وبعد ذلك يثير جواب الكندي المزعوم موضوع النبوة وعلاماتها ويزعم أن شروط النبوة لا تتوافر في محمد عليه الصلاة والسلام. ويزعم أن أهم علامات النبوة هي المعجزات ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأت بشيء منها ، وأنه أنكر أنه يستطيع أن يأت بآية كما جاء في القرآن ، وأنه لا دليل لدى محمد عليه الصلاة والسلام على رسالة الاهية ويزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف ، وأن نجاح الفتوح الإسلامية ليس دليلاً على إعجاز إلاهي ، لأنها يمكن أن تكون وسيلة من الله لمعاقبة الناس المذنبين ، ويزعم أن النصرانية انتشرت بالتبشير واستشهاد الحواريين بينما الإسلام انتشر بالقهر والسيف ، ويزعم أن لغة القرآن ليست معجزة ، ويعتبر لغة الشاعر امرئ القيس أقوى من لغة القرآن . ويزعم جواب الكندي أن الإغراء المادي والوعد بالملذات الحسية في جنة شهوانية هو الذي أغرى العرب المحرومين أن ينضموا إلى الإسلام وجيوشه ، وأن جيوش المسلمين كانت مليئة بالمنافقين الذين انضموا إليها طلباً للغنائم .
ثم يهاجم شعائر الإسلام ، ويعتبر الحج عملاً من أعمال الوثنية ، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هو عمل الشيطان . ويزعم أن محمدا ًعليه الصلاة والسلام لم يكن يهدف مثلما هدف المسيح عليه السلام إلى أن يخلّص ويهذب الإنسان ، وإنما هدف إلى ما هدف إليه الفاتحون الآخرون وهو أن يوسع مملكته . ويزعم أن النصرانية هي الصراط المستقيم المذكور في سورة الفاتحة . ويزعم أن الشرائع ثلاث : شريعة الكمال الإلهي وهي التي جاء بها المسيح عليه السلام ، وشريعة العدل وهي التي جاء بها موسى عليه السلام ، وشريعة الشيطان وهي التي جاء بها ـ بزعمه الكاذب ـ محمد عليه الصلاة والسلام .
ويزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتلقى من راهب طُرد من الكنيسة وذهب إلى إلى تهامة واسمه سرجيوس ، وتسمى عند محمد عليه الصلاة والسلام بإسم نسطوريوس وأنه هو الذي كان يسميه النبي عليه الصلاة والسلام جبريل أو الروح القدس .
وقال هذا النصراني في جوابه عن النبي عليه الصلاة والسلام ما نصه : ( فإنا لم نره دعا الناس إلا بالسيف وبالسلب والسبي والإخراج من الديار ولم نسمع برجل غيره جاء فقال من لم يقر بنبوتي وإني رسول رب العالمين ضربته بالسيف وسلبت بيته وسبيت ذريته من غير حجة ولا برهان ) وزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أن النبي عليه الصلاة والسلام أجبر الناس على قبول القرآن : ( وقال من لا يقبل كتابي هذا ويقول إنه مُنزَّل من عند الله وأني نبي مرسل قتلته وسلبته ماله وسبيت ذريته واستبحت حريمه ) .
وزعم النصراني أن عبد الله بن سلاّم وكعب الأحبار عمدا إلى ما في يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القرآن بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وأدخلا فيه أخبار التوراة وأحكامها وزادا وأنقصَّا منه وسخر من عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وزعم أنه وقع فيه التحريف والتبديل ، وأن الحجاج بن يوسف الثقفي جمع المصاحف وأسقط منها أشياء كثيرة عن بني أمية ، وذكر كلاماً كثيراً ملفقاً في هذا الموضوع وختم جوابه بدعوة الهاشمي المزعوم لاعتناق النصرانية.
هذه الترجمة الرئيسة في المشروع الكلوني نالت في الغرب شعبية هائلة وأصبحت بمثابة انجيل المنصرين والمستشرقين منذ ترجمتها وإلى اليوم حيث اعتبروها أفضل دفاع عن النصرانية وأقوى هجوم على الإسلام .
وهناك ثلاث مصنفات أخرى تُرجمت في المشروع الكلوني هي ( نشؤ محمد ) و ( عقيدة محمد ) و ( الأحاديث الإسلامية ) ولكن لم يكن لها تأثير يضاهي تأثير رسالة الكندي المزعوم والترجمة الخاطئة والمغرضة لمعاني القرآن الكريم من جانب روبرت أوف كيتون .
وبعد أن انتهى بطرس المكرم من ترجمة مشروعه الآنف الذكر قام بتأليف ردين على الإسلام هما :
(1) المجمل الكامل عن الهرطقة الإسلامية
(2) الدحض وقسمه إلى كتابين كل كتاب مكون من فصلين وكلاهما كتبه باللاتينية .(10/287)
وكان هدف بطرس المكرم من تأليف رديه أن يغرس في قلوب النصارى موقفاً معادياً للإسلام .وسوف أعرض هنا مقتطفات مختصرة من مجمل بطرس المكرم للتدليل على هدفه هذا . بعد أن عرض بتهكم مشاهد يوم القيامة التي انفرد بها القرآن ولا توجد عندهم في كتبهم المقدسة قال :" إلى هذا الحد الفعلي Mahumet (محمد) القذر الشرير علّم أتباعه إنكار جميع أسرار الدين المسيحي ، وحكم تقريباً على ثلث الجنس البشري بعدم معرفة يوم الدينونة للرب ، بواسطة حكايات مجنونه يهذي بما لم يُسمع بمثلها استجابة لأبليس والهلاك السرمدي ". ثم يقدِّم في مجمله مختصراً مشوهاً لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول :"هكذا كان Mahumet (محمد) ناشطاً جداً في الشؤون العالمية ، وذكي إلى أبعد حد ، هو انبثق من الأصل الوضيع والفقر إلى الغنى والشهرة ، ونهض بنفسه إلى أعلى شيئاً فشيئاً ، وتكراراً هاجم كل أولئك الذين كانوا بجواره، وكان بشكل بارز يضم إليه الأقرباء بالخداع ، والسلب ، والغزوات ، قاتلاً أي شخص غيلة إن استطاع ، هو ازداد رعباً بواسطة اسمه ، وفي الوقت المناسب وصل إلى القمة بالنزاعات . ثم بدأ يطمح إلى منصب الملك على شعبه ، ولما كان يدرك أنه لا يستطيع أن يحقق هذه الرغبة بسبب أصله الوضيع . قرَّر أن يصبح ملكاً عن طريق السيف ، وتحت قناع الدين وبواسطة الإسم رسول الله". ثم يتناول في مجمله القرآن ويرفض بشدة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ويزعم أن القرآن له مصادر هي : إبليس ، وسرجيوس ( نسطوريوس ) وبحيرا ... الخ ) إلى أن يقول ما نصه :" هكذا عُلِّم محمد من جانب أحسن علماء اللاهوت البارزين ، والمتهرطقين ، فانتجوا قرآنه ، ونسجوا معاً ، في ذلك الشكل غير الفصيح ، له كتاباً مقدساً شيطانياً ، صُنِّف على حد سواء من الخرافات اليهودية والأغاني العابثة للهراطقة ، كاذباً أن هذه المجموعة جُلبت إليه سورة وراء سورة بواسطة جبريل ، الذي اسمه هو عرفه من الكتاب المقدس في ذلك الوقت ، هو أفسد بسم مهلك ذلك الشعب الذي لم يعرف الرب ، وفي سلوك هذا المفُسد أن جعل في حواف القدح المملوء بالعسل السم المهلك الذي يتسرب معه ، هو ( محمد ) حطَّم ، واحسرتاه ، الأرواح والأجساد لذلك الشعب البائس ، ذلك الرجل ، أثنى على الشريعة المسيحية واليهودية ، والشرير مع ذلك يقتبس منها ويرفضها في الوقت نفسه" .
وبعد ذلك يتناول بطرس المكرَّم ، الجنة والنار ، والتعاليم الأخلاقية ويهاجم التصوير القراني للجنة والنار فيقول:"محمد يصف عذاب جهنم كأنها تسرهُ حتى يصفها ، وكأنه كان ملائماً لرسول زائف كبير أن يخترع تلك الأوصاف . وهو يصور جنة ليست من مجتمع ملائكي ، ولا من تجلى الرب ، ولا من ذلك الخير الأعلى ، الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... بل في هذه الطريقة هو وصفها مثلما هو رغبها أن تكون معدَّة لنفسه ، هو يعد أتباعه هناك بالأكل من اللحم ، وكل أنواع الثمرات ، هناك أنهار من اللبن والعسل والمياه المتدفقة . هناك العناق والإشباع الشهواني من النساء العذارى الأجمل ، فيها أشياء كثيرة ، جنته كلها حسية". ثم يتناول بطرس المكرم تعدد الزوجات في الإسلام باعتباره عملاً من أعمال الزنى وفق المنظور الرهباني دون أن يعلم أن المجتمع الغربي من بعده ، في العصور الحديثه ، سيصل إلى ممارسة الزنى علناً في الشوارع وعلى الأرصفه بسبب تلك الرهبانية المصادمة للفطرة البشرية التي فرضها رجال الدين على المجتمع الغربي طوال العصور الوسطى .
ثم يعود بطرس المبجل للهجوم البذئ على النبي عليه الصلاة والسلام فيقول :" وبالإضافة إلى كل هذه الأشياء ، هو استطاع أن يجتذب إليه الرغبات الشهوانية للرجال ، حيث أطلق لهم الأعنة للنهم والتلوث هو نفسه كان له في ذات الوقت ستة عشر زوجة ... مقترفاً الزنى كأنه شرط بواسطة الأمر الإلهي ، وبذلك أضاف إلى نفسه عدداً ضخماً من الناس المحكوم عليهم بالهلاك السرمدي".
وبالمقارنة اتضح أن مجمل بطرس المكرم ودحضه قد اعتمد فيهما على رسالة الكندي المزعوم حيث نسج على منوالها . وأصبح هذان الردان ضمن المشروع الكلوني الذي غدا في متناول الرهبان المتعصبين للاعتماد عليه في كتاباتهم العدائية ضد الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام .(10/288)
فهذا وليم الصوري أسقف صور الذي عاصر الحروب الصليبية حتى عصر صلاح الدين الأيوبي وأرّخ للمملكة الصليبية في بلاد الشام وعلاقتها بالمسلمين بدأ حديثه في تاريخه عن النبي عليه الصلاة والسلام فقال ما نصه :" في زمن الامبراطور هرقل ، وطبقاً للروايات والتواريخ الشرقية حققت معتقدات محمد الضارة ـ بزعمه الباطل ـ موطئ قدم راسخ لها في الشرق ، وهذا هو أول أبناء الشيطان المعُلِن بالكذب أنه رسول مرسل من الله ، وبذلك أضل بلدان الشرق خصوصاً بلاد العرب . والبذرة السَّامة التي زرعها اخترقت إلى حد بعيد المناطق التي استخدم فيها خلفاؤه السيف والعنف بدلاً من التبشير والنصح ، لاجبار الناس ، مهما كانوا خاضعين ، ليعتنقوا المعتقدات الخاطئة للرسول ".
أما جاكيوس دي فتري اسقف عكا الذي شارك في الحملة الصليبية الخامسة 614-618هـ / 1217-1221م فقال ما نصه :" إن محمداً أخذ جيرانه الذين كان يحسدهم في الخفاء ، وذبحهم بغدر ".
أما سان بدرو باسكوال وهو راهب أسباني عاش في القرن السابع الهجري /13م والمتوفى سنة 700هـ/1300م فقد كتب عدة كتب ضد المسلين ومنها كتاب أطلق عليه الفرقة المحمدية فقال فيه مانصه :" ما الذي جاء به محمد غير الفسوق والسلب ، القرآن على حد سواء وبتناقض أمر بالسبب والحرب ، والحديث أكدّ هذا ، حيث وُعِدَ المسلمون بمكافأة ضخمة من أجل الموت في الحرب ، وأن جروحهم سوف تكون جميلة يوم البعث ، ذلك أن محمداً أمر بأن الناس من غير المسلمين يجب أن يُقتلوا بواسطة الجهاد ، وتُغتصب نساؤهم ويؤخذن سبايا مع الأطفال ، وخيراتهم تُنهب وبلادهم تُحتل ". وقد زعم سان بدرو باسكوال هذا أن محمداً عليه الصلاة والسلام ، أثنى ذات مرة على آلهة الوثنيين في آيات زعم أن المسلمين يسمونها الآيات الشيطانية . ومن عجب أن قول سان بدرو باسكوال هذا ، كان هو الذي أوحي للمرتد البريطاني سلمان رشدي بعنوان روايته [ الآيات الشيطانية ] ، كما أن باسكوال وفندينزو وريكولدو وغيرهم من كتّاب العصور الوسطى كانوا المصدر الرئيس لرواية سلمان رشدي ، بل هي مسروقة بالكامل من تلك الكتابات الوسيطة .
لقد اخترع سان بدور باسكوال قصصاً وأساطير عجيبة تناول فيها جوانب من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ونزول الوحي عليه وموقف خديجة رضي الله عنها فمثلاً غزوة بدر يقدمها بهذا الشكل الملفق :" اصطحب محمد عصابة من اللصوص ، وبعد ذلك سمع أن تجاراً كثيرين من مكة كانوا يقتربون من تلك المدينة من مناطق أخرى في طابور عظيم من البهائم المحملة بالأثقال ، هو أختبأ في مكمن مع أصحابه وقتل سبعين من التجار وسائقي البغال من أهل مكة ، وأخذ أكثر من سبعين أسيراً ، ونهبوا القافلة بالكامل ".
وعن قصة نزول الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام يورد رواية مشوهة ويزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام تلبسَّه الشيطان ، ويسب خديجة رضي الله عنها التي صدقته ويقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام ما نصه :" في الواقع أنا أقول لك يا محمد إن هذا الذي فعلته ليس نبوة ، بل إنك قلت أشياء معينة مثلما تعوَّد العّرافون اليوم أن يقولونها عن طريق استحضار العفاريت بأي أسلوب ، فهذا لن يكون مدهشاً لأنه سيوجد عرَّافون كثيرون في العالم يقولون حقائق قليلة وكذب كثير " وكتابات سان بدرو باسكوال عن الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام تتصف بالاختلاق والسفه فمثلاً عند حديثه عن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام قال ما نصه :" إن محمداً عندما أوشك أن يموت حاول أن يعمِّد نفسه ـ أي يتنصَّر ـ لكن الشياطين منعته ".(10/289)
أما الراهب الإيطالي فيدينزو أوف بافيا الذي جاء إلى بلاد الشام في النصف الثاني من القرن السابع الهجري / النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي فقد كتب وصفاً مختصراً مختلقاً لتشويه صورة النبي عليه الصلاة والسلام عند القراء الغربيين ومما قاله :" إن محمداً جمع حوله عبيداً آبقين ، ورجالاً مؤذين مرتشين ومضطهدين للاخرين ، من أصناف مختلفة ، وعندما أطاعوه وأصبح أميرهم ، أرسلهم إلى غابة ذات طرق فرعية وإلى قمم الجبال ، وأخذوا يغيرون على الطرق التي يتردد عليها المسافرون ، فيسلبون الناس ، وينهبون بضائعهم ويقتلون كل من يُبدي مقاومة . وحل الخوف من محمد وأصحابه بجميع الناس الذين يقطنون بتلك البلاد ". وهذا الراهب فيدينزو أحد الكتّاب الغربيين الذين تلقّفوا القصة المختلقة على النبي عليه الصلاة والسلام وزينب بنت جحش رضي الله عنها ، التي اخترعها يوحنا الدمشقي وصاغوها بشكل داعر ، ومما قاله فيدينزوما نصه :" كان هناك رجل معروف يُدعى سايدوس ـ زيد ـ وكان له زوجة تُدعى سيبيب ـ زينب ـ كانت من أجمل النساء الجميلات اللائي عشن على الأرض في أيامها ، فسمع محمد بشهرة جمالها ، واشتعل بالرغبة فيها ، وأراد أن يراها ، فجاء إلى منزل المرأة في غياب زوجها ، وسأل عن زوجها . هي قالت : يارسول الله ، ما ذا تريد ، لماذا أنت هنا ؟ زوجي ذهب إلى الخارج في العمل . هذا لم يكن مخفياً عن زوجها ، هو عندما عاد إلى بيته ، قال لزوجته : هل كان رسول الله هنا ؟ هي أجابت : هو كان هنا ، هو قال هل رأى وجهك ؟ هي أجابت : نعم هو رآه ، وهو أيضاً سهّرني وقتاً طويلاً ، هو قال لها : أنا لا أستطيع أن أعيش معك وقتاً أطول من هذا ... ".
ومن الرهبان المنصرين الذين كتبوا عن الإسلام ، ريكولدو أوف مونت كروس المتوفي سنة 720هـ / 1320 م وقد جاء إلى عكا سنة 688 هـ / 1289م وانتقل منها إلى آسيا الصغرى ومنها إلى الشرق حيث وصل إلى مراغة في رحلة تنصيرية ثم جاء إلى الموصل وإلى بغداد . ثم عاد إلى دير مونت كروس وصنّف عدة كتب يهاجم فيها الإسلام منها كتاب سماه [ دحض القرآن ] ومما قاله :" إن الإسلام مجرد خدعة شيطانية ابتدعها الشيطان كي يمهد الطريق لمجئ المسيح الدجّال ، وذلك حين شعر الشيطان بعدم قدرته على إيقاف انتشار النصرانية ، وأن الوثنيات بدأت تتهاوى أمام النصرانية ، وأنه ليس في مقدوره دحض شريعة موسى وانجيل عيسى ، فابتدع الشيطان ذلك الدين ليكون وسطاً بين النصرانية واليهودية ... والقرآن ليس قانون الله ، نظراً لأن أسلوبه لا يطابق الأسلوب الإلهي ، الذي لا يوجد فيه سجع ولا عبارات موزونة كتلك التي جاءت في الكتب المقدسة ".
والحق أن القرنين السابع والثامن الهجريين / الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ، قد شهدا حملة فكرية عدوانية شرسة ضد الإسلام ونبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام من جانب مئات الكتّاب الغربيين من الرهبان والمنصرين والحجاج الذين زاروا الديار المقدسة في بلاد الشام ، وهي حملة عدائية تضاهي في ضخامتها العدوان الفكري الحالي الذي نشهده في وسائل الإعلام الغربية . ويتضح أحد أهداف تلك الحملة السابقة مما كتبه أحد أعضائها وهو روبرت هالكوت الذي كتب سنة 741هـ / 1340 م يقول :" إنه لن يكون سهلاً أن ننشر تعاليم المسيح بين المسلمين إلا عن طريق تحطيم وشجب شريعة محمد ".
ويتضح توطُّد وترسُّخ تلك العقيدة الغربية الباطلة تجاه الإسلام والمسلمين في الغرب ، وأنه لم يعد بمقدور أحد هناك اعتقاد سواها ما حدث سنة 762هـ / 1361 م عند ما كتب راهب بندكتي يعمل في جامعة أكسفورد ، اسمه أوثرد أوف بولدون ، مُقترحاً قال فيه :" إنه عند لحظة الموت لكل إنسان سواء كان نصرانياً ، أو مسلماً ، أو من أي دين ، فإنه ينعم بالرؤية المباشرة للرب ، ويتلقى حكمه الأبدي في ضوء استجابته لهذه التجربة" فقامت ضد الراهب أوثرد احتجاجات عنيفة من زملائه الرهبان مفادها : كيف يمكن لمسلمِ أن ينجومن الهلاك والعذاب السرمدي ؟؟؟ فاضطر الراهب أوثرد إلى سحب اقتراحه !!!
وفي ضوء هذا العرض المختصر للعقيدة الغربية المركوزة في الفكر الغربي تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نخرج بالملاحظات والحقائق التالية .(10/290)
أولاً : لانجد نظيراً لهذه العقيدة تجاه نبي من الأنبياء وأمة من الأمم إلا في عقيدة التلمود عند اليهود تجاه المسيح عليه السلام ووالدته الطاهرة مريم عليها السلام وتجاه المسيحيين . فالتلمود الذي يقدسه اليهود إلى أقصى حد " يرى بأن المسيح عيسى بن مريم موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار ، وأن أمه مريم أتت به من العسكري الروماني [ باندارا ] بمباشرة الزنا . ويرى التلمود أن المسيح ارتد عن اليهودية وعبد الأوثان ، وأن أتباعه النصارى وثنيون . ويذهب التلمود إلى أن المسيح كان ساحراً وثنياً ومن يتبعه من الأمم إنما هم وثنيون مثله ، وان المسيح كان مجنوناً وكافراً لا يعرف الله وان الطقوس الدينية عند النصارى إنما هي نوع من عبادة الأصنام . ويقرِّر التلمود أن الأناجيل ـ كتب النصارى المقدسة ـ إنما هي كتب الظلم والخطايا وأنه يجب على اليهود إحراقها ولو كان فيها اسم الله . وأن الكنائس النصرانية بمثابة قاذورات ، وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة ، وأن قتل النصارى من الأفعال التي يكافئ الله عليها ، وإذا لم يتمكن اليهودي من قتل النصارى ، فالواجب عليه أن يلعن النصارى ثلاث مرات في اليوم ، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفنى ملوكهم وحكامهم وعلى اليهود أن يعاملوا النصارى كحيوانات دنيئة غير عاقلة .... " (1).
ثانياً : إذ تأملنا أسباب نشأة هذه العقيدة الغربية الضالة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نستخلص بعض الأسباب الرئيسة وأهمها وهي :
?أ- إن اعتراف النصارى بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وصحة القرآن وأنه الكتاب الحق المنزَّل من الله ينسف العقيدة النصرانية بكاملها من الأساس وهي التي تقوم على أساس أن المسيح هو الرّب وأنه ظل يرسل الرسل والأنبياء للدعوة إليه ، وأخيراً تجسَّد الرب بنفسه ليبلِّغ البشر برسالته الأخيرة ، وأنه قُتل وصلب ليكفرِّ عن خطايا البشر ويخلصهم الخلاص النهائي .
?ب- اعتقادهم بأن النصرانية هي الحق والهدى وأن ما سواها هو الكفر والضلال ، ومن هنا رفضوا الإسلام ، وحاولوا بكل ما يستطيعون إثبات أن الإسلام دين مختلق وليس وحياً من الله تعالى . ولإثبات هذا الزعم الباطل عمدوا إلى سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ـ المرسل بهذا الدين ـ وشوهوها ، هذا فضلاً عن تعمُّد الكتاب النصارى طمس كل معالم سيرته الصحيحة وشمائله وأخلاقه وفضائله وهديه وعدم ذكر أي شيء منها، حتى لا ينجذب إليها القارئ النصراني وتجعله يفتتن بها ومن ثم يعتنق الإسلام .
?ج- افتراضهم المسبق أن الإسلام هرطقة ومن ثمة البحث في المصادر النصرانية والأحاديث والسِّير الموضوعة ما يثبت ويبرهن على هذا الافتراض الزائف .
?د- اعتقاد الرهبان ورجال الدين في العصور الوسطى أن الإسلام شكَّل خطراً داهماً على أوربا وأن عقيدته تهدد النصرانية في عقر دارها وأن جماهير النصارى قد تُقبل على اعتناقه مثلما حدث في سائر البلدان التي فتحها المسلمون لاسيما الأندلس ، ولذلك عمدوا إلى رسم صورة مشوهة ملفقة عن الإسلام كنوع من التحصين للمجتمع الغربي النصراني والحيلولة بين عامة النصارى وبين اعتناق الإسلام .
ثالثاً : إن هذه العقيدة الضالة التي اكتمل بناؤها وصياغتها خلال العصور الوسطى عبرت كاملة متماسكة إلى العصور الحديثة وتبناها الكثير من الكتَّاب والرهبان والمنصرين والمستشرقين المتعصبين في العصور الحديثة لا يتسع المجال هنا لذكرهم ويكفي ما أوردناه في بداية الحديث عما تقوله وتنشره وسائل الإعلام الغربية في هذه الأيام .
وصفوة القول : إن هذا العدوان الفكري الإعلامي على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية – الذي يُعبِّر عن عقيدة موروثة - ليس إلا وسيلة ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان الشامل على الإسلام والمسلمين والذي يهدف إلى هدف استراتيجي رئيس ،مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها
د . علي بن محمد عوده
===================
عَبَسَ وَتَوَلَّى } * { أَن جَآءَهُ الأَعْمَى }
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ـ وعنده صناديد قريش " عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة " يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم .
يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر. لا لنفسه ولا لمصلحته، ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام. فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة؛ ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها، بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه ، عن من ؟(10/291)
أعرض عن الرجل المفرد الفقير الذي قد يعطل الرسول عن الأمر الخطير. الأمر الذي يرجو من ورائه لدعوته ولدينه الشيء الكثير؛ والذي تدفعه إليه رغبته في نصرة دينة، وإخلاصه لأمر دعوته، وحبه لمصلحة الإسلام، وحرصه على انتشاره!
ولهذه المسألة وجهين :
الأول: ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء ، فلهذا السبب حصلت المعاتبة
والوجه الثاني : هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه ، وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم، فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة .
وفي الموضع سؤالات :
الأول : أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله رسوله على أن أدب ابن أم مكتوم وزجره؟ وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه أحدها:
أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى القوم ، لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الكفار، وكان يسمع أصواتهم أيضاً، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك معصية عظيمة .... لكن الله عاتبه لأن الأعمى يستحق مزيد الرفق والرأفة
وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم، وهو كان قد أسلم وتعلم، ما كان يحتاج إليه من أمر الدين، أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وهو إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم، فإلقاء ابن أم مكتوم، ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم، لغرض قليل وذلك محرم
وثالثها: أنه تعالى قال: { إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الحجرات: 4]
فنهاهم عن مجرد النداء إلا في الوقت، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته، أولى أن يكون ذنباً ومعصية، فثبت بهذا أن الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية، وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب ، وعند هذا يتوجه السؤال في أنه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل؟...
وهذا العتاب بسبب أن الرسول كان مأذوناً في تأديب أصحابه ، وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلاً في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه... لكن هنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء ، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة.
القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط ، وترك الأفضل ، فلم يكن ذلك ذنباً البتة.
لذلك نزلت هذه الآية ، { عبس وتولى. أن جاءه الأعمى }.. بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب؛أي بلفظ الإخبار عن الغائب ، وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث لا يحب الله ـ سبحانه ـ أن يواجه به نبيه وحبيبه، عطفاً عليه، ورحمة به ، وتعظيماً له ، وإكراماً له عن المواجهة بهذا الأمر،... فالله لم يقل: عبَستَ وتوليتَ.
واعلم أن في الأخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً بالتوبيخ وإلزام الحجة
واعلم أن ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما هو معروف من حسن أخلاقه، فإن الذي حصل منه إنما هو عبوس سببه حرصه على اهتداء المشركين ، وكان واثقا من أنه سيلقى ابن أم مكتوم في أوقات أخرى، وهذا العبوس لم يره ابن أم مكتوم رضي الله عنه لأنه كان أعمى، ولم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بما يؤذي ابن أم مكتوم أو يجرح شعوره.
وقال المستشرق (ليتنر) حيث قال : (( مرة أوحى الله إلى النبي وحيا شديد المؤاخذة ؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى , ليخاطب رجلا غنيا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان محمد كاذبا -كما يقول أغبياء النصارى بحقه -لما كان لذلك الوحي من وجود ))
هذه الشبهة التى يلقيها أعداء الإسلام حول قصة عبوس الرسول بسبب مقاطعة إبن أم مكتوم له.إنقلبت عليهم لأنهم من خلالها أثبتوا الآتى:-
1- عندما يقولون ان الله وبخ رسولكم فى القرآن..هذا إعتراف أن القرآن من عند الله وأن الله يخاطب رسوله.(10/292)
2-عدم إخفاء الرسول لهذه الآية دليل على أمانته وصدقه فى تبليغ كل كلمة نزلت فى القرآن حتى ولو كانت عتاباً لشخصه
3-هذه الآية اثبتت ان الرسول لم يؤلف القرآن وليس مدعياً للنبوة لأن من يدعى النبوة سيؤلف كتاباً تنطق كل كلمة فيه بالإشادة والتعظيم والتكريم لشخصه ولن يخطر بباله ولن يفكر أصلاً فى أن يأتى بآية تحمل كلمة عتاب له.
4- هذه الآية اثبتت ان الإسلام لا يهمه ان يستميل الناس بوضع الرسول فى مكانة إلهية [كما فعل النصارى] حتى يزيد من اتباعه ويزيد عدد معتنقيه .
5-اثبتت هذه الآية صدق وأمانة من جمعوا القرآن وصدق وامانة من حملوه واوصلوه لنا دون ان يحذفوا آية او حرف وخصوصاً اية تحمل عتاباً للرسول
===================
الرد على شبهة زواج الرسول عليه السلام من أمنا صفية قبل إنقضاء عدتها
يرد على الشبهة الأخ بلال 41
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فإن النصارى أثاروا شبهة زواج النبي عليه السلام من أم المؤمنين صفية رضي الله عنها ، وقالوا كيف يدخل بها دون عدة بعد سبيها في غزوة خيبر ؟؟؟
وللرد نقول وبالله تعالى نتأيد :
إن أصل الإشكال عند أصحاب الشبهة هو جهلهم بعدة المسبية وعدم التفريق بينها وبين غيرها ، فعدة المسبية هي أن تستبرئ بحيضة واحدة ، لما رواه أبو داود والإمام أحمد عن أبي سعيد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس : لا توطأ حامل حتى تحيض ، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ) . وصححه الألباني ، وهو مخرج عنده في الإرواء .
وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار عقب الحديث (حديث أبي سعيد أخرجه أيضا الحاكم وصححه وإسناده حسن ) .
وقال الإمام الصنعاني في سبل السلام في كلامه عن حديث أبي سعيد وأخرج أحمد أيضا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكح شيئا من السبايا حتى تحيض حيضة } .
وعند أبي داود عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال ( قام فينا خطيبا قال أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره يعني إتيان الحبالى ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ) ورواه أحمد في مسنده .
والحديث حسّنه الألباني في صحيح أبي دواد .
أما إن كانت المسبية حاملاً فعدتها أن تضع حملها وبرهان ذلك حديث أبي سعيد الذي مرّ معنا و ما أخرجه الترمذي من حديث العرباض بن سارية (أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن ) .
والآن بعد هذا الشرح نأتي لزواج النبي عليه السلام من صفية لنرى هل دخل بها النبي عليه السلام دون أن يستبرئها ؟؟؟؟
الجواب لا ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها إلا بعد استبرائها ، وبرهان قولنا ما رواه البخاري في صحيحه – كتاب المغازي – غزوة خيبر :
حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ح و حدثني أحمد حدثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
(( قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء ، حَلَّتْ فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي آذن من حولك فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب )) .
فكما نرى أنّه يقول ( حَلَّتْ ) أي طهرت ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
(( قوله : ( حَلَّتْ ) أي طهرت من الحيض )) .
وعند مسلم من طريق ثابت عن أنس :
( ثم دفعها - أي صفية - إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها قال وأحسبه قال وتعتد في بيتها ) .
قال الإمام النووي في شرح الحديث (( أما قوله : ( تعتد ) فمعناه تستبرئ فإن كانت مسبية يجب استبراؤها وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم , فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم )) .
فكما نرى أن النبي عليه السلام لم يدخل على أم المؤمنين صفية حتى استبرئها ، وفي هذا كفاية لردّ هذه الشبهة التي بنيت على جهل قائلها وعدم تفريقه بين المسبية وغيرها .
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات
===================
محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر الأسود
الازهر
محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر الأسود
الرد على الشبهة:(10/293)
إنهم فى هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان يعظم الحجر الأسود ـ بل ويعظم الكعبة كلها بالطواف حولها وهى حجر لا يختلف فى زعمهم عن الأحجار التى كانت تصنع منها الأوثان فى الجاهلية وكأن الأمر سواء !!
وحقيقة الأمر أن من بعض ما استبقاه الإسلام من أحوال السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهى عن منكر ، من ذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على حلف كان فى الجاهلية يسمى " حلف الفضول " وهو عمل إنسانى كريم كان يتم من خلاله التعاون على نصرة المظلوم ، وفداء الأسير ، وإعانة الغارمين ، وحماية الغريب من ظلم أهل مكة وهكذا..
وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحلف وقال: لو دعيت إلى مثله لأجبت.
وأيضًا كان مما استبقاه الإسلام من فضائل السابقين مما ورثوه عن إبراهيم - عليه السلام - تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به ؛ بل وتقبيلهم للحجر الأسود.
وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.
وهنا فقط لا يكون أمامنا إلا ما ثبت من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الحجر الأسود عند طوافه بالبيت ، وهو ما تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال عن تقبيله لهذا الحجر: (والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك).
وهنا نقول:
من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الأصنام فيما كانوا يفعلون.
ومستحيل أيضًا أن يكون صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك - أى تقبيل الحجر الأسود - دون وحى أو إلهام وجهه صلى الله عليه وسلم إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أى شبهة وثنية أو مجاراة لعبدة الأصنام.
ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: [خذوا عنى مناسككم] فقد أصبح تقبيل الحجر الأسود من بعض مناسك الحجاج والعمار للبيت الحرام.
كما أن تعظيم الحجر الأسود هو امتثال لأوامر الله الذى أمر بتعظيم هذا الحجر بالذات ، وهو سبحانه الذى أمر برجم حجر آخر كمنسك من مناسك الحج فالأمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم لا يعدو كونه إقرارًا بالعبودية لله تعالى وامتثالاً لأوامره عز وجل واستسلامًا لأحكامه
رد اخر
أعداء الإسلام حملات واسعة تهدف إلى التشكيك في الشريعة الإسلامية ، وذلك من خلال الطعن في شخص النبي صلى الله عليه وسلّم ، وتناول سيرته بالثلب والتجريح تارة ، والكذب والتدليس تارة أخرى .
واليوم نجد أنفسنا أمام لون آخر من أساليبهم الملتوية في تشويه هذه السيرة العطرة ، وذلك عن طريق التشكيك في بعض ما جاء في شريعة الإسلام من ممارسات وعبادات ، وتصويرها على غير حقيقتها .
وفي هذا الإطار ، أثارت كتابات المستشرقين ومن سار على منوالهم شبهات حول تقبيل الحجر الأسود ، واعتبروا ذلك نوعاً من الطقوس الوثنية التي سرت إلى الدعوة المحمدية تأثراً منها بالبيئة التي نبعت فيها ، وقد يفسّر بعضهم ذلك بأنه نوعٌ من المجاملة لقوم النبي صلى الله عليه وسلم في أسلوب العبادة السائد بينهم .
ولن نتعرّض لتفسيرهم الأخير هذا لوضوح منابذة رسول الله صلى الله عليه وسلم للشرك والمشركين منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها دعوته ، وسنقتصر على بيان تلبيسهم فيما يتعلق بتعظيم المسلمين للحجر الأسود ، وإظهار وجه الحقيقة في ذلك .
وإذا كان هؤلاء المستشرقون يعدّون تقبيل الحجر الأسود عبادة له من دون الله ، فلابد إذاً أن نبدأ ببيان حقيقة العبادة وماهيّتها .
إن من يعبد شيئا مهما كانت طبيعته فإنه يعتقد أن له سلطة غيبية ينعكس تأثيرها على الواقع ، وبالتالي فإن العابد يتقرّب إلى معبوده رجاء للنفع أو دفعاً للضرّ ، وهو في الوقت ذاته يعتقد أن التقصير في حق هذا المعبود أو ترك عبادته يترتّب عليه حصول الضرر ووقوعه كنوع من العقاب ، ومثل هذا مشاهدٌ حتى في واقع الناس اليوم من أتباع الديانات الوثنية المنتشرة في أرجاء الأرض ، إذ يلاحظ في أتباع تلك الديانات خضوعاً لمعبوداتهم رغبةً في جلب المنافع المختلفة ، أو دفع المضارّ من القحط والجفاف ونحوه ، مع تعلّق قلوبهم بهذا المعبود خشية منه ورهبة من سلطانه .(10/294)
وهذه السلطة الغيبية قد تكون في نظرهم سلطة ذاتية ، بمعنى أن العابد يرى استقلال معبوده بالنفع والضرّ ، وهذا كالذين يعبدون الشمس والكواكب لاعتقادهم بتأثيرها على نواميس الكون وتسييرها للخلائق ، أو أن تكون السلطة غير ذاتية بأن يعتقد أن معبوده يشكّل واسطة بينه وبين قوّة علوية لها قدرة ذاتية مستقلة في النفع والضرّ ، فيؤدي ذلك إلى عبادته رجاء شفاعته عند من يقدر على النفع والضرّ ، كما هو الحال مع كفار قريش الذين كانوا يعتقدون أن الأصنام والأوثان التي يعبدونها تقربهم إلى الله جلّ وعلا ، وتشفع لهم عنده ، يقول الله عزوجلّ مبينا ذلك : { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله } ( الزمر : 3 ) ، وفي موضع آخر : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ( يونس : 18 ) .
وبناء على ما سبق ، فإن المسلمين لم يعبدوا الحجر الأسود ، لأنهم لا يرون أن أحداً يملك الضرّ والنفع غير الله تعالى ، فهم ينفون وجود أية سلطة ذاتية في المخلوقات مهما كانت ، كما أنهم يرون أن علاقة المخلوق بالخالق علاقة مباشرة ليس فيها وسيط ، وأن العباد لا يحتاجون إلى شفيعٌ يقصدونه بالتقرّب دون الله عزوجل ، بل إنهم يعدّون ذلك من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام ، لأنهم يرون أن العبادات لا يجوز صرفها لأي مخلوق ، سواء أكان ملكاً مقرّباً أم نبيّاً مرسلاً ، فضلاً عن كونه حجراً لا يضرّ ولا ينفع .
ويقرّر ذلك الصحابيّ الجليل عمر بن الخطاب في مقولته الشهيرة : " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " ، فقد أراد أن يبيّن للناس أن هذا الفعل هو محض اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس لأن الحجر ينفع أو يضرّ ، وعليه فإنه لا قدسية لأحجار الكعبة بذاتها ، وإنما اكتسب الحجر الأسود هذه المزية لأمر الله تعالى بتقبيله ، ولو لم يرد ذلك الأمر لم يكن لأحد أن يقوم بتقديسه أو تقبيله .
ثم إن رحى العبادة تدور على قضيّتين أساسيّتين : تمام المحبة مع غاية الذلّ والخضوع ، فمن أحبّ شيئاً ولم يخضع له فليس بعابد له ، ومن خضع لشيء دون أن يحبّه فهو كذلك ليس بعابد له ، ومعلوم أن تقبيل الحجر الأسود هو فعلٌ مجردٌ من الخضوع والذلّ لذلك الحجر .
يضاف إلى ما سبق ، أن المسلم يعتقد فضيلة خاصة في الركن اليماني كما يعتقد فضيلة الحجر الأسود ، فقد ورد في مسند الإمام أحمد عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطاً ) ، ومع ذلك لا يرى المسلم مشروعيّة تقبيل الركن اليماني ، وإن كان يفعله بعض جهّال المسلمين.
ومن المناسب أن نقول : إن من يعبد شيئا فلا شكّ أنه يرى في معبوده أنه أعلى منه وأفضل منه ؛ لأن العابد لا يعبد من يرى أنه مثله أو أدنى منه منزلةً وقدراً ، ونحن نعلم أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ، بل أعظم من حرمة الدنيا بأسرها ، كما جاء في الحديث الذي رواه أصحاب السنن عدا أبي داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) ، وجاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في الكعبة : " ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) ، فما سبق يبيّن لنا نظرة الشرع للمسلم في كونه أعظم حرمةً من الكعبة بما فيها الحجر الأسود ، فكيف يصحّ أن يقال إن المسلمين يعبدون هذا الحجر ؟!!.
ولنقف قليلاً لنتدبّر ، ألم يكن العرب في جاهليّتهم يتخذون العديد من الآلهة من مختلف الأشياء ، وهم مع ذلك لم يتخذوا الحجر الأسود إلها من دون الله ، ولكنهم جعلوا له حرمة ومكانة باعتباره من البقايا الموروثة للكعبة التي بناها إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام ، فإذا كان هذا حال العرب في جاهليّتهم بمثل هذا الوضوح ، فأين عقول المستشرقين عندما نسبوا ذلك إلى المسلمين ؟! .
الشبكة الأسلامية
رد اخرحليمو
سؤال : لماذا كان محمد ( ص ) يعظم ويقبل الحجر الأسود ؟
جواب :
الحمد لله ،
أولاً : ان سيدنا موسى والأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام _ كانوا يكرمون (( تابوت العهد )) ، ويبخرونه كما جاء في العهد القديم . والنصارى يقبلون صور وتماثيل المسيح والعذراء ، ومنهم من يسجد لهذه الصور والتماثيل كي ينالوا البركة بالسجود لها مع ما في ذلك من مخالفة للشريعة التوراتية ، ومنهم من يقول ان الصور والأحجار لا تضر ولا تنفع ، وإكرامها عائد لله تعالى . ونحن كذلك .(10/295)
ثانياً : ان سيدنا عمر رضي الله عنه لما قبل الحجر الاسود قال : (( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يقبلك ما قبلتك )) إشارة إلى أن تقبيله أمر تعبدي ، وأن الضار و النافع في الحقيقة ، إنما هو الله تعالى وحده . , وإنما قال عمر رضي الله عنه : (( إنك لا تضر ولا تنفع )) لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام ، فخشي عمر وخاف أن يظن الجهال أن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله ، فنبه عمر رضي الله عنه على مخالفة هذا الاعتقاد ، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع ، وهو الله وحده .
ثالثاً : لقد جاءت بعض الاحاديث الواردة في فضل الحجر الاسود وانه من الجنة فهو ليس كباقي الأحجار الأُخرى :
روى البيهقي في صحيح الجامع ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لولا ما مس الحجر من انجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي وما على الأرض شيىء من الجنة غيره ))
وقد روى الحاكم وغيره في صحيح الجامع قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ))
وبالتالي من خلال هذين الحديثين وغيرهما نستطيع أن نعرف سبب القدسية والاهتمام الذي يحظى به الحجر الاسود .
ولقد انعقد اجماع الامة على مشروعية تقبيل الحجر الاسود وعليه فمن يدعي ان ذلك ينافي دعوة الاسلام لنبذ الاوثان فدعواه باطلة فشتان بين من يأتي ذلك طاعة لله ورسوله معتقداً ان الحجر لا ينفع ولا يضر وبين من يقدس الاوثان التي نهى الله عن الاقتراب منها، فطواف المسلم بالكعبة المشرفة وصلاته اليها انما هي عبادة لله لا لها .
رابعاً : ماذا تقول أيها النصراني فيما ورد في كتابك المقدس في سفر التكوين [ 28 : 10 ] من أن نبي الله يعقوب كان فى طريقه الى حاران و شاهد رؤية السلم العجيب وبعد أن أفاق أخذ الحجر الذي توسده و سكب عليه زيتاً وسمى المكان بيت ايل اى بيت الله و اقام الحجرعموداً هناك وعاد الى زيارة ذلك الحجر بعد عشرين عاماً و اطلق عليه اسم "مصفاة " . و اصبحت هذه المصفاة مكاناً للعبادة و المجالس العامة فى تاريخ شعب اسرائيل و راجع التكوين 31 : 45 –55 و القضاة 11 و القضاة 20 و 21 و صموئيل الاول 7 و صموئيل الاول 10
===================
شبهتمونا بالحمير والكلاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله
نرى النصارى كل يوم وعلى مواقع الانترنت وهم يطبلون ويزمرون على أنهم أتوا بشبهات جديدة ، وهم يعتقدون أنهم بذلك قد استطاعوا أن يهدموا الأسلام الحنيف ، ولكن ولله الحمد والمنة كل هذه الشبهات قديمة أكل وشرب الدهر عليها وقتلها علمائنا بحثاً وردوا عليها بالحجة والدليل ، فحبطت آمال النصارى وأرتدوا على أعقابهم خاسئين .
ومن بينها أن هناك تعارضاً في الأحاديث وتناقضاً وضربوا مثلاً على ذلك لما ورد من قول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سمعت بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فيه أن المرأة والكلب والحمار يقطعون الصلاة ، وسأذكر الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم قول عائشة
حدثنا اسحق بن ابراهيم اخبرنا المخزومي حدثنا عبد الواحد وهو ابن زياد حدثنا عبيد الله بن عبد الله الاصم حدثنا يزيد بن الاصم عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل
صحيح مسلم – 790
حدثنا عفان حدثنا شعبة اخبرني حميد هلال سمع عبد الله بن الصامت عن ابي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع صلاة الرجل اذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الاسود من الاحمرقال ابن اخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الاسود شيطان
مسند احمد – 20360
وأحتج النصارى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بين يديه وهذا ينقض ما ذكره بأن المرأة تقطع الصلاة !
حدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابي بكر بن حفص عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة: ما ((( يقطع الصلاة))) قال فقلنا: المرأة والحمار.فقالت: إن المرأة لدابة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي.
صحيح مسلم / الصلاة/ الاعتراض بين يدي المصلي
وهذا حديث آخر
حدثنا عمرو الناقد وأبو سعيد الاشج قالا حدثنا حفص بن غياث قال وحدثنا عمر بن حفص بن غياث واللفظ له ابي حدثنا الاعمش حدثني ابراهيم عن الاسود عن عائشة قال الاعمش وحدثني مسلم عن مسروق عن عائشة
"وذكر عندها ما ((( يقطع الصلاة))) الكلب والحمار والمرأة فقالت عائشة قد شبهتمونا بالحمير والكلاب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه.
صحيح مسلم/الصلاة/ الاعتراض بين يدي المصلي.(10/296)
وللرد على ذلك :
الحديث الثالث والحديث الرابع يفيدان ان عائشة كانت مضطجعة ، ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ) وكذلك ( لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصل)
فنسنتج من فعل النبي عليه السلام ان المرأة تقطع الصلاة اذا مرت بين يدي المصلي الا اذا كانت مضطجعة فانها لا تقطعها .
قول العالم الفقيه ابن حزم في هذه المسألة :
(ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه , مارا أو غير مار , صغيرا أو كبيرا , حيا أو ميتا , أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا , وكون المرأة بين يدي الرجل , مارة أو غير مارة , صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط , فلا تقطع الصلاة حينئذ ) المحلى ،كتاب الصلاة .
وبعد ان ذكر حديث عائشة الذي فيه (فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله ) اضاف اضاف ابن حزم قائلا : (فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , فأخبرت بأنه أذى له , وبين اضطجاعها بين يديه وهو يصلي فلم تره أذى ) المصدر نفسه.
وهو ان المصلي جائز له ان يضع شئ ( عصا مثلا او شجرة او سيارة الخ ) يكون فاصلا بينه وبين ما يمر امامه ، وعندئذ لا يضر المرور بين يديه ، وهذا ما يسمى بالسترة امام المصلي
قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه طرح التثريب ،كتاب الصلاة :
(كان السرير الذي عليه عائشة هو السترة وكأن عائشة من وراء السترة لأن قوائم السرير التي تلي النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها والدليل على ذلك ما اتفق عليه الشيخان من رواية الأسود عن عائشة { لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي } الحديث وعلى هذا فلا يكون في حديث عائشة ما ينافي حديث أبي ذر وأبي هريرة في قطع المرأة الصلاة لوجود السترة هنا )
صحيح مسلم ، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي :
عن موسى بن طلحة عن ابيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اذا وضع احدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك)
آخرة الرحل: وهي العود الذي في آخر الرحل
والرحل هو مركب البعير
قال الحافظ الفقيه الامام النووي في شرح هذا الحديث :
( وفي هذا الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي وبيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل وهي قدر عظم الذراع , هو نحو ثلثي ذراع , ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه هكذا )
قال الامام ابن قدامة في المغنى:
(يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة , فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية , وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه , أو نصب بين يديه حربة أو عصا .)
وقال الامام الصنعاني في سبل السلام ، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي :
(وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا , فإن لم يجد فلينصب عصا , فإن لم يكن فليخط خطا , ثم لا يضره من مر بين يديه } أخرجه أحمد وابن ماجه , وصححه ابن حبان ........... وفي قوله : " ثم لا يضره شيء " ما يدل أنه يضره إذا لم يفعل إما بنقصان من صلاته أو بإبطالها على ما ذكر أنه يقطع الصلاة )
منقول بتصرف من رد الأخ bilal_41
رد اخر
فنقول للأخت السائلة هنيئا لك أن هداك الله للإسلام، فهو دين الله الحق الذي لا يقبل ديناً سواه، قال سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)[آل عمران: 85] واعلمي أن أعظم نعم الله على الإنسان هدايته للإسلام، كما قال سبحانه: (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان)[الحجرات: 17] كما ينبغي أن تعلمي أن الشيطان وحزبه لا يرضون لأحد أن يفوز بهذه النعمة دونهم، فقد أخذ الشيطان على نفسه عهداً أنه سيقعد للناس على الطريق يصدهم عن سبيل الله، كما قال سبحانه عنه: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:17]
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد… إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك -أي عصى الشيطان في كل مرة- كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة" رواه النسائي
وللشيطان وأعوانه طرق في صد الناس عن دين الله تتغير بتغير الظروف والبيئات، وتتلون بتلون الثقافات والمجتمعات،(10/297)
ومن ذلك ما يثار من شبهات حول الإسلام وتشريعاته، وعلى المسلم أن يكون على حذر من مكايد الشيطان وأعوانه، ولقد أحسنت الأخت السائلة لما أرجعت الأمر إلى أهله، واستعانت بمن يزيل عنها هذه الشبهة، وهذا هو الواجب في مثل هذا المقام، وما أكثر الشبه، ولكن ما أسرع أن تذهب جميعاً في أدراج الرياح، ومن هذه الشبه موقف الإسلام من المرأة، وإليك أيتها الأخت كلاماً مختصراً، بل في غاية الاختصار عن تكريم الإسلام للمرأة:
فالقرآن مملوء بالآيات التي تتحدث عن المرأة، تتلى هذه الآيات في المساجد والبيوت إلى يوم القيامة، وفي القرآن سورتان يقال لهما: سورتا النساء، وإحداهما ست وسبعون ومائة آية، والأخرى اثنتا عشرة آية، وقد اشتملت السورتان على كثير من الأحكام الخاصة بالمرأة، مزوجة ومطلقة، وكيف ينفق عليها؟ وماذا يجب لها؟ وكيف يسلم إليها حقها؟ ومتى يحل نكاحها ويحرم؟ وفي سورة البقرة إحدى وعشرون آية متتابعة تتحدث عن المرأة، وكذلك سورة النور، والأحزاب، والتحريم، أكثر آياتها في المرأة.
وما أكثر الآيات في بقية السور الدالة على فضل المرأة وعلو شأنها، ووجوب العناية بها.
ولقد قالت نساء من نساء الصحابة: (لو علم الله فينا خيراً لذكرنا في كتابه كما ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) فنزل قول الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات…)[الأحزاب:35] إلى غير ذلك من الآيات الوفيرة في ذكر المرأة، ولك أن تقارني هذه الوفرة من الآيات القرآنية بتلك النتف اليسيرة في الأناجيل تتحدث عن بعض أحكام المرأة، يذهبون في تفسيرها وتأويلها -بمراد القساوسة والقديسين- شتى المذاهب.
والإسلام جعل المرأة قسيمة الرجل في تكوين البشرية والنشأة الإنسانية: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) [النساء:1]
وأخبرنا القرآن أن المرأة تتساوى مع الرجل في ميادين كثيرة، ومن أهم ذلك: مساواتها له في الأجر الأخروي، والقرب من الله بالعمل الصالح، فقال سبحانه: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)[آل عمران:195]
وأمر الله عز وجل نبيه أن يأخذ البيعة من النساء كما يأخذها من الرجال، وأمره بأن يجعل للنساء حظاً من دعائه واستغفاره كحظ الرجال، فقال سبحانه: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)[محمد:19]
ومدح النساء على الطاعات كمدحه للرجال، فقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله)[التوبة:71]
والإسلام هو الذي وصى بالإحسان إلى المرأة وإكرامها وتوقيرها في مواقعها المختلفة أماَّ أو أختاً أو بنتاً أو زوجة.
ويكفيك أيتها المرأة من إحسان الإسلام إليك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته -كما يروى عنه في مصنف عبد الرزاق-: "اتقوا الله في النساء" ويخاف من التقصير في حق المرأة فيقول: "استوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه. والإسلام هو الذي جعل للمرأة شخصية مالية مستقلة كالرجل، تملك وتتصرف بأنواع التصرفات المالية، كما قال سبحانه: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ)[النساء: 7] فهل بعد هذا كله يصح لقائل أن يقول: إن الإسلام هضم المرأة حقها؟! فضلاً عن أن يقول: إنه يساويها بالحيوانات.
وأما ما أوردته الأخت في سؤالها من وجود حديث يساوي المرأة بالكلب والحمار فنقول:
أولاً: ليس هناك حديث يساوي بين المرأة والكلب والحمار، ومن فهم هذا فقد أخطأ، وإنما ورد الحديث بذكر حكم شرعي وهو قطع الصلاة أي نقص أجرها بسبب مرور شيء من الثلاثة أمام المصلي، ثم بين الحديث نفسه سبب قطع الكلب الأسود للصلاة فقال: "إنه شيطان" وبينت الأحاديث الأخرى سبب قطع المرأة للصلاة، وهو افتتان المصلي بها واشتغاله بها، بخلاف الرجل فإنه إذا مرَّ أمام الرجل لا يفتتن به، وليس السبب أن المرأة مساوية للكلب والحمار.
ويدل على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت أول من أنكر هذا الحديث، فقالت رضي الله عنها: شبهتمونا بالحُمُر والكلاب، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة" رواه البخاري.
فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والمرأة أمامه، فإما لأنها زوجته فلا يخاف الافتتان بها، وإما لأنها كانت في ظلام كما يفهم من بعض الروايات، وإما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لشهوته، وعلى كل الاحتمالات فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى وعائشة أمامه لعدم الافتتان بالمرأة.(10/298)
ثانياً : العمل بهذا الحديث وهو قطع الصلاة بمرور المرأة ليست قضية اتفاق بين علماء الإسلام، بل بينهم خلاف كثير، فقد ادعى كثيرون أن هذا الحديث منسوخ بحديث عائشة، وهذا القول الأخير هو الصواب، وهو الذي أخذ به أكثر أهل العلم.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه ..
===================
vسحر الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ قَالَ قَدْ عَافَانِي اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ يُقَالُ الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ *- البخارى كتاب الطب- و الحديث رواه مسلم و أحمد وابن ماجه .
ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد " فقالت أخت لبيد بن الأعصم: إن يكن نبيًا فسيخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله". قلت: فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح
وفي رواية الشيخين: كان -صلى الله عليه وسلم- سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن بنحوه، وفيه: سحره رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقًا (بنو زريق بطن من الخزرج فهو على هذه الرواية يهودي بالحلف لا بالنسب).، وعن زيد بن أرقم سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا فأتاه جبريل، فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا فأرسل -صلى الله عليه وسلم- فاستخرجها فحلها فقام كأنما أنشط من عقال فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط. رواه النسائي. والأيام جمع قلة، ولكن بالغ بعض الرواة في غير الصحيحين فجعلوها أشهرًا.
0000000000000
* يجب أن نوضح أن الحديث مذكور على لسان السيدة عائشة رضى الله عنها فقط ... وهذا يوضح بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم تظهر عليه أي أعراض أو لم يظهر عليه أنه كان يُخيل إليه أمام الصحابة ... وهذا أول دليل ثابت يثبت سقوط فعل السحر على الرسول عليه الصلاة والسلام.
)هذا إذا كان النصارى يستشهدوا بهذا الحديث ) ، فذكر الحديث على لسان السيدة عائشة رضى الله عنها ويُفيد انحصار أمر التخيل بينه وبين زوجاته ، ومن حاول التضليل بقول أنه كان يتماسك بنفسه ويحاول إخفاء هذا الأمر على الصحابة فهو في هذه الحالة مُضلل ، لأن المسحور يخضع للسحر وليس لديه القدرة على السيطرة على نفسه ، ولو حاولوا هذا المُضلل التأكيد على ذلك ، فنقول له : أنكم أجبتم على حجتكم لأن من حاول السيطرة على نفسه فهو في كامل قواه .... أليس كذلك ؟. وهذا أول دليل يبطل وقوع السحر على الرسول
لا ننسى أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أصابه السحر كان يعي كل شيء وإلا، فكيف عرف مكان السحر ، فكان من الممكن أن يتخيل أنه عرف مكان السحر ، ولكنه عرف أنه سحر وأين مكانه ، وكذلك فقد قال شفاه الله قبل إخراج السحر لا بعد إخراجه
فعلم النفس الذي يعلم منه أن الأنفس السافلة الخبيثة لا تؤثر في الأنفس العالية الطاهرة .... فاٌدعاء بأن السحر أثر على الرسول هو نوع من أنواع تجاهل العلم وتكذيبه ... فمن نصدق العلم أم النصارى .
أحب أن أوضح أمر آخر وهو :
يدعي النصارى بقول ... إذا كان نبي فسيحفظه الله ، فكيف لم يحفظه ؟
والرد
ومن قال لك أن الله لم يحفظه(10/299)
ياجماعة بلاش سخافات ... ما من نبي إلا وكان له أعداء ... أنظروا أيها الضالون على ما حدث لليسوع (( على حد قول النصارى أنه إله وليس بشر )) ... ماذا فعل به اليهود ..... القصة مشهورة جداً
إذن فكل الرسل أصابهم البلاء لأنهم بشر ... وحدث مع موسى عليه السلام أنه خيل له أن عصا وحبال السحرة تسعى ... وليست المشكلة مع سيدنا محمد بل هي مع اليسوع ... لأن العقل يقول كيف إله يهان ويضرب ويبصق عليه ويصلب ويطعن بالسكين ولا يستطيع أن يروى عطشه بالماء فطلبه من اليهود فأمدوه بالخل وبعد ذلك صلبوه ومات ولم يمتلك أن يفدي أو يدافع عن نفسه وأصبح ملعون كما قال وأعترف بولس بأن اليسوع أصبح ملعون للفداء .
* وإذا كان في حالة { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ } وقد ذكرنا من قبل أن هذا عَرض من أعراض عدة مثل مرضى الحمى وخلافه، وأعراض السحر تختلف اختلاف كلي وجزئي عن أعراض الأمراض .
ولكننا هنا لا ننكر فعل السحر ولكننا نثبت ان فعل السحر وغرضه لم يتحقق على الرسول الكريم.
والتخيل الذي كان يخيل إليه لا يجزم به ، وإنما هو من جنس الخواطر التي تخطر في البال ، ولا تثبت ، والظاهر أن التأثير إنما هو في شهوة النساء وشأن الوطء ، ولهذا لم يتفطن له إلا زوجته ، ولم ينقل أحد أنه أثر في ما يبلغه ، ولا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك. وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت، فلا يبقى على هذا للضال حجة. ولهذا لم ينقله سوى عائشة .
وقد ذكر موقع الوقاية الآتي : قد يؤدي السحر إلى أمراض عضوية في بعض الأحيان ، والذي يميز تلك الأمراض أنها عارضة أي بمعنى أنها قد تختفي كلية في بعض الأحيان ، وقد تعود أحيانا أخرى ، وهذا مشاهد محسوس لدى أهل الدراية والخبرة ، ومثال ذلك أن تثبت التحاليل أن المريض يعاني من مرض السكر ، وبعد أيام يتم الفحص مرة أخرى فيلاحظ اختفاء أعراض ذلك المرض بالكلية ، شريطة أن لا تكون هناك أسباب طبية أدت إلى زوال تلك الأعراض ..... وهذا دليل آخر
* وهذا موقع : يقدم السحر وأنواعه وأعراضه ، ويثبت أن دخول شيطان السحر داخل جسد المسحور ليس في كل حالات السحر ولكن في حالة (( أكل أو شرب السحر أو المس الشيطاني للجسد )) وهذا لم يحدث لأن السحر كان مدفون .
ونجد أن الموقع ذكر تسعة أعراض للسحر ، لم نجد عرض واحد حدث لرسول الله مذكور بالحديث أعلاه .
http://www.ebtihaj.co.ae/magic.htm
نجد أن طريقة العلاج مذكورة وتظهر من خلاله أعراض على المسحور ، وهذا لم نجد هذه الأعراض مذكورة بالحديث أعلاه عندما رقاه سيدنا جبريل عليه السلام ، وقد رقاه بدعاء وليس بالقرآن .. وهذا دليل أخر
* ذكر بالحديث { قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا }
فذكر (( سحر الرسول ... رجل من بني (( فهذا يُفيد ويوضح أن هناك من َفعل سحر للرسول ، وهذا واضح من نص وصيغة الكلام ، ولا تكذيب فيه ، لأن اليهودي لبيد ابن الأعصم ( عمل سحر للرسول ) وهذه حقيقة ، ولكن هل نجح في سحره ؟ لا .. وهذا سيتم توضيح ..
والحقيقة الأخرى أنه من خلال هذا الحديث تعرفنا أن اليهود حاولوا مراراً سحر الرسول بشتى الطرق وفشلوا ، لهذا ذهبوا الى لبيد ابن الأعصم ليسحر الرسول بأي طريقة وله أجر مادي على ذلك .
ولكن ما نريد توضيحه هو أن ما ذكرته من قبل عن أي ساحر أمثال ديفيد كوبر فيلد عندما يؤدي ويقدم سحره فيظهر للمشاهدين سحره ، وما قصدته من ذلك هو أن سحر الساحر يؤثر على الرائي ، فهل هنا يستعين الساحر بالشياطين للتأثير على مشاهديه بالتلبيس ودخول الشيطان داخل جسد المشاهد لسحره لحين إنهاء سحره ؟ ، وإن كذب النصارى وضللوا بقولهم : نعم هو يستعين بالشياطين ..... فنقول لهم : هل كل ساحر يستعين بآلاف الشياطين ... فنحن أمام التلفاز نشاهد سحر السحرة وهي برامج مُسجله فأين هي الشياطين ؟ هل هي كذلك مُسجلة ؟!!
ونجد في قصة سيدنا موسى عليه السلام أكبر دليل على أن سحر التخيل لم يأتي بفعل الشياطين وتلبسهم بأجساد البشر
حيث جاء بسورة طه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال بل ألقوا ، فإذا حبالهم وعصيهم يُخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .. 66 ... والحديث يقول [ يُخَيَّلُ إِلَيْهٍِ[
وهذا يوضح أن سيدنا موسى عليه السلام وقع عليه التخيل ولو لدقيقة واحدة ، فهل هذا يُفيد أن الشيطان دخل بجسده لكي يجعله يتخيل أن عصيهم وحبالهم تسعى ؟ بالطبع لا(10/300)
فإذن سحر التخيل لا يخضع لفعل الشياطين لأنه سحر خارجي ، فإذا ادعى النصارى بدخول الشيطان جسد الرسول ليجعله يتخيل الشيء فإذن كان نفس الحدث بالنسبة لسيدنا موسى عليه السلام ولو كان ذلك في لحظة وقت التحدي ، لأن ما يحدث في لحظة يحدث في زمن كامل ....أليس كذلك؟
ومن الذي أبطل سحر سحرة فرعون؟ .. هل سيدنا موسى عليه السلام ؟ لا
الله عز وجل ، حيث قال موسى عليه السلام للسحرة :
ما جئتم به السحر إن الله سيبطله ، إن الله لا يصلح عمل المفسدين . ومن الذي شفى سيدنا محمد salla-icon.gif وأبطل سحره .. الله عز وجل .... وهذه نقطة أخرى
* وقد ذكر النصارى من قبل أن الجن من الممكن أن يتلبس البشر في أمور أخرى غير السحر ، أي عند المرور في أماكن مظلمة ,,, ولكن القصد السليم من ذلك هو حالة الخوف التي تنتابهم ... لهذا
ونجد من قصة سيدنا موسى عليه السلام أنه لم يكن بمقدوره مواجهة سحر سحرة فرعون لأنه كان خائفاً حيث قال موسى وهارون أخيه عليهم السلام :
قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ، وكذلك نجده في مواجهة السحرة في حالة خوف وفزع ، وقد ظهر ذلك في قول الله عز وجل : فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ... ولكن نصره الله عز وجل بالعصا التي كانت إحدى المعجزات التي أيده الله بها .
وهنا : لو أتبعنا أقوال النصارى نجد أن الخوف هو طريق دخول الجن جسد الإنسان ... وطالما أستشعر سيدنا موسى عليه السلام حالة الخوف فهنا وقعت حالة دخول الجن فيه بسبب الخوف ، وذلك على حد مزاعم النصارى .
ولو عدنا للحديث : فما هي حالة الخوف والفزع التي جاءت بالحديث التي ظهرت على رسول الله ... لا شيء
وأما القصد من أن سحر السحرة لم يستمر 6 أشهر كما هو الحال برسول الله ،
فالمعروف في أمور تلبس أو دخول الجن بجسد الإنسان هو يُفيد ملازمة هذا الشيطان لذلك الجسد ، كان داخل الجسد أو خارجه ... وقد كشفنا ببداية الموضوع أنه لا توجد رواية تؤكد أن السحر أستمر 6 أشهر.
ولهذا نذهب الى الكتاب المقدس وبالأخص إنجيل متى لنرى كيف تسلط ابليس بصفته وهيئته مع السيد المسيح وسنجد أن إبليس الملعون يعتبر هو الشيطان الأكبر وقد لازم السيد المسيح بل تسلط عليه 40 يوماً ، كيف ؟ بالطبع لازمه .. كيف ؟ كانوا يناموا في أحضان بعض ؟ بالطبع لا .... بل تسلط عليه ليصل الى حد التلبس ، والمدة كافية للتوضيح ... ونرى أنه أخذه هنا وهناك ....
4: 5 ثم اخذه ابليس الى المدينة المقدسة و اوقفه على جناح الهيكل
4: 8 ثم اخذه ايضا ابليس الى جبل عال جدا و اراه جميع ممالك العالم و مجدها
وهنا لاحظ كلمة )) أخذه (( إذن والواضح قيادة إبليس للحدث ، ))وأخذه معناها تناول (( أي تناول يده بيد السيد المسيح وهذا هو المس الشيطاني لأن المس هو لمس الشيطان جسد البشر
ولكن الأمر العجيب أن جعله يرى جميع ممالك العالم و مجدها...
4: 8 ثم اخذه ايضا ابليس الى جبل عال جدا و اراه جميع ممالك العالم و مجدها
فهل ما رآه السيد المسيح هي الحقيقة ؟ لا يوجد بالكتاب المقدس دليل واحد يؤكد صحة صدق ما رأه ، وطالما لا يوجد تأكيد فإذن هي خدعة من إبليس ، وبهذا أصبح الأمر تخيل له ، لأن النصارى لا يملكون صدق الرواية بأن السيد المسيح رأى الحقيقة ولم يكن الأمر خداع ... وهنا مس إبليس السيد المسيح ودخل بجسده وخرج كما يشاء ليجعله يرى ما يريده أن يراه ، لأن إبليس معروف بأنه مُخادع وكاذب وكافر وغير صادق ، ولأن وبكل بساطة السيد المسيح ( ولو كان رب ) فهو في جسد مخلوق بشري ضعيف ، فمهما كانت قوته فالمدة التي تسلط عليه فيها إبليس يمكنه أن يستغل نقطة ضعف واحدة ولو للحظه ويدخل جسده دون أن يراه السيد المسيح (ولو كان ذلك داخل دورة مياه) (ألم يكن السيد المسيح يُحدث !؟).... وهذه نقطة أخرى
* ولو ذهبنا كذلك إلى قول الستة أشهر وآمنا بهذا الإدعاء ، فنقول إن تأثير السحر على المسحور لا يمكن أن يتحقق في لحظة عمله ، ولو حدث هذا ، فلا يمكن التعرف على حدث السحر إلا بمرور الوقت . لأن السحر أتمه اليهودي من ستة أشهر ولكن متى أستشعر به الرسول ؟ هذا يتضح فيما بعد .
ولإثبات ذلك ... في قصة سيدنا موسى عليه السلام والتي يستشهد بها النصارى بطرقة عجيبة ، وكأن الحدث جاء في أقل من يوم .. كيف ؟
فعندما ذهب سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون .. وتحداه فرعون ...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوَى ، قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُّحْشَرَ النَّاسُ ضَحًى
إذن الأمر والتحدي يستغرق وقت طويل
ونجد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(10/301)
قَالَ الَملأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَن يُّخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ، قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ، وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِينَ .... الأعراف
أي أرسل جماعة حاشرين في المدائن التي فيها السحرة ... وهذا وقت .. ذهاب وإياب ، ولم نسمع أن هناك سيارات مرسيدس ولا طائرات أسرع من الصوت ولا تليفون ولا فاكس لتقصير الوقت والمسافات.
ولكن الغرض المقصود من كل هذا هو أن السحرة سحروا سيدنا موسى عليه السلام قبل أن يواجهوه ، حيث قال لهم فرعون .. قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِين وكذلك فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعَلَى وبهذا جاء بعد ذلك فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى وبالطبع أن السحرة توعدوا لسيدنا موسى عليه السلام وأعدوا العُدة فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعَلَى , وهذا يوضح أن السحرة سحروا سيدنا موسى عليه السلام قبل اليوم المتفق عليه بالتحدي وذلك لقول فرعون لهم أجمعوا كيدكم ، ولذلك عندما آتى السحر واجتمعت الناس ، فقال موسى عليه السلام للسحرة قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم وهنا من يقل أن الناس يُخيل إليهم بل قيل سحروا أعين الناس فقط ، فهنا السحر وقع على أعين الناس فقط
ولكن بالنسبة لسيدنا موسى عليه السلام ، قيل قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى …وهنا وضح للجميع أن السحرة سحروا سيدنا موسى عليه السلام قبل اللقاء بفترة ، بقول فرعون فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا….وهنا نقول لحظة ما حدث لسيدنا موسى عليه السلام فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعى فهنا ظهرت نفس الكلمة التي جاءت بالحدث بخصوص سيدنا محمد وهي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ والزيادة هنا كلمة من سحرهم ...أى سحروه فهنا سيدنا موسى خيل إليه كما خيل لرسول الله .
فهل تلبس شيطان السحر سيدنا موسى لكي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ من سحره وكذلك فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ؟؟؟؟؟؟؟
وهذا دليل يفسد مزاعم النصارى بتلبس الشيطان جسد رسولنا الكريم ، لأن لو كان ادعائهم صحيح محاولين تشكيك الرسالة المحمدية ، فهذا يسبقه إبطال رسالة سيدنا موسى عليه السلام لأنه سيكون قد وقع عليه السحر قبل يوم التحدي وكذا وقته ، وهنا بطل كل ما جاء عنه في هذه المدة ، وما فسد في نص مذكور فقد فسد الكتاب كله .. أليس كذلك أيها السادة؟
وكذا ما جاء عن السيد المسيح خلال تسلط إبليس عليه طول مدة التسلط ، فبطل كل ما جاء به وبأقواله وأفعاله ؟ .... وبهذا فمدة الستة أشهر هي بداية السحر الى نهاية فكه ، ولكن لم يذكر مدة مرض الرسول بسبب هذا السحر .
وقد مضى في الصحيح أن شيطانًا أراد أن يفسد على الرسول صلاته فأمكنه الله منه، فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصًا على ما يتعلق بالتبليغ .
أيها النصارى لا تدينوا لكي لا تُدانوا
وهذا دليل أخر
نعود مرة أخرى
* ولهذا نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يشعر بأي شيء نهائياً ، لأننا من خلال قراءة الأحداث نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجد أن ما به هو داء وجبت له الحجامة ، ولكن والمعتاد أن الرسول كان يستخير الله (صلاة الاستخارة) في أي أمر سيقوم به ، ولكن الله سبحانه وتعالى أوضح له بإرسال ملكين له ليوضح لرسول الكريم أن ما أصابك من مرض هو ليس علاجه الحجامة بل هو رقي من سيدنا جبريل عليه السلام لأن الله حفظك يا محمد لأنك حبيبه salla.gif.(10/302)
وكان من الممكن أن يترك الرسول السحر ولا يحاول استخراجه بل هو إثبات لمعجزة من معجزاته وصدق حديثه ، وإلا كيف علم من سحره ؟ وأين مكان السحر؟ ، ولو تتبعنا مكان السحر فسنجده تحت حجر كبير بأسفل بئر مليء بالماء والماء فاسد عكر ، وأبلغ الصحابة بمكانه ، فلو كان الصحابة اعتادوا بأنه يُخيل له أمامهم ما صدقوه ، ولذكر الحديث والروايات أنهم لم يصدقوه أو أنهم تشككوا الأمر قبل البحث عن السحر .. وهذا لم يحدث ، ولكنهم صدقوه وأفرغوا البئر و استخرجوا السحر من مكانه ، وهذا دليل أخر على أنه كان في كامل قواه لا يوجد تأثير للسحر عليه .... أليس كذلك ؟ ويوضح لنا أن الأمر كان مرض وليس سحر ، لأن أتجاه الرسول لعلاج الحجامة يظهر أنه كان في قواه الحسية والعقلية لأنه قرر العلاج بالحجامة والحجامة معروفة للتداوي من الأمراض ، ولم ينصحه بها أحد نتاج حالة غريبة ظاهرة عليه وكذا كشف مكان السحر بإعجاز لا يسبق له مثيل ... وهذا دليل آخر
* جاء بالحديث : { إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا } ، فنقول : هل المسحور ومتلبس بشيطان لديه القدرة على العبادة والصلاة والدعاء ... ولاحظ (( دَعَا وَدَعَا((وهذا يُفيد أن السحر لم يؤثر على قواه أو عقله الشريف وكان يستشعر كل شيء وذلك لتكرار الدعاء ، لأن المسحور من علاماته التوهان وعدم التيقن والدراية ، ولكننا نراه دَعَا وَدَعَا الله ... وهذا يظهر أنه لم يصبه من السحر إلا مرض ... وهذا دليل أخر
* يذكر الحديث { ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي رَجُلَان ِ}
يجب أن نوضح أن ما ذكره الرسول الكريم للسيدة عائشة هي أفعال من الماضي ( أشعرت ، أفتاني ، استفتيته فيه ، آتاني ) فلا يمكن أن نحدد متى تم هذا الشعور(أَشَعَرْتِ) ، فمن الممكن أن يكون الزمن أسبوع أو شهر أو عدة أشهر ، لأن لو كان دعاء الرسول وهو الذي كان عند السيدة عائشة نتج عنه الاستجابة ، لقال { استفتيت الله فأفتاني } والفاء هنا تعني سرعة الإجابة لدعائه الذي أوضحته السيدة عائشة .. لأن الأمر ما كان إلا دعاء { والدعاء إما حمد وشكر أو رجاء } ، والرجاء هنا يسقط لأن الحدث مذكور على لسان السيدة عائشة أن ما جاء على لسان رسول الله أفعال في الماضي الغير محدد ، وتأكيداً لذلك .. آتاني رجلان ، ولو كان الحدث في الوقت الحاضر للدعاء لرأت السيد عائشة الرجلان
نقف عند هذه النقطة ، لأن النصارى يدعوا أن الرجلان هم شياطين ، وأتعجب من هذا الكلام !!!
فلم أسمع من قبل أن شيطان يُبلغ على شيطان مثله ... فليأتوا لنا بدليل على هذا الإدعاء من علم الروحانيات أو من نص أو فقرة من الكتاب المقدس يذكر أن شيطان يبلغ على شيطان مثله في حالات السحر والمس الشيطاني أو غير ذلك .
وسأثبت جهلهم
متى ... وعلى لسان السيد المسيح
12: 26 فان كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته ..... فلنضحك قليلاً .
وكلمة آتاني : تُفيد الخصوصية ، فقد آتوا له منفرداً ، ومصدر الدخول غير معلوم ، وطالما أن إدعاء النصارى كاذب ، فالرجلان هم ملكان كما جاء بحديث آخر ، وقد ُذكر كذلك أن الرسول آتاه سيدنا جبريل وقال له كذا وكذا .... ولتطابق وتأكيد صدق الحديثين ، هو أن في حديث الرجلان أنهم ملكان ، وهم سيدنا جبريل و ميكائيل ، وكان سيدنا ميكائيل يسأل وسيدنا جبريل يُجيب ، والحديث الأخر يذكر أن سيدنا جبريل آتاه وذكر له أمر السحر .
فنجد في نهاية الأمر أن المتحدث هو سيدنا جبريل في الحديثين ... فطالما المتحدث واحد وهو سيدنا جبريل فلا خلاف في الأحاديث ... وهذه نقطة أخرى
* ونأتي للنقطة الأخرى ((فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ((
))مطبوب ، ومن طبه)) ، لفظ يذكر على مرضا السحر ... قال أبو عبيد : إنما قالوا للمسحور مطبوب لأنهم كنوا بالطب عن السحر كما كنوا عن اللديغ فقالوا : سليم تفاؤلا بالسلامة وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيه فقالوا : مفازة تفاؤلا بالفوز من الهلاك . ويقال الطب لنفس الداء .
أمر { كأنما نشط من عقال }
واضيف اضافة صغيرة
الحديث يذكر وعلى لسان السيدة عائشة رضي الله عنها { وكأنما نشط من عقال }
انظر الى كلمة { كأنما }
وأكرر أنظر الى كلمة { كأنما }
فهذه الكلمة { كأنما } لا تُفيد وقوع العقال على رسول الله salla.gif
فهذا نوع من أنواع البلاغة في اللغة العربية وهذا الأسلوب لون بياني فيه استعارة مكنية ، فقد شبه فيها شيء معنوي وهو الشفاء من مرضه بشيء مادي وهو العقال ...
إذن { كأنما } هنا أداة وصف ، وليس المعنى وقوع حدث العقال على رسول الله salla.gif
ولكن إذا أردنا أن نبين أن حدث الربط وقع بالفعل فلا يذكر كلمة { كأنما } بتاتاً(10/303)
ولكن يقال .... ((((( حُل من عقاله )))))
لأن من المعروف أن العرب هم أهل البلاغة ... وعند سرد أقوالهم يجب ان نراعي قواعد البلاغة في اللغة العربية ...
وعن قول تساقط شعر الرسول بسبب السحر ... فأحب أن أوضح أن الحد الطبيعي لتساقط الشعر عن الرجال يصل في اليوم الى مائة شعرة ... فهل يمكن للنصارى جهابذة العصر أن يفتونا بكم عدد الشعر الذي تساقط من رآس الرسول .... وهذه نقطة أخرى
وما هو معروف أن سيدنا محمد كان ((يخيل إليه)) وكان سببه سحر وقد تم أستخراجه ، وما حدث لسيدنا موسى عليه السلام أن ((يُخَيَّلُ إِلَيْهِ)) وهذا نتاج سحر السحره ، فأين السحر (لا .. إنه ليس سحر واحد بل عدة أسحار ، فلكل ساحر سحره ) الذي أسحر موسى عليه السلام ، ولا يقال لي قائل أنه كان يُخَيَّلُ إِلَيْهِ في لحظة التحدي ، لا .. لأن لو كان هذا صحيح لقيل خيل إليه أو سحروا عينه كما قيل أن السحرة سحروا أعين الناس.. أي في لحظتها فقط ، بل قيل يُخَيَّلُ إِلَيْهِ .. أي تعني الاستمرار ... فأين هو السحر الذي سحر به السحرة سيدنا موسى عليه السلام ، لم نسمع أن أحداً أستخرجه .. إذن فقد كان سيدنا موسى عليه السلام مسحوراً طوال الوقت ، وهذا ينهي بنا المطاف بأن العهد القديم لا أساس له وأن الكتاب المقدس في خبر كان ... وهذا هو السبب الأساسي لفساد هذا الكتاب ووجود تناقضات لا حصر لها ..... ولكن الرسل والأنبياء أشرف من ذلك .
أما ما رواه البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس في مرضه -صلى الله عليه وسلم- وأنه كان شديدًا، وأنه كان سحرًا في بئر تحت صخرة في كربة (الكرب: أصول السعف التي تقطع معها، وواحدتها: كربة. المصباح المنير).، وأنهم أخرجوها فأحرقوها فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت عليه هاتان السورتان يعني المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة.اهـ ملخصًا، فهذا حديث باطل مخالف لحديث الصحيحين في المسألة، ولروايات نزول السورتين بمكة، وهو من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والكلبي هذا متهم بالكذب، وطريقه أوهي الطرق عن ابن عباس، واسمه محمد بن السائب.
user posted imageوسأفجر هنا نقطة هامة جداً تثبت أن سحر لبيد ابن الأعصم هو سحر فاسد لم يحقق الغرض لأن الله عز وجل اضله ، ولذلك تسبب منه مرض ولم يتسبب أن الرسول كان مسحور ... وما سأقدمه هو أخطر وأقوى أنواع السحر ولا يعلوا عليه في العالم ، وما سأقدمه هو علم قديم أشتهر به اليهود بعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام .... فلبيد ابن الأعصم سحر للرسول ولم يسحر هذا السحر الرسول ، لماذا ؟... برجاء التركيز لأنني ساقدم حسابات كيفية وطرق السحر ....
وأوضح وأوضح وأوضح
أن من يحاول من النصارى التحدي في إثبات أن الرسول قد سحره اليهودي لبيد ابن الأعصم فليأتي لي بعلم سحر أقوى مما ساقدمه ، اما كلام خايب لا قيمة له فمن الأفضل أن يوفره لنفسه
أولاً : سنخرج سيدنا عيسى عليه السلام من هذه الحسابات لأن ما جاء به من إبليس ليس سببه سحر بل تسلط إبليس عليه .. والأمر يختلف ، وقد سقط عنه كل أفعاله خلال الأربعين يوماً بالكامل وكل ما جاء به... وانتهى
ثانياً والأهم : المعروف أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طبعه هادئ وحليم ... ولذلك لو تتبعنا كيف يقوم السحرة بالإبداع في سحرهم ، نجدهم يأخذوا (أسم الشخص) مضاف إليه (بن) أي (ابن) ثم أسم ) أمه ( ثم تفريد الحروف ووضعهم تحت حساب الأرقام لكشف برج وطالع وطبع من سيقام له السحر ( كما حدث بـ كهيعص) ، لهذا كان من خيبة لبيد ابن الأعصم أن الله عز وجل اضله وحسب بالخطأ ، لأنه قام بدفن السحر تحت حجر داخل بئر ماء ، وهذا يوضح أنه حسب خطأ وجعل طبع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مائي مع العلم أن بالحساب نجد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طبعه هوائي ، وبهذا بطل السحر ، لأن المتبقي من العملية الحسابية هو رقم 11 .. ورقم 11 يوضح بجدول المتخصص أن برجه الدالي وطالعه زحل وطبعه هوائي ...
نبدأ الحساب ... محمد بن آمنة ... وهكذا يكون (إضافة ((بن))..)
م--- ح --- م--- د--- ب--- ن--- ا--- م-- -ن --- ة
40 8 40 4 2 50 1 40 50 400
بالجمع لكل هذه الأرقام نجد : 40+8+40+4+2+50+1+40+50+400 = 635
وحساب السحرة بعد ذلك هو قسمة هذا العدد على 12 والمتبقي يكشف المراد به ( البرج والطالع والطبع )
635 : 12 = 52
والمتبقي 11
وبهذا نطابق هذا الرقم المتبقي على الجدول الإرشادي فنجد أن إذا كان المتبقي 11
يكون
البرج : الدالي
الطالع : زحل
الطبع :هوائي(10/304)
وهذا يوضح من المصدر الذي أرفقته أن السحر الهوائي : يكون السحر مُعرض لتيار الهواء فكلما مرت الريح زاد تأثير السحر ... وبهذا لا يصلح بدفنه في الماء ،فالله عز وجل ضل الكافر لبيد ابن الأعصم وجعله يدفن السحر وكأن الحساب ظهر له أن سيدنا محمد طبعه مائي ، والطبع المائي كما هو مرفق بالمصدر (السحر المائي :يرمى السحر في البحار والأنهار والآبار وفي مجاري المياه
وبهذا أستخرج الصاحبة السحر ، وهذا الحدث معجزة من معجزات النبوة لرسول الله
لأنه تمكن إفساد السحر حال عمله ومن معرفة مكان السحر الموجود تحت حجر أسفل بئر ماء عميق يحتوى على ماء فاسد ، لا يوحي منه أنه من الممكن أن يدفن به سحر بهذا الشكل والطريقة .. وبهذا فسد السحر
بالإضافة أن السحر كان سحر خارجي كما هو مرفق بهذا المصدر
http://www.uaearab.com/s7r/3lajs7r.htm
وقد قالت أخت لبيد بن الأعصم:
إن يكن نبيًا فسيخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله":
فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح" وتحقق قول الله عز وجل
وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)) ))
وقد تحققت أقوال اليهود بان الرسول تعرف على السحر ومكانه ولم يؤثر فيه واستخرجه ، وبهذا فهو
الصادق الأمين خاتم النبيين والمرسلين حبيب رب العالمين ولو كره الضالون
يأتي قائل ويقول
:إذن كيف حسب لبيد ابن الأعصم وكيف خطأ مع العلم أنه كان من أشهر سحرة اليهود
بدليل أن اليهود اجتمعوا وذهبوا له بعد فشلهم في أذى الرسول بأسحارهم ؟
* أخي الفاضل : ركز معي
من المعروف ان الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مرضعته هي السيدة حليمة السعدية ، وهذه هى النقطة .. فلبيد ابن الأعصم لعنه الله أعتبر في حساباته أن أمه هي حليمة .... تعالى لنرى الحساب
نبدأ الحساب ... محمد بن حليمة... وهكذا يكون
إضافة
بن
م ح م د ب ن ح ل ي م ة
40 8 40 4 2 50 8 30 10 40 400
المجموع : 40+8+40+4+2+50+8+30+10+40+400 = 632
632 : 12 = 52
والمتبقي 8
ولو رجعنا إلى الجدول بكتاب شمس المعارف وكتاب أبو معشر الفلكي
نجد أن : إذا كان المتبقي من الحساب رقم 8 ... إذن
فبرجه : العقرب
طالعه : المريخ
طبعه : مائي
ولهذا السبب أضطر لبيد ابن الأعصم وضع السحر في بئر الماء كما ذكر سابقاً وكما هو مدون بالموقع المرفق الخاص بالأسحار
بسم الله الرحمن الرحيم
ومكروا ومكر الله ، والله خير الماكرين
وهذا هو قمة التحدي ، ولهذا من أراد التحدي بإثبات وقوع السحر على الرسول ، فليأتي بعلم سحر أعلى وأقوى مما قدمت ...
وأكرر وأكرر وأكرر هذا تحدي ...
لأن ما قدمته هو أعلى وأقوى وأفظع علم بعلوم السحر ... ولم يظهر على وجه الأرض علم أعلى مما قدمته ...
والكتب التي ذكرتها بعلوم السحر بكثرة داخل الكنائس ، وعلى النصارى الذهاب هناك والنزول ببدرون الكنيسة وسيكتشفوا العجب
ولكن لو تتبعنا حساب سيدنا موسى عليه السلام نجد أن حسابه يتبقى منه 9 .. و9 يظهر أن برجه القوس وطالعه المشتري وطبعه ناري ... وهذه حقيقة معروفه ، لأن المعروف أن سيدنا موسى عليه السلام كان شديد المزاج قوي وهذه صفات أصحاب الطبع الناري ... ولهذا عندما يسحره السحره فإذن سحره يكون السحر الناري : يوضع السحر في أو قرب مواقد النيران مثل التنور أو الفرن....كما هو واضح بالموقع المختص بالسحر وانواعه
وبهذا لم يتمكن أحد أن يتحصل على هذا السحر الذي جعله فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ... فلن يُخَيَّلُ إِلَيْهِ إلا عن طريق سحر مِنْ سِحْرِهِمْ كما جاء على سيدنا محمد وكما أكد ذلك النصارى ، وهنا يظهر لنا أن الرسول أخرج السحر وانتهى ، ولكن سحر سيدنا موسى لم يكتشف أو يحصل عليه بعد ، وهذا يؤكد أنه أستمر عليه السحر إلى موته ، وبهذا بطل العهد القديم .... وهذا أكبر وأعظم دليل أخر .
يأتى أحد النصارى ويقول لي .. لا .. أنت كاذب ... أنت ممن يقص ويلذق
فأرد عليه بكل أدب وأقول له ... تعالى بنا للكتب المقدس لنرى ماذا يقول عن أفعال سيدنا موسى وأخيه هارون عليهم السلام
نبي الله هارون يكفر ويدعو اليهود إلى عبادة العجل !!
وهذا في سفر الخروج
32 : 2
يقول كاتب السفر :
قال هارون لبني اسرائيل: انزعوا أقراط الذهب . فنزعوها وأتوا بها إلى هارون وبنى لهم عجلاً مسبوكًا. بنى أمامهم مذبحًا فقال: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.
نبي الله موسى يأمر بالسرقة بناء على طلب الرب !!
سفر الخروج [ 3 : 22 ] :
فَلاَ تَخْرُجُونَ فَارِغِينَ حِينَ تَمْضُونَ، بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا أَوْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا جَوَاهِرَ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَثِيَاباً تُلْبِسُونَهَا بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ فَتَغْنَمُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ
موسى وهارون خانا الرب ولم يثقا به في وسط بني اسرائيل !!!
سفر التثنية [ 32 : 48 ، 52 ] :(10/305)
وكلم الله موسى . . . قائلاً : إصعد إلى جبل عفاريم في أرض موآب الذي قبالة أريحا ، وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني اسرائيل ملكاً ، ومت في الجبل الذي تصعد إليه وانضم إلى قومك ، كما مات هارون من قبل في جبل هور . . . ، لأنكما خنتماني في وسط بني اسرائيل . . . إذ لم تقدساني في وسط بني اسرائيل . .)
وهذا يوضح أنهم كانوا خارج السيطرة لأنهم عصوا الله ، والمعصية فهل الشيطان ، وطالما أنهم ليسوا شياطين بل إنس ، إذن فوق عليه السحر وأضلهم شياطين الجن خدام الأسحار بالدخول بأجسادهم
أحمد الله أنني كشفت زيف عقائدكم وسعيهم وراء سراب
أعتذر للجميع
فكل الأنبياء والرسل من خلق آدم عليه السلام إلى خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حفظهم الله عز وجل من كيد الشياطين وأفعالهم ... لأن الله عز وجل قال : إن كيد الشيطان كان ضعيفا .
وقال الله عز وجل لإبليس : إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ
ويؤكد إبليس هذا ويقول : وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم
ولكنني خاطبتهم بنفس أسلوبهم ونفس تفكيرهم .. يشككون في حضرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكتابهم المقدس ما جعل فضيحة لنبي أو رسول إلا ونسبها لهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله
وعندما يقدم لنا النصارى نصوص من الكتاب المقدس وعلى لسان بولس ، والمطلوب منا أن نتبع ونصدق هذا الكلام ، فهذا هراء
أضلكم بولس بأفعاله وآمنتم به ، ما لنا نحن ، ضحك عليكم وأضلكم .. لعن ربكم فآمنتم به ، نصحكم بمخالفة سُنة سيدنا عيسى عليه السلام فأتبعتموه بجهالة ، منعكم من الختان بحجة أنه لا فائدة وهو وحي إلهي والعلم ثبت أهمية الختان ، وكأن ربكم يجهل علم الأمور والمستقبل ... والكثير والكثير
فما لنا نحن بهذا الكاذب المخادع الذي لا أصل له ولا نسب ، ما عرفتموه إلا من كتاباته فقط (أعمال الرسل) .... ضللتم عن سبيل الله فأضلكم الله وغضب عليكم
ونحن نسأل النصارى سؤال واحد ، وقد سألناه عدة مرات ولكنهم يتهربوا منه كما يتهربوا من حقيقة فسادة عقيدته
هل الساحر عندما يقدم سحره يستعين بعدد هائل من الشياطين لتلبس للمشاهدين لكي يُخيل لهم لنجاح سحره أم لا ؟
* فإن كان الجواب نعم : فإذن السحر الذي وقع على سيدنا موسى عليه السلام وخيل له كان تلبس شيطاني وهنا لم يتأكد لنا ولو بدليل واحد أن الشيطان قد خرج منه .. وبذلك فسد العهد القديم بالجديد وأصبح الكتاب المقدس ورق لا قيمة له ويصلح إلا لبائع الترمس لموسم شم النسيم القادم
ولو كان الجواب لا :... فعلى أي شيء تجادلوا
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل منا صالح الأعمال ، وأن يحسن خاتمتنا وأن يلحقنا بالصالحين وأن ينعم علينا بشفاعة وصحبة حبيبه وحبيبنا سيدنا المصطفي صلى الله عليه وسلم
أسأل الله عز وجل الهداية لكل مسيحين ، وأن يؤمن بلا إله إلا الله وأن السيد المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ... وهذا الإيمان يكفي من عذاب اليوم العظيم
http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1445
===================
هل كان الرسول والصحب الكريم قاطعي طريق ؟؟؟
يلحظ الناظر في شبهات المستشرقين ومن تبعهم سياستهم في قلب الحقائق والنظر إلى الأمور بمنظار قاتم ، يُرى فيه الحق باطلاً ، والحسن قبيحاً ، والفضيلة رذيلةً ، متوصلين بذلك إلى مأربهم الدنيء من تشويه صورة هذا الدين وتزييف حقائقه ، وهذه هي طريقتهم المفضّلة في حربهم على الإسلام .
وسوف نستعرض في مقالنا هذا ، نموذجا لإحدى التشويهات المتعمدة والنظرات الجائرة للتاريخ الإسلامي .
لقد حاول المستشرقون ومن تبعهم إيهام الناس أن النبي صلى الله عليه وسلّم لجأ إلى السطو على قوافل قريش التي كانت محمّلة بأثمن البضائع ، رغبةً منه في التوسّع المالي ، وتكديس الثروات ، متناسين ما وُصف به النبي صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون معه من زهدٍ وتقشّفٍ طيلة حياتهم ، ويقول أحدهم واصفاً جيوش المؤمنين في العهد المدني قبل غزوة بدر : " ..وبدأت هذه السرايا باعتراض قوافل قريش والسطو عليها ، وأخذ ما أمكن من الغنائم منها " .
وللإجابة على هذه الشبهة ، ينبغي لنا أن نعلم تداعيات الأحداث وسرد تسلسلها التاريخي كي نفهم المناخ الذي ألجأ المسلمين إلى التعرّض لتلك القوافل ، ولأجل أن يتّضح للقاريء الكريم كيف تُقلب الحقائق وتُسمّى بغير اسمها .(10/306)
إن الوضع الذي عاش فيه المسلمون في العهد المكيّ كان شديداً ، فقد ضُيّق عليهم من قبل صناديد قريش وكبرائها ، فقاموا بتعذيبهم والتنكيل بهم ، ومارسوا معهم كل أساليب الاضطهاد الديني والتعذيب الوحشيّ ، حتى فقدوا بعضهم ، وأكلوا أوراق الشجر ، وعاشوا حياةً مليئةً بالمصاعب والآلام ، فما كان للمسلمين بدّ أن يتخلّوا عن أوطانهم وديارهم ، فراراً بدينهم ، وطلباً لمكان يعبدون فيه ربّهم ، دون أن يتعرّض لهم أحد ، وصدق الله إذ يقول في كتابه : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } ( الحج : 40 ) .
ومما يؤكد ذلك قول عائشة رضي الله عنها : " كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، مخافة أن ُيفتن عليه" رواه البخاري ، وعنها أيضا : " ..وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج – أي : لبيعة العقبة - ، فضيّقوا على أصحابه وتعبّثوا بهم ، ونالوا منهم مالم يكونوا ينالون من الشتم والأذى ؛ فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستأذنوه في الهجرة " رواه ابن سعد في الطبقات .
وعلى الرغم من ذلك ، لم تقف قريش مكتوفة الأيدي ، بل قامت بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين ، واستباحت ديارهم وأموالهم ، وليس أدل على ذلك من تجريدهم لأموال صهيب الرومي رضي الله عنه .
حتى إذا تم استقرار المسلمين في المدينة واستتبّ لهم الأمر ، أذن الله تعالى لهم بالقتال لمن ظلمهم وبغى عليهم ، قال الله تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } ( الحج : 39 ) ، فأُعلنت الحرب على قُريش ورجالاتها منذ تلك اللحظة ، ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالا عديدة ، يأتي في مقدّمها ما يُسمى بلغة عصرنا : " الحرب الاقتصادية " ، فلهذا كان المسلمون يتعرّضون لقوافل قريش ، ويقطعون طريقها .
يقول اللواء محمد جمال الدين محفوظ : " والضغط الاقتصادي من الأساليب التي لها آثار استراتيجية في الصراع ، وبدراسة الأعمال العسكرية التي تمت خلال العامين الأول والثاني للهجرة إلى ما قبل غزوة بدر ، يتّضح أن هدفها الغالب هو التعرّض لقافلة قريش على طريق تجارتها من مكة إلى الشام ، مما شكّل ضغطاً اقتصادياً على قريش التي أدركت أن هذا الطريق أصبح محفوفاً بالمخاطر ، وخاصةً بعد أن عقد الرسول صلّى الله عليه وسلّم الاتفاقات والمعاهدات مع القبائل العربية ، وأبلغ تعبير عن آثار هذا الضغط الاقتصادي قول صفوان بن أميّة لقومه : إن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل ، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه ، فما ندري أين نسلك ؟ ، وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا ، لم يكن لها من بقاء ، وإنما حياتنا بمكة على تجارة الشام في الصيف ، وإلى الحبشة في الشتاء " أ.هـ.
ويؤكّد ما سبق ، ما رواه الإمام الطبراني في معجمه أن أبا جهل قال في معرض كلامه عن سريّة سيف البحر : " يا معشر قريش ، إن محمداً قد نزل يثرب وأرسل طلائعه ، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ، فاحذروا أن تمرّوا طريقه وأن تقاربوه ، فإنه كالأسد الضاري ، إنه حنق عليكم " ، وهكذا أعادت قريش النظر في صراعها مع المسلمين بعد تلك الضربات الموجعة .
ولم تكن تلك الضربات هي المعتمد الإقتصادي لدى المسلمين ، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنشاء سوق منافسة لسوق اليهود في المدينة ، وسرعان ما ازدهرت تلك الحركة التجارية لتصبح مورداً قوياً لتلك الدولة الناشئة .
ثم لو كان المقصود من هذه الغارات الطمع في التوسّع المادي المجرد من القيم الأخلاقية ، لما روى لنا التاريخ في صدره الأول أمثلةً راقيةً لذلك الجيل ، تبيّن لنا ما وصلوا إليه من زهدٍ في الدنيا ، وتقلّلٍ من متاعها ، ولما وجدت في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلّم ذمّا لها أو تحذيرا من الافتتان ببهرجها وزخارفها.
ولما تضافرت النصوص النبوية نهياً عن كل مظاهر الإسراف والترف ، أو بياناً لعواقب المتكبّرين والمختالين ، أو ترغيباً بالجود والعطاء ، والكرم والسخاء ، والإيثار بكل صوره .
ثم إن المسلمين قد تحقّق لهم توسعٌ أكبر في دولتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وصار لها ثقل اقتصادي ضخم ، وموارد مالية عديدة ، فما زادهم إلا زهداً في الدنيا وما فيها ، وغدا الجميع كأسرةٍ واحدة ، يحنو بعضهم على بعض ، ويغيث الأخ أخاه ، ويتعاهده في حضرته وغيبته .
ولم تقتصر هذه المظاهر الإنسانية على أبناء ملتهم فحسب ، بل امتدّت لتشمل الآخرين من معتنقي الملل الأخرى ، وشواهد التاريخ أعظم دليلٍ على ذلك .(10/307)
فخلاصة الأمر : أن التعرض لقوافل قريشٍ كان نوعاً من الحرب الاقتصادية عليها ، وكسراً لشوكتها ، وما ذلك إلا رغبةً في رد حقوق المسلمين المسلوبة وأموالهم المنهوبة ، وبهذا يتقرّر لنا أن هذه الشبهة المثارة ليس لها رصيد من الحقيقة ، ولا تجرّد من قائليها ، بل هي انحرافٌ ظاهرٌ في تقييم الأمور وتوصيف الأحداث .
عن الشبكة الاسلامية
===================
الرد على التشكيك بالتداوي بالحبَّةَ السوداء التي هي شِفاءٌ مِن كل داء
الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ عدة أيام تهكم أحد الحاقدين على الإسلام في أحد منتديات الحوارعلى حديث النبي الذي يقول فيه [ إن الحبةَ السوداءَ شفاءٌ مِن كل داءٍ إلا مِن السامِ" قلت: وما السامُ؟ قال: الموت". ] . وأخذ هذا الحاقد يتقول على المسلمين ما لم يقولوه ، وأخذ يعدد الأمراض مستهزأً مستفسراً هل تنفع حبة البركة مع السرطان ، السكري ، الكبد الوبائي .... ؟
وحتى أختصر الموضوع ، فهذا أحد علماء المسلمين يرد على مثل هذا التشكيك وهذه الإفتراءات ، ويبين فهم المسلمين لهذا الحديث النبوي الشريف بناء على قواعد الفقه واللغة .
الموضوع :
س :
ظهرتْ في هذه الأيام مَقولة تُفيدُ أن الحبَّةَ السوداء شِفاءٌ مِن كل داء، ونُسبت هذه المقولة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل: إنها في صحيح البخاريِّ. وزعم كثيرٌ من الناس أن هذه الحبة السوداء هي حبَّة البَرَكة، وأنها تَحتوي على أدوية كثيرة تُفيد في علاج أمراض كثيرة لا تَكاد تَنحصر، حتى قيل: إنها علاجٌ لكل مرض إلا السامُ، وهو الموت. وأنا على حدِّ علمي أفهمُ أن الحبة السوداء ـ أو حبة البركة كما يقولون ـ مُفيدة في بعض الأمراض دون بعض، وهذا ما دَرسناه في بعض كتب الطب القديم، فعلى أيِّ وجهٍ يُحمَل هذا الحديث لو كان صحيحًا؟ وماذا نقول لهؤلاء الذين يُروِّجونَ لهذا النوع من الحبوب من أجل أن يَحصلوا على أرباح طائلةٍ مِن وراء ذلك؟
ج :
الدكتور محمد بكر اسماعيل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
فنقول للسائل إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (شفاء من كل داء )ليس معناه كل ألأمراض لأن كل في اللغة لا تفيد مطلق العموم وإنما معنى هذا أنها شفاء لكل الأمراض التي تقبل الشفاء بها وتفصيل القول في هذه المسألة يذكره لك فضيلة الشيخ الدكتور محمد بكر إسماعيل أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر يقول :
رَوى البخاريُّ في صحيحه عن خالد بن سعد قال: خرجنا ومعنا غالبُ بن أبجَرَ، فمرِض في الطريق، فقَدِمنا المدينةَ وهو مريضٌ، فعاده ابن أبي عَتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحُبَيْبَة السويداء، فخُذوا منها خمسًا أو سبعًا، فاسحقُوها، ثم اقْطُرُوها في أنفِهِ بقَطراتِ زيتٍ في هذا الجانب وهذا الجانب، فإن عائشةَ رضي الله عنها حدَّثتْني أنها سمعتِ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن الحبةَ السوداءَ شفاءٌ مِن كل داءٍ إلا مِن السامِ" قلت: وما السامُ؟ قال: الموت".
وفي رواية أخرى للبخاريِّ عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "في الحبة السوداءِ شفاءٌ مِن كل داء إلا السام
والحبة السوداء يُسميها بعض العلماء بالكَمُّونِ الأسود أو الكمُّون الهنديِّ كما ذكر ابن حجر في شرح هذَينِ الحديثَينِ.
وقد رأيت في المعجم الوسيط أنها حبة البرَكة، وتُسمَّى بالحبة المُبارَكة، وتُسمى في بعض البلاد بالشُّونِيزِ، وزَيتها يُسمَّى زيت حبة البركة، وهذا ما أقرَّه مَجمع اللغة
ولا يَنبغي أن يُؤخذ قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاء مِن كل داء" على عُمومه؛ فإنه مِن قَبيل العامِّ المَخصوص، كما يقول علماء الحديث والأصول والطب. والمعنى: هي شفاء من كل داء يَقبل العلاج بها. فهي كما قال ابن حجر: "إنما تَنفع في الأمراضِ الباردة" وهي أمراض يَعرفها الأطباء ويُشخِّصونها.
وهي تُستخدم وحدها أحيانًا، وتُستخدم مَخلوطة بالعسل وغيره أحيانًا. ولها فوائدُ كثيرةٌ ذكَرها داود الإنطاكيُّ في كتاب "التذكرة" ذكرها في "الشونيز" وهو ما يُسمَّى بالحبة السوداء.
واعلمْ يا أخي أن العُموم لا يَبقَى على عُمومه دائمًا، بل يُخصَّص في كثير من الأحكام والأخبار بحسب القرائن والأحوال.(10/308)
واعلمْ أن الأدواء عند العرب كانت مَحدودة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحبة السوداء شفاء من كل داء" أي مِن أكثر الأدواء المَعروفة عندهم. ولفْظُ "كل" لا يُفيد العموم المُطلق كما يَتوهَّم كثيرٌ من الناس، فقد جاء في القرآن الكريم عن الريح التي أرسَلها الله على قوم عاد أنها دمَّرت كلَّ شيء مع أنها لم تُدمِّر إلا الناس، اقرأْ قوله تعالى في سورة الأحقاف: (تُدَمِّرُ كلَّ شيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَساكنُهمْ) ومعنى هذا أنها لم تُدمر المساكن ولكنها دمَّرت الأشخاص، بدليل قوله في آيةٍ أخرى من سورة القمر: (تَنْزِعُ الناسَ كأنَّهمْ أعجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) وقوله تعالى في سورة الحاقَّة: (سَخَّرَهَا عليهمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانيةَ أيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فيهَا صَرْعَى كأنَّهمْ أعجازُ نَخْلٍ خَاوِيةٍ).
وجاء عن بَلْقِيسَ أنها أُوتِيَتْ مِن كلِّ شيءٍ، أيْ أُوتِيَتْ مِن كلِّ ما تَحتاجُ إليهِ، قال تعالى في سورة النمل: (إنِّي وَجَدْتُ امرأةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كلِّ شيءٍ ولهَا عَرْشٌ عَظيمٌ).
وأنت تقول لصَديقك: الحمد لله أنا عندي كل شيء. فهل تَعني أن عندَك كل موجودٍ في الوجود؟ أم تعني أنك تملك الكثير ممَّا تَحتاج إليه وتَحمَد الله عليه راضيًا به؟
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا السام" فليس مِن باب الاستثناء المُتَّصِل؛ لأن السام ليس داءً، بل هو قطعٌ للأجل وإنهاء الحياة، ولكنه مِن باب الاستثناء المُنقطع، فهو بمعنى (لكن) كأنه قال: لكن الموت ليس له شفاءٌ، بيانًا لقوله تعالى: (فإذَا جاءَ أجَلُهمْ لا يَستأخِرُونَ ساعةً ولا يَسْتقْدِمُونَ).
والاستثناء المتصل هو أن يكون ما بعد حرفِ الاستثناء من جِنْسِ المُستثنَى منه، مثل قولك: نجح التلاميذُ إلا تلميذًا.
والاستثناء المُنقطع هو أن يكون المُستثنى من غير جنْس المُستثنى منه، مثل قولك: أقبلَ الناس إلا جمَلًا. فالجمل ليس من جنْس الناس، وعلى ذلك يكون المعنى: أقبل الناس، لكنّ جملاً لم يُقبل.
وقد ظهَر لنا من هذا البيان أن الحبَّة السوداء ليستْ شفاءً لكل داء على وجْه العموم، ولكنه من باب العموم المخصوص بقرينة الواقع المُشاهَد في عالم الطبِّ، والواقع خيرُ دليلٍ على التخصيص، ولفْظُ (كلّ) لا يُفيد العموم المُطلَق كما عرفنا، ولكنه يُفيد الأكثريَّة، بخلاف لفظ (جميع) فإنه يُفيد العموم المُطلَق غالبًا إذا لم يَرِدْ ما يُخصِّصه؛ ولهذا أكَّد اللهُ سُجود الملائكة لآدم بلفظ "أجمعون" بعد لفظ "كلّ" فقال: (فسَجَدَ الملائِكةُ كلُّهمْ أَجْمَعُونَ) فلو كان لفظ (كلّ) يُفيد العُموم المُطلق بنفسه ما كان هناك داعٍ للمُؤكِّد الآخر.
والله أعلم
المصدر :
http://www.islamonline.net/fatwaappl...hFatwaID=34337
===================
ما صحة حديث رأيت امرأة معلّقة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال :
ما صحة الحديث التالي:(10/309)
عن علي بن أبي طالب قال: دخلت أنا و فاطمة عى رسول الله صلى الله عليه سلم فوجدته يبكي بكاء شديدا فقلت: فداك أبي و أمي يا رسول الله ما الذي ابكاك فقال صلى الله عليه و سلم يا علي: ليلة اسري بي الى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد و اذكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها و رأيت امرأة معلقة بلسانها و الحميم يصب في حلقها و رأيت امرأة معلقة بثديها و رأيت امرأة تأكل لحم جسدها و النار توقد من تحتها و رأيت امرأة قد شد رجلاها الى يدها و قد سلط عليها الحيات والعقارب و رأيت امرأة عمياء في تابوت من النار يخرج دماغ رأسها من فخذيها و بدنها يتقطع من الجذاع و البرص و رأيت امرأة معلقة برجليها في النار و رأيت امرأة تقطع لحم جسدها في مقدمها و موخرها بمقارض من نار و رأيت امرأة تحرق وجهها و يدها و هي تأكل أمعائها و رأيت امرأة رأسها رأس خنزير و بدنها بدن حمار و عليها ألف ألف لون من بدنها و رأيت امرأة على صورة الكلب و النار تدخل من دبرها و تخرج من فمها و الملائكة يضربون على رأسها و بدنها بمقاطع من النار فقالت فاطمة: حسبي و قرة عيني اخبرني ما كان عملهن و سيرهن حتى و ضع الله عليه هذا العذاب فقال صلى الله عليه و سلم: يا بنيتي أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال أما المعلقة بلسانها كانت تؤذي زوجها أما المعلقة بثديها فإنها كانت تمتنع عن فراش زوجها أما المعلقة برجلها فانها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها أما التي تأكل لحم جسها فإنها كانت تزين بدنها للناس أما التي شد رجلاها إلى يدها و سلط عليها الحيات و العقارب فإنها كانت قليلة الوضوء قذرة اللعاب و كانت لا تغتسل من الجنابة و الحيض و لا تنظف و كانت تستهين بالصلاة أما العمياء و الصماء و الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه بأعنق زوجها أما التي كانت تقرض لحمها بالمقارض فإنها كانت قوّادة أما التي رأسها رأس خنزير و بدنها بدن حمار فإنها كانت نمّامة كذابة أما التي على صورة الكلب و النار تدخل من دبرها و تخرج من فمها فإنها كانت معلية نواحة ثم قال صلى الله عليه و سلم: و يل لامرأة أغضبت زوجها و طوبى لامرأة رضى عنها زوجها ...
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
الجواب
الحديث لا يصح؛ لا يصح إسناده والله أعلم
المفتي: حامد بن عبد الله العلي
===================
شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله بتعرض الشيطان له والجواب عنها
زعم أعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة أن رسول الله عليه الصلاه والسلام غير معصوم من الشيطان، واستدلوا على ذلك بآيات ورد فيها مخاطبة النبى عليه الصلاه والسلام بتعرض الشيطان له بالوسوسة، وتسببه فى سهوه، نحو قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم وقوله عز وجل : وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وقوله سبحانه : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : التعلق بظاهر الآيات السابقة على عدم عصمة رسول الله من الشيطان لا حجة فيه لهم، إذ لم يسلط الشيطان على رسول الله ، وعلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بأكثر من التعرض لهم، دون أن يكون له قدرة على إلحاق أى ضرر يضر بالدين
وعصمة سيدنا رسول الله من كيد إبليس وجنوده هو وسائر الأنبياء، ثابتة لهم بكتاب الله عز وجل، فهم على رأس عباد الله المخلصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم لقوله : إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً وقد تقدم تفصيل عصمته عليه الصلاه والسلام من الشيطان الرجيم فى قلبه وعقيدته وخلقه منذ الصغر بنزع العلقة السوداء – حظ الشيطان - من قلبه وعلى هذا إجماع الأمة، كما قال القاضى عياض : "واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبى من الشيطان وكفايته منه، لا فى جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس"
وهو بذلك يبين حقيقة العصمة من الشيطان، وأنها لا تتعارض مع تعرض الشيطان لخاطره بالوساوس
واستدل القاضى على ذلك بحديث ابن مسعود مرفوعاً : "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال : وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم. فلا يأمرنى إلا بخير"(10/310)
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بتصدى الشياطين له فى غير موطن رغبة فى إطفاء نوره، وإماتة نفسه الشريفة، وإدخال شغل عليه، إذ يئسو من إغوائه فانقلبوا خاسرين، كتعرضه له فى صلاته فأخذه النبى عليه الصلاه والسلام وأسره وقد سبق ذكر نماذج من هذه الأحاديث التى تتفق فى ظاهرها مع الآيات التى استدل بها خصوم السيرة العطرة على عدم عصمته عليه الصلاه والسلام من الشيطان، دون أن يفهموا حقيقة ظاهر هذه الآيات، وهو : أن المراد بقوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم أى يتعرض لك الشيطان بأدنى وسوسة – إذ النزغ أدنى الوسوسة، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، يكفى أمرك، ويكون سبب تمام عصمتك ، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه وهو ما أكدته الأحاديث المشار إليه
ثانياً : ما يتوهم من قدرة الشيطان على النبى عليه الصلاه والسلام حيث أسند النسيان بسبب الشيطان إلى ضمير خطابه فى قوله تعالى : وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين
فليس فى الآية دليل على تسلط الشيطان على النبى ، لأن فعل الشيطان فى هذا النسيان، لا يعدو أكثر من شغل خاطره وتذكيره أكثر فأكثر بحرصه على إسلام قومه، مع شدة كفرهم وعنادهم، وطعنهم فى آيات الله عز وجل، فيكون شغله وتذكيره بهذا الحرص، سبباً فى نسيان الإعراض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غير حديث القرآن الكريم، وهذا ما يقتضيه سياق الآية الكريمة : وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخضوا فى حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين كما أن هذا المعنى هو ما يقتضيه واقع حال النبى فى دعوته
والنسيان فى هذه الحالة لا طلب عليه فى الشرع، ولا ذم بالإجماع، كما أنه لا يتعارض مع عصمته
فالسهو والنسيان من الأنبياء فى الأفعال البلاغية، والأحكام الشرعية جائز فى حقهم، وهو ظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهو مذهب جمهور العلماء من الفقهاء والمتكلمين
وفرقوا بين ذلك، وبين السهو فى الأقوال البلاغية : فأجمعوا على منعه، كما أجمعوا على امتناع تعمده، لقيام المعجزة على الصدق فى القول، ومخالفة ذلك تناقضه
أما السهو فى الأفعال البلاغية، فغير مناقض لها ولا قادح فى النبوة، بل غلطات الفعل، وغفلات القلب من سمات البشر، كما قال : "إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكرونى" وحالة النسيان والسهو هنا – فى الأفعال البلاغية – فى حقه سبب إفادة علم، وتقرير شرع، كما قال : "إنى لأَنسْىَ، أو أُنسَىَ لأَسُن" أى : إنما أدفع إلى النسيان لسوق الناس بالهداية إلى طريق مستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان
وهذه الحالة زيادة له فى التبليغ، وتمام عليه فى النعمة، بعيدة عن سمات النقص، وأغراض الطعن، فإن القائلين بتجويز ذلك يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو والغلط، بل ينبهون عليه، ويعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم وهو الصحيح، وقبل انقراضهم على قول الآخرين
وأما ما ليس طريقه البلاغ، ولا بيان الأحكام من أفعاله ، وما يختص به من أمور دينه، وأذكار قلبه مما لم يفعله ليتبع فيه. فالأكثر من طبقات علماء الأمة على جواز السهو والغلط عليه فيها، ولحوق الفترات، والغفلات بقلبه، وذلك مما كلفه من مقاساة الخلق، وسياسات الأمة، ومعاناة الأهل، وملاحظة الأعداء، ولكن ليس على سبيل التكرار، ولا الاتصال، بل على سبيل الندور كما قال : "إنه ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله، فى اليوم مائة مرة" وفى رواية : "فى اليوم أكثر من سبعين مرة"
"والغين" بالغين المعجمة الغيم، والمراد هنا ما يتغشى القلب من السهو الذى لا يخلوا منه البشر وذكر العلماء عدة أقوال فى المراد بالحديث منها ما يلى :
1- قال القاضى عياض : المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذى كان شأنه الدوام عليه، فإذا افتر عنه أو غفل عد ذلك ذنباً، واستغفر منه
2- أن الغين همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم، وسببه اشتغاله بالنظر فى مصالح أمته وأمورهم، ومحاربة العدو ومداراته، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه، فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته. وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهى نزول عن عالى درجته، ورفيع مقامه من حضوره مع الله تعالى ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك
3- أن الغين هو السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى : ثم أنزل الله سكينته على رسوله ويكون استغفاره إظهاراً للعبودية والافتقار، وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه
4- أن الغين حاله خشية وإعظام، والاستغفار شكرها، ومن ثمَّ قيل : خوف الأنبياء والملائكة خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى(10/311)
5- أن الغين ليست حالة نقص فى حاله ، بل هو كمال أو تتمة كمال ومثال ذلك : بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلاً، فإنه يمنع العين من الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفى الحقيقة هو كمال. فهكذا بصيرة النبى عليه الصلاه والسلام متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها، ووقاية عن ذلك
قلت : والأقوال السابقة معناها محتمل، وجائزة فى حقه ، ولا تناقض عصمته. أهـ. والله أعلم
وأما قوله حين نام عن الصلاة يوم الوادى لما عاد من خيبر أو من الحديبية و بطريق تبوك روايات : "فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وفى رواية قال : "إن هذا واد به شيطان"
فهذا الحديث ليس فيه ذكر لتسلط الشيطان عليه ، ولا وسوسته له، ولا يصح الطعن فى عصمة النبى بمقتضى ظاهر هذا الحديث، لأنه بين على من تسلط الشيطان بقوله : "إن الشيطان أتى بلالاً، وهو قائم يصلى، فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبى حتى نام" ، فظهر من ذلك أن تسلط الشيطان فى ذلك الوادى، إنما كان على بلال الموكل بمراقبة طلوع الفجر ليوقظهم، كما جاء فى حديث أبى هريرة السابق، أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر، سار ليلة، حتى إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال : "اكل لنا الليل" فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله وأصحابه. فلما تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته مواجهة الفجر، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته. فلم يستيقظ رسول الله ، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه، حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله أولهم استيقاظاً"
فإن قيل : كيف نام النبى عليه الصلاه والسلام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع قوله : "إن عينى تنامان، ولا ينام قلبى" فجوابه من وجهين :
1- أصحهما وأشهرهما : أنه لا منافاة بينهما، لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة، وإن كان القلب يقظان
2- أنه كان له حالان : أحدهما ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع. والثانى : لا ينام، وهذا هو الغالب من أحواله. وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول
وقريب من الأول، من قال : إن القلب قد يحصل له السهو فى اليقظة لمصلحة التشريع، ففى النوم بطريق الأولى، أو على السواء ويؤيد ذلك ما جاء فى رواية أبى قتادة رضى الله عنه قال : "فجعل بعضنا يهمس إلى بعض! ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا فى صلاتنا؟ ثم قال : أما لكم فِىَّ أُسوَةٌ؟ ثم قال : أما إنه ليس فى النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة، حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلها حتى ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها"
والكلام فيما سبق من ظاهر تسلط الشيطان على بلال، موجه إلى أن جملة : "إن هذا وادٍ به شيطان" تنبيهاً على سبب النوم عن الصلاة، وهو تنويم الموكل بحراسة الوقت
أما إن جعلنا جملة : "إن هذا واد به شيطان" تنبيهاً عن سبب الرحيل عن الوادى، وعلة لترك الصلاة به، على ما جاء فى رواية مالك فى الموط فلا اعتراض بهذا الحديث على عدم عصمة رسول الله من الشيطان أه
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
===================
الرد على من قال بعدم ظهور المعجزات على يد الرسول عليه السلام
رحمة الله الهندي
الشيخ رحمة الله الهندي علي شبهات حول الآيات التالية
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ الأنعام 57 )
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ( الأنعام 109 )
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ( الإسراء 90 )
(المطعن الثاني) من شروط النبوة ظهور المعجزات على يد من يدعيها وما ظهرت معجزة على يد محمد صلى اللّه عليه وسلم. كما يدل عليه ما وقع في سورة الأنعام: { ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا للّه يقص الحق، وهو خير الفاصلين }. وكذا ما وقع في تلك السورة: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند اللّه، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون). وكذا ما وقع في سورة بني إسرائيل: { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، أو تأتي باللّه، والملائكة قبيلاً، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً}. وكذا بعض الآيات الأخر.
(والجواب) أن الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل تغليطات.(10/312)
أما الأول: فلأن صدور المعجزة ليس من شروط النبوة على حكم هذا الإنجيل المتعارف، فعدم صدورها لا يدل على عدم النبوة.. في الآية الحادية والأربعين من الباب العاشر من إنجيل يوحنا هكذا: (فأتى إليه كثيرون، وقالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة).. وفي الآية السابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا: (يوحنا عند الجميع نبي).. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1835 (كلهم يحسبون يحيى نبياً). وقد وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام في حقه: (إنه أفضل من نبي). فهذا الأفضل من الأنبياء لم تصدر عنه معجزة من المعجزات على شهادة كثيرين مع أن نبوته مسلمة عند المسيحيين.
وأما الأمر الثاني: فغلط بحت كما عرفت في الفصل الأول.
والأمر الثالث: إما غلط منهم أو تغليط. لأن المراد بما في قوله تعالى ما تستعجلون به الواقع في الآية الأولى، العذاب الذي استعجلوه بقولهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم}، ومعنى الآية {ما عندي ما تستعجلون به} أي العذاب الذي تستعجلون به {إن الحكم إلا للّه} في تعجيل العذاب، وتأخيره {يقص الحق} أي يقضي القضاء الحق من تعجيل وتأخير، {وهو خير الفاصلين} أي القاضين. فحاصل الآية أن العذاب ينزل عليكم في الوقت الذي أراد اللّه إنزاله، ولا قدرة لي على تقدمه، أو تأخيره. وقد نزل عليهم يوم بدر وما بعده فلا تدل هذه الآية على أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم لم تصدر عنه معجزة.
وأما الآية الثانية فمعناها {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} مصدر في موضع الحال {لئن جاءتهم آية} من مقترحاتهم {ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند اللّه} هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء {وما يشعركم} استفهام إنكار {أنها} أي الآية المقترحة {إذا جاءت لا يؤمنون} أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون بها، وهذا القول يدل على أنه تعالى إنما لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون.
وأما الآية الثالثة فمعناها {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض} أي أرض مكة {ينبوعاً} أي عيناً غزيرة لا ينضب ماؤها {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً} يعنون قوله تعالى: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء}، {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} أي شاهداً على صحة ما تدعيه ضامناً لدركه {أو يكون لك بيت من زخرف} أي من ذهب {أو ترقى في السماء} أي في معارجها {ولن نؤمن لرقيك} وحده {حتى تنزل علينا كتاباً} من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس: قال عبد اللّه بن أبي أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول {نقرؤه قل سبحان ربي} تعجباً من اقتراحاتهم {هل كنت إلا بشراً رسولاً} كسائر الرسل. وما كان مقصودهم بهذه الاقتراحات إلا العناد، واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا هذا سحر. كما قال اللّه عز وجل: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس}، {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء}، وكذا حال بعض آيات أخر، يفهم منه في الظاهر نفي إظهار الآية، لكن المقصود به نفي المعجزة المقترحة، ولا يلزم من هذا النفي، نفي المعجزات مطلقاً، ولا يلزم على الأنبياء أن يظهروا معجزة كلما طلبها المنكرون، بل هم لا يظهرون إذا طلب المنكرون عناداً أو امتحاناً أو استهزاء، وأورد لهذا الأمر شواهد من العهد الجديد:
(الأول) في الباب الثامن من إنجيل مرقس هكذا: 11 (فخرج الفريسيون وابتدؤوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه) 12 (فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية الحق، أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية، فالفريسيون طلبوا معجزة من عيسى عليه السلام على سبيل الامتحان، فما أظهر معجزة، ولا أحال في ذلك الوقت إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل، ولا وعد بإظهارها فيما بعد أيضاً، بل قوله لن يعطى هذا الجيل آية، يدل على أن المعجزة لا تصدر عنه فيما بعد هذا البتة، لأن لفظ الجيل يشمل الجميع الذين كانوا في زمانه.
(الثاني) في الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: 8 (وأما هيردوس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة، وترجى أن يرى آية تصنع منه) 9 (وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء) 10 (ووقف رؤوساء الكهنة، والكتبة يشتكون عليه باشتداده) 11 (فاحتقره هيردوس مع عسكره واستهزأ به، وألبسه لباساً لامعاً ورده إلى بيلاطس) فعيسى عليه السلام ما أظهر معجزة في ذلك الوقت، وقد كان هيردوس يترجى أن يرى منه آية، والأغلب أنه لو رأى لألزم اليهود على اشتكائهم ولما احتقر مع عسكره ولما استهزأ.(10/313)
(الثالث) في الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: 63 (والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزؤون به وهم يجلدونه) 64 (وغطوه، وكانوا يضربون وجهه، ويسألونه قائلين تنبأ من هو الذي ضربك، وأشياء أخر كثيرة، كانوا يقولون عليه مجدفين). ولما كان سؤالهم استهزاء وتوهيناً، ما أجابهم عيسى عليه السلام.
(الرابع) في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 39 (وكان المجتازون يجدفون عليه، وهم يهزؤن رؤوسهم) 40 (قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلص نفسك إن كنت ابن اللّه فانزل الآن عن الصليب) 41 (وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزؤون مع الكتبة والشيوخ قالوا خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به) 43 (قد اتكل على اللّه فلينقذه الآن إن أراده لأنه قال أنا ابن اللّه) 44 (وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه ليعيرانه) فما خلص نفسه عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما نزل عن الصليب وإن عيره المجتازون، ورؤساء الكهنة، والكتبة، والشيوخ، واللصان. ورؤساء الكهنة، والكتبة، والشيوخ كانوا يقولون إنه إن نزل عن الصليب نؤمن به، فكان عليه لدفع العار، ولإلزام الحجة أن ينزل مرة عن الصليب ثم يصعد.. ولكنهم لما كان مقصودهم العناد، والاستهزاء، ما أجابهم عيسى عليه السلام.
(الخامس) في الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: 38 (حينئذ أجاب قوم من الكتبة، والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية) 39 (فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي) 40 (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام، وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام، وثلاث ليال) فطلب الكتبة والفريسيون معجزة، فما أظهرها عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما أحالهم إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل هذا السؤال، بل سبهم وأطلق عليهم لفظ الفاسق والشرير، ووعد بالمعجزة التي لم تصدر عنه، لأن قوله كما كان يونان في بطن الحوت الخ، غلط بلا شبهة كما علمت في الفصل الثالث من الباب الأول وإن قطعنا النظر عن كونه غلطاً فمطلق قيامه لم ير الكتبة، والفريسيون بأعينهم، ولو قام عيسى عليه السلام من الأموات، كان عليه أن يظهر نفسه على هؤلاء المنكرين الطالبين آية ليصير حجة عليهم، ووفاء بالوعد. وهو ما أظهر نفسه عليهم، ولا على اليهود الآخرين، ولو مرة واحدة، ولذلك لا يعتقدون هذا القيام، بل هم يقولون من ذاك العهد إلى هذا الحين، أن تلاميذه سرقوا جثته من القبر ليلاً.
(السادس) في الباب الرابع من إنجيل متى هكذا: (فتقدم إليه المجرب، وقال له إن كنت ابن اللّه فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً) 4 (فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم اللّه) 5 (ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل) 6 (وقال له إن كنت ابن اللّه فاطرح نفسك إلى الأسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لا تصدم بحجر رجلك) 7 (قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك). فطلب إبليس على سبيل الامتحان من عيسى عليه السلام معجزتين، فما أجاب بواحدة منهما، واعترف في المرة الثانية أنه لا يليق بالمربوب أن يجرب ربه، بل مقتضى العبودية مراعاة الأدب وعدم التجربة.
(السابع) في الباب السادس من إنجيل يوحنا هكذا: 29 (أجاب يسوع وقال لهم هذا هو عمل اللّه لن تؤمنوا بالذي هو أرسله) 30 (فقالوا له: فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك) 31 (ماذا تعمل آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا). فاليهود طلبوا معجزة فما أظهرها عيسى عليه السلام، ولا أحال إلى معجزة فعلها قبل هذا السؤال، بل تكلم بكلام مجمل، لم يفهمه أكثر السامعين بل ارتد كثير من تلاميذه بسببه. كما هو مصرح به في الآية السادسة والستين من الباب المذكور وهي في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (ومن هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1835: (ومن ثم ارتد كثير من تلاميذه على أعقابهم ولم يماشوه بعد ذلك أبداً).(10/314)
(الثامن) في الباب الأول من الرسالة إلى أهل قورنيثوس هكذا: 22 (فإن اليهود يسألون معجزة واليونانيون يطلبون حكمة) 23 (ونحن نكرز بالمسيح المصلوب وذلك معثرة لليهود وحماقة لليونانيين). فاليهود كما كانوا يطلبون المعجزة من المسيح عليه السلام كانوا يطلبونها من الحواريين أيضاً، وأقر مقدسهم بولس بأنهم يطلبون المعجزة ونحن نكرز بالمسيح المصلوب. فظهر من هذه العبارات المنقولة أن عيسى عليه السلام والحواريين ما أظهروا معجزة بين أيدي الطالبين في الأوقات التي طلبوا المعجزات فيها، ولا أحالوا المنكرين إلى معجزة فعلوها قبل هذه الأوقات، فلو استدل أحد بالآيات المذكورة على أن عيسى عليه السلام والحواريين، ما كان لهم قدرة على إظهار أمر خارق للعادات، وإلا لصدر عنهم في الأوقات المذكورة وأحالوا المنكرين إلى أمر خارق صدر عنهم قبل هذه الأوقات. فلما لم يظهر منهم أحد الأمرين ثبت أنهم ما كان لهم قدرة على إظهاره، يكون هذا الاستدلال عند القديسين محمولاً على الاعتساف ويكون قوله خلاف الإنصاف، فكذا قول القسيسين عندنا بالتمسك ببعض الآيات القرآنية التي عرفت حالها خلاف الإنصاف وعين الاعتساف، كيف لا وأن المعجزات المحمدية مصرح بها في القرآن والأحاديث الصحيحة، كما عرفت في الفصل الأول وجاء ذكرها إجمالاً أيضاً في مواضع متعددة من القرآن:
1- في سورة الصافات: {وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين).. في الكشاف {وإذا رأوا آية} من آيات اللّه البينة كانشقاق القمر ونحوه {يستسخرون} يبالغون في السخرية أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.. وفي التفسير الكبير: (والرابع من الأمور التي حكاها اللّه تعالى عنهم أنهم قالوا إن هذا إلا سحر مبين، يعني أنهم إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها، والسبب في تلك السخرية اعتقادهم أنها من باب السحر، وقوله مبين: معناه أن كونه سحراً أمر بين لا شبهة لأحد فيه) انتهى كلامه.. وفي البيضاوي: {وإذا رأوا آية} تدل على صدق القائل {يستسخرون} يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها {وقالوا إن هذا} يعنون ما يرونه {إلا سحر مبين} ظاهر سحريته انتهى.. وفي الجلالين {وإذا رأوا آية} كانشقاق القمر {يستسخرون} يستهزؤون بها {وقالوا} فيها {إن} ما {هذا إلا سحر مبين} بين. انتهى، ومثله في الحسيني.
2- وفي سورة القمر: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} وقد عرفتها في الفصل الأول.
3- وفي سورة آل عمران: {كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات}.. في الكشاف في تفسير قوله (البينات) الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوّة. انتهى كلامه، ولفظ البينات إذا كان موصوفه مقدراً فيستعمل في القرآن غالباً بمعنى المعجزات، واستعماله في غيرها في تلك الصورة قليل جداً فلا يحمل على المعنى القليل، بدون القرينة القوية في سورة البقرة: {وآتينا عيسى بن مريم البينات}، وفي سورة النساء: {ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات}، وفي سورة المائدة: {إذ جئتهم بالبينات}، وفي سورة الأعراف: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} وفي سورة يونس: {وجاءتهم رسلهم بالبينات}، ثم في تلك السورة: {فجاؤوهم بالبينات}، وفي سورة النحل: {بالبينات والزبر}، وفي سورة طه: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات}، وفي سورة المؤمن: {وقد جاءكم بالبينات من ربكم}، وفي سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات}، وفي سورة التغابن: {ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} وكذا في غير هذه المواضع.
4- في سورة الأنعام: {ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون}.. في البيضاوي: {ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذباً} كقولهم الملائكة بنات اللّه وهؤلاء شفعاؤنا عند اللّه {أو كذب بآياته} كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحراً، وإنما ذكر أو وهم جمعوا بين الأمرين تنبيهاً على أن كلاً منها وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس انتهى.
.. وفي الكشاف جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على اللّه وكذبوا بما ثبت بالحجة والبينة والبرهان الصحيح، حيث قالوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا اللّه أمرنا بها وقالوا الملائكة بنات اللّه وهؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا بالقرآن والمعجزات، وسموها سحراً ولم يؤمنوا بالرسول، انتهى.
.. وفي التفسير الكبير والنوع الثاني من خسارتهم تكذيبهم بآيات اللّه والمراد منه قدحهم في معجزات النبي صلى اللّه عليه وسلم وطعنهم فيها، وإنكارهم كون القرآن معجزة باهرة بينة، انتهى.
.. وفي تلك السورة أيضاً: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار عند اللّه وعذاب شديد بما كانوا يمكرون}.(10/315)
..وفي التفسير الكبير في تفسير قوله: {وإذا جاءتهم} أنهم متى ظهرت لهم معجزة باهرة. انتهى.
والبابا الكزندر كان يعتقد أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم صاحب الإلهام، وإن لم يكن ذلك الإلهام عنده واجب التسليم، وقع في المجلد الخامس من كتابه المسمى بدنيد هي هذه الفقرة (يا محمد إن الحمامة عند أذنك) ونقلت هذه الفقرة عن المجلد المطبوع سنة 1897 وسنة 1806 في لندن، لكنها في النسخة الأولى في الصفحة 267، وفي النسخة الثانية في الصفحة 303، ولعل البابا أسند إلهام محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى الحمامة، لأن الإلهام عند المسيحيين يكون بواسطة روح القدس، وقد نزل روح القدس على عيسى عليه السلام بعد ما فرغ من الاصطباغ على صورة الحمامة. كما هو مصرح به في الباب الثالث من إنجيل متى، فظن أن إلهام محمد صلى اللّه عليه وسلم يكون بواسطة الحمامة
===================
حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة
الازهر
حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة
هناك من لا يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ، ويقدمون الأدلة على ذلك بسورة [ عبس وتولى ] وكذلك عندما جامل الرسول صلى الله عليه وسلم ، زوجاته ، ونزلت الآية الكريمة التى تنهاه عن ذلك (انتهى).
الرد على الشبهة:
إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عصمة كل الرسل - عليهم السلام - يجب أن تفهم فى نطاق مكانة الرسول.. ومهمة الرسالة.. فالرسول: بشر يُوحَى إليه.. أى أنه - مع بشريته - له خصوصية الاتصال بالسماء ، بواسطة الوحى.. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه ، كى تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.
والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ، والدعوة إليها ، والجهاد فى سبيل إقامتها وتطبيقها.. وله على الناس طاعة هى جزء من طاعة الله - سبحانه وتعالى - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (1) (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (3) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (4) ولذلك كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة فى هذا البلاغ الإلهى الذى اختيروا ليقوموا به بين الناس.. وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذى يضفى الصدق على رسالته ، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله ، الذى يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهى.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون.
وفى التعبير عن إجماع الأمة على ضرورة العصمة للرسول فيما يبلغ عن الله ، يقول الإمام محمد عبده عن عصمة الرسل - كل الرسل -: ".. ومن لوازم ذلك بالضرورة: وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم ، وصحة عقولهم ، وصدقهم فى أقوالهم ، وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه ، وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة البشرية ، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة ، وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات ، وأن أرواحهم ممدودة من الجلال الإلهى بما لا يمكن معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية.. إن من حكمة الصانع الحكيم - الذى أقام الإنسان على قاعدة الإرشاد والتعليم - أن يجعل من مراتب الأنفس البشرية مرتبة يُعدُّ لها ، بمحض فضله ، بعض مَنْ يصطفيه من خلقه ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، يميزهم بالفطرة السليمة ، ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون معه للاستشراق بأنوار علمه ، والأمانة على مكنون سره ، مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه ، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته ، فيشرفون على الغيب بإذنه ، ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ، ويكونون فى مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين ، نهاية الشاهد وبداية الغائب ، فهم فى الدنيا كأنهم ليسو من أهلها ، هم وفد الآخرة فى لباس من ليس من سكانها.. أما فيما عدا ذلك - [ أى الاتصال بالسماء والتبليغ عنها ] - فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ، يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام ، ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة ، وينالهم الاضطهاد ، وقد يقتلون " (5).
فالعصمة - كالمعجزة - ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ، ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل - عليهم السلام -..(10/316)
وإذا كان الرسول - كبشر - يجوز على جسده ما يجوز على أجساد البشر.. وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الاجتهاد والشورى وإعمال العقل والفكر والاختيار بين البدائل فى مناطق وميادين الاجتهاد التى لم ينزل فيها وحى إلهى.. فإنه معصوم فى مناطق وميادين التبليغ عن الله - سبحانه وتعالى - لأنه لو جاز عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير الأولى فى مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى صلب الرسالة والوحى والبلاغ ، بل وإلى حكمة من اصطفاه وأرسله ليكون حُجة على الناس.. كذلك كانت العصمة صفة أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل - عليهم السلام -.. فالرسول فى هذا النطاق - نطاق التبليغ عن الله - (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى ) (6). وبلاغة ما هو بقول بشر ، ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله ، وبغير العصمة لا يتأتى له هذا المقام.
أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا وحى فيه ، والتى هى ثمرة لإعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية ، فلقد كانت تصادف الصواب والأولى ، كما كان يجوز عليها غير ذلك.. ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة ، رضوان الله عليهم فى كثير من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه - قبل الإدلاء بمساهماتهم فى الرأى - هذا السؤال الذى شاع فى السُّنة والسيرة:
" يا رسول الله ، أهو الوحى ؟ أم الرأى والمشورة ؟.. "
فإن قال: إنه الوحى. كان منهم السمع والطاعة له ، لأن طاعته هنا هى طاعة لله.. وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من هذا الأمر عن عقولهم ، لأن علم الله - مصدر الوحى - مطلق وكلى ومحيط ، بينما علمهم نسبى ، قد تخفى عليه الحكمة التى لا يعلمها إلا الله.. أما إن قال لهم الرسول - جوابًا عن سؤالهم -: إنه الرأى والمشورة.. فإنهم يجتهدون ، ويشيرون ، ويصوبون.. لأنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصومًا ، وإنما هو واحد من المقدمين فى الشورى والاجتهاد.. ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة فى كتب السنة ومصادر السيرة النبوية - فى مكان القتال يوم غزوة بدر.. وفى الموقف من أسراها.. وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد.. وفى مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق.. إلخ.. إلخ.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون القدوة والأسوة للأمة (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ) (7).
وحتى لا يقتدى الناس باجتهاد نبوى لم يصادف الأولى ، كان نزول الوحى لتصويب اجتهاداته التى لم تصادف الأولى ، بل وعتابه - أحيانًا - على بعض هذه الاجتهادات والاختيارات من مثل: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى ) (8). ومن مثل: (يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير ) (9). ومن مثل: (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) (10).
وغيرها من مواطن التصويب الإلهى للاجتهادات النبوية فيما لم يسبق فيه وحى ، وذلك حتى لا يتأسى الناس بهذه الاجتهادات المخالفة للأولى.
فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فيما يبلغ عن الله شرط لازم لتحقيق الصدق والثقة فى البلاغ الإلهى ، وبدونها لا يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين ، ومن ثم لا يكون هناك فارق بين الوحى المعصوم والمعجز وبين الفلسفات والإبداعات البشرية التى يجوز عليها الخطأ والصواب.. فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحى والبلاغ قول بشر ، بينما هى - بالعصمة - قول الله - سبحانه وتعالى - الذى بلغه وبينه المعصوم - عليه الصلاة والسلام -.. فعصمة المُبَلِّغ هى الشرط لعصمة البلاغ.. بل إنها - أيضًا - الشرط لنفى العبث وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا البلاغ.
-----------------
(1) النساء: 59.
(2) آل عمران: 32.
(3) النساء: 80.
(4) آل عمران: 31.
(5) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج2 ص 415 ، 416 ، 420، 421. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1993م.
(6) النجم: 3-4.
(7) الأحزاب: 21.
(8) عبس: 1-10.
(9) التحريم: 1-3.
(10) الأنفال: 67-68.
===============
الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم(10/317)
لما كان المبشرون ومعظم المستشرقين يؤمنون بالوحي فسوف نجابههم بتحد كبير ، وهو مطالبتهم بتقديم أوصاف الوحي الصحيحة وسماته في أنبياء كتابهم المقدس الذي يؤمنون به ، ثم نحتكم إلى صحيحها في إعلان تحقق وحي الله إلى رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ... وفي تقديري أنهم لن يستجيبوا لهذا التحدي أبداً ...
وإليك أخي القارىء الكريم بعض من أدلة صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
أولاً : دليل الإلزام :
نريد أن نسأل اليهود : كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام ؟
فإن قالوا : بسبب معجزاته ، أو أخلاقه ، أو تشريعه ، أو تأييد الله له ونصرته ، أو استجابة دعائه ، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية ، أو غير ذلك من الأدلة .
قلنا : كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك النصارى نسألهم هل هم يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام ؟، فإن الجواب سيكون :نعم . قلنا: كيف استدللتم على نبوته ؟ . فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى .
قلنا : هل هناك دليل آخر؟ .
إن قالوا : لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام . قلنا: إذن أنتم صَحَّحْتم مذهب مَن كفر بموسى عليه السلام من قومه ؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته ، ولم ينزل عيسى عليه السلام في ذلك الوقت ، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينة ولا علم ولا دليل ، وأن رسالة موسى علقت عن التصحيح قرونا متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام .
فإن قالوا : نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا : كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو موجود في محمد صلى الله عليه وسلم.
فلا حجة إذن لرجل يهودي أو نصراني لا يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ،ولكن صدق الله إذ يقول :
(( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ .)) [الأعراف : 198]
ثانياً : إقرار الله تعالى له ولدعوته :
من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم إقرار الله لدعوته ؛ فإن الله تعالى أخبر أن محمدا لو تقوّل على ربه شيئا من الأقاويل لأهلكه : (( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ )) [الحاقة :41-47] وقال سبحانه : (( قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى )) [طه:61] ، وقال تعالى : (( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ )) [يونس:69] ، وقال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )) [الزمر: 3] ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ما خاب بل هُدي وأفلح في كل المجالات ، وصار دينه من أعظم الأديان في الأرض وأكثرها انتشارا.
وقد قرر ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذا الدليل أوضح تقرير ، فقال - رحمه الله - : وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة ، فقلت له في أثناء الكلام : أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة ، فعجب من ذلك وقال : مثلك يقول هذا الكلام ؟ فقلت له : اسمع الآن تقريره ؛ إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم ، وليس برسول من عند الله ، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة ، ويقول أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا ، وأُوحي إلي كذا ؛ ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم ، ونسخ شرائعهم ؛ فلا يخلو إما أن تقولوا : إن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه . أو تقولوا : إنه خفي عنه ولم يعلم به . فإن قلتم : لم يعلم به . نسبتموه إلى أقبح الجهل ، وكان من عَلَم ذلك أعلم منه ، وإن قلتم : بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه . فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية ، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ، ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته ، ويجيب دعاءه ، ويمكنه من أعدائه ، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له ، فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلا عن رب الأرض والسماء ، فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه ، وهذه عندكم شهادة زور وكذب ،فلما سمع ذلك قال : معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق .
ومثال هذا ( لو أن حاجب الأمير قال للناس : إن الأمير قد أمركم بفعل كذا وكذا . فإن الناس يعلمون أنه لا يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته ، فكيف إذا كان بحضرته وبعلمه)(10/318)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكاد يدعو بدعاء إلا استجاب الله تعالى له في الحال ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ :أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا . فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ :« اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ». قَالَ أَنَسٌ :وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ ،قَالَ :فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا-وفي رواية : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ :فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ :« اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ». قَالَ : فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنِ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ ،فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
إلى غير ذلك من الأدعية الكثيرة جدا، التي استجاب الله له فيها بالحال ، وهذا لا يمكن أن يتيسر لكاذب، بل لا يكون إلا لصادق مؤيد من الله،فيطوع له الطبيعة، ويسخر له السحاب والأمطار .
ثالثاً : تأييد الله له :
والأمثلة كثيرة نكتفي بثلاث ذكرها القرآن الكريم :
المثال الأول : تأييد الله لرسوله أثناء هجرته :
خرج النبي وصاحبه أبوبكر الصديق مهاجرين إلى المدينة النبوية، واختفيا في غار ثور ثلاثة أيام، وصعد المشركون إلى الغار بحثاً عن النبي وأبي بكر، فحمى الله نبيه وأبا بكر منهما ، قال أبوبكر : قلت للنبي ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه ، فقال النبي : يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما [1] ، وأشار القرآن إلى ذلك فقال تعالى : (( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) (التوبة:40).
المثال الثاني : نصرة الله لرسوله بالريح الشديدة في غزوة الأحزاب :
يقول الله سبحانه وتعالى : (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ))
فلقد تجمع الأحزاب من الكفار لقتال النبي ، وكان عددهم نحواً من عشرة آلاف ، وتحالفوا مع اليهود القاطنين في شرق المدينة على حرب النبي وأصحابه ، وأشتد الحال على المسلمين الذين حفروا خندقاً بينهم وبين الكفار ، واستمر الكفار قريباً من شهر وهم يحاصرون المسلمين في المدينة .
فدعا النبي ربه أن ينصره على المتمالئين على الإسلام فقال : اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم[2] .
فاستجاب الله دعاء رسوله وأرسل على الأحزاب ريحاً شديدةً اقضّت مضاجعهم ، وجنوداً زلزلتهم مع ما ألقى الله بينهم من التخاذل فأجمعوا أمرهم على الرحيل وترك المدينة النبوية .(10/319)
ولو كانت هذه المعجزة لم تقع لتشكك المسلمون في القرآن ، وربما ارتدوا عن دينهم، وقالوا : كيف نصدق ما لم يقع؟!
المثال الثالث : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى :
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن القبضة من التراب التي حصب بها وجوه الكافرين يوم معركة بدر حين خرج عليه الصلاة والسلام من العريش بعد دعائه وتضرعه فرماهم بها وقال " شاهت الوجوه " فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله ولهذا قال الله تعالى : (( وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى )) الأنفال : 17 أي هو الذي بلغ ذلك إليهم وكبتهم بها لا أنت.
ولو لم تكن تلك الرمية من الرسول قد حدثت لسارع المسلمين والمؤمنين بتكذيب الآية واتهام الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالكذب وحاشاه ...
قال أبو معشر المدني عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال " شاهت الوجوه " فدخلت في أعينهم كلهم وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ( تفسير ابن كثير )
رابعاً : إخباره بالغيب :
من أدلة صدق النبي صلي الله عليه وسلم إخباره بالغيب سواء كان غيباً لاحقاً أو سابقاً أو حاضراً فقد أخبر بالردة في زمن أبي بكر ، والفتنة في زمن علي وأخبر بأن الخلفاء الثلاثة عمر وعثمان وعلي يقُتلون شهداء ، وأخبر بفتح القسطنطينية والحيرة ومصر وفارس والروم وبيت المقدس، وأخبر بخروج كثير من الفرق كالخوارج والقدرية ، وبشر كثير من الصحابة بالجنة فماتوا على الإيمان ، وبشر الكثير بالنار فماتوا على الكفر، وأخبر بكثير من أشراط الساعة الصغرى وقد تحققت . وليرجع القارىء الكريم الى مقال ( الأخبار المستقبلية في القرآن ودلالتها على مصدره الرباني )
خامساً : الحقائق العلمية :
فلقد سبق القرآن الكريم العلم الحديث بذكره لحقائق كثيرة لم يكتشفها العلم الا في العصر الحديث ، وليرجع القارىء الكريم إلى مقال ( الحقائق العلمية في القرآن الكريم ودلالتها على مصدرها الرباني )
سادساً : نشأته في بيئة أمية وإتيانه بعلوم إلهية :
لقد ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم من قبيلة ليسوا من أهل العلم ومن بلده كانت الجهالة غالبة عليهم . ولم يتفق له الاتصال بعالم . فإذا نبت في هذه البيئة ثم بلغ في معرفة الله وصفاته وأفعاله وأحكامه هذا المبلغ العظيم وجاء بكتاب يحتوي على مختلف العلوم عجز جميع الأذكياء من العقلاء عن القرب منه ، فإن ذلك يحمل كل ذي عقل سليم وطبع قويم على الاقرار بأن هذا العلم الفذ لا يتيسر لأحد من البشر إلا بتعليم إلهي خاص . تأمل أخي القارىء الي قوله تعالى : (( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ )) [ هود : 49 ] وتأمل أخي القارىء في قوله تعالى : (( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )) [ العنكبوت : 48 ]
سابعاً : هل يعقل !!؟ :
محمد صلى الله عليه وسلم رجل أثارت دعوته الى التوحيد حفيظة المشركين وحميتهم بحيث شكلوا خطراً حقيقياً على حياته منذ اللحظة الأولى التي جهر فيها بدعوته، وكلنا يتذكر الاضطهاد والأذى اللذان تعرض لهما فترة إقامته بمكة، وكذلك إجماع المشركين على قتله ليلة الهجرة، كما لم تكن حياته، صلوات الله وسلامه عليه، في المدينة المُنورة بعد الهجرة أكثرُ أمناً ولا أرغد عيشاً فقد أثارت دعوته حقد اليهود ومكرهم، حيثُ تشابكت أيدي اليهود والمشركين فشكلوا خطرا مُزدوجاً على حياة هذا النبي الكريم، وكثُرت المؤامرات الهادفة إلى اغتياله كتلك التي حاول اليهود فيها إلقاء صخرة عليه وهو في زيارة ليحيّهم، كما حاولوا تسميمه عن طريق إطعامه بعضاً من شاة مسمومة أثناء زيارته لخيبر، وكما لا يغيب عن الأذهان غزوة الاحزاب التي اتحد فيها المشركون واليهود لمحاربة الاسلام واستئصاله، وغيره كثير من المؤامرات الهادفة للقضاء عليه وعلى دعوته.(10/320)
لا يُمكن لعاقل أن يُصدق أن رجل مثل محمد، صلى الله عليه وسلم، والذي انشغل بدعوة الناس دعوة عملية .. وانشغل بأعدائه ... وانشغل بتأسيس الدولة الاسلامية ... وانشغل بفتوحاته المقدسة ... رجل عانا في حياته الخاصة، لا يُمكن لعاقل ان يُصدق أن هذا الرجل قد جاء بما في القرآن الكريم من قضايا علمية وتشريعات دقيقة فاقت كل ما سبقتها وما لحقتها، لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن كل هذا من نتاج فكر رجل عاش حياة كتلك التي عاشها محمد صلى الله عليه وسلم ... فلقد كانت حياته مليئة بالمحن والمشاغل التي تتطلب إنشغال الذهن بأمور بعيده كل البعد عن الإخبار عن حقائق علمية أو التأسيس لمناهج تربوية ..
فسبحان الله من علم محمدا - عليه الصلاة والسلام - ذلك النبي الأمي في عصر وأمه غلبت عليها الأمية والجهالة ...
__________________________________
[ 1 ] أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ مناقب المهاجرين وفضلهم ، ومسلم ك/ فضائل الصحابة ب/ من فضائل أبي بكر الصديق والترمذي ك/ التفسير ب/ ومن سورة التوبة وابن حبان في صحيحه 14/181 وأحمد في المسند 1/4 وغيرهم .
[ 2 ] أخرجه البخاري ك/ المغازي ب/ غزوة الخندق ومسلم/ ك/ الجهاد والسير ب/ استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو والترمذي ك/ الجهاد ب/ ما جاء في الدعاء عند القتال ، وغيرهم
==================
سؤال : ما صحة الحديث الذي جاء فيه ان الرسول كان يقبل نسائه وهو صائم و يمص لسان زوجته عائشة ؟
الحمد لله ،
جواب : الحديث أخرجه أبو داود ، وقال ابن الأعرابي : بلغني عن ابن داود أنه قال : اسناده ليس بصحيح وأخرجه أحمد في المسند والتقى في اسناديه مع أبي داود في محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع عن عائشة .
وتقبيله صلى الله عليه وسلم لنسائه _ وهو صائم _ صحيح . أما قوله : (( ويمص لسانها )) فيقول ابن القيم رحمه الله : (( وقال عبد الحق : لا تصح هذه الزيادة في مص اللسان لأنها من حديث محمد بن دينار عن سعد بن أوس ولا يحتج بهما . وبنحوه هذا قال الخطابي .)) [ الانتصارات الاسلامية في كشف شبه النصرانية _ دراسة وتحقيق د : سالم القرني _ مكتبة العبيكان ]
وقد أورد العلامة الالباني الحديث في سلسلة الاحاديث الضعيفة . انتهى
===============
الرد المبين في الدفاع عن أمنا مارية
للأسف أعداء الدين كتيرا ما رفعوا أصواتهم أن مارية لم تكن زوجة و لكن سرية بل حتى أغلب المسلمين يقولون
اما مارية القبطية فقد أهداها المقوقس عظيم القبط إلى رسول الله
فهى جاريته و ملك يمينه و ساريتهمنذ أن جاءت المدينة المنور ،،، فلم يكن رسول الله بحاجة لأن يتزوجها حتى تحل له ، و لأن الرجل له شرعاً أن يتسرى بما ملكت يمينه وقتما شاء كما تسرى ابراهيم بهاجر و تسرى يعقوب ببلهة و زلفة ، و تسرى داود بثلاثين من امائه، و سليمان بثلاثمائة....الخ
بل إن هذا من أوجه إكرامها إذ يعفها بذلك من جهة، كما أن انجابها لولد يجعلها (أم ولد) و هو وضع أشبه لوضع الزوجة بالضبط فلا يجوز بعده بيعها و شراءها
و اعتراض غلى مصطلح سرية أو ملك يمين هو
1*/
صحيح مسلم
كتاب النكاح(10/321)
3563 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، - يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ قَالَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ " . قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ . قَالَ وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً وَجُمِعَ السَّبْىُ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ . فَقَالَ " اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً " . فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا تَصْلُحُ إِلاَّ لَكَ . قَالَ " ادْعُوهُ بِهَا " . قَالَ فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ غَيْرَهَا " . قَالَ وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا . فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا فَقَالَ " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ " قَالَ وَبَسَطَ نِطَعًا قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالأَقِطِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ فَحَاسُوا حَيْسًا . فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...9&SW=عتقها#SR1
ادن العتق =يكون مهرا في حالة ادا ما قرر الدي اعتقها ان يتزوجها -
ألم يأمر النبي في عدة أحاديت بعتق مسلمة بل و دعا لمن أعتقها و تزوجها يعني ألم يحك المؤرخون أن مارية أسلمت و هى فى طريقها الى أرض الحجاز قادمة من مصر .بمعنى ادن
عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة كَانَتْ لَهُ أَمَة سَوْدَاء فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا ثُمَّ فَزِعَ فَأَتَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرهمَا فَقَالَ لَهُ " مَا هِيَ ؟ " قَالَ تَصُوم وَتُصَلِّي وَتُحْسِن الْوُضُوء وَتَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه فَقَالَ " يَا أَبَا عَبْد اللَّه هَذِهِ مُؤْمِنَة " فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَأُعْتِقَنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنهَا فَفَعَلَ
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...EER&tashkeel=0
كان جواب النبي هاده مؤمنة يعني افهم =اعتقها و تزوجها
مارية نفس الشيء كانت جارية المقوقس و الاخير أعتقها من أجل محمد فيكون النبي صلى الله عليه و سلم الدي بعث لابادة الرق من العالم و و ضع الاغلال هو الدي أعتقها
سنن ابن ماجه
كتاب النكاح
2032 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَىٍّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ " مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ فَلَهُ أَجْرَانِ وَأَيُّمَا عَبْدٍ مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ " . قَالَ صَالِحٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ . إِنْ كَانَ الرَّاكِبُ لَيَرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...4&SW=عتقها#SR1(10/322)
فيا أخي هل من علم الناس مثل هاته التعاليم تظن ان يبقي مارية جارية له .بل حتى الروايت التي تكلمت عن عتق صفية و تزوجها من النبي كان الصحابة يسؤلون ما اصدقها فيرد عليهم اصدقها عتقها .
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَعْدُ فَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا . قَالَ حَمَّادٌ فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا .
2034 - حَدَّثَنَا حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَتَزَوَّجَهَا .
موطأ مالك
كتاب العتق والولاء
- 1474 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلاً، مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَىَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا . فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَتَشْهَدِينَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " . قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ " أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ " أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ " . قَالَتْ نَعَمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَعْتِقْهَا " .
" . http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...0&SW=عتقها#SR1
هدا هو فهمي للنصوص و الله أعلم ..ومن اعترض من غير المسلمين -و أؤكد غير المسلمين -على هدا فليتفضل للنقاش ..بل حتى ابن كثير و غيرهم سموها أم المؤمنين و ان أشاروا أنها من اماؤه و هدا في نظري تناقض شرعي و منطقي
===============
الرد على شبهة ماتت فاضطجع معها .
هناك شبهاً كثيرة الهدف منها التلبيس على المسلم أمور دينه , بالطعن في ديننا الحنيف الذي يثبت كفرهم بصريح العبارة , والطعن في نبينا صلوات الله وسلامه عليه , والطعن في أصحابه أهل الجنة الذين أقاموا الدين ونصروا الله ورسوله , وليس هدف هؤلاء الطغمة الحديثة تبشيراً بنصرانيتهم أو دعوة لعقيدتهم التي اثبت على مر العصور فسادها من قبل مئات بل الاف من العلماء ومن بعض علمائهم أيضاً , بل فقط هدفهم إخراج المسلم من دينه
ولقد نحى نفس المنحى قبلهم كثير من المستشرقين في أزمنة متعددة قريبة , وكثير من الزنادقة في أزمنة سابقة , ولكن بعصرنا هذا حققت لهم التقنية الحديثة نوع من الأمان حيث يتخفون وراء الأجهزة للطعن بأمان من أن يقام عليهم حد أو يقتص منهم , وهذا هو ديدنهم كما وصفهم كتاب ربنا عز وجل ( لا يقاتلونكم جميعا إلا من وراء جدر ) والجدر الحديثة الآن هي التقنية التي يتخفون وراءها , فهم أجبن من المواجهة وأضعف حجة في المشافهة .
وهدفنا هنا هو بيان الحق والصدق للمسلم حتى يكن على يقين أن الله تعالى اختار خير البشر لرسالته وخير الصحبة وخير جيل لصحبة رسوله ثم استخلف رسالته لخير الأمم طالما تمسكوا بما كان عليه رسوله صلى الله عليه وسلم .
يثير طغام النصارى قصة من السيرة بفهم مختلق مكذوب , لا يوافق لغة ولا فهما ولا عرفا ولا عقلا , ولكن فقط يناسب كفرا بقلوبهم وزندقة وفسقاً إستقوه من كتابهم .
يقول كلاب النصارى ( أن رسول الله - بأبي هو وأمي - مارس الجنس مع فاطمة بنت أسد وهي ميتة ) وهم كعادتهم يسوقون أحداثا حقيقية بتحريف يناسب ما جبلهم كتابهم عليه , ولنبدأ في المقصود بعون الله .
الرواية التي يستند فيها النصارى قولهم :
عن ابن عباس قال: ( لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها) ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر )(10/323)
عن ابن عباس قال: ( لما ماتت أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ممن كفل النبي صلى الله عليه وسلم وربته بعد موت عبد المطلب، كفنها النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه، وصلى عليها واستغفر لها وجزاها الخير بما وليته منه، واضطجع معها في قبرها حين وضعت فقيل له: صنعت يا رسول الله بها صنعا لم تصنع بأحد! قال: إنما كفنتها في قميصي ليدخلها الله الرحمة ويغفر لها، واضطجعت في قبرها ليخفف الله عنها بذلك) ( كنز العمال )
المعنى اللغوي لكلمة أضطجع :
ضجع: أَصل بناء الفعل من الاضْطِجاعِ، ضَجَعَ يَضْجَعُ ضَجْعاً وضُجُوعاً، فهو ضاجِعٌ، وقلما يُسْتَعْمَلُ، والافتعال منه اضْطَجَع يَضْطجِعُ اضْطِجاعاً، فهو مُضْطَجِعٌ. واضْطَجَع: نام.وقيل: اسْتَلْقَى ووضع جنبه بالأَرض.
وأَضْجَعْتُ فلاناً إِذا وضعت جنبه بالأَرض، وضَجَعَ وهو يَضْجَعُ نَفْسُه؛ ورجل ضُجَعةٌ مثال هُمَزةٍ: يُكثر الاضْطِجاعَ كَسْلانُ.
والضِّجْعَةُ: هيئةُ الاضْطِجاعِ.
والمَضاجِعُ: جمع المَضْجَعِ؛ قال الله عز وجل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]؛ أي: تَتَجافى عن مضاجِعِها التي اضْطَجَعَتْ فيها.
والاضْطِجاعُ في السجود: أَن يَتَضامَّ ويُلْصِق صدره بالأَرض، وإِذا قالوا: صَلَّى مُضْطَجعاً فمعناه: أَن يَضْطَجع على شِقِّه الأَيمن مستقبلاً للقبيلة.
وفي الحديث: (( كانت ضِجْعةُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَدَماً حَشْوُها ليفٌ )).
الضِّجْعةُ، بالكسر: مِنَ الاضْطِجاعِ وهو النوم كالجِلْسةِ من الجلوس، وبفتحها المرّة الواحدة.
والمراد ما كان يَضْطَجِعُ عليه، فيكون في الكلام مضاف محذوف تقديره: كانت ذاتُ ضِجْعته أَو ذاتُ اضْطِجاعِه فِراشَ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ.
وكل شيء تَخْفِضُه، فقد أَضْجَعْتَه.
والتَّضْجِيعُ في الأَمر: التَّقْصِيرُ فيه.
وضَجَعَ في أَمره واضَّجَعَ وأَضْجَعَ: وَهَنَ.
( لسان العرب لأبن منظور )
فيفهم مما سبق أن المعنى العام للاضطجاع هو النوم أو الإستلقاء على الجنب .
الفهم الأعوج للإضطجاع :
وليتم لنا من أين أتى النصارى بعوج الفهم ( هذا بعد المرض الذي بقلوبهم ) ليتم لنا ذلك نعرض هنا معنى الاضطجاع بكتابهم الملئ بالدنس :
التكوين 19-30:36
32 هلم نسقي ابانا خمرا ونضطجع معه . فنحيي من ابينا نسلا . 33 فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة . ودخلت البكر واضطجعت مع ابيها . ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . 34 وحدث في الغد ان البكر قالت للصغيرة اني قد اضطجعت البارحة مع ابي . نسقيه خمرا الليلة ايضا فادخلي اضطجعي معه . فنحيي من ابينا نسلا . 35 فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ايضا . وقامت الصغيرة واضطجعت معه . ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . 36 فحبلت ابنتا لوط من ابيهما .
التكوين 10-26
فقال ابيمالك ما هذا الذي صنعت بنا . لولا قليل لاضطجع احد الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبا .
تكوين 30:16
فلما اتى يعقوب من الحقل في المساء خرجت ليئة لملاقاته وقالت اليّ تجيء لاني قد استأجرتك بلفّاح ابني . فاضطجع معها تلك الليلة
تكوين 34:2
فرآها شكيم ابن حمور الحوّي رئيس الارض واخذها واضطجع معها واذلّها
تكوين 35:22
وحدث اذ كان اسرائيل ساكنا في تلك الارض ان رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرّية ابيه . وسمع اسرائيل وكان بنو يعقوب اثني عشر
تكوين 39:7
وحدث بعد هذه الامور ان امرأة سيده رفعت عينيها الى يوسف وقالت اضطجع معي
خروج 22:16
واذا راود رجل عذراء لم تخطب فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجة
إذن الأضجاع لديهم هو الزنا , وهذا فهم معوج مناسب لعموم كتابهم , وعلى الرغم من أن نصارى العرب يتحدثون العربية ولكن ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) فصرفوا الكلمة عن معناها المتعارف عليه إلى المعنى البعيد والمناسب لهدفهم .
التقط كلاب النصارى ما سأورده الان لعرضه بفهم كتابهم الملئ بالزنا والدعارة كشبهة على عوام المسلمين , وما أتوا إلا من جهلهم باللغة العربية ( سقت لك سابقاً معنى اضطجع ) وعلة كتابهم -الزنا والدعارة والفجور- والتي اخرجت كتابهم عن وقار المحترم من الكتب فضلا عن القداسة تلك العلة التي تؤرقهم ليل نهار , فرموا غيرهم بما فيهم كقول الشاعر : رمتني بدائها وانسلت .
تفسير الروايات بعضها البعض :
يفهم كل مسلم وكل عاقل أن المعنى يؤخذ من جمع الروايات ببعضها , وسأسوق لك هنا ما ورد في قصة وفاة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها لتتبين مدى كذب وحقد هؤلاء , ولن أطيل عليك بذكر السند ولكن فقط المتن :
1- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفَّن فاطِمَة بِنْت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجَزَّأها خيراً. وروي عن ابن عباس نحو هذا وزاد فقالوا: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه! قال: " إنه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ قاله ابن حبيب. منها إنما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنة واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر " ( أسد الغابة لابن الأثير )(10/324)
التقط كلاب النصارى لفظة اضطجع وفسروها تفسير كتابهم بالزنا اعتمادا على الرواية التي جاءت بلفظ " اضطجع معها " ومعنى النص في هذه الرواية اضطجع بقبرها كما هو واضح بالرواية الأولى , وكعادتهم تحريف الكلم عن مواضعه ولم يكملوا قراءة بقية الروايات والتي تفسر بعضها البعض .
فلقد كفنها صلى الله عليه وسلم بقميصه = لتكسى من حلل الجنة
اضطجع في قبرها = ليهون عليها عذاب القبر
2- عن الزبير بن سعيد القرشي قال: ( كنا جلوسا عند سعيد بن المسيب، فمر بنا علي بن الحسين، ولم أرَ هاشميا قط كان أعبد لله منه، فقام إليه سعيد بن المسيب، وقمنا معه، فسلمنا عليه، فرد علينا، فقال له سعيد: يا أبا محمد، أخبرنا عن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما- قال: نعم، حدثني أبي قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول :
لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، كفنها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في قميصه، وصلى عليها، وكبر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها، فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه، ويسوي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا في قبرها.فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: يا رسول الله، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله على أحد فقال: ( يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي التي ولدتني.إن أبا طالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبا، فأعود فيه.
وإن جبريل -عليه السلام- أخبرني عن ربي -عز وجل- أنها من أهل الجنة.وأخبرني جبريل -عليه السلام- أن الله تعالى أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها) ( مستدرك الحاكم )
3- عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: ( أن رسول الله " ص " دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة) ( مقاتل الطالبين الاصفهاني )
4- يوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: ( "جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ" ) ( مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر )
فهل يفهم من الروايات السابقة ما ذهب إليه كلاب النصارى ؟؟
نبذة تعريفية بفاطمة بنت أسد رضي الله عنها :
نسوق للمسلمين تعريفاً بسيطا بمن هي فاطمة بنت أسد , فمن هي فاطمة بنت أسد ؟؟
هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي بن أبي طالب وإخوته قيل إنها ماتت قبل الهجرة وليس بشيء والصواب أنها هاجرت إلى المدينة وبها ماتت.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال:حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي الحطيمي قال: حدثنا محمد بن عبدوس قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا محمد بن بشر عن زكريا عن الشعبي قال: أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم أسلمت وهاجرت إلى المدينة وتوفيت بها. قال الزبير: هي أول هاشمية ولدت لهاشمي هاشمياً. قال: وقد أسلمت وهاجرت إلى الله ورسوله وماتت بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وشهدها رسول الله ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر )
وكانت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي فولدت له طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانئ وجمانة وريطة بني أبي طالب وأسلمت فاطمة بنت أسد وكانت امرأة صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها ( أي ينام القيلولة وهي نوم الظهر) ( الطبقات الكبرى لابن سعد )
قال محمد بن عمر: وهو الثّبت عندنا. وأم علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديماً، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلّى الله عليه وسلّم و، وولدت لأبي طالب عقيلاً، وجعفر، وعلياً، وأم هانئ، واسمها فاختة، وحمامة. وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من علي بعشر سنين، وجعفر هو ذو الهجرتين، وذو الجناحين ( مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر )
وروى الأعمش عن عَمْرو بن مرَّة عن أبي البحتري عن علي قال: قلت لامي فاطِمَة بِنْت أسد: اكفي فاطِمَة بِنْت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سِقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك الداخل: الطحنَ والعجنَ. وهذا يدل على هجرتها لأن علياً إنما تزوج فاطِمَة بالمدينة . ( أسد الغابة لابن الأثير )
عن أبي هريرة. وكان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه وكان طالب أكبرهم سناً ويليه عقيل ويلي عقيلاً جعفر ويلي جعفراً علي. وكل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين وعلي أصغرهم سناً.... وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ( مقاتل الطالبين الاصفهاني )
عن جرير سمعت النبي " ص " يدعوا النساء إلى البيعة حين أ نزلت هذه الآية " يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله . ( مقاتل الطالبين الاصفهاني )
=============
الرد على شبهة اكشفي عن فخذيك(10/325)
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت :
(( إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد قالت أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى مسجده قال أبو داود تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال ادني مني فقلت إني حائض فقال وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام ))
( رواه أبو داود 1/70 رقم 270 والبيهقي في سننه 1/313 1/55 حديث رقم 120).
الحديث ضعيف. ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص 26. وفي ضعيف الأدب المفرد ص 30.
- عبد الرحمن بن زياد: وهو الافريقي مجهول. قال البخاري في كتاب الضعفاء الصغير307 » في حديثه بعض المناكير« وقال أبو زرعة » ليس بالقوي« (سؤالات البرذعي ص389) وقال الترمذي ضعيف في الحديث عند أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل (أنظر سنن الترمذي حديث رقم 54 و199 و1980) بل قال » ليس بشيء كما في (الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي2/204 ترجمة رقم2435 وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ترجمة رقم6041 تهذيب الكمال21/258).
وقال البزار له مناكير (كشف الأستار رقم2061) وقال النسائي » ضعيف« (الضعفاء والمتروكون337) وقال الدارقطني في سننه (1/379) » ضعيف لا يحتج به« وضعفه أيضا في كتاب العلل.
- عمارة بن غراب اليحصبي: قال الحافظ في تقريب التهذيب » تابعي مجهول. غلط من عده صحابيا« (ترجمة رقم4857).
و قال المنذري : عمارة بن غراب والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي والراوي عن الأفريقي عبد الله بن عمر بن غانم وكلهم لا يحتج بحديثه . انتهى
==============
حديث أبوال الابل وألبانها
الرد :
عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ . رواه البخاري
أولاً : نقول لك ما قاله المسيح في إنجيل لوقا [ لوقا 6 : 41 ] : (( لماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك .واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها )) ألم يرد في كتابك المقدس أن الرب أمر نبيه ( حزقيال ) بأكل الخراء وهو البراز : (( وتأكل كعكعاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الانسان وتخبزه أمام عيونهم )) [ حزقيال 4 : 12 _ 13 ]
ثانياً : العجب أنك تتكلم على نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابيين بشرب ألبان الإبل وأبوالها ولا تتكلم على ان الاعرابيين تم شفائهم فعلاً بهذه الإلبان والابوال ولم يبدوا اعتراضاً لهذا الأمر، فذكر الحديث : ( حتى صلحت ابدانهم ) وفي راوية : ( فلما صحو )
ثالثا : ان الطب شاهد بصحة هذا الحديث وليس في الحديث إلزام للأنسان بشرب ألبان الابل وأبوالها لأن الانسان لا يؤمر بأكل ما تعافه نفسه ولا بشرب ما تعافه نفسه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح أكل الضب ولم يأكله ، وقال : (( لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ))
رابعاً : اليك الآن تجربة علمية أثبتت امكانية علاج مرض الاستسقاء بالافراز البولي للإبل :
الخرطوم ـ علي عثمان
دراسة علمية تجريبية غير مسبوقة اجرتها كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة بالسودان عن استخدامات قبيلة البطانة فى شرق السودان ( بول الابل) فى علاج بعض الامراض حيث انهم يستخدمونه شرابا لعلاج مرض (الاستسقاء ) والحميات والجروح. وقد كشف البروفسور احمد عبدالله محمدانى تفاصيل تلك الدراسة العلمية التطبيقية المذهلة داخل ندوة جامعة الجزيرة حيث ذكر ان الدراسة استمرت 15 يوما حيث اختير 25 مريضا مصابين بمرض الاستسقاء المعروف وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية. وبدأت التجربة باعطاء كل مريض يوميا جرعة محسوبة من (بول الابل) مخلوطا بلبن الابل حتى يكون مستساغا وبعد 15 يوما من بداية التجربة أصابنا الذهول من النتيجة اذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعى وشفى جميع افراد العينة من الاستسقاء. وتصادف وجود بروفسور انجليزى اصابه الذهول ايضا واشاد بالتجربة العلاجية.(10/326)
وقال البروفسور احمد: اجرينا قبل الدراسة تشخيصا لكبد المرضى بالموجات الصوتية فاكتشفنا ان كبد 15 من الـ25 مريضا يحتوى (شمعا ) وبعضهم كان مصابا بتليف فى الكبد بسبب مرض البلهارسيا وجميعهم استجابوا للعلاج بـ( بول الابل) وبعض افراد العينة استمروا برغبتهم فى شرب جرعات بول الابل يوميا لمدة شهرين آخرين. وبعد نهاية تلك الفترة اثبت التشخيص شفاءهم من تليف الكبد وسط دهشتنا جميعا.
ويقول البروفسور احمد عبدالله عميد كلية المختبرات الطبية عن تجربة علاجية اخرى وهذه المرة عن طريق لبن الابل وهى تجربة قامت بها طالبة ماجستير بجامعة الجزيرة لمعرفة اثر لبن الابل على معدل السكر فى الدم فاختارت عددا من المتبرعين المصابين بمرض السكر لاجراء التجربة العلمية واستغرقت الدراسة سنة كاملة حيث قسمت المتبرعين لفئتين : كانت تقدم للفئة الاولى جرعة من لبن الابل بمعدل نصف لتر يوميا شراب على (الريق) وحجبته عن الفئة الثانية. وجاءت النتيجة مذهلة بكل المقاييس اذ ان نسبة السكر فى الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط الفئة الاولى ممن شربوا لبن الابل عكس الفئة الثانية. وهكذا عكست التجربة العلمية لطالبة الماجستير مدى تأثير لبن الابل فى تخفيض او علاج نسبة السكر فى الدم.
واوضح د. احمد المكونات الموجودة فى بول الابل حيث قال انه يحتوى على كمية كبيرة من البوتاسيوم يمكن ان تملأ جرادل ويحتوى ايضا على زلال بالجرامات ومغنسيوم اذ ان الابل لا تشرب فى فصل الصيف سوى 4 مرات فقط ومرة واحدة فى الشتاء وهذا يجعلها تحتفظ بالماء فى جسمها فالصوديوم يجعلها لاتدر البول كثيرا لانه يرجع الماء الى الجسم. ومعروف ان مرض الاستسقاء اما نقص فى الزلال او فى البوتاسيوم وبول الابل غنى بالاثنين معا.
وهذا رابط باللغة الانجليزية يخدم الموضوع : http://www.answering-christianity.com/urine.htm
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
==================
جهود العلماء في مقاومة الوضع"
إعداد
أحمد محمد بوقرين ماجستير أصول دين
بالجامعة الأمريكية المفتوحة
" بسم الله الرحمن الرحيم "
الحمد لله الذي أنزل القرآن وتكفل بحفظه ورعايته فقال تعالى : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [1] والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد سيد الأولين والآخرين، أرسله ليبلغ الناس هذا الذكر ويبينه للعالمين، فقال سبحانه وتعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [2] فكان حفظ القرآن يتضمن حفظ سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - وحمايتها من كيد الوضاعين الكاذبين.
اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الرضا إلا عنك و من الطلب إلا منك و من الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بابك و من الرجاء إلا في يديك الكريمتين و من الرهبة إلا بجلالك العظيم.
اللهم تتابع برك و اتصل خيرك وكمل عطاؤك و عمت فواضلك و تمت نوافلك وبر قسمك و صدق وعدك و حق على أعدائك وعيدك ولم يبقى لي حاجة من حوائج الدنيا هي لك فيها رضا و لي فيها صلاح إلا قضيتها و أعنتني على قضائها يا أرحم الراحمين.
وبعد :
فهذا بحثي الفصلي لمادة علوم الحديث ، والذي أتناول فيه موضوع " جهود العلماء في مقاومة الوضع " ، حيث قسمت البحث إلى بابين ، الباب الأول يتناول التعريف بالحديث الموضوع، وعن عبارات العلماء في التعريف به ، وعن مصادر الحديث الموضوع ، وعن عقوبة الوضع في الحديث ، وعن توبة الوضاعين ، وعن حكم رواية الحديث الموضوع ، وعن أسباب الوضع في الحديث النبوي الشريف ، وعن حكم العمل بالحديث الموضوع،
ثم الباب الثاني وقد تحدثت فيه عن جهود العلماء في مقاومة الوضع ، وقد قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول، الفصل الأول يتحدث عن جمع الأحاديث الثابتة ، والفصل الثاني يتحدث عن الاهتمام بالإسناد ، والفصل الثالث يتحدث عن مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث ، والفصل الرابع يتحدث عن نقد الرواة وتتبع كذب الوضاعين، والفصل الخامس يتحدث عن التأليف في الوضاعين، والفصل السادس يتحدث عن التأليف في الموضوعات، ثم ختمت بأهم ما تم التوصل إليه من خلال هذا البحث، ونسأل الله التوفيق والتيسير في هذا العمل، وأحب أن أنوه هنا أنني استفدت كثيرا في بحثي هذا مما كتبه الدكتور عبد الله بن ناصر الشقاري الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالرياض في بحثه الذي سماه " الآثار السيئة للوضع في الحديث النبوي وجهود العلماء في مقاومته " .
الباب الأول :
مباحث تتعلق بالحديث الموضوع
الحديث الضعيف لغة واصطلاحا :
أ- لغة : اسم مفعول من وضع الشيء يضعه - بالفتح - وضعاً، وتأتي مادة (وضع) في اللغة لمعاني عدة منها: الإسقاط، الترك، الافتراء والإلصاق [3].(10/327)
ب- أما في اصطلاح المحدثين: فقد عرفه ابن الصلاح بقوله : هو المختلق المصنوع [4]، وعرفه غيره بأنه هو : ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اختلاقا وكذباً مما لم يقله أو يفعله أو يقره [5].
التعريف بالحديث الموضوع :
الموضوع شر الحديث الضعيف جملة وتفصيلاً ، وقد جعله العلماء آخر درجات الحديث الضعيف، وإنما جعلوه من درجاته لأجل التقسيم المعرفي وبحسب إدعاء واضعه، وإلا فهو ليس من أنواع الحديث أصلاً.
عبارات العلماء في التعريف بالحديث الموضوع والإشارة إليه :
1- التصريح بوضعه فيقولون : موضوع، باطل، كذب.
2- قولهم في الحديث : لا أصل له، لا أصل له بهذا اللفظ، ليس له أصل.
3- قولهم في الحديث : لا يصح، لا يثبت، لم يصح في هذا الباب شيء.
مصادر الحديث الموضوع :
أ - قد يخترعه الواضع من نفسه ابتداءً، وينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعرف ذلك : إما بإقراره أو ما ينزل منزلة الإقرار : كأن يدعو الحديث إلى مبدأ يدعو إليه الوضاع، أو تدل على ذلك قرائن الأحوال.
ب- قد يأخذ الواضع كلام غيره فينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الموضوع إما من كلام الصحابة أو من كلام التابعين أو بعض قدماء الحكماء.. ونحو ذلك [6].
ج- قد يهم الراوي فينسب كلام الغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن غير قصد وتعمد للوضع مثل "ومن كثرت صلاته في الليل حسن وجهه في النهار" [7]، ولذا عده بعضهم في حكم المدرج [8].
حكم الوضع في الحديث النبوي وعقوبة الوضاعين في الآخرة :
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : "وقد أجمع أهل الحل والعقد على تحريم الكذب على آحاد الناس، فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي والكذب عليه كذب على الله تعالى، قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [9] " [10].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم وضعه، وتوعد بالعقاب الشديد والعذاب الأليم لمن فعل ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم : "حدثوا عني ولا حرج، بلغوا عني ولو آية، إن كذباً علي ليس ككذب على أحد ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" [11] وقد حكي عن بعض الحفاظ أنه قال: "لا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرون بالجنة إلا هذا، ولا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا إلا هذا" [12].
عقوبة من روى الحديث الموضوع في الدنيا :
أما عقوبة من روى الحديث الموضوع في الدنيا فقد أجاب ابن حجر الهيتمي المكي على سؤال ورد إليه ونصه كالتالي : لنا إمام يروي أحاديث لا يبين مخرجيها ولا رواتها فما الذي يجب عليه؟ فأجاب: " من فعله وهو ليس من أهل المعرفة بالحديث، ولم ينقلها عن عالم بذلك، فلا يحل له ومن فعله عزر عليه التعزيز الشديد.. ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه " هذا فيمن روى حديثاً مجهول الحال فضلاً عن أن يكون موضوعاً، أما عن الموضوع بالذات : فقد كتب البخاري على ظهر كتاب ورده فيه سؤال عن حديث مرفوع وهو موضوع، فكتب "من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل" .
توبة الواضع وحكم روايته بعدها :
لا خلاف بين العلماء أن توبة الواضع مقبولة، فمن تاب تاب الله عليه {ومن تاب وآمن وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} [13] ولكن مع قبول توبته هل تقبل روايته أم لا ؟ يرى الإمام أحمد وأبوبكر الحميدي شيخ البخاري وغيرهم أنه لا تقبل روايته أبدا، قال أبو بكر الصيرفي : "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر" [14]، واختار النووي القطع بصحة توبته وقبول روايته كشهادته، وحاله كحال الكافر إذا أسلم [15].
حكم رواية الحديث الموضوع :
اتفق العلماء على تحريم رواية الحديث الموضوع، فلا تحل روايته لأحد علم حاله وعرف أنه موضوع، إلا مبينا حاله ومصرحاً بأنه موضوع، يقول الإمام مسلم : "إن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه.. وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلناه هو اللازم دون غيره، قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [16] وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} [17] فدل بما ذكر من الآيتين أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة " [18].
أما من السنة فها هو صلى الله عليه وسلم يصرح بذلك في حديثه المشهور : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" [19]، وكفى بهذا الوعيد الشديد في حق من روى حديثاً يظن أنه كذب، فضلاً عن أن يروي ما يعلم كذبه ولا يبينه.
ولاشك أن من روى حديثاً موضوعاً فلا يخلو من أحد أمور ثلاثة : إما أن يجهل أنه موضوع، وإما أن يعلم بوضعه بواحد من طرق العلم به، وهذا إما أن يقرن مع روايته تبيان حاله، وإما أن يرويه من غير بيان لها.(10/328)
فأما الأول: وهو من يجهل أنه موضوع، فلا إثم عليه إن شاء الله [20]، وإن كنا نعتقد أنه مقصر في البحث عنه، لكن لا يؤمن عليه العقاب في تركه البحث عن حال ما يحدث به، لاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إنماً أن يحدث بكل ما سمع" [21].
وأما الثاني: وهو من يعلم وضعه ويبين حاله فلاشيء عليه، إذ قد أمن ما كان يخشى منه وهو علوقه في الأذهان منسوباً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أما إذا كانت روايته له قاصداً بها إبانة حاله، فهذا مأجور لنفيه الدخيل عن الحديث الشريف وتنبيه الناس عليه، فهو من عدول خلف الأمة ومن خيارها الذين امتازوا عمن سواهم بأنهم ينفون عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأما الثالث: وهو من رواه من غير بيان لحاله مع علمه بأنه موضوع فهو مأزور وآثم، سواء ذكر إسناد الموضوع أم لا، إذ لا يكتفى بإيراد الإسناد في هذا الزمان، بل لابد من التصريح بأنه موضوع وكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر الإسناد وعدمه سواء، يقول السخاوي : "ولا تبرأ العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده - أي الموضوع - لعدم الأمن من المحذور به، وإن كان صنعة أكثر المحدثين في الأعصار الماضية" [22] وهذا في عصر السخاوي في القرن التاسع فما بالك بعصرنا الحاضر ؟! فقد كانت طريقة الاكتفاء بالإسناد معروفة لدى القدماء، لأن علماء عصرهم يعرفون الإسناد، فتبرأ ذمتهم من العهدة بذكر السند، أما عصرنا هذا فقد سرت العدوى فيه من إضاعة الإسناد إلى إضاعة المتون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حكم العمل بالحديث الموضوع :
العمل بالحديث الموضوع حرام بالإجماع، لأنه ابتداع في الدين بما لم يأذن به الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" [23] ويقول: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [24] هذا في الأمور الدينية التعبدية، أما في الأمور الدنيوية : فالعمل به على أنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرام أيضاً، أما على غير ذلك فحكمه يختلف باختلاف تلك الأعمال، وتنطبق عليه الأحكام الشرعية والقواعد المرعية.
أسباب الوضع في الحديث النبوي :
1 – الخلافات السياسية ، وقد كانت الشرارة الأولى لهذه الخلافات بعد مقتل عثمان [25]رضي الله عنه ثم انتشرت الخلافات السياسية ، وانتشر معها الكذب نُصرة لطائفة أو خليفة ونحو ذلك .
2 – الخلافات المذهبية ، فقد أدّت الخلافات المذهبية إلى وضع الأحاديث ، حتى أن رجلاً كان من أهل الأهواء ثم تاب فقال : كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا.[26]
3 – الزندقة والطعن في الإسلام ، فقد أدرك الزنادقة وأعداء الإسلام أن قوة الإسلام لا تُقاوم ، فلجئوا إلى وضع الأحاديث التي تُنفّر الناس من الإسلام ، وتُشكك المسلمين بدينهم .
4 – القصص والوعظ ، فقد كان لديهم حرصا شديدا على ترغيب الناس أو ترهيبهم ، فما يجدون من يتحرّك إلا إذا وضعوا لهم الأحاديث في ذلك .
5 – الوعظ والتذكير ، فقد وضع أحد الوضاعين – وهو ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها !
6 – التكسّب وطلب المال ، فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ، ليُعطوه من أموالهم .
حدّث جعفر الطيالسي فقال : صلى أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام قاصّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة - فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه وهما يقولان : ما سمعنا بهذا إلا الساعة ! فسكتا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطعة دراهم ثم قعد ينتظر ، فأشار إليه يحيى فجاء ، فقال يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال الكذّاب : أحمد وابن معين ! فقال : أنا يحيى وهذا أحمد ! ما سمعنا بهذا قط ، فإن كان ولا بُدّ من الكذب فعلى غيرنا !! فقال : أنت يحيى بن معين ؟!! قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق !!! وما علمت إلا الساعة !! كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ؟!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !! قال : فوضع أحمد كمّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم . فقام كالمستهزئ بهما !!
7 – العصبية للجنس والقبيلة أو اللغة والوطن ، فقد وُضِعت الأحاديث في فضل العرب ، وفي فضل بعض البلدان أو ذمّهم ، ونحو ذلك .
8 – التقرب للحكام والسلاطين ! بما يوافق أهوائهم ، كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكذاب ، فقد وضع حديثاً في فضل اللعب بالحَمَام !(10/329)
وذلك أنه دخل على المهدي ، وكان المهدي يُحب اللعب بالحَمَام ، فقيل لِغياث هذا حدّث أمير المؤمنين . فجاء بحديث : لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر – ثم زاد فيه – أو جناح !
فأمر له المهدي بصرّة ، فلما قام من عند المهدي قال المهدي : أشهد أن قفاك قفا كذّاب ! فلما خرج أمر المهدي بذبح الحَمَام !
9 – المصالح الشخصية أو قصد الانتقام من شخص أو فئة مُعيّنة ، فقد جاء ابنٌ لسعد بن طريف الإسكاف يبكي ، فسأله عن سبب بكاءه ، فقال : ضربني المعلّم . فقال سعد : أما والله لأخزينهم ! ثم وضع حديثا قال فيه : معلموا صبيانكم شراركم ...
10 – قصد الشهرة ، والتميّز على الأقران ، وهذا ما يفعله الذين يُريدون أن يُذكروا بعلوّ الإسناد ، أو كثرة الشيوخ ونحو ذلك ، فيُركّبون بعض الأحاديث ويضعونها لأجل ذلك .
الباب الثاني :
جهود العلماء في مقاومة الوضع
إن من ينظر إلى الكم الكبير من الأحاديث الموضوعة المبثوثة في بطون الكتب، وتتداولها ألسن الناس اليوم، قد يتساءل ماذا كان موقف العلماء تجاه هذه الأحاديث الموضوعة ، وقد اختلطت بالأحاديث الصحيحة ؟! وهو تساؤل في محله ،فقد عُرضَ على الإمام عبد الله بن المبارك فقيل له : هذه الأحاديث الموضوعة ؟؟ فقال: تعيش لها الجهابذة [27] {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظن} [28] وصدق الله العظيم فقد قيض لهذه الأمة رجالاً أمناء مخلصين، قاوموا الوضع والوضاعين وتتبعوهم، وميزوا بين الصحيح والسقيم، وبذلوا جهوداً جبارة في سبيل حفظ الشريعة وأصولها.
ونستعرض هنا جزءاً مما بذله علماءنا الإجلاء في مقاومة الوضع والتصدي للوضاعين:
الفصل الأول: جمع الأحاديث الثابتة كانت الأحاديث الثابتة مدونة في صدور الرجال ومسطرة في بطون الكتب، وكانت تلك الأحاديث وأولئك الرجال منتشرين في أنحاء العالم الإسلامي، وحين برز قرن الفتنة وظهرت معها طلائع الموضوعات ثم انتشرت وتكاثرت، خاف الغيورون على السنة من علماء الإسلام، فأسرعوا إلى الصحابة يسمعون عنهم ويستفتونهم، كما سارعوا إلى بطون صحفهم يستظهرونها.
وحين زاد تيار الوضع وطغى، وأخذت الزنادقة ومن لف لفهم يكتبون الموضوعات ويدسونها في الصحاح، ظهرت فكرة جمع الحديث في طبقة الإمام الزهري ومن بعدها كابن جريج وسفيان الثوري ومالك [29]، فدونوا الحديث على الهيئة التي وجدوه عليها، ثم بحثوا عن أحوال الرواة، فأسقطوا ما يعرفون أنه موضوع، فقد كانوا - كما قال أبو داود - يجتهدون غاية الاجتهاد فلا يتمكنون من الحديث المرفوع المتصل إلا من دون ألف حديث [30].
ومن أشهر تلك الكتب وأولها موطأ الإمام مالك الذي يقول عنه الشافعي : "ما على أديم الأرض بعد كتاب الله - كتاب أصح من موطأ مالك" [31].
ثم جاءت من بعدهم طبقة أخرى انتهجت جمع الأحاديث النبوية على طريقة المسانيد، فجمعت ما يروى عن الصحابي في باب واحد رغم تعدد الموضوع، ونقت الحديث من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين - بخلاف الطبقة السابقة - ومن هؤلاء : بقي بن مخلد وإسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل الذي انتقى مسنده المشهور - كما يقول - من 750 ألف حديث [32]، ومن هذا يتبين لنا ما كانوا يكابدونه من جهد في جمع الأحاديث، لكنهم في طريقتهم يمزجون الصحيح بغيره من حسن وضعيف.
فجاء من بعدهم من قام بالعبء العظيم وأفرد الصحيح في كتاب مستقل، وهما الإمامان الجليلان البخاري ومسلم، فقد كان البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح [33]، وكذلك مسلم، فقد صنف صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة [34]، وبعد أصحاب المسانيد والصحاح تتابعت عقود السنن تترى من أبي داود والنسائي والترمذي.. وغيرهم، وبهذا تم جمع الحديث وتطهيره من دنس الوضع ومخلفاته.(10/330)
الفصل الثاني: الاهتمام بالإسناد أحس علماءنا الإجلاء بالخطر الداهم الذي نشأ مع الوضع، فانتدبوا للمحافظة على السنة واجتهدوا في ذلك، فعنوا بالإسناد واهتموا به، وفحصوا أحوال الرواة بعد أن كانوا يرجحون توثيق من حدثهم، وطلبوا الأسانيد منهم قبل المتون، لأن السند للخبر كالنسب للبشر، ويخبرنا الإمام محمد بن سيرين عن ذلك فيقول: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" [35] ولذا نجدهم يتواصون بالاهتمام بالإسناد والسؤال عنه، يقول هشام بن عروة: "إذا حدثك رجل بحديث، فقل: عمن هذا؟" [36] لأنه إذا أخبر عن الراوي بلسان المقال، فكأنه أخبر عن حال المروي بلسان الحال، وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد حثوا العامة على الاحتياط في حمل الحديث، وألا يأخذوا إلا حديث من يوثق به علماً وديناً، فهذا محمد بن سيرين يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" [37] وقد شاعت كلمته وغيرها في الناس، فأصبح الإسناد أمراً بديهياً حتى عند العامة [38]. ولشدة اهتمام الأمة بالإسناد عده علماؤها من فروض الكفاية، قال الحافظ ابن حجر: "ولكون الإسناد يعلم به الموضوع من غيره، كانت معرفته من فروض الكفاية" [39].
الفصل الثالث: مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث حين ظهر الوضع في الحديث ضاعف العلماء نشاطهم في الرواية والدراية على حد سواء.
ففي الرواية :
هرعوا إلى من بقي من الصحابة رضي الله عنهم يسألونهم عما يسمعون من الأحاديث وهل قالها النبي صلى الله عليه وسلم أم هي كذب مصنوع، ولحكمة يعلمها الله مد في أعمار بعض الصحابة كعبد الله بن عباس وعائشة وجابر وأنس وعامر بن الطفيل، فساعدوا في حفظ السنة من الضياع، وكذلك فعل الأتباع مع التابعين، يقول الأوزاعي : "كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزائف على الصيارفة، فما عرفوا منه أخذنا، وما تركوا تركنا" [40].
وفي علم الرواية أيضاً: نشأ ما يسمى بـ"الرحلات" فقد قطع الرواة الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه، خشية خطأ الراوي أو تعمده في الزيادة. فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يسير شهراً إلى الشام ليسأل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حديثاً سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [41]، وهذا سعيد ابن المسيب يقول: "إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد [42]" ويقول أبو العالية: "كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم" [43].
أما علم الحديث دراية :
فقد وضع العلماء قوانين مخصوصة يتميز بها الغث من السمين، وجعلوها قائمة على أصول أسسوها ليبنوا عليها أحكامهم، ومنها:
1 - فن التواريخ، ليعلم منه تاريخ الراوي ووفاته، يقول سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ" [44].
2 - فن الجرح والتعديل، وبه استطاعوا معرفة أحوال الرواة، فانكشف لهم الوضاعون.
3 - النظر في كيفية التحمل وأخذ الرواة بعضهم عن بعض، وعن طريقه عرف العلماء اتصال الروايات من انقطاعها.. إلى غير ذلك من القواعد التي وضعوها لدراية الحديث، وبها حققوا أقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطاً لدينهم، وأرسوا أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأرقاها، وقد قلدهم فيها علماء الفنون الأخرى من لغة وأدب وتاريخ ونحوها، فابن قتيبة الذي يعد من أوائل نقاد الأدباء، استمد ذلك من معارفه الحديثية، وكذلك فعل ابن خلدون في تمييزه الزائف من أخبار المؤرخين، فمقاييسه التي طبقها هي بعينها الأمثلة التي وضعها مسلم لمعرفة المنكر من الحديث [45].
يقول السباعي رحمه الله تعالى: "وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية، اعتمد فيها على قواعد مصطلح الحديث، واعترف بأنها أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات" [46] ويقصد السباعي " أسد رستم "أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت سابقاً، والكتاب هو "مصطلح التاريخ".
الفصل الرابع: نقد الرواة وتتبع الكذبة
فأما نقد الرواة:(10/331)
فقد أبلوا فيه بلاء حسنا، وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرهم وما ظهر من أمرهم وما بطن، ولم يخشوا أحداً، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم من تجريح الرواة والتشهير بهم ورع ولا حرج، فكان شعبة يقول: " تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل" [47] وسئل أن يكف عن بيان - أحد الكذابين - فقال: "لا يحل الكف عنه، لأن الأمر دين" [48] يقول الإمام النووي: "اعلم أن جرح الرواة جائز بل واجب بالاتفاق، للضرورة الداعية إليه، لصيانة الشريعة المكرمة، وليس هو من الغيبة المحرمة، بل هو من النصيحة لله تعالى ولرسوله والمسلمين" [49] لذا نشط العلماء في هذا الباب حتى أصبح علماً قائماً بذاته وهو "علم الجرح والتعديل" وهو ميزان للرواة يعرف به الثقة من الوضاع، ويختص بسند الحديث، وصرح بعضهم بأنه نصف العلم [50].
وأما تتبع الكذبة:
فهو تطبيق عملي لما نتج عنه نقد الرواة، وهو جهد عظيم يضاف إلى جهود العلماء في مقاومة الوضع، فكما أنهم قاوموهم بسلاح الفكر، كذلك قاوموهم بسلاح اليد واللسان، فقد كان بعضهم يحارب القصاص والكذابين ويمنعهم من التحديث، فهذا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما حين دخل المسجد فوجد قاصاً يقص، فوجه إلى صاحب الشرطة أن أخرجه فأخرجه [51]، وكذلك فعل أبوه عمر من قبله، ومن أشهر من عرف بتصديه لهؤلاء من التابعين : عامر الشعبي، سفيان الثوري، عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم.
ونتيجة لذلك توارى كثير من الكذابين، وأصبح عند العامة وعي جيد، يميزون به بين المحدثين والكذابين.
الفصل الخامس: التأليف في الوضاعين
جهد آخر يضاف إلى الجهود العظيمة التي بذلها العلماء من أجل حفظ الحديث وتخليصه من الوضع، متمثلا هذا الجهد في تلك الثروة العلمية الضخمة من كتب الموضوعات والوضاعين، فقد سجلوا العلماء أولئك الوضاعين في الصحف، كي يعرفهم من بعدهم فيجتنب أحاديثهم، واستلوهم من رواة الحديث كما تستل الشعرة من العجين، فطهروا منهم السنة الشريفة تطهيراً.
فوضع كثير من العلماء مؤلفات خصصوها للضعفاء والمتروكين من رواة الحديث، وأدرجوا فيها أسماء الوضاعين وأوصافهم وأقوال العلماء في نقدهم وتجريحهم، وذلك ككتب "الضعفاء" للإمام البخاري والنسائي وأبي حاتم ابن حبان، ثم جاء من بعدهم عبد الله بن عدي الجرجاني، فألف كتابه "الكامل " ذكر فيه كل من تكلم فيه ولو كان من رجال الصحيحين.
وكذلك أدرجوا الوضاعين في كتب التاريخ التي صنفت في أسماء الرجال وأخبارهم ومنها "تاريخ البخاري" الكبير والأوسط والصغير، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني، وتاريخ جرجان للسهمي وتاريخ دمشق لابن عساكر و"المنتظم" لابن الجوزي [52] وبعد هؤلاء جاء الحافظ الذهبي فوضع كتابه "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" وقد احتوى هذا الكتاب المطبوع في أربعة مجلدات ضخمة على ذكر الكذابين والوضاعين، ثم على المتهمين بالوضع، وقد فات الذهبي جماعة ذيلهم عليه الحافظ العراقي، وقد عقب عليه أيضا الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان".
الفصل السادس: التأليف في الموضوعات لم يكتف علماؤنا الأجلاء بتسجيل أسماء هؤلاء الكذابين في الكتب، بل جمعوا أكاذيبهم ودونوها ليس بقصد أن يقرأها ويطلع عليها الناس من باب الثقافة وزيادة المعلومات، بل لكي يجتنبوها وينبهوا على أضرارها وآفاتها.
من أجل هذا فقد جمع كثير من العلماء ما تناثر في كتب من سبقهم من الموضوعات، فأودعوها أسفاراً أشهروها بين الناس، وفيها ما هو خاص بالأحاديث الموضوعة وتبلغ أربعين مؤلفا تقريباً [53]، ومن أهمها الكتب الآتية :
1 - تذكرة الموضوعات: لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، توفي سنة 507 ورتبه على حروف المعجم، وفيه يذكر الحديث ومن جرح راويه من الأئمة، طبع بمصر سنة 1323ه. وقد أعيدت طباعته عدة مرات.
2 – الموضوعات من الأحاديث المرفوعات : ويقال له "الأباطيل" لأبي عبد الله الحسين ابن إبراهيم الجورقاني المتوفى سنة 543 وقد أكثر فيه من الحكم بالوضع بمجرد مخالفته السنة الصريحة. [54]، وقد طبع هذا الكتاب تحت اسم ( الأباطيل والمناكير ) بتحقيق وتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي سنة 1403ه بالمطبعة السلفية في الهند.
3 – الموضوعات : لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي توفي سنة 597ه وهو أكبر كتب الموضوعات وأشهرها، تناول فيه ما ورد من الأحاديث التي يعتقد أنها موضوعة في "الكامل" لابن عدي، وكتب الضعفاء لابن حبان والعقيلي والأزدي، ومعاجم الطبراني الثلاثة.
4 - المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب: للحافظ أبى حفص عمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة 623، اكتفى فيه بذكر الأبواب التي لم يصح فيها شيء.
5 - الدرر الملتقط في تنبيه الغلط : للعلامة رضي الدين حسن بن محمد العمري المعروف بـ (الصغاني ) المتوفى سنة 650.(10/332)
6- موضوعات الصغاني : رضي الدين الحسن بن محمد العمري، جمع فيها بعضاً من الأحاديث الموضوعة وأدرج فيها كثيراً من الأحاديث التي لم تبلغ درجة الوضع [55].
7- الأحاديث الموضوعة التي يرويها العامة والقصاص: وهي رسالة لعبد السلام بن عبد الله.. ابن تيميه، جد شيخ الإسلام توفي سنة 652ه.
8- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للإمام السيوطي المتوفى سنة 911، اختصر فيه كتاب الموضوعات لابن الجوزي، وحرر فيه تعقباته وانتقاداته عليه، وزاد فيه موضوعات أخرى لم يذكرها ابن الجوزي.
9- الذيل على اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطي، وقد ذكر فيه عدداً آخر من الأحاديث الموضوعة لم يذكرها في الأصل ويسمى أيضاً (الذيل على الموضوعات) وله كتاب في التعقيب على الموضوعات أسماه (النكت البديعات على الموضوعات) ثم اختصره في كتاب آخر سماه (التعقبات على الموضوعات) وعدد الأحاديث التي تعقبه فيها ثلاثمائة ونيف [56].
10- الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة: لشمس الدين محمد بن يوسف بن علي الشامي الصالحي، صاحب السيرة توفي سنة 942 وقد أشار إلى هذا الكتاب في سيرته.
11 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى سنة 963، لخص فيه ما في موضوعات ابن الجوزي واللآلي للسيوطي.
12- تذكرة الموضوعات : لرئيس محدثي الهند جمال الدين محمد بن طاهر الفتني المتوفى سنة 976ه وله أيضاً "قانون الأخبار الموضوعة والرجال الضعفاء".
13- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: ويسمى "تذكرة الموضوعات" للشيخ: الملا علي القاري الهروي المتوفي سنة 1014.
14- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع : للملا علي القاري، وقد رتبه على حروف الهجاء، وقد بلغت أحاديثه حسب تعداد المحقق 417 حديثاً [57].
15- الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة: للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المتوفى سنة 1033ه وقد نشره الأستاذ الصباغ محققاً في العدد السادس من مجلة "أضواء الشريعة" سنة 1395ه. ثم طبع هذا الكتاب منفرداً بتحقيق الأستاذ الصباغ في بيروت، الدار العربية سنة 1395ه.
16- الكشف الإلهي عن شديد الضعف والواهي: لمحمد بن محمد الحسيني السندروسي المتوفى سنة 1177ه جمع فيه الأحاديث الشديدة الضعف والواهية والموضوعة.
17- الدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات : للشيخ محمد بن أحمد السفاريني المتوفى سنة 1188ه، وقد اختصر فيه كتاب "الموضوعات" في مجلد ضخم [58].
18- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة : للقاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250ه.
19- الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: للعلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي المتوفى سنة 1304ه وقد أعيدت طباعة هذا الكتاب بتحقيق الشيخ محمد السعيد ابن بسيوني زغلول ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1405ه.
20- اللؤلؤ المرصوع فيما قيل لا أصل له أو بأصله موضوع : للشيخ محمد بن خليل القاوقجي المتوفى سنة 1305ه. 21- تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين لمحمد البشير ظافر المتوفى سنة 1325ه ذكر فيه الأحاديث الموضوعة المشتهرة على الألسنة.
22- الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث : للشيخ أحمد بن عبد الكريم العامري الغزي، وقد طبع هذا الكتاب في طبعته الثانية بقراءة وتصحيح الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد سنة 1413ه.
23- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة : للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة مقالات نشرها في مجلة "التمدن الإسلامي" ثم رأى طبعها تباعاً في أجزاء متسلسلة، وكل جزء 100 حديث، وكل خمسة أجزاء في مجلد [59].
وبالإضافة إلى ما تقدم من الكتب المؤلفة في الموضوعات خاصة، فقد تلقف العلماء رحمهم الله، ما يدور على ألسنة العامة من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واختبروها فعرفوا صحيحها من زائفها ونشروا ذلك في مؤلفات بين الناس، من أهمها:
1- التذكرة في الأحاديث المشتهرة: لبدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 ه. وطبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ مصطفى عبد القادر عطا.
2- اللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة، مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع: للحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852ه [60].
3- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902ه.
4- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : لجلال الدين السيوطي لخصه من "التذكرة" للزركشي وزاد عليه، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ خليل محي الدين الميس.
5- الوسائل السنية من المقاصد السخاوية والجامع والزوائد السيوطية : لعلي بن محمد المنوفي المتوفى سنة 939 .
6- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث لعبد الرحمن بن علي بن الديبع المتوفى سنة 944 لخص فيه "المقاصد" وبين ما هو صحيح وموضوع.(10/333)
7- البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير: لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973 انتخبها مما تقدم من الكتب وكذلك من كتاب "الغماز على اللماز" لجلال الدين السمهودي، وقد طبع هذا الكتاب قديماً بالقاهرة سنة 1277ه.
8- تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس: لمحمد بن أحمد القادري المتوفى سنة 1075ه.
خاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وعليه يصلح أمر الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وصفوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد :
فهذه خاتمة بحثي هذا " جهود العلماء في مقاومة الوضع " ، حيث مهدت للموضوع بباب تمهيدي تحدثت فيه عن تعريف الحديث الموضوع، وعن عبارات العلماء في التعريف به، وعن مصادر الحديث الموضوع، وعن عقوبة الوضع في الحديث، وعن توبة الوضاعين، وعن حكم رواية الحديث الموضوع، وعن أسباب الوضع في الحديث النبوي الشريف، وعن حكم العمل بالحديث الموضوع، ثم دخلت إلى الباب الثاني والذي يعتبر هو موضوعي الرئيس من هذا البحث، وقد تحدثت فيه عن جهود العلماء في مقاومة الوضع، وقد قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول، الفصل الأول يتحدث عن جمع الأحاديث الثابتة ، والفصل الثاني يتحدث عن الاهتمام بالإسناد ، والفصل الثالث يتحدث عن مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث، والفصل الرابع يتحدث عن نقد الرواة وتتبع الكذبة، والفصل الخامس يتحدث عن التأليف في الوضاعين، والفصل السادس يتحدث عن التأليف في الموضوعات، والآن أختم بحثي هذا الذي حاولت أن أظهر مدى العمل الجليل والجهد الكبير الذي أولاه علماءنا الأجلاء في مقاومة الوضع في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أردت بيانه في هذا المقام فإن أصبت فمن توفيق الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــ
فهرس البحث [1] سورة الحجر آية 9.
[2] سورة النحل آية 44.
[3] القاموس المحيط، مادة (وضع) 694، 695.
[4] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 89.
[5] توضيح الأفكار: للصنعاني (الحاشية) ج2 ص 68.
[6] الفوائد الموضوعة: للكرمي ص101، الأسرار المرفوعة: للقاري ص 179، المصنوع ص 138.
[7] أورده ابن الجوزي في الموضوعات ج 2 ص 109 – 111.
[8] توضيح الأفكار : للصنعاني ج 2 ص 88-89.
[9] سورة النجم الآيتان 3، 4 .
[10] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 70.
[11] هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
[12] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 242-243.
[13] سورة الفرقان آية 7.
[14] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 69.
[15] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص70.
[16] سورة الحجرات آية 6.
[17] سورة البقرة آية 282.
[18] صحيح مسلم شرح النووي ج1 ص 60-61.
[19] رواه مسلم في صحيحه في المقدمة باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين (1/9).
[20] توضيح الأفكار : (الحاشية) ج2 ص 73 ، المصباح : للاندجاني ص 96.
[21] رواه مسلم في صحيحه في المقدمة باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/10).
[22] فتح المغيث.. للسخاوي 1/175.
[23] الفتاوى الحديثية : لابن حجر ص 32.
[24] الأباطيل والمناكير ج1 ص19-20.
[25] تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان للدكتور علي الصلابي.
[26] تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان للدكتور الصلابي.
[27] تدريب الراوي : للسيوطي ص 184.
[28] سورة الحجر آية 9.
[29] تقييد العلم: للخطيب البغدادي ص 105 وما بعدها.
[30] حجة الله البالغة ج1 ص 148 عن رسالة أبي داود لأهل مكة.
[31] سير أعلام النبلاء ج8 ص 111.
[32] السير ج 11 ص 329.
[33] تذكرة الحفاظ: للذهبي ج 2 ص 556.
[34] تذكرة الحفاظ : للذهبي ج 2 ص 589 .
[35] صحيح مسلم (المقدمة) ج1 ص15.
[36] الجرح والتعديل ج 2 ص 34.
[37] صحيح مسلم (المقدمة) ج1 ص14.
[38] أصول الحديث : للخطيب ص 428.
[39] قواعد التحديث : للقاسمي ص 174.
[40] الموضوعات : لابن الجوزي ح1 ص 103.
[41] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 8.
[42] الرحلة في طلب الحديث ص127.
[43] الرحلة في طلب الحديث ص93.
[44] الكفاية في علم الرواية ص 147.
[45] مجلة الأزهر : مجلد 38 سنة 1386 ص 454.
[46] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 126.
[47] الموضوعات : المقدمة ج1 ص 50.
[48] الموضوعات : المقدمة ج1 ص 50.
[49] شرح صحيح مسلم للنووي ج1 ص 60.
[50] مقدمة تحفة الأحوذي : للمباركفوري ص 152.
[51] تحذير الخواص : للسيوطي ص 214.
[52] توضيح الأفكار : للصنعاني ح1 ص 46،47.
[53] أصول الحديث : للخطيب ص 435.
[54] الرسالة المستطرفة : للكتاني ص 149.(10/334)
[55] الرسالة المستطرفة ص 152.
[56] الرسالة المستطرفة ص 150.
[57] المصنوع ص 177..
[58] الرسالة المستطرفة ص 150.
[59] سلسلة الأحاديث الضعيفة.. المقدمة ص 4.
[60] السنة قبل التدوين ص 290.
=====================
فضل اتباع السنة
بقلم محمد عمر بازمول
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ[ [آل عمران:102].
] يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً[ [النساء:1]
] يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً[ [ الأحزاب:70،71].
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمّا بعد:
فهذه محاضرة بعنوان فضل اتباع السنة أدرتها على العناصر التالية: -
-تعريف السنة .
-أقسام السنة وأنواعها .
-ثمرات إتباع السنة وهي التالية :-
1. أنها سبيل النجاة من الاختلاف .
2. أنها سبيل الفكاك من الافتراق .
3. أنها سبيل الهداية من الضلال .
4. أن النسبة إليها فيها شرف النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
5. أننا باتباعها ننفك من سبل الشيطان .
6. أننا باتباعها يرفع المسلمون عن أنفسهم سمة الذل والهوان .
7. أن فيها تشخيص الداء والدواء .
8. أن فيها تحصيل الشرع جميعه .
9. أن بها يكون تمام صالح ومكارم الأخلاق .
10. أن بها ينجو المسلم من العذاب الأليم من النيران .
11. أن بها ينال المسلم دخول الجنة .
12. أن بها يكون إحياء السنة .
ذاك هو مجمل هذه المحاضرة وإليكم البيان .
العنصر الأول في المحاضرة وهو تعريف السنة :
السنة في اللغة: السيرة والطريقة, تقول فلان على سنة فلان أي: على طريقة فلان أي على سيرة فلان هذا هو المعنى في اللغة .
السنة في الشرع: إتباع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر وترك ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فهي تشمل في الشرع كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور واجبة وأمور مستحبة وترك الأمور المحرمة وترك الأمور المكروهة . ثم بعد ذلك أصبح للسنة اصطلاح عند العلماء :-
فالسنة عند المحدثين :- ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
فأما ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول يعني حديث فيه قول للرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…)) . الحديث, هذه سنة قولية.
وأمّا الفعل فهو السنة الفعلية: أن ينقل إلينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا وكان يترك كذا مثل قول أنس رضي الله عنه كان رسول الله يحب الدباء هذا أمر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً من السنة الفعلية ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال في الصلاة أو أفعال في الزكاة أو أفعال في الصوم أو أفعال في الحج هذه كلها تدخل تحت السنة الفعلية .
وأمّا التقرير فهذه السنة التقريرية:وهي أن يحدث الفعل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمنه والوحي ينزل ويقر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ويقر الوحي ذلك فلا ينكر ولا يغير فتكون بذلك تقرير شرعي للفعل! ودلالة السنة التقريرية بمجردها على الاستحباب ضعيفة!
وأما الصفة الخُلُقية : فهي ما نقل إلينا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن".
وأما الصفة الخلقية فما ينقل لنا عن هيئته صلى الله عليه وسلم كما يأتي في بعض الأحاديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة لا بالطويل ولا بالقصير إذا وقف بين الطوال طالهم وكان صلى الله عليه وسلم أبيض الوجه وجهه كأنه فلقة القمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... إلى أخر ما يذكر في صفات خلقه صلى الله عليه وسلم!
إذاً السنة عند المحدثين ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
والسنة عند الأصوليين والفقهاء :
ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.(10/335)
لأن الفقيه والأصولي إنما ينظر في السنة من جهة أنها دليل شرعي وبالتالي لا يكتسب عنده سمة الدليل إلا هذه الأمور الثلاثة وهي : القول و الفعل والتقرير.
والفقهاء حينما يذكرون السنة ويريدون بها هذا المعنى ينبهون أن لهم اصطلاحاً آخر يطلقون فيه كلمة السنة بمعنى المستحب والمندوب ويجعلونها مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي فيقولون : الأحكام الشرعية: خمسة الواجب والمحرم والمكروه والمباح والمستحب
وهذا المستحب يعبرون عنه بالمندوب ويعبرون عنه بالسنة .
وشاع عند بعض الناس أن السنة هي فقط المستحب الذي ثمرته أنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه والواقع أن هذا الاصطلاح اصطلاح حادث جرى عليه أهل الأصول وأهل الفقه في بيان مرتبة من مراتب الحكم الشرعي التكليفي لكن لا يصح لنا أن نفسر كلمة سنة إذا جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو في كلام الصحابة أو في كلام التابعين أو الأئمة الكبار بمعنى المستحب فالسنة عندهم أعم من ذلك تشمل المستحب والواجب بل تشمل ما يكفر مخالفه، ولذلك أئمة السلف والأئمة الكبار في القرون الثلاثة الفاضلة الذين ألفوا وصنفوا لهم كتب اسمها كتب السنة تشتمل على أمور الاعتقاد والتي يكفر مخالفها ككتاب السنة لابن أبي عاصم وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل وكتاب السنة للمروزي وغيرهم .
إذاً ينبغي ألا يهجم المرء على تفسير كلمة السنة إذا وردت في كلام الصحابة أو في كلام الأئمة التابعين أو الأئمة الكبار بأنها بمعنى المستحب فقط لأن هذا اصطلاح حادث لا ينبغي أن يفسر عليه كلام أولئك القوم.
إذا اتضح هذا ننتقل إلى العنصر التالي :
ما هي أقسام السنة:
السنة عند النظر تنقسم إلى قسمين :
سنة صريحة: إضافتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صريحة وظاهرة .
يأتيك في الحديث قال رسول الله فعل رسول الله كان رسول الله كذا أو حصل كذا مع رسول الله فالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي صريحة فهذه سنة صريحة .
السنة الضمنية: وهي سنة تغيب عن أذهان بعض الناس. و هي التي لا يأتي فيها صريحاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لكن حكمها حكم السنة المرفوعة الصريحة.
ما هي هذه السنة :
أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي والاجتهاد فيها لأنها ما دامت لا مجال للرأي والاجتهاد فيها فمن أين مصدرها ومن أين أخذوها ؟ أخذوها من الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي الذي لا مخالف له فيه هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة، وبعض أهل العلم يقول هذا إجماع سكوتي إذ أن الصحابي حينما يقول القول ويسكت عن الإنكار الصحابة الآخرون فإن هذا دليلٌ أن قول هذا الصحابي سنة إما أنه سنة صريحة بهذه الموافقة أو أنه حصل على درجة الحجة بموافقة الصحابة فصار حكمه حكم الإجماع السكوتي .
- قول الصحابي في أسباب النزول، في أسباب نزول القرآن الكريم هذا أيضاً حكمه حكم السنة المرفوعة إذا كانت الصيغة التي عبر فيها عن سبب النزول صيغة صريحة كقوله حدث كذا فأنزل الله كذا فإن هذا صريح في أن هذه الواقعة حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .
- قول الصحابي في تفسير مرويه فإن الصحابي حينما سمع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم علم بالقرائن التي حفت هذا الحديث فتفسيره لما يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على كلام غيره بل لعل الأصل فيه أن يكون هذا الفهم أو المعنى الذي فسر فيه الحديث يغلب على الظن أنه استفاده من الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذه أنواع تندرج تحت السنة الضمنية تغيب عن أذهان بعض الناس ولكن أهل الحديث من أكثر الناس تنبهاً لها لذلك تراهم إذا ألفوا الأجزاء الحديثية يوردون الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة لأنها لا تخلوا من أن تتضمن الدلالة أو الإشارة إلى سنة من السنن. ولهذا على طالب العلم أن يشمر عن ساعده للاعتناء بالوارد عن الصحابة في مسائل العلم، وهذا الجانب يقع فيه قصور من جهات:
الأولى: أن الغالب عدم الاعتناء ببيان الصحيح من الضعيف من الآثار. الثاني: عدم تحرير قول الصحابي في المسألة.
الثالث: الهجوم على نسبة القول إلى الصحابي، قبل تحرير إن كان آخر القولين له أوْ لا.
بعد ما عرفنا تعريف السنة وأقسام السنة نذكر لكم الآن فضل إتباع السنة والثمرات التي يجنيها المسلم إذا أتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأقول كمقدمة لهذه الثمرات :(10/336)
الحديث عن فضل اتباع السنة النبوية هو الحديث عن الإسلام بتشريعاته وحكمه البالغة وآدابه إذ السنة هي الدين كله قال تعالى ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ [[آل عمران :85-88] .
فالدين هو الإسلام والإسلام هو السنة فالدين هو السنة وفي هذه المحاضرة سأحاول أن ألقي الضوء على أهم ثمرات إتباع السنة والدخول فيها جعلنا الله وإياكم من أهلها فأقول مستعيناً بالله :
من أهم ثمرات ونتائج إتباع السنة ما يلي:
الثمرة الأولى
أن في اتباع السنة أخذ بالعصمة من الوقوع في الاختلاف
المذموم والمبعد عن الدين
الاختلاف المذموم الذي هو سمة الضعف ولا يسلم المرء منه إلا بطاعة الله وطاعة الرسول قال تعالى:] وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ[ [الأنفال :46]. ففي إتباع السنة والأخذ بها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك سبيل النجاة من الاختلاف المذموم.
أخرج الترمذي في سننه في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع وأبو داود في كتاب السنة من سننه باب ما جاء في لزوم السنة عن العرباض بن سارية قال "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ".
وفي لفظ ابن ماجه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد".
هذه الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم لا يخرج عنها شيء وهي أصل عظيم من أصول الدين. وذلك أن حياة الناس تحوطها العلاقات؛ فهي إمّا علاقة للعبد مع ربه. وإما علاقة للعبد مع مجتمعه. وإمّا علاقة مع نفسه.
وبيّن الحديث أمر العلاقة مع الله في قوله صلى الله عليه وسلم: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه".
وأمر العلاقة مع المجتمع في قوله: "وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
وأمر العلاقة مع النفس بينه في الوصية بالتقوى والتمسك بالسنة. تدلنا هذه
الوصية على فضل وثمرة من ثمرات اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الحديث حديث أبي نجيح العرباض بن سارية فيه إخبار عن أمر سيكون ، ما هو هذا الأمر؟!
أخبر أنه سيكون اختلاف كثير بين المسلمين عما كان عليه الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم : "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً "!
ما النجاة ما الفكاك كيف الخلاص ؟
قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " .
إذاً أول ثمرة وأول فضل لاتباع السنة أنك تعصم نفسك به على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، تعصم نفسك عن الاختلاف المذموم ، تعصم نفسك عن الدخول في أمور الاختلاف والفرقة التي ذمها الإسلام بأن تتمسك بالسنة وهذا معيار من الرسول صلى الله عليه وسلم نعلمه ونلقنه للناس نقول لهم إذا جاءكم أمر من الأمور والتبست عليكم الأمور وما عرفتم هل هذا الأمر يجوز أو لا يجوز؛ فانظروا هل كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا ضابط علمنا إياه صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ...".(10/337)
وقوله في الحديث: (فعليه بسنتي) أي فليلزم سنتي (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء. وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها. وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي منهم أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل .
قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: "في قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن قال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرق الناجية في القيامة جعلنا الله منهم بمنه .
ثم بوّب في ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفظه نفسه عن كل من يأباها من أهل البدع وإن حسنوا ذلك في عينه وزينوه"اهـ(1).
الثمرة الثانية أن في اتباع السنة ولزومها النجاة من الفرقة التي توعد أهلها بالنار
هناك الاختلاف وقد لا يصل إلى حد الفرقة لكن قد يصل الاختلاف إلى حد فتكون هناك فرق وجماعات وانتماءات ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج ابن ماجة عن أنس ابن مالك قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " .
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال : ما أنا عليه وأصحابي " .
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة "(1) .
ففي هذا الحديث بيان أن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم السلامة من الفرقة المذمومة التي توعد أهلها بالنار .
هناك في الثمرة الأولى ذكر الاختلاف وقد يحدث الاختلاف ولا يصل إلى فرقة فاتباعك للسنة يسلمك من الاختلاف .
هنا في الثمرة الثانية ذكر فرق وهذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم فيه إعجاز وتصديق لنبوته صلى الله عليه وسلم إذ الأمر حصل كما قال عليه الصلاة والسلام وحصلت فرق، هناك الخوارج وهناك المعتزلة وهناك المرجئة وهناك الجهمية وهناك الرافضة فرق كثيرة حصلت ، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الفرق ستبلغ إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ما هي ؟ هي التي تكون ما عليه أنا وأصحابي .
إذاً هذا فيه تعظيم لأمر إتباع السنة أليس كذلك؟
فيه بيان لثمرة من ثمرات إتباع السنة أليس كذلك؟
نقول بلى : فيه تعظيم لاتباع السنة وحث للمسلمين أن يتبعوا السنة فعليهم إذا أرادوا النجاة أن يكونوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذه ثمرة من ثمرات إتباع السنة .
ومن المهم هنا التنبيه على أن قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " من باب نصوص الوعيد، فالفرق المتوعدة بالنار، في قوله صلى الله عليه وسلم: " كلها في النار إلا واحدة " هذا عذابها إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها، كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء:48]،[مجموع الفتاوى (7/217-218)].
قال الآجري محمد بن الحسين (ت360هـ) رحمه الله : " فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الملة الناجية باتباعه لكتاب الله عزوجل وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه رحمةُ الله عليهم ، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يستوحش من ذكرهم مثل سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد القاسم بن سلام ومن كان على طريقهم من الشيوخ فما أنكروه أنكرناه وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك"اهـ [كتاب الأربعين حديثاً للآجري، تحقيق أخينا الفاضل بدر البدر، أضواء السلف، 1420هـ].
الثمرة الثالثة أن في لزوم السنة تحصيل الهداية والسلامة من الضلال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يرد عليَّ الحوض" (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال : " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه " (2) .(10/338)
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" (3).
وعن أبي أمامه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
] مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ[" (1).
والكتاب والسنة قد هُدِي من تمسك بهما.
هذه الأحاديث تفيد أن في اتباع السنة النبوية سلامة من الضلال: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض". إذاً هذا الحديث فيه بشارة لمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسك بها وأنها ستكون داعية وهادية في عرصات يوم القيامة إلى الحوض المورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم وهذه ثمرة عظيمة من ثمرات التمسك والاتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال ابن تيمية رحمه الله: "كان أئمة المسلمين مثل مالك وحماد بن زيد والثوري ونحوهم إنما تكلموا بما جاءت به الرسالة وفيه الهدى والشفاء فمن لم يكن له علم بطريق المسلمين يعتاض عنه بما عند هؤلاء وهذا سبب ظهور البدع في كل أمة وهو خفاء سنن المرسلين فيهم وبذلك يقع الهلاك، ولهذا كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة".
قال مالك رحمه الله: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك".
وهذا حق فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين . واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه.
وهكذا إذا تدبر المؤمن سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر وجد القرآن والسنة كاشفان لأحوالهم مبينان لحقهم مميزان بين حق ذلك وباطله والصحابة كانوا أعلم الخلق بذلك كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين كما قال فيهم عبدالله بن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"(1)اهـ.
الثمرة الرابعة أن في السنة دخولاً تحت اسم النبي صلى الله عليه وسلم
وفي تركها خروجًا عن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : "من رغب عن سنتي فليس مني" وله قصة أخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو رغبة عنه، تركها بعد علمها هو رغبة عنه والرغبة عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على درجتين : قد تكون في درجة المعصية وقد تكون في درجة الكفر والعياذ بالله .
إذا تركتها إعراضاً عنها وإنكاراً لها وانتقاصاً لها فأنت انتقصت الدين وانتقاص الدين نوع من الكفر والإعراض عن الدين نوع من أنواع الكفر والعياذ بالله.(10/339)
أما إذا تركت السنة تهاوناً وكسلاً لا عن اعتقاد القصور فيها واعتقاد النقص فيها، فأنت بحسب هذه السنة التي تركتها إن تركت واجباً فأنت عليك إثم الواجب وإن تركت مستحباً فأنت قد فاتك فضل المستحب وإذا أدمنت وداومت على ترك المستحب فإن أهل العلم في المذاهب الأربعة يسقطون عدالتك ويفسقونك بترك السنة بمعنى الإدمان على تركها. من ذلك ما ورد عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنه سئل عمن يترك صلاة الوتر وصلاة الوتر عنده مستحبة ليست بواجبة فقال: لما سئل عمن ترك أو أدمن ترك صلاة الوتر لا يصلي الوتر قال : ذاك رجل فاسق ترد شهادته. وهو يترك سنة ولذلك نحن ننبه الناس نقول : لا تفهموا من قول العلماء إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هذا المعنى الذي تصلون به إلى التهاون بالسنة نقول : لا ، العلماء ما أرادوا هذا إنما أرادوا بيان السنة والواجب والمحرم والمكروه، أرادوا ما تصح به العبادة وما تفسد به العبادة، أرادوا بيان أدنى الأحوال التي يصل بها الإنسان إلى حد العدالة عموماً لا على الدوام وهم يفرقون مع قولهم إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها يفرقون بين من أدمن على ترك السنن وبين من كان يتركها أحياناً ولذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحق قالوا: ما بلغنا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملنا به ولو مرة واحدة.
لماذا يصفون هذا؟ لماذا يقولون هذا ؟
حتى يعدوا من أصحاب هذه السنة ، يعدوا من أصحاب هذا الحديث لذلك من ثمرات العمل بالسنة وفضل العمل بالسنة أن من يعمل بها يعد من أهلها .
الثمرة الخامسة أن في فضل السنة واتباعها الفكاك من سبل الشيطان
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً فقال : هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن شماله وعن يمينه ثم خط خطوطاً صغيرة عن شمال هذا الخط وعن يمينه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا سبيلي أشار إلى الخط الطويل وقال : هذا سبيلي وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا { وَأَنّ هََذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } ". فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم اتبع الصراط المستقيم وسلم من سبل الشياطين ، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صنعه ومثله بالمثال ليقربه إلى أذهان الناس فخط خطاً وخط على جانبه خطوطاً تصويراً لحقيقة هذه السنة، فالسنة طريق طويل ليست طريقاً قصيراً ولذلك الذين يتعجلون نتائج الدعوة يتعجلون نتائج اتباع السنة وتطبيق السنة يقولون: يا أخي نحن لنا مدة على طلب الحديث ونطبق الحديث والعمل بالسنة ولكن ما يوجد أثر لهذا؛ المجتمعات ماتغيرت!!
فأقول لك: يا أخي لا ضير في ذلك أما ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مثل لسنته وصراطه مثله صراطاً طويلاً ولما مثل السبل الأخرى مثلها سبل قصيرة على جانبيه فلا تغتر ولا تظنن أن اتباعك لتلك السبل التي هي على خلاف السنة يوصلك إلى النتيجة! فبعض الناس قد يظن أنه بهذا الأسلوب الذي يخالف سنة الرسول يصل مباشرة إلى مقصود الدعوة!
فنقول: هذه كلها اغواءات من الشيطان يغويك يفتح لك الأبواب ويغرر بك يوهمك أن هذا السبيل نتيجته سريعة طريقه قصير أما طريق السنة يا أخي فإنه طريق طويل محفوف بالمكاره، ولكنه صراط مستقيم يؤدي بسالكه إلى الجنة، وينجو به من النيران!
هذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم إن أردته ألزمه وهو طريق طويل عليك إن تصبر وعليك أن تتابع السبيل ولذلك كان من الوصايا العامة لجميع المؤمنين ما ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله { وَالْعَصْرِ . إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ .إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْر}
لابد من الصبر في أمر الدعوة!
وسبيل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة ومنهج الأنبياء في الدعوة ليس بمنهج سريع تستعجل فيه ثمرته، ليس بمنهج بين يوم وليلة بين سنة وسنتين، بل هو سبيل طويل، وصراط مستقيم، أمّا سبيل الشياطين فإنها كلها قصيرة يغرر بك بقصرها فتتوهم أنها تؤدي إلى النتيجة سريعاً!
فسبيل السنة سبيل طويل عليك أن تتبعه وأن تسلكه وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالحق وأن تتواصى فيه مع إخوانك بالصبر .
إذاً في اتباعك للسنة أمان لك وفكاك لك من سبل الشياطين .(10/340)
قال ناصر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن المنير (ت683هـ) رحمه الله: "من الحقوق الواجبة نشرها (يعني: السنة) على الناس قاطبة يحملها الآخذ إلى الغالب، ويبلغها الشاهد إلى الغائب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع" فوظيفة الحامل الجاهل في هذه الأمانة أن يؤديها إلى أهلها بالوفاء والتسليم ووظيفة الحامل الحاذق أيضاً أن يؤديها إلى من عساه أحذق منه في الفهم والتفهيم.
وليحذر أن يحجب عن المزيد باعتقاد أنه ذلك العظيم ففوق كل ذي علم عليم، ومهما ظن أنه ليس وراء قدره مرمى ، فقد حرم بركة قوله عزوجل: {وقل ربي زدني علماً} [طه:114] وقد كان العلماء الربانيون من هذه الأمة على ما وهبوه من القوة في غاية الجزع والهلع يتدرعون العجز الذي يأباه اليوم لكع بن لكع، حتى كان مالك رحمه الله وهو الذي لا يقري أحد كما يقري أهون ما عليه أن يقول فيما لا يدري أنه لا يدري، ويشير بها إلى الأفاضل والأماثل ويقول: جنة العالم لا أدري فإذا أخطأها أصيبت منه المقاتل"اهـ.(1)
قال ابن تيمية رحمه الله: "وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة.
وقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ؛ وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله والرسول هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط كما قال تعالى: { إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً .وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً }.
وقال تعالى: { وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مُسْتَقيم .صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَات وَمَا فِي الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الاُمُورُ}.
وقال تعالى: { وَأَنّ هََذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }.
وقال عبدالله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: { وَأَنّ هََذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }[الأنعام :153].
وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال وتأمل سائر الطوائف من الخوارج ثم المعتزلة ثم الجهمية والرافضة ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم(1) وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث ويدعى أن سبيله هو الصواب وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [ مجموع الفتاوى (4/56ـ57)].
الثمرة السادسة في اتباع السنة تحصل الشرع والدين
وذلك أن الدين معناه أن لا تعبد إلا الله ولا تعبد الله إلا بما شرع ولا طريق لنا في معرفة الشرع بغير القرآن العظيم والسنة النبوية، ولهذا كانت العبادات توقيفية ولا غرو قالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " وسنته صلى الله عليه وسلم شاملة لكل الدين . فهي المبينة للقرآن العظيم قال الله تبارك وتعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنِّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى: { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64].
توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، فمن زاد أو أنقص فقد أساء وظلم" .
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"!
وهو الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وهو الذي قال: " أفشوا السلام بينكم وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا جنة ربكم بسلام " .
وقال ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا قال الفقهاء العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله r يقبلك لما قبلتك .
والله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .(10/341)
وأمثال ذلك في القرآن كثير ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما وضحت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفُ ما ليس به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فإن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك كله انتهى كلامه رحمه الله " .
فمن ثمرا ت اتباع السنة أنك باتباعها تحصل الدين جميعه .
إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول عبده ورسوله تتضمن أمرين:
أن لا نعبد إلا الله وأن لا نعبده إلا بما شرع .
إن هذين الأمرين هما اللذان يقوم عليهما الدين .
أما نقول ذلك ؟ إذاً الإتباع أن لا نعبد الله إلا بما شرع، وتحقيق هذا الأصل لا يكون إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معنى الجزء الثاني من الشهادة وأشهد أن محمداً رسول الله فلا طريق لك إلى معرفة عبادة الله إلا عن طريق اتباع رسول الله واتباع الرسول يكون بأخذ سنته صلى الله عليه وسلم ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". يعني تتقرب إلى الله بأمر انظر هذا الأمر هل هو من الأمور التي تقرب بها الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا . فإذا وجدتها من ذلك فهي مقبولة إن شاء الله إذا توفرت شروط القبول وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو مردود عليك ولذلك حكم أهل العلم إن الذين يتقربون إلى الله بأمور محدثة يعني ببدع لا تقبل منهم عبادتهم لماذا ؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" إذاً في اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وتقفيها أخذ بالدين كله. والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نتوضأ وكيف نصلي وعلمنا الآداب والأخلاق وكان يعلمنا لما دخل المدينة قال: "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" ويعلمنا يقول : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" علمنا الصيام وعلمنا الزكاة وعلمنا أمور الدين . فاتباعك لسنة الرسول أخذ بأمور الدين جميعها.
قال ابن عبد البر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ [التمهيد (24/334)].
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقد قال ابن تيمية: "ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الاسود وقال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك" والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته وموالاته ومحبته وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته فقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، وقال تعالى : {وإن تطيعوه تهتدوا}، وقال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
ولا ينبغي لأحد أن يخرج فى هذا عما مضت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة وما علمه قال به وما لم يعلمه أمسك عنه ولا يقفو ما ليس له به علم ولا يقول على الله ما لم يعلم فان الله تعالى قد حرم ذلك كله"اهـ[قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص270ـ271].
الثمرة السابعة أن في اتباعك لها رفع لسمة الذل والهوان عن الأمة
وذلك لأن السنة هي الدين وترك الدين سبب للذل والهوان.
أخرج أحمد في المسند وأبو داود في سننه عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" والعودة إلى السنة عودة إلى الدين .
وفي حديث جبريل الطويل الذي هو أم السنة بعد أن ذكر أركان الإيمان والإسلام والإحسان قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"!(10/342)
الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأمر سيكون وأخبر بالنتيجة وذلك على سبيل الخلاص قال : "إذا تبايعتم بالعينة" والعينة نوع من أنواع البيوع تباع فيها السلعة ويبقى عينها عند بائعها ويشتريها البائع ممن اشتراها منه، كأن يذهب إنسان إلى صاحب سيارات وهو محتاج فلوس فيقول لصاحب السيارات: بعني هذه السيارة بالتقسيط بعشرين ألف، فيبيعه بعشرين ألف، وصاحب السيارة عارف أنه ما يريد السيارة يريد الفلوس فيقول له: أنا اشتري منك هذه السيارة نقداً بخمسة عشر ألفاً فيصير في الحقيقة أنه أخذ خمسة عشر ألفاً حاله بعشرين ألف مؤجلة ألم يحصل هذا .
هذا هو بيع العينة، سمي عينة لأن عين السلعة المباعة لم تنتقل من حرز مالكها.
والرسول عليه الصلاة والسلام عنون ببيع العينة من باب الإشارة إلى تفشي أنواع البيوع المحرمة لأنه لا يوجد عندنا في المعاملات في البيع والشراء إلا بيع وربا فعنوان البيوع المحرمة الربا ومنه بيع العينة.
قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر" كانوا في السابق ولايزال إلى الآن في بعض البلاد المحراث يجره بقر وثور فيأتي المزارع يمشي خلف البقر ويمسك المحراث ويغرزه في الأرض حتى يقلبها فالرسول صلى الله عليه وسلم عبر عن الركون إلى الدنيا والأرض باتباع أذناب البقر يعني تصيروا أهل زرع وأهل دنيا وأهل مال فتجلسوا في الأرض وتتركوا الجهاد . قال : "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد " تضمن ثلاثة أمور:
· 1ـ إذا تبايعتم بالعينة! قلنا: هذا عنوان البيوع المحرمة الربوية .
· 2ـ واتبعتم أذناب البقر! معناه الركون إلى الدنيا .
· 3ـ وتركتم الجهاد
ما هي نتيجة هذه الأمور إذا وجدت في مجتمع من المجتمعات: "سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم " .
إذاً اتباع السنة عودة إلى الدين والعودة إلى الدين سبب في رفع الذل عنا.
إذاً اتباع السنة سبب في رفع الذل عن أمة المسلمين.
أخذ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والسير عليها والتمشي بها والحرص والتمسك بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم سبب لرفع الذل عن المسلمين وهذا ثمرة من ثمرات اتباع السنة أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
في حديث جبريل الطويل ذكر الإيمان والإسلام والإحسان وقال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؛ إذاً الذل لا يرفع إلا بالعودة إلى الدين والدين هو معرفة أركان الإيمان والإسلام والإحسان أليس كذلك؟!.
فمن أراد أن يعود إلى الدين فعليه أن يتعلم أحكام هذه المذكورات في حديث جبريل. فهل بعد هذا يلام أهل الحديث أنهم يشتغلون بتعليم الناس أحكام الطهارة وأحكام الصوم وأحكام الزكاة وأحكام الإيمان والإيمان بالله وبالملائكة والكتب ويتركوا الكلام في الأشياء التي لا فائدة فيها؟!
يتحدث أهل الحديث في هذه الأمور يعلمون الناس الدين، هل يقال عنهم بعد ذلك أنتم علماء حيض ونفاس ولستم بعلماء واقع ولستم بعلماء دعوة؟
العالم الذي يعلم الناس هذه الأمور يعلم الناس الدين يعلمهم السبيل الذي يخرجون به عن الذل والهوان يعلمهم السبيل الذي أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إليه . إذا أرادوا الخلاص والنجاة في الآخرة!
فمن ترك تعلم هذه الأمور وجعل كلامه كله عن العلمانية وعن الشيوعية وعن الدول الكبرى وعن كذا، وترك تعليم نفسه ما يحتاجه من أمر دينه، بله تعليم الناس هذه الأشياء، هل علم الدين؟ هل تحقق فيه الرجوع إلى الدين، الذي أراده صلى الله عليه وسلم في قوله: "حتى ترجعوا إلى دينكم" وفي حديث جبريل ذكر الإيمان وأركانه والإسلام وأركانه والإحسان: "وقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم"؟
فهل نتعلم الدين بدون أن نتعلم كيف نصلي ؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نتعلم الطهارة التي هي مفتاح الصلاة؟!
هل نتعلم الدين من غير أن نعلم نساءنا وبناتنا وحريمنا أحكام الحيض وأحكام النفاس وهي أمور تمر عليهم دائماً؟
هل نكون تعلمنا الدين بغير ذلك؟
هل نتعلم الدين ونحن لا نعرف نعبد الله على الطريقة التي تقول: إن صلاتي أنا كما صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم، حجي أنا كما حج الرسول صلى الله عليه وسلم، صومي أنا كما صام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل عرفنا الدين؟!
إذاً من ثمرات اتباع السنة ومن فضل اتباع السنة أن فيها رفع سمة الذل والهوان عن المسلمين .
سر يا أخي على الجادة اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص على أن تقيم عبادة الله وتحققها وثق أنك إذا ما مشيت على هذا فصلحت نفسك وأصلحت أهلك وأسرتك وصلاح النفس صلاح الأسرة .
وصلاح الأسرة صلاح المجتمع .
وصلاح المجتمع صلاح المدينة .
وصلاح المدينة صلاح الدولة .
وصلاح الدولة صلاح الأمة .
وصلاح الأمة صلاح الكون جميعه بإذن الله؛ فأحرص وأبدا بنفسك ثم أدناك فأدناك.
الثمرة الثامنة أن فيها وصف الداء الذي اعترى الأمة الإسلامية ووصف الدواء(10/343)
أخرج أحمد وأبو داود عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٍ كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة لكم و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن قال : حب الدنيا وكراهية الموت " .
الرسول صلى الله عليه وسلم وصف داءنا وحالنا : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها ".
أما حصل هذا؟! والله حصل تداعت دول الاستعمار على البلاد الإسلامية التي حباها الله سبحانه وتعالى بالخيرات رزقها الله بالخيرات أنهار وزراعة وبترول وأمور مختلفة تداعوا عليها كما يتداعى الأكلة على قصعتها!
"قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟" هل نحن قليل حتى تجيء دول وتتكاثر علينا؟!
"قال: لا بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل". فما السبب في ضعفنا ؟
"قال: ولينزعن الله من صدورهم المهابة لكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قالوا يا رسول الله ما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت" .
إذاً في السنة وصف الداء ووصف الدواء تريد تعالج نفسك تريد تمشي في طريقك تريد تحقق الخير لك؛ احرص على اتباع السنة وعالج نفسك من أمر حب الدنيا وكراهية الموت تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: " أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكركم بالأخرة " تنظر في السنة تجد فيها حديثاً يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، تذكرك بالآخرة بالموت كل ما قرأت واطلعت في السنة وطبقتها، يضعف في نفسك حب الدنيا وخوف الموت شيئاً فشيئاً!
تسمع في السنة عن الدنيا: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم" .
تقرأ في القرآن العظيم: ] زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام ...إلى آخره[
وتستمر في تعلم القرآن والسنة فتتوضح لك الحقائق وتتكشف لك الدنيا!
فتقوم وقد عرفت ما هي الدنيا! عرفت ما هي الأمور التي حولك! فسلمت من الوهن وسلامتك من الوهن خروج لك من حالة الغثائية .
الثمرة التاسعة أن في سنته صلى الله عليه وسلم تحصيل تمام الأخلاق وجميلها ومكارمها
أخرج أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِح الْأَخْلَاقِ "(1).
قال ابن عبدالبر (ت463هـ):"هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: {إِنَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} [النحل:90].
وروينا عن عائشة ذكره ابن وهب وغيره أنها قالت: "مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتدمم للصاحب وقرى الضيف والحياء رأسها".
قالت: "وقد تكون مكارم الأخلاق في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في ابنه ولا تكون فيه وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده يقسمها الله لمن أحب"اهـ (1).
قلت: وسنة الرسول هي الدين كما تقدم، وهي المبينة لما في القرآن العظيم، وقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
الثمرة العاشرة أن في لزوم السنة النجاة من الفتنة والعذاب الأليم
قال الله تبارك وتعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
كل من خالف السنة! كل من خالف أمر الرسول! عليه أن يحذر {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }تصيبهم فتنة فيدخل الكفر في قلوبهم أو النفاق في قلوبهم أو يدخلوا في البدع فيلحقهم بذلك عذاب أليم!
فمن فضل اتباع سنة الرسول أنها تحفظك من الفتنة .
جاء رجل إلى الإمام مالك قال: يا إمام أريد العمرة! قال: اعتمر! قال: أريد أن أحرم لها من المدينة من المسجد! قال: يا بني اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة واعتمارك من المسجد خلاف السنة وإني أخشى عليك الفتنة إذا أنت فعلت هذا ثم تلا { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم }.
الثمرة الحادية عشر
أن في اتباع السنة ولزومها تحقيق الإيمان وحصول السعادة في
الدارين والسلامة من النيران(10/344)
قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى }، فمن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولزمها فإنه لم يعرض عن الدين ولا عن ذكر الله بل أقبل فهذا لا يكون حاله كمن أعرض وقد قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } .
وبالمقابل جاءت آيات في حال من يعصي الله ورسوله قال تبارك وتعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}، بل نفى الإيمان عمن لم يحقق الاتباع له صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون لك حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، وقال تبارك وتعالى: {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً}، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً}.
إذاً اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام تحقيق للإيمان: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
الثمرة الثانية عشر من ثمرات اتباع السنة أن في اتباعك للسنة وعملك بها إحياءً لها
وإحياؤك لها إظهاراً لها ودعوة للناس إليها، فمن عمل بالسنة، نتيجة عملك بها أجر وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
وأخرج مسلم أيضاً عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فابطئوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قال : ثم أن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : " من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة وعمل بها بعده كتب له مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً "
إذاً من عمل بالسنة وأظهرها دعى الناس إليها بمجرد أنه أظهرها. فإذا عمل إنسان بهذه السنة كان لمن أظهرها أولاً أجر من عمل بها إلى يوم القيامة!
قد يقول قائل: يا شيخ الرسول صلى الله عليه وسلم قال من سن سنة حسنة يعني إنسان يعمل عمل ولو ما جاء في الشرع ولو ما جاء عن الرسول!
أقول لك: لا ،ليس هذا معنى الحديث لأن أهل العلم يقولون إنما يعرف التحسين والتقبيح للأشياء من الشرع فمن أين لك هذا العمل حسن إذا لم يأت من الشرع فمصدرنا أن هذا حسن أو قبيح هو الشرع، يصير معنى الحديث: "من سن سنة حسنة " أي: من أحيا سنة من الشرع ولذلك الحديث ورد في الصدقة أن رجلاً جاء وقدم صدقة فجاء الناس بعده وتصدقوا.
دخل رجل المسجد ولقي فقيراً فخرَّج من ماله شيئاً وأعطاه! فلما رأوه الناس بادروا اقتداء به إلى إعطاء هذا الفقير ومساعدته! كل من عمل إقتداءً به يكون له أجر.فهل الصدقة وإخراجها من السنة التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أم سنة محدثة؟ إنها سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .
ليس في الحديث أن الإنسان يعمل سنة من عند نفسه، لأن حسن السنن إنما يعرف من الشرع وليكن على ذكر منكم قوله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
قال ابن حبان رحمه الله :" إن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم تمام السلامة وجماع الكرامة لا تطفئ سرجها ولا تدحض حججها من لزمها عصم ومن خالفها يذم إذ هي الحصن الحصين والركن الركين الي بان فضله ومتن حبله من تمسك به ساد ومن رام خلافه باد فالمتعلقون به أهل السعادة في الأجل والمغيوطون بين الأنام في العامل" .انتهى كلامه .
وبهذا تتم هذه المحاضرة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وسبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك وصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(1) صحيح ابن حبان (1 / 180)
(2) حديث صحيح، لغيره. وأشار بعضهم إلى احتمال تواتره.(10/345)
أخرجه أحمد في المسند (4/102)، و أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم (4597)، والآجري في الشريعة (الطبعة المحققة) (1/132، تحت رقم 31).وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/32)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (204)، وذكر جملة من الأحاديث تشهد له. وانظر نظم المتناثر ص32-34.
فائدة : قال ابن تيمية رحمة الله عليه، في مجموع الفتاوى (3/346-347)، في معرض كلام له على حديث الافتراق: "وأمّا تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات، وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل؛ فإن الله حرّم القول بلا علم عموماً، وحرّم القول عليه بلا علم خصوصاً، فقال تعالى: {قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [الأعراف:33]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسؤ والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} [البقرة:169]، وقال تعالى: {ولاتقف ما ليس لك به علم} [الإسراء:36]. وأيضاً فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين. فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي {لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق"اهـ
(2) أخرجه الحاكم والدار قطني والبيهقي
(3) أخرجه البيهقي .
(4) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد مسنداً.
(5) أخرجه ابن عبد البر أيضاً في التمهيد وأخرجه الترمذي
(6) مجموع الفتاوى (4/137).
(7) المتواري على تراجم أبواب البخاري ص34ـ35.
(8) وكذا فرق الاختلاف إلى يومنا هذا .
(9) المسند (الرسالة) 14/513 .
(10) التمهيد24/334 .
======================
التشكيك فى صحة الأحاديث والاستغناء عنها بالقرآن
هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبول ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).
الرد على الشبهة:
فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.
ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/346)
أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..
أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء..
فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:
إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .
فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6).
تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.
فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون..
والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين..
فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.(10/347)
والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.
(1) النحل: 44.
(2) آل عمران: 32.
(3) النساء: 59.
(4) النساء: 80.
(5) آل عمران: 31.
(6) الفتح: 10
كتبه د. محمود حمدى زقزوق - وزير الأوقاف المصرى
================
شبهات حول عذاب القبر ونعيمه
القبر في معتقد المسلمين روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، جعله الله تعالى برزخا بين حياتين، وفاصلا بين مرحلتين، فهو بمثابة محطة للوقوف والانتظار، يقف فيها من مات - معذبا أو منعما - ريثما تنقضي أعمار الناس في حياتهم الدنيا، لينتقلوا بعدها جميعا إلى الدار الآخرة حيث يجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته .
ورغم أن هذه المرحلة ( القبر ) مرحلة غيبية محضة، لا تدركها العقول، ولا يصلها الحس، فلم يخرج لنا ميت ليخبرنا بما رأى، ولا نزل حي إلى أهل القبور ليعلم حالهم، فالغيب يحيط بهذه المرحلة من جوانبها، فلا طريق لمعرفة كنهها وحقيقتها إلا بالخبر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وُجِدَ من يشغّب على تلك النصوص، أحيانا بدعوى معارضتها لنصوص أخرى، وأحيانا بدعوى مخالفتها للعقل والحس، وهي دعوى سنحاول مناقشتها لبيان أن عذاب القبر ونعيمه حقيقة ثابته أثبتها الشرع بنصوصه، وهي حقيقة لا تعارضها العقول، ولا ينكرها الحس .
ومن المناسب هنا أن نذكر جملة من نصوص الكتاب والسنة التي تثبت حقيقة عذاب القبر ونعيمه، وأن تلك المسألة من ثوابت ديننا، ومن لوازم إيماننا بالغيب .
أدلة الكتاب والسنة على عذاب القبر ونعيمه :
قال تعالى: { النار يعرضون عليها غدواً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر: 46 ). والعرض على النار هنا نوع من العذاب وهو حاصل قبل يوم القيامة بلا شك، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فدل ذلك على ثبوت عذاب القبر، وهذا المعنى يؤيده ما رواه البخاري و مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ).
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون }( الطور: 45-47) وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } يقول: " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة ".
وقال تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون }( الأنعام: 93)، فقول ملائكة العذاب: "اليوم" يدل على الزمن الحاضر وهو بلا شك قبل يوم القيامة. فدل ذلك على أن الكفار يعذبون قبل البعث والحساب.
هذه بعض الآيات الدالة على عذاب القبر، وأما الأحاديث فهي كثيرة نذكر منها ما ثبت:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة.. فقال: ( من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر ؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء ؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم . فقال: صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم . قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال ) رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنها قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) متفق عليه.(10/348)
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل، جاء فيه عن العبد المؤمن: ( قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام . فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره .. ) رواه أحمد .
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله في ثبوت عذاب القبر ونعيمه - لمن كان لذلك أهلا - وسؤال الملكين . فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذا الدار " .
وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة :" وقد أجمع على ذلك – أي عذاب القبر ونعيمه - الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين " ، وممن نقل الإجماع أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره .
شبهات من أنكر عذاب القبر والرد عليها
مما استدل به المنكرون لعذاب القبر ونعيمه قول الله عز وجل: { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) قالوا: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
واستشهدوا على إنكارهم أيضا بقوله تعالى: { وما أنت بمسمع من في القبور }(فاطر: 22) قالوا: إن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم السماع، ولو كان الميت حيا في قبره أو حاسا لم يستقم التشبيه.
هذا من جهة النقل، أما من جهة العقل فقالوا: إنا نرى الشخص يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه، ولا نشاهد فيه أيّاً من علامات الحياة فلا نراه يعذب ولانراه ينعم.
ونرى الرجل يحرق بالنار، وتأكله السباع، ولا نرى أثرا لما تقولونه من عذاب القبر ونعيمه.
وللإجابة على ذلك نقول أما قوله تعالى:{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) وقولهم: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.
فالجواب على ذلك أن الإيمان بحياة الأموات في قبورهم لا يقتضي مساواة حياتهم في البرزح بحياتهم في الدنيا، بل هي حياة خاصة قدرها الله سبحانه لهم، وعليه فلا يلزم ما قاله المنكرون لعذاب القبر ونعيمه من أنه لو كان الأموات منعمين أو معذبين للحقهم الموت مرة ثانية إذ ذلك لا يلزم إلا في حال تساوي الحياتين.
ومنشأ هذا الخلط عند منكري عذاب القبر هو ظنهم أن الموت هو عدم محض لا يشعر معه صاحبه بشيء وهذا ما ترده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة .
ثم إن الآية جاءت في سياق الامتنان على أهل الجنة بأنهم خالدون فيها لا يذوقون الموت سوى ما ذاقوه أول مرة في حياتهم الأولى، فليس في الآية حديث عن عذاب القبر ولا نعيمه ولا تعلق للآية به، فالاستدلال بها إقحام لها في غير سياقها ومساقها .
أما استشهادهم بقوله تعالى:{ وما أنت بمسمع من في القبور }( فاطر: 22) فالجواب عنه بأن الآية وردت في سياق تشبيه حال الكفار من حيث عدم انتفاعهم بسماع المواعظ والآيات بحال أهل القبور الذين لا ينتفعون بشيء مما يلقى عليهم، فالآية تنفي سماع الانتفاع لا مطلق السماع بدليل أن الكفار وهم المرادون في الآية بالأموات يسمعون الآيات بلا شك ولكنهم لا ينتفعون بها .
هذا ما يتعلق برد استدلالهم بالمنقول على إنكار عذاب القبر ونعيمه، أما استدلالهم بالمعقول وبالحس فالرد عليه من وجوه:
الوجه الأول: أن الله قد حجب عنا معرفة ما يحصل للميت شفقة بنا لئلا نترك دفن موتانا، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ) رواه مسلم
الوجه الثاني: أن عدم رؤيتنا لما يحصل للميت من عذاب أو نعيم لا يعني عدم وجوده فقدرة الله ليس لها حدود، فهو قادر سبحانه على أن يعذب أو ينعم من مات محروقا، أو مات مأكولا، فالله لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.
الوجه الثالث: أننا نرى اليوم من طرق التعذيب أنواعا مختلفة لا تترك آثارا في الجسد كالتعذيب الكهربائي مثلا أو التعذيب النفسي، وهي أنواع من التعذيب ربما تكون أقسى من تلك التي تترك ندوبا في الجسد وآثارا.
الوجه الرابع: أن من أصول الإيمان عندنا الإيمان بالغيب، وعذاب القبر منه، وإنكار عذاب القبر ونعيمه بدعوى عدم مشاهدته أو الإحساس به، هو فتح لباب جحود الغيب على مصراعيه، فالملائكة تطوف حولنا وتكتب حسناتنا وسيئاتنا ولا نراها ومع ذلك نؤمن بها، وكذلك الجن، فهل يعد عدم رؤيتنا لذلك مبررا لإنكار تلك الغيبيات .(10/349)
وبهذا يظهر أن من أنكر عذاب القبر ونعيمه ليس معه من العلم سوى الأوهام، وأن دلائل الكتاب والسنة قائمة على إثباته وتحقيقه، والله أعلم
نقلاً عن الشبكة الإسلامية
================
الرد على التشكيك بالتداوي بالحبَّةَ السوداء التي هي شِفاءٌ مِن كل داء
الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ عدة أيام تهكم أحد الحاقدين على الإسلام في أحد منتديات الحوارعلى حديث النبي الذي يقول فيه [ إن الحبةَ السوداءَ شفاءٌ مِن كل داءٍ إلا مِن السامِ" قلت: وما السامُ؟ قال: الموت". ] . وأخذ هذا الحاقد يتقول على المسلمين ما لم يقولوه ، وأخذ يعدد الأمراض مستهزأً مستفسراً هل تنفع حبة البركة مع السرطان ، السكري ، الكبد الوبائي .... ؟
وحتى أختصر الموضوع ، فهذا أحد علماء المسلمين يرد على مثل هذا التشكيك وهذه الافتراءات ، ويبين فهم المسلمين لهذا الحديث النبوي الشريف بناء على قواعد الفقه واللغة .
الموضوع :
س :
ظهرتْ في هذه الأيام مَقولة تُفيدُ أن الحبَّةَ السوداء شِفاءٌ مِن كل داء، ونُسبت هذه المقولة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل: إنها في صحيح البخاريِّ. وزعم كثيرٌ من الناس أن هذه الحبة السوداء هي حبَّة البَرَكة، وأنها تَحتوي على أدوية كثيرة تُفيد في علاج أمراض كثيرة لا تَكاد تَنحصر، حتى قيل: إنها علاجٌ لكل مرض إلا السامُ، وهو الموت. وأنا على حدِّ علمي أفهمُ أن الحبة السوداء ـ أو حبة البركة كما يقولون ـ مُفيدة في بعض الأمراض دون بعض، وهذا ما دَرسناه في بعض كتب الطب القديم، فعلى أيِّ وجهٍ يُحمَل هذا الحديث لو كان صحيحًا؟ وماذا نقول لهؤلاء الذين يُروِّجونَ لهذا النوع من الحبوب من أجل أن يَحصلوا على أرباح طائلةٍ مِن وراء ذلك؟
ج :
الدكتور محمد بكر إسماعيل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
فنقول للسائل إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (شفاء من كل داء )ليس معناه كل ألأمراض لأن كل في اللغة لا تفيد مطلق العموم وإنما معنى هذا أنها شفاء لكل الأمراض التي تقبل الشفاء بها وتفصيل القول في هذه المسألة يذكره لك فضيلة الشيخ الدكتور محمد بكر إسماعيل أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر يقول :
رَوى البخاريُّ في صحيحه عن خالد بن سعد قال: خرجنا ومعنا غالبُ بن أبجَرَ، فمرِض في الطريق، فقَدِمنا المدينةَ وهو مريضٌ، فعاده ابن أبي عَتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحُبَيْبَة السويداء، فخُذوا منها خمسًا أو سبعًا، فاسحقُوها، ثم اقْطُرُوها في أنفِهِ بقَطراتِ زيتٍ في هذا الجانب وهذا الجانب، فإن عائشةَ رضي الله عنها حدَّثتْني أنها سمعتِ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن الحبةَ السوداءَ شفاءٌ مِن كل داءٍ إلا مِن السامِ" قلت: وما السامُ؟ قال: الموت".
وفي رواية أخرى للبخاريِّ عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "في الحبة السوداءِ شفاءٌ مِن كل داء إلا السام
والحبة السوداء يُسميها بعض العلماء بالكَمُّونِ الأسود أو الكمُّون الهنديِّ كما ذكر ابن حجر في شرح هذَينِ الحديثَينِ.
وقد رأيت في المعجم الوسيط أنها حبة البرَكة، وتُسمَّى بالحبة المُبارَكة، وتُسمى في بعض البلاد بالشُّونِيزِ، وزَيتها يُسمَّى زيت حبة البركة، وهذا ما أقرَّه مَجمع اللغة
ولا يَنبغي أن يُؤخذ قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاء مِن كل داء" على عُمومه؛ فإنه مِن قَبيل العامِّ المَخصوص، كما يقول علماء الحديث والأصول والطب. والمعنى: هي شفاء من كل داء يَقبل العلاج بها. فهي كما قال ابن حجر: "إنما تَنفع في الأمراضِ الباردة" وهي أمراض يَعرفها الأطباء ويُشخِّصونها.
وهي تُستخدم وحدها أحيانًا، وتُستخدم مَخلوطة بالعسل وغيره أحيانًا. ولها فوائدُ كثيرةٌ ذكَرها داود الإنطاكيُّ في كتاب "التذكرة" ذكرها في "الشونيز" وهو ما يُسمَّى بالحبة السوداء.
واعلمْ يا أخي أن العُموم لا يَبقَى على عُمومه دائمًا، بل يُخصَّص في كثير من الأحكام والأخبار بحسب القرائن والأحوال.
واعلمْ أن الأدواء عند العرب كانت مَحدودة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحبة السوداء شفاء من كل داء" أي مِن أكثر الأدواء المَعروفة عندهم. ولفْظُ "كل" لا يُفيد العموم المُطلق كما يَتوهَّم كثيرٌ من الناس، فقد جاء في القرآن الكريم عن الريح التي أرسَلها الله على قوم عاد أنها دمَّرت كلَّ شيء مع أنها لم تُدمِّر إلا الناس، اقرأْ قوله تعالى في سورة الأحقاف: (تُدَمِّرُ كلَّ شيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَساكنُهمْ) ومعنى هذا أنها لم تُدمر المساكن ولكنها دمَّرت الأشخاص، بدليل قوله في آيةٍ أخرى من سورة القمر: (تَنْزِعُ الناسَ كأنَّهمْ أعجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) وقوله تعالى في سورة الحاقَّة: (سَخَّرَهَا عليهمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانيةَ أيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فيهَا صَرْعَى كأنَّهمْ أعجازُ نَخْلٍ خَاوِيةٍ).(10/350)
وجاء عن بَلْقِيسَ أنها أُوتِيَتْ مِن كلِّ شيءٍ، أيْ أُوتِيَتْ مِن كلِّ ما تَحتاجُ إليهِ، قال تعالى في سورة النمل: (إنِّي وَجَدْتُ امرأةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كلِّ شيءٍ ولهَا عَرْشٌ عَظيمٌ).
وأنت تقول لصَديقك: الحمد لله أنا عندي كل شيء. فهل تَعني أن عندَك كل موجودٍ في الوجود؟ أم تعني أنك تملك الكثير ممَّا تَحتاج إليه وتَحمَد الله عليه راضيًا به؟
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا السام" فليس مِن باب الاستثناء المُتَّصِل؛ لأن السام ليس داءً، بل هو قطعٌ للأجل وإنهاء الحياة، ولكنه مِن باب الاستثناء المُنقطع، فهو بمعنى (لكن) كأنه قال: لكن الموت ليس له شفاءٌ، بيانًا لقوله تعالى: (فإذَا جاءَ أجَلُهمْ لا يَستأخِرُونَ ساعةً ولا يَسْتقْدِمُونَ).
والاستثناء المتصل هو أن يكون ما بعد حرفِ الاستثناء من جِنْسِ المُستثنَى منه، مثل قولك: نجح التلاميذُ إلا تلميذًا.
والاستثناء المُنقطع هو أن يكون المُستثنى من غير جنْس المُستثنى منه، مثل قولك: أقبلَ الناس إلا جمَلًا. فالجمل ليس من جنْس الناس، وعلى ذلك يكون المعنى: أقبل الناس، لكنّ جملاً لم يُقبل.
وقد ظهَر لنا من هذا البيان أن الحبَّة السوداء ليستْ شفاءً لكل داء على وجْه العموم، ولكنه من باب العموم المخصوص بقرينة الواقع المُشاهَد في عالم الطبِّ، والواقع خيرُ دليلٍ على التخصيص، ولفْظُ (كلّ) لا يُفيد العموم المُطلَق كما عرفنا، ولكنه يُفيد الأكثريَّة، بخلاف لفظ (جميع) فإنه يُفيد العموم المُطلَق غالبًا إذا لم يَرِدْ ما يُخصِّصه؛ ولهذا أكَّد اللهُ سُجود الملائكة لآدم بلفظ "أجمعون" بعد لفظ "كلّ" فقال: (فسَجَدَ الملائِكةُ كلُّهمْ أَجْمَعُونَ) فلو كان لفظ (كلّ) يُفيد العُموم المُطلق بنفسه ما كان هناك داعٍ للمُؤكِّد الآخر.
والله أعلم
المصدر :
http://www.islamonline.net/fatwaappl...hFatwaID=34337
===============
شبهات حول حجية السنة 1
ظهرت في حِقَب من التاريخ الإسلامي فرق وطوائف أنكرت السنة والاحتجاج بها ، فمنهم من أنكرها صراحة ودعا إلى نبذها بالكلية سواءً أكانت متواترة أم آحادية زعماً منهم أنه لا حاجة إليها ، وأن في القرآن غنية عنها ، ومنهم رأى الحجية في نوع منها دون غيره .
وكان أول من تعرض لهذه المذاهب وردَّ على أصحابها ودحض شبهاتهم الإمام الشافعي رحمه الله حيث عقد فصلاً خاصاً في كتاب " الأم " ذكر فيه مناظرة بينه وبين بعض من يرون ردَّ الأخبار كلِّها ، كما عقد في كتاب " الرسالة "فصلاً طويلاً في حجية خبر الآحاد
وكادت تلك الطوائف التي أنكرت السنة جملة أن تنقرض ، حتى نبتت نابتة جديدة - في عصرنا الحاضر - غذَّاها الاستعمار بنفسه وأيدها مادياً ومعنوياً ، في محاولة منه للقضاء على الإسلام وهدم أصوله وأركانه .
وكان أحد هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن فقط : الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده " .
وتبع ذلك ظهور جماعة في شبه القارَّة الهندية دعت إلى الأخذ بالقرآن فقط ، وأنكرت أن يكون للأحاديث أي قيمة تشريعية ، وهم الذين عرفوا بـ " بالقرآنيين " أو " جماعة أهل القرآن " ، مردِّدين نفس الحجج والشبه التي استند إليها توفيق صدقي .
ومن ذلك ما فهموه من قوله تعالى { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام 38) ، وقوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل 89).
فقالوا : إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين ، وكلَّ حُكم من أحكامه ، وأنه بيَّن ذلك وفصَّله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وإلا كان الكتاب مفرِّطاً فيه ، ولما كان تبياناً لكل شيء ، فيلزم الخُلْف في خبره سبحانه وتعالى .
وجواباً على هذه الشبهة يقال : ليس المراد من الكتاب في قوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام 38) القرآن ، وإنما المراد به اللوح المحفوظ ، فإنه هو الذي حوى كل شيء ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، على التفصيل التام ، بدلالة سياق الآية نفسها حيث ذكر الله عز وجل هذه الجملة عقب قوله سبحانه : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } (الأنعام 38) أي مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها ، كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم كل ذلك مسطور مكتوب في اللوح المحفوظ لا يخفى على الله منه شيء .
وعلى التسليم بأن المراد بالكتاب في هذا الآية القرآن ، كما هو في الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل 89) فالمعنى أنه لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين وأحكامه ، وأنه بيَّنها جميعاً بياناً وافياً .(10/351)
ولكن هذا البيان إما أن يكون بطريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده وقواعد الأحكام العامة ، فبيَّن الله في كتابه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، وحِلِّ البيع والنكاح ، وحرمة الرِّبا والفواحش ، وحِلِّ أكل الطيبات وحُرْمة أكل الخبائث على جهة الإجمال والعموم ، وتَرَك بيان التفاصيل والجزئيات لرسوله صلى الله عليه وسلم .
ولهذا لما قيل لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير : " لا تحدثونا إلا بالقرآن قال : والله ما نبغي بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن .
وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل يحمل تلك الشبهة : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ، ثم قال أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا ، إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك " .
وإما أن يكون بيان القرآن بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحُجَجاً على خلقه .
فكل حكم بينته السنَّة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة ، فالقرآن مبَيِّن له حقيقة ، لأنه أرشد إليه وأوجب العمل به ، وبهذا المعنى تكون جميع أحكام الشريعة راجعة إلى القرآن
فنحن عندما نتمسك بالسنة ونعمل بما جاء فيها إنما نعمل في الحقيقة بكتاب الله تعالى ، ولهذا لما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه وقالت : إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأتِ { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) ؟! قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه .
وحُكِي أن الشافعي رحمه الله كان جالساً في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِم إذا قتل الزُّنْبُور ؟ فقال لا شيء عليه ؟ فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فقال : قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ( الحشر 7) ، ثم ذكر إسناداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) رواه الترمذي وغيره ، ثم ذكر إسناداً إلى عمر رضي الله عنه أنه قال " للمُحْرِم قتل الزُّنْبُور " فأجابه من كتاب الله .
قال الإمام الخطابي رحمه الله " أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً ، وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (النحل44) ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " أهـ .
وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم ، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبياناً لكل شيء ، والحمد لله أولاً وآخراً .
تقدمت الإشارة - في الجزء الأول من هذا الموضوع - إلى بعض الشبه التي استند إليها منكروا حجية السنة في العصر الحديث ، حيث استدلوا ببعض الآيات التي أساءوا فهمها وتأوَّلوها على غير وجهها ، محرفين فيها الكلم عن مواضعه .
وإضافة إلى ما استدلوا به من آيات ، فقد تمسكوا أيضاً بجملة أخبارٍ منسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤيد - بحسب زعمهم - ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بالسنة ، ووجوب عرض ما جاء فيها على كتاب الله .
ومن هذه الأخبار ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود فحدّثوه فخطب الناس فقال : ( إن الحديث سيفشو عنِّي ، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي ) ، فقالوا : إذا أثبتت السنة حكماً جديداً فإنها تكون غير موافقة للقرآن ، وإن لم تثبت حكماً جديداً فإنها تكون لمجرد التأكيد فالحجة إذاً في القرآن وحده .
ومن هذه الأخبار التي استدلوا بها ما روِي أنه - صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ، قلته أم لم أقله فصدّقوا به ، فإني أقول ما يُعرَف ولا يُنكَر ، وإذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدِّقوا به ، فإني لا أقول ما يُنكَر ولا يُعرَف ) ، فقالوا هذا يفيد وجوب عرض الحديث المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم - على المستحسن المعروف عند الناس من الكتاب أو العقل ، فلا تكون السنة حجَّة حينئذ .(10/352)
ومن تلك الأخبار أيضاً ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه ) ، وفي رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ، فإني لا أحلُّ لهم إلا ما أحلَّ الله ولا أحرَّم عليهم إلا ما حرَّم الله ) .
هذه هي خلاصة الشبه التي أوردوها ، وهي شبه ضعيفة متهافتة لا تثبت أمام البحث والنظر الصحيح ، وتدل على مبلغ جهلهم وسوء فهمهم .
وجواباً على ما أوردوه من أحاديث يقال :
أما الحديث الأول : ( إن الحديث سيفشو عني .... ) فإن أحاديث العرض على كتاب الله ، كلها ضعيفة لا يصح التمسك بشيء منها كما ذكر أهل العلم ، فمنها ما هو منقطع ، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول ، ومنها ما جمع بين الأمرين ، وقد بَيَّن ذلك ابن حزم ، و البيهقي ، و السيوطي ، وقال الشافعي في الرسالة : " ما روَى هذا أحدٌ يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل هذه الرواية في شيء " ، بل نقل ابن عبد البر في جامعه عن عبد الرحمن بن مهدي قوله : " الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث " ، ثم قال : " وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه " .
بل إن الحديث نفسه يعود على نفسه بالبطلان ، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً له ، فلا يوجد في كتاب الله أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل منه إلا ما وافق الكتاب ، بل إننا نجد في القرآن إطلاق التأسي به - صلى الله عليه وسلم - ، والأمر بطاعته ، والتحذير من مخالفة أمره على كل حال ، فرجع الحديث على نفسه بالبطلان .
ومما يدل على بطلانه كذلك معارضته الصريحة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) رواه أبو داود .
وعلى التسليم بصحة الخبر فليس المراد منه أن ما يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم نوعان : منه ما يوافق الكتاب فهذا يُعمل به ، ومنه ما يخالفه فهذا يُردُّ ، بل لا يمكن أن يقول بذلك مسلم ، لأن في ذلك اتهاماً للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يمكن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، وكيف لمؤمن أن يقول ذلك وقد ائتمنه الله على وحيه ودينه وقال له : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } (يونس 15) .
فالرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، ولا يمكن أن يوجد خبر صحيح ثابت عنه مخالفٌ لما في القرآن .
فيكون معنى الحديث إذاً : " إذا رُوِي لكم حديث فاشتبه عليكم هل هو من قولي أو لا فاعرضوه على كتاب الله ، فإن خالفه فردُّوه فإنه ليس من قولي " ، وهذا هو نفسه الذي يقوله أهل العلم عندما يتكلمون على علامات الوضع في الحديث ، فإنهم يذكرون من تلك العلامات أن يكون الحديث مخالفاً لمحكمات الكتاب ، ولذلك قال " فما أتاكم يوافق القرآن : فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي".
وعندما نقول : إن السنة الصحيحة لابدَّ وأن تكون موافقة للقرآن غير مخالفة له ، فلا يلزم أن تكون هذه الموافقة موافقة تفصيلية في كل شيء ، فقد تكون الموافقة على جهة الإجمال ، فحين تبين السنة حكماً أجمله القرآن ، أو توضِّح مُشْكِلاً ، أو تخصص عامَّاً ، أو تقييد مطلقاً ، أو غير ذلك من أوجه البيان ، فهذا البيان في الحقيقة موافق لما في القرآن ، غير مخالف له .
بل حتى الأحكام الجديدة التي أثبتتها السنة ودلَّت عليها استقلالاً ، هي أيضاً أحكام لا تخالف القرآن ، لأن القرآن سكت عنها على جهة التفصيل ، وإن كان قد أشار إليها وتعرض لها على جهة الإجمال حين قال : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) .
وأما الحديث الثاني : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ....) ، فرواياته ضعيفة منقطعة كما قال البيهقي و ابن حزم وغيرهما ، فضلاً عما فيه من تجويز الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عبارة : ( ما أتاكم من خبر فهو عنِّي قلته أم لم أقله ) ، وحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله : ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار ) أخرجاه في الصحيحين .
وقد رُوي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها لفظ ( قلته أم لم أقله ) منها رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد : ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ) .(10/353)
والمراد منه أن من أدلَّة صحة الحديث وثبوته أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن ، وأن يكون قريباً من العقول السليمة والفطر المستقيمة ، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على عدم صحته ، وهذا هو الذي يقوله علماء الحديث عند الكلام على العلامات التي يعرف بها الوضع وليس هذا مجال بسطها .
نعم قد تقصر عقولنا عن إدارك الحكمة والعلَّة ، فلا يكون ذلك سبباً في إبطال صحة الحديث وحجيته ، فمتى ما ثبت الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب علينا قبوله وحسن الظن به ، والعمل بمقتضاه ، واتهام عقولنا ، قال ابن عبد البر : كان أبو إسحاق إبراهيم بن سيار يقول : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من فم القربة ، فكنت أقول : إن لهذا الحديث لشأناً ، وما في الشرب من فم القربة حتى يجيء فيه هذا النهي ؟ فلما قيل لي : إن رجلاً شرب من فم القربة فوكعته حية فمات ، وإن الحيات والأفاعي تدخل أفواه القرب علمت أن كل شيء لا أعلم تأويله من الحديث أن له مذهباً وإن جهلته ".
وأما الحديث الثالث : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ....) ، فهو حديث منقطع في كلتا روايتيه كما قال الشافعي و البيهقي و ابن حزم .
وعلى فرض صحته فليس فيه أيُّ دلالة على عدم حجية السنة بل المراد بقوله : ( في كتابه ) ما أوحى الله إليه - كما قال البيهقي - فإن ما أوحى الله إلى رسوله نوعان : أحدهما وحي يتلى ، والآخر وحي لا يتلى ، ففسَّرَ الكتاب هنا بما هو أعم من القرآن .
وقد ورد في السنة استعمال الكتاب في هذا المعنى في الحديث الذي رواه الإمام البخاري حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) فغدا إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرُجِمت ، فجعل - صلى الله عليه وسلم -حكم الرجم والتغريب في كتاب الله ، مما يدُلُّ على أن المراد عموم ما أوحي إليه .
وحتى لو سلمنا أن المراد بالكتاب القرآن ، فإن ما أحلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حرمه ولم ينص عليه القرآن صراحة ، فهو حلال أوحرام في القرآن لقول الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله ) رواه الترمذي وغيره .
وأما رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ...) ، فقد قال فيها الشافعي إنها من رواية طاووس وهو حديث منقطع .
وعلى افتراض ثبوتها فليس معناها تحريم التمسك بشيء مما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أو الاحتجاج به .
وإنما المراد أنه -صلى الله عليه وسلم - في موضع القدوة والأسوة ، وأن الله عز وجل قد خصَّه بأشياء دون سائر الناس فأبيح له ما لم يبح لغيره ، وحُرِّم عليه ما لم يُحرَّم على غيره ، فكان المعنى : لا يتمسكن الناس بشيء من الأشياء التي خصني الله بها ، وجعل حكمي فيها مخالفاً لحكمهم ، ولا يقس أحدٌ نفسه عليَّ في شيء من ذلك ، فإن الحاكم في ذلك كله هو الله تعالى ، فهو الذي سوى بيني وبينهم في بعض الأحكام ، وفرَّق بيني وبينهم في بعضها الآخر
وبهذا يتبين أن الأحاديث التي استند إليها أصحاب هذه الشبهة منها ما لم يثبت عند أهل العلم ، ومنها ما ثبت ولكن ليس فيه دليل على دعواهم ، فلم يبق لهؤلاء المبتدعة - الذين نابذوا السنة ، وتأولوا القرآن على غير وجهه - من حجة إلا اتباع الهوى ، وصدق الله إذ يقول : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (القصص 50) ، نعوذ بالله من اتباع الهوى ، ومن الزيغ بعد الهدى .
================
التدوين وأثره على صحة الحديث(10/354)
هناك شبهة ادعاها بعض غلاة المستشرقين من قديم ، وأقام بناءها على وهم فاسد ، وخلاصة هذه الشبهة : أن الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب ، ثم بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث ، وصاروا يأخذون عمن سمعوا الأحاديث ، فصار هؤلاء يقول الواحد منهم : سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أن الفتنة أدت إلى ظهور الانقسامات والفرق السياسية ، فقد قامت بعض الفرق بوضع أحاديث مزورة حتى تثبت أنها على الحق ، وقد قام علماء السنة بدراسة أقسام الحديث ونوعوه إلى أقسام كثيرة جداً ، وعلى هذا يصعب الحكم بأن هذا الحديث صحيح ، أو هذا الحديث موضوع .
ويمكن إيجاز الرد هذه الشبهة من وجوه :
1- أن تدوين الحديث قد بدأ منذ العهد الأول في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وشمل قسماً كبيراً من الحديث ، وما يجده المطالع للكتب المؤلفة في رواة الحديث من نصوص تاريخية مبثوثة في تراجم هؤلاء الرواة ، تثبت كتابتهم للحديث بصورة واسعة جداً ، تدل على انتشار التدوين وكثرته البالغة .
2 - أن تصنيف الحديث على الأبواب في المصنفات والجوامع مرحلة متطورة متقدمة جداً في كتابة الحديث ، وقد تم ذلك قبل سنة 200 للهجرة بكثير ، فتم في أوائل القرن الثاني ، بين سنة 120 ـ 130 هـ ، بدليل الواقع الذي بين لنا ذلك ، فهناك جملة من هذه الكتب مات مصنفوها في منتصف المائة الثانية ، مثل جامع معمر بن راشد(154) ، وجامع سفيان الثوري(161) ، وهشام بن حسان(148) ، وابن جريج (150) ، وغيرها كثير .
3 - أن علماء الحديث وضعوا شروطاً لقبول الحديث ، تكفل نقله عبر الأجيال بأمانة وضبط ، حتى يُؤدَّى كما سُمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهناك شروط اشترطوها في الراوي تضمن فيه غاية الصدق والعدالة والأمانة ،مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسئولية ، كما أنها تضمن فيه قوة الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معاً ، مما يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه ، ويتضح ذلك من الشروط التي اشترطها المحدثون للصحيح والحسن والتي تكفل ثقة الرواة ، ثم سلامة تناقل الحديث بين حلقات الإسناد ، وسلامته من القوادح الظاهرة والخفية ، ودقة تطبيق المحدثين لهذه الشروط والقواعد في الحكم على الحديث بالضعف لمجرد فقد دليل على صحته ، من غير أن ينتظروا قيام دليل مضاد له .
4 - أن علماء الحديث لم يكتفوا بهذا ، بل وضعوا شروطاً في الرواية المكتوبة لم يتنبه لها أولئك المتطفلون ، فقد اشترط المحدثون في الرواية المكتوبة شروط الحديث الصحيح ، ولذلك نجد على مخطوطات الحديث تسلسل سند الكتاب من راوٍ إلى آخر حتى يبلغ مؤلفه ، ونجد عليها إثبات السماعات ، وخط المؤلف أو الشيخ المسمَع الذي يروي النسخة عن نسخة المؤلف أو عن فرعها ، فكان منهج المحدثين بذلك أقوى وأحكم وأعظم حيطة من أي منهج في تمحيص الروايات والمستندات المكتوبة .
5 - أن البحث عن الإسناد لم ينتظر مائتي سنة كما وقع في كلام الزاعم ، بل فتش الصحابة عن الإسناد منذ العهد الأول حين وقعت الفتنة سنة 35 هجرية لصيانة الحديث من الدس ، وضرب المسلمون للعالم المثل الفريد في التفتيش عن الأسانيد ، حيث رحلوا إلى شتى الآفاق بحثاً عنها واختباراً لرواة الحديث ، حتى اعتبرت الرحلة شرطاً أساسياً لتكوين المحدث
6 - أن المحدثين لم يغفلوا عما اقترفه الوضاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الاختلاق في الحديث ، بل بادروا لمحاربة ذلك باتباع الوسائل العلمية الكافلة لصيانة السنة ، فوضعوا القيود والضوابط لرواية المبتدع وبيان أسباب الوضع وعلامات الحديث الموضوع .
7 - أن هذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول أو الرد فقط ، بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده ومتونه ، وهو دليل على عمق نظر المحدثين ودقة بحثهم ، فإن مما يستدل به على دقة العلم وإحكام أهله له تقاسيمه وتنويعاته ، بل لا يُعد علماً ما ليس فيه تقسيم أقسام وتنويع أنواع ؟!!.
8 - أن علماء الحديث قد أفردوا لكل نوع من الحديث وعلومه كتباً تجمع أفراد هذا النوع من أحاديث أو أسانيد أو رجال ، فلا يصلح بعد هذا أن يقول قائل : كيف نعرف هذا الحديث أنه صحيح من بين تلك الأنواع ؟ ونحن نقول له : كذلك وقع التنوع في كل علم وكل فن ، فلو قال إنسان : كيف نحكم على هذا المرض بأنه كذا وأنواع الأمراض تعد بالمئات ؟ ، وكيف نبين هذا المركب الكيمائي من بين المركبات التي تعد بالآلاف ؟ لأحلناه على الخبراء المتخصصين ليأخذ منهم الجواب الشافي والحل المقنع ، فكما يرجع في الطب إلى الأطباء ، وفي الهندسة إلى المهندسين ، وفي الكيمياء إلى علمائها ، والصيدلة إلى أصحابها .... فكذلك يُرْجَع في الحديث إلى علمائه المتخصصين في هذا العلم لأخذ البيان الجلي المدعم بالأدلة القاطعة عن كل حديث نريده ونود معرفة حاله .(10/355)
فظهر بذلك تهافت هذه الشبهة وبعدها عن الموضوعية والمنهجية .
منهج النقد في علوم الحديث د . نورالدين عتر بتصرف
=============
ما صحة هذا الحديث وما المقصود فيه؟
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=1&Rec=6396
صحيح مسلم - 4970
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم حدثنا همام حدثنا قتادة أن عونا وسعيد بن أبي بردة حدثاه أنهما شهدا أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا
قال فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فحلف له قال فلم يحدثني سعيد أنه استحلفه ولم ينكر على عون قوله حدثنا إسحق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى جميعا عن عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا همام حدثنا قتادة بهذا الإسناد نحو حديث عفان وقال عون بن عتبة
أفيدونا أفادكم الله
قول صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة دفع الله تعالى إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار) وفى رواية لا يموت رجل مسلم الا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا وفي رواية يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى الفكاك بفتح الفاء وكسرها الفتح أفصح وأشهر وهو الخلاص والفداء ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره ومعنى فكاكك من النار أنك كنت معرضا لدخول النار وهذا فكاكك لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين وأما رواية يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها يكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وقوله ويضعها مجاز والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الاثم الباقي وهو إثمهم ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنوها فتسقط عن المسلمين بعفوا الله تعالى ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها
والله أعلم قوله (فاستحلفه عمر بن عبد العزيز أن أباه حدثه) إنما أستحلفه لزيادة الاستيشاق والطمأنينة ولما حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين ولأنه ان كان عنده فيه شك وخوف غلط أو نسيان أو اشتباه أو نحو ذلك أمسك عن اليمين فإذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور وعرف صحة الحديث وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي رحمهما الله أنهما قالا هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين وهو كما قالا لما فيه من التصريح بفداء كل مسلم وتعميم الفداء ولله الحمد قوله صلى الله عليه وسلم (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كتفه فيقرره بذنوبه) الى آخره أما كنفه فبنون مفتوحة وهو ستره وعفوه والمراد بالدنو هنا دنو كرامة واحسان لادنو مسافة والله تعالى منزه عن المسافة وقربها باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه قوله (ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام) أي تبايعنا عليه وتعاهدنا .
لقد سألت شيخا الآن فقال
ان صحيح مسلم هو من اكثر المراجع صحة بعد صحيح البخارى وان الحديث صحيح وان هناك احاديث أخرى مثلها وانه لا يجب التشكيك او الخوض فى احاديث البخارى ومسلم لأنها صحيحة
وقد شرح ان كل شخص له مقعده من الجنه ومقعده من النار
فان كان كافرا فأمره مقررا بقول الله فى القرآن
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً
اذن ليس هناك تعارض - فاليهود والنصارى مكانهم معروف بموجب افعالهم فى ظل هذه الآيات ويجب على الذين عاشوا ليعاصروا آخر الرسل ان يؤمنوا بالرسل السابقة و من كفر فمكانه حتما الى النار
ولا تزر وازرة وزر أخرى تعنى أن الإنسان يحاسب على أفعاله التى هى من اختياره وليس لأحد دخل فيها- فيستحق هذا العقاب
اذن فاليهود والنصارى مصيرهم النار لكفرهم بالرسل كافه ، ولا تتبدل أماكننا هكذا ظلما - لان الله ليس بظلام للعبيد(10/356)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ، وانما المقاعد من النار التى كانت محدده للناس ، يستقر عليها أصحابها حسب أفعالهم والتي هى من اختيارهم ، فهكذا يحدث الاستبدال ( الكافر يأخذ مكان الذى اسلم والذى كان مكانه موجودا لولا إسلامه )
وفضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
====================
صيام عاشوراء
: جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فصام وأمر بصيامه، فكيف يتفق هذا مع أمره بمخالفة أهل الكتاب في أمور كثيرة؟
ج : الحديث الذي يشير إليه السائل حديث متفق عليه عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء. فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال: "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه.
ولا عجب أن يسأل المسلم: كيف وافق النبي اليهود في صيام عاشوراء مع حرصه على مخالفة الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، وأمره بذلك في أحاديث شتى "خالفوا اليهود والنصارى.. خالفوا المشركين.. الخ".
ولكن المتتبع للأحاديث المروية في صيام عاشوراء، يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذا اليوم قبل الهجرة، بل كانت العرب في الجاهلية تصومه وتعظمه، وتكسو فيه الكعبة، وقيل: إنهم تلقوا ذلك من الشرع السالف، وروى عن عكرمة أن قريشا أذنبت ذنبا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك عنكم".
وإذا، فالنبي عليه السلام لم يبتدئ صومه في المدينة، ولم يصمه إقتداء باليهود، وإنما قال ما قال: "نحن أحق بموسى منكم" وأمر بما أمر، تقريرا لتعظيمه وتأكيدا وتعليما لليهود أن دين الله واحد في جميع الأزمان، وأن الأنبياء أخوة وضع كل منهم لبنة في بناء الحق، وأن المسلمين أولى بكل نبي ممن يدعون أتباعه. وقد حرفوا كتابه، وبدلوا دينه فإذا كان يوم عاشوراء يوم هلاك لفرعون وانتصار لموسى فهو كذلك انتصار للحق الذي بعث الله به محمدا، وإذا صامه موسى شكرا لله فالمسلمون أحق أن يقتدوا به من اليهود.
هذا إلى أن عاشوراء يوم ميمون تحقق فيه أكثر من انتصار للحق على الباطل، وللإيمان على الكفر، فقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة على الجودى فيه، فصامه نوح شكرا لله تعالى.
على أن موافقة النبي لليهود في أصل الصيام كانت في أوائل العهد المدني إذ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه استمالة لهم، وتألفا لقلوبهم، فلما استقرت الجماعة الإسلامية، وتبينت عداوة أهل الكتاب للإسلام ونبيه وأهله أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم الذي ذكرناه، فقال عليه السلام "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما وبعده يوما" رواه أحمد.
وقد دخل الصحابة أنفسهم -في أواخر العهد المدني- ما داخل السائل من موافقة أهل الكتاب مع حرصه عليه الصلاة والسلام على تميز أمته عن مخالفيهم في العقيدة ويتجلى هذا فيما رواه مسلم عن ابن عباس قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
================
شبهة اختلاف سيرة رسول الله فى كتب السنة
والتاريخ عنها فى القرآن الكريم والرد عليها
حرص أعداء السنة المطهرة، وهم يطعنون فى صحيح الإمام البخارى، بل وفى سائر كتب السنة المطهرة، إيهام الناس أجمعين بأن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وشخصيته كما رسمها القرآن الكريم، تختلف عن شخصيته وسيرته كما رسمها الإمام البخارى، وغيره من أصحاب كتب السنة المطهرة0
والنتيجة كما يزعمون الإساءة المتعمدة، وتشويه سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وشخصيته العطرة من الإمام البخارى، وسائر أئمة السنة (وعصمهم الله من ذلك) وهم قد لبسوا لهذه النتيجة لباس العلماء، لإيهام من يقرأ لهم أنهم على صواب، فساروا إلى أحاديث السيرة الشريفة فى الصحيحين، وعمدوا إلى بترها تارة، وإلى إعادة صيغتها بأسلوبهم، وتحميل ألفاظها مالا تحتمل من المعانى تارة ثانية، وعمدوا إلى الأمرين معاً تارة ثالثة، ووضعوا صياغتهم الخبيثة عناوين لأحاديث السيرة الصحيحة التى طعنوا فيها0(10/357)
1- فتجد أحمد صبحى منصور فى كتابه "لماذا القرآن"( ) يخصص الفصل الثالث منه للطعن فى السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، ويبدو ذلك واضحاً فى العناوين التى وضعها؛ والتى منها ما يلى : "سيرة النبى عليه السلام بين حقائق القرآن وروايات البخارى"، "البخارى ينسب للنبى الأكاذيب والمتناقضات"، "القرآن يحرص على حرمة بيت النبى التى هتكتها كتب الأحاديث"، "هل كان النبى يباشر نساءه فى المحيض"، "هل كان لدى النبى متسع ليكون كما وصفته تلك الأحاديث"( )0
وفى كتابه "قراءة فى صحيح البخارى" يعنون للفصل الثانى منه بعنوان : "النبى والنساء من خلال أحاديث البخارى" وذكر تحته عناوين منها : "فى البخارى النبى يدور على نساء الآخرين ويخلو بهن"، "فى البخارى هوس النبى بالجماع"0
ويعنون للفصل الثالث : "البخارى يهدم شخصية النبى رسولاً وحاكما"، ويعنون للفصل الرابع : "منهج البخارى فى تصويره شخصية النبى"( )0
ويبين أحمد صبحى هدفه من كل ما سبق فى كتابيه : "لماذا القرآن" و"قراءة فى صحيح البخارى" قائلاً : "ومن واقع نظرتنا للبخارى كأحد علماء التراث؛ فإننا لا نقصد مطلقاً أن نعقد مقارنة بينه وبين القرآن الكريم – نعوذ بالله من ذلك – وإنما نقصد من هذا المبحث رصد تلك الفجوة الهائلة بين سيرة النبى فى القرآن، وبين سيرته المتناثرة بين سطور البخارى"( )0
2- وتجد نيازى عز الدين يعقد فى كتابه "دين السلطان" فصولاً يطعن فيها هو الآخر فى السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، ويعنون لبعض فصوله هكذا0
الفصل السادس : أسلوب الإساءة المتعمدة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم 0
الفصل السابع : الأحاديث التى تناقض أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم 0
الفصل الثامن : لماذا شوهوا صورة الرسول الكريم من خلال الأحاديث.. الخ0
ويبين هدفه مما سبق من عناوين فصوله، وما ذكره تحتها من أحاديث طعن فيها قائلاً : "ما هى الصورة التى صورها جنود السلطان عن الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته؛ ليس فى كل الحديث، ولكن فقط فى صحيح البخارى ومسلم؟0
فما هى الصورة من خلال ما اختاره الشيخان للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تكون بالتالى صورة لدى كل المسلمين عن رسولهم وآله أجمعين؟ لقد استغل الرواة والمحدثين وأغلبهم من الحاقدين والموتورين، استخدام الأحاديث بشكل يكون ظاهرها تعليمياً، وباطنها الدس والإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ونسائه أمهات المؤمنين أجمعين"( )0
3- وتجد صالح الوردانى، يخصص أحد مؤلفاته ليدافع بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد من ظلموه فى نظره من الفقهاء والمحدثين؛ ويزعم أن الروايات التى تتحدث عن سيرته "تمثل أكبر إهانة لشخص الرسول، وأن موقف أهل السنة منها لهو إهانة أكبر وهو إن دل على شئ، فإنما يدل على أن القوم ألغوا عقولهم، وطمسوا بصيرتهم حتى أنهم لم يعوا مدلول قوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } ( ) وأن هذا الخلق العظيم الذى وصفه به سبحانه ليتنافى مع ما هو أقل مما يلصقونه به عن طريق هذه الروايات"( )0
4- وتجد هشام آل قطيط( ) يقول فى كتابه : "حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين" تحت عنوان "النبوة فى الصحيحين البخارى ومسلم" "أقول إنه من المؤسف حقاً أن نجد نفس الخرافات، والافتراءات النابية التى عجت بها التوراة والإنجيل بحق الأنبياء فى الصحيحين والأنكى من ذلك والأدهى والأمر، أن الصحيحين لم يكتفيا بلطخات العار السوداء هذه بحق الأنبياء، حتى ارتكبا ما هو أفظع وأمر، بالافتراء على النبى صلى الله عليه وسلم ، تلك الافتراءات المشينة، والتى نربأ نحن بأنفسنا عن ذكرها، فكيف بفعله؟ وتشويه صورته المقدسة بما لا ينسجم مع أى حال، وما رسمه القرآن الكريم لها"( )0
ولم يكتف أعداء الإسلام من خصوم السنة والسيرة بما سبق، بل زعموا : "أن الربط بين كتاب الله عز وجل، والسنة النبوية، فى تحديد شخصية وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، صورة من صور تأليه الرسول، ومن يعتقد بها فقد وقع فى عبادة الرجال"( )0
يقول أحمد صبحى منصور : "والمؤكد أن الذى سيصمم على الانتصار للبخارى والتعصب له بعد قراءة هذا الكتاب، إنما هو فى الحقيقة عابد له لا يشرك فى عبادته أحد"( )0
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : إذا كان أعداء الإسلام من خصوم السنة المطهرة، يتظاهرون هنا كذباً بأنهم يدافعون عن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم الواردة فى السنة النبوية فقد سبق أن وجدت بعضهم يطعن صراحة فى سيرته صلى الله عليه وسلم مستشهداً بالقرآن الكريم، وزاعماً كذباً أنه صلى الله عليه وسلم غير معصوم، ويجوز عليه الشرك الأكبر، وأنه كان فى ضلال وغفلة قبل الرسالة، إلى غير ذلك من افتراءاتهم التى سبق الجواب عنها فى موضعها0(10/358)
ثانياً : من المقرر عند علماء المسلمين كافة أنه ليس لأحد أن يرسم من خياله صورة لنبى مرسل، ولا أن يحدد شخصيته ودوره، وسيرته فى أمته، سواء كان هذا النبى هو النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من الأنبياء0
فالأنبياء جميعاً – عليهم الصلاة والسلام – قد اصطنعهم الله عز وجل لنفسه، وهو قد صنعهم على عينه، كما قال عز وجل فى حق سيدنا موسى عليه السلام { وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى } ( ) وقال سبحانه : { واصطنعتك لنفسى } ( )0
وإثبات اصطناع الله عز وجل لواحد من الأنبياء، هو إثبات لاصطناع سائر الأنبياء، لأن حقوقهم واحدة من هذه الناحية لا تختلف أبداً، فما يجب فى حق واحد منهم يجب كذلك فى حق الجميع، وما يستحيل فى حق واحد منهم يستحيل كذلك فى حق الجميع0
وعليه فالله عز وجل وحده الذى يستطيع أن يرسم لنا صورة لمن اصطنعه لنفسه، وصنعه على عينه، ويحدد لنا شخصيته ودوره، وسيرته.. الخ هذا كله لله عز وجل وحده، وليس لأحد أن يتدخل فى شئ منه0
ثالثاً : بناء على ما سبق فقد اعتبر العلماء أن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وشخصيته العطرة حددها رب العزة فى كتابه العزيز. واستدلوا على ذلك بما أخرجه الإمام مسلم وغيره من طريق سعد بن هشام بن عامر( ) أنه سأل عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : "يا أم المؤمنين أنبئينى عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : قلت : بلى، قالت : فإن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن، قال : فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شئ حتى أموت"( )0
وفى رواية عنها قالت : "كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. ثم قالت أتقرءون سورة "المؤمنون"؟ قال : قلنا نعم، فقالت : اقرأ، قال : فقرأت : { قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون } ( ) فقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) وفى رواية ثالثة قالت : "كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه"( )0
وهذا الجواب الوجيز الجامع من أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : "فإن خلق نبى الله القرآن" أجمع وصف يعرف به شخصيته صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة0
فقد أفادت عائشة رضى الله عنها السائل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل القرآن فى أقواله وأفعاله، وأوامره، ونواهيه "وأن كلامه كان مطابقاً للقرآن تفصيلاً وتبياناً، وعلومه علوم القرآن، وإرادته وأعماله : ما أوجبه وندب إليه القرآن، وإعراضه وتركه : لما منع منه القرآن، ورغبته : فيما رغب فيه القرآن، وزهده : فيما زهد فيه، وكراهيته لما كرهه، ومحبته لما أحبه، وسعيه فى تنفيذ أوامره0
فترجمت أم المؤمنين رضى الله عنها لكمال معرفتها بالقرآن، وبالرسول صلى الله عليه وسلم ، عن هذا كله بقولها : كان خلقه القرآن، وقد حسن تعبيرها وجمع من المعانى مالا يجمعه كثير الكلام0
وفهم السائل عنها هذا المعنى فاكتفى به واشتفى"( ) فهم أن يقوم ولا يسألها عن شئ كما جاء فى الحديث، وتأهب لأن يرجع إلى القرآن فيبحث عن مكنونات جواهره الأخلاقية، ويستدل بها على أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان أوفى من يطبق آياته0
ولا ريب أنه إن فعل ذلك فإنه سيجد بغيته كاملة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان متمسكاً بآداب القرآن وأوامره، ونواهيه، وجميع ما قصه الله تعالى! فى كتابه من مكارم الأخلاق عن نبى أو ولى، أو حث عليه أو ندب إليه، كان صلى الله عليه وسلم متخلقاً به0
وكل ما نهى عنه ونزه عباده عنه، كان صلى الله عليه وسلم لا يحوم حوله، لأنه كان يبين القرآن بأقواله وأفعاله وأحواله، وتلك هى مهمته التى كلفه الله تعالى بها بمثل قوله عز وجل : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } ( )0
ولأن الإحاطة بكل أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، والتعرض لحصر جزئياتها تعرض لما ليس من مقدور الإنسان، وأمر يطول، أرادت السيدة عائشة رضى الله عنها أن تقرب للسائل إدراك ما لابد من إدراكه من تلك الجزئيات الأخلاقية فأوقفته على مثال واحد، وهو ما تضمنته مقدمة سورة المؤمنون" ليذهب فيستضئ بذلك المثال، لاستنباط أخلاقه صلى الله عليه وسلم من القرآن على ذلك الغرار.(10/359)
أو دلته على منهج يتبعه فى الوقوف على جزئيات أخلاقه صلى الله عليه وسلم من خلال القرآن، كما فى رواية : "كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه"( ) فدلته على المواطن التى فيها رضا لله تعالى من صنوف الطاعات والقربات، فيعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قد كان متخلقاً بها، ويرضيه انتهاجها من نفسه، ومن أمته، وعلى المواطن التى فيها إغضاب لله تعالى من صنوف الإشراك والمعاصى، فيعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى غاية البعد عنها، وأنه يغضب لاقترافها، والعمل بها من أحد من البشر، وإذا غضب لله فلا يقوم لغضبه أحد كما لا يخفى0
إذن كلمة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : "فإن خلق نبى الله كان القرآن" تعنى : أنه صلى الله عليه وسلم هو والقرآن كيان واحد، يتمثل فى شخصه الكريم، كل ما فى القرآن الكريم من أخلاق، وآداب، وفضائل، ومكارم، يترجمه صلى الله عليه وسلم فى كل كلامه وأفعاله بما فيها حركاته وسكناته، حتى استحق من ربه عز وجل الثناء العظيم فى قوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } ( )0
وأستطيع أن أقول بدون تردد : إن القرآن الكريم هو شريعة الإسلام قولاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو شريعة الإسلام عملاً فحياته صلى الله عليه وسلم كلها، وما صدر عنه فيها من أقوال، وأفعال وتقديرات حتى الحركات والسكنات، هى تفصيل وبيان وترجمة حية لما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، أو عبادات، أو معاملات أو أخلاق، أو حدود، أو أحوال شخصية… الخ0
وإذن فلم تكن هذه المفتريات التى زعمها أعداء الإسلام من خصوم السنة على سيرة النبى صلى الله عليه وسلم الواردة فى صحيح السنة النبوية، لم يكن مقصوداً بها الرسول لذاته، وإنما كانت غايتها تدمير الشريعة وصاحب الشريعة جميعاً، ثم يتأتى من وراء ذلك تدمير المجتمع الإسلامى كله!0
والنتيجة من كل ما سبق : أن القرآن الكريم خير مصدر لمعرفة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرته الشريفة، معرفة واضحة دقيقة، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها0
فالقرآن الكريم هو الباعث لتشخيص شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته منذ البعثة وما بعدها، وهو أيضاً المسيطر على دفع أو كبح أو تعديل حركة السيرة، والإشراف المتحكم بمفاهيم وقائعها( )0
رابعاً : إذا كان القرآن الكريم هو الباعث لتشخيص شخصية السيرة النبوية، وكانت تلك السيرة العطرة هى الترجمة الحية لذلك الكتاب العزيز عرفت هنا فقط : أن كتاب السيرة النبوية وعلماءها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة، إلا تثبيت ما هو ثابت منها، بمقياس علمى، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم وأحوالهم0
فإن انتهت بهم هذه القواعد العلمية الدقيقة إلى أخبار ووقائع، وقفوا عندها ودونوها، دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعتهم النفسية، أو مألوفاتهم البيئية إلى شئ من تلك الوقائع بأى تلاعب أو تحوير0
لقد كانوا يرون أن الحادثة التاريخية التى يتم الوصول إلى معرفتها، بالقواعد العلمية التى تتسم بمنتهى الدقة، حقيقة مقدسة، يجب أن تجلى أمام الأبصار والبصائر كما هى0
كما كانوا يرون أن من الخيانة العلمية والدينية التى لا تغتفر أن ينصب من التحليلات الشخصية؛ والرغبات النفسية، التى هى فى الغالب من انعكاسات البيئة، ومن ثمار العصبية، حاكم مسلط يستبعد منها ما يشاء، ويحور فيها كما يريد0
ضمن هذه الوقاية من القواعد العلمية، وعلى ذلك الأساس من النظرة الموضوعية للتاريخ، وصلت إلينا سيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم بدءاً من نسبه، وولادته، إلى طفولته، فصبوته اليافعة، إلى الإرهاصات الخارقة التى صاحبت مراحل طفولته، وشبابه، إلى بعثته، وظاهرة الوحى التى تجلت فى حياته، إلى أخلاقه، وصدقه، وأمانته، إلى الخوارق والمعجزات التى أجراها الله تعالى على يده، إلى مراحل الدعوة التى سار فيها لتلبية أمر ربه، من سلم، فدفاع، فجهاد مطلق حيثما طاف بالدعوة إلى الله تعالى أى تهديد، إلى الأحكام والمبادئ الشرعية التى أوحى بها إليه، قرآناً معجزاً يتلى، وأحاديث نبوية تشرح وتبين0
لقد كان العمل التاريخى إذن بالنسبة إلى هذه السلسلة من سيرته صلى الله عليه وسلم ينحصر فى نقلها إلينا محفوظة مكلوءة، ضمن تلك الوقاية العلمية التى من شأنها ضبط الرواية من حيث الإسناد واتصاله، ومن حيث الرجال وتراجمهم، ومن حيث المتن أو الحادثة، وما قد يطوف بها من شذوذ، وعلة0(10/360)
أما عملية استنباط النتائج والأحكام، والمبادئ، والمعانى، من هذه الأخبار (بعد القبول التام لها) فعمل علمى آخر يميز بعلم الحديث رواية، وهو عمل علمى متميز، ومستقل بذاته، ينهض بدوره على منهج وقواعد أخرى، من شأنها أن تضبط عملية استنباط النتائج والأحكام من تلك الأحداث، ضمن قالب علمى يقصيها عن سلطان الوهم، وشهوة الإرادة النفسية، والتى عبر عنها أعداء الإسلام من خصوم السيرة العطرة الواردة فى السنة المطهرة بصياغاتهم الخبيثة التى سبق ذكر بعضها فى أول هذا الفصل0
وهذا بخلاف أئمة الإسلام من الفقهاء والمحدثين فقد استنبطوا من أحداث السيرة النبوية طبقاً لقواعد علم الحديث رواية، أحكاماً كثيرة، منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين، ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك( )0
إذن ليس للإمام البخارى، وغيره من أئمة السنة الشريفة، من أصحاب المصنفات الحديثية، والتاريخية، أن يرسموا شخصية النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا سيرته العطرة، لأن دورهم كما سبق، هو تسجيل تلك التراجم الحية التى اشتمل عليها القرآن الكريم، من عقائد، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق، وحدود، وغزوات، وأحوال شخصية… الخ0
خامساً : التأكد من صحة نقل السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، سهل ميسور من خلال دراسة السند والمتن، وهذا ما قام به أئمة أعلام من سلفنا الصالح، وأسفرت نتيجة جهودهم، إلى صحة أصول السيرة النبوية التى اشتملت عليها صحاح كتب السنة، وعلى رأسها الصحيحين للبخارى ومسلم، وهذان المصدران (القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة) أهم مصادر السيرة وأوثقها، وإليهما نرجع للاستيثاق مما يوجد فى المصادر الأخرى من كتب السيرة والتاريخ، والتى تتنوع بحسب موضوعاتها إلى كتب الشمائل، وكتب دلائل النبوة، وكتب المغازى، وكتب السيرة بوجه عام( )0
سادساً : إذا كان القرآن الكريم أوثق كتاب على وجه الأرض، وكان من الثبوت المتواتر بما لا يفكر إنسان عاقل فى التشكيك بنصوصه وثبوتها التاريخى0
وإذا كانت السنة الشريفة نقلت لنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح المتصل مما يجب أن نقبله كحقيقة تاريخية لا يخالجنا الشك فيها0
فإنك تجد نفسك فى النهاية أمام أصح سيرة وأقواها ثبوتاً متواتراً هى سيرة المعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 0
واتباع تلك السيرة المطهرة، والاهتداء بها، واعتمادها فى معرفة شخصية النبى صلى الله عليه وسلم . ليس فى ذلك عبادة للرجال الذين دونوها، كما يزعم أعداء الإسلام من خصوم السنة لأن الرجال الذين دونوها من الأئمة الأعلام، دورهم كما سبق هو تسجيل ذلك البيان النبوى للقرآن الكريم قولاً وعملاً، وتلك حقيقة علمية تاريخية لا ينكرها إلا جاحد!0
فأين عبادة الرجال التى يزعمها عبدة أهواءهم وشياطينهم؟! قال تعالى : { افرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ( )، وقال سبحانه : { وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } ( )0
سابعاً : ليس فى الربط بين القرآن الكريم، والسنة النبوية فى تحديد شخصية وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، شرك وتأليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم أعداء السنة المطهرة( )، لأن الربط هنا ربط إلهى، وطاعة لله عز وجل0
فرب العزة هو الآمر لعباده بوجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم ، وتصديقه فى كل ما يخبر به من الوحى الإلهى (متلو من القرآن، أو غير متلو من السنة) قال تعالى : { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير } ( ) وقال سبحانه : { فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ( ) فالإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب متعين لا يتم إيمان إلا به، ولا يصح إسلام إلا معه لقوله تعالى : { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً } ( )0
فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والربط بين الإيمان به، والإيمان بالله عز وجل شرك؟! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً0
وإذا وجب الإيمان به صلى الله عليه وسلم ، وجب تصديقه وطاعته فيما جاء به من الكتاب والسنة، لأن ذلك مما أمرنا به المولى عز وجل فى آيات عدة منها : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ( ) وقال سبحانه : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً } ( )0
فتأمل كيف جعل رب العزة طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعته، وقرن طاعته عز وجل بطاعته صلى الله عليه وسلم ، ووعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره، واجتناب نهيه0(10/361)
قال المفسرون والأئمة : طاعة الرسول فى التزام سنته، والتسليم لما جاء به، وقالوا : ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } ( ) فمن زعم بعد ذلك أن الربط بين طاعته عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ شرك وتأليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد رد على ربه عز وجل كلامه! وقد سبق تفصيل ذلك فليراجع( )0
وجملة القول : أن منكرى السنة الذين يزعمون كذباً أن السيرة النبوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتى نقلها أهل الحديث فى كتبهم مخالفة لسيرته فى القرآن الكريم، وأن المصادر الحديثية شوهت سيرته العطرة، كذبوا فى زعمهم وتظاهرهم هذا، فقد طعنوا أيضاً فى سيرته صلى الله عليه وسلم الواردة فى القرآن الكريم بزعمهم عدم عصمته وأنه كان فى ضلال وغفلة قبل البعثة… الخ كما سبق الإشارة إلى ذلك فى أول الجواب0
وفى الحقيقة : فإن منكرى السنة، لا يريدون السنة، ولا يريدون أسانيد ولا يريدون نقله يصلون بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وكيف يصلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يكرهون من يوصل إليه، ويحملونهم إلى عصره، وييسرون لهم سماعه ومشاهدة أفعاله، وأحواله، وصفاته… الخ0
إنهم يكرهون الصحابة، ويكرهون التابعين، واتباع التابعين، وتبع الأتباع، واتباع التبع… إنهم يكرهون الدواوين التى جمعت كل هذه الطرق، وحفظت هذا الاتصال، ويكرهون من جمع هذه الدواوين0
يكرهون القواعد التى وضعها العلماء لاستخلاص السنة والسيرة، من وضع الوضاعين، وخطأ المخطئين، ووهم الواهمين .. يكرهون مدرسة الحديث بكل ما فيها، ومن فيها0
وهذه الكراهية فى الحقيقة كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحقد على بقاء رسالته، متمثلة فى سنته، وسيرته العطرة، ومحاولة للقضاء على ما ورثته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم ، من العلم الذى هو الميراث عن النبيين، وهو فى نفس الوقت حقد على هذه الأمة التى اختصها الله عز وجل بحفظ سنة وسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم على أكمل ما يكون الحفظ والتوثيق0
وإذا تقرر سابقاً أن سول الله صلى الله عليه وسلم ، هو والقرآن الكريم كيان واحد، وأن سيرته الشريفة هى الترجمة الحية، لما اشتمل عليه القرآن الكريم، من تعاليم وأحكام؛ فسوف يتأكد ذلك بالأمثلة عند الجواب على الأحاديث التى طعنوا فيها، وزعموا أنها تشويه لسيرته العطرة، وأنها مخالفة للقرآن الكريم، وتطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه0
فإلى بيان ذلك فى الفصول التالية
__________________
ابوعبد الله
=================
شبهة : سجود المرأة لزوجها فى الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم .
و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .
و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
هل سمعت بالحديث الشريف عن الرسول الأكرم ( لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) ؟ ما مدى صحة هذا الحديث ؟ و ما معناه ؟ و هل فيه تحقير و إهانة للمرأة ؟ .
أولاً : أما الحديث فقد رواه الشيعة و السنة بصيغ متقاربة و حوادث متعددة , و هو حديث صحيح عند الشيعة و السنة .
ثانياً : لا يجوز السجود إلا لله تعالى , و ليس في الحديث أمر أو تجويز بأن تسجد المرأة لزوجها .
ثالثاً : الحديث يدل على عظم حق الزوج على زوجته و على لزوم طاعته .
رابعاً : ليس في الحديث أي توهين أو تحقير للمرأة , فما يتصوره بعض الناس من كون هذا الحديث منافياً لتكريم المرأة يناظر ما قاله إبليس { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } سورة ص – 76 . فإبليس رأى أن سجوده لآدم توهين و تحقير له فرفض ذلك , و كذلك بعض الناس رأى أن في هذا الحديث توهين و تحقير للمرأة فسارع إلى الطعن فيه مع أنه صحيح السند بل لو نظرنا إلى جميع مصادر المسلمين فهو متواتر .
خامساً : يدل هذا الحديث الصحيح على أن الله تعالى أعطى الرسول الأكرم – صلى الله عليه و آله – حق التشريع من عنده , و ذلك أن صيغة الحديث تدل على أن الرسول له حق أن يأمر هو لكنه لم يأمر أحداً بالسجود لبشر .
- الكافي - الشيخ الكليني ج 5 ص 507 :
6 - محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أن قوما أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا أناسا يسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .سند الحديث : صحيح .
- من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق ج 3 ص 438 :(10/362)
4515 - وروى الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " إن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا اناسا يسجد بعضهم لبعض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ". سند الحديث : صحيح .
- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل ج 3 ص 158 :
حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا خلف بن خليفة عن حفص عن عمه أنس بن مالك قال كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل وان الجمل استصعب عليهم فمنعهم من ظهره وان الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انه كان لنا جمل نسنى عليه وانه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحية فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار يا نبي الله انه قد صار الكلب الكلب و إنا نخاف عليك صولته . فقال ليس على منه بأس , فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك فقال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أستقبلته فلحسبته ما أدت حقه .
راجع أيضاً المواضع التالية من مسند أحمد بن حنبل : ج 4 ص 381 , ج 5 ص 227 ,ج 6 ص 76 .
- سنن الدارمى - عبدالله بن بهرام الدارمي ج 1 ص 342 :
( أخبرنا ) محمد بن يزيد الحزامي ثنا ححبان بن علي عن صالح بن حبان عن أبي بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ايذن لي فلأسجد لك قال لو كنت آمر أحداً يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها .
- سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني ج 1 ص 595 :
1852 - حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن على ابن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . ولو أن رجلا أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر ، لكان نولها أن تفعل " .
في الزوائد : في إسناده على بن زيد ، وهو ضعيف . لكن للحديث طرق أخر . وله شاهدان من حديث طلق بن على . رواه الترمذي والنسائي . ومن حديث أم سلمة ، رواه الترمذي وابن ماجة .
1853 - حدثنا أزهر بن مروان . ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن القاسم الشيباني ، عن عبد الله بن أبى أوفى ، قال : لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال " ما هذا يا معاذ ؟" قال : أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفهم وبطارقتهم . فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا تفعلوا . فإنى لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . والذي نفس محمد بيده ! لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها. ولو سألها نفسها ، وهى على قتب ، لم تمنعه
في الزوائد : رواه ابن حبان في صحيحه . قال السندي : كأنه يريد أنه صحيح الإسناد .
- سنن الترمذي - الترمذي ج 2 ص 314 :
1169 حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة ، عن أبى هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ( لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) . وفى الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك ابن جعشم وعائشة وابن عباس و عبد الله بن أبى أوفى وطلق بن على وأم سلمة وأنس وابن عمر . حديث أبى هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة ، عن أبى هريرة .
- المستدرك - الحاكم النيسابوري ج 4 ص 171 :
حدثنا على بن حمشاذ العدل ثنا محمد بن المغيرة السكرى ثنا القاسم بن الحكم العرني ثنا سليمان بن أبي سليمان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله أنا فلانة بنت فلان قال قد عرفتك فما حاجتك قالت حاجتى ان ابن عمى فلان العابد قال رسول الله صلى الله عليه وآله قد عرفته قالت يخطبني فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة فان كان شئ اطيقه تزوجته وان لم اطقه لا اتزوج قال من حق الزوج على الزوجة ان سال دما وقيحا وصديد افلحسته بلسانها ما ادت حقه ولو كان ينبغي لبشر ان يسجد لبشر لأمرت الزوجة ان تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله الله تعالى عليها قالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت في الدنيا . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .(10/363)
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا احمد بن مهدى بن رستم الأصفهاني ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني ابي حدثني القاسم بن عوف الشيباني ثنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسيسيهم وبطارقتهم ورأى اليهود يسجدون لأحبارهم ورهبانهم وربانيهم وعلمائهم وفقهائهم فقال لأي شيء تفعلون هذا قالوا هذه تحية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قلت فنحن أحق أن نصنع بنبينا فقال نبي الله صلى الله عليه وآله إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدى حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا السرى بن خزيمة ثنا عبد العزيز بن الخطاب ثنا حبان بن علي عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله علمني شيئا ازداد به يقينا قال فقال ادع تلك الشجرة فدعا بها فجاءت حتى سلمت على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال لها ارجعي فرجعت قال ثم أذن له فقبل رأسه ورجليه وقال لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
- السنن الكبرى - البيهقي ج 7 ص 84 :
( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ثنا على بن حمشاذ العدل ثنا محمد بن المغيرة السكرى بهمذان ثنا القاسم بن الحكم العرنى ثنا سليمان ابن داود اليمامى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انا فلانة بنت فلان قال قد عرفتك فما حاجتك قالت حاجتى إلى ابن عمى فلان العابد قال قد عرفته قالت يخطبني فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة فان كان شيئا اطيقه تزوجته وان لم اطق لا اتزوج قال من حق الزوج على الزوجة ان لو سال منخراه دما وقيحا وصديدا فلحسته بلسانها ما ادت حقه لو كان ينبغى لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله الله عليها قالت والذي بعثك بالحق لا اتزوج ما بقيت في الدنيا .
و راجع أيضاً الموضع التالي : ج 7 ص 291
- مجمع الزوائد - الهيثمى ج 4 ص 307 :
وعن أبى هريرة قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى فلانة بنت فلانة قال قولى حاجتك قالت حاجتى أن فلانا يخطبني فأخبرني ماحق الزوج على زوجته فان كان شيئا أطيقه تزوجته وإن لم أطقه لا أتزوج قال إن من حق الزوج عل زوجته أن لو سال منخراه دما وقيحا فلحسته ما أدت حقه ولو كان ينبغى لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها قالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت في الدنيا . رواه البزار وفيه سليمان بن داود اليماني وهو ضعيف ....
وعن معاذ بن جبل أنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لأحبارهم وعلمائهم وفقهائهم فقال لأي شيء تفعلون هذا قالوا هذه تحية الأنبياء قلنا فنحن أحق أن نصنع بنبينا صلى الله عليه وسلم فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سجد فقال ما هذا يا معاذ قال إنى أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسيسيهم ورهبانهم وبطارقتهم ورأيت اليهود يسجدون لأحبارهم وفقهائهم وعلمائهم فقلت أي شيء تصنعون هذا وتفعلون هذا قالوا هذه تحية الأنبياء قلت فنحن أحق أن نصنع بنبينا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم أنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدى حق زوجها ولو سألها نفسها وهى على ظهر قتب . رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح وكذلك طريق من طرق أحمد وروى الطبراني بعضه أيضاَ .
وعن صهيب أن معاذ بن جبل لما قدم الشام رأى اليهود يسجدون لعلمائهم وأحبارهم ورأى النصارى يسجدون لاساقفتهم ولرهبانهم وفقهائهم فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سجد له فقال ما هذا يا معاذ قال إني قدمت الشام فرأيت اليهود يسجدون لعلمائها وأحبارها ورأيت النصارى يسجدون لقسيسيها وفقهائها ورهبانها فقلت ما هذا قالوا هذه تحية الانبياء قال كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه البزار والطبراني وفيه النهاس بن فهم وهو ضعيف .
وعن زيد بن أرقم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى الشام فلما قدم معاذ قال يا رسول الله رأيت أهل الكتاب يسجدون لاساقفتهم وبطارقتهم أفلا نسجد لك قال لا لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادى الطبراني رجاله رجال الصحيح خلا صدقة بن عبدالله السمين وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه البخاري وجماعة .(10/364)
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه البزار وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ وهو ضعيف .
وعن سراقة بن ملك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه الطبراني من طريق وهب بن على عن أبيه ولم أعرفهما ، وبقية رجاله ثقات .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك قال أعبدوا ربكم وأكرموا أحاكم ولو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ومن جبل إلى جبل أبيض كان ينبغى لها أن تفعل قلت روى ابن ماجه بعضه بغير سياقه رواه أحمد وفيه على بن زيد وحديثه حسن وقد ضعف . وفى علامات النبوة غير حديث من هذا النحو.
وعن عصمة قال شرد علينا بعير ليتيم من الأنصار فلم نقدر على أخذه فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذ كرنا ذلك له فقام معنا حتى جاء الحائط الذي فيه البعير فلما رأى البعير رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل حتى سجد له فقلنا يا رسول الله لو أمرتنا أن نسجد لك كما يسجد للملوك قال ليس ذاك في أمتى لو كنت فاعلا لأمرت النساء أن يسجدن لازواجهن . رواه الطبراني وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف .
وعن غيلان بن سلمة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه الطبراني وفيه شبيب بن شيبة والاكثرون على تضعيفه وقد وثقه صالح جزرة وغيره .
- مجمع الزوائد - الهيثمى ج 9 ص 4 :
عن أنس بن مالك قال كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وانه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وان الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنه كان لنا جمل نستني عليه وانه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار يا رسول الله قد صار مثل الكلب الكلب نخاف عليك صولته قال ليس على منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه . رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخى أنس وهو ثقة . ...
وعن ابن عباس أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد مع نفر من الأنصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة وان فحلين لي اغتلما و إني ادخلتهما حائطا وسددت عليهما الباب فأحب أن تدعوا لي أن يسخرهما الله لي فقال لأصحابه قوموا معنا فذهب حتى أتى الباب فقال افتح فأشفق الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم قال افتح ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريب من الباب فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له فقال النبي صلى الله عليه وسلم إئتني بشيء أشد برأسه وأمكنك منه فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدا فقال للرجل ائتنى بشيء أشد رأسه فشد رأسه وأمكنه منه ثم قال اذهب فإنهما لا يعصيانك فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك أفلا نسجد لك قال لا آمر أحدا ان يسجد لأحد ولو أمرت أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه الطبراني وفيه أبو عزة الدباغ وثقة ابن حبان واسمه الحكم بن طهمان ، وبقية رجاله ثقات ..... .
وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا فجاء بعير فسجد له فقالوا نحن أحق أن نسجد لك فقال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه البزار وروى الترمذي طرفا من آخره وإسناده حسن .
================
نصراني يستنكر حديث أبوال الابل وألبانها
الرد :(10/365)
عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ . رواه البخاري
أولاً : نقول لك ما قاله المسيح في إنجيل لوقا [ لوقا 6 : 41 ] : (( لماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك .واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها )) ألم يرد في كتابك المقدس أن الرب أمر نبيه ( حزقيال ) بأكل الخراء وهو البراز : (( وتأكل كعكعاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الانسان وتخبزه أمام عيونهم )) [ حزقيال 4 : 12 _ 13 ]
ثانياً : العجب أنك تتكلم على نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابيين بشرب ألبان الإبل وأبوالها ولا تتكلم على ان الاعرابيين تم شفائهم فعلاً بهذه الإلبان والابوال ولم يبدوا اعتراضاً لهذا الأمر، فذكر الحديث : ( حتى صلحت ابدانهم ) وفي راوية : ( فلما صحو )
ثالثا : ان الطب شاهد بصحة هذا الحديث وليس في الحديث إلزام للأنسان بشرب ألبان الابل وأبوالها لأن الانسان لا يؤمر بأكل ما تعافه نفسه ولا بشرب ما تعافه نفسه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح أكل الضب ولم يأكله ، وقال : (( لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ))
رابعاً : اليك الآن تجربة علمية أثبتت امكانية علاج مرض الاستسقاء بالافراز البولي للإبل :
الخرطوم ـ علي عثمان
دراسة علمية تجريبية غير مسبوقة اجرتها كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة بالسودان عن استخدامات قبيلة البطانة فى شرق السودان ( بول الابل) فى علاج بعض الامراض حيث انهم يستخدمونه شرابا لعلاج مرض (الاستسقاء ) والحميات والجروح. وقد كشف البروفسور احمد عبدالله محمدانى تفاصيل تلك الدراسة العلمية التطبيقية المذهلة داخل ندوة جامعة الجزيرة حيث ذكر ان الدراسة استمرت 15 يوما حيث اختير 25 مريضا مصابين بمرض الاستسقاء المعروف وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية. وبدأت التجربة باعطاء كل مريض يوميا جرعة محسوبة من (بول الابل) مخلوطا بلبن الابل حتى يكون مستساغا وبعد 15 يوما من بداية التجربة أصابنا الذهول من النتيجة اذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعى وشفى جميع افراد العينة من الاستسقاء. وتصادف وجود بروفسور انجليزى اصابه الذهول ايضا واشاد بالتجربة العلاجية.
وقال البروفسور احمد: اجرينا قبل الدراسة تشخيصا لكبد المرضى بالموجات الصوتية فاكتشفنا ان كبد 15 من الـ25 مريضا يحتوى (شمعا ) وبعضهم كان مصابا بتليف فى الكبد بسبب مرض البلهارسيا وجميعهم استجابوا للعلاج بـ( بول الابل) وبعض افراد العينة استمروا برغبتهم فى شرب جرعات بول الابل يوميا لمدة شهرين آخرين. وبعد نهاية تلك الفترة اثبت التشخيص شفاءهم من تليف الكبد وسط دهشتنا جميعا.
ويقول البروفسور احمد عبدالله عميد كلية المختبرات الطبية عن تجربة علاجية اخرى وهذه المرة عن طريق لبن الابل وهى تجربة قامت بها طالبة ماجستير بجامعة الجزيرة لمعرفة اثر لبن الابل على معدل السكر فى الدم فاختارت عددا من المتبرعين المصابين بمرض السكر لاجراء التجربة العلمية واستغرقت الدراسة سنة كاملة حيث قسمت المتبرعين لفئتين : كانت تقدم للفئة الاولى جرعة من لبن الابل بمعدل نصف لتر يوميا شراب على (الريق) وحجبته عن الفئة الثانية. وجاءت النتيجة مذهلة بكل المقاييس اذ ان نسبة السكر فى الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط الفئة الاولى ممن شربوا لبن الابل عكس الفئة الثانية. وهكذا عكست التجربة العلمية لطالبة الماجستير مدى تأثير لبن الابل فى تخفيض او علاج نسبة السكر فى الدم.
واوضح د. احمد المكونات الموجودة فى بول الابل حيث قال انه يحتوى على كمية كبيرة من البوتاسيوم يمكن ان تملأ جرادل ويحتوى ايضا على زلال بالجرامات ومغنسيوم اذ ان الابل لا تشرب فى فصل الصيف سوى 4 مرات فقط ومرة واحدة فى الشتاء وهذا يجعلها تحتفظ بالماء فى جسمها فالصوديوم يجعلها لاتدر البول كثيرا لانه يرجع الماء الى الجسم. ومعروف ان مرض الاستسقاء اما نقص فى الزلال او فى البوتاسيوم وبول الابل غنى بالاثنين معا.
وهذا رابط باللغة الانجليزية يخدم الموضوع : http://www.answering-christianity.com/urine.htm
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
=============
شبهة سجود الشمس تحت عرش الرحمن(10/366)
سأل سائل فقال: قد أشكل علي معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن سجود الشمس تحت عرش الرحمن. كيف تسجد ؟ أتقف للسجود للواحد المعبود ؟ وإن حصل ذلك فمالنا لا نرى ذلك ؟ ثم إن الحديث الشريف يذكر أنها تصنع ذلك بعد غروبها مع انها تغرب عن أهل كل بلد فإذا كان الأمر كذلك فإنها تسجد في كل وقت لأنها غاربة في كل وقت عن بلد من البلاد. فما العمل؟ أفيدونا رحمكم الله وزادكم الله علماً.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وصلى الله وسلم على محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قبل الجواب لا بد من إيضاح مسائل هامة ينبني على فهما أكثر الفهم وأجوده.
أول هذه المسائل أن نؤمن بالصحيح المنقول من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعليه فإننا نتحرى صحة ما وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت عندنا صحة الخبر آمنا به وعملنا بما فيه مذعنين متعبدين. وثاني المسائل أنه إذا ثبت لدينا صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه تحرينا الفهم الصحيح لمراده عليه الصلاة والسلام.
وتحري الفهم السليم مطلب شرعي قال تعالى :"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" وفيه ترغيب على الاختيار من بين الأقوال ولا يتأتى حسن الاختيار إلا بحسن الفهم. ومن أعظم ما يشحذ ملكة الفهم وينميها التأمل والتفكر في آيات الله الشرعية والكونية وطلب العلوم النافعة من العلوم الدنيوية ، قال ابن تيمية في فتاواه رحمه الله في معرض جوابه عن تعلم العلوم النافعة وفضلها:" وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن ؛ وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به : كان هذا فضلا في حقه وكمالا"
والآن إليك الجواب وعلى الله التكلان:
الحديث الذي ذكر فيه سجود الشمس حديث صحيح :
v رواه البخاري رحمه الله في بدء الخلق عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقديرالعزيز العليم
v وأخرجه في صحيحه باب تفسير القرآن عن أبي ذر رضي الله عنه بلفظ :" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقديرالعزيز العليم
v وعند مسلم رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم ذاك حين يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا
وكذا أخرجه الترمذي في جامعه وأحمد في مسنده وغيرهم بألفاظ متقاربة .
والأحاديث فيها مسائل لها تعلق بصحة فهم المراد الذي التبس على السائل وهي:
1- معنى السجود الوارد في الحديث.
2- لفظ الغروب والتعقيب عليه بلفظ الذهاب.
3- حرف "حتى" الدال على الغاية والحد.
4- القول في عرش الرحمن سبحانه وتعالى.
أول هذه المسائل معنى لفظ السجود الوارد في الحديث. و يبدو أن السائل قد توهم من معنى السجود توافر الأعضاء والأطراف التي في بني آدم لتحقيق السجود بالنسبة للشمس ولا يلزم هذا كما هو معلوم. وبهذا يكون قد التبس عليه المعنى الاصطلاحي الذي يستعمله الفقهاء في شرحهم لكيفية السجود في الصلاة بالمعنى اللغوي الذي هو أوسع دلالة وأكثر معنى مما دل عليه الاصطلاح. ومن معاني السجود في اللغة الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره. وعليه يُحمل ما في هذا الحديث وهو المقصود في قوله تعالى في آية الحج:" ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء"(10/367)
قال ابن كثير رحمه الله :" يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به" ا.هـ.
وعليه فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم ان يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله كما في آية الحج السابقة إذ كل شيء من خلق الله تعالى يسجد له ويسبح بحمده ، قال تعالى في آية النحل:"ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون" والشمس داخلة في دواب السماء لأن معنى الدبيب السير والحركة والشمس متحركة تجري لمستقر لها كما هو معلوم بنص القرآن وكما هو ثابت بالعقل من خلال علوم الفلك المعاصرة إذ انها تدور حول نفسها ويسمون ذلك (spin) أي دوران الشيء حول نفسه وذلك في خلال سبعة وعشرين يوما أرضيا وتدور(مع المجموعة الشمسية) حول مركز المجرة اللبنية أو (milky way) بسرعة تقترب من 220 كيلومترا في الثانية. وكل في فلك يسبحون.
ولكن لو قال قائل:"هل تنتفي صفة السجود عن الشمس إذا كانت لا تسجد إلا تحت العرش فلا تكون خاضعة إلا عند سجودها تحت العرش وفي غير ذلك من الأحايين لا تكون؟
والجواب أن الشمس كما قدمنا لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية النحل والحج مع سائر المخلوقات وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك من واقعنا أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا مع انهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة.
هذه مسألة. أما المسألة الثانية فكما أنه يلزم من سجودنا التوقف عن الحركة لبرهة من الزمن وهو الإطمئنان الذي هو ركن في الصلاة فإنه لا يلزم بالمقابل أن يتوقف جريان الشمس لتحقيق صفة السجود. لأننا رأينا دلالة عموم لفظ السجود من آيتي الحج والنحل ومن شواهد لغة العرب على ان السجود هو مطلق الخضوع للخالق سبحانه. ومن المعلوم أن السجود عبادة والله قد تعبد مختلف مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها وطبائعها فكان الإنحناء والنزول للآدميين وكان غير ذلك من كيفيات السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود الذي هو الخضوع لله تعالى طوعا او كرها.
ومثال ذلك طواف الرجل حول الكعبة إذ لايلزمه أن يقف عند الحد الممتد من الحجر الأسود ليتحقق حساب طواف كامل إذ أنه حتى لو طاف وواصل مسيره وتجاوز الحد دون الوقوف لإستلامه فإنه يتحقق له شوط كامل ويكون قد قضى جزءا من شعيرة الطواف دون ان يقف عند الحد الذي ذكرنا ، وكذلك الشمس تجري في الفلك ونراها تشرق وتغرب دائبة ومع ذلك لها سمت او منتهى يقابلها على وجه الأرض تسجد عنده لله تعالى ويكون ذلك السمت او الحد مقابلاً في تلك اللحظة لمركز باطن العرش كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية.
ومع أن الشمس و المخلوقات بأجمعها تحت العرش في كل وقت إلا أنه لا يلزم أن تكون المخلوقات بأجمعها مقابلة لمركز باطن العرش لأن العرش كالقبة على السماوات والمخلوقات ، والشمس في سجودها المخصوص إنما تحاذي مركز باطن العرش فتكون تحته بهذا الإعتبار كما ذكره ابن كثير في البداية بشأن المحاذاة التحتية للعرش ، وكما قرره ابن تيمية رحمه الله في فتاواه وسائر أئمة اهل السنة من حيث أن العرش كالقبة وهو معلوم من حديث الأعرابي الذي أقبل يستشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم وقصته مشهورة ثابتة(10/368)
وقد يسأل سائل فيقول:"إذاً كيف يكون الله بكل شيء محيط؟" والجواب أن الله عز وجل غير العرش. فالله جل جلاله مستوٍ عليه استواء يليق بجلاله وعظمته إذ أن الله هو المحيط بكل شيء وليس العرش وقد أنكر ابن تيمية على المخالفين الذي يرون أن العرش مستدير مع استدارة الأفلاك لأنهم تركوا صحيح المنقول من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نص على ان العرش كالقبة وليس كالدائرة. وهذا هو الصواب لموافقته للأدلة الثابتة. وهو ما دل عليه العقل باعتبار نظرية أينشتاين النسبية العامة بشأن إنحناء الكون ولكن لا يلزم منه استدارة العرش استدارة كاملة لأن العرش غيرالسماوات من جهة ولأنه لو كان العرش مستديراً لكانت الشمس –والمخلوقات - "داخل" العرش لا "تحته" وظرف التحتية أنسب لحال العرش الذي هو كالقبة ولذلك قال اين تيمية في مجموع الفتاوى:" لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن " العرش " فلك من الأفلاك المستديرة الكروية الشكل ؛ لا بدليل شرعي . ولا بدليل عقلي . وإنما ذكر هذا طائفة من المتأخرين الذين نظروا في " علم الهيئة " وغيرها من أجزاء الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة وأن التاسع - وهو الأطلس - محيط بها مستدير كاستدارتها وهو الذي يحركها الحركة المشرقية وإن كان لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة ثم سمعوا في أخبار الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ذكر " عرش الله " وذكر " كرسيه " وذكر " السموات السبع " فقالوا بطريق الظن إن " العرش " هو الفلك التاسع ؛ لاعتقادهم أنه ليس وراء التاسع شيء إما مطلقا وإما أنه ليس وراءه مخلوق" ا.هـ.
وهذا السمت أو الحد او المنتهى المعبر عنه في الحديث بالحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خطوط الطول الممتدة بأعداد متتالية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فإذا حاذت الشمس سمت أو حد السجدة مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها ان توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم توقف الشمس عن الحركة وضربنا على ذلك مثال الطواف بالبيت.
أما هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- فإنه لا قبل للناس بمعرفة مكانه. قال رحمه الله في التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" :
" وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعاً لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي" ا.هـ.
والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا وبما ذكرنا يزول الإشكال إن شاء الله ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل وألفه وهذا ليس معياراً تقاس بها الممكنات في العقل فضلاً عن الممكنات في الشرع لأن الله على كل شيء قدير ولأن العادة نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف مشاربهم ومجتمعاتهم وعلمهم. والسامع مثلاً لما تخرج به علينا فيزياء الكم من العجائب والأسرار كنظرية ريتشارد فينمان و مبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وغيرها من السنن والظواهر في هذا الكون مما يحير عقول العلماء يوقن بأن لله حكمة بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى:"ويخلق ما لا تعلمون" ، وقال تعالى:"والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ، وقال:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" . والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل ، قال تعالى:"وخلق الإنسان ضعيفا" وقال في آية الأحزاب:"إنه كان ظلوما جهولا" ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم . قال تعالى في صفة طالوت لما بعثه ملكا:"وزاده بسطة في العلم والجسم" فجمع له بين القوة العلمية والقوة العملية.
هذا وبقي في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم فائدتان لطيفتان تزيلان لبساَ كثيراً. الفائدة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو "حتى تغرب تحت العرش" وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.(10/369)
أما الفائدة الثانية فهي في قوله صلى الله عليه وسلم:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يستنكر الناس منها شيئا". وكأن في هذا دلالة ضمنية على علمه صلى الله عليه وسلم بأن هناك من الناس من قد يستشكل معنى الحديث فيتوهم أن الشمس تقف أو تتباطأ للسجود فينكر الناس ذلك ويرهبونه. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى جريان الشمس على عادتها مع انها تسجد ولكنه سجود غير سجود الآدميين ولذلك تصبح طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً وواضح من كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوم المخالفة الدال على عدم استنكار الناس رغم سجود الشمس واستئذانها وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم وقوفها وهو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" كما أن العقل يدل على ذلك إذ أن فرق المسافة التي يقطعها الضوء القادم من الشمس إلى الأرض يبلغ حوالي ثمان دقائق وهذا يعني انه لو حدث خطب على الشمس أو فيها فإننا لا نراه إلا بعد ثمان دقائق من حصوله وعليه فلا يمنع أن تكون الشمس ساجدة في بعض هذا الوقت ولو بأجزاء من الثانية لله تعالى تحت عرشه ونحن لا نعلم عن ذلك لغفلتنا وانشغالنا بضيعات الدنيا. ولهذا يقول الله تعالى:"وكم من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" والإعراض صور متعددة منها الغفلة واللهو عن تدبر الآيات كونية وشرعية ولذلك فإن البعض ممن ساء فهمهم لبعض الآيات و الأحاديث إنما أوتوا من قبل أنفسهم بعدم إمعان النظر في آيات الله الكونية وبهجرهم لتدبر كتاب الله وإعراضهم عن التفقه في سنة رسول الله مع عزوفهم عن الاستزادة من العلوم الدنيوية النافعة في هذا الباب.
ومع هذا لو سلمنا بانعدام هذ الفارق الزمني مع أنه حاصل موجود فإننا قد أوضحنا أن الشمس تسجد على صفة مخصوصة منفصلة بهيئتها وصورتها عن معتاد التصور ولكن من حيث أصل المعنى داخلة في عموم معنى الخضوع الدال عليه لفظ السجود لغة لا اصطلاحاً كصنيعنا في الصلاة من حيث الهبوط والنزول والطمأنينة والتوقف لبعض الوقت ولو كان سجود الشمس كسجودنا لتعطلت مصالح العباد وفسدت معيشتهم والله تعالى يقول:"لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" والفلك من قول العرب تفلك ثدي الجارية إذا استدار وقال ابن عباس : في فلك مثل فلكة المغزل أ.هـ. وفلكة الغزل عندهم كانت مستديرة لتناسب إتمام نسج اللباس ومنه جاء معنى الاستدارة. وفي ما ذكرنا كفاية إن شاء الله والحمد لله رب العالمين.
منقول من ملتقى اهل الحديث
من حق كل شخص أن يبدي برأيه في أي موضوع مطروح وهذا يعطي للموضوع قوة وحجة
فأرسل لي احد الاخوة تعقيب على هذا الموضوع ... فرأيت بأن أطرح رأيه ونتحاور فيه لكي نغلق جميع الأبواب التي قد تؤدي إلى ضعف حجة الموضوع
الرأي الآخر :
المقال يعارض نفسه في موضع و هو :
وعند مسلم رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث ع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحيعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم ذاك حين يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها
ذلك النص يعارض ما قاله الكاتب
هذا وبقي في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم فائدتان لطيفتان تزيلان لبساَ كثيراً. الفائدة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو "حتى تغرب تحت العرش" وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود." --انتهى
كذلك كاتب المقالة يقول بعد ذلك ان استغراق الضوء ثمان دقائق للوصول للأرض فنحن لا نعلم ما حدث في اثناء ذلك ، ذلك الكلام يتعارض مع كون ان الشمس تكون مسلطه في جزء اخر من الأرض قبلنا فهي بذلك دائمة السطوع لأهل الأرض مع اختلاف درجة ظهورها بالنسبة لمواقعهم(10/370)
هذا ما يختلط علي فأنا لا اسأل عن كيفية سجودها لله سبحانه و تعالي ، فلله في خلقه شئون و ايضا قال الله تعالي
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44
ولكن حديث رسول الله صلي الله علي و سلم في رواية مسلم عن ابي ذر ( كما اوردت اعلاه) ينص بصوره صريحة علي كون ان الشمس تغرب وتسجد ثم تأمر فتستمر حتي يأتي الوقت في ان لا يؤمر لها بالطلوع ثم يأمر لها بالرجوع من حيث جائت
أيضا من الملاحظ ان ذلك سوف يكون علي جزيرة العرب و البلاد المشتركة معها في الليل ، اي ان الجزء الأخر من الكرة الأرضية سوف يكون نهارا مده ( قدرت في احاديث بثلاث ايام )و علي عامه المسلمين او علي العرب ليل تام ، و ذلك يوجد تحليل علمي الأن لهذا الحدث و هو الحركة العكسية و ذلك تأكيد علمي حديث علي علمية إماكنية الحدوث لحدث طلوع الشمس من مغربها
ووفقنا الله لما يحبه و يرضاه
كانت لي وجهة نظر في هذا الأمر :
يا أخي الكريم
قال الحق سبحانه :النور 41
الم تر ان الله يسبح له من في السماوات والارض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون
وقال سبحانه في سور السراء 44
تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا
إذن نحن لا نفقه شيء ... فنحن نرى آيات الله في الكون ، ولكننا لا نرى علاقة الكون بخالقه
وسأعطيك مثال مشابه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
فالليل مستمر على الكرة الأرضية ... فهل الله باقي في السماء الدنيا وليس جالس على عرشه .
ياأخي الكريم
لا يمكن أن نصل إلى علاقة المخلوق بخالقه مهما وصل بنا العلم ، فإن توصلنا بعقولنا البسيطة إلى عظمة خلق الله وكيفية خضوع المخلوقات لله ، فكيف يكون الله هو إله معبود .
فمفهوم الأحاديث الوارد عن الشمس هو أقوال لكي ندرك بعقولنا البسيط مفهوم علاقة الشمس بخالقها ... ولكن حقيقة الأمر لا يعرفها إلا الله
لأن سجود الشمس لله وليست لنا ... والله عز وجل سخر الشمس لنا ... فليس من المعقول أن تذهب الشمس ككتلة إلى مكاناً ما فتختفي عن الوجود ثم تعود مرة أخرى ، ولكن سر السجود لا يعلمه غير خالقها لأن المعدلة صعبة بالنسبة لعقولنا ، لأننا مخلوقين مثل خلق الشمس
===================
هل حقا ً سُحر سيدنا محمد ؟!
أجوبة العلماء عن خبر سحر النبي صلى الله عليه و سلم
بقلم الشيخ / أحمد بن عبد العزيز القصيِّر
للعلماء في الجواب عن هذه الحادثة ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن ما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم من سحر ، هو مرض من الأمراض ، وعارض من العلل ، وهذه تجوز على الأنبياء كغيرهم من البشر ، وهي مما لا يُنكر ولا يَقدحُ في النبوة ، ولا يُخِلُّ بالرسالة أو الوحي ، والله سبحانه إنما عصم نبيه صلى الله عليه وسلم مما يحول بينه وبين الرسالة وتبليغها ، وعصمه من القتل ، دون العوارض التي تعرض للبدن .
وهذا مذهب : المازري (1 ) ، وابن القيم ، والعيني (2 ) ، والسندي (3 ) ، وابن باز (5 ) .(4 )
وحكاه القاضي عياض ، حيث قال :« و أما ما و رد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء و لا يفعله ، فليس في هذا ما يُدْخِلُ عليه داخلةً في شيء من تبليغه أو شريعته ، أو يقدح في صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، و إنما هذا فيما يجوز طروُّة عليه في أمر دنياه ، التي لم يُبعث بسببها و لا فُضل من أجلها ، و هو فيها للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ، ثم ينجلي عنه كما كان ،.... و لم يأت في خبرٍ أنه نُقل عنه في ذلك قولٌ بخلاف ما كان أخبر أنه فعله و لم يفعله ، و إنما كانت خواطر و تخيلات ».أهـ (6 )(10/371)
وقال ابن القيم :« السحر الذي أصابه صلى الله عليه وسلم كان مرضاً من الأمراض عارضاً شفاه الله منه ، ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجه ما ؛ فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وكذلك الإغماء ؛ فقد أغمي عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه ( 7)، ووقع حين انفكت قدمه ، وجُحِشَ ( 8) شِقُّهُ (9 ) ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ، فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به ، من القتل والضرب والشتم والحبس ، فليس بِبدْعٍ أن يُبتلى النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أعدائه بنوع من السحر ، كما ابتلي بالذي رماه فشجه ، وابتلي بالذي ألقى على ظهره السلا ( 10) وهو ساجد (11 )، وغير ذلك ، فلا نقص عليهم ولا عار في ذلك ؛ بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند الله » . (12 )
القول الثاني : أن السحر إنما تسلط على ظاهره و جوارحه ، لا على قلبه و اعتقاده و عقله، ومعنى الآية عصمة القلب والإيمان ، دون عصمة الجسد عما يرد عليه من الحوادث الدنيوية.
وهذا اختيار القاضي عياض ( 13)، وابن حجر الهيتمي (14 ) .
القول الثالث : أن ما روي ـ من أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ ـ باطل لا يصح ، بل هو من وضع الملحدين . وهذا مذهب المعتزلة (15 ).
واختيار الجصاص من أهل السنة ، حيث قال :« زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ , وأن السحر عمل فيه ... ، ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين ، تلعباً بالحشو الطغام ، واستجراراً لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام ، والقدح فيها , وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة , وأن جميعه من نوع واحد ، والعجب ممن يجمع بين تصديق الأنبياء عليهم السلام وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة مع قوله تعالى :{ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } [ طه : 69] ، فصدق هؤلاء مَنْ كذَّبَهُ الله وأخبر ببطلان دعواه وانتحاله .
وجائزٌ أن تكون المرأةُ اليهودية بجهلها فعلتْ ذلك ظناً منها بأن ذلك يعمل في الأجساد . وقصدتْ به النبي صلى الله عليه وسلم ; فأطلعَ اللهُ نبيه على موضع سرها ، وأظهر جهلها فيما ارتكبتْ وظنتْ ؛ ليكون ذلك من دلائل نبوته , لا أن ذلك ضَرَّهُ وخلَّطَ عليه أمره ، ولم يقل كلُ الرواةِ إنه اختلط عليه أمره , وإنما هذا اللفظ زِيدَ في الحديث ولا أصل له ».أهـ (16 )
وحجة هؤلاء أن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر يلزم منه :
1- إبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام والقدح فيها .
2- ويلزم منه الخلط بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة .
3- ويلزم منه أن يكون تصديقاً لقول الكفار :{ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا } [ الفرقان : 8 ] ، وقال قوم صالح له :{ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } [ الشعراء :153] ، وكذا قال قوم شعيب له .
4- قالوا : والأنبياء لا يجوز عليهم أن يُسحروا ؛ لأن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم .(17 )
وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها – والذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر – بأنه مما تفرد به هشام بن عروة ( 18)، عن أبيه ، عن عائشة . وأنه غَلُطَ فيه ، واشتبه عليه الأمر.(19 )
واعترض :
1- بأن قوله تعالى :{ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا} ، وقوله :{ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}: المراد به : من سُحر حتى جُنَّ وصار كالمجنون الذي زال عقله ؛ إذ المسحور الذي لا يُتبع هو من فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول فهو كالمجنون ، ولهذا قالوا فيه :{ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } [ الدخان : 14 ] ، وأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض التي يصاب بها الناس ؛ فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان ، وإنما قذفوهم بما يُحَذِّرون به سفهاءهم من أتباعهم ، وهو أنهم قد سحروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين ، ولهذا قال تعالى :{ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 48].
2- وأما قولهم : إن سحر الأنبياء ينافي حماية الله تعالى لهم ؛ فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم ؛ فإنه يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ؛ ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس ، فإنهم إذا رأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .(20 )
3- وأما قولهم : بأن حديث عائشة هو مما تفرد به هشام بن عروة ؛ فجوابه :أن ما قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ؛ فإن هشاماً من أوثق الناس وأعلمهم ، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه ، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة ، والقصة مشهورة عند أهل التفسير ، والسنن والحديث ، والتاريخ والفقهاء ، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من غيرهم .(10/372)
والحديث لم يتفرد به هشام ؛ فقد رواه الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم t قال : « سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا ؛ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ سَحَرَكَ ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَخْرَجُوهَا ، فَجِيءَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيِّ ، وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ ».( 22) ( 21)
مراجع :
( ) المعلم بفوائد مسلم (3/93).
(2) عمدة القاري (15/98).
(3) حاشية السندي على سنن النسائي (7/113).
(4) مجموع فتاوى ابن باز (***).
(5) انظر : فتح الباري (10/237) ، ونيل الأوطار (17/211).
(6) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (2/113).
(7) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب الأذان ، حديث (687) ، ومسلم في صحيحه ، في كتاب الصلاة ، حديث (418).
(8) جحش شقه : أي انخدش جلده . انظر : مشارق الأنوار (1/140) ، والنهاية في غريب الحديث (1/241).
(9) عن أنس بن مالك t قال : « سَقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ ». أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب الصلاة ، حديث (378) ، ومسلم في صحيحه ، في كتاب الصلاة ، حديث (411).
(10) السلى : الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه. انظر : النهاية في غريب الحديث (2/396).
(11) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب الوضوء ، حديث (240) ، ومسلم في صحيحه ، في كتاب الجهاد والسير ، حديث (1794).
(12) بدائع الفوائد (2/192) . وانظر : زاد المعاد (4/124).
(13) الشفا (2/113).
(14) الزواجر (2/163 ـ 164).
(15) انظر : مفاتيح الغيب (32/172) ، وعمدة القاري (21/280).
(16) أحكام القرآن ، للجصاص (1/58 ـ 59).
(17) انظر : أحكام القرآن ، للجصاص (1/59) ، ومفاتيح الغيب (32/172) ، وبدائع الفوائد (2/191) .
(18) هو : هشام بن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، الإمام الثقة ، شيخ الإسلام ، أبو المنذر القرشي الأسدي الزبيري المدني ، قال ابن سعد :كان ثقة ثبتاً كثير الحديث حجة. وقال أبو حاتم الرازي : ثقة إمام في الحديث . وقال يحيى بن معين وجماعة : ثقة .(ت : 146 هـ ) . انظر : سير أعلام النبلاء (6/34).
(19) انظر : بدائع الفوائد (2/191).
(20) انظر : بدائع الفوائد (2/192-193) ، ومفاتيح الغيب (32/172).
(21) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/40) ، والإمام أحمد في مسنده (4/367) ، والنسائي في سننه ، في كتاب تحريم الدم ، حديث (4080) ، جميعهم من طريق الأعمش ، به . وصححه الألباني ، في صحيح سنن النسائي (3/98) ، حديث (4091).
(22) انظر : بدائع الفوائد (2/191).
-------------
®»سحر الرسول بين الحقيقة والوهم«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»
بعد أن تمت محاولة قتل الرسول الله صلى الله عليه وسلم وفشلها وتمت محاوله وضع السم في الشاة واكتشاف أمر ومؤامرات اليهود وافتضح أمر اليهود حاول اليهود التخلص من الرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيقاع الضرر بالرسول بأي شكل وكانت الفكرة الشيطانية " السحر" وتم عمل السحر لأول مره ولكن حماية الله فلم يتأثر الرسول بهذا السحر ولكن عاود اليهود مره أخرى حيث وضعت خطة شيطانية بأن بحث اليهود عن أحرف ساحر لديهم وهو " لبيد بن الأعصم" واشتركت معه في الجريمة أخته وبدأت تنفيذ الخطة :
أولا : غلام كان على صلة باليهود يزودهم بمشط وشعر للرسول .
ثانيا : عمل طلسم والطلسم هي العبارات التي يستدعى بها الجني خادم السحر على المشط وتم عقد الشعر 11 عقدة على المشط .
ثالثا: عمل رصد شمسي وقمري على المشط وهذا يدل على انه سحر سفلي ودائما اليهود مشهورين في سحرهم استخدام رصد شمسي وقمري والرصد الشمسي والقمري الغرض منه نشاط السحر من شروق الشمس حتى الغروب ونشاطه أيضا في الليالي القمرية
رابعا : استخدام اثر مكتوب على قماش بتكليف السحر نفسه وتم لف المشط فيه وهذا ما غير لون ماء البئر باللون الأحمر
خامسا : تكليف خادم السحر وهو جني بهذا العمل السفلي
سادسا : تم وضعة في بئر ماء وهو ما يطلق عليه سحر مدفون .(10/373)
سابعا : كان الغرض كما قالت أخت لبيد بن الأعصم وكما يعرف خبراء السحر وأنواعه أن يصيب هذا السحر عقل رسول الله صلى الله علية وسلم ويسمى سحر الجنون ينشأ بسبب الحقد فيقوم الساحر بتكليف خادم من الجن بتغييب عقل المسحور ، بما يشبه الزوال ، ممثلا في ضعف التركيز والتردد ، تغيير الاتجاه ، عدم القدرة على اتخاذ القرار وحسم الأمور ، الشك في كل الأشياء ، الخوف ممن حوله ، يتصور الأحباب أعداء .وقد يكون بصور غير هذه ، كالجري وتمزيق الملابس والتردي ، وغيره من الأمور المنافية للعقل .(إعجاز القرآن في علاج السحر والحسد ومس الجان ) محمد محمود عبد الله مدرس علوم القرآن بالأزهر ص 96)
أعراض سحر الجنون
1- الشرود والذهول والنسيان الشديد
2- التخبط في الكلام
3- شرود البصر وزوغانه
4- عدم الاستقرار في مكان واحد
5- عدم الاستمرار في عمل واحد
6- عدم الاهتمام في المظهر
7- وفي الحالات الشديدة ينطلق على وجهه لا يدري أين يذهب ، وربما نام في الأماكن المهجورة .
(الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار) وحيد عبد السلام بالي ص85)
وقالت أخت لبيد بن الأعصم إذا كان نبي حقا لن يؤثر فيه هذا السحر وسوف يعرف من فعله ويعرف مكانة ويبطله أما إذا كان كذاب فسوف يصاب بالجنون ولم يعرف الفاعل ولا مكان السحر ولا يستطيع أبطالة.
ثامنا : لم يؤثر هذا السحر أيضا في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عقله ولا جسده ولكن لمعجزة ربانية استعوض به برؤيا عينية " التخيل" كما حدث لسيدنا موسى " التخيل" من سحرة فرعون والتخيل لا يتعدى العين
سحر التخيل
1- يرى الإنسان الثابت متحركا والمتحرك ثابتا
2- يرى الصغير كبيرا والكبير صغيرا
3- يرى الأشياء على غير حقيقتها مثل ما رأى الناس الحبال والعصي ثعابين تتحرك.
(الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار) وحيد عبد السلام بالي ص82)
ما حدث للرسول من التخيل تخيل تصوري أمام عينية بخلاف سحر التخيل أقل قدرا وهو تحويل سحر الجنون بقدرة الله إلى اقل قدرا من سحر التخيل تمهيدا لأبطال السحر الأساسي وهو سحر الجنون .
تاسعا : من الملاحظ أن جميع نساء بيت النبوة لم تشتكي من هذا الموضوع سوى عائشة رضي الله عنها وهذا دليل أن حاله " التخيل" كانت عابرة وغرضها كشف مكائد بني إسرائيل وأن ما حدث لم يتعدى ساعات لأنه لو كان فترة زمنيه كبيرة لشعر به كل من نساء الرسول ولعرف الصحابة بذلك وعرف أبو بكر وعمر وعلي لكن أنه رأى للرسول لفترة زمنية قصيرة ولا توجد رواية مرفوعة للسيدة عائشة تعرفنا المدة الزمنية التي حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصورة .
عاشرا : لحفظ الله له لم يؤثر التأثير المفترض من سحر الجنون ولكن استشعر به بصورة عينية بالتخيل وقد بعث الله له ملكان لكي يخبروه بالفاعل وأين وضع السحر وإبطاله وقد جعلها سنه يكفي قرأه المعوذتين وقد تم ذلك.
الحادي عشر : الحكمة الربانية تعليم المسلمين تعليما عمليا كيف يتم أبطال السحر بالقرآن
الثاني عشر : الدليل على عدم تأثر الرسول بالسحر أنه لم يقتل فاعل هذا السحر " لبيد بن الأعصم" لو أن تأثير السحر كان واضح على الرسول الله صلى الله عليه وسلم لقتله الصحابة ولكن الرسول اكتفى بأبطاله وإظهار عجز اليهود مهما فعلوا فهو رسول الله حقا وصدقا ومؤيد من قبل الله .
الاستنتاج
إذا كان السحر لم يؤثر فيه في المرحلة الأولى نهائيا كان لابد أن يكون هناك بعض التغير في السحر الذي تحدى به سحره اليهود إذا عرف من الفاعل وأين السحر وإبطاله وعدم تأثير السحر بغرضه الدنيء كان لابد من اثر سريع لكي تتكشف المؤامرة وتتكشف الأحداث مثال عندما يحاول قتل إنسان آخر واحضر وسيلة القتل وهي البندقية إذا لم تنطلق رصاصة صوب القتيل فان نية القتل والجريمة لم تكتمل أطرفها والمعجزة هنا توافرت وسيلة القتل وتم تصويب الطلقة نحو رأس القتيل فتنحرف الرصاصة بقدرة الله ولا تصيب الجسد ولكن الإصبع يجرح بسبب شظية الرصاصة تنبيها للقتيل لمحاولة اغتياله وهذا ما حدث لرسول الله صلى الله علية وسلم
بعض الكتاب قالوا أن ما أصاب الرسول هو سحر الربط عن نسائه وهو عدم القدرة ان يجامع اهلة عندما يرغب في ذلك وهذا خطأ لأنه لو ربط لشكت نسائه والسيدة عائشة قالت يخيل ولم تقل لا يستطيع وكما قولنا سحر التخيل نظري التأثير على العين فقط دون باقي الجسد ولحظي لا يدوم كثيرا .
وارادة الله لكي تتكشف المؤامرة لحظنها وذلك بحضور ملاكيين لكي يشخصوا الحالة سريعا ويحددوا ابعاد المؤامرة والفاعل والمكان ونوعية السحر وابطالة .
فقدر الله نفذ " وما بضرين به من احد الا باذن الله" فقدر الله أن يصبح سحر الجنون يتحول الى " تخيل عيني" لكي يظهر الله معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم بحفظه من الاعداء وكيدهم ويظهر الحق ويدلل على النبوة الحاقة وكذب الذين يحاولون المساس بالنبوة الصادقة.(10/374)
1- السحر لم يؤثر في عقل ولا جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل التأثير لحظي فقط على العين " بالتخيل"
2- المدة الزمنية قصيرة
3- إرسال الله له ملكان لكي يبطلوا له السحر ويعرفوه الفاعل
4- المعجزة الكبرى " دلائل النبوة" كلها تشير إلى ما اشترطته أخت " لبيد بن الأعصم" أن يعرف الفاعل ومكان السحر ويبطله .
5- الدرس المستفاد حماية الله للأنبياء وان القرآن يكفي لحصن المسلم من السحر.
6- بشرية الرسول الله صلى الله علية وسلم وعدم الغلو فيه كما عالى النصارى
والله الموفق
اخوكم الناصح
---------------
شبهة اصابة الرسول بالسحر ?
الله والصلاة والسلام على رسول الله ، ، ،
رداً على شبهة اصابة الرسول بالسحر :
نقول وبالله التوفيق :
ان الله سبحانه وتعالى يبتلي رسله عليهم الصلاة والسلام بأنواع البلاء ، فيزداد بذلك أجرهم ، ويعظم ثوابهم ، فقد ابتلى رسله بتكذيب أقوامهم لهم ، ووصل ايذاؤهم إليهم ، وابتلى بعض الرسل بالمرض ، ومن الابتلاء الذي أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من السحر ، روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً من بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه كان يفعل الشيىء وما فعله . . . .
إلا أن هناك بعض العلماء أنكروا هذا الحديث ، وردوه رداً منكراً بدعوى أنه مناقض لكتاب الله الذي برأ الرسول من السحر .
فمن هؤلاء العلماء ( الجصاص ) في كتابه أحكام القرآن : [ 1 : 49 ]
حيث قال : (( ومثل هذه الاخبار من وضع الملحدين تلعباً بالحشو الطغام . . . . ))
ومنهم ( أبو بكر الأصم ) حيث قال : (( إن حديث سحره صلى الله عليه وسلم المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفره أنه مسحور ، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله سبحانه وتعالى . . . )) [ نقله عنه شارح المجموع : 19 : 243 ]
ومنهم الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره المسمى [ محاسن التأويل ] حيث قال : (( ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه ، وإن كان مخرجاً في الصحاح ، وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من القدح والنقد سنداً أو معنى كما يعرفه الراسخون . . . ))
وقال الشيخ محمد عبده : (( وقد ذهب كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما النبوة ، ولا ينبغي لها إلى أن الخبر بتأثير السحر قد صح . . . . وقال : وهو مما يصدق فيه المشركين : (( إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً )) [ الفرقان : 8 ]
وقد أجاب كثير من العلماء عن هذه الشبهة وبينوا زيفها بالآتي :
أولاً : من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر ، فيجوز أن يصيبه ما يصيب البشر من الأوجاع والأمراض وتعدي الخلق عليه وظلمهم إياه كسائر البشر إلي أمثال ذلك مما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعصم من هذه الامور ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصيبه ما يصيب الرسل من أنواع البلاء وغير ذلك ، فغير بعيد أن يصاب بمرض أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه يخيل إليه بسببه في أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، كأن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته وهو لم يطأهن ، و حدث انه جاء للرسول صلى الله عليه وسلم احد الصحابه يعوده قائلاً له : (( إنك توعك يا رسول الله فقال : إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم )) إلا ان الإصابة أو المرض أو السحر لا يتجاوز ذلك إلي تلقي الوحي عن الله سبحانه وتعالى ولا إلي البلاغ عن ربه إلي الناس لقيام الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة على عصمته صلى الله عليه وسلم في تلقي الوحي وإبلاغه وسائر ما يتعلق بشؤون الدين .
والذي وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من السحر هو نوع من المرض الذي يتعلق بالصفات والعوارض البشرية والذي لا علاقة له بالوحي وبالرسالة التي كلف بإبلاغها ، لذلك يظن البعض أن ما اصاب الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر هو نقصاً وعيباً وليس الأمر كما يظنون لأن ما وقع له هو من جنس ما كان يعتريه من الاعراض البشرية كأنواع الامراض والآلام ونحو ذلك ، فالانبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر كما قال الله سبحانه وتعالى : (( قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده )) سورة إبراهيم : 11
واستدل ابن القصار على ان الذي أصابه كان من جنس المرض بقول الرسول في حديث آخر : (( أما أنا فقد شفاني الله )) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس عند ابن سعد : (( مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عن النساء والطعام والشراب ، فهبط عليه ملكان )) فتح الباري 10 : 227 .(10/375)
قال المازري : (( ان الدليل قد قام على صدق النبي فيما يبلغه عن الله سبحانه وتعالى وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطئهن ، وهذا كثيراً ما يقع تخليه للأنسان في المنام ، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة .
قال القاضي عياض رحمه الله : (( قد نزه الله سبحانه وتعالى الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبساً ، وإنما السحر مرض من الامراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته .
وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه وشريعته ، أو يقدح في صدقه لقيام الدليل ، والاجماع على عصمته من هذا ، أما ما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ، ولا فضل من أجلها ، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لاحقيقة له ، ثم ينجلي عنه كما كان .
وجاء في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد ان أخت لبيد بن الاعصم قالت : (( إن يكن نبياً فسيخبر ، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله .)) فوقع الشق الاول .
ثانياً : أما دعواهم أن السحر من عمل الشيطان والشيطان لا سلطان له على عباد الله لأن الله يقول : (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) سورة الحجر : 42
فنقول :
إن المراد من قوله سبحانه وتعالى : (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) أي في الاغواء والإضلال فالسلطان المثبت للشيطان هو سلطان إضلاله لهم بتزينه للشر والباطل وإفساد إيمانهم ، فهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى حكاية عن الشيطان في مخاطبته رب العزة : (( لأغونهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )) ولا ريب ان الحالة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنطبق عليها هذه الآية الكريمة .
ولا شك أن اصابة الشيطان للعبد الصالح في بدنه لا ينفيه القرآن ، وقد جاء في القرآن ما يدل على إمكان وقوعها ، ومن ذلك قول أيوب عليه السلام في دعائه ربه : (( أني مسني الشيطان بنصب وعذاب )) سورة ص : 41
وموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، وقد خيل إليه عندما ألقى السحرة عصيهم أنه تسعى : (( فأوجس في نفسه خيفة موسى )) سورة طه : 67 فهذا التخيل الذي وقع لموسى يطابق التخيل الذي وقع للرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا ان تأثير السحر كما قررنا لا يمكن أن يصل إلي حد الاخلال في تلقي الوحي والعمل به وتبليغه للناس ، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل في ذلك .
ثالثاً : نريد أن نسأل النصارى سؤالاً :
إذا كنتم تعتقدون ان ما اصاب النبي محمداً على ايدي اليهود من السحر والذي قررنا انه لم يكن له تأثير في دينه وعبادته ، ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها، إذا كنتم تعتقدون ان ما اصابه هو قدح و طعن في نبوته فهل يعني ذلك أنكم اسقطتم أنبياء كتابكم المقدس الذي نص على انهم عصاة زناة كفار ؟!
ألم يرد في كتابكم المقدس أن نبي الله سليمان كفر وعبد الاوثان وهو نبي من انبياء الله [ سفر الملوك الاول ]
فهل اسقتطم نبوءة سليمان وهل ما اقدم عليه النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر موجب للطعن في نبوته ومسقطاً لها ؟!
وإذا كان ما قام به النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر لا يوجب الطعن في نبوته و لا يسقط نبوته عندكم ، فكيف تعتبرون ما أصاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السحر الذي لم يكن له تأثير في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بابلاغها هو أمر موجبا للطعن في نبوته ؟
ثم أخبرونا عن ذلك الشيطان الذي تسلط على المسيح طوال 40 يوماً كما جاء في إنجيل متى ابتداءً من الاصحاح الرابع ، ألم يذكر الانجيل أن إبليس كان يقود المسيح إلي حيث شاء فينقاد له . فتارة يقوده إلي المدينة المقدسة و يوقفه على جناح الهيكل وتارة يأخذه إلي جبل عال جداً . . . الخ
رابعا : ان في قصة سحر النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من أدلة نبوته عليه الصلاة والسلام طبقاً للآتي :
1. كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام أن الذي سحره هو لبيد بن الأعصم وأن السحر موجود في مكان كذا وكذا لو لم يكن نبياً ؟, فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أرسل أصحابه ليستخرجوا السحر من المكان الذي وضع فيه , ( وقصة إخبار الملائكة لمحمد عليه الصلاة والسلام بموضع ومكان السحر لم يذكرها هؤلاء الضالون فهم انتقائيون في اختيار موادهم.)
2. لقد فك الرسول عليه الصلاة والسلام السحر بقراءة المعوذتين وهذا دليل على أن المعوذتين كلام الله عز وجل وأن محمداً نبي موحىً إليه.(10/376)
3. هذه القصة دليل على كذب المستشرقين عندما قالوا إن السنة النبوية قد وضعها أصحاب النبي ليثبتوا أنه نبي وأنه كامل في كل صفاته فلو كان كلامهم صحيحاً لكان هذا الحديث أول شيء يحذفه الصحابة من السنة لأنه ينقص من قدر النبي (ص) على حد زعمهم طبعاً فقد أثبتنا الآن أن هذا الحديث يدل على نبوة محمد (ص).
قال الله تعالى {والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،
000000000000
ابوعبدالله
-------------
لمادا لم يقتل النبي صلى الله عليه و سلم من سحره ??
أبو عبيده كتب في : Jul 11 2005, 07:04 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
سأل سائل ما نصه :
اقتباس:
لماذا لم يقتل نبى الاسلام من سحره من اليهود اذا كان بالفعل اليهودى هو الذى سحره , فى حين أن هناك أحاديث تشير الى قتل الساحر , فلقد صح عن عمر رضى الله عنه أنه أمر بقتل الساحر , و صح عن حفصة رضى الله عنها أنها قتلت مدبرة سحرتها , و روى عن عائشة رضى الله عنها أيضا أنها قتلت مدبرة سحرتها ؟!!
وللأجابة نقول
ان الله تبارك و تعالى أنزل الدين القيم و لم يفرق فى الحكم بين مسلم و كتابي أو بين مسلم ووثني بل اقام مبدء العدل المبني على الأدلة و البراهين لكى لا يظن أحد أن الاسلام دين عنصرى يحابي اتباعه و يظلم من لم يتبعه , و لهذا أقام الاسلام منهج ( اقامة البينة ) على من اقترف جريمة معينة .
فالاسلام دين الرحمة , و لا يمكن أن يحكم على أحد أى كانت ملته بلا بينة مقامة على هذا الشخص الذى اقترف ذلك الجرم , و هذا من رحمة الاسلام .
و لهذا جعل الاسلام الأحكام مقترنة بالبينة و بالأدلة و بالشهود , و بهذا كان منهج الاسلام فى الحكم على المجرم المذنب منهجا متفردا لم نره فى أى من الأديان الأخرى .
منهج يدل على التسامح و الرحمة بغير محابة و لا ظلم لأحد , منهج يحض على التثبت و التأكد قبل الحكم على الأشخاص و الأفراد , و هذا هو قمة العدل اللامتناهى !!
يقول ابن القيم رحمه الله ( و قد صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقتل من سحره من اليهود , فأخذ بهذا الشافعى , و أبو حنيفة رحمهما الله و أما مالك و أحمد رحمهما الله , فانهما يقتلانه , و لكن منصوص أحمد رحمه الله ,أن ساحر أهل الذمة لا يقتل , و أحتج بأن النبى صلى الله عليه و سلم لم يقتل لبيد بن الأعصم اليهودى حين سحره , و من قال بقتل ساحرهم يجيب عن هذا بأنه لم يقر , و لم يقم عليه بينة , و بأنه خشى أن يثير على الناس شرا بترك اخراج السحر من البئر , فكيف لو قتله ) ( زاد المعاد 4/ 25 )
ففى حالة سحر النبى عليه الصلاة و السلام لم تقم البينة على لبيد اليهودى كما قال ابن القيم بعكس حالات أمهات المؤمنين , بمعنى أنه لم يكن هناك شهود على ذلك الا الوحى من الله , و لهذا لم يقتله النبى عليه الصلاة و السلام حتى لا يقول قائل أن رسول الاسلام قتل لبيد بدون شهود و أدلة فى حين أن الاسلام ينص على منهج ( البينة ) , فالنبى عليه الصلاة و السلام لم يترك لهم مجالا للادعاء بأنه خالف منهج الاسلام فى الحكم على المجرم المذنب .
و القاعدة الشرعية تقول ( القاضى لا يحكم بعلمه ) أى أن القاضى لا يجوز له الحكم على الأشخاص بعلمه فقط بل يجب أن يقام منهج البينة ( ألا و هو وجود الشهود على وقوع الجرم ) .
و هناك قصة ماتعة تبين روعة الاسلام و تفرده بهذا المنهج ( منهج البينة ) الذى يضع الأساس الراسخ لبناء العدل و الحكم بين الناس .
على بن أبى طالب يضرب لنا مثلا
سرقت من علي بن أبى طالب درع , فوجدها عند رجل من أهل الكتاب , فقاضاه أمير المؤمنين ( علي) الى قاضيه ( شريح ) , و هنا ما يستوقف النظر , ان ( عليا ) رضى الله عنه يومئذ كان أمير المؤمنين و هو على يقين من درعه ومن حقه و رغم ذلك لم يلجأ الى سلطان الخلافة الذى أعطاه الله ايه ليأخذ درعه بالقوة من الكتابي , فضلا عن أن يأمر باعتقال السارق الأثيم رهن التحقيق , انما لجأ أمير المؤمنين الى القضاء و يطلب حقه عن طريقه و ذلك لخلو حادثة السرقة من البينة ( أى الشهود ) كما أن ( أمير المؤمنين لا يحكم بعلمه فقط ) كما علمه من رباه على العدل و الرحمة العدنان .
و ذلك فى ذاته مستوى رفيع من التطبيق للعدل الربانى , نادر المثال , و لكن الحادثة كسابقتها- أى حادثة عدم قتل النبى من سحره - أروع آفاقا و أبعد مدى و أعمق دلالة .ثم سأل ( شريح ) أمير المؤمنين عن قضيته , فقال ( علي ) : الدرع درعى , و لم أبع و لم أهب , فسأل ( شريح ) اليهودى : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ فرد هذا متلاعبا : الدرع درى ! و ما أمير المؤمنين عندى بكاذب ! , يريد الكتابي بذلك أن يمسك العصا من منتصفها نفاقا على طريقتهم , فيلتفت ( شريح ) الى أمير المؤمنين فيقول : يا أمير المؤمنين هل من بينة ؟ !!(10/377)
ياالله , انه هكذا العدل الربانى , فالبينة على من ادعى .. و هذة دعوى مرفوعة الى القضاء و لابد فيها من البينة , و ان تكن مرفوعة من أمير المؤمنين , و ان تكن من ( علي ) الذى لم يعرف عنه كذب قط , و الذى لا يعقل أن يكذب على الله جل و علا من أجل درع و هو المستعلي على كل متاع الأرض , يراه الناس يرتجف من شدة البرد فى الشتاء و تحت يده بيت المال , يحق له كسوة شرعية تقيه البرد : فيقول : و الله ما أرزؤكم شيئا ! ان هى الا قطيفة خرجت بها من المدينة ! و لكن جواب ( علي ) كان أروع من قول القاضى !
قال ( علي ) : صدق شريح ! مالى بينة ! .
هكذا فى بساطة المتجرد .. ( ما لى بينة ) ! لم يغضب ! لم يقل المقاضي : منى تطلب البينة و أنا أمير المؤمنين ؟! و كان موقف ( شريح ) رائعا كموقف أمير المؤمنين .. فلقد حكم بالدرع للكتابي لعدم وجود البينة كما فعل النبى عليه الصلاة و السلام مع الكتابي الذى سحره فلم يقتله !!
و العجيب فى الأمر أن ذلك الكتابى أخذ الدرع و هو لا يكاد يصدق نفسه ! ثم عاد بعد خطوات ليقول : أمير المؤمنين يقاضيني الى قاضيه قيقضي عليه ؟!! ان هذه أخلاق أنبياء ! أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا الذى جاء بهذة الرحمة و منهج البينة رسول الله , ثم قال : الدرع درعك يا أمير المؤمنين , خرجت من بعيرك الأورق , فاتبعتها و أخذتها , فقال ( علي ) : أما اذا أسلمت فهى لك !! .( البداية و النهاية 8/ 5 , 6 )
أى دين هذا ؟ و أى نبى كان ؟ و أى منهج جاء به الاسلام ؟!!!
فهل يجرء أحد بعد هذة الرحمة من نبى الرحمة أن يتسأل : لماذا لم يقتل رسول الاسلام من سحره ؟!!
سبحانك ربى هذا بهتان عظيم !!
المراجع و المصادر .
زاد المعاد لابن القيم .
سماحة الإسلام - د / عمر بن عبد العزيز .
================
العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام
قد يظن كثير من المسلمين أن العدوان الغربي على الإسلام وتشويه صورة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من طرف وسائل الإعلام في الغرب لا سيما في أميركا من جانب رؤساء بعض الكنائس الإنجيلية أمر جديد حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقيام الحرب الصليبية المقنعة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت قناع " الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل " .
والحق أن هذا العدوان الإعلامي الشرس ليست جديدة ، بل هي : عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجري .
وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر القرون لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة . وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العَفِن الذي تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الأنجيليين في أميركا ، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة .
وقبل أن نلقي نظرة موجزة جداَ على تاريخ تلك العقيدة الغربية(1) القائمة على أساس التلفيق والاختراع لتصوير الإسلام في أشكال مشوهة وبشعة ، نعرض لمقتطفات من أقوال بعض رجال الدين الإنجيليين في أميركا عن الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام ليتضح لكل صاحب فكر خصيب مدى اعتناق هؤلاء لتلك العقيدة الموروثة التي لفقها أسلافهم خلال العصور الوسطى في أوربا .
1- جيري فالويل Jerry Falwell : وهو قسيس أنجيلي معروف له برنامج إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من عشرة ملايين أسبوعياً وله جامعة أصولية خاصة تسمى جامعة الحرية Liberty University وهو الذي يروج في موقعه على الإنترنت www.Lalwell.com لكتابه "فلنتقدم إلى معركة هرمجدون" March to Armgeddon وهي معركة نهاية التاريخ كما في معتقدات الأنجيليين . وفي الصفحة الأولى من موقعه على الإنترنت يضع تاريخاً ملفقاً عن النبي عليه الصلاة والسلام; مستمد بكامله من كتابات بعض الرهبان الأوربيين في العصور الوسطى . ويهاجم فالويل النبي ; من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى .
ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002م في برنامج 60 دقيقة مانصه : "أنا اعتقد أن محمداً كان إرهابياً ، لقد قرأت ما يكفي من المسلمين وغير المسلمين أنه رجل عنف ، ورجل حروب ..... في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحب كما فعل موسى ، وأنا اعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً" .
2- بات روبرتسون Pat Robertson : وهو قسيّس إنجيلي معروف باهتماماته السياسية وتأييده المعلن لإسرئيل ، ويمتلك عدداً من المؤسسات الإعلامية من بينها نادي ال 700 (700 Club) وهو برنامج تلفزيوني يصل إلى عشرات الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى 90 دولة في العالم بأكثر من 500 لغة مختلفة وهي محطة (البث النصراني Christian Broadcasting) ومنها إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة في التنصير في منطقة العالم العربي .(10/378)
كما سعى بات روبرتسون إلى الترشيح لمنصب الرئيس الأمريكي في عام 1988م ، ويقف خلف أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو (التحالف النصراني) (Christias Coalition) وموقعه الإلكتروني هو www.patrobertson ويملك أيضاً جامعة أصولية هي جامعة ريجنت Reqent University وفي هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتي وكولمز Hannity and Colmess في قناة فوكس الإخبارية Fox Newss قال ما يلي: "كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن ، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين... إنه رجل متعصب إلى أقصى حد ..إنه كان لصاً وقاطع طريق .. « إن ما يدعو إليه هذا الرجل [محمد] في رأيي الشخصي ليس إلا خديعة وحيلة ضخمة" "إن 80% من القرآن من النصوص النصرانية واليهودية . ولقد ذكر موسى أكثر من 500 مرة في القرآن . أنا أقول إن هذا القرآن ماهو إلا سرقة من المعتقدات اليهودية .. ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى في المدينة . أنا أقصد .. أن هذا الرجل [محمد] كان قاتلاً [سافك للدماء] " وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيّس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين في العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا المأفون مع أقوال عصر الظلمات في أوربا في العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم .
3- فرانكلين جراهام Franklin Graham : وهو أبن القسيس الأمريكي بيلي جراهام .
وقد عمل والده قسيساً خاصاً للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون ، وحتى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون . ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب ، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليوبوش . ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التي أنشأها أبوه والتي تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عدداً وتأثيراً ، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من 450 حملة تنصير في جميع أنحاء العالم . وموقعه على الانترنت هو www.samaritan.org. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام ، وأن القرآن ( يحض على العنف ) وكرر جراهام خلال برنامج ( هاينتي وكولمز ) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية في الخامس من أغسطس 2002م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001م وصف فيها الإسلام بأنه دين ( شرير ) وفي كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم) The name ، يحتوي علىنصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلي : في الصفحة رقم 71 يقول : " الإسلام .. أسّسَ بواسطة فرد بشري مقاتل يسمى محمد ، وفي تعاليمه ترى تكتيك ( نشر الإسلام من خلال التوسع العسكري ) ، ومن خلال العنف إذا كان ضرورياً ، من الواضح أن هدف الإسلام النهائي هو السيطرة على العالم " ويقول في الصحفة 72 من كتابه إن " القرآن يحتوي على قصص أُخذت وحُرّفت عن العهدين القديم والجديد .. لم يكن للقرآن التأثير الواسع علىالثقافتين الغربية والمتحضرة الذي كان للأنجيل . الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية " .
4- جيري فاينز Jerry Vines : وهو راعي كنيسة في جاكسون فيل في فلوريدا ، يصل عددأتباعها إلى 25 ألف شخص ،وهو من أبرز المتحدثين الأمريكيين في المؤتمر السنوي للكنائس المعمدانية الجنوبية ، وهو أكبر مؤتمر ديني يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالي والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وموقعه على الانترنت www.fbcjax.com . وقد أدلى جيري فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية ، والذي عُقد مؤخراً في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية .
وخلال الاجتماع أفترى جيري فاينز على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زوراً و بهتاناً بأنه " شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان ، وتزوج من 12 زوجه آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات " وأضاف فاينز أن " الله [ الذي يؤمن به المسلمون ] ليس الرب الذي يؤمن به المسيحيون " .
هذه الصور الملفقة المشوهة هي عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربي النصراني ، أصبحت راسخة في العقل الجمعي الغربي منذ نهاية القرن الثامن الهجري . وكانت هي المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين في العصور الحديثة وهي التي نراها الآن ونسمع بها .
ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة في أربعة مصادر رئيسية هي :-
1- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم : يوحنا الدمشقي وتلميذه أبو قره ويوحنا النقيوسي ، ويحى بن عدي ، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السرياني .
2- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون ( الروم ) وعلى رأسهم : ثيوفانس المعترف ، ونيقتاس البيزنطي ، وجرمانوس .(10/379)
3- المصادر الأسبانية : وعلى رأسهم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام وماكتبه ايزدور الأشبيلي ، وأولوخيو ، وبول الفارو ، وغيرهم .
4- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجري .
ويأتي على رأس تلك الكتابات : المشروع الكلوني . وهو أول وأكبر مشروع استشراقي هدف بالدرجة الأولى إلى تفنيذ الإسلام . وكتاب لمؤلف مجهول يسمى : الدحض الرباعي ، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من : بدرودي الفونسو ، وسان بدرو باسكوال ، وريكولدو دي مونت كروس ، ورامون مارتي ، وريموندلول ، ووليم الطرابلسي ، ووليم الصوري ، ووليم آدم ، وجاكيوس دي فتري ، وهامبرت الروماني ، وفيد ينزو أوف بافيا ، وغيرهم كثير .
من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقي ( 55 - 131هـ / 675 - 749 م ) وهو من نصارى الشام ، وُلدَ وعاش في العصر الأموي ، وتضلع في اللاهوت ، وكتب كتباً كثيرة ، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات . وأفرد فيه فصلاً عن الإسلام أطلق عليه اسم ( هرطقة الأسماعيليين ) ويقصد بالإسماعيلين العرب من أبناء اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . وهذا الفصل شديد الطعن ، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقه والضلال والخرافة ، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة ، وزعم أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان رسولاً زائفاً ادَّعى النبوة زمن الامبراطور هرقل ، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسي فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتاباً من السماء ، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة ـ على حد قوله ـ التي تسمى بالإسلام . ومن التلفيقات التي وضعها يوحنا في فصله هذا لتشويه صورة النبي عليه الصلاة والسلام زعمه الكاذب أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل إلى بيت زينب بنت جحش في غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب.... إلى آخر القصة التي تسربت إلى بعض كتب التفسير ، وأدرك ابن كثير زيفها فأعرض عن ذكرها في تفسيره وأشار إلى أنها ملفقةً لا تصح .
وكان هدف يوحنا الدمشقي من ذلك التشويه تحصين النصارى من أهل الذمة والحيلولة بينهم في بلاد الشام وبين اعتناق الإسلام حين رأى تسامح المسلمين مع أهل الذمة، ودخول كثير من النصارى في الإسلام فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى اتهام الإسلام بالهرطقة وتشويه سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، لتكون صورته في نظر النصارى صورة كريهة حتى لا يقبلوا على اعتناق الإسلام . وقد انتشر هذا الكتاب في بلاد الدولة البيزنطية ( دولة الروم ) واستخدمه الكتّاب البيزنطيون في هجماتهم الفكرية على الإسلام ثم تُرجم إلى اللاتينية وأسهم في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين طوال العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر .(10/380)
ومن الكُتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطي الذي عاش في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي . وكتب كتاباً زعم أنه دحضٌ للقرآن الكريم ، ذلك أن الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث ( 227 ـ 254 / 842 ـ 867 ) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن لله جل وعلا ابن يشاركه في أسمائه وصفاته ، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة . فكلَّفَ الامبراطور نيقتاس بالرد عليهما فقام نيقتاس بتأليف رده الذي وصفه بأنه ( دحض لكتاب محمد المزوَّر ) . ولم يكن نيقتاس متضلعاً في اللغة العربية ، فقام حسب زعمه بالإطلاع على القرآن ، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف ، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا ـ مثلما هو رقمها في القرآن ـ ثم يذكر اسمها . وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله ـ جل وعلا ـ على شكل كروي كامل ، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة في السماء . ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التي سأشير إليها بعد قليل . ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادي ـ بزعمه ـ ، وقال بأن محمداًعليه الصلاة والسلام قاد المسلمين ليعبدوا في مكة وثناً مصنوعاً على غرار أفروديت ـ معبودة الحب والجمال عند الأغريق ـ وأنه جعل الشيطان رباً للخلق ،وظل يؤكد على أن دين محمد عليه الصلاة والسلام دين وثني وأن اتباعه مجرد جماعة من الوثنيين. وكان في كل سورة يتحدث عنها يوجه السب والشتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ـ زاعماً ـ أنه هو الذي وضع القرآن وشحنه بالأساطير ، وأنه أمر اتباعه بقتل من يجعل شريكاً في جانب الله، ولذلك وقع معظم ذلك القتل على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن الله ـ بزعمه ـ وأخذ نيقتاس يحاول تفنيد بعض نصوص القرآن وقصصه عن طريق مقارنتها بنصوص العهدين القديم والجديد. ويبدو في هذا متأثراً برأي يوحنا الدمشقي ، فزعم على سبيل المثال أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يصل إلى مكة ولم يبن الكعبة ، لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك . كما حاول نيقتاس أن يستدل على عقيدة الثالوث ببعض آيات القرآن بتأويلها حسب عقيدته . واختتم حديثه بالتأكيد على أن الذي يعبده محمدعليه الصلاة والسلام ويدعو إلى عبادته إنما هو الشيطان نفسه . والحق أن كل أراء نيقتاس لا تتعدى هذا الهذيان وقد أوردناها لنرى الأثر الذي أسهمت به في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خلال العصور الوسطى وإلى الآن .
وقد كان لبعض أراء نيقتاس الزائفة أثرها في الدولة البيزنطية حتى أن أحد رجال الدين ألف رسالة في زمن الامبراطور مانويل كومنين ( 549ـ585هـ/ 1143ـ1180م ) يشجب فيها الدين الإسلامي وفيها يلعن مصنفها (الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام) وقدَّم تلك الرسالة للإمبراطور الذي أراد شطب هذه العبارة المقيته محتجاً بأن الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الأب الذي يعبده النصارى فأصَّر رجال الدين على أن الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو إله غير إله المسيحيين . وهذا يوضح إلى أي مدى بقيت هذه العقيدة الزائفة حية حتى اعتنقها وقال بها فرانكلين جراهام وجيري فاينز كما ذكرنا آنفاً .
ومنذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري / النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي أصبح في مقدور رجال الدين في الغرب الأوروبي الإطلاع على تلك الصور المشوهة حين ترجم أمين مكتبة البلاط البابوي أنستاسيوس بعض تلك الكتابات ، الشرقية والبيزنطية إلى اللاتينية وأدمجها في حولياته التاريخية .
وفي أواخر القرن الثاني الهجري / أواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الميلادي ظهرت مقالة في أسبانيا في أحد الأديرة الشمالية ، وهي عبارة عن نص هجومي بذئ على النبي عليه الصلاة والسلام عُرفت باسم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام ولا يُعرف كاتبها ، ويرجح ناشرها دياز أنها من عمل أحد النصارى المستعربين . وهذه المقالة تصِّور النبي عليه الصلاة والسلام بصورة مجافية للذوق ومعاكسة لصفاته ، فتزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أنه كان كاذباً مبتدعاً شهوانياً ، وأنه دعا عربه المتوحشين إلى أن يتخلوا عن الوثنية ، وأن يعبدوا إلها مادياً في السماء على شكل كرة مادية ، وتزعم هذه المقالة الزائفة أن إبليس ظهر لمحمد عليه الصلاة والسلام مدعياً أنه الملك جبريل ،وأخبره أن الرب أرسله ليبشر العرب بما كان قد سمعه في مدارس المسيحيين ويدعوهم إلى عبادة ذلك الإله المادي في السماء وهجر عبادة الأوثان . وتزعم المقالة البذيئة أن محمداً عليه الصلاة والسلام عندما مات تعفنت جثته فقامت الكلاب والخنازير بالتهام الجثة العفنة .(10/381)
وقد نجم عن هذه المقالة المنحطة أن تشبع بها بعض الرهبان فظهرت حركة في قرطبة في منتصف القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي ، يقوم أفرادها بسب النبي عليه الصلاة والسلام علناً فيؤخذ أفرادها إلى القاضي فيكررون السب والشتم للنبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي أدى إلى إصدار حكم الإعدام على عدد منهم ، تذكر المصادر الأسبانية أن عددهم يبلغ زهاء 50 شخصاً ، وسمَّت تلك المصادر تلك الحركة بحركة الاستشهاد في قرطبة وبدأت تلك الحركة براهب يُدعى بيرفكتوس الذي ذهب إلى السوق فسأله بعض عامة المسلمين عن رأي النصارى في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فرد قائلاً بألوهية المسيح ووصف محمداً عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات الواردة في المقالة الأسبانية ، فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاضي فأصر على موقفه فصدر الحكم بقتله . وقد سار على منواله عدد من الرهبان ، منهم بول الفارو، وأولوخيو أسقف طليطلة الأسمي . وأولوخيو كتب رواية عن هذه الحركة وسبّ النبي عليه الصلاة والسلام فحُكمَ عليه بالأعدام سنة 245هـ / 859 م . وبول الفارو هو الذي كتب سيرة أولوخيو بعد مقتله . والاثنان اعتقدا بأن ظهور الإسلام وانتشاره إنما هو الإعداد النهائي لظهور المسيح الدجال ، أو هو الدجال نفسه . ومما أورده أولوخيو في روايته لتلك الحركة أن ثلاثة من الرهبان الأسبان هم جورجيوس، وأورليوس ، وناثاليا كتبا نصاً عن الأم المسيح . وقد احتوى النص على هجوم متعصب حاقد على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام فوصف الإسلام بأنه " العقيدة الضالة ، وخدعة الشيطان الماكرة وأن الإسماعيليين [أي العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام] يُجِّلون نبيّاً كاذباً ، صدَّقوا أنه من خلاله يكون طريق الخلاص ، وأن نبي المسلمين إنما هو ـ بزعمهم ـ غادر بطبعه ومؤمن بأبليس ، وهو وكيل المسيح الدجال ، والمستنقع لكل الرذائل ، والذي سوف يُلقى به في جهنم ، ومن خلال تعاليمه العقيمة كتب على أتباعه عذاب النار السرمدي ، وأن الذي تراءى له في هيئة ملاك إنما هو الشيطان " . ولا شك أن هذه الحركة الحاقدة المتعصبة في قرطبة وما صاحبها من كتابات الرهبان المقيتة قد أسهمت بدور كبير في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا طوال العصور الوسطى وإلى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية .
أما المشروع الكلوني : - فهو الذي أعدَّ كل المواد اللازمة لغرس تلك العقيدة الباطلة في العقل الغربي وأحكم معظم جوانبها لتستمر قائمة إلى العصر الحاضر .
وهذا المشروع الذي يعتبره بعض الباحثين الغربيين بأنه : المشروع الغربي العالمي الأول لدراسة الإسلام ، إنما هو في حقيقته المشروع الغربي الأكبر لتشويه صورة الإسلام ، الذي حدث سنة 537هـ / 1143 م .
ويُنسب هذا المشروع إلى دير كلوني في جنوب فرنسا الذي تأسس سنة 297هـ/910م ومنه انبثقت حركة لإصلاح الحياة الرهبانية عُرفت في التاريخ الأوربي باسم حركة الإصلاح الكلونية التي لم تلبث أن أسهمت في تقوية الجهاز الكنسي في الغرب الأوربي ونال دير كلوني منزلة الحصانة تحت الحماية المباشرة للبابا في روما ، والحق المطلق في أن ينشئ أديرة أخرى تابعة لهُ ، وخلال القرنين التاليين من تأسيسه نال دير كلوني تأثيراً كبيراً وثروة ضخمة ، وأصبح في الواقع عاصمة للامبراطورية الديرية حيث يتبعه أكثر من ستمائة دير ، وعشرات الآلاف من الرهبان في كل مكان من العالم الغربي النصراني . وأصبح رهبان ديركلوني بابوات وكرادلة وكثير من رؤسائه كانوا مستشارين للاباطرة والملوك . ومن أشهر رهبان دير كلوني الذين وصلوا إلى منصب البابوية ، البابا جريجوري السابع ، وتلميذه البابا أوربان الثاني الذي أطلق الحروب الصليبية ضد المسلمين
وفي سنة 516 هـ / 1122هـ تم اختيار رئيس جديد لدير كلوني هو الراهب بيير موريس دي مونتبوسيير ، الذي أطلق عليه معاصروه لقب بطرس المكّرم . وقد أمضى سنواته الأولى في تدعيم سلطة الدير ومكانته . وفي سنة 536 هـ / 1142 م قام برحلة إلى شمال الأندلس لزيارة الأديرة الكلونية في تلك البلاد . وهناك علم من بعض المترجمين بوجود رسالة لنصراني شرقي تدافع عن النصرانية وتهاجم الإسلام مكتوبة باللغة العربية ، وعرف منهم مضمونها ، فقرر القيام بمشروع ترجمتها وترجمة القرآن الكريم وبعض المصنفات الأخرى إلى اللاتينية بهدف دحض الإسلام والرد عليه .
عاد بطرس المكّرم إلى دير كلوني في فرنسا بعد أن اتفق مع خمسة مترجمين للقيام بالعمل لديه وبيّن لهم أهدافه من المشروع وأجزل لهم العطاء لتنفيذه .ونقدم الآن لمحة مختصرة جداً عن أخطر ترجمتين في المشروع والأثر الذي أحدثته في صياغة تلك العقيدة الغربية عن الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام .(10/382)
1- ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية . وهي احدى الترجمات الخمس التي أصبحت تُعرف في أوربا بإسم المجموعة الطليطلية . وقام بهذه الترجمة مترجم انجليزي يسمى روبرت أوف كيتون كان قد استقر في برشلونة في الأندلس منذ سنة 530 هـ / 1136 م وأتقن العربية واهتم بالمؤلفات العربية في علم الفلك والهندسة وقد عَلِمَ روبرت أوف كيتون من بطرس المكرم أن هدفه تعريف الغرب النصراني بالإسلام الذي يعتبره هرطقة من الهرطقات الكبرى التي هددت النصرانية ، وأن بطرس المكرم ينوي الرد على الإسلام ، لذلك قام روبرت أوف كيتون بترجمة خاطئة مغرضة لمعاني القرآن الكريم، كان لها تأثير سئ في صياغة تلك العقيدة الغربية الحاقدة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام .
وتتضح أهداف روبرت أوف كيتون المبنية على أهداف بطرس المكرم من ما جاء في مقدمته لتلك الترجمة ، حيث صدَّرها بمقدمة طنّانه سمّاها ( تمهيد عن الخرافة الإسلامية المسماة بالقرآن ) ومما قاله في مقدمته :" .... أنا كشفت عن شريعة محمد بيديّ وجلبتها إلى خزينة اللغة الرومانية ، الأمر الذي سوف يساعد رسالة المسيح المخلّص على الانتشار وتخليص الجنس البشري من هذا الإثم ـ الإسلام ـ ... ذلك أن دكاترة الكنيسة أهملوا تلك الهرطقه الكبرى ـ يقصد الإسلام ـ لتصل وتصعد إلى شئ ضخم جداً ومفرط لمدة خمسمائة وسبع وثلاثين سنة ، لأنها مهلكة وضارة ، بسبب أن الزهرة من تلك العقيدة المتعصبة الفاسدة ، مجرد غطاء فوق عقرب ، تحول دون أن تلفت الأنتباه إليه ، وتُحطِّم بالخداع قانون الدين المسيحي .... " إلى أن يقول مخاطباً بطرس المكرَّم :" ولذلك قمت بالعمل معك لما علمت أن نفسك مجتهدة في سبيل كل شيء صالح ، وأنك تتوق إلى ردم المستتنقع غير الخصب للعقيدة الإسلامية .. لذلك أنا كشفت عن السُّبل والوسائل ـ بكل جهدي ـ للوصول إلى ذلك .... وهكذا أنا أحضرت الخشب والحجارة اللازمة لعمارتك الجميلة التي يجب أن تنتصب فوق الجميع خالدة . أنا كشفت الغطاء عن دخّان محمد الذي يجب أن يُخمد بواسطة منفاخك " .
وقام روبرت أوف كيتون في ترجمته لمعاني القرآن الكريم بإعادة ترتيب السور وعمد إلى الاختصار والتشويه المتعمَّد والحذف والإضافة، وإضفاء الطابع اللاتيني على المعاني، مما أعطى صورة بشعة لمعاني القرآن الكريم .
ومن أمثلة الفساد والتشويه في تلك الترجمة مايلي :
?أ- أعطى معنىً غامضاً لخطاب يا أهل الكتاب وجعله يبدو في معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين .
?ب- أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معاني جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربي لاسيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور . مثل :
?ج- الآية 230 من سورة البقرة ; فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ; ترجمها " فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره " .
?د- الآية 220 من سورة البقرة ; .... ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين ترجم تخالطوهم بمعنى تمارسوا معهم اللواط .
?ه- الآية 223 من سورة البقرة ; نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ; ترجمها بمعنى " فأتوهن في أدبارهن " .
?و- الآية 50 من سورة الأحزاب ; يا أيها النبي إنا احللنا لك أزواجك .. الآية ; ترجمها هكذا " نحن نجيز لك أزواجك اللائي أتيتهن مهورهن ، وجميع إيمائك اللائي أعطاكهن الله ، وبنات عمك ، وبنات عماتك ، وبنات خالك وبنات خالاتك ، اللائي اتبعنك ، وكل امرأة مؤمنة إذا هي ترغب أن تقدّم جسدها أو نفسها للرسول ، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل ، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين " .
وهذا قليل من كثير مما في تلك الترجمة من تشويه متعمَّد .(10/383)
هذه الترجمة المشوهة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها روبرت أوف كيتون لحساب بطرس المكرم سنة 537 هـ / 1143 م هي أول ترجمة عرفتها أوربا وأحدثت تأثيراً واسعاً على الفهم الأوربي المشوه للإسلام حتى القرن الثامن عشر ، فقد ظلت تنتشر مخطوطاتها حتى قام عالمان سويسريان بطباعتها في بازل سنة 949هـ / 1543م . وعن هذه الترجمة اللاتينية قام أريفابيني الإيطالي بترجمتها إلى الإيطالية سنة 953هـ/1547م . وعن هذه الترجمة الإيطالية قام سالمون اشفجر بترجمتها إلى الألمانية سنة 1025هـ/1616م وعن هذه الترجمة الألمانية تُرجمت إلى الهولندية سنة 1051هـ / 1641م .2- رسالة النصراني الشرقي : وهي الأخيرة في المجموعة الطليطلية ، وتُعرف باسم: الرسالة الإسلامية والجواب المسيحي . وهي التي أحدثت المشروع الكلوني برمته . وهي عبارة عن رسالة وجواب على الرسالة . الرسالة مرسلة من رجل مسلم يُدعى عبدالله بن إسماعيل الهاشمي إلى صديق له نصراني يدعى عبد المسيح بن إسحاق الكندي ، وقد صيغت رسالة الهاشمي المزعومة بحيث يبدو قريباً للخليفة المأمون ، بينما صيغ الجواب وكأن الكندي المزعوم يعمل في بلاط الخليفة نفسه . ومن الواضح أن كلا الاأسمين مستعاران وأن كاتب النصين عالم عربي نصراني عاش في العراق في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ، والراجح أنه الطبيب والفيلسوف النصراني يحيى بن عدي المتوفي سنة 364هـ / 975م. ولا نجد لهذه المصنفة ذكراً في المصادر الإسلامية إلا عند البيروني المتوفي سنة 440هـ / 1048م الذي اقتبس منها نصاً في حديثه عن الصابئة .
وقد كلّف بطرس المكرم اثنين من المترجمين بترجمة هذا النص هما بطرس الطليطلي ، وبطرس أوف بواتييه . وقد صاغ يحيى بن عدي رسالة الهاشمي المزعوم في نحو عشرين صفحة ، بحيث بدأ بالسلام والرحمة على صديقه النصراني ، زاعماً أن ذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام في مخاطبته للناس بما فيهم النصارى ثم يبدي الهاشمي المزعوم تعبيرات مختلفة من الاحترام لصديقه والإشارة إلى النسب الأصيل للكندي ، والإشاده بتقواه وثقافته ومعرفته ، ويدعوه إلى اعتناق الإسلام الذي هو دين الحنيفية ، دين أبيهما الأول ابراهيم عليه السلام ، وهو التوحيد الخالص لله تعالى ، ثم يعرض أركان الإسلام الخمسة ، والجهاد ، ويسهب في ذكر نعيم الجنة لاغراء صديقه النصراني باعتناق الإسلام. وأنه إذا اعتنق الإسلام يمكنه الزواج بأربع زوجات ويطلق متى يشاء ويملك من الجواري ما يشاء ، ويحصل على ترقية في بلاط الخليفة وفي النهاية يعرض على صديقه أن يجيبه بكل صراحة على عرضه وأن يقول ما يحلو له في الدفاع عن دينه ويحثه على التخلي عن عبادة الثالوث .
وقد أجاب يحى بن عدي على رسالته التي جعلها على لسان الهاشمي ، بجوابه الذي جعله على لسان الكندي في 140 صفحة ، أي أكبر بسبع مرات من رسالة الهاشمي ، بحيث يترك جوابه الانطباع لدى القارئ النصراني أنه نال الغلبة والقهر بالحجة والبرهان . ومن الواضح أن يحيى بن عدي كتب هذا الكتاب حين ازداد دخول النصارى في الإسلام في القرن الرابع الهجري ، وكان هدفه منه تحصين أهل الذمة من النصارى لمنعهم من اعتناق الإسلام وإقناعهم بان دينهم هو الدين الصحيح .
ويبدأ يحيى بن عدي جوابه على لسان الكندي المزعوم بالعرفان بالجميل لصديقه الهاشمي والدعاء للخليفة المأمون . ثم يدافع عن عقيدة الثالوث ، ويزعم أن عقيدة الحنيفية التي يدعو إليها الهاشمي التي كان عليها إبراهيم عليه السلام إنما هي عبادة الأصنام ، حيث يزعم أن إبراهيم ظل يعبدها لمدة سبعين سنة في حرّان مع آبائه .
ويحاول بأسلوب فلسفي تفنيد عقيدة التوحيد ، ثم يوجه هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام، ويتهمه بأنه تطلّع إلى المُلك ، ولما كان يعرف أن نفوس قريش تأبى أن يصبح ملكاً عليها ادّعى النبوة للوصول إلى هدفه . ولا يتحدث جواب الكندي المزعوم عن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة ، وإنما ينتقل فجأة إلى المدينة حيث يزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام اغتصب مربد غلاميين يتيمين وبنى عليه مسجده ، وأنه اصطحب قوماً فراغاً لاعمل لهم وبدأ في شن الغارات وممارسة النهب والسلب وقطع الطريق وإخافة السبيل ، ويتهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر باغتيال بعض الآمنين في بيوتهم ، ثم يشير إلى جروح النبي عليه الصلاة والسلام يوم أحد ، ويرى أنه لو كان رسولاً لمنعه الله من الضرر ، ثم يزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن له هم إلا امرأة جميلة يتزوجها ، ويتهمه بالاستخفاف بالله في محاباة زوجاته ويكرر حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها .(10/384)
وبعد ذلك يثير جواب الكندي المزعوم موضوع النبوة وعلاماتها ويزعم أن شروط النبوة لا تتوافر في محمد عليه الصلاة والسلام. ويزعم أن أهم علامات النبوة هي المعجزات ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأت بشيء منها ، وأنه أنكر أنه يستطيع أن يأت بآية كما جاء في القرآن ، وأنه لا دليل لدى محمد عليه الصلاة والسلام على رسالة الاهية ويزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف ، وأن نجاح الفتوح الإسلامية ليس دليلاً على إعجاز إلاهي ، لأنها يمكن أن تكون وسيلة من الله لمعاقبة الناس المذنبين ، ويزعم أن النصرانية انتشرت بالتبشير واستشهاد الحواريين بينما الإسلام انتشر بالقهر والسيف ، ويزعم أن لغة القرآن ليست معجزة ، ويعتبر لغة الشاعر امرئ القيس أقوى من لغة القرآن . ويزعم جواب الكندي أن الإغراء المادي والوعد بالملذات الحسية في جنة شهوانية هو الذي أغرى العرب المحرومين أن ينضموا إلى الإسلام وجيوشه ، وأن جيوش المسلمين كانت مليئة بالمنافقين الذين انضموا إليها طلباً للغنائم .
ثم يهاجم شعائر الإسلام ، ويعتبر الحج عملاً من أعمال الوثنية ، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هو عمل الشيطان . ويزعم أن محمدا ًعليه الصلاة والسلام لم يكن يهدف مثلما هدف المسيح عليه السلام إلى أن يخلّص ويهذب الإنسان ، وإنما هدف إلى ما هدف إليه الفاتحون الآخرون وهو أن يوسع مملكته . ويزعم أن النصرانية هي الصراط المستقيم المذكور في سورة الفاتحة . ويزعم أن الشرائع ثلاث : شريعة الكمال الإلهي وهي التي جاء بها المسيح عليه السلام ، وشريعة العدل وهي التي جاء بها موسى عليه السلام ، وشريعة الشيطان وهي التي جاء بها ـ بزعمه الكاذب ـ محمد عليه الصلاة والسلام .
ويزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتلقى من راهب طُرد من الكنيسة وذهب إلى إلى تهامة واسمه سرجيوس ، وتسمى عند محمد عليه الصلاة والسلام بإسم نسطوريوس وأنه هو الذي كان يسميه النبي عليه الصلاة والسلام جبريل أو الروح القدس .
وقال هذا النصراني في جوابه عن النبي عليه الصلاة والسلام ما نصه : ( فإنا لم نره دعا الناس إلا بالسيف وبالسلب والسبي والإخراج من الديار ولم نسمع برجل غيره جاء فقال من لم يقر بنبوتي وإني رسول رب العالمين ضربته بالسيف وسلبت بيته وسبيت ذريته من غير حجة ولا برهان ) وزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أن النبي عليه الصلاة والسلام أجبر الناس على قبول القرآن : ( وقال من لا يقبل كتابي هذا ويقول إنه مُنزَّل من عند الله وأني نبي مرسل قتلته وسلبته ماله وسبيت ذريته واستبحت حريمه ) .
وزعم النصراني أن عبد الله بن سلاّم وكعب الأحبار عمدا إلى ما في يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القرآن بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وأدخلا فيه أخبار التوراة وأحكامها وزادا وأنقصَّا منه وسخر من عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وزعم أنه وقع فيه التحريف والتبديل ، وأن الحجاج بن يوسف الثقفي جمع المصاحف وأسقط منها أشياء كثيرة عن بني أمية ، وذكر كلاماً كثيراً ملفقاً في هذا الموضوع وختم جوابه بدعوة الهاشمي المزعوم لاعتناق النصرانية.
هذه الترجمة الرئيسة في المشروع الكلوني نالت في الغرب شعبية هائلة وأصبحت بمثابة انجيل المنصرين والمستشرقين منذ ترجمتها وإلى اليوم حيث اعتبروها أفضل دفاع عن النصرانية وأقوى هجوم على الإسلام .
وهناك ثلاث مصنفات أخرى تُرجمت في المشروع الكلوني هي ( نشؤ محمد ) و ( عقيدة محمد ) و ( الأحاديث الإسلامية ) ولكن لم يكن لها تأثير يضاهي تأثير رسالة الكندي المزعوم والترجمة الخاطئة والمغرضة لمعاني القرآن الكريم من جانب روبرت أوف كيتون .
وبعد أن انتهى بطرس المكرم من ترجمة مشروعه الآنف الذكر قام بتأليف ردين على الإسلام هما :
(1) المجمل الكامل عن الهرطقة الإسلامية
(2) الدحض وقسمه إلى كتابين كل كتاب مكون من فصلين وكلاهما كتبه باللاتينية(10/385)
وكان هدف بطرس المكرم من تأليف رديه أن يغرس في قلوب النصارى موقفاً معادياً للإسلام .وسوف أعرض هنا مقتطفات مختصرة من مجمل بطرس المكرم للتدليل على هدفه هذا . بعد أن عرض بتهكم مشاهد يوم القيامة التي انفرد بها القرآن ولا توجد عندهم في كتبهم المقدسة قال :" إلى هذا الحد الفعلي Mahumet (محمد) القذر الشرير علّم أتباعه إنكار جميع أسرار الدين المسيحي ، وحكم تقريباً على ثلث الجنس البشري بعدم معرفة يوم الدينونة للرب ، بواسطة حكايات مجنونه يهذي بما لم يُسمع بمثلها استجابة لأبليس والهلاك السرمدي ". ثم يقدِّم في مجمله مختصراً مشوهاً لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول :"هكذا كان Mahumet (محمد) ناشطاً جداً في الشؤون العالمية ، وذكي إلى أبعد حد ، هو انبثق من الأصل الوضيع والفقر إلى الغنى والشهرة ، ونهض بنفسه إلى أعلى شيئاً فشيئاً ، وتكراراً هاجم كل أولئك الذين كانوا بجواره، وكان بشكل بارز يضم إليه الأقرباء بالخداع ، والسلب ، والغزوات ، قاتلاً أي شخص غيلة إن استطاع ، هو ازداد رعباً بواسطة اسمه ، وفي الوقت المناسب وصل إلى القمة بالنزاعات . ثم بدأ يطمح إلى منصب الملك على شعبه ، ولما كان يدرك أنه لا يستطيع أن يحقق هذه الرغبة بسبب أصله الوضيع . قرَّر أن يصبح ملكاً عن طريق السيف ، وتحت قناع الدين وبواسطة الإسم رسول الله". ثم يتناول في مجمله القرآن ويرفض بشدة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ويزعم أن القرآن له مصادر هي : إبليس ، وسرجيوس ( نسطوريوس ) وبحيرا ... الخ ) إلى أن يقول ما نصه :" هكذا عُلِّم محمد من جانب أحسن علماء اللاهوت البارزين ، والمتهرطقين ، فانتجوا قرآنه ، ونسجوا معاً ، في ذلك الشكل غير الفصيح ، له كتاباً مقدساً شيطانياً ، صُنِّف على حد سواء من الخرافات اليهودية والأغاني العابثة للهراطقة ، كاذباً أن هذه المجموعة جُلبت إليه سورة وراء سورة بواسطة جبريل ، الذي اسمه هو عرفه من الكتاب المقدس في ذلك الوقت ، هو أفسد بسم مهلك ذلك الشعب الذي لم يعرف الرب ، وفي سلوك هذا المفُسد أن جعل في حواف القدح المملوء بالعسل السم المهلك الذي يتسرب معه ، هو ( محمد ) حطَّم ، واحسرتاه ، الأرواح والأجساد لذلك الشعب البائس ، ذلك الرجل ، أثنى على الشريعة المسيحية واليهودية ، والشرير مع ذلك يقتبس منها ويرفضها في الوقت نفسه" .
وبعد ذلك يتناول بطرس المكرَّم ، الجنة والنار ، والتعاليم الأخلاقية ويهاجم التصوير القراني للجنة والنار فيقول:"محمد يصف عذاب جهنم كأنها تسرهُ حتى يصفها ، وكأنه كان ملائماً لرسول زائف كبير أن يخترع تلك الأوصاف . وهو يصور جنة ليست من مجتمع ملائكي ، ولا من تجلى الرب ، ولا من ذلك الخير الأعلى ، الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... بل في هذه الطريقة هو وصفها مثلما هو رغبها أن تكون معدَّة لنفسه ، هو يعد أتباعه هناك بالأكل من اللحم ، وكل أنواع الثمرات ، هناك أنهار من اللبن والعسل والمياه المتدفقة . هناك العناق والإشباع الشهواني من النساء العذارى الأجمل ، فيها أشياء كثيرة ، جنته كلها حسية". ثم يتناول بطرس المكرم تعدد الزوجات في الإسلام باعتباره عملاً من أعمال الزنى وفق المنظور الرهباني دون أن يعلم أن المجتمع الغربي من بعده ، في العصور الحديثه ، سيصل إلى ممارسة الزنى علناً في الشوارع وعلى الأرصفه بسبب تلك الرهبانية المصادمة للفطرة البشرية التي فرضها رجال الدين على المجتمع الغربي طوال العصور الوسطى .
ثم يعود بطرس المبجل للهجوم البذئ على النبي عليه الصلاة والسلام فيقول :" وبالإضافة إلى كل هذه الأشياء ، هو استطاع أن يجتذب إليه الرغبات الشهوانية للرجال ، حيث أطلق لهم الأعنة للنهم والتلوث هو نفسه كان له في ذات الوقت ستة عشر زوجة ... مقترفاً الزنى كأنه شرط بواسطة الأمر الإلهي ، وبذلك أضاف إلى نفسه عدداً ضخماً من الناس المحكوم عليهم بالهلاك السرمدي".
وبالمقارنة اتضح أن مجمل بطرس المكرم ودحضه قد اعتمد فيهما على رسالة الكندي المزعوم حيث نسج على منوالها . وأصبح هذان الردان ضمن المشروع الكلوني الذي غدا في متناول الرهبان المتعصبين للاعتماد عليه في كتاباتهم العدائية ضد الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام .(10/386)
فهذا وليم الصوري أسقف صور الذي عاصر الحروب الصليبية حتى عصر صلاح الدين الأيوبي وأرّخ للمملكة الصليبية في بلاد الشام وعلاقتها بالمسلمين بدأ حديثه في تاريخه عن النبي عليه الصلاة والسلام فقال ما نصه :" في زمن الامبراطور هرقل ، وطبقاً للروايات والتواريخ الشرقية حققت معتقدات محمد الضارة ـ بزعمه الباطل ـ موطئ قدم راسخ لها في الشرق ، وهذا هو أول أبناء الشيطان المعُلِن بالكذب أنه رسول مرسل من الله ، وبذلك أضل بلدان الشرق خصوصاً بلاد العرب . والبذرة السَّامة التي زرعها اخترقت إلى حد بعيد المناطق التي استخدم فيها خلفاؤه السيف والعنف بدلاً من التبشير والنصح ، لاجبار الناس ، مهما كانوا خاضعين ، ليعتنقوا المعتقدات الخاطئة للرسول ".
أما جاكيوس دي فتري اسقف عكا الذي شارك في الحملة الصليبية الخامسة 614-618هـ / 1217-1221م فقال ما نصه :" إن محمداً أخذ جيرانه الذين كان يحسدهم في الخفاء ، وذبحهم بغدر ".
أما سان بدرو باسكوال وهو راهب أسباني عاش في القرن السابع الهجري /13م والمتوفى سنة 700هـ/1300م فقد كتب عدة كتب ضد المسلين ومنها كتاب أطلق عليه الفرقة المحمدية فقال فيه مانصه :" ما الذي جاء به محمد غير الفسوق والسلب ، القرآن على حد سواء وبتناقض أمر بالسبب والحرب ، والحديث أكدّ هذا ، حيث وُعِدَ المسلمون بمكافأة ضخمة من أجل الموت في الحرب ، وأن جروحهم سوف تكون جميلة يوم البعث ، ذلك أن محمداً أمر بأن الناس من غير المسلمين يجب أن يُقتلوا بواسطة الجهاد ، وتُغتصب نساؤهم ويؤخذن سبايا مع الأطفال ، وخيراتهم تُنهب وبلادهم تُحتل ". وقد زعم سان بدرو باسكوال هذا أن محمداً عليه الصلاة والسلام ، أثنى ذات مرة على آلهة الوثنيين في آيات زعم أن المسلمين يسمونها الآيات الشيطانية . ومن عجب أن قول سان بدرو باسكوال هذا ، كان هو الذي أوحي للمرتد البريطاني سلمان رشدي بعنوان روايته [ الآيات الشيطانية ] ، كما أن باسكوال وفندينزو وريكولدو وغيرهم من كتّاب العصور الوسطى كانوا المصدر الرئيس لرواية سلمان رشدي ، بل هي مسروقة بالكامل من تلك الكتابات الوسيطة .
لقد اخترع سان بدور باسكوال قصصاً وأساطير عجيبة تناول فيها جوانب من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ونزول الوحي عليه وموقف خديجة رضي الله عنها فمثلاً غزوة بدر يقدمها بهذا الشكل الملفق :" اصطحب محمد عصابة من اللصوص ، وبعد ذلك سمع أن تجاراً كثيرين من مكة كانوا يقتربون من تلك المدينة من مناطق أخرى في طابور عظيم من البهائم المحملة بالأثقال ، هو أختبأ في مكمن مع أصحابه وقتل سبعين من التجار وسائقي البغال من أهل مكة ، وأخذ أكثر من سبعين أسيراً ، ونهبوا القافلة بالكامل ".
وعن قصة نزول الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام يورد رواية مشوهة ويزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام تلبسَّه الشيطان ، ويسب خديجة رضي الله عنها التي صدقته ويقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام ما نصه :" في الواقع أنا أقول لك يا محمد إن هذا الذي فعلته ليس نبوة ، بل إنك قلت أشياء معينة مثلما تعوَّد العّرافون اليوم أن يقولونها عن طريق استحضار العفاريت بأي أسلوب ، فهذا لن يكون مدهشاً لأنه سيوجد عرَّافون كثيرون في العالم يقولون حقائق قليلة وكذب كثير " وكتابات سان بدرو باسكوال عن الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام تتصف بالاختلاق والسفه فمثلاً عند حديثه عن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام قال ما نصه :" إن محمداً عندما أوشك أن يموت حاول أن يعمِّد نفسه ـ أي يتنصَّر ـ لكن الشياطين منعته ".(10/387)
أما الراهب الإيطالي فيدينزو أوف بافيا الذي جاء إلى بلاد الشام في النصف الثاني من القرن السابع الهجري / النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي فقد كتب وصفاً مختصراً مختلقاً لتشويه صورة النبي عليه الصلاة والسلام عند القراء الغربيين ومما قاله :" إن محمداً جمع حوله عبيداً آبقين ، ورجالاً مؤذين مرتشين ومضطهدين للاخرين ، من أصناف مختلفة ، وعندما أطاعوه وأصبح أميرهم ، أرسلهم إلى غابة ذات طرق فرعية وإلى قمم الجبال ، وأخذوا يغيرون على الطرق التي يتردد عليها المسافرون ، فيسلبون الناس ، وينهبون بضائعهم ويقتلون كل من يُبدي مقاومة . وحل الخوف من محمد وأصحابه بجميع الناس الذين يقطنون بتلك البلاد ". وهذا الراهب فيدينزو أحد الكتّاب الغربيين الذين تلقّفوا القصة المختلقة على النبي عليه الصلاة والسلام وزينب بنت جحش رضي الله عنها ، التي اخترعها يوحنا الدمشقي وصاغوها بشكل داعر ، ومما قاله فيدينزوما نصه :" كان هناك رجل معروف يُدعى سايدوس ـ زيد ـ وكان له زوجة تُدعى سيبيب ـ زينب ـ كانت من أجمل النساء الجميلات اللائي عشن على الأرض في أيامها ، فسمع محمد بشهرة جمالها ، واشتعل بالرغبة فيها ، وأراد أن يراها ، فجاء إلى منزل المرأة في غياب زوجها ، وسأل عن زوجها . هي قالت : يارسول الله ، ما ذا تريد ، لماذا أنت هنا ؟ زوجي ذهب إلى الخارج في العمل . هذا لم يكن مخفياً عن زوجها ، هو عندما عاد إلى بيته ، قال لزوجته : هل كان رسول الله هنا ؟ هي أجابت : هو كان هنا ، هو قال هل رأى وجهك ؟ هي أجابت : نعم هو رآه ، وهو أيضاً سهّرني وقتاً طويلاً ، هو قال لها : أنا لا أستطيع أن أعيش معك وقتاً أطول من هذا ... ".
ومن الرهبان المنصرين الذين كتبوا عن الإسلام ، ريكولدو أوف مونت كروس المتوفي سنة 720هـ / 1320 م وقد جاء إلى عكا سنة 688 هـ / 1289م وانتقل منها إلى آسيا الصغرى ومنها إلى الشرق حيث وصل إلى مراغة في رحلة تنصيرية ثم جاء إلى الموصل وإلى بغداد . ثم عاد إلى دير مونت كروس وصنّف عدة كتب يهاجم فيها الإسلام منها كتاب سماه [ دحض القرآن ] ومما قاله :" إن الإسلام مجرد خدعة شيطانية ابتدعها الشيطان كي يمهد الطريق لمجئ المسيح الدجّال ، وذلك حين شعر الشيطان بعدم قدرته على إيقاف انتشار النصرانية ، وأن الوثنيات بدأت تتهاوى أمام النصرانية ، وأنه ليس في مقدوره دحض شريعة موسى وانجيل عيسى ، فابتدع الشيطان ذلك الدين ليكون وسطاً بين النصرانية واليهودية ... والقرآن ليس قانون الله ، نظراً لأن أسلوبه لا يطابق الأسلوب الإلهي ، الذي لا يوجد فيه سجع ولا عبارات موزونة كتلك التي جاءت في الكتب المقدسة ".
والحق أن القرنين السابع والثامن الهجريين / الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ، قد شهدا حملة فكرية عدوانية شرسة ضد الإسلام ونبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام من جانب مئات الكتّاب الغربيين من الرهبان والمنصرين والحجاج الذين زاروا الديار المقدسة في بلاد الشام ، وهي حملة عدائية تضاهي في ضخامتها العدوان الفكري الحالي الذي نشهده في وسائل الإعلام الغربية . ويتضح أحد أهداف تلك الحملة السابقة مما كتبه أحد أعضائها وهو روبرت هالكوت الذي كتب سنة 741هـ / 1340 م يقول :" إنه لن يكون سهلاً أن ننشر تعاليم المسيح بين المسلمين إلا عن طريق تحطيم وشجب شريعة محمد ".
ويتضح توطُّد وترسُّخ تلك العقيدة الغربية الباطلة تجاه الإسلام والمسلمين في الغرب ، وأنه لم يعد بمقدور أحد هناك اعتقاد سواها ما حدث سنة 762هـ / 1361 م عند ما كتب راهب بندكتي يعمل في جامعة أكسفورد ، اسمه أوثرد أوف بولدون ، مُقترحاً قال فيه :" إنه عند لحظة الموت لكل إنسان سواء كان نصرانياً ، أو مسلماً ، أو من أي دين ، فإنه ينعم بالرؤية المباشرة للرب ، ويتلقى حكمه الأبدي في ضوء استجابته لهذه التجربة" فقامت ضد الراهب أوثرد احتجاجات عنيفة من زملائه الرهبان مفادها : كيف يمكن لمسلمِ أن ينجومن الهلاك والعذاب السرمدي ؟؟؟ فاضطر الراهب أوثرد إلى سحب اقتراحه !!!
وفي ضوء هذا العرض المختصر للعقيدة الغربية المركوزة في الفكر الغربي تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نخرج بالملاحظات والحقائق التالية .(10/388)
أولاً : لانجد نظيراً لهذه العقيدة تجاه نبي من الأنبياء وأمة من الأمم إلا في عقيدة التلمود عند اليهود تجاه المسيح عليه السلام ووالدته الطاهرة مريم عليها السلام وتجاه المسيحيين . فالتلمود الذي يقدسه اليهود إلى أقصى حد " يرى بأن المسيح عيسى بن مريم موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار ، وأن أمه مريم أتت به من العسكري الروماني [ باندارا ] بمباشرة الزنا . ويرى التلمود أن المسيح ارتد عن اليهودية وعبد الأوثان ، وأن أتباعه النصارى وثنيون . ويذهب التلمود إلى أن المسيح كان ساحراً وثنياً ومن يتبعه من الأمم إنما هم وثنيون مثله ، وان المسيح كان مجنوناً وكافراً لا يعرف الله وان الطقوس الدينية عند النصارى إنما هي نوع من عبادة الأصنام . ويقرِّر التلمود أن الأناجيل ـ كتب النصارى المقدسة ـ إنما هي كتب الظلم والخطايا وأنه يجب على اليهود إحراقها ولو كان فيها اسم الله . وأن الكنائس النصرانية بمثابة قاذورات ، وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة ، وأن قتل النصارى من الأفعال التي يكافئ الله عليها ، وإذا لم يتمكن اليهودي من قتل النصارى ، فالواجب عليه أن يلعن النصارى ثلاث مرات في اليوم ، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفنى ملوكهم وحكامهم وعلى اليهود أن يعاملوا النصارى كحيوانات دنيئة غير عاقلة .... " (1).
ثانياً : إذ تأملنا أسباب نشأة هذه العقيدة الغربية الضالة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نستخلص بعض الأسباب الرئيسة وأهمها وهي :
?أ- إن اعتراف النصارى بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وصحة القرآن وأنه الكتاب الحق المنزَّل من الله ينسف العقيدة النصرانية بكاملها من الأساس وهي التي تقوم على أساس أن المسيح هو الرّب وأنه ظل يرسل الرسل والأنبياء للدعوة إليه ، وأخيراً تجسَّد الرب بنفسه ليبلِّغ البشر برسالته الأخيرة ، وأنه قُتل وصلب ليكفرِّ عن خطايا البشر ويخلصهم الخلاص النهائي .
?ب- اعتقادهم بأن النصرانية هي الحق والهدى وأن ما سواها هو الكفر والضلال ، ومن هنا رفضوا الإسلام ، وحاولوا بكل ما يستطيعون إثبات أن الإسلام دين مختلق وليس وحياً من الله تعالى . ولإثبات هذا الزعم الباطل عمدوا إلى سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ـ المرسل بهذا الدين ـ وشوهوها ، هذا فضلاً عن تعمُّد الكتاب النصارى طمس كل معالم سيرته الصحيحة وشمائله وأخلاقه وفضائله وهديه وعدم ذكر أي شيء منها، حتى لا ينجذب إليها القارئ النصراني وتجعله يفتتن بها ومن ثم يعتنق الإسلام .
?ج- افتراضهم المسبق أن الإسلام هرطقة ومن ثمة البحث في المصادر النصرانية والأحاديث والسِّير الموضوعة ما يثبت ويبرهن على هذا الافتراض الزائف .
?د- اعتقاد الرهبان ورجال الدين في العصور الوسطى أن الإسلام شكَّل خطراً داهماً على أوربا وأن عقيدته تهدد النصرانية في عقر دارها وأن جماهير النصارى قد تُقبل على اعتناقه مثلما حدث في سائر البلدان التي فتحها المسلمون لاسيما الأندلس ، ولذلك عمدوا إلى رسم صورة مشوهة ملفقة عن الإسلام كنوع من التحصين للمجتمع الغربي النصراني والحيلولة بين عامة النصارى وبين اعتناق الإسلام .
ثالثاً : إن هذه العقيدة الضالة التي اكتمل بناؤها وصياغتها خلال العصور الوسطى عبرت كاملة متماسكة إلى العصور الحديثة وتبناها الكثير من الكتَّاب والرهبان والمنصرين والمستشرقين المتعصبين في العصور الحديثة لا يتسع المجال هنا لذكرهم ويكفي ما أوردناه في بداية الحديث عما تقوله وتنشره وسائل الإعلام الغربية في هذه الأيام .
وصفوة القول : إن هذا العدوان الفكري الإعلامي على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية – الذي يُعبِّر عن عقيدة موروثة - ليس إلا وسيلة ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان الشامل على الإسلام والمسلمين والذي يهدف إلى هدف استراتيجي رئيس ،مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها
د . علي بن محمد عوده
=================
الجزية فى الإسلام وبراءته مما ألحقه به الزاعمون
الجزية في الإسلام
مأخوذ عن الدكتور. منقذ بن محمود السقار
تمهيد
استشكل البعض ما جاء في القرآن من دعوة لأخذ الجزية من أهل الكتاب، وذلك في قوله تعالى: } قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { ([1]) ، ورأوا – خطأً - في هذا الأمر القرآني صورة من صور الظلم والقهر والإذلال للشعوب التي دخلت في رعوية الأمة المسلمة.(10/389)
ولا ريب أن القائل قد ذهل عن الكثير من التميز الذي كفل به الإسلام حقوق أهل الجزية، فقد ظنه كسائر ما أثر عن الحضارات السابقة واللاحقة له، فالإسلام في هذا الباب وغيره فريد عما شاع بين البشر من ظلم واضطهاد أهل الجزية، كما سيتبين لنا من خلال البحث العلمي المتجرد النزيه.
أولاً : الجزية في اللغة
الجزية في اللغة مشتقة من مادة (ج ز ي)، تقول العرب: "جزى ، يجزي، إذا كافأ عما أسدي إليه"، والجزية مشتق على وزن فِعلة من المجازاة، بمعنى "أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن"، وقال ابن المطرز: بل هي من الإجزاء "لأنها تجزئ عن الذمي". ([2])
ثانياً : الجزية قبل الإسلام
لم يكن الإسلام بدعاً بين الأديان، كما لم يكن المسلمون كذلك بين الأمم حين أخذوا الجزية من الأمم التي دخلت تحت ولايتهم، فإن أخذ الأمم الغالبة للجزية من الأمم المغلوبة أشهر من علم ، فالتاريخ البشري أكبر شاهد على ذلك.
وقد نقل العهد الجديد شيوع هذه الصورة حين قال المسيح لسمعان: " ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب؟ قال له بطرس من الأجانب.قال له يسوع: فإذاً البنون أحرار " (متى 17/24-25).
والأنبياء عليهم السلام حين غلبوا على بعض الممالك بأمر الله ونصرته أخذوا الجزية من الأمم المغلوبة، بل واستعبدوا الأمم المغلوبة، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم "فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر.فسكن الكنعانيون في وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية" (يشوع 16/10)، فجمع لهم بين العبودية والجزية.
والمسيحية لم تنقض شيئا من شرائع اليهودية، فقد جاء المسيح متمماً للناموس لا ناقضاً له (انظر متى 5/17)، بل وأمر المسيح أتباعه بدفع الجزية للرومان، وسارع هو إلى دفعها ، فقد قال لسمعان: " اذهب إلى البحر وألق صنارة، والسمكة التي تطلع أولا خذها، ومتى فتحت فاها تجد أستارا، فخذه وأعطهم عني وعنك" (متى 17/24-27).
ولما سأله اليهود (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء الجزية أقر بحق القياصرة في أخذها "فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين: يا معلّم نعلم أنك صادق، وتعلّم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا: ماذا تظن ، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ .. فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة.قالوا له: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه" (متى 22/16-21).
ولم يجد المسيح غضاضة في مجالسة ومحبة العشارين الذين يقبضون الجزية ويسلمونها للرومان (انظر متى 11/19)، واصطفى منهم متى العشار ليكون أحد رسله الاثني عشر (انظر متى 9/9).
ويعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلاطين حقاً مشروعاً، بل ويعطيه قداسة ويجعله أمراً دينياً، إذ يقول: "لتخضع كل نفس للسلاطين، السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة... إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضا بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه، فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13/1-7).
ثالثاً : الجزية في الإسلام
لكن الإسلام كعادته لا يتوقف عند ممارسات البشر السابقة عليه، بل يترفع عن زللهم، ويضفي خصائصه الحضارية، فقد ارتفع الإسلام بالجزية ليجعلها، لا أتاوة يدفعها المغلوبون لغالبهم، بل لتكون عقداً مبرماً بين الأمة المسلمة والشعوب التي دخلت في رعويتها. عقد بين طرفين، ترعاه أوامر الله بالوفاء بالعهود واحترام العقود، ويوثقه وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أخل به ، وتجلى ذلك بظهور مصطلح أهل الذمة، الذمة التي يحرم نقضها ويجب الوفاء بها ورعايتها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أمر الله بأخذ الجزية من المقاتلين دون غيرهم كما نصت الآية على ذلك } قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { ([3]) قال القرطبي: "قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين... وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني".([4])
وقد كتب عمر إلى أمراء الأجناد: (لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي)([5]) أي ناهز الاحتلام.(10/390)
ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً ، لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنوياً زمن الدولة الأموية.
فحين أرسل النبي معاذاً إلى اليمن أخذ من كل حالم منهم دينارا، يقول معاذ: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا، أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة (هذه زكاة على المسلمين منهم)، ومن كل حالم ديناراً، أو عدله مَعافر(للجزية))([6])، والمعافري: الثياب.
وفي عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ضرب الجزية على أهل الذهب: أربعة دنانير، وعلى أهل الورِق: أربعين درهما؛ مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام.([7])
1- التحذير من ظلم أهل الذمة
يأمر الله في كتابه والنبي في حديثه بالإحسان لأهل الجزية وحسن معاملتهم، وتحرم الشريعة أشد التحريم ظلمهم والبغي عليهم، فقد حثّ القرآن على البر والقسط بأهل الكتاب المسالمين الذين لا يعتدون على المسلمين } لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين {([8]) ، والبر أعلى أنواع المعاملة ، فقد أمر الله به في باب التعامل مع الوالدين ، وهو الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بقوله : (( البر حسن الخلق ))([9]) .
ويقول صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: (( من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) ([10])، ويقول: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً )). ([11])
وحين أساء بعض المسلمين معاملة أهل الجزية كان موقف العلماء العارفين صارماً، فقد مرّ هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)). قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه، فحدثه، فأمر بهم فخُلوا. ([12])
وأما الأمر بالصغار الوارد في قوله: } وهم صاغرون {، فهو معنى لا يمكن أن يتنافى مع ما رأيناه في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب البر والعدل، وحرمة الظلم والعنت، وهو ما فهمه علماء الإسلام ، ففسره الشافعي بأن تجري عليهم أحكام الإسلام، أي العامة منها، فالجزية علامة على خضوع الأمة المغلوبة للخصائص العامة للأمة الغالبة.
وفسره التابعي عكرمة مولى ابن عباس بصورة دفع الجزية للمسلمين، فقال: "أن يكونوا قياماً، والآخذ لها جلوساً"، إذ لما كانت اليد المعطية على العادة هي العالية، طلب منهم أن يشعروا العاطي للجزية بتفضلهم عليه، لا بفضله عليهم، يقول القرطبي في تفسيره: "فجعل يد المعطي في الصدقة عليا، وجعل يد المعطي في الجزية سفلى، ويد الآخذ عليا". ([13])
2- بعض صيغ عقد الذمة في الدولة الإسلامية
وقدم الإسلام ضمانات فريدة لأهل الذمة، لم ولن تعرف لها البشرية مثيلاً، ففي مقابل دراهم معدودة يدفعها الرجال القادرون على القتال من أهل الذمة، فإنهم ينعمون بالعيش الآمن والحماية المطلقة لهم من قبل المسلمين علاوة على أمنهم على كنائسهم ودينهم .
وقد تجلى ذلك في وصايا الخلفاء لقادتهم ، كما أكدته صيغ الاتفاقات التي وقعها المسلمون مع دافعي الجزية، ونود أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى تأمل الضمانات التي يضمنها المسلمون وما يدفعه أهل الجزية في مقابلها.
ونبدأ بما نقله المؤرخون عن معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجزية، ونستفتح بما أورده ابن سعد في طبقاته من كتاب النبي لربيعة الحضرمي، إذ يقول: " وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه، أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشِراجهم (السواقي) بحضرموت ، وكل مال لآل ذي مرحب ، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره وسدره وقبضه من رهنه الذي هو فيه ، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه ، وأن الله ورسوله براء منه ، وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين ، وأن أرضهم بريئة من الجور ، وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس ، وأن الله جار على ذلك ، وكتب معاوية" ([14])
وقوله: (( وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين )) فيه لفتة هامة، وهي أن المسلمين يقدمون حياتهم وأرواحهم ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم ، وأصبح في ذمتهم ، إنها ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول القرافي: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صوناً لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم". ([15])(10/391)
كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ذمة وعهد إلى أهل نجران النصارى، ينقله إلينا ابن سعد في طبقاته، فيقول: " وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته ، ولا راهب عن رهبانيته ، ولا كاهن عن كهانته ، ولا يغير حق من حقوقهم ، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين ، وكتب المغيرة". ([16])
وانساح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يطبقون ما تعلموه من نبيهم العظيم، ويلتزمون لأهل الجزية بمثل الإسلام وخصائصه الحضارية، وقد أورد المؤرخون عدداً مما ضمنوه لأهل الذمة، ومن ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر لأهل القدس، وفيها: "بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم .
ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم ، ولا يُسَكَّن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه ، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ...ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ، شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتب وحضر سنة خمس عشرة". ([17]) ، وبمثله كتب عمر لأهل اللد.([18])
وحين فتح خالد بن الوليد دمشق كتب لأهلها مثله، "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم ، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين، لا يُعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية". ([19])
ويسجل عبادة بن الصامت هذه السمات الحضارية للجزية في الإسلام، وهو يعرض الموقف الإسلامي الواضح على المقوقس عظيم القبط ، فيقول: "إما أجبتم إلى الإسلام .. فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة ، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم ، فإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم ، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا ، وكان لكم به عهد علينا ...". ([20])
ونلحظ ثانية كيف يتقدم المسلم بنفسه لحماية أهل الجزية وأموالهم، ونرى فداءه لهم بماله ودمه "نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم" .
3- حرص المسلمين على الوفاء بعقد الذمة
وقد خشي الخلفاء أن يقصر المسلمون في حقوق أهل الذمة ، فتفقدوا أحوالهم، ومن ذلك ما رواه الطبري في تاريخه، في سياقه لحديث عمر إلى وفد جاءه من أرض الذمة " قال عمر للوفد: لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم؟ فقالوا:ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة". ([21])
ولما جاءه مال الجباية سأل عن مصدره مخافة العنت والمشقة على أهل الذمة، ففي الأثر عنه رضي الله عنه "أنه أتي بمال كثير، أحسبه قال من الجزية فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني ". ([22])
ولما تدانى الأجل به رضي الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: " أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتلوا من ورائهم ، وألا يكلفوا فوق طاقتهم ". ([23])
وكتب علي رضي الله عنه إلى عماله على الخراج: "إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك". ([24])(10/392)
وأجلى الوليد بن يزيد نصارى قبرص مخافة أن يعينوا الروم فردهم يزيد بن الوليد الخليفة بعده، يقول إسماعيل بن عياش عن صنيع الوليد: فاستفظع ذلك المسلمون، واستعظمه الفقهاء، فلما ولي يزيد بن الوليد ردهم إلى قبرص ، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله، ورأوه عدلاً.([25])
ولما أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، اعتبر المسلمون ذلك من الغصب، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكى إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم.([26])
4- من أقوال الفقهاء المسلمين في حراسة وتقرير حقوق أهل الذمة
ونلحظ فيما سبق الإسلام لحراسة حقوق أهل الذمة في إقامة شعائر دينهم وكنائسهم ، جاء في قوانين الأحكام الشرعية : "المسألة الثانية: فيما يجب لهم علينا، وهو التزام إقرارهم في بلادنا إلا جزيرة العرب وهي الحجاز واليمن، وأن نكف عنهم، ونعصمهم بالضمان في أنفسهم وأموالهم، ولا نتعرض لكنائسهم ولا لخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها". ([27])
وينقل الطحاوي إجماع المسلمين على حرية أهل الذمة في أكل الخنازير والخمر وغيره مما يحل في دينهم، فيقول: "وأجمعوا على أنه ليس للإمام منع أهل الذمة من شرب الخمر وأكل لحم الخنازير واتخاذ المساكن التي صالحوا عليها، إذا كان مِصراً ليس فيه أهل إسلام (أي في بلادهم التي هم فيها الكثرة)".([28])
وتصون الشريعة نفس الذمي وماله ، وتحكم له بالقصاص من قاتله ، فقد أُخذ رجل من المسلمين على عهد علي رضي الله عنه وقد قتل رجلاً من أهل الذمة، فحكم عليه بالقصاص، فجاء أخوه واختار الدية بدلا عن القود، فقال له علي: "لعلهم فرقوك أو فزّعوك أو هددوك؟" فقال: لا ، بل قد أخذت الدية، ولا أظن أخي يعود إلي بقتل هذا الرجل، فأطلق علي القاتل، وقال: "أنت أعلم، من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديّتنا". ([29])
وصوناً لمال الذمي فإن الشريعة لا تفرق بينه وبين مال المسلم، وتحوطه بقطع اليد الممتدة إليه، ولو كانت يد مسلم، يقول المفسر القرطبيُّ: "الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقِق ذلك أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه". ([30])
قال الماورديّ: "ويلتزم ـ أي الإمام ـ لهم ببذل حقَّين: أحدهما: الكفُّ عنهم. والثانِي: الحماية لهم، ليكونوا بالكفِّ آمنين، وبالحماية محروسين". ([31])
وقال النوويّ: "ويلزمنا الكفُّ عنهم، وضمان ما نُتلفه عليهم، نفسًا ومالاً، ودفعُ أهلِ الحرب عنهم". ([32])
وتوالى تأكيد الفقهاء المسلمين على ذلك، يقول ابن النجار الحنبلي: "يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفكُّ أسرهم ودفع من قصدهم بأذى". ([33])
ولما أغار أمير التتار قطلوشاه على دمشق في أوائل القرن الثامن الهجري، وأسر من المسلمين والذميين من النصارى واليهود عدداً، ذهب إليه الإمام ابن تيمية ومعه جمع من العلماء، وطلبوا فك أسر الأسرى، فسمح له بالمسلمين، ولم يطلق الأسرى الذميين، فقال له شيخ الإسلام: "لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع لديك أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فإن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا" ، فأطلقهم الأمير التتري جميعاً. ([34])
وينقل الإمام القرافي عن الإمام ابن حزم إجماعاً للمسلمين لا تجد له نظيراً عند أمة من الأمم، فيقول: "من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". ([35])
5- صور ناصعة من معاملة المسلمين لأهل الذمة
وحين عجز المسلمون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من عدوهم ردوا إليهم ما أخذوه من الجزية لفوات شرطها، وهو الحماية، فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج وغيره من أصحاب السير عن مكحول أن الأخبار تتابعت على أبي عبيدة بجموع الروم، فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين ، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج ، كتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع ، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". ([36])(10/393)
وحين قام أهل الذمة بالمشاركة في الذود عن بلادهم أسقط عنهم المسلمون الجزية، كما صنع معاوية رضي الله عنه مع الأرمن، يقول لوران المؤرخ الفرنسي في كتابه "أرمينية بين بيزنطة والإسلام" : "إن الأرمن أحسنوا استقبال المسلمين ليتحرروا من ربقة بيزنطة، وتحالفوا معهم ليستعينوا بهم على مقاتلة الخزر، وترك العرب لهم أوضاعهم التي ألفوها وساروا عليها، والعهد أعطاه معاوية سنة 653م، إلى القائد تيودور رختوني ولجميع أبناء جنسه ماداموا راغبين فيه، وفي جملته: ((أن لا يأخذ منهم جزية ثلاث سنين، ثم يبذلون بعدها ما شاؤوا، كما عاهدوه وأوثقوه على أن يقوموا بحاجة خمسة عشر ألف مقاتل من الفرسان منهم بدلا من الجزية، وأن لا يرسل الخليفة إلى معاقل أرمينا أمراء ولا قادة ولا خيلا ولا قضاة... وإذا أغار عليهم الروم أمدهم بكل ما يريدونه من نجدات. وأشهد معاويةُ الله على ذلك)). ([37])
ولا يتوقف حق أهل الذمة على دفع العدو عنهم، بل يتعداه إلى دفع كل أذى يزعجهم، ولو كان بالقول واللسان، يقول القرافي: "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام". ([38])
وواصل المسلمون بهدي من دينهم عطاءهم الحضاري حين تحولوا من آخذين للجزية إلى باذلين للمال رعاية وضماناً للفقراء من أهل الذمة، فقد روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير.([39]) وكان مما أمر به رضي الله عنه : "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه". ([40])
وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه". ([41])
أما إذا امتنع الذمي عن دفع الجزية مع القدرة عليها فإنه يعاقب، من غير أن تنقض ذمته، يقول القرطبي: "وأما عقوبتهم إذا امتنعوا عن أدائها مع التمكين فجائز، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم، لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه، ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء". ([42])
لقد أدرك فقهاء الإسلام أهمية عقد الذمة وخطورة التفريط فيه، وأنه لا ينقض بمجرد الامتناع عن دفع الجزية، يقول الكاساني الحنفي: "وأما صفة العقد (أي عقد الذمة) فهو أنه لازم في حقنا، حتى لا يملك المسلمون نقضه بحال من الأحوال، وأما في حقهم (أي الذميين) فغير لازم". ([43])
رابعاً : شهادة المؤرخين الغربيين
ولسائل أن يسأل : هل حقق المسلمون هذه المثُُل العظيمة ، هل وفوا ذمة نبيهم طوال تاريخهم المديد؟ وفي الإجابة عنه نسوق ثلاث شهادات لغربيين فاهوا بالحقيقة التي أثبتها تاريخنا العظيم.
يقول ولديورانت: "لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زيّ ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص باختلاف دخله، وتتراوح بين دينارين وأربعة دنانير، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية..ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف في المائة من الدخل السنوي، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم..." ([44])
يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه "الحضارة الإسلامية": "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار". ([45])
ويقول المؤرخ سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" موضحاً الغرض من فرض الجزية ومبيناً على مَن فُرضت: "ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين - كما يردد بعض الباحثين - لوناً من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين".
وهكذا تبين بجلاء ووضوح براءة الإسلام بشهادة التاريخ والمنصفين من غير أهله، ثبتت براءته مما ألحقه به الزاعمون، وما فاهت فيه ألسنة الجائرين.(10/394)
هذا والله أسأل أن يشرح صدورنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
------------
([1]) سورة التوبة : 29 .
([2]) الجامع لأحكام القرآن (8/114)، المغرب في ترتيب المعرب (1/143)، وانظر مختار الصحاح (1/44).
([3]) سورة التوبة : (29) .
([4]) الجامع لأحكام القرآن (8/72).
([5]) انظره في إرواء الغليل ح (1255).
([6]) رواه الترمذي في سننه ح (623)، وأبو داود في سننه ح (1576)، والنسائي في سننه ح (2450)، وصححه الألباني في مواضع متفرقة ، منها صحيح الترمذي (509).
([7]) مشكاة المصابيح ح (3970)، وصححه الألباني.
([8]) الممتحنة ( 8 ).
([9]) رواه مسلم برقم (2553) .
([10]) رواه أبو داود في سننه ح (3052) في (3/170) ، وصححه الألباني ح (2626)، و نحوه في سنن النسائي ح (2749) في (8/25).
([11]) رواه البخاري ح (2295) .
([12]) رواه مسلم ح (2613)
([13]) الجامع لأحكام القرآن (8/115) ، وتفسير الماوردي (2/351-352).
([14]) طبقات ابن سعد (1/266) .
([15]) الفروق (3/14-15)
([16]) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 266) .
([17]) تاريخ الطبري (4 / 449) .
([18]) انظر: تاريخ الطبري (4/ 449).
([19]) فتوح البلدان للبلاذري (128) .
([20]) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (68) .
([21]) تاريخ الطبري (2/503).
([22]) المغني (9/290)، أحكام أهل الذمة (1/139).
([23]) رواه البخاري برقم (1392) في (3/1356).
([24]) الخراج (9).
([25]) فتوح البلدان (156).
([26]) فتوح البلدان (132).
([27]) قوانين الأحكام الشرعية (176).
([28]) اختلاف الفقهاء (233).
([29]) مسند الشافعي (1/344).
([30]) الجامع لأحكام القرآن (2/246).
([31]) الأحكام السلطانية (143).
([32]) انظر: مغني المحتاج (4/253).
([33]) مطالب أولي النهى (2/602).
([34]) مجموع الفتاوى (28/617-618).
([35]) الفروق (3/14-15).
([36]) الخراج (135) ، وانظره في: فتوح البلدان للبُلاذري ، وفتوح الشام للأذري.
([37]) وانظر فتوح البلدان (210- 211).
([38]) الفروق (3/14).
([39]) الأموال (1/163).
([40]) تاريخ مدينة دمشق (1/178).
([41]) الأموال (1/170).
([42]) الجامع لأحكام القرآن 8/73-74.
([43]) بدائع الصنائع (7/112).
([44]) قصة الحضارة (12/131).
([45]) الحضارة الإسلامية (1/96).
==================
الإعجاز العلمي في حديث الأبهر
للأستاذ الدكتور/ مجاهد أبو المجد
في البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي
قال البخاري رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاه فيها سم.
وقد قال الإمام أحمد حدثنا حجاج ثنا ليث عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاه فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لي من كان هنا من اليهود" فجمعوا له، فقال لهم النبي "هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم؟"
فقالوا: نعم يا أبا القاسم
فقال: "هل جعلتم في هذه الشاه سماً؟"
فقالوا: نعم
قال: "ما حملكم على ذلك؟"
قالوا: "أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك وإن كنت نبياً لم يضرك".
وفى الصحيحين من حديث شعبه عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت أردت لأقتلك فقال "ما كان الله ليسلطك علي" أو قال: "على ذلك"
قالوا: ألا تقتلها
قال: "لا"
قال أنس: فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الزهري عن جابر واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفى منه فقال: (مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري) فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً.
قال ابن هشام الأبهر العرق المعلق بالقلب
قال فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
لسان العرب لابن منظور:
الأبهر: عرق في الظهر مستبطن الصلب والأبهر عرق إذا انقطع مات صاحبه والأبهر عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع لم تكن معه حياة.
التلخيص:
(1) أن امرأة تدعى زينب بنت الحارث قدمت شاه مصْلِيَّة مسمومة للرسول صلى الله عليه وسلم فأكل منها.
(2) أن الذراع أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة.
(3) أن الرسول أخبر في مرضه الذي توفى فيه أن هذا أوان انقطاع الأبهر منه صلى الله عليه وسلم من أثر الشاة المسمومة.
(4) إن كثيراً من علماء الأمة وسلفها يرون أن الرسول مات شهيداً وأن الله أنعم عليه بالشهادة بجانب النبوة.
(5) الأبهر: عرق يتصل بالقلب ويمر بالصلب والأبهر هو ما نسميه طبياً الأورطى.(10/395)
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن النبي بقى بعد هذا الحادث ثلاث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه: مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاه يوم خيبر فهذا أوان انقطاع الأبهر منى.
قال الزهري: فتوفى صلى الله عليه وسلم شهيداً.
من استعراض القصة في كتب السيرة تبرز لنا عدة أسئلة؟
السؤال الأول:
هل نستطيع أن نعرف نوع السم الذي وضعته زينب بنت الحارث للرسول صلى الله عليه وسلم في الشاة؟
هذا السم:
(1) يستخدم من آلاف السنين ومعروف في الجزيرة العربية.
(2) يظهر أثره في اللهوات كما قال أنس رضى الله عنه.
إذن ما هو السم الذي استخدم من آلاف السنين وتظهر علامته على اللهوات؟
اللهوات: قالت عائشة رضى الله عنها "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم" صحيح مسلم
اللهوات: جمع لهاة وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي.
وفى فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني في التعليق على حديث وفاة الرسول وقصة الشاة المسمومة التي قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر – يقول ابن حجر أما قول أنس فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم "فاللهوات جمع لهاة وهى اللحمة المعلقة في أصل الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان على منقطع اصل الفم وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور.
ومراد أنس رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الأكلة أحياناً وهو موافق لقوله في حديث عائشة "ما أزال أجد ألم الطعام".
ويقول ابن حجر ويحتمل أن يكون أنس أراد أن يعرف ذلك في اللهوات بتغيير لونها أو بنتوء فيها (قاله الطبري)
وفى صحيح مسلم بشرح النووي وأما اللهوات فبفتح اللام والهاء: جمع لَهات بفتح اللام وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك "قاله الأصمعي" وقيل اللحمات اللواتي في سقف الفم.
وقوله (مازلت أعرفها) أي العلامة كأنه بقى للسم علامة وأثر من سواد أو غيره.
من المعلوم طبياً في علم السموم أن السم الذي يترك أثراً على أصل الحنك واللثة هو المواد الثقيلة (Heavy metals) مثل الزرنيخ (Arsenic) والقصدير (Lead).
فهل استخدم الزرنيخ أو القصدير (Arsenic - Lead) منذ سنوات عديدة كسم زعاف – وهل يترك كلاهما أثراً على اللهوات؟
في: Human Health fact sheet
ANL, November 2001
Arsenic has been recognized from ancient times be poisonous.
الزرنيخ منذ العصور القديمة يستخدم كمادة سامة.
هل يترك القصدير أو الزرنيخ أثراً على اللهوات؟
* Brit. Med. J 3(5666) 336-7, 1969
(Lead poisoning in soldiers in Hong Kong)
clinical finding include blue lines on the gum.
ظهور خط أزرق في اللثة بالفم نتيجة التسمم بالقصدير.
* Journal of the society of Occupational Medicine, Vol 40, No. 4 pages 149-152, 28 references, 1990
Arsenic trioxide could cause gingival ulceration and gum discoloration.
الزرنيخ يؤدى إلى التهاب وتغير في لون اللثة.
يتضح بعد هذا التفصيل أن القصدير والزرنيخ تؤدى إلى تغير في لون اللثة واللهاة كما تؤدى إلى التهابات بالفم واللثة واللهاة.
بعد هذا الشرح نستنتج الآتي:
(1) من المرجح أن يكون الزرنيخ أو القصدير أو كليهما قد استخدم في تسميم الشاة المصلية التي قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر.
(2) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تناول السم فعلاً.
السؤال الثاني:
هل يؤثر التسمم بالزرنيخ أو القصدير على الشريان الأبهر؟
* Bulletin of Environmental contamination and toxicology Vol. 31, No. 3 pages 267-270, 1983.
The accumulation of arsenic (AS) compounds was studied in human tissues. The highest mean total AS concentration occurred in the aorta.
* Journal of Nutrition, Vol. 96, No. 1 pages 37-45, 1968.
Large amounts of AS accumulated in tissues especially red cells and aorta.
كمية كبيرة من الزرنيخ تتجمع في الأبهر.
Toxnet web site:
During exposure to lead the concentration is relatively high in soft tissues especially aorta.
أي أن القصدير أيضاً يتجمع بنسبة عالية في الشريان الأبهر.
ومن هذا يمكننا أن نستنتج بوضوح أن كلاً من القصدير والزرنيخ يتركزان بكمية كبيرة في الشريان الأبهر.
السؤال الثالث:
هل تتشابه أعراض المرض الذي توفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انقطاع الأبهر؟
بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول وبدأ بأن اشتكى بوجع في رأسه – قالت عائشة رضى الله عنها رجع عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وارأساه قال "بل أنا وارأساه": قال: (ما ضرك لو مت قبلي فغسّلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك) رواه أحمد وابن ماجه.(10/396)
وكانت عائشة رضى الله عنها تحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه "هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أعهد إلى الناس" رواه البخاري ومسلم.
قالت عائشة ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم (البخاري ومسلم).
وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله – إنك لتوعك وعكاً شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم" البخاري ومسلم
وعن أنس رضى الله عنه قال لما ثقل المرض على النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة واكرب أباه، فقال لها "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" رواه البخارى
يقول العباس رضى الله عنه: "وكنت إذا لمسته ضربتني الحمى"
ومن استعراض هذه الروايات يتضح لنا الآتي:
(1) أن الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب بحمى وارتفاع شديد في درجة الحرارة.
(2) أنه كان يوعك وعكاً شديداً ويتألم ألماً شديداً.
(3) كان يتصبب عرقاً من شدة ارتفاع درجة الحرارة.
(4) كان صلى الله عليه وسلم يغشى عليه لما ثقل عليه المرض.
العلامات والأعراض الإكلينيكية لانقطاع الأبهر:
Signs and symptoms of Aortic dissection:
1. chest pain آلام في الصدر
sudden, severe, stabbing tearing حادة - شديدة
2. decreased movement صعوبة الحركة
3. pallor اصفرار الوجه
4. profuse sweating عرق شديد
- لاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكاً شديداً.
- وكان يحمله العباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما.
الخلاصة:
أن أعراض مرض وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تتشابه مع أعراض انقطاع الأبهر إلى حد كبير.
السؤال الرابع:
أ- هل عرف النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله؟
ب- منذ متى عرف مرض انقطاع الأبهر؟
ج- من الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المرض؟
أ- بشر النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله في آيات عدة من القرآن الكريم منها قوله تعالى "إنك ميت وانهم ميتون" الزمر30 وقوله سبحانه "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت" الأنبياء 34،35.
"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" آل عمران 144 وقوله "إذا جاء نصر الله والفتح ...) سورة النصر.
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال "أنزلت هذه السورة "إذا جاء نصر الله والفتح" على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع ) سنن البيهقي.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن عمر رضى الله عنه سأل الصحابة عن قوله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح" قالوا فتح المدائن والقصور قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال "أجل أو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ينعي له نفسه" البخاري.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتهاً مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "مرحباً يا بنيتي" ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها لم تبكى؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت فقالت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلى "أن جبريل كان يعارضني القرآن مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي ، وأنك أول أهل بيتي لحاقاً بي" فبكيت فقال "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين" فضحكت لذلك (البخاري ومسلم).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: "إن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله" قال "فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وكان أبو بكر آنذاك أعلمنا" البخاري ومسلم.
وتقول عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخير" فلما اشتكى ورأسه على فخذ عائشة غشى عليه فلما أفاق شخص ببصره نحو سقف البيت ثم قال "اللهم الرفيق الأعلى" فقلت إذاً لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح" البخاري
ب- وهكذا يتضح لنا في نهاية هذا المبحث أن الرسول كان يعلم قرب أجله وأنه خيّر بين الخلد في الدنيا ولقاء الله فاختار صلى الله عليه وسلم لقاء ربه وأن الله أخبره بأن السم الذي دس له في شاة زينب بنت الحارث اليهودية قد سبب انقطاع الأبهر.
http://www.science4islam.com/index.aspx?act=da&id=349
الخلاصة:
(1) أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة مادية بأن جعل الذراع يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مسموم.
(2) أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة علمية شاهدة على صدق نبوته وعلى أنه لا ينطق عن الهوى.
الإعجاز العلمي في الحديث:(10/397)
1- معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لمرض انقطاع الأبهر بأكثر من ألف عام لمعرفة العلماء لهذا المرض.
2- إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن التسمم يسبب مرضا للأبهر وهذا لم يعرف إلا حديثاً ومازال لا يذكر في معظم كتب أمراض القلب.
3- أن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقرب أجله وأخبره بسبب الوفاة إذ لم يعرف هذا المرض بصورة قاطعة إلا في القرن التاسع عشر.
4- احتجام الرسول بعد أن طعم السم من ذراع الشاة يحتاج إلى بحث عن تأثير الحجامة على علاج بعض السموم
================
شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله
هذا الحديث يدعي به عباد الصليب ان الرسول كان مزواجا وكان يأخذ النساء كرها ويزيدون على ذلك كثيرا
حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن غسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبي أسيد رضي الله عنه قال
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلسوا ها هنا ودخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال هبي نفسك لي قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها
وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا عبد الرحمن عن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا
فأريد من اهل الاختصاص ذكر الرد المتين ان شاء الله
بارك الله فيكم
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اخي الدكتور المحترم
الحقيقة انني بحثت جيدا فوجدت الحديث لدى البخارى واحمد ولم اجده عند مسلم والترمذي والنسائي وابي داود وابن ماجه ومالك والدارمي والبحث طبعا كان اليكترونيا في الاقراص الضغوطة .
في كتاب فتح الباري , وفي معرض شرحه للحديث اورد حديثا اخر وهو :
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِى قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِى أَى أَزْوَاجِ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِى بِأَهْلِكِ.
فهي زوجته شرعا ، اما " هبي لي نفسك " فعلى الارجح انها دعوة الرجل لزوجته بلغة العرب والله أعلم.
اما الحقي بإهلك ، فهي حصراً تعني الطلاق بلغة العرب والشواهد على ذلك كثيره.
فهوببساطة طلق زوجته وليس بذلك اي شبهة ، واذا رجعت لفتح الباري فستجد ان صفات هذه المرأة لا تليق أن تكون زوجة لرسول الله ، لذلك طلقها رسول الله
مع تحياتي
أبو عبيده كتب في
بسم الله الرحمن الرحيم
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ) الأنبياء 18
صدق الله العظيم
السيدات و السادة , لا يزال أعداء الدين يغزلون غزلهم العفن حول قضايا لا توجد فى الحقيقة إلا فى كتابهم الذى نسجها بدوره فى مخيلاتهم و صدورهم , فأصحبت الصدور تنضح بكل عِفن و نَجِس .
و يكفينا فى رد هذا العفن , تبويب البخارى فى صحيحه !!
ذكر البخارى هذا الحديث تحت عنوان :
باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟
و أعتقد أن اسم الباب فقط كافٍ لرد الشبهة , فالجونية و هى أميمة بنت النعمان كانت زوجة له و لكنه طلقها , فكانت المروءة و حسن الخلق من سيد الخلق ضاربة أجساد المشككين عرض الحائط جاعلة إياهم ثالث ثلاثة !!
فالجونية هى أميمة بنت النعمان بن شراحيل , قال الحافظ بن حجر فى شرحه للحديث :
والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل كما في حديث أبي أسيد . ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى - باب باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟ )
و تزوجها عليه الصلاة و السلام و لكنه فارقها .
قال الأوزاعي : سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟ قال : أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك ، فقال لها : ( لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك ) " . ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى - باب باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟ )(10/398)
قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج الجونية . ( المصدر السابق )
و قال الحافظ ابن حجر فى شرحه :
وأميمة كان قد عقد عليها ثم فارقها .
و نضيف رواية أخرى فى طبقات ابن سعد أوردها الحافظ ابن حجر لكى تكون القشة التى نفقع بها عين الحاقد ان شاء الله و هى عن أبى أسيد أيضا راوى حديث البخارى و لله الحمد و المنة :
قال الحافظ : عن أبى أسيد قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني الجون فأمرني أن آتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي ونحن معه . وذباب بضم المعجمة وموحدتين مخففاً جبل معروف بالمدينة ، والأطم الحصون وهو الأجم أيضاً والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق ن و في رواية لابن سعد أن النعمان بن الحصون وهم الأجم أيضاً والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق ، وفي رواية لابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فقال : ألا أزوجك أجمل أيم في العرب ؟ فتزوجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي ، قال أبو أسيد : فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها . ( المصدر السابق )
فهى كانت زوجته , و هذة هى النقطة الأولى التى أردنا اثباتها , و ليمت الكافر حقدا و غيظا!!!
فالقصة واضحة , و هو أنه لما دخل عليها النبى عليه الصلاة و السلام علم أنها كانت قريبة عهد بالجاهلية و لم تعلم قدره فتصرفت ذلك التصرف المنفر , فكان سيد البشرية , أرحم البشر على الإطلاق , رحيما بها , مقدرا لمشاعرها و عاذرا لها لعدم علمها بهذا الشرف المحصول من زواجها منه
قال الحافظ ابن حجر :
قوله : " هبي نفسك لي " إلخ السوقة بضم السين المهملة يقال للواحد من الرعية الجمع ، قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي ، قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائناً من كان ، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكاً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم لربه . ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذورة لها لقرب عهدها بجاهليتها .( المصدر السابق )
و لهذا أراد نبى الرحمة أن يطمئنها و أن يبعث السرور فى نفسها , فأمال يده الشريفة إليها و شرع فى ملاطفتها و مداعبتها لعلها تراجع نفسها .
قال الحافظ :
قوله : " فأهوى بيده " أي أمالها إليها .... ويكون قوله : ( هبي لي نفسك ) تطيباً لخاطرها واستمالة لقلبها .( المصدر السابق )
إلا أنها كانت لا تعي هذا القدر و هذا الشرف فى زواجها منه فقالت ما جعل النبى يشعر بأنها لا تريد هذا الزواج . فكان الرحيم صلى الله عليه و سلم مثلا يحتذى به فى احترام رغبة الأخر , اذ قال عليه الصلاة و السلام لها : أمن عائذ الله ( رواية ابن سعد - فتح البارى فى شرح الحديث ) .
و لم تتوقف الرحمة المهداة الى ذلك الحد , بل تجاوزت الحد و رب الكعبة !!
إذ طلقها النبى عليه الصلاة و السلام و متعها و أهداها , دليلا منه على حسن وفائه بعهده , و على بره و كرمه و رحمته اللامتناهية .!!!
قال الحافظ ابن حجر : قوله : " ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد اكسها رازقيين " براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به ، والرازقية ثياب من كتان بيض طوال قاله أبو عبيدة . وقال غيره : يكون في داخل بياضها زرقة ، والرازقي الصفيق . ( المصدر السابق )
قال ابن التين : متعها بذلك إما وجوباً وإما تفضلا . ( المصدر السابق )
قال ابن المنير : ان ذلك ثبت في حديث عائشة أول أحاديث الباب. ( المصدر السابق )
ثم عقب الحافظ قائلا : فيحمل على أنه قال لها : الحقي بأهلك ، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له : ألحقها بأهلها ، فلا منافاة ، فالأول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو أن يعيدها إلى أهلها ، لأن أبا أسيد هو الذي كان أحضرها كما ذكرناه .
فهل يجرء حاقد أن يسمى هذا الخلق الا خلق نبي بعث رحمة للعالمين !! و لو كان النبى عليه الصلاة و السلام محبا للدنيا و لذاتها كما يدعى عباد الدنيا من النصارى الحاقدين , ما كان ليطلقها و هى التى كان يحكى بجمالها فى أرض العرب !!
ووقع في رواية لابن سعد " عن أبي أسيد قال : فأمرني فرددتها إلى قومها "( المصدر السابق )
و هذة المرأة ليست من أمهات المؤمنين , فأمهات المؤمنين هم الذين تزوجهم النبى و عاشرهم و ضرب عليهم الحجاب و عرفوا بأمهات المؤمنين و مات النبى و هم كذلك .(10/399)
وقد أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله ، فكتب إليه : ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كندية إلا أخت بني الجون فملكها . فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها . ( المصدر السابق )
و لو يعلم الحاقدون كم ندمت هذة المرأة على ما فعلته مع حضرة رسول الله لخنسوا كما يخنس الخناس !!
قال أبو أسيد لما رد الجونية الى قومها :
فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا : إنك لغير مباركة ، فما دهاك ؟ قالت : خدعت . قال أسيد : فتوفيت في خلافة عثمان . ثم قال : وحدثني هشام بن محمد عن أبي خثيمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمداً ( فتح البارى نقلا عن ابن سعد فى الطبقات ) .
فاخسئوا أعداء الله فلن تعدوا قدركم
==============
إقرار الله تعالى لمحمد ولدعوته واستجابة دعائه
من أدلة صدق النبي ( إقرار الله لدعوته ؛ فإن الله تعالى أخبر أن محمدا لو تقوّل على ربه شيئا من الأقاويل لأهلكه ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ()لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ()ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ()فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( [الحاقة:41-47]، وقال سبحانه ( قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ( [طه:61]، وقال تعالى: ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ([يونس:69]، وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ([الزمر: 3]، ولكن النبي ( ما خاب بل هُدي وأفلح في كل المجالات، ودينه أعظم الأديان في الأرض وأكثرها انتشارا.
وقد قرر ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذا الدليل أوضح تقرير ، فقال - رحمه الله - : (وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمدا ( قد شتمتم الله أعظم شتيمة .فعجب من ذلك وقال: مثلك يقول هذا الكلام ؟ فقلت له :اسمع الآن تقريره ؛إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم، قهر الناس بسيفه، وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا، وأُوحي إلي كذا ؛ولم يكن من ذلك شيء، ويقول إنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم، وغنيمة أموالهم، وقتل رجالهم، ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم، ونسخ شرائعهم؛فلا يخلو إما أن تقولوا : إن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه . أو تقولوا : إنه خفي عنه ولم يعلم به . فإن قلتم :لم يعلم به . نسبتموه إلى أقبح الجهل، وكان من عَلَم ذلك أعلم منه ،وإن قلتم : بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه . فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ،فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره، ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته، ويجيب دعاءه، ويمكنه من أعدائه، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له، فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء، فضلا عن رب الأرض والسماء ،فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه ، وهذه عندكم شهادة زور وكذب ،فلما سمع ذلك قال :معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق، من اتبعه أفلح وسعد . قلت :فما لك لا تدخل في دينه؟ قال: إنما بعث إلى الأميين الذين لا كتاب لهم ،وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه . قلت له : غُلبت كل الغلب؛ فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر إنه رسول الله إلى جميع الخلق، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به ، فأمسك ولم يحر جوابا.)(268) .
ومثال هذا (لو أن حاجب الأمير قال للناس :إن الأمير قد أمركم بفعل كذا وكذا . فإن الناس يعلمون أنه لا يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته ، فكيف إذا كان بحضرته)(269)وبعلمه .(10/400)
وكان النبي ( لا يكاد يدعو بدعاء إلا استجاب الله تعالى له في الحال، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ :أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ( قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ ( قَائِمًا ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا . فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ :« اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ». قَالَ أَنَسٌ :وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ(270) مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ ،قَالَ :فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا-وفي رواية : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ( - ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ ( قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ :فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ :« اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ». قَالَ : فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنِ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ ،فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ(271)، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ )(272).
إلى غير ذلك من الأدعية الكثيرة جدا، التي استجاب الله له فيها بالحال ، وهذا لا يمكن أن يتيسر لكاذب، بل لا يكون إلا لصادق مؤيد من الله،فيطوع له الطبيعة، ويسخر له السحاب والأمطار .
(267) هذان دليلان (الإقرار – الاستجابة) ولكن جمعتهما للاختصار .
(268) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية (ص:87)، نشر الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية .
(269) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/483) تحقيق د.علي بن ناصر وآخرين ، الرياض، دار العاصمة، ،الطبعة الأولي،1414.
(270) اسم جبل في المدينة.
(271) الجوبة : الحفرة المستديرة الواسعة ، وهي أيضا فجوة ما بين البيوت . المعجم الوسيط (1/150) ( ج و ب )
(272) متفق عليه (البخاري: كتاب الجمعة ، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل، رقم :1014، ومسلم :كتاب صلاة الاستسقاء،باب الدعاء في الاستسقاء،رقم:897
================
مريم القبطية و ريحانة
السلا م عليكم
في احدى مناقشتي مع أحد البهائيين حول الغزوات بين الآسلام و اليهودية و لما أحرج الخصم دكر لي باشارة بسيطة مريم القبطية و ريحانة .نعم أنا أعرف انه يقصد أن النبي دخل بمريم دون عقد كما يتوهمون و قد قلت في هدا المنتدى المبارك أن حسب الشريعة مهر المرأة عتقها و بالتالي لما كان النبي سببا في عتقها فداك صداقها .المهم أنا لم أسمع بريحانة هاده أي أريد من فضلكم قصة مجملة عن حياتها و سوف أقوم ان شاء الله بالرد
هي ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني قريظة.
كانت ذات جمال بارع، سبيت مع سبايا بني قريظة سنة خمس للهجرة، واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وأرسلها إلى منزل أم المنذر بنت قيس ثم عرض عليها الإسلام، فأسلمت، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجها، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية، وأعرس بها في بيت أم المنذر، وضرب عليها الحجاب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بها، وكانت لا تسأله إلا أعطاها، وكان يستكثر منها، وظلّت عنده حتى ماتت بعد عودته من حجة الوداع فدفنها بالبقيع وصلى عليها
==============
في حكم سب النبي
قبل أن يقول أحد أن هذا الحديث غير صحيح فهو في سنن أبى داوود كتاب ال38 كتاب الحدود والنسائي وصححه الألباني عشان محدش يدور كتير وهذا نصه(10/401)
عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا اشهدوا أن دمها هدر
والعلم هذا الحديث موجود بالعربي والإنجليزي على مواقع كثيرة يتهكمون فيها على الإسلام ولم يرد أحد
بصراحة أنا صدمت لما قريته وقلت ده أكيد ضعيف لكن كما قلت هو صحيح روله أبوا داوود والترمذي وصححه الألباني
والحديث إست خدمة الفقهاء للدلالة على استباحة دم الساب لرسول الله (كما في حادثة الدينمارك مثلاً)
بسم الله والصلاة والسلام على الرسل أجمعين
أولاً : الحديث حسن صحيح رجاله رجال مسلم ولا مجال لغمز السند من خلال عثمان الشحام فقد وثق
ثانياً : أحب ان أوضح أن سب الله عزوجل ورسله عقوبته القتل والموت فى كتاب القوم
لنراجع العهد القديم
سب الأنبياء يوجب القتل واللعنه:
ه 23 ثم صعد من هناك الى بيت ايل . وفيما هو صاعد في الطريق اذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة وسخروا منه وقالوا له اصعد يا اقرع . اصعد يا اقرع .
24 فالتفت الى ورائه ونظر اليهم ولعنهم باسم الرب . فخرجت دبّتان من الوعر وافترستا منهم اثنين واربعين ولدا .
(الملوك 2 الإصحاح 2)
كان يسب دواد فهم ابيشاي بقتله فقال له دعه الله أمره بهذا:
9 فقال ابيشاي ابن صروية للملك لماذا يسب هذا الكلب الميت سيدي الملك . دعني اعبر فاقطع راسه .
10 فقال الملك ما لي ولكم يا بني صروية . دعوه يسب لان الرب قال له سبّ داود ومن يقول لماذا تفعل هكذا .
(صموئيل 2 الإصحاح 16)
من سب الله يرجم:
11 فجدّف ابن الاسرائيلية على الاسم وسبّ . فأتوا به الى موسى . وكان اسم امه شلومية بنت دبري من سبط دان .
12 فوضعوه في المحرس ليعلن لهم عن فم الرب
13 فكلم الرب موسى قائلا
14 اخرج الذي سبّ الى خارج المحلّة فيضع جميع السامعين ايديهم على راسه ويرجمه كل الجماعة .
15 وكلم بني اسرائيل قائلا كل من سبّ الهه يحمل خطيته .
16 ومن جدف على اسم الرب فانه يقتل . يرجمه كل الجماعة رجما .
(سفر اللاويين الإصحاح 24)
13 وأتى رجلان من بني بليعال وجلسا تجاهه وشهد رجلا بليعال على نابوت امام الشعب قائلين قد جدف نابوت على الله وعلى الملك . فاخرجوه خارج المدينة ورجموه بحجارة فمات .
(سفر الملوك الأول الإصحاح 21)
من سب والديه يقتل فكيف بالأحرى الأنبياء:
9 كل انسان سبّ اباه او امه فانه يقتل . قد سبّ اباه او امه . دمه عليه
(سفر اللاويين الإصحاح 20)
وأما فى العهد الجديد
من سب الله عزوجل لايغفر له ومن سب الروح القدس كذلك:
31 لذلك اقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس . واما التجديف على الروح فلن يغفر للناس .
32 ومن قال كلمة على ابن الانسان يغفر له . واما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي .
(متى الإصحاح 12)
ثالثاً : لا تغتر بالعقل وما يقبله أو يرفضه فى الحكم على الأمور
يقول تعالى:
(يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) المائدة 54
وقال تعالى :
(أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ }التوبة13
أولاً:
دعنى أسألك قبل أن أجيبك هل ما يهمك هو الحق و اتباعه ام ما يهمك هو ان يكون فى ديننا قابلية النفاق و المداهنة ليرضى عنا اليهود و النصارى؟
فإن كان ما يهمك هو الحق فاتلوا قوله تعالى ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}
وإن كل ما تريده هو ان تجد فى نصوص شريعة الفرقان ميوعة ترضى بها الكافرين فاقرأ قوله تعالى {و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم }
فهذا الأجنبى الذى جاءك بذلك الحديث من بين الاف الاحاديث ، ألم يمر على الأحاديث التى تشمل مئات امثلة رحمة النبى بالمؤمنين و غيرهم ، بالصغير و الكبير ، بالإنسان و الحيوان و الجماد؟
ألم يمر بمئات النصوص التى تحكى معجزاته و أياته البينات؟
ألم يمر بوصفه و اخلاقه و ورعه و أتباعه و عظائم شرائعة الغراء؟(10/402)
بلى و الله، هم يعلمون ذلك لكنهم لا يؤمنون و يريدون مشاقاة الله و رسوله بكفى الوسائل ، فواجبك كمسلم لا أن تبحث فى تضعيف حديث صحيح بل أن تفهم الفهم الصحيح و تبلغه بفخر و عزة بدينك ، و من اهتدى فلنفسه و من تكبر فما حال ابليس منا بمنسى!
انان أسألك الأن كرجل يؤمن بالله و رسوله ، حين تسمع مجرم مثل زكريا بطرس ـ أو ناهد متولى او غيرهم من كلاب الكفر يسبون رسول الله و يصدون عن سبيله و يسخرون منه؟
ما هو شعورك تجاه هؤلاء و ما الموقف الذى يمليه عليك إيمانك؟ هل تتسامح مع هؤلاء باسم حرية التعبير؟
بلى و الله بل نسأل الله ان ينتقم منهم و يرينا فيهم عجائب قدرته و لو كنا فى دولة الاسلام لنال أمثال هؤلاء ما يستحقون حقاً، فحرية الاعتقاد لا شأن لها بسب رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثانياً:
دعنى أسألك من يسب رسول الله ما الذى يهدف إليه من وراء هذا السب إلا الوصول لاطفاء نور الله و صد الناس عن معرفته و التكذيب بكلامه و شرعته و الدعوة لعبادة غيره من دونه؟
فهم يهدفون من سب رسول الله إلى سب الله و محاربته فاستحق من يقدم على ذلك القتل لا محالة
ثالثاً:
كيف ترى فى قوم يسبون رجل قال عنه تعالى
{محمد رسول الله}
{وإنك لعلى خلق عظيم)
{و الضحى و الليل إذا سجى ما ودعك ربك و ما قلى}
{ وإن لك لأجر غير ممنون}
و قال تعالى متوعداً من يؤذون رسول الله
{إلا تنصروه فقد نصره الله}
{إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}
{وما كان لكم أن تؤذوا رسول}
{ إن شانئك هو الأبتر}
فوالله لا يؤمن احدنا حقاً حتى يكون الله و رسوله أحب إليه من ماله و ولده و الناس أجمعين
رابعاً:
أنت ذلك الحديث الذى تعترض عليه ، هو من دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ من أين له أن يعلم صدق الرجل و لعله قال هذا ليتخلص من العقاب و مع ذلك أكد النبى أن المراة دمها قد هدر ، و هذا جزم فى أمر غيبى لا يعلم إلا بالوحى، و لو كان الرجل نفى ذلك بعد ادعاءه لطعن فى مصداقية رسول الله صلى الله عليه و سلم و حاشاه ، و هو الصادق المصدوق الأمين
خامساً
ان النبى لم يأمر بقتل المرأة بهذه الطريقة و إنما فعل ذلك الصحابى غضبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم حتى و إن كان الثمن أهل بيته و هذا قمة البذل و الصدق، وإنما أقر النبى صلى الله عليه و سلم قتلها و لم يأمر بأن يكون القتل بهذه الطريقة أصلا
سادساً
أن الرجل لم يكن يعلم أن المرأاة حامل لاسيما و أن الطفل هو ابنه ولا يقتل أحد ابنه عمداً بل سقط الطفل منها بعد أن قتلها و لم يتعمد قتله و لم يعلم بهبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أشرف الخلق و أكرم الخلق و أرحم الخلق ، و كيف لا ؟ و هو الذى لا ينطق عن الهوى.
ألا فليعلم كل مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، و ليعلم كل مسلم أن الله هو الحق المبين ، فما قاله أو بلغ عنه رسوله هو الحق الذى لا مراء فيه ، و هو الخير الذى لا شر فيه و هو الطيب الذى لا خبيث فيه .
أخى محمود ، تقول " وبعدين إحنا بنقول إن الإنجيل فيه عنف غير مبرر فهل هذا يبرر الحديث لأ (1) المفروض الإسلام أحسن ولا إيه " ، و أقول : يا رحمك الله ، اعلم أن الحسن هو ما جاء به الإسلام ، و ليس كل ما رأيناه حسنًا هو الإسلام . ذلك أن الله هو ذو الأسماء الحسنى و الصفات العلى و ما يتكلم به أو يخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه لا يكون إلا حسنًا ، و أن ما نراه حسنًا ليس بواجب أن يكون حسنًا و ما نراه فحشًا ليس بواجب أن يكون فاحشًا.
فيارحمك الله ، خذ بنصيحتى ، فإن الله امتدح فى كتابه قومًا قالوا فيما اشبته عليهم من كتاب الله " ءامنا به كل من عند ربنا " و سماهم الراسخون فى العلم ، فقال " و الراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا " ، فلتكن إذا هذه الآية هى منطلقك و ليكن منتهاك التعليل الشرعى و العقلى، فإن لم تجد ، فليكن منطلقك كمنتهاك " ءامنا به كل من عند ربنا " و لتصبر حتى يرزقك الله علما نافعا و إجابة شافية من أهل العلم الكرام .
كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول لتلميذه ابن القيم فيما أثر عنه، ما معناه " إذا مرت عليك الشبهات ، فليكن قلبك كالزجاجة المصمتة ، تمر عليك فتراها و لا يعلق منها شىء فى قلبك " ا.هـ بتصرف .
الجواب الكافى
نأتى لجواب شبهتك إن شاء الله ، فنقول مبتدئين ببسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين :
شبهتك غير واضحة ، فما فهمته أولا أنه اشتبه عليك قتل من سب النبى صلى الله عليه وسلم ، و أقول لك : ذلك حكم الله ءامنا به كل من عند ربنا . بل أكثر من ذلك ، فإن أهل العلم قالوا أن من سبّ الله يقتل إلا أن يتوب ، و من سبّ النبى صلى الله عليه وسلم يقتل و إن تاب و يبعث على نيته .(2)(10/403)
و أقول : إن النبى صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أولادنا و آبائنا و أمهاتنا اللاتى ولدتنا ، و معلوم أن حب النبى صلى الله عليه و سلم أكثر من النفس و الولد مأمور به .
و أقول : أننا لا نتعصب لشخص ، بل القتل حكم الله فيمن سب أى واحد من أنبياء الله سواء بسواء.
و أقول : ذلك الحكم أيضًا عندهم فى كتابهم و قد سبق ذكره من قبل أخونا " أنا مسلم " بارك الله فيه. بل إن الحكم عندهم أغلظ ، إذ يدخل فيه من سب الآباء و الأمهات ، كما سبق بيانه.
____
و ما فهمته ثانيا أنه اشتبه عليك قتل الطفل الصغير ، و ما ذنب ذلك الطفل. و أقول لك : إن تماشيت معك فى أن الطفل قد مات و سيأتى تفصيله إن شاء الله ، فإن الرجل ما قام ليقتل طفله ، بل قتل امرأته و لم يقصد قتل الطفل . فإن قلتَ : فكيف يقتلها و هو يعلم أن فى بطنها طفلا منه ؟ قلتُ لك : لعله الغضب غيب عقله و هو كثيرا ما يحدث ، و هو مبحث شرعى مهم فى الطلاق ، هل غاب عقل الرجل بغضب أم لا و هو يطلق امرأته ؟ أو لعله لم يعلم أن فى بطنها طفلا ، فربما كانت فى بدايات الحمل حيث لا تعلم هى و لا هو أن فى بطنها طفلا ، فلما انغرس المغول فى بطنها نزل السقط ، و سمى طفلا تجاوزا باعتبار ما كان ليكون عليه . فإن قلتَ : فكيف لا يوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله لها و فى بطنها طفلا منه ؟ قلتُ لك : إن الرجل لم يذكر للنبى صلى الله عليه و سلم أنها كانت حبلى منه ، فإن قلت : فلم لم يخبره الوحى؟ قلتُ لك : لأن قتل النفس التى حرم الله قتلها بغير ذنب منصوص عليه لا يحتاج لبيان فى كل موضع ، فضلا عن أن عدم ذكره فى الحديث لا يعنى عدم حدوثه ، فلعل النبى صلى الله عليه وسلم فعل - و هو كذلك إن علم إن شاء الله و مات الطفل حقا إذ أنه هو من بلغ عن ربه حرمة قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق - و لكن الذى وصل إلينا هو الغاية من الحديث و هو قتل ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن أن يكون الطفل مات حقًا و ذلك لم يحدث و لله الحمد ، فكل ما سبق مبنى على افتراض واهٍ فى الأصل .
مبحث : هل مات الطفل حقا ؟
سؤال بسيط إجابته بالنفى قطعًا ، إذ أن الظاهر فعلا من الحديث أنه لم يمت كما حققه صاحب " عون المعبد شرح سنن أبى داود" ، و ذلك للقرائن الآتية :
الأولى : أن الحديث لم يذكر فيه أن الطفل مات ، مع أن الرجل ذكر كل محاسن المرأة .
الثانية : أن اللفظ لا يوحى أبدا بموت الطفل بل هو يحتمله احتمالا ضعيفًا إذ فيه " فوقع بين رجليها طفل ، و الأصل أن إطلاق لفظة " طفل " يقصد بها طفل حى ، إلا فى وجود قرينة ، و القرينة ممتنعة لأنه قال " فوقع " و هذه لفظة لا تدل على الموت إطلاقا .
الثالثة : إن لم يخنّى الفهم ، فإن ابن عباس قال " كانت له أم ولد " ولد واحد ، و فى نهاية الحديث قال الرجل " ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين " فجلعهما ابنان ، فهذه دلالة صريحة على كون الطفل لم يمت.
إلاأننى وجدت فى عون المعبود أن معنى "كانت له أم ولد " أن المرأة كانت كتابية ، و لم أفهم هل يقصد أن هذا هو المعنى الوحيد للفظ أم أنها دلالة يحتويها فى طياته بالإضافة للمعنى الأصلى أنها أم ابن له. فنرجوا الإفادة من الإخوة الكرام طلبة علم الحديث.
و إنّى لا أفهم أخى لماذا تقول أن الظاهر أن الطفل لم يمت ، فما القرائن التى اجتمعت لديك على ذلك ، خصوصا كما سبق التنبيه عليه أنه ليس فى الحديث أن الطفل مات و لعل عدم ذكر النسائى هذه الزيادة عند أبى داود " فوقع بين رجليها طفلا " دليل على ذلك . راجع سنن النسائى ، و لكنى أتوقع أنك إن قلت لهم ذلك ، قالوا بل عدم ذكر النسائى لهذه الجملة دليل على صحتها يريد أن يوارى الخطأ بها ، كبرت كلمة تخرج من أفواهم ، فليكن جوابك أن سند الحديث واحد عند أبى داود و النسائى غير أن النسائى لم يسمعه من عباد من موسى الختلى مباشرة بل بواسطة عثمان بن عبد الله.
ملحوظة : أنا لم أجد الحديث عند الترمذى ، فلعله سبق قلم منك ، فإن لم يكن فليتك تبين موضعه .
أخى ، نصيحة منى ، إياك أن تدخل حوارا مع أهل الباطل و ليس معك من الحق شىء ، فعليك بالعلم أولا ، اجلس إلى العلماء ، اسمع منهم و اسألهم ، فإنى تعجبت لما قلتَ أنك لمّا وجدت الحديث صدمت ، و كأنك لم تسمع به من قبل ، و هو حديث مشهور معلوم بين العوام قبل الخواص و طلبة العلم .
و أخيرا بالنسبة لك، اعلم أن عزو الحديث لأبى داود لا يدل على صحة الحديث ، ولا حتى سكوته عنه ، فكم من حديث سكت عنه أبو داود و هو ضعيف ، كما قرر ذلك العلامة الألبانى .
أخى فى الله " أنا مسلم " :(10/404)
لم أفهم قولك " الحديث حسن صحيح رجاله رجال مسلم ولا مجال لغمز السند من خلال عثمان الشحام فقد وثق" أولا : ماالذى قد يجعل المرء يضعف الحديث لأن فيه عثمان الشحام ؟ هل هو متكلم فيه ؟ فإن كان متكلم فيه و هو الظاهر من قولك " ولا مجال لغمز.......فقد وثق" فأفيدونا رحمكم الله و لمَ لم يلتفت للكلام فيه ؟ ثانيا : ما أعلمه و الله تعالى أعلم قول " رجاله رجال مسلم " ليس دليلا على صحة السند ، فإن من رجال الصحيحين من هو ضعيف لكن البخارى و مسلم ينتقون حديثه كابن أخت الإمام مالك على ما أذكر ، و الله تعالى أعلم .
===============
حادثة الإفك والعبر العظيمة
قال ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، عن نفسها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فكل قد دخل في حديثها، عن هؤلاء جميعا، يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه، وكل كان عنها ثقة، فكلهم حدث عنها بما سمع، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن معه،
فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق، لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي، ويحملونني فيأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به.
قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك، وجه قافلا، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا، فبات به بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي، فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي، ولا أدري فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي، فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه، فألتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خلافي، الذين كانوا يرحلون لي البعير، وقد كانوا فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه، كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أني فيه، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به، فرجعت إلى العسكر، وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس.
قالت: فتلففت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو افتقدت لرجع إلي.
قالت: فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وقد كان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف عليّ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأنا متلففة في ثيابي
قال: ما خلّفك، يرحمك الله؟
قالت: فما كلمته. ثم قرب إلي البعير
فقال: اركبي. واستأخر عني.
قالت: فركبت، وأخذ برأس البعير، فانطلق سريعا يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس، وما افتقدت حتى أصبحت، ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي
فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك، ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة، لا يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي، لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني، ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك، فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل عليّ وعندي أمي تمرضني .....
قال: كيف تِيكم؟ لا يزيد على ذلك.
قالت: حتى وجدت في نفسي فقلت: يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جفائه لي - لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني؟
قال: "لا عليك".
قالت: فانتقلت إلى أمي، ولا علم لي بشيء مما كان، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة، وكنا قوما عربا، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنما كنا نخرج في فسح المدينة وإنما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن .
فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم، خالة أبي بكر الصديق.
قالت: فوالله إنها لتمشي معي، إذ عثرت في مرطها
فقالت: تعس مسطح. ومسطح لقب، واسمه عوف.
قالت: فقلت: بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين، وقد شهد بدرا. قالت: أوَما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟!
قالت: قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك.
قلت: أوَقد كان هذا؟!
قالت: نعم والله لقد كان.
قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت، فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي.
قالت: وقلت: لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا؟!(10/405)
قالت: أي بنية، خفضي عليك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها، لها ضرائر، إلا كثرن، وكثر الناس عليها.
قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم، ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل؛ والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي".
قالت: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول، في رجال من الخزرج، مع الذي قال مسطح، وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضادني لأختها، فشقيت بذلك، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير:" يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج، فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم".
قالت: فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا، فقال: كذبت، لعمر الله، لا تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد بن حضير: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، قالت: وتساور الناس، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليّ.
قالت: فدعا علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله، ثم قال: يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل.
وأما علي فإنه قال: يا رسول الله، إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها.
قالت: فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا، ويقول: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فتقول: والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة شيئا، إلا أني كنت أعجن عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتي الشاة فتأكله. قالت: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة، إنه قد كان ما بلغك من قول الناس، فاتقي الله، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس، فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
قالت: فوالله إن هو إلا أن قال لي ذلك، فقلص دمعي، حتى ما أحس منه شيئا، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتكلما.
قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به ويصلى به، ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني؛ لما يعلم من براءتي، أو يخبر خبرا، وأما قرآنا ينزل فيّ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك.
قالت: فلما لم أر أبوي يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالا: والله ما ندري بماذا نجيبه.
قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام.
قالت: فلما استعجما عليّ، استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أني منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون، لا تصدقونني، قالت: ثم التمست اسم يعقوب، فما أذكره، فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف:"فصبر جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ"
قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده، ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننت لتخرجن أنفسهما، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس.
قالت: ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، قد أنزل الله عز وجل براءتك.
قالت: قلت: الحمد لله .
ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدهم .
وهذا الحديث مخرج في "الصحيحين" عن الزهري. وهذا السياق فيه فوائد جمة، وذكر حد القذف لحسان ومن معه رواه أبو داود في "سننه
================
من معجزات الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم(10/406)
أقول أن المعجزات في كتب النصارى لا يوجد سند واحد متصل لها , وكلها من أخبار الآحاد التي لا تثبت بها ولم نجد دليل واحد يثبت قطعاً أن تلك المعجزات قد حدثت أو صارت من الأساس , ربما هم يؤمنون بحدوث تلك المعجزات فقط لأنها وردت في الأناجيل أو الكتب السابقة , فنعود للسؤال الذي لا يجيب النصارى أو اليهود عليه , أين سند هذه الكتب , وكيف نثق أن ما في هذه الكتب صحيح ؟ من الذي نقل لنا هذه الكتب ؟ وكيف نثبت مثلاً أن مَتَّى الحواري هو كاتب إنجيل مَتَّى بالفعل بينما نجد أن ما في إنجيل مَتَّى ينفي كون الحواري مَتَّى هو كاتبه ؟ السؤال بإختصار شديد وبإلحاح أشد هو أين أجد سند متصل للكتاب المقدس ؟ هل أكرر السؤال مرة أخرى أم أن كلامي غير مفهوم للنصارى ؟ أقول السند المتصل أولاً هو ما رواه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه في جميع الطبقات , وحتى أقرب الأمر أكثر سنفترض أن أمر معين وقع قبل ثلاثمائة عام من الآن , وهذا الأمر هو أن زيد قد ضرب عمرو , وقد شاهد هذا الأمر جمع غفير من الناس وشاهدوا جميع الوقائع في هذه الحادثة ولنفرض أن عددهم ألف شخص مثلاً , وجاء عشرة من الناس وحكوا للناس عن ضرب زيد لعمرو ودونوه في الكتب , والألف شخص سمعوا العشرة وهم يروون هذه الحادثة وقرأوا ما كتبه العشرة , والذي أجمع الناس على صدقهم وحسن أخلاقهم وعدم نسيانهم في زمانهم فنقلوا هذه الحادثة للجيل القادم , فلو كذب واحد من العشرة لصدق التسعة ومعهم باقي الألف من الناس عن الواحد الذي غير في الرواية أو القصة , فهذا يستحيل معه الكذب أو النسيان ونستطيع التأكد من شهادة الناس كلهم بما حدث , وحكى الناس سواء من الألف الذين شاهدوها أو العشرة الذين شاهدوها ودونوها في الكتب هذه الواقعة لأبنائهم وأقاربهم وأصدقائهم فنقلوه للجيل القادم, ويستمر هكذا النقل من جيل إلى جيل وكل الرواة مشهود لهم بالعدل والصدق وحسن الحفظ والدين والأخلاق وهكذا , هنا نقول أن هذا يسمى سند صحيح متصل لا إرسال فيه ولا إنقطاع لا كذب فيه ولا تدليس , وهكذا نقل القرآن حفظاً في الصدور بين الأمة من جيل رسول الله إلى جيلنا نحن والقرآن يُدَّرس ويُحفَظ منقول من جيل إلى جيل بشهادة الجميع أنه هو هو ما سمعه من قبل ومن السابقين لم يتغير حرف لا بزيادة ولا نقصان ولا بضم أو فتح أو مد , فهذا بالنسبة للقرآن أما الحديث الشريف فقد حدث له كما شرحنا سابقاً في قصة زيد وعمرو , هل الأمر واضح الآن ؟ هل هذا المثال الطويل العريض واضح للنصارى ؟ النصارى مُصرين عندما يتحدثون عن الإسلام أن يأتوا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا تنطبق عليها الشروط السابق ذكرها , والمهم هنا وما أريد قوله أن هكذا صفات وشروط لا تنطبق أبداً ومن المستحيل تواجدها في أي كتاب من كتب النصارى وبالتالي مستحيل ثبوت أي معجزة من المعجزات لأي شخص كان إلا من مصدر آخر , ومصدر النصارى الوحيد هو الكتاب المقدس أي الأناجيل والعهد القديم , لكن عندنا نحن المسلمين كل كلمة وكل حدث له سند متصل وثابت عندنا وما لم يطابق شروطنا لا نعتمده , فلو قلنا أن زيد قد ضرب عمرو وقلنا هذا قد وقع فعلاً وله سند عندنا , فالعالم كله يصدق أن زيد قد ضرب عمر فعلاً , لماذا ؟ لأن المسلمين عندهم شهود وسند متصل من وقت ضرب زيد لعمرو حتى اللحظة التي يروى فيها أن زيد قد ضرب عمرو , وكل السند مدون عندنا وعندنا تاريخ الشهود ونسبهم وشهادة الناس لهم مما يستحيل معه الكذب والتغيير , وبناءً عليه فأنا أروي هاهنا القليل جداً من معجزات الرسول محمد بن عبد الله r وأضع هاهنا أربعين معجزة قد شهد الناس على حدوثها وعندنا السند لها ونعرف كل الرواة بلا إنقطاع ولا إرسال في السند فما نقول أنه حدث فقد حدث بالفعل ولا شك فقد شاهد ما نقوله الجمع الغفير وروى عنهم الجمع الغفير من الناس بعدهم ودونوا ذلك في الكتب وهكذا حتى وصلنا الحدث أو المعجزة التي نرويها فلا يستطيع رجل أن يبدل هاهنا أو يغير , أوحتى يجامل ويفخم ويبالغ في المعجزة كما فعل يوحنا في إنجيله وقال في يوحنا 21/25 هكذا :25 واشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست اظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة آمين (SVD) ولا أدري ما الذي يُؤَمِّن عليه يوحنا ؟ آمين على ماذا ؟ فهذه كما قلنا مبالغة شعرية قبيحة لا يقبلها عاقل ولا يوجد عندنا نحن المسلمين هذا الأمر ولكن نحن نروي ما حدث فعلاً لا كما نريد أن نروي ولكن كما حدث بلا مجاملة أو مبالغة .(10/407)
قال علماؤنا أن ما أمكن حصره من معجزات المصطفى r قد فاق الثلاثة آلاف معجزة , وأكثرها متواترة معنوياً ومتصلة السند وأعظمها كتاب الله القرآن الكريم , فهو ينفرد عن أي معجزة فعلها نبي أو رسول أنه المعجزة الخالدة الباقية حتى بعد وفاة النبي ولكل إنسان أن يطالعها في كل زمان , وفضلا عن ذلك فهو تحدي للعالمين أن يفعل مثل هذه المعجزة وهو مالم ولن يحدث كما أخبر رب العالمين .
فاقرأ بعض من معجزات الرسول r كما وردت في كتب الحديث والسيرة وسأذكر بعض المراجع , وأقول بعض وليس كل لمن أراد أن يراجعها ليعلم سند كل حديث ورواية وقد استعنت في نقل بعض من هذه المعجزات بكتاب إِظهار الحق للعلامة الجليل فضيلة الشيخ الكريم : رَحْمَتُ الله بِن خَليل الرَّحمََن الِكِيَرَانوي العُثْمَاني الهنِدي فجزى الله الشيخ خير الجزاء وغفر له ورحمه وتاب عليه وحشرنا وإياه مع الشهداء والصديقين اللهم آمين وكتاب إظهار الحق هو كتاب عظيم فيه فنٌ بليغ وعلم وفير وصاحبه متبحر فنان في هذا المجال وكتابه خال من اللغو والخلط أو الاستدلال الخاطئ , وفي نظري أنه لا كتاب في هذا المجال يعادل كتاب إظهار الحق وأن من خاض هذا المجال سواء في الرد على النصارى أو تفنيد الشبهات أو إثبات التحريف وغيره أو أي قضية من القضايا المثارة في هذا المجال ولم يقرأ كتاب إظهار الحق فقد فاته الكثير الكثير من روعة هذا الكتاب العظيم فنكرر دعاءنا لمن جنده الله للرد على النصارى وإثبات عظمة الإسلام فأبدع في هذا عظيم الإبداع ففاق من دخل في هذا الفن والمجال , رحم الله الشيخ رحمت الله الهندي وجمعنا الله وإياه في جنة الخلد, هذا غير المراجع الأخرى التي سأذكرها تباعاً فأبدأ مستعيناً بالله هكذا :
1- معجزة الإسراء والمعراج . جاء في سورة الإسراء هكذا {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء1
فهذه الآية والأحاديث الصحيحة كما في ( أحاديث الإسراء والمعراج في فتح الباري 7/196 باب 41 حديث 3886 و 8/391 باب 3 حديث 4710 , وصيح مسلم باب الإسراء برسول الله من كتاب الإيمان 2/209 , 237 , وفي الترمذي وسيرة بن هشام ودلائل النبوة للبيهقي والشفا , والوفا , والبداية والنهاية , والسيرة النبوية للذهبي , وحدائق الأنوار لإبن الديبع ,غيره الكثير ) فهذه كلها تدل على ان المعراج كان بالجسد والروح معاً , والمعراج بالروح والجسد معاً بإتفاق جميع المسلمين ولو كان بالروح فقط ما أنكره المشركين وما إفتتن به بعض ضعاف النفوس من المسلمين , ولا إستحالة فيه عقلاً ولا نقلاً .
أما عقلاً لأن خالق الكون قادر على الممكنات وما هو ممتنع لنا نحن البشر, وهو قادر على تكييف كل خلق من خلقه كما يريد وهو سبحانه قادر على ذلك فلا جدال في ذلك عقلاً . ولما اعترض القسيسين عليها قال لهم أحد الظرفاء من العجز أن تنكر دينك وتجحده لأنك تحقد على الآخرين فتحاول أن تُكذبه , فإن كان أمر الإسراء والمعراج ممتنع عندكم لأن العقل لا يقبله فكيف بعقلكم يقبل أن الرب يولد من فرج امرأة أو أن تحبل عذراء بلا نكاح ؟ فبهت الذي كفر .
ونقلاً لأن هذا حدث مراراً في الكتاب المقدس مع أنبياء كثيرين كما سأذكر أمثلة هاهنا منها :
أ- أخنوخ u ( إدريس ) وقد قال القسيس وليم إسمت في كتابه ( طريق الأولياء ) أنه رفع إلى السماء بجسده حياً وقصة أخنوخ واردة في سفر التكوين 5/24 هكذا ( وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه )
ب- إيليا u صعد إلى السماء وقصته وارده في سفر الملوك الثاني 2/10- 12 أكتفي بنقل هذه الفقرة منها هكذا : 11 وفيما هما يسيران ويتكلمان اذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد ايليا في العاصفة الى السماء. (SVD) .وقال آدم كلارك في تفسيره لا شك أن إيليا رفع إلى السماء حياً .
ت- عيسى u صعد إلى السماء كما يقول مرقس 16/19 هكذا :. ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله. (SVD) ولا شك بين كل طوائف النصارى انه إرتفع بجسده كما هو .
ث- بولس كما يدعي صعد إلى السماء وقصته واردة في الرسالة الثانية إلى أهل كرونثوس 12/2-4 هكذا : 2 اعرف انسانا في المسيح قبل اربع عشرة سنة أفي الجسد لست اعلم ام خارج الجسد لست اعلم.الله يعلم.اختطف هذا الى السماء الثالثة. (3) واعرف هذا الانسان أفي الجسد ام خارج الجسد لست اعلم.الله يعلم. (4) انه اختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها. (SVD) .(10/408)
ج- يوحنا صعد إلى السماء كما يُفهم من كلامه في سفر الرؤيا 4/1-2 فأنقل هكذا : (1)بعد هذا نظرت واذا باب مفتوح في السماء والصوت الاول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلا اصعد الى هنا فأريك ما لا بدّ ان يصير بعد هذا. (2) وللوقت صرت في الروح واذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس. (SVD)
فكل هؤلاء صعدوا إلى السماء كما ترى وبأجسادهم حتى بولس ويوحنا كما يدعون في كتبهم فليس الأمر ممتنع نقلاً ولا عقلاً وقد ثبت ذلك بالأحاديث المتواترة وأثبته الرسول محمد r للمشركين في أمر القافلة العائدة من الشام ووصف بيت المقدس وغيره الكثير فلله الحمد والمنة .
2 – معجزة انشقاق القمر .قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة القمر هكذا : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ(1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ }القمر2
وهذه ثابتة واضحة حتى في عصرنا الحالي وقد ثبتت بالأحاديث الصحيحة المتواترة بما يستحيل معه الكذب أو التدليس أو التغيير وشهد بها الكفار وراجع هذه الأحاديث ( فتح الباري 6/631 باب 27 من كتاب المناقب حديث 3636 , 3637 , 3638 , و 7/182 باب 36 من كتاب مناقب الأنصار حديث 3868 , 3869 , 3870 و 3871 و 8/ 617 باب 1 من كتاب التفسير حديث رقم 4864 , 65 , 66 , 67 , 68 وصحيح مسلم 17/143-145 في كتاب صفة القيامة والجنة والنار , وسنن الترمذي 9/30 في أبواب الفتن , ودلائل النبوة للأصبهاني 1/367 حديث 207-212 , ودلائل النبوة للبيهقي 2/262 و وحدائق الأنوار للشيباني والسيرة النبوية للذهبي والبداية والنهاية والشفا , والوفا . وغيره الكثير )
وقد أثبتت وكالة ناسا هذا الحدث بالصور وبقايا آثار انشقاق القمر وهذا معلوم للجميع كما قلنا ففضلاً عن النقل المتواتر للحدث مما يستحيل معه الكذب أو التدليس فقد أثبتته وكالتهم الغربية بالصور القاطعة بثبوت حدوث ذلك الأمر , كما أنه وجد في بعض المعابد الهندية البوذية مكتوب عليه هكذا ( بُني في ليلة انشقاق القمر ) .
3- رمي التراب في عيون الكفار فهزمهم المسلمون .في البيضاوي (( روى أنه لما طلعت قريش من العقنقل قال الرسول محمد r : هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك , اللهم إني أسألك ما وعدتني , فأتاه جبريل u وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها , فلما التقى الجمعان تناول كفاً من الحصباء ( التراب ) فرمى بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه فلم يبقى مشرك إلا وشُغِلَ بعينيه فانهزموا عن آخرهم فتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم . ( راجع تفسير البيضاوي ص 237 ورويت هذه المعجزة أنها حصلت في معركة بدر وفي دلائل النبوة للأصبهاني 2/606 حديث رقم 400 وفي سيرة ابن هشام 1/628 وفي البداية والنهاية وصحيح مسلم على أنها في معركة حنين 12/116 في كتاب الجهاد والسير , وفي سنن الدارمي 2/139 باب 16 حديث 2456 , وفي دلائل النبوة للبيهقي 5/137 , وفي الشفا 1/335 وفي الوفا 1/465 )
4- نبع الماء من بين أصابع النبي r في مواضع متعددة .عن انس بن مالك y قال رأيت رسول الله r وحانت صلاة العصر فالتم الناس الوضوء فلم يجدوه فأُتي رول الله r بوضوء , فوضع رسول الله يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضؤوا منه , قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه r فتوضأ الناس حتى آخرهم . وهذه المعجزة صدرت بالزوراء عند سوق المدينة . ( وهذه واردة في فتح الباري 6/580 باب 25 من كتاب المناقب حديث 3572 , 3573 , وصحيح مسلم 15/39 في كتاب الفضائل , وسنن الترمذي 3/113 , في ابواب المناقب والبداية والنهاية 6/109 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/525 حديث 317 , ودلائل النبوة للبيهقي 4/121 , والشفا 1/285 , والوفا 1/446 , وحدائق الأنوار 1/199 , وفي بعض الروايات (كان الوقت عصراً وكانوا زهاء ثلاثمائة).
5 – عن جابر y : عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله r بين يديه ركوة (إناء من جلد ) فتوضأ منها , وأقبل الناس نحوه , وقالوا ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك , فوضع النبي يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين اصابعه الشريفة كأمثلا العيون , وكان الناس ألف وأربعمائة , وفي بعض روايات أنهم ألف وخمسمائة .( وهذه واردة في فتح الباري 6/581 باب 25 من كتاب المناقب حديث 3567 , و 7/441 , باب 35 من كتاب المغازي حديث 4152 , و 10/101باب 31 من كتاب الأشربة حديث 5936 , وسننن الدارمي 1/21 باب 5 حديث 27, ودلائل النبوة للبيهقي 4/115-116 , 6/11 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/522 حديث 313 و 314 , والبداية والنهاية 6/111 , والسيرة النبوية للذهبي ص239 , والشفا 1/286 , والوفا 1/441 , وحدائق الأنوار 1/202.(10/409)
6 – عن جابر ري الله عنه قال : ( قال رسول الله r : يا جابر ناد بالوضوء , وذكر الحديث بطوله , وأنه لم نجد إلا قطرة في عزلاء شجب ( مصب الماء ) فأتى النبي r فغمزه ( غطاه ) وتكلم بشئ لا أدري ما هو , وقال (( ناد بجفنة الركب )) ( قصعة كبيرة للطعام ) فأتيت بها فوضعها بين يديه وذكر ان النبي بسط يده في الجفنة وفرّق أصابعه وصب جابر عليه وقال ( بسم الله ) قال فرأيت الماء يفور من بين اصابعه ثم فارت الجفنة وإستدارت حتى إمتلأت وأمر الناس بالإستقاء فاستقوا حتى رووا , فقلت : هل بقى أحد له حاجه ؟ فرفع رسول الله يده من الجفنه وهي ملأى ) وهذه في صحيح مسلم 18/145 في كتاب الزهد , ودلائل النبوة للبيهقي 6/9 , والبداية والنهاية لإبن كثير 6/111 , وحدائق الأنوار 1/207 , والشفا 1/286 , والوفا 1/449 وغيرها الكثير من المراجع .
7 – عن معاذ بن جبل y في قصة غزوة تبوك وأنهم وردوا العين وهي تسيل بشئ من الماء قليل جداً فغرفوا من العين بأيديهم حتى إجتمع في شئ ثم غسل رسول الله فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت بماء كثير فاستقى الناس , قال في حديث بن إسحاق فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق , ثم قال يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً . وهذه في صحيح مسلم 15/41 , في معجزات النبي r من كتاب الفضائل , ودلائل النبوة للبيهقي 5/236 و البداية والنهاية 5/21 و 6/116 , والشفا 1/287 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/670 حديث 450 , وحدائق الأنوار 1/208 , وتصديق هذا الحديث مشاهد في زماننا مطلع القرن الخامس عشر الهجري .
8 – عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال (( حين أصاب النبي r وأصحابه عطش في بعض أسفارهم فوجه رجلين من الصحابه وأعلمهما أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان وهو إناء من جلد فوجداها وأتيا بها النبي فجعل في إناء من مزادتيها وقال فيه ما شاء الله ثم أعاد الماء في المزادتين , ثم فتحت عزاليها ( أي مصب الماء من المزاده ) وأمر الناس فملؤوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئاً إلا ملؤوه , قال عمران : ويخيل إلي أنما لم تزدادا إلا امتلاء , ثم أمر فجمع للمرأة من الأزواد حتى ملأ ثوبها وقال إذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئاً ولكن الله سقانا . وهذه في صحيح مسلم 5/191 في كتاب المساجد , وفتح الباري 1/447 باب 6 من كتاب التيمم حديث 344 , و6/580 باب 25 من كتاب المناقب حديث 3571 , ودلالئل النبوة للأصبهاني 2/527 حديث 320 , ودلائل النبوة للبيهقي 4/276-281 , و 6/130 , والبداية والنهاية 6/113 , والسيرة النبوية للذهبي 253 , والشفا 1/289 , والوفا 1/438 , وحدائق الأنوار 1/204 .
9 – في حديث عمر y في جيش العسرة وذكر ما أصابهم من العطش حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه فرغب سيدنا أبو بكر y للرسول في الدعاء فرفع يديه فلم يرجعهما حتى أمطرت السماء فانسكبت , فلمؤوا ما معهم من آنية ولم تجاوز العسكر . وهذه في دلائل النبوة للأصبهاني في 2/671 حديث 452 , وحدائق الأنوار 1/206 , ودلائل النبوة للبيهقي 5/231 , والشفا 1/290 , والبداية والنهاية 5/11 و 6/107 .
10 – عن جابر y أن رجلاً أتى النبي r يستطعمه فاستطعمه شطر وسق شعير , فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله , فأتى النبي r فأخبره , فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم . وهذه في صحيح مسلم 15/40 في معجزات النبي من كتاب الفضائل , ودلائل النبوة للبيهقي 6/114, والبداية والنهاية 6/121 و 136 , والسيرة النبوية للذهبي ص252 والشفا 1/291 .
11 – عن أنس y أن النبي r أطعم ثمانين رجلاً من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده , اي إبطه . فتح الباري 6/586 باب 25 من كتاب المناقب حديث 3578 , و 9/526 باب 6 من كتاب الأطعمة حديث 5381 و 11/570 باب 22 من كتاب الأيمان والنذور حديث 6687 , وصحيح مسلم 13/218 في كتاب الأشربة , وسنن الترمذي 13/112 في أبواب المناقب , وسنن الدارمي 1/27 باب 7 حديث 44 , وحدائق الأنوار لإبن الديبع 10/211 و 1/53 و 2/592 , دلائل النبوة للأصبهاني 2/532 حديث 322 والبداية والنهاية 6/121 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/88 , والسيرة النبوية للذهبي ص249 و الشفا1/291 و الوفا 1/427.(10/410)
12 – عن جابر y : أن النبي r اطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع من شعير وعناق ( أنثى من أولاد الماعز لم تتم سنة ) , قال جابر y : فاقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي , وإن عجيننا ليخبز وكان رسول الله قد بصق في العجين والبرمة وبارك . وهذه في فتح الباري 7/395 باب 29 من كتاب المغازي حديث 4101 و 4102 , وصحيح مسلم 13/216 في كتاب الأشربة , وسنن الدارمي 1/26 باب 7 حديث 43 , والسيرة النبوية لإبن هشام 2/218 , وحدائق الأنوار لإبن الديبع 1/53 , و212 , و 2/592 و دلائل النبوة للأصبهاني في 2/538 حديث 327 ودلائل النبوة للبيهقي 3/416-426 والبداية والنهاية 6/317 , والشفا 1/291 , والوفا 1/424 .
13 – عن أبي أيوب y أنه صنع لرسول الله ولأبي بكر زهاء ما يكفيهما , فقال له النبي (( أدع ثلاثين من أشراف الأنصار )) فدعاهم فأكلوا حتى تركوه , ثم قال : أدع ستين فكان مثل ذلك , ثم قال أدع سبعين , فأكلوا حتى تركوه , وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع , قال أبو أيوب : فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلاً . وهذه في دلائل النبوة للأصبهاني 2/550 حديث 334 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/94 , والبداية والنهاية 6/127 , والشفا 1/292 , والوفا 1/431 وحدائق الأنوار لابن الديبع 1/214 وغيرها من المراجع .
14 – عن سمرة بن جندب : أُتي النبي بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل , يقوم قوم ويقعد آخرون . سنن الترمذي 13/110 في أبواب المناقب , ومسند أحمد 5/12و18 وسنن الدارمي 1/32حديث 57 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/551حديث 335 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/93 , والبداية والنهاية 6/129 , والسيرة النبوية للذهبي ص250 , والشفا 1/292 , والوفا 1/431 .
15 – عن عبد الرحمن بن أبي بكر y : كنا عند النبي r ثلاثين ومائة ....... ) وذكر في الحديث أنه عُجِن صاع من طعام وصنعت شاه , فشوي سواد بطنها ( الكبد أو حشو البطن كله ) قال : وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حُزة ( القطعة من اللحم قطعت طولاً ) ثم جعل منها قصعتين , فأكلنا أجمعون وفضل في القصعتين فحملته على البعير . فتح الباري 5/230 باب 28 من كتاب الهبة حديث 2618 , وصحيح مسلم 14/16 في كتاب الأشربة , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/536 حديث 324 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/95 , وحدائق الأنوار لإبن الديبع 1/216 , والبداية والنهاية 6/130 , والشفا 1/292 , والوفا 1/430 .
16 – عن سلمة بن الأكوع وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم : فذكروا مخمصة أصابت الناس مع رسول الله في بعض مغازيه , فدعا ببقية الأزواد , فجاء الرجل بالحثية من الطعام ( اي القليل ) وفوق ذلك , وأعلاهم الذي يأتي بالصاع من التمر , فجمع على نطع ( بساط من أديم ) وقال سلمة : فزرته كربضة العنز ( اي حجم العنزة وهي رابضة ) ثم دعا الناس بأوعيتهم فما بقى في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقى منه . دلائل النبوة للأصبهاني 2/536-538 حديث 325و326 ودلائل النبوة للبيهقي 5/229-230و6/120و121 , وصحيح مسلم 1/222-225 في كتاب الإيمان , و12/33 في كتاب اللقطة , وحدائق الأنوار للشيباني 1/217 , والبداية والنهاية 6/131-133 , والشفا 1/293 , والوفا 1/426-427 واليرة النبوية للذهبي ص252.
17 – عن أنس y أن النبي حين ابتنى بزينب بنت جحش امره أن يدعو له قوماً سماهم حتى امتلأ البيت والحجرة , فقدم لهم تورا ( إناء للشرب ) فيه قدر مد من تمر جُعل فيه حيس ( نوع من الطعام ) فوضعه وغمس ثلاث أصابعه وجعل القوم يتغدون ويخرجون وبقى التور نحواً مما كان . فتح الباري 9/226 باب 64 من كتاب النكاح حديث 5163 , وصحيح مسلم 9/233 في كتاب النكاح , وسنن الترمذي 12/92 في تفسير سورة الأحزاب من أبواب التفسير , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/445 حديث 330 , والبداية والنهاية 6/127 , وحدائق الأنوار 1/215 , والشفا 1/294 .
واكتفى هنا بتكثير الماء والطعام وإن كان هناك الكثير من هذه المعجزات الواردة الثابتة كلها قطعاً بالسند مما يستحيل معها الكذب فلها أكثر من طريق للرواية الواحدة كما ترى ولكن لنكمل معاً في معجزاته r .
18- عن بن عمر y أنه كان مسافراً مع الرسول فقرب منه أعرابي فسأله الرسول عن وجهته فقال إلى أهلي فقال هل أدُلك على خير فقال وما هو ؟ قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبد الله ورسوله , فقال الأعرابي ومن يشهد لك على ما تقول , قال الرسول هذه الشجرة السمرة , وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثم رجعت إلى مكانها .دلائل النبوة للبيهقي 6/14 , وحدائق الأنوار 1/221 , والبداية والنهاية 6/144 و 311 , وسنن الدارمي 1/17 باب 4 حديث 16 , والشفا 1/298 , والوفا 1/456 , والسيرة النبوية للذهبي ص240, وقد روى ابو نعيم في دلائل النبوة 2/503 عدة روايات عن غير بن عمر وغيره الكثير من المراجع .(10/411)
19 – عن جابر y أن الرسول ذهب ليقضي حاجته لم يجد ما يستتر به , فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق الرسول إلى إحداها فأخذ ببعض اغصانها فقال إنقادي إلي بإذن الله فانقادت كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده , وذكر جابر أنه فعل بالأخرى كذلك , حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال ( إلتئما علي بإذن الله ) فالتأمتا , حتى قضى حاجته , وعادتا الشجرتان إلى مكانهما . وهذه في صحيح مسلم 18/143 في كتاب الزهد , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/505 حديث 296 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/7و18 , والبداية والنهاية 6/110و141 , والسيرة النبوية للذهبي ص238و241 , والشفا 1/299 , والوفا 1/454 , وحدائق الأنوار 1/222.
20 – عن بن عباس y قال أن الرسول r قال لأعرابي أرأيت إن دعوت هذا العذق ( عرجون النخلة الذي يحمل الثمر ) من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ قال نعم . فدعاه فجعل ينقز حتى أتاه , فقال إرجع فرجع إلى مكانه . دلائل النبوة للبيهقي 6/15 , والبداية والنهاية 6/143و311 , والسيرة النبوية للذهبي ص240 , والشفا 1/303 , والوفا 1/457 , وسنن الترمذي 13/111 في أبواب المناقب.
21 – عن جابر y : كان المسجد مسقوفاً على جذوع النخل وكان الرسول يخطب على جذع نخل حتى صنع له منبراً وخطب عليه الرسول سمعنا لذلك الجزع صوتاً كصوت العشار ( أي الناقة التي مضى لحلمها عشرة اشهر ) وفي رواية أنس حتى إرتج المسجد لخواره , وفي رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا مابه , وفي رواية المطلب , حتى تصدع وإنشق حتى جاء النبي فوضع يده عليه فسكت . والحديث وارد في كل المراجع السابقة وزيادة عليها , والخبر بأنين الجذع وحنينه باعتبار مبناه مشهور عن السلف والخلف وباعتبار معناه متواتر يفيد العلم القطعي رواه من الصحابه بعضة عشر منهم أبي بن كعب وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد الساعدي وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة رضي الله عنهم كلهم يحدثون بمعنى هذا الحديث وإن كانت ألفاظهم مختلفة فلأن كل شخص روى الحدث كما رآه وعبر عنه بأسلوبه ولكن لا شك في حصول التواتر المعنوي . انظر فتح الباري 2/397 باب 26 من كتاب الجمعة حديث 918 و6/601 باب 25 من كتاب المناقب حديث 3583 و 3584 و 3585 وسنن ابن ماجة 1/258 باب 196 حديث 1412-1415 وسنن الدارمي 1/22 باب 6حديث 31-42 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/66-67 , والبداية والنهاية 6/144-151 و 311 , وحدائق الأنوار 1/225 , و 2/652 , والسيرة النبوية للذهبي ص247 , والشفا 1/303 , والوفا 1/488 , وسنن الترمذي 13/111 في ابواب المناقب .
22 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة , فلما دخل النبي المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها ولا يمسها , ويقول : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء81 , فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه ولا لقفاه إلى وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم .وهذا في فتح الباري 8/400 باب 12 من كتاب التفسير حديث 4720 , وصحيح مسلم 12/126-133 في فتح مكة من كتاب الجهاد والسير , وسنن الترمذي 11/297 في أبواب التفسير , وسيرة ابن هشام 2/416 , والبداية والنهاية 4/336و6/154 , والشفا 1/308 , والوفا1/466 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/666حديث 446و447 , وحدائق الأنوار 1/228 و 2/672 وكان فتح مكة عام 8 هـ/629م .
هل هذه المعجزات كفاية ؟ هل يفعل هذه المعجزات رجل يدعي النبوة كما يقول النصارى ؟ حسناً فليأخذ المجادلون مني هذه الهدية وإن لم تكن مني شخصياً ولكني أهديها لمن أراد الحق فإقرأ يا صاح عن إحياء الموتى على يد رسول الله r هكذا :
23 – دعا النبي r رجلاً إلى الإسلام فقال لا أؤمن بك حتى تحيي لي إبنتي , فقال الرسول ارني قبرها , فأراه إياه , فقال r : يا فلانه ! قالت لبيك وسعديك . فقال النبي اتحبين أن ترجعي إلى الدنيا ؟ فقالت لا والله يا رسول الله , إني وجدت الله خيراً لي من ابوي , ووجدت الآخرة خيراً لي من الدنيا . أنظر الشفا 1/320 , في ص 170 من كتاب الإعتقاد للبيهقي في حديث ربعي بن حراش شهادة أخيه بعدما مات لنبينا بالرسالة , وأنظر دلائل النبوة للبيهقي 6/50 و 55 .
24 – ذبح جابر y شاة وطبخها , وثرد في جفنة , وأتى بها رسول الله r فأكل القوم فقال لهم كلوا ولا تكسروا عظماً , ثم إنه r جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم فإذا الشاة قامت تنفض ذَنَبَها ( أي ذيلها ) . ذكر الإمام بن كثير في البداية والنهاية 6/332 أن الحافظ محمد بن المنذر – المعروف بيشكر– أورد في كتابه ( العجائب والغرائب ) بسنده أن رسول الله جمع عظامها ثم دعا الله تعالى فعادت كما كانت فتركها في منزله .(10/412)
25 – عن سعد بن أبي وقاص y أن رسول الله لَيُنَاوِلني سهم لا نصل به فيقول : ارم به وقد رمى رسول الله يومئذ ( يوم بدر أو الخندق ) عن قوسه حتى إندقت ..... , وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فردها الرسول r فكانت أحسن عينيه . دلائل النبوة للبيهقي 3/100 و 251-253 , والسيرة النبوية للذهبي ص251, والشفا 1/321 , والوفا 1/503 , والبداية والنهاية 6/333 و 184 , و 3/320 , 4/38, وحدائق الأنوار 1/243 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/622 و 785 حديث 416 و 417 و 555 , والسيرة النبوية لإبن هشام 2/82 .
26 – عن عثمان بن حنيف أن أعمى قال لرسول الله : ادع الله أن يكشف لي عن بصري . قال فانطلق فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال اللهم إني اتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة , يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف لي عن بصري قال فرجع وقد أبصر . سنن الترمذي 13/80 في أبواب الدعاء , ودلائل النبوة للبيهقي 6/166-168 , والبداية والنهاية 6/183-184 و 333 , والسيرة النبوية للذهبي ص256-257 , والشفا 1/322 .
27 – عن حبيب بن فديك أن أباه ابيضت عيناه فكان لا يُبْصِر بهما شيئاً فنفث رسول الله في عينيه فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين سنة . أنظر دلائل النبوة للأصبهاني 2/601و785 حديث 397 و556 ودلائل النبوة للبيهقي 6/173 , والبداية والنهاية 6/184 و 334 والشفا 1/323 .
28 – نفث في عيني علي بن أبي طالب y يوم خيبر وكان فيها رَمَد فشفيت عيناه .فتح الباري 6/111 باب 102 من كتاب الجهاد حديث 2942 و 7/476 باب 38 من كتاب المغازي حديث 4210 وصحيح مسلم 12/185 في كتاب الجهاد و 15/176-179 في كتاب فضائل الصحابة , وسنن ابن ماجه 1/24 باب 11 حديث 104 , وسنن الترمذي 13/172 في ابواب المناقب , ودلائل النبوة للبيهقي 4/205-213 و 6/179 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/786 حديث 557 , والبداية والنهاية 4/208-211 و 6/334 , والشفا 1/323 و والوفا 1/517 , والسيرة النبوية لابن هشام 2/334 .
29 – نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خيبر فشفيت ساقه وكانت أحسن ساقيه . انظر فتح الباري 7/475 باب 38 من كتاب المغازي حديث 4206 ودلائل النبوة للبيهقي 4/251 , والبداية والنهاية 6/334 , والشفا 1/323 .
30 – أتته إمرأة من خثعم وهي قبيلة عربية ومعها صبي لا يتكلم به بلاء , فأتى بماء فمضمض فاه وغسل يديه ثم اعطاها إياه وأمرها بسقيه ومسه به فبرأ الغلام وعقل عقلاً يفضل عقول الناس . انظر دلائل النبوة للأصبهاني 2/598 حديث 393 , وحدائق الأنوار لابن الديبع 1/245 , والشفا 1/324 .
31 – عن ابن عباس y جاءت امرأة بابن لها به جنون فمسح صدره فثع ثعة ( أي قاء ما في بطنه ) فخرج منه جوفه مثل الجرو الأسود فشفي . انظر مسند أحمد 1/239 و 254 و 468 , وسنن الدارمي 1/19 باب 4 حديث 19 , دلائل النبوة للأصبهاني 2/600 حديث 395 و 2/786 حديث 557 , ودلائل النبوة للبيهقي 6/182و187 , والشفا 1/324 , والوفا 1/518 , والبداية والنهاية 6/182.
32 – إنكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل , فمسح عليه ودعا له وتفل فيه فبرأ لحينه .انظر دلائل النبوة للبيهقي 6/174-175 , ودلائل النبوة للأصبهاني 2/601 حديث 398 , والبداية والنهاية 6/334 , والشفا 1/324 .
33 – كانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة (زيادة في الجلد مثل الغدة ) تمنعه من القبض على السيف وعنان الدابة , فشكاها للنبي فما زال يطحنها حتى رفعها ولم يبق لها أثر . أنظر دلائل النبوة للبيهقي 6/176 , والبداية والنهاية 6/185 , والشفا 1/324 .
34 – عن انس بن مالك y قال : قالت أمي يا رسول الله خادمك أنس ادع له فقال : اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيماآتيته . قال أنس : فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي من صلبي ليعادون اليوم على نحو مائة . وهذه مسطورة في مراجع كثيرة جداً منها فتح الباري 11/136 و 144 و 182 باب 19 من كتاب الدعوات الحديث 6334 وباب 25 حديث 6344 وباب 47 حديث 6378-6381 وصحيح مسلم 16/39-40 في كتاب فضائل الصحابة , وحدائق الأنوار 1/250 , والشفا 1/325 , والوفا 1/521, ويثبتها واقع أنس y بدعاء الرسول له وفيه أمران أولاً هو تحقق الدعاء وثانياً بركة هذا الدعاء فصلى اللهم وسلم على النبي المصطفى .
35 – دعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه , فلم تبق له باقية , ولا بقيت لفارس رياسة في سائر أقطار الدنيا . ثابتة في فتح الباري 6/108 باب 101 من كتاب الجهاد حديث 2939 و 8/126 باب 82 من كتاب المغازي حديث 4424, ودلائل النبوة للأصبهاني 2/450 حديث 241 و دلائل النبوة للبيهقي 4/387-394 , وحدائق الأنوار لابن الديبع 1/57 و 255 و 2/629 , والبداية والنهاية 5/18 و 6/299 و 344 , والشفا 1/328 .(10/413)
36 – عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها أخرجت جبة طيالسة ( رداء أو نحوه ) وقالت إن رسول الله كان يلبسها , فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها إلى اليوم . أنظر الشفا 1/331 والشفا , والسيرة النبوية .
37 – أنه قرب إليه ست من الإبل لينحرها فصارت تتزاحم كل واحدة ليبدأ بها . نفس المراجع السابقة
38 – ان الذئب شهد له بالنبوة , راجع البداية والنهاية وفتح الباري وسنن الترمذي والشفا , والوفا , سنن الدارمي .
39 – أن عبتة إبن ابي لهب كان يسب الرسول r ويؤذيه ويسخر من الرسول ومن القرآن , فدعا عليه الرسول وقال اللهم سلط عليه كلباً من كلابك , فخرج مع ابيه أبو لهب في السفر فجمع أبو لهب حوله الركب وقال احرسوه , فقالوا أنه جاء أسد وإشتم الوجوه حتى وصل إلى عتبه فوثب عليه ومزقه من بينهم حتى فصل رأسه عن جسده ثم إنصرف الأسد دون أن يؤذي أحد غيره . ( فتح الباري , وفي التفاسير التالية تحت تفسير الآيات العشرة الأولى من سورة النجم في بن كثير وفي القرطبي والبغوي والبيضاوي وفي تفسير أبي السعود , وفي الدر المنثور , وفي تفسير النسفي وروح المعاني , وفي كتاب الشفا وفي كتاب الوفا وفي كتاب أسد الغابة وفي كتاب دلائل النبوة للأصبهاني وفي كتاب الصواعق المحرقة و في أسد الغابة وفي سنن البيهقي الكبرى , وفي غيره الكثير من المراجع فأكتفي بما ذكرت . )
40 – القرآن الكريم . وكفى بهذا الكتاب معجزة باقية خالدة إلى أن يشاء الله من عهده r إلى أن يشاء مُنْزِل هذا الكتاب العظيم . ( وهذه لا تحتاج إلى إثبات أو مراجع فهي معجزة موجودة بيننا إلى الآن وما عليك إلا أن تراجع أصل المعجزة وهو الكتاب الكريم ولمن لا يفهم اللغة العربية فقد نقلت قطرة من بحر الإعجاز في القرآن في آخر باب التحريف تحت عنوان البيان بالتحدي والإعجاز في القرآن مما يغني عن إعادته هنا ولله الحمد والمنة. )
وأمر آخر هو أن المنصرين يُغَلِّطون بعض العوام ويقولون أن القرآن شهد أن محمد r لم يأت بمعجزة واحدة , وفي رأيي أن قول المنصرين هذا من السفاهة والجهل الشديد أو الحقد والعناد ووالله ليس مسبة ولا غلط ولكن هذا هو واقع الحال كما سترى , فلقد قال المنصرون أن القرآن يقول في سورة الأنعام هكذا : {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }الأنعام57 وقالوا فمعناها أن الرسول محمد r ما عنده المعجزات التي طلبها منه الكفار .
وقال في نفس السورة هكذا : {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام109, فقالوا ومعناها أنه لو أعطاهم آية واحدة لآمنوا ولكن يبدوا أنه لم يحقق طلبهم ولو في آية واحدة .
وفي سورة الإسراء آية 90-93 قال هكذا : {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً{90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً{91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً{92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً{93}الإسراء93 ,
وفي سورة الإسراء آية 59 هكذا : وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)
وفي سورة الأنعام آية 37 هكذا : وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) الأنعام
وقالوا أنه من شرط النبوة ظهور المعجزات على يد مدعيها , وما ظهرت معجزة على يد محمد r كما يدل عليه ما وقع في الآيات السابقة الذكر .(10/414)
وهذا من الغلط الشديد أولاً لأنه ليس من شروط النبوة بحسب الإنجيل ظهور المعجزات على يد النبي أو الرسول وعدم ظهورها لا يدل على عدم النبوة , هكذا يقول كتابهم فمثلاً في أمر يوحنا المعمدان قال كاتب إنجيل يوحنا 10/41 هكذا : فأتى اليه كثيرون وقالوا ان يوحنا لم يفعل آية واحدة.ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقا. (SVD) لكن جاء في إنجيل متى 21/26 طبعة سنة 1826م وفي طبعة سنة 1925م الإعتراف بأن يوحنا نبي فقال هكذا : وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب.لان يوحنا عند الجميع نبي. وفي إنجيل متى 11/9 شهد له يسوع أنه أعظم من نبي وأنقل من طبعة سنة 1825 , 1826م هكذا : لكن ماذا خرجتم لتنظروا.أنبيا.نعم اقول لكم وأعظم من نبي. وفي باقي الطبعات أفضل من نبي أو ألفاظ أخرى متقاربة , فهذا الذي شهد له يسوع وشهد له الناس أنه أعظم من نبي لم تظهر على يده معجزة واحدة , فكيف يدعون بحسب كلامهم أن ظهور المعجزات من شروط النبوة ؟!
وأما قول هؤلاء أن الرسول لم تظهر على يده المعجزات فلا أطلب منك أن تذهب إلى غيرنا لتسأل ولكن راجع ما كتبته أعلاه من معجزات وردت على يد سيد ولد آدم محمد بن عبد الله وهذا يكفي كل سائل.
أما قولهم عن الآيات فهو من أعظم الجهل أولاً بكتابهم ثم بالقرآن الكريم فتعالى ننظر ما يقول في الآيات الكريمة
في سورة الأنعام المشار إليها{ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }الأنعام57 , وهذا غلط كما قلنا لأن المراد هنا بلفظ ( ما ) في الآية أي ( ما تستعجلون به ) المراد منه هو العذاب الذي يستعجلون به , لأنهم قالوا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }الأنفال32 , ومعناها ما عندي العذاب الذي تستعجلون به { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } في تعجيل العذاب وتأخيره , { يَقُصُّ الْحَقَّ } أي يقضي القضاء الحق في تعجيل وتأخير , { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } أي خير القاضين في الدنيا والآخرة , ومجمل الآية وحاصلها أن العذاب ينزل عليكم في الوقت الذي يختاره الله وأن العذاب ليس بيد رسول الله ولكنه بيد الله I ولا قدرة لأحد على تقديمه أو تأخيره حتى لو كان الرسول وهذا من أدب الرسول r مع ربه , وقد نزل عليهم يوم بدر وبعده , فهذه لا دلالة فيها على أن النبي محمد لم تصدر عنه المعجزات كما رأيت . بل هو طلبهم للعذاب وأمر العذاب مفوض لله سبحانه .
أما الآية الثانية : {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام109 , فمعنى { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } مصدر في موضع الحال { لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ } من مقترحاتهم أو الآية التي يختارونها , { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ } هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء , { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } وهو إستفهام إنكار { أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي الآية المقترحة إذا جاءت لا يؤمنون بها ولا تدرون أن هذه الآية إن جاءت لا يؤمنون فهو بعلمه المسبق يعلم أنهم لن يؤمنوا حتى إذا جاءت هذه الآية , فهو رد الله I كما هو واضح من الآية على الكفار في ظرفهم هذا, وهو I ليس رهن إشارة الكفار أن يطلبوا كل آية فتأتيهم وبعلمه يعلم أنهم لن يؤمنوا حتى ولو جاءت فقد سبق في آية إنشقاق القمر والكثير من المعجزات على يد رسول الله r كما قلنا سابقاً وكما سترى لاحقاً إن شاء الله , فالله لا يجيب المستهزأين أو المنكرين بما يطلبون , كما أنه ليس فيه نفي المعجزات على الإطلاق والقول بعدم ظهورها أبداً .(10/415)
وقد قال الإمام بن كثير في تفسيره هكذا :قوله تعالى إخبارا عن المشركين أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم أي حلفوا أيمانا مؤكدة { لئن جاءتهم آية } أي معجزة وخارقة { ليؤمنن بها } أي ليصدقنها { قل إنما الآيات عند الله } أي قل : يا محمد هؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وكفرا وعنادا لا على سبيل الهدى والاسترشاد إنما مرجع هذه الايات إلى الله إن شاء جاءكم بها وإن شاء ترككم قال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى وتخبرنا أن ثمود كان لهم ناقة فآتنا من الايات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أي شيء تحبون أن آتيكم به ] قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا فقال لهم [ فإن فعلت تصدقوني ؟ ] قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له : ما شئت إن شئت أصبح الصفا ذهبا ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بل أتركهم حتى يتوب تائبهم ] فأنزل الله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } إلى قوله تعالى : { ولكن أكثرهم يجهلون }
وقال الإمام البيضاوي في تفسير هذه الآية هكذا : أقسموا بالله جهد أيمانهم } مصدر في موقع الحال والداعي لهم إلى هذا القسم والتأكيد فيه التحكم على الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في طلب الآيات واستحقار ما رأوا منها { لئن جاءتهم آية } من مقترحاتهم { ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله } هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شيء منها بقدرتي وإرادتي { وما يشعركم } وما يدريكم استفهام إنكار { أنها } أي أن الآية المقترحة { إذا جاءت لا يؤمنون } أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون أنكر السبب مبالغة في نفي المسبب وفيه تنبيه على أنه سبحانه وتعالى إنما لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون بها. وأكتفي بهذين التفسيرين فهما يفيان بالغرض لكل باحث عن الحق , وهو أوضح من قرص الشمس في كبد السماء رحمة الله ورحمة رسوله آخر الرسل والأنبياء بقومه وبالناس كافة , فلو نزلت تلك الآية ولم يؤمن هؤلاء وجب على الله I إهلاكهم لأنها سنته فيما مضى من القرون والأمم السابقة أن الله يُنزل الآية فإن لم يؤمنوا بها أهلكهم لكفرهم وعنادهم كما حدث مع قوم نوح وقوم ثمود لما جائتهم الناقة , فلأن الله يريد لهم الخير فتركهم وتركهم الرسول r حتى يتوب تائبهم أو يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً , {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }الإسراء59 ومن هذا رحمة الرسول r بأمته وبالناس كافة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما الكثير من المراجع عند خروج الرسول لدعوة بني عبد ياليل ولما ردوه وأساءوا للرسول r ودفعوا خلفه غلمانهم فنزل سيدنا جبريل يخاطب الرسول r هكذا : فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد قد بعثني الله إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني اليك ربك لتأمرني ما شئت إن شئت تطبق عليهم الاخشبين فقال رسول الله r أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا , فظهرت رحمة الرسول r بقومه خاصة وبالناس كافة .(10/416)
أما الآية الثالثة : وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً{90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً{91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً{92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً{93}الإسراء93 , فمعناها يقول ( وقالوا ) أي تعنتاً (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ) أي عيناً غزيرة لا ينضب ماؤها في أرض مكة , إلى آخر الاية الكريمة حتى طلبوا أن يأتي بالله والملائكة أو يصعد إلى السماء أو يكون له بيت من ذهب , وهو من باب التعنت والعناد كما ترى وليس فيه أنه لم يأت بمعجزات أو أنه لن يأتي بمعجزات ولكنهم إشترطوا معجزات على هواهم هم وعلى حسب ما يريدون الإستهزاء به ظناً منهم بالتعجيز ,وعن بن عباس قال عبد الله بن أبي أمية لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها , ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول , فما كان مقصود الكفار بهذه الإقتراحات إلّا العناد والتعنت واللجاج , ولو جائتهم كل آية لقالوا هذا سحر كما قال عز وجل { َلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ{7} الأنعام , وهذا نقلته من تفسير البيضاوي صفحة 177 , 187 , 383 .
أما الآية الرابعة : وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) الإسراء
قال الإمام الطبري في تفسيره : وما منعنا يا محمد أن نرسل بالاَيات التي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم فلما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلم يصدّقوا مع مجيء الاَيات، فعوجلوا فلم نرسل إلى قومك بالاَيات، لأنّا لو أرسلنا بها إليها، فكذّبوا بها، سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلها. وبالذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن أياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال، فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: «بل تستأني بهم»، فأنزل الله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً. وفي الجلالين هكذا : (وما منعنا أن نرسل بالآيات) التي اقترحها أهل مكة (إلا أن كذب بها الأولون) لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء وقد حكمنا بإمهالهم لاتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم (وآتينا ثمود الناقة) آية (مبصرة) بينة واضحة (فظلموا) كفروا (بها) فأهلكوا (وما نرسل بالآيات) المعجزات (إلا تخويفا) للعباد فيؤمنوا .
أما الآية الخامسة : وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) سوة الأنعام
قال الإمام القرطبي رحمه الله هكذا : وكان هذا منهم نعتا بعد ظهور البراهين؛ وإقامة الحجة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسورة مثله، لما فيه من الوصف وعلم الغيوب.
وقال الإمام الطبري هكذا : يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية, لا يعلمون ما عليهم في الاَية إنّ نزْلها من البلاء, ولا يدرون ما وجه ترك إنزال ذلك عليك, ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنزّلها عليك ( أي الآية المعينة المخصوصة التي يطلبونها ) لم يقولوا ذلك ولم يسألوكه, ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.(10/417)
وقال السعدي رحمه في الله في تفسيره وأكتفي بما قاله في التفسير هكذا : " وقالوا " أي : المكذبون بالرسول ، تعنتا وعنادا : " لولا نزل عليه آية من ربه " . يعنون بذلك ، آيات الاقتراح ، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة ، وآرائهم الكاسدة . كقولهم : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "" قل " مجيبا لقولهم : " إن الله قادر على أن ينزل آية " فليس في قدرته قصور عن ذلك . كيف ، وجميع الأشياء منقادة لعزته ، مذعنة لسلطانه ؟ " ولكن أكثرهم لا يعلمون "
فهم ـ لجهلهم وعدم علمهم ـ يطلبون ما هو شر لهم من الآيات ، التي لو جاءتهم ، فلم يؤمنوا بها ـ لعوجلوا بالعقاب ، كما هي سنة الله ، التي لا تبديل لها . ومع هذا ، فإن كان قصدهم ، الآيات التي تبين لهم الحق ، وتوضح السبيل . فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم ، بكل آية قاطعة ، وحجة ساطعة ، دالة على ما جاء به من الحق ، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين ، أن يجد فيما جاء به ، عدة أدلة عقلية ونقلية ، بحيث لا يتبقى في القلوب ، أدنى شك وارتياب . فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، وإن الله لسميع عليم .
وفي روح المعاني هكذا : ويقول الذين كفروا أي أهل مكة عبدالله بن أبي أمية وأصحابه وإيثار هذه الطريقة على الاضمار مع ظهور إرادتهم عقيب ذكر فرحهم بناءا على أن ضمير فرحوا لهم لذمهم والتسجيل عليهم بالكفر فيما حكى عنهم من قولهم : لولا أنزل عليه ءاية من ربه فان ذلك في أقصى مراتب المكابرة والعناد كأن ما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام من الآيات العظام الباهرة ليست عندهم بآية حتى اقترحوا مالاتقتضيه الحكمة من الآيات كسقوط السماء عليهم كسفا وسير الاخشبين وجعل البطاح محارث ومفترسا كالاردن واحياء قضى لهم إلى غير ذلك قل إن الله يضل من يشاء إضلاله مشيئة تابعة للحكمة الداعية اليها وهو كلام جار مجرى التعجب من قولهم وذلك ان الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها صلى الله تعالى عليه وسلم لم يؤتها نبي قبله وكفى بالقرآن وحده آية فاذا جحدوها ولم يعتدوا بها كان ذلك موضعا للتعجب والانكار.
وهكذا الحال في آيات يُفهم منه في الظاهر نفي إظهار الآية , بينماالمقصود به هو نفي المعجزة المقترحة التي يطلبها الكفار وهذا لا ينفي ظهور المعجزات كلياً أو ملطقاً , ولا يُلزم الأنبياء أن يُظهروا معجزة كلما طلبها المنكرون حتى لو كانت من باب الإستهزاء أو السخرية أو العناد كما في الآيات السابقة , ويوجد على هذا الأمر الكثير من الأدلة موجودة في العهد الجديد أنقل بعضها كما يلي :
1- في إنجيل مرقس 8/11-12 هكذا : 11 فخرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه. (12) فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية.الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية (SVD) فطلب الفريسيون منه معجزة كما ترى على سبيل الإمتحان فما أعطاهم معجزة وما أشار إلى معجزة سابقة ولا قال انه سيعطيهم معجزة فيما بعد بل إن قوله (( لن يعطى هذا الجيل آية )) يدل على أنه لن يفعل أي معجزة فيما بعد .
2- في إنجيل لوقا 23/8-12 هكذا :8 واما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا لانه كان يريد من زمان طويل ان يراه لسماعه عنه اشياء كثيرة وترجى ان يرى آية تصنع منه. (9) وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء. (11) ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد. (12) فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به والبسه لباسا لامعا ورده الى بيلاطس. (SVD) , ويظهر هنا للعيان أن يسوع ما أظهر ولا معجزة واحدة مع أنه كان أنسب وقت لظهور معجزة , وقد كان هيرودس يترجى أن يرى منه معجزة واحدة , ولو رأى هيرودس معجزة واحدة لوبخ اليهود وما إحتقر يسوع حينذاك فهل هذا ينفي ظهور المعجزات من يسوع .؟
3- في إنجيل لوقا 22/63-65 هكذا :63. والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه. (64) وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ.من هو الذي ضربك. (65) واشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين (SVD) , ومثله في إنجيل متى 26/67-68 وفي إنجيل مرقس 14/65 , ,لما كان سؤالهم إستهزاءاً ما أجاب عليهم يسوع . فهل هذا ينفي وقوع المعجزات منه ؟(10/418)
4- في إنجيل متى 27/39-44 هكذا : 39 وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم(40) قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلّص نفسك.ان كنت ابن الله فانزل عن الصليب. (41) وكذلك رؤساء الكهنة ايضا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا(42) خلّص آخرين واما نفسه فما يقدر ان يخلّصها.ان كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. (43) قد اتكل على الله فلينقذه الآن ان اراده.لانه قال انا ابن الله. (44) وبذلك ايضا كان اللصّان اللذان صلبا معه يعيّرانه(SVD) فما خلص يسوع نفسه وما نزل من على الصليب حتى بعد أن عيره اللصوص والجنود والكتبة كما قرأت , ورؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ كانوا يقولون : لو أنه نزل من على الصليب نؤمن به , فكان عليه لدفع العار وإقامة الحجة عليهم أن ينزل ولو لمرة واحدة من على الصليب ثم ليصعد مرة أخرى إن كان مُصِّراً على أن ينتحر أو يقتل نفسه كما يدعون على الصليب , فهل هذا ينفي وقوع المعجزات على يده ؟
5- في إنجيل متى 12/38-40 هكذا : حينئذ اجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلّم نريد ان نرى منك آية. (39) فاجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي. (40) لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال (SVD) , فها هم الكتبة والفريسيون قد طلبوا منه أن يعطيهم معجزة وما أظهر لهم معجزة بل شتمهم وسبهم وقال عليهم جيل شرير وفاسق ولم يشير إلى معجزة سابقة ولا وعد بلاحقة فهل هذا ينفي وقوع أي معجزة أخرى على يده ؟ وغير هذا الكثير من أمثال هذا في الكتاب الكثير جداً ولكننا وعدنا بإيراد أمثلة فقط منه , وبسبب عجزه عن تقديم معجزات في الأوقات المطلوبه تسبب يسوع في إرتداد الكثر من تلاميذه وتركوه ولم يمشوا وراءه فيما بعد كما جاء في إنجيل يوحنا 6/66 في طبعة سنة 1860م هكذا : من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه )) وفي طبعة سنة 1825م هكذا : ومن ثم إرتد كثير من تلاميذه على أعقابهم ولم يماشوه بعد ذلك أبداً )) وكذلك في طبعة سنة 1826م وإن كانت هذه الفقرة واردة في طبعة سنة 1823م , سنة 1844م , وفي طبعة سنة 1882م , برقم ( 67 ) وليس ( 66) , وأكتفي بهذه الأمثلة ( الخمسة السابقة ) على ذلك الأمر من الإنجيل .
فإن كان إحتجاج المنصرين بهذه الآيات الكريمة من القرآن الكريم فقد شرحناها من تفسير البيضاوي والطبري وغيره من التفاسير وبما يقبله العقل السليم من أن الأنيباء غير ملزمين بإعطاء آية لكل مستهزأ أو معاند رافض , والله I أعظم وأجل من أن يكون تحت رغبة كل فاسق مستهزأ من الكافرين المنكرين لنبوة الأنبياء وهذا لا يطعن أبداً في إتيان المعجزات على ايديهم فإن كانوا يحتجون بهذه الآيات فمن باب أولى أن يحتجوا بما أوردت لهم من إنجيلهم , اما عن معجزات الرسول فقد وضحت منها الكثير كما سبق وجاء ذكرها أيضاً مجملاً في القرآن الكريم , منها على سبيل المثال :
1- في سورة الصافات {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ{14} وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ{15} الصافات , في تفسير الجلالين والبيضاوي والكشاف وبن كثير والقرطبي والطبري والسعدي وغيره الكثير من التفاسير كلام جميل يوضح تلك الآية ويطول المقام بذكر كل التفاسير هنا فأكتفي بنقل مجمله فقط ماجاء في الجلالين يقول : (وإذا رأوا آية) كانشقاق القمر (يستسخرون) يستهزئون بها (وقالوا) فيها (إن) ما (هذا إلا سحر مبين) .
2- في سورة القمر آية 2 -5هكذا : وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ{2} وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ{3} وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ{4} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ{5} القمر , راجع كل التفاسير لتجد هكذا : (وَإِن يَرَوْا آيَةً) كفار قريش (آيَةً) معجزة له صلى الله عليه وسلم (يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا) هذا (سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) قوي من المرة القوة أو دائم وَكَذَّبُوا النبي صلى الله عليه وسلم (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) في الباطل (وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) من الخير والشر (مُّسْتَقِرٌّ) بأهله في الجنة أو النار وقد نقلت هذا من الجلالين إختصاراً , وهذا عن أمر معجزة إنشقاق القمر فها قد جائتهم المعجزة وأنكروها وكفروا بها كما أخبر رب العزة , فكيف يجيب الله المستهزئين بتحقيق طلبهم ؟(10/419)
3- في سورة آل عمران آية 68 هكذا : كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{86} آل عمران . وعليك بمراجعة التفاسير لترى أن مختصر قول المفسرين والعلماء وإن كان هناك أبلغ مما نقلت بكثير ولكن أنقل أيضاً من الجلالين هكذا : (كَيْفَ) أي لا (يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ) أي شهادتهم (أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ) قد (جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الحجج الظاهرات والآيات البينات على صدق النبي (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي الكافرين .
4- في سورة الأنعام آية 21 هكذا : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ{21} الأنعام , في البيضاوي يقول هكذا : (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحراً , وفي الكشاف يقول : (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) وكذبوا بما ثبت بالحجة والبينة والبرهان الصحيح من المعجزات .
5- في سورة الأنعام آية 124 هكذا : َإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ{124} الأنعام , وفي التفسير الكبير يقول َإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ) أي أنهم متى ظهرت لهم معجزة قاهرة . وفي الجلالين قال : (: َإِذَا جَاءتْهُمْ) أي أهل مكة (آيَةٌ) على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ) وفي التفسير الميسر قال : وإذا جاءت هؤلاء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, قال بعض كبرائهم: لن نصدِّق .
فأكتفي بخمسة أمثلة من القرآن الكريم كما إكتفيت بخمسة من الإنجيل وهذا بيان لكل عاقل إن كان هناك من يريد أن يعقل وبهذا تعلم أيها اللبيب أن لا حجة لهم بآي القرآن الكريم وأنهم لا يفعلون إلا أن يضلوا أنفسهم ويضلوا قومهم ولا يشعرون , وقد فعلوا كما قال السكير في بيت شعر له أنشد قائلاً
دَعِ المساجد لِلْعُبَّاد تَسْكُنْها ومِلْ بِنا إِلى خَمَّارٍ لِيَسقْينا
مَاقَالَ رَبُّكَ وِيلُ لإلي سَكْرَى بَل قَالَ وَيلٌ لِلْمُصَلْينَ
ولكننا سنقول أنه من باب عدم الإدراك أو الجهل ولن نظن فيهم غير هذا وندعوا رب العزة أن يهديهم إلى نعمة الإسلام وإلى دين الحق فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهذا ردنا على الشبهة وقد إستعنت فيه بالتفاسير والكتب وكتاب الجواب الصحيح للشيخ بن تيمية رحمه الله , وأهمها كتاب إظهار الحق لشيخنا رحمة الله الهندي ومن باب الأمانة أن أنسب له ما نقلت منه أو من استعنت به فهو مرجع لا غنى عنه لكل سابح في هذا الفن والقول , رحم الله علمائنا وأسكنهم فسيح جناته
================
شبهة سرقة الحديث من أقوال بولس
الاخوة الكرام
هذه شبهة تليقتها من أحد النصارى هذا نصها :
فى رسالة بولس الاولى الى كورنثوس اصحاح 12 ( 14 فان الجسد ايضا ليس عضوا واحدا بل اعضاء كثيرة15 ان قالت الرجل لاني لست يدا لست من الجسد افلم تكن لذلك من الجسد 16 و ان قالت الاذن لاني لست عينا لست من الجسد افلم تكن لذلك من الجسد 20 فالان اعضاء كثيرة و لكن جسد واحد26 فان كان عضو واحد يتالم فجميع الاعضاء تتالم معه و ان كان عضو واحد يكرم فجميع الاعضاء تفرح معه 27 و اما انتم فجسد المسيح و اعضاؤه افرادا )
ومن يقرا هذا الكلام يرى ان نبى الاسلام سرقه كما فى الحديث الصحيح : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .. صحيح مسلم 4685
وقد كتب احدهم ردا يقول فيه :
إذا كان هناك تعبير مشترك لأمر ما عند الشعوب فذلك لا يعني أن بعضهم سرق من بعض."
نتمنى ان نرى ردودا أكثر من الاخوة الكرام
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ،،
أخي الكريم،
هل حقاً يمكن أن يوصف مثل هذا الكلام بأنه شبهة؟؟!!
على كل حال سوف أتناول الكلام السابق من خلال النقاط التالية :-
أولاً : صاحب هذه الشبهة -الساذجة- قد قام بذكر أقول بولس بترتيب غريب بعد أن قام بحذف العديد من الأعداد من الإصحاح الثاني عشر من الرسالة الأولى إلى كورنثوس حيث قام بذكر الأعداد أرقام :
14
15
16
20
26
27
أي أنه قام بحذف تسعة أعداد كاملة من تلك الأقوال المنسوبة إلى بولس (1) حتى تقترب تلك الأقوال مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه والله شهادة بأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم كما أخبرنا بقوله (أعطيت جوامع الكلم ..).(10/420)
ثم بماذا يوصف ذلك الشخص الذي تجرأ على كتابه المقدس فحذف منه ما يشاء حتى تتشابه شتات كلمات كتابه مع ما قاله رسولنا الكريم إلا بأنه ضال مضل محرف.
ثانياً : هل يوجد لزوم عقلي يجعل تشابه النصوص –إن كان هناك تشابه- لا يكون إلا بالاقتباس؟؟
في الواقع أنا لا أدري كيف يفكر هؤلاء، فلا يوجد عاقل يمكنه القول بأن التشابه –إن كان هناك تشابه- يوجب الاقتباس، فرسولنا صلى الله عليه وسلم قد ترك لنا عشرات الآلاف من الأحاديث وكون أحد هذه الأحاديث قد يتشابه مع ما قاله غيره احتمال غير مستبعد بل هو احتمال كبير للغاية عند العقلاء.
قلت فما بالنا لو كان هذا التشابه المزعوم قد حدث بين حديث شريف وأقول قد تم جمع شتاتها من أعداد مختلفة حتى وإن كانت في نفس الإصحاح.
فالتشابه المزعزم لا يوجد فيه تطابق بوجه من الوجوه بل هو تشابه بين حديث وكلمات مشتته كما بينا.
فزعمهم السابق لا تقام به حجة عند العقلاء ولله الحمد.
ثالثاً : يعتبر وصف الأشخاص خاصة إن كان بينهم ما يجمعهم بأنهم جسد واحد من الأوصاف الشائعة للغاية، ومن أمثلة ذلك قول المسيح في وصف الزوج وزوجته بأنهما جسد واحد :
مرقس 10 : 8 ( ويكون الاثنان جسدا واحدا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد ).
متى 19 : 6 ( إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان ).
بل أن بولس نفسه قد أستخدم تعبير الجسد الواحد في مواقف أخرى مثل :
1 كورنثوس 15 : 39 ليس كل جسد جسدا واحدا بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد آخر. وللسمك آخر وللطير آخر.
فشيوع استخدام هذا الوصف –وصف الجسد الواحد- في مواقف مختلفة يجعل القول بأن من أستخدمه لابد أن يكون قد أقتبسه من آخر مجرد حماقة لا تستحق النقاش.
رابعاً : إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد أقتبس هذا الحديث من كلام بولس فلابد أنه كان في حاجة إلى عشرات الآلاف من مثل هذا البولس لكي يترك لنا عشرات الآلاف من الأحاديث، بل لنا أن نخمن كم بولس يحتاجهم محمد صلى الله عليه وسلم حتى يُخرج لنا القرآن الكريم الذي أعجز الجن والأنس أن يأتوا بمثله إن كان هو كاتبه كما يدعي السفهاء.
على كل حال أكتفي بهذا القدر وإن كنت أحب أن أتحدث عن بولس نفسه وكيف أنه قد وصف نفسه بالكذب والنفاق في الكلمات المنسوبة إليه في الكتاب المقدس، ولكني أتوقف حتى لا أخرج عن نطاق الموضوع فكما يقال "لكل مقام مقال".
تحياتي.
--------------
(1) لا يوجد سند متصل للكتاب المقدس حتى نستطيع الجزم بأن كلمات الكتاب المقدس المنسوبة إلى بولس هي فعلاً من كتابته.
================
البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة و الإنجيل
(و مبشّرا برسول يأت من بعدى اسمه أحمد)
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
1- مباركة إسماعيل عليه السلام
سفر التكوين الإصحاح 17 : 20 (( وأما إسماعيل فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أنا أباركه وَاثْمِرُهُ وأكثره كَثِيرا جِدّا. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسا يَلِدُ وَاجْعَلُهُ امَّةً كَبِيرَةً )).
سفر التكوين الإصحاح 21 : 13 ((وَابْنُ الْجَارِيَةِ أيضا سأجعله امَّةً لأنه نَسْلُكَ ))
"ابن الجارية" إسماعيل عليه السلام "سأجعله أمة" أمة الإسلام
محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الوحيد من نسل إسماعيل عليه السلام
2- من هو شيلون :
سفر التكوين الإصحاح 49 : 10-12 ((لا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يأتي شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ.11 رَابِطا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أتانه. غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ 12 مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ وَمُبْيَضُّ الأسنان مِنَ اللَّبَنِ )).
"شيلون" كلمة عبرية الأصل تعني "المرسل"
وباليونانية تعني "الذي له الكل"
وبالسريانية تعني " الذي هو له "
وباللاتينية تعني " الذي سيرسل "
من الواضح أنها تدل على شخص وليس المكان الذي في سفر ارمياء الإصحاح 7 : 12ومواقع أخرى (( لَكِنِ اذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِي الَّذِي فِي شِيلُوهَ الَّذِي أَسْكَنْتُ فِيهِ اسْمِي أَوَّلاً وَانْظُرُوا مَا صَنَعْتُ بِهِ مِنْ أَجْلِ شَرِّ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. ))
لا تنطبق على موسى u فقد كان أول من نظم أسباط بني إسرائيل الاثني عشر ولم يظهر قبله أي نبي أو ملك من سبط يهوذا
ولا تنطبق على داود عليه السلام فقد كان أول ملك نبي ينحدر من سبط يهوذا ولا تنطبق على المسيح عليه السلام لأنه نفسه رفض الفكرة القائلة بأن المسيح عليه السلام الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل كان أحد أبناء داود عليه السلام كما في :-(10/421)
إنجيل متى الإصحاح 22 : 41-45 ((وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ:42 «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ» 43 قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: 44 قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ 45 فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» )) .
وفي إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 41-44 ((وَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ 42 وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي 43 حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. 44 فَإِذاً دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟».))
كما أن المسيح عليه السلام لم يترك قانوناً مكتوباً ولم يكن ملكاً
لقد انقرض سبط يهوذا منذ مئات السنين فأين شيلون إذن ؟
3- نبوءة موسى عن النبي المماثل له :
سفر التثنية الإصحاح 18 : 15 (( «يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ.))
وجاء مثلها أيضاً في أعمال الرسل الإصحاح 3 : 22
(( فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. 23 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. 24 وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضاً مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهَذِهِ الأَيَّامِ.))
وفي أعمال الرسل الإصحاح 7 : 37
((«هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ.))
"من وسطك" يهود المدينة المنورة حيث أسس محمد صلى الله عليه وسلم أول دولة إسلامية
"إخوتك" العرب فهم أبناء إسماعيل عليه السلام أخ إسحق عليه السلام كما في سفر التكوين الإصحاح 16 : 12
لو كان المقصود من بني إسرائيل لقال "منكم"
"مثلي" تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم لأن كلاً من موسى ومحمد عليهما الصلاة السلام :-
-له أب وأم وليس لعيسى عليه السلام أب
-ولادتهما طبيعية أي بوجود زوج وزوجة بينما ولد عيسى عليه السلام بكلمة من الله سبحانه وتعالى
-تزوجا وأنجبا بينما عيسى عليه السلام لم يتزوج أو ينجب
-كلاهما نبي وحاكم أما المسيح عليه السلام فلم يأت بشريعة جديدة ولم يحكم قومه
-كلاهما مات ميتة طبيعية ودُفنا في الأرض بينما رفع عيسى عليه السلام
-على النصارى أن يضيفوا إلى ذلك زعمهم ألوهية المسيح عليه السلام (أستغفر الله العظيم)
ولا تنطبق على يوشع كما يدعي أهل الكتاب لأنه عاش زمن موسى
ولا تنطبق على عيسى عليه السلام رغم زعم كتاب الإنجيل أنه قال ذلك في يوحنا 5 : 46 فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 34 : 10 "لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى"
4- نبوءة موسى عن النبي المماثل له :
سفر التثنية الإصحاح 18 : 18-22
((أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ.19 وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ 20 وَأَمَّا النَّبِيُّ الذِي يُطْغِي فَيَتَكَلمُ بِاسْمِي كَلاماً لمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلمَ بِهِ أَوِ الذِي يَتَكَلمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى فَيَمُوتُ ذَلِكَ النَّبِيُّ 21 وَإِنْ قُلتَ فِي قَلبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الكَلامَ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ؟ 22 فَمَا تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلمْ يَحْدُثْ وَلمْ يَصِرْ فَهُوَ الكَلامُ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ بَل بِطُغْيَانٍ تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ فَلا تَخَفْ مِنْهُ».))
"مثلك" لا تنطبق على عيسى عليه السلام فهو ليس كموسى كما سبق ذكره
"إخوتهم" العرب كما سبق ذكره
"أجعل كلامي في فمه" القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى
"بكل ما أوصيه به" الشريعة الإسلامية
"ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه" وجوب إتباع محمد صلى الله عليه وسلم وعقاب من لا يفعل ذلك
"يتكلم به باسمي" تبدأ كل سورة في القرآن الكريم باسم الله الرحمن الرحيم(10/422)
"فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه" لقد أثبتت الاكتشافات العلمية العديد من المعجزات في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كما تحققت معظم نبوآت محمد صلى الله عليه وسلم وسيتحقق باقيها مع مرور الزمن إن شاء الله تعالى
رفض اليهود الاعتراف بالمسيح وبمحمد عليهما الصلاة والسلام وبذلك لم يتحقق وعد الله سبحانه وتعالى بزعمهم وما زالوا ينتظرون
5- أغيظهم بما ليس شعبا:
سفر التثنية الإصحاح 32 : 21
(( هُمْ أَغَارُونِي بِمَا ليْسَ إِلهاً أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ. فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا ليْسَ شَعْباً بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ.))
وجاء مثلها أيضاً في رومية 10 : 19
((لَكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلاً مُوسَى يَقُولُ: «أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ».))
"بما ليس شعباً " كان العرب قبل الإسلام قبائل متفرقة
"أمة غبية" العرب في الجاهلية وليس اليونانيين فقد كانوا ذوي علوم وفنون كما ثبت في كتب التاريخ
6- جاء الرب من سيناء:
سفر التثنية الإصحاح 33 : 2-3
((فَقَال: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ لهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ القُدْسِ وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لهُمْ.3 فَأَحَبَّ الشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ.
))
"الرب" تعني كلمة الله سبحانه وتعالى أو أمره
أحياناً يقول الله سبحانه وتعالى أنا أفعل مع أنه أناب بشراً للقيام بالعمل كما في التثنية 32 : 41-42
((إِذَا سَنَنْتُ سَيْفِي البَارِقَ وَأَمْسَكَتْ بِالقَضَاءِ يَدِي أَرُدُّ نَقْمَةً عَلى أَضْدَادِي وَأُجَازِي مُبْغِضِيَّ.
42 أُسْكِرُ سِهَامِي بِدَمٍ وَيَأْكُلُ سَيْفِي لحْماً. بِدَمِ القَتْلى وَالسَّبَايَا وَمِنْ رُؤُوسِ قُوَّادِ العَدُوِّ.))
"سيناء" صحراء في مصر وهي مكان تلقي موسى عليه السلام للتوراة
"ساعير" جبال في فلسطين حيث تلقى عيسى عليه السلام الإنجيل
"فاران" مكة المكرمة حيث سكن إسماعيل عليه السلام وأمه كما في سفر التكوين الإصحاح 21 : 21
ولم يكن لبني إسرائيل أية علاقة بها وهي مكان تلقي محمد صلى الله عليه وسلم أجزاء من القرآن الكريم
"نار شريعة" الإسلام وهو الوحيد في الجزيرة العربية
"القديس" تعني المؤمن كما في رسالة بولس إلى أهل فيليبي الإصحاح 1 : 1
"أقوالك" القرآن الكريم
7- وادي البكاء :
المزمور 84 : 4-7
((طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ أَبَداً يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ. 5 طُوبَى لِأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ .6 عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً. أَيْضاً بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7 يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ. ))
"بيتك" المسجد الحرام
" وادي البكاء " إن بكة اسم آخر لمكة المكرمة كما ورد في القرآن الكريم
"يصيرونه ينبوعا" بئر زمزم
8- أحمد :
نشيد الإنشاد الإصحاح 5 : 10-16
((حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ. مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ..... 16 حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هَذَا حَبِيبِي وَهَذَا خَلِيلِي يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ ))
"معلم بين ربوة" كان على ظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علامة ختم النبوة
"مشتهيات" المعنى العبري الأصلي لكلمة مشهيات " أحمد"
9- وحي من جهة بلاد العرب :
سفر إشعياء الإصحاح 21 : 7-17(10/423)
((فَرَأَى رُكَّاباً أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَالٍ. فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيداً 8 ثُمَّ صَرَخَ كَأَسَدٍ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْمَرْصَدِ دَائِماً فِي النَّهَارِ وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى الْمَحْرَسِ كُلَّ اللَّيَالِي. 9 وَهُوَذَا رُكَّابٌ مِنَ الرِّجَالِ. أَزْوَاجٌ مِنَ الْفُرْسَانِ». فَأَجَابَ: «سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا الْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى الأَرْضِ». 10 يَا دِيَاسَتِي وَبَنِي بَيْدَرِي. مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ. 11 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ؟» 12 قَالَ الْحَارِسُ: «أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضاً لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا تَعَالُوا». 13 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14 هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15 فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16 فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَار 17 وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».))
"ركاب حمير ركاب جمال" وصف قافلة للعرب
من الطريف أن النصارى يفسرون "ركاب الحمير" على أنها ترمز إلى دخول عيسى عليه السلام القدس. وهو يركب حمارين معاً كما في إنجيل متى الإصحاح 21 : 1-7 !
"وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب" نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الوحيدة في بلاد العرب
"العطشان والهارب بخبزه" هو صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة
"فإنهم من أمام السيوف قد هربوا " أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالهجرة من مكة إلى المدينة هرباً من بطش قريش عندما تسلحوا بسيوفهم وحاصروا بيته لقتله ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه منهم
"يا سكان أرض تيماء" مدينة في المملكة العربية السعودية تقع شمال المدينة المنورة وقد كان يسكنها اليهود وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لهم بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم
" في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار " لقد حدثت معركة بدر الكبرى وقد نصر الله سبحانه وتعالى فيها محمد صلى الله عليه وسلم في العام الثاني للهجرة وكانت بداية فناء أمجاد قيدار الجاهلية واعتنق جميعهم الإسلام فيما بعد
"وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل" لقد قُتل 70 من صناديد قريش يوم بدر
10- أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة :
سفر إشعياء الإصحاح 29 : 12
((أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ».))
" أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتاب ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة "
نزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء لأول مرة وأمره بالقراءة مكرراً ذلك ثلاث مرات ومحمد صلى الله عليه وسلم يجيب في كل مرة " ما أنا بقارىء " فضمه جبريل عليه السلام قائلاً : "اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق " هذه بداية أول سورة نزلت من القرآن الكريم
11- الأغنية الجديدة في قيدار :
سفر إشعياء الإصحاح 42 : 10-17(10/424)
((غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا 11 لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12 لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13 الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ. 14 قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنْخِرُ مَعاً. 15 أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَبَساً وَأُنَشِّفُ الآجَامَ 16 وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هَذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ. 17 قَدِ ارْتَدُّوا إِلَى الْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْياً الْمُتَّكِلُونَ عَلَى الْمَنْحُوتَاتِ الْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: «أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا!» ))
"أغنية جديدة" القرآن الكريم
"من أقصى الأرض" مكة المكرمة
"المنحدرون في البحر و…." الحجاج
"لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار" الديار هي مكة المكرمة
" قيدار" من نسل إسماعيل عليه السلام وهو الجد الأعظم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التكوين الإصحاح 25 : 13 ((وَهَذِهِ أسماء بَنِي إسماعيل بأسمائهم حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إسماعيل وَقِيدَارُ وَادَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ )) .
"سالع" جبل في المدينة المنورة
"من رؤوس الجبال يصيحون" تلبية الحجاج وتكبيرهم على جبل عرفات
"ليعطوا الرب مجداً ويخبروا بتسبيحه في الجزائر" الأذان
"الرب كالجبار يخرج" الجهاد
أحياناً يقول الله سبحانه وتعالى أنا أفعل مع أنه أناب بشراً للقيام بالعمل كما في التثنية 32 : 41-42
كما أن "الرب" تعني المعلم كما في يوحنا الإصحاح 1 : 38 وهو محمد صلى الله عليه وسلم
"وأسير العمي في طريق لم يعرفوها" كان العرب في الجاهلية كالعميان لا يميزون الصح من الخطأ إلى أن أرسل الله سبحانه وتعالى لهم محمد صلى الله عليه وسلم كما وعد في سفر التكوين الإصحاح 21 : 13
"أجعل الظلمة أمامهم نوراً والمعوجات مستقيمة" نقل الإسلام العرب من ظلمات الجهل إلى الطريق المستقيم
"يخزى خزياً المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا" كان العرب في الجاهلية يصنعون الأصنام ويعبدونها وقد عاقبهم الله سبحانه وتعالى فحطمها محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة
12- المسيح كورش :
سفر إشعياء الإصحاح 45 : 1-3
((هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَماً وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ. لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ: 2 «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. 3 وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ لِتَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.))
لقد فتح الله سبحانه وتعالى الدول أمام محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه وإن كل مكان في العالم مفتوح أمام الإسلام . أما ملك الفرس كورش فقد كان وثنياً فكيف يكون مسيحاً لله ؟ كما أن دولة الفرس اعتنقت الإسلام
كلمة مسيح تعني تعيين شخص لأداء مهمة كما في صموئيل الثاني الإصحاح 2 : 7
((وَالآنَ فَلْتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ وَكُونُوا ذَوِي بَأْسٍ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ سَيِّدُكُمْ شَاوُلُ، وَإِيَّايَ مَسَحَ بَيْتُ يَهُوذَا مَلِكاً عَلَيْهِمْ»))
13- بنو العاقر وبنو المستوحشة :
سفر إشعياء الإصحاح 54 : كله(10/425)
((تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ قَالَ الرَّبُّ. 2 أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ. 3 لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَماً وَيُعَمِّرُ مُدُناً خَرِبَةً. 4 لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزِينَ وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسِينَ خِزْيَ صَبَاكِ وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ. 5 لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. إِلَهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى. 6 لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ قَالَ إِلَهُكِ. 7 لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. 8 بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ. 9 لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هَذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ هَكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10 فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ. 11 أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ هَئَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ . 12 وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتاً وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً . 13 وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيراً. 14 بِالْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ وَعَنِ الاِرْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ. 15 هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعاً لَيْسَ مِنْ عِنْدِي. مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ. 16 هَئَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ. 17 كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي يَقُولُ الرَّبُّ. ))
" العاقر" مكة المكرمة لعدم ظهور نبي فيها بعد إسماعيل عليه السلام
"بنو المستوحشة" هم أولاد هاجر عليها السلام كما في سفر التكوين الإصحاح 16 : 11-12
((وَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: «هَا انْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْنا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إسماعيل لانَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. 12 وَانَّهُ يَكُونُ إنسانا وَحْشِيّا يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وأمام جَمِيعِ إخوته يَسْكُنُ».))
"بنو ذات رجل" هم أولاد سارة عليها السلام
"ويرث نسلك أمماً" الفتوحات الإسلامية
الجمل من 4-16 استمرار الأمن والإسلام في مكة المكرمة
"كل آلة صورت ضدك لا تنجح" حماية مكة المكرمة كما حدث لأبرهة الأشرم حين غزاها فهزمه الله سبحانه وتعالى
14- نبي السلام :
ارمياء الإصحاح 28 : 9
((النَّبِيُّ الَّذِي تَنَبَّأَ بِالسَّلاَمِ فَعِنْدَ حُصُولِ كَلِمَةِ النَّبِيِّ عُرِفَ ذَلِكَ النَّبِيُّ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَهُ حَقّاً].))
"تنبأ بالسلام" محمد صلى الله عليه وسلم دعا للإسلام وقد نجحت دعوته وانتشر الإسلام
15- نبوءة دانيال تعبيرا لرؤيا نبوخذ نصر:
سفر دانيال الإصحاح 2 : 31-45
(([أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَالٍ عَظِيمٍ. هَذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدّاً وَقَفَ قُبَالَتَكَ وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ.(10/426)
32 رَأْسُ هَذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33 سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34 كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35 فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعاً وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلَأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36 هَذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ: 37 [أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ لأَنَّ إِلَهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَاراً وَسُلْطَاناً وَفَخْراً. 38 وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هَذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39 وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40 وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلِبَةٌ كَالْحَدِيدِ لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هَؤُلاَءِ. 41 وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطاً بِخَزَفِ الطِّينِ.42
وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيّاً وَالْبَعْضُ قَصِماً. 43 وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطاً بِخَزَفِ الطِّينِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ وَلَكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هَذَا بِذَاكَ كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44 وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45 لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ لاَ بِيَدَيْنِ فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اللَّهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا. الْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ].))
"الحجر الذي قطع" محمد صلى الله عليه وسلم . إن كلمة بطرس يونانية تعني صفا كما في يوحنا الإصحاح 1 : 42 وهي كلمة قديمة تعني بالعبرية " إيبن" وبالعربية "حجر" وتدل على شيء أو شخص أما المكان فيدعى "مصفاة" كما في سفر التكوين الإصحاح 31 : 49 . إن " المصطفى " من أسماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
"التمثال" الأصنام
"فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها " انتشار الإسلام في العالم
المملكة الأولى سلطنة الكلدانيين
المملكة الثانية مملكة مادي والفرس كما في سفر دانيال الإصحاح 5 : 30-31
((فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكِلْدَانِيِّينَ 31 فَأَخَذَ الْمَمْلَكَةَ دَارِيُوسُ الْمَادِيُّ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.))
المملكة الثالثة الاسكندر المقدوني
المملكة الرابعة الإمبراطورية الرومانية
"مملكة لن تنقرض أبداً" الإسلام
"وتسحق وتفني كل هذه الممالك" لقد حطم المسلمون الإمبراطورية الفارسية والرومانية واعتنق معظم سكانها الإسلام
16- رؤيا دانيال :
سفر دانيال الإصحاح 7 : كله(10/427)
((في السنة الأولى لبيلشاصر ملك بابل راى دانيال حلما و رؤى رأسه على فراشه حينئذ كتب الحلم و اخبر براس الكلام* 2 أجاب دانيال و قال كنت أرى في رؤياي ليلا و إذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير* 3 و صعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك* 4 الأول كالأسد و له جناحا نسر و كنت انظر حتى انتتف جناحاه و انتصب عن الأرض و أوقف على رجلين كانسان و أعطي قلب إنسان* 5 و إذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب فارتفع على جنب واحد و في فمه ثلاث أضلع بين أسنانه فقالوا له هكذا قم كل لحما كثيرا* 6 و بعد هذا كنت أرى و إذا بآخر مثل النمر و له على ظهره أربعة أجنحة طائر و كان للحيوان أربعة رؤوس و أعطي سلطانا* 7 بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل و إذا بحيوان رابع هائل و قوي و شديد جدا و له أسنان من حديد كبيرة أكل و سحق و داس الباقي برجليه و كان مخالفا لكل الحيوانات الذين قبله و له عشرة قرون* 8 كنت متأملا بالقرون و إذا بقرن آخر صغير طلع بينها و قلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه و إذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن و فم متكلم بعظائم* 9 كنت أرى انه وضعت عروش و جلس القديم الأيام لباسه ابيض كالثلج و شعر رأسه كالصوف النقي و عرشه لهيب نار و بكراته نار متقدة* 10 نهر نار جرى و خرج من قدامه ألوف ألوف تخدمه و ربوات ربوات وقوف قدامه فجلس الدين و فتحت الأسفار* 11 كنت انظر حينئذ من اجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن كنت أرى إلى أن قتل الحيوان و هلك جسمه و دفع لوقيد النار* 12 أما باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم و لكن أعطوا طول حياة إلى زمان و وقت* 13 كنت أرى في رؤى الليل و إذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى و جاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه* 14 فأعطي سلطانا و مجدا و ملكوتا لتتعبد له كل الشعوب و الأمم و الالسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول و ملكوته ما لا ينقرض* 15 أما أنا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي و أفزعتني رؤى راسي* 16 فاقتربت إلى واحد من الوقوف و طلبت منه الحقيقة في كل هذا فاخبرني و عرفني تفسير الأمور* 17 هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة هي أربعة ملوك يقومون على الأرض* 18 أما قديسو العلي فيأخذون المملكة و يمتلكون المملكة إلى الأبد و إلى ابد الآبدين* 19 حينئذ رمت الحقيقة من جهة الحيوان الرابع الذي كان مخالفا لكلها و هائلا جدا و أسنانه من حديد و أظفاره من نحاس و قد أكل و سحق و داس الباقي برجليه* 20 و عن القرون العشرة التي برأسه و عن الآخر الذي طلع فسقطت قدامه ثلاثة و هذا القرن له عيون و فم متكلم بعظائم و منظره اشد من رفقائه* 21 و كنت انظر و إذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم* 22 حتى جاء القديم الأيام و أعطي الدين لقديسي العلي و بلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة* 23 فقال هكذا أما الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك فتأكل الأرض كلها و تدوسها و تسحقها* 24 و القرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون و يقوم بعدهم آخر و هو مخالف الأولين و يذل ثلاثة ملوك* 25 و يتكلم بكلام ضد العلي و يبلي قديسي العلي و يظن انه يغير الأوقات و السنة و يسلمون ليده إلى زمان و أزمنة و نصف زمان* 26 فيجلس الدين و ينزعون عنه سلطانه ليفنوا و يبيدوا إلى المنتهى* 27 و المملكة و السلطان و عظمة المملكة تحت كل السماء تعطي لشعب قديسي العلي ملكوته ملكوت ابدي و جميع السلاطين إياه يعبدون و يطيعون* 28 إلى هنا نهاية الأمر أما أنا دانيال فأفكاري أفزعتني كثيرا و تغيرت علي هيئتي و حفظت الأمر في قلبي* ))
المملكة الأولى : الكلدانية فقد كانت قوية كالنسر المنقض على فريسته
المملكة الثانية : المادية الفارسية ورمز لها بالدب وقد امتد نفوذها حتى البحر الأدرياتيكي وإثيوبيا وهكذا فهي تحمل بين أسنانها ضلعاً من كل من القارات الثلاث في نصف الكرة الشرقي
المملكة الثالثة : ورمز لها بالنمر الشرس ذا القفزات السريعة ترمز إلى زحوف الإسكندر الأكبر الظافرة والذي انقسمت مملكته بعد موته إلى أربع ممالك
المملكة الرابعة : الإمبراطورية الرومانية الهائلة ورمز لها بوحش ضخم وشيطان كبير والقرون العشرة هم أباطرتها العشرة الأوائل الذين اضطهدوا المؤمنين من النصارى
لقد تنافست الأربعة ممالك وانتصر قسطنطين الإمبراطور الروماني الحادي عشر عليهم وهو الذي تنطبق عليه "يتكلم بكلام ضد العلي" لقد مُثلت الوحوش الأربعة على أنها غير عاقلة .أما القرن الصغير فهو بشر وينطبق على قسطنطين ويعود إليه تحريف شريعة المسيح عليه السلام وفرض آراءه وقراراته الخاصة بالتثليث وألوهية المسيح عليه السلام بمرسوم إمبراطوري صدر في مجمع نيقية "أزمير الآن" سنة 325 م
"وإذا مع سحب السماء" معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء
"مثل ابن الإنسان" محمد صلى الله عليه وسلم وليس المسيح عليه السلام فقد جاء قبل قسطنطين(10/428)
"والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي" الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في العالم وقد تحققت تلك النبوءة بعد حوالي 2500 عاماً ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم من حدوثها
"ملكوته ملكوت أبدي" بقاء الإسلام إلى الأبد بإذن الله سبحانه وتعالى
17- الله جاء من تيمان والقدوس من فاران :
حبقوق الإصحاح 3 : 3
((اَللَّهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضُ امْتَلَأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ.))
"الله جاء" أمر الله سبحانه وتعالى أو كلمته
"تيمان" تعني جنوب أي جنوب القدس
"والقدوس" محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الوحيد الذي بعث هناك
"فاران" مكة المكرمة حيث سكن جد محمد صلى الله عليه وسلم
إسماعيل عليه السلام كما في التكوين 21 : 21- 22 ((وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلامِ فَكَبِرَ وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ.22 وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. وَاخَذَتْ لَهُ امُّهُ زَوْجَةً مِنْ ارْضِ مِصْرَ.)) وصيغة الماضي تأكيد لوقوعها
18- ويأتي مشتهى كل الأمم :
سفر حجي الإصحاح 2 : 7-9
((وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8 لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9 مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ].))
"ويأتي مشتهى كل الأمم" النص العبري الأصلي "وسوف يأتي حمدا لكل الأمم" استبدل كتبة الإنجيل كلمة "حمدا" بكلمة "مشتهى" وهي عبرية تعني حمد ، شهية ، شائق ، أحمد وهو صيغة أخرى لمحمد ومن نفس المصدر ومعناه "الأمجد" أي محمد صلى الله عليه وسلم
"هذا البيت" المسجد الأقصى ملأه الله سبحانه وتعالى بالمجد بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم فيه إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء
"مجد الأول" هيكل سليمان عليه السلام
"أعطي السلام" الإسلام فقد أخفق المسيح عليه السلام في جلب السلام متى الإصحاح 10 : 34
((«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً.))
كما تنبأ بخراب الهيكل في إنجيل متى الإصحاح 24 : 2
((فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!».))
وفي إنجيل مرقس الإصحاح 13 : 2 ((فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَتَنْظُرُ هَذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». ))
وفي إنجيل لوقا الإصحاح 21 : 6 ((«هَذِهِ الَّتِي تَرَوْنَهَا سَتَأْتِي أَيَّامٌ لاَ يُتْرَكُ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». ))
الأمر الذي تحقق بعد أربعين عاماً تقريباً على يد الرومان وتشتت اليهود.
====
من العهد الجديد :
1- مثل الكرامين الأردياء :
إنجيل متى الإصحاح 21 : 33-44
((33 اسمعوا مثلا آخر كان إنسان رب بيت غرس كرما و أحاطه بسياج و حفر فيه معصرة و بنى برجا و سلمه إلى كرامين و سافر* 34 و لما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره* 35 فاخذ الكرامون عبيده و جلدوا بعضا و قتلوا بعضا و رجموا بعضا* 36 ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين فعلوا بهم كذلك* 37 فأخيرا أرسل إليهم ابنه قائلا يهابون ابني* 38 و أما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله و نأخذ ميراثه* 39 فأخذوه و أخرجوه خارج الكرم و قتلوه* 40 فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين* 41 قالوا له أولئك الاردياء يهلكهم هلاكا رديا و يسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها* 42 قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار راس الزاوية من قبل الرب كان هذا و هو عجيب في أعيننا* 43 لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم و يعطى لأمة تعمل أثماره* 44 و من سقط على هذا الحجر يترضض و من سقط هو عليه يسحقه* 45 و لما سمع رؤساء الكهنة و الفريسيون أمثاله عرفوا انه تكلم عليهم* 46 و إذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي*))
"الكرم" الشريعة
"سياج وحفر" المحرمات والمباحات
"عبيده" رسله
"الابن" عيسى عليه السلام
"الكرامين والأردياء" اليهود
"كرامين آخرين" المسلمون
"الحجر الذي رفضه البناءون" محمد صلى الله عليه وسلم
"ملكوت الله ينزع منكم" نزع النبوة من بني إسرائيل
"ويعطى لأمة تعمل أثماره" أمة محمد صلى الله عليه وسلم
"ومن سقط على هذا الحجر يترضض" هزيمة من حارب محمد صلى الله عليه وسلم
"ومن سقط هو عليه يسحقه" انتصار محمد صلى الله عليه وسلم على أعدائه(10/429)
تدل صيغة الكلام على أن عيسى عليه السلام يتكلم عن آخر سيأتي أما هو فقد قتله الكرامون فكيف يسحق خصومه؟
وجاء مثلها أيضاً في إنجيل مرقس الإصحاح 12 : 1-11
((و ابتدأ يقول لهم بأمثال إنسان غرس كرما و أحاطه بسياج و حفر حوض معصرة و بنى برجا و سلمه إلى كرامين و سافر* 2 ثم أرسل إلى الكرامين في الوقت عبدا ليأخذ من الكرامين من ثمر الكرم* 3 فأخذوه و جلدوه و أرسلوه فارغا* 4 ثم أرسل إليهم أيضا عبدا آخر فرجموه و شجوه و أرسلوه مهانا* 5 ثم أرسل أيضا آخر فقتلوه ثم آخرين كثيرين فجلدوا منهم بعضا و قتلوا بعضا* 6 فإذ كان له أيضا ابن واحد حبيب إليه أرسله أيضا إليهم أخيرا قائلا أنهم يهابون ابني* 7 و لكن أولئك الكرامين قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله فيكون لنا الميراث* 8 فأخذوه و قتلوه و أخرجوه خارج الكرم* 9 فماذا يفعل صاحب الكرم يأتي و يهلك الكرامين و يعطي الكرم إلى آخرين* 10 أما قرأتم هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار راس الزاوية* ))
وفي المزمور 118 : 22-23
((الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ البناءون قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ.23 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.))
وفي إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 9-19
((9 و ابتدأ يقول للشعب هذا المثل إنسان غرس كرما و سلمه إلى كرامين و سافر زمانا طويلا* 10 و في الوقت أرسل إلى الكرامين عبدا لكي يعطوه من ثمر الكرم فجلده الكرامون و أرسلوه فارغا* 11 فعاد و أرسل عبدا آخر فجلدوا ذلك أيضا و أهانوه و أرسلوه فارغا* 12 ثم عاد فأرسل ثالثا فجرحوا هذا أيضا و أخرجوه* 13 فقال صاحب الكرم ماذا افعل أرسل ابني الحبيب لعلهم إذا رأوه يهابون* 14 فلما رآه الكرامون تآمروا فيما بينهم قائلين هذا هو الوارث هلموا نقتله لكي يصير لنا الميراث* 15 فأخرجوه خارج الكرم و قتلوه فماذا يفعل بهم صاحب الكرم* 16 يأتي و يهلك هؤلاء الكرامين و يعطي الكرم لآخرين فلما سمعوا قالوا حاشا* 17 فنظر إليهم و قال إذا ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار راس الزاوية* 18 كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض و من سقط هو عليه يسحقه*))
2- قال الرب لربي :
إنجيل متى الإصحاح 22 : 44-45
((وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ:42 «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ» 43 قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: 44 قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ 45 فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» )) .
"حتى لأضع أعداءك موطئاً لقدميك" انتصار دعوة محمد صلى الله عليه وسلم
"فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه" اعتراف المسيح عليه السلام أنه ليس المقصود وأنه ليس سيداً لداود عليه السلام ولم ينحدر من سلالته كما جاء في نسبه أنه ابن داود عليه السلام في إنجيل متى الإصحاح 1 : 1-17 وفي إنجيل لوقا الإصحاح 3 : 23-38
إذن لو كان عيسى عليه السلام هو المقصود لناداه داود عليه السلام يا بني
"الرب" تعني المعلم الديني كما في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 38 ((فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» فَقَالاَ: «رَبِّي (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ) أَيْنَ تَمْكُثُ؟»))
وتعني المالك كما في إنجيل متى الإصحاح 13 : 52 ((فَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ».))
لقد جلس سيد داود عليه السلام عن يمين إله واحد وليس ثلاثة
"حتى لأضع أعداءك موطئاً لقدميك" دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف والقادر الذي يمنح النصر لمن يشاء من عباده
لقد جلس سيد داود عليه السلام عن يمين إله واحد وليس ثلاثة
إن حادثة المعراج تفسر الرؤيا
وجاء مثلها أيضاً في إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 41-44
وفي إنجيل مرقس الإصحاح 12 : 35-37
3- نبوءة يوحنا المعمدان :
إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 7-8
((وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلاً: «يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. 8 أَنَا عَمَّدْتُكُمْ بِالْمَاءِ وَأَمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ».))(10/430)
"يأتي بعدي من هو أقوى مني" محمد صلى الله عليه وسلم .كان يحيى عليه السلام يعظ جماهير اليهود على ضفاف الأردن ووراءهم حوالي 4000 عام من التاريخ الديني دون أن يستجيبوا له ومات مقتولاً كما في إنجيل مرقس الإصحاح 6 : 28 ولكن محمد صلى الله عليه وسلم كان يتلو آيات الله بصوت هادىء ورغم ذلك آمن به قومه وعاد إلى مكة فاتحاً منتصرا فهو أقوى من يحيى عليه السلام
"أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس"
أي أن تعميد يحيى عليه السلام تنظيف خارجي أما محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ينظف العقيدة
لا تنطبق على عيسى عليه السلام فقد كان مع يحيى عليه السلام ولم ينجز شيئاً يذكر كما أن نهايته كانت عنيفة كنهاية يحيى عليه السلام حسب ما جاء في الإنجيل ، كما وانه وحتى الآن يتم التعميد بالماء عند النصارى وكلام يوحنا عن وسيلة أو أداة التعميد التي سوف تصبح الروح القدس بدلا من الماء ولا يقصد يوحنا ما ينطقه من يقوم بالتعميد أي أن الآتي بعدة لن يعمد بالماء ومعلوم أن التعميد بالماء هو مظهر ووسيلة الدخول في الدين النصراني حتى الآن ، فلا ينطبق قول يوحنا على المسيح بأي حال من الأحوال .
وجاء مثلها أيضاً في إنجيل متى الإصحاح 3 : 10-12
4- النبي المنتظر :
إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 19-28
((19 و هذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة و لآويين ليسألوه من أنت* 20 فاعترف و لم ينكر و اقر إني لست أنا المسيح* 21 فسألوه إذا ماذا إيليا أنت فقال لست أنا النبي أنت فأجاب لا* 22 فقالوا له من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك* 23 قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال اشعياء النبي* 24 و كان المرسلون من الفريسيين* 25 فسألوه و قالوا له فما بالك تعمد أن كنت لست المسيح و لا إيليا و لا النبي* 26 أجابهم يوحنا قائلا أنا اعمد بماء و لكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه* 27 هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن احل سيور حذائه*))
"إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي" كان اليهود يتوقعون تحقيق ثلاث نبوءات : مجيء المسيح ثم إيليا ثم مجيء ذلك النبي . فمن هو ذلك النبي ؟
وفي إنجيل يوحنا الإصحاح 7 : 40-42 توقع مجيء نبي ((* 40 فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي* 41 آخرون قالوا هذا هو المسيح و آخرون قالوا العل المسيح من الجليل يأتي* 42 الم يقل الكتاب انه من نسل داود و من بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح*))
"في وسطكم" في يثرب حيث كان اليهود يعيشون
"لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" محمد صلى الله عليه وسلم
وليس عيسى عليه السلام لأنه :-
جاء مع يحيى عليه السلام
لأن يحيى عليه السلام لم يتبعه بل أن عيسى عليه السلام ذهب إليه ليعمده كأي شخص أقل منه كما في إنجيل لوقا الإصحاح 3 : 21 إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 9
5- المعزي :
إنجيل يوحنا الإصحاح 14 :15-18
((* 15 أن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي* 16 و أنا اطلب من الاب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد* 17 روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه و لا يعرفه و أما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم و يكون فيكم* 18 لا أترككم يتامى إني آتي إليكم* ))
"إن كنتم تحبونني" دليل على أهمية الأمر فالحواريون يتوقعون نزول الروح فلا حاجة للفقرة
"معزياً آخر" إن التعزية تكون لمن فقد شيئاً هاماً وهذا دليل على فشل النصرانية فإذا كان المسيح عليه السلام قد خلص الناس من ذنوبهم فلماذا المعزي الجديد
كلمة آخر تدل على أن المعزي القادم بشر كالمسيح عليه السلام
"ليمكث معكم إلى الأبد" الإسلام
"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة
ولا يعني الروح النازل على تلاميذ عيسى عليه السلام لأن هذا :-
وجد منذ الخلق ورف على وجه الماء كما في التكوين الإصحاح 1 : 2
وكان مع الأنبياء فقد ملأ يوحنا (يحيى عليه السلام) في إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 15
وملأ الياصبات في إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 41
وملأ زكريا في إنجيل لوقا الإصحاح 1 :67
كان على سمعان في إنجيل لوقا الإصحاح 2 : 25
وملأ الحواريين في إنجيل يوحنا الإصحاح 20 : 21-22
كان كالحمامة عند نهر الأردن كما في إنجيل متى الإصحاح 3 : 16
إذا كان الروح القدس متحداً بالآب فلا ينطبق عليه "معزياً آخر"
"ماكث معكم ويكون فيكم " تعني مستقبلاً لأنها تنافي قوله " أنا أطلب ….آخر "
كما في حزقيال 39 : 8 بعد أن تكلم عن خروج يأجوج ومأجوج
6- المعزي :(10/431)
((* 26 و أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم بكل ما قلته لكم* 27 سلاما اترك لكم سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم و لا ترهب* 28 سمعتم إني قلت لكم أنا اذهب ثم آتي إليكم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت امضي إلى الاب لان أبي أعظم مني* 29 و قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون* 30 لا أتكلم أيضا معكم كثيرا لان رئيس هذا العالم يأتي و ليس له في شيء* 31 و لكن ليفهم العالم إني أحب الاب و كما أوصاني الاب هكذا افعل قوموا ننطلق من ههنا* ))
إنجيل يوحنا الإصحاح 14 : 26-30
"المعزي الروح القدس" محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود وليس الروح القدس كما سبق توضيحه
"ويذكركم بكل ما قلته لكم" تكلم القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام . لم ينس الحواريون أقوال عيسى عليه السلام فما القصد من الجملة ؟
"رئيس العالم" محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث للعالمين جميعاً
7- المعزي :
إنجيل يوحنا الإصحاح 15 : 26-27
((* 26 و متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الاب روح الحق الذي من عند الاب ينبثق فهو يشهد لي* 27 و تشهدون انتم أيضا لأنكم معي من الابتداء*))
"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة وقد سبق توضيحه
"من عند الآب ينبثق" صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
"يشهد لي" وردت معجزات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم .كان الحواريون يعرفون عيسى عليه السلام فلم الشهادة ؟ كما لم يشهد الروح للمسيح عند أعدائه .
"وتشهدون أنتم أيضاً " دليل على أن شهادة الحواريين غير شهادة المعزي وأما الروح فلم يشهد غير شهادة الحواريين .
8- المعزي :
إنجيل يوحنا الإصحاح 16 : 7-14
((* 7 لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق لأنه أن لم انطلق لا يأتيكم المعزي و لكن أن ذهبت أرسله إليكم* 8 و متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية و على بر و على دينونة* 9 أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي* 10 و أما على بر فلاني ذاهب إلى أبي و لا ترونني أيضا* 11 و أما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين* 12 أن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم و لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن* 13 و أما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به و يخبركم بأمور آتية* 14 ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي و يخبركم* ))
"إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" ذهاب المسيح شرط لحضور المعزي لأنه لم يأت رسولين بشريعتين في نفس الوقت .محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود أما الروح فقد حضر أثناء وجود عيسى عليه السلام
" يبكت العالم" دعا محمد صلى الله عليه وسلم بالتخويف من عذاب الله سبحانه وتعالى
"أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي" تدل على أن المعزي يظهر على منكري عيسى عليه السلام
"رئيس العالم" محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث للعالمين جميعاً
"وإن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ….الآن" دليل على عدم كمال شريعة عيسى عليه السلام
"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة وقد سبق توضيحه
"لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به" تلقى محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم عن جبريل عليه السلام من الله جل جلاله
"ويخبركم بأمور آتية" لقد أثبتت الاكتشافات العلمية العديد من المعجزات في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كما تحققت معظم نبوءات محمد صلى الله عليه وسلم وسيتحقق باقيها مع مرور الزمن إن شاء الله
"ذاك يمجدني" وردت معجزات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم
" لأنه يأخذ مما هو لي" دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي نفس دعوة المسيح عليه السلام وسائر الرسل وهي التوحيد
إن لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود فأين هذا المعزي ؟ لقد مضى 2000 عاماً على هذا الوعد
================
والله يعصمك من الناس
الرسول لا يجيء إلا بعد أن يعم الشر ويسود الفساد ، وذلك أنه لو لم يسد الفساد ، ولم يعم الشر لاكتفى الله المجتمع ليردع بعضه بعضاً ، أو يكتفي الحق بأن تردع النفس اللوامة النفس الأمارة بالسوء لتستوي النفس المطمئنة على عرش السلوك البشري .
لكن عندما يعم الفساد الكون . فالسماء ترسل الرسول بمنهج يصلح حال البشرية . وبطبيعة الحال لن يترك المجتمع الشرير الرسول لحاله بل يقاومه ؛ لأن مثل هذا المجتمع يريد أن تكون كفة غير متوازية ؛ لأن هناك منتفعين بالفساد والشر ، وهم المدافعون عن الفساد ، فإن جاء من ينصف الضعفاء والمظلومين فلا بد أن يتعرض للمتاعب التي تأتيه من قبل الأقوياء المفسدين .(10/432)
وعلى الر غم من وفاة الرسول الكريم منذ أكثر من 1400 عام إلا أن الحرب عليه مازالت قائمة وهذا دليل قاطع على أنه قد وفقه الله عز وجل في إبلاغ رسالته وأن صداها مازالت تعيش بيننا إلى يوم الدين ، ومازالت الحرب قائمة عليه حتى بعد وفاته .
إن هذه المتاعب تبدأ في النفس ؛ لأن الرسول مخاطب من الله فيمكنه أن يتحملها ؛ لأن الحق قد أعده لهذه المهمة ، ومثل تلك المتاعب تأتي أيضاً {للأتباع} ، لذلك يمدهم الله بالمدد الذي يجعلهم يتحملونها .
والحق يحفظ للرسول ذاته على الرغم من كل ما يحدث : ( والله يعصمك من الناس ) .
فكأن الحق يقول لرسوله : اطمئن يا محمد ؛ لأن من أرسلك هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس . ولن يجرؤ أحد أن ينهي حياتك . ولكني سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك .وإياك أن يدخل في رُوعك أن الناس يقدرون عليك ، صحيح أنك قد تتألم ، وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء دعوتك ، ولكن هناك حماية إلهية لك .
ونحن نعلم قد المتاعب التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم . ألم تكسر رَباعيته "السن بين الثنية والناب " صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ؟ ألم يشج وجهه ؟ ألم تدم اصبعه فيقول : { إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت } .
لكن قول الحق سبحانه لرسوله : { والله يعصمك من الناس } لم يكن المقصود هو منع الجهاد في سبيل الله والمعاناة في سبيل نشر الدعوة . ولكن الحق يبين لرسوله : إن أحداً غير قادر على أن يأخذ حياتك .
ولم يمنع سبحانه المتاعب عن رسوله الكريم حتى لا يكون هناك أحد الداعين إلى الله لا يتحمل من الآلام أكثر مما تحمل رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولننظر ونستمع جيداً إلى ما ترويه عائشة أم المؤمنين – رضى الله عنها – حول هذه الآية إنها قالت :
{ سهر رسول الله ذات ليلة وأنا إلى جنبه ، فقلت : يا رسول الله ما شأنك ؟ قال : ( ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ) ، قالت : وبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت سلاح .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ فقالوا : سعد وحذيفة جئنا نحرسك . فنام صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطة ونزلت هذه الآية ... فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قُبَة أدَم وقال : ( انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله ) رواه القرطبي .
وهناك باحثة بلجيكية عكفت على دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلت إلى هذه النقطة ، فتوقفت عندها تقول : لو كان هذا الرجل يخدع الناس جميعاً ما خدع نفسه في حياته، ولو لم يكن واثقاً من ا، الله يحرسه لما فعل ذلك كتجربة واقعية تدل على ثقته في خالقه . وأضافت الباحثة البلجيكية : ولذلك أنا أقول بملء اليقين :
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فها هي لمحة واحدة من لمحات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سبب في إسلام هذه المرأة .
فاللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
==============
شبهه حول حديث التثاؤب والعطاس
حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان
صحيح البخاري
حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر السعدي قالوا حدثنا إسمعيل يعنون ابن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع
صحيح مسلم
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه وإذا قال آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه وإن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا قال الرجل آه آه إذا تثاءب فإن الشيطان يضحك في جوفه
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
سنن الترمذي
حدثنا الضحاك حدثنا ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فقال هاه فإن ذلك شيطان يضحك من جوفه
حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن ابن أبي سعيد عن أبي سعيد الخدري قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب
حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب العطاس ويبغض أو يكره التثاؤب فإذا قال أحدهم ها ها فإنما ذلك الشيطان يضحك من جوفه
مسند احمد
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن سهيل عن ابن أبى سعيد الخدري عن أبيه قال(10/433)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل
حدثنا ابن العلاء عن وكيع عن سفيان عن سهيل نحوه قال في الصلاة فليكظم ما استطاع
سنن ابي داود
نفهم من كلام نبي الاسلام هنا في هذه الاحاديث الاتي :
1- إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب .
2- التثاؤب فإنما هو من الشيطان .
3- إذا تثاءب أحد ضحك منه الشيطان .
4- إذا تثاءب أحد فليكظم ما استطاع .
5- فإذا تثاءب أحد فليضع يده على فيه .
6- إذا قال المتثاؤب آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه .
7- إذا تثاءب أحد في الصلاة فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب .
ولكن ماذا يقول العلم عن التثاؤب ( Yawn ) والعطس ( Sneezing ) :
اولا التثاؤب (Yawn ) :
في موسوعة ويبيكيديا (Wikipedia ) تقول :
http://en.wikipedia.org/wiki/Yawn
A yawn is a reflex of deep inhalation and exhalation associated with being tired, with a need to sleep, or from boredom.
التثاؤب هو عملية شهيق وزفير عميقة مع احتياج للنوم أو من الشعور بالملل .
وهو نفس ما يقوله هذا الموقع :
http://healthlink.mcw.edu/article/901227084.html
A yawn is a semi-automatic reflex that originates in the brain stem in response to a lower level of oxygen in the brain. Yawning also occurs when a person loses interest in their surroundings
التثاؤب هو عملية نتيجة reflex اي رد فعل منعكس ينشا من جذع المخ كنتيجة لنقص مستوي الاكسجين في الدم او الشعور بالملل من الاشياء المحيطة به
ان التثاؤب هي عملية فسيولوجية طبيعية تحدث للكل كما يقول هذا الموقع :
http://staff.washington.edu/chudler/yawning.html
Everyone yawns - babies, kids, teenagers, adults. Some birds, reptiles and most mammals also yawn
الكل يتثائب الاطفال و الرضع والشباب والكبار وبعض الطيور والزواحف ومعظم الثدييات .
أما عن العطس فكما تقول موسوعة ويبيكيديا هو :
http://en.wikipedia.org/wiki/Sneezing
A sneeze is a semi-autonomous, convulsive expulsion of air from the nose and mouth. An unimpeded sneeze sends two to five thousand bacteria-filled droplets into the air. The medical name for sneezing is sternutation.
Sneezing is generally caused by irritation in the passages of the nose. Allergens such as pollens, pet dander, house dust mites, as well as nonallergenic particles are usually harmless, but when they irritate the nose the body responds by expelling them from the nasal passages. The nose mistakes strong odors, sudden chills, bright lights (see photic sneeze reflex), and even orgasms in some people for nasal irritants, and it tries to defend itself with a sneeze.
العطس هو ايضا عملية فسيولوجية نتيجة reflex اي رد فعل منعكس نتيجة اثارة الغشاء المبطن للانف بسبب حبوب اللقاح او الاتربة أو بعض الروائح العطرية
اي ان التثاؤب والعطس هما عمليات فسيولوجية طبيعية تحدث للانسان وللحيوان ولا دخل لهما بالشيطان لا من قريب ولا من بعيد .
لكن الاعجب هو ما تقوله موسوعة وييبيكيديا عن التثاؤب :
http://en.wikipedia.org/wiki/Yawn
Superstitions
Certain superstitions surround the act of yawning. The most common of these is the belief that it is necessary to cover one's mouth when one is yawning in order to prevent one's soul from escaping the body. The Ancient Greeks believed that yawning was not a sign of boredom, but that a person's soul was trying to escape from its body, so that it may rest with the gods in the skies. This belief was also shared by the Mayan peoples.
A similar belief holds that yawning is caused by the Devil, who sends evil spirits to enter a person's body when his or her mouth is open. Thus, covering one's mouth prevents the evil spirits from entering. It is also why some people close a baby's mouth when it yawns.
معتقدات خرافية
هناك ما يؤمنون ان التثاؤب بسبب الشيطان الذي يدخل جسم الانسان عن طريق الفم المفتوح , ولذلك يغطي فمه لمنع دخول الشيطان
أليس هذا هو ما قاله نبي الاسلام في هذه الاحاديث .... أنه خرافة كما يقول العلم ....... معتقدات خرافية
هذا ما نقوله عن كلام محمد عن الشيطان في الاحاديث فكلها للأسف خرافات ( معذرة )
هل هناك نبي لله ويعلم بمعتقدات خرافية ؟
يمكن هذا الكلام يوافق أيام الجاهلية , لكن المشكلة الكبري أن هناك من يؤمن بهذه الخرافات ويدافع عنها ويقول انها من وحي الله ونحن في القرن الحادي والعشرون ................. مصيبة للأسف(10/434)
للأسف لقد وضع نبي الاسلام للشخص المسلم بعبع اسمه الشيطان الذي يبيت في خيشومه ( انفه ) ويبول في أذنه حتي يظل في ارتعاد دائم .
هل ننتظر من يأول ( عفوا يفبرك ) كلام الاحاديث حتي لا يصبح معتقدات خرافية ؟
الرد
اقرأ يا ضيفنا وتمتع بالحق
التثاؤب والعطاس
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن الله يحب العُطاس و يكره التثاؤب ، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمِّته ، و أما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليردّه ما استطاع ، فإذا قال : ها ، ضحك منه الشيطان" صحيح البخاري ..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده ـ وفي رواية ـ على فيه ، فإن الشيطان يدخل " رواه مسلم .
قال الخطابي : معنى المحبة و الكراهة فيهما منصرف إلى سببهما ، و ذلك أن العُطاس يكون من خِفَّة البدن وانفتاح المسامّ وعدم الغاية في الشبع ، وهو بخلاف التثاؤب فإنه يكون من علَّة امتلاء البدن و ثقله من ما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل و التخليط فيه ، والأول يستدعي النشاط للعبادة و الثاني على عكسه ..
تشميت العاطس :
وبيَّن النبي صلى الله عليه و سلم كيف يُشَمَّت العاطس في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، و ليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل : يهديكم الله و يصلح بالكم " صحيح البخاري ..
في العلم الحديث :
والأطباء في العصر الحاضر يقولون : التثاؤب دليل على حاجة الدماغ و الجسم إلى الأوكسجين و الغذاء ، و على تقصير جهاز التنفس في تقديم ما يحتاجه الدماغ و الجسم من الأوكسجين ، و هذا ما يحدث عند النعاس و الإغماء و قبيل الوفاة .
تعريف التثاؤب للد/عبد الرزاق كيلاني : هو شهيق عميق يجري عن طريق الفم ، وليس الفم بالطريق الطبيعي للشهيق لأنه ليس مجهزاً بجهاز لتصفية الهواء كما هو في الأنف .
وهو دليل على حاجة الدماغ خاصة إلى الأوكسجين والغذاء ، وعلى تقصير الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى الدماغ خاصة وإلى الجسم عامة وهذا ما يحدث عند النعاس وعند الإغماء . والتثاؤب قد يضر بالبدن لأن الهواء غير المصفى قد يحمل معه إلى البدن الجراثيم والهوام ؛ لذلك جاء الهَدي النبوي الكريم برد التثاؤب على قدر الاستطاعة ، أو سد الفم براحة اليد اليمنى أو بظهر اليسرى .
وينقل د. غياث الأحمد تفسير علماء النفس للتثاؤب على أنه دليل على الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة، وبين الجسد وحاجته إلى النوم من جهة أخرى . وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس ، ويرى أن علية كراهة النبي صلى الله عليه وسلم له كونه دليل على الكسل والخمول .
ويرى د. أنور حمدي أن الأمر النبوي الكريم برد التثاؤب قدر المستطاع إنما يحمل فوائد ثلاث :
* أولها أنه دليل بلا شك على ذوق جمالي رفيع ، إذ أن المتثائب حين يفغر فاه كاملاً ، مظهراً كل ما فيه من بقايا طعامية ولعاب وأسنان نخرة أو ضائعة مع ظهور رائحة الفم يثير الاشمئزاز في نفس الناظر .
* ثانياً : فائدة وقائية إذ يفيد في منع الهوام والحشرات من الدخول إلى الفم أثناء فعله.
* ثالثاً : وقائي أيضاً فهذه التعليمات الرائعة تقي من حدوث خلع في المفصل الفكي الصدغي ، ذلك أن الحركة المفاجئة الواسعة للفك السفلي أثناء التثاؤب قد يؤدي لحدوث مثل هذا الخلع .
تعريف العُطاس : عكس التثاؤب ، فهو قوي ومفاجئ يخرج معه الهواء بقوة من الرئتين عن طريقي الأنف والفم ، فيجرف معه ما في طريقه من الغبار و الهباء و الهوام و الجراثيم التي تسربت إلى جهاز التنفس لذلك كان من الطبيعي أن يكون العطاس من الرحمن لأن فيه فائدة للجسم ، وأن يكون التثاؤب من الشيطان لأن فيه ضرراً للجسم ، و حق على المرء أن يحمد الله سبحانه و تعالى على العُطاس ، و أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم في حالة التثاؤب ..
هذا وقد عرف الإنسان منذ القدم فائدة العطاس لجسمه وعرف أنه يجلب له الراحة والإنشراح فاستخدم طريقة لتنبيه بطانة الأنف لإحداث العطاس وذلك بإدخال سنابل الأعشاب أو ريش الطير إلى الأنف أو باستنشاق مواد مهيجة (كالنشوق) حيث يؤدي ذلك إلى إحداث تهيج شديد في بطانة الأنف وأعصابها الحسية يؤدي إلى حدوث العطاس وما ينجم عنه من شعور بالراحة .
وقد أكد د. إبراهيم الراوي أن العطاس وسيلة دفاعية دماغية هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب ومن أي جسم غريب يدخل عن طريق الأنف، فإن مجرد ملامسة الجسم الغريب لبطانة الأنف فإن بطانة الأنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز بصنع شهيق عميق لا إرادي يتبعه زفير عنيف [ والذي هو العطاس ] ..(10/435)
فعلى المسلم إذا عطس أخاه المسلم أن يبارك له هذه الرحمة الإلهية والتي يكمن وراءها سر خفي من أسرار هذا الجسم البشري فسبحان من خلق الإنسان وأبدعه في أحسن تقويم . وفي تشميت العاطس حكمة إلهية أن يوحي رب العالمين إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوجه أتباعه إلى أهمية ما في العطاس من منفعة للبدن تستحق الحمد والشكر وهذه من معجزات النبوة ! إذ لماذا نحمد الله على العطاس ولا نفعل ذلك عند السعال ؟
والجواب هو لأن القلب يتوقف عن النبض خلال العطاس والعطسه سرعتها 100كلم في الساعه وإذا عطست بشده من الممكن أن تكسر ضلع من أضلاعك ، وإذا حاولت إيقاف عطسة مفاجئة من الخروج ، فإنه يؤدي إلى إرتداد الدم في الرقبه أو الرأس ومن ثم إلى الوفاة ، وإذا تركت عيناك مفتوحتان أثناء العطاس ، من المحتمل أن تخرج من محجريها.
وأثناء العطسه تتوقف جميع أجهزة الجسم التنفسي والهضمي والبولي وبما فيها القلب رغم أن وقت العطسه ( ثانيه أو الجزء من الثانيه) وبعدها تعمل إن أراد الله لها أن تعمل و كأنه لم يحصل شيء ، لذلك كان حمد الله تعالى هو شكر لله على هذه النجاة ..
الأدب النبوي في العطاس :
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض من صوته "
واضيف الى الضيف هذا الرابط كي يقرا ويفهم الغاية من قول رسول الله حول اداب العطس والتثائب
http://www.55a.net/firas/arabic/inde...&select_page=3
والله المستعان
اضافه
هل رأيت وجهك فى المرآة عندما تتثاءب؟
جرب! و سوف ترى تحولاً فى وجهك يشبه الشيطان!
نصيحة أخرى مُجربة!
إذا قلت "اللهم صلى على النبى محمد" عند الرغبة فى التثاؤب سوف تضيع هذه الرغبة!
و بما إنك لن تفعل..... إتاوب ياخويا و إفتح بقك على الآخر
و هذا رابط لموضوع عن التثاؤب لو كنت بتعرف الإنجليزية:
http://faculty.washington.edu/chudler/yawning.html
من جامعة واشنطن ذاتها.... و مش من ال Wikepedia
و فى آخره بعد أن إستعرض كل الأسباب العلمية للتثاؤب مكتوب بالحرف الواحد:
"None of this has been proven true and yawns are still one of the mysteries of the mind"
.
يعنى السبب غير معروف و مازال غامض حتى الآن.... فما المانع إنه يكون من الشيطان؟... إذا كان العلم و الطب حارا فى تفسيره!
أما بالنسبة للعطس..... فتشميت العاطس موجود منذ القدم فى كل الثقافات:
فى الإنجليزية يقولون "Bless You"
وفى الألمانية يقولون "Gesundheit"
و يُقال أن آدم أول ما نزلت فيه الروح عطس...... فقال الحمد لله....فردت عليه الملائكة "يرحمكم الله"
و كل المواليد يعطسون فى الدقائق الأولى من حياتهم لتنظيف أنوفهم من السوائل الرحمية!
بس إنت باين عليك ما عطستش.... و تعطس ليه.... ما إنت مليان روح قدس ربنا يخليها لك و يخليك ليها
بالمناسبه
هناك نقطتين أغفلتهما , لذلك أصبح بحثك غير علمي و غير موضوعي
1- العلم لم يثبت وجود الجن و الشياطين و الغيبيات , فلا تؤاخذنا أنك بحثت في التثاؤب ولم تجد للشيطان مكان في التحليل العلمي فهذا ليس حجة علينا
و سؤالي و هل أثبت العلم ما تؤمنون به عن الشياطين والأرواح النجسة ؟
2- كل أدلتك التي تعتقد أنها "علمية" من موقع موسوعة ويبيكيديا (Wikipedia )
قهل تعلم أي شيئ عن موسوعة ويبيكيديا ؟؟ هل تعتقد أنها هيئة علمية ؟؟
يا صديقي هذه الموسوعة حرة و لا توجد هيئة علمية تشرف عليها و يمكن لأي مستخدم للإنترنت أن يضع أي كلام عن أي موضوع
هل تحب أن أضع اليوم تعريف لكلمة "يسوع" بأنه شيطان من أتباع إبليس ؟؟
يمكنني هذا و أتحداك لو أن أي شخص راقب ما كتبته و قام بحذفه
ويكيبيديا:عدم مسؤولية عام
من ويكيبيديا, الموسوعة الحره
انت حر :
استخدم ويكيبيديا على مسؤوليتك
ويكيبيديا لا تعطي نصائح أو إرشادات
ويكيبيديا لا تعطي آراء قانونية
ويكيبيديا تحتوي على بيانات غير موضوعية أو موثقة
الآراء إن وجدت تعبر عن كاتبها وليست عن ويكيبيديا.
ويكيبيديا ليست مسؤولة عن المعلومات الواردة فيها .
التعويض الوحيد المتاح هو أن تتوقف عن استخدام الموقع.
اكتب ما شئت بحرية ولكن يجب أن تفيدالآخرين
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%...B9%D8%A7%D9%85
.
السؤال الآن : ذكر الكتاب المقدس الشياطين عدة مرات ولكنه لم يوضح لنا نقطة مهمة جداً ... فالإنسان مخلوق من طين والملائكة من النور ....
فمن أي شيء خُلقت الشياطين ؟
ابن مريم
====================
أقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين،(10/436)
فقد استوقفني أمر أرجو من حضرتكم التفضل في توضيحه لي إن شاء الله. فقد ذهب معظم علماء السنة إلى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه كالشافعي والإمام أحمد ويوسف القاضي وأكثر الشافعية كما قال السبكي في الإبهام، بل وقال البعض أنه يخطئ في اجتهاده هذا كما قال أبو إسحاق في اللمع في أصول الفقه. أما السؤال فهو من شقين:
الأول: توضيح ما هية هذا الاجتهاد.
الثاني: وهل على هذا القول لا يمكن الاحتجاج إلا بالقرآن وتكون السنة شأنها شأن فتاوى بقية المجتهدين معرّضة للخطأ والصواب، وأين قوله تعالى: لا ينطق عن الهوى، وقول الرسول: عليكم بسنتي... جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن الله جل وعلا افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما افترض طاعته سبحانه وتعالى، قال عز من قائل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) [المائدة: 92]. وجعل المولى تبارك وتعالى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من تمام طاعته فقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) . [ النساء :80 ]. وتكون طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته التي هي وحي من الله تعالى، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) [النجم :3-5]. روى الإمام أحمد وأبو داود أن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش، فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوا الذي نفسي بيده ما خرج مني إلاّ الحق".وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه" . وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أقول إلاّ الحق". قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال: "إني لا أقول إلاّ حقاً". فإذا تقرر هذا فلنعد لخلاصة السؤال وهي: هل النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد كما يجتهد غيره من الأمة؟ وهل يجري على اجتهاده ما يجري على اجتهاد غيره؟ وللجواب على السؤال نقول: أجمعوا على أنه يجوز له أن يجتهد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها حكى هذا الإجماع سليم الرازي وابن حزم مثل عزمه صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم على ترك تلقيح ثمار المدينة وكذلك مصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة ومنزل الجيش يوم بدر ونحو ذلك . وأما اجتهاده في الأحكام الشرعية والأمور الدينية فقد اختلفوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال: الأول: ليس له ذلك لقدرته على النص بنزول الوحي . والثاني : الوقف عن القطع بشيء في هذا وقد زعم الصيرفي في شرح الرسالة أنه مذهب الشافعي لأن الشافعي حكى الأقوال ولم يختر منها شيئاً ، فدل ذلك على أنه متوقف وهو اختيار الباقلاني وأبي حامد الغزالي . الثالث : أنه يجوز له أن يجتهد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم ، واحتجوا بأن الله سبحانه خاطب نبيه كما خاطب عباده وضرب له الأمثال وأمره بالتدبر والاعتبار وهو أجلّ المتفكرين في آيات الله وأعظم المعتبرين بها . وإذا جاز لغيره من الأمة ممن هو أهل لذلك أن يجتهد - بالإجماع - مع كونه معرضاً للخطأ فلأن يجوز لمن هو مؤيد بالوحي و معصوم عن الخطأ أولى . وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في حكم فإن كان صواباً أقر عليه ، وإن كان خطأ لم يقر عليه ونزل الوحي مبيناً ذلك ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وأخذه الفداء منهم ، فنزل قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ..) [الأنفال: 67]. ونحو اجتهاده صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين في التخلف عن عزوة تبوك ، فنزل قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) . [ التوبة : 43] . فعاتبه على ما وقع منه، ولو لم يكن عن اجتهاده وكان ذلك بالوحي لم يعاتبه . فالحاصل أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام الشرعية التي لا نص فيها ، فإذا أقر على اجتهاده فالواجب اتباعه ولا يجوز العدول عنه بحال وعلى هذا فكل ما ثبت مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا مرية فيه وهو منزل من عند الله ، ومن فرق بينه وبين القرآن في الحجية واتخذ ذلك منهجاً فقد خرج من ملة الإسلام ، والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===================
ما هو الرد على من يقول إن النبي خلق من نور؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(10/437)
فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر من ذرية آدم، كما قال الله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) [الكهف: 110].
وقال: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم... وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين) [الأنبياء: 7، 8].
وقال تعالى: ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) [الفرقان: 20].
وهذا في الجواب عن شبهة المشركين، وقولهم فيما حكاه الله عنهم: (مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) [الفرقان: 7].
ومقتضى هذه البشرية أنه يصيبهم ما يصيب البشر من أعراض، فهم ينامون ويقومون، ويصحون ويمرضون، ويتعرضون للابتلاء كما يتعرض غيرهم من البشر، بل هم أشد الناس بلاء.
ومن مقتضى بشريتهم أنهم قد يقومون بالأعمال التي يمارسها البشر، فمن ذلك اشتغال الرسول صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة، ورعي الأنبياء للغنم، وكون نبي الله داود عليه السلام حداداً، ونبي الله زكريا عليه السلام نجاراً.
لكنهم أفضل البشر، اختارهم الله تعالى واصطفاهم وصنعهم على عينه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقت من نور، وأن الجن خلق من نار، وأن آدم خلق مما وُصف لنا، وهو: التراب، والحديث رواه مسلم. قال الله تعالى: (كمثل آدم خلقه من تراب) [آل عمران: 59].
فمن زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فقد زعم أنه ملك، وشابه المشركين الذين استبعدوا واستنكروا أن يكون بشر رسولاً. قال الله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث الله بشراً رسولاً) [الإسراء: 94].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا ملك، وقد أمره الله أن يصرح بذلك: (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) [الإسراء 93].
وليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب الخروج عن هذه الحقيقة: أنه بشر من ذرية آدم، وقد خلق آدم من التراب لا من النور.
وقد ذهب بعض أهل الغلو إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأن من نوره خلق الله الأنبياء، والجنة والنار، والعرش والكرسي...الخ.
وهذا من الكذب والافتراء الواضح البين، مع مصادمته لنصوص القرآن والسنة.
وقد اعتمدوا في ذلك على حديث مكذوب، وهو ما يروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره... فلما أراد الله أن يخلق الخلق، قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء....الخ.
وكثير من الناس يعرف أول الحديث ولا يعرف آخره، ولو اطلعوا على آخره لما شكوا في بطلانه.
قال الشيخ أبو الفيض أحمد الغماري في كتابه: المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير: ( وهو حديث موضوع، لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في نحو ورقتين من القطع الكبير مشتملة على ألفاظ ركيكة ومعان منكرة).
وبين السيد رشيد رضا في فتاواه 2/447:
أنه حديث لا أصل له، وقد سبق إلى ذلك السيوطي، فقد سئل عن هذا الحديث، كما في الحاوي للفتاوى جـ1 ص 323، فقال: الحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
الرد على من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم غدر بكعب بن الأشرف اليهودي وأمثاله
ما موقف الشرع من الغدر؟
وبما أن الجواب سيكون بأن الغدر حرام ، فما قولكم في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لرجلين من اليهود غدراً دون قتال مهما كانت الأسباب ، فقد قتل أحدهم على فراشه أمام زوجته والآخر غيلةً من صاحب له من قبل؟ و هل يجوز هذا الفعل من رسول؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدر، وهو سيد الأمناء الأوفياء.
وقتل من استحق القتل لا يسمى غدراً.
وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل كعب بن الأشرف اليهودي، وذلك لنقضه العهد، فقد ضاق صدره بانتصار المسلمين في غزوة بدر، فانبعث يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويمدح عدوهم، ويحرضهم عليهم، بل ركب إلى قريش، وجعل ينشد الأشعار، يبكي فيها على أصحاب القليب من قتلى المشركين، يثير حفائظهم، ويذكي حقدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعوهم إلى حربه. ولما سأله المشركون: أينا أهدى سبيلاً؟ فقال: أنتم أهدى منهم سبيلاً، وأفضل.
ثم رجع إلى المدينة، فجعل يُشبب في أشعاره بنساء الصحابة، ويؤذيهن بسلاطة لسانه أشد الإيذاء، وحينئذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله.(10/438)
وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم مع أبي رافع سلام بن أبي الحقيق، فقد نقض أبو رافع العهد، وخرج إلى قريش يحرضهم على غزو النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدهم بالنصر، فخرجت قريش لغزوة الأحزاب، فلما نصر الله المؤمنين في الأحزاب، ورد كيد كفار قريش، كان لابد من معاقبة هذا اليهودي الخائن، وردع أمثاله من اليهود.
ولا شك أن كثيراً من اليهود لم ينقضوا العهد في ذلك الوقت، ومحاولة قتل ذينك اليهوديين علانية باستدعائهما، وإقامة حكم الله عليهما تعني وقوف اليهود معهما، واندلاع الحرب بينهم وبين المسلمين، فكان من الحكمة أن يقتلا منفردين.
ولقد أذعن اليهود لهذا الأمر، ولم يكن منهم مدافع عن القتيلين، لعلمهم بخيانتهما، ونقضهما للعهد، وأنهما لقيا جزاءهما.
وهذا العمل يعد من سياسة النبي صلى الله عليه وسلم وحكمته في التعامل مع من استحق القتل دون إثارة لقومه الباقين على العهد. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
ما صحة هذا الحديث وما معناه وما مناسبته -ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء
شبهة نصرانية ما صحة هذا الحديث وما معناه وما مناسبته أرجو الرد استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال إن تفعل الخير خير لك
الرد
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا بُهَيْسَةُ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ
اسْتَأْذَنَ أَبِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمِلْحُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ
هذا الحديث رواه أبو داوود وأحمد والنسائي في سننه الكبرى لا الصغر و البيهقي في سننه الكبرى لا الصغرى وغيرهم بروايات متقاربة
http://hadith.al-islam.com/Display/D...%CD%CF%ED% CB
http://hadith.al-islam.com/Display/D...%CD%CF%ED% CB
http://hadith.al-islam.com/Display/D...%CD%CF%ED %CB
ولكن :
38005 - عن نهيسة عن أبيها قالت استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح
الراوي: أبو بهيسة الفزاري - خلاصة الدرجة: في هذا الإسناد جهالة - المحدث: ابن العراقي - المصدر: طرح التثريب - الصفحة أو الرقم: 6/185
17668 - استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال إن تفعل الخير خير لك
الراوي: بهيسة - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3476
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=8661
39370 - استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم ثم قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال إن تفعل الخير خير لك
الراوي: بهيسة - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1669
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=9155
181132 - عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها قالت استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك
الراوي: والد بهيسة - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 6/6
ما جاء في إرواء الغليل تحت هذا الحديث :(10/439)
. قلت : وهذا سند ضعيف سيار بن منظور وبهيسة مجهولان لا يعرفان . وفي " التلخيص " ( 3 / 65 ) : " وأعله عبد الحق وابن القطان بأن بهيسة لا تعرف . لكنه ذكرها ابن حبان وغيره في " الصحابة " . قلت : لم يثبت لها الصحبة . والحافظ نفسه قد رد ذلك على ابن حبان في " التهذيب " فإنه بعد أن ذكر فيه قول ابن حبان بصحبتها عقب عليه بقوله : " وقال ابن القطان : قال عبد الحق : مجهولة . وهي كذلك " . وقال في " التقريب " : " لا تعرف ويقال إن لها صحبة " . ولو ثبت ذلك لها ففي الطريق إليها سيار بن منظور وهو مجهول كما قال عبد الحق أيضا .
وإنما يصح في هذا الباب حديثان :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار " .
أخرجه أبو داود ( 3477 ) عن علي بن الجعد اللؤلؤي وعيسى بن يونس وأحمد ( 5 / 364 ) والبيهقي ( 6 / 150 ) عن ثور الشامي وهو وأبو عبيد ( 728 ) عن يزيد بن هارون وهو عن معاذ بن معاذ كلهم عن حريز بن عثمان ثنا أبو خداش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
- تخريج الحديث -
الحديث الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث لا يمنعن : الماء والكلأ والنار "
أخرجه ابن ماجه ( 2473 ) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " التلخيص " والبوصيري في " الزوائد " ( 153 / 1 ) . 1553 - ( حديث : " من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو له " رواه أبو داود وفي لفظ : - " فهو أحق به " ) . ضعيف . أخرجه أبو داود ( 3071 ) وكذا البيهقي ( 6 / 142 ) من طريقه والطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 76 / 2 ) ومن طريقه الضياء المقدسي في " المختارة " ( 1 / 458 ) عن محمد بن بشار
ثانيا
بينه وبين قميصه اي يقبل على المكان و يحرص على عدم مفارقته ...يعني يحاول ما أمكن أن يكون قرب النبي صلي الله عليه وسلم حتى لا يفته السؤال وليس الدخول بينه وبين قميصه الذي يرتديه والحديث يتحدث عن فضائل فما الشبهه بالموضوع
و الله أعلم
عبدالله المصري
اسماعيلي
===================
بحث قيم جداً يدحض شبهة إعجاب الرسول بزينب بنت جحش وهى لازالت فى عصمة زوجها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
قال الله تعالى :?وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا? [الأحزاب:/37] .
ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش رضي الله عنها ، وهي في عصمة زيد بن حارثة ، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على أن يُطلقها زيد فيتزوجها هو .
وقد اتكأ على هذه الرواية عدد من المغرضين ، من مستشرقين ، وملحدين ، وجعلوها أداة للطعن في نبينا الكريم ، والنيل من شخصه الكريم .
ولما كان الأمر بهذه الخطورة عمدت إلى دراسة هذه القصة دراسة علمية مؤصلة ، لبيان الحقيقة ، وتنزيه مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه القصص المختلقة الموضوعة .
وقد جعلت هذا البحث في ثلاثة فصول :
الفصل الأول : تخريج القصة ، وذكر طرقها ، مع بيان عللها والحكم عليها .
الفصل الثاني :: ذكر مذاهب المفسرين والعلماء تجاه هذه القصة.
الفصل الثالث : بيان القول الصحيح في هذه القصة ، وفي سبب نزول الآية .
---
الفصل الأول : تخريج القصة ، وذكر طرقها ، مع بيان عللها والحكم عليها :
رويت هذه القصة من ثمانية طرق ، كلها ضعيفة ، وفيما يلي تفصيلها وبيان عللها :
الرواية الأولى : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :« أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ ، وَكَأَنَّهُ دَخَلَهُ ( لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ حَمَّادٍ ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ ) (1 ) فَجَاءَ زَيْدٌ يَشْكُوهَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ . قَالَ : فَنَزَلَتْ :?وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? إِلَى قَوْلِهِ :(زَوَّجْنَاكَهَا ? يَعْنِي زَيْنَبَ ».(2 )(10/440)
الرواية الثانية : عن محمد بن يحيى بن حبان: قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه ، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد ، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فيقول: أين زيد ؟ فجاء منزله يطلبه ، فلم يجده ، وتقوم إليه زينب بنت جحش ، زوجته فُضُلاً ، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقالت : ليس هو هاهنا يا رسول الله ، فادخل بأبي أنت وأمي ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل ، وإنما عجلت زينب أن تلبس ، لما قيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب ، فوثبت عُجلى ، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يُفهم منه إلا ربما أعلن سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد إلى منزله ، فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله ، فقال زيد : ألا قلت له أن يدخل ؟ قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى . قال : فسمعت شيئاً ؟ قالت : سمعته حين ولى تكلم بكلام ، ولا أفهمه ، وسمعته يقول: سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لعل زينب أعجبتك فأفارقها ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك . فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم ، فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخبره رسول الله : أمسك عليك زوجك .فيقول: يا رسول الله ، أفارقها ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : احبس عليك زوجك . ففارقها زيد ، واعتزلها ، وحلت ، يعني انقضت عدتها ، قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة إلى أن أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية ، فسري عنه وهو يتبسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ? ».(3 )
الرواية الثالثة : عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال :« كان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يريده ، وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر ، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر ، فجاء فقال: يا رسول الله ، إني أريد أن أفارق صاحبتي . قال: ما لك؟ أرابك منها شيء ؟ قال: لا والله ، ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيراً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله . فذلك قول الله تعالى:?وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها ».(4)
الرواية الرابعة : عن قتادة قال : جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن زينب اشتد علي لسانها ، وأنا أريد أن أطلقها . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك ، والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها ، ويخشى قالة الناس إن أمره بطلاقها ، فأنزل الله تعالى:? وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ? .(5)
الرواية الخامسة : عن مقاتل بن سليمان قال : زَوَّجَ النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد ، فمكثت عنده حيناً ، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه ، فأبصر زينب قائمة ، وكانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش ، فهويها وقال: سبحان الله مقلب القلوب ، فسمعت زينب بالتسبيحة ، فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال: يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبراً ، تعظم عليَّ وتؤذيني بلسانها ، فقال عليه السلام : أمسك عليك زوجك واتق الله .(6 )
الرواية السادسة : عن عكرمة قال :« دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بيت زيد ، فرأى زينب وهي بنت عمته ، فكأنها وقعت في نفسه ، فأنزل الله :?وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? ».(7 )
الرواية السابعة : عن الشعبي :« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى زينب بنت جحش فقال: سبحان الله ، مقلب القلوب. فقال زيد بن حارثة: ألا أطلقها يا رسول الله ؟ فقال: أمسك عليك زوجك ؛ فأنزل الله عز وجل:?وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? ».(8 )(10/441)
الرواية الثامنة : عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة :« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بيت زيد بن حارثة ، فاستأذن، فأذنت له زينب ، ولا خمار عليها ، فألقت كم درعها على رأسها ، فسألها عن زيد ، فقالت: ذهب قريباً يا رسول الله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وله همهمة ، قالت زينب: فاتبعته ، فسمعته يقول: تبارك مصرف القلوب ، فما زال يقولها حتى تغيب ».(9 )
---
الفصل الثاني : ذكر مذاهب المفسرين والعلماء تجاه هذه الروايات .
اختلف المفسرون ، وأهل الحديث ، تجاه هذه الروايات الواردة في سبب نزول الآية ، على مذهبين :
المذهب الأول : رد هذه الروايات وإنكارها ؛ وذلك لعدم ثبوتها ، ولما فيها من قدحٍ بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم .
ويرى أصحاب هذا المذهب : أن الصواب في سبب نزول الآية : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له ، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله ، أي في أقوالك ، وأمسك عليك زوجك ، وهو يعلم أنه سيفارقها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يُرِدْ أن يأمره بالطلاق ، لما علم من أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ؛ فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له .(10)
وهذا المذهب روي عن : علي بن الحسين (11) ، والزهري (12)، والسدي (13) .
وذكر القرطبيان : أن هذا القول هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين .(14)
وممن قال به :
أبو بكر الباقلاني ، وبكر بن العلاء القشيري ، وابن حزم ، والبغوي ، وابن العربي ، والثعلبي ، والقاضي عياض ، والواحدي ، وأبو العباس القرطبي ، وأبو عبد الله القرطبي ، والقاضي أبي يعلى ، وابن كثير ، وابن القيم ، وابن حجر ، وابن عادل ، والآلوسي ، والقاسمي ، ورحمة الله بن خليل الرحمن الهندي ، وابن عاشور ، والشنقيطي ، وابن عثيمين .(15)
قال القاضي عياض :« اعلم ـ أكرمك الله ، ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر ، وأن يأمر زيداً بإمساكها ، وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذُكِرَ عن جماعة من المفسرين ، وأصح ما في هذا : ما حكاه أهل التفسير ، عن علي بن حسين : أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها ».أهـ (16)
وقال أبو العباس القرطبي :« وقد اجترأ بعض المفسرين في تفسير هذه الآية ، ونسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به ويستحيل عليه ، إذ قد عصمه الله منه ونزهه عن مثله ، وهذا القول إنما يصدر عن جاهلٍ بعصمته عليه الصلاة والسلام ، عن مثل هذا ، أو مُسْتَخِفٍّ بحرمته ، والذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين : أن ذلك القول الشنيع ليس بصحيح ، ولا يليق بذوي المروءات ، فأحرى بخير البريات ، وأن تلك الآية إنما تفسيرها ما حُكي عن علي بن حسين .... ».أهـ (17)
أدلة هذا المذهب :
استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه ، بأدلة منها :
الدليل الأول : أن الله تعالى أخبر أنه مُظهِرٌ ما كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال:? وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? ، ولم يُظهرْ سبحانه غير تزويجها منه ، حيث قال :? فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ? ، فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها ؛ لأظهر الله تعالى ذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يُخبر أنه يُظهرِهُ ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عُوتِبَ على إخفاء ما أعلمه الله إياه : أنها ستكون زوجة له ، لا ما ادعاه هؤلاء أنه أحبها ، ولو كان هذا هو الذي أخفاه لأظهره الله تعالى كما وعد .(18)
الدليل الثاني : أن الله تعالى قال بعد هذه الآية :?مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ ? [الأحزاب:38] وهذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه حرج في زواجه من زينب رضي الله عنها ، ولو كان على ما روي من أنه أحبها وتمنى طلاق زيدٍ لها ، لكان فيه أعظم الحرج ؛ لأنه لا يليق به مدَّ عينيه إلى نساء الغير ، وقد نُهي عن ذلك في قوله تعالى:?لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ? [الحجر:88].(19 )(10/442)
الدليل الثالث : أن زينب رضي الله عنها تعتبر بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم (20) ، ولم يزل يراها منذ ولِدَت، وكان معها في كل وقت وموضع ، ولم يكن حينئذ حجاب ، وهو الذي زوجها لمولاه زيد ، فكيف تنشأُ معه ، وينشأُ معها ، ويلحظها في كل ساعة ، ولا تقع في قلبه إلا بعد أن تزوجها زيد، وقد كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكرهت غيره ، فلم تخطر بباله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يتجدد لها هوىً لم يكن ، حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وهذا كله يدل على بطلان القصة ، وأنها مختلقة موضوعة عليه صلى الله عليه وسلم .(21)
الدليل الرابع : أن الله تعالى بيّن الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب ، فقال:? فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ? ، وهذا تعليل صريح بأن الحكمة هي قطع تحريم أزواج الأدعياء ، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة ، صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها ، التي كانت سبباً في طلاق زيد لها ، كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى:? فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ? ؛ لأنه يدل على أن زيداً قضى وطره منها ، ولم تبق له بها حاجة ، فطلقها باختياره .(22)
المذهب الثاني : قبول هذه الروايات واعتمادها ، وجعلها سبباً في نزول الآية .
ويرى أصحاب هذا المذهب : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب ، وهي في عصمة زيد ، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ، ثم إن زيداً لما أخبره أنه يريد فراقها ، ويشكو منها غلظة قول ، وعصيان أمر ، وأذىً باللسان ، وتعظماً بالشرف ، قال له : اتق الله فيما تقول عنها ، و أمسك عليك زوجك . وهو يخفي الحرص على طلاق زيدٍ إياها ، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه ، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف ، قالوا : وخشي النبي صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك ، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا .(23)
وهذا المذهب روي عن : قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وعكرمة ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، ومقاتل ، والشعبي (24) ، وابن جريج (25) .
وهو اختيار : ابن جرير الطبري ، والزمخشري ، والبيضاوي ، وأبي السعود ، وابن جزي ، والعيني ، والسيوطي .(26)
قال ابن جرير الطبري :« ذُكِر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب بنت جحش فأعجبته ، وهي في حبال مولاه ، فألقي في نفس زيد كراهتها ، لما علم الله مما وقع في نفس نبيه صلى الله عليه وسلم ما وقع ، فأراد فراقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك ، وهو صلى الله عليه وسلم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها ، واتق الله ، وخفِ الله في الواجب له عليك في زوجتك ، ? وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها ، لتتزوجها إن هو فارقها ، والله مبدٍ ما تخفي في نفسك من ذلك ، ? وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ? يقول تعالى ذكره : وتخاف أن يقول الناس أمر رجلاً بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها ، والله أحق أن تخشاه من الناس ».أهـ (27 )
أدلة هذا المذهب :
استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه ، بأدلة منها :
الدليل الأول : الروايات الواردة في سبب نزول الآية ، والتي فيها التصريح بما قلنا .
واعتُرِضَ : بأن هذه الروايات ضعيفة ، وليس فيها شيء يصح .
الدليل الثاني : أنه قد روي عن عائشة (28) ، وأنس (29) - رضي الله عنهما - أنهما قالا :« لَوْ كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ:?وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ? ».
قالوا : وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم وقع منه حبٍ لزينب ، وأنه كان يخفي ذلك ، حتى أظهره الله تعالى .
واعتُرِضَ : بأن مراد عائشة ، وأنس رضي الله عنهما : أن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تزوج زينب ، كان سراً في نفسه لم يُطلِعْ عليه أحداً ، إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد ، وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه لزيد في قوله :? أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ? ، ولما طلقها زيد ورام تزوجها ، علم أن المنافقين سيرجفون بالسوء ، فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة ، وتبليغ خبره ، بَلَّغَهُ ولم يكتمه ، مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع ، ولا نقص مصلحة ، فلو كان كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية ، التي هي حكاية سِرٍّ في نفسه ، وبينه وبين ربه تعالى ، ولكنه لما كان وحياً بلغه ؛ لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه.(30)(10/443)
المبحث الخامس : الترجيح :
الحق أن هذه القصة مختلقة موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الآية لا يصح في سبب نزولها إلا حديث أنس رضي الله عنه (31)،
وهذا الحديث ليس فيه شيء مما ذكر في هذه القصة ، فيجب الاقتصار عليه ، وطرح ما سواه من الروايات الضعيفة .
ومما يدل على وضع هذه القصة :
الدليل الأول : أنها لم تُروى بسند متصل صحيح ، وكل الروايات الواردة فيها ، إما أنها مرسلة ، أو أن في أسانيدها ضعفاء ومتروكين .
الدليل الثاني : تناقض روايات هذه القصة واضطرابها ، ففي رواية محمد بن يحيى بن حبان : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يطلب زيداً في بيته ، وأن زينب خرجت له فُضلاً متكشفة ، وأما رواية ابن زيد ففيها أن زينب لم تخرج إليه ، وإنما رفعت الريح الستر فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة ، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم ، وتأتي رواية أبي بكر بن أبي حثمة فتخالف هاتين الروايتين وتدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها ، فأذنت له ولا خمار عليها ، وهذا الاضطراب والتناقض بين الروايات يدل دلالة واضحة على أن القصة مختلقة موضوعة .
الدليل الثالث : أن هذه الروايات مخالفة للرواية الصحيحة (32) الواردة في سبب نزول الآية ، والتي فيها أن زيداً جاء يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم زينب ، ولم تذكر هذه الرواية شيئاً عن سبب شكواه ، وهي صريحة بأنه جاء يشكو شيئاً ما (33) ، وأما تلك الروايات الضعيفة فتدعي أن زيداً عرض طلاقها على النبي صلى الله عليه وسلم نزولاً عند رغبته ، لما رأى من تعلقه بها ، وهذا يدل على ضعف هذه الروايات ووضعها .
الدليل الرابع : أن هذه الروايات فيها قدح بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونيل من مقامه الشريف ، فيجب ردها وعدم قبولها ، وتنزيه مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه الأكاذيب المختلقة الموضوعة .
الدليل الخامس : أن الآيات النازلة بسبب القصة ليس فيها ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب رضي الله عنها ، وقد تقدم وجه دلالتها على هذا المعنى ، في أدلة المذهب الأول ، والله تعالى أعلم .
---
---
**الحواشي :
(1) قائل هذه العبارة : هو مؤمل بن إسماعيل ، أحد رواة الحديث .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/149) قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا ثابت ، عن أنس ....، فذكره .
وهذا الحديث فيه ثلاث علل :
الأولى : أنه من راوية مؤمل بن إسماعيل ، وهو سيئ الحفظ ، كثير الغلط ، قال أبو حاتم : صدوق ، كثير الخطأ . وقال البخاري: منكر الحديث . وقال الآجري : سألت أبا داود عنه : فعظمه ورفع من شأنه ، إلا أنه يهم في الشيء . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما أخطأ . وقال يعقوب بن سفيان : حديثه لا يشبه حديث أصحابه ، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ؛ فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، وهذا أشد ، فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً . وقال الساجي : صدوق كثير الخطأ ، وله أوهام يطول ذكرها . وقال ابن سعد : ثقة كثير الغلط . وقال الدارقطني : ثقة كثير الخطأ . وقال محمد بن نصر المروزي : إذا انفرد بحديث وجب أن يُتوقف ويُتثبت فيه ؛ لأنه كان سيئ الحفظ ، كثير الغلط . انظر : تهذيب التهذيب (10/339).
العلة الثانية : أن مؤمل بن إسماعيل قد تفرد بزيادة منكرة في هذا الحديث ، وهي قوله - في أول الحديث - :« أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ ، وَكَأَنَّهُ دَخَلَهُ ». وقد روى هذا الحديث جماعة من الثقات ، عن حماد بن زيد ، ولم يذكروا هذه الزيادة ، ومن هؤلاء الرواة :
1- مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ: أخرج حديثه ، البخاري في صحيحة ، في كتاب التفسير ، حديث (4787) ، قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه :« أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ :?وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ».
2- مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ : أخرج حديثه ، البخاري في صحيحة ، في كتاب التوحيد ، حديث (7420) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَال:« َ جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ . قَالَ أَنَسٌ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ ».(10/444)
3- أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ : أخرج حديثه ، الترمذي في سننه ، في كتاب التفسير ، حديث (3212) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ :« لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ:?وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ? فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُو ، فَهَمَّ بِطَلَاقِهَا ، فَاسْتَأْمَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ».
4- عفان بن مسلم : أخرج حديثه ، ابن حبان في صحيحه (15/519) قال : أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف قال: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس قال :« جاء زيد بن حارثة يشكو زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك أهلك ، فنزلت :?وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? ».
5- محمد بن سليمان : أخرج حديثه ، النسائي في السنن الكبرى (6/432) قال : أنا محمد بن سليمان ، عن حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس قال : .... ، فذكره ، بنحو رواية ابن حبان .
العلة الثالثة : تردد مؤمل بن إسماعيل في هذه الزيادة التي رواها في الحديث ، وذلك بقوله :« لا أدري من قول حماد ، أو في الحديث » ، وهذا يدل على سوء حفظه ، وأن هذه الرواية غير محفوظة في الحديث .
(3 ) أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/101) قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي، عن محمد بن يحيى بن حبان قال : .... فذكره .
وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/25) ، من طريق محمد بن عمر ، به .
وأخرجه ابن الجوزي في « المنتظم في التاريخ » (***) من طريق ابن سعد ، به .
وهذه الرواية فيها ثلاث علل :
الأولى : أنها من طريق محمد بن عمر ، وهو الواقدي . قال البخاري : متروك الحديث ، تركه أحمد ، وابن المبارك ، وابن نمير ، وإسماعيل بن زكريا ، وقال في موضع آخر : كذبه أحمد .
وقال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال مرة : ليس بشيء . وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات المقلوبات ، وعن الأثبات المعضلات ، وقال علي بن المديني : الواقدي يضع الحديث .
انظر : التاريخ الكبير ، للبخاري (1/178) ، والمجروحين ، لابن حبان (2/290) ، وتهذيب التهذيب (9/323).
العلة الثانية : شيخ الواقدي ، وهو عبد الله بن عامر الأسلمي ، متفق على تضعيفه . انظر : تهذيب التهذيب (5/241).
العلة الثالثة : أن هذه الرواية مرسلة ؛ لأن محمد بن يحيى بن حبان ، تابعي مات سنة 121 هـ ، وهو لم يدرك القصة ، ولم يذكر من حدثه بها .
(4 ) أخرجه ابن جرير في تفسيره (10/302) قال : حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد .... ، فذكره.
وهذه الرواية فيها علتان :
الأولى : أنها معضلة ؛ لأن عبد الرحمن بن زيد من الطبقة الثانية من التابعين ، مات سنة 182 هـ ، فهو لم يدرك القصة ، ولم يذكر الواسطة بينه وبين من حدث بها عن الصحابة رضي الله عنهم.
العلة الثانية : أن ابن زيد متفق على ضعفه ، وممن ضعفه : الإمام أحمد ، وابن معين ، وابن المديني ، والنسائي ، وأبو زرعة ، وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم ، حتى كثر ذلك في روايته ، من رفع المراسيل ، وإسناد الموقوف ، فاستحق الترك . وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ، ضعيفاً جداً . وقال ابن خزيمة : ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه . وقال ابن الجوزي : أجمعوا على ضعفه . انظر : تهذيب التهذيب (6/161).
(5 ) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (3/117) ، عن معمر ، عن قتادة ، به .
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/41) ، من طريق معمر ، به .
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (10/302) ، والطبراني في المعجم الكبير (24/42) : كلاهما من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، بنحوه .
وقتادة : هو ابن دعامة السدوسي ، أحد الأئمة الحفاظ المشهورين بالتدليس ، وكثرة الإرسال ، قال أحمد بن حنبل: ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا من أنس بن مالك .
قلت : وروايته هذه مرسلة ، وقد قال الشعبي : كان قتادة حاطب ليل . وذكر أبو عمرو بن العلاء : أن قتادة لا يغث عليه شيء ، وكان يأخذ عن كل أحد .
انظر : جامع التحصيل (1/254) ، وتهذيب التهذيب (8/317-322).(10/445)
(6 ) هذه الرواية ذكرها القرطبي في تفسيره (14/123) ، عن مقاتل ، ولم يذكر لها سنداً ، ومقاتل : متهم بالكذب ، ووضع الحديث ، قال عمرو بن علي :متروك الحديث كذاب . وقال ابن سعد : أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال في موضع آخر : لا شيء البتة . وقال عبد الرحمن بن الحكم : كان قاصاً ترك الناس حديثه . وقال أبو حاتم : متروك الحديث . وقال النسائي :كذاب . وقال ابن حبان :كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبهاً يشبه الرب سبحانه وتعالى بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث . وقال الدار قطني : يكذب ، وعدَّه في المتروكين . وقال العجلي: متروك الحديث. انظر : تهذيب التهذيب (10/252-253).
(7 ) ذكرهذه الرواية السيوطي في الدر المنثور (5/385) ، وعزاها لعبد بن حميد ، وابن المنذر .
وهذه الرواية ضعيفة ؛ لإرسالها من قبل عكرمة ، وتعليقها من قبل السيوطي .
(8 ) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/316) قال : ثنا الساجي ، ثنا الحسن بن علي الواسطي قال: ثنا علي بن نوح ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا سليم مولى الشعبي ، عن الشعبي ، به .
وأعله ابن عدي بسليم مولى الشعبي ، وضعفه . وهو مرسل أيضاً .
(9 ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/44 ) قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا الحسن بن علي الحلواني ، ثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثني موسى بن يعقوب ، عن عبد الرحمن بن المنيب ، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، به .
وأبو بكر بن أبي حثمة ، تابعي ، ذكره الحافظ ابن حجر في التقريب (2/404) وقال : مدني ثقة ، من الرابعة ، روى له البخاري ومسلم مقروناً بغيره .
وهذه الرواية فيها علتان :
الأولى : أنها مرسلة ، والثانية : جهالة عبد الرحمن بن المنيب ، فلم أقف على ترجمته .
(10 ) انظر : المحرر الوجيز (4/386).
(11 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/303) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (9/3135 ، 3137) ، كلاهما من طريق سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن علي بن الحسين ، به .
وإسناده ضعيف ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان .
(12 ) نقله عنه : القاضي عياض ، في الشفا (2/117) ، وأبو العباس القرطبي ، في المفهم (1/406).
(13 ) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (9/3137) ، معلقاً .
(14 ) انظر : المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/406) ، وتفسير القرطبي (14/123).
(15 ) انظر على الترتيب : الانتصار لنقل القرآن ، للباقلاني (2/704) ، والشفا (2/118) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل ، لابن حزم (2/312) ، وتفسير البغوي (3/532) ، وأحكام القرآن لابن العربي (3/577) ، والكشف والبيان ، للثعلبي (***) ، والشفا ، للقاضي عياض (2/117) ، والوسيط ، للواحدي (***) ، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/406) ، وتفسير القرطبي (14/123) ، وزاد المسير (6/210) ، وتفسير ابن كثير (3/499) ، وزاد المعاد (4/266) ، وفتح الباري (8/384) ، واللباب في علوم الكتاب (15/554) ، وروح المعاني (22/278) ، ومحاسن التأويل (8/83) ، وإظهار الحق (***) ، والتحرير والتنوير (***) ، وأضواء البيان (6/580-583) ، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (***).
(16 ) الشفا (2/117).
(17 ) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/406) ، باختصار .
(18 ) انظر : تفسير البغوي (3/532) ، والشفا (2/117) ، وأضواء البيان (6/582-583).
(19 ) انظر : الشفا (2/118) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (3/578) ، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/406).
(20 ) لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب .
(21 ) انظر : الشفا (2/118 ) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (3/577).
(22 ) انظر : أضواء البيان (6/583).
(23 ) انظر : المحرر الوجيز (4/386).
(24 ) تقدم تخريج أقوالهم في أول المسألة .
(25 ) أخرجه الطبراني في الكبير (24/43).
(26 ) انظر : على الترتيب : تفسير الطبري (10/302) ، والكشاف (3/524) ، وتفسير البيضاوي (4/376) ، وتفسير أبي السعود (7/105) ، والتسهيل لعلوم التنزيل (2/152) ، وعمدة القاري (19/119) ، ومعترك الأقران (2/407).
(27 ) تفسير الطبري (10/302).
(28 ) أخرجه مسلم في صحيحه ، في كتاب الإيمان ، حديث (177).
(29 ) أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب التوحيد ، حديث ( 7420).
(30 ) انظر : التحرير والتنوير (***).
(31 ) عن أنس رضي الله عنه قال :« جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ».
أخرجه البخاري في صحيحه ، في كتاب التوحيد ، حديث (7420).
وأخرجه في كتاب التفسير ، حديث (4787) ، عن أنس رضي الله عنه ، بلفظ :« أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ :?وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ? نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ».(10/446)
وأخرجه الترمذي ، في سننه ، في كتاب التفسير ، حديث (3212) ، عن أنس ، بلفظ :« لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ :?وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ? فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُو ، فَهَمَّ بِطَلَاقِهَا ، فَاسْتَأْمَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ». قال الترمذي :« حديث حسن صحيح ».
(32 ) هي رواية أنس رضي الله عنه المتقدمة في أول الترجيح ، وهي في البخاري .
(33 ) جاء في رواية ضعيفة التصريح بنوع الشكاية التي عرضها زيد على النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن الكميت بن زيد الأسدي قال: حدثني مذكور - مولى زينب بنت جحش - عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستشيره ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين هي ممن يعلمها كتاب ربها ، وسنة نبيها . قالت : ومن هو يا رسول الله ؟ قال : زيد بن حارثة . قال : فغضبت حمنة غضباً شديداً ، وقالت: يا رسول الله ، أتزوج بنت عمتك ، مولاك ؟ قالت زينب : ثم أتتني فأخبرتني بذلك ، فقلت أشد من قولها وغضبت أشد من غضبها ؛ فأنزل الله :?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ? [الأحزاب:36] قالت: فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلت: إني استغفر الله ، وأطيع الله ورسوله ، إفعل ما رأيت، فزوجني زيداً ، وكنت أرثي عليه ، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عدت فأخذته بلساني ، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله . فقال : يا رسول الله ، أنا أطلقها . قالت : فطلقني ، فلما انقضت عدتي ، لم أعلم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل علي ببيتي ،وأنا مكشوفة الشعر ، فقلت: إنه أمر من السماء . فقلت : يا رسول الله ، بلا خطبة ، ولا إشهاد ؟ فقال: الله المزوج ، وجبريل الشاهد ».
أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/51) ، والطبراني في الكبير (24/39) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/136) ، والدارقطني في سننه (3/301) ، وابن عساكر في تاريخه (19/357) ، جميعهم من طريق: الحسين بن أبي السري، العسقلاني ، عن الحسن بن محمد بن أعين الحراني ، عن حفص بن سليمان ، عن الكميت بن زيد الأسدي ، به .
والحديث ضعيف ، في إسناده :
« الحسين بن أبي السري » ، ضعفه أبو داود ، واتُهم بالكذب . انظر : تهذيب التهذيب (2/314).
و « حفص بن سليمان الأسدي » متروك الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (2/345).
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره معلقاً (9/3137) ، عن السدي ، في قوله :? وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ? قال:« بلغنا أن هذه الآية أنزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها ، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فكرهت ذلك ، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجها إياه ، ثم أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بَعْدُ أنها من أزواجه ، فكان يستحي أن يأمر زيد بن حارثة بطلاقها ، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب بعض ما يكون بين الناس ، فيأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه ، وأن يتقي الله ، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ، أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ».
------------
أحمد بن عبد العزيز القصيِّر
ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
* المحاضر بكلية المعلمين بالرس
كتبت في 24/ربيع الأول/1425 هـ 10:54 صباحاً
الروابط :
http://tafsir.org/index.php?misc=sea...ews&do=maqalat
http://www.tafsir.org/vb/showpost.ph...55&postcount=1
ملف وورد :
http://tafsir.org/books/open.php?cat=88&book=897
==============
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته،
طبعا كلنا نعرف الحديث
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
حيث انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . يوم مات ابراهيم والحديث صحيح فى البخارى
وكان الناس قديما لا يعرفون شيئا عن كسوف الشمس لكن يعتقدون انه مرتبط بحدث عظيم موت عظيم او ولادته(10/447)
عندما تقدم العلم وبدأ عصر الكشوفات الفلكية والبحث العلمي، وجد العلماء تفسيراً لهذه الظاهرة، واتضح أنها ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة دوران القمر حول الأرض، ووقوع القمر بين الشمس والأرض مما يمنع رؤية الشمس. وتتكرر هذه الظاهرة باستمرار بقانون كوني ورياضي محسوب ويمكن التنبؤ به مسبقاً
خطورة النظر إلى الشمس أثناء الكسوف
إن النظر إلى الشمس أثناء أي نوع من الكسوف يسبب أضراراً دائمة للعين بسبب تلقيها كمية من الإشعاعات الخطرة والمركزة. وحتى النظارات الشمسية التي يستعملها البعض فهي خطرة أيضاً ولا تمنع كل الأشعة تحت الحمراء الضارة والتى قد تؤدى الى العمى الدائم
ولكن ماذا كان موقف من تلقى علمه من ربّ الشمس والقمر؟؟ هل صحح المعتقدات؟ هل وضع الأساس العلمي قبل أن يراه العلماء بأكثر من ألف سنة؟ هل وافقهم على معتقدهم أم هداهم إلى الحقيقة العلمية اليقينية؟
لقد قال كلمات قليلة لخّص فيها كل الحقائق التي اكتشفها العلماء في القرن العشرين؟ لقد خاطب قومه ومن بعدهم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)[رواه البخاري و مسلم وغيرهما]. لقد حدّد هذا الحديث عدة حقائق علمية لم تكن معروفة من قبل:
- وضّح الحديث الشريف أن الشمس والقمر مخلوقات وآيات سخرها الله تعالى ولا علاقة لهما بما يحدث على الأرض من ولادة أو موت أحد أو غير ذلك. وفي هذه العبارة قد وضع الرسول الكريم أساساً للبحث العلمي في الظواهر الكونية على اعتبار أنها آيات من عند الله ومخلوقات تخضع لإرادة خالقها عز وجل. - ولو كان النبى يبحث عن شهرة وعزة كان بامكانه ان يربط بين حادث كسوف الشمس ووفاة ابنه ابراهيم
2- أشار الحديث إلى أن هذه الظاهرة تحدث بفعل الشمس والقمر معاً! بينما كان الناس يعتقدون أن القمر لا علاقة له بهذه الظاهرة، بل إنهم كانوا يعتقدون أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أو أن هنالك قوة ما تحاول أن تلتهمها.
ولو كان رسول الله يأتي بشيء من عنده لكان وافقهم على معتقدهم. ولكن نجده عليه الصلاة والسلام يميز بين الحق والباطل، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى عنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
3- لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفزع إلى الصلاة والدعاء عند كسوف الشمس: (فافزعوا إلى الصلاة). أليس هذا أسلوباً لوقاية العين من الأشعة تحت الحمراء الخطيرة والتي قد تسبب العمى الدائم؟ وإذا كانت الزَّهرة تنحني أوراقها عند كسوف الشمس وربما هي تسجد لله تعالى، أفلا نسجد نحن لله تعالى كما علّمنا الرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم؟
4-روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
وقد وجدتُ في هذه الرواية إعجازاً في قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ينجلي). أليست هذه العبارة تحمل إشارة إلى جلاء القمر أي ذهابه من أمام الشمس؟ وفي معجم مختار الصحاح نجد معنى كلمة (ينجلي) أي ينكشف، ومعنى ذلك أن القمر قد أظل الشمس وسوف ينجلي ويذهب عنها وسوف تنكشف الشمس من جديد، وهذه منتهى الدقة اللغوية والعلمية، والله تعالى أعلم.
منقول وملخص وتجد المصادر العلمية الموثقة فى الرابط
http://www.55a.net/firas/arabic/inde...how_det&id=570
اضافه لنور القران
الحكمة في صلاة الكسوف والخسوف
س: كان الاعتقاد -قديما- أن كسوف الشمس وخسوف القمر إنما يحدثان من غضب الله على الناس، بشؤم كفرهم ومعاصيهم، وقد ثبت اليوم بسبب تقدم العلوم الكونية أن الكسوف والخسوف أمر عادي يحدث لأسباب طبيعية معروفة يدرسها التلاميذ في مدارسهم. فهو ظاهرة طبيعية كالمد والجزر وما شابه ذلك.
ولهذا نسأل عن الحكمة في الصلاة التي شرعها الإسلام عند الكسوف والخسوف، فإن الملاحدة أعداء الدين يستغلون ذلك للطعن في الإسلام، وأنه بنى هذه الصلاة على الخرافات القديمة التي كانت شائعة بين الناس، بدعوى أن الصلاة لرفع غضب السماء عن أهل الأرض.
هذا مع أن الكسوف معروف عند علماء الفلك قبل أن يحدث، متى يحدث؟ وأين يحدث؟ وكم يمكث؟…الخ، فلا يتصور حينئذ أن ترفعه صلاة أو دعاء.
أرجو بيان ذلك مكتوبا لنشره وإذاعته، إقناعا للمتشككين. وإفحاما للمشككين.
ج: لم يجئ في القرآن الكريم ذكر لصلاة الكسوف والخسوف. وإنما وردت بها السنة المطهرة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله. وذلك في السنة العاشرة للهجرة حين كسفت الشمس فصلى بأصحابه وأطال الصلاة حتى انجلت الشمس.(10/448)
ولم يرد فيما اتفقت عليه الروايات الصحيحة أن هذا الكسوف كان نتيجة لغضب من الله على الناس. كيف وقد حدث ذلك بعد أن جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر نور الإسلام في كل ناحية من جزيرة العرب، فلو كان الكسوف يحدث من غضب الله لحدث ذلك في العهد المكي، حين كان الرسول وأصحابه يقاسون أشد ألوان العنت والاضطهاد والإيذاء، وحين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.
ولقد كان الناس في عصر النبوة يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر إنما هو مشاركة من الطبيعة لموت عظيم من عظماء أهل الأرض. وكان من غرائب المصادفات أن كسوف الشمس الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم وفاة إبراهيم ابنه من مارية القبطية، وقال الناس يومئذ:
إن الشمس قد انكسفت لموته أي حزنا عليه، وإكراما للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسكت على هذا القول الزائف والاعتقاد الباطل، وإن كان فيه إضافة آية أو معجزة جديدة إلى آياته ومعجزاته الكثيرة، لأن الله أغناه بالحق عن الانتصار بالباطل.
روى الإمام أحمد والطبراني من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فيهم يوم الكسوف فقال:(أما بعد: فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم من مطالعها، لموت رجال عظماء من أهل الأرض، إنهم قد كذبوا. ولكنها آيات من آيات الله عز وجل يعتبر بها عبادة…)(مجمع الزوائد ج2 ص210) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما(ووافقه الذهبي كما في المستدرك وتلخيصه ج1 ص 329،231).
وروى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
وفي بعض الروايات عند البخاري عن أبي بكرة مرفوعا بعد قوله: لا ينكسفان لموت أحد قال: (ولكن الله يخوف بهما عباده)، وفي ثبوت هذه الزيادة كلام أشار إليه الإمام البخاري نفسه(الزيادة المذكورة من رواية حماد بن زيد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة، ولكن عددًا من الرواة الثقات رووا الحديث عن يونس، فلم يذكروها، منهم عبد الوارث وشعبة، وخالد بن عبد الله، وحماد بن سلمة، كما ذكر ذلك البخاري. وكثير من أئمة الحديث يرفض مثل هذه الرواية التي يخالف فيها الراوي من هم أوثق منه أو أكثر عددًا، وتوصف هذه الزيادة حينئد بالشذوذ، فتخرج عن حد الحديث الصحيح).
وهنا يلتقط المشككون هذه الكلمة وأمثالها "يخوف الله بهما عبادة" أو "ادعوا الله وصلوا حتى ينجلي" ليقولوا: مم التخويف؟ ولماذا الدعاء؟ ولماذا الصلاة؟ والكسوف أمر طبيعي؟
نعم هو أمر طبيعي لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده ومكانه وزمانه، وفقا لسنة الله تعالى، ولكن الأمور الطبيعية ليست خارجة عن دائرة الإرادة الإلهية. والقدرة الإلهية، فكل ما في الكون يحدث، بمشيئته تعالى وقدرته، ومثل هذا الذي يحدث لهذه الأجرام العظيمة جدير أن ينبه القلوب على عظمة سلطان الله تعالى وشمول إرادته ونفوذ قدرته، وبالغ حكمته، وجميل تدبيره، فتتجه إليه القلوب بالتعظيم، والألسنة بالدعاء، والأكف بالضراعة، والجباه بالسجود.
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية شتى ينبغي للمسلم أن يتلوها بلسانه، ويستحضرها بقلبه، عند رؤية ظواهر طبيعية مختلفة، منها:
( أ ) عندما يصبح الصباح أو يمسي المساء:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: (إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا… الحديث) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر).
وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) الحديث.
(ب) عند هبوب الريح وظهور السحاب:
روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به).
وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا (أي سحابة) في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها). فإن مطر قال: (اللهم صيبا هنيئا) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في تخريج الكلم الطيب للألباني.(10/449)
(جـ) عند رؤية الهلال:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله) أخرجه الدارمي، وأخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة، وحسنه وصححه ابن حبان، وهو صحيح بشواهده، كما قال الألباني.
وهناك أدعية وأذكار أخرى كثيرة تقال في مناسبات شتى: عند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل والشرب، وعند الشبع والري، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، وعند السفر والعودة منه، وغير ذلك مما ألفت فيه كتب كاملة(مثل "عمل اليوم والليلة" للنسائي، وابن السني، و "الأذكار" للنووي، و "الكلم الطيب" لابن تيمية، "الوابل الصيب" لابن القيم ، و"تحفة الذاكرين" للشوكاني وغيرهما).
والمقصود بهذه الأذكار والأدعية أن يكون الإنسان موصول القلب بالله دائما وأن يقابل كل حدث جديد، بقلب متفتح، وإحساس مرهف، وشعور حي يقظ، حتى الأحداث التي تتكرر كل يوم كالإصباح والإمساء، بل تتجدد في اليوم أكثر من مرة كالأكل والشرب. فالمؤمن يرى الأشياء والحوادث بعين غير أعين الناس.
إن الناس يرونها بأعين رؤوسهم فحسب، فإذا تكررت أمامهم مرات ومرات ألفوها، أما المؤمن فيراها بعين قلبه وبصيرته، فيرى وراءها يد الله التي تبدع وتتقن، وعين الله التي ترعىوتحفظ، فيسبح ويحمد، ويهلل ويكبر، ويدعو ويتضرع، كما روى البخاري في "الأدب المفرد".
عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).
وإذا كان هذا شأن المؤمنين في الأمور اليومية العادية المألوفة، فما بالك بحدث كبير لا يتكرر إلا كل عدد من السنين، مثل كسوف الشمس أو خسوف القمر؟
إن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاه غافل، كسائر اللاهين الغافلين من البشر، وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كل شهر، فهذا في حاجة إلى شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجر على إرادته وقدرته. فهو سبحانه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.
يقول الإمام ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: (يخوف الله بهما عباده) وليس بشيء (يعني هذا الاعتقاد) لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد. وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلا أن يشاء الله خرقها". ذكره الحافظ في الفتح.
على أن في ظاهر الكسوف أمرا يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه، وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني: أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفطر فيه عقده، وينتثر نظامه، فإذا سماؤه قد انفطرت، وكواكبه قد انتثرت، وشمسه قد كورت، وجباله قد سيرت، وأرضه قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وبروز الخلق لله الواحد القهار.
إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم، إنهما يجريان كما قال الله خالقهما، إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله، خفي مجهول عند الناس، ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه، فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف، انتقل قلبه من اليوم إلى الغد، ومن الحاضر إلى المستقبل، وخصوصا إذا تذكر قول الله تعالى: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب)النحل:77 ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا يخشى أن تكون الساعة -مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراطا كثيرة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولم تقع بعد، ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية، ولكن يمكن حملها على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعليما لأمته وإرشادا لها، لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال، ولا سيما إذا تأخر الزمان، وظهرت معظم الأشراط والأمارات.(10/450)
وقد حدث الكسوف في عهد عثمان، فصلى بالناس، ثم انصرف فدخل داره. وجلس عبد الله بن مسعود إلى حجرة عائشة، وجلس إليه بعض الصحابة فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر. فإذا رأيتموه قد أصابهما، فافزعوا إلى الصلاة فإنها إن كانت التي تحذرون (يعني الساعة) كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن، كنتم قد أصبتم خيرا واكتسبتموه. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (جـ2: 206-207)(وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند ج6 رقم4387:إسناده صحيح)
وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء -وخصوصا في مثل هذه الأمور- ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.
وفي مقابل هؤلاء الذين قصر باعهم عن الإلمام بالعلوم الكونية والرياضية نجد إماما مثل حجة الإسلام الغزالي يخطئ هؤلاء القاصرين ويتكلم كلاما في غاية الجودة والتحقيق، وذلك في كتاب "المنقذ من الضلال" حين عرض للفلاسفة وأنواع علومهم، ومنها العلوم الرياضية(كانت العلوم الرياضية قديمًا شعبة من الفلسفة، وجزءًا لا يتجزأ من الدراسة الفلسفية، وكذلك الطبيعيات، وغيرها، ولم تستغل هذه العلوم وتأخذ طريقها المستقل إلا في العصور الحديثة) وما يتولد عنها من آثار في الأنفس والأفكار. ومما قاله:
"الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعى جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبا، وللإسلام بغضا!
"لقد عظمت جناية من ظن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.
وقوله عليه السلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة). ليس في هذا إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما، أو مقابلتهما على وجه مخصوص.
أما قوله عليه السلام: (لكن الله إذا تجلى لشيء خضع له) فليس توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلا( المنقذ من الضلال للغزالي/ مع أبحاث في التصوف لفضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود ص140،141، ط سابعة) .
ولو جاز لنا الاستدلال بما فيه ضعف من الأحاديث، لذكرنا هنا الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن سمرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لشيء تحدثونه، ولكن ذلكم من آيات الله…) والحديث فيه راو ضعيف كما قال البيهقي ولهذا لم يعتمد عليه.
على أن مثل هذا الحديث وإن كان ضعيفا، يمثل التفكير السائد لدى المسلمين في العصور الأولى، ولهذا رووه وخرجوه وسجلوه في روايتهم.
والمهم أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سنته بوقوعه عنده .
وبالله التوفيق ،،،
================
هل صحيح أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الأطفال والنساء.
(4503) ــ وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى وَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ عَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ يَحْيَى : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ».
في هذا الحديث يعترض النصارى بقولهم ان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الأطفال والنساء وكثيرا ما يدندنون به حتى ضاق صدري منه لذا حاولت جاهدا سألا الله ان يجعله خالصا لوجهه الكريم .
توضيح سريع :-
حرم الأسلام قتل النساء والأطفال وذكر حديث في مسلم رضي الله عنه اقدمه مع شرح النووي رحمه الله لصحيح مسلم رضي الله عنه
«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان» أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون. وأما شيوخ الكفار فإن كان فيهم رأي قتلوا وإلا ففيهم.
الرد على المفتري
فائده :
معنى يبيتون
( البيتوته :- دخولك في الليل )(10/451)
لنبدأ الرد على بركة الله
ذكر هذا الحديث وشرح في باب اسمه:-
باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد للأمام النووي شارحا صحيح مسلم.
وشرحه النووي :-
سئل عن حكم صبيان المشركين الذين يبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال: هم من آبائهم أي لا بأس بذلك لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك، والمراد إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة.
وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا.
والحمد لله بانت الفكره ولا نحتاج الى تكثير كلام بعد هذا
==============
شبهات تحت عنوان [ هفوات البخارى ..جل من لا يخطئ]
هذه الشبهات من صحيح البخارى يعتبرها النصارى شبهات ويتبرأ منها بعض من لا يريدون أن يأخذوا بالسنة
الإفتراء الأول
تدخل أحاديث البخارى فى منعطف خطير فى تشويه سيرة النبى عليه السلام تجعلنا نتحرج من أن نضع لها عناوين، وهذا المنعطف الخطير يتناول علاقة مزعومة للنبى عليه السلام بالنساء من غير زوجاته. وكم كنا نود إغفال هذا المنعطف لولا حرصنا على تنزيه نبى الإسلام من هذا الافتراء الذى يسرى سريان السم بين سطور البخارى. والذى يقف دليلاً هائلاً على تلك الفجوة بين القرآن والبخارى باعتباره أهم كتب المصدر الثانى لمن يعتقد أن هناك مصادر أخرى مع القرآن.
1- ونبدأ بأحاديث زعم فيها أن النبى كان يخلو بالنساء الأجنبيات. ونقرأ حديث أنس: "جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إلى" والرواية تريد للقارئ أن يتخيل ما حدث فى تلك الخلوة التى انتهت بكلمات الحب تلك.. ولكن القارئ الذكى لابد أن يتساءل إذا كانت تلك الخلوة المزعومة قد حدثت- فرضاً- فكيف عرف أنس- وهو الراوى ما قال النبى فيها؟.
وفى نفس الصفحة التى جاء فيها ذلك الحديث يروى البخارى حديثاً آخر ينهى فيه النبى عن الخلوة بالنساء، يقول الحديث "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذى محرم" وذلك التناقض المقصود فى الصفحة الواحدة فى "صحيح البخارى" يدفع القارئ للاعتقاد بأن النبى كان ينهى عن الشىء ويفعله.. يقول للرجال "لا يخلون رجل بامرأة" ثم يخلو بامرأة يقول لها "والله إنكن لأحب النساء إلى"
هل نصدق أن النبى عليه السلام كان يفعل ذلك؟ نعوذ بالله... (راجع البخارى: الجزء السابع ص 48).
الرد
حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن هشام قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال
جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال والله إنكن لأحب الناس إلي
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله ( عن هشام )
هو ابن زيد بن أنس , وقد تقدم في " فضائل الأبصار " من طريق بهز بن أسد عن شعبة " أخبرني هشام بن زيد " وكذا وقع في رواية مسلم .
قوله ( جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم )
زاد في رواية بهز بن أسد " ومعها صبي لها فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قوله ( فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم )
أي في بعض الطرق , قال المهلب : لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه , وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام , ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه ا ه . ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس " أن امرأة كان في عقلها شيء قالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة , فقال : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك " وأخرج أبو داود نحو هذا السياق من طريق حميد عن أنس لكن ليس فيه أنه كان في عقلها شيء .
قوله ( فقال والله إنكم لأحب الناس إلي )
زاد في رواية بهز " مرتين " وأخرجه في الأيمان والنذور من طريق وهب بن جرير عن شعبة بلفظ " ثلاث مرات " وفي الحديث منقبة للأنصار , وقد تقدم في فضائل الأنصار توجيه قوله " أنتم أحب الناس إلي " . وقد تقدم فيه حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس مثل هذا اللفظ أيضا في حديث آخر , وفيه سعة حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير , وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة , ولكن الأمر كما قالت عائشة " وأيكم يملك إربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك إربه " .
الإفتراء الثانى
ثم يسند البخارى رواية أخرى لأنس تجعل النبى يخلو بأم سليم الأنصارية، تقول الرواية "إن أم سليم كانت تبسط للنبى نطعاً فيقيل عندها- أى ينام القيلولة عندها- على ذلك النطع، فإذا نام النبى أخذت من عرقه وشعره فجعلته فى قارورة ثم جمعته فى سك" (البخارى الجزء الثامن ص 78).(10/452)
ويريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصداً للضيوف كانت لا تكفيه وأنه كان يترك نساءه بعد الطواف عليهن ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره.. وكيف كان يحدث ذلك.. يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك.
3- ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام القائل "كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلى رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: وما يضحكك يا رسول الله؟... إلخ" فالنبى على هذه الرواية المزعومة تعود الدخول على هذه المرأة المتزوجة وليس فى مضمون الرواية وجود للزوج، أى تشير الرواية إلى أنه كان يدخل عليها فى غيبة زوجها ويصور البخارى كيف زالت الكلفة والاحتشام بين النبى وتلك المرأة المزعومة، إذ كان ينام بين يديها وتفلى له رأسه وبالطبع لابد أن يتخيل القارئ موضع رأس النبى بينما تفليها له تلك المرأة فى هذه الرواية الخيالية، ثم بعد الأكل والنوم يستيقظ النبى من نومه وهو يضحك ويدور حديث طويل بينه وبين تلك المرأة نعرف منه أن زوجها لم يكن موجوداً وإلا شارك فى الحديث.
وصيغة الرواية تضمنت الكثير من الإيحاءات والإشارات المقصودة لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى. فتقول الرواية "كان رسول الله يدخل على أم حرام.." ولاحظ اختيار لفظ الدخول على المرأة ولم يقل كان يزور والدخول على المرأة له مدلول جنسى لا يخفى ، والايحاء هنا موظف جيدا بهذا الأسلوب المقصودة دلالته. ثم يقول عن المرأة "وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت" فهنا تنبيه على أنها متزوجة ولكن ليس لزوجها ذكر فى الرواية ليفهم القارئ أنه كان يدخل على تلك المرأة المتزوجة فى غيبة زوجها، وهى عبارة محشورة فى السياق عمدا حيث لا علاقة لها بتفصيلات الرواية . الا أن حشرها هكذا مقصود منه ان النبى كان يدخل على امرأة متزوجة فى غيبة زوجها ويتصرف معها وتتعامل معه كتعامل الزوجين. وحتى يتأكد القارىء ان ذلك حرام وليس حلالا يجعل البخارى اسم المرأة "أم حرام" ليتبادر إلى ذهن القارئ أن ما يفعله النبى حرام وليس حلالاً. ثم يضع الراوى- بكل وقاحة- أفعالاً ينسبها للنبى عليه السلام لا يمكن أن تصدر من أى إنسان على مستوى متوسط من الأخلاق الحميدة فكيف بالذى كان على خلق عظيم.. عليه الصلاة والسلام، فيفترى الراوى كيف كانت تلك المرأة تطعمه وتفلى له رأسه وينام عندها ثم يستقيظ ضاحكاً ويتحادثان.. نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله..وقد كرر البخارى هذه الرواية المزعومة بصور متعددة وأساليب شتى ليستقر معناها فى عقل القارئ (راجع البخارى: الجزء الرابع ص 19، 21، 39، 51 والجزء الثامن ص 78 والجزء التاسع ص 44
الريحانه
اضافه
رد جميل للدكتور طه حبيشي ردّ فيه على تهويشات أحمد صبحي منصور
قصة أُمّ حَرَام فقد وردت في صحيح البخاريّ نفسه ثلاث عشرة مرة، تأتي مختصرة، ومطولة أخرى، والذي يذكره الكاتب يدخل فيه ويأكل ويشرب- صلى الله عليه وسلم -ولا يعرف معناه أنّ هناك بيت آخر هو بيت أم سليم، كان النبي وينام أحيانا إلى وقت الظهيرة، ويسيل عرقه على قطعة من جلد فتجمعه أم سليم من فوق يعلم ذلك ولا ينكره.- صلى الله عليه وسلم -الجلد وتجعله في طيبها، والنبي
إلى هنا والكاتب قد يعلم ، وهو يوهم- صلى الله عليه وسلم -بعض ما ذكرناه ولا يتورع أن يتخذ منه تكأة للتشويش على شخصية النَّبِيّ البسطاء أنه من المحبين له المدافعين عنه،وهو لا يعلم أن التفصيل في نفي النقص عن الكاملين نقص، خصوصاً إذا دخل في شئ من التفصيل الممل، أو لعل صاحبنا يعلم هذه ، والتقليل من هيبته في نفوس أتباعه،- صلى الله عليه وسلم -الجزئية،ويستغلها في تشويه صورة النَّبِيّ وهذا مطمع قد طمع فيه من هم أكثر من صاحبنا بصراً بالمناهج، ومن هم أكثر منه حيطة بأساليب البحث والدرس، ومن هم أشد منه قوة وأعز نفرا،فما استطاعوا أن يظهروا به وما نقباً.- صلى الله عليه وسلم -استطاعوا أن ينالوا من جدار العز للنبي
والشئ الذي لم يعرفه هؤلاء، أن الروايات مجمعة تقريباً على أن النَّبِيّ كان يكثر من التردد،والأكل والشرب، عند أُمّ سُلَيْم، وأُمّ حَرَام.
والباحث الحصيف يسأل هل هناك شئ من العلاقة بين هاتين المرأتين الجليلتين؟
والروايات تجيب أن أُمّ سُلَيْم،وأُمّ حَرَام أختان، يقال لأحدهما الرميصاء،وللأخرى الغميصاء،لابعينها، فمنهم من يقول: إن الرميصاء بالراء هي أُمّ حَرَام، والغميصاء بالغين هي أُمّ سُلَيْم، ومنهم من يعكس.
والرميصاء والغميصاء: لفظان يدلان على حالتين في العين متشابهتين،وهما حالتان خلقيتان ليس بالعين معهما من بأس.(10/453)
وأُمّ سُلَيْم هي أم أنس بن مالك رضي الله عنه، وأُمّ حَرَام خالته، وأنس بن مالك كان في صباه يخدم النَّبِيّ عشر سنين وكان النَّبِيّ يعامله معاملة تناسب أخلاق النبوة يقول أنس: خدمت النَّبِيّ عشر سنين، فما قَالَ لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء تركته لما تركته.
هؤلاء ثلاثة ليسوا من المجاهيل في الصحابة والصحابيات، وما الذي جعل علاقة النَّبِيّ بهم على هذا المستوى من الاهتمام، وكثرة السؤال عنهم.
إن هذا لا يكون إلا في حالة واحدة، ، سواء أكان- صلى الله عليه وسلم -وهي أن تكون هناك درجة من القرابة تجعل المرأتين من محارم النَّبِيّ ذلك من جهة النسب كما قَالَ بعض المؤرخين،أو كان من جهة الرَّضَاعَة كما قَالَ البعض الآخر.
، أن يخالف الناس إلى ما ينهاهم- صلى الله عليه وسلم -وإلا فهل يمكن عقلاً للنبي عنه؟
وهل يمكن عقلاً أو اتفاقا أن تقوم علاقة غير مشروعة وحاشاه بينه وبين أختين في وقت واحد؟
وهل يجيز المنطق أو العادة أن يسمح النَّبِيّ r لغير قريبه من الصبيان إن يخدمه في بيته عشر سنوات كاملات؟.
وهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق-زمن النبوة-مثل هذا الموقف دون استغلاله في الطعن في النَّبِيّ r وفي نبوته؟
أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التي لا تخطيء والدلالات التي تورث اليقين بأن النَّبِيّ r كان قريبا قرابة محرمة لأُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام.
وخصوصاً وأنّ بعض الروايات تقول كان النَّبِيّ r يدخل بيت أُمّ سُلَيْم فينام على فراشها وليست فيه، وراية تقول"نام النَّبِيّ r فاستيقظ وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك فقالت:يا رسول الله r أتضحك من رأسي قَالَ:لا".
قد يقول قائل قريبات النَّبِيّ r معروفات، وليس منهن أُمّ سُلَيْم ولا أُمّ حَرَام.
والجواب: أننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات وخاصة إذا كانت القرابة في النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ في هذا المجتمع وأهملهن الرواة.
وَقَالَ:((إنّ المرء ليسمع الحَدِيث المستقيم فيدركه على وجهه إن كان سليم النفس، حسن الطوية، وهو ينحرف به إذا كان إنسانا مريض النفس معوجا، وهل ينضح البئر إلاّ بما فيه، وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟ أو نغترف من النار ماء؟ وقديما قالوا: إنّ كل إناء بما فيه ينضح، أشهد أنّ الله قد قَالَ في نبيه r { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}))
----------------
إنّ مَنْ استقرأ النصوص الواردة في تعامل النبي مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام رأى أنّ لأُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام دون بقية النساء –غير أزوجه- خصوصية لا يمكن أن تقع إلا للمحرم مع محرمه، فمن ذلك:
1- عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ
صحيح البخاري
قَالَ الْمُهَلَّب:((فِي هَذَا الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة الْقَائِلَة لِلْكَبِيرِ فِي بُيُوت مَعَارِفه لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثُبُوت الْمَوَدَّة وَتَأَكُّد الْمَحَبَّة))
فتح الباري
وتأمل قولَ أَنَسِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ.
"فهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق-زمن النبوة-مثل هذا الموقف دون استغلاله في الطعن في النَّبِيّ وفي نبوته؟، وهم ا بمجرد شبهة باطلة!!، وما فتأووا يحيكون- رضي الله عنه -الذين طعنوا في أم المؤمنين عائشة الدسائس والمؤامرات والشائعات!!.
وكذلك لِمَ لمْ يتكلموا في أُمّ سُلَيْم وأختها ا!!.- رضي الله عنه -أُمّ حَرَام كما تكلموا في عائشة
2- حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ:((إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي)).
صحيح البخاري(10/454)
قَالَ النَّوَوِيّ:((قَوْله: (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النِّسَاء إِلَّا عَلَى أَزْوَاجه إِلَّا أُمّ سُلَيْمٍ , فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ: إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَاب الْجِهَاد عِنْد ذِكْر أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع , وَإِمَّا مِنْ النَّسَب , فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا , وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً , لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَزْوَاجه.
قَالَ الْعُلَمَاء: فَفِيهِ جَوَاز دُخُول الْمَحْرَم عَلَى مَحْرَمه , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَنْع دُخُول الرَّجُل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة. وَإِنْ كَانَ صَالِحًا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ الْعُلَمَاء: أَرَادَ اِمْتِنَاع الْأُمَّة مِنْ الدُّخُول عَلَى الْأَجْنَبِيَّات))
شرح النووي.
قَالَ العينيُّ:((قَالَ الكرمانيّ: كيف صار قتل الأخ سبباً للدخول على الأجنبية؟ قلتُ: لم تكن أجنبية كانت خالة لرسول الله من الرَّضَاعَ، وقيل: من النسب فالمحرمية كانت سبباً لجواز الدخول))
عمدة القارىء
3- و عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي فَقَالَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ بِكُمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَصَلَّى بِنَا فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ: أَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟ قَالَ: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ( ).
4- و عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ فَأَتَوْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ فَقَالَ: رُدُّوا هَذَا فِي وِعَائِهِ وَهَذَا فِي سِقَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا قَالَ ثَابِتٌ وَلا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ عَلَى بِسَاطٍ( ).
5- و عَنْ حُمَيْد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ( ).
6- وفي روايةٍ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ أَحْيَانًا فَيُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرٌ نَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ( ).
7- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا( ).
8- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ( ) أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا( ).
إذا ذهب إلى- صلى الله عليه وسلم -9- و عن أنس قَالَ:((كان رسول الله قُباء يَدْخُلُ عَلَى أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان))( ).(10/455)
10- وأُمّ سُلَيْم هي ففي حَدِيث عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس " حتى إذا- صلى الله عليه وسلم -التي جهزت صفية بنت حيي للنبي عروسا"(- صلى الله عليه وسلم -كان بالطريق جهزتها له أُمّ سُلَيْم فأهدتها له من الليل فأصبح النَّبِيّ )، وفي روايةٍ " ثم دفعها إلى أُمّ سُلَيْم تصنعها له وتهيئها قَالَ:وأحسبه قَالَ:وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي"( ).
11- و عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى( ).
12- عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْء؟ٍ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَلِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلا أَوْ ثَمَانُونَ( ).
وفي رواية:((ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ قَالَ: فَعَادَ كَمَا كَانَ فَقَالَ: دُونَكُمْ هَذَا)).
وفي رواية:((ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَأَفْضَلُوا مَا أَبْلَغُوا جِيرَانَهُمْ)).
13- وعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟ قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنْ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ( ).
ومما يضاف إلى ذلك أنّ أنس بن مالك إلى وفاته ففي الحَدِيث:- صلى الله عليه وسلم --وهو ابن أُمّ سُلَيْم- خدم النَّبِيّ(10/456)
- عَنْ إِسْحَاق بن أبي طلحة قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، قَالَ أَنَسٌ:فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ( ).
- وعن ثَابِت البناني قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:((خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ وَلا لِمَ صَنَعْتَ وَلا أَلا صَنَعْتَ))( ).
وتقدم قول الدِّمْيَاطِيّ:((والعادةُ تقتضي المخالطة بين الْمَخْدُوم وَأَهْل خَادِم، سيّما إذا كنَّ مسنَّات)).
فإذا تأمل الباحث المُنصف هذه الأحاديث رأى مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام تعامل المحارم بعضهم مع- صلى الله عليه وسلم -أنّ تعامل النَّبِيّ بعض
للتفصيل الممل في هذا الحديث راجع
إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَرَام بِنْتِ مِلْحَانَ د.علي بن عبد الله الصّياح
=========
شبهه حديث عن غسل النبي –صلى الله عليه
الشبهة
قرأت حديثاً عن أبي بكر بن حفص، قال: سمعت أبا سلمة يقول: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة –رضي الله عنها- فسألها أخوها عن غسل النبي –صلى الله عليه وسلم- فدعت بإناء نحوا من صاع، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب.
أرجو من فضيلتكم تخريج الحديث وشرحه، وتوضيح هل كان الاغتسال في نفس الغرفة؟ وهل كانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- بملابسها عند الاغتسال؟ فقد وقع في نفسي شيء عند قراءتي لهذا الحديث، فلجأت إليكم -بعد الله- لإيضاح اللبس في نفسي، ولكم مني جزيل الشكر والتقدير.
----------------
الرد
الحمد لله وحده، وبعد:
أخي الكريم: هذا الأثر متفق على صحته؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه (248)، ومسلم (320)
ولكي تفهم هذا الأثر لا بد أن تقف على النقاط التالية:
(1) إن هدف عائشة –رضي الله عنها- من هذا التصرف هو حسم الجدل في الكمية التي يمكن الاغتسال بها، فكأن هذا الجيل الصاعد من أبناء الصحابة كانوا يستبعدون جداً أن يغتسل الشخص بحوالي صاع فقط من الماء، وأنا أعتقد أنك الآن لن تصدق إذا قلت لك: إن الشخص يمكنه أن يغتسل بليترين ونصف من الماء.
وهو أمر أرادت أمنا عائشة –رضي الله عنها- أن تبين أنه ممكن بأسلوب أقرب ما يكون إلى التحدي؛ فكأنها تقول: هاتوا صاعاً من الماء، وسترون أنه يكفي للاغتسال.
ولهذا تجد أن البخاري جاء بهذا الأثر تحت عنوان: "باب الغسل بالصاع ونحوه".
(2) إن الأثر صريح في كونها جعلت بينها وبينهما حجاباً؛ ففي لفظ البخاري: "وبيننا وبينها حجاب" وفي لفظ مسلم: "وبيننا وبينها ستر".
ولا غرابة في اغتسالها في الغرفة نفسها، فالمعروف أنهم كانوا في ذلك الوقت يغتسلون داخل البيوت، ويتخذون لذلك آلة تسمى (المخضب) تكون من النحاس غالباً، يجلس الشخص فيها يرخي ستارة من حوله ويغتسل. وفي هذه الحالة لا حرج من وجود غيره معه في نفس الغرفة، ويشهد لهذا ما في الحديث المشهور من دخول أم هانئ بنت أبي طالب –رضي الله عنها- على النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو يغتسل وفاطمة بنته –رضي الله عنها- تستره بثوب صحيح البخاري (280)، صحيح مسلم (336).
(3) لقد أرادت عائشة –رضي الله عنها- أن تعلم هذين الولدين الاغتسال خطوة خطوة بشكل أقرب ما يكون إلى المشاهدة، وإن كانا لا يريانها لأنها –طبعاً- بينها وبينهما حجاب (ستارة)، وقد ورد في بعض روايات هذه القصة التي لا تخلو من ضعف أنها كانت تختبرهما بعد كل خطوة بأن تسألهما عن الخطوة الموالية وتصحح معلوماتهما.
وتعتبر هذه الطريقة رائدة في إيصال المعلومات إلى الأولاد كما أنها سهلة التطبيق الآن؛ فبالإمكان أن أستدعي أحد الأولاد، وأجعله يقف خلف الباب وأسأله عند كل خطوة ما هي الخطوة التي عليَّ أن أقوم بها الآن؛ فأضمن بذلك سلامة فهمه وتصوره للعملية ومقدرته على التطبيق.
(4) لقد جاء التصريح في هذا الأثر أن أحد صاحبي هذه القصة أخو عائشة –رضي الله عنها- من الرضاعة، وقد ورد في بعض الروايات أنه من بني أبي القعيس، وهم محارم لها من الرضاعة كما هو مشهور.صحيح البخاري (4518).
وأما الثاني وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه- فإن عائشة –رضي الله عنها- خالته من الرضاعة؛ أرضعته أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. [انظر: التمهيد لابن عبد البر 7/61، وسير أعلام النبلاء 4/288]وقد يكون في وقت هذه القصة صغيراً دون البلوغ؛ لأنه ولد سنة بضع وعشرين للهجرة، ولأن أمه من الرضاعة –أم كلثوم- لم تولد إلا بعد وفاة والدها –رضي الله عنه وأرضاه- كما هو مشهور.(10/457)
وبعد.. فأرجو أن تكون هذه الإيضاحات مزيلة لما يقع في النفس، موضحة لما حدث من لبس. والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
http://www.islamtoday.net/questions/...t.cfm?id=77169
اضافه للريحانه
أن البخارى لم يذكر حديثاً واحداً حول زيارة الرسول للسيدة أم سليم وأختها ..بل ذكرت أحاديث كثيرة تدور حول أن الرسول كان يتعامل معهما كمحارمه وهذا ما أكده العلماء ولكنهم إختلفوا فى درجة المحرمية
ولهذا اردت أن أنقل لكم هذه المداخلات من احد المنتديات حول هذا الحديث
بين من ينكرون أحاديث البخارى وبين من يردون عليهم ****
المنكر لأحاديث البخارى يقول
يقول النووي في شرحه لهذا الحديث بان الاجماع عند اهل السنه انها اي ام حرام كانت محرما عليه واختلفوا في الطريقه فقال بعضهم انها خالته عن طريق الرضاعه وقال اخرون عن طريق النسب من جهة الام وقال اخرون انها خالته عن طريق النسب من جهة ابيه عبد الله(رضي الله عنه) لكننا نطالب من يدعي انه مذهب الاسناد باثبات خؤولة ام حرام لرسول الله(ص) ولو بحديث ضعيف!!وخصوصا في موضوع كونها خالته من الرضاعه مثلا..كما نطالبهم باثبات الخؤولة من جهة الاب او الام بالنسب!.
أولاً : الاحتمال الأول أن تكون أم حرام خالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة !!
لم يثبت في كل من مصادر السيرة التالية خؤولة أم حرام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالرضاعة من أثر ضعيف فضلاً عن قوي ، وهي : 1- الفصول في السيرة لأبي الفداء بن كثير . 2- السيرة لابن حبان . 3- السيرة النبوية لابن هشام . 4- الشمائل المحمدية للترمذي . 5- أعلام النبوة للماوردي . 6- سيرة ابن اسحاق . 7- تاريخ الخلفاء للسيوطي .
8- سيرة ابن كثير . 9- مختصر سيرة الرسول لابن عبدالوهاب . 10- عيون الأثر لفتح الدين . 11- الإصابة لابن حجر . 12- البداية والنهاية لابن كثير .
فلو فرضنا جدلاً أنها خالته من الرضاعة فما الذي منع كتاب السيرة والمؤرخين من ذكر هذا النسب لا سيما وأنهم ذكروا من انتسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالرضاعة !! أ
ثانياً : احتمالية كونها خالة أبيه !!
وهذا أمر بعيد أيضاً فأم عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي :
« فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان » ..
1- سيرة ابن كثير ج1 ص 102 . 2- سيرة ابن اسحاق ج1 ص 128 . 3- عيون الأثر ج2 ص 383 . 4- سيرة ابن هشام ج1 ص 144 .
فكيف تكون خالة عبد الله : هي ابنة ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار .. السيرة لابن حبان ج1 ص 185 . سيرة ابن هشام ج2 ص 317 .
ثالثاً : احتمالية كونها خالة جده عبد المطلب !! لأن أمه من بني النجار ..
هذا الوجه أيضاً غير ممكن فأم عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، وأختها ليلى بنت عمرو أم سويد بن الصامت الأنصاري ...
1- سيرة ابن كثير ج2 ص 173 .2- مختصر سيرة الرسول ج1 ص 20 و ص 40 . 3- السيرة لابن حبان ج1 ص 39 و ص 140. 4- سيرة ابن هشام ج1 ص 143 وص 174 وص 205. 5- أعلام النبوة ج1 ص 215 . 6- سيرة ابن كثير ج1 ص 102 وص 173.
بينما أم حرام هي بنت ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ..
1- السيرة لابن حبان ج1 ص 185 . 2- سيرة ابن هشام ج2 ص 317 .
لا يلتقي النسبان إلا في الجد الخامس « عامر بن غنم بن عدي بن النجار » ؛ فلا يمكن أن تكونا أختين وعليه فليس هناك إثبات يشير إلى كونها خالة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم لجده عبد المطلب !!
بل هي في الواقع خالة أنس بن مالك وقد نص على ذلك ابن حجر في الإصابة :
« عبدالله بن عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار أبو أبي بن أم حرام أمه خالة أنس بن مالك وهي امرأة عبادة بن الصامت » ..
وعلى هذا كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرماً لها ، وعلى أي أساس ابتنى اتفاق العلماء الذي نقله النووي ؟؟؟
العجب أن كل ما قيل في تفسير ذلك أن النبي معصوم وهو الذي يملك إربه حتى عن زوجته وبهذا يجوز له ما يجوز لغيره
وللإسف رد الإخوة عليه برد لم يقنعنى وهو
أن النبى معصوم وعلى ذلك فهو يستطيع ان يملك إربه ... وإباحة النظر والخلوة بالأجنبيات له بسبب عصمته
ولذلك رد عليهم المنكر للبخارى
يقول علمائكم وخاصة ابن حزم وابن تيمية والأشعري وغيرهم في العقائد
وما تعتقدونه في عصمة النبي الكريم أنه معصوم فقط في التبليغ وما عدا
ذلك فهو ينسى ويغفل وحتى أنه يُسحَر فيما روى ابن كثير عن أبي هريرة(10/458)
أليس يجوز عليه السحر وأنه كان يرى أنه يأتي نسائه ولا يأتيهن أو العكس ؟ ..متى كانت أم سليم أختاً له من الرضاعة وهي أنصارية من الخزرج والنبي الأعظم رضع من حليمة السعدية في ديار بني بكر وكان صغيراً وأم سليم كانت في المدينة على دين الجاهلية أم ربما أنه تبلغ الرسالة وأسلمت أم سليم ثم عادت صغيرة ورضعت من حليمة السعدية ، أم أن هناك من أرضع النبي غير حليمة وهو الذي عافته المراضع لفقره على ما أورده ابن هشام في سيرته !!
ثم اعتمدتم في كل تبريراتكم على التأويل والتأويل بعرفكم مرفوض ( لكن من أجل الدفاع عن الباطل فأهلا بالتأويل خاصة إذا كان فيه نسبة البهتان والزور على النبي الأعظم )
وإذا كان ذلك قبل نزول آية الحجاب فأين ذهبت عصمة النبي وهل النبي معصوم قبل الحجاب وبعد الحجاب ذهب الحجاب بالعصمة ؟ وهل الحجاب للنبي أم لأمته ( وإذا كان النبي يملك إربه فلماذا لم يصافح النساء عندما بايعنه ؟؟ وقد روى البخاري عن عائشة أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يبايع النساء بهذه الآية : لا يشركن بالله شيئا , قالت : وما مست يد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا امرأة يملكها , أي يملك نكاحها ( لماذا ؟ ربما لأنه لا يملك إربه ) وقال الآلوسي في تفسيره لآية مبايعة النساء ( سورة الممتحنة : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك .. إلى آخر الآية الكريمة ) قال : أخرج سعيد بن منصور عن الشعبي قال : كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذا بايع النساء وضع على يده ثوباً ، وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم يبايعهن وبين يديه ثوب مطوي ... إلى آخر كلامه . وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه وكأن هذا بدل المصافحة . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : روي أنه عليه [وآله] الصلاة والسلام بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب وكان يشترط عليهن .. فلماذا كل ذلك ؟ ألا يمك إربه وأنه يجوز له الخلوة بالأجنبية بزعمكم وأن هذا من خصائصه .
================
رد الافتراء عن ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إبراهيم ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انقل لكم أحبتي في الله هذا الافتراء والذي وصلني على الخاص من احد أعضاء المنتدى يطلب الرد فأحببت أن تشتركوا معي في الرد على هذا الافتراء .
الافتراء هو :
[ أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة ]
قال ابن إسحاق : فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم القاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، عليهم السلام .
قال ابن هشام : أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة
إذا امعنت في ألآيه تجد أخطاء فظيعه. قال أن جميعهم أولاد خديجه ما عدا إبراهيم القاسم ويقولون ان ابراهيم أكبرهم .كيف يكون هذا وإن إبراهيم ابن مريا القبطيه وقد زنا معها بعد موت خديجه بفتره طويله. ثم لو ان إبراهيم لم يكن ابن مريا إذآ هو إبن من ؟: إذا كان أكبرهم؟ أما إذا كان ابن مريا فإبنها قد مات طفلا. فكيف يكون أكبرهن. ويموت على دين الجهل
من خلال ما قرأت أحبتي في الله في هذا الافتراء لم أجد أي مشكلة فكل ماكتب صحيح الا ماقيل انه عليه الصلاة والسلام زنا بماريا فهذا الكلام غير صحيح بل هو تزوجها وعليه :
اما بالنسبة لابراهيم ابن من فهو ابن ماريا القبطية حيث انه كما ورد في الاعلى ان جميع اولاد رسول الله جميعهم من زوجته خديجة رضي الله عنها
الا إبراهيم فهو من ماريا القبطية حيث انه عاش لعمر سنتين ويعتبر أكبر أولاد رسول الله على الأرض من الذكور أما الباقين فماتوا عند الولادة أو بعدها بقليل بحوالي ستة أشهر لا أكثر
ولذلك يقال ان إبراهيم اكبر أولاده حقا لأنه أكثر واحد فيهم عاش مع أبيه
المهتدي بالله
===========
شبهه عشر رضعات معلومات يحرّمن
السؤال لجهلاء النصارى
كيف نسخت لفظا وأم المؤمنين قالت : " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يتلى من القرآن "
اى لا نسخ بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم
وللعلم ليس فقط النصارى من يثير هذه الشبهة ولكن أيضاً الرافضة
ترد شبهة حول الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرّمن ) ثم نسخن بـ(خمس معلومات) فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن .
(صحيح مسلم 4/167 ، سنن الدرامي 2/157 ، سنن الترمذي 3/456 . السنن الكبرى للبيهقي 7/454 ، سنن ابن ماجة 1/635 ، سنن النسائي 6/100 ، الموطأ 2/117) .(10/459)
و يعلق الأب النصراني يوسف درة الحداد - قذفه الله في الدرك الأسفل من النار - في كتابه (الإتقان في تحريف القرآن) :"لقد شهدت عائشة أن الآية كانت من القرآن وكانت تتلى بين ظهرانيهم إلى ما بعد وفاة الرسول كغيرها من آيات القرآن ، وهذه طامة كبرى ! لصراحتها في سقوط آية ( خمس رضعات معلومات يحرمن ) وفقدانها من القرآن بلا أي موجه شرعي ! فلا نسخ بعد وفاة النبي بإجماع أهل الملة والدين ، فأين اختفت تلك الآية !"
و الجواب على هذه الشبهة بإذن الله - يتضمن عدة مسائل . . .
الأولي : من المعلوم لكل من وقف على تواتر القرآن و سلامة نقله و حفظه بواسطة رب العالمين أنه إذا تعارض حديث مع ما نعلمه عن هذا التواتر و النقل و الحفظ يكون الاشكال في الحديث و ليس في القرآن لأن الأخير متواتر ثابت ثبوتاً قطعياً لا شك فيه ، لذا عند التعارض لا يجوز عقلاً التشكيك في القرآن و هذا من بداهات المنطق .
الثانية : أن منطوق الحديث لا يستوجب كون الآية غير منسوخة قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بل إن غاية ما تدل عليه أنه كان هناك من لا يزال يعتبرها جزءاً من القرآن حتى بعد وفاة النبي و يجعلها في تلاوته و هذا غالباً لجهلهم بوقوع النسخ . يقول محمد فؤاد عبد الباقي في شرحه لصحيح مسلم المتاح للتحميل من موقع الأزهر الشريف على الشبكة :
(وهن فيما يقرأ) معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ: خمس رضعات. ويجعلها قرآنا متلوا، لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده. فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.
الثالثة : أن من تأمل وضع الإسلام وقت وفاة النبي و اتساع رقعته حتى شملت الجزيرة العربية و اليمن و جنوب الشام أدرك أنه من المحال عقلاً أن يعلم كل المسلمين بوقوع النسخ في أي آية في نفس الوقت و أنه من الوارد جداً - بل من المؤكد - أن العديدين كانوا يتلون بعض الآيات المنسوخة تلاوتها لبعدهم المكاني عن مهبط الوحي و هذا مما لا مناص من الاعتراف به . و ما كلام عائشة رضي الله عنها إلا إقراراً بهذا الوضع .
الرابعة : أن من يرى أن الآية قد حذفها النساخ عند جمع القرآن عليه البيان: ما هو الداعي لحذف مثل هذه الآية من القرآن إن كانت حقاً غير منسوخة ؟ و ما الفائدة التي تعود من حذفها ؟ فليس لها أي أهمية عقائدية بل هي تختص بأحد الأحكام الفقهية و هو حكم ثابت في العديد من الأحاديث الشريفة و لا يمكن إنكاره فما الداعي لحذف هذه الآية إذن ؟؟
الخامسة : أن السيدة عائشة رضي الله عنها راوية الحديث لا يمكن أن يكون قصدها من الرواية الطعن في جمع القرآن لأنها عاصرت هذا الجمع و كانت من أبرز المناصرين لأمير المؤمنين عثمان بن عفان الذي تم جمع القرآن الكريم في عهده و تحت إشرافه ، و لو كان لها أي مؤاخذات لجاهرت بها و لاعترضت على عثمان رضي الله عنه . و لكن هذا لم يحدث و لو حدث لعلمناه ، بل إن موقف عائشة رضي الله عنها من قتلة عثمان يدل على انها لم تشكك يوماً في إمامته و خلافته و هذا كاف جداً للرد على هذه الشبهة .
خلاصة هذه المسائل أنه من غير المقبول عقلاً و لا منطقاً فهم قول عائشة رضي الله عنها على أن الآية المذكورة قد حذفها النساخ عند جمع القرآن للأسباب الواردة أعلاه
يكفي في تصحيح ذلك الحديث رواية الإمام مالك له في " موطئه "، و كذا الإمام مسلم في " صحيحه " ، و أبي عوانه في " مستخرجه " ،
و قد أخرجه الإمام الترمذي في " جامعه " ، و أبو داود في " سننه " ، و ابن حبان في " صحيحه " ، و غيرهم ،
*** و قال ابن عبد البر في " التمهيد " إنه أصح الأسانيد فيه ( أى : مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضى الله عنها ) ، قال :
( حديث سابع لعبدالله بن أبي بكر : مالك عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يقرأ من القرآن .
ألا لعنه الله على القوم الكاذبين الكافرين
د/هشام عزمى
http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=8012
================
الرد على : شبهة رسول الإسلام والحمير
الحديث المسلسل بالحمير!! اضحك واستفد !!(10/460)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، قد يبدو العنوان غريبا والموضوع ليس له علاقة - بالحديث المسلسل - كما هو معروف في علم مصطلح الحديث ، ولكنه عنوان خطر لي في ذهني ، لذكر - الستين حمارا ! الى ما ستراه أخي الكريم ، ولن نعدم من فائدة بإذن الله ، وإليكم الحديث صلى الله عليه وسلم لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال وأربعة أزواج خفاف وعشر أواقي ذهب وفضة وحمار أسود . قال فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار فقال له ما اسمك قال يزيد ابن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي ولم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك أتوقعك أن تركبني وكنت قبلك لرجل من اليهود وكنت أعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضرب ظهري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد سميتك يعفورا يا يعفور قال لبيك . قال أتشتهي الإناث قال لا وكان النبي عليه الصلاة والسلام يركبه في حاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فلما قبض النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) " موضوع - الضعيفة - 5405 - قال الشيخ رحمه الله : موضوع " أورده ابن حبان في " الضعفاء والمجروحين " " 3 / 308 " في ترجمة - محمد بن مزيد أبي جعفر مولى بني هاشم عن أبي حذيفة موسى بن مسعود عن عبد الله بن حبيب الهذلي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور وكانت له صحبة - قال : ....فذكره ، وقال عقبه : وهذا حديث لا أصل له ، وإسناده ليس بشيء ، ولا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ " ، وأورده ابن الجوزي في - الموضوعات - 1 / 294 - وقال : " هذا حديث موضوع ، فلعن الله واضعه ؛ فإنه لم يقصد إلا القدح في الاسلام والاستهزاء به ! " ثم نقل كلام ابن حبان المذكور آنفا ، وأقروه عليه ، كالحافظ الذهبي في - الميزان - والعسقلاني في - اللسان - وفي - الفتح - كتاب الجهاد - ، وقد خفي حال - أبي جعفر - هذا على الخطيب البغدادي ، فترجمه في - التاريخ - 3 / 287 - 288 " دون أن يذكر فيه جرحا أو تعديلا ! " انتهى كلام الشيخ رحمه الله " وقد ورد ذكر اسم حمار النبي -صلى الله عليه وسلم - في أحاديث صحيحة منها : كان له حمار يقال له عفير ] . صحيح بشواهده ) . وقد روى ابن سعد بإسنادين مرسلين صحيحين أن اسم حمار النبي صلى الله عليه وسلم اليعفور . الصحيحة - 2098- 5 / 132 " صلى الله عليه وسلم وعن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشربه الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا .) متفق عليه - البخاري - 2856- مسلم - 49 - قال الحافظ في - الفتح - عند شرحه للحديث : " على حمار يقال له عفير - بالمهملة والفاء مصغر مأخوذ من العفر ، وهو لون التراب ، كأنه سمي بذلك للونه ، والعفرة حمرة يخالطها بياض وهو تصغير - أعفر - أخرجوه عن بناء أصله ، كما قالوا : سويد في تصغير أسود ، ووهم من ضبطه بالغين المعجمة ، وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له - يعفور - ، وزعم - ابن عبدوس - أنهما واحد ، وقواه صاحب الهدي ، ورده الدمياطي فقال : عفير أهداه المقوقس ، ويعفور أهداه فروة بن عمرو ن وقيل : بالعكس . ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء - هو اسم ولد الظبي - كأنه سمي بذلك لسرعته ، قال الواقدي : نفق يعفور منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ، وبه جزم النووي عن ابن الصلاح ، وقيل : طرح نفسه في بئر يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ، وقع ذلك في حديث طويل ذكره - ابن حبان - في ترجمة - محمد بن مزيد - في الضعفاء ، ثم ذكر الحديث المتقدم - وأورد قول - ابن حبان - أنه قال : لا أصل له وليس سنده بشيء "
يعني جبت الديب من ذيله :)
موضوع ليس له معنى إلا إظهار حقد ضد رسول الله كما ظهر منكم لكل أنبياء الله ورسله منقبل
لنرى
سفر العدد
22: 20 فاتى الله الى بلعام ليلا و قال له ان اتى الرجال ليدعوك فقم اذهب معهم انما تعمل الامر الذي اكلمك به فقط
22: 21 فقام بلعام صباحا و شد على اتانه و انطلق مع رؤساء مواب
22: 22 فحمي غضب الله لانه منطلق و وقف ملاك الرب في الطريق ليقاومه و هو راكب على اتانه و غلاماه معه
22: 23 فابصرت الاتان ملاك الرب واقفا في الطريق و سيفه مسلول في يده فمالت الاتان عن الطريق و مشت في الحقل فضرب بلعام الاتان ليردها الى الطريق
22: 24 ثم وقف ملاك الرب في خندق للكروم له حائط من هنا و حائط من هناك(10/461)
22: 25 فلما ابصرت الاتان ملاك الرب زحمت الحائط و ضغطت رجل بلعام بالحائط فضربها ايضا
22: 26 ثم اجتاز ملاك الرب ايضا و وقف في مكان ضيق حيث ليس سبيل للنكوب يمينا او شمالا
22: 27 فلما ابصرت الاتان ملاك الرب ربضت تحت بلعام فحمي غضب بلعام و ضرب الاتان بالقضيب
22: 28 ففتح الرب فم الاتان فقالت لبلعام ماذا صنعت بك حتى ضربتني الان ثلاث دفعات :) الحمارة بتتكلم ومشغلة عداد الضرب
22: 29 فقال بلعام للاتان لانك ازدريت بي لو كان في يدي سيف لكنت الان قد قتلتك
22: 30 فقالت الاتان لبلعام الست انا اتانك التي ركبت عليها منذ وجودك الى هذا اليوم هل تعودت ان افعل بك هكذا فقال لا ..:) دي أحرجته :)
22: 31 ثم كشف الرب عن عيني بلعام فابصر ملاك الرب واقفا في الطريق و سيفه مسلول في يده فخر ساجدا على وجهه
22: 32 فقال له ملاك الرب لماذا ضربت اتانك الان ثلاث دفعات هانذا قد خرجت للمقاومة لان الطريق ورطة امامي
22: 33 فأبصرتني الاتان و مالت من قدامي الان ثلاث دفعات و لو لم تمل من قدامي لكنت الان قد قتلتك و استبقيتها
تحبوا نتكلم عن الخرفان ولا بلاش كده كفاية ؟
==============
الشمس و القمر هم ثوران مكوران يوم القيامة و الله يعاقبهما في جهنم
حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشمس والقمر مكوران يوم القيامة
صحيح البخاري .. كتاب بدء الخلق .. باب صفة الشمس و القمر
وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها . وقال الإسماعيلي : لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما , فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك , فلا تكون هي معذبة . وقال أبو موسى المديني في /" غريب الحديث /" لما وصفا بأنهما يسبحان في قوله : ( كل في فلك يسبحون ) وأن كل من عبد من دون الله إلا من سبقت له الحسنى يكون في النار وكانا في النار يعذب بهما أهلهما بحيث لا يبرحان منهما فصارا كأنهما ثوران عقيران .
راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري .. كتاب بدء الخلق .. باب صفة الشمس و القمر
الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة .
راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني .. القتل و أشراط الساعة و البعث
ساق هذا الحديث أحد النصارى فى أحد المنتديات على انها شبهه و انا لا أعرف مدى صحة الحديث افيدونا أفادكم الله
بمدى صحته و شرحة
و السلام عليكم و رحمته و بركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الحديث الذي رواه البخاري بسنده مختصراً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشمس والقمر مكورِّان يوم القيامة.
ومعنى مكوران: مطويان ذاهبا الضوء، والتكوير هو: اللف والضم، فيجمعان ويكفان ويذُهب بضوئهما وليس في البخاري "أنهما في النار" وإنما روى هذه الزيادة بعض العلماء كالطحاوي في مشكل الآثار، والبيهقي في كتاب البعث والنشور، والبزار وغيرهم، وصححها الألباني في السلسلة الصحيحة 1/243.
أما معنى أنهما في النار؟ على فرض صحة هذه الزيادة.... فيقول الحافظ ابن حجر بعد ذكره حديث البخاري: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة، قال: زاد في رواية البزار ومن ذكر معه "في النار" فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمه: أحُدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: وما ذنبهما؟..... وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه: ليراهما من عبدهما. كما قال الله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98].
قال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت "توبيخ" لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً، وقيل: إنهما خلقا من نار فأعيدا فيها.
وقال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة. انتهى من فتح الباري.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ونحن نقول: إن الشمس والقمر لم يعذبا بالنار حين أدخلاها فيقال ما ذنبهما؟ ولكنهما خلقا منها ثم ردا إليها .... وما مثل هذا إلا مثل رجل سمع بقول الله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24].
فقال: وما ذنب الحجارة؟!. انتهى
والله أعلم.
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...Option=FatwaId
==============
الرد على شبهة أعود بالله منك
د.محمد الهازن كتب في : Jul 20 2005, 11:53 PM
هذا الحديث يدعي به عباد الصليب ان الرسول كان مزواجا وكان يأخذ النساء كرها ويزيدون على ذلك كثيرا(10/462)
حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن غسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبي أسيد رضي الله عنه قال
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلسوا ها هنا ودخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال هبي نفسك لي قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها
وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا عبد الرحمن عن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا
فأريد من اهل الاختصاص ذكر الرد المتين ان شاء الله
بارك الله فيكم
نذير كتب في : Jul 21 2005, 01:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اخي الدكتور المحترم
الحقيقة انني بحثت جيدا فوجدت الحديث لدى البخارى واحمد ولم اجده عند مسلم والترمذي والنسائي وابي داود وابن ماجه ومالك والدارمي والبحث طبعا كان اليكترونيا في الاقراص الضغوطة .
في كتاب فتح الباري , وفي معرض شرحه للحديث اورد حديثا اخر وهو :
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِى قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِى أَى أَزْوَاجِ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِى بِأَهْلِكِ.
فهي زوجته شرعا ، اما " هبي لي نفسك " فعلى الارجح انها دعوة الرجل لزوجته بلغة العرب والله أعلم.
اما الحقي بإهلك ، فهي حصراً تعني الطلاق بلغة العرب والشواهد على ذلك كثيره.
فهوببساطة طلق زوجته وليس بذلك اي شبهة ، واذا رجعت لفتح الباري فستجد ان صفات هذه المرأة لا تليق أن تكون زوجة لرسول الله ، لذلك طلقها رسول الله
مع تحياتي
أبو عبيده
بسم الله الرحمن الرحيم
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ) الأنبياء 18
صدق الله العظيم
السيدات و السادة , لا يزال أعداء الدين يغزلون غزلهم العفن حول قضايا لا توجد فى الحقيقة إلا فى كتابهم الذى نسجها بدوره فى مخيلاتهم و صدورهم , فأصحبت الصدور تنضح بكل عِفن و نَجِس .
و يكفينا فى رد هذا العفن , تبويب البخارى فى صحيحه !!
ذكر البخارى هذا الحديث تحت عنوان :
باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟
و أعتقد أن اسم الباب فقط كافٍ لرد الشبهة , فالجونية و هى أميمة بنت النعمان كانت زوجة له و لكنه طلقها , فكانت المروءة و حسن الخلق من سيد الخلق ضاربة أجساد المشككين عرض الحائط جاعلة إياهم ثالث ثلاثة !!
فالجونية هى أميمة بنت النعمان بن شراحيل , قال الحافظ بن حجر فى شرحه للحديث :
والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل كما في حديث أبي أسيد . ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى - باب باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟ )
و تزوجها عليه الصلاة و السلام و لكنه فارقها .
قال الأوزاعي : سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟ قال : أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك ، فقال لها : ( لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك ) " . ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى - باب باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ؟ )
قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج الجونية . ( المصدر السابق )
و قال الحافظ ابن حجر فى شرحه :
وأميمة كان قد عقد عليها ثم فارقها .
و نضيف رواية أخرى فى طبقات ابن سعد أوردها الحافظ ابن حجر لكى تكون القشة التى نفقع بها عين الحاقد ان شاء الله و هى عن أبى أسيد أيضا راوى حديث البخارى و لله الحمد و المنة :(10/463)
قال الحافظ : عن أبى أسيد قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني الجون فأمرني أن آتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي ونحن معه . وذباب بضم المعجمة وموحدتين مخففاً جبل معروف بالمدينة ، والأطم الحصون وهو الأجم أيضاً والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق ن و في رواية لابن سعد أن النعمان بن الحصون وهم الأجم أيضاً والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق ، وفي رواية لابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فقال : ألا أزوجك أجمل أيم في العرب ؟ فتزوجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي ، قال أبو أسيد : فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها . ( المصدر السابق )
فهى كانت زوجته , و هذة هى النقطة الأولى التى أردنا اثباتها , و ليمت الكافر حقدا و غيظا!!!
فالقصة واضحة , و هو أنه لما دخل عليها النبى عليه الصلاة و السلام علم أنها كانت قريبة عهد بالجاهلية و لم تعلم قدره فتصرفت ذلك التصرف المنفر , فكان سيد البشرية , أرحم البشر على الإطلاق , رحيما بها , مقدرا لمشاعرها و عاذرا لها لعدم علمها بهذا الشرف المحصول من زواجها منه
قال الحافظ ابن حجر :
قوله : " هبي نفسك لي " إلخ السوقة بضم السين المهملة يقال للواحد من الرعية الجمع ، قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي ، قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائناً من كان ، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكاً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم لربه . ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذورة لها لقرب عهدها بجاهليتها .( المصدر السابق )
و لهذا أراد نبى الرحمة أن يطمئنها و أن يبعث السرور فى نفسها , فأمال يده الشريفة إليها و شرع فى ملاطفتها و مداعبتها لعلها تراجع نفسها .
قال الحافظ :
قوله : " فأهوى بيده " أي أمالها إليها .... ويكون قوله : ( هبي لي نفسك ) تطيباً لخاطرها واستمالة لقلبها .( المصدر السابق )
إلا أنها كانت لا تعي هذا القدر و هذا الشرف فى زواجها منه فقالت ما جعل النبى يشعر بأنها لا تريد هذا الزواج . فكان الرحيم صلى الله عليه و سلم مثلا يحتذى به فى احترام رغبة الأخر , اذ قال عليه الصلاة و السلام لها : أمن عائذ الله ( رواية ابن سعد - فتح البارى فى شرح الحديث ) .
و لم تتوقف الرحمة المهداة الى ذلك الحد , بل تجاوزت الحد و رب الكعبة !!
إذ طلقها النبى عليه الصلاة و السلام و متعها و أهداها , دليلا منه على حسن وفائه بعهده , و على بره و كرمه و رحمته اللامتناهية .!!!
قال الحافظ ابن حجر : قوله : " ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد اكسها رازقيين " براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به ، والرازقية ثياب من كتان بيض طوال قاله أبو عبيدة . وقال غيره : يكون في داخل بياضها زرقة ، والرازقي الصفيق . ( المصدر السابق )
قال ابن التين : متعها بذلك إما وجوباً وإما تفضلا . ( المصدر السابق )
قال ابن المنير : ان ذلك ثبت في حديث عائشة أول أحاديث الباب. ( المصدر السابق )
ثم عقب الحافظ قائلا : فيحمل على أنه قال لها : الحقي بأهلك ، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له : ألحقها بأهلها ، فلا منافاة ، فالأول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو أن يعيدها إلى أهلها ، لأن أبا أسيد هو الذي كان أحضرها كما ذكرناه .
فهل يجرء حاقد أن يسمى هذا الخلق الا خلق نبي بعث رحمة للعالمين !! و لو كان النبى عليه الصلاة و السلام محبا للدنيا و لذاتها كما يدعى عباد الدنيا من النصارى الحاقدين , ما كان ليطلقها و هى التى كان يحكى بجمالها فى أرض العرب !!
ووقع في رواية لابن سعد " عن أبي أسيد قال : فأمرني فرددتها إلى قومها "( المصدر السابق )
و هذة المرأة ليست من أمهات المؤمنين , فأمهات المؤمنين هم الذين تزوجهم النبى و عاشرهم و ضرب عليهم الحجاب و عرفوا بأمهات المؤمنين و مات النبى و هم كذلك .
وقد أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله ، فكتب إليه : ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كندية إلا أخت بني الجون فملكها . فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها . ( المصدر السابق )
و لو يعلم الحاقدون كم ندمت هذة المرأة على ما فعلته مع حضرة رسول الله لخنسوا كما يخنس الخناس !!
قال أبو أسيد لما رد الجونية الى قومها :(10/464)
فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا : إنك لغير مباركة ، فما دهاك ؟ قالت : خدعت . قال أسيد : فتوفيت في خلافة عثمان . ثم قال : وحدثني هشام بن محمد عن أبي خثيمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمداً ( فتح البارى نقلا عن ابن سعد فى الطبقات ) .
فاخسأوا أعداء الله فلن تعدوا قدركم !!
===============
كيف اتبع محمد الذى مات , واترك المسيح الحى ؟
السؤال . كيف اتبع محمد الذى مات , وتحلل وتعفن جسده , واترك المسيح الحى ؟
الاجابه .
اولا الموت ليس عيب وليس دليل على بطلان الرساله والا وجب على النصارى نكران نبوه ابراهيم وموسى وداوود وهم اكبر واعظم انبيائهم
ثانيا , اخبر الرسول الصادق صلى الله عليه وسلم , وكأن الله اخبر بحقد النصارى وكفرهم وجهلهم عليه , فرد هو بنفسه على هذه الشبهه
فقال النبى صلى الله عليه وسلم .إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
الاسناد .رواه أبو داود 1047 / وابن ماجه 1085 / وأحمد 4/8 / وهو في السلسلة الصحيحة 1527: للشيخ الألباني
ونحن بدورنا نسئل . هل السيده العذراء التى ماتت قبل الفين عام , هل تحلل جسدها وتعفنت ؟ وكيف تظهر لكم فى كوبرى قصر النيل وفوق عشش الدجاج وهى تعفنت على حد اعتقادكم ان الاجساد تتحلل بعد موتها ؟ وايضا مارى جرجس وسانت تريزه , هل هم تعفنوا فى قبورهم ؟؟؟؟؟ واجساد قديسيكم الان معفنه فى قبورها ؟؟؟؟؟
الرجاء الرد بالدليل من كتبكم كما نرد من كتبنا .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
اخوكم حليمو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله الحى الذى لا يموت, الأول الذى ليس قبله شىء والآخر الذى ليس بعده شىء وصلى الله على النبى الذى أمر أن يقول {إنما أنا بشر مثلكم} وهو القائل كما رواه البخاري "لا تُطْروني كما أطْرَتْ النصارَى المسيحَ ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله"فلم نغالي ولم نطره كما اطريتم وألهتم عيسى ابن مريم عليه السلام .وهو القائل صلوات ربي وسلامه عليه كما تحدث الله على لسانه فقال (قل سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً)
وبعد فيجب علينا الإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حى حياة برزخية كما أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون, والرسول صلى الله عليه وسلم أفضل منهم ومن جميع الأنبياء والمرسلين. وإن تلك الحياة البرزخية لا تنافى موته حقيقة.
قال االشيخ الإمام عبدالله بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله:
" والذى نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق, وأنه حى فى قبره حياة برزخية, أبلغ من حياة الشهداء, للنصوص عليها فى التنزيل, إذ هو أفضل منهم بلا ريب" ! [الدرر السنية:1114].
وقال الشيخ العلامة عبدالله أبا بطين: " فحياة الأنبياء حياة برزخية, والله أعلم بحقيقتها. والنبى صلى الله عليه وسلم قد مات بنص القرآن والسنة, ومن شك فى موته فهو كافر"! [الدرر السنية:2|165].
ومعنى موته صلى الله عليه وسلم هو أنه كغيره من الأموات "انقطع عمله" عن الدنيا فلم تعد حواسه التى كان يطل بها على الدنيا وعلى من حوله تعمل وإن كانت لم تبل ولم تأكلها الأرض "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " ! كما جاء فى الحديث.
ثانيا اذا كانت اجساد الانبياء حين موتهم تتعفن حسب زعم النصارى (عليهم من الله ما يستحقون ) فان عظام اليشع ( التي من المفترض ان تكون عفنة) قد احيت ميت اليس كذلك؟
2Kgs:13:21: وفيما كانوا يدفنون رجلا اذا بهم قد رأوا الغزاة فطرحوا الرجل في قبر اليشع فلما نزل الرجل ومس عظام اليشع عاش وقام على رجليه (SVD)
فهنا نجد بقايا جسد قد تحلل ولم يبق سوى العظام ومع هذا فحين لمستها جثة رجل آخر قام ذلك الرجل على رجليه!!
الآن فان ذلك النصراني امام خيارين اما ان يرجع عن قوله الذي قال واما ان ينكر ما يقر به كتابه المحرف اليس كذلك ؟
ونقطة مهمة اخرى فانني كمسلم اعترف بانه لولا ان المسيح قد ذكر في القرآن الكريم وفي احاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام ما كنت امنت للحظة بهذا الانسان الاسطوري الخيالي الذي نصفه انسان ونصفه الآخر اله حسب زعمهم والذي يذكرنا بالاساطير والخرافات الوثنية القديمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم Jesus is Muslim
===============
الشمس طلعت من مغربها على المريخ طوال شهر سبتمبر
خبر عاجل وخطير :الشمس ستطلع من مغربها على المريخ طوال شهر سبتمبر!!
نقلاً عن الموقع الأمريكي الشهير
http://www.space.com
-----------
ذكر علماء الفلك ان كوكب المريخ قد تباطئت سرعته في الاتجاه الشرقي في الاسابيع القليلة الماضية حتى وصل الى مرحلة التذبذب ما بين الشرق والغرب ...... وفي يوم الاربعاء 30 يوليو توقفت حركة المريخ عن السير في الاتجاه الشرقي !!(10/465)
وبعد ذلك في شهري اغسطس وسبتمبر تحول المريخ بالانطلاق بشكل عكسي نحو الغرب .... وذلك الى نهاية شهر سبتمبر ...... وذلك يعني ان الشمس تشرق الان من مغربها على المريخ !!
وهذه الظاهرة العجيبة تسمى : retrograde motion او الحركة العكسية ..... ويقول العلماء ان كل الكواكب سوف تحدث لها هذه الظاهرة مرة على الاقل !!! ومن بينها كوكبنا !!
كوكب الارض سوف تحدث له هذه الحركة العكسية يوما ما وسوف تشرق الشمس من مغربها !!
وقد يكون هذا الامر قريبا ونحن غافلون !!
لقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ان من علامات الساعة الكبرى ان تشرق الشمس من مغربها وعندما يحدث ذلك لا تقبل التوبة !!
والعجيب ان علماء الشريعة قد ذكروا ان طلوع الشمس من المغرب يحدث فقط مرة واحدة يوم الطلوع، ثم تعود إلى الطلوع من المشرق وتستمر هكذا إلى أن يشاء الله .... وهذا مشابه لما يحدث في المريخ فانه يتوقف ويعكس الاتجاه لفترة بسيطة ثم يعود كما كان !
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) رواه البخاري ومسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بادروا الأعمال ستا : ( فذكر منها ) طلوع الشمس من مغربها ) رواه مسلم
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ) رواه أحمد
وال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع لشمس من مغربها " رواه مسلم .
ان هذا الخبر على خطورته فانه يفتح ابوابا للدعوة سواء للمسلمين الغافلين او الكفار .... فعندما نعرض هذه الاحاديث التي ذكرت تلك الظاهرة قبل 1400 سنة .... فسوف يدخل في الاسلام خلق كثير ........... واما المسلمون فقد راوا ان هذا الامر حدث للمريخ وما يدرينا لعله مقدمة لما سيحدث على كوكبنا في القريب العاجل ؟!!
وهذا احد المواقع الموثوقة التي نقلت هذا الخبر الهائل والذي لا يعرف قيمته الا المسلمون :
http://www.space.com/spacewatch/mars_retro...ade_030725.html
وقد اقتطعت من الموقع السابق هذا الجزء والذي قمت بترجمته في الاعلى :
For the past few weeks, Mars has appeared to slow in its eastward trajectory, almost seeming to waver, as if it had become uncertain.
On Wednesday, July 30, that steady eastward course will come to a stop. Then, for the next two months, the planet will move backward against the star background - toward the west. On Sept. 29 it will pause again before resuming its normal eastward direction.
All the planets exhibit retrograde motion at one time or another. Ancient astronomers were unable to come up with a satisfactory explanation for it. The motion is tricky. For one thing, while behaving in this strange manner, Mars will also appear to deviate somewhat from its normal course; the retrograde motion will appear to bring it a little below its regular orbital track.
ومن يريد الاستزادة عن ادلة طلوع الشمس من مغربها في القرآن والسنة :
http://www.almawa.net/fetan/fetk7.html
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ فصلت الآية 53]
( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)87( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)88
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [ النمل الآية 93]
سبحان الله وبحمده ...... سبحان الله العظيم
=================
جنة عدن داره ومسكنه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورد في تفسير الامام الطبري هذا الحديث(10/466)
حدثنا محمد بن سهل، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ليث بن سعد؛ وحدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الليث بن سعد، عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل: في الساعة الأولى منهن ينظره في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحوا ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن، وهي داره التي لم ترها عين، ولا تخطر على قلب بشر، وهي مسكنة، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء ثم يقول: طوبى لمن دخلك، ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته فتنتفض، فيقول: قومي بعوني، لم يطلع إلى عباده، فيقول: من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه، من يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر، فذلك حين يقول {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال موسى في حديثه : شهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار. وقال ابن عسكر في حديثه: فيشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار.
يعترض النصارى على لفظ الحديث وهم اخر من يعترض فهم لم يتركوا وصف لا يليق بجلال الله الا ووصفوا الله عز وجل به جعلوه ياكل ويشرب وينام ويحزن ويندم وووووو ....
تعالى الله عما يصفون علوا كبيرا
نقول وبالله المستعان هذا الحديث لم يرد في اي من كتب الحديث بل ورد في كتب التفسير رواه الطبري كما ذكرنا وعنه ابن كثير والقرطبي
وهذا الحديث بهذه الالفاظ منكر والسبب في نكارته هو ( زيادة بن محمد الانصاري ) ذكره الحافظ الذهبي في الميزان وروى له هذا الحديث ضمن ما رواه من مناكير ثم نقل عن البخاري فيه والنسائي (قال البخاري والنسائي منكر الحديث)
فنقول هو منكر الحديث مطلقا ،، فكيف إذا تفرد كما في هذا الحديث ،، لم يروه أحد غيره بهذه الألفاض المنكرة(جنة عدن داره ومسكنه ) ويبدوا أنها من الإسرائيليات
==================
نخس الشيطان لكل مولود ومنهم النبي محمد , الا المسيح فلماذا ؟
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
يتشدق النصارى كالعاده بشبهات لا يفهمون لها معنى وينعقون بما لا يفقهون
من اشهر شبهاتهم ان الشيطان لا يسيطر على المسيح ويسيطر على كل انسان غيره
الحديث الذى به السؤال
" ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخه الشيطان إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } وفي رواية " كل بني آدم يمسه الشيطان يوم لدته أمه إلا مريم وابنها " رواه أحمد 2/233 والبخاري 4548 ومسلم 2366 .
الرد :-
أولاً : معنى الولادة حين يستهل المولود أول استهلاله بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" حين يولد " .
- والنخس من الشيطان اشعار منه بالتمكن والتسليط ، وهذا يكون في نفسه فقط ، ومن باب التخييل أن هذا المولود سيكون من أتباعه ، وحفظ الله تعالى لمريم وابنته لمريم وابنها من نخسته ببركة إجابة دعوة أمها حين قالت { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } .
- ثانياً : ليس معنى النخس أن الشيطان يتمكن من ابن آدم ، وأنه بسبب هذه النخسة أصبح من حزبه ، فليس في هذا الحديث أي إشارة لذلك ، وغاية ما في الأمر أن الشيطان ينخس أو ينغز أو يضرب فقط ، وهذا النخس هو أن الشيطان يطمع في إغواء المولود فكأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن سيكون في حزبي وسأغويه .
- ثالثاً : ليس في هذا الحديث طعن على عصمة الأنبياء ، فليس في مس الشيطان للمولود تمكن الشيطان من المولود بل عباد الله المخلصين لا يضرهم ذلك المس أصلا .
- وهذا نظير قوله تعالى عن بينا أيوب عليه السلام { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب }
- رابعا : فائدة استثناء عيسى وأمه أن الشيطان يذهب ليمسهما فلا يمكن ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين .
- وقوله :" ما من مولود " ظاهر قوي في العموم والإحاطة ولما استثنى منه ابن مريم وابنها ، وظاهر هذا أن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا ابن مريم وأمه وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما ، وقد اختار القاضي عياض أن جميع الأنبياء يتشاركون فيها .
- ولا يفهم من هذا أن النخس للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك يعصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .
ويبقى لنا سؤال ؟
يعترف الانجيل ان المسيح قد تم اختباره من الشيطان 40 يوما , واستخدم الانجيل كلمات تدل على سيطره الشيطان مثل ( اصعده الى الجبل ) والى اخره فهل يعنى هذا ان المسيح لم يكن معصوم من سيطره الشيطان ؟
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
=================
إعجاز السنة النبوية في الختان
التعريف اللغوي:(10/467)
الختان بكسر الخاء اسم لفعل الخاتن و يسمى به موضع الختن , و هو الجلدة التي تقطع و التي تغطي الحشفة عادة ، و ختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة و أما ختان المرأة فهي الجلد كعرف الديك فوق الفرج تعرف بالبظر .
الختان في السنة النبوية المطهرة :
دعا الإسلام إلى الختان دعوة صريحة و جعله على رأس خصال الفطرة البشرية ، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " الفطرة خمس : الختان و الأستحداد و قص الشارب و تقليم الأظافر و نتف الإبط ".
الحكم الفقهي في الختان :
يقول ابن القيم : اختلف الفقهاء في حكم الختان ، فقال الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد هو واجب ، و شدد مالك حتى قال : من لم يختتن لم تجز إمامته و لم تقبل شهادته . و نقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال القاضي عياض : الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة ، السنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض و الندب .
و ذهب الشافعية و بعض المالكية بوجوب الختان للرجال و النساء .و ذهب مالك و أصحابه على أنه سنة للرجال و مستحب للنساء ، و ذهب أحمد إلى أنه واجب في حق الرجال و سنة للنساء .
الختان ينتصر :
في عام 1990 كتب البروفسور ويزويل : (1)"لقد كنت من اشد أعداء الختان و شاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه ، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين ، و بعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت ، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة و أصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب ان يجري لكل مولود " .
الحكم الصحية من ختان الذكور :
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن أمراضاً عديدة في الجهاز التناسلي بعضها مهلك للإنسان تشاهد بكثرة عند غير المختونين بينما هي نادرة معدومة عند المختونين .
1 ـ الختان وقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب : فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها ، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى اللخن Smegma و بقايا البول و الخلايا المتوسفة و التي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة و القلفة الحاد أو المزمن (2).
2 ـ الختان يقي الأطفال من الإصابة بالتهاب المجاري البولية : وجد جنز برغ أن 95% من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين .و يؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة و الكلية سنوياً(3).
3 ـ الختان و الأمراض الجنسية :
أكد البروفسور وليم بيكوز الذي عمل في البلاد العربية لأكثر من عشرين عاماً ، و فحص أكثر من 30 ألف امرأة ندرة الأمراض الجنسية عندهم و خاصة العقبول التناسلي و السيلان و الكلاميديا و التريكوموناز و سرطان عنق الرحم و يُرجع ذلك لسببين هامين ندرة الزنى و ختان الرجال (4).
4 ـ الختان و الوقاية من السرطان :يقول البرفسور كلو دري يمكن القول و بدون مبالغة بأن الختان الذي يجري للذكور في سن مبكرة يخفض كثيراً من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم .
ختان البنات :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ا، النبي صلى الله عليه و سلم قال لأم عطية و هي ختانة كانت تختن النساء في المدينة : "إذا خفضت فأشمي و لا تنهكي ن فإنه أسرى للوجه و أحظى عند الزوج " و في رواية إذا ختنت فلا تنهكي فِإن ذلك أحظى للمرأة و أحب للبعل .أخرجه الطبراني بسند حسن .
نقل ابن القيم عن الماوردي قوله : " و أما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فرق مدخل الذكر و مخرج البول على أصل النواة ، و يؤخذ من الجلدة المستعلية دون اصلها "
يقول د. محمد على البار : هذا هو الختان الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم .
(1) البروفسور ويزويل عن مجلة Amer.Famil J . Physician
(2) د . محمد علي البار الختان دار المنار
(3) د. حسان شمسي باشا : أسرار الختان تتجلى في الطب و الشريعة ابن النفيس دمشق
(4) Pikers W : Med. Dijest jour .April 1977.
روائع الطب الإسلامي ج 4 محمد نزار الدقر
==================
لماذا يبعث الله تعالى في آخر الزمان عيسى عليه الصلاة والسلام وليس نبينا صلى الله عليه
الجواب:
أما لماذا يبعث الله تعالى في آخر الزمان عيسى عليه الصلاة والسلام وليس نبينا صلى الله عليه وسلم ، فالله تعالى يقول : { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } ،وقد يلتمس لذلك حكما منها ، أن النصارى كذبوا على عيسى وافتروا عليه هم واليهود ، فالنصارى زعموا أن عيسى قدقتلوه هم ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر في آخر الزمان أنه سينزل ، وعليه فإذا نزل استفدنا من ذلك فائدتين :(10/468)
الأولى : صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه خاتم الأنبياء لأنه أخبر عن شيء سيحصل في المستقبل ، إذا هو صادق في كل ما يخبر به عن ربه .
وثانيا : كذب النصارى في افترائهم على عيسى .
ومن الحكم أيضا أن يستبين بحق أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ، فإنه لو نزل محمد صلى الله عليه وسلم لما فاد ذلك فيما يظهر ، ولكن إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام ، ثم اتبع شريعة نبينا ، وحكم بها ، وألزم الناس بها ، والتزم هو بها ، بل وصلى خلف المهدى المنتظر ، كل هذا يبين بجلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ، وأن شريعته هي خاتم الرسالات ، وأنه لا يفيد أحدا أن يدعي أنه متبع لعيسى ، حتى وإن كان عنده الإنجيل الكامل غير المحرف ، لأن عيسى سيحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن الحكم أيضا أن يكون قتل المسيح على يد المسيح ، فالمسيح الدجال يقتله المسيح عيسى بن مريم ، فمسيح الكفر يقتله مسيح الإسلام ، ولكن القول بان عيسى يبعث ليس بذلك الصحة ، فإنه لم يمت حتى يبعث ، بل ينزله الله تعالى ، اما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مات ، ومن الحكم أيضا أن عيسى عليه الصلاة والسلام هو الذي بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن كما ذكر تعالى : { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ، وفي الإنجيل كذلك ، فينزل ليرى هل استمع مدعوا النسبة إليه ، هل استمعوا إلى بشارته ، أم أصروا على كفرهم وعنادهم .
المصدر http://www.islam.ms/question.php?qid=1
==============
فضح كلام الدجال عن حديث شد الرحال
قال فرج فودة في كتابه ( الحقيقة الغائبة ) ...
وفي حديث غريب مشهور له قصة يوردها اليعقوبي في تاريخه : (( منع عبدالملك بن مروان أهل الشام من الحج ، وذلك لأن عبدالله بن الزبير ( الذي كان مسيطرا على مكة ) كان يجبرهم على مبايعته بالخلافة ، فلما رأى عبدالملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة ، فضج الناس وقالوا تمنعنا من حج بيت الله وهو فرض علينا ، فقال لهم : هذا بن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، ومسجد بيت المقدس ، وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام ، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة ، فبنى على الصخرة قبة .. وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة )) .. المشكلة مع هذا الحديث : (لا تشد الرحال...) أن الكتب الستة الموثوقة بما فيها الصحيحان البخاري ومسلم ومع كتب السنن الأربعة قد أخرجته . ويوضح أستاذ المستشرقين اليهودي المجري جولدزيهر ( لعنة الله عليه في كل كتاب ، وعليهِ من الله ما يستحق ) أن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام محنة عبد الله بن الزبير ، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة ، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بتبرير ديني معقول، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث منها: - حديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " !!
فضح الاستهبال ...
يزعم أن عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة ليحول بين أهل الشام و العراق و بين الحج إلى الكعبة و أنه أراد أن يلبس عمله ثوباً دينياً فوضع له صديقه الزهري حديث " لا تشد الرحال .... "
أولاً : اليعقوبي مؤرخ شيعي متعصب و معلوم حقد الشيعة على الخلفاء عامة و البيت الأموي خاصة و هم أكذب الناس و معروف عنهم وضع الحديث حتى قال الإمام الزهري " يخرج الحديث من عندنا شبراً فيرجع إلينا من العراق ذراعاً " ( ذكره ابن عساكر ) و سئل مالك عنهم فقال " لا تكلمهم و لا ترو عنهم فإنهم يكذبون " ( منهاج السنة 1/ 13) و يقول شريك بن عبد الله القاضي - و هو الشيعة المعتدلين " احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث و يتخذونه ديناً " ( المرجع السابق ) و قال حماد بن سلمة " حدثني شيخ منهم - الرافضة - قال : كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئاً جعلناه حديثاً " ( المرجع السابق ) و قال الشافعي " ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة " ( اختصار علوم الحديث لابن كثير ص109 )(10/469)
ثانياً : لم يختلف المؤرخون الثقات في أن الذي بنى قبة الصخرة هو الوليد بن عبد الملك و ليس أبوه . هكذا أثبتها ابن عساكر و الطبري و ابن الأثير و ابن خلدون و ابن كثير و غيرهم و لم نجدهم قد ذكروا و لو رواية واحدة تنسب بنائها إلى عبد الملك . و لا شك أن بنائها لتكون بمثابة الكعبة التي يحج الناس إليها - كما يزعم المتهوك - حادث من أكبر الحوادث و أهمها في التاريخ الإسلامي فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المؤرخون مرور الكرام بلا تعليق و قد جرت عادتهم أن يدونوا ما هو أقل قيمة و أهمية كتدوينهم وفاة العلماء و تولي القضاء و غير ذلك ، فلو كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروها و لكنا نجدهم ذكروا بنائها في عهد الوليد و هؤلاء مؤرخون أثبات في كتابة التاريخ .
ثالثاً : نص الحادثة بين البطلان فإن بناء شيء ليحج الناس إليه كفر صريح ! فكيف يقدم عبد الملك عليه و هو الذي كان يلقب بحمامة المسجد لكثرة عبادته ؟
رابعاً : ولد الزهري عام 51 أو 58 و مقتل ابن الزبير كان عام 73 فيكون عمر الزهري حينذاك على الرواية الأولى 22 عاماً و على الثانية 15 فهل يعقل أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية بحيث تتلقى منه حديثاً موضوعاً يدعوها للحج إلى القبة بدل الكعبة ؟
خامساً : نصوص التاريخ قاطعة بأن الزهري لم يعرف و لم ير عبد الملك اثناء حياة ابن الزبير فالذهبي يروي لنا أن الزهري وفد على عبد الملك لأول مرة في حدود سنة 80 و ذكر ابن عساكر أن ذلك كان سنة 82 فمعرفة الزهري لعبد الملك لأول مرة كانت بعد مقتل الزبير ببضع سنوات و قد كان يومئذ شاباً بحيث امتحنه عبد الملك و نصحه أن يطلب العلم من دور الأنصار فكيف يصح زعم المتهوك بأن الزهري أجاب رغبة صديقه عبد الملك فوضع له حديث بيت المقدس ليحج الناس إلى الكعبة في عهد ابن الزبير ؟
سادساً : هذا الحديث مروي في كتب السنة كلها و من طرق مختلفة عن طريق الزهري فقد أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري من غير طريق الزهري و رواه مسلم من ثلاث طرق إحداها من طريق الزهري و ثانيتها من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعة عن ابن سعيد و ثالثتها من طريق ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة .. فالزهري لم ينفرد براوية الحديث كما يزعم المتهوك بل شاركه فيه غيره .
سابعاً : هذا الحديث رواه الزهري عن شيخه سعيد بن المسيب و من المعلوم أن سعيداً لم يكن ليسكت عن الزهري لو أنه وضع هذا الحديث على لسانه إرضاء لأهواء الأمويين و هو الذي أوذي ومن قبلهم و ضرب و قد توفى سعيد عام 93 أي بعد مقتل ابن الزبير بعشرين سنة فكيف سكت سعيد عن هذا كل هذه المدة و هو الذي كان جبلاً شامخاً من جبال الحق لا يبالي في الله لومة لائم ؟
ثامناً : بفرض أن المسلمين قاموا بالحج إلى القبة فكيف قاموا بشعائر الحج المختلفة مثل السعي بين الصفا والمروة و الوقوف على عرفات ؟ و هل تصلح القبة لهذا ؟
و ماذا عن الزهري ؟
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره ... إلخ ..
و قال أبو بكر بن منجويه : رأى عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم و كان من أحفظ أهل زمانه و أحسنهم سياقا لمتون الأخبار ، و كان فقيها فاضلا .
و قال محمد بن سعد : قالوا : و كان الزهرى ثقة ، كثير الحديث و العلم و الرواية فقيها جامعا .
و قال النسائى : أحسن أسانيد تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ، منها : الزهرى عن على بن الحسين ، عن الحسين بن على ، عن على بن أبى طالب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و الزهرى ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود ، عن ابن عباس ، عن عمر ، عن النبى صلى الله عليه وسلم .
و قال سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار : ما رأيت أنص للحديث من الزهرى ، و ما رأيت أحدا الدينار و الدرهم أهون عليه منه . ما كانت الدنانير و الدراهم عنده إلا بمنزلة البعر .
و قال الليث بن سعد ، عن جعفر بن ربيعة : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟
قال : أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم و قضايا أبى بكر ، و عمرو عثمان ، و أفقههم ، و أعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب ، و أما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير و لا تشأ أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحراإلا فجرته . قال عراك : و أعلمهم جميعا عندى محمد بن شهاب ، لأنه جمع علمهم إلى علمه .
و قال عبد الرزاق عن معمر : قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه : هل تأتون ابن شهاب قالوا : إنا لنفعل . قال : فائتوه فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه .
قال معمر : و إن الحسن و ضرباءه لأحياء يومئذ .
و قال عمرو بن أبى سلمة : سمعت سعيد بن عبد العزيز يحدث عن مكحول . قال : مابقى على ظهرها أحدا أعلم بسنة ماضية من الزهرى .(10/470)
و قال أبو صالح ، عن الليث بن سعد : ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ، و لا أكثر علما منه . لو سمعت ابن شهاب يحدث فى الترغيب لقلت لا يحسن إلا هذا ، و إن حدث عن العرب و الأنساب قلت : لا يحسن إلا هذا ، و إن حدث عن القرآن و السنة كان حديثه نوعا جامعا .
و قال عبد الرحمن بن مهدى ، عن وهيب بن خالد : سمعت أيوب يقول : ما رأيت أحدا أعلم من الزهرى . فقال له صخر بن جويرية : و لا الحسن ؟ فقال : ما رأيت أعلم من الزهرى
و قال عبد الرزاق : سمعت عبيد الله بن عمر يقول : لما نشأت و أردت أن أطلب العلم جعلت آتى أشياخ آل عمر رجلا رجلا و أقول : ما سمعت من سالم ؟ فكلما أتيت رجلا منهم قال : عليك بابن شهاب فإن ابن شهاب كان يلزمه .
قال : و ابن شهاب حينئذ بالشام .
و قال سفيان بن عيينة : قال أبو بكر الهذلى : قد جالست الحسن ، و ابن سيرين ، فما رأيت أحدا أعلم منه ـ يعنى الزهرى .
و قال أبو إسماعيل الترمذى عن إسماعيل بن أبى أويس : سمعت خالى مالك بن أنس يقول : إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم ، لقد أدركنا فى هذا المسجد سبعين . و أشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يقول : قال فلان ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخذت عنهم شيئا ، و إن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أمينا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، و يقدم علينا محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى و هو شاب فنزدحم على بابه .
و قال عبد الرزاق ، عن معمر : ما رأيت مثل حماد بن أبى سليمان فى الفن الذى هو فيه ، و لا رأيت مثل الزهرى فى الفن الذى هو فيه .
علاقته بالحكام ...
هذه هي مكانة الزهري في العلم و آراء العلماء فيه حتى جاء هذا المستشرق المتهوك ليتهمه في أمانته و صدقه استجابة لأهواء الخلفاء و إن شئت فاقرأ الرواية التالية ...
دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فقال له : ما حديث يحدثنا به أهل الشام ؟ قال : ما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعيته كتب له الحسنات و لم يكتب السيئات ! قال الزهري : باطل يا أمير المؤمنين ! أنبي خليفة أكرم على الله ؟ أم خليفة غير نبي ؟ قال : بل نبي خليفة . قال : فإن الله تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي ؟ قال الوليد : إن الناس ليغووننا عن ديننا . ( العقد الفريد لابن عبد ربه ج1 ص60 )
فهل هذا هو موقف شخص يخضع لرغبات الخلفاء و يضع لهم الحديث ؟! أم موقف عالم ناصح للحكام يذب عن السنة أكاذيب الوضاعين ؟
===============
تخريج حديث الديك
السلام عليكم
اهداء من الشيخ اليامي
تخريج حديث الديك :
أخرج الحاكم في المستدرك 4/297 قال :أخبرنا أبو عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا عبد الله بن موسى أنبأ إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول سبحانك ما أعظم ربنا قال فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً " .
وأخرجه الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن العباس الأخرم ثنا الفضل بن سهل الأعرج ثنا إسحاق بن منصور ثنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة به . وقال : " لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن إسحاق إلا إسرائيل ، تفرد به إسحاق بن منصور " .
وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 150 وصحيح الترغيب وقال صحيح 1839 .
وأخرجه أبو يعلى في مسنده ( 11/496) قال حدثنا عمرو الناقد حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" إذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه الأرض السابعة ، والعرش على منكبه ، وهو يقول سبحانك أين كنتَ ؟ وأين تكون ؟ " .
قلت : حديث " أذن لي أن أحدث عن ديك " لا يصح وذلك لما يلي :
- أولا :روى عمرو الناقد :" أذن لي أن أحدث عن ملك " وخالفه الفضل بن سهل الأعرج ، وقد تابع عمرو الناقد سهلا متابعة تامة في الإسناد وخالفه في المتن ، فرواها الفضل :" أن أحدث عن ديك " ورواية عمر الناقد " أحدث عن ملك " هي المعروفة ورواية الفضل بن سهل " أحدث عن ديك " منكرة .
- فعمرو الناقد عمرو بن محمد بن بكير الناقد : قال عنه الحافظ :" ثقة حافظ وهم في حديث "، بينما الفضل بن سهل قال عنه الحافظ " صدوق " .
- إذن فرواية الطبراني " أحدث عن ديك " منكرة ، والمعروف هو :" أحدث عن ملك " .(10/471)
- ثانياً : رواية الحاكم " أحدث عن ديك " خالف فيها عبيد الله بن موسى . عمرو الناقد عند أبي يعلى فقد رواها عمرو الناقد " أحدث عن ملك " ، فعبيد الله بن موسى قال عنه الحافظ في التقريب :" ثقة كان يتشيع " ، وعمرو الناقد قال عنه الحافظ :" ثقة حافظ وهم في حديث " .
- فخالف عبيد الله بن موسى من هو أوثق منه ، فلا تقبل منه هذه الزيادة ، فالحديث شاذ وحديث الناقد هو المحفوظ .
- ثالثاً : عبيد الله بن موسى لا تقبل منه هذه البلايا كما قال الإمام أحمد :" كان عبيد الله صاحب تخليط ، حدث بأحاديث سوء ، وأخرج تلك البلايا ، وقد رأيته بمكة فما عرضت له " .
- رابعاً : من المرجحات والقرائن على ضعف الحديث الذي أخرج الحديث وهو الطبراني" أذن لي أن أحدث عن ديك " قد ضعف الحديث وقال : " لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن إسحاق إلا إسرائيل ، تفرد به إسحاق بن منصور " . وهذا تضعيف منه لهذا الحديث .
- خامساً : لحديث عمرو الناقد شواهد صحيحه تؤكد روايته وهو حديث جابر – رضي الله عنه – عن ابن طهمان في مشيخته برقم (21) من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً :" أذن لي ربي أن أحدث عن ملك من الملائكة من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام " ومن طريقه أخرجه أبو داود في السنة 4727 والخطيب في تاريخ بغداد 10/195 .
- سادساً : هذا الحديث فيه علة وهي أن راوي الحديث ( عبيد الله بن موسى ) فيه غلو بالتشيع، قال الآجري عن أبي داود :" كان محترقاً شيعيا "وقال ابن حجر في " التهذيب " : قال يعقوب بن سفيان : " شيعي وإن قال قائل رافضي لم أنكر عليه وهو منكر الحديث " .
- قلت : وقد أخرج له الرافضة في كتبهم المعتمدة وعدوه من أصحاب الصادق فله رواية في" تهذيب الأحكام " للطوسي – الجزء التاسع - باب ميراث ابن الملاعنة ح 1251 ،وفي ميراث الموالي مع ذوي الرحم الحديث 1193، وله رواية في الاستبصار ج 4 حديث 655 ، وله روايات في " تفسير القمي " وفي " كامل الزيارات " الباب 14 ، وقد أدخل هذه اللفظة لتأثره بهذا بمذهب التشيع والرفض فقد روى هذا الحديث الرافضة في كتبهم فقد رووا عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال :" إن الله تعالى خلق الملائكة على صور شتى ألا وإن لله تعالى ملكاً في صورة ديك أبح أشهب براثنه في الأرضين السفلى ، وعرفه مثنى تحت عرش الرحمن ، له جناح بالمشرق من نار ، وجناح بالمغرب من ثلج ، فإذا حضر وقت كل صلاة قام على براثنه ، ثم رفع عنقه من تحت العرش ، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديكة في منازلكم ، فلا الذي من نار يذيب الثلج ، ولا الذي من الثلج يطفئ النار ، ثم ينادي : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين ، وأن وصيه خير الوصيين ، سبوح ، قدوس ، رب الملائكة والروح ". الإحتجاج للطبرسي ج1 130 بحار الأنوار ( 93/180-181) .
نتيجة البحث :
- حديث " أذن لي أن أحدث عن ديك " شاذ ضعيف لا يصح ، والصحيح هو " أذن لي أن أحدث عن ملك " هذا ولله الحمد من قبل ومن بعد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
- كتبه سعود الزمانان .
- الكويت في 11/7/2003
===============
حديث :فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا
احتج احد النصارى بالرواية التالية على صحة الكتب "المكدسة" التي يؤمنون بها
جاء عن ابن عباس قال : جاء رافع وسلام ابن مشكم ومالك ابن الصيف فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا ? قال : بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها وكتمتم ما أُمرتم أن تبينوه للناس, قالوا : نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى والحق - أسباب النزول -
و يعلق النصراني قائلاً : فمن هذه يظهر أن محمداً أعلن قبوله للكتب المتداولة بين اليهود ولو أنه رفض البدع والأحداث التي قال إنهم قد أدخلوها في رسوم ديانتهم الظاهرية ...
و رداً على هذا البهتان نقول أن هذه رواية ضعيفة لم تثبت ؛ يقول الأخ ابو أنس الأزهري
إقتباس:
هذا الحديث روي مرة مرفوعًا ومرة موقوفًا .
فأما المرفوع ؛ فأخرجه الطبري في "تفسيره" بسنده ، عن محمد بن أبي محمد الأنصاري ، عن عكرمة ، أوعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، فذكر الحديث .
وأما الموقوف ؛ فأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره " بسنده ، عن محمد بن أبي محمد الأنصاري ، فذكره .
وكلا الحديثين يدور على محمد بن أبي محمد الأنصاري ، وهو مجهول .
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف . والله أعلم
نقلاً عن منتديات السنة
و بفرض صحته فهو لا يدل على صحة الكتب بأيدي اليهود فالنبي عليه السلام يقول " و لكنكم أحدثتم " و الإحداث يتضمن إحداث نصوص مفبركة و السياق لا ينفي هذا بل يؤيده .
و ليت شعري ألا يعلم هذا النصراني الألمعي اللوذعي أن "بلى و لكن" ليست هي المعادل المنطقي لكلمة "بلى" ؟؟ و سبحان خالق العقول و الأفهام !
د هشام عزمي
============(10/472)
فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
ترد شبهة حول الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرّمن ) ثم نسخن بـ(خمس معلومات) فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن .
(صحيح مسلم 4/167 ، سنن الدرامي 2/157 ، سنن الترمذي 3/456 . السنن الكبرى للبيهقي 7/454 ، سنن ابن ماجة 1/635 ، سنن النسائي 6/100 ، الموطأ 2/117) .
و يعلق الأب النصراني يوسف درة الحداد - قذفه الله في الدرك الأسفل من النار - في كتابه (الإتقان في تحريف القرآن) : "لقد شهدت عائشة أن الآية كانت من القرآن وكانت تتلى بين ظهرانيهم إلى ما بعد وفاة الرسول كغيرها من آيات القرآن ، وهذه طامة كبرى ! لصراحتها في سقوط آية ( خمس رضعات معلومات يحرمن ) وفقدانها من القرآن بلا أي موجه شرعي ! فلا نسخ بعد وفاة النبي بإجماع أهل الملة والدين ، فأين اختفت تلك الآية !"
و الجواب على هذه الشبهة بإذن الله - يتضمن عدة مسائل . . .
الأولي : من المعلوم لكل من وقف على تواتر القرآن و سلامة نقله و حفظه بواسطة رب العالمين أنه إذا تعارض حديث مع ما نعلمه عن هذا التواتر و النقل و الحفظ يكون الاشكال في الحديث و ليس في القرآن لأن الأخير متواتر ثابت ثبوتاً قطعياً لا شك فيه ، لذا عند التعارض لا يجوز عقلاً التشكيك في القرآن و هذا من بداهات المنطق .
الثانية : أن منطوق الحديث لا يستوجب كون الآية غير منسوخة قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بل إن غاية ما تدل عليه أنه كان هناك من لا يزال يعتبرها جزءاً من القرآن حتى بعد وفاة النبي و يجعلها في تلاوته و هذا غالباً لجهلهم بوقوع النسخ . يقول محمد فؤاد عبد الباقي في شرحه لصحيح مسلم المتاح للتحميل من موقع الأزهر الشريف على الشبكة :
(وهن فيما يقرأ) معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ: خمس رضعات. ويجعلها قرآنا متلوا، لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده. فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.
الثالثة : أن من تأمل وضع الإسلام وقت وفاة النبي و اتساع رقعته حتى شملت الجزيرة العربية و اليمن و جنوب الشام أدرك أنه من المحال عقلاً أن يعلم كل المسلمين بوقوع النسخ في أي آية في نفس الوقت و أنه من الوارد جداً - بل من المؤكد - أن العديدين كانوا يتلون بعض الآيات المنسوخة تلاوتها لبعدهم المكاني عن مهبط الوحي و هذا مما لا مناص من الاعتراف به . و ما كلام عائشة رضي الله عنها إلا إقراراً بهذا الوضع .
الرابعة : أن من يرى أن الآية قد حذفها النساخ عند جمع القرآن عليه البيان: ما هو الداعي لحذف مثل هذه الآية من القرآن إن كانت حقاً غير منسوخة ؟ و ما الفائدة التي تعود من حذفها ؟ فليس لها أي أهمية عقائدية بل هي تختص بأحد الأحكام الفقهية و هو حكم ثابت في العديد من الأحاديث الشريفة و لا يمكن إنكاره فما الداعي لحذف هذه الآية إذن ؟؟
الخامسة : أن السيدة عائشة رضي الله عنها راوية الحديث لا يمكن أن يكون قصدها من الرواية الطعن في جمع القرآن لأنها عاصرت هذا الجمع و كانت من أبرز المناصرين لأمير المؤمنين عثمان بن عفان الذي تم جمع القرآن الكريم في عهده و تحت إشرافه ، و لو كان لها أي مؤاخذات لجاهرت بها و لاعترضت على عثمان رضي الله عنه . و لكن هذا لم يحدث و لو حدث لعلمناه ، بل إن موقف عائشة رضي الله عنها من قتلة عثمان يدل على انها لم تشكك يوماً في إمامته و خلافته و هذا كاف جداً للرد على هذه الشبهة .
خلاصة هذه المسائل أنه من غير المقبول عقلاً و لا منطقاً فهم قول عائشة رضي الله عنها على أن الآية المذكورة قد حذفها النساخ عند جمع القرآن للأسباب الواردة أعلاه و الله أعلم
د هشام عزمي
=================
الرسول يمص لسان الحسن و شفته
حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا حريز عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن معاوية قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أو قال شفته يعني الحسن بن علي صلوات الله عليه وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
مسند أحمد .. مسند الشاميين .. حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه
http://hadith.al-islam.com/Display/D...um=16245&doc=6
فما مدى صحة هذا الحديث وكيف نرد على هذه الشبهة ... ؟؟
وأيضا شبهة آخر في نفس الموضوع تقريبا
الرسول يمص لسان علي بن أبي طالب و يغذيه من ريقه المبارك !!(10/473)
وفي خصائص العشرة للزمخشري أن النبي صل الله عليه وسلم تولى تسميته بعلي وتغذيته أياما من ريقه المبارك بمصه لسانه فعن فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله تعالى عنها أنا قالت لما ولدته سماه عليا وبصق في فيه ثم إنه ألقمه لسانه فما زال يمصه حتى نام قالت فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد فدعونا له محمدا صلى الله عليه وسلم فألقمه لسانه فنام فكان كذلك ما شاء الله عز وجل هذا كلامه فليتأمل.
السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون .. باب أول الناس إيمانا به صلى الله عليه و سلم
http://arabic.islamicweb.com/Books/s...?book=3&id=431
فما مدى صحة هذه الراوية أيضا ... وما معناها
نبدأ الرد ب
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب د. بسام الغانم في ملتقى أهل السنة في رده على الحديث الأول :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده 28/62 ح16848 طبعة الرسالة وقال محققوه : إسناده صحيح
وقد أشكل على بعض الناس تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بهذه الصفة ، وغاب عنهم أنه كان طفلا صغيرا وهو سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قد يكون عندما قبله ذلك التقبيل رضيعا ، ولا إشكال في تقبيل أب لابنه الرضيع على هذه الصفة كما لا يخفى على عاقل
ولكن قد يكون هناك إشكال في قول معاوية رضي الله عنه آخر الحديث لأن هذا الأمر وحده لا يكفي في النجاة من عذاب الله ولهذا ختم الله تعالى سورة التحريم بذكر امرأة نوح وامرأة لوط فكون كل منهما زوجة نبي لم يغن عنهما شيئا وكانتا من أهل النار يذكر بهذا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ، ومعلوم أن مثل ذلك التقبيل يكون بين الأزواج وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عبدالله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه ولم يغن عنه ذلك كله من الله شيئا كما لايخفى عليكم لكن يمكن أن يقال : إن ماذكره معاوية رضي الله عنه من عدم تعذيب من كان كذلك إنما يكون مع توافر شروط أخرى
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpo...41&postcount=2
وكتب أبو خالد السلمي المشرف هناك ما نصه :
هذا الحديث استغله بعض المنصرين الحاقدين للطعن في جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وانطلى مكرهم على بعض المفتونين ، فدخل الريب قلوبهم .
وما أُتِيَ هؤلاء إلا من قبل انتكاس فطرتهم ، فهؤلاء الإفرنج الأنجاس ، لا مانع عندهم أن يعانق رجلٌ امرأةً أجنبية عنه في قارعة الطريق ويقبلها في فمها وحيث يشاء ، ويمرون بجوارهما لا يحركون ساكنا ولا يرون أي غضاضة في ذلك ، بينما لو قبّل مسلم ابنه أو ابنته قبلة رحمة ومداعبة نظروا إليه نظر ريبة ، بل وصل الأمر إلى الاتصال بالشرطة ومحاكمة رجل مسلم هنا في أمريكا كان يقبل ابنته الرضيعة ويلاعبها كما يلاعب المسلم طفله ملاعبة رحمة وعطف في الطريق ، فاتهموه بالشذوذ الجنسي ، وفرقوا بينه وبين ابنته وأخذوا ابنته منه وجعلوا أسرة نصرانية تكفلها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فهؤلاء الأنجاس ذوو فطرة منكوسة وحياتهم كالبهائم ، بل هم أضل ، فالواحد منهم لا مانع عنده أن يفجر بابنه بل بالبهائم ، فلذا يفسرون هذا الحديث تفسيرا مشينا لأن كل إنسان يرى الناس بعين طبعه ، بينما الواقع أن الحديث من مناقب المصطفى صلى الله عليه وسلم لما فيه تقبيله لابنه الحسن ومداعبته إياه يرحمه ويلاطفه ، فأي عاقل ذو فطرة مستقيمة لا يمكن أن يفهم من الحديث سوى هذا ، وصلى الله وسلم على أشرف الخلق .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpo...49&postcount=3
هذا كله بالطبع بالنسبة للرواية الأولى في مسند الإمام أحمد فإذا ما جئنا للرواية الثانية فأقول بالله التوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة للرواية الثانية فطبعاً المتن غير مستنكر فريق النبي بركة وعلى كان طفلاً صغيراً وجزا الله جميع من ردوا على فرية النصارى تلك
أما من ناحية الصحة من عدمه فنجد
أولاً : هذه الرواية ليس لها سند أصلاً كما هو واضح فعلاما الحكم إذن ؟؟؟
ثانياً : فاطمة بت أسد أم الإمام على لم أقف على حديث أو خبر واحد لها (أي تكون هى الراوية للحديث أو الخبر) في أي من كتب المتون وقد بحثت في المكتبة الإسلامية الشاملة التي تحتوى على 42 كتابا من كتب المتون و 329 من الأجزاء الحديثة و19 من كتب التخريج و 73 من كتب الالبانى وغيرهم ولم أجد لها حديث أو خبر واحد !!
ثالثاً : لم أجدها في رواة التهذيبيين وإن كانت بالطبع صحابية فهي ثقة ولكن كما وضحت لم أجد لها حديث أو خبر واحد فضلاً عن عدم وجود سند أصلاً للرواية !!
رابعاً : كتب السيرة معروف عنها أنها تجمع الغث والثمين وكثير من الأحاديث بها موضوعة أو ضعيفة أو بلا سند أصلاً كما في هذا "الحديث" !!(10/474)
خامساً : الصفحة التي ورد بها هذا الخبر أو الحديث بها مناقب الإمام على ولا يخفى على أحد كثرة الموضوعات والأحاديث الضعيفة في مناقبه من الرافضة وغيرهم ويكفى مثلاً أن نوضح أن في هذه الصفحة هناك :
ففي المرفوع عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب
وهذا الحديث أيضا لا إسناد له هنا كما ترى وإن كان له أصل فهو موجود في كنز العمال وقد عزاه إلى ابن أبي شيبة وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير وقال الهيثمى في مجمع الفوائد رجاله ثقات وهو كلام غريب جدا لا يصحً لم يوافقه فيه أحد
فإن بحثت في درر سنية
http://www.dorar.net/mhadith.asp
تجد في هذا الحديث
خلاصة الدرجة: [فيه] عبد الرحمن بن قيس الزعفراني عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه - المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 5/475
خلاصة الدرجة: [فيه] أبو معاوية الضبي متروك الحديث - المحدث: ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 2/1032
خلاصة الدرجة: فيه محمد بن يحيى المأربي منكر الحديث واه - المحدث: الذهبي - المصدر: تلخيص العلل المتناهية - الصفحة أو الرقم: 71
خلاصة الدرجة: في إسناده عبد الرحمن بن قيس الزعفراني , وهو وضاع , وتابعه سيف بن محمد, وهو شر منه - المحدث: الشوكاني - المصدر: الفوائد المجموعة - الصفحة أو الرقم: 346
خلاصة الدرجة: باطل - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 6336
ولم أجد من وافقه بل أيضاً في تذكرة الموضوعات- الفتني و الموضوعات - ابن الجوزي ج 1 نفس الكلام وانه لا يصح بحال
ناهيك بالطبع عن اختلاف المتن المذكور عن المتن الذي جاء في كنز العمال أيضاً.
39145- حوضى من عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤسا الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات ولا يفتح لهم السدد (السدد: أي لا تفتح لهم الأبواب. النهاية 2/353. ب).
(ت، ك - عن ثوبان)(أخرجه الترمذي كتاب صفة القيامة باب ما جاء في صفة أواني الحوض رقم (2446) وقال غريب. ص).
وقد صحح هذه الرواية الألباني في صحيح الترمذي 2444 وصحيح التغريب 3615 وصحيح الجامع 3162 وقد رواه أحمد بصيغ أخرى متقاربة صححها أحمد شاكر 9/21 والألباني أيضاً في صحيح التغريب 3184 و 3616
وناهيك بالطبع عن القصة العجيبة اللاحقة لهذه القصة
وعنها رضي الله تعالى عنها أنها في الجاهلية أرادت أن تسجد لهبل وهي حامل بعلي فتقوس في بطنها فمنعها من ذلك
التي هي أيضا بلا إسناد وأيضاً من رواية فاطمة بنت أسد التي لم أجد لها حديثاً واحدا في غالب كتب المتون فتأمل
فضلاً بالطبع عن أن الكلام في هذه الصفحة وفي هذه الكتاب عموماً كله بلا إسناد غالباً فلا تعرف الصحيح فيه من الضعيف مما له أصل مما ليس له أصل والله المستعان !!
وأختم بما قاله الألباني في السلسلة الصحيحة في معرض كلامه عن الحديث رقم 2261 حيث قال :
و قد يظن بعضهم أن كل ما يروى في كتب التاريخ و السيرة ، أن ذلك صار جزءا لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي ، لا يجوز إنكار شيء منه ! و هذا جهل فاضح ، و تنكر بالغ للتاريخ الإسلامي الرائع ، الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح ، و هي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف ،ألا و هو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف : لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء .
و لذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ تاريخها بالسخافات و الخرافات ، و لا نذهب بالقراء بعيدا ، فهذه كتبهم التي يسمونها بالكتب المقدسة ، اختلط فيها الحامل بالنابل ، فلا يستطيعون تمييز الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم ، و لا معرفة شيء من تاريخ حياتهم ، أبد الدهر ، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون ، و في دياجير الظلام يتيهون !
فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال : إنه من التاريخ الإسلامي . و لو أنكره العلماء ، و لو لم يرد له ذكر إلا في كتب العجائز من الرجال و النساء ؟ ! و أن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى و أغلى ما تميز به تاريخ الإسلام ؟ ! و أنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية و لا يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها ، و لكنه يتجاهلها و يغض النظر عنها سترا لجهله بما لم يصح منه ، فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي ، و يبالغ في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه ، بطرا للحق ، و غمصا للناس . و الله المستعان
====================
مقارنه بين حادثة في الإنجيل وحادثة وقعت في عصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم(10/475)
سوف نقارن بين حادثة في الإنجيل وحادثة وقعت في عصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم
في الكتاب المقدس واقعه كونية فسرت تفسير تنجيمي وهي الفرس الذين وجدوا نجم في السماء هذه الواقعة وردت في انجيل
متى 2(1/10)
1 ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم
2 قائلين أين هو المولود ملك اليهود.فإننا رأينا نجمه في المشرق واتينا لنسجد له.
3 فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه.
4 فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح.
5 فقالوا له في بيت لحم اليهودية.لأنه هكذا مكتوب بالنبي.
6 وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا .لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل
7 حينئذ دعا هيرودس المجوس سرّا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر.
8 ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي.ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي أنا أيضا واسجد له.
9 فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي.
10 فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا.
يقول منيس عبد النور في كتابة شبهات وهمية حول الكتاب المقدس ص283
أما قوله"نجمه" فليس معناه الكواكب السيارة كما توهم المعترض ، بل هي حادثة جوية ذات أنوار ساطعة .وقال الفلكي كبلر إنه في ذلك الوقت حصل اقتران بين المشتري وزحل ، وحصلت حادثة فلكية 0 ثم أيد ذلك العلامة أدلر( من علماء برلين) وقد كشفت الدراسات الفلكية الحديثة خطأ المعترض.
يرد البابا شنودة على سؤال عن هذا الموضوع يقول لقد فسره القديس يوحنا ذهبي الفم في تفسيره للكتاب المقدس وقال أن نجم لم يكن نجم عادي لأن النجوم العادية تتحرك من الغرب إلى الشرق وده نجم قادم من بلاد المشرق ورايح غربا نحو فلسطين فالحركة بتاعته ليست مثل حركات النجوم كما أنه كان يقف أحيانا ويتحرك أحياننا أخرى وليست هذا من طبيعة النجوم فهما لما راحوا يقبلوا هيرودس وقف النجم وما دخلش معهم وبعدين بعد ما سبوا هيرودس مشى ورآهم كمان وقف حيث كان الصبي ذي ما أقال القديس أن نزل لتحت فوق البيت وشفوه لأن فوق ما تعر فش حاجة فهو النجم مش نجم طبيعي لأن أنتا مثلا ترى القمر فوقك وتسافر بلاد وتلاقي القمر بردة فوقك وتسافر بطيارة وتروح قارة أخرى وتلاقي القمر فوقك ومش معقولة أن القمر وهو أكبر من النجم يوريك مكان معين كلما تمشى فوقك لكن مش ممكن يعرفوا به بيت إلا إذا نزل كده فوق البيت فالقديس يوحنا ذهبي الفم يقول أن هذا لم يكن نجما أنما كانت قوه ألهيه ظهرت في هيئة نجم وجذبت الناس بهذه التحركات الغريبة عن طبيعة النجوم فلقوا نجم له لمعان شديد مش ذي بقيه النجوم بيتحرك بطريقة غير طبيعة النجوم ليقف ويمشي غير طبيعة النجوم بينزل لمكان معين غير طبيعة النجوم فتبينوا لكن هو لم يكن نجما طبيعي يعني كل أسألتك يعني لك حق فيها لو أنه نجم طبيعي لكن هو مش نجم طبيعي كان قوه إلهيه ظهرت في هيئة نجم جذبت هؤلاء الناس يعني مش نجم من النجوم إلي نعرفها يعني.
هذا نص ما قله البابا واحد يقول ظاهرة جوية ذات أنوار ساطعة وواحد يقول قوه إلهيه ولماذا القوه إلهيه تأتي للمجوس في فارس دون غيرهم وهم يحاولون أن يجعلوها أي شيء غير أن تكون نجم لماذا ؟؟؟؟ لأن لو اصبح نجم سوف تبطل الأناجيل لأنها خرافة بجميع المقايس فلم يجدوا مخرج لأن يبحثوا عن مخرج وتحويل النجم الى اى شىء اخر غير ان يكون نجم لماذا؟؟؟
1- أن النجم لا يولد لمولد أحد ولا لموت أحد وإنما من يقول ذلك المنجمين .
2- أن النجم يتحرك عكس اتجاه عقرب الساعة لدوران الأرض حول نفسها أي من المغرب إلى المشرق لكن هم قادمون من المشرق إلى المغرب معنى ذلك أن هذا النجم شذ عن حركة المنظورة للنجوم
3- لو أنها حدثت سواء نجم أو ظاهرة جوية ذات أنوار ساطعة أو قوه إلهيه لكانت كفيله بأن يأتي معهم كل من شاهد هذا النجم ومعجزته في الحركة
4- المسافة التي قطعها المجوس من بلاد فارس إلى مكان ولادة المسيح ألاف الكيلومترات كيف قطعوها لكي يصلوا في يوم ولادته ومن المعروف حسب المنجمين أن النجم يولد يوم الولادة كيف تم ولادة نجم قبل ميعاد وكم استغرقت رحلتهم التي قطعوها ولماذا لم تؤمن الشعوب لرؤية هذا النجم خصوصا وقوفه فوق مكان ولادة المسيح .
5- وقوف النجم فوق المكان الذي ولد فيه المسيح كيف يقف النجم فوق المكان مع أن النجم يبعد عن الأرض ملايين السنوات الضوئية وهل النجم يستطيع أن يستدل على مكان بيت لحم .
6- لم يقل لنا البابا على مسافة كم يرتفع النجم أو أي ظاهرة هل متر أم خمسه متر
7- إذا كان أهل فارس عرفوا بمولدة وقدموا من أجل ذلك واليهود لم يعرفوه وهم الأولي(10/476)
8- ولادة المسيح سواء 25 ديسمبر او 7 يناير في هذا الوقت السماء لا تكون صافيه بل ملبدة بالغيوم والسحاب ومنطقة فارس المطر والسحاب شديد فكيف ظهر هذا النجم والطرق كلها ملبده بالغيوم
9- وقوف النجم حتى لو أن هذا النجم طلع شمعة كان كفيلا بإيمان اليهود والفرس كلها والرومان وهذا لم يحدث
10- عندما وجد البابا شنودة مشكلة في هذا السؤال فقد تحول النجم إلى قوه إلهيه ظهرت في هيئة نجم وكأن الفرس المنجمين القادمين لا يعرفوا التمييز بين النجم والظاهرة التي يحكي عنها النجم الذي لا يرتفع عن الأرض ما بين 2 متر و 5 متر ولا ندري سواء هو والقديس يوحنا العبقري
صحيح البخاري،
الحديث رقم:
996 - حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا شيبان، أبو معاوية، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة قال:
كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله).
[1011، 5846]
[ش أخرجه مسلم في الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة الجامعة، رقم: 915.
(إبراهيم) ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، توفي وعمره ثمانية عشر شهرا].
صحيح البخاري، الحديث رقم:
1011 - حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا زائدة قال: حدثنا زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول:
انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
[ر: 996]
1- لو أنه نبي كاذب لاستغل الواقعة لصالحة استغلال كامل ولقال لهم هذا دليل على نبوتي ويستغل ما قلوه أن هذه الظاهرة الفلكية لموت إبراهيم ولتركهم يروجون لها .ولكن ينفيها تماما
2- لو أنه نبي كاذب لم يقل إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته
نحن أمام معجزة كونية حدثت وهي كسوف الشمس يوم وفاه إبراهيم ونجم جاء من المشرق إلى المغرب فيا ترى أيهما أقرب إلى التصديق وما هو أقرب يتم نفيه من قبل الرسول الله صلى الله علية وسلم وهذا دليل على نبوته صلى الله علية وسلم
أخوكم
محمد الريس
=================
صورة ابن مريم وأمه في الكعبة .. رواية الأزرقي
هذه هي الرواية التي جاءت في كتاب الأزرقي ( وقد استشهد بها الحريري في كتابه قس ونبي ) :
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: أخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة بن عثمان إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا شيبة أمح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي قال: فرفع يده عن عيسى بن مريم وأمه.
... هذه الرواية واهية منكرة للأسباب التالية :
أولا : فيها الأزرقي وهو مجهول الحال عند أئمة الحديث .. قال العلاَّمة عبدالرحمن بن يحيى المعلِّمي ( ت : 1386هـ ) رحمه الله في كتابه عن مقام إبراهيم ط/ علي الحلبي (ص/56) بعد أن ساق خبراً من طريق الأزرقي : (( الأزرقي نفسه لم يوثِّقه أحدٌ من أئمة الجرح والتعديل ، ولم يذكره البخاري ، ولا ابن أبي حاتم . بل قال الفاسي في ترجمته من العقد الثمين : ( لم ارَ من ترجمه ) . فهو على قاعدة أئمة الحديث : مجهول الحال )) ... وذكر في (ص/58) حديثاً ثم أعلَّه بالأزرقي . ونحوه في (ص/61) . وقال الألباني عن الأزرقي: ( لم نجد له ترجمة في شيء من المصادر المعروفة المطبوعة والمخطوطة إلا قول السمعاني في كتابه أخبار مكة ) . ولذلك فقد اعتبره الشيخ الألباني، من ناحية روايته في حكم المستورين عند المحدثين الذي يستأنس بحديثهم لا يحتج به .. ويقول الحافظ الذهبي : (ويريبني من الأزرقي حُسنُ سياقه للحكايات ، وإشباعه القول فيها ، ومثل ذلك قليلٌ فيما يصحُّ عن الصحابة والتابعين ! ) ...
ثانيا : الإرسال في الحديث إذ لم يروه صحابي , بل تابعي , وهو منقطع كذا ..
ثالثا : علة لا تخفى في السند ( أخبرني بعض الحجبة ) , مما يوهن السند ..
رابعا : مخالفة هذه الرواية لما جاء في الصحاح ..
ففي البخاري : حدثني إسحاق، حدثنا عبد الصمد، قال حدثني أبي، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم، وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط " . ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه .(10/477)
وفي سنن أبي داوود : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، - يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - زَمَنَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا فَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهَا
خامسا : وهو متعلق بالمتن .. فهذا منكر لمخالفته للعقيدة الإسلامية وتحريم التصوير .. وكيف لم يأت في الأثر من يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟
سادسا : .. فلقد روى الأزرقي غير هذه الرواية 165 في 168 & 169 :
حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور وأمر عمر بن الخطاب زمن الفتح أن يدخل البيت فيمحو ما فيه من صورة ولم يدخله حتى محي. & حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أمر عمر بن الخطاب أن يطمس على كل صورة فيها.
فكما وضح لك .. فإن الرواية واهية سندا منكرة متنا .. والروايات الصحيحة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة أصلا حتى أخرجت التماثيل ومحيت الصور
كايند
=============
اُغْزُوا تَبُوك تَغْنَمُوا بَنَات الْأَصْفَر وَنِسَاء الرُّوم
ضعيف
1- رواة الطبرى من طريق ( عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مرفوعاً به ) وهو إسناد صحيح رجاله ثقات وعلته الإرسال
فمجاهد هو ابن جبر الملكى وهو ثقة تابعى من الطبقة الثالثه ولم يعاصر الرسول صلى الله عليه وسلم
ووله شاهدين من رواية (ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري)
وهو شاهد ضعيف جدا ابن حميد ضعيف والأولى تركه كما قال الحافظ الذهبي وعنعنة ابن إسحاق وهو مدلس وكذلك علة الإرسال فلايصلح للإستشهاد به
والثانى (حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد)
وهو شاهد ضعيف جدا وأفته ابن زيد وهو عبد الرحمن وقد ضعفوه كما ذكر الحافظ وكذلك الإنقطاع فهو من الطبقة الثامنه من التابعين
2-رواة الطبراني فى الكبير من طريق (محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك بن مزاحم عن بن عباس مرفوعاً به)
وهو سند ضعيف جدا وأفته:
1-يحيى بن عبد الحميد وهو الحماني متهم بسرقة الحديث
2-بشر بن عمارة قال عنه الحافظ ابن حجر ضعيف
3-الإنقطاع بين الضحاك وابن عباس
وله شاهد فى الطبرانى أيضا من طريق (الحسن بن علي المعمري ثنا جبارة بن المغلس ثنا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مجاهد عن بن عباس مرفوعاً به)
وهو شاهد ضعيف جدا وعلته :
1-جبارة بن المغلس متفق على ضعفه
2-أبو شيبة إبراهيم بن عثمان متفق على ترك حديثه
ملحوظة:-
رواية (الحكم عن مجاهد ) بالعنعنه هى من كتاب كما ذكر البخاري فى التاريخ الكبير
3-رواة البيهقى فى الدلائل:
من طريق (أبو علاثة قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة )
وهو سند ضعيف مظلم فأبن علاثة مختلف على تركة وتوثيقه
وأبيه مجهول الحال
وابن لهيعة سيئ الحفظ ساقط الإحتجاج حسن الأستشهاد به
والإرسال فعروة تابعى ثقه
ثم ساقة من رواية موسى بن عقبة بسند فيه ابن أبي أويس وهو متخلف فيه ورأيت الشيخ الألباني يحسن حديثه وهو من رجال الصحيحين إلا ان الحافظ قال فى نهاية ترجمته :
(و أما الشيخان فلا أظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذى شارك فيه الثقات ، و قد أوضحت ذلك فى مقدمة شرحى على البخارى ، و الله أعلم) تهذيب التهذيب
وهناك علة أخرى للحديث وهى الإرسال
وله شاهد ضعيف عن البيهقى من طريق:
(ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم )
وعلته عنعنة ابن إسحاق والإنقطاع
4-ثم رأيت له شاهد أخر فى تفسير (عبد الرزاق الصنعاني) من طريق الكلبي
والكلبي رافضي كذاب وهو من صغار التابعين
الخلاصة:
لم يرد لنا هذا النص بسند متصل مرفوع صحيح
والصحيح ماورد وماصححه الشيخ الألباني من قوله صلى الله عليه وسلم
(يا جد ! هل لك في جلاد بني الأصفر ?)
وذلك من رواية ( جابر بن عبد الله ) مرفوعاً بإسناد صحيح متصل من طريق ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه
أنا مسلم
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِب
فأخذ عباقرة الصليب كلمة ( بْنِ كِلَابِ ) وأدعو أن رسول الله والمسلمين ( أولاد كلب ) ...
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
جاء بإنجيل مرقس أن ام الرب قالت على ربها أنه مختل عقلياً(10/478)
3: 21 و لما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مختل
ولم نجد من الكتاب المقدس تكذيب لذلك أو من خلال التفسيرات بل إدعى المُفسرون بأن أم الرب وأقرباؤه انهم أغبياء ولم يتطرقوا لأثبات عكس ذلك من خلال طرح فقرة من الكتاب المقدس تنفي ما جاء على لسان ام الرب .
القمص تادرس : ام الرب وقرباؤه اغبياء
ولو تخاطبنا معهم بهذا الأسلوب لقلنا : أنتم تتحدثوا عن بشر ... ولكنكم لو نظرتم إلى قول ام الرب ستجدوا أنها بشارة لعبادة إله مجنون
فهل يعبد المجنون
اما ما جاء عن النسب الشريف الطاهر لسيدنا رسول الله عليه الصلاه والسلام والذي يخلو من امثال (ثامار وراعوث ورحاب وامرأة اوريا) نجد الآتي :-
كالعادة الأحمق تسبقُ سقطاتُ لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره
بْنُ كِلَابِ
فهو لم يقل (بنو كلب) أو ( بنو كلاب ) بل (بنو كِلَابِ بكسر الباء)
وجاء في لسان العرب الآتي : باب حرف الكاف .
كلب: الكَلْبُ: كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ.
وفي الحديث: أَمَا تخافُ أَن يأْكُلَكَ كَلْبُ اللّهِ؟ فجاءَ الأَسدُ ليلاً فاقْتَلَعَ هامَتَه من بين أَصحابه.
فعندما ننقل كلام عن لسان العرب فيجب أن نرجع للقاموس الخاص بهم .
قال سيبويه :
كِلابٌ اسم للواحد، والنسبُ إِليه كِلابيٌّ، يعني أَنه لو لم يكن كِلابٌ اسماً للواحد، وكان جمعاً، لَقِيلَ في الإِضافة إِليه كَلْبيٌّ، وقالوا في جمع كِلابٍ: كِلاباتٌ .
والله تعالى أعلم .
السيف البتار
================
رسول الإسلام يتزوج من مريم بنت عمران !!
رسول الإسلام يتزوج من مريم بنت عمران !!
في تفسير إبن كثير للآية 5 من سورة التحريم :
{ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) }
وتحيداً في قوله تعالى : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا }
ورد الآتي :
1) وَذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام مِنْ طَرِيق سُوَيْد بْن سَعِيد ثَنَا مُحَمَّد بْن صَالِح بْن عُمَر عَنْ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : جَاءَ جِبْرِيل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّتْ خَدِيجَة فَقَالَ إِنَّ اللَّه يُقْرِئُهَا السَّلَام وَيُبَشِّرُهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّة مِنْ قَصَب بَعِيد مِنْ اللَّهَب لَا نَصَب فِيهِ وَلَا صَخَب مِنْ لُؤْلُؤَة جَوْفَاء بَيْن بَيْت مَرْيَم بِنْت عِمْرَان وَبَيْت آسِيَة بِنْت مُزَاحِم .
2) وَمِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى خَدِيجَة وَهِيَ فِي الْمَوْت فَقَالَ " يَا خَدِيجَة إِذَا لَقِيت ضَرَائِرَك فَأَقْرِئِيهِنَّ مِنِّي السَّلَام " فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه وَهَلْ تَزَوَّجْت قَبْلِي ؟ قَالَ " لَا وَلَكِنَّ اللَّه زَوَّجَنِي مَرْيَم بِنْتَ عِمْرَان وَآسِيَةَ اِمْرَأَة فِرْعَوْن وَكَلْثَمَ أُخْت مُوسَى" ضَعِيف أَيْضًا
3) وَقَالَ أَبُو يَعْلَى ثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُرْعُرَة ثَنَا عَبْد النُّور بْن عَبْد اللَّه ثَنَا يُوسُف بْن شُعَيْب عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُعْلِمْت أَنَّ اللَّه زَوَّجَنِي فِي الْجَنَّة مَرْيَم بِنْت عِمْرَان وَكَلْثَمَ أُخْت مُوسَى وَآسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن ؟ " فَقُلْت هَنِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيف
4) وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ اِبْن أَبِي دَاوُد . "
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...EER&tashkeel=0
انتهت الشبهة
وأنا أقول للنصارى ماذا هذا الغباء المحكم !! ألاً ترون كلمة " ضَعِيف أَيْضًا" (أي أن الأول ضعيف أيضا عنده رغم انه لا ذكر للزواج فيه ) و " ضَعِيف " في الطريق الثالث والمصيبة أنهم هم الذين يعطونك الرابط !!
عن هذا " الحديث " قد أورد له ابن كثير 4 طرق كما نرى 3 منها في المعجم الكبير للطبراني لا يخلو احدها من ضعف شديد أو وضع لا يقوى به بعضه بعضاً كما نوضح بعد قليل :
حيث ذكر أحمد بن سالم المصري في ملتقى أهل الحديث :
اقتباس:
1- "عمل اليوم والليلة" لابن السني (2/683-684/604-عجالة الراغب المتمني) :
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المديني بعمان ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً ؛ فقال : (( يا عائشة إن الله عز وجل زوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم في الجنة )) .
قالت : قلت : بالرفاء والبنين يا رسول الله .
قال أبو بكر بن السني : كذا كتبته من كتابه .
قلت : هذا إسناد ضعيف ؛ فيه علتان :
( الأولى ) : أبو إسحاق ؛ هو السبيعي ؛ مدلس وقد عنعنه .(10/479)
( الثانية ) : أحمد بن إبراهيم المديني ؛ لم أجد له ترجمة .
ــــــــــــــــــــ
2- المعجم الكبير (6/52) :
حدثنا عبد الله بن ناجية ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا أبي ثنا عمي ثنا يونس بن نفيع عن سعد بن جنادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى )) .
* * قلت : هذا إسناد تالف مسلسل بالعلل :
( الأولى ) : يونس بن نفيع ؛ لم أجد له ترجمة ؛ فهو مجهول العين .
( الثانية ) : محمد بن سعد : هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو جعفر العوفي .
قال الخطيب : (( كان لينا في الحديث )) .
وقال الدارقطني : (( لا بأس به )) .
مات سنة ست وسبعين ومائتين .قلت : وله كتاب في التفسير يسمى : (( تفسير العوفي )) .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد (5/322/2845) ، وسؤالات الحاكم (رقم 178) ، وكشف الظنون (1/454) .
( الثالثة ) [ والد محمد بن سعد ] : سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي .
قال أحمد بن حنبل : (( ذاك جهمى امتحن أول شيء قبل أن يخوفوا وقبل أن يكون ترهيب فأجابهم )) .
ثم قال : (( ولم يكن هذا أيضا ممن يستاهل أن يكتب عنه ولا كان موضعا لذاك )) .
انظر ترجمته : تاريخ بغداد (9/126/4743) .
( الرابعة ) عمه : هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة ، أبو عبد الله العوفي .
قال أبو حاتم : (( ضعيف الحديث )) .
وقال يحيى : (( ضعيف )) .
وقال النسائي : (( ضعيف )) .
وقال الجوزجاني : (( واهي الحديث )) .
وقال ابن سعد : (( سمع سماعاً كثيراً وكان ضعيفاً في الحديث )) .
وذكره العقيلي في الضعفاء .
انظر ترجمته : لسان الميزان (2/278/1156) .
( الخامسة ) : عبد الله بن ناجية ؛ لم أجد له ترجمة .
ــــــــــــــــ
3- المعجم الكبير (8/258/8006) :
حدثنا محمد بن نوح بن حرب العسكري ثنا خالد بن يوسف السمتي ثنا عبد النور بن عبد الله ثنا يونس بن شعيب عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة : (( أشعرت أن الله عز وجل زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وامرأة فرعون )) .
وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (4/113) من طريق عبد النور به .
والعقيلي (4/459) من طريق عبد النور به .
وابن عدي في الكامل (7/180) من طريق عبد النور به .
قال الهيثمي (9/218) : (رواه الطبراني وفيه خالد بن يوسف السمتي وهو ضعيف ) .
* * قلت : هذا إسناد موضوع ؛ فيه علتان :
( الأولى ) : يونس بن شعيب ؛ قال البخاري : "منكر الحديث" ، وقال العقيلي : "حديثه غير محفوظ" ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/139) : "لست أعرف له من أبي أمامة سماعا على مناكير ما يرويه في قلتها كأنه كان المتعمد لذلك لا يجوز الاحتجاج به بحال" .
( الثانية ) : عبد النور بن عبد الله ؛ قال العقيلي في "الضعفاء" (3/114) : "كان غالياً في الرفض ، ويضع الحديث خبيثاً" ، وقال الذهبي : "كذاب" ، وذكره ابن حبان في "الثقات" - ويبدو أنه لم يعرفه ؛ على قاعدته المعروفة في توثيق المجاهيل - .
ـــــــــــــــ
4- المعجم الكبير (22/451/1100) :
حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الزبير بن بكار حدثني محمد بن حسن عن يعلى بن المغيرة عن بن أبي رواد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه فقال لها بالكره مني ما الذي أرى منك يا خديجة وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا أما علمت أن الله زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون قالت وقد فعل الله ذلك يا رسول الله قال نعم قالت بالرفاء والبنين .
قلت : هذا إسناد موضوع ؛ فيه علل :
( الأولى ) : الإعضال ؛ عبد العزيز بن أبي رواد من أتباع التابعين .
( الثانية ) : يعلى بن المغيرة ؛ لم أجد له ترجمة .
( الثالثة ) : محمد بن حسن ؛ هو محمد بن الحسن بن زبالة ؛ قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" : "كذبوه" .
ـــــــــ
(( خلاصة البحث )) : هذا حديث منكر ، وجميع الطرق شديدة الضعف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpo...34&postcount=2
وقد ذكر الهيثمى مثل ذلك في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد الجزء 4 ص 193 ومثله في مجمع الزوائد الجزء 9 ص 218 حيث قال :
" وعن أبي امامة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قول لعائشة أشعرت ان الله قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم اخت موسى وامرأة فرعون. رواه الطبراني وفيه خالد بن يوسف السمتي وهو ضعيف.
وعن سعد بن جنادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران واخت موسى. رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.(10/480)
وعن أبي رواد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة رضي الله عنها في مرضها الذي توفيت فيه فقال له بالكره مني الذي أرى منك يا خديجة وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراُ أما علمت ان الله عز وجل زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثم اخت موسى قالت وقد فعل الله ذلك يا رسول الله قال نعم فقالت بالرفاه والبنين. رواه الطبراني منقطع الإسناد وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف "
وقد ضعفه الألبانى وأنكره في ضعيف الجامع (1611) و(1235) وفي السلسلة الضعيفة (812) و (5885) و (7053)
وكذا ذكر العقيلى أنه غير محفوظ في لسان الميزان 8/573
وكذا ذكر ابن عدي أن [فيه] يونس بن شعيب قال البخاري : منكر الحديث وذلك في الكامل في الضعفاء 8/527 وذكر مثل ذلك الذهبي في ميزان الاعتدال 4/481
كما ضعفه إبن كثير كما سبق في تفسيره وذكر أن في إسناد هذه الطرق نظر في البداية والنهاية 2/57
[انظر موقع درر سنية http://www.dorar.net/mhadith.asp ]
===============
نسب الأسد أم نسب المختل ( بْنِ كِلَابِ )
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِب
فأخذ عباقرة الصليب كلمة ( بْنِ كِلَابِ ) وأدعو أن رسول الله والمسلمين ( أولاد كلب ) ...
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
جاء بإنجيل مرقس أن ام الرب قالت على ربها أنه مختل عقلياً
3: 21 و لما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مختل
ولم نجد من الكتاب المقدس تكذيب لذلك أو من خلال التفسيرات بل إدعى المُفسرون بأن أم الرب وأقرباؤه انهم أغبياء ولم يتطرقوا لأثبات عكس ذلك من خلال طرح فقرة من الكتاب المقدس تنفي ما جاء على لسان ام الرب .
القمص تادرس : ام الرب وقرباؤه اغبياء
ولو تخاطبنا معهم بهذا الأسلوب لقلنا : أنتم تتحدثوا عن بشر ... ولكنكم لو نظرتم إلى قول ام الرب ستجدوا أنها بشارة لعبادة إله مجنون
فهل يعبد المجنون
اما ما جاء عن النسب الشريف الطاهر لسيدنا رسول الله عليه الصلاه والسلام والذي يخلو من امثال (ثامار وراعوث ورحاب وامرأة اوريا) نجد الآتي :-
كالعادة الأحمق تسبقُ سقطاتُ لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره
بْنُ كِلَابِ
فهو لم يقل (بنو كلب) أو ( بنو كلاب ) بل (بنو كِلَابِ بكسر الباء)
وجاء في لسان العرب الآتي : باب حرف الكاف .
كلب: الكَلْبُ: كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ.
وفي الحديث: أَمَا تخافُ أَن يأْكُلَكَ كَلْبُ اللّهِ؟ فجاءَ الأَسدُ ليلاً فاقْتَلَعَ هامَتَه من بين أَصحابه.
فعندما ننقل كلام عن لسان العرب فيجب أن نرجع للقاموس الخاص بهم .
قال سيبويه :
كِلابٌ اسم للواحد، والنسبُ إِليه كِلابيٌّ، يعني أَنه لو لم يكن كِلابٌ اسماً للواحد، وكان جمعاً، لَقِيلَ في الإِضافة إِليه كَلْبيٌّ، وقالوا في جمع كِلابٍ: كِلاباتٌ .
والله تعالى أعلم .
السيف البتار
================
شبهه جديدة الوحي والجرس
كيف يأتيك الوحي
السلام عليكم ورحمة الله:: وجدت شبهة أرجوكم ردوا عليها بارك الله فيكم ::يقول المعترض::عن عائشة :: أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي ثم يفصم عني وقد وعيته وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل فأعي ما يقول ::والحديث:: عن أبي هريرة :: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس::في صحيح مسلم
الرد
شرح سنن النسائي للسيوطي
( كيف يأتيك الوحي )
يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة للوحي نفسه , ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك
( قال أحيانا )
نصب على الظرف وعامله
( يأتيني )
مؤخر عنه
( في مثل صلصلة الجرس )
صادين مهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة , وهي في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين ,
وقيل : هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة والجرس الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب
فإن قيل : كيف شبه المحمود بالمذموم فإن صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه والإعلام بأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس فالجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في كل صفاته بل يكفي اشتراكهما في صفة ما , والمقصود هنا بيان الحس فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم ,
وأخذ من هذا جواز تشبيه الشعراء ريق المحبوبة ونحوه بالخمر , واستدل عليه بقول كعب كأنه منهل بالراح معلول وقد أنشده في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقره والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي : يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد , وقيل : بل هو صوت خفيف أجنحة الملك , والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره
( وهو أشده علي )(10/481)
قال البلقيني : سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به , وقال بعضهم : إنما كان شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع , وقيل : إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد , وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات
اذا الموضوع لا شبهه فيه بعون الله
والله تعالي اعلم
=================
أين قال النبي أن اليهود والنصارى حرفوا كتبهم؟!
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
سؤال يكرره النصارى كثيراً .. (( أين قال نبيكم أن الكتاب المقدس محرف؟! )) ... (( نتحداكم أن تثبتوا أن رسول الإسلام قال إن الكتاب المقدس محرف!!! ))
وحتى نخرس هذه الألسنة التي تتكلم بما لا تعلم ويكثر نقلهم عن الجهلة أمثال زكريا وعبدالمسيح و ... إلخ إلخ
فجمعت بعض الأحاديث من كلام المصطفى وبعض الآثار عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في تحريف اليهود والنصارى كتبهم؛
• روى الطبراني في المعجم الكبير:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يَحْيَى بن أَبِي سَمِينَةَ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَمْرٍو الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ بندَارٌ، قَالا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا النَّهَّاسُ بن قَهْمٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ رَأَى الْيَهُودَ يَسْجُدُونَ لأَحْبَارِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ، وَرَأَى النَّصَارَى يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سَجَدَ لَهُ، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟"فَقَالَ: إِنِّي قَدِمْتُ الشَّامَ، فَرَأَيْتُ الْيَهُودَ يَسْجُدُونَ لِعُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَرَأَيْتُ النَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقِسِّيسِيهِمْ وَرُهْبَانَهُمْ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: تَحِيَّةَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:"كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ كَمَا حَرَّفُوا كِتَابَهُمْ، لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا".
والحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير 7/20 برقم 7141 والحاكم في المستدرك برقم 7433 وقال « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » ورواه أحمد برقم 18591
• روى البخاري في صحيحه:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ
برقم 6815 ورواه عن ابن عباس أيضاً بلفظ آخر
2488 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
{ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا }
أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ
والحديث رواه البخاري برقم 2488 و 6969 ورواه البيهقي في السنن الكبرى 8/249 وابن أبي حاتم في تفسيره برقم 799
• روى الطبري(10/482)
1395 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال، حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)، الويل: جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة، وزادوا فيها ما يحبون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. فلذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة، فقال:(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
ولكن هذا الحديث لم يصح لجهالة حال اثنين من الرواة في سنده
• قال الضحاك عن ابن عباس: إن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعا وذلك أنهم حرَّفوا التوراة والإنجيل وألحقوا بكتاب الله ما ليس منه.
جاء في تفسير البغوي 2/59 في تفسير قوله تعالى { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ }
• حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: " " وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " , قال: هُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَابْتَدَعُوا فِيهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ".
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره برقم 3787
• حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب"، حتى بلغ:"وهم يعلمون"، هم أعداء الله اليهود، حرَّفوا كتابَ الله، وابتدعوا فيه، وزعموا أنه من عند الله.
رواه الطبري برقم 7292
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رافع وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف , فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا ؟ قال : بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها ، وكتمتم ما أمرتم أن تبينوه للناس , فأنزل الله تبارك وتعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }المائدة68. ( أسباب النزول للسيوطي والواحدي ص 169 , والحديث لا يخلوا من علة الضعف لوجود محمد بن محمد الأنصاري في سنده وهو مجهول , لكن الحديث له شاهد يقويه ذكره القرطبي في تفسيره عن ابن عباس أيضًا رضي الله عنهما ( 3 / 158-159 ) ) .
و" أحدث الشيء " أي ابتدعه , والبدعة شرعًا : هى ما استحدث في الدين ولم يكن له أصل , وهذه إشارة جلية منه صلى الله عليه وسلم على وقوع التحريف اللفظي والمعنوي في أسفار أهل الكتاب .
أما عن "الجحود" فتعريفه عند أهل اللغة : " هو نكران الشيء حقدًا وبغضًا مع العلم به ". وهذا يتفق تمامًا مع أراء علماء النصارى في أن كتبة الأسفار هم الذين أخطأوا عن قصد ومع ذلك يدعون صحة الكتاب المقدس , فهذا من إعجاز مجامع كلمه صلى الله عليه وسلم .
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية) ( أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب"الإعتصام بالكتاب والسنة" برقم (6814) وفي كتاب " التوحيد " برقم (6987) وانفرد به ).
وهكذا نجد الترياق المبين في كلام رب العالمين بتفسير رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم , فعقيدتنا هى أننا نؤمن أن تلك الكتب والأسفار التي عند أهل الكتاب بها صدق خُلط بكذب , وهذا قوله عليه الصلاة والسلام (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) والمحك في هذا الأمر هو القرآن الكريم فهو الحاكم والرقيب والشهيد والأمين على وحي السماء لرسل رب الأرض والسماء .
* أخرج البخاري في كتاب " فضائل القرآن " عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى) ( أخرجه البخاري برقم( 4604 ), والترمذي في " تفسير القرآن " برقم ( 3029 ) ) .
وكان هذا في وجود معظم الصحابة رضوان الله عليهم , مما يعني علمهم اليقيني مما استاقوه من كلام ربهم وفهمهم لسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام بأن اليهود والنصارى قد حرفوا أسفارهم فاختلفوا من بعد ذلك يكفر بعضهم بعضًا .(10/483)
* ذكر البخاري في مقدمته لكتاب " الإعتصام بالكتاب " في صحيحه قول معاوية رضي الله عنه في حق كعب الأحبار هكذا : ( إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب ) . يعني أن كعب الأحبار كان يخطيء فيما يقوله في بعض الأحيان لأجل أن كتبهم محرفة مبدلة . فنسبة الكذب إليه لذا , لا لكونه كذابًا , فإنه كان عند الصحابة من خيار الأحبار . فقوله : ( وإن كنا مع ذلك... ) يدل صراحة على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعلمون أن كتب اليهود والنصارى محرفة
==================
حديث طعن الشيطان في جنب ابن آدم
(الشبكة الإسلامية)
أخرج البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال :( كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب ) .
وفي رواية للبخاري : ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم وابنها . . . . . . ) ، وفي رواية مسلم : ( ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه ) .
وقد تعرض هذا الحديث للانتقاد من قبل البعض قديماً وحديثاً ، حيث نسجوا حوله العديد من الشبه والشكوك التي توجب رده وعدم قبوله بزعمهم ، فادعى " أبو رية " بأنه من الإسرائيليات لأنه يقتضي تفضيل نبي الله عيسى على نبينا محمد عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه ، ولذلك اتكأ عليه بعض القسس من النصارى لإثبات عقيدة من عقائدهم الزائفة
كما أنه يقتضي أن الشيطان قد يسلط على الأنبياء والرسل حتى أولي العزم منهم ، وعليه يكون نبينا - صلى الله عليه وسلم - ممّن طعن الشيطان في جنبيه ، كما أنه قد يسلط على غيرهم من عباد الله المخلصين ، وهو ما ينفيه القرآن صراحة ، وذلك في قوله تعالى : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }( الحجر42) ، وقوله :{إلا عبادك منهم المخلصين }(الحجر 40) .
ثم ما هو سر اختصاص عيسى عليه السلام وأمه بهذه الفضيلة دون سائر الناس حتى الأنبياء ، وقد استدل " أبو رية " على ذلك بكلام نقله عن الزمخشري ، و الرازي .
مع أن الحديث صحيح رواية ودراية ، أما من حيث النقل والسند فالحديث أخرجه البخاري و مسلم وغيرهما من أئمة الحديث ، وتلقته الأمة بالقبول ، ولم يعرف من طعن فيه من أئمة هذا الشأن ، وأما من حيث المتن والمعنى فليس في متنه أي معنى يدعو إلى رده أو التوقف فيه ، كل ما هنالك أنه وُجد من توهم معنى فاسداً بحسب فهمه فبادر إلى إنكاره أو التوقف في صحة الحديث ومن هؤلاء القاضي عبد الجبار المعتزلي ، و الزمخشري وإن كان الثاني تردد في صحة الحديث وحاول تأويله فقال : " إن صح هذا الحديث ، فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها ، فإنهما كانا معصومين ، وكذلك من كان في صفتهما ، لقوله تعالى : { إلا عبادك منهم المخلصين} ، واستهلال الصبي صارخاً من مس الشيطان ، تخييل لطمعه فيه ، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ، ويقول هذا ممن أغويه ، وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا ، ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً " أهـ .
وأهل العلم أجروا الحديث على ظاهره ، وقالوا بحقيقته ، وأن إبليس مُمَكَّنٌ من مس كل مولود عند ولادته ، وأنه حاول ذلك مع مريم وابنها فلم يمكن منهما استجابة لدعاء أم مريم حين قالت : {وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }(آل عمران:36) .
وليس في إثبات هذه الخصوصية لعيسى وغيره ما يعود بالنقص على بقية الأنبياء ، ولا ما يقتضي تفضيله عليهم ، لأن الفضل الذي يعدُّ كمالاً تاماً للإنسان ، هو ما كان بسعيه واجتهاده ، ومن هنا كان فضل الخليلين إبراهيم و محمد عليهما وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام ، وأما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه أن يثاب العبد على سلامته منه ، ولا أن يعاقب على وقوعه له ، وعلى التسليم بأن هذه فضيلة لعيسى عليه السلام فنحن جميعاً نقر بأن المفضول قد يكون فيه من الخصائص والمزايا ما ليس للفاضل ، ولا يؤثر ذلك في أفضليته .
وأما إذا قلنا بأن الكلام هنا ليس على عمومه ، وأن المتكلم غير داخل في عموم كلامه - كما قال جمع من العلماء منهم الألوسي في تفسيره – فيكون نبينا عليه الصلاة والسلام ممن لم يمسه الشيطان أيضاً ، وقد اختار القاضي عياض - كما نقله عنه النووي - : أن جميع الأنبياء يتشاركون في هذه الخصيصة .
وأياً ما كان الأمر فليس في الحديث أبداً ما يقتضي تفضيل عيسى عليه السلام على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – تفضيلاً مطلقاً ، وكون بعض القسس والرهبان اتكأوا على الحديث في إثبات عقيدة من عقائدهم الزائفة ، فلا يعود ذلك على الحديث بالبطلان أو الرد ، والتبعة واللوم إنما تقع على من حرَّف الحديث عن مواضعه ، وحمله على غير محامله الصحيحة .(10/484)
ونحن عندما نقول بظاهر الحديث ينبغي أن نفرق بين المس وبين الإغواء والإضلال ، فلا يلزم من وقوع المس والنخس إضلال الممسوس وإغواؤه حتى يقال إن الحديث معارض لقوله تعالى : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }( الحجر42) ، وقوله :{إلا عبادك منهم المخلصين }(الحجر 40) ، لأنه يفيد عدم تسلط الشيطان على الأنبياء والمُخْلَصين .
فإن الآية إنما تدل على عدم تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال الدائم ، ومع ذلك فقد يسلط على بعضهم بإغواء عارض ، أو إلحاق ضرر لا يؤثر على الدين ، وكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والأذية .
وماذا يقول هذا المنكر فيما أثبته الله في كتابه عن نبي الله موسى عليه السلام وقوله بعد أن قتل القبطي : {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم }( القصص 15-16 ) ، ومن قبله أيوب حين نادى ربه {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب }( صّ 41) ، وقول الله تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم * إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }( الأعراف199 – 201) .
ونبينا عليه الصلاة والسلام عرض له الشيطان ليقطع صلاته فأمكنه الله منه ، فرده الله خاسئاً كما في الصحيح ، وأخبر أنه ما منا من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن ، حتى هو نفسه - صلى الله عليه وسلم- إلا أن الله أعانه عليه فأسلم ، على رواية الرفع بمعنى : " أسلم من شره وفتنته " ، وعلى رواية الفتح بمعنى : " أنه دخل في الإسلام " ، وهما روايتان مشهورتان .
والمقصود أن القرآن والسنة أثبت شيئاً من تعرض الشيطان للأنبياء والمخلصين بأنواع الأذى وأما الزيغ والإضلال فقد عصمهم الله منه .
ولا يلزم أن تمتلئ الدنيا صراخاً ونحيبا - كما توهم الزمخشري - لأن الحديث إنما جعل ذلك عند الولادة فحسب ولم يجعله مستمراً مدى الحياة ، والتجربة والمشاهدة خير حكم وبرهان ، فما من مولود إلا ويستهل صارخاً وباكياً تصديقاً لهذا الحديث ، وإنكار ذلك مكابرة .
فعلم من ذلك أنه لا إشكال أبداً حول الحديث لا من حيث النقل والسند ، ولا من حيث المتن والمعنى ، وأن الإشكال إنما أتى من الفهم السقيم ، والرأي غير المستقيم .
===============
أحاديث الفتن وأشراط الساعة
أحاديث الفتن وأشراط الساعة (1-2) ( الدجال )
(الشبكة الإسلامية)
اهتم الشارع بالعقل اهتماماً بالغاً فجعله مناط التكليف ، وأحد الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها ورعايتها ، وقامت عليها مصالح الدين والدنيا ، وخاطب الله أصحاب العقول والألباب وأثنى الله عليهم في غير ما آية من كتابه .
ومع ذلك فإن للعقل حدوداً لا يتعداها ، ومواطنَ ينتهي إليها ، ولا سبيل له إلى إدراك كل مطلوب ، ولهذا أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ، فلولا الرسالة لما اهتدى العقل إلى معرفة تفاصيل أركان الإيمان ، وشرائع الإسلام ، وما يتعلق بالساعة والمعاد والبعث والحساب والجزاء وغير ذلك من أمور الغيب .
ومع أن عقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم هو أكمل العقول وأزكاها على الإطلاق ، إلا أن الله سبحانه أخبر أنه قبل الرسالة ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، يقول جل وعلا :{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ( الشورى 52) ، وبين أنه لم يحصل على الهداية إلا بالوحي والشرع الذي جاءه من عند الله ، قال سبحانه :{قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب } (سبأ 50) .
فالعقل إذاً لا يصح إن يُجعَل حاكماً بإطلاق ، بل الحاكم هو الشرع والعقل تابع له ، وما مثله في ذلك إلا كمثل ضوء الشمس مع العين ، فالشرع هو الشعاع الذي يضيء للعين لكي ترى وتبصر ، ويستحيل بدونه أن يدرك مالا يقدر عليه من المعارف .
وإذا كان الأمر كذلك فإن من أخطر مظاهر الانحراف وعدم الاستسلام الكامل للشريعة ، تقديم العقل ، وتحكيمه في أمور النقل ، وردُّ بعض الأحاديث الصحيحة أو تأويلها بحجة مخالفتها للعقول ، من غير تمييز بين ما يستطيع العقل أن يدركه ، وما لا يستطيع .
وقَدَمُ الإسلام لا تثبت إلا على ظهر التسليم والاستسلام كما قال الإمام الزهري رحمه الله في كلام جامع يبين القاعدة في هذا الأمر : " من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم " .
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة - بظهور المسيح الدجال ، ومكان خروجه وصفته ، وأتباعه ، وفتنته ، وبعض الخوارق التي يجريها الله على يديه ، وسبل الوقاية من هذه الفتنة ، ثم هلاكه ومقتله على يد نبي الله عيسى عليه السلام ، وكل هذا مروي من طرق متكاثرة في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة المعتمدة .(10/485)
بعض الأحاديث الواردة في الدجال
فمما جاء في صفته ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء ، فقلت من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ، فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا الدجال أقرب الناس به شبهاً ابن قطن ) رجل من خزاعة ، وفي حديث أنس رضي الله عنه : ( وإن بين عينيه مكتوب كافر ) ، وفي رواية : ( ثم تهجاها ( ك ف ر ) يقرؤه كل مسلم ) .
ومما جاء في مكان خروجه قوله- صلى الله عليه وسلم - في رواية للترمذي من حديث أبي بكر : ( الدجال يخرج من أرض بالمشرق ، يقال : لها خراسان ، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ) .
ومما جاء في أتباعه قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن أنس : ( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ) .
ومما جاء في فتنته قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه : ( الدجال أعور العين اليسرى ، جفال الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة ، وجنته نار ) ، و لمسلم أيضاً عن حذيفة : ( لأنا أعلم بما مع الدجال منه ، معه نهران يجريان ، أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما أدركن أحد ، فليأت النهر الذي يراه ناراً ، وليغمض ، ثم ليطأطئ رأسه ، فيشرب منه ، فإنه ماء بارد ) .
ومن ذلك الحديث الجامع الذي رواه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : ( ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا ، فقال : ما شأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال غداة ، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ، فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا ، يا عباد الله فاثبتوا ، قلنا : يا رسول الله ، وما لبثه في الأرض ، قال أربعون يوماً ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم ، قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم ، قال : لا ، اقدروا له قدره ، قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعه في الأرض ، قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم ، فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا ، وأسبغه ضروعا ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم ، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه ، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله . . . . . إلخ )
شبهات حول أحاديث الدجال
ومع ذلك لم تسلم هذه الأحاديث - الثابتة في الصحيحين وغيرهما - من الاعتراض والاستنكار والتأويل مصداقاً لما أخبر به - صلى الله عليه وسلم – من أنه سيأتي من ينكر ظهور الدجال وغيره من الأمور الثابتة بصريح الكتاب وصحيح السنة وذلك في قوله : ( ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا ) رواه أحمد بسند صحيح .
فقد ذهب الشيخ محمد عبده – كما نقل عنه صاحب تفسير المنار (3/317) - إلى أن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح ، التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها ، والأخذ بأسرارها وحكمها .
وتبعه أبو عبيه في تعليقه على كتاب النهاية في الفتن والملاحم للإمام ابن كثير حيث ذهب إلى أن الدجال رمز للشر ، واستعلائه وصولة جبروته ، واستشراء خطره ، واستفحال ضرره في بعض الأزمنة ، وتطاير أذاه في كثير من الأمكنة ، بما يتيسر له من وسائل التمكن والانتشار ، والفتنة في بعض الوقت ، إلى أن تنطفئ جذوته وتموت جمرته بسلطان الحق .
وأما أبو ريه فقد عرض لأحاديث الدجال - في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " صـ213- وطعن فيها معتبراً ظهور الدجال في آخر الزمان خرافة .(10/486)
وبعضهم أثبت وجوده ولكنه أنكر الخوارق التي تكون معه ، وأنها لا حقيقة لها بل هي خيالات وتمويهات ، لأنها - بزعمه - تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من الرسل بل تفوقها ، ولأن الله عز وجل إنما آتاهم هذه الآيات لهداية خلقه ، وإثبات صدق أنبيائه ، فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الأعظم من عباده .
وقد ثبت بنصوص القرآن القطعية أنه لا تبديل لسنته تعالى ولا تحويل ، وهذه النصوص المضطربة المتعارضة لا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها " .
ثم استشهد على تعارض أحاديث الدجال بأنه ورد في بعض الروايات أن معه جبال الخبز وأنهار الماء والعسل ، وأن معه جنة وناراً . . . . . إلى غير ذلك ، وقال إن هذا يتعارض مع الحديث الذي في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال : ما سأل أحدٌ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر مما سألته ، وإنه قال لي : ما يضرك منه ؟ قلت : إنهم يزعمون أن معه أنهار الماء وجبال الخبز ، قال : هو أهون على الله من ذلك " ( تفسير المنار 9/490) .
وإذا كانت فتنة الدجال بهذه الخطورة ، فلماذا لم يذكر في القرآن ، مع عظم فتنته وتحذير جميع الأنبياء منه ، والأمر بالاستعاذة منه في كل صلاة .
من جهة الرواية
ونحن لا ننكر أنه قد وضعت أحاديث مكذوبة في الدجال وصفته وزمان ومكان خروجه، ولكنه مع هذا قد صحت فيه أحاديث كثيرة رواها البخاري و مسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم ، حتى نص كثير من العلماء على تواتر هذه الأحاديث ، والذين نصوا على تواتر أحاديث نزول عيسى عليه السلام ، قالوا بتواتر أحاديث الدجال لأن كثيراً منها مذكورٌ في أحاديث نزول عيسى عليه السلام ، و للشوكاني رحمه الله رسالة سماها : " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " ذكر منها مائة حديث ، يحصل التواتر بما دونها فكيف بمجموعها ، وقال بعضهم : " أخبار الدجال تحتمل مجلدات " ، وقد أفردها غير واحد من الأئمة بالتأليف ، وذكر جملة وافرة منها السيوطي رحمه الله في " الدر المنثور " عند قوله تعالى : {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير }الآية (غافر 56) .
وممن نص على التواتر أيضاً الكتاني في " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " (1/229) فقال : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام .
ونقل الأبي في شرحه على مسلم قول ابن رشد : " الأشراط عشرة المتواتر منها خمسة : الدجال ، ونزول عيسى ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها " .
وقال المعلمي رحمه الله ( الأنوار الكاشفة 233) : " فأما ذكره الدجال فمتواتر قطعاً ، ومن اطلع على ما في صحيح البخاري وحده علم ذلك " .
وحتى لو لم تصل إلى درجة التواتر ، فيكفينا تلقي الأمة لأحاديث الصحيحين بالقبول مما يفيد القطع بثبوتها وصحتها .
من جهة الدراية
وإذا كانت أحاديث الدجال لا مطعن فيها من جهة الرواية لورودها من طرق متعددة تنفي عنها احتمال الضعف ، فهي كذلك لا مطعن فيها من جهة المعنى والدراية ، فهذه الأحاديث صريحة في أن الدجال رجل بعينه ، وليس هناك ما يدل على أنه رمز للخرافات والدجل والباطل ، والنبي - صلى الله عليه وسلم – بين لنا صفات الدجال أوضح بيان حتى يعرفه الناس ، ويحذروا من شره ، وذلك في أحاديث كثيرة صحيحة ، ومن هذه الصفات أنه : رجل ، شابٌّ ، أحمر ، قصير ، أفحج ، جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بناتئة ولا جحراء ، كأنها عنبة طافية ، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه ( ك ف ر ) بالحروف المقطعة أو ( كافر ) بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب ، فهل يمكن أن تكون كل هذه الأوصاف رموزاً للشر والدجل والباطل ؟!!.
كما أن هذه الروايات ليس بينها أي اختلاف ولا تعارض ، وإن وجد فإنه يمكن الجمع بينها ، كما في الروايات التي جاءت في مكان خروجه ، فبعضها جاء فيه أنه يخرج من خراسان ، وبعضها من المشرق ، وبعضها من يهودية أصبهان ، لأن أول ما يخرج الدجال من أصبهان ، من جهة خراسان ، وكلها في جهة المشرق .
وكما في بعض الأحاديث التي يصرح النبي - صلى الله عليه وسلم – باحتمال ظهوره في عصره ، وبعضها الآخر التي جاء التصريح فيها بأنه يخرج في آخر الزمان بعد فتح المسلمين لبلاد الروم ، لاحتمال أن يكون أوحي إليه بشيء عن خبره وشأنه من غير تعيين لزمانه ، ففهم النبي - صلى الله عليه وسلم – جواز أن يكون في عصره ، ثم بعد ذلك أعلمه الله أن ذلك سيكون في آخر الزمان قبيل الساعة .(10/487)
ومثلها الروايات الواردة في ذكر خوارقه كثير منها صحيح ثابت ، لا يجوز ردها أو تأويلها بدعوى وجود التعارض والاضطراب فيها ، وأما حديث المغيرة الذي استشهد به الشيخ رشيد رضا على أنه معارض للأحاديث الأخرى التي فيها ذكر بعض خوارق الدجال ، فيجاب عنه بأن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم – ( هو أهون على الله من ذلك ) أي أنه أهون من أن يجعل ما يجريه على يديه من الخوارق مضلاً للمؤمنين ، ومشككاً لقلوب الصادقين ، ولكن ليزداد الذين آمنوا إيماناً ، وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين ، وليس المراد من قوله : ( هو أهون على الله من ذلك ) أنه ليس معه شيء من ذلك ، وشتان بين الأمرين .
وحتى لو سلمنا جدلاً أن الحديث على ظاهره فيكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم – له ذلك قبل أن ينزل عليه بيان ما مع الدجال من الخوارق ، بدليل قول المغيرة للنبي صلى الله عليه وسلم : " يقولون : إن معه . . . . . ." ولم يقل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك قلت فيه كذا وكذا ، ثم جاء الوحي بعد ذلك ببيان ما يكون مع الدجال من الخوارق والآيات ، فلا منافاة بين حديث المغيرة وأحاديث الدجال .
ولا يقال إن ما يعطاه الدجال من الخوارق فيه مخالفة لسنن الله الكونية ، لأن زمن الدجال تنخرق فيه العادات ، وتحدث أمور عظيمة مؤذنة بخراب العالم ، وزوال الدنيا ، وقرب الساعة ، كتتابع حبات العقد إذا انفرط نظامه .
وإذا كان خروجه في زمن فتنة أرادها الله ، فلا يقال : إن الله ألطف وأرحم بعباده أن يفتنهم ويضلهم بهذه الخوارق التي لا تحتملها عقولهم وقلوبهم ، لأنه سبحانه اقتضت حكمته أن يبتلي العباد به ليتميز المؤمن الصادق من الكافر والمنافق .
كما أنه أنذر عباده وحذرهم منه ، وبين لهم أسباب دفع فتنته والوقاية منها ، وجعل فيه آية ظاهرة تدل على كذبه وكفره ، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب ، ووصفه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأبلغ وصف ، وقال فيه : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ، واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت ) ، فذكر علامتين ظاهرتين يعرفهما جميع الناس ، وأرشد إلى ما يقي ويعصم بإذن الله من فتنته ، من التسلح بسلاح الإيمان ، والاستعاذة بالله ، وحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وغير ذلك ، مما يجعل الفتنة به خاصة بمن فرّط في معرفة شأنه ، و قصّر في العمل بالأسباب الشرعية التي تدفع شره ، وقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن معظم أتباع الدجال هم من الكفار والمنافقين ورعاع الناس ، بل ربما كان ظهوره سبباً في زيادة إيمان العارفين به ، لما يرون من تحقق خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه ، ولا أدل على ذلك من موقف ذلك الشاب المؤمن الذي يضربه الدجال بالسيف ، فيقطعه جزلتين ، ثم يدعوه فيقبل ، فيقول له : " والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم " .
إذا عُلِم ذلك تبين أن الروايات ليس فيها اضطراب لا من حيث مكان خروجه ، ولا من حيث زمان ظهوره ، ولم يكن هناك ما يدعو لإنكاره لا سيما مع ما جاء من صفاته التي نبَّهَتْ عليها الأحاديث ، والتي تدل دلالة صريحة أنه شخص حقيقة ، وكذلك ما جاء في بعض الخوارق التي يجريها الله على يديه ، والأمر بالتعوذ من فتنته ، والإخبار عن هلاكه ، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على أنه شخص بعينه .
قال القاضي عياض رحمه الله شرح مسلم النووي ( 18/58- 59) : " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره فى قصة الدجال ، حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وأنه شخص بعينه ، ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا ، والخصب معه ، وجنته وناره ، ونهريه ، واتباع كنوز الأرض له ، وأمره السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يُعجِزُه الله تعالى بعد ذلك ، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويُبطِل أمره ، ويقتله عيسى - صلى الله عليه وسلم - ، ويثبت الله الذين آمنوا .
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار ، خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره ، من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة . . . . . وغيرهم في أنه صحيح الوجود ، ولكن الذي يدعي مخارف وخيالات لا حقائق لها ، وزعموا أنه لو كان حقاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وهذا غلط من جميعهم ، لأنه لم يدع النبوة ، فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنما يدعي الإلهية ، وهو في نفس دعواه مكذِّبٌ لها بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ، ونقص صورته ، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه ، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه .(10/488)
ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس ، لسد الحاجة والفاقة ، رغبة في سد الرمق ، أو تقية وخوفاً من أذاه ، لأن فتنته عظيمة جداً ، تدهش العقول ، وتحير الألباب ، مع سرعة مروره في الأرض ، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ، ودلائل الحدوث فيه والنقص ، فيصدقه من صدقه في هذه الحالة .
ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ، ونبهوا على نقصه ، ودلائل إبطاله ، وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ، ولا يُخْدَعون لما معه ، لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له ، مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه : " ما ازددت فيك إلا بصيرة " أهـ .
وقد ذكر الدجال في القرآن ضمن الآيات التي في قوله جل وعلا : {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا }( الأنعام 158) ، وتكفل النبي - صلى الله عليه وسلم- ببيان هذا الإجمال في سنته ، فقال في الحديث الذي رواه مسلم و الترمذي عن أبي هريرة : ( ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض ) .
ولأن كثيراً من أحاديث الدجال وهلاكه ، مرتبطة بالأحاديث التي ذكرت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، فعلى يديه يكون مقتل الدجال ، فسنبين - بمشيئة الله - في الجزء الثاني من هذا الموضوع ، أن المسألتين معاً من قضايا الاعتقاد التي يجب الإيمان بها ، وعقد القلب عليها ، ومن أجل ذلك ذكرها أهل العلم الذين كتبوا في عقيدة أهل السنة والجماعة .
من المعلوم أن التمايز بين الناس في ميزان الله ليس بإدراك المشاهدات والمحسوسات ، فهذا أمر يحسنه كل أحد ، ويستوي فيه المؤمن والكافر ، والحصيف والبليد ، ولكن الشأن كل الشأن إنما هو في الإيمان بالغيب الذي لا يراه الإنسان ولا يشاهده ، إذا قامت عليه الدلائل الصادقة من خبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا هو الإيمان الذي يتميز به المؤمن عن الكافر ، والبر عن الفاجر ، لأن مبناه على التصديق التام ، والتسليم الكامل لله ولرسوله ، بكل يقين ورضا ، وعدم معارضة الأخبار بعقل أو رأي .
فالمؤمن حقيقة هو الذي يؤمن بكل ما أخبر الله به ، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم - ، سواء شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواء عقله وفهمه ، أم لم يهتد إليه فهمُه وعقله .
وعندما جاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وقالوا له : " يا رسول الله ، أي قوم أعظم منا أجراً ؟ آمنا بك واتبعناك ، قال لهم : ( ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم ، يأتيكم بالوحي من السماء ؟! بل قومٌ يأتون من بعدكم ، يأتيهم كتاب بين لوحين ، يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم أجراً ، أولئك أعظم أجراً ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وروى الحاكم وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما سبقونا به ، فقال عبد الله : إن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - كان بيناً لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، ثم قرأ : { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب } ( البقرة 1-3) .
ومن الإيمان بالغيب الإيمان باليوم الآخر وما يسبقه من علامات جاء بها الكتاب ، وصحت بها الأخبار عن النبي المختار صلوات الله وسلامه عليه ، وتصديقها ، وعقد القلب عليها .
وقد دلت الآيات الكريمة على أن نبي الله عيسى عليه السلام رفع من الأرض إلى السماء بروحه وجسده ، عندما أراد اليهود قتله وصلبه فلم يمكنهم الله منه ، ودلت كذلك على أنه سينزل إلى الأرض مرة أخرى في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة.
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – تؤكد هذا المعنى ، وتبينه بأفصح عبارة ، وأظهر بيان ، وأنه ينزل بمشيئة الله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، حاكماً بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم – لا ناسخاً لها ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية فلا يقبل من الكفار إلا الإسلام ، ويفيض المال ، وتنزل البركات والخيرات .
بعض الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام
منها أحاديث في الصحيحين كحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، الذي يقول فيه - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) ، ثم يقول أبو هريرة : " واقرءوا إن شئتم : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159). وفي رواية : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) .(10/489)
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) .
وفي حديث حذيفة بن أسيد الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات ..... ذكر منها نزول عيسى بن مريم .
وروى الإمام أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ( ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك المسيح الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ) .
شبهات حول الأحاديث
ومع ذلك فقد تعرضت أحاديث نزوله - كما تعرض غيرها - للهجوم والنقد من قبل البعض ، لأنها لم ترق لهم ، محتجين بحجج واهية ، وشبه ساقطة ، حيث ادعوا أنه ليس في القرآن نص صريح في رفعه إلى السماء بروحه وجسده ، وليس فيه نص صريح أيضاً على نزوله وإنما تلك عقيدة النصارى ، كما أن الأحاديث الواردة في نزوله لم تبلغ درجة التواتر ، حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله ، وإنما هي أحاديث آحاد مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها ، في معظمها يشتد ضعف الرواة ، وعليه فلا يجب على المسلم أن يعتقد ذلك .
وادعوا كذلك أنها ليست أحاديث محكمة الدلالة ولذا تأولها العلماء ، كما فعل محمد عبده حين تأول نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه ورسالته على الناس ، وهو ما غلب في تعاليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها ، والتمسك بلبابها دون قشورها ، فالمسيح عليه السلام لم يأت لليهود بشريعة جديدة ، ولكنه جاءهم بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى عليه السلام ، ويوقفهم على فقهها والمراد منها ، ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح ، بتحري كمال الآداب ، ثم قال : ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها ، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه ، وكان ذلك مزهقاً لروحها ، ذاهباً بحكمتها ، كان لا بد لهم من إصلاح عيسوي ، يبين لهم أسرار الشريعة ، وروح الدين وأدبه الحقيقي ، وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد الذي هو آفة الحق ، وعدو الدين في كل زمان ، فزمان عيسى على هذا التأويل ، هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين ، والشريعة الإسلامية لإصلاح السرائر من غير تقييد بالرسوم والظواهر .
آيات الكتاب تدل على رفعه ونزوله
والجواب عما سبق أن يقال : إن الآيات في كتاب الله قد دلت على رفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء ، وبين العلماء أنه رفع بروحه وجسده ، ومن هذه الآيات قول الله جل وعلا : {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك }( آل عمران 55) .
فقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال في المراد بالتوفي في هذه الآية :
الأول : قول الجمهور ورجحه ابن كثير وهو أن المراد به توفي النوم ، فكلمة الوفاة كما تطلق على الموت تطلق على النوم أيضاً .
الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير ( إني رافعك ومتوفيك ) أي بعد النزول وهذا القول منسوب إلى قتادة .
الثالث : أن المراد بالتوفي هو نفس الرفع ، والمعنى : ( إني قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك ) وهذا رأي ابن جرير .
وجميع هذا الأقوال كما ترى متفقة على أنه رفع حياً ، وإن كان بعضها أصح وأولى بالقبول من بعض ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى ( 4/322- 323) : " وأما قوله تعالى : {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، فهذا دليل على أنه لم يَعْنِ بذلك الموت ، إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين ، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء فعلم أن ليس في ذلك خاصية ، وكذلك قوله :{ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء .
وقد قال تعالى في الآية الأخرى : {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه }( النساء 157- 158) .
فقوله هنا :{بل رفعه الله إليه }يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه ، إذ لو أريد موته لقال : وما قتلوه وما صلبوه ، بل مات ، فقوله : {بل رفعه الله إليه } ، يُبَيِّن أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه .(10/490)
ولهذا قال من قال من العلماء : {إني متوفيك } ، أي : قابضك ، أي : قابض روحك وبدنك ، يقال : توفيت الحساب واستوفيته ، ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن ، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة .
وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى : {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها }(الزمر 42) ، وقوله : {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار }( الأنعام 60) ، وقوله : {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون }( الأنعام 61) " أهـ .
وحياته عليه السلام بعد رفعه لا يلزم منها أن تكون كحياة من على الأرض في احتياجه إلى الطعام والشراب ، وخضوعه للسنن والنواميس الكونية كسائر الأحياء ، وإنما هي حياة خاصة عند الله عز وجل .
كما أن الآيات القرآنية قد دلت أيضاً على نزوله إلى الأرض في آخر الزمان ، وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن :
الأول : قوله –تعالى-: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159) فقد دلت الآية على أنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده ، وذلك سيكون قبل موت عيسى ، ومعلوم أن هذا لم يقع حتى الآن ، مما يعني أنه مما سوف يقع فيما نستقبله من الزمان ، لأن الآية جاءت في سياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليمه .
الثاني : قوله تعالى : {وإنه لعلم للساعة }( الزخرف 61) فإن الآيات قبلها كانت تتحدث عن عيسى عليه السلام ، ولذا فإن الضمير في هذه الآية يعود إليه ، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها ، لأنه ينزل قبيل قيامها ، ومما يدل على ذلك القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَمٌ للساعة } بفتح العين واللام أي : علامة وأمارة ، وهي مروية عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما من أئمة التفسير .
الثالث : قوله تعالى :{ويكلم الناس في المهد وكهلا }( آل عمران 46 ) وفي هذا الآية عدد الله تعالى بعض خصائص عيسى ودلائل نبوته ، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع ، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك ، وذكر منها كلامه وهو كهل ، والكهولة سن بداية ظهور الشيب ، فما هو وجه كون كلامه وهو كهل من الآيات ، والكلام من الكهل أمر مألوف معتاد ؟! وكيف يحسن الإخبار به لا سيما في مقام البشارة ؟! لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً ، وهذه الحالة لم تقع فيما مضى من حياته التي كان فيها بين الناس لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فلم يبق إلا أن هذه الخصيصة ستتحقق فيما يستقبل من الزمان ، ويكون المعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل ، ثم ينزل فيبقى في الأرض أربعين سنة - كما ثبت في الحديث - إلى أن يكتهل ، فيكلم الناس كهلاً كما كلمهم طفلاً ، وتتحقق له هذه الآية والمعجزة التي أخبر الله عنها في كتابه .
حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
هذا بالنسبة للآيات القرآنية ، وأما الأحاديث ، فهناك أحاديث كثيرة جداً في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من دواوين السنة ، كلها تدل دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، وقد سبق شيء منها ، منها أحاديث أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول ، فهي مفيدة لليقين حتى عند أهل البدع من أهل الكلام ، الذين لا يحتجون بأخبار الآحاد في العقائد ، ولا حجة لمن ردها بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة ، وأن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين يجب الإيمان بها ، لأنه إذا ثبت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وجب الإيمان به ، وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم – ، ولا يجوز لنا رده بحال من الأحوال .
فخبر الآحاد الذي يصححه أهل الحديث ويقبلونه حجة في العقائد والأحكام ، بإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وتابعيهم ، فإنهم كانوا يروون أحاديث الآحاد في العقائد ، ويعتقدون بما تضمنته من الأمور الغيبية ، ولا يفرقون بينها وبين أحاديث الأحكام في شروط القبول وأسباب الرد ، بل يوجبون في أحاديث العقائد ما يوجبونه في أحاديث الأحكام من التثبت والتحري .
وقد قال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة(1/457) : " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي . ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ، بما وصفت من أن ذلك موجود على كلهم " .
وقال الإمام ابن عبد البر في ( التمهيد 1/8) وهو يتكلم عن خبر الآحاد وموقف العلماء منه: " وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده ، على ذلك جميع أهل السنة " .(10/491)
وقال ابن القيم في ( مختصر الصواعق 577) وهو يرد على من لم يحتج بخبر الآحاد في العقائد : وأما المقام الثامن : وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث ، وإثبات صفات الرب تعالى بها ، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول أن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا هذه الأحاديث ، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها ، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم ..." .
بل إن رد خبر الآحاد في العقائد يؤول إلى رد السنة كلها كما قال الإمام ابن حبان في مقدمة صحيحة : " فأما الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد " ، إلى أن قال " وأن من تنكب عن قبول أخبار الآحاد ، فقد عمد إلى ترك السنن كلها ، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد " أهـ .
أحاديث نزول عيسى متواترة
هذا كله على فرض أن أخبار نزوله أخبار آحاد ، فكيف وقد نص العلماء على تواترها ، وفي مقدمتهم إمام المفسرين الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (5/451) عند تفسير آية آل عمران حيث قال : بعد أن ذكر الخلاف في معنى وفاة عيسى : " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قولُ من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ " ، لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " ، ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله .
وممن نص على التواتر أيضاً الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير آية الزخرف ( 4/167) فقال رحمه الله : " وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً " ، ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً يضيق المقام بذكرها .
وقال في تفسير آية النساء ( 1/768) : " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة و ابن مسعود و عثمان بن أبي العاص ، و أبي أمامة و النواس بن سمعان و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و مجمع بن جارية ، و أبي سريحة ،و حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ، ومكانه من أنه بالشام ، بل بدمشق عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح ، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء ، من حجارة منحوتة عوضاً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى . . . . . وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . . . إلخ .
وممن نص على التواتر الشوكاني رحمه الله في كتاب له بعنوان : " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " ، وكذلك الكتاني رحمه الله في كتابه : " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ، و صديق حسن خان في كتابه " الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة " ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ، و الغماري في كتابه " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام "، و الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز .
وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ) في كتابه : " التصريح بما تواتر في نزول المسيح ، حيث ذكر أكثر من سبعين حديثاً .
إذاً فأحاديث نزوله عليه السلام في آخر الزمان ثابتة بالتواتر المعنوي ، ولو كانت آحاداً لكان واجباً علينا التسليم بها ، والإيمان بمضمونها ، فكيف وقد ثبتت بالتواتر .
دعوى الاضطراب
وأما الزعم بأنها أحاديث مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها فهي دعوى غير صحيحة لأن تلك الروايات كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير ، ويكسر الصليب . . . . . . . إلخ ، وغاية ما في الأمر أن بعضاً منها يفصل ذلك ، وآخر يجمله ، وبعضاً يوجز وآخر يطنب ، كطريقة القرآن حين يورد القصة الواحدة في سور متعددة ، بأساليب مختلفة ، يزيد بعضها على بعض ، بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة كل السور التي ذكرت فيها .
فجعل هذا الاختلاف الذي يقوي شأن الحديث ، ويدل على تعدد مخارجه ، من باب التعارض الموجب للاضطراب خطأ بين ، وعلى فرض وجود هذا التعارض فإن الجمع بين هذه الأحاديث بما ينفي عنها صفة الاضطراب غير متعذر ، هذا لو قلنا بوجود التعارض فيما بينها .
دعوى عدم الإحكام(10/492)
وأما الزعم بأنها ليست محكمة الدلالة ، ومن أجل ذلك أولها العلماء فهو زعم باطل لا أساس له من الصحة ، بل هو تحريف وتبديل للنصوص الثابتة الصريحة من غير ما حجة ولا قرينة ، فقد نصت الأحاديث صراحة على نزوله عليه السلام بشخصه وصفته ، بين مهرودتين ، واضعاً يديه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، وأنه يدرك الدجال بباب لد فيقتله ، ويأتي قوماً قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ...إلخ حديث النواس بن سمعان ، ونصت على أنه يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون كما في مسند أحمد بسند صحيح ، فهل يصح من عاقل يعرف اللغة ومفرداتها ، فضلاً عمن ينتسب إلى العلم أن يفسر ذلك بغلبة رسالته ، وتعاليمه التي تأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، وتدعو إلى الأخذ بمقاصد الشريعة دون ظواهرها ، وهل يعقل أن يكون الذي يدفن ويصلي عليه المسلمون هي تعاليمه ورسالته .
هل هذا إلا من العبث والتلاعب والاستخفاف بالعقول الذي ينبغي أن ينزه عنه كلام العقلاء من البشر ، فضلاً عن كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند : " وقد لعب المجددون ، أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، قبل انقضاء الحياة الدنيا ، بالتأويل المنطوي على الإنكار تارة ، وبالإنكار الصريح أخرى ، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون ، وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها ، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة ، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل " .
من عقائد المسلمين
وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة قد دلت على رفعه إلى السماء ، وأنه حي بروحه وجسده ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، وانعقد الإجماع على ذلك ، فإنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بما دلت عليه تلك النصوص ، وأن يعقد قلبه عليها ، لأن هذه المسألة من مسائل الإيمان بالغيب ، وإلا لما كان لذكرها أي فائدة ، ومن أجل ذلك ذكر أهل العلم نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدجال ، في عقيدة أهل السنة والجماعة .
قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر بعد أن ذكر بعض العلامات : " وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن " .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة " ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة ، فقال : " والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه (كافر) ، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد " طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى ( 1/241- 243) .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة : " جملة ما عليه أهل الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لا يردون من ذلك شيئاً . . . . . . إلى أن قال : ويصدقون بخروج الدجال ، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يقتله " ، ثم قال في آخر كلامه : " وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، وإليه نذهب " ، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ( 1/345- 348) .
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد " : " يجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه . . . . . ثم قال : " ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ، وأشباه ذلك مما صح به النقل " أهـ .
وقال الطحاوي في عقيدته المشهورة : " ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء " ( شرح العقيدة الطحاوية 564) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمسيح - صلى الله عليه - وعلى سائر النبين لا بد أن ينزل إلى الأرض . . . . . . كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، ولهذا كان في السماء الثانية ، مع أنه أفضل من يوسف و إدريس و هارون ، لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره ، وآدم كان فى سماء الدنيا ، لأن نسم بنيه تعرض عليه " . ( مجموع الفتاوى ( 4/329) .
وقال القرطبي في التذكرة : " الإيمان بوجود الدجال وخروجه حق ، وهذا هو مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث " .
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله : " ونزول عيسى وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته " .(10/493)
فالواجب على كل مسلم ، كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - والانقياد لأمره ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون معارضته بعقل أو رأي ، وأن يوحِّد الرسول بالتحكيم والتسليم ، والانقياد والإذعان ، كما يوحد المرسِل بالعبادة والخضوع ، والذل والإنابة والتوكل ، وهذا هو مقتضى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
______________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
- دفاع عن السنة د.محمد أبو شهبة .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
- أشراط الساعة يوسف بن عبد الله الوابل .
- شبهات حول حديث الجساسة الدكتور سعد المرصفي .
===============
شبهة حول أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
من الأحاديث التي كانت محل جدل عند البعض ، وأثيرت حولها العديد من الشبهات في القديم والحديث أحاديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنها أحاديث صحيحة ثابتة ، بل في أعلى درجات الصحة ، ولا مطعن فيها بوجه من الوجوه ، فقد اتفق على إخراجها البخاري و مسلم ، ورواها غيرهما من أصحاب كتب الحديث كالإمام أحمد و ابن ماجه وغيرهم ، وإليك بيان روايات الحديث وما أثير حولها من شبهات وبيان وجه الحق في ذلك .
روايات الحديث
روى البخاري و مسلم واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : " سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ، ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليَّ ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر ، قال : وأين هو ؟ قال : في بئر ذروان ، فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناس من أصحابه ، فجاء فقال : يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء ، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين ، قلت : يا رسول الله ، أفلا استخرجته ؟ فقال : قد عافاني الله ، فكرهت أن أثوِّر على الناس فيه شراً ، فأمر بها فدفنت " .
وفي رواية للبخاري عن عائشة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُحِر ، حتى كان يُرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال : سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا - ، وفي رواية قالت : مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي ....
الشبه التي أثيرت حول الحديث
وما أثير حول هذا الحديث من شبه ليست جديدة في الحقيقة ، وإنما هي شبه قديمة أثارها أهل الزيغ والابتداع من قديم الزمان ، ورددها من جاء بعدهم ، فقد ذكر الإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتابه " تأويل مختلف الحديث " هذه الحديث من ضمن الأحاديث التي طعن فيها النظَّام وأمثاله من أئمة الاعتزال الذين لا يقيمون وزناً للأحاديث والسنن ، وزعم الجصاص أنه من وضع الملحدين ، وادعى أبو بكر الأصم أنه متروك ومخالف لنص القرآن .
ثم جاء بعض المعاصرين فتلقفوا هذه الآراء ، ورددوها تحت مسمى تحكيم العقل ، وطرح كل ما يتعارض مع مسلماته وثوابته ، ويمكن تلخيص الشبه المثارة حول الحديث في ثلاثة أمور
الأول : أن الحديث وإن رواه البخاري و مسلم فهو حديث آحادي ، لا يؤخذ به في العقائد ، وعصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تأثير السحر في عقله ، عقيدة من العقائد ، فلا يؤخذ في إثبات ما يخالفها إلا باليقين كالحديث المتواتر ، ولا يكتفي في ذلك بالظن .
والثاني : أن الحديث يخالف القرآن الكريم الذي هو متواتر ويقيني ، في نفي السحر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فالقرآن نعى على المشركين ووبخهم على نسبتهم إثبات السحر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه :{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا }( الفرقان 8 - 9) ، وقال جل وعلا : { نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا }( الإسراء 47 - 48) .
الثالث : أنه لو جاز على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخيل أنه يفعل الشيء وما فعله ، لجاز عليه أن يظن أنه بلَّغ شيئًا وهو لم يبلِّغه ، أو أن شيئًا ينزل عليه ولم ينزل عليه ، وهو أمر مستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه يتنافى مع عصمته في الرسالة والبلاغ .
الرد على الشبه(10/494)
وقد تصدى أهل العلم لهذه الشبهات ، وأجابوا عنها بما يرد عن الحديث كل تهمة ، ويفند كل فرية ، فأما ما يتعلق بحجية أخبار الآحاد ، فإن الأدلة شاهدة من كتاب الله ، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال السلف ، بل وإجماعهم - كما نقله غير واحد كالشافعي و النووي و الآمدي وغيرهم - على الاحتجاج بحديث الآحاد ، وقبول الاستدلال به في العقائد والعبادات على حد سواء ، وهي أدلة كثيرة لا تحصى ، وليس هذا مجال سردها ، وقد سبق الكلام عنها في مواضيع مستقلة في محور الحديث ، بعنوان ( حجية خبر الآحاد ، والشبهات حوله ) ( حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام ) يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليها .
ويكفي وجود هذه الأحاديث في الصحيحين للجزم بصحتها وثبوتها، وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول، وليست هي من الأحاديث المنتقدة حتى تستثنى من ذلك، وقد رُوِيت من طرق عدة في الصحيحين وغيرهما ، وعن غير واحد من الصحابة منهم : عائشة ، و ابن عباس ، و زيد بن أرقم - رضي الله عنهم- ، وغيرهم مما يبعد عنه احتمال الغلط أو السهو أو الكذب ، كما أثبتها واعترف بصحتها رواية ودراية كبار الأئمة الذي هم أرسخ قدمًا في هذا الشأن ، وفي الجمع بين المعقول والمنقول كالإمام المازري و الخطابي ،و القاضي عياض ، والإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والإمام ابن كثير ، والإمام ابن حجر وغيرهم ممن لا يحصيهم العدُّ ، فهل كل هؤلاء الأئمة فسدت عقولهم ، فلم يتفطنوا إلى ما تفطن إليه أصحاب العقول ؟! ، أم أنه التسليم والانقياد ، وتعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعدم معارضته برأي أو قياس .
وأما أن الحديث مخالف للقرآن فهو دليل على سوء الفهم ، لأن المشركين لم يريدوا بقولهم :{إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُحر فترة يسيرة بحيث لم يتعلق سحره بأمور الرسالة والتبليغ ، ثم شفاه الله ، وإنما أرادوا بقولهم ذلك إثبات أن ما يصدُر عنه ما هو إلا خيال وجنون في كل ما يقول وما يفعل ، وفيما يأتي ويذر، وأنه ليس رسولاً ، وأن ما جاء به ليس من الوحي في شيء ، وإنما هو خيال مسحور ، فغرضهم إنكار رسالته - صلى الله عليه وسلم - ، وبالتالي فلا يلزمهم تصديقه ولا اتباعه .
ولا ريب أن الحال التي ذُكَرت في الحديث عروضها له - صلى الله عليه وسلم - لفترة خاصة ، ليست هي التي زعمها المشركون في شيء ، فلا يصح أن يؤخذ من تكذيب القرآن لما زعمه المشركون دليلاً على عدم ثبوت الحديث ، فنحن عندما نؤمن بما دل عليه الحديث لا نكون مصدقين للمشركين ولا موافقين لهم فيما أرادوا ، لأن الذي عناه الحديث غير الذي عناه أولئك الظالمون، وإذا ثبت ذلك لم يكن هناك تصديق ولا موافقة لهم .
وأما ادعائهم بأن هذا الحديث يتنافى مع عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرسالة والبلاغ فإن الذين صححوا حديث السحر كالبخاري و مسلم وغيرهما ، ومن جاء بعدهما من أهل العلم والشراح ، قالوا إن ما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو من جنس سائر الأمراض التي تعرض لجميع البشر ، وتتعلق بالجسم ولا تسلط لها على العقل أبداً ، وهو أمر يجوز على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال القاضي عياض : " فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده ، وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده "
وقول عائشة : " أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله " إما أن يكون في أمور الدنيا لا في أمور الدين والرسالة ، وقياس أمور الوحي والرسالة على أمور الدنيا قياس مع الفارق ، فإنه بالنسبة لأمور الدين معصوم من الخطأ والتغير والتبدل لا يخالف في ذلك أحدٌ ، فللرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتباران : اعتبار كونه بشرًا ، واعتبار كونه رسولاً ، فبالاعتبار الأول يجوز عليه ما يجوز على سائر البشر ، ومنه أن يُسحر ، وبالاعتبار الثاني لا يجوز ما يخل بالرسالة لقيام الدليل العقلي والنقلي على العصمة منه .
على أنه قد قال بعضهم : إنه لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ، أن يجزم بفعله ذلك ، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت .
وإما أن يكون ذلك التخيل في أمر خاص بينته الروايات الأخرى في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، هي رواية الإمام سفيان بن عيينة التي رواها عنه اثنان من كبار شيوخ البخاري الأول شيخه المُسْنَدي ، والثاني شيخه الإمام الحميدي ، وفيها تقول عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سحر حتى كان يُرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهنَّ ، قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك " .(10/495)
فهذه الرواية تبين ما في الرواية الأولى من إجمال ، وما هو هذا الشيء الذي كان يخيل إليه أنه فعله ولم يفعله ؟ ، قال القاضي عياض رحمه الله : " يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود " .
وسواء قلنا بهذا أو بذاك فليس في الحديث أبداً ما يخل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالتبليغ والرسالة ، ولذلك قال الإمام المازري رحمه الله : " أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث - يريد حديث السحر - وزعموا أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك باطل ، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرَّعوه من الشرائع ، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ ، وأنه يوحى إليه ولم يوح إليه بشيء ، وهذا كله مردود ، لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعتري البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يُخَيَّل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين " ، قال : " وقد قال بعض الناس : إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن ، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان ، وهو في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة " أهـ .
ثم ما رأي المنكرين للحديث فيما ثبت في القرآن الكريم منسوباً إلى نبي الله موسى عليه السلام من أنه تخيل في حبال السحرة وعصيهم أنها حيات تسعى ، فهل ينكرون القرآن القطعي المتواتر ؟! وهل تخيله هذا أخل بمنصب الرسالة والتبليغ ؟! وإذا كان لا مناص لهم من التسليم بما جاء به القرآن الكريم ، فلم اعتبروا التخيل في حديث السحر منافيًا للعصمة ؟! ولم يعتبروه في قصة موسى عليه السلام منافيًا للعصمة ؟! .
لقد شاء الله سبحانه - وله الحكمة البالغة - أن يبتلي أنبياءه بشتى أنواع البلاء ليعلم الناس أنهم بشر مثلهم ، فلا يرفعوهم إلى درجة الألوهية ، وليزداد ثواب الأنبياء ، وتعظم منازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى بما يلاقونه ويتحملونه في سبيل تبليغ رسالات الله ، وللإمام ابن القيم كلام حول هذا الموضوع نرى أن نختم به حديثنا ، حيث قال رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على سِحر النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث ، مُتَلقَّى بالقبول بينهم لا يختلفون في صحته ، وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم ، وأنكروه أشد الإنكار ، وقابلوه بالتكذيب ، وصنف فيه بعضهم مصنفًا منفردًا حمل فيه على هشام - يعني ابن عروة بن الزبير - ، وكان غاية ما أحسن القول فيه أن قال : غلط واشتبه عليه الأمر ، ولم يكن من هذا شيء ، قال : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يُسْحَر ، فإنه تصديق لقول الكفار : {إن تتبعون إلا رجلا مسحورا }( الإسراء 47 ، الفرقان 8) .... قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يُسحروا ، فإن ذلك ينافي حماية الله لهم ، وعصمتهم من الشياطين .
قال : وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ، فإن هشامًا من أوثق الناس وأعلمهم ، ولم يقدح فيه أحدٌ من الأئمة بما يوجب رد حديثه فما للمتكلمين وما لهذا الشأن ؟ ، وقد رواه غير هشام عن عائشة ، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة ، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن ، والحديث ، والتاريخ ، والفقهاء ، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأيامه من المتكلمين ( ثم أخذ يذكر بعض الروايات في إثبات سحره - صلى الله عليه وسلم- ) . . . . . . إلى أن قال : والسحر الذي أصابه كان مرضًا من الأمراض عارضًا شفاه الله منه ، ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجه ما ، فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وكذلك الإغماء ، فقد أغمي عليه -- صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، ووقع حين انفكت قدمه ، وجُحِشَ شِقه ( أي انخدش ) ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعةً في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاء الأنبياء ؛ فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل والضرب والشتم والحبس ، فليس ببدع أن يبتلى النبي - صلى الله عليه وسلم- من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتلي بالذي رماه فشجه ، وابتلي بالذي ألقى على ظهره السلا وهو ساجد ، فلا نقص عليهم ولا عار في ذلك ، بل هذا من كمالهم ، وعلو درجاتهم عند الله " أهـ .
_________________
المراجع :
- دفاع عن السنة الدكتور محمد محمد أبو شهبة
حديث السحر في الميزان الدكتور سعد المرصفي
- الأنوار الكاشفة للمعلمي
===============(10/496)
شبهات حول حديث الذباب
(الشبكة الإسلامية)
من الأحاديث التي أثيرت حولها العديد من الشبهات قديماً ولا تزال حتى اليوم تثار وتردد بصيغة أو بأخرى - على الرغم من التقدم الطبي والتكنولوجي والذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك تصديقها وكونها معجزة من معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وقوع الذباب في الإناء ، مع أنها أحاديث في غاية الصحة أخرجها البخاري وغيره ، وسنقف مع هذه الأحاديث والروايات والألفاظ الواردة ، ومجمل الشبه التي أثيرت حولها ، وردود العلماء والأئمة وأجوبتهم عن ذلك كله .
روايات الحديث
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) ، وفي رواية : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ) .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه ) وفي رواية ( فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) ، وفي رواية لأبي داود : ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) .
شبهات حول الحديث
طعن أهل البدع والضلال قديماً في صحة هذا الحديث بحجة أنه مخالف للعقل والواقع ، وأثاروا حوله العديد من الشبه ، فانبرى للرد عليهم ودحض شبهاتهم أئمة الحديث وعلماؤه الذين جمعوا بين المعقول والمنقول فبينوا فساد تلك الشبه وبطلانها بالأدلة البينة والحجج الدامغة ، ومن أولئك الإمام ابن قتيبة الدينوري رحمه الله فقد ذكر في كتابه " تأويل مختلف الحديث " أنه حديث صحيح ، وأنه روي بألفاظ مختلفة ، وذكر أن الطعن في الأحاديث بغير وجه حق يعتبر انسلاخاً من الإسلام وتعطيلاً للأحاديث ، وأن دفع الأخبار والآثار مخالف لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما درج عليه الخيار من صحابته والتابعين .
ومن أولئك أيضاً الإمام الطحاوي رحمه الله في كتابه " مشكل الآثار ، والإمام الخطابي في " معالم السنن " ونقله عنه الحافظ في الفتح ، والإمام ابن القيم في " زاد المعاد " وغيرهم ، وجاء بعض المعاصرين فطعنوا في هذا الحديث كما طعن فيه أسلافهم من أهل الابتداع قبلهم ، وزادوا شبهاً من عند أنفسهم أنتجتها عقولهم السقيمة التي جهلت حرمة النصوص ، وأساءت فهمها ، فسارعت إلى إنكارها والطعن فيها كما هو منهجها مع كل نص لا يتماشى مع أهوائهم وعقولهم ، ويمكن تلخيص شبهاتهم حول الحديث في جملة أمور :
الأول : أن إخراج البخاري للحديث لا يمنع من التماس علة في رجاله تمنع من صحته ، وهذه العلة - كما زعموا - هي كونه من رواية أبي هريرة وقد ردوا له أحاديث كثيرة ، وكذلك انفراد ابن حنين به ، وقد تكلم فيه من وجوه عدة .
الثاني : أنه حديث آحاد يفيد الظن ، فلا إشكال في رده ، وهو غريب عن التشريع لأنه ينافي قاعدة تحريم الضار ، واجتناب النجاسة ، وغريب عن الرأي لأنه يفرق بين جناحي الذباب ، فيدعي أن أحدهما به سم ضار ، والآخر ترياق نافع .
الثالث : أن العلم يثبت بطلانه لأنه يقطع بمضار الذباب .
الرابع : أن موضوع متنه ليس من عقائد الإسلام ولا من عباداته ، ولا من شرائعه ، ولا التزم المسلمون العمل به ، بل لم يعمل به أحد منهم لأنه لا دخل له في التشريع ، وإنما هو في أمور الدنيا كحديث " تأبير النخل " ، وبالتالي من ارتاب فيه لم يضع من دينه شيئاً.
الخامس: أن تصحيحه من المطاعن التي تنفر عن الإسلام ، وتكون سبباً في ردة بعض ضعاف الإيمان ، كما أنه يفتح على الدين شبهة يستغلها الأعداء .
ادعاء أن الحديث معلول :
أما ما يتعلق بالشبهة الأولى فإن البخاري رحمه الله لم ينفرد بإخراج هذا الحديث ، كما أن أبا هريرة لم ينفرد بروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك عبيد ابن حنين لم ينفرد بروايته عن أبي هريرة .
فالحديث أخرجه البخاري و أبو داود و ابن ماجه ، و الدارمي و البيهقي ، و ابن خزيمة ، و أحمد ، و ابن حبان ، و البغوي و ابن الجارود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وأخرجه النسائي ، و ابن ماجه ، و البيهقي ، و أحمد ، و ابن حبان ، و البغوي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
كما أخرجه البزار و الطبراني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
ورواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين ، وهم عبيد بن حنين ، و سعيد المقبري ، و ثمامة بن عبد الله بن أنس ، و أبو صالح ، و محمد بن سيرين .
ولو لم يرد هذا الحديث إلا في صحيح البخاري ، لكان ذلك كافياً للحكم عليه بالصحة لما علم من إجماع الأمة على تلقي أحاديثه بالقبول ، ولم يستدرك هذا الحديث على البخاري أحد من أئمة الحديث ، ولم يقدح في سنده أي منهم ، بل هو عندهم مما جاء على شرط البخاري في أعلى درجات الصحة .(10/497)
وحتى لو تفرد به أبو هريرة لما كان لطعنهم فيه من سبيل وحجة ، لما ثبت من حجيته وجلالته وحفظه ، ويمكن مراجعة ما كُتب حول هذا الصحابي الجليل في موضوع سابق بعنوان ( أبو هريرة الصحابي المفترى عليه ) .
وأما عبيد بن حنين فهو ثقة لا مطعن فيه ، ولم يذكره الحافظ في مقدمة الفتح فيمن تُكُلِّم فيهم من رجال البخاري ، وحتى لو فرض أنه تفرد برواية الحديث عن أبي هريرة لقبل تفرده لأن تفرد مثله لا يقدح في صحة الحديث .
وأما كونه من أخبار الآحاد ، فإن الأدلة شاهدة من كتاب الله ، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال السلف ، بل وإجماعهم - كما نقله غير واحد كالشافعي و النووي و الآمدي وغيرهم - على الاحتجاج بحديث الآحاد ، وقبول الاستدلال به في العقائد والعبادات على حد سواء ، وهي أدلة كثيرة لا تحصى ، وليس هذا مجال سردها ، وقد سبق الكلام عنها في مواضيع مستقلة بعنوان ( حجية خبر الآحاد ، والشبهات حوله ) ( حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام ) يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليها ، ففيها الكلام مستوفى .
غرابته عن الرأي والتشريع
وأما الادعاء بأنه غريب عن التشريع لأنه ينافي قاعدة تحريم الضار واجتناب النجاسة ، فيرده بأن الحديث لم ينف ضرر الذباب بل أثبت ذلك حيث ذكر أن في أحد جناحيه داء ، ولكنه زاد ببيان أن في الآخر شفاء ، وأن ذلك الضرر يزول إذا غمس الذباب كله .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ( 4/112) : " واعلم أن في الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم ، والحكة العارضة عن لسعه ، وهي بمنزلة السلاح ، فإذا سقط فيما يؤذيه ، اتقاه بسلاحه ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه في جناحه الآخر من الشفاء ، فيغمس كله في الماء والطعام ، فيقابل المادة السمية المادة النافعة ، فيزول ضررها ، وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم ، بل هو خارج من مشكاة النبوة ، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج ، ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق ، وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوة البشرية " .
والقول بنجاسة الذباب لا دليل عليه ، لأنه لا ملازمة بين الضرر والنجاسة ، ولذا كان هذا الحديث من أدلة العلماء على أن الماء القليل لا ينجس بموت ما لا نفس له سائلة فيه ، فالحديث لم يفَصِّل بين موت الذباب وحياته عند غمسه .
قال الإمام الخطابي رحمه الله في معالم السنن (5/340- 341) : " فيه من الفقه أن أجسام الحيوان طاهرة إلا ما دلت عليه السنة من الكلب وما ألحق به ، وفيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء القليل لم ينجسه ، وذلك أن غمس الذباب في الإناء قد يأتي عليه ، فلو كان نجسه إذا مات فيه لم يأمر بذلك ، لما فيه من تنجس الطعام وتضييع المال ، وهذا قول عامة العلماء " .أهـ .
وقال ابن القيم في زاد المعاد 4/111- 112: " هذا الحديث فيه أمران : أمر فقهي ، وأمر طبي ، فأما الفقهي ، فهو دليل ظاهر الدلالة جداً على أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع ، فإنه لا ينجسه ، وهذا قول جمهور العلماء ، ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك . ووجه الاستدلال به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمقله ، وهو غمسه في الطعام ، ومعلوم أنه يموت من ذلك ، ولا سيما إذا كان الطعام حاراً . فلو كان ينجسه لكان أمرا بإفساد الطعام ، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بإصلاحه ، ثم عدى هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة ، كالنحلة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك ، إذ الحكم يعم بعموم علته ، وينتفي لانتفاء سببه ، فلما كان سبب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته ، وكان ذلك مفقودا فيما لا دم له سائل انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته " أهـ .
أما الادعاء بأنه غريب عن الرأي لأنه يفرق بين جناحي الذباب فيدعي أن أحدهما يحمل سماً والآخر شفاء ، فهو قول مناهض للحديث ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو الذي فرق بينهما ، كما أن هذا الادعاء مخالف للواقع الذي يجوز اجتماع كثير من المتضادات في الجسم الواحد كما هو مشاهد معروف .
ولو رجع أحدهم إلى أجوبة العلماء المتقدمين عن ذلك لوجد الجواب الشافي ، قال الخطابي معالم السنن ( 5/341- 342) : " وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له ، وقال : كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة وكيف تعلم ذلك حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أربها إلى ذلك ؟.(10/498)
قلت : وهذا سؤال جاهل أو متجاهل ، وإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ، ثم يرى الله عز وجل قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع ، وجعلها سببا لبقاء الحيوان وصلاحه ، لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جزأين من حيوان واحد ، وأن الذي ألهم النحل أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه ، وألهم النملة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة ، وجعل لها الهداية أن تقدم جناحاً وتؤخر آخر ، لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد ، والامتحان الذي هو مضمار التكليف ، وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذكر إلا أولوا الألباب " أهـ .
وقال ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " ( 230- 231) : " فما ينكر من أن يكون في الذباب سم وشفاء ، إذا نحن تركنا طريق الديانة ورجعنا إلى الفلسفة ؟ وهل الذباب في ذلك إلا بمنزلة الحية ؟ فإن الأطباء يذكرون أن لحمها شفاء من سمها إذا عمل منه الترياق الأكبر ، ونافع من لدغ العقارب وعض الكلاب الكلبة .... إلخ ، وكذلك قالوا في العقرب : إنها إذا شق بطنها ، ثم شدت على موضع اللسعة نفعت ....إلخ ، والأطباء القدماء يزعمون أن الذباب إذا ألقي في الإثمد وسحق معه ثم اكتحل به زاد ذلك في نور البصر ، وشد مراكز الشعر من الأجفان في حافات الجفون ... وقالوا في الذباب : إذا شدخ ووضع على موضع لسعة العقرب سكن الوجع ، وقالوا من عضه الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من سقوط الذباب عليه لئلا يقتله وهذا يدل على طبيعة فيه شفاء أو سم " أهـ .
والمهم من إيراد هذا الكلام أن اجتماع المتضادات في الجسم الواحد ليس بمستغرب شرعاً ولا حساً ولا واقعاً .
هل أثبت العلم بطلانه؟
وأما أن العلم يثبت بطلان الحديث لأنه يقطع بمضار الذباب ، فإن الحديث كما سبق لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة .
وهل علماء الطب وغيرهم أحاطوا بكل شيء علماً حتى يصبح قولهم هو الفصل الذي لا يجوز مخالفته ، بل هم معترفون بأنهم عاجزون عن الإحاطة بكثير من الأمور ، وهنالك الكثير من النظريات التي كانت تؤخذ إلى عهد قريب على أنها مسلمات تبين بطلانها وخطؤها فيما بعد ، بينما الذي نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحي من عند الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ، وأي إشكال في أن يكون الله تعالى قد أطلع رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أمر لم يصل إليه علم الأطباء بعد ؟ وهو سبحانه خالق الحياة والأحياء { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }( الملك 14) ، فلماذا لا يكون ما يحمله الذباب على جناحه من شفاء مما خفي علمه عن الأطباء اليوم ؟.
ومن قال بأن عجلة الطب قد توقفت بما لا مزيد عليه ، ولا يزال الأطباء يطلون على العالم في كل يوم باكتشافات جديدة ، وعلاجات لأمراض كانت إلى عهد قريب مستعصية ، وأدوية وعقاقير لم تكن معروفة من قبل .
وهل يتوقف إيماننا بصدق كل حديث ورد فيه أمر طبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يكشف لنا الأطباء بتجاربهم صدقه أو بطلانه ؟ فأين إيماننا بالغيب إذاً ، وأين إيماننا بصدق نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووحي الله إليه ؟!.
إن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برهان قائم بنفسه لا يحتاج إلى دعم خارج عنه ، والذي يجب على الأطباء وغيرهم من عامة الناس هو التسليم بما جاء فيه وتصديقه ، فإن هذا هو مقتضى الإسلام والإيمان بغض النظر عن موقف الطب منه ما دام ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
هذا كله يقال على فرض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث ولم يؤيد ما جاء به ، مع أن الواقع خلاف ذلك فقد وجد من الأطباء المعاصرين - لا نقول المسلمين منهم بل حتى الغربيين - من أيد مضمون ما جاء به الحديث من الناحية الطبية ، وأنه من معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهنالك العشرات من البحوث والمقالات في هذا الجانب .
ولسنا بصدد ذكر الأبحاث العلمية التي تفسر الحديث وجوانب الإعجاز فيه ، والخوض في تفصيلات ذلك ، فهذا له موضع آخر ، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك عند الكلام على الإعجاز في الحديث النبوي في موضوع خاص بعنوان ( حديث الذباب ) ، وكل هذه الأبحاث تؤكد بل تجزم بعدم وجود أي تعارض بين الحديث وبين المكتشفات الطبية الحديثة .
لا دخل له في التشريع(10/499)
أما الزعم بأنه ليس من عقائد الإسلام ولا من عباداته ، ولا دخل له في التشريع ، وإنما هو من أمور الدنيا التي يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها الخطأ ، كحديث " تأبير النخل " ، فالغرض منه تحقير الحديث والتهوين من أمره وتنفير الناس عنه ، وبالتالي فإن من ردَّه أو ارتاب فيه لم يؤثر ذلك على دينه في شيء ، وهو أمر في غاية الخطورة والتلبيس ، لأن أمور الدنيا منها ما هو خاضع لأحكام الشرع ، فهي داخلة تحت الأمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنهي عن مخالفته ، وأمره - صلى الله عليه وسلم - قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً ، وقياس حديث الذباب وغيره من أحاديث الطب النبوي على أحاديث تأبير النخل قياس غير صحيح لأن معظم أحاديث الطب إن لم تكن كلها ساقها النبي - صلى الله عليه وسلم - مساق القطع واليقين مما يدل على أنها بوحي من الله سبحانه وداخلة في التشريع ، فقال في حديث الذباب : ( فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء ) فأتى بـ ( إن ) المفيدة للتأكيد ، بخلاف أحاديث تأبير النخل التي ساقها عليه الصلاة والسلام مساق الرجاء والظن لأنها في أمور الدنيا ومعايشها فقال : ( لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا ) وفي رواية ( ما أظن يغني ذلك شيئا ) وفرق كبير بين الأسلوبين ، ولذلك قال الإمام النووي عند شرحه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث تأبير النخل : ( وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر ) : " قال العلماء : قوله - صلى الله عليه وسلم - ( من رأي ) أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع ، فأما ما قاله باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ورآه شرعاً يجب العمل به ، وليس أبار النخل من هذا النوع بل من النوع المذكور قبله " أهـ.
فما وقع في حديث التأبير كان ظناً منه - صلى الله عليه وسلم - وهو صادق في ظنه وخطأ الظن ليس كذباً ، وقد رجع عن ظنه الذي ظنه في قوله : ( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ) بخلاف ما جاء في حديث الذباب ، فإنه أخبر بأن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء وهذا لا يكون إلا بوحي من الله تعالى ، وهو أمر لا يحتمل خلاف ما أخبر به ، ثم أمر بغمس الذباب ، بناء على العلة السابقة ، ولم يأت ما ينقض هذا الأمر ولا ذاك فوجب التسليم والإذعان وعدم الإنكار .
وادعاء أن المسلمين لم يلتزموا به ، ولم يعمل به أحد منهم ، ادعاء كاذب يخالفه ما ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ، فقد ذكر الحافظ في الفتح أن عبد الله بن المثنى روى عن عمه ثمامة أنه حدثه قال : " كنا عند أنس فوقع ذباب في إناء ، فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الإناء ثلاثاً ثم قال : بسم الله ، وقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يفعلوا ذلك " .
وروى أحمد من طريق سعيد بن خالد قال : " دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد وكتلة ، فأسقط ذباب في الطعام ، فجعل أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه ، فقلت : يا خال ! ما تصنع ؟ فقال : إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فأمقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) ، فأنس صحابي و أبو سلمة تابعي ، وقد عملا بمضمون هذا الحديث ، فكيف يزعم بأن أحداً من المسلمين لم يعمل به ؟ .
في تصحيح الحديث تنفير للناس عن الإسلام
وأما القول بأن تصحيح الحديث من المطاعن التي تنفر عن الإسلام ، وتكون سبباً في ردة بعض ضعاف الإيمان ، وأنه يفتح على الدين ثغرة يستغلها الأعداء للاستخفاف بالدين والمتدينين ، فهو قول يحمل في طياته استدراكاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أحرص الناس على الدين ، وأنصح الخلق للخلق ، وأكثر العباد خشية وتقوى لله ، وهو الذي حمى جناب الإسلام ، وسد كل منافذ الطعن والقدح فيه ، وكان أحرص الناس على هداية الخلق وإبلاغهم رسالة الله ، وشريعة الله تعالى ليس فيها ما ينفر ، لأنها شريعة تقبلها القلوب السليمة ، وتقتنع بها العقول الصحيحة .
فما هو وجه التنفير في الحديث ؟ وما هي الثغرة التي يفتحها على الدين حتى يستغلها أعداء الإسلام ؟ هل لأنه لا يتماشى مع أذواقنا وأمزجتنا ؟ وهل سيقف الأعداء فيما يثيرونه حول الإسلام عند حديث الذباب وسيكتفون بذلك ، ونحن نراهم يثيرون الشكوك والشبه في أمور لا تخفى على أحد ، بل حتى القرآن الذي نقل بالتواتر جيلاً بعد جيل لم تسلم نصوصه وأحكامه من شبههم وتشكيكهم ، فهل إذا رددنا حديث الذباب بل ورددنا السنة كلها ، سكيف عنا ذلك شرهم ويستجيبون لديننا ويلتزمون بشريعتنا .
لماذا هذا التنازل وهذه الانهزامية ؟ وهذه الروح الهزيلة ، التي تنطلق من موقف الضعيف الخائف مما عنده ، ما دمنا موقنين بأن ما عند الله حق ، وماجاءنا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - صدق ، وما يقذف به أعداء الإسلام شبه باطلة داحضة لا أساس لها من الصحة .(10/500)
ثم إن الأمر بغمس الذباب في الإناء أو الطعام الذي وقع فيه ، إنما هو للإرشاد والتعليم وليس على سبيل الوجوب ، وليس في الحديث أبداً أمر بالشرب من الشراب ، ولا أمر بالأكل من الطعام بعد الغمس والإخراج ، بل هذا متروك لنفس كل إنسان فمن أراد أن يأكل منه أو يشرب فله ذلك ، ومن عافت نفسه ذلك فلا حرج عليه ، ولا يؤثر ذلك على دينه وإيمانه مادام مصدقاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والشيء قد يكون حلالاً ولكن تعافه النفس كالضب مثلاً ، فقد كان أكله حلالاً ومع ذلك عافته نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يأكل منه لأنه لم يكن بديار قومه .
والعلماء والمحدثون حين يصححون الحديث رواية ومعنىً لا يعنون عدم حض الناس على مقاومة الذباب وتطهير البيوت والطرقات ، وعدم حماية طعامهم وشرابهم منه ، كلا فالإسلام دين النظافة ودين الوقاية ، وقد جاء الإسلام بالطب الوقائي كما جاء بالطب العلاجي ، وسبق إلى كثير من المكتشفات في هذا الجانب لم يُتَوصل إليها إلا في العصور الحديثة ، ثم ماذا يقول هؤلاء بعد أن جاء العلم بتأييد هذه الأحاديث من الناحية الطبية ، فكشف عما ينطوي عليه من أسرار اعتبرها المنصفون والعقلاء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخيراً وبعد هذا التطواف لعل القارئ الكريم قد ازداد يقيناً بصحة هذا الحديث رواية ودراية ، واطمأن إلى أن الإذعان والقبول لما صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو اللائق بالمؤمن ، وأنه في كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البشرية يظهر الله من الآيات النفسية والكونية ما يدل على أن الكتاب حق من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وصدق الله حيث يقول : {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد }( فصلت 53) .
_________________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية الأمين الصادق الأمين .
- دفاع عن السنة أبو شهبة .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
===================
الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام
الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام (1-2)
(الشبكة الإسلامية)
لا يزال مسلسل الكيد للسنة ورجالها مستمراً ، في مخطط يستهدف دين الإسلام واجتثاث أصوله ، وتقويض بنيانه ، فقد رأينا في مواضيع سابقة جزءاً من الحملات التي تعرضت لها السنة ورجالها بدءاً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتشكيك في عدالتهم وديانتهم ، والطعن فيمن عرف بكثرة الرواية منهم ، ومروراً بكبار أئمة التابعين الذين كان لهم دور مشهود في تدوين الحديث ونشر السنة كالإمام الزهري وغيره .
وما أن فرغ خصوم السنة من ذلك حتى بدؤوا جولة جديدة ، كان الهدف فيها هذه المرة أعظم أصول الإسلام بعد القرآن ، فصوبوا سهامهم نحو الصحيحين ومؤلفيهما ، واتخذوهما غرضاً لحملاتهم وشبهاتهم ، لأن في النيل منهما نيلاً من الإسلام ، ولأن إسقاط الثقة بهما هو في الحقيقة إسقاط للثقة بجملة كبيرة من أحكام الشريعة التي إنما ثبتت بتصحيح هذين الإمامين الجليلين وتلقي الأمة لها بالقبول ، فإذا نجحوا في العصف بهما ، فقد أصابوا الإسلام في مقتل يصعب بعده استمرار الحياة ، ولذلك جعلوا من أهم أهدافهم وأولى أولياتهم إسقاط الثقة بأحاديث الصحيحين ورواتهما بشتى الوسائل ، لتنهار بعد ذلك صروح السنة في غيرهما من الكتب والمصنفات الأخرى ، وقد صرح بذلك بعضهم قائلاً : " ونخصّ الصحيحين بالبحث ، لأنّه إذا سقط ما قيل في حقّهما سقط ما قيل في حق غيرهما بالأولوية " .
وسنعرض لأهم ما أثير حول الصحيحين من شبهات ، وليس المقصود استيفاء كل الشبه الواردة وتفنيدها فهو أمر يحتاج إلى دراسة خاصة لا يتسع لها المقام ، ولكن حسبنا أن نشير إلى أهم الأمور البارزة التي ركز عليها هؤلاء ، سواء ممن ينتسب إلى الإسلام ويحسب على السنة أو ممن ينتسب إلى الفرق الضالة التي لها موقف معروف أصلاً من أحاديث الصحيحين لأنها لا تتفق مع أهوائهم وانحرافاتهم .
فقد ذكروا جملة من الشبه توهن من قوة الصحيحين بزعمهم ، وتثير الريبة في أحاديثهما ، وتحطم الهالة التي نسجت حولهما - كما يقولون - .
انتقاد أحاديث ورجال الصحيحين
ومن ذلك أن الصحيحين قد تعرضا للنقد من قبل الأئمة وأن فيهما أحاديث لا تصح وبعضها أمارة الوضع بادية عليه ، أضف إلى ذلك التناقض والتعارض بين بعض أحاديث الصحيحين مما يصعب معه الجمع بينها ، إضافة إلى أن ثمة عدد هائل من رجالهما قد تكلم فيهم بتضعيف أو تجريح ، كما أنهما قد أخرجا أحاديث أناس من أهل البدع لم يسلموا من طعن في عقيدتهم .(11/1)
يقول " محمود أبو رية " : " إنهم - أي العلماء - أعلوا أحاديث كثيرة مما رواه البخاري و مسلم ، وكذلك نجد في شرح ابن حجر للبخاري و النووي لمسلم استشكالات كثيرة ، وألف عليهما مستخرجات متعددة ، فإذا كان البخاري و مسلم - وهما الصحيحان - كما يسمونها - يحملان كل هذه العلل والانتقادات وقيل فيهما هذا الكلام - دع ما وراء ذلك من تسرب الإسرائيليات إليهما ، وخطأ النقل بالمعنى ، وغير ذلك في روايتهما - فترى ماذا يكون الأمر في غير البخاري و مسلم من كتب الأحاديث " ( أضواء على السنة المحمدية 273- 285) .
ويقول " محمد رشيد رضا " بعد أن عرض الأحاديث المنتقدة على البخاري : " وإذا قرأت ما قاله الحافظ ابن حجر - فيها رأيتها كلها في فن الصناعة ، ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه " فتح الباري " ، رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها ، أو تعارضها مع غيرها - أكثر مما صرح به الحافظ نفسه - مع محاولة - من الحافظ - الجمع بين المختلفات ، وحل المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض " .
وقال : " ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة ، بالمعنى الذي عرفوا به الموضوع في علم الرواية ممنوعة ، لا يسهل على أحد إثباتها ، ولكنه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع ..... وإنّ في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه ....
فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من أصول الدين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه ، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية ، الاطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه - وعلمتم أيضاً أنّ المسلم لا يمكن أن ينكر حديثاً من هذه الأحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده على عدم صحّته متناً أو سنداً ، فالعلماء الّذين أنكروا صحّة بعض هذه الأحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم ، قد يكون بعضها صواباً وبعضها خطأً ، ولا يعدُّ أحدهم طاعناً في دين الإسلام " ( تفسير المنار 10/580) .
وأما " أحمد أمين " فيقول : " إن بعض الرجال الذين روى لهم البخاري غير ثقات ، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين ، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل - لأن بعض من ضعف من الرواة لا شك أنه كذاب ، فلا يمكن الاعتماد على قوله ، والبعض الآخر منهم مجهول الحال ، ومن هذا حاله فيشكل الأخذ عنه . . . ومن هؤلاء الأشخاص الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال عكرمة مولى ابن عباس ويذكر " أحمد أمين "شواهد تاريخية لإثبات كون عكرمة كذاباً ثم يقول : فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في صحيحه كثيرا . . . . و مسلم ترجح عنده كذبه ، فلم يرو له إلا حديثاً واحداً في الحج ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث آخر " ( ضحى الإسلام 2/117 ) .
وقبل الشروع في مناقشة هذه المزاعم ينبغي أن يعلم بادئ ذي بدء أن الأمة قد أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول علماً وعملاً ، وقد نقل الاتفاق وإجماع الأمة على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الإمام أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته في علوم الحديث ، والإمام النووي وغيرهم ، يقول النووي رحمه الله : " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري و مسلم ، وتلقتهما الأمة بالقبول ، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة " ( شرح مسلم 1/14) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخارى و مسلم بعد القرآن " (الفتاوى 18/74) ، ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : " وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، وهما اللذان لا مطعن في صحة حديث من أحاديثهما عند العارفين من أهل العلم " ( مشكلات الأحاديث 158) ، ومن هنا فإن كل من هون من أمرهما ، وغض من شأنهما فقد خالف سبيل المؤمنين ، وسلك سبيل أهل البدع والأهواء .
ونحن لا ننكر أن بعض أحاديث الصحيحين كانت محل انتقاد من قبل بعض المحدثين والحفاظ كالدارقطني وغيره ، ولكن ما هي طبيعة هذا الانتقاد ؟ ، وهل يصح أن يجعل من هذا الانتقاد ذريعة للطعن في أحاديثهما جملة ، وإهدار قيمتهما العلمية والشرعية كما أراد المغرضون ؟! .
لقد تعرض العلماء منذ أمد بعيد لهذه الانتقادات وأماطوا اللثام عنها ، وبينوا أنها لا تقدح أبداً في أصل موضوع الكتاب ، فهذا النقد لم يكن من قبل الطعن فيها بالضعف وعدم الصحة ، وإنما كان من قبل أنها لم تبلغ الدرجة العليا التي اشترطها صاحبا الصحيح والتزمها كل واحد منهم في كتابه ، كما يقول الإمام : النووي رحمه الله : " قد استدرك جماعة على البخارى و مسلم أحاديث أخلاَّ بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه " أهـ ( شرح مسلم 1/27) .(11/2)
وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيه ، ومردُّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في التوثيق والتجريح شأنها شأن المسائل الاجتهادية الأخرى ، وليس بالضرورة أن يكون الصواب فيها مع الناقد بل قد يكون الصواب فيها مع صاحب الصحيح ، يظهر ذلك من خلال سبر الأحاديث المتكلم فيها ، ونقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة العلم.
والعلماء الذين نقلوا إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول استثنوا هذه الأحاديث المنتقدة لأن هذه المواضع مما حصل التنازع فيه ، ولذا لم يحصل لها من التلقي والقبول ما حصل لبقية الكتاب قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته : " وأجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره " . وقال في مقدمة شرح مسلم له - كما نقله عنه الحافظ ابن حجر - :" ما أخذ عليهما يعني على البخاري و مسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ ، فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " ( هدي الساري 505) .
فجَعْلُ انتقاد بعض الأحاديث في الصحيحين - لكونهما أخلا بشرطهما فيها في نظر الناقد مع كونها صحيحة ، وقد يكون الصواب معهما - مبرراً كافياً للتشكيك فيهما ، ورد أحاديثهما جملة ليس مسلك المنصفين ، وإنما مبناه الهوى والتعصب .
وقد كفانا أئمة الإسلام وحفاظ الأمة الذين اشتغلوا بالصحيحين ، وأفنوا فيهما أعمارهم بحثاً وشرحاً وتدريساً وتتبعاً وسبراً لأحاديثهما - مؤونة الرد على هذه الشبهة ودحضها .
فقد ذكر الإمام الحافظ ابن حجر - في مقدمة الفتح - أن عدد ما انتقد عليهما من الأحاديث المسندة مائتا حديث وعشرة ، اشتركا في اثنين وثلاثين حديثاً ، واختص البخاري بثمانية وسبعين و مسلم بمائة ، وهذه الأحاديث المنتقدة إن كانت مذكورة على سبيل الاستئناس والتقوية ، كالمعلقات والمتابعات والشواهد ، أجيب عن الاعتراض عليهما بأنها ليست من موضوع الكتابين ، فإن موضوعهما المسند المتصل ، ولهذا لم يتعرض الدارقطني في نقده على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر ، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتابين ، وإنما ذكرت استئناساً واستشهاداً ، وإن كانت من الأحاديث المسندة ، فإما أن يكون النقد مبنياً على قواعد ضعيفة لبعض المحدثين خالفهم فيها غيرهم فلا يقبل لضعف مبناه ، وإما أن يكون مبنياً على قواعد قوية فحينئذ يكون قد تعارض تصحيحهما أو تصحيح أحدهما مع كلام المعترض ، ولا ريب في تقدمهما في باب التصحيح والتضعيف على غيرهما من أئمة هذا الفن ، فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث ، وعنه أخذ البخاري ذلك ، ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول : " ما رأى مثل نفسه " ، وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري ، وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعاً ، وقال مسلم : عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته ، فإذا عرف ذلك تبين أنهما لا يخرّجان من الحديث إلا ما لا علة له ، أو له علة غير مؤثرة عندهما ، وهذا هو الجواب الإجمالي .
وأما الجواب التفصيلي فقد قسَّم الحافظ الأحاديث المنتقدة إلى ستة أقسام ، تكلم عليها ثم أجاب عنها حديثاً حديثاً :
القسم الأول : ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإِسناد ، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة ، وعلله الناقد بالطريق الناقصة ، فهو تعليل مردود ، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر ، لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه ، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع ، والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح، ومن أمثلة ذلك : ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين ، قال الدارقطني في انتقاده : قد خالف منصور ، فقال عن مجاهد عن ابن عباس ، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس ، قال وحديث الأعمش أصح ، وهذا في التحقيق ليس بعلة ، فإن مجاهداًً لم يوصف بالتدليس ، وقد صح سماعه من ابن عباس ،و منصور عندهم أتقن من الأعمش ، و الأعمش أيضاً مِن الحفاظ ، فالحديث كيفما دار دار على ثقة ، والإِسناد كيفما دار كان متصلاً ، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا .(11/3)
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة ، وعلله الناقد بالمزيدة ، تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ، فيُنْظر : إن كان الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكاً بيناً ، أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى ، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك ، وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهراً ، فمحصل الجواب أنه إنما أخرج مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد ، وحفته قرينة في الجملة تقويه ، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع ، مثاله : ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة ، أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - قال لها : ( إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ) الحديث ، قال الدارقطني : هذا منقطع ، وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ، ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك ، قال الحافظ : حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان ، وقد وقع في رواية الأصيلي عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصلاًً ، وعليها اعتمد المزّي في الأطراف ، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب ، قال أبو علي الجياني : وهو الصحيح ، وكذا أخرجه الإِسماعيلي بإسقاطها من حديث عبدة بن سليمان ، و محاضر و حسان بن إبراهيم ، كلهم عن هشام وهو المحفوظ من حديثه .
وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ، ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها ، حاكياً للخلاف فيه على عروة كعادته ، مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمستبعد .
وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع ، لكونها مروية بالمكاتبة والإِجازة ، وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك ، بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده .
القسم الثاني : ما يختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإِسناد ، والجواب عنه : أنه إن أمكن الجمع ، بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما ، حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد ، أو متفاوتين ، فيخرج الطريقة الراجحة ، ويعرض عن المرجوحة ، أو يشير إليها .
فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح ، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف .
القسم الثالث : ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه ، أو أضبط ، وهذا لا يؤثر التعليل به ، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، وإلا فهي كالحديث المستقل .
القسم الرابع : ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف ، وليس في الصحيح من هذا القبيل غير حديثين تبين أن كلاً منهما قد توبع :
أحدهما : حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه : " أن عمر استعمل مولى له يدعي هنياً على الحمى " الحديثَ بطوله ، قال الدارقطني : إسماعيل ضعيف ، قال الحافظ : ولم ينفرد به ، بل تابعه معن بن عيسى عن مالك ، ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره ، وقال أحمد و ابن معين في رواية : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وإن كان مغفلاً ، وقد صح أن أخرج البخاري أصوله ، وأذن له أن ينتقي منها ، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه ، لأنه كتب من أصوله ، وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري .
ثانيهما : حديث أبيّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده ، قال : " كان للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - فرس يقال له اللحيف " ، قال الدارقطني : " أبيّ ضعيف " ، قال الحافظ ابن حجر : تابعه عليه أخوه عبد المهيمن .
القسم الخامس : ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم ، فمنه ما لا يؤثر قدحاً ، ومنه ما يؤثر .
السادس : ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن ، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح ، لإِمكان الجمع أو الترجيح .
ثم أخذ يجيب عن الأحاديث المنتقدة حديثاً حديثاً بما يرد عنها كل انتقاد ، ويبين أن الصواب فيها مع المصنف لا مع المنتقد ، ثم قال رحمه الله : " هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد ، المطلعون على خفايا الطرق ، وليست كلها قادحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر ، والقدح فيه مندفع ، وبعضها الجواب عنه محتمل ، واليسير منه في الجواب عنه تعسف ، كما شرحته مجملاً في أول الفصل ، وأوضحته مبيناً أثر كل حديث منها ، فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه ، وجل تصنيفه في عينه ، وعذر أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم ، وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم ، وليس سواء من يدفع بالصدر فلا يأمن دعوى العصبية ، ومن يدفع بيد الإنصاف على القواعد المرضية ، والضوابط المرعية .
وأما الإرجاف والتهويل بأن الحفاظ قد ضعفوا من رجال البخاري نحواً ثمانين " ، وبعضهم كذاب وبعضهم مجهول الحال ، والتمثيل لذلك بعكرمة مولى ابن عباس .(11/4)
فلربما استهول القارئ غير المطلع هذا الكلام ، مع أنه لو تدبر حال أولئك الثمانين واستقرأ ما أخرجه البخاري لهم لاتضح له أن الأمر أهون مما أراد أن يصوره هؤلاء .
فقد بين الحافظ في ( مقدمة الفتح 548) أنه من الأمور المعلومة عند أئمة هذا الشأن أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو يقتضي عدالته عنده ، وصحة ضبطه وعدم غفلته ، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ، هذا إذا خرج له في الأصول ، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق ، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره ، مع حصول اسم الصدق لهم ، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً ، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام ، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي ، وفي ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه ، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح ، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة ، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه " ، فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة .
ثم بين أن مدار أسباب الجرح على خمسة أشياء : البدعة ، أو المخالفة ، أو الغلط ، أو جهالة الحال ، أو دعوى الانقطاع في السند ، بأن يدعى في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل .
فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح ، لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفا بالعدالة ، فمن زعم أن أحداً منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف ، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته ، لما مع المثبت من زيادة العلم ، ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلا .
وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل ، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له : إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمَد أصلُ الحديث لا خصوص هذه الطريق ، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله ، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء ، وأما إن وصف بقلة الغلط كما يقال " سيئ الحفظ " أو " له أوهام " أو " له مناكير " وغير ذلك من العبارات فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك .
وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط والصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى ، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ، فهذا شاذ ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكراً ، وهذا ليس في الصحيح منه إلا نزر يسير ، وقد تعرض الحافظ لكل هذه الأحاديث عند الكلام على الأحاديث المنتقدة ، وانتصر فيها لصاحب الصحيح وبين أن الصواب معه وليس مع المنتقد .
وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من اشتراطه اللقاء مع المعاصرة وربما أخرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب أصلاً ليبين سماع راوٍ من شيخه لكونه أخرج له قبل ذلك معنعناً .
وهي مدفوعة كذلك أيضاً عمن أخرج لهم مسلم فإنه اشترط مع المعاصرة إمكان اللقاء ، وأن لا يكون المرسل ممن عرف بالتدليس والإرسال ، فمثل هذا لا يخرج له في الصحيح ، وما وجد فيهما من أحاديث فيها عنعنة من عرف بالتدليس والإرسال فمحمول على وجود طرق أخرى فيها التصريح بالسماع والتحديث .
وأما البدعة : فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفَّرُ بها أو يفسق ، فالمكفَّر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الأئمة - كما في غلاة الروافض - من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره ، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، أو غير ذلك ، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة .
والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو ، وغيرهم من الفرق والطوائف المخالفة لأصول السنة خلافاً ظاهراً ، لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ .
فهذا هو الذي وقع الخلاف في قبول حديثه إذا كان معروفاً بالتحرز من الكذب ، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة ، موصوفاً بالديانة والعبادة .(11/5)
والمذهب الأعدل - كما قال الحافظ - التفريق بين أن يكون داعية إلى بدعته أو غير داعية ، فيقبل حديث غير الداعية ، ويرد حديث الداعية ، وزاد بعضهم قيداً : وهو ألاَّ تشتمل رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينها ويحسنها ، وأن لا يوافقه غيره في رواية هذا الحديث ، فإن وافقه غيره فلا يلتفت إلى حديث المبتدع إخماداً لبدعته ، وإطفاءً لناره ، وأما إذا لم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما عرف به من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين ، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته ، فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته ، ومن هذا القبيل إخراج صاحبا الصحيح لجماعة ممن رموا ببعض بدع العقائد كالخوارج والإرجاء والقدر والتشيع ، وقد سرد الحافظ رحمه الله أسماءهم في فصل مستقل ( مقدمة الفتح 646) .
ومما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً أن الطعن قد يقع بما لا أثر له في الرواية ، كما عاب قوم من أهل الورع جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم بذلك ، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط ، وأبعد من ذلك التضعيف الذي يقع من باب التحامل بين الأقران ، أو تضعيف من ضعف من هو أوثق منه ، أو أعلى قدراً ، أو أعرف بالحديث ، فكل هذا غير مقبول ولا يعتبر به ، وقد ذكر الحافظ رحمه الله ما وقع في الصحيح من ذلك ، وسرد جميع أسماء من ضعفوا بأمر مردود غير مقبول . (مقدمة الفتح 654) .
وأما رجال البخاري المتكلم فيهم ، فقد عقد الحافظ رحمه الله فصلا مستقلا للكلام عليهم رجلاً رجلاً ، مع حكاية الطعن ، والتنقيب عن سببه ، والجواب عن ذلك بما يكفي ويشفي ، كما فعل في الأحاديث المنتقدة تماماً .
ومن ذلك على سبيل المثال أنه ذكر في أولهم ممن اسمه أحمد تسعة نفر اختلف فيهم ، وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم ، فثلاثة منهم اتضح بأنهم ثقات ، وأن قدح من قدح فيهم ساقط ، وثلاثة فيهم كلام إنما أخرج لكل واحد منهم حديثاً واحداً متابعة ، يروي البخاري الحديث عن ثقة أو أكثر ، ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه ، واثنان روى عن كل منهما أحاديث يسيرة متابعة أيضاً ، والتاسع أحمد ابن عاصم البلخي ليس له في الصحيح إلا موضع واحد ، ورد في رواية المستملي عند تفسير (( الجذر والوكْت )) في باب في باب رفع الأمانة من كتاب الرقاق ، وليس حديثاً مسنداً .
وإذ قد عرفت حال التسعة الأولين فقس عليهم الباقي ، وإن شئت فراجع وابحث يتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة ، وحسبك أن رجال البخاري يناهزون ألفي رجل ، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم .
وأما فيما يتعلق بإخراج البخاري لحديث عكرمة مولى ابن عباس ورميه بالكذب ، فإن ترجمة عكرمة موجودة في الفتح فليراجعها من أحب ، وأما البخاري فقد كان الميزان بيده ، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة إن حدَّث به ، فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم ، فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات ، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره ، بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعضاً ، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر .
فتيبن للبخاري أنه ثقة ، ثم تأمَّلَ ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له ، والزعم بأن مسلماً ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج ، ولم يعتمد فيه عليه وحده ، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير ، قول متناقض في الحقيقة ، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب ، لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح ، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره ، فلم يتبين له ما تبين للبخاري ، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة .
وأما الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم فقد أجاب عنها واحداً واحداً جهابذة من أئمة الحديث ذكرهم الإمام السيوطي في ( تدريب الراوي 1/94) فقال : " ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفاً مخصوصاً فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته ، وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتاباً في الرد عليه ، وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها في إرسال وانقطاع ، وبعضها وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة ، وقد ألف الرشيد العطار كتاباً في الرد عليه والجواب عنها حديثاً حديثاً وقد وقفت عليه . أهـ .
وفيما يتعلق بإخراج مسلم لبعض الضعاف والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح ، مما يخل بشرطه ، فجواب ذلك من أوجه ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/96) ، ونقلها عنه النووي في شرحه ( 1/24) :(11/6)
أحدها : أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ، ولا يقال : الجرح مقدَّم على التعديل ، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسرَ السبب ، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك ، وقد قال الخطيب البغداي : ما احتج البخاري و مسلم و أبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم ، محمولٌ على أنه لم يثبت الطعن المؤثرُ مفسَّرَ السبب .
الثاني : أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد ، لا في الأصول ، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسنادٍ نظيف ، رجاله ثقات ، ويجعله أصلا ، ثم يتبعه بإسنادٍ آخر ، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة ، أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قَدَّمه ، وقد اعتذر الحاكم بالمتابعة والاستشهاد في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح ، منهم مطر الوراق و بقية بن الوليد و محمد بن إسحاق بن يسار و عبد الله بن عمر العمرى و النعمان بن راشد ، وأخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين .
الثالث : أن يكون ضعف الضعيف الذى احتج به طرأ بعد أخذه عنه ، باختلاط حدث عليه ، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته ، كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب حيث ذكر الحاكم أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين ، أي بعد خروج مسلم من مصر ، فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة و عبدالرازق وغيرهما ممن اختلط آخراً ، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك .
الرابع : أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ، ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك ، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً ، وهو خلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولاً ثم أتبعه بمن دونهم متابعة ، وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته ، فقد روي عن سعيد بن عمرو البرذعى أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر صحيح مسلم وإنكار أبي زرعة عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر و قطن بن نسير و أحمد بن عيسى المصري ، وأنه قال أيضاً : يطرق لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا : إذا احتج عليهم بحديث : ليس هذا في الصحيح ، قال سعيد بن عمرو : فلما رجعت إلى نيسابور ، ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال لي مسلم : إنما قلت : " صحيح " ، وإنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد ، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات .
قال سعيد : وقَدِم مسلم بعد ذلك الريّ ، فبلغني أنه خرج إلى أبى عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب ، وقال له نحواً مما قاله لي أبو زرعة : إن هذا يطرق لأهل البدع ، فاعتذر مسلم وقال : إنما أخرجت هذا الكتاب ، وقلت " هو صحاح " ، ولم أقل : " إن ما لم أخرجه من الحديث فى هذا الكتاب فهو ضعيف " ، وإنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعاً عندي ، وعند من يكتبه عنى ، ولا يرتاب فى صحته ، فقبل عذره وحمده .
وأما ما يتعلق باستشكال بعض الأحاديث أو عدم إمكانية الجمع بينها من قبل بعض الشراح ، فليس فيه دليل أبداً على بطلانها ، فالناس تختلف مداركهم وأفهامهم ، خاصة إذا كان المستشكل يتعلق بأمر غيبي لقصور علم الناس في جانب علم الله وحكمته .
وفي القرآن نفسه آيات كثيرة يشكل أمرها على كثير من الناس ، وآيات يتراءى فيها التعارض ، مع أنه كله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهل يعد ذلك طعناً في القرآن .
وهل ما استشكله النووي أو الحافظ ابن حجر ، حكما عليه بالضعف وعدم الصحة ، حتى يتخذ ذلك وسيلة للطعن في الصحيحين ؟ أم هو الادعاء الباطل الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة ؟ وقد رأيت كيف دافع هذان الإمامان عن أحاديث الصحيحين بما لا يدع مجالاً لطاعن فيهما .
وبعد ، فهذا كلام أئمة الدنيا ، وجهابذة المحدثين في زمنهم الذين اشتغلوا بالصحيحين ، وسبروا أحاديثهما ورجالهما ، وأفنوا فيهما أعمارهم وأوقاتهم ورحلاتهم ، فهل بعد كلام الأئمة يقبل قول لقائل أو متخرص ، يأتي في أعقاب الزمن ليطلق الأحكام جزافاً ، وليتهم جميع هذه الأمة التي أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول ، وجلالة المُصَنِّفَيْن في هذا الشأن .(11/7)
تعرض الإسلام من قديم الزمان لهجوم عنيف من قبل خصومه وأعدائه ، وهؤلاء الأعداء منهم الظاهر الواضح في عدائه ، ومنهم المستتر غير المجاهر ، وبلية الإسلام بهؤلاء أشد وأنكى ، لأنهم يظهرون بمظهر الناصح المشفق ، في الوقت الذي يضمرون فيه الكيد ، ويبطنون له العداء ، وينسجون حوله خيوط الافتراءات والأكاذيب ، متبعين في ذلك وسائل وأساليب خفية لتحقيق ما يرمون إليه من أغراض ومقاصد خبيثة ، فتارة عن طريق التشكيك في السنة ، ومصادرها ، ورجالها بدعوى الانتصار لآل البيت وإظهار الحب والتودد لهم ، وتارة عن طريق اختلاق الروايات ، ووضع الأحاديث ، وتحريف النصوص الشرعية ، بما يتفق مع بدعهم وأهوائهم .
وإذا كنا قد قدَّمنا في الجزء الأول من هذا الموضوع ما يتعلق بالرد على بعض الانتقادات التي وجهت إلى الصحيحين من قديم الزمان ، فسنقف في هذا الجزء مع أبرز الأمور التي اتكأ عليها وأثارها صاحب كتاب " أضواء على الصحيحين " وزعم بأنها أدلة كافية بزعمه توجب ضعف الصحيحين والتشكيك فيهما .
هل مات البخاري قبل أن يبيض صحيحه؟!
فمن الشبه التي استدل بها على ضعف أحاديث البخاري وعدم الاعتماد عليهما ، أن البخاري رحمه الله مات قبل أن يبيض صحيحه ، فكان إتمامه على يد غيره ، مستشهداً بكلام المستملي أحد رواة البخاري - والذي نقله عنه الحافظ بن حجر في ( مقدمة الفتح صـ11) - أنه قال : " انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض .
قال أبو الوليد الباجي : ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير ، مع أنهم انتسخوا من أصل احد ، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث )) .
وهذه الشبهة ليست من كيسه فقد رددها قبله " أبو رية " ، والغرض من هذا الكلام إيهام القارئ أن الإمام البخاري ترك كتابه مسودة ، ومن شأن المسودات أنها لم تنقح ، ومن شأن عدم التنقيح أن يأتي الكتاب على غير ما يرام ، كل ذلك ليخلصوا إلى ما يريدون من التشكيك في منزلة أحاديث الصحيحين .
وليس في كلام المستملي و الباجي ما يشهد لذلك إطلاقاً ، فإن البخاري رحمه الله لم يمت إلا بعد أن نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب ، وهذا النقل الذي ذكره الحافظ ، إنما هو في شأن التراجم التي بيضها البخاري أي ذكرها ، ولم يذكر فيها حديثاً ، أو الأحاديث التي ذكرها ولم يذكر لها باباً ، بل إن هذا النقل يدل على أن صحيح البخاري كان مدوناً في أصل محرر .
وهذه المواضع على ثلاثة أنواع كما ذكر ذلك المعلمي رحمه الله في ( الأنوار الكاشفة 257) :
الأول : أن يثبت الترجمة وحديثاً أو أكثر ، ثم يترك بياضاً لحديث كان يفكر في زيادته ، وإنما أخَّر ذلك لسبب ما ، ككونه كان يحب إثباته كما هو في أصله ، ولم يتيسر له الظفر به حينئذ .
الثاني : أن يكون في ذهنه حديث يرى إفراده بترجمة ، فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث على لما سبق .
الثالث : أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضاً للترجمة ، لأنه يُعْنى جداً بالتراجم ، ويضمنها اختياره ، وينبه فيها على معنى خفي في الحديث ، أو حَمْلِه على معنىً خاص أو نحو ذلك ، فإذا كان متردداً ترك بياضاً ليتمه حين يستقر رأيه ، وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل فيما أثبته في كتابه .
وأما التقديم والتأخير فالاستقراء يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم ، يتقدم أحد البابين في نسخة ويتأخر في أخرى ، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة ، وتتأخر عنه في أخرى فيلتحق بالترجمة السابقة ، ولم يقع من ذلك ما يمس سياق الأحاديث بضرر ، ولذا قال الحافظ رحمه الله في المقدمة بعد إيراده للعبارة السابقة : " قلت وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث ، وهي مواضع قليلة جداً " .
وليس أدل على أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حرَّر كتابه ، وعرضه على أئمة الحديث مما قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي : " لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل و يحي بن معين و علي بن المديني وغيرهم ، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة وروى عنه الفربري قوله : " ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين " ، وذلك كي يجتمع له الاطمئنان القلبي مع البحث العلمي .
ومما يدل كذلك على ما بذله البخاري رحمه الله من جهد وتنقيح ، وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية التحرير قوله : " جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث " .(11/8)
وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدَّث بتلك النسخة طلابه ، وسمع الناس منه من هذه النسخة ، وأخذوا لأنفسهم نسخاً في حياته ، وتسابقوا في كتابة أصله ، مما يثبت أنه كان مطمئناً إلى جميع ما أثبته فيها .
تقطيع البخاري للحديث
ومما ذكره أيضاً كدليل على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من حديث في صحيح البخاري تقطيعه للحديث واختصاره والتصرف فيه ، حيث اعتبر هذا العمل تدليساً وخيانة في أمانة نقل الرواية كما زعم .
مع أن مسألة تقطيع الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب مما اختلف فيها المتقدمون ، فمنهم من أجاز ذلك إذا كان الحديث مشتملاً على عدة أحكام ، كل حكم منها مستقل غير مرتبط بغيره كحديث جابر الطويل في الحج ونحوه ، أو كان ما قطع من الحديث لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقاً يفضي إلى فساد المعنى ، ومن أولئك الإمام البخاري رحمه الله ، ومنهم من منعه واختار إيراد الحديث كاملا كما سمعه .
وكما هو معلوم أن الإمام مسلم اختص بجمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة ، بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباطه منها ، وأورد كثيراً منها في مظانِّه .
والإمام البخاري رحمه الله لم يكن يعجزه أن يسرد الأحاديث والطرق كلها في باب واحد فذاك أمر يسهل عليه ، ولكنه سلك هذا المسلك لجملة من الأغراض الحديثية والفقهية ذكرها أهل العلم ، فهي في الحقيقة مزية للبخاري وليست منقصة ، ولذا قال الحافظ رحمه الله ( مقدمة الفتح 13) : " وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمَّنه في أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار "
فالبخاري رحمه الله يذكر الحديث في كتابه في مواضع ، ويستدل به في كل باب بإسناد آخر ، ويستخرج بحسن استنباطه ، وغزارة فقهه معنىً يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه ، وقلَّما يورد حديثاً في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد ، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان وأغراض تشهد بإمامته وجلالته ورسوخ قدمه في هذا الفن :
ومن ذلك أنه قد يكون المتن قصيرا أو مرتبطاً بعضه ببعض ، وقد اشتمل على حكمين فصاعداً ، فيعيده بحسب ذلك مراعياً مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية ، وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك ، فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث .
وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه ، فيورده في موضع موصولاً وفي موضع معلقاً ، ويورده تارة تاماً وتارة مقتصراً على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب .
فإن كان المتن مشتملاً على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة منها في باب مستقل فراراً من التطويل ، وربما نشط فساقه بتمامه .
وأما اقتصاره على بعض المتن وعدم ذكر الباقي في موضع آخر ، فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفاً على الصحابي ، وفيه شيء قد يحكم برفعه ، فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ، ويحذف الباقي لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه ، كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : " إن أهل الإسلام لا يسيِّبون ، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون " ، هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف ، أوله : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إني أعتقت عبداً لي سائبة فمات وترك مالاً ولم يدع وارثاً ، فقال عبد الله : " إن أهل الإسلام لا يسيبون ، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون ، فأنت ولي نعمته فلك ميراثه ، فإن تأثَّمتَ وتحرجتَ في شيء ، فنحن نقبله منك ، ونجعله في بيت المال " فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف ، وهو قوله : " إن أهل الإسلام لا يسيبون " ، لأن مما ليس للرأي فيه مدخل ، واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه .
فتبين أن البخاري رحمه الله لا يعيد الحديث إلا لفائده ، لكن تارة تكون في المتن ، وتارة في الإسناد وتارة فيهما ، وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه ، فإن كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا ، وإن قلت اختصر المتن أو الإسناد .
البخاري والنقل بالمعنى
وزعم أيضاً أن مما يسلب الاطمئنان والاعتماد على صحيح البخاري ويوجب عدم الوثوق به ، أن قسماً من أحاديثه قد رويت بالمعنى ، ولم ينقلها مؤلف الصحيح بنفس اللفظ حسب ما سمعها من ناقليها ، مستشهداً بما نقله الخطيب في تاريخه والحافظ في مقدمته على الفتح وغيرهم عن البخاري نفسه وهو قوله : " رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ، قيل له : يا أبا عبد الله بكماله ، قال : فسكت ، وقول الحافظ عند الكلام على حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الفتح( 10/227) : " وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين " .(11/9)
فأما الكلام على الرواية بالمعنى وجوازها وضوابطها ، فقد تقدم الكلام عنه في موضوع مستقل بعنوان " رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين " يمكن للقارئ مراجعته ، ومع أن البخاري رحمه الله كان ممن يرى جواز الرواية بالمعنى ، ولكن ليس في تلك العبارة أي دلالة أبداً على موضوع الرواية بالمعنى ، بل كل ما فيها أنه كان يسمع الشيء ولا يكتبه حتى إذا وجد له مناسبة أو ترجمة لائقة به كتبه ، وسكوته لا يدل على أنه رواه بالمعنى ، وغاية ما يدلٌّ عليه جواز الاختصار في الحديث بذكر بعضه دون بعض كما هو شأنه في كتابه ، يقطع الحديث الواحد في عدة أبواب مقتصراً في كل باب على ما يليق به كما تقدم .
وأما ما نقله عن الحافظ فهو أبعد ما يكون الرواية بالمعنى ، ولم يسقه الحافظ رحمه الله لهذا الغرض ، وإنما ساقه في معرض الكلام عن حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن البخاري رواه مرَّة عن شيخه إبراهيم بن موسى بلفظ الجزم : " حتى إذا كان ذات يوم " من غير شك ، ورواه هنا بالشك ولفظه : " حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة " ، وقد ظن الحافظ أولاً أن الشك من البخاري ، ثم ظهر له أن الشك من شيخ شيخه عيسى بن يونس ، وإليك كلام الحافظ ابن حجر حيث قال بعد أن ذكر الروايتين وتحقيق أن الشك ليس من البخاري : " فيحمل الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري حدَّثه به تارة بالجزم ، وتارة بالشك ، ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه ، ثم قال : وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أن يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين " ، وهكذا يتبين لنا الافتراء على البخاري ، وعلى الحافظ ، وخطف الكلام من غير تثبت وتحر .
البخاري ومسلم والإفراط في الطائفية
ومما ذكر على أنه من الأدلة التي تدل على عدم الوثوق بالصحيحين وعدم اعتبار صحة جميع ما ورد فيهما ، ما أسماه بالتطرف الطائفي المفرط ، والتعصب الشديد عند مؤلفيهما ، ومن شواهد ذلك كما يزعمون إخفاء كثير من المناقب والفضائل للإمام علي رضي الله عنه ، والتي ورد ذكرها في كتب السنة الأخرى ، وعدم الاحتجاج بأئمّة أهل البيت ، في مقابل الاحتجاج بمن عرف بعدائه لهم كالخوارج وغيرهم .
ولتجلية هذا الأمر ينبغي أن يُعْلم أن القضية عند صاحبي الصحيح لم تكن قضية طائفية ولا تعصب ، ولا مداراة ومداهنة ، ولكنها قضية شروط اشترطها كل منهم في كتابه ، وفي الرجال الذين يخرج لهم ، ولذلك التزموا بها ، ولم يحيدوا عنها ، بخلاف غيرهم ممن لم يلتزم الصحة كأصحاب السنن والمسانيد ، فربما تساهلوا بعض الشيء ولا سيما في الفضائل ، وهذا هو السرُّ في أن الإمام أحمد رحمه الله خرَّج في فضائل علي أكثر مما خرَّجه البخاري و مسلم في صحيحيهما ، كما أن صاحبا الصحيح لم يلتزما بإخراج كل حديث صحيح ، ولا إخراج أحاديث كل الثقات حتى يُلزَما بذلك .
ومما يدفع هذه الفرية عن الإمامين أنهما أخرجا أحاديث كثيرة في فضائل علي وآل البيت رضي الله عنهم تعتبر من أصح الأحاديث في هذا الباب ، فقد ذكر كل منهما في صحيحه باباً لفضائل عليٍّ ، وبابًا لفضائل الحسن و الحسين .
وذلك كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - في حصار خيبر : ( لأُعطين الرَّاية غدًا رجلاً يُحبه الله ورسوله ، أو يحب الله ورسوله ) ، ثم بعد ذلك أعطاها لعلي ففتح الله عليه ، ومثل ما رواه البخاري في قصة بنت حمزة ، واختصام علي وجعفر وزيد بن حارثة فيها ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( أنت منِّي وأنا منك ) ، ومثل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عليٍّ نفسه قال : " والذي فلق الحبةَ وبرأ النَّسمة إنه لعهدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أن لا يحبَّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ) ، وله شاهد من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عند الإمام أحمد .
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداةً وعليه مُرْطٌ مرَحَّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة ، فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .
كما أخرجا أحاديث كثيرة من رواية أئمة آل البيت كرواية البخاري لحديث ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا ) ، في قصة صفية رضي الله عنها من طريق علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وحديث علي رضي الله عنه في قصة الشارفين ، في كتاب فرض الخمس قال : " كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاني شارفاً من الخمس .... " الحديث ، وهو من طريق علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه رضي الله عنه .(11/10)
وأخرج له مسلم أيضاً في باب فضائل فاطمة رضي الله عنها ، كما أخرج أحاديث عديدة من طريق جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر ، ومنها حديث جابر في وصف حجة النبي عليه الصلاة والسلام ، ولو كانت المسألة طائفية لما رويا شيئاً من ذلك .
وأما إخراجهم لبعض أهل البدع كعمران بن حطان وغيره ممن عرف برأي الخوارج ، فقد تقدم الكلام عن ذلك في الجزء الأول من هذا الموضوع بما يغني عن إعادته هنا ، والمقصود بيان أن المسألة مبناها عندهم على الصدق والضبط ، وإلا لما أخرجا في الصحيح لجماعة من الرواة ممن رموا بالتشيع ، بعد أن ثبت عندهما صدقهم وضبطهم وتحرزهم عن الكذب كعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، و علي بن الجعد ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وإسماعيل بن أبان ، و جرير بن عبد الحميد ، و خالد بن مخلد القطواني وغيرهم كثير ويمكن مراجعة ( مقدمة الفتح 646) .
فتبين أن الأمر لم يكن أمر تعصب وطائفية ، وإنما الأمر أمر شروط الشيخين اشترطاها والتزما بها ، ومن ثم لم يخرجا إلا ما صح عندهما وكان على شرطهما ، بخلاف غيرهما كالإمام أحمد وغيره فإن شروطهم دون ذلك ، وقد روي عنه رحمه الله أنه كان يقول : " نحن إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا " .
عبارات قيلت في الصحيحين
ولما لم تسعفه الحجة العلمية ، والبحث الموضوعي ، ذهب يتصيد هنا وهناك ليبحث عن عبارات وأقوال ، تسقط مكانة الصحيحين في الأمة ، فخرج لنا بطائفة من الأقوال المحرفة المبتورة ، التي أساء فهمها وحرفها عن مواضعها عن تعمد وسوء قصد .
فزعم أنه في مقابل الإفراط إلى حد التعسف والغلو في الثناء على الصحيحين وحفظ مقامهما وشأنهما ، إلا أن هناك طائفة من علماء أهل السنة أنفسهم نظروا إلى الصحيحين نظرة الباحث الناقد ، وصدرت منهم عبارات تشكك من هذه القداسة والهالة التي نسجت حولهما .
بين البخاري والذهلي
ومن ذلك كلام الإمام الذهلي على البخاري وما جرى بينهما في مسألة اللفظ في القصة المعروفة المشهورة في كتب السير والتراجم ، ولسنا في صدد مناقشة وتفصيل ما جرى بين الإمامين ، بل بيان موقف أهل العلم من العبارة التي صدرت من الإمام الذهلي وغيره من العلماء ، وكيف تعاملوا معها .
فمن المعلوم أن البخاري رحمه الله عندما قدم نيسابور كان الذهلي نفسه يحث تلاميذه وطلابه على حضور مجلسه ، فلما أقبل الناس على الإمام وذاع صيته ، دخل في نفسه ما لا يسلم منه بشر ، فقال عبارته تلك ، قال الحاكم أبو عبد الله سمعت محمد بن حامد البزاز قال سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى قال لنا لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور : " اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح ، فاسمعوا منه فذهب الناس إليه ، وأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى فحسده بعد ذلك وتكلم فيه " .
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه ، فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه ، واجتماعهم عليه ، فقال لأصحاب الحديث : " إن محمد بن إسماعيل يقول : ( اللفظ بالقرآن مخلوق ) ، فامتحِنوه في المجلس ، فلما حضر الناس مجلس البخاري ، قام إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ، فقال الرجل : يا أبا عبد الله ، فأعاد عليه القول ، فأعرض عنه ، ثم قال في الثالثة : فالتفت إليه البخاري وقال : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة ، والامتحان بدعة ، فشغب الرجل ، وشغب الناس ، وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله .
وقد أنكر البخاري رحمه الله نسبة هذا القول إليه ، وقال - كما نقل عنه محمد بن نصر المروزي - : " من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله ، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة " ، فنقلها عنه بعض الحساد والمغرضين ، وأشاعوا عنه أنه يقول باللفظ ، وحملوا عبارته ما لا يحتمل .
ولذا لم يلتفت العلماء وأئمة الجرح والتعديل إلى ذلك بل عدوه من كلام الأقران بعضهم في بعض ، وأصلوا قاعدتهم المعروفة وهي أن " كلام الأقران يطوى ولا يروى " ، ولذا قال الذهبي رحمه الله في ( السير 12/456 ) بعد أن ذكر أن بعضهم ترك حديث البخاري لما بلغه أنه يقول باللفظ : " قلت إن تركا حديثه أو لم يتركاه البخاري ثقة مأمون محتج به في العالم " .(11/11)
وقد تكلم كثير من العلماء الثقات في بعض ، ولم يكن ذلك موجباً لإسقاط ثقتهم وعدالتهم فتلكم أبن أبي ذئب في الإمام مالك ، وتكلم سلمة بن دينار في الزهري ، وتكلم عمرو بن علي الفلاس في علي بن المديني والعكس ، وتكلم أحمد بن أبي الحواري في هشام بن عمار ، وتكلم أبو نعيم في أبي عبد الله بن مندة ، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ، ولم يسقطوا عدالتهم إلا ببرهان ثابت وجرح مفسر يتابعه غيره عليه ، قال الحافظ رحمه الله في ( لسان الميزان 1/201 ) : " قلت كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس ، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم " .
موقف أبي زرعة من الصحيحين
واستدل أيضاً بعبارة لأبي زرعة ينتقد فيها لصاحبي الصحيح لإخراجهم لبعض الرواة كأحمد بن عيسى المصري ، والتي نقلها عنه الخطيب في تاريخه ، و الذهبي في ميزان الاعتدال ، وأنه اعتبرهم متظاهرين بالحديث ، أرادوا التصدر وصرف وجوه الناس إليهم .
فقد نقل الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد 4/227) عن سعيد بن عمرو ، قال شهدت أبا زرعة يعنى الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج ، ثم الصائغ على مثاله - يعني البخاري فقال لي أبو زرعة : " هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه ، فعملوا شيئا يتشوفون به ، ألفوا كتاباً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها " ، وأتاه ذات يوم وأنا شاهد رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم ، فجعل ينظر فيه ، فإذا حديث عن أسباط بن نصر ، فقال أبو زرعة ، ما أبعد هذا من الصحيح ، يدخل في كتابه أسباط بن نصر ، ثم رأى في كتابه قطن بن نسير ، فقال لي : وهذا أطم من الأول " .
والجواب أن يقال : إن هذا الجرح من أبي زرعة مفسر ، فسره هو بنفسه ، وبين سبب إيراده ، وهو إخراجه لبعض هؤلاء الرواة المنتقدين الذين ذكر بعضهم ، وقد ذكر مسلم تبرير ذلك والرد عليه بعد هذا الكلام ، ولهذا لم ينقله المحرف لأنه لا يتفق مع هواه وما أراد .
وهو أحد الوجوه التي ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/96) ، ونقلها عنه النووي في شرحه ( 1/24) والتي وجَّه فيها إخراج الإمام مسلم لبعض الضعاف أو المتوسطين .
وهو أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ، ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك ، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً ، حيث قال عندما ذكر له إنكار أبي زرعة : " إنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد ، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات " .
ولا أدل من أن الصواب كان مع الإمام مسلم أن الخطيب نفسه ، الذي نقل هذه العبارة : " وثَّق أحمد بن عيسى ، ولم يلتفت إلى قول من تكلم فيه ، فكان مع الإمام مسلم ، فلماذا لم يورد الكاتب كلام الخطيب الذي يقول فيه بعد ذلك : " قلت : " وما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه " ، وعبارة الذهبي في الميزان بعد إيراده لكلام أبي زرعة نفسه : " قلت احتج به أرباب الصحاح ، ولم أر له حديثا منكرا فأورده " .
والثابت عن مسلم رحمه الله قوله : " عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي ، فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته ، وكلّ ما قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته " .
بين البخاري وابن المديني
ثم نقل عبارة أوردها الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ليرد عليها ، ويبين بطلانها ، مستدلاً بها على خيانة البخاري ، وعدم أمانته العلمية ، وسرقته لجهود الآخرين ، ورغبته في التصدر والشهرة على حساب غيره ، وحتى يعطوا العبارة قيمة علمية نسبوها إلى الحافظ في ( تهذيب التهذيب 9/46) وتم بتر الرد ، وتعقيب الحافظ عليها ، وإغفال الكلام الذي قبله في ثناء العلماء والمحدثين على الإمام البخاري ، والدفاع عنه ، وبطلان ما نسب إليه .
والعبارة هي قول مسلمة : وألّف علي بن المديني كتاب العلل ، وكان ضنياً به فغاب يوماً في بعض ضياعه ، فجاء البخاري إلى بعض بنية ورغبه بالمال ، على أن يرى الكتاب يوماً واحداً ، فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ، ورده إليه ، فلما حضر علي تكلم بشيء ، فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً ، ففهم القضية ، واغتنم لذلك ، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير ، واستغني البخاري عنه بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان ، ووضع كتابه الصحيح فعظم شأنه وعلا ذكره " .(11/12)
قال الحافظ رحمه الله بعد أن أورد هذا لكلام : " قلت إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده ... وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني ، فإنها غنية عن الردِّ لظهور فسادها ، وحسبك أنها بلا إسناد ، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده ، وأن العلل لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري ، فلو كان ضنيناً بها لم يخرجها ، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة والله الموفق .
فانظر أخي القارئ إلى هذا التلبيس والتحريف المتعمد ، وبتر الكلام لتشويه صورة هذا الإمام الجليل .
النووي وصحيح مسلم
ومما ادعاه أيضاً أن الإمام النووي نفسه شكك في موارد مختلفة في صحة بعض الأحاديث التي خرجها مسلم ، بل وصرح ببطلان البعض الآخر ، مستدلاً بعبارته في شرحه لمقدمة مسلم على الصحيح : " وأما قول مسلم رحمه الله في صحيحه في باب صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله - : " ليس كل شيء صحيح عندي وضعته هنا ـ يعني في كتابه هذا الصحيح ـ وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " فمشكل ، فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفاً في صحتها ، لكونها من حديث من ذكرناه ، ومن لم نذكره ، ممن اختلفوا في صحة حديثه " ( شرح النووي 1/16) .
وعبارته في شرحه لحديث أبي سلمة في " باب بدء الوحي " ، الذي يتضمن أن أول سورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي سورة المدثر ، حيث ادعى أن النووي صرح بأن هذا الحديث ضعيف ، بل باطل ، لأن أول سورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي " اقرأ باسم ربك " .
مع أن هذا الاستشكال في الموضع الأول إنما هو في توجيه عبارة الإمام مسلم ، مع ما علم من وجود بعض الأحاديث والرجال المنتقدين - كما سبق - ، وليس فيه أبداً ما يدل على تشكيك النووي رحمه الله في أحاديث الصحيح ، أو اتخاذ موقف منها كما أراد هذا الملبس أن يصوره .
والإمام النووي رحمه الله لم يكتف بإيراد الإشكال فحسب ، بل أعقبه بما يرده ، فذكر توجيه الأئمة لعبارة الإمام مسلم ، والتي حذفها المغرض لأنها لا تخدمه كما فعل مع سابقاتها حيث ذكر بعد الكلام السابق توجيه الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم " فقال : " قال الشيخ - يعني ابن الصلاح وجوابه من وجهين :
أحدهما : أن مراده أنه لم يضع فيه إلا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه ، وإن لم يظهر اجتماعها في بعض الأحاديث عند بعضهم .
والثاني : أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متناً أو إسنادا ، وليس ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته ، كما هو ظاهر كلامه ، فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة ( فإذا قرأ فأنصتوا ) هل هو صحيح ؟ فقال : " هو عندي صحيح ، فقيل لم لم تضعه ها هنا ؟ ، فأجاب بالكلام المذكور .
وفي موضع آخر عند الكلام على الحديث في باب صفة الصلاة ساق عبارة مسلم وأجاب عنها بقوله : " ثم قد ينكر هذا الكلام ، ويقال : قد وضع أحاديث كثيرة غير مجمع عليها ، وجوابه أنها عند مسلم بصفة المجمع عليه ، ولا يلزم تقليد غيره في ذلك ، وقد ذكرنا في مقدمة هذا الشرح هذا السؤال وجوابه " .
وأما ادعاؤه بأن النووي حكم بالبطلان على حديث جابر في صحيح مسلم لأن فيه التصريح بأن أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " فهو من التلبيس وتحريف الكلام الذي عودنا عليه ، وعبارة النووي في الشرح هي كالتالي : " قوله (( أن أول ما أنزل قوله تعالى : يا أيها المدثر )) ضعيف بل باطل ، والصواب أن أول ما أنزل على الاطلاق : اقرأ باسم ربك " .
فالحكم بالضعف أو البطلان إنما وقع على القول بأن أول ما أنزل من القرآن مطلقاً " يا أيها المدثر " ، وليس على رواية جابر ، فالحديث ليس فيه أبداً ما يدل على أن أول ما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " حتى يحكم بضعفه أو بطلانه ، ولو رجع إلى كلام النووي نفسه في شرح حديث عائشة لتبين له ذلك حيث قال : " وهذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن " اقرأ " ، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف ، وقيل أوله : " يا أيها المدثر " وليس بشيء ، وسنذكره بعد هذا في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .
فالكلام إنما هو على القول لا على الحديث ، فإن كان أبو سلمة رواي الحديث عن جابر ، أو حتى جابر نفسه ممن يرى هذا القول ، فهو قول ضعيف وليس في الروايات أبداً ما يشهد له ، مع أنه قد ثبت عن جابر رضي الله عنه في حديث قبله من رواية الزهري عن أبي سلمة التصريح ، بأنه أول نزول بعد فترة الوحي وأنها أولية نسبية ، فلا منافاة إذاً ، فأين تشكيك النووي رحمه الله في أحاديث الصحيح ؟!
الذهبي وصحيح البخاري
ومما نسبوه إلى الإمام الذهبي أنه قال في بعض أحاديث الصحيح : " ولولا هيبة الصحيح لقلت إنها موضوعة! " ، وهو كذب مفضوح على هذا الإمام .(11/13)
فإن عبارته كما في ميزان الاعتدال في ترجمة خالد بن مخلد القطواني عندما ذكر أن البخاري رحمه روى له حديث الولي ( من عادى لي ولياً ) قال : " فهذا حديث غريب جداً ، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن خالد ، وذلك لغرابة لفظه ، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري " .
وغاية ما فيها استغرابه للحديث لأنه من طريق خالد بن مخلد وشيخه شريك مع ما علم من الكلام حولهما ، فيقال إن غاية ما في ذلك أنه صحيح عند البخاري ، فيكون من الأحاديث المنتقدة على صاحب الصحيح ، وليس مما وقع الإجماع على تلقيه بالقبول ، ونحن لا ننكر أن في الصحيح شيئاً من هذا ، وقد سبق بحث هذه النقطة وما حولها من إشكال .
و الحافظ رحمه الله بين في الفتح (11/341) أن للحديث طرقاً أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً حيث قال وهو يرد على الذهبي إطلاقه أنه لم يرو إلا بهذا الإسناد : " وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود .... ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً ثم ذكر بعض الطرق عن عائشة و أبي أمامة و علي و ابن عباس و معاذ بن جبل و أنس .
كما أن المتأمل في عبارة الذهبي يجد فيها مزيد تدعيم لمكانة الصحيح وليس كما أراد المغرضون ، فإن الذي جعلهم يترددون في عدِّ هذا الحديث من منكرات خالد ( هيبة الصحيح ) ، بمعنى أن هذا الحديث لو كان في غير الصحيح لعدَّ من منكرات خالد بن مخلد ، لما عرف من حاله ، ولكن الذي منعهم من ذلك إخراج صاحب الصحيح له ، لما علم من علمه وإمامته وشروطه ، وانتقائه للأحاديث ، وغير ذلك من الأغراض التي ذكرت في الرجال المنتقدين ، فهو مزيد توثيق وتدعيم لموقف صاحب الصحيح ، وليس فيه أبداً أي غض من مكانته كما أراد المشككون ، فأين حكم الذهبي على الحديث بالوضع ؟! .
أما بالنسبة لغرابة ألفاظه فهو كغيره من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحتاج إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم ، ويمكن مراجعة كلام الحافظ وغيره في شرح الحديث ، ولو فتح هذا الباب لردت جملة من الأحاديث الثابتة .
وأخيراً وبعد هذا التطواف ، أظن أن القارئ الكريم قد عرف مكانة هذين الكتابين ، ومنزلتهما في العلم والدين ، وأن شبهات المغرضين حولهما هي مجرد فقاعات وأوهام لا تثبت أمام التحقيق العلمي ، وليس أي سند شرعي ، ولا يزال الله عز وجل يقيض للسنن والأحاديث في كل عصر من ينفي عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، تحقيقاً لوعد الله في حفظ دينه وكتابه وسنة نبيه .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل .
_____________
المراجع :
- هدي الساري ابن حجر العسقلاني .
- صيانة صحيح مسلم أبو عمر ابن الصلاح .
- فتح الباري ابن حجر العسقلاني .
- شرح النووي على صحيح مسلم .
- تدريب الراوي السيوطي .
- تاريخ بغداد الخطيب البغدادي .
- ميزان الاعتدال الذهبي .
- سير أعلام النبلاء الذهبي .
- تهذيب التهذيب ابن حجر العسقلاني .
- لسان الميزان ابن حجر العسقلاني .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
- دفاع عن السنة أبو شهبة .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
==================
منهج المستشرقين ودوافعهم
لقد ألَّفَ في السِّيرةِ الكثيرون من المستشرقينَ مِنْ كُلِّ جنسٍ ولونٍ. ومِن هؤلاءِ المنصفون - وقليلٌ ما هم - وغيرُ المنصفين - وهم الكثيرون - ، ولا عجبَ فأغلبُهم مُبشِّرون1 بدياناتِهم، والكثرةُ منهم صليبيون لا يزالونَ يحملونُ الحقدَ على الإسلامِ ، ونبيِّ الإسلامِ ، فمِن ثَمَّ لا يجدونَ ثغرةً ينفثون منها أحقادَهم وسمومَهم إلا نفذُوا منها، ولا روايةً واهيةً منكرةً أو مختلقةً إلا طبَّلوا لها وزمَّروا، ولا عليهم لو زيَّفُوا الصَّحيحَ مادام ذلك يُساعدهم على أهوائِهم، ولأجلِ أنْ يُلبِّسوا على الأغرارِ من المسلمينَ تَستَّروا تحتَ ستارِ البحثِ العلميِّ ، وحريةِ الرأي، وما هُو من البحثِ، ولا حرية الرأي في شيءٍ، وإنَّما الغَرَضُ حَلُّ عُرَى الإيمانِ من نُفُوسِ المسلمين، والتَّشكيكِ في سيرةِ مثلِهم الأعلى وقدوتِهم، وهو النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -.(11/14)
وقد ساعدَ على تقبل آرائِهم أنَّ المغلوبَ ينظرُ إلى الغالبِ على أنَّهُ فوقَهُ في كلِّ شيءٍ، وإذا لم تستدرك الأمة المغلوبة أمرها، وتتخلص بجهودها الذاتية من وطأة التقليد الأعمى، فإنه - ولا بد - أن ينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والاستعباد، قال ابن خلدون: "والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تُغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبعي؛ إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها حصل اعتقاد، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء. ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالبِ في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله2.
فمِن ثَمَّ نظر بعض المتعلمين، - ولا سيما الذين لم يحظَوا من الثقافةِ الإسلاميةِ وعلومِ الإسلامِ الأصيلةِ بحظٍّ يُؤهِّلهم للتمييزِ بين الحقِّ والباطلِ، والخطأِ والصَّوابِ - نظروا إلى المستشرقين على أنَّهم قِممٌ في التفكيرِ، وفي البحثِ، فلا يُراجعون ما يقولُون! ولا يُنقض ما إليه ينتهون، بل بلغَ ببعضِ الذين تثقَّفوا ثقافةً إسلاميةً أنْ انزلقُوا فيما انزلقَ إليه غيرُهم، ومنهم مَن قام بترجمةِ بعضِ هذه الكتبِ من غيرِ أنْ يُعلِّقَ على ما فيها من خطأٍ بيِّنٍ، وباطلٍ صُراحٍ، وليتَهُ اكتفى بهذا، ولكنَّهُ شاركَ في الإثمِ، فكالَ له3 ولهم المديحَ والثَّناءَ !! ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ4.
والدافع الذي دفع هؤلاء المستشرقين لدراسة الإسلام هو في الحقيقة العداء السافر لهذا الدين وللرسول - صلى الله عليه وسلم- ، هذا العداء الذي بدأ منذ فجر الإسلام، فالمستشرقون ليسوا سوى امتدادا لليهود والنصارى الذين بذلوا كل ما في وسعهم لطمس دين الإسلام، وإزالة معالمه من الوجود، ولم تخفف من هذا العداء القرون المتطاولة، بل ظل يأخذ صوراً شتى وأشكالاً متنوعة، تُعلَن تارة وتُخفى أخرى، وتُظهر في ثوب الود والولاء تارة، وتُكشِّر عن أنياب العداء أحياناً، واشتدت هذه العداوة بعد الحروب الصليبية (1097-1295م ) التي كانت نقطة تحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي وبين الشرق الإسلامي، فقد عاش المستشرقون في هذه البيئة المفعمة ببغض الإسلام وارتضعوا من لبانها، ولذا جاء منهجهم يحوي بين طياته كل دسيسة وشبهة تطعن في هذا الدين.
وأبرز سمات هذا المنهج الذي درسوا الإسلام على أساسه:
1. تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوربية، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام.
2. تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها.
3. اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار وغض الطرف عما هو صحيح وثابت.
4. تحريف النصوص ونقلها نقلاً مشوهاً وعرضها عرضاً مبتوراً وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه.
5. غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي.
6. تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب الحيوان ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ، كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق.
7. إبراز الجوانب الضعيفة والمعقدة والمتضاربة، كالخلاف بين الفرق، وإحياء الشبه وكل ما يثير الفرقة، وإخفاء الجوانب المشرقة والإيجابية وتجاهلها.
8. الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو الأخرى، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم.
9. النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية5.
10.تحاملهم على النبي صلى الله عليه وسلم، استجابة لنداء الصليبية- كما ذكرنا- التي ورثوها من آبائهم، ورضعوها في لبان أمهاتهم، ورموه بأشنع الصفات التي يتنزه القلم عن ذكرها. وقد استندوا في طعونهم وسفاهاتهم إما على روايات باطلة اعتبروها صحيحة، وإما على روايات صحيحة حرَّفوها عن مواضعها، وإما على أوهام تخيَّلوها. ومن الأباطيل التي تمسك بها بعض الكاتبين في السيرة من الغربيين، وأبواقهم المقلِّدون لهم: قصة الغرانيق، وقولهم: أن الإسلام قام على السيف والإكراه، وطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب تعدد زوجاته ، وقصة زواجه بالسيدة زينب بنت جحش على ما يذكرها من لا علم عندهم، ولا تحقيق ولا تمييز بين الغث والسمين.(11/15)
ومن مزاعمهم إنكارهم الوحي بالمعنى الشرعي، وتفسيرهم له بالوحي النفسي، بل أسفَّ بعضهم فجعل الحالة التي كانت تعتري النبي - صلوات الله وسلامه عليه - عند الوحي نوعاً من الصَّرَع، إلى غير ذلك . ومن عجيب أمر المبشرين والمستشرقين أنهم في سبيل إرضاء أهوائهم، ونزواتهم الجامحة، وأحقادهم الموروثة يصحِّحون الروايات المكذوبة، والإسرائيليات المدسوسة، ما دامت تسعفهم وتساعدهم على باطلهم، على حين نجدهم يحكمون على روايات صحيحة، بل في أعلى درجات الصحة بالوضع والاختلاق؛ لأنها لا تؤيدهم فيما يجترحون من طعون، وتجنٍ أثيم على مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته. ومن أعمالهم السيئة بدعة الإكتفاء بالقرآن دون السنة ، ثم سرت عدوى هذه البدعة إلى كتابنا المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل في كتابه "حياة محمد"، وقلما تجد أحداً من المؤلفين المتأخرين في (السيرة النبوية) يذكر شيئاً من المعجزات الحسية.
ومن هؤلاء من يتلطف فيقول: إنه مادام القرآن آية دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم-، فنحن في غنية عن غيره من الآيات، ولا سيما والكثير منها لم يثبت إلا بالطرق الآحادية التي لا تفيد اليقين، ومنهم من يجاهر فينكر المعجزات الحسية جملة!!
وأحب أن أقول لهؤلاء وأولئك: إن موقفهم من المعجزات الحسية وإنكارها، حدا ببعض المبشرين والمستشرقين إلى الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتفضيل غيره من الأنبياء عليه، بحجة أن النبي محمداً - عليه الصلاة والسلام - ليس له من المعجزات الحسية المتكاثرة ما لموسى وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - ، وهكذا نراهم قد أعطوا لأعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يقصدوا- متكأ لهمزه ولمزه.
وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الكبير ابن حجر في هذا، قال: (وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدِّي به، ومنه ما وقع دالاً على صدقه من غير سبق تحدٍّ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده - صلى الله عليه وسلم- من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد، مع أن كثيراً من المعجزات النبوية قد اشتهر، وانتشر، ورواه العدد الكبير، والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادّعى مُدَّع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعداً، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدَّثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة، ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك، ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق، لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل). (فتح الباري (7/392-393)6
صلتهم بالفكر الإسلامي وأثر تلك الصلة في إثارة الشبه حول السنة:
سبق أن الحروب الصليبية كانت نقطة التحول في الصراع الفكري والعقدي والسياسي بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وأنها الدافع الأساسي للنشاط الاستشراقي المكثف، ولكن اتصال الغرب بالشرق في ذلك الوقت وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي كان اتصالاً عدائياً مسلحاً، متمثلاً في الحروب الطاحنة التي ظلت آثارها باقية حتى الآن.
وفي نهاية القرن السادس عشر الذي يعتبر منطلق الإصلاح الديني في الغرب، كانت بداية الاتصال الاقتصادي المتمثل في اكتشاف موارد الثروة في العالم الإسلامي، واستغلالها ونقلها إلى الغرب في صورة تبادل تجاري وغير ذلك، وتبع هذا الاتصال السياسي المتمثل في سيطرة الغرب ونفوذه على العالم الإسلامي حتى بلغ أوجه خلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وخلال هذه الفترة الاستعمارية عمل الغربيون على تخلف المسلمين بإبعادهم عن دينهم حتى يتمكنوا من إخضاعهم إخضاعاً تاماً للسيطرة الغربية.
ففي تلك الفترة كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر لهم الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية، فبحث المستشرقون في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وصبغوا كل ذلك بصبغة علمية مما أدى بتلك البحوث والدراسات أن تكون مراجع للكثير من الباحثين في المعاهد والجامعات العالمية.(11/16)
وقد غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم، وكان العديد من قادة الفكر الإسلامي قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين عن طريق إيفادهم إلى الخارج، أو استقدام المستشرقين إلى البلاد الإسلامية للعمل في المؤسسات الفكرية ومناهج التعليم، وهكذا ظلت العلاقة قائمة، والصلة وثيقة بين العالم الغربي والفكر الإسلامي، ولكنها علاقة تستهدف الإسلام بدرجة أولى.
والمستشرقون الذين بحثوا في كل جوانب الإسلام لم يغب عنهم أهمية السنة النبوية فقد علموا أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن، وفيها توضيحه وبيانه، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه والشبه ليتسنى لهم بعد ذلك أن يتلاعبوا بالقرآن ويؤولوه بما يحلو لهم، فطعنهم في السنة هو في الحقيقة طعن في القرآن وهدم لصرح الإسلام.7
يقول السباعي: "ويحاولُ المستشرقون المغرضون وأتباعُهم من المسلمين الذين رقَّ دينُهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائِهِ أنْ يُشككوا في صحةِ ما بين أيدينا من كتب السُّنَّةِ المعتمدة، لينفذُوا منها إلى هدمِ الشَّريعةِ، والتَّشكيك بوقائعِ السِّيرةِ، ولكن الله الذي تكفَّلَ بحفظِ دينِهِ قد هيَّأ لهم مَن يَردُّ سهامَ باطِلهم، وكيدِهم إلى نحورِهم8.
وسيتضح لنا ذلك من خلال الفصل القادم الذي سنذكر فيه بعض شبهات المستشرقين وتفنيد العلماء تلك الشبهات التي هي أوهى من خيوط العنكبوت {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة:32
1 - أو بالأصح منصرون , ولكن ذكرناهم بما اشتُهر من تسميتهم .
2- مقدمة ابن خلدون فصل في أن المغلوب مولعٌ أبداً بالإقتداء بالغالب في شعائره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده (1/156).
3 - أي للكتب.
4 -انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/38-39).
5 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف، نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) http://www.islamweb.net/
6 - انظر: مُقدِّمة كتاب "السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء الكتاب والسُّنَّة" للدكتور محمد بن محمد أبوشهبة (1/14-39).
7 - مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية بتصرف.
نقلاً عن موقع (الشبكة الإسلامية) http://www.islamweb.net/
8 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة دروس وعبر د.مصطفى السباعي ص(14- 15).
===============
الطعن في أئمة الحديث ... الإمام الزهري نموذجاً
(الشبكة الإسلامية)
وجه أعداء السنة سهامهم إلى رواة الحديث ورجاله ، في محاولة منهم لتقويض الدعامة الأساسية التي قام عليها علم الرواية في الإسلام ، بدءاً من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة التابعين ، فرأينا - في موضوع سابق - كيف هاجموا أكبر صحابي روى الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أبو هريرة رضي الله عنه ، وكان المستهدف في هذه المرة إمام من أكبر أئمة الحديث في عصره ، وأول من دون السنة من التابعين ، وله إسهامات كبيرة في نشر الحديث ، وهو من أوائل الذين دعوا إلى ضرورة الأخذ بالسند والالتزام به ، كل هذه الأمور جعلت من الإمام ابن شهاب الزهري رحمه الله هدفاً مهماً ، وغرضاً توجه إليه سهام الطعن والتشويه والافتراء من قبل المستشرقين ، وعلى رأسهم المستشرق اليهودي " جولد زيهر " ، ولأنه إذا ذهبت الثقة بهذا الإمام وبحديثه ومروياته ، ذهبت الثقة بكتب السنة كلها ، لما عُلِم من عظيم مقام الإمام الزهري في علم السنة ، كما أن الطعن في الزهري وأمثاله ، مدخل للطعن في جميع الرواة الذين هم دون الزهري علماً وحفظاً وجلالة .
فقد زعم " جولد زيهر " بأن صلة الإمام الزهري بالأمويين هي التي مكنت لهم أن يستغلوه في وضع الأحاديث الموافقة لأهوائهم حيث قال : " ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم ، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم ، وقد استغل الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث .... " .
وزعم أن " إبراهيم بن الوليد الأموي " جاء إلى الزهري بصحيفة وطلب منه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه ، فأجازه الزهري من غير تردد ، وقال له : من يستطيع أن يجيزك بها ، وهكذا استطاع أن يروي الأموي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزهري .(11/17)
ونحن إذ ندافع عن الإمام الزهري فإننا لا ننكر اتصاله بالأمويين ، ووجود علاقات وصلات بينهم وبينه ، استمرت طيلة أربعين عاماً ، ولكن هذه الصلة ما كانت لتؤثر أبداً على ديانته وأمانته ، بل كان قائماً فيها بما أوجبه الله عليه من النصح والتذكير والتوجيه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس أدل على ذلك من تلك المواقف التي أثبتتها كتب التاريخ ، والتي تبين مدى جرأته وصلابته في الحق ، وعدم مداهنته أو سكوته عن الباطل مهما كان قائله ، فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ، و الذهبي في السير عن الشافعي قال : حدثنا عمي ، قال : دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال : يا سليمان من الذي تولى كبره منهم ، قال : عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال : كذبت هو علي بن أبي طالب ، قال : أمير المؤمنين أعلم بما يقول .
فدخل ابن شهاب الزهري ، فسأله هشام فقال : هو عبد الله بن أبي ، قال : كذبت هو علي ، فقال له : " أنا أكذب !! لا أبا لك ، فو الله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت ، حدثني سعيد بن المسيب ، و عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله ، و علقمة بن وقاص عن عائشة أن الذي تولى كبره منهم " عبد الله بن أبي " ، قال : " فلم يزل القوم يغرون به ، فقال له هشام : ارحل فو الله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك " .
فهذه الحادثة وأمثالها كثير تظهر لنا مدى ورع الإمام الزهري وصدعه بالحق الذي يعتقده دون وجل أو خجل .
ثم إن " جولد زيهر " نفسه قد صور عصر بني أمية على أنه عصر ظلم وجور ، وأن الأتقياء من علماء المدينة كانوا معهم في خصام وعداء مستمر ، والمعروف من ترجمة الزهري أنه نشأ بالمدينة ، وأخذ عن شيوخها ، وعلى رأسهم إمام التابعين في عصره سعيد بن المسيب فقد لزمه حتى مات ، وأخذ عن الزهري الإمام مالك في كل مرة يأتي بها إلى المدينة ، حيث ظل يتردد بين المدينة والشام - كما يقول هو عن نفسه - خمسة وثلاثين سنة ، فلماذا لم يبغضه علماؤها أو يحذروا منه أو يكذبوه إذا كان بالفعل يكذب ويضع الأحاديث لصالح الأمويين ؟! .
وهبْ أن الخوف من الأمويين كان هو الحامل لأولئك العلماء على عدم انتقاده ، فلماذا لم ينقده العلماء في دولة بني العباس ، كما هاجموا خلفاء بني أمية وأمراءهم وأعوانهم ؟!، لماذا سكت عنه أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل ، ويحي بن معين ، و البخاري و مسلم ، و ابن أبي حاتم ، وأمثالهم ممن كانوا لا يخافون في الله لومة لائم ، وكان أحدهم ربما جرح أباه أو أخاه إذا كان فيه ما يستحق الجرح ، بل رأيناهم على العكس من ذلك يشيدون به ، وبحفظه وأمانته وإتقانه ، ويخرجون أحاديثه في كتبهم ، وإليك طرفاً من أقوالهم :
قال الإمام أحمد : الزهري أحسن الناس حديثاً ، وأجود الناس إسناداً " ، قال الإمام مالك رحمه الله : قدم ابن شهاب المدينة فأخذ بيد ربيعة ، ودخلا إلى بيت الديوان ، فما خرجا إلى العصر ، فقال ابن شهاب ما ظننت أن بالمدينة مثلك ، وخرج ربيعة وهو يقول : ما ظننت أن أحداً بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب " .
وعرفه ابن حبان في الثقات فقال : " كان من أحفظ أهل زمانه ، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار ، وكان فقيها فاضلا روى عنه الناس " ، وقال عنه الذهبي في السير : " الإمام العلم ، حافظ زمانه " ، وقال في تذكرة الحفاظ : " الزهري أعلم الحفاظ " ، وقال الحافظ ابن حجر : " الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه " .
وكل هذا غيض من فيض مما قيل في هذا الإمام الجهبذ ، مما يبين بجلاء أنه كان فوق متناول الشبه ، وأرفع من أن تعلق به ألسنة السوء ، وأكرم من أن يوصف بكذب أو وضع أو ممالأة للباطل وأهله .
وأما قصة إبراهيم بن الوليد فإن رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق قد صرحت بعرضه على الزهري ما سمعه منه ، وفيها يقول معمر : رأيت رجلاً من بني أمية يقال له : إبراهيم بن الوليد جاء إلى الزهري وعرض عليه كتاباً من علمه ، ثم قال : أحدث بهذا عنك يا أبا بكر ، قال : نعم ، فمن يحدثكموه غيري ؟ .
فعلى هذا يكون إبراهيم قد عرض على شيخه صحيفة هي من أحاديثه ، وهذا العرض يسمى في اصطلاح المحدثين ( عرض المناولة ) وهو أن يناول الشيخ التلميذ كتاباً من سماعه ، ويقول ارو هذا عني ، أو يأتيه الطالب بكتاب قد سمعه من الشيخ فيتأمله الشيخ ثم يقول ارو هذا عني ، وهو وجه من وجوه التحمل إذا كان معها إجازة ، وقد كان كثير من تلاميذ الزهري يعرضون عليه أحاديثه التي سمعوها منه ، فيتأملها ويجيزهم بها ، وما صنع إبراهيم بن الوليد - إن صحت الرواية - إنما هو من هذا القبيل ، أما أن يكون إبراهيم دوَّن أحاديث من عنده ، ثم طلب من الزهري أن يسمح له بروايتها عنه ووافقه الزهري على ذلك ، فهو مما يتنافى مع ديانة هذا الإمام وصدقه وأمانته ، فضلاً عن الحقيقة التاريخية .(11/18)
ومما ادعاه " جولد زيهر " كذلك أن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام محنة عبد الله بن الزبير ، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ، ليحج الناس إليها ، ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة ، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية ، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك ، فوضع حديث : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى )) .
مع أن الذي عليه أكثر المؤرخين أن الذي بنى قبة الصخرة إنما هو الوليد بن عبد الملك وليس عبد الملك بن مروان وحتى على افتراض ثبوت القصة التي تفيد بأن عبد الملك هو الذي بناها فليس فيها على الإطلاق ما يفيد أنه كان يريد من ذلك أن يحج الناس إليها ويتركوا الحج إلى الكعبة ، لأن مثل هذا الفعل فيه من الكفر الصريح ما لا يمكن أن يسكت عنه علماء الإسلام في ذلك العصر ، ولم نر أحداً من أهل العلم ، بل ولا من خصوم بني أمية الذين كانوا لهم بالمرصاد ، ذكر ذلك من جملة المطاعن والمآخذ عليهم .
ثم إن الإمام الزهري ولد سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين للهجرة ، ومقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان سنة ثلاث وسبعين ، فيكون عمر الزهري حينئذٍ اثنين وعشرين عاماً على الرواية الأولى ، وخمس عشرة سنة على الرواية الثانية ، فهل يعقل أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية ، بحيث تتلقى منه حديثًا موضوعًا يدعوها فيه للحج إلى القبة بدلاً من الكعبة !!؟ .
أضف إلى ذلك أن النصوص التاريخية كلها تقطع بأن الإمام الزهري لم يلتق بعبد الملك لأول مرة إلا بعد مقتل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه بسنوات ، فقد نقل الذهبي وغيره عن الليث بن سعد أنه قال : " قدم ابن شهاب على عبد الملك سنة اثنين وثمانين " ، و ابن الزبير إنما قتل سنة ثلاث وسبعين ، وبعد مقتله استتب الأمر لعبد الملك فلم يكن بحاجة إلى من يضع له أحاديث يصرف الناس بها عن الحج حتى لا يلتقوا بابن الزبير .
وأما حديث : ( لا تشد الرحال... ) الذي زعم بأنه موضوع مكذوب ، فهو حديث صحيح مروي في أصح كتب السنة ، فقد أخرجه البخاري و مسلم في صحيحهما ، وأصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد وغيرهم حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيميه : " هو حديث مستفيض متلقى بالقبول أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق " ، وقد روي من طرق مختلفة من غير طريق الزهري ، فلم ينفرد الزهري رحمه الله برواية هذا الحديث حتى يتهم بوضعه .
وليس فيه أبداً فضل قبة الصخرة ، أو الدعوة إلى الحج إليها والطواف حولها بدلاً عن الكعبة ، وغاية ما فيه فضل الصلاة في بيت المقدس ، وهو أمر دلت عليه النصوص ، وذكر شيخ الإسلام اتفاق علماء المسلمين على استحباب السفر للعبادة المشروعة فيه .
فلا يصح أبداً أن يربط هذا الحديث الصحيح بغيره من الأحاديث المكذوبة في فضائل الصخرة والتي ليس للزهري فيها يد أو رواية ، وقد نقدها أهل العلم وبينوها حتى قالوا : " كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى " .
ثم زعم " جولد زيهر " أن الزهري اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه معمر : " إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث " فقال : إن هذا يفهم منه أنه كان مستعداً لأن يخضع لرغبات الحكومة في كتابة بعض الأحاديث ، مستغلاً اسمه وشهرته في الأوساط العلمية .
وقد حرف " جولد زيهر " هذا النص الذي نقله تحريفاً يقلب المعنى رأساً على عقب ، ويوهم القارئ أن الزهري رحمه الله كان له دور في وضع بعض الأحاديث ، مع أن النص الصحيح الذي أثبته المؤرخون - كابن عساكر في تاريخ دمشق و ابن سعد في الطبقات ، و الخطيب في تقييد العلم ، و الذهبي في السير وغيرهم - أن الزهري كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس -ليعتمدوا على ذاكرتهم ، ولا يتكلوا على الكتب - فلما طلب منه هشام وأصر عليه أن يملي على ولده ليمتحن حفظه ، أملى عليه أربعمائة حديث ، فلما خرج من عند هشام ، نادى بأعلى صوته : " يا أيها الناس إنا كنا منعناكم أمراً قد بذلناه الآن لهؤلاء ، وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة " الأحاديث " ، فتعالوا حتى أحدثكم بها ، فحدثهم بالأربعمائة حديث " ،فيكون معنى العبارة إنهم أكرهونا على كتابة أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن كنا نرويها من حفظنا .
ومما يؤكد هذا المعنى رواية الدارمي بإسناد صحيح لقول الزهري : " كنا نكره كتابة العلم حتى أكرهنا عليه السلطان ، فكرهنا أن نمنعه أحداً " ، وهو يدلك على مبلغ ديانة هذا الإمام ، وأمانته وإخلاصه في نشر العلم ، حيث لم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس ، فجاء هذا المستشرق الحاقد ، فأسقط " أل " ليتغير المعنى تماماً ، وينقلب رأساً على عقب فيصير المعنى إنهم أكرهونا على وضع أحاديث من عندنا ننسبها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(11/19)
ولم يكتف بما تقدم ، بل أخذ يبحث عن كل شاردة وواردة ، ويتصيد كل ساقط من القول ، ليتخذ من ذلك دليلاً على التشكيك في أمانة الزهري ودينه وخلقه ، حتى وإن كانت النصوص التاريخية - التي يتجاهلها عمداً أو يحرفها إذا اقتضت الضرورة - تكذبه وتدحض كل شبهاته ، ومن ذلك زعمه بأن الزهري حج مع " الحجاج بن يوسف الثقفي " الذي عرف بالجور والظلم ، مع أن الثابت تاريخياً أن الزهري رحمه الله إنما حج مع عبد الله بن عمر وكان معه حين اجتمع مع الحجاج كما ورد ذلك في تهذيب التهذيب .
وأخيراً عاب على الزهري أنه تولى القضاء " ليزيد الثاني " وكان الأولى به - لو كان تقياً- أن يهرب كما هرب الشعبي والصالحون محتجاً بحديث : ( من ولي القضاء أو جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين ) ، فجعل من ذلك مبرراً كافياً لاختلال مروءته وسقوط عدالته .
مع أن أحداً من أهل العلم لم يعتبر تولي القضاء من موجبات الجرح ، والاتهام في العدالة ، وقد تولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء بين الناس ، وولاه بعض الصحابة كعلي و معاذ و معقل بن يسار وغيرهم ، كما تولى الخلفاء الراشدون بأنفسهم القضاء ، وولى عمرُ أبا الدرداء قضاء المدينة ، و شريحاً قضاء البصرة ، و أبا موسى الأشعري قضاء الكوفة ، وجاء في كتاب تولية عمر له قوله : " فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة .... " إلى أن قال : " فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذكر " .
كما تولى كثير من التابعين القضاء لبني أمية وغيرهم مثل شريح ، و أبي إدريس الخولاني ، و الحسن البصري ، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ،و القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، و مسروق ، ومنهم من تولى القضاء للحجاج نفسه ، ومع ذلك فلم يرد عن أحد من الأئمة جرح أي منهم ، لتوليهم منصب القضاء ، بل رأيناهم على العكس من ذلك اتفقوا على تعديلهم وتوثيقهم .
وقد نص أهل العلم على أن القضاء تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة ، وأنه قد يجب أحياناً على من تعين عليه ، لما فيه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأداء الحقوق إلى أهلها ، والإصلاح بين الناس ، وأن تولي القضاء للظلمة جائز بلا نزاع ، وأما الوعيد الوارد في الحديث وغيره من الأحاديث فالمقصود منه حث القاضي على توخي الحكم الشرعي ، والعدل بين الناس ، وتحذير من لم يكن أهلا لتولي هذا المنصب ، أو لم يؤد الحق فيه ، وليس المراد منه النهي عن تولي القضاء مطلقاً ، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام : " واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد ، فإنما هي في قضاء الجور للعلماء أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم , ففي هذين الصنفين جاء الوعيد " .
نعم فرَّ كثيرٌ من العلماء من القضاء ، وتحمل بعضهم في سبيل ذلك بعض الأذى ، ولكن أحداً منهم لم يفعل ذلك لكونه مسقطاً للعدالة وداعية إلى الجرح ، وإنما فعلوه بدافع الورع والزهد ، والخوف من أن يلقوا الله وعليهم تبعات من أمور الناس .
وبهذا يعلم أن تولي القضاء ليس مسقطاً للعدالة - كما أراد أن يصوره جولد زيهر - ، بل هو شرف عظيم لمن قام بحقه ، ولو لم يكن فيه إلا النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم بين الناس بما أنزل الله ، لكفى بذلك شرفاً وفضلاً .
هذه هي أهم الشبه التي أثارها هذا المستشرق الحاقد حول إمام من أكابر علماء السنة والحديث ، والتي أراد من ورائها إفقاد الثقة به لدى المسلمين ، وبالتالي إفقاد الثقة بالحديث النبوي ، وهي - كما ترى - شبه وأباطيل لا تستند إلى أية حقيقة تاريخية ثابتة ، وإنما هي من نسج خياله ، وصنع أحقاده ، وعدائه للحديث وأهله ، والله غالب على أمره .
_________
المراجع :
- السنة ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي .
- المستشرقون والحديث النبوي د.محمد بهاء الدين .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأم
================
عدالة الصحابة
الشبكة الإسلامية)
اتخذ الطعن في السنة أشكالاً متعددة ، وطرقاً متنوعة ، فتارة عن طريق الطعن في حجيتها ومكانتها ، وتارة عن طريق الطعن في الأسانيد والتقليل من شأنها ، وتارة عن طريق الطعن في منهج المحدثين في النقد والجرح والتعديل ، وتارة عن طريق الطعن في المرويات بالتشكيك فيها وادعاء التناقض والتعارض بينها ، إلى غير ذلك من مطاعن سبق الحديث عنها في مواضيع سابقة .(11/20)
ومن تلك الوسائل التي اتخذها أعداء الإسلام للطعن في السنة وإسقاط الثقة بها ، الطعن في حَملة الأحاديث ورواة السنن من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى شككوا في عدالة الصحابة عموماً ، وكالوا التهم والافتراءات لبعضهم على وجه الخصوص ، وغرضهم من ذلك تقويض صرح الإسلام ، وزعزعة الثقة بأصوله ، فإن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين أبلغونا هذا الدين ، وإذا زالت الثقة عنهم أصبح كل الذي بين أيدينا مشكوكاً فيه ، ورحم الله الإمام أبا زرعة الرازي حين قال : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، , وهم الزنادقة " أهـ .
فقد نسب المستشرقون الوضع في الأحاديث إلى رجال الإسلام القدامى ، ويعنون بذلك جيل الصحابة ، يقول المستشرق اليهودي " جولد زيهر " : " ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها ، بل هناك أحاديث عليها طابع القدم ، وهذه إما قالها الرسول أو هي من عمل رجال الإسلام القدامى " ، ثم قال : " وقد اعترف أنس بن مالك الذي صاحب الرسول عن قرب عشر سنوات ، عندما سئل عما يحدث عن النبي هل حدثه به فعلاً فقال : " ليس كل ما حدثنا به سمعناه عن النبي ولكننا لا نكذب بعضنا " .
وطالب من تبعهم من المستغربين بعدم تمييز الصحابة عن غيرهم ، ووضعهم في ميزان النقد والجرح والتعديل كما يوضع غيرهم .
فقال " أبو رية " في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " : إنهم - أي العلماء - قد جعلوا جرح الرواة وتعديلهم واجباً تطبيقه على كل راوٍ مهما كان قدره - فإنهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة فلم يتجاوزوها ، إذ اعتبروهم جميعاً عدولاً لا يجوز عليهم نقد ، ولا يتجه إليهم تجريح ، ومن قولهم في ذلك : " إن بساطهم قد طوي " ، ومن العجيب أنهم يقفون هذا الموقف على حين أن الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضهم بعضاً " .
وقال أيضاً : " إذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول ، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة ، واعتبروهم جميعاً معصومين من الخطأ والسهو والنسيان ، فإن هناك كثيراً من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة ، وإنما قالوا كما قال العلامة المقبلي : إنها أغلبية لا عامة ، وأنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو ، بل والهوى ، ويؤيدون رأيهم بأن الصحابة إن هم إلا بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم ، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية ، وأن سيدهم الذي اصطفاه الله صلوات الله عليه - والله أعلم حيث يجعل رسالته - قد قال : ((إنما أنا بشر أصيب وأخطئ )) ، ويعززون حكمهم بمن كان منهم في عهده صلوات الله عليه من المنافقين والكاذبين ، وبأن كثيراً منهم قد ارتد عن دينه بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى ، بله ما وقع من الحروب والفتن التي أهلكت الحرث والنسل ، ولا تزال آثارها ولن تزال إلى اليوم وما بعد اليوم ، وكأن الرسول صلوات الله عليه قد رأى بعيني بصيرته النافذة ما سيقع من أصحابه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، فقال في حجة الوداع : " (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنكم تحشرون حفاة عراة ، وإن ناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي ، أصحابي ، فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح :{وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم }(المائدة 117) .
وقال " أحمد أمين " في " فجر الإسلام " : " وأكثر هؤلاء النقاد - أي نقاد الحديث - عدلوا الصحابة كلهم إجمالا وتفصيلاً ، فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوء ، ولم ينسبوا لأحد منهم كذباً ، وقليل منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم ...... إلى أن قال : وعلى كلٍّ فالذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث - وخاصة المتأخرين - على أنهم عدلوا كل صحابي ، ولم يرموا أحداً منهم بكذب ، ولا وضع ، وإنما جرحوا من بعدهم " ، وقال في موضع آخر : " ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد ، وينزلون بعضاً منزلة أسمى من بعض ، فقد رأيت قبل أن منهم من كان إذا روي له حديث طلب من المحدثين برهاناً " أهـ .
وللجواب على هذه الشبهة نقول : إن تعديل الصحابة رضي الله عنهم وتنزيههم عن الكذب والوضع ، هو مما اتفق عليه أئمة الإسلام ونقاد الحديث من أهل السنة والجماعة ، ولا يعرف من طعن فيهم وشكك في عدالتهم إلا الشذاذ من أصحاب الأهواء والفرق الضالة المنحرفة ممن لا يلتفت إلى أقوالهم ، ولا يعتد بها في خلاف ولا وفاق .(11/21)
كيف وقد عدلهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم ومدحهم في غير ما آية فقال جل وعلا : {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود .....الآية }(الفتح 29) ، وقال سبحانه : {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم }( التوبة 100) ، وقال : { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون }( التوبة 88) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تزكيهم ، وتشيد بفضلهم ومآثرهم ، وصدق إيمانهم وإخلاصهم ، وأي تزكية بعد تزكية الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ؟! .
كما عدلهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين منزلتهم ، ودعا إلى حفظ حقهم وإكرامهم ، وعدم إيذائهم بقول أو فعل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، وقال : ( لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) أخرجاه في الصحيحين ، وقال أيضاً : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) ، رواه الترمذي .
وأجمع المسلمون من أهل السنة والجماعة على عدالتهم وفضلهم وشرفهم ، وإليك طرفاً من أقوال أئمة الإسلام وجهابذة النقاد فيهم ، قال ابن عبد البر رحمه الله كما في الاستيعاب : " قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول " .
وقال ابن الصلاح في مقدمته : " ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ومن لابس الفتنة منهم فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحساناً للظن بهم ، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة " أهـ .
وقال الإمام الذهبي : " فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي ، وإن جرى ما جرى ..... ، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل ، وبه ندين الله تعالى " .
وقال ابن كثير : " والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة " ثم قال : " وقول المعتزلة : الصحابة كلهم عدول إلا من قاتل علياً قول باطل مردود " ، ثم قال : " وأما طوائف الروافض وجهلهم وقلة عقلهم ، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً - وسموهم- فهذا من الهذيان بلا دليل " .
على أنه - كما قال الخطيب في الكفاية - لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكر لأوجب الحال التي كانوا عليها - من الهجرة ، وترك الأهل والمال والولد ، والجهاد ونصرة الإسلام ، وبذل المهج وقتل الآباء والأبناء في سبيل الله - القطع بتعديلهم واعتقاد نزاهتهم وأمانتهم ، وأنهم كانوا أفضل من كل من جاء بعدهم .
والطعن في الصحابة رضي الله عنهم طعن في مقام النبوة والرسالة ، فإن كل مسلم يجب أن يعتقد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، وقام بما أمره الله به ، ومن ذلك أنه بلغ أصحابه العلم وزكاهم ورباهم على عينه ، قال عز وجل: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } (الجمعة:2) ، والحكم بعدالتهم من الدين ، ومن الشهادة بأن - الرسول صلى الله عليه وسلم - قام بما أمره الله به ، والطعن فيهم يعني الطعن بإمامهم ومربيهم ومعلمهم صلى الله عليه وسلم ، كما أن الطعن فيهم مدخل للطعن في القرآن الكريم ، فأين التواتر في تبليغه ؟ وكيف نقطع بذلك إذا كانت عدالة حملته ونقلته مشكوكاً فيها ؟!.
وأما الزعم بأن أكثر النقاد عدَّلوا الصحابة مغالطة وتلبيس ، لأن النقاد كلهم قالوا بتعديل الصحابة وليس أكثرهم ، والذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث ، بل من أصحاب الميول المعروفة في التاريخ الإسلامي بالتعصب والهوى والابتداع في الدين ، لتمرير بدعهم وترويج انحرافهم ، حيث لم يجدوا لذلك سبيلاً إلا بالطعن في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
صحيح أن الصحابة رضي الله عنه كانوا بشراً ، وليسوا بالمعصومين ، لكنهم كانوا في القمة ديناً وخلقاً ، وصدقاً وأمانة ، والذين قالوا : إن الصحابة عدول ، لم يقولوا قط إنهم معصومون من المعاصي ، ولا من الخطأ والسهو والنسيان ، وإنما أثبتوا لهم حالة من الاستقامة في الدين تمنعهم من تعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(11/22)
حتى الذين أقيم عليهم حدُُّ أو قارفوا ذنباً وتابوا منه ، لا يمكن أن يتعمدوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهؤلاء قلة نادرة لا ينبغي أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة ، الذين جانبوا المآثم والمعاصي لا سيما الكبائر منها .
وأما الذين لابسوا الفتن فكانوا مجتهدين يعتقد كل منهم أن الحق معه ، وعليه أن يدافع عنه ، والمجتهد مأجور على اجتهاده أخطأ أم أصاب ، ومع ذلك فهم قليل جداً بالنسبة لأكثر الصحابة الذين اعتزلوا هذه الفتن ، كما قال محمد بن سيرين : " هاجت الفتن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف فما خف لها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين " .
ولا يلتفت إلى استشهاد أبي رية بكلام " المقبلي " لأن " المقبلي " نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد ، هادوية الفقه ، شيعية تشيعاً مختلفاً ، يغلظ فيه أناس ويخف آخرون ، فجاء حكمه متأثراً بتلك الأجواء التي عاشها ، والبيئة التي تربى فيها ، وقد بين ذلك العلامة المعلمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة .
ونحن حينما نصف صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هم له أهل ، فإنما نريد صحابته المخلصين الذين أخلصوا دينهم ، وثبتوا على إيمانهم ، ولم يغمطوا بكذب أو نفاق ، فالمنافقون الذين كشف الله سترهم ، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم ، والمرتدون الذين ارتدوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعده ، ولم يتوبوا أو يرجعوا إلى الإسلام ، وماتوا على ردتهم ، هؤلاء وأولئك لا يدخلون في هذا الوصف إطلاقاً ، ولا تنطبق عليهم هذه الشروط أبداً ، وهم بمعزل عن شرف الصحبة ، وبالتالي هم بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول العلماء والأئمة : " إنهم عدول " ، وفي تعريف العلماء للصحابي ما يبين ذلك بجلاء ، حيث عرفوه بأنه من لقي - النبي صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على ذلك .
وأما الزعم بأن الصحابة - أنفسهم في زمنهم - كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد ، وينزلون بعضاً منزلة أسمى من بعض ، وهو يعني بعض المراجعات التي كانت تدور بينهم حول بعض الأحاديث ، فلم يكن ذلك عن تكذيب منهم للآخر كما جاء عن أنس رضي الله عنه : " لم يكن يكذب بعضنا بعضاً " ، بل كانت الثقة متوفرة بينهم ، ولكنهم بشر لم يخرجوا عن بشريتهم ، فلا يمنع أن يراجع بعضهم بعضاً في بعض الأمور والأحكام ، إما للتثبت والتأكد ، لأن الإنسان قد ينسى أو يسهو أو يغلط عن غير قصد ، ومن ذلك ما ثبت من مراجعة الخليفتين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما لبعض الصحابة في بعض مروياتهم ، وطلبهم شاهداً ثانياً ، فلم يكن ذلك منهم عن تهمة ولا تجريح ، وإنما هو لزيادة اليقين والتثبت في الرواية ، وليقتدي بهم في ذلك من بعدهم ، وليس أدل على ذلك من قول عمر رضي الله عنه ، لأبي موسى الأشعري - وقد طلب منه أن يأتي بمن يشهد معه على سماعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد تكون هذه المراجعة لأنه ثبت عند الصحابي ما يخالف الحديث ، أو ما يخصصه أو يقيده ، أو لأنه رأى مخالفته لظاهر القرآن ، أو لظاهر ما حفظه من سنة إلى غير ذلك ، وما دار بينهم من مراجعات مدون ومحصور في كتب الحديث ، ومشفوع بأجوبته ، وهم فيها بين مصيب له أجران ، ومخطئ له أجر واحد .
فليس من الإنصاف إذاً ، أن تُجعل هذه المراجعات دليلاً على اتهام الصحابة بعضهم لبعض ، وتكذيب بعضهم لبعض كما يزعم المرجفون .
إذاً فتعديل الصحابة رضي الله عنهم أمر متفق عليه بين المسلمين ، ولا يطعن فيهم إلا من غُمص في دينه وعقيدته ، ورضي بأن يسلم عقله وفكره لأعدائه ، معرضاً عن كلام الله وكلام رسوله وإجماع أئمة الإسلام .
_________________
المراجع :
- دفاع عن السنة د. محمد أبو شهبة .
- منهج المدرسة العقلية الأمين الصادق الأمين .
- السنة ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي .
- الحديث والمحدثون محمد أبو زهو .
==================
أبو هريرة رضي الله عنه .... الصحابي المفترى عليه
(الشبكة الإسلامية)
بعد أن حاول أعداء السنة التشكيك في عدالة الصحابة ، كخطوة أولى لتمهيد السبيل ، وفتح الباب للطعن والتشكيك في أفرادهم وآحادهم - طالما أن عدالتهم وديانتهم قد سقطت - ، جاءوا إلى بعض الصحابة الذين عرفوا بكثرة الحديث والرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجهوا سهام النقد إليهم ، ورموهم بكل نقيصة ، سعياً منهم إلى نزع الثقة فيهم ، وبالتالي إهدار جميع مروياتهم ، وعدم اعتبار أي قيمة لكتب السنة التي أخرجت هذه الأحاديث ، وأجمعت الأمة على تلقيها بالقبول ، وهذا هو ما يريدون التوصل إليه .(11/23)
ولا يوجد أحد من الصحابة تعرض لحملات جائرة مسعورة ، بمثل ما تعرض له الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ، وهي حملات ليست جديدة في الحقيقة ، فقد أطلق بعض أهل الأهواء ألسنتهم فيه منذ القدم لتسويغ بدعتهم وانحرافهم ، فنقل الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " ، الكثير مما رمي به أبو هريرة في القديم من قبل النظَّام و الإسكافي وأمثالهما من أهل البدع والأهواء الذين لهم مواقف معروفه من أكثر الصحابة ، حتى جاء بعض المستشرقين من أمثال " جولد زيهر " ، فوقعوا على أقوال المتحاملين فأخذوا وزادوا ، وأبدؤوا وأعادوا ، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة ، تلقفها بعض أبناء جلدتنا فأعادوا صياغتها وتعليبها ، وقدَّموها للناس على أنها حقائق علمية ، ونتائج موضوعية لم يسبق التوصل إليها .
فأما " أحمد أمين " فقد وزع طعونه على أبي هريرة في مواضع متفرقة من " فجر الإسلام " ، وكان حديثه عنه حديث المحترس المتلطَّف المحاذر من أن يجهر في حقه بما يعتقده من سوء ، ولكن أسلوبه ، وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة ، وحرصه على التشكيك في صدقه ، وادعاء شك الصحابة فيه ، والتركيز على عرض الأمور التي يسيء ظاهرها لأبي هريرة ، وإغفال الجوانب الأخرى التي تبين مكانته بين الصحابة والتابعين ، وأئمة الحديث ، وثناءهم عليه ، وإقرارهم له بالصدق والحفظ والإتقان ، مما هو ألصق وأشد تعلقاً بموضوع البحث أكثر من أي شيء آخر ، كل ذلك أبان قصده ، وكشف الستار عن مراده .
وأما " أ بو رية " - عامله الله بما يستحق - فقد كان أفحش ، وأسوأ أدباً من كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة والرافضة ، والمستشرقين قديماً وحديثاً ، مما يدل على سوء نية وخبث طوية ، حيث عرض لترجمته في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، فيما يربو على خمسين صفحة لم يدع منقصة ، ولا مذمة إلا ألصقها به ، وألف كتاباً مستقلاً ضمنه كل إفك وبهتان ، وملأه بكل جارح من القول ، وتهجم فيه على أبي هريرة وغيره من الصحابة ، ورماهم بالكذب والاختلاق ، وسمى كتابه " شيخ المضيرة أبو هريرة " ، وهو عنوان يقطر حقداً وسخرية وتنقصاً لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الكتاب يرجع إليه ويعتمد عليه كل من لا خلاق له ممن يطعن في الصحابة ويسبهم ، وتدور مطاعنه ، في احتقاره ، وازدراء شخصيته ، واتهامه بعدم الإخلاص في إسلامه ، وعدم الصدق في حديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه لبطنه وللمال ، وتشيعه لبني أمية إلى غير ذلك من الإفك والبهتان .
وسنعرض لشيء من هذه المطاعن على جهة الإشارة ، لا على جهة الحصر والاستقصاء ، والوقوف عند التفصيلات والأمثلة ، فذلك أمر يطول ، وقد كفانا مؤنة ذلك الأئمة والعلماء الذين قيضهم الله عز وجل للدفاع عن هذا الصحابي الجليل ، فردوا كل ما قيل في حقة من مطاعن وافتراءات ، وكشفوا نوايا هؤلاء المغرضين ، وبينوا الحق من الباطل ، وميزوا الطيب من الخبيث ، في بحوث ودراسات علمية معروفة ومتداولة ، قائمة على النزاهة في البحث ، بعيدة كل البعد عن الهوى والعصبية ، ويمكن لكل طالب حق أن يرجع إليها ، ليعرف شهادة التاريخ الصادق ، ورأي صحابة رسول الله ، وعلماء التابعين ، وأئمة المسلمين ، في هذا الصحابي الجليل ، ويقارن بعد ذلك بين هذه الصورة المشرقة ، وبين الصورة التي أراد هؤلاء أن يظهروه بها .
فقد غضوا من شأنه ، وطعنوا في أصله ونسبه ، مدعين أنه لم يكن معروفاً في أوساط الصحابة ، وأنه كان غامض الحسب ، مغمور النسب ، ولم يعرف إلا بكنيته ، بدلالة أن الناس اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً ، مع أن الخلاف لا يتجاوز عند التحقيق ثلاثة أقوال كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ونحن نجد عشرات الصحابة اختلف في أسمائهم إلى أكثر من ذلك ، وكثير منهم إنما اشتهروا بكناهم لا بأسمائهم ، فلماذا هذا التشويش بالذات على أبي هريرة رضي الله عنه ، ومتى كان الاختلاف في اسم الرجل يشينه أو يسقط من عدالته ؟؟.
وزعموا أنه كان مغموراً ، لم يذكر في طبقات الصحابة ، وليست له أي فضيلة أو منقبة ، مع أن المعروف من ترجمته أنه كان ممن هاجر بين الحديبية والفتح في العام السابع من الهجرة ، وأنه صاحَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولازمه ما يربو على ثلاث سنين ، ويكفيه ذلك فضلاً وشرفاً، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأمه أن يحببهما إلى عباده المؤمنين كما في الصحيح ، وكان عريف أهل الصفة ، وهم أضياف الإسلام ، وأحباب النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد ذكره الإمام مسلم فيمن لهم فضائل من الصحابة ، وعقد له الإمام النووي باباً في شرحه على مسلم ، وذكر الحاكم في مستدركه جملة صالحة من مناقبه استغرقت بضع صفحات ، وأما البخاري فهو وإن لم يعقد له ترجمة خاصة ، لكنه ذكر فضائله ضمن أبواب كتابه ، ومنها كتاب العلم .(11/24)
وطعنوا في صدقه وديانته ، وأنه إنما أسلم حباً في الدنيا لا رغبة في الدين ، وهي دعوى يكذبها كل من يطالع سيرته وترجمته ، وما كان عليه رضي الله عنه ، من التقشف والانقطاع إلى العلم والعبادة ، وتبليغ أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - .
ثم بحثوا عن كل عيب يمكن إلصاقه به ، حتى ولو كان من الأمور التي لا يعاب المسلم بها ، ولا تعلق لها بالحديث والرواية .
فعيروه بفقره وجوعه ، ومتى كان الفقر عيباً يعير به الإنسان إلا في منطق المتعالين المتكبرين ؟!
وعيروه بأميته ، وهل كانت أمية الصحابي سبباً للطعن فيه في أي عصر من عصور الإسلام ؟!حتى تذكر من جملة المطاعن ، ونحن نعلم أن الكتبة من الصحابة قليل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .
وجعلوا من لطافة أخلاقه ، وطيب معشره مدخلاً للنيل منه ، فوصفوه بأنه كان مزاحاً مهذاراً ، مع أنه خلق أكرمه الله به ، وحببه به إلى الناس ، ومتى كان المزاح المباح ، والتلطف إلى الناس والتودد إليهم خلقاً معيباً عند كرام الناس ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً ، ومع ذلك كان يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً ، وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم ، فما هو الحرج في المزاح إذا كان مباحاً لا إسفاف فيه ، ولا إيذاء لأحد ، وفيه من المعاريض التي تدعو إلى إعمال الفكر والنظر ، وكل الذي ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ، إنما هو من هذا القبيل ، وأما المزاح الساقط ، المشتمل على المجازفة ورديء القول والفعل ، فحاشا وكلا أن يكون أبو هريرة مما عرف به .
ثم لماذا يركز على هذا الجانب فقط من ترجمة أبي هريرة ، وتغفل الجوانب الأخرى التي عرف واشتهر بها بين الناس ورواها كل من ترجم له ، أين هي أخبار عبادته وصيامه وقيامه ، وتسبيحه وأوراده ؟!، أين هي أخبار كرمه وجوده ، وزهده وتقشفه وإعراضه عن الدنيا ؟! ، لماذا لا تذكر هذه الأمور عند التعرض له ، لا شك أن وراء الأكمة ما وراءها .
ورموه أيضاً بعدم الفقه وقلة الفهم ، وهو محض افتراء على التاريخ ، والواقع أنه كان من فقهاء الصحابة ، ومن كبار أئمة الفتوى ، كما يذكر ذلك أهل التراجم والطبقات فقد ذكره ابن سعد أنه ممن كانوا يفتون بالمدينة منذ مقتل عثمان إلى أن توفي رحمه الله ، وهذا يعني أنه مكث يفتي الناس على ملأ من الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرين عاماً ، وكان يعارض أجلاء الصحابة كابن عباس في بعض المسائل ، وعده ابن حزم في فقهاء الصحابة ، وكذا الحافظ بن حجر في الإصابة ، وجمع تقي الدين السبكي جزءاً في فتاوى أبي هريرة ، وقال الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : أبو هريرة الدوسي اليماني ، الحافظ الفقيه ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أوعية العلم ، ومن كبار أئمة الفتوى ، مع الجلالة والعبادة والتواضع " أهـ ، وعندما ذكر ابن القيم في " إعلام الموقعين " المفتين من الصحابة ، وأنهم كانوا بين مكثر ومقل ومتوسط ، ذكر أبا هريرة من المتوسطين مع أبي بكر الصديق ، و أبي موسى الأشعري ، و معاذ بن جبل ، و جابر بن عبد الله ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فمن زعم بعد ذلك أن أبا هريرة غير فقيه فهو العاري عن الفقه .
وقالوا : إنه لم يكن يكتب الحديث ، بل كان يحدث من ذاكرته ، مع أن ذلك شيء لم ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، بل هو صنيع كل من روى الحديث من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدا عبد الله بن عمرو بن العاص فقد كانت له صحيفة يكتب فيها .
وادعوا كذلك أنه ، لم يكن يقتصر في تحديثه على ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة ، بل كان يحدث عنه ، بما أخبره به غيره ، واعتبروا ذلك منه تدليساً ، مع أن المعروف عند أهل العلم أن رواية الصحابي عن الصحابي وإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسمى تدليساً ، بل تسمى إرسالاً ، وقد أجمع أهل العلم على الاحتجاج بمرسل الصحابي وقبوله ، وأن حكمه حكم المرفوع ، لأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي مثله ، والصحابة كلهم عدول ، فكون أبي هريرة يرسل بعض الأحاديث التي سمعها من غيره من الصحابة هذا أمر لا يعيبه ولا ينقص من قدره ، ولا يختص به وحده ، فقد كان ذلك شأن كثير من الصحابة الذين لم يحضروا بعض مجالسه - صلى الله عليه وسلم - إما لاشتغالهم ببعض أمور المعاش ، وإما لحداثة أسنانهم كابن عباس وغيره ، وإما لتأخر إسلامهم ، ويؤيد ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه : " ما كل ما نحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه ولكن لم يكذب بعضنا بعضاً " ، كما أن الأحاديث التي أرسلها هي شيء يسير مقارنة بما سمعه مباشرة بدون واسطة ، وقد تتبع الحافظ العراقي ما رواه عن غيره فجمع عشرين حديثاً فيها ما لا يصح .(11/25)
وانتقدوا أيضاً كثرة أحاديثه - التي بلغت كما جاء في مسند بقي بن مخلد 5374- ، مع تأخر إسلامه حيث إنه لم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاث سنين ، مدعين أن بعض الصحابة قد انتقدوه على إكثاره ، وشكوا فيه .
وكل باحث متجرد يجزم بأن سبب هذه الكثرة إنما هي طول ملازمته للرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله ، خلال هذه الفترة ، مع ما حباه الله من قوة الحفظ والذاكرة ، ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، أضف إلى ذلك تفرغه التام من الشواغل والصوارف ، فقد كان من فقراء الصحابة ومن أهل الصفة ، ليس له أهل ولا ولد ولا مال ، وكان يلازم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يقيم به صلبه ، ولا شك أن المتفرغ للشيء ، المهتم به ، المتتبع له ، يجتمع له من أخباره ، والعلم به في زمن يسير ، ما لا يجتمع لمن لم يكن كذلك .
وبعد أن تفرق الصحابة في الأمصار على عهد الخلفاء الراشدين ، رأى أن من الواجب عليه ، أن يبلغ ما حفظه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمته ، وخاف عاقبة الكتمان إن هو امتنع عن التحديث ، فتفرغ للعلم والرواية والتحديث ، وكان من الطبيعي أن يثير إكثار أبي هريرة من الحديث استغراب بعض التابعين ، ولكن ما أن يبين لهم سبب ذلك ، حتى يزول هذا الاستغراب والدهشة ، فقد جاء في الصحيحين عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : يقولون : إن أبا هريرة قد أكثر ، والله الموعد ، ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه ، وسأخبركم عن ذلك : إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أَرَضيهم ، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وكنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : ( أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا ثم يجمعه إلى صدره فإنه لم ينس شيئا سمعه ) ، فبسطت بردة علي ، حتى فرغ من حديثه ، ثم جمعتها إلى صدري ، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به ، ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون *إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }( البقرة 159- 160) .
ولا يوجد أبداً نص ثابت يفيد بأن الصحابة رضي الله عنهم شكوا فيه ، أو صرحوا بكذبه ، أو منعوا من الاستماع إليه ، بل نصوص التاريخ الثابتة ، كلها تقطع بإقرار الصحابة له بالحفظ ، واعترافهم بأنه كان أكثرهم اطلاعاً على الحديث ، وربما استغرب أحدهم بعض أحاديثه ، ولكنه لا يلبث إلا أن يسلم له ، ويقبل منه ، ويعترف بإحاطته وحفظه .
ذكر ابن سعد في الطبقات أن أبا هريرة رضي الله عنه حدَّث ذات مرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث ( من شهد جنازة فله قيراط ) ، فقال ابن عمر : " انظر ما تحدث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة ، فقال : أخبريه كيف سمعتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، فصدَّقَت أبا هريرة ، فقال أبو هريرة : يا أبا عبد الرحمن والله ما كان يشغلني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرس الوَدِيِّ ، ولا الصفق بالأسواق ، فقال: ابن عمر : " أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحفظنا لحديثه " وأصله في الصحيح .
وأخرج ابن كثير في تاريخه عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله ، إذ دخل رجل فقال : يا أبا محمد ، والله ما ندرى هذا اليماني أعلم برسول الله منكم ؟ أم يقول على رسول الله ما لم يسمع ، أو ما لم يقل ، فقال طلحة : " والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله ما لم نسمع ، وعلم ما لم نعلم ، إنا كنا قوماً أغنياء ، لنا بيوتات وأهلون ، وكنا نأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار ثم نرجع ، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل ، وإنما كانت يده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يدور معه حيث دار ، فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم ، وسمع ما لم نسمع " وقد رواه الترمذى أيضاً .
كل ذلك يؤكد على أن صدق أبي هريرة لم يكن أبداً محل نزاع أو شك عند الصحابة ولا من بعدهم من التابعين .(11/26)
وأما ما ورد من أن عمر نهاه عن التحديث ، وقال له : " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس " ، فإنه على افتراض صحة هذه الرواية ، فقد كان ذلك في ظرف معين ، فعندما رأى أبو هريرة رضي الله عنه أن من الواجب عليه أن يحدث الناس بما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خروجاً من إثم كتمان العلم ، ألجأه ذلك إلى أن يكثر من رواية الحديث ، فربما سرد في المجلس الواحد الكثير من الأحاديث ، وكان عمر رضي الله عنه ، يرى أن يشتغل الناس بالقرآن ، وأن يقلوا الرواية عن رسول الله في غير أحاديث العمل ، وأن لا يحدث الناس بأحاديث الرخص لئلا يتكلوا عليها ، إلى غير ذلك من الأمور ، ومن أجل ذلك قال لأبي هريرة ما قال ، لأنه كان أكثر الصحابة رواية للأحاديث ، فلم يقل ذلك تكذيباً له ولا شكاً في حديثه - وقد ذكر هذا التوجيه الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية - ، كما ذكر أنه أذن له في التحديث بعد ذلك . انظر سير أعلام النبلاء (2/601).
وهذا التوجيه إنما هو على فرض صحة هذه الرواية وثبوتها ، ولكن دون ذلك - كما قال المعلمي في الأنوار الكاشفة - مفاوز وقفار تنقطع فيها أعناق المطي ، وقد ذكر ما يثبت عدم صحة الخبر .
وأما ما يروونه من أن عمر رضي الله عنه ضربه بالدرة ، وقال له : " أكثرت يا أبا هريرة من الرواية ، وأَحْرِ بك أن تكون كاذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكل ذلك كذب مفضوح ، لا يوجد في أي مصدر معتمد ، وإنما هي أخبار مستقاة من مصادر أقل ما يقال عنها ، إنها مصادر غير معتمدة في البحث العلمي ، ككتب الأدب التي تروي التالف والساقط من الأخبار ، أو كتب أهل الأهواء التي عرف أصحابها ببغض أبي هريرة والافتراء عليه ، وليس لها أي قيمة علمية .
إذاً فإكثار أبي هريرة من الرواية كان مرجعه إلى طول الملازمة ، وعدم الشواغل ، والتفرغ للعلم والتعليم والفتيا ، وتأخر الوفاة ، وعدم الاشتغال بشؤون الحكم والولاية ، فهل يجوز بعد ذلك أن تتخذ كثرة روايته ، وحفظه للحديث مجالاً للطعن في صدقه وأمانته ؟!.
ولم تقف مطاعنهم عند هذا الحد ، فقد افتروا عليه بأنه كان متشيعاً لبني أمية ، يأخذ من معاوية الأعطيات من أجل وضع الأحاديث في ذم علي رضي الله عنه ، مع أن التاريخ والروايات والأخبار كلها تشهد بأن أبا هريرة رضي الله عنه كان محباً لآل البيت ، يعرف قدرهم ومكانتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يناصبهم العداء قط ، وهو الذي روى الكثير في مناقبهم وفضائلهم ، وبوجه خاص فضائل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ومن أشهرها حديث الراية يوم خيبر ، وروى في فضائل الحسن و الحسين أكثر من حديث ، وهو الذي كشف عن بطن الحسن رضي الله عنه ، وقال : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقبل - ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه ممن نصر عثمان يوم الدار كما نصره علي وابنه الحسن و الحسين .
بل إن الروايات التاريخية الصحيحة تدل على أنه رضي الله عنه كانت له مواقف صلبة مع بعض الولاة من بني أمية كما في موقفه مع مروان بن الحكم - الذي كان والي المدينة آنذاك ، فقد اصطدم معه حين تدخل مروان في منع دفن الحسن عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأغلظ له في الكلام قائلاً : " تدَخَّلُ فيما لا يعنيك " ، ولما أراد أن يتخذ مروان من إكثار أبي هريرة للحديث ، سبيلاً إلى إسكاته أجابه بجواب صريح قوي ، حتى تمنى مروان أنه لم يكن أثاره ، وكانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة أبي هريرة ، وكان مما قاله : " إنى أسلمت وهاجرت اختياراً وطوعاً ، وأحببت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حباً شديداً ، وأنتم أهل الدار ، وموضع الدعوة ، أخرجتم الداعى من أرضه ، وآذيتموه وأصحابه ، وتأخر إسلامكم عن إسلامي إلى الوقت المكروه إليكم ، فندم مروان على كلامه له واتقاه " .
وروى البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال : كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : ( هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش ) وفي رواية ( غلمة سفهاء ) ، فقال أبو هريرة : " لو شئت أن أقول بني فلان ، وبني فلان لفعلت ، وكان ذلك كما قال الحافظ في الفتح في زمن معاوية رضي الله عنه ، وفي ذلك تعريض ببعض أمراء بني أمية .
بل روي عنه ما هو أصرح من ذلك مما يدل على شجاعته ، وعدم مداهنته ، فثبت عنه أنه كان يتعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان ، ويشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين للهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة ، كما ذكر ذلك الحافظ بن حجر في الفتح .(11/27)
ولكنه مع ذلك كله كان منصرفاً إلى بث السنة وخدمة العلم ، أبى أن يخوض في الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما ، كما أبى أن يخوضها عدد من كبار الصحابة ، اجتهاداً منهم بأن هذا هو الموقف الأسلم ، والأبرأ للذمة .
فهل هذه مواقف رجل متهم في دينه وإسلامه ، متشيع لبني أمية كما يريد أن يصوره الأفاكون المبطلون ، عليهم من الله ما يستحقون .
ومما شغب به أهل الأهواء على أبي هريرة حديث الوعائين ، وهو حديث أخرجه البخاري عنه وفيه يقول : " حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ".
فقالوا لو صح لترتب عليه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كتم شيئاً من الوحي عن جميع الصحابة سوى أبي هريرة وهذا لا يجوز بإجماع المسلمين ، وكيف يخص أبا هريرة بعلم ، دون سائر الصحابة ممن هم أرفع منه منزلة وقدراً .
وقد أجاب أهل العلم عن المقصود بهذا الحديث فقالوا : المراد بالوعائين نوعان من الأحاديث التي تلقاها عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فأما النوع الأول : فهو ما يتعلق بأحاديث الأحكام والآداب والمواعظ ، وهذا هو الذي بلَّغه خشية إثم الكتمان ، وأما الآخر فهو ما يتعلق بالفتن والملاحم وأشراط الساعة ، وما سيقع للناس ، والإشارة إلى ولاة السوء ، مما لا يتوقف عليه شيء من أصول الدين أو فروعه ، فهذا هو الذي آثر ألا يذكر الكثير منه حتى لا يكون فتنة للسامع ، أو يسبب له التحديث به ضرراً في نفسه أو ولده أو ماله .
ولعل مما يؤكد ذلك رواية ابن سعد في الطبقات والتي يقول فيها : " لو حدَّثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر ، فقال الحسن : " صدق والله ، لو أخبرنا أن بيت الله يهدم ويحرق ما صدقه الناس " .
وهذا هو الذي ذكره أهل العلم في توجيه هذا الأثر ، قال الإمام ابن كثير في " البداية والنهاية " : " وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به ، هو الفتن والملاحم ، وما وقع بين الناس من الحروب والقتال ، وما سيقع ، التي لو أخبر بها قبل كونها ، لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه ، وردوا ما أخبر به من الحق " أهـ .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " : " وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به ، خوفا على نفسه منهم ، كقوله : " أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان " ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة ..... ثم قال : " ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة ، لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها ، لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم ، وقال غيره : " يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة ، وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من لا شعور له به " أهـ .
وأيا كان تأويل الحديث فليس فيه ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بشيء من ذلك دون غيره من الصحابة .
كل ذلك نموذج لما قيل في هذا الصحابي الجليل ، وهو يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قاله الأقدمون من أهل الأهواء ، بفارق واحد كما قال العلامة " أحمد شاكر " أن أولئك الأقدمين - زائغين كانوا أو ملحدين - كانوا علماء مطلعين ، أكثرهم ممن أضله الله على علم ، وأما هؤلاء المعاصرون فليس إلا الجهل والجرأة وترديد ألفاظ لا يفهمونها ، بل هم فيها مقلدون متبعون لكل ناعق .
وقد تعرض الحاكم رحمه الله في المستدرك لكل من تكلم في أبي هريرة رضي الله عنه ، وجعلهم أصنافاً ، وكأنما يرد على هؤلاء المعاصرين فقال رحمه الله : " وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم ، فلا يفهمون معاني الأخبار ، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم - الذي هو كفر - فيشتمون أبا هريرة ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه ، تمويهاً على الرعاع والسفل ، أن أخباره لا تثبت بها الحجة .
وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام ، إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف مذهبهم الذي هو ضلال ، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان ، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة .
أو قدري اعتزل الإسلام وأهله ، وكفَّر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها ، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك ، كانت حجته عند نفسه : أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها .(11/28)
أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه ، إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه وأخباره ، تقليداً بلا حجة ولا برهان ، تكلم في أبي هريرة ، ودفع أخباره التي تخالف مذهبه ، ويحتج بأخباره على مخالفيه ، إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه .
وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخباراً لم يفهموا معناها ، أنا ذاكر بعضها بمشيئة الله تعالى " أهـ .
ثم أخذ الحاكم يذكر بعض الأحاديث التي استشكلت من أحاديث أبي هريرة ويجيب عنها .
فهذه كلمة الحق في رواية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وهذا هو ما ذهب إليه أئمة الهدى ، وأعلام التقى ، وكبار فقهاء الإسلام ومحدثيه ، وإن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على مرأى ومسمع من كبار الصحابة والتابعين ، ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم ، لا يعرف أن أحداً من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه ، وكلهم يجمع على جلالته والثقة به ، وينطوي على ذلك تاريخ الإسلام أربعة عشر قرناً من الزمان ، وكلها شهادات حق وصدق في أحاديثه وأخباره ، ليأتي اليوم من يشكك فيه ، ويزعم أن المسلمين جميعاً أئمة وأصحاباً وتابعين ومحدثين كانوا مخدوعين فيه ، ولم يعرفوه على حقيقته ، وأنه كان يكذب ويفتري في الواقع ، فأي إزراء واستخفاف بعقول هذه الأمة وعلومها ودينها أعظم من هذا ، وصدق الله : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }( الحج 46) .
_______________
المراجع :
- السنة ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي .
- دفاع عن السنة د. محمد أبو شهبة .
- أبو هريرة راوية الإسلام د. محمد عجاج الخطيب .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ، الأمين الصادق الأمين .
- الحديث والمحدثون محمد أبو زهو .
- المستشرقون والحديث النبوي د. محمد بهاء الدين .
- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني .
================
الإسرائيليات والحديث النبوي
(الشبكة الإسلامية)
من المعلوم أن الله جل وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب لتوحيده وعبادته ، وأن هناك أصولاً مشتركة اتفقت عليها جميع الأديان والرسالات ، فالعقائد وأصول الفضائل والأخلاق والآداب ، والضرورات التي جاءت جميع الشرائع بحفظها ، هذه أمور مقررة في كل دين ، ولا تختلف باختلاف الأزمان ، ولا باختلاف الرسالات قال سبحانه:{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }(الشورى 13) ، وقال سبحانه : {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }(الانبياء 25) .
وأما تفصيلات الشرائع العملية ، فهي تختلف من دين لآخر ، فما يصلح لزمان قد لا يصلح لزمان آخر ، وما يلائم طبيعة قوم قد لا يلائم آخرين ، ولذا قال سبحانه : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }(المائدة 48) .
ثم إن الكتب السماوية السابقة قد طواها الزمن ولم يصل إلينا منها غير التوراة والإنجيل ، ولم يسلما مع ذلك من التحريف والتبديل ، وأما القرآن فقد كتب الله له الخلود ، وحفظه من الضياع والتحريف والتبديل ، فجاء مصدِّقاً لما سبقه من الكتب ، مؤكداً على الجانب الذي دعا إليه كل الأنبياء ، وقامت عليه جميع الرسالات .
وفي الوقت نفسه جاء مهيمناً وحاكما وشاهداً عليها ، يبين ما طرأ عليها من تحريف وتغيير وتبديل ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه فهو باطل ، وقد وصفه الله بهذين الوصفين بقوله :{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه }(المائدة 48) .
وقد كان لاختلاط المسلمين بأهل الكتاب ومجاورتهم لهم ، ودخول كثير منهم في الإسلام ، أثره في نقل كثير من أخبارهم إلى المسلمين ، وهو ما اصطلح عليه العلماء بـ " الإسرائيليات " من باب التغليب ، وإلا فإنه يشمل أخبار أهل الكتابين معاً اليهود والنصارى على حد سواء .
ولعل مما أسهم في انتقال تلك الأخبار أن من منهج القرآن في سرد القصص والحوادث الاقتصار على مواضع العظة والعبرة ، وعدم التعرض للتفاصيل والجزئيات ، والنفوس تتشوف لمعرفة جزئيات الحوادث ، وتفصيل مجملات القصص ، وأخبار بدء الخلق والتكوين وما أشبه ذلك ، أضف إلى ذلك وجود الإذن النبوي في التحديث عن بني إسرائيل من غير حرج ، فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يسألون عن ذلك بالقدر الذي يرون أنه موضح للقصة ، ومبين لما أجمل في القرآن ، من غير أن يخرجوا عن دائرة الجواز والإذن النبوي .(11/29)
ولكن الناس بعد ذلك توسعوا في رواية هذه الأخبار فدخلت كثير من أباطيل أهل الكتاب وخرافاتهم وترهاتهم على المسلمين، ونسب الكثير منها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى صحابته رضوان الله عليهم وإلى أئمة الإسلام ، حتى اتخذها بعض المتأخرين مادة يشرحون بها نصوص القرآن وملئت بها كتب التفسير ، مما شكل خطراً بالغاً على عقائد المسلمين بما تضمنته من تشبيه لله تعالى ، ووصفه بما لا يليق بجلاله وكماله ، وبما يتنافى مع عصمة الأنبياء والمرسلين ، إضافة إلى تشويهها لصورة الإسلام ، وتصويره في صورة دين خرافي يستخف بالعقول ويعنى بالترهات والأباطيل .
وقد دخل في الحديث من ذلك ما دخل في التفسير ، وكان الذين دسوا مثل هذه الأخبار ونسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - في الأعم الأغلب طائفتان هما : الزنادقة الذين أظهروا الإسلام ودخلوا فيه عن خبث طوية بغرض الطعن والافتراء ، والقصاص الذي روجوا لتلك الأخبار ليستميلوا وجوه العوام إليهم ، ويستدروا ما عندهم عن طريق التحديث بالمناكير والغرائب والأكاذيب ، وقد وجدت هاتان الطائفتان في مرويات أهل الكتاب وأساطير القدماء مادة خصبة لتحقيق أغراضهم .
ولم يكن أمرهم ليخفى على المحدِّثين الذين تصدوا لهذه الظاهرة ، وكشفوا حقيقة هذه الأخبار وبينوا زيفها وكذبها ، ووزنوا الروايات بميزان دقيق ، وطبقوا عليها منهجهم الفريد في النقد وسبر المرويات ، شأنها شأن غيرها من الأخبار المختلقة الموضوعة ، كما يظهر ذلك من خلال ما كتبوه في علوم الحديث ، وتراجم الرجال ، والأحاديث الموضوعة ، والمشتهرة على الألسنة ، إلى غير ذلك .
ومع ذلك اتخذت هذه الإسرائيليات - مع الأسف الشديد - مدخلاً للطعن في أئمة الإسلام وعلمائه ممن كان لهم في الإسلام قدم راسخة ، حتى كادت تذهب بالثقة في بعض الصحابة والتابعين ، الذي عرفوا بالثقة والديانة ، واشتهروا بين المسلمين بالتفسير والحديث ، وذلك بسبب ما أسند إليهم من هذه الإسرائيليات ، حيث اتهموا بأبشع الاتهامات من قبل بعض المستشرقين ومن مشى في ركابهم ، وعدُّوهم مضللين مدسوسين على الإسلام وأهله .
وإليك طائفة من أقوالهم لترى كيف اتفقت كلمتهم ، وتوحدت آراءهم ، وكأنها خرجت من مشكاة واحدة ، مما يدل على وحدة المصدر والهدف والغاية .
يقول " جولد زيهر " في كتاب " المذاهب الإسلامية في التفسير " : " ومن بين المراجع العلمية المفضلة عند ابن عباس نجد أيضاً كعب الأحبار اليهودي ، و عبد الله بن سلام ، وأهل الكتاب على العموم ممن حذر الناس منهم ، كما أن ابن عباس نفسه في أقواله حذر من الرجوع إليهم ، ولقد كان إسلام هؤلاء عند الناس فوق التهمة والكذب ، ورُفِعوا إلى درجة أهل العلم الموثوق بهم ..... ورجعوا إليهم سائلين عن هذه المسائل بالرغم من التحذير الشديد - من كل جهة - من سؤالهم " أهـ .
وتبعه أحمد أمين على هذا الرأي حيث قال في " فجر الإسلام " : " وقد دخل بعض هؤلاء اليهود في الإسلام ، فتسرب منهم إلى المسلمين كثير من هذه الأخبار ، ودخلت في تفسير القرآن يستكملون بها الشرح ، ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس عن أخذ أقوالهم ، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) " ولكن العمل كان على غير ذلك ، وأنهم كانوا يصدقونهم وينقلون عنهم " أهـ .
وقال في "ضحى الإسلام " : " كذلك أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالاً من الإنجيل دست على أنها أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وأما الشيخ رشيد رضا فقد كان من شدة إنكاره للإسرائيليات وتعنيفه على من روجوا لها ، ربما أخذه الحماس إلى حدِّ النيل والطعن في بعض من نسبت إليهم هذه الإسرائيليات بحق أو بباطل ، وإلى حدِّ غمْزِ المحدثين ورميهم بالتقصير وقلة الاطلاع والاغترار بهم ، لأنهم وثَّقوهم وخرَّجوا أحاديثهم .
حيث قال في مجلة المنار : " ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب وكان يصدقه . ...... ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب ، وكان يصدقه " ، وقال في موضع آخر وهو يناقش بعض الكتاب : " ولا يهولنه انخداع بعض الصحابة والتابعين بما بثاه - يقصد كعب الأحبار و وهب بن منبه - هما وغيرهما من هذه الأخبار فإذا صدق بعض الصحابة ، كعب الأحبار في بعض مفترياته التي كان يوهمهم أنه أخذها من التوراة أو غيرها من كتب أنبياء بني إسرائيل ، وهو من أحبارهم أو في غير ذلك ، فلا يستلزم هذا إساءة الظن فيهم " أهـ .
وقال : " ثم ليعلم أن شرَّ رواة هذه الإسرائيليات ، أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين هذان الرجلان " واستَشْهد بما جاء في صحيح البخاري عن معاوية في شأن كعب : " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب " .(11/30)
وأما " محمود أبو رية " فقد كان أشد القوم إسفافاً وطعناً وتجنياً على الصحابة والتابعين حيث عقد فصلاً في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " بعنوان : " الإسرائيليات والحديث "بين فيه منشأها حسب زعمه ، وتعرض لعبد الله بن سلام و كعب الأحبار و وهب بن منبه ، وأمثالهم من علماء أهل الكتاب الذي أسلموا وحسن إسلامهم ، متهماً إياهم بالمكر والدهاء ، والتظاهر بالدخول في الإسلام للطعن والدس فيه ، وهدم أصوله وأركانه ، ونال أكثر ما نال من كعب واعتبره الصهيوني الأول ، وصوَّر الصحابة في صورة البُلَهاء السُّذَّج المغرر بهم الذين يصدقون كل ما يلقى إليهم من غير وعي ولا تمحيص .
يقول " أبو رية " : " وقد كان أقوى هؤلاء الكهان دهاء وأشدهم مكراً ، كعب الأحبار و وهب بن منبه ، و عبد الله بن سلام ولما وجدوا أن حيلهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوى ، وأن المسلمين قد سكنوا إليهم ، واغتروا بهم ، جعلوا أول همهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم ، وذلك بأن يدسوا إلى أصوله التي قام عليها ما يريدون من أساطير وخرافات ، وأوهام وترهات ، لكي تهي هذه الأصول وتضعف ، ولما عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم لأنه قد حفظ بالتدوين ، واستظهره آلاف من المسلمين ، وأنه قد أصبح بذلك في منعة من أن يزاد فيه كلمة أو يتدسس إليه حرف اتجهوا إلى التحدث عن النبي فافتروا ما شاءوا أن يفتروا عليه من أحاديث لم تصدر عنه " .
إلى أن قال : " ويسر لهم كيدهم أن وجدوا الصحابة يرجعون إليهم في معرفة ما لا يعلمون من أمور العالم الماضية ، واليهود بما لهم من كتاب ، وما فيهم من علماء ، كانوا يعتبرون أساتذة العرب فيما يجهلون من أمور الأديان السابقة ، إن كانوا مخلصين صادقين " .
ثم قال : " وأنى للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق من الكذب من أقوالهم ، وهم من ناحية لا يعرفون العبرانية التي هي لغة كتبهم ، ومن ناحية أخرى كانوا أقل منهم دهاء وأضعف مكراً ، وبذلك راجت بينهم سوق هذه الأكاذيب ، وتلقى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة بغير نقد أو تمحيص ، معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه " أهـ .
وهذا الكلام كله يمكن إجمال الرد عليه في محورين رئيسين :
الأول : ما يتعلق باتهام الصحابة بالتوسع في الأخذ عن أهل الكتاب ، من غير وعي ولا تمحيص ، ورميهم بالانخداع والغفلة والسذاجة .
الثاني : ما يتعلق بالطعن في بعض من أسلموا من أهل الكتاب ، وحَسُن إسلامهم وعُرِفوا بالعلم والفضل ، والعدالة والثقة والعدالة ، واتهامهم بأن غرضهم الدسيسة والكيد للإسلام وأصوله .
أما قضية أخذ بعض الصحابة عن أهل الكتاب ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم الناس بأمور دينهم ، وقد خصهم الله بالعلم والفهم ، والورع والتقى ، وسبق لهم من الفضل على لسان نبيهم ما ليس لأحدٍ بعدهم ، ومن شكَّ في ذلك فعليه أن يراجع دينه وإيمانه ، قال الإمام الشافعي في الرسالة القديمة ، بعد أن ذكرهم وذكر من تعظيمهم وفضلهم : " وهم فوقنا في كل علم واجتهاد ، وورع وعقل ، وأمرٍ استُدْرِك به عليهم ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا " .
وما ثبت من أن بعض الصحابة كأبي هريرة و ابن عباس وغيرهما كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب ، فهو أمر لا يعيبهم ولا ينقص من قدرهم وعلمهم وذلك لأمور منها : أنهم لم يخرجوا عن دائرة الجواز التي حدّها لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذن لهم فيها بقوله : " بلغوا عني ولو آية ، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري .
وفي الوقت نفسه لم يخالفوا النهي الوارد في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا .... الآية " رواه البخاري .
ولا تعارض بين هذين الحديثين ، فإن الأول أباح لهم أن يحدِّثوا عما وقع لبني إسرائيل من الأعاجيب لما في أخبارهم من العبرة والعظة ، بشرط أن يعلموا أنه ليس مكذوباً ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحدث بالكذب .
وأما الحديث الثاني فالمراد منه التوقف فيما يحدّث به أهل الكتاب إذا كان محتملاً للصدق والكذب ، لأنه ربما كان صدْقاً في واقع الأمر فيكذبونه ، أو كذباً فيصدقونه فيقعون بذلك في الحرج .
فهذا النوع من الأخبار المحتملة للصدق والكذب هو الذي نهينا عن تصديقه أو تكذيبه ، وليس المراد منه ما جاء شرعنا بموافقته أو مخالفته ، فإن الموقف منه واضح ومعروف .
ومن هنا يتبين لنا أنه لا تعارض بين إذنه - صلى الله عليه وسلم - بالتحديث عن بني إسرائيل ، وبين نهيه عن تصديقهم أو تكذيبهم ، كما يتبين لنا القدر الذي أباحه الشارع من الرواية عن أهل الكتاب .(11/31)
إذاً فالصحابة رضي الله عنهم كان لديهم منهج سديد ، ومعيار دقيق في قبول ما يلقى إليهم من الإسرائيليات ، فما وافق شرعنا قبلوه ، وما خالفه كذبوه ، وما كان مسكوتاً عنه توقفوا فيه .
ثم إنهم لم يكونوا يرجعون إليهم في كل أمر ، وإنما كانوا يرجعون إليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث والأخبار ، ولم يُعرف عنهم أبداً أنهم رجعوا إليهم في العقائد ولا في الأحكام ، ولو ثبت أنهم سألوا أهل الكتاب عن شيء يتعلق بالمعتقد فلم يكن ذلك عن تهوك منهم وارتياب ، وإنما كان لإقامة الحجة عليهم ، بالاستشهاد والتأييد لما جاء في شريعتنا ، عن طريق الاحتجاج عليهم بما يعتقدون .
أما إنكار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب وقال :(( أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني )) .
وإنكار بعض الصحابة - كابن عباس نفسه - على من كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب بقوله - كما في البخاري : " يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم- أحدث الأخبار بالله ، تقرؤونه لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله ، وغيروا بأيديهم الكتاب ، فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم " .
هذا الإنكار لا يعارض الجواز والإذن الثابت في نصوص أخرى ، لأنه كان في مبدأ الإسلام ، وقبل استقرار الأحكام ، وأما الإباحة فجاءت بعد أن عرفت الأحكام واستقرت ، وذهب خوف الاختلاط والتشويش ، قال الحافظ بن حجر رحمه الله : " وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية ، خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك ، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار " أهـ .
كما أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يسألون عن الأشياء التي يشبه أن يكون السؤال عنها نوعاً من اللهو والعبث ، كالسؤال عن لون كلب أهل الكهف ، والبعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، ومقدار سفينة نوح ، ونوع خشبها ، واسم الغلام الذي قتله الخضر ، وغير ذلك مما يعد السؤال عنه قبيحاً ، ومن قبيل تكلف ما لا يعني ، وتضييع الأوقات في غير طائل ، الأمر الذي ينزه عنه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ومما يدل أيضاً على أن الصحابة لم يكونوا يتلقفون كل ما يصدر عن أهل الكتاب دون نقد وتمحيص تلك المراجعات العديدة ، والردود العلمية على بعض أهل الكتاب ، في أمور أنكروها ، وردوا عليهم خطأهم فيها .
ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال : (( فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه الله إياه )) ، فقد اختلف السلف في تعيين هذه الساعة ، وهل هي باقية أم رفعت ؟ وإذا كانت باقية فهل هي في جمعة واحدة من السنة ، أو في كل جمعة منها ؟ .
وقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه كعب الأحبار عن ذلك فأجابه كعب بأنها في جمعة واحدة من السنة ، فرد عليه أبو هريرة قوله هذا ، وبين له أنها في كل جمعة ، ولما رجع كعب إلى التوراة ، وجد أن الصواب مع أبي هريرة فرجع إليه ، كما في الموطأ .
كما سأل أبو هريرة أيضاً عبد الله بن سلام عن تحديد هذه الساعة قائلاً له : " أخبرني ولا تَضِنَّ عليَّ " ، فأجابه عبد الله بن سلام بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة ، فرد عليه أبو هريرة بقوله : " كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلِّي " ، وتلك الساعة لا يصلَّّى فيها ؟ .... أخرجه أبو داود وغيره .
ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال : " المفدي إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود " .
ولما بلغه أن نوفاً البكالي - وهو ربيب كعب الأحبار - ، يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر : قال : " كذب " حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساق الحديث الذي عند البخاري في قصة موسى مع الخضر .(11/32)
وذكر ابن كثير في تفسيره أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ،قال لكعب منكِراً : " أنت تقول : " إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ " فقال له كعب : " إن كنت قلت ذلك ، فإن الله تعالى قال : {وآتيناه من كل شيء سببا }( الكهف 84) ، قال ابن كثير معلقاً : " وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب هو الصواب ، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار " .
فهذا كله وغيره يؤكد على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا مغفلين مخدوعين يصدقون كل ما يلقى إليهم ، بل كانوا يتحرون الصواب ، ويردون على أهل الكتاب أقوالهم التي تستحق الرد والمراجعة .
فهل يعقل بعد هذا ، وبعد ما عرفناه من عدالة الصحابة وحرصهم على امتثال أوامر الله ورسوله ، وعدم تسليمهم لأهل الكتاب كل ما يروونه من إسرائيليات ، أن نقول بتهاونهم ، ومخالفتهم لتعاليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن رميهم بالغفلة وعدم الفطنة ، اللهم إنا نبرأ إليك من ذلك .
وأما يتعلق بالمحور الثاني من هذا الموضوع فإن أي باحث منصف لا ينكر أن الكثير من الإسرائيليات قد دخلت في الإسلام عن طريق أهل الكتاب الذين أسلموا ، وأنهم نقلوها بحسن نية ، ولا ينكر أيضاً أثرها السيئ في كتب العلوم ، وأفكار العوام من المسلمين .
ولكن الذي لا يسلم به أن يكون عبد الله بن سلام و كعب الأحبار و وهب بن منبه وأضرابهما - ممن أسلموا وحسن إسلامهم - كان غرضهم الدس والاختلاق والإفساد في الدين .
فعبد الله بن سلام كان من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن علماء أهل الكتاب الذين جمعوا علم التوراة وعلم الإنجيل ، ولا يوجد من أئمة الإسلام ، وعلماء الحديث الذين نقدوا الرجال من ناله بتهمة ، أو مسَّه بتجريح ، بل وجدناهم يعدلونه ويوثقونه ، ولهذا اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث ، مما يدل على مبلغ علمه وسلامة دينه .
كيف وقد شهد له - صلى الله عليه وسلم - بالجنة كما في البخاري عن سعد بن أبي وقاص ، قال : ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال : وفيه نزلت هذه الآية :{ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله .... }الآية ( الاحقاف 10) .
ومعاذ الله أن يكون عبد الله بن سلام دسيسة على الإسلام والمسلمين ، وأن يكون قد أسلم خِداعاً لينفث سمومه ، ولو كان كذلك لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول المخدوعين فيه يوم أن جاءه مسلماً ، وقصته معروفة مشهورة مع قومه من اليهود .
ثم معاذ الله لو خُدِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه أول الأمر ، أن يظل مخدوعاً وأن يتخلى الله عن نبيه فلا ينبهه على ذلك ، في الوقت الذي يتنزل عليه القرآن صباح مساء ، ويكشف له كثيراً من أحوال المنافقين وخباياهم .
وأما ما صح عنه من بعض الروايات الإسرائيلية فلا تغض من شأنه وعلمه ، فإنها على قلتها لا تعدو أن تكون من قبيل ما أذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في روايته ، ولا يمكن أن تخدش في عدالته ، أو تضعف الثقة فيه ، وإلا لما اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث .
وما نسب إليه كذباً من إسرائيليات بقصد ترويجها فليس ذنبه بل ذنب من نسبها إليه ، وكم وضع الوضاعون من أحاديث ونسبوها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو خير منه ، فما حط ذلك من قدره ، ولا غض من مقامه .
وأما كعب الأحبار فهو من التابعين الأخيار ، وقد أخرج له البخاري و مسلم وغيرهما ، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام ، واتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه ، فترجم له النووي في تهذيبه بقوله : " اتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه " أهـ ، ولذا لا تجد له ذكراً في كتب الضعفاء والمتروكين.
والمتتبع لحياة كعب في الإسلام ، ومقالات أعلام الصحابة فيه ، ومن تحمل منهم عنه وروى له ، ومن أخرج له من شيوخ الحديث في مصنفاتهم ، يجد ما يدحض هذه الفرية ويرد هذه التهمة ، ويشهد للرجل بقوة دينه ، وصدق يقينه ، وأنه طوى قلبه على الإسلام المحض ، والدين الخالص ، لا على أنه دسيسة يهودية تستر بالإسلام - كما زعم الزاعمون - .
ولا يعكر عليه قول معاوية في حقه - كما في الصحيح - : " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب " .
فهذا الكلام لا يخدش في ثقة كعب وعدالته ،بل إن في ذلك تزكية من معاوية وثناء عليه بأنه أصدق المحدثين عن أهل الكتاب ، وقول معاوية : " وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب " ، لا يراد منها اتهامه بالكذب ، وإنما المقصود أن في بعض الأخبار التي ينقلها بأمانة ما لا يطابق الواقع ، فالكذب حينئذ مضاف إلى تلك الكتب التي ينقل عنها لا إلى كعب ، وهو نحو قول ابن عباس في حقه " بدل من قبله فوقع في الكذب " .(11/33)
وبهذا التوجيه وجه أئمة النقد والرجال عبارة معاوية فقال ابن حبان في الثقات : " أراد معاوية أنه يخطئ أحياناً فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذاباً " ، وقال ابن الجوزي : " المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً ، لا أنه كان يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار " ، وقال ابن كثير في تفسيره : " يعني فيما ينقله ، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه ، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شيء منها بالكلية ، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض " أهـ .
وأما وهب بن منبه فهو من خيار التابعين وثقاتهم ، أخرج له البخاري و مسلم ، ولا يُعلم أحد من أئمة هذا الشأن طعن فيه بأنه وضاع ودسَّاس ، بل رأيناهم يوثقونه ، فقد وثقه أبو زرعة و النسائي و العجلي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الذهبي : " كان ثقة صادقاً كثير النقل من كتب الإسرائيليات " .
ولسنا ننكر رواية كعب وو هب وغيرهما للإسرائيليات ، فذلك أمر تنطق به كتب التفسير والحديث التي تعنى بسرد الإسرائيليات : ولكن يجب قبل أن نجازف بالحكم عليهم أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين هامين :
الأمر الأول : أن ما رووه من أخبار بني إسرائيل ، لم يسندوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكذبوا فيه على أحد من المسلمين ، وإنما كانوا يروونه على أنه من الإسرائيليات ، ويحكونه غير مصدقين له ، بل كان موقفهم منها كموقف الصحابة رضي الله عنهم ، فما جاء على وفق شرعنا صدقوه ، وما خالفه كذبوه ، وما لم يوافق أو يخالف شرعنا توقفوا فيه وردوا فيه علمه إلى الله عز وجل .
الأمر الآخر : أنه ليس كل ما ينسب إليهم صحيحاً ، فقد اختلق الوضاعون عليهم أشياء كثيرة ، فاتخذوهم مطية لترويج الكذب وإذاعته بين الناس ، مستغلين شهرتهم العلمية الواسعة بما في كتب أهل الكتاب ، ثم تناقل هذه الأخبار بعض القصاص والمؤرخين والأدباء ، وبعض المفسرين على أنها حقائق ، من غير أن يتثبتوا من صحة نسبتها إلى من عزيت له .
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : " وبعض أهل عصرنا تكلم فيه - يقصد وهب بن منبه - عن جهل ، ينكرون أنه يروي الغرائب عن الكتب القديمة ، وما في هذا بأس ، إذ لم يكن ديناً ، ثم أنى لنا أن نوقن بصحة ما روي عنه من ذلك وأنه هو الذي رواه وحدَّث به " .أهـ .
فهل بعد هذا كله نقبل كلام " جولد زيهر " ومن مشى في ركابه ، ونعرض عن كلام أئمة الإسلام ، وجهابذة المحدثين والنقاد ، الذين وثقوا هؤلاء الرواة ، وخرجوا أحاديثهم في كتبهم التي تلقتها الأمة بالقبول جيلاً بعد جيل ، فضلاً عن أن نتهمهم بالمكر والدهاء والكيد للإسلام وأهله ، اللهم إنا نبرأ إليك من ذلك .
________________
مراجع الموضوع :
- دفاع عن السنة د. محمد محمد أبو شهبة .
- التفسير والمفسرون د. محمد حسين الذهبي .
- الإسرائيليات في التفسير والحديث د. محمد حسين الذهبي .
- الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير د.رمزي نعناعة .
- الحديث والمحدثون محمد محمد أبو زهو .
================
المستشرقون وإسناد الحديث
(الشبكة الإسلامية)
تنبع أهمية الإسناد ومكانته في ديننا من أهمية الحديث ومكانته التشريعية ، والتي تحتل المرتبة الثانية بعد كتاب الله تعالى ، فالسند كان ولا يزال أهم الوسائل التي حفظ الله بها الحديث وصانه من الوضع والكذب والافتراء ، كما أنه المعيار الأول الذي تقيم به الروايات ، وتوزن به الأخبار ، لمعرفة صحيحها من سقيمها ، وقويها من ضعيفها .
وقد بدأ إسناد الحديث مع بداية الرواية التي بدأت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين كان الصحابة يتناوبون في حضور مجلسه عليه الصلاة والسلام فيبلغ الشاهد منهم الغائب ، وينقل كل منهم لغيره ما سمعه وشاهده ، مع نسبة القول أو الفعل إلى قائله الذي سمعه منه سواء كان ذلك القائل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحابياً آخر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم - ، وقد لا يذكر بعضهم الواسطة فيما لم يسمعه مباشرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا عن جهل منه وعدم معرفة بمن أخذ عنه ، ولكن لوجود الثقة بينهم ، وبعدهم عن مظان الكذب ، فالصحابة كلهم ثقات عدول ، ولقرب العهد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثم استمر الحال على ذلك مدة من الزمن ، وإن كان الاحتياط والتثبت في الرواية قد وُجد على عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، كما يدل عليه قصة أبي بكر رضي الله عنه مع المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة ، وقصة عمر رضي الله عنه مع أبي موسى في الاستئذان ثلاثاً ، إلا أنه لم ينتقل إلى طور الإلزام بإسناد الحديث عند روايته .(11/34)
حتى وقعت الفتن التي أودت بحياة الخليفتين الراشدين عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وما رافق ذلك من اختلاف الأمة وتفرقها ، وظهور الفرق والطوائف ، ومحاولة كل فرقة التمسك بما يؤيد موقفها ، مما استوجب زيادة الحيطة والحذر ، والتثبت في قبول الروايات ، فأصبح السؤال عن السند ، وإلزام الرواة به أمراً ضرورياً اقتضته طبيعة المرحلة ، التي مهدت السبيل أمام أصحاب الأهواء والبدع للدس والافتراء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الأمر الذي بينه ابن عباس رضي الله عنهما كما في مقدمة مسلم أن بشيراً العدوي جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه - أي لا يستمع - ولا ينظر إليه ، فقال: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟! فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول ، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف " ، وبينه أيضاً الإمام ابن سيرين بقوله : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" .
وهذا لا يعني أن الإسناد لم يكن موجوداً قبل الفتنة ، أو أنه لم يستعمل من قبل الرواة ، وإنما المقصود أن بداية البحث والتحري وإلزام الرواة بالإسناد بدأ عقب الفتنة ، ثم صار الالتزام بالسند أمراً شائعاً ، وسنة متبعة لدى رجال الحديث .
ومع وضوح بداية استعمال السند ، وشيوع التزامه والتمسك به في هذا الوقت المبكر من تاريخ الحديث ، فإن المستشرقين وأذنابهم حاولوا أن يثيروا الشكوك حول الإسناد وبداياته وأهميته في الرواية ، وذلك لإضعاف الثقة به ، ومن ثم إضعاف الثقة بالحديث النبوي ، لأن التشكيك في الإسناد أو التقليل من أهميته ، هو في الحقيقة تشكيك في السنة النبوية ، التي وصلت إلينا ، وتناقلتها الأمة جيلاً إثر جيل ، بواسطة هذه الأسانيد .
فمن المستشرقين من شكك في بدايات الإسناد كما فعل كايتاني ( ت 1926 م ) الذي زعم في حولياته " أن الأسانيد أضيفت إلى المتون فيما بعد بتأثير خارجي ، لأن العرب لا يعرفون الإسناد ، وأن استعمال الأسانيد إنما بدأ أول ما بدأ بين عروة بين الزبير المتوفى سنة 94هـ ، و ابن إسحاق المتوفى سنة 151هـ ، وأن عروة لم يستعمل الإسناد مطلقاً، و ابن إسحق استعملها بصورة ليست كاملة .
وأشار " شبرنجر " ( ت 1893 م ) إلى تعاسة نظام الإسناد وأن اعتبار الحديث شيئاً كاملاً سنداً ومتناً قد سبَّب ضرراً كثيراً وفوضى عظيمة ، وأن أسانيد عروة مختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون .
وأما " ميور " معاصر "شبرنجر " ، فينتقد طريقة اعتماد الأسانيد في تصحيح الحديث ، لاحتمال الدس في سلسلة الرواة .
وأما " شاخت " ( ولد 1902 م ) ، فقد أجرى دراسة على الأحاديث الفقهية وتطورها - على حد زعمه - أجراها على كتابي " الموطأ " لمالك و" الأم " للشافعي وعمم نتائج دراسته على كتب الحديث الأخرى ، ثم خلص إلى أن السند جزء اعتباطي في الأحاديث ، وأن الأسانيد بدأت بشكل بدائي ، حتى وصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ، وأنها كانت كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء ، ولذا فإن أي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات فيضعها في الإسناد " .
ووُجد مع الأسف الشديد فيمن ينتسب إلى الإسلام من ردد أقوال المستشرقين فيما يتعلق بالإسناد ومدى الحاجة إليه ، حتى وصف بعضهم أهل الحديث بأنهم "عبيد الأسانيد" ، و" أسرى الأسانيد " ، وأن الإسناد نوع من التزمت ، وأن المبالغة في الاعتداد به ، وربط الأحكام الشرعية به ، واعتباره بالدرجة الأولى أساساً لصحة الحديث ، قد أثمر افتراقاً كبيرا بين المسلمين ، وحولهم إلى فرق وأحزاب يعارض بعضها بعضا ، ويقاتل بعضها بعضا ، ويكيد بعضها لبعض على مر السنين .(11/35)
وقبل مناقشة هذه المزاعم لا بد من التنبيه على أن من الأسباب التي جعلت المستشرقين يتوصلون إلى هذه النتيجة في حكمهم على الأحاديث النبوية ، أنهم لم يجروا دراستهم على كتب الحديث المعتمدة التي عنيت بذكر الأسانيد وعولت عليها ، بل اختاروا الكتب التي تكون دراستها للحديث غير مقصودة لذاتها ككتب السيرة والفقه مثلاً ، فـ " شاخت " عندما أصدر حكمه هذا على الأسانيد أصدره بناء على دراسة قام بها لكتاب الموطأ للإمام مالك ، والموطأ للإمام محمد الشيباني ، وكتاب الأم للشافعي ومن المعلوم أن هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث ، وعلى الرغم من ذلك فقد عمم نتيجته التي توصل إليها في دراسته لتلك الكتب ، وفرضها على كافة كتب الحديث ، وكأنه ليس هناك كتب خاصة بالحديث النبوي ، وكأنه ليس هناك فرق بين طبيعة كتب الفقه وكتب الحديث .
فقد يحذف الفقهاء جزءاً من الإسناد اكتفاءً بأقل قدر ممكن من المتن الذي يدل على الشاهد والمقصود وذلك تجنباً للتطويل ، وقد يحذفون الإسناد بكامله ، وينقلون مباشرة عن المصدر الأعلى ، وقد يستعملون الإسناد أحياناً ، ويقطعونه أحياناً .
وبهذا يتبين بأن كتب السيرة وكتب الفقه ليست مكاناً صحيحاً لدراسة ظاهرة الأسانيد ونشأتها وتطورها ، وأن أي دراسة أو نتيجة يتوصل إليها الباحث فيما يتعلق بالأحاديث النبوية أو الأسانيد في غير مصدرها الأصلي ، محكوم عليها بالفشل والإخفاق ، وعلى هذا الأساس فإن ما قام به المستشرقون من دراسة وما توصلوا إليه من نتائج في هذا المجال كانت نتائج خاطئة ، هذا إذا افترضنا حسن النية ، والنزاهة في البحث العلمي ، فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء القصد والعداء للإسلام وأهله ، وتشويه مصادره ، وهدم أصوله وأركانه .
وأما ما يتعلق بتفنيد هذه المزاعم فمن المعلوم لدى كل منصف أنه لم يلق علم من العلوم الإسلامية في جميع جوانبه وفروعه ما لقيه علم الحديث من العناية والاهتمام ، بدءا من عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى يوم الناس هذا ، فما من جزئية من جزئياته إلا وقد فصَّلها العلماء بحثاً ودراسة ، وذلك تحقيقاً لوعد الله في حفظ الذكر ، ومن ذلك ما يتعلق بإسناد الحديث .
فقد درس المحدثون هذه الأسانيد دراسة مستوفية من حيث الاتصال ، ووضعوا القواعد التي تتناول كافة أحوال الاتصال ، وسائر وجوهه ، فنظروا إليه من حيث مبدئه ومنتهاه ، ودرسوا صيغه ، وبينوا شروطها ، ونظروا إلى مسافة السند من حيث الطول والقصر ، وإلى حال الرواة عند الأداء ، ونقدوا الأسانيد في الحديث الواحد وما فيها من زيادة ونقص .
كما درسوا الإسناد من حيث الانقطاع ، وأنواعه ، فبحثوا عن مواضعه من أوله أو وسطه أو آخره ، كما بحثوه من حيث طبيعته في الظهور والخفاء ، وبلغوا في ذلك المنتهى والغاية .
فاستوفوا بذلك جميع أوجه الاحتمالات في اتصال الحديث وانقطاعه ، مما جعل حكمهم على الأحاديث في غاية الدقة والسداد .
إضافة إلى أنهم اشترطوا في الحديث الصحيح شروطاً تضمن أن ينقله الثقة عن الثقة حتى يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال التام ، وكل واحد من الرواة يخبر باسم الذي أخبره ونسبه وحاله ، لا تفوتهم في ذلك كلمة أو زيادة لفظة فما فوقها ، وهذه الشروط هي الضبط والعدالة واتصال السند ، وعدم الشذوذ والعلة ، فاختص الإسناد من ذلك بثلاثة شروط ، واشترك مع متن الحديث في الشرطين الآخرين .
وعرف عن أئمة هذا الشأن الإكثار من الترحال والتنقل في طلب الأسانيد ، للوقوف على أحوال الرواة وسيرهم عن كثب ، وحرصاً منهم على قرب الأسانيد وقلة النقلة والوسائط ، ونظرة سريعة في تراجم الرواة تدلنا على مدى المشاق والصعوبات التي لقيها هؤلاء الأئمة واستعذبوها في سبيل حفظ السنة وسماع أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منابعها الصحيحة ومصادرها الأصلية ، حتى رأينا الصحابي يرحل من المدينة - التي هي بلد رسول الله وموطن الحديث - إلى مصر في طلب حديث سمعه آخرُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأخبار العلماء ورحلاتهم في ذلك كثيرة يضيق المقام بذكرها ، ولا ينقضي العجب منها ، وحسبنا أن نشير إلى شيء منها لنعرف عظم الجهود التي بذلها أسلافنا في جمع الحديث النبوي وحفظه وصيانته .
فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يرحل من المدينة إلى مصر ليسأل عقبة بن عامر عن حديث سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم قال له : حدِّثْنا ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ستر المسلم ، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك ، فلما حدَّثه ركب أبو أيوب راحلته وانصرف عائداً إلى المدينة ، وما حلَّ رحله .(11/36)
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه بلغه حديثٌ عن صحابي بالشام سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعظم أن يفوته شيء من حديث رسول الله ، فاشترى بعيرا وشد عليه رحله ، وسافر مسيرة شهر حتى قدم الشام ، فإذا هو عبد الله بن أنيس فقال له : " حديثٌ بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصاص ، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يُحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بُهْما ..... ) وذكر الحديث .
ومن بعد الصحابة سار التابعون على هذا المنوال فكان أحدهم يخرج من بلده لا يُخْرجه إلا حديث عن صحابي يريد أن يسمعه منه مباشرة بدون واسطة ، يقول أبو العالية : " كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نرضى
حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم " .
ولذلك جاءت العبارات عن الأئمة في التشديد على التمسك بالإسناد والتزامه في الرواية واعتباره جزءاً من الدين مما يوجب على المرء أن يعرف عمن يأخذ دينه ، يقول عبد الله بن المبارك : " الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " ، وكان يقول : "بيننا وبين القوم القوائم " يعني الإسناد .
وكانوا لا يقبلون حديثاً ورد إليهم إلا إذا أسنده صاحبه وتأكدوا من صحة هذا الإسناد مهما كانت مكانة من رواه ، فقد روى مسلم في مقدمة الصحيح بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال : قلت لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن ، الحديث الذي جاء " إن من البر بعد البر ، أن تصلي لأبويك مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صومك" ، قال : فقال عبد الله : " يا أبا إسحق عمن هذا ؟ قال : قلت له : هذا من حديث شهاب بن خراش ، فقال : ثقة ، عمن؟ قال : قلت : عن الحجاج بن دينار . قال: ثقة ، عمن ؟ قال : قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ، ولكن ليس في الصدقة اختلاف".
وقال شعبة : " كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام " .
وعظم اهتمام علماء الحديث بالإسناد حفاظاً على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن تنالها يد العابثين ، أو تتطرق إليها أهواء المغرضين ، قال الإمام أبو حاتم بن حبان : " ولو لم يكن الإسناد وطلب هذه الطائفة له ، لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين ما ظهر في سائر الأمم ، وذاك أنه لم يكن أمة لنبي قط حفظت عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمة ، حتى لا يتهيأ أن يزاد في سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألِف ولا واو ، كما لا يتهيأ زيادة مثله في القرآن ، فحفظت هذه الطائفة السنن على المسلمين ، وكثرت عنايتهم بأمر الدين ، ولولاهم لقال من شاء بما شاء " .
وكان من ثمار تلك الجهود المباركة نشوء قواعد وأصول الرواية وتصحيح الأخبار ونقدها نقداً علمياً ، حتى عُدّت هذه القواعد من أصح قواعد البحث العلمي المتعلق بتوثيق الأخبار والنصوص ، وهي ميزة لا توجد في تراث أي أمة من أمم الأرض كلها ، بل حتى ولا في كتبهم المقدسة ، مما يعد بحق مفخرة من مفاخر هذه الأمة من جهة السبق أولا ، ومن جهة الشمولية والموضوعية ودقة النتائج ثانياً ، وهذا ما شهد به أهل الإنصاف من غير المسلمين حتى قال " مرجليوث " : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم " ، وعندما ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية وهو كتاب مصطلح التاريخ لمؤلفه النصراني " أسد رستم " ، اعتمد فيه على قواعد علم الحديث ، واعترف بأنها طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات ، وقال بعد أن ذكر وجوب التحقق من عدالة الراوي ، والأمانة في خبره : " ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب ، وإليك بعض ما جاء في مصنفاتهم نورده بحرفه وحذافيره تنويهاً بتدقيقهم العلمي ، اعترافاً بفضلهم على التاريخ " ثم أخذ ينقل نصوصاً عن بعض أئمة هذا الشأن .
فهل بعد هذا كله يقال إن الأسانيد لم تجد أدنى اعتناء ، وأنها كانت أمراً اعتباطياً بحيث يتسنى لمن شاء أن يختلق إسناداً وينسبه إلى من يريد لينصر مذهبه أو طائفته أو حزبه - كما يقول المستشرقون وأذنابهم - من غير أن يميز ذلك أئمة هذا الشأن الذين خصهم الله لحفظ دينه وحراسة سنة نبيه ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
_________________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
- المستشرقون والحديث النبوي د . محمد بهاء الدين
- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه د . محمد مصطفى الأعظمي
- بحوث في تاريخ السنة المشرفة د . أكرم ضياء العمري
===============
ادعاء التناقض والتعارض بين الأحاديث(11/37)
(الشبكة الإسلامية)
من القضايا التي يجب أن تكون مسلَّمة لدى كل مسلم أن دين الله محفوظ من التناقض والتعارض ، وشريعته منزهة عن التضاد والتضارب ، لأنها منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي لا تتضارب أقواله ولا تتنافر أحكامه .
فلا يمكن أن يوجد دليلان صحيحان من حيث الثبوت ، صريحان من حيث الدلالة يناقض أحدهما الآخر مناقضة تامة واضحة بحيث يتعذر الجمع والترجيح بينهما بحال من الأحوال .
والقول بوجود تناقض بين أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما أن يأتي من عدم المعرفة بعلم الحديث ، بحيث لا يميز القارئ بين الصحيح من غيره ، فيورد التعارض بين أحاديث لا أصل لها ، أو يعارض حديثا صحيحاً بآخر مختلق موضوع ، وإما أن يأتي من عدم الفهم وضعف الفقه في حقيقة المراد بالنص .
وقد كان الإمام ابن خزيمة رحمه الله - وهو ممن اشتهر عنه الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض - يقول : " لا أعرف حديثين متضادين ، ومن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .
ولذا فإن من الأحكام الجائرة التي ألصقها المستشرقون وأذنابهم بالحديث وأهله ، دعوى التناقض بين الروايات والأخبار ، مما يجعل ذلك سبباً وجيها بزعمهم للتشكيك والطعن في الحديث النبوي .
فقالوا : " وضعت مبادئ شكلية زعم أصحاب الحديث أنها تستهدف تصحيح علل الحديث " أي : إزالة التعارض .
وقال " جوينبل " : وينبغي أن نذكر في هذا المقام أن مادة الحديث المروي كانت في الواقع أصل التنازع ، فالغالب أن ما في موضوع الحديث من هوىً هو الذي كان يثير المعارضة دائماً ، فالحكم النهائي لم يكن مقصوداً به قيمة المحدث ، وإنما كان المقصود به الحكم على مادة الروايات التي يرويها " .
ويذكر " ماكدونالد " أمثلة من الأحاديث المتناقضة بزعمه فيقول : " ونجد أحاديث تنص صراحة على أن محمداً كان لا يرضى عن الجدل في الدين ، بينما نجد أحاديث أخرى تصوره لنا مقبلاً على الجدال إقبالاً شديداً ، وكلا هذين النوعين مشكوك فيه على حد سواء ، وربما كان النوع الأول من هذه الأحاديث قد وضعه الذين ظلوا مدة طويلة يرفضون تحكيم العقل في هذه الأمور ، ويقنعون بما يصل إليهم عن طريق النقل " .
وقال أيضاً : " وكان من جراء الزيادات في الحديث أيضاً ، أن اشتد التناقض في صفات الله ، ولهذا نجد حديثاً يكثر وروده وهو " (( إن رحمتي تغلب غضبي أو تسبقه )) ، ونجد من جهة أخرى ذلك الحديث المخيف (( هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي )) .
وعقد " أبو رية " في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " فصلاً بعنوان " أحاديث مشكلة " ، ذكر فيه أحاديث استشكلها هو ، بعضها مرفوع وبعضها موقوف ، ومنها ما هو صحيح ومنها ما هو غير صحيح ، ليؤكد من خلال ذلك هذه الدعوى المفتراة .
وهي تهمة في الحقيقة ليست جديدة ، فقد وجهها بعض أهل الأهواء إلى المحدثين من قديم ، وتصدى للرد عليهم أئمة الإسلام في ذلك الحين ومنهم الإمام ابن قتيبة الدينوري صاحب كتاب " تأويل مختلف الحديث " حيث تكلم في مقدمة كتابه عن الباعث له على تأليف هذا الكتاب ، وكان مما ذكر ما وقف عليه من ثلب أهل الكلام لأهل الحديث وامتهانهم ، ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف ، وكثرت النحل ....... إلخ .
ثم تبعهم على ذلك المستشرقون ومقلدوهم الذي رددوا هذه الدعاوى مغفلين أو متغافلين أصول المحدثين وقواعدهم في التعامل مع مثل هذا النوع من الأحاديث .
والواقع أن وجود تعارض في الظاهر بين بعض النصوص ليس بالأمر المستغرب ، ما دام فيها ما ليس منه بد من عام وخاص ، ومطلق ومقيد ، ومجمل ومفسِّر ، ومنسوخ وناسخ يرفع حكمه ، وليس بالضرورة أن يكون مردُّه إلى الوضع ، وقد ذكر العلماء وجوهاً كثيرة لأسباب اختلاف الحديث :
- منها تعدد وقوع الفعل الذي حكاه الصحابي مرتين في ظرفين مختلفين فيحكي هذا ما شاهده في ذلك الظرف ، ويحكي الثاني ما شاهده في ظرف آخر كحديثي ( الوضوء من مس الذكر ) ، و( هل هو إلا بضعة منك ) .
- ومنها أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز ، كأحاديث صلاة الوتر أنها سبع أو تسع أو إحدى عشرة .
- ومنها اختلافهم في حكاية حال شاهدوها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل اختلافهم في حجة الرسول ، هل كان فيها قارناً أو مفرداً أو متمتعاً ، وكل هذه حالات يجوز أن يفهمها الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن نية القران أو التمتع أو الإفراد مما لا يطلع عليه الناس .
- ومنها أن يسمع الصحابي حكماً جديداً ناسخاً للأول ، ولا يكون الثاني قد سمعه ، فيظل يروي الحكم الأول على ما سمع ، إلى غير ذلك من الأسباب .(11/38)
ومع ذلك فقد تعامل المحدثون مع هذا النوع من الأحاديث ، ووضعوا له القواعد والقوانين التي تكفل عدم وجود تعارض أو تناقض بين أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما عرف بعلم " مختلف الحديث " ، وهو علم جليل القدر ، عظيم المنفعة ، يحتاج إليه العالم والفقيه ، ولا يمهر فيه إلا من وسع علمه ودق فهمه وثقب رأيه .
وهذه القواعد والضوابط هي من صميم منهج المحدثين في النقد ، ولها اتصال وثيق ومباشر بشروط قبول الحديث نفسها ، ولذلك تفرع عنها أنواع من علوم الحديث كالشاذ والمحفوظ ، والمنكر والمعروف ، والناسخ والمنسوخ ، والمضطرب والمعلل .
فالحديث المقبول إذا عارضه حديث ضعيف طُرِح الحديث الضعيف وحكم عليه بأنه منكر ، ويكون معارضه هو المعروف .
وأما إذا عارضه حديث من رواية الثقات - ولا نسميه الآن صحيحاً - فإننا ننظر في طبيعة النصين وفي دلالتهما .
فإما أن يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين ، وإبداء وجه من التفسير للحديث المشكل يزيل الإشكال عنه ، وينفي تعارضه مع غيره ، فيتعين المصير إليه ، وهذا هو الأكثر الأغلب في تلك الأحاديث .
ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام حديث (( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث )) ، وحديث (( خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء ))إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه .
فالأول : ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا ، والثاني : ظاهره طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم أقل ، فخُصَّ عموم كل منهما بالآخر .
ومن أمثلته في غير أحاديث الأحكام التعارض بين أحاديث إثبات العدوى كحديث (( لا يوردن ممرض على مصح )) و(( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد )) وأحاديث نفيها كحديث (( لا عدوى ولا طيرة )) وكلها صحيحة ، حيث سلك العلماء مسالك شتى للجمع بين هذه الأحاديث بما يزيل التعارض والإشكال عنها .
وأما إذا تعذر الجمع بين الحديثين فلا يخلو الأمر من أحد حالين :
الأول : أن يتبين لنا بعد استعمال التاريخ أن أحد النصين جاء بعد الآخر وحلَّ محله ، فلا تعارض أيضاً ، لأن الشارع نسخ الحكم المتقدم بالحكم المتأخر ، فيُعمَل بالناسخ ويتُْرَك المنسوخ .
والثاني : أن لا تقوم دلالة على النسخ ، فيفزع حينئذ إلى الترجيح ، ويعمل بالأرجح منهما والأقوى ، ويكون هو " الصحيح " ويسمى أيضاً " المحفوظ " ، ويكون المرجوح " شاذاً " أو " معللاً " وهو المردود .
وقد عُني العلماء بأوجه الترجيح وأنواعها ، وتقصوها بجزئياتها وكلياتها حتى زادت جزئياتها على مئة وجه من أوجه الترجيح كما ذكر الإمام العراقي ، وجميعها يرجع إلى سبعة أقسام كلية ذكرها السيوطي في تدريب الراوي ، كالترجيح بحال الراوة ، ووجوه التحمل ، وكيفية الرواية ، ولفظ الخبر ، والترجيح بأمر خارجي ، إلى غير ذلك من وجوه الترجيح .
ولم يكتف العلماء بتأصيل القواعد والضوابط في هذا الباب ، بل درسوا هذه الأحاديث دراسة تفصيلية ، فتناولوا كل حديث بالشرح ، وأجابوا عن الإشكالات التي قد ترد عليه وعلى النصوص الأخرى ، وذلك في شروحهم الحافلة التي صنفوها على كتب السنة ، وأفردوا لهذا اللون من الأحاديث مؤلفات خاصة ، جمعت الأحاديث المشكلة والتي ظاهرها التعارض ، مبينين وجه الصواب فيها بما يزيل أي إشكال ، ويرد على كل متخرص ، ومن تلك المؤلفات :
- اختلاف الحديث للإمام الشافعي
- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
- مشكل الآثار للطحاوي
- مشكل الحديث لأبي بكر بن فَورَك
وهكذا نجد أن البحث في موضوع التعارض والتناقض قد شمل كل جوانبه ، وعالج القضية علاجاً يزيل كل توهم حول الحديث الصحيح .
__________
المراجع :
- السنة المطهرة والتحديات د. نور الدين عتر .
- منهج النقد في علوم الحديث د.نور الدين عتر .
- السنة النبوية ومكانتها في التشريع د. مصطفى السباعي .
- الحديث والمحدثون محمد أبو زهو .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
==================
الطعن في منهج النقد عند المحدثين
(الشبكة الإسلامية)
بذل المحدثون جهوداً مضنية في مقاومة الوضع والافتراء على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من ثمار هذه الجهود نشوء مصطلح الحديث وعلومه التي وضعت القواعد والأصول لتصحيح الأخبار ونقدها نقداً علمياً ، حتى عُدّت هذه القواعد من أصح قواعد البحث العلمي المتعلق بتوثيق الأخبار والنصوص ، وهي ميزة لا توجد في تراث أي أمة من أمم الأرض كلها ، بل حتى ولا في كتبهم المقدسة .(11/39)
إن منهج النقد عند المحدثين يعد بحق مفخرة من مفاخر هذه الأمة من جهة السبق أولا ، ومن جهة الشمولية والموضوعية ودقة النتائج ثانياً ، وهذا ما شهد به أهل الإنصاف من غير المسلمين حتى قال " مرجليوث " : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم " ، وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية وهو كتاب مصطلح التاريخ لمؤلفه النصراني " أسد رستم " ، اعتمد فيه على قواعد علم الحديث ، واعترف بأنها طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات ، وقال بعد أن ذكر وجوب التحقق من عدالة الراوي ، والأمانة في خبره : " ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب ، وإليك بعض ما جاء في مصنفاتهم نورده بحرفه وحذافيره تنويهاً بتدقيقهم العلمي ، اعترافاً بفضلهم على التاريخ " ثم أخذ ينقل نصوصاً عن بعض أئمة هذا الشأن .
ومع ذلك وُجِد من المستشرقين - ممن لم يمعن النظر في منهج النقد عند المحدثين ، ولم يقدر لهم جهودهم وأعمالهم - ، من حاول إظهار هذا المنهج بصورة مشوهة مغلوطة، تقلب حقيقته ، وتغير واقعه ، وتدعو إلى إعادة النظر فيه ، على اعتبار أنه الأساس الذي بني عليه تصحيح الأخبار وردها ، وكان ممن حمل راية هذه الدعوة أحد كبرائهم وهو المستشرق المجري اليهودي " جولد زيهر " ثم تلقف بعض الدارسين - مع الأسف - نتائجه التي توصل إليها في هذا الصدد على أنها حقائق ومسلمات .
قال " جولد زيهر " : " ولم يستطع المسلمون أنفسهم أن يخفوا هذا الخطر - أي خطر الوضع في الحديث - ، ومن أجل هذا وضع العلماء علماً خاصاً له قيمته وهو علم نقد الحديث ، لكي يفرقوا بين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث ، إذا أعوزهم التوفيق بين الأقوال المتناقضة .
ومن السهل أن يفهم أن وجهات نظرهم في النقد ليست كوجهات النظر عندنا ، تلك التي نجد لها مجالاً كبيراً في النظر في تلك الأحاديث التي اعتبرها النقد الإسلامي صحيحة غير مشكوك فيها ، ووقف حيالها لا يحرك ساكناً .
ولقد كان من نتائج هذه الأعمال النقدية الاعتراف بالكتب الستة أصولاً ، وكان ذلك في القرن السابع الهجري ، فقد جمع فيها علماء من رجال القرن الثالث الهجري أنواعاً من الأحاديث كانت مبعثرة رأوها أحاديث صحيحة .
وقد أصبحت هذه الكتب مراجع مجزوماً بها لسنة النبي ، ويعتبر في المقام الأول منها الصحيحان " أهـ .
لقد قرر " جولد زيهر " هذا الكلام المتهافت مع أن كل دارس منصف يعلم أن منهج المحدثين النقدي قد شمل كل أوجه الاحتمالات في جوانب الحديث المختلفة ، سنداً ومتناً ، فالأساس الأول هو أداء الراوي للحديث كما سمعه ، وهذا يقتضي أولاً دراسة الراوي ، وقد حقق المحدثون ذلك بدراسات مستفيضة متنوعة ، وضعوا فيها شروط الراوي الثقة وهي العدالة والضبط ، ثم وضعوا العلوم التي تكشف أمور الرواة وأحوالهم ، فبحثوا في أسمائهم ، وتواريخهم ، وأماكنهم ، وشيوخهم وتلامذتهم ، وما يتصل بذلك من فروع ومسائل في ثلاثين نوعاً من أنواع علوم الحديث .
ثم إن للحديث جوانب أخرى غير شخص الراوي ، قد تدل على الضعف أو السلامة في النقل ، وهي إما أن تكون من أخذ الراوي أو أدائه للحديث ، أو في سلسلة السند ، أو في عين المتن ، أو تكون أمراً مشتركاً بين السند والمتن ، وقد استوفى المحدثون بحث ذلك كله ، وتتبعوا كل احتمال للقوة والضعف ، فدرسوا صيغ الاتصال بين الرواة في حال الأخذ والأداء ، وما دل منها على الاتصال وما لم يدل ، وجعلوا لكل حالة تسمية وحكماً خاصاً ، وتناولوا متون الأحاديث بالفحص والتدقيق وتتبعوا ما بها من علل وشذوذ وغير ذلك بقواعد رصينة محكمة .
ولم يكتفوا بمجرد اختبار السند والمتن بل قاموا بموازنة ضخمة بين الأحاديث سنداً ومتناً، استخرجوا بها أنواعاً كثيرة من علوم الحديث ، ولم يكتفوا في هذه المقارنة بعرض الحديث على أشباهه من الروايات الأخرى ، بل عرضوه أيضاً على كل الدلائل العقلية والشرعية ، مما نتج عنه نشوء أنواع كالمعلل ، والموضوع ، والمدرج ، والمقلوب ، والمنكر ، والمضطرب ، والمصحف ، وغيرها من الأنواع الناشئة نتيجة مقارنة المرويات وسبرها .
ولعل هذه الحادثة التي رواها العقيلي في كتاب الضعفاء تبين مدى ما كان يتمتع به الناقدون من المحدثين من فطنة وبراعة في النقد ، فقد ذكر أن أبا داود الإمام الجهبذ جعل أحاديث " يعقوب بن كاسب " على ظهور كتبه ، ولم يضمنها تلك الأحاديث ، فلما سئل عن ذلك قال : رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها فطالبناه بالأصول فدافعها - أي حال دون دفعها إليهم - ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري ، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها " .(11/40)
ولذا جاءت أحكامهم في القبول والرد متدرجة متلائمة شاملة لجميع الحالات والاحتمالات ، بدءاً من قمة الصحة فيما سموه بأصح الأسانيد وما يحفه من قرائن أخرى ، ثم باقي مراتب الصحيح ، فالحسن لذاته ، فالحسن لغيره ، إلى الضعف اليسير الذي قد يُعمل به بشروط تقوي احتمال سلامته ، ثم الضعف الشديد ، وهو الناشئ عن فحش الغلط أو الغفلة ، أو كون الراوي متهماً بمفسق ، ثم ما هو شر من ذلك كله وهو الكذب المختلق ، الذي لا تجوز روايته إلا على سبيل التحذير منه والتنبيه على كذبه ، فكانت هذه الأحكام سُلَّماً دقيقاً للقبول والرد ، أخذت كل درجة منه شروطها وحكمها الملائم تماماً بكل وضوح ودقة .
كل ذلك يثبت أن منهجهم في النقد كان شاملاً لجميع جوانب الحديث ، ولكل الاحتمالات والدلائل التي تشير إلى معرفة قوته من ضعفة ، مما يجعل كل مطلع منصف يقطع بسلامة أحكامهم على الأحاديث ، وأن منهجهم في النقد كان هو السبيل الوحيد المتكامل للوصول إلى تمييز المقبول من المردود من المرويات .
________________
المراجع :
منهج النقد في علوم الحديث د . نور الدين عتر
السنة النبوية ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
دراسات في منهج النقد عند المحدثين د.محمد على قاسم العمري
===================
رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين ؟!!
(الشبكة الإسلامية)
الرواية هي أداء الحديث وتبليغه ، مسنداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيغة من صيغ الأداء ، وهي نوعان :
روايةٌ باللفظ الذي سمعه الراوي دون تغيير أو تبديل ، أو تقديم أو تأخير ، أو زيادة أو نقص ، وروايةٌ بالمعنى الذي اشتمل عليه اللفظ ، بدون التقيد بألفاظ الحديث المسموعة .
والأصل في الرواية أن تكون باللفظ المسموع منه - صلى الله عليه وسلم- ، فإذا نسي الراوي اللفظ جازت الرواية بالمعنى على سبيل التخفيف والرخصة ، بضوابط معروفة يذكرها أهل العلم في هذا الباب .
ولكن يأبى المشكِّكون إلا أن يصطادوا في الماء العكر ، ويبحثوا عن أي مدخل للطعن في السنة والتشكيك فيها ، وكان المدخل في هذه المرة مسألة " رواية الحديث بالمعنى " ، حيث زعموا أن جميع الأحاديث قد رواها الرواة بالمعنى لا بالألفاظ المسموعة منه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ذلك كان شأن الرواة في كل طبقة ، حيث يسمعون الأحاديث بألفاظ ثم يروونها بألفاظ أخرى ، وهكذا حتى انطمست معالم الألفاظ النبوية وتغيرت معانيها ، مما أدخل الضرر الكبير على الدين ، وأوجب إسقاط الثقة بهذه الأحاديث والتي تصرف الرواة في ألفاظها ، حتى غدت لا تمتُّ إلى الألفاظ النبوية بصلة .
وبذلك جعلوا رواية الأحاديث بالمعنى هو الأصل والقاعدة ، ومجيئها على اللفظ المسموع أمراً شاذاً نادراً ، وأنحوا باللوم والتشنيع على الذين اعتقدوا (( أن أحاديث الرسول التي يقرؤونها في الكتب ، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها ، جاءت صحيحة المبنى محكمة التأليف ، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق بها النبي بلا تحريف ولا تبديل ، وأن الصحابة ومن جاء بعدهم ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها ، وأدوها على وجهها كما تلقوها ، فلم ينلها تغير ولا اعتراها تبديل ، وأن الرواة للأحاديث كانوا صنفاً خاصاً في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة )) - كما فعل " محمود أبو رية " - في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " .
وقال بعد أن ذكر أنه أن لبث زمناً طويلاً يبحث وينقب حتى انتهى إلى حقائق عجيبة ، ونتائج خطيرة : (( ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث ( كلها ) - مما أسموه صحيحاً ، أو ما جعلوه حسناً- حديثٌ قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه . كما نطق به الرسول به . . . ، وقد يوجد بعض ألفاظ مفردة بقيت على حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة ، وذلك في الفلتة والندرة . . . . .)) .
والقارئ لهذا الكلام إذا لم يكن من أهل العلم والمعرفة بالحديث النبوي ، يخيل إليه أن السنة لم يأت فيها حديث مروي بلفظه ، وأنه قد دخلها الكثير من التحريف والتغيير .
مع أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن رواية الحديث بلفظه المسموع منه - صلى الله عليه وسلم - هو الأصل الذي ينبغي لكل راوٍ وناقل أن يلتزمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، بل قد أوجبه بعضهم ومنعوا الرواية بالمعنى مطلقاً ، وألزموا أنفسهم وغيرهم بأداء اللفظ كما سُمِع .
والذين أجازوا الرواية بالمعنى إنما أجازوها على أنها رُخْصة تقدر بقدرها ، إذا غاب اللفظ عن الذهن أو لم يتأكد منه ، لا على أنها أصل يتبع ويلتزم في الرواية .(11/41)
ومع ذلك فقد اشترطوا لجوازها شروطاً تضمن سلامة المعنى وعدم تحريفه ، فقالوا : نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ، ودقائق الألفاظ ، أما العالم بالألفاظ ، الخبير بمقاصدها ، العارف بما يحيل المعاني ويغيرها ، البصير بمقدار التفاوت بينها حيث يفرق بين المحتمل وغير المحتمل ، والظاهر والأظهر ، والعام والأعم ، فإنه يجوز له ذلك ، وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين .
وهذا التجويز منهم للرواية بالمعنى إنما هو في غير ما تضمنته بطون الكتب ، أما ما دُوِّن في الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ، ويثبت بدله لفظاً آخر بمعناه لأن الرواية بالمعنى إنما رُخِّص فيها لما في ضبط الألفاظ والمحافظة عليها من الحرج والمشقة ، وذلك غير موجود فيما تضمنته بطون الكتب ، ولأنه لا يملك تغيير تصنيف غيره - كما ذكر ذلك الإمام ابن الصلاح - .
ومن الأحاديث ما لا يجوز روايته بالمعنى كالأحاديث التي يتعبد بلفظها مثل أحاديث الأذكار والأدعية والتشهد ونحوها ، وما كان من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، والأحاديث التي تتعلق بالأمور التوقيفية كأسماء الله وصفاته وغير ذلك ، فليس كل الأحاديث إذاً يجوز روايته بالمعنى .
على أن الرواية بالمعنى إنما تكون غالباً في الكلمة والكلمتين والثلاث ، وقل أن تقع في جميع ألفاظ الحديث ، وربما ذكر الراوي عقب الحديث - إذا اضطر إلى الرواية بالمعنى ولم يتأكد من اللفظ - لفظاً يفيد التصون والاحتياط ، لعلمهم بما في الرواية بالمعنى من الخطورة ، كما ثبت عن ابن مسعود أنه قال يوماً : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاغرورقت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، ثم قال : (( أو مثله أو نحوه أو شبهه )) رواه ابن ماجة وغيره .
كما أنه من الظلم والتلبيس عند اتهام هؤلاء الرواة الثقات - من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم - بالتصرف في الألفاظ ، إغفال الخصائص الدينية ، والنفسية ، والخلقية ، التي كانوا يتمتعون بها ، والتي لم تتوفر لمن بعدهم بالقدر الذي توفر لهم ، مما عصمهم بإذن الله من التغيير والتبديل ، والتساهل في الرواية .
فقد كانوا عرباً خلصاً ، أهل فصاحة وبلاغة ، وكانوا على علم بمواقع الخطاب ، ومحامل الكلام ، مع ما هم عليه من الديانة والورع والتقوى ، وهم يعلمون بأن الذي يروونه دين من عند الله تعالى ، يحرم فيه الكذب على الله وعلى رسوله ، وأن أي تزيد فيه أو تحريف يقود المرء إلى أن يتبوأ مقعداً في النار .
إضافة إلى ما حباهم الله به من حوافظ قوية ، وأذهان سيالة ، وقلوب عاقلة واعية ، والغفلة عن ذلك كله إنكار للحق الثابت ، والواقع الملموس .
وبذلك يظهر لك أخي القارئ أن أكثر الأحاديث قد وصلت إلينا بمحكم ألفاظها ، وأن بعضها قد روي بالمعنى مع الاحتياط البالغ من أي تغيير يخل بالمعنى الأصلي ، وما عسى أن يكون قد دخل نزراً من الأحاديث بسبب الرواية بالمعنى فهو شيء يسير تنبه له العلماء وبينوه .
فعُلِم أن الرواية بالمعنى لم تجن على الدين ، ولم تدخل على النصوص التحريف والتبديل ، كما زعم المستشرقون ومن لفَّ لفَّهم ، وأن الله الذي تكفل بحفظ كتابه ، قد تكفل بحفظ سنة نبيه من التحريف والتبديل ، وقيض لها في كل عصر من ينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
_______________
المراجع :
دفاع عن السنة د . محمد أبو شهبة .
الحديث والمحدثون محمد محمد أبو زهو .
موقف المدرسة العقلية الأمين الصادق الأمين .
================
شبهات حول منهج المحدثين في الجرح والتعديل
(الشبكة الإسلامية)
من الأمور المعلومة بداهة أنه لا سبيل إلى معرفة ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث وأخبار إلا عن طريق الرواة والنقلة الذين نقلوا أخباره جيلاً بعد جيل وطبقة بعد طبقة حتى دونت السنة في الكتب المعتمدة المعروفة ، ولذلك كان الاطلاع على أحوال هؤلاء الرواة والنقلة ، وتتبع مسالكهم ، وإدراك مقاصدهم وأغراضهم ، ومعرفة مراتبهم وطبقاتهم ، وتمييز ثقاتهم من ضعافهم هو الوسيلة الأهم لمعرفة صحيح الأخبار من سقيمها ، مما نتج عنه نشوء علم عظيم وضعت له القواعد ، وأسست له الأسس والضوابط ، فكان مقياساً دقيقاً ضبطت به أحوال الرواة ، من حيث التوثيق والتضعيف ، ذلك هو " علم الجرح والتعديل " الذي لا نظير له عند أمة من الأمم ، حتى عُدَّ هذا العلم نصف علم الحديث .
والذي يطالع كتب الرجال والتراجم والجرح والتعديل ، يقف مبهوراً أمام هذا العلم الذي لا يمكن أن يكون وضع صدفة أو تشهياً ، بل بذلت فيه جهود ، وفنيت فيه أعمار حتى بلغ قمة الحسن ومنتهى الجودة .(11/42)
ولأهمية هذا العلم وأثره في ضبط السنة وحفظها ، وسدِّ الأبواب أمام المتلاعبين ، جاء الطعن فيه من قبل المستشرقين والمستغربين على حد سواء ، حيث نبتت نابتة في الأزمة المتأخرة زعمت أن جرح الرواة وتعديلهم لم يكن مضبوطاً بضوابط معروفة ، بل كان قائماً على الفوضى والمزاجية ، وبحسب ما تمليه الظروف والأهواء والحظوظ النفسية ، فليس هناك قواعد علمية دقيقة يحتكم إليها المحدثون ، ولهذا كان للاختلاف المذهبي والطائفي أثره في تحامل المحدثين في حكمهم على بعض الرواة ، حيث وثقوا من لا يستحق التوثيق ، وضعفوا من لا يستحق التضعيف ، وبالتالي صححوا أحاديث لم تكن لتبلغ هذه الدرجة ، مما يوجب عدم الثقة بمنهجهم في الجرح والتعديل ، ورد كثير من الروايات التي أثبتوها بناء على ذلك .
قال " جوينبل " : " والحكم على قيمة المحدث قد يختلف اختلافاً بيناً ، فربما كان ثقة عند قوم ، ولكن عند غيرهم كانوا يعدونه في منتهى الضعف ، وربما اعتبروه كاذباً في روايته ".
ويقول " أحمد أمين " في ضحى الإسلام : " إن أحكام الناس على الرجال تختلف كل الاختلاف فبعض يوثق رجلاً ، وآخر يكذبه ، والبواعث النفسية على ذلك لا حصر لها ، ثم كان المحدثون أنفسهم يختلفون في قواعد التجريح والتعديل ، فبعضهم يرفض حديث المبتدع مطلقاً كالخارجي والمعتزلي ، وبعضهم يقبل روايته في الأحاديث التي لا تتصل ببدعته ، .... - إلى أن قال - : وبعض المحدثين يتشدد فلا يروي حديث من اتصلوا بالولاة ، ودخلوا في أمر الدنيا مهما كان صدقهم وضبطهم ، وبعضهم لا يرى في ذلك بأساً متى كان عدْلاً صادقاً ، وبعضهم يتزمت فيأخذ على المحدث مزحة مزحها .... إلى غير ذلك من أسباب يطول شرحها ، ومن أجل ذلك اختلفوا اختلافاً كبيراً في الحكم على الأشخاص ، وتبع ذلك اختلافهم في صحة روايتهم والأخذ عنهم " .
ويقول في فجر الإسلام " وكان للاختلاف المذهبي أثر في التعديل والتجريح ، فأهل السنة يجرحون كثيراً من الشيعة ، حتى إنهم نصوا على أنه لا يصح أن يروى عن علي ما رواه أصحابه وشيعته ، إنما يصح أن يروى ما رواه عنه أصحاب عبد الله بن مسعود ، وكذلك كان الشيعة من أهل السنة فكثير منهم لا يثق إلا بما رواه الشيعة عن أهل البيت وهكذا ، ونشأ عن هذا أن من يُعَدِّله قوم قد يجرحه آخرون ، قال الذهبي : " لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف ، ولا تضعيف ثقة " ، ومع ما في هذا القول من المبالغة فهو يدلنا على مقدار اختلاف الأنظار في التجريج والتعديل " .
ويقول " أبو رية " : " إن علماء الجرح قد اختلفوا في الجرح والتعديل باختلاف مذاهبهم وأحوالهم " .
ولرد هذا الكلام المتهافت ينبغي أن يعلم بداية أن التجريح والتعديل لم يكن متاحاً لأي أحد ، وأن المسألة لم تكن بهذه الفوضى والعشوائية التي يريد أن يصورها هؤلاء ، وذلك لخطورة الجرح وعظم مسؤوليته أولا ً ، فإن الكلام في أعراض الناس والإقدام على الطعن في المسلمين مزلة أقدام ، وشفا هلكة ، قال ابن دقيق العيد رحمه الله : " أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، وقف على شفيرها طائفتان المحدثون والحكام " .
والأمر الآخر أن ذلك يتطلب من الأهلية والمُكْنة ما لا يمكن أن يصل إليه إلا القلة من جهابذة النقاد والمحدثين ، الذين لديهم اطلاع واسع على الأخبار والمرويات وطرقها ، ومعرفة تامة بأحوال الرواة ومقاصدهم وأغراضهم ، والأسباب الداعية إلى التساهل والكذب ، والموقعة في الوهم والخطأ ، مع معرفة بأحوال الراوي وتاريخ ولادته ، وبلده ، وديانته وأمانته وحفظه وسلوكه ، وشيوخه وتلاميذه ، ومقارنة مروياته بمرويات غيره إلى غير ذلك ، وهي منزلة لا يصل إليها كل أحد ، وليس أدلَّ على ذلك من أن رواة الأخبار كثيرون يعدون بالألوف ، وأما النقاد الحاذقون فإنهم قليل لا يتجاوزن أصابع اليد في كل طبقة ، وهؤلاء الأئمة الذين بلغوا هذه المرتبة لم يبلغوها إلا بعد استيفائهم للشروط التي تؤهلهم للتصدي لهذا الأمر .
وقد قام الأئمة بهذا الواجب حسبة لله ، وصيانة لدينه ، وحفاظاً على سنة نبيه ، قال أبو بكر بن خلاد ليحي بن سعيد : " أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله ؟ فقال : لأن يكونوا خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لِمَ لَمْ تذُبَّ الكذب عن حديثي ؟" فلم يكن الحامل لهم إذاً الأهواء أو الحظوظ النفسية أو غير ذلك من المقاصد السيئة كما زعم المرجفون ، ولذلك لم يجاملوا أحداً حتى ولو أقرب الأقربين ، فوجدنا منهم من يضعف والده وولده وأخاه ، وقد سئل علي بن المديني عن أبيه فقال : اسألوا غيري ، فقالوا : سألناك ، فأطرق ثم رفع رأسه وقال : " هذا هو الدين أبي ضعيف " ، وقال أبو داود صاحب السنن " ابني عبد الله كذاب " ، وقال زيد بن أبي أنيسة : " لا تأخذوا عن أخي يحيى " ، فكيف يقال بعد ذلك إن أحكامهم كانت صادرة نتيجة بواعث نفسية ؟ .(11/43)
وقد وضع العلماء لهذا العلم قواعد وضوابط فتكلموا في شروط قبول الجرح والتعديل ، وألفاظهما ومراتبها ، وكيف يثبت تعديل الراوي وتجريحه ، وما هو العمل إذا تعارض الجرح والتعديل ؟ إلى غير ذلك من المباحث والقواعد المبسوطة في كتب المصطلح وعلوم الحديث ، والتي تضمن نزاهته وعدم الحيف في الحكم على الرواة .
ومن ذلك أنهم اشترطوا في الجارح أن يكون مجانباً للهوى والعصبية والغرض الفاسد ، فلم يعتمدوا أي جرح لا يستند على أصول شرعية بل ردوه على قائله كائناً من كان ، ومن ذلك ما جرى بين الأقران والنظراء ، لأن فلتات الألسن لا يسلم منها بشر فربما حدث غضب لمن هو من أهل التقوى ، قال السبكي : " الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسَّره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ، ومادحوه على ذاميه ، ومزَكُّوه على جارحيه ، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه ، من تعصب مذهبي ، أو منافسة دنيوية ، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك " .
وأما الزعم بأن الناقد قد يأخذ على الراوي مزحة مزحها فيُجْرح بسببها وترد روايته ، فلا يخفى ما في هذا القول من التشويه والتلبيس المتعمد فإن المطالع لكتب الجرح والتعديل يجد أنهم ينصون على ضرورة ذكر سبب الجرح وتفسيره ، لأن الجارح ربما قدح بأمر ليس جارحاً في الحقيقة ، وقد عقد الخطيب البغدادي - في كتابه الكفاية - باباً في " ذكر بعض أخبار من استُفْسِر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة " ، وأورد عدة أمثلة على ذلك تبين أن مثل هذه الأمور مما لا يقدح في الراوي ، ولذلك لم يقبلها العلماء ولم يعولوا عليها .
وأما اختلاف الأئمة في الرواة بين مجُرِّح ومُعَدِّل فمردُّه إلى اختلاف الأنظار ، وتباين الاجتهاد في أحوال الرواة حفظاً ونسياناً ، ووهماً وضبطاً ، كما تختلف اجتهادات المجتهدين في الأحكام الفقهية ، والمسائل الفرعية ، لأنه دخول وهم الرواي في حيِّز الكثرة أمر لا يوزن بميزان معلوم ، وإنما يرجع فيه إلى التحري والاجتهاد .
فالمحدثون يستعملون سائر الشروط المقررة عندهم ولكنهم يتفاوتون في تطبيقها بين متشدد ومعتدل ومتساهل ، تبعاً لتطبيق هذه القواعد ، يقول الإمام الذهبي مبيناً أقسام المتكلمين في الرجال ، وكيفية التعامل مع أقوالهم :
1- قسم منهم متشدد في الجرح ، متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه ، فهذا إذا وثَّق شخصاً فعُضَّ على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه ، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق ، فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يقبل تجريحه إلا مفسراً ، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: ضعيف ، ولم يوضح سبب ضعفه ، وغيره قد وثقه ، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه ، وهو إلى الحسن أقرب ، وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متشددون .
2- وقسم في مقابلة هؤلاء ، كأبي عيسى الترمذي ، وأبي عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون .
3- وقسم كالبخاري ، وأحمد بن حنبل ، وأبي زرعة ، وابن عدي معتدلون منصفون " .
وبذلك ندرك أن اختلاف المحدثين ناشئ عن تعدد اجتهاداتهم كما هو الحال بالنسبة للفقهاء ، ولكن هذا الاختلاف لا يجوز أن يتخذ وسيلة للادعاء بتعذر الحكم على الرجال، وإضعاف الثقة بمنهجهم ، فهم وإن اختلفوا في بعض الأسباب فقد اتفقوا في كثير منها .
وأما الاستدلال بعبارة الذهبي التي قال فيها : " لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن ، على توثيق ضعيف ، ولا تضعيف ثقة " ، فهو استدلال في غير موضعه ، وفهم على غير مراده ، فقد فهم " أحمد أمين " من العبارة أنه لم يتفق اثنان على توثيق رجل ولا على تضعيفه ، بل من يوثقه هذا يجرحه ذاك ، والعكس بالعكس ، وهو خلاف المقصود من العبارة عند تدقيق النظر ، فإن الإمام الذهبي رحمه الله قال - بعد أن تكلم عن مسائل في الجرح والتعديل ، واختلاف الأنظار في ذلك - : " ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى ، لم يجتمع علماؤه على ضلالة لا عمداً ولا خطأ ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة ، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة ، أو مراتب الضعف ، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده ، وقوة معارفه ، فإن ندر خطؤه في نقده ، فله أجر واحد والله الموفق " ، فعُلِم من ذلك أن مراده أن علماء هذا الشأن متثبتون في نقد الرجال ، فلم يقع منهم أن اختلفوا في توثيق رجل اشتهر بالضعف ، ولا في تضعيف رجل عرف بالصدق والتثبت ، وإنما يختلفون فيمن لم يكن مشهوراً بالضعف أو التثبت ، فلن يختلف اثنان مثلاً في توثيق مالك والثوري وابن المبارك وأمثالهم ، ولن يختلف اثنان في جرح محمد بن سعيد المصلوب وأمثاله ، وإنما يختلفون في متوسط الحال كمحمد بن إسحاق صاحب المغازي والسير ، و الحارث الأعور فيتشدد فيه بعضهم ، ويقبله آخرون لتعدد جهات الضعف عندهم ، واختلافهم في بعض أسبابها .(11/44)
وأما الادعاء بأن الاختلاف المذهبي والطائفي كان له تأثير على الحكم على الرواة وتجريحهم ، فإن أهل السنة لم يكونوا يجرحون مخالفيهم من أهل الأهواء والبدع إلا إذا كانت بدعته تؤدي إلى كفر ، أو وقوع في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أن يكون داعية إلى بدعته لأن الداعية قد يحمله تزيين بدعته على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه ، أو لم يكن داعية ولكن حديثه موافق لما يدعو إليه ، ويرون في ذلك كله ما يشكك في صدقه وأمانته ، فالخلاف في التجريح بين أهل السنة وغيرهم راجع في الحقيقة إلى الشك بصدق الراوي وعدالته وضبطه لما يرويه ، وليس إلى مجرد الخلاف المذهبي الطائفي ، وهي قاعدة ثابتة عند المحدثين
ولذلك وجدنا أصحاب الكتب الستة وفي مقدمتهم الشيخان يحتجون بأحاديث جماعة من المبتدعة الثقات في كتبهم ماداموا مستوفين لشروط الرواية ، فقد حدَّث البخاري عن عباد بن يعقوب الرواجني الذي كان يقول فيه ابن خزيمة : حدثنا الصدوق في روايته ، المتهم في دينه عباد بن يعقوب ، واحتج بمحمد بن زياد الألهاني وحريز بن عثمان الرحبي ، وهما ممن اشتهر عنهما النصب ، وعمران بن حطان الخارجي ، وأبان بن تغلب الذي قال فيه الذهبي : " شيعي جلد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته " ، وذلك لعمر الله قمة العدل والإنصاف .
فعلم مما سبق أن المحدثين لم ينطلقوا في توثيقهم وتجريحهم ، وتصحيحهم وتضعيفهم من الأهواء والأمزجة ، وإنما انطلقوا من قواعد متينة وأرض صلبة ، فاشترطوا في الجارح شروطاً عالية ، ومؤهلات دقيقة ، وجعلوا لذلك آداباً وأحكاماً ، وجوزوه بقدر الحاجة ، ولم يقبلوا منه إلا ما كان موافقاً للأصول والقواعد ، فجاءت أحكامهم في منتهى الدقة والنزاهة ، فجزاهم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء .
__________
المراجع :
- أصول منهج النقد عند أهل الحديث د.عصام البشير
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
- دفاع عن السنة د. محمد أبو شهبة
- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي د.مصطفى السباعي
- منهج النقد في علوم الحديث د. نور الدين عتر
===============
هل كانت عناية المحدثين بنقد السند دون المتن ؟
(الشبكة الإسلامية)
على الرغم من وضوح المنهج الذي سلكه المحدثون لحفظ السنة وضمان صيانتها عن العبث والتحريف ، والافتراء والدس ، فقد وُجد من شكك في سلامة هذا المنهج ونزاهته من خلال بعض الشبهات التي أثيرت حول منهج النقد عند المحدثين ، بدأً من التشكيك في الإسناد وجدواه وأهميته والادعاء زوراً وبهتاناً بأنه منهج عقيم لم يثمر إلا الخلاف والفرقة، وبالتالي فليس له أثر يذكر في حفظ الحديث وصيانته ، وانتهاءً بالادعاء بأن المحدثين عولوا في نقدهم للأحاديث على الأسانيد فقط ، مغفلين تماماً النظر إلى المتون والألفاط ، وبالتالي انصبت جهودهم في هذا المجال على الجانب الشكلي السطحي أو ما أطلقوا عليه النقد الخارجي ويعنون به نقد السند ، على حين غفلوا أو تغافلوا عن المضمون والمقصود أصالة من الحديث ، وهو ما أطلقوا عليه النقد الداخلي ، ويعنون به نقد المتون والألفاظ ، الأمر الذي نتج عنه تصحيح كثير من المتون التي حقها النقد والرد بسبب هذا المنهج الذي اعتمده المحدثون .
وقد ردد هذه الشبهة عدد من المستشرقين منهم "شاخت " الذي يقول : " ومن المهم أن نلاحظ أنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للإسناد نفسه " .
ويقول " جولد زيهر " : " في النقد الإسلامي للسنة تهيمن النزعة الشكلية في القاعدة التي انطلق منها هذا العلم ، والعوامل الشكلية هي بصورة خاصة العوامل الحاسمة للحكم على استقامة وأصالة الحديث ، أو كما يقول المسلمون : على صحة الحديث ، وتختبر الأحاديث بحسب شكلها الخارجي فقط " .
ويقول " كاتياني " : " كل قصد المحدثين ينحصر ويتركز في وادٍ جدب ممحل من سرد الأشخاص الذين نقلوا المروي ، ولا يشغل أحد نفسه بنقد العبارة والمتن نفسه " .
ويقول " غاستون ويت " : " وقد درس رجال الحديث السنة بإتقان ، إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال ، والتقائهم ، وسماع بعضهم من بعض " ثم قال: " لقد نقل لنا الرواة حديث الرسول مشافهة ثم جَمَعَهُ الحُفَّاظ ودوَّنُوه إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن ، لذلك لسنا متأكدين من أن الحديث قد وصلنا كما هو عن رسول الله ، من غير أن يضيف إليه الرواة شيئا عن حسن نية في أثناء روايتهم الحديث" .
ومع الأسف الشديد ، أن هذه الشبه التي أثارها المستشرقون حول منهج النقد عند المحدثين ، وبنوا عليها دراساتهم وأبحاثهم ، قد وَلِع بها بعض المستغربين من أبناء المسلمين ، حيث وجدت لها آذناً صاغية تلقفتها وروجت لها ، من غير وعي أو تمحيص بل ربما تحت ستار المنهج العلمي والبحث الموضوعي ، وما هي إلا صدىً لما ردده من قبلهم من المستشرقين.(11/45)
يقول " أحمد أمين " في كتابه ( فجر الإسلام ) : " وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس هنا محل ذكرها ، ولكنهم - والحق يقال - عنوا بنقد الإسناد أكثر مما عنوا بنقد المتن " ، ثم فصل هذا بقوله : " فقلَّ أن تظفر منهم بنقد من ناحية أن ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتفق والظروف التاريخية ، أو أن الحوادث التاريخية تناقضه ، أو أن عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي ، يخالف المألوف من تعبير النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أن الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه وهكذا .." .
ويقول في ( ضحى الإسلام ) : " وفي الحق أن المحدثين عنوا عناية تامة بالنقد الخارجي ، ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلي " .
ويقول " محمود أبو رية : " والمحدثون لا يعنون بغلط المتون ، ويقولون متى صح السند صح المتن " .
ويقول " أحمد عبد المنعم البهي " : " إن رجال الحديث كان كل همهم منصرفاً إلى تصحيح السند والرواية دون الاهتمام بتمحيص متن الحديث نفسه الذي هو النص " .
مع أنه من المعلوم الواضح لدى كل من له أدنى معرفة وإلمام بهذا العلم ، أن المحدثين لم يألوا جهداً في نقد المتون والكشف عنها كما فعلوا تماماً في الأسانيد ، فعندما عرَّفوا الحديث الصحيح اشترطوا لصحته خلوه من الشذوذ ، وسلامته من العلة القادحة ، وبينوا أن الشذوذ والعلة تقدحان في المتن كما تقدحان في الإسناد ، ومن ثم قرروا قاعدتهم المعروفة وهي أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن ، فقد يصح إسناد حديث مَّا ، مع أن في متنه علة قادحة تقدح في صحته ، أو يكون هذا المتن شاذاً مخالفاً لما روي عن الثقات الأثبات ، مما يؤكد على أنهم لم يُغْفِلوا متن الحديث وهم يبحثون شروط الأحاديث المحتج بها.
ثم إن ما أطلقوا عليه اسم النقد الداخلي - الذي يعنون به النظر في المتون - كان سابقاً في عهده على النقد الخارجي ، فقد استعمل الصحابة رضي الله عنهم هذا المقياس في فحص الأحاديث ، دون الوقوف عند الإسناد ، لما عُلم من عدالتهم وصدقهم ، وذلك أن السؤال عن الإسناد والإلزام به ، بدأ في مرحلة متأخرة عقب الفتنة التي بدأت بمقتل عثمان رضي الله عنه ، وأما النظر في متن الحديث فقد استعمل قبل ذلك من قِبَل الصحابة رضي الله عنهم ، من خلال عرض بعض الروايات على ما تقرر عندهم من الأصول والقواعد ، ومحكمات الكتاب والسنة ، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن عمر رضي الله عنه سمع حديث فاطمة بنت قيس وأن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة فقال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة ، قال الله عز وجل : { لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } ( الطلاق:1) ، ومثله ما أخرجه الشيخان أن عائشة رضي الله عنها سمعت حديث عمر وابنه عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) فقالت : رحم الله عمر والله ما حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله يعذب المؤمنين ببكاء أحد ، ولكن قال : إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ، وقالت حسبكم القرآن : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( فاطر 18) ، زاد مسلم : " إنكم لتحدثوني غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطيء " .
وليس الغرض من إيراد هذه الأمثلة بيان صواب هذا الاجتهاد أو ذاك ، فقد يخالفه غيره من الصحابة في هذا الاجتهاد ، وقد يكون هناك وجه للجمع خفي عليه فقضى برد الحديث ، إلى غير ذلك من الأسباب ، ولكن الغرض بيان أن مقياس نقد المتون وعرضها على المحكمات والأصول الثابتة قد وجد مبكراً منذ عهد الصحابة حتى قبل دراسة الأسانيد .(11/46)
ثم يقال كذلك : إن النقد الخارجي للأحاديث أي نقد الأسانيد الذي وصفوه بأنه شكلي - يتصل اتصالاً وثيقاً بالنقد الداخلي أو نقد المتون ، وذلك لأن توثيق الراوي لا يثبت بمجرد عدالته وصدقه وديانته ، بل لا بد من اختبار ضبطه أيضاً ، ولا يكون ذلك إلا بعرض مروياته على روايات الثقات الآخرين ، قال ابن الصلاح : " يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ، فإن وجدنا رواياته موافقة لهم ولو من حيث المعنى ، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً ، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحْتَجَّ بحديثه " ، وبناء على ذلك نشأت علوم جديدة كلها ناتجة عن مقابلة المتن المروي مع الأحاديث الأخرى ، كالمدرج ، والمضطرب ، والمقلوب ، والمصحف ، وزيادات الثقات ، كما نشأت علوم أخرى تبحث في المتن من حيث درايته كغريب الحديث ومختلفه ، وأسباب وروده ، وناسخه ومنسوخه ، ومشكله ومحكمه ، وكل ذلك يدخل في إطار نقد المحدثين للمتون واعتنائهم بها .
ومن الأمور التي استعان بها أئمة هذا الشأن في نقدهم للمتون التاريخ ، فقد ضبطوا تواريخ الرواة ، وسنين ولادتهم ووفاتهم ، ورحلاتهم وأوطانهم ، وشيوخهم وتلاميذهم ، وذلك للكشف عن مروياتهم ، ومعرفة من أدركوه ممن لم يدركوه ، فالراوي الذي يدعي سماع شيخ لم يدركه ، أو يذكر أمراً يكذبه التاريخ يحكم على روايته بالطرح والترك ، ومما يذكر في ذلك ما جرى في زمن الحافظ الخطيب البغدادي حين أظهر بعض اليهود كتاباً بإسقاط النبي - صلى الله عليه وسلم - الجزية عن يهود خيبر ، وفيه شهادة الصحابة ، فعرضه الوزير آنذاك على الخطيب البغدادي فقال : هذا مزوَّر ، فقيل له من أين قلت هذا ، قال " فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر ، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنتين .
وقال إسماعيل بن عياش : كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث ، فقالوا : هاهنا رجل يحدث عن خالد بن معدان ، فأتيته فقلت : أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ، فقال : سنة ثلاث عشرة يعني ومائة ، فقلت أنت تزعم أنك سمعت بعد موته بسبع سنين.
يضاف إلى سبق ما وضعه المحدثون من أصول عامة ، وقواعد كلية يعرف بها الوضع في الحديث ، من غير رجوع إلى سنده ، وكلها متعلقة بالمتن ، وهي المعروفة عندهم بعلامات الوضع ، حيث جعلوا من علامات الوضع في الحديث مناقضته الصريحة للقرآن الكريم ، أو السنة المتواترة ، أو الإجماع القطعي ، وركاكة لفظه أو معناه بحيث يشهد الخبير بالعربية باستحالة صدور مثل هذا الكلام عن أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء - صلى الله عليه وسلم - ، أو اشتماله على مجازفات ومبالغات لا تصدر عن عاقل حكيم ، أو أن يتضمن إفراطاً بالوعد العظيم على الأمر الصغير ، أو الوعيد الشديد على الأمر الحقير ، أو مخالفته للحس والمشاهدة ، أو أن يكون خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله ثم لا ينقله إلا واحد ، أو مناقضته للحقائق التاريخية الثابتة مثل الحديث المتقدم في وضع الجزية عن أهل خيبر ، أو أن يكون موافقاً لمذهب الرواي وهو متعصب غالٍ في تعصبه ، إلى غير ذلك من العلامات التي يدركها جهابذة هذا العلم ومن لهم خبرة بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة تامة بسننه وأحواله .
يقول الربيع بن خثيم : "إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار نعرفه به ، وإن من الحديث حديثا له ظلمة الليل نعرفه بها " ، ويقول ابن الجوزي : " الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم ، وينفر منه قلبه في الغالب " ، وقال : " ما أحسن قول القائل : " إذا رأيت الحديث يباين المعقول ، أو يخالف المنقول ، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع" .
وإن نظرة إلى كتب الموضوعات ، تنبئك بما بذله العلماء من جهود جبارة في نقد المتون وتمحيصها ، في منهج غاية في العمق والموضوعية ، بعيد كل البعد عن السطحية والشكلية ، بما لا يدع مجالاً لطعن طاعن أو تشكيك مغرض ، فكيف يقال بعد ذلك كله إن متن الحديث لم يلق من العناية والاهتمام ما لقيه الإسناد ؟! ، وصدق الله : { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} ( الرعد 17)
________
المراجع :
- أصول منهج النقد عند أهل الحديث د . عصام البشير .
- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي د. مصطفى السباعي
- المستشرقون والحديث النبوي د.محمد بهاء الدين .
- منهج النقد في علوم الحديث د. نور الدين عتر .
- دفاع عن السنة د. محمد أبو شهبة .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
===============
شبهات حول حجية خبر الآحاد
(الشبكة الإسلامية)(11/47)
سبق في مقال ( شبهات حول حجية السنة ) أن منكري السنة على قسمين ، قسم أنكرها صراحة ودعا إلى نبذها بالكلية سواءً أكانت متواترة أم آحادية زعماً منهم أنه لا حاجة إليها وأن في القرآن غنية عنها ، وقسم لجأ إلى التشكيك في بعض أنواعها حين فشل في الطعن فيها كلية فرأى الحجية في نوع منها دون غيره ، فردوا الأخبار التي لم تصل إلى حد التواتر زعماً منهم أنها لا تفيد اليقين ، ورفضوا العمل والاحتجاج بها .
وكانت المعتزلة من أوائل من أثار هذه القضية ، وذلك ليتسنى لهم العبث في النصوص وردِّ ما يحلو لهم منها ، فأسقطوا بذلك جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تعارض ما ابتدعوه في أبواب الدين ، وسدُّوا جميع الطرق أمام معرفة الله وأسمائه وصفاته ، وفي مقابل ذلك أحالوا الناس على أمور وهمية ومقدمات خيالية سمُّوها - بزعمهم - قواطع عقلية وبراهين يقينية قدَّموها على نصوص الوحي ، وحاكموا النصوص إليها .
وقد تكلم علماء الإسلام على هؤلاء المنكرين لحجية خبر الآحاد وفنّدوا شبهاتهم وأباطيلهم في أدلة واضحة بينة لا تحتمل الردَّ أو التأويل وكلُّها توجب العمل بحديث الآحاد والاحتجاج به ، وكان من أوائل العلماء الإمام الشافعي رحمه الله الذي عقد فصلاً طويلاً في كتابه " الرسالة " تحت عنوان " الحجة في تثبيت خبر الواحد " ، فكان خير من تكلم في هذه المسألة ، وجميع من كتب بعده عيال عليه .
وقد تعلق هؤلاء المشكِّكون بعدد من الشبه الواهية التي زعموا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه في ردِّهم لخبر الواحد وعدم قبوله .
من ذلك قصة ذي اليدين الثابتة في الصحيح حين توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبول خبر ذي اليدين لما سلَّم على رأس الركعتين في إحدى صلاة العشاء فقال له ذو اليدين : " أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ " ، قالوا فلم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر و عمر ومن كان في الصف بصدقه ، فأتمَّ عليه الصلاة والسلام صلاته وسجد للسهو ، ولو كان خبر الواحد حجة لأتمَّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته من غير توقف ولا سؤال .
ثم قالوا : وقد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد ، فقد ثبت أن أبا بكر ردَّ خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدَّة حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة ، وثبت أن عمر ردَّ خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد ، وكان علي لا يقبل خبر أحد حتى يحُلِّفه سوى أبي بكر ، وردَّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله إلى غير ذلك من الروايات .
وكلُّ ما ذكروه من شبه في الحقيقة ليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بخبر الواحد ، والإجابة عنها في غاية الوضوح لمن كان يعقل .
فأما توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبر ذي اليدين ، فلأنه توهم غلطه حيث استبعد أن ينفرد بمعرفة هذا الأمر دون من حضره من الجمع الكثير ، ولذا قال له - صلى الله عليه وسلم - ( لم أنس ولم تقصر الصلاة ) ، وكان هذا اعتقاده - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يُكَلَّف الإنسان بقبول خبرٍ مع اعتقاده خطأه ، فلما وافقه غيره ارتفع احتمال الوهم عنه ، فَقَبِلَه - صلى الله عليه وسلم - وعمل بموجب الخبر عندما تبين له عدم الوهم ، وبعبارة أخرى كان يقين ذي اليدين معارضاً ليقين النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن تقديم أحدهما إلا بمرجح خارجي وهو شهادة الصحابة الباقين .
وأمَّا ما أوردوه من أن عدداً من الصحابة لم يعمل بخبر الآحاد ، فإن الثابت الذي لا شك فيه أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على العمل بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم آحادًا كان أو غير آحاد - ، فإذا روي عنهم التوقف في بعض الأخبار فإن ذلك لا يدل على عدم الاحتجاج والعمل به ، بل قد يكون لغرض آخر كطروء ريبة ، أو احتمال الوهم ، أو سدِّ ذريعة أو مزيد رغبة في التثبت والاحتياط إلى غير ذلك من الأغراض .
فردُّ أبي بكر رضي الله عنه لخبر المغيرة في ميراث الجدَّة لم يكن ردَّاً منه لخبر الآحاد ، ولكنه توقف فيه إلى أن يأتي ما يؤيده ويزيده تثبتاً من وجود هذا التشريع في الإسلام ، وهو إعطاء الجدَّة السدس ، خصوصاً وأنه لم ينص عليه في القرآن فكان لا بد للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط ، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتردد أبو بكر في العمل بخبر المغيرة ، ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحاداً ، إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله والعمل به .(11/48)
وأما ردُّ عمر رضي الله عنه لخبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان فإن أبا موسى أخبره بالحديث عقب إنكاره عليه ،فأراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية سدَّاً للذريعة ، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله ، خصوصاً ممن نشأ حديثاً في الإسلام أو دخل فيه ، ولذلك قال عمر لأبي موسى : " أما إني لم أتَّهِمك ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، ومثل ما قيل في قصة أبي بكر يقال في قصة عمر ، فلم تخرج رواية أبي موسى عن كونها آحاداً حتى بعد أن انضم إليه أبو سعيد إلا أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعطي درساً في التثبت والاحتياط .
وقد قبل عمر رضي الله عنه أخباراً أخرى هي من قبيل الآحاد ، فقد روى أبو داود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : " الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا " حتى قال له الضحاك بن سفيان كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوَرِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها " فرجع عمر إلى الحديث .
وقبل رضي الله عنه خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون ، وغيرها من الأخبار ، مما يدل على أن عمر رضي الله عنه لم يرُدَّ الخبر لكونه آحاداً .
ومثل ذلك يقال في كل ما ورد من هذا القبيل ، فالصحابة إذاً لم يتوقفوا في الاحتجاج بخبر الآحاد والعمل به ، بل أجمعوا على قبوله كما سبق ، وتوقُّفِ بعضهم أحياناً لبعض الأسباب ليس توقفاً عن العمل به ، قال الآمدي : " وما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه إنما كان لأمور اقتضت ذلك من وجود معارض أو فوات شرط ، لا لعدم الاحتجاج بها في جنسها مع كونهم متفقين على العمل بها " والله الموفق .
-------------
هل تثبت الأحكام بالأدلية الظنية ؟
تاريخ الفتوى : 18 ذو القعدة 1421 / 12-02-2001 السؤال
ماحكم الشرع في من يقول إن الاحكام الشرعية لا تثبت إلابدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة ويناظرعلى هذاالقول؟ وهل من قائل بهذا القول سلفا أوخلفا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا القول المذكور من أفسد الأقوال وأشنعها، وحقيقته ومؤداه اطّّراح عامة أدلة الشريعة من القرآن والسنة، فالقرآن الكريم قطعي الثبوت، لكن كثيراً من آياته ظنية الدلالة، ولهذا اختلف العلماء في تفسيرها ودلالتها على الحكم الشرعي المنتزع منها.
وقطعي الدلالة هو ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وهو ما يطلق عليه الأصوليون: النص. كقوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) [البقرة:196].
أما السنة النبوية فهي متواترة أو آحاد، والمتواتر وإن كان قطعي الثبوت، إلا أنه قد يكون ظني الدلالة.
والآحاد اختلف فيه هل يفيد الظن أو القطع؟ فالجمهور على أنها تفيد الظن، وذهب جماعة من أهل العلم إلى إفادتها العلم واليقين، وفصل آخرون بين ما احتفت به القرائن، وما لم يكن كذلك.
ومن أمثلة ما احتفت به القرائن: أحاديث الصحيحين، لأن القرائن دالة على صدقها لجلالة صاحبيهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق، واختار هذا القول جماعة منهم ابن الحاجب، وإمام الحرمين، والآمدي، والبيضاوي، وابن تيمية.
وعلى القول بأن خبر الآحاد يفيد الظن، فهو حجة يوجب العمل عند جماهير أهل العلم من السلف والخلف.
قال ابن القاص: لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد.
وقال القاضي أبو يعلى: يجب عندنا سمعاً، وقاله عامة الفقهاء والمتكلمين، وهو الصحيح المعتمد عند جماهير العلماء من السلف والخلف.
قال في شرح الكوكب المنير: ومنع قوم من قبول أخبار الآحاد مطلقا، منهم: ابن أبي داود، وبعض المعتزلة، وبعض القدرية والظاهرية، وكذلك الرافضة.
وقال ابن القاص أيضا: وإنما دفع بعض أهل الكلام خبر الآحاد لعجزه عن السنن، زعم أنه لا يقبل منها إلا ما تواتر بخبر من يجوز عليه الغلط والنسيان، وهذا ذريعة إلى إبطال السنن، فإن ما شرطه لا يكاد يوجد إليه سبيل. انتهى.
واستدل الجمهور على وجوب التعبد بخبر الواحد بأدلة ذكرها ابن قدامة وغيره ومنها:
1/ إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبوله، فإنه قد اشتهر ذلك عنهم في وقائع لا تنحصر، إن لم يتواتر آحادها حصل العلم بمجموعها.
منها أن الصديق رضي الله عنه لما جاءته الجدة تطلب ميراثها نشد الناس من يعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها؟ فشهد له محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فرجع إلى قولهما" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
وروي عن عمر رضي الله عنه في وقائع كثيرة منها: أنه سأل عن قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل، فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، واللفظ له.(11/49)
ومنها أن عمر رضي الله عنه كان لا يورث المرأة من دية زوجها، حتى أخبره الضحاك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ورجع إلى حديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" أخرجه البخاري.
ومنها: رجوع عثمان رضي الله عنه إلى قول فريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرها بالسكنى في دار زوجها لما قتل حتى تنقضي عدتها" رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن.
وتحول أهل قباء إلى القبلة وهم في الصلاة بخبر الواحد. رواه مسلم وغيره.
وقال ابن عمر: ما كنا نرى بالمزارعة بأسا، حتى سمعت رافع بن خديج يقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فتركتها من أجله" رواه البخاري ومسلم.
ولما اختلف المهاجرون والأنصار في الغسل من المجامعة من غير إنزال أرسلوا أبا موسى إلى عائشة، فأجابه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مس الختان الختان وجب الغسل" رواه مسلم.
والمقصود المثال لا الحصر، وعلى هذا سار التابعون من بعد الصحابة، ولم ينقل عن واحد منهم أنه توقف في الأخذ بدليل من الكتاب، أو السنة الصحيحة حتى يبحث عنه هل هو قطعي الثبوت أم لا؟ أو هل هو قطعي الدلالة أم لا؟
وقد علم بالاضطرار أنهم كانوا يتعبدون لله تعالى بما أمرهم به من الصلاة الزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من شعائر الإسلام، وأكثر هذه الأحكام ثابت بأدلة ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت.
2/ ما تواتر من إنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراءه ورسله وقضاته وسعاته إلى الأطراف لتبليغ الأحكام والقضاء، وأخذ الصدقات، وتبليغ الرسالة، ومن المعلوم أنه كان يجب عليهم تلقي ذلك بالقبول ليكون مفيداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ الرسالة، فلولا أن خبر الواحد يوجب العمل، ما بعث إليهم ما لا يجب العمل عليهم بقوله.
وقد قال البخاري في صحيحه: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام. وساق رحمه الله أحاديث في وقائع متعددة كلها دالة على إلزامه صلى الله عليه وسلم بقبول خبر الآحاد.
والحاصل أن القول المسئول عنه قول محدث باطل مخالف للأدلة
----------------
مدى ثبوت الخبر الظني في الشرع والمعتقد
تاريخ الفتوى : 17 ذو الحجة 1423 / 19-02-2003 السؤال
السؤال: هل في الأمور العقائدية يجب أن يكون النص فيها قطعي الثبوت وقطعي الدلالة أم يكتفى أن يكون قطعي الثبوت وإن كان ظني الدلالة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة الشرعية على أن المسلم متعبد بما دلت عليه آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من عقائد وعبادات ومعاملات وغيرها، دون تفريق بين ما هو ظني الدلالة أو قطعيها، بل لا يشترط في الأحاديث أن تكون قطعية الثبوت.
وقد ذهب فريق من المتكلمين إلى أن أدلة العقائد لا بد أن تفيد اليقين، فلا يؤخذ فيها إلا بما هو قطعي الثبوت والدلالة، واحتجوا على ذلك بأن الأدلة الظنية لا تفيد إلا الظن، والظن لا يجوز أن يُحتج به في مجال العقائد؛ لقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23].
وقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم:28].
ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله فيها المشركين لاتباعهم الظن، واحتجاجهم بهذه الآيات وأمثالها مردود؛ لأن الظن في الآيات ليس هو الظن الذي عنوه، فإن النصوص التي ردوها ورفضوا الاحتجاج بها في مسائل العقيدة تفيد الظن الراجح، والظن الذي ذمه الله في قوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ الشك الذي هو الخرص والتخمين، فقد جاء في النهاية واللسان وغيرهما: الظن: الشك يعرض لك في الشيء فتتحققه وتحكم به. فهذا هو الظن الذي نهاه الله على المشركين، ومما يؤكد ذلك قولُ الله فيهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116].
أما الظن الراجح فليس داخلاً في ذلك، وإلا للزم أن تكون أدلة الشرع كلها قطعية، وليس كذلك باتفاق، فأكثر الأدلة الشرعية ظنية الدلالة أو الثبوت أو الدلالة والثبوت معاً، ولم يتوقف الصحابة أو التابعون في الأخذ بها في العقائد وغيرها.
وقد لخص ابن عبد البر رحمه الله مذاهب الأئمة في ذلك بقوله: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده، وعلى ذلك جماعة أهل السنة. انتهى
ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم:
6906 - والفتوى رقم: 14050.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
------------
أحاديث الآحاد تثبت بها العقيدة والأحكام الفرعية
تاريخ الفتوى : 18 ذو الحجة 1422 / 03-03-2002 السؤال(11/50)
ما الفرق بين العقيدة والأحكام الشرعية من حيث أدلتها فنحن نعلم أن دليل العقيدة يجب أن يكون قطعي الدلالة والثبوت إلا أن الكثير من المسلمين اليوم يقولون بأن العقيدة تثبت بدون القطع أي بادلة ظنية وهم من أهل السنة
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول الحق وهو قول أهل السنة والجماعة هو أن كلاً من العقيدة والأحكام الفرعية يثبت بأحاديث الآحاد، ولا يشترطون القطعية في الثبوت ولا في الدلالة، بل يقولون: متى صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب على المسلم العمل به، سواء كان في العقائد أو الأحكام، وسواء كان قطعي الدلالة أو ظنيها، ودليلهم على هذا اتفاق الصحابة وأئمة الهدى من بعدهم على عدم التفريق بين العقائد والأحكام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الواحد من أصحابه إلى بعض البلدان يعلمهم التوحيد والعقيدة والأحكام، ويرى أن الحجة قد قامت عليهم بذلك، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 6906
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
علم السنة له قواعد وأصول من حيث الصحة والضعف
تاريخ الفتوى : 23 ذو القعدة 1421 / 17-02-2001 السؤال
هناك خلاف مع أحد الزملاء حول موضوع معين هو يقول إن الأحاديث قد تكون غير صحيحة حتي ما ثبت أنه صحيح أي ما تفق عليه أنه صحيح أي رواه البخاري ومسلم وغيرهم ، يقول إنها غير صحيحة في النقل فمثلا يقول إن أركان الإسلام سته فالجهاد عنده من الأركان ويقول إن الناقل للحديث لم يكن معاصرا وإن القران اهتم بالجهاد أكثر من أي شئ فيقول إن رواة الأحاديث بعد مئات السنين بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ويدلل على ذلك أن هناك أئمة أربعة اختلفوا في بعض الأمور فهو يقول إن القران صحيح والأحاديث أغلبها محرفة والدليل وجود فرق ضالة فما رأيكم الكريم في هذة المسألة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث النبوية منها: الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف والموضوع، وهذا يعرفه المختصون بهذا العلم الشريف.
وقد تلقت الأمة بالقبول ما جاء في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وقد جعل العلماء أعلى مراتب الصحيح: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما كان على شرطهما، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم الصحيح عند غيرهما.
ويدلك على منزلة صحيح البخاري ما قاله الحافظ أبو نصر السجزي: أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه لم يحنث.
وما ذكره عن الجهاد شبهة لا قيمة لها في هذا الباب، فإن الأركان الخمسة هي أعظم ما بني عليه الإسلام كما في الحديث المتفق عليه " بني الإسلام على خمس " . ولا يعني هذا أن الفرائض والواجبات محصورة في هذه الخمس ، بل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين من الفرائض المعلومة ، والجهاد ذروة سنام الإسلام كما في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ".
وقوله: إن الأحاديث أغلبها محرفة. قول لا أساس له من الصحة، فإن أكثر ما في الكتب المشهورة صحيح، أعني البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبا داود، وابن ماجه، وأحمد، والموطأ، وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان.
ووجود الفرق الضالة ليس دليلاً على تحريف الأحاديث، بل يرجع وجود كثير من هذه الفرق إلى رفضهم السنة، وطعنهم وتشكيكهم فيها، أو تأويلها وتحريفها وعدم الأخذ بظواهرها، وهل القول بالاكتفاء بالقرآن، واطّراح أكثر السنة إلا أحد الأقوال المنحرفة التي قامت عليها قواعد المعتزلة والجهمية ومن أطلق عليهم : "القرآنيون" وغيرهم من أهل الضلال.
ونصيحتنا لهذا المتكلم أن يعلم أن هذا العلم له قواعده وأسسه، وأنه لا يجوز لأحد أن يقول هذا حديث صحيح، أو ضعيف، لمجرد خيال، أو شبهة عقلية عرضت له، بل لابد من دراسة الإسناد، والنظر في المتن، وتحقيق القواعد والضوابط التي وضعها علماء الإسلام على مر القرون.
وأن يحذر أن يكون خصماً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك برده لسنته واعتراضه عليها، وأن يعلم أن الله تعالى تولى حفظ هذا الدين، وحفظ كتابه، ولا يتم ذلك إلا بحفظ سنة نبيه التي هي وحي كالقرآن، كما قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [النجم: 3-4].
وقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل: 44].
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
لماذا لم تدون السنة كما دون القرآن ؟!
(الشبكة الإسلامية)(11/51)
نجح كثير من المستشرقين في العصور المتأخرة في التأثير على عقول بعض المسلمين ، فانخدعوا بكتاباتهم ودراساتهم حول الإسلام ، وهماً منهم أنها قامت على الموضوعية والحياد والإنصاف والتجرد في البحث العلمي ، ومن ثم اقتفوا آثارهم ، ورددوا دعاواهم التي لم يقيموا عليها أي بينة ، بل زادوا عليها من أنفسهم ، وكل هؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم باسم البحث والمعرفة وحرية النقد ، وهم أبعد ما يكون عن العلم الصحيح والبحث القويم والنقد النزيه .
وبذلك جاءت كتابات هذا الفريق من تلامذة المستشرقين وأذنابهم حول الإسلام عموماً والحديث النبوي خصوصاً لا تقلٌّ - إن لم تكن قد فاقت - كتابات المستشرقين في إثارة الشبه والتشكيك في مصادر الشريعة الإسلامية ، فكانت تلك الكتابات في حقيقتها ما هي إلا مرآة وصدى لأفكار المستشرقين التي تأثروا بها .
وكان من هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده ، ثم تلاه " أحمد أمين في كتابه" فجر الإسلام " الذي عقد فيه فصلاً خاصاً أتى فيه بأفكار وآراء حول الحديث ، وهي لا تخرج في جملتها عن أفكار وآراء المستشرقين من غير أن ينسبها إليهم , ثم تسلم الراية بعدهم محمود أبو رية الذي ألف كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، فنشر فيه مزاعم واتهامات حول الحديث النبوي ، وخلط بين ما قاله من سبقه من المستشرقين ، ومن سار على منهجهم من المسلمين ، فجاء كتابه مزيجاً من مختلف الآراء التي قيلت للتشكيك في الحديث النبوي ورجاله ، وإظهار السنة بمظهر الاختلاف والتناقض والتحريف .
وكان غرضهم من ذلك التشكيك في الحديث النبوي كمصدر ثانٍ من مصادر التشريع الإسلامي ، عن طريق الطعن في حجية السنة ، وإثارة الشبه حولها حتى يترك العمل بها من قبل المسلمين .
ومن هذه الشبه التي رددها أذناب المستشرقين قولهم : " لوكانت السنة ضرورية لحفظها الله كما حفظ القرآن في قوله تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها كما أمر بكتابة القرآن " (1) .
وقولهم في الحديث الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم : - ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ) ، : " لو كان هذا الحديث صحيحاً لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابة السنة ، ولأمر بتدوينها كما دون القرآن ، ولا يمكن أن يدع نصف ما أوحي إليه بين الناس بغير كتابة ، ولا يكون حينئذ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كاملة إلى أهلها ، ولماذا ترك الصحابة نصف الوحي ولم يدونوه ، فبإهمالهم له يصبحون جميعاً من الآثمين " (2) .
وجواباً على هذه الشبه نقول : إن الله عز وجل كما أراد لهذه الشريعة البقاء والحفظ ، أراد سبحانه أيضاً ألا يكلف عباده من حفظها إلا بما يطيقون ولا يلحقهم فيه مشقة شديدة ، فمن المعلوم أن العرب كانوا أمة أمية ، وكان يندر فيهم الكتبة ، وكانت أدوات الكتابة عزيزة ونادرة ، حتى إن القرآن كان يكتب على جريد النخل والعظام والجلود ، وقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم -بين أصحابه بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة ، ولهذا كان التكليف بكتابة الحديث كله أمرا ًفي غاية الصعوبة والمشقة ، لأنه يشمل جميع أقواله وأفعاله وأحواله وتقريراته - صلى الله عليه وسلم - ، ولِما يحتاجه هذا العمل من تفرغ عدد كبير من الصحابة له ، مع الأخذ في الاعتبار أن الصحابة كانوا محتاجين إلى السعي في مصالحهم ومعايشهم ، وأنهم لم يكونوا جميعا يحسنون الكتابة ، بل كان الكاتبون منهم أفراداً قلائل ، فكان تركيز هؤلاء الكتبة من الصحابة على كتابة القرآن دون غيره حتى يؤدوه لمن بعدهم تامًا مضبوطًا لا يُنْقص منه حرف
ومن أجل ذلك اقتصر التكليف على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً حتى جمع القرآن كله في الصحف .
وكان الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين فيختلط القرآن بغيره - وخصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي - أحد الأسباب المهمة التي منعت من كتابة السنة
ثم إنه لم يحصل لحفاظ السنة في عهد الصحابة ما حصل لحفاظ القرآن ، فقد استحرَّ القتل بحفاظ القرآن من الصحابة ، أما السنة فإن الصحابة الذي رووا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كثر ، ولم يحصل أن استحر القتل فيهم قبل تلقي التابعين عنهم .
ومن الأسباب أيضاً أن السنة كانت متشعبة الوقائع والأحداث فلا يمكن جمعها كلها بيقين ، ولو جمع الصحابة ما أمكنهم فلربما كان ذلك سبباً في رد من بعدهم ما فاتهم منها ظناً منهم أن ما جمع هو كل السنة .
ثم إن جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن كان عرضة لأن يُقبِل الناس على تلك الكتب ، ويدعوا القرآن ، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها عن طريق الرواية ، وبعض الكتابات الخاصة .(11/52)
أضف إلى ذلك أن القرآن يختلف عن السنة من حيث أنه متعبد بتلاوته ، معجز في نظمه ولا تجوز روايته بالمعنى ، بل لا بد من الحفاظ على لفظه المنزل ، فلو ترك للحوافظ فقط لما أمن أن يزاد فيه حرف أو ينقص منه ، أو تبدل كلمة بأخرى ، بينما السنة المقصود منها المعنى دون اللفظ ، ولذا لم يتعبد الله الخلق بتلاوتها ، ولم يتحداهم بنظمها ، وتجوز روايتها بالمعنى ، وفي روايتها بالمعنى تيسير على الأمة وتخفيف عنها في تحملها وأدئها .
وقد بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - الدين كله وشهد الله له بهذا البلاغ فقال سبحانه :{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } (المائدة 67) ، ووجود السنة بين الأمة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم فيه أبلغ دلالة على تبليغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياها لأمته وبالتالي لم يضع نصف ما أوحاه الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما زعم الزاعمون - ، بل الجميع يعلم أن الصحابه رضي الله عنهم كانوا يتمتعون بحوافظ قوية ، وقلوب واعية ، وذكاء مفرط ، مما أعانهم على حفظ السنة وتبليغها كما سمعوها ، مستجيبين في ذلك لحث نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله : ( نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فحفظها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ) رواه الترمذي وغيره .
فتم ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - من حفظ السنة وتبليغها ، ويكون بذلك - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ دين الله عز وجل كاملاً ولم ينقص منه شيئاً .
________________________
(1) مجلة المنار ( 9/515)
(2) أضواء على السنة المحمدية
==================
شبهات حول حجية السنة
(الشبكة الإسلامية)
ظهرت في حِقَب من التاريخ الإسلامي فرق وطوائف أنكرت السنة والاحتجاج بها ، فمنهم من أنكرها صراحة ودعا إلى نبذها بالكلية سواءً أكانت متواترة أم آحادية زعماً منهم أنه لا حاجة إليها ، وأن في القرآن غنية عنها ، ومنهم رأى الحجية في نوع منها دون غيره .
وكان أول من تعرض لهذه المذاهب وردَّ على أصحابها ودحض شبهاتهم الإمام الشافعي رحمه الله حيث عقد فصلاً خاصاً في كتاب " الأم " ذكر فيه مناظرة بينه وبين بعض من يرون ردَّ الأخبار كلِّها ، كما عقد في كتاب " الرسالة "فصلاً طويلاً في حجية خبر الآحاد .
وكادت تلك الطوائف التي أنكرت السنة جملة أن تنقرض ، حتى نبتت نابتة جديدة - في عصرنا الحاضر - غذَّاها الاستعمار بنفسه وأيدها مادياً ومعنوياً ، في محاولة منه للقضاء على الإسلام وهدم أصوله وأركانه .
وكان أحد هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن فقط : الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده " .
وتبع ذلك ظهور جماعة في شبه القارَّة الهندية دعت إلى الأخذ بالقرآن فقط ، وأنكرت أن يكون للأحاديث أي قيمة تشريعية ، وهم الذين عرفوا بـ " بالقرآنيين " أو " جماعة أهل القرآن " ، مردِّدين نفس الحجج والشبه التي استند إليها توفيق صدقي .
ومن ذلك ما فهموه من قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء }(الأنعام 38) ، وقوله سبحانه : {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء }(النحل 89).
فقالوا : إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين ، وكلَّ حُكم من أحكامه ، وأنه بيَّن ذلك وفصَّله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وإلا كان الكتاب مفرِّطاً فيه ، ولما كان تبياناً لكل شيء ، فيلزم الخُلْف في خبره سبحانه وتعالى .
وجواباً على هذه الشبهة يقال : ليس المراد من الكتاب في قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء }(الأنعام 38) القرآن ، وإنما المراد به اللوح المحفوظ ، فإنه هو الذي حوى كل شيء ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، على التفصيل التام ، بدلالة سياق الآية نفسها حيث ذكر الله عز وجل هذه الجملة عقب قوله سبحانه : {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم }(الأنعام 38) أي مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها ، كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم كل ذلك مسطور مكتوب في اللوح المحفوظ لا يخفى على الله منه شيء .
وعلى التسليم بأن المراد بالكتاب في هذا الآية القرآن ، كما هو في الآية الثانية وهي قوله سبحانه : {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء }(النحل 89) فالمعنى أنه لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين وأحكامه ، وأنه بيَّنها جميعاً بياناً وافياً .
ولكن هذا البيان إما أن يكون بطريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده وقواعد الأحكام العامة ، فبيَّن الله في كتابه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، وحِلِّ البيع والنكاح ، وحرمة الرِّبا والفواحش ، وحِلِّ أكل الطيبات وحُرْمة أكل الخبائث على جهة الإجمال والعموم ، وتَرَك بيان التفاصيل والجزئيات لرسوله صلى الله عليه وسلم .(11/53)