامة؟
وفي الجملة، فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا، سواء كانت الإمامة أهم الأمور أو لم تكن. والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم، فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين.
ولقد طلب [مني] أكابر شيوخهم أن يخلو بي وأتكلم معه في ذلك، فخلوت به وقررت له ما يقولونه في هذا الباب. كقولهم: إن الله أمر العباد ونهاهم لينالوا به عض مقاصدهم، فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح، لأن من دعا شخصاً ليأكل طعامه، فإذا كان مراده الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب، كتلقيه بالبشر وإجلاسه في مجلس يناسبه، وأمثال ذلك. وإن لم يكن مراده أن يأكل، عبس في وجهه وأغلق الباب، ونحو ذلك. وهذا أخذوه من المعتزلة، ليس هو من أصول شيوخهم القدماء.
ثم قالوا: والإمام لطف، لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب وينهاهم عن القبيح، كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور، فيجب أن يكون لهم إمام، ولا بد أن يكون معصوماً، لأنه إذا لم يكن معصوماً لم يحصل به المقصود. ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعليّ، فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه، وبسطت له العبارة في هذه العبارة في هذه المعاني.
ثم قالوا: وعلى نصَّ على الحسن، والحسن على الحسين، إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب.
فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال.
قلت له: فأنا وأنت طالبان للعلم والحق والهدى، وهم يقولون: من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر. فهذا المنتظر: هل رأيته؟ أو رأيت من رآه؟ أو سمعت له بخبر؟ أو تعرف شيئاً من كلامه الذي قاله هو؟ أو ما أمر به أو ما نهى عنه مأخوذاً عنه كما يؤخذ عن الأئمة؟
قال: لا.
قلت: فأي فائدة في إيماننا هذا؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا؟ ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه؟ وهم من أشد الناس إنكاراً لتكليف ما لا يطاق، فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا؟!
فقال: إثبات هذا مبني على تلك المقدمات.
قلت: لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن، وإلا فما علينا مما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهي. وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يُحَصِّلُ لنا فائدة ولا لطفاً، ولا يفيدنا إلا تكليف ما لا يُقدر عليه، عُلم أن الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل والضلال، لا من باب المصلحة واللطف.
والذي عند الإمامية من النقل عن الأئمة الموتى: إن كان حقًّا يحصل به سعادتهم فلا حاجة بهم إلى المنتظر. وإن كان باطلاً فهم أيضاً لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل. فلم ينتفعوا بالمنتظر [لا] في إثبات: حق، ولا في نفي باطل، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ولم يحصل لواحد منهم به شيء من المصلحة واللطف المطلوب من الإمامة.
والجُهَّال الذين يعلِّقون أمورهم بالمجهولات، كرجال الغيب والقطب [والغوث] والخضر ونحو [ذلك، مع جهلهم وضلالهم] وكونهم يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ولا لطف ولا منفعة لا في الدين ولا في الدنيا، أقلّ ضلالاً من الرافضة.(12/223)
فإن الخضر كان موجوداً، وقد ذكره الله في القرآن، وفي قصته عبرة وفوائد. وقد يرى أحدهم شخصاً صالحاً يظنه الخضر فينتفع به وبرؤيته وموعظته، وإن كان غالطاً في اعتقاده أنه الخضر، [فقد يرى أحدهم بعض الجن فيظن أنه الخضر، ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك، فيكون الرجل أُتي من نفسه لا من ذلك المخاطب له. ومنهم من يقول: لكل زمان خضر. ومنهم من يقول: لكل وليٌّ خضر. وللكفار كاليهود مواضع يقولون إنهم يرون الخضر فيها، وقد يُرى الخضر على صور مختلفة وعلى صورة هائلة وأمثال ذلك. وذلك لأن هذا الذي يقول إنه الخضر هو جني، بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه يضله. وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها].
وعلى كل تقدير فأصناف الشيعة أكثر ضلالاً من هؤلاء. فإن منتظرهم ليس عندهم نقل ثابت عنه، ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر، ولما دخل السرداب كان عندهم صغيراً لم يبلغ سنَّ التمييز، وهم يقبلون من الأكاذيب أضعاف ما يقبله هؤلاء، ويعرضون عن الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء ويقدحون في خيار المسلمين قدحاً يعاديهم عليه هؤلاء. فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف الأمة، فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه.
الوجه الرابع :
أن يقال: قوله: «التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة» كلام باطل. فإن مجرد معرفة الإنسان إمام وقته وإدراكه بعينه، لا يستحق به الكرامة إن لم يوافق أمره ونهيه. وإلا فليست معرفة إمام الوقت بأعظم من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن عرف أن محمداً رسول الله فلم يؤمن به ولم يطع أمره، لم يحصل له شيء من الكرامة. لو آمن بالنبي وعصاه فضيع الفرائض وتعدى الحدود، كان مستحقاً للوعيد عند الإمامية وسائر طوائف المسلمين، فكيف بمن عرف الإمام وهو مضيع للفرائض متعد للحدود!
وكثير من هؤلاء يقول: حب عليّ حسنة لا يضر معها سيئة. وإن كانت السيئات لا تضر مع حب عليّ، فلا حاجة إلى الإمام المعصوم الذي هو لطف في التكليف، فإنه إذا لم يوجد، إنما توجد سيئات ومعاص. فإن كان حب عليّ كافياً، فسواء وجد الإمام أو لم يوجد.
الوجه الخامس :
قوله: «وهي أحد أركان الإيمان، المستحق بسببه الخلود في الجنان».
فيقال له: من جعل هذا من الإيمان، إلا أهل الجهل والبهتان؟ وسنتكلم إن شاء الله على ما ذكره من ذلك.
والله تعالى وصف المؤمنين وأحوالهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد فسَّر الإيمان وذكر شعبه، ولم يذكر الله ولا رسوله الإمامة في أركان الإيمان ففي [الحديث] الصحيح حديث جبريل لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان. قال [له]: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». قال: والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، [واليوم الآخر]، والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره». ولم يذكر الإمامة. قال: «والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وهذا الحديث متفق على صحته، مُتلقى بالقبول، أجمع أهل العلم بالنقل على صحته وقد أخرجه أصحاب الصحيح من غير وجه، فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة، وفي [أفراد] مسلم من حديث عمر.
وهؤلاء وإن كانوا لا يقرون بصحة هذه الأحاديث، فالمصنف [قد] احتج بأحاديث موضوعة كذب باتفاق أهل المعرفة، فإما أن نحتج بما يقوم الدليل على صحته نحن وهم، أو لا نحتج بشيء من ذلك لا نحن ولا هم. فإن تركوا الرواية رأساً أمكن أن نترك الرواية. وأما إذا رووا هم، فلا بد من معارضة الرواية [بالرواية]، والاعتماد على ما تقوم به الحجة. ونحن نبين الدلائل الدالة على كذب ما يعارضون به أهل السنة من الروايات الباطلة، والدلائل الدالة على صحة ما نقله أهل العلم بالحديث وصححوه.
وهب أنَّا لا نحتج بالحديث، فقد قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة الأنفال: 2-4]، فشهد هؤلاء بالإيمان من غير ذكر للإمامة.
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحجرات: 15]، فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة.(12/224)