إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
فيكفينا قول العلماء ولا يعنينا قول الجهلاء
===================
شبهات حول أحاديث الدجال
الشبهة الأولى
1-وصارت هنا مشكلة عند الخلف المعاصر ، ألا وهى : كيف سيكون منكر هذه الأحاديث كافرًا وزنديقًا ، ومرتدًا ، و… ، بينما الإنكار قد صدر هذه المرة من أكبر منصب رسمى فى العلم فى البلاد
مثل بعض شيوخ الأزهر و بعض العلماء المشهورين
الرد
أولا و قبل كل شيئى ليس هناك أحد حجة على الأسلام و لكن الأسلام حجة على الجميع فأذا أتى أى أنسان بقول يخالف قول الرسول أى كان هذا الشخص فقوله مردود عليه فنحن نشهد أن محمدا رسول الله و لا نقول أن فلان رسول الله لكى نأخذ بقوله ممكن دا عند غير المسلمين فأنهم أتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله يشرعون لهم و يحللون لهم ما حرم عليهم رسلهم فهذا لا يعنينا فى شيئ
قاعدة هامة عندنا و هى أن العقل السليم لا يتناقض مع النقل الصحيح وإذا حدث هذا التعارض فلا بد ان القصور هنا هو في الفهم من العقل او في فهم النص او في كليهما .
وكم من عائب قولا صحيحا ... وافته من الفهم السقيم
ثانيا نحن مؤمنون معنى ذلك أننا نسلم بكل ما جاء بالقرآن والسنة من الأمور التي ذكرت والتفاصيل التي وضحت والله امتدح المؤمنين بصفة مهمة في أول سورة البقرة وهي قولة عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ..) (البقرة:3) ولذلك فإن كثيرا من الناس الذين لديهم نوع من الشك والريبة عندما يمرون بالآيات والأحاديث التي تذكر أمورا مستقبلية ستقع فإنهم يشكون في ذلك وبعضهم قد يعترض على ذلك أو يتجه بسهام التأويل والتحريف لبعض الأشياء المذكورة في القرآن والسنة وهذا أمر مناف للإيمان وليس من منهج المؤمن أبدا أنه يعمد الى هذه التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة فيغير فيها بزعمه أو يكذبها أو ينفيها مثلا لأنها تخالف عقله أو لأنه يراها غير واقعية بزعمه ولذلك فإنه لا بد من الايمان الكامل والجازم بكل ما ثبت لدينا مما ورد من كلام ربنا سبحانه وتعالى وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
لأن إنكار الأحاديث الثابتة عن النبي، ومقابلتها بالرد والاطراح ، يدل على الاستخفاف بأقوال رسول الله ، ويستلزم مشاقته واتباع غير سبيل المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } وقال تعالى : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } وليس إنكار الأحاديث الثابتة عن النبي بالأمر الهين ، لأن الله تعالى يقول : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : من رد حديث رسول الله فهو على شفا هلكة . وقال إسحاق بن راهوية : من بلغه عن رسول الله خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر . وقال أبو محمد البربهاري في شرح السنة : إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها ، أو ينكر شيئا من أخبار رسول الله فاتهمه على الإسلام فإنه رجل رديء المذهب والقول ، وإنما يطعن على رسول الله وعلى أصحابه . وقال أيضا : لا يخرج أحد من أهل القبلة عن الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل ، أو يرد شيئا من آثار رسول الله ، أو يصلي لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام . وقال أيضا : من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله ، ومن رد حديثا عن رسول الله فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم .
وقال إبراهيم بن أحمد بن شاقلا : من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في سندها ، ولا جرح في ناقليها وتجرأ على ردها فقد تهجم على رد الإسلام . وقال ابن حزم في كتاب الأحكام : جاء النص ثم لم يختلف فيه مسلمان في أن ما صح عن رسول الله أنه قاله ففرض اتباعه ، وأنه تفسير لمراد الله في القرآن وبيان مجمله
الشبهة الثانية
إن الذي يلقى بصره على أحاديث الدجال ، يُدرك لأول وهلة أنها من الكلام الملفق الذى يصفه الوضاعون وينسبونه للنبى لمقاصد شتى ، إما لإفساد عقائد الناس ، أو لتصغير شأن النبى فى نظر أهل النقد
الرد
من أين أتى هذا الدجال بأن أحاديث الدجال موضوعة أين دليله العلمى؟؟؟؟؟
هل لأن عقله الفاسد لم يستطع أدراكها تصبح غير مقبولة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أصبر و سأثبت لك بالدليل النقلى و البرهان العلمى صدق أحاديث الدجال و أنها شاهد على صدق الرسول و على الأعجاز العلمى فى الحديث الشريف
أولا الدليل النقلى:(10/19)
خروج الدجال قد جاء فيه أكثر من مائة حديث من الصحاح والحسان ،مثل
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال، فقال : (إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت : من هذا؟ فقالوا : هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت : من هذا؟ قالوا : المسيح الدجال).
صحيح البخاري -الجامع الصحيح -رقم:3439
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ : (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة القبر، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال).
صحيح -البخاري-الجامع الصحيح 6376
دخلت على عائشة رضي الله عنها، والناس يصلون، قلت : ما شأن الناس؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت : آية؟ فأشارت برأسها : أي نعم، قالت : فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم جدا حتى تجلاني الغشي، وإلى جنبي قربة فيها ماء، ففتحتها فجعلت أصب منها على رأسي، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، وحمد الله بما هو أهله، ثم قال : أما بعد. قالت : ولغط نسوة من الأنصار، فانكفأت إليهن لأسكتهن، فقلت لعائشة : ما قال؟ قالت : قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور، مثل - أو قريبا من - فتنة المسيح الدجال، يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، أو قال الموقن، شك هشام، فيقول : هو رسول الله، هو محمد صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا وأجبنا واتبعنا وصدقنا، فيقال له : نم صالحا، قد كنا نعلم إن كنت لتؤمن به، وأما المنافق، أو قال المر تاب، شك هشام، فيقال له : ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول : لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
صحيح- البخاري- الجامع الصحيح 922
. وقد تواترت الأحاديث في خروج الدجال من وجوه متعددة ولو لم يكن منها سوى الأمر بالاستعاذة من فتنة الدجال في كل صلاة لكان ذلك كافيا في إثبات خروجه ، والرد على من أنكر ذلك ، وقد روى عبدالرزاق بإسناد حسن ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إنه سيخرج بعدكم قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بالحوض ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بقوم يخرجون من النار . وهذا الأثر له حكم المرفوع لأن فيه إخبارا عن أمر غيبي وذلك لا يقال من قبل الرأي ، وإنما يقال عن توقيف .
وقد ظهر مصداق ما جاء فيه من التكذيب بالدجال وغيره ، فأنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية ، وردوا الأحاديث الواردة فيه ، ذكر ذلك ابن كثير في النهاية قال : وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة عن رسول الله ، وذكر النووي في شرح مسلم أن مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار إثبات خروج الدجال خلافا لمن أنكره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة . انتهى .
وقد تبع الخوارج والجهمية والمعتزلة على إنكار خروج الدجال كثير من المنتسبين إلى العلم في زماننا وقبله بزمان ، وأنكر بعضهم كثيرا من أشراط الساعة مما هو ثابت عن النبي ، وبعضهم يتأولها على ما يوافق عقليته الفاسدة. ولو كان الذين أشرنا إليهم أهل علم على الحقيقة لما ردوا شيئا من الأحاديث الثابتة عن النبي ، ولكانوا يقابلونها بالرضا والقبول والتسليم
ثانيا الأعجاز العلمى فى حديث الدجال
مقدمة لا بد منها
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية ( رقم 54) من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار , أو التغشية بغير تحديد , وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض , بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة .
واللفظة ( حثيثا ) تعني مسرعا حريصا , يقال ( حثه ) من باب رده و ( استحثه ) علي الشيء أي حضه عليه ( فاحتث ), و ( حثثه تحثيثا وحثحثة ) بمعني حضه , و ( تحاثوا ) بمعني تحاضوا .(10/20)
والدلالة الواضحة للآية الكريمة ( رقم 54) من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار ( أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ) كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا , وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة , وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو
(Dendrochronology)
وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات ( من مركز الساق حتي طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء ), وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة ( الربيع , والصيف , والخريف , والشتاء ) فترق رقة شديدة في فترات الجفاف , وتزداد سمكا في الآونة المطيرة .
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم
(Pinusaristata)
إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت , ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة , وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار
(AnnualRings)
وخطوط النمو في هياكل الحيوانات
(LinesofGrowth)
يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية , بفصولها الأربعة , وشهورها الاثني عشر , وأسابيعها الستة والخمسين , وأيامها , ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة , ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم , وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم (54) من سورة الأعراف .
تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق
في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة اتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة , وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس .
وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير ( البقايا الصلبة للكائنات البائدة ) بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري
CambrianPeriod))
أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان 425 يوما , وفي منتصف العصر الأوردوفيشي
(OrdovicianPeriod)
أي منذ حوالي 450 مليون سنة مضت ـ كان 415 يوما , وبنهاية العصر التراياسي
(TriassicPeriod)
أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان 385 يوما , وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة ( والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها ) حتي وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي 365,25 يوم تقريبا (365 يوما ,5 ساعات ,49 دقيقة ,12 ثانية ). وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها , وكلاهما يعمل عمل الكابح ( الفرامل ) التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها . وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض ( أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية ) منذ حوالي 4,600 مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي 2200 يوم تقريبا , ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات , ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية ..!! فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق :
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ...( الأعراف :54)
وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية , حتي تبقي هذه الاشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم , وبأنه كلام الله الخالق , وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض , وأنه ( صلي الله عليه وسلم ) ما كان ينطق عن الهوي ...!!
ثانيا الأعجاز العلمى فى حديث الدجال
ارتباك دوران الأرض قبل
طلوع الشمس من مغربها(10/21)
بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة , ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن , توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب , فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق , فتبدو الشمس طالعة من الشرق , وغاربة في الغرب , فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي ( صلي الله عليه وسلم )
فعن حذيفة بن أسيد الغفاري ( رضي الله عنه ) أنه قال :
اطلع النبي ( صلي الله عليه وسلم ) علينا ونحن نتذاكر , فقال : ما تذاكرون؟ , قلنا : نذكر الساعة ,
فقال : إنها لن تقوم حتي تروا قبلها عشر آيات
فذكر : الدخان , الدجال , والدابة , وطلوع الشمس من مغربها , ونزول عيسي بن مريم , ويأجوج ومأجوج , وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق , وخسف بالمغرب , وخسف بجزيرة العرب , وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلي محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها , وخروج الدابة علي الناس ضحي , وأيهما ما كانت قبل صاحبتها , فالأخري علي إثرها قريبا .
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان ( رضي الله عنه ) قال : ذكر رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) الدجال .. قلنا يا رسول الله : وما لبثه في الأرض؟ قال ( صلي الله عليه وسلم ): أربعون يوما , يوم كسنة , ويوم كشهر , ويوم كجمعة , وسائر أيامه كأيامكم , قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال ( صلي الله عليه وسلم ): لا , أقدروا له ...
ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها , وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك .
ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين , والسؤال الذي يفرض نفسه : من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي ( صلي الله عليه وسلم ) ؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله ( تعالي ) يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية
أرجو أن تذكر لى رد هؤلاء الجهال عندما يدركون هذه الحقيقة و التى أثبتها العلم لهم و هل سيستمرون فى ضلالهم من أن أحاديث الدجال منافية
الشبهة الثالثة
إنه أشبه بالأساطير الباطلة ، فإن رجلاً يمشى على رجلين يطوف البلاد يدعو الناس لعبادته ويكون معه جنة ونار تمشيان معه أينما ذهب يلقى فيهما من يشاء كل هذه الأمور التى يسيغها العقل ، والنبى أجل من أن يأتى بشى تنقضه بداهة النظر ، وهل مثل هذا الأمر مما يصلح أن يسيغه عقل بشرى ناط الله به تمييز الممكن من المستحيل وجعله الفارق بين الحق والباطل .
الرد
لقد اثبت العلم فساد عقله عندما جاء مؤيدا لصدق النبى محمد فى أخباره عن طول اليوم فى حديثه عن الدجال فهل يصح بعد ذلك حكم العقل الناقص على النقل الصحيح المتواتر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و أين حكم العقل عندما أخبر رسول الله أصحابه و هم فى مكة مستضعفين أنهم سيملكون ملك كسرى و قيصر و سيفتحون القسطنطنية و قد تحققت بفضل الله هذه النبؤات هل كان العقل بمفرده يستطيع تصديق هذا الأمر ؟؟
ثانيا:هل تؤمن بقدرة الله أم لا؟؟؟؟
أن الله الذى خلق الكون هو الذى سيخلق الدجال و فتنته ومما أعلمه أن المسيح الدجال والجساسة خلق من مخلوقات الله عز وجل ، حاله حال الدابة التي تخرج في آخر الزمان، وليس ذلك على الله بعزيز
فهل هذا صعب على الله؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لخلق السموات و الأرض أعظم من خلق الدجال و فتنته لو كان هؤلاء الجهال يعلمون
و هل أستطاع عقله أن يعى كل أمور الكون و وقفت أمامه فقط مسألة الدجال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الشبهة الرابعة
كيف يعقل أن رجلاً أعور مكتوب على جبهته كافر ، يقرأها الكاتب والأمى على السواء يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته فتروج له دعوة أو تسمع له كلمة ؟!
أى إنسان بلغ به الانحطاط العقلى إلى درجة يعتقد بألوهية رجل مُشوه الخلقة مكتوب فى وجهه كافر بالأحرف العريضة .
الرد
هل تستبعد عبادة البشر لرجل أعور يأتى بخوارق ؟
و تقول ان هذا ليس له سابقة فى التاريخ و أن العقل البشرى ينكر ذلك
أقول لك كذبت
فما رأيك بمن يعبدون الأبقار و من يعبدون الأصنام و من يعبدون بشرا كان يتبول و يتبرز و هؤلاء يعيشون معنا فى عصرنا الحالى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟(10/22)
فما أيده به الله من خوارق للعادت ستجعل كثير من الناس يفتنون به و هذا هو الأبتلاء و الفتنة العظيمة التى حذر منها الرسول
ثم أعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل جعل من سنته أن يبتلي الناس ليظهر المؤمن من الكافر وليتبين المسلم الحق من المرتاب الشاك ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينزل بالعباد فتنا ليتميز أهل الجنة من أهل النار بل حتى يتميز المسلمون في مدى ايمانهم ولذلك فإن هناك آيات عظيمة وفتن كثيرة وابتلاءات كثيرة ستنزل بالعباد وهذه الابتلاءات لها فوائد كبيره وهي تمحيص الناس وتبيين من هو على الطريقة السوية ممن يسير على هوى أو يحذو حذو سبل الشيطان
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ إِنْذَار الْأَنْبِيَاء قَوْمهمْ بِأَمْرِ الدَّجَّال تَحْذِير مِنْ الْفِتَن وَطُمَأْنِينَة لَهَا حَتَّى لَا يُزَعْزِعهَا عَنْ حُسْن الِاعْتِقَاد , وَكَذَلِكَ تَقْرِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ زِيَادَة فِي التَّحْذِير,وَأَشَارَ مَعَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عَلَى الْإِيمَان ثَابِتِينَ دَفَعُوا الشُّبَه بِالْيَقِينِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَجُوز أَنْ يُجْرِي اللَّه الْآيَة عَلَى يَد الْكَافِر ؟ فَإِنَّ إِحْيَاء الْمَوْتَى آيَة عَظِيمَة مِنْ آيَات الْأَنْبِيَاء فَكَيْف يَنَالهَا الدَّجَّال وَهُوَ كَذَّاب مُفْتَرٍ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّة ؟ فَالْجَوَاب أَنَّهُ عَلَى سَبِيل الْفِتْنَة لِلْعِبَادِ إِذْ كَانَ عِنْدَهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُبْطِل غَيْر مُحِقّ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَعْوَر مَكْتُوب عَلَى جَبْهَته كَافِر يَقْرَؤُهُ كُلّ مُسْلِم , فَدَعْوَاهُ دَاحِضَة مَعَ وَسْم الْكُفْر وَنَقْص الذَّات وَالْقَدْر , إِذْ لَوْ كَانَ إِلَهًا لَأَزَالَ ذَلِكَ عَنْ وَجْهه , وَآيَات الْأَنْبِيَاء سَالِمَة مِنْ الْمُعَارَضَة فَلَا يَشْتَبِهَانِ .
من قال لهذا الجاهل أن كل الناس تستطيع قرائتها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أن النص يصرح بأن الذى يستطيع قرائتها هو المؤمن فقط " أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن " وفي رواية أخرى "يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب " سواء يعرف القراءة والكتابة أو لا يعرف أي أن كل المؤمنون يستطيعون أن يقرؤوا هذه الحروف بين أعيني الدجال ( ك ف ر ) كافر والألف طبعا في الماضي لا يكتبونها في الخط لكن تنطق "والكفار يحجبهم عنها بحوله وقوته
الشبهة الخامسة
ـ لماذا لم يذكر القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئاً مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه تلك الأحاديث الموضوعة ، فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض ، ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذى معه جنة ونار يفتن بهما الناس ؟
الرد
تساءل العلماء عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن الكريم مع عظم فتنته وتحذير الأنبياء منه والأمر بالاستعاذة منه فتنته في الصلاة فأجابوا عن ذلك بأجوبة منها :
1- إنه مذكور من ضمن الآيات التي ذكرت في قوله تعالى ( .... يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) سورة الأنعام آية ( 158 )
وهذه الآيات هي الدجال وطلوع الشمس من مغربها والدابة وهي المذكورة في تفسير هذه الآية فقد روى مسلم والترمذي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض 0
إن القران الكريم ذكر نزول عيسى عليه السلام قال تعالى ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ .. ) سورة الزخرف آية (61)
والمراد بكونه علماً للساعة كونه من أشراطها ينزل على الأرض فيعلم به قرب الساعة إي نزول عيسى بن مريم ومن المعلوم أنه هو الذي يقتل المسيح الدجال فاكتفى بذكر مسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام عن مسيح الضلالة ، وعادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين دون الآخر0
3- انه مذكور في قوله تعالى ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة غافر آية (57)
والمقصود بالناس هنا المسيح الدجال من إطلاق الكل على البعض قال ابو العالية " 1 " : ( أي اعظم من خلق الدجال حين عظمته اليهود )0
-أن القرآن الكريم لم يذكر الدجال احتقاراً لشأنه لأنه يدعي الربوبية وهو بشر ينافي حاله جلال الرب وعظمته وكماله وكبرياءه وتنزهه عن النقص فلذلك كان أمره عند الله أحقر واصغر من أن يذكر ، ومن هذا حذرت الأنبياء منه وبينت خطره وفتنته كما سبق أن كل نبي انذر أمته ( الأعور الدجال ) وحذرها من فتنته 0
فإن اعترض بأن القرآن الكريم ذكر فرعون وهو قد ادعى الربوبية والألوهية فنقول :(10/23)
أن أمر فرعون انقضى وانتهى وذُكر عبرة للناس وعظة وأما أمر الدجال فسيحدث في اخر الزمان فترك ذكره امتحاناً به مع أن ادعاءه الربوبية اظهر من أن ينبه على بطلانه لأن الدجال ظاهر النقص واضح الذم أحقر واصغر من المقام الذي يدعيه فترك الله ذكره لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل هذا لا يخيفهم ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ورسوله كما قال الشاب الذي يقتله الدجال ويحييه ( والله ما كنت فيك اشد بصيرة مني اليوم ) أي قد استيقنت اكثر ما كنت عليه بعد أن قتلني 0
وقد يترك ذكرُ الشيء لوضوحه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته أن يكتب كتاباً بخلافة الصديق رضي الله عنه لوضوحه وذلك لعظم قدر أبى بكر عند الصحابة رضي الله عنهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر
الشبهة السابعة
: قد يقول بعض الناس ما هي فائدة ذكر هذه الأخبار ؟؟ ولماذا ندرس أشياء قد لا تقع في عصرنا ؟؟ ولما نتعرض لتفاصيل بعض الأمور التي لن تحدث في هذا الزمن الذي نعيش فيه ؟؟
الرد
فنقول أيها الأخوة أن من هذه الأشياء فوائد فمن ذلك
أولا : أن الإيمان بالغيب من صفات المسلم .
ثانيا : أفرض مثلا الآن نحن سنتعرض لحديث الدجال هب أن انسان قال غنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم ولن يظهر في هذا الزمن فنقول إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للأمة وفيه بيان لمواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا وعبرة ونحن نعيش في هذا العصر كيف نواجه الفتن لأن الفتن كثيرة فتنة الدجال وفتنة الدجاجله الآخرين قد يظهرون في هذا الزمن صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الأكبر ولكن في بيان الموقف من الدجال الأكبر درس لنا في كيفية الوقوف وما هو الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون .
ثالثا : كيف ستتعلم الأجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال الموقف الصحيح اذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر ديننا نحن وكيف ستتربى الأجيال على الثبات امام الدجال اذا لم نعلم نحن الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا بحيث تنقل هذه المواقف لذلك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مع العلم أننا لا نستطيع أن نجزم مائة بالمائة أن الدجال لن يظهر في عصرنا .
رابعا : حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل يجعله ينظر برهبة لمثل هذه الاحاديث التي فيها ذكر الدجال وما حول الدجال من الفتن الاخرى
الشبهة الثامنة
، ولكن الدليل الحسي على بطلان هذا الحديث أن واضعه بقصر نظره خيل له أن أسلحة الناس لن تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة ، ولم يدرك أنه لن يمر على وضع هذا الحديث نحو سبعة قرون حتى لا يوجد البارود والبندق
الرد
إن الحديث يوضح حقيقة واضحة لمآل هذه الحضارة وأنه الزوال المهلك ولهذا فإنه من المرجح أن زوال هذه الحضارة سيكون بما صنعته من وسائل الدمار بحيث تحدث الحروب المدمرة التى تؤدى إلى هلاك معظم البشر وعلى دمار وسائل الصناعة الحديثة مما يجعل من يبقى من الناس بعد الموت العام الذى يصيب البشر يستخدمون الوسائل التقليدية فى الحروب وهو السلاح الابيض ولهذا فإن هذا الحديث يوفر للمسلم البشرى والاطمئنان إلى ما سوف يحدث ويجعله فى راحة بال عند حدوث الموت العام.
كما إن الموت العام الذى أشار إليه الحديث قد لا يحدث نتيجة لقيام الحروب فقد يحدث نتيجة لعقاب ينزل من السماء على الكافرين والبغاة فقد ورد فى القرآن ما يشير إلى ذلك فى قوله تعالى ( حتى إذا أخذت ألارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها جاءها أمرنا ليلا أو نهاراً فأصبحت كأن لم تغن بالامس) وظن الناس وخاص الكافرين بأنهم قادرون على حماية الارض ما أشارت إليه الأخبار في وسائل الإعلام عن حدوث اصطدام مذنب بكوكب المشترى وأن الحكومة الأمريكية أمرت علماءها برصد المذنبات لصدها عن الأرض بما يملكونه من صواريخ قوية والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).(10/24)
ثانياً : خروج أحد المذنبات والتي سوف يكون له تأثير على الحياة النباتية ، ومن المعروف أن مذنب هالي يتكرر كل ستة وسبعين عاماً ، ومن المعلوم أن هذا المذنب يصحبه دخان كثيف فلقد حاول العلماء تصوير مذنب هالي عندما أقترب من الأرض عام 1986م ولكنهم لم يستطيعوا أن يصوروه عن قرب لكثافة الدخان الذي يتركه خلفه ويذكر أن مذنب هالي لو أقترب من الأرض بشكل كبير جدا لاصاب الأرض دخان كثيف يؤثر على النباتات ولو صحت هذه المقولة العلمية فإنها تتفق مع ما ورد من أحاديث من أنه يسبق الدجال سنوات يقل فيها النبات ففي الحديث الطويل الذي رواه ابن ماجه عن أبى أمامه الباهلى رضى الله عنه جاء فيه ( وإن قبل الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس منها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطره ويأمر الأرض فتحبس نباتها فلا تنبت خضراء فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلى ما شاء الله ) . هذا الوصف لما يصيب الأرض قبل خروج الدجال يتفق مع ما ذكره علماء الفلك عن ما ينتج من تأثير اقتراب المذنب هالي من الأرض من خلال الدخان الذي سوف يقذفه على الأرض ، لهذا فليس من المستبعد أن تكون علامة الدخان التي وردت في الأحاديث الصحيحة من أنها إحدى العلامات العشر ، وقد يكون الدخان الذي يقذفه المذنب عندما يأذن الله بذلك هو الدخان المشار إليه بأنه أحد العلامات العشر
الشبهة التاسعة
إن الأحاديث الواردة في نزول عيسى كلها مزيفة لا يقبلها العقل و انه لا ذكر لنزوله فى القران
الرد
بل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان حقيقة يؤكدها القرآن ، قال الله تعالى في صفة رسوله : { وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى } وقد تواترت عن النبى صلى الله عليه وسلم الأخبار بأنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان ، فيجب الإيمان بذلك لقول الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه } وقد جاء في ذلك آيتان من القرآن :
إحداهما : قول الله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال ابن عباس رضي الله عنهما : قبل موت عيسى بن مريم . رواه ابن جرير بإسناد صحيح . وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : خروج عيسى بن مريم . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين . ووافقه الذهبي في تلخيصه . وروى أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : يعني أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى فيؤمنون به . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما .
وهذا القول هو الصحيح في تفسير الآية ، وقد اختاره ابن جرير وابن كثير ، وبه يقول أبو مالك والحسن وقتادة وعبدالرحمن مع العلم أن القران نفى موت عيسى عليه السلام و أثبت أنه سيموت سورة مريم" وسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا"
الآية الثانية : قوله تعالى : { وإنه لعلم للساعة } وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والأعمش : { وإنه لعَلَم للساعة }بفتح العين واللام أي أمارة وعلامة على اقتراب الساعة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإنه لعلم للساعة } قال : هو خروج عيسى بن مريم يوم القيامة . رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم في مستدركه وصححه هو والذهبي . وقد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم
: { وإنه لعلم للساعة } قال : ( نزول عيسى بن مريم قبل يوم القيامة ) صححه الحاكم والذهبي . وقد روي عن أبي هريرة ومجاهد والحسن وقتادة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والضحاك نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما .
ومما جاء في الآيتين والأحاديث الثابتة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان ، وما عن النبي وأبو هريرة وغيرهما من السلف في تفسير الآيتين من سورة- صلى الله عليه وسلم -قاله ابن عباس النساء وسورة الزخرف يعلم أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام حق ، والحق لا يتنافى مع الإسلام ، ومن زعم أن نزوله يتنافى مع الإسلام فهو ممن يشك في إسلامه ، لأنه لم يحقق الشهادة بأن محمدا رسول الله ، إذ لابد في تحقيقها من التصديق بكل ما أخبر به رسول الله مما كان فيما مضى ، وما سيكون في المستقبل .
وأما قول بعض المتخرصين : إن الأحاديث الواردة في نزول عيسى كلها مزيفة لا يقبلها العقل .
فجوابه أن يقال : هذه مكابرة لا تصدر من رجل له أدنى مسكة من عقل ودين . وإذا كان عقل المرء فاسدا فلا شك أنه يتصور الحق في صورة الباطل ، وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أكثر من خمسين حديثا مرفوعا أكثرها من الصحاح والباقي غالبه من الحسان ، فمن زعم أنها كلها مزيفة فلا شك أنه فاسد العقل والدين(10/25)
الشبهة العاشرة
لو كان من أصول الإيمان ، الإيمان برجعة عيسى أو ظهور الدجال أو المهدي لجاء ذلك في القرآن الكريم صريحا محكما .
الرد
فجوابه أن يقال : كل ما أخبر به رسول الله ، وذلك من مضى وما سيكون في المستقبل ، فالإيمان به داخل في ضمن الإيمان بالرسول في آيات كثيرة من القرآن أعظم أصول الإيمان ، وقد جاء الأمر بالإيمان بالرسول داخل أيضا في ضمن قول الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه } وداخل أيضا في ضمن قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وداخل أيضا في ضمن قوله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وهذه الآيات كلها محكمات ، وكلها تدل على أن تصديق أخبار النبي من أعظم أصول الإيمان
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في قوله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قال : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ، ثم جعل يتلو هذه الآية : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
أختم بذلك :
هل المسيح المنتظر عقيدة خاصة بالمسلمين فقط؟؟؟
-هل أهل هذه الديانات الثلاثة على باطل فى أنتظارهم للمسيح؟؟؟؟؟
-هنا يكذبك الواقع فاليهود ينتظرون مسيحهم و هو المسيح الدجال لعلك لا يخفى عليك حرصهم على بناء الهيكل المزعوم ليظهر لهم مسيحهم الكذاب الذى يطمعوا أن يحكموا الأرض تحت قيادته وهو الذى حذر منه الرسول صلى الله عليه و سلم
-و النصارى و المسلمون ينتظرون المسيح الحق و هو عيسى ابن مريم عليه السلام و نزول عيسى عليه السلام مرتبط بخروج الدجال
-فا المسيح أخبر النصارى فى الأنجيل أنه سيأتى " في الباب السادس عشر من إنجيل متى هكذا: 27: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" 28: "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته"
بل الأكثر من ذلك أن الأنجيل أخبر أنه قبل نزول المسيح عليه السلام سيخرج المسيح الدجال و أليك النص
وقبل حلول المجيء الثاني للمسيح سيجري استعراض للمسيح الدجال ويتم الترويّج له بأن المسيح الدجال قادم( ويظنه الناس المسيح الحقيقي). فلنقرأ قول الكتاب حول هذا الأمر الخطير من 2 تسالونيكي 2: 3 - 4 ما يلي" لا يخدعنكم احد على طريقة ما.لانه لا يأتي إن لم يات الارتداد اولا ويستعلن انسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبودا حتى انه يجلس في هيكل الله كاله مظهرا نفسه انه اله."
-و القران أخبر المسلمين أن المسيح من علامات الساعة النص"{ وإنه لعلم للساعة"-
و لكن لنقارن هنا بين موعد نزول المسيح بين النص الأنجيلى و نص القران لنعلم أيهما هو الحق
-النص الأنجيلى: غلط لأن كلا من القائمين هناك ذاقوا الموت وصاروا عظاماً بالية وتراباً، ومضى على ذوقهم الموت أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما رأى أحد منهم ابن اللّه آتياً في ملكوته في مجد أبيه مع الملائكة مجازياً كلاً على حسب عمله.
-أما القران فقد أعلنها صراحة أن عيسى ابن مريم عليه السلام علم من علامات الساعة أى أن و قت نزوله سيكون فى أخر الزمان
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا"
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
===================
طريق الجنة هو السرقة و الزنى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
تقول الفرية :
طريق الجنة هو السرقة و الزنى
حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أو لم يدخل النار قال وإن زنى وإن سرق قال وإن.
صحيح البخاري .. كتاب بدء الخلق .. باب ذكر الملائكة
http://hadith.al-islam.com/Display/D...Doc=0&Rec=5045
وللرد عليها باذن الله
قال الامام النووي قوله صلى الله عليه وسلم : ( قلت : وإن سرق وإن زنا ؟ قال : نعم , وإن شرب الخمر )
فيه تغليظ تحريم الخمر
والقول واضح للغاية لولا ان الامر عظيم لما اتي بهم صلي الله علية وسلم كمثال للامور العظيمة
ويقول النووي
قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن زنى وإن سرق )
فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار , وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود في الجنة . وقد تقدم هذا كله مبسوطا(10/26)
ولكننا نساءل ما حجة صاحب الفرية من الحديث بان هناك ما يحلل الزنا والسرقة في الحديث
فتحريم السرقة مقطوع به لقولة تعالي
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
( المائدة / 38 )
والزنا مقطوع بتحريمة لقولة تعالي
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ( الاسراء / 32 )
وقولة تعالي في الفرقان ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) 68/70
فالمعني هو عدم اخراج مرتكب تلك الكبائر من الملة بالكلية فهو مسلم عاصي سيلقي جزاء هذا العصيان
وغاية الامر ان كل مسلم يؤمن بالله وبالسرولة صلي الله علية وسلم يحاسب يوم القيامة وتقابل حسناته بسيئته فان رجحت الاول دخل الجنه وان رجحت الثانية دخل النار بمقدار تلك السئيات
فغاية الامر لا يخلد في النار لانه يؤمن بالله
والحديث في البخاري
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن
وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا النهبة
وجاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قوله : ( لا يزني الزاني وهو مؤمن )
الواو للحال . قال النووي : هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه , فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان
ثم قال
مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم المؤمنون ناقصو الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم , وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة , فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا , وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة
ويعلق شيخ الاسلام ابن القيم
حديث " لا يزني الزاني " ثم قال : وفي لفظ في الصحيحين " ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن وزاد مسلم ولا يغل حين يغل وهو مؤمن , فإياكم إياكم !!!
ولكن دعني اسئل السيد النصراني اليس الامر لديكم بعكس هذا تماما
الم يكفر عنكم خطائياكم السيد المسيح عند الصلب المزعوم
فدعني اسئلك ما هو عقاب الزاني في النصرانية ؟؟؟ وما هو عقاب السارق في النصرانية هل يدخل الملكوت ام لا ؟؟؟ هل ان امن بيسوع والخلاص المزعوم سيدخل الملكوت دون حسان مثلا ؟؟
===================
الطعن في أئمة الحديث ... الإمام الزهري نموذجاً
وجه أعداء السنة سهامهم إلى رواة الحديث ورجاله ، في محاولة منهم لتقويض الدعامة الأساسية التي قام عليها علم الرواية في الإسلام ، بدءاً من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة التابعين ، فرأينا - في موضوع سابق - كيف هاجموا أكبر صحابي روى الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أبو هريرة رضي الله عنه ، وكان المستهدف في هذه المرة إمام من أكبر أئمة الحديث في عصره ، وأول من دون السنة من التابعين ، وله إسهامات كبيرة في نشر الحديث ، وهو من أوائل الذين دعوا إلى ضرورة الأخذ بالسند والالتزام به ، كل هذه الأمور جعلت من الإمام ابن شهاب الزهري رحمه الله هدفاً مهماً ، وغرضاً توجه إليه سهام الطعن والتشويه والافتراء من قبل المستشرقين ، وعلى رأسهم المستشرق اليهودي " جولد زيهر " ، ولأنه إذا ذهبت الثقة بهذا الإمام وبحديثه ومروياته ، ذهبت الثقة بكتب السنة كلها ، لما عُلِم من عظيم مقام الإمام الزهري في علم السنة ، كما أن الطعن في الزهري وأمثاله ، مدخل للطعن في جميع الرواة الذين هم دون الزهري علماً وحفظاً وجلالة .
فقد زعم " جولد زيهر " بأن صلة الإمام الزهري بالأمويين هي التي مكنت لهم أن يستغلوه في وضع الأحاديث الموافقة لأهوائهم حيث قال : " ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم ، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم ، وقد استغل الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث .... "(10/27)
وزعم أن " إبراهيم بن الوليد الأموي " جاء إلى الزهري بصحيفة وطلب منه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه ، فأجازه الزهري من غير تردد ، وقال له : من يستطيع أن يجيزك بها ، وهكذا استطاع أن يروي الأموي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزهري .
ونحن إذ ندافع عن الإمام الزهري فإننا لا ننكر اتصاله بالأمويين ، ووجود علاقات وصلات بينهم وبينه ، استمرت طيلة أربعين عاماً ، ولكن هذه الصلة ما كانت لتؤثر أبداً على ديانته وأمانته ، بل كان قائماً فيها بما أوجبه الله عليه من النصح والتذكير والتوجيه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس أدل على ذلك من تلك المواقف التي أثبتتها كتب التاريخ ، والتي تبين مدى جرأته وصلابته في الحق ، وعدم مداهنته أو سكوته عن الباطل مهما كان قائله ، فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ، و الذهبي في السير عن الشافعي قال : حدثنا عمي ، قال : دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال : يا سليمان من الذي تولى كبره منهم ، قال : عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال : كذبت هو علي بن أبي طالب ، قال : أمير المؤمنين أعلم بما يقول .
فدخل ابن شهاب الزهري ، فسأله هشام فقال : هو عبد الله بن أبي ، قال : كذبت هو علي ، فقال له : " أنا أكذب !! لا أبا لك ، فو الله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت ، حدثني سعيد بن المسيب ، و عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله ، و علقمة بن وقاص عن عائشة أن الذي تولى كبره منهم " عبد الله بن أبي " ، قال : " فلم يزل القوم يغرون به ، فقال له هشام : ارحل فو الله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك " .
فهذه الحادثة وأمثالها كثير تظهر لنا مدى ورع الإمام الزهري وصدعه بالحق الذي يعتقده دون وجل أو خجل .
ثم إن " جولد زيهر " نفسه قد صور عصر بني أمية على أنه عصر ظلم وجور ، وأن الأتقياء من علماء المدينة كانوا معهم في خصام وعداء مستمر ، والمعروف من ترجمة الزهري أنه نشأ بالمدينة ، وأخذ عن شيوخها ، وعلى رأسهم إمام التابعين في عصره سعيد بن المسيب فقد لزمه حتى مات ، وأخذ عن الزهري الإمام مالك في كل مرة يأتي بها إلى المدينة ، حيث ظل يتردد بين المدينة والشام - كما يقول هو عن نفسه - خمسة وثلاثين سنة ، فلماذا لم يبغضه علماؤها أو يحذروا منه أو يكذبوه إذا كان بالفعل يكذب ويضع الأحاديث لصالح الأمويين ؟! .
وهبْ أن الخوف من الأمويين كان هو الحامل لأولئك العلماء على عدم انتقاده ، فلماذا لم ينقده العلماء في دولة بني العباس ، كما هاجموا خلفاء بني أمية وأمراءهم وأعوانهم ؟!، لماذا سكت عنه أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل ، ويحي بن معين ، و البخاري و مسلم ، و ابن أبي حاتم ، وأمثالهم ممن كانوا لا يخافون في الله لومة لائم ، وكان أحدهم ربما جرح أباه أو أخاه إذا كان فيه ما يستحق الجرح ، بل رأيناهم على العكس من ذلك يشيدون به ، وبحفظه وأمانته وإتقانه ، ويخرجون أحاديثه في كتبهم ، وإليك طرفاً من أقوالهم :
قال الإمام أحمد : الزهري أحسن الناس حديثاً ، وأجود الناس إسناداً " ، قال الإمام مالك رحمه الله : قدم ابن شهاب المدينة فأخذ بيد ربيعة ، ودخلا إلى بيت الديوان ، فما خرجا إلى العصر ، فقال ابن شهاب ما ظننت أن بالمدينة مثلك ، وخرج ربيعة وهو يقول : ما ظننت أن أحداً بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب " .
وعرفه ابن حبان في الثقات فقال : " كان من أحفظ أهل زمانه ، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار ، وكان فقيها فاضلا روى عنه الناس " ، وقال عنه الذهبي في السير : " الإمام العلم ، حافظ زمانه " ، وقال في تذكرة الحفاظ : " الزهري أعلم الحفاظ " ، وقال الحافظ ابن حجر : " الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه " .
وكل هذا غيض من فيض مما قيل في هذا الإمام الجهبذ ، مما يبين بجلاء أنه كان فوق متناول الشبه ، وأرفع من أن تعلق به ألسنة السوء ، وأكرم من أن يوصف بكذب أو وضع أو ممالأة للباطل وأهله .
وأما قصة إبراهيم بن الوليد فإن رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق قد صرحت بعرضه على الزهري ما سمعه منه ، وفيها يقول معمر : رأيت رجلاً من بني أمية يقال له : إبراهيم بن الوليد جاء إلى الزهري وعرض عليه كتاباً من علمه ، ثم قال : أحدث بهذا عنك يا أبا بكر ، قال : نعم ، فمن يحدثكموه غيري ؟ .(10/28)
فعلى هذا يكون إبراهيم قد عرض على شيخه صحيفة هي من أحاديثه ، وهذا العرض يسمى في اصطلاح المحدثين ( عرض المناولة ) وهو أن يناول الشيخ التلميذ كتاباً من سماعه ، ويقول ارو هذا عني ، أو يأتيه الطالب بكتاب قد سمعه من الشيخ فيتأمله الشيخ ثم يقول ارو هذا عني ، وهو وجه من وجوه التحمل إذا كان معها إجازة ، وقد كان كثير من تلاميذ الزهري يعرضون عليه أحاديثه التي سمعوها منه ، فيتأملها ويجيزهم بها ، وما صنع إبراهيم بن الوليد - إن صحت الرواية - إنما هو من هذا القبيل ، أما أن يكون إبراهيم دوَّن أحاديث من عنده ، ثم طلب من الزهري أن يسمح له بروايتها عنه ووافقه الزهري على ذلك ، فهو مما يتنافى مع ديانة هذا الإمام وصدقه وأمانته ، فضلاً عن الحقيقة التاريخية .
ومما ادعاه " جولد زيهر " كذلك أن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام محنة عبد الله بن الزبير ، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ، ليحج الناس إليها ، ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة ، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية ، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك ، فوضع حديث : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى )) .
مع أن الذي عليه أكثر المؤرخين أن الذي بنى قبة الصخرة إنما هو الوليد بن عبد الملك وليس عبد الملك بن مروان وحتى على افتراض ثبوت القصة التي تفيد بأن عبد الملك هو الذي بناها فليس فيها على الإطلاق ما يفيد أنه كان يريد من ذلك أن يحج الناس إليها ويتركوا الحج إلى الكعبة ، لأن مثل هذا الفعل فيه من الكفر الصريح ما لا يمكن أن يسكت عنه علماء الإسلام في ذلك العصر ، ولم نر أحداً من أهل العلم ، بل ولا من خصوم بني أمية الذين كانوا لهم بالمرصاد ، ذكر ذلك من جملة المطاعن والمآخذ عليهم .
ثم إن الإمام الزهري ولد سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين للهجرة ، ومقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان سنة ثلاث وسبعين ، فيكون عمر الزهري حينئذٍ اثنين وعشرين عاماً على الرواية الأولى ، وخمس عشرة سنة على الرواية الثانية ، فهل يعقل أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية ، بحيث تتلقى منه حديثًا موضوعًا يدعوها فيه للحج إلى القبة بدلاً من الكعبة !!؟ .
أضف إلى ذلك أن النصوص التاريخية كلها تقطع بأن الإمام الزهري لم يلتق بعبد الملك لأول مرة إلا بعد مقتل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه بسنوات ، فقد نقل الذهبي وغيره عن الليث بن سعد أنه قال : " قدم ابن شهاب على عبد الملك سنة اثنين وثمانين " ، و ابن الزبير إنما قتل سنة ثلاث وسبعين ، وبعد مقتله استتب الأمر لعبد الملك فلم يكن بحاجة إلى من يضع له أحاديث يصرف الناس بها عن الحج حتى لا يلتقوا بابن الزبير .
وأما حديث : ( لا تشد الرحال... ) الذي زعم بأنه موضوع مكذوب ، فهو حديث صحيح مروي في أصح كتب السنة ، فقد أخرجه البخاري و مسلم في صحيحهما ، وأصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد وغيرهم حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيميه : " هو حديث مستفيض متلقى بالقبول أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق " ، وقد روي من طرق مختلفة من غير طريق الزهري ، فلم ينفرد الزهري رحمه الله برواية هذا الحديث حتى يتهم بوضعه .
وليس فيه أبداً فضل قبة الصخرة ، أو الدعوة إلى الحج إليها والطواف حولها بدلاً عن الكعبة ، وغاية ما فيه فضل الصلاة في بيت المقدس ، وهو أمر دلت عليه النصوص ، وذكر شيخ الإسلام اتفاق علماء المسلمين على استحباب السفر للعبادة المشروعة فيه .
فلا يصح أبداً أن يربط هذا الحديث الصحيح بغيره من الأحاديث المكذوبة في فضائل الصخرة والتي ليس للزهري فيها يد أو رواية ، وقد نقدها أهل العلم وبينوها حتى قالوا : " كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى " .
ثم زعم " جولد زيهر " أن الزهري اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه معمر : " إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث " فقال : إن هذا يفهم منه أنه كان مستعداً لأن يخضع لرغبات الحكومة في كتابة بعض الأحاديث ، مستغلاً اسمه وشهرته في الأوساط العلمية .(10/29)
وقد حرف " جولد زيهر " هذا النص الذي نقله تحريفاً يقلب المعنى رأساً على عقب ، ويوهم القارئ أن الزهري رحمه الله كان له دور في وضع بعض الأحاديث ، مع أن النص الصحيح الذي أثبته المؤرخون - كابن عساكر في تاريخ دمشق و ابن سعد في الطبقات ، و الخطيب في تقييد العلم ، و الذهبي في السير وغيرهم - أن الزهري كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس -ليعتمدوا على ذاكرتهم ، ولا يتكلوا على الكتب - فلما طلب منه هشام وأصر عليه أن يملي على ولده ليمتحن حفظه ، أملى عليه أربعمائة حديث ، فلما خرج من عند هشام ، نادى بأعلى صوته : " يا أيها الناس إنا كنا منعناكم أمراً قد بذلناه الآن لهؤلاء ، وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة " الأحاديث " ، فتعالوا حتى أحدثكم بها ، فحدثهم بالأربعمائة حديث " ،فيكون معنى العبارة إنهم أكرهونا على كتابة أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن كنا نرويها من حفظنا .
ومما يؤكد هذا المعنى رواية الدارمي بإسناد صحيح لقول الزهري : " كنا نكره كتابة العلم حتى أكرهنا عليه السلطان ، فكرهنا أن نمنعه أحداً " ، وهو يدلك على مبلغ ديانة هذا الإمام ، وأمانته وإخلاصه في نشر العلم ، حيث لم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس ، فجاء هذا المستشرق الحاقد ، فأسقط " أل " ليتغير المعنى تماماً ، وينقلب رأساً على عقب فيصير المعنى إنهم أكرهونا على وضع أحاديث من عندنا ننسبها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولم يكتف بما تقدم ، بل أخذ يبحث عن كل شاردة وواردة ، ويتصيد كل ساقط من القول ، ليتخذ من ذلك دليلاً على التشكيك في أمانة الزهري ودينه وخلقه ، حتى وإن كانت النصوص التاريخية - التي يتجاهلها عمداً أو يحرفها إذا اقتضت الضرورة - تكذبه وتدحض كل شبهاته ، ومن ذلك زعمه بأن الزهري حج مع " الحجاج بن يوسف الثقفي " الذي عرف بالجور والظلم ، مع أن الثابت تاريخياً أن الزهري رحمه الله إنما حج مع عبد الله بن عمر وكان معه حين اجتمع مع الحجاج كما ورد ذلك في تهذيب التهذيب .
وأخيراً عاب على الزهري أنه تولى القضاء " ليزيد الثاني " وكان الأولى به - لو كان تقياً- أن يهرب كما هرب الشعبي والصالحون محتجاً بحديث : ( من ولي القضاء أو جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين ) ، فجعل من ذلك مبرراً كافياً لاختلال مروءته وسقوط عدالته .
مع أن أحداً من أهل العلم لم يعتبر تولي القضاء من موجبات الجرح ، والاتهام في العدالة ، وقد تولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء بين الناس ، وولاه بعض الصحابة كعلي و معاذ و معقل بن يسار وغيرهم ، كما تولى الخلفاء الراشدون بأنفسهم القضاء ، وولى عمرُ أبا الدرداء قضاء المدينة ، و شريحاً قضاء البصرة ، و أبا موسى الأشعري قضاء الكوفة ، وجاء في كتاب تولية عمر له قوله : " فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة .... " إلى أن قال : " فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذكر " .
كما تولى كثير من التابعين القضاء لبني أمية وغيرهم مثل شريح ، و أبي إدريس الخولاني ، و الحسن البصري ، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ،و القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، و مسروق ، ومنهم من تولى القضاء للحجاج نفسه ، ومع ذلك فلم يرد عن أحد من الأئمة جرح أي منهم ، لتوليهم منصب القضاء ، بل رأيناهم على العكس من ذلك اتفقوا على تعديلهم وتوثيقهم .
وقد نص أهل العلم على أن القضاء تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة ، وأنه قد يجب أحياناً على من تعين عليه ، لما فيه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأداء الحقوق إلى أهلها ، والإصلاح بين الناس ، وأن تولي القضاء للظلمة جائز بلا نزاع ، وأما الوعيد الوارد في الحديث وغيره من الأحاديث فالمقصود منه حث القاضي على توخي الحكم الشرعي ، والعدل بين الناس ، وتحذير من لم يكن أهلا لتولي هذا المنصب ، أو لم يؤد الحق فيه ، وليس المراد منه النهي عن تولي القضاء مطلقاً ، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام : " واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد ، فإنما هي في قضاء الجور للعلماء أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم , ففي هذين الصنفين جاء الوعيد " .
نعم فرَّ كثيرٌ من العلماء من القضاء ، وتحمل بعضهم في سبيل ذلك بعض الأذى ، ولكن أحداً منهم لم يفعل ذلك لكونه مسقطاً للعدالة وداعية إلى الجرح ، وإنما فعلوه بدافع الورع والزهد ، والخوف من أن يلقوا الله وعليهم تبعات من أمور الناس .
وبهذا يعلم أن تولي القضاء ليس مسقطاً للعدالة - كما أراد أن يصوره جولد زيهر - ، بل هو شرف عظيم لمن قام بحقه ، ولو لم يكن فيه إلا النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم بين الناس بما أنزل الله ، لكفى بذلك شرفاً وفضلاً .(10/30)
هذه هي أهم الشبه التي أثارها هذا المستشرق الحاقد حول إمام من أكابر علماء السنة والحديث ، والتي أراد من ورائها إفقاد الثقة به لدى المسلمين ، وبالتالي إفقاد الثقة بالحديث النبوي ، وهي - كما ترى - شبه وأباطيل لا تستند إلى أية حقيقة تاريخية ثابتة ، وإنما هي من نسج خياله ، وصنع أحقاده ، وعدائه للحديث وأهله ، والله غالب على أمره .
_________
المراجع :
- السنة ومكانتها في التشريع د.مصطفى السباعي .
- المستشرقون والحديث النبوي د.محمد بهاء الدين .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
الشبكه الاسلاميه
===================
شبهة اختلاف سيرة رسول الله فى كتب السنة
والتاريخ عنها فى القرآن الكريم والرد عليها
حرص أعداء السنة المطهرة، وهم يطعنون فى صحيح الإمام البخارى، بل وفى سائر كتب السنة المطهرة، إيهام الناس أجمعين بأن سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وشخصيته كما رسمها القرآن الكريم، تختلف عن شخصيته وسيرته كما رسمها الإمام البخارى، وغيره من أصحاب كتب السنة المطهرة
والنتيجة كما يزعمون الإساءة المتعمدة، وتشويه سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وشخصيته العطرة من الإمام البخارى، وسائر أئمة السنة (وعصمهم الله من ذلك) وهم قد لبسوا لهذه النتيجة لباس العلماء، لإيهام من يقرأ لهم أنهم على صواب، فساروا إلى أحاديث السيرة الشريفة فى الصحيحين، وعمدوا إلى بترها تارة، وإلى إعادة صيغتها بأسلوبهم، وتحميل ألفاظها مالا تحتمل من المعانى تارة ثانية، وعمدوا إلى الأمرين معاً تارة ثالثة، ووضعوا صياغتهم الخبيثة عناوين لأحاديث السيرة الصحيحة التى طعنوا فيه
1- فتجد أحمد صبحى منصور فى كتابه "لماذا القرآن" يخصص الفصل الثالث منه للطعن فى السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، ويبدو ذلك واضحاً فى العناوين التى وضعها؛ والتى منها ما يلى : "سيرة النبى عليه السلام بين حقائق القرآن وروايات البخارى"، "البخارى ينسب للنبى الأكاذيب والمتناقضات"، "القرآن يحرص على حرمة بيت النبى التى هتكتها كتب الأحاديث"، "هل كان النبى يباشر نساءه فى المحيض"، "هل كان لدى النبى متسع ليكون كما وصفته تلك الأحاديث"
وفى كتابه "قراءة فى صحيح البخارى" يعنون للفصل الثانى منه بعنوان : "النبى والنساء من خلال أحاديث البخارى" وذكر تحته عناوين منها : "فى البخارى النبى يدور على نساء الآخرين ويخلو بهن"، "فى البخارى هوس النبى بالجماع"
ويعنون للفصل الثالث : "البخارى يهدم شخصية النبى رسولاً وحاكما"، ويعنون للفصل الرابع : "منهج البخارى فى تصويره شخصية النبى"
ويبين أحمد صبحى هدفه من كل ما سبق فى كتابيه : "لماذا القرآن" و"قراءة فى صحيح البخارى" قائلاً : "ومن واقع نظرتنا للبخارى كأحد علماء التراث؛ فإننا لا نقصد مطلقاً أن نعقد مقارنة بينه وبين القرآن الكريم – نعوذ بالله من ذلك – وإنما نقصد من هذا المبحث رصد تلك الفجوة الهائلة بين سيرة النبى فى القرآن، وبين سيرته المتناثرة بين سطور البخارى"
2- وتجد نيازى عز الدين يعقد فى كتابه "دين السلطان" فصولاً يطعن فيها هو الآخر فى السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، ويعنون لبعض فصوله هكذ
الفصل السادس : أسلوب الإساءة المتعمدة لشخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الفصل السابع : الأحاديث التى تناقض أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الفصل الثامن : لماذا شوهوا صورة الرسول الكريم من خلال الأحاديث.. الخ
ويبين هدفه مما سبق من عناوين فصوله، وما ذكره تحتها من أحاديث طعن فيها قائلاً : "ما هى الصورة التى صورها جنود السلطان عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وزوجاته؛ ليس فى كل الحديث، ولكن فقط فى صحيح البخارى ومسلم؟
فما هى الصورة من خلال ما اختاره الشيخان للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حتى تكون بالتالى صورة لدى كل المسلمين عن رسولهم وآله أجمعين؟ لقد استغل الرواة والمحدثين وأغلبهم من الحاقدين والموتورين، استخدام الأحاديث بشكل يكون ظاهرها تعليمياً، وباطنها الدس والإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ونسائه أمهات المؤمنين أجمعين"
3- وتجد صالح الوردانى، يخصص أحد مؤلفاته ليدافع بها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضد من ظلموه فى نظره من الفقهاء والمحدثين؛ ويزعم أن الروايات التى تتحدث عن سيرته "تمثل أكبر إهانة لشخص الرسول، وأن موقف أهل السنة منها لهو إهانة أكبر وهو إن دل على شئ، فإنما يدل على أن القوم ألغوا عقولهم، وطمسوا بصيرتهم حتى أنهم لم يعوا مدلول قوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } وأن هذا الخلق العظيم الذى وصفه به سبحانه ليتنافى مع ما هو أقل مما يلصقونه به عن طريق هذه الروايات"(10/31)
4- وتجد هشام آل قطيط يقول فى كتابه : "حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين" تحت عنوان "النبوة فى الصحيحين البخارى ومسلم" "أقول إنه من المؤسف حقاً أن نجد نفس الخرافات، والافتراءات النابية التى عجت بها التوراة والإنجيل بحق الأنبياء فى الصحيحين والأنكى من ذلك والأدهى والأمر، أن الصحيحين لم يكتفيا بلطخات العار السوداء هذه بحق الأنبياء، حتى ارتكبا ما هو أفظع وأمر، بالافتراء على النبى - صلى الله عليه وسلم -، تلك الافتراءات المشينة، والتى نربأ نحن بأنفسنا عن ذكرها، فكيف بفعله؟ وتشويه صورته المقدسة بما لا ينسجم مع أى حال، وما رسمه القرآن الكريم لها"
ولم يكتف أعداء الإسلام من خصوم السنة والسيرة بما سبق، بل زعموا : "أن الربط بين كتاب الله عز وجل، والسنة النبوية، فى تحديد شخصية وسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، صورة من صور تأليه الرسول، ومن يعتقد بها فقد وقع فى عبادة الرجال"
يقول أحمد صبحى منصور : "والمؤكد أن الذى سيصمم على الانتصار للبخارى والتعصب له بعد قراءة هذا الكتاب، إنما هو فى الحقيقة عابد له لا يشرك فى عبادته أحد"
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : إذا كان أعداء الإسلام من خصوم السنة المطهرة، يتظاهرون هنا كذباً بأنهم يدافعون عن سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - الواردة فى السنة النبوية فقد سبق أن وجدت بعضهم يطعن صراحة فى سيرته - صلى الله عليه وسلم - مستشهداً بالقرآن الكريم، وزاعماً كذباً أنه - صلى الله عليه وسلم - غير معصوم، ويجوز عليه الشرك الأكبر، وأنه كان فى ضلال وغفلة قبل الرسالة، إلى غير ذلك من افتراءاتهم التى سبق الجواب عنها فى موضعه
ثانياً : من المقرر عند علماء المسلمين كافة أنه ليس لأحد أن يرسم من خياله صورة لنبى مرسل، ولا أن يحدد شخصيته ودوره، وسيرته فى أمته، سواء كان هذا النبى هو النبى الخاتم - صلى الله عليه وسلم -، أو غيره من الأنبياء
فالأنبياء جميعاً – عليهم الصلاة والسلام – قد اصطنعهم الله عز وجل لنفسه، وهو قد صنعهم على عينه، كما قال عز وجل فى حق سيدنا موسى عليه السلام { وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى } وقال سبحانه : { واصطنعتك لنفسى }
وإثبات اصطناع الله عز وجل لواحد من الأنبياء، هو إثبات لاصطناع سائر الأنبياء، لأن حقوقهم واحدة من هذه الناحية لا تختلف أبداً، فما يجب فى حق واحد منهم يجب كذلك فى حق الجميع، وما يستحيل فى حق واحد منهم يستحيل كذلك فى حق الجميع
وعليه فالله عز وجل وحده الذى يستطيع أن يرسم لنا صورة لمن اصطنعه لنفسه، وصنعه على عينه، ويحدد لنا شخصيته ودوره، وسيرته.. الخ هذا كله لله عز وجل وحده، وليس لأحد أن يتدخل فى شئ منه
ثالثاً : بناء على ما سبق فقد اعتبر العلماء أن سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وشخصيته العطرة حددها رب العزة فى كتابه العزيز. واستدلوا على ذلك بما أخرجه الإمام مسلم وغيره من طريق سعد بن هشام بن عامر أنه سأل عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : "يا أم المؤمنين أنبئينى عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : قلت : بلى، قالت : فإن خلق رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- كان القرآن، قال : فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شئ حتى أموت"
وفى رواية عنها قالت : "كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. ثم قالت أتقرءون سورة "المؤمنون"؟ قال : قلنا نعم، فقالت : اقرأ، قال : فقرأت : { قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون } فقالت : هكذا كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى رواية ثالثة قالت : "كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه"
وهذا الجواب الوجيز الجامع من أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : "فإن خلق نبى الله القرآن" أجمع وصف يعرف به شخصيته - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة
فقد أفادت عائشة رضى الله عنها السائل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل القرآن فى أقواله وأفعاله، وأوامره، ونواهيه "وأن كلامه كان مطابقاً للقرآن تفصيلاً وتبياناً، وعلومه علوم القرآن، وإرادته وأعماله : ما أوجبه وندب إليه القرآن، وإعراضه وتركه : لما منع منه القرآن، ورغبته : فيما رغب فيه القرآن، وزهده : فيما زهد فيه، وكراهيته لما كرهه، ومحبته لما أحبه، وسعيه فى تنفيذ أوامره
فترجمت أم المؤمنين رضى الله عنها لكمال معرفتها بالقرآن، وبالرسول - صلى الله عليه وسلم -، عن هذا كله بقولها : كان خلقه القرآن، وقد حسن تعبيرها وجمع من المعانى مالا يجمعه كثير الكلام(10/32)
وفهم السائل عنها هذا المعنى فاكتفى به واشتفى" فهم أن يقوم ولا يسألها عن شئ كما جاء فى الحديث، وتأهب لأن يرجع إلى القرآن فيبحث عن مكنونات جواهره الأخلاقية، ويستدل بها على أخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان أوفى من يطبق آياته
ولا ريب أنه إن فعل ذلك فإنه سيجد بغيته كاملة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان متمسكاً بآداب القرآن وأوامره، ونواهيه، وجميع ما قصه الله تعالى! فى كتابه من مكارم الأخلاق عن نبى أو ولى، أو حث عليه أو ندب إليه، كان - صلى الله عليه وسلم - متخلقاً به
وكل ما نهى عنه ونزه عباده عنه، كان - صلى الله عليه وسلم - لا يحوم حوله، لأنه كان يبين القرآن بأقواله وأفعاله وأحواله، وتلك هى مهمته التى كلفه الله تعالى بها بمثل قوله عز وجل : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }
ولأن الإحاطة بكل أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، والتعرض لحصر جزئياتها تعرض لما ليس من مقدور الإنسان، وأمر يطول، أرادت السيدة عائشة رضى الله عنها أن تقرب للسائل إدراك ما لابد من إدراكه من تلك الجزئيات الأخلاقية فأوقفته على مثال واحد، وهو ما تضمنته مقدمة سورة المؤمنون" ليذهب فيستضئ بذلك المثال، لاستنباط أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - من القرآن على ذلك الغرار.
أو دلته على منهج يتبعه فى الوقوف على جزئيات أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - من خلال القرآن، كما فى رواية : "كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه" فدلته على المواطن التى فيها رضا لله تعالى من صنوف الطاعات والقربات، فيعلم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد كان متخلقاً بها، ويرضيه انتهاجها من نفسه، ومن أمته، وعلى المواطن التى فيها إغضاب لله تعالى من صنوف الإشراك والمعاصى، فيعلم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان فى غاية البعد عنها، وأنه يغضب لاقترافها، والعمل بها من أحد من البشر، وإذا غضب لله فلا يقوم لغضبه أحد كما لا يخفى
إذن كلمة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : "فإن خلق نبى الله كان القرآن" تعنى : أنه - صلى الله عليه وسلم - هو والقرآن كيان واحد، يتمثل فى شخصه الكريم، كل ما فى القرآن الكريم من أخلاق، وآداب، وفضائل، ومكارم، يترجمه - صلى الله عليه وسلم - فى كل كلامه وأفعاله بما فيها حركاته وسكناته، حتى استحق من ربه عز وجل الثناء العظيم فى قوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم }
وأستطيع أن أقول بدون تردد : إن القرآن الكريم هو شريعة الإسلام قولاً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو شريعة الإسلام عملاً فحياته - صلى الله عليه وسلم - كلها، وما صدر عنه فيها من أقوال، وأفعال وتقديرات حتى الحركات والسكنات، هى تفصيل وبيان وترجمة حية لما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، أو عبادات، أو معاملات أو أخلاق، أو حدود، أو أحوال شخصية… الخ
وإذن فلم تكن هذه المفتريات التى زعمها أعداء الإسلام من خصوم السنة على سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - الواردة فى صحيح السنة النبوية، لم يكن مقصوداً بها الرسول لذاته، وإنما كانت غايتها تدمير الشريعة وصاحب الشريعة جميعاً، ثم يتأتى من وراء ذلك تدمير المجتمع الإسلامى كله!
والنتيجة من كل ما سبق : أن القرآن الكريم خير مصدر لمعرفة شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسيرته الشريفة، معرفة واضحة دقيقة، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفه
فالقرآن الكريم هو الباعث لتشخيص شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته منذ البعثة وما بعدها، وهو أيضاً المسيطر على دفع أو كبح أو تعديل حركة السيرة، والإشراف المتحكم بمفاهيم وقائعه
رابعاً : إذا كان القرآن الكريم هو الباعث لتشخيص شخصية السيرة النبوية، وكانت تلك السيرة العطرة هى الترجمة الحية لذلك الكتاب العزيز عرفت هنا فقط : أن كتاب السيرة النبوية وعلماءها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة، إلا تثبيت ما هو ثابت منها، بمقياس علمى، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم وأحوالهم
فإن انتهت بهم هذه القواعد العلمية الدقيقة إلى أخبار ووقائع، وقفوا عندها ودونوها، دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعتهم النفسية، أو مألوفاتهم البيئية إلى شئ من تلك الوقائع بأى تلاعب أو تحوير
لقد كانوا يرون أن الحادثة التاريخية التى يتم الوصول إلى معرفتها، بالقواعد العلمية التى تتسم بمنتهى الدقة، حقيقة مقدسة، يجب أن تجلى أمام الأبصار والبصائر كما هى
كما كانوا يرون أن من الخيانة العلمية والدينية التى لا تغتفر أن ينصب من التحليلات الشخصية؛ والرغبات النفسية، التى هى فى الغالب من انعكاسات البيئة، ومن ثمار العصبية، حاكم مسلط يستبعد منها ما يشاء، ويحور فيها كما يريد(10/33)
ضمن هذه الوقاية من القواعد العلمية، وعلى ذلك الأساس من النظرة الموضوعية للتاريخ، وصلت إلينا سيرة المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بدءاً من نسبه، وولادته، إلى طفولته، فصبوته اليافعة، إلى الإرهاصات الخارقة التى صاحبت مراحل طفولته، وشبابه، إلى بعثته، وظاهرة الوحى التى تجلت فى حياته، إلى أخلاقه، وصدقه، وأمانته، إلى الخوارق والمعجزات التى أجراها الله تعالى على يده، إلى مراحل الدعوة التى سار فيها لتلبية أمر ربه، من سلم، فدفاع، فجهاد مطلق حيثما طاف بالدعوة إلى الله تعالى أى تهديد، إلى الأحكام والمبادئ الشرعية التى أوحى بها إليه، قرآناً معجزاً يتلى، وأحاديث نبوية تشرح وتبين
لقد كان العمل التاريخى إذن بالنسبة إلى هذه السلسلة من سيرته - صلى الله عليه وسلم - ينحصر فى نقلها إلينا محفوظة مكلوءة، ضمن تلك الوقاية العلمية التى من شأنها ضبط الرواية من حيث الإسناد واتصاله، ومن حيث الرجال وتراجمهم، ومن حيث المتن أو الحادثة، وما قد يطوف بها من شذوذ، وعلة
أما عملية استنباط النتائج والأحكام، والمبادئ، والمعانى، من هذه الأخبار (بعد القبول التام لها) فعمل علمى آخر يميز بعلم الحديث رواية، وهو عمل علمى متميز، ومستقل بذاته، ينهض بدوره على منهج وقواعد أخرى، من شأنها أن تضبط عملية استنباط النتائج والأحكام من تلك الأحداث، ضمن قالب علمى يقصيها عن سلطان الوهم، وشهوة الإرادة النفسية، والتى عبر عنها أعداء الإسلام من خصوم السيرة العطرة الواردة فى السنة المطهرة بصياغاتهم الخبيثة التى سبق ذكر بعضها فى أول هذا الفصل
وهذا بخلاف أئمة الإسلام من الفقهاء والمحدثين فقد استنبطوا من أحداث السيرة النبوية طبقاً لقواعد علم الحديث رواية، أحكاماً كثيرة، منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين، ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك
إذن ليس للإمام البخارى، وغيره من أئمة السنة الشريفة، من أصحاب المصنفات الحديثية، والتاريخية، أن يرسموا شخصية النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولا سيرته العطرة، لأن دورهم كما سبق، هو تسجيل تلك التراجم الحية التى اشتمل عليها القرآن الكريم، من عقائد، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق، وحدود، وغزوات، وأحوال شخصية… الخ
خامساً : التأكد من صحة نقل السيرة النبوية الواردة فى السنة المطهرة، سهل ميسور من خلال دراسة السند والمتن، وهذا ما قام به أئمة أعلام من سلفنا الصالح، وأسفرت نتيجة جهودهم، إلى صحة أصول السيرة النبوية التى اشتملت عليها صحاح كتب السنة، وعلى رأسها الصحيحين للبخارى ومسلم، وهذان المصدران (القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة) أهم مصادر السيرة وأوثقها، وإليهما نرجع للاستيثاق مما يوجد فى المصادر الأخرى من كتب السيرة والتاريخ، والتى تتنوع بحسب موضوعاتها إلى كتب الشمائل، وكتب دلائل النبوة، وكتب المغازى، وكتب السيرة بوجه عام
سادساً : إذا كان القرآن الكريم أوثق كتاب على وجه الأرض، وكان من الثبوت المتواتر بما لا يفكر إنسان عاقل فى التشكيك بنصوصه وثبوتها التاريخى
وإذا كانت السنة الشريفة نقلت لنا سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسند الصحيح المتصل مما يجب أن نقبله كحقيقة تاريخية لا يخالجنا الشك فيه
فإنك تجد نفسك فى النهاية أمام أصح سيرة وأقواها ثبوتاً متواتراً هى سيرة المعصوم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
واتباع تلك السيرة المطهرة، والاهتداء بها، واعتمادها فى معرفة شخصية النبى - صلى الله عليه وسلم -. ليس فى ذلك عبادة للرجال الذين دونوها، كما يزعم أعداء الإسلام من خصوم السنة لأن الرجال الذين دونوها من الأئمة الأعلام، دورهم كما سبق هو تسجيل ذلك البيان النبوى للقرآن الكريم قولاً وعملاً، وتلك حقيقة علمية تاريخية لا ينكرها إلا جاحد!
فأين عبادة الرجال التى يزعمها عبدة أهواءهم وشياطينهم؟! قال تعالى : { افرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ، وقال سبحانه : { وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون }
سابعاً : ليس فى الربط بين القرآن الكريم، والسنة النبوية فى تحديد شخصية وسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، شرك وتأليه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يزعم أعداء السنة المطهرة ، لأن الربط هنا ربط إلهى، وطاعة لله عز وجل(10/34)
فرب العزة هو الآمر لعباده بوجوب الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -، وتصديقه فى كل ما يخبر به من الوحى الإلهى (متلو من القرآن، أو غير متلو من السنة) قال تعالى : { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير } وقال سبحانه : { فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } فالإيمان بسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجب متعين لا يتم إيمان إلا به، ولا يصح إسلام إلا معه لقوله تعالى : { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً }
فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والربط بين الإيمان به، والإيمان بالله عز وجل شرك؟! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذب
وإذا وجب الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -، وجب تصديقه وطاعته فيما جاء به من الكتاب والسنة، لأن ذلك مما أمرنا به المولى عز وجل فى آيات عدة منها : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } وقال سبحانه : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً }
فتأمل كيف جعل رب العزة طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - طاعته، وقرن طاعته عز وجل بطاعته - صلى الله عليه وسلم -، ووعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره، واجتناب نهيه
قال المفسرون والأئمة : طاعة الرسول فى التزام سنته، والتسليم لما جاء به، وقالوا : ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } فمن زعم بعد ذلك أن الربط بين طاعته عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ شرك وتأليه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد رد على ربه عز وجل كلامه! وقد سبق تفصيل ذلك فليراجع
وجملة القول : أن منكرى السنة الذين يزعمون كذباً أن السيرة النبوية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتى نقلها أهل الحديث فى كتبهم مخالفة لسيرته فى القرآن الكريم، وأن المصادر الحديثية شوهت سيرته العطرة، كذبوا فى زعمهم وتظاهرهم هذا، فقد طعنوا أيضاً فى سيرته - صلى الله عليه وسلم - الواردة فى القرآن الكريم بزعمهم عدم عصمته وأنه كان فى ضلال وغفلة قبل البعثة… الخ كما سبق الإشارة إلى ذلك فى أول الجواب
وفى الحقيقة : فإن منكرى السنة، لا يريدون السنة، ولا يريدون أسانيد ولا يريدون نقله يصلون بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! وكيف يصلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم يكرهون من يوصل إليه، ويحملونهم إلى عصره، وييسرون لهم سماعه ومشاهدة أفعاله، وأحواله، وصفاته… الخ
إنهم يكرهون الصحابة، ويكرهون التابعين، واتباع التابعين، وتبع الأتباع، واتباع التبع… إنهم يكرهون الدواوين التى جمعت كل هذه الطرق، وحفظت هذا الاتصال، ويكرهون من جمع هذه الدواوين
يكرهون القواعد التى وضعها العلماء لاستخلاص السنة والسيرة، من وضع الوضاعين، وخطأ المخطئين، ووهم الواهمين .. يكرهون مدرسة الحديث بكل ما فيها، ومن فيه
وهذه الكراهية فى الحقيقة كراهية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحقد على بقاء رسالته، متمثلة فى سنته، وسيرته العطرة، ومحاولة للقضاء على ما ورثته الأمة عنه - صلى الله عليه وسلم -، من العلم الذى هو الميراث عن النبيين، وهو فى نفس الوقت حقد على هذه الأمة التى اختصها الله عز وجل بحفظ سنة وسيرة نبيها - صلى الله عليه وسلم - على أكمل ما يكون الحفظ والتوثيق
وإذا تقرر سابقاً أن سول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو والقرآن الكريم كيان واحد، وأن سيرته الشريفة هى الترجمة الحية، لما اشتمل عليه القرآن الكريم، من تعاليم وأحكام؛ فسوف يتأكد ذلك بالأمثلة عند الجواب على الأحاديث التى طعنوا فيها، وزعموا أنها تشويه لسيرته العطرة، وأنها مخالفة للقرآن الكريم، وتطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه
===================
هل ركن الرسول صلى الله عليه وسلم للكفار؟
من الشبهات التي تثار بكثرة، شبهة ركون المصطفى صلى الله عليه وسلم للكفار، و الرد عليها أبسط ما يكون... فتعالوا نسترجع أيام منتدى الجامع السابق ونقرأ رد الدكتور هشام عزمي ، لعله يكون مفيداً بإذن الله.
ولولا أن ثبتناك
تقول الشبهة:
( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} ).سورة الاسراء.(10/35)
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْفِتْنَة الَّتِي كَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَفْتِنُوا رَسُول اللَّه بِهَا عَنْ الَّذِي أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ إِلَى غَيْره ; فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الْإِلْمَام بِالْآلِهَةِ ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ دَعَوْهُ إِلَى ذَلِكَ ، فَهَمَّ بِهِ رَسُول اللَّه.
ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17003 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد ، قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ ، عَنْ جَعْفَر ، عَنْ سَعِيد ، قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه يَسْتَلِم الْحَجَر الْأَسْوَد ، فَمَنَعَتْهُ قُرَيْش ، وَقَالُوا : لَا نَدَعهُ حَتَّى يَلُمّ بِآلِهَتِنَا ، فَحَدَّثَ نَفْسه ، وَقَالَ : " مَا عَلَيَّ أَنْ أَلُمّ بِهَا بَعْد أَنْ يَدْعُونِي أَسْتَلِم الْحِجْر ، وَاَللَّه يَعْلَم أَنِّي لَهَا كَارِه.
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّه ذَات لَيْلَة إِلَى الصُّبْح يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ ، وَكَانَ فِي قَوْلهمْ أَنْ قَالُوا : إِنَّك تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَد مِنْ النَّاس ، وَأَنْتَ سَيِّدنَا وَابْن سَيِّدنَا ، فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُقَارِفَهُمْ ثُمَّ مَنَعَهُ اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ:{ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } الم تأتي عصمة الله متأخرة بعض الشيء؟ أي بعد ان ركن إليهم النبي ولو بشيئا قليلا ؟ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى ، قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر ، عَنْ مَعْمَر ، عَنْ قَتَادَة { لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْره } قَالَ : أَطَافُوا بِهِ لَيْلَة ، فَقَالُوا : أَنْتَ سَيِّدنَا وَابْن سَيِّدنَا ، فَأَرَادُوهُ عَلَى بَعْض مَا يُرِيدُونَ فَهُمْ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِي بَعْض مَا يُرِيدُونَ ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّه ، فَذَلِكَ قَوْله : { لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } الَّذِي أَرَادُوا فَهُمْ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِيهِ . إن الاشارة صريحه: لقد كاد محمد يركن الى المشركين شيئاً قليلاً.
إن صاحب هذة الشبهة يحاول ان يثبت قاتله الله ان سيد المرسلين قد كاد يميل قلبة للمشركين او الشرك بالله فانزل الله العصمة ليثبته ويحميه.
الرد على هذه الشبهة:
أولاً : لو رجعنا إلي كتب التفاسير لوجدنا الرد الشافي
وهذا مختصر للتفاسير.
جاء في تفسير القرطبي
قوله تعالى: "ولولا أن ثبتناك" أي على الحق وعصمناك من موافقتهم. "لقد كدت تركن إليهم" أي تميل. "شيئاً قليلاً" أي ركونا قليلاً. قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام:
"اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين". وقيل: ظاهر الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وباطنه إخبار عن ثقيف. والمعنى: وإن كادوا ليركنونك، أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازاً واتساعاً، كما تقول لرجل: كدت تقتل نفسك، أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكره المهدوي. وقيل: ما كان منه هم بالركون إليهم، بل المعنى: ولولا فضل الله عليك لكان منك ميل إلى موافقتهم، ولكن تم فضل الله عليك فلم تفعل، ذكره القشيري.
وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه.
وجاء في تفسير الطبري
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا" وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أجلنا سنة حتى يهدى لآ لهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى لآلهتنا أخذناه ، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ، وأن يؤجلهم ، فقال الله " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" .
: ولولا أن ثبتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة" لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" يقول: لقد كدت تميل إليهم وتطمئن شيئا قليلا، وذلك ما كان صلى الله عليه وسلم هم به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله ،حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ، في قوله " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
جاء في تفسير فتح القدير(10/36)
ولولا أن ثبتناك" على الحق وعصمناك عن موافقتهم "لقد كدت تركن إليهم" لقاربت أن تميل إليهم أدنى ميل، والركون هو الميل اليسير، ولهذا قال: "شيئاً قليلاً" لكن أدركته صلى الله عليه وسلم العصمة فمنعته من أن يقرب من أدنى مراتب الركون إليهم، فضلاً عن نفس الركون، وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم ما هم بأجابتهم، ذكر معناه القشيري وغيره، وقيل المعنى: وإن كادوا ليخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازاً واتساعا كما تقول للرجل: كدت تقتل نفسك: أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكر معناه المهدوي.
جاء في تفسير البيضاوي
ولولا أن ثبتناك "ولولا تثبيتنا إياك."لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً " لقاربت أن تميل إلى ابتاع مرادهم ، والمعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلاً عن أن تركن إليهم ، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما هم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.
وجاء في تفسير البغوي
قوله عز وجل : " وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك " الآية ، اختلفوا في سبب نزولها
قال سعيد بن جبير : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فمنعته قريش ، وقالوا : [ لا تلم] حتى تلم بآلهتنا وتمسها ، فحدث نفسه : ما علي أن أفعل ذلك والله تعالى يعلم أني لها كاره ، بعد أن يدعوني حتى أستلم الحجر الأسود
وقيل : طلبوا منه أن يمس آلهتهم حتى يسلموا ويتبعوه فحدث نفسه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية
وقال ابن عباس :" قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال ، قال : وما هن ؟ قالوا : أن لا ننحني - أي في الصلاة - ولا نكسر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود، وأما أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم ، وأما الطاغية - يعني اللات والعزى - فإني غير ممتعكم بها ، فقالوا : : يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا، فقل الله : أمرني بذلك ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ": " وإن كادوا ليفتنونك " ليصرفونك " عن الذي أوحينا إليك " " لتفتري " ، لتختلق ، " علينا غيره وإذاً " ، لو فعلت ما دعوك إليه " لاتخذوك خليلاً " أي : والوك وصافوك.
" ولولا أن ثبتناك "، على الحق بعصمتنا ، " لقد كدت تركن " أي : تميل ، " إليهم شيئاً قليلاً " أي : قريباً من الفعل .
فإن : قيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً ، فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر ؟ .
قيل : كان ذلك خاطر قلب ، ولم يكن عزماً وقد غفر الله عز وجل عن حديث النفس .
قال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " .
والجواب الصحيح هو : أن الله تعالى قال: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً " وقد ثبته الله،ولم يركن.
وجاء في تفسير الجلالين
(وإن) مخففة (كادوا) قاربوا (ليفتنونك) ليستنزلونك (عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا) لو فعلت ذلك (لاتخذوك خليلا)
ولولا أن ثبتناك) على الحق بالعصمة (لقد كدت) قاربت (تركن) تميل (إليهم شيئا) ركونا (قليلا) لشدة احتيالهم وإلحاحهم وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب.
وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ !!
قال تعالى: [وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا] [الإسراء] .
يذكر ابن كثير تفسيراً إجمالياً لهذه الآيات، فيقول: «يخبر تعالى عن تأييده رسوله صلوات اللَّه عليه وسلامه، وتثبيته، وعصمته، وسلامته من شر الأشرار، وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، بل هو وليه، وحافظه وناصره ومؤيده، ومظفره، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه، في مشارق الأرض، ومغاربها، صلى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين».(10/37)
ويذكر البيضاوي تفسيراً تفصيلياً فيقول: « ]وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ [ نزلت في ثقيف، قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب: لا نعشر، ولا نحشر، ولا نجبى في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا لغيرنا فهو موضوعٌ عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرّم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك، فقل: إن اللَّه أمرني، وقيل نزلت في قريش قالوا: لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسّها بيدك.
والمعنى أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال ]عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [ ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك ولياً لهم، بريئاً من ولايتي. ]وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ [ ولولا تثبيتنا إياك ]لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً [ لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم. والمعنى أنك كنت في صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم، ولكن أدركتك عصمتنا، فمُنعت أن تقرب من الركون، فضلاً عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه، عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليلٌ على أن العصمة بتوفيق اللَّه وحفظه. ]إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ[ أي لو قاربت لأذقناك ]ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [ أي عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، ضعف ما نعذب به في الدارين، بمثل هذا الفعل، غيرك؛ لأن خطأ الخطير أخطر».
ويذكر صاحب ( الظلال ) ما يتعلق بظلال هذه الآيات فيقول: «يعدّد السياق محاولات المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأولها فتنته عما أوحى اللَّه إليه ليفتري عليه غيره، وهو الصادق الأمين. لقد حاولوا هذه المحاولة في صورٍ شتى: منها مساومتهم له أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم، يجعل أرضهم حراماً، كالبيت العتيق الذي حرّمه اللَّه، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء...
والنص يشير إلى هذه المحاولات، ويفصّلها، ليذكر فضل اللَّه على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة. ولو تخلى عنه تثبيت اللَّه وعصمته لركن إليهم، فاتخذوه خليلاً، وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين، وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات، دون أن يجد له نصيراً منهم يعصمه من اللَّه.
هذه المحاولات التي عصم اللَّه منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً: محاولة إغرائهم لينحرفوا _ ولو قليلاً_ عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها، في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته؛ لأنه يرى الأمر هيناً. فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة، ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة، في كسب أصحاب السلطان إليها، ولو بالتنازل عن جانبٍ منها.
ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق، ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزءٍ منها، ولو يسير، وفي إغفال طرفٍ منها، ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلّم به أول مرة؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد، كلما رجع خطوةً إلى الوراء!.
والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزءٍ منها، مهما صغر، والذي يسكت عن طرفٍ منها، مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمناً بدعوته حق الإيمان. فكل جانبٍ من جوانب الدعوة، في نظر المؤمن هو حق كالآخر، وليس فيها فاضل ومفضول، وليس فيها ضروري ونافلة، وليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، وهي كل متكامل، يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه، كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحد عناصره.
وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلّموا في الجزء، فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها.
والتسليم في جانب، ولو ضئيل، من جوانب الدعوة، لكسب أصحاب السلطان إلى صفها، هو هزيمة روحية، بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة. واللَّه وحده هو الذي يعتمد عليه المؤمنون بدعوتهم، ومتى دبّت الهزيمة في أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصراً.
لذلك امتنّ اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يثبته على ما أوحى اللَّه، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم -ولو قليلاً-ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفاً، وفقدان المعين والنصير.(10/38)
فهذا مراد الأيات،و التى يجب على المسلم ان يفطن اليها،أما عن رد الشبهات حولها. فيجب أن نسأل الذي ألقى الشبهة أولاً.. بناء على ما فهمه بطريق الخطأ - سواء عن قصد أو سوء نية- اذا كنت فهمت ان الحبيب قد مال الى كذا وكذا..!! وحاشاه - فمن قائل هذا ؟ وأقصد اما أن يكون قائله الله سبحانه.. وهنا يكون اعترافا من الكافر بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى وعليه فهو يشهد على نفسه بالكفر بالله وبكلامه وبرسوله .. وكذلك عليه الايمان بما قاله الله في القرآن ان الكافر في النار... ووجوب اتباع الرسول .. وهكذا.. ونسأله لماذا لايفعل اذا كان يؤمن ان القرآن كلام الله تعالى؟.
واحتمال أن يقول ان القرآن الكريم كلام الرسول - أستغفر الله- وهنا نسأله أليس هذا بغباء أن يدّعى انسان انه رسول الله ثم يقول للناس انني ملت للشرك وارضاء المشركين والكذب على الله تعالى وقول ما لم يقله!!! مع وجود آيات تذكر ان مَن يكذب على الله ومَن يدّعي الكذب على الله تعالى هو من أشد الناس ظلما وكفرا!!! بل آيات أخرى تتوعد من يشرك بالله تعالى بالعذاب وسوء المصير. ؟؟؟؟!!!.
ومن المعروف ان كل الكفرة سواء القدامى أو المعاصرين الذين اتهموا الحبيب بكل أنواع التهم الكاذبة والتي منها هذه الشبهة موضع البحث.. أقول انهم اتهموا الحبيب بكل شئ الا شئ واحد فقط انه كان متواضع ومحدود الذكاء..!! أبداً لن نجد كافراً يتهم الحبيب في ذكاءه بل نجد في كتابات كثير من الكفرة الثناء على ذكاء وعبقرية الحبيب ويعدونها السبب الأساسي في "تأليف " القرآن وفي اغواء واضلال الناس - أستغفر الله -!!.
ومن هنا نقول اذا نفى الكفرة تهمة الغباء عن الحبيب فكيف يستقيم هذا مع شبهتهم؟؟لا يستقيم الا اذا كان الكافر لا يهمه احترامه لعقله وذاته وكل همّه هو اتهام الحبيب بأي شئ.. وان عند الكافر ان الغاية تبرر الوسيلة.. والغاية حقيرة والوسيلة أحقر والكافر أحقر وأقذر.
وكيف يستقيم قوله تعالى لحبيبه " وانك لعلى خلق عظيم"..مع هذه الشبهة؟؟ فالذي يقول عنه رب العالمين انه على خلق عظيم لا يجوز أن يخطر على قلب انسان أن يكون الشرك والكفر والكذب على الله من أخلاقه.. بل هذه أخلاق الملحدين والمشركين وعبدة البقر والخرفان فقط.
نقطة ثانية أرى ان السبب هو بعدنا عن لغتنا العربية.. فنحن بحق بحاجة الى دراسة لغة القرآن الكريم..
فاذا قلت لك " كدت أن أقع لولا ان أخي أمسكني" فهل يفهم منها انني قد وقعت فعلا أم العكس؟.
فلولا عصمة الله لحدث كذا وكذا وهذا يدل على عدم وقوع الحدث بل يدل على امكانية وقوعه حالة عدم وجود عصمة الله... والله تعالى قد عصم أنبياءه الكرام.. حماية لهم ولنا.. فهم المثل والقدوة والمعتصمين بحبل الله تعالى والمتوكلين عليه سبحانه لذا ينجيهم الله من كيد أعدائهم وشبهاتهم وأكاذيبهم.. وكذلك كل من يتبع طريق الأنبياء الكرام في الايمان والتوكل على الله تعالى .. فالله يدافع عن الذين آمنوا.
وكذلك نفهم من عصمة الله لنبيه الكريم ان كيد المشركين كان شديداً ورغم ذلك فشلوا فيما أرادوا.. وفي هذا تثبيتا لأصحاب الدعوة فيما بعد الحبيب أن أمامهم مثلا عليهم اتباعه والتزام منهج الحبيب أمام أصحاب السلطان والذين سيكون كيدهم شديدا لاغوائهم وابعادهم عن المنهج القويم وقبول تقديم تنازلات في الدعوة لدين الله.. كما شرحه بتوسع الشهيد باذن الله سيد قطب- رحمه الله-.
نقطة أخرى أرى انها من معجزات القرآن الكريم ..- هذا رأي شخصي لذا أرجو التصويب ان لزم-وهو اخبار المولى عز وجل عن ان هذه الآية الكريمة سيستخدمها الكفرة كشبهة ضد الحبيب .. وفي هذا دليل صدق ان القرآن كلام الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى.. وكذلك تذكير المسلمين بطهارة وخُلٌق الحبيب وانه سيد ولد بني آدم وانه كما قال تعالى عنه على خلق عظيم..
أما كيف هذا؟؟ فأقول لو رجعنا للغتنا العربية لفهمنا ورأينا..
والآن دعونا نقرأ من تفسير القرطبي - رحمه الله-.
جاء في تفسير القرطبي
قوله تعالى: "ولولا أن ثبتناك" أي على الحق وعصمناك من موافقتهم. "لقد كدت تركن إليهم" أي تميل. "شيئاً قليلاً" أي ركونا قليلاً. قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام:"اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين". وقيل: ظاهر الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وباطنه إخبار عن ثقيف. والمعنى: وإن كادوا ليركنونك، أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازاً واتساعاً، كما تقول لرجل: كدت تقتل نفسك، أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكره المهدوي. وقيل: ما كان منه هم بالركون إليهم، بل المعنى: ولولا فضل الله عليك لكان منك ميل إلى موافقتهم، ولكن تم فضل الله عليك فلم تفعل، ذكره القشيري.
وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه".(10/39)
أي إن الله تعالى يقول ان الكفرة سيخبرون عنك يا محمد انك ملت لقول الكافرين اخوانهم!! وهذا هو عين الشبهة..! فالشبهة قائمة على هذا الزعم!! أليس كذلك؟!.
والحمد لله رب العالمين.
===================
المستشرقون وإسناد الحديث
تنبع أهمية الإسناد ومكانته في ديننا من أهمية الحديث ومكانته التشريعية ، والتي تحتل المرتبة الثانية بعد كتاب الله تعالى ، فالسند كان ولا يزال أهم الوسائل التي حفظ الله بها الحديث وصانه من الوضع والكذب والافتراء ، كما أنه المعيار الأول الذي تقيم به الروايات ، وتوزن به الأخبار ، لمعرفة صحيحها من سقيمها ، وقويها من ضعيفها .
وقد بدأ إسناد الحديث مع بداية الرواية التي بدأت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين كان الصحابة يتناوبون في حضور مجلسه عليه الصلاة والسلام فيبلغ الشاهد منهم الغائب ، وينقل كل منهم لغيره ما سمعه وشاهده ، مع نسبة القول أو الفعل إلى قائله الذي سمعه منه سواء كان ذلك القائل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحابياً آخر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم - ، وقد لا يذكر بعضهم الواسطة فيما لم يسمعه مباشرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا عن جهل منه وعدم معرفة بمن أخذ عنه ، ولكن لوجود الثقة بينهم ، وبعدهم عن مظان الكذب ، فالصحابة كلهم ثقات عدول ، ولقرب العهد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثم استمر الحال على ذلك مدة من الزمن ، وإن كان الاحتياط والتثبت في الرواية قد وُجد على عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، كما يدل عليه قصة أبي بكر رضي الله عنه مع المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة ، وقصة عمر رضي الله عنه مع أبي موسى في الاستئذان ثلاثاً ، إلا أنه لم ينتقل إلى طور الإلزام بإسناد الحديث عند روايته .
حتى وقعت الفتن التي أودت بحياة الخليفتين الراشدين عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وما رافق ذلك من اختلاف الأمة وتفرقها ، وظهور الفرق والطوائف ، ومحاولة كل فرقة التمسك بما يؤيد موقفها ، مما استوجب زيادة الحيطة والحذر ، والتثبت في قبول الروايات ، فأصبح السؤال عن السند ، وإلزام الرواة به أمراً ضرورياً اقتضته طبيعة المرحلة ، التي مهدت السبيل أمام أصحاب الأهواء والبدع للدس والافتراء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الأمر الذي بينه ابن عباس رضي الله عنهما كما في مقدمة مسلم أن بشيراً العدوي جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه - أي لا يستمع - ولا ينظر إليه ، فقال: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟! فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول ، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف " ، وبينه أيضاً الإمام ابن سيرين بقوله : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" .
وهذا لا يعني أن الإسناد لم يكن موجوداً قبل الفتنة ، أو أنه لم يستعمل من قبل الرواة ، وإنما المقصود أن بداية البحث والتحري وإلزام الرواة بالإسناد بدأ عقب الفتنة ، ثم صار الالتزام بالسند أمراً شائعاً ، وسنة متبعة لدى رجال الحديث .
ومع وضوح بداية استعمال السند ، وشيوع التزامه والتمسك به في هذا الوقت المبكر من تاريخ الحديث ، فإن المستشرقين وأذنابهم حاولوا أن يثيروا الشكوك حول الإسناد وبداياته وأهميته في الرواية ، وذلك لإضعاف الثقة به ، ومن ثم إضعاف الثقة بالحديث النبوي ، لأن التشكيك في الإسناد أو التقليل من أهميته ، هو في الحقيقة تشكيك في السنة النبوية ، التي وصلت إلينا ، وتناقلتها الأمة جيلاً إثر جيل ، بواسطة هذه الأسانيد .
فمن المستشرقين من شكك في بدايات الإسناد كما فعل كايتاني ( ت 1926 م ) الذي زعم في حولياته " أن الأسانيد أضيفت إلى المتون فيما بعد بتأثير خارجي ، لأن العرب لا يعرفون الإسناد ، وأن استعمال الأسانيد إنما بدأ أول ما بدأ بين عروة بين الزبير المتوفى سنة 94هـ ، و ابن إسحاق المتوفى سنة 151هـ ، وأن عروة لم يستعمل الإسناد مطلقاً، و ابن إسحق استعملها بصورة ليست كاملة .
وأشار " شبرنجر " ( ت 1893 م ) إلى تعاسة نظام الإسناد وأن اعتبار الحديث شيئاً كاملاً سنداً ومتناً قد سبَّب ضرراً كثيراً وفوضى عظيمة ، وأن أسانيد عروة مختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون .
وأما " ميور " معاصر "شبرنجر " ، فينتقد طريقة اعتماد الأسانيد في تصحيح الحديث ، لاحتمال الدس في سلسلة الرواة .(10/40)
وأما " شاخت " ( ولد 1902 م ) ، فقد أجرى دراسة على الأحاديث الفقهية وتطورها - على حد زعمه - أجراها على كتابي " الموطأ " لمالك و" الأم " للشافعي وعمم نتائج دراسته على كتب الحديث الأخرى ، ثم خلص إلى أن السند جزء اعتباطي في الأحاديث ، وأن الأسانيد بدأت بشكل بدائي ، حتى وصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ، وأنها كانت كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء ، ولذا فإن أي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات فيضعها في الإسناد " .
ووُجد مع الأسف الشديد فيمن ينتسب إلى الإسلام من ردد أقوال المستشرقين فيما يتعلق بالإسناد ومدى الحاجة إليه ، حتى وصف بعضهم أهل الحديث بأنهم "عبيد الأسانيد" ، و" أسرى الأسانيد " ، وأن الإسناد نوع من التزمت ، وأن المبالغة في الاعتداد به ، وربط الأحكام الشرعية به ، واعتباره بالدرجة الأولى أساساً لصحة الحديث ، قد أثمر افتراقاً كبيرا بين المسلمين ، وحولهم إلى فرق وأحزاب يعارض بعضها بعضا ، ويقاتل بعضها بعضا ، ويكيد بعضها لبعض على مر السنين .
وقبل مناقشة هذه المزاعم لا بد من التنبيه على أن من الأسباب التي جعلت المستشرقين يتوصلون إلى هذه النتيجة في حكمهم على الأحاديث النبوية ، أنهم لم يجروا دراستهم على كتب الحديث المعتمدة التي عنيت بذكر الأسانيد وعولت عليها ، بل اختاروا الكتب التي تكون دراستها للحديث غير مقصودة لذاتها ككتب السيرة والفقه مثلاً ، فـ " شاخت " عندما أصدر حكمه هذا على الأسانيد أصدره بناء على دراسة قام بها لكتاب الموطأ للإمام مالك ، والموطأ للإمام محمد الشيباني ، وكتاب الأم للشافعي ومن المعلوم أن هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث ، وعلى الرغم من ذلك فقد عمم نتيجته التي توصل إليها في دراسته لتلك الكتب ، وفرضها على كافة كتب الحديث ، وكأنه ليس هناك كتب خاصة بالحديث النبوي ، وكأنه ليس هناك فرق بين طبيعة كتب الفقه وكتب الحديث .
فقد يحذف الفقهاء جزءاً من الإسناد اكتفاءً بأقل قدر ممكن من المتن الذي يدل على الشاهد والمقصود وذلك تجنباً للتطويل ، وقد يحذفون الإسناد بكامله ، وينقلون مباشرة عن المصدر الأعلى ، وقد يستعملون الإسناد أحياناً ، ويقطعونه أحياناً .
وبهذا يتبين بأن كتب السيرة وكتب الفقه ليست مكاناً صحيحاً لدراسة ظاهرة الأسانيد ونشأتها وتطورها ، وأن أي دراسة أو نتيجة يتوصل إليها الباحث فيما يتعلق بالأحاديث النبوية أو الأسانيد في غير مصدرها الأصلي ، محكوم عليها بالفشل والإخفاق ، وعلى هذا الأساس فإن ما قام به المستشرقون من دراسة وما توصلوا إليه من نتائج في هذا المجال كانت نتائج خاطئة ، هذا إذا افترضنا حسن النية ، والنزاهة في البحث العلمي ، فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء القصد والعداء للإسلام وأهله ، وتشويه مصادره ، وهدم أصوله وأركانه .
وأما ما يتعلق بتفنيد هذه المزاعم فمن المعلوم لدى كل منصف أنه لم يلق علم من العلوم الإسلامية في جميع جوانبه وفروعه ما لقيه علم الحديث من العناية والاهتمام ، بدءا من عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى يوم الناس هذا ، فما من جزئية من جزئياته إلا وقد فصَّلها العلماء بحثاً ودراسة ، وذلك تحقيقاً لوعد الله في حفظ الذكر ، ومن ذلك ما يتعلق بإسناد الحديث .
فقد درس المحدثون هذه الأسانيد دراسة مستوفية من حيث الاتصال ، ووضعوا القواعد التي تتناول كافة أحوال الاتصال ، وسائر وجوهه ، فنظروا إليه من حيث مبدئه ومنتهاه ، ودرسوا صيغه ، وبينوا شروطها ، ونظروا إلى مسافة السند من حيث الطول والقصر ، وإلى حال الرواة عند الأداء ، ونقدوا الأسانيد في الحديث الواحد وما فيها من زيادة ونقص .
كما درسوا الإسناد من حيث الانقطاع ، وأنواعه ، فبحثوا عن مواضعه من أوله أو وسطه أو آخره ، كما بحثوه من حيث طبيعته في الظهور والخفاء ، وبلغوا في ذلك المنتهى والغاية .
فاستوفوا بذلك جميع أوجه الاحتمالات في اتصال الحديث وانقطاعه ، مما جعل حكمهم على الأحاديث في غاية الدقة والسداد .
إضافة إلى أنهم اشترطوا في الحديث الصحيح شروطاً تضمن أن ينقله الثقة عن الثقة حتى يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال التام ، وكل واحد من الرواة يخبر باسم الذي أخبره ونسبه وحاله ، لا تفوتهم في ذلك كلمة أو زيادة لفظة فما فوقها ، وهذه الشروط هي الضبط والعدالة واتصال السند ، وعدم الشذوذ والعلة ، فاختص الإسناد من ذلك بثلاثة شروط ، واشترك مع متن الحديث في الشرطين الآخرين .(10/41)
وعرف عن أئمة هذا الشأن الإكثار من الترحال والتنقل في طلب الأسانيد ، للوقوف على أحوال الرواة وسيرهم عن كثب ، وحرصاً منهم على قرب الأسانيد وقلة النقلة والوسائط ، ونظرة سريعة في تراجم الرواة تدلنا على مدى المشاق والصعوبات التي لقيها هؤلاء الأئمة واستعذبوها في سبيل حفظ السنة وسماع أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منابعها الصحيحة ومصادرها الأصلية ، حتى رأينا الصحابي يرحل من المدينة - التي هي بلد رسول الله وموطن الحديث - إلى مصر في طلب حديث سمعه آخرُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأخبار العلماء ورحلاتهم في ذلك كثيرة يضيق المقام بذكرها ، ولا ينقضي العجب منها ، وحسبنا أن نشير إلى شيء منها لنعرف عظم الجهود التي بذلها أسلافنا في جمع الحديث النبوي وحفظه وصيانته .
فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يرحل من المدينة إلى مصر ليسأل عقبة بن عامر عن حديث سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم قال له : حدِّثْنا ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ستر المسلم ، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك ، فلما حدَّثه ركب أبو أيوب راحلته وانصرف عائداً إلى المدينة ، وما حلَّ رحله .
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه بلغه حديثٌ عن صحابي بالشام سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعظم أن يفوته شيء من حديث رسول الله ، فاشترى بعيرا وشد عليه رحله ، وسافر مسيرة شهر حتى قدم الشام ، فإذا هو عبد الله بن أنيس فقال له : " حديثٌ بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصاص ، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يُحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بُهْما ..... ) وذكر الحديث .
ومن بعد الصحابة سار التابعون على هذا المنوال فكان أحدهم يخرج من بلده لا يُخْرجه إلا حديث عن صحابي يريد أن يسمعه منه مباشرة بدون واسطة ، يقول أبو العالية : " كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نرضى
حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم " .
ولذلك جاءت العبارات عن الأئمة في التشديد على التمسك بالإسناد والتزامه في الرواية واعتباره جزءاً من الدين مما يوجب على المرء أن يعرف عمن يأخذ دينه ، يقول عبد الله بن المبارك : " الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " ، وكان يقول : "بيننا وبين القوم القوائم " يعني الإسناد .
وكانوا لا يقبلون حديثاً ورد إليهم إلا إذا أسنده صاحبه وتأكدوا من صحة هذا الإسناد مهما كانت مكانة من رواه ، فقد روى مسلم في مقدمة الصحيح بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال : قلت لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن ، الحديث الذي جاء " إن من البر بعد البر ، أن تصلي لأبويك مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صومك" ، قال : فقال عبد الله : " يا أبا إسحق عمن هذا ؟ قال : قلت له : هذا من حديث شهاب بن خراش ، فقال : ثقة ، عمن؟ قال : قلت : عن الحجاج بن دينار . قال: ثقة ، عمن ؟ قال : قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ، ولكن ليس في الصدقة اختلاف".
وقال شعبة : " كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام " .
وعظم اهتمام علماء الحديث بالإسناد حفاظاً على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن تنالها يد العابثين ، أو تتطرق إليها أهواء المغرضين ، قال الإمام أبو حاتم بن حبان : " ولو لم يكن الإسناد وطلب هذه الطائفة له ، لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين ما ظهر في سائر الأمم ، وذاك أنه لم يكن أمة لنبي قط حفظت عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمة ، حتى لا يتهيأ أن يزاد في سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألِف ولا واو ، كما لا يتهيأ زيادة مثله في القرآن ، فحفظت هذه الطائفة السنن على المسلمين ، وكثرت عنايتهم بأمر الدين ، ولولاهم لقال من شاء بما شاء " .(10/42)
وكان من ثمار تلك الجهود المباركة نشوء قواعد وأصول الرواية وتصحيح الأخبار ونقدها نقداً علمياً ، حتى عُدّت هذه القواعد من أصح قواعد البحث العلمي المتعلق بتوثيق الأخبار والنصوص ، وهي ميزة لا توجد في تراث أي أمة من أمم الأرض كلها ، بل حتى ولا في كتبهم المقدسة ، مما يعد بحق مفخرة من مفاخر هذه الأمة من جهة السبق أولا ، ومن جهة الشمولية والموضوعية ودقة النتائج ثانياً ، وهذا ما شهد به أهل الإنصاف من غير المسلمين حتى قال " مرجليوث " : " ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم " ، وعندما ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية وهو كتاب مصطلح التاريخ لمؤلفه النصراني " أسد رستم " ، اعتمد فيه على قواعد علم الحديث ، واعترف بأنها طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات ، وقال بعد أن ذكر وجوب التحقق من عدالة الراوي ، والأمانة في خبره : " ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب ، وإليك بعض ما جاء في مصنفاتهم نورده بحرفه وحذافيره تنويهاً بتدقيقهم العلمي ، اعترافاً بفضلهم على التاريخ " ثم أخذ ينقل نصوصاً عن بعض أئمة هذا الشأن .
فهل بعد هذا كله يقال إن الأسانيد لم تجد أدنى اعتناء ، وأنها كانت أمراً اعتباطياً بحيث يتسنى لمن شاء أن يختلق إسناداً وينسبه إلى من يريد لينصر مذهبه أو طائفته أو حزبه - كما يقول المستشرقون وأذنابهم - من غير أن يميز ذلك أئمة هذا الشأن الذين خصهم الله لحفظ دينه وحراسة سنة نبيه ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
_________________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
- المستشرقون والحديث النبوي د . محمد بهاء الدين
- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه د . محمد مصطفى الأعظمي
- بحوث في تاريخ السنة المشرفة د . أكرم ضياء العمري
الشبكه الاسلاميه
===================
شبهه قتل ام قرفه
سؤال : ما صحة ما روي عن زيد بن ثابت في قتله لأم قرفة التي كانت تحرض الناس على عداوة الرسول كما جاء في السيرة النبوية لابن هشام .. باب غزوة زيد بن حارثة بنى فزارة و مصاب أم قرفة؟
جواب :
لقد جاءت الرواية في طبقات ابن سعد وعنه ابن الجوزي في كتابه المنتظم ومدار الرواية على محمد بن عمر الواقدي * وهو شخص متهم بالكذب لدى علماء الحديث ، والقصة أوردها ابن كثير في البداية والنهاية مختصرة ولم يعلق عليها بشىء وذكرها ابن هشام في السيرة وكلاهما عن محمد ابن اسحق الذي لم يذكر سند الرواية ، فالحاصل ان الرواية لم تصح فلا يجوز الاحتجاج بها .
هو محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي ابو عبد الله المدني قاضي بغداد مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي
قال البخاري : الواقدي مديني سكن بغداد متروك الحديث تركه أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا ( تهذيب الكمال مجلد 26)
هذا في ص 185-186 وقال أحمد هو كذاب وقال يحيى ضعيف وفي موضع آخر ليس بشيء وقال أبو داود : أخبرني من سمع من علي بن المديني يقول روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب وقال أبو بكر بن خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول لا يكتب حديث الواقدي ليس بشيء وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت عنه علي بن المديني فقال : متروك الحديث هنا علة جميلة أيضا في سند الحديث وهي روايته عن عبد الله بن جعفر الزهري قال إسحاق بن منصور قال أحمد بن حنبل كان الواقدي يقلب الأحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ذا قال إسحاق بن راهويه كما وصف وأشد لأنه عندي ممن يضع الحديث الجرح والتعديل 8/الترجمة 92 وقال علي بن المديني سمعت أحمد بن حنبل يقول الواقدي يركب الأسانيد تاريخ بغداد 3/13-16 وقال الإمام مسلم متروك الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال الحاكم ذاهب الحديث قال الذهبي رحمه الله مجمع على تركه وذكر هذا في مغني الضعفاء 2/ الترجمة 5861
قال النسائي في " الضعفاء والمتروكين " المعروفون بالكذب على رسول الله أربعة الواقدي بالمدينة ومقاتل بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام .
===================
شبهة ...انشغاله بالنساء
اختار الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من بين خلقه لحمل آخر الرسالات ، وقد حباه الله من الصفات الحميدة ، والأخلاق الجليلة ما لم يحظ به أحد غيره ، إلا أنه مع ذلك لم يسلم من كيد الكائدين ، ومن كلام المغرضين ، ومن شبهات الحاقدين.
ومن الشبهات التي أثيرت حول شخصه الكريم ، أنه ميّال للنساء ، منشغل بهن ، وقد أكثر منهنّ حتى بلغن إحدى عشرة زوجة !!!ولا شك أن من يقول هذا لا حظ له من معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم ، وليس له أدنى علم بهديه عليه الصلاة والسلام .
ونلخِّص الإجابة على هذه الشبهة الحاقدة بالنقاط الآتية :(10/43)
1- أن زواجه صلى الله عليه وسلم ، لم يكن بهدف التمتع وإشباع الشهوة ، وإن كان ذلك أمراً فطريا ًسائغاً لا يعاب الإنسان به ، وقد كان ذلك سائداً بين العرب آنذاك ، ومع ذلك فإن هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه كان أسمى من ذلك وأعلى ، إذ أراد بتعدد الزوجات الدعوة إلى الله ، ومراعاة مصالح عظيمة اقتضتها الدعوة ؛ كالترابط الأسري الذي فيه اتساع رقعة النسب معه صلى الله عليه وسلم لتنتشر الدعوة ، ومن المصالح تأليف القلوب ، وكفالة اليتامى ، والإحسان إلى الأرامل ، وتعليم النساء أمور دينهن ، ونحو ذلك مما فيه مصلحة عامة ، كما أن من الأسباب أي أسباب التعدد الرغبة في نقل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كافة داخل بيته وخارجه مما لا يستطيع رجل واحد ولا امرأة واحدة نقله أو حصره .
2- أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً إلا زوجة واحدة ، وهي عائشة الصديقة رضي الله عنها ، وغالب من يهدف التمتع يحرص على الأبكار .
3- أنه لم يعدد إلا بعد موت خديجة رضي الله عنها ، وقد بلغ الخمسين من عمره ، ومن أراد التمتع والشهوة فإنه يتزوج قبل هذه السن في الغالب .
4- أنّ المهام العظيمة والأعمال الجليلة التي كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ، كانت تشغل وقته وجهده ، ولم ينشغل بالنساء والملذات عن تلك المهام ، فقد كان داعياً ، ومجاهداً ، ومعلماً ، وحاكماً ، وقاضياً ، وعابداً يقوم حتى تتفطر قدماه ، ويكثر من الصيام ، ولم يقصّر في جانب على حساب الآخر .
5- أن التعدد في الزواج ليس مما يعاب به الأنبياء ، وقد عدد الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة ثم هاجر ، و يعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة ، و داود عليه السلام تزوج نساء كُثر .
6-أن فساد مثل هذه الشبه قد تنبه له بعض العقلاء من الأعداء أنفسهم ، أمثال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الذي قال : " وما كان محمد أخا الشهوات ، برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ...ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملذات ".
وهكذا - عزيزي القارئ - نجد أن هذه الشبهة لا ينهض بها دليل من عقل ولا واقع ، وهي ساقطة الاعتبار من كل وجه، ولا تأثير لها على شخصية كملت من جوانبها كافة ، ونُقلت أوصافها الدقيقة ، فمهما حاول الحاسدون فلن ينالوا منها بإذن الله ، والله تعالى أعلم
===================
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم زعيما سياسيا أو مصلحا اجتماعيا فحسب؟
قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.
وقامت نظرية أخرى مغايرة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً يطمح إلى الملك والسيطرة على مقاليد الأمور ، فوضع لنفسه خطة تعتمد على تجميع الناس من حوله والتغرير بهم من منطلق هذا الدين الجديد ، وساعدته في ذلك الظروف الاجتماعية التي وُجد فيها ، حيث كان الناس في أمس الحاجة إلى نظام يلمّ شتات العرب ، ويجمعهم على كلمة واحدة ، بعد أن أنهكتهم الحروب ، وذاقوا مرارة الفقر والحرمان ، وهكذا التفّ العرب حوله وانضمّوا تحت لوائه ، وقبلوا دعوته التي أتى بها .
ومن المعلوم أن الدعوة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم تشمل ما ذكروه من جوانب السياسة والإصلاح ، لكن المشكلة تكمن في الاقتصار على هذه الجوانب ونزع الطابع النبويّ منها ، وإلباسها ثوباً ماديّا مجرداً .
ولتعرية هذه الآراء المنحرفة وبيان بطلانها ، سنقوم بعرض هذه الآراء على الواقع التاريخي وفق ما يقتضيه المنهج العلمي ، ثم لننظر هل سيسعفهم ذلك في الوصول إلى رؤيتهم المادية أم لا ؟ .
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟
أولا : إن اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحزم والثبات ، وعدم تقديم أية تنازلات لينفي قطعا مثل هذا الادعاء ؛ إذ إن من صفات السياسيين أن يدوروا في فلك مصالحهم الشخصية ، وما يقتضيه ذلك من الاتصاف بالمرونة في التنازل عن بعض الثوابت أو شيء من المباديء .(10/44)
لكن الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على النقيض من ذلك ، ولذلك نجد موقفه واضحاً من الأعرابي الذي قدم إليه ليبايعه ، كما رواه الحاكم في مستدركه و البيهقي في سننه عن ابن الخصاصية رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام ، فاشترط علي : ( تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وتصلي الخمس وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة وتحج البيت ، وتجاهد في سبيل الله ) ، قال : قلت : يا رسول الله ، أما اثنتان فلا أطيقهما : أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم ، وأما الجهاد فيزعمون أنه من تولّى فقد باء بغضب من الله ؛ فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ، ثم قال : ( لا صدقة ولا جهاد ؟ فبم تدخل الجنة ؟؟ ) قال : ثم قلت يا رسول الله ، أبايعك . فبايعني عليهن كلهن ".
كذلك يستوقفنا ما رواه الإمام أحمد و ابن حبان وغيرهما عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، يقول الصحابي الجليل : " وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى ) : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } ( الأعراف : 138 ) .
ويتضح من ذلك الموقف وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى بالحلول الوسطية ، أو الالتقاء في منتصف الطريق ، وذلك نابع من طبيعة الهدف الذي بُعث لأجله ، إنه رسول من الله تعالى إلى الناس جميعاً ، ومهمته هي تبليغ الإسلام إلى الناس ، فليس في يده أن يقبل مناهج مقترحة أو أفكاراً بديلة عن الشرع الإلهي ، وذلك أمر في غاية الوضوح .
ثانيا : إن ميول الإنسان ومعالم شخصيته تتضح في وقت مبكر من حياته ، وهذه الميول تتنامى لتكوّن القالب الذي يميّز الفرد عن غيره ، ولنضرب مثلا بشخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، ف معاوية نشأ في بيت زعامة سياسية ، وأبوه هو أبو سفيان الذي هو زعيم قريش ، وقد ظهرت فيه سمات النفس القيادية ، لذلك قالت أمه عنه في صغره: " ثكلته إن لم يسد إلا قومه ".
بينما عاش النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً خفيض الجناح ، راعياً للغنم – لا الإبل –، وانظر وتأمل هذا النبي الكريم لما رأى رجلاً مقبلاً يرتعد رهبة منه ، فقال له: ( هوّن عليك ؛ فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) .
وثمة أمر آخر ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه ما كان داعياً لنفسه ، ولا اشتُهر عنه الشعر – والذي هو أهم وسيلة إعلامية دعائية في ذلك العصر - ، ولو كان مريداً ابتداءً للحكم ، لهيأ أرضيةً لدعوته بالشعر ، ولدعا الناس إلى نفسه .
ثالثا : من المعلوم أن مكة ومن حولها كانت وثنية من جهة ، متغلغلة في أوحال الفقر من جهة أخرى ، ومرجع الفقر الذي ألمّ بها إلى السياسة التي انتهجها اليهود مع العرب في إغراقهم بالربا ، إلى حدٍّ أذلوا بها أعناقهم .
ومن البداهة والحال هذه أن يتّخذ النبي صلى الله عليه وسلم أقصر الطرق للوصول إلى الحكم ، بأن يعلنها حرباً على اليهود مستغلاً روح الكراهية التي تنامت في نفوس المكيّين كردّة فعلٍ تجاه هذا الظلم والاستبداد ، مع ضرورة السكوت عمّا يثير قومه عليه من ذم الأوثان والأصنام أو النيل من مكانتها .
لكن العجيب في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أصعب الطرق وأكثرها وعورة في حياته ، لقد كانت مبدأ دعوته هي نبذ الأصنام وتسفيهها ، الأمر الذي أدّى إلى كراهية قومه – الذين هم أولى الناس بنصرته – لهذه الدعوة الجديدة ، فكان التعذيب له ولأصحابه وتشريدهم عن ديارهم ، وكل ذلك يدلّنا أن مقصده لم يكن له علاقة بالتملك والسيطرة ، إنما هو في إخراج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد .
رابعا : إن الملوك المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ممن هم ساسة للأمم كانوا مدركين لطابع النبوة في شخصيّته ، ويتضح هذا من خلال مواقفهم التي اتخذوها تجاه هذه الدعوة الجديدة ، واعترافاتهم التي سجّلوها في هذا الصدد ، وأقرب مثالين على ذلك ، موقف كل من النجاشي وهرقل ، أما النجاشي ملك الحبشة ، فنحن نعلم ما وصل إليه من حسن سياسة لشعبه وما أداه ذلك من تهافت الناس لسكنى أرضه ، ونعلم أيضاً اتصاله بالديانة المسيحية من خلال الأساقفة الذين كانوا بأرضه ، وعلى الرغم من ذلك ، فلم يفهم من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الرغبة في الزعامة السياسية ، بل تجاوز ذلك إلى الإيمان بدعوة هذا النبي ، أتراه يذعن لرجل يطمح إلى الزعامة المجردة ، في وقت لم يكن ذلك الرجل يملك من أمر نفسه ولا من أمر أصحابه شيئا ؟(10/45)
إن زعيم الحبشة ، قد استمع إلى كلام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة الدين الذي جاء به ، فرأى أنوار النبوة تنبثق من سيرته العطرة ، وعلم أنه من ذات المشكاة التي أتى منها موسى عليه السلام ، فقال : " إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة " .
كذلك الشأن في هرقل عظيم الروم ، والذي استطلع شأن هذه الدعوة الجديدة في وقت مبكر ، من خلال محاورة هامة دارت بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش ، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح أن هرقل قال ل أبي سفيان : " إنى سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال هذا القول أحد منكم قط قبله ؟ ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت : رجل يأتم بقول قيل قبله ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ ، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ ، فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك هل يرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب ، لا يسخطه أحد ، وسألتك هل يغدر ؟ ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل ، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ ، فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل تبتلى ويكون لها العاقبة ، وسألتك بماذا يأمركم ؟، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله عز وجل وحده لا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق والصلاة والعفاف، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه منكم ".
خامسا : لو كان الملك غايته ، لكان في عرض قريش له أن يجعلوه ملكا طريقاً مختصراً لهذه الغاية ، لكنه أبى ذلك ، وتمسك بمبدأ نبوته ، مما ينفي صحة هذا الادعاء .
سادسا : أنه يوجد في التاريخ نموذج لرجل ادعى النبوة ليجعلها سبباً في التملك والزعامة ، هذا الرجل هو مسيلمة بن ثمامة المعروف بمسيلمة الكذاب ، ونريد بتسليط الضوء على حياة هذا الرجل أن نبيّن أن استغلال النبوة للوصول إلى السلطة أمر لا يمكن أن يخفى على عقلاء الناس ، ولا أن يلتبس شأنه على عامتهم ، وهو ما سوف نوضحه في الفقرة التالية .
إننا عندما نقرأ سيرة هذا الرجل ، فإننا نجد أن أصل حركته وادعائه للنبوة إنما كان مبنيا على حب السلطة والتملك ، ونلمس هذا مبكراً عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدّعي النبوة ، فقد روى الإمام البخاري و مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : قدم " مسيلمة الكذاب " على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " ، وبعد أن ادّعى النبوة كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم – كما في مسند أبي عوانة - : " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد ، فإني أُشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً يعتدون " ، ولما كان مسيلمة طامعاً في الحكم ، استغلّ الروح العصبية في قومه فقام بإذكائها حتى يُكثر من أتباعه ، فلننظر إليه عندما خطب الناس قائلا : " أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحق بالنبوة والإمامة منكم ؟ والله ما هم بأكثر منكم ولا أنجد ، وإن بلادكم لأوسع من بلادهم ، وأموالكم أكثر من أموالهم " ، وكان كذبه من الجلاء بحيث أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال له قبل إسلامه : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب ، وقال أحد أتباع مسيلمة – وهو طلحة النمري – له : أشهد أنك كاذب وأن محمداً صادق ، ولكن كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر ".
فها نحن نرى مسيلمة قد اتضح قصده من خلال مواقفه وكلامه ، فأين هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شهد له معاصروه بنبوته ورسالته ؟ ، إن ذلك مما لا يخفى على كل منصف عاقل .
سابعا : تطالعنا كتب السير بحادثة فريدة تكشف بطلان ما زعمه المستشرقون حول طبيعة الدعوة الإسلامية ، وذلك حينما انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ، فقال الناس : انكسفت لموت إبراهيم ، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ) متفق عليه .(10/46)
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله معلقاً على هذه الحادثة : " لو كان مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة الحزينة أي داعٍ من الدعاة ، أو زعيم من الزعماء ، أو قائد دعوة أو حركة أو جماعة ، لسكت على هذا الكلام – إذا لم يوفّق إلى نفيه – ظناً منه أن ذلك الكلام إنما هو في صالح دعوته وحركته ، وظنّ أنه لم يسترع الانتباه إلى هذه الناحية ، بل إن الناس بأنفسهم فكّروا في ذلك ، وقالوا : إن الشمس انكسفت لوفاة ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذاً فهو ليس بمكلف بنفي هذا التفكير .
وذلك هو الفرق بعينه بين النبي وغيره ، فإن الأحداث التي يستغلها أصحاب التفكير السياسي – وإن كانت حوادث طبيعية – يرى الأنبياء الكرام عليهم السلام أن استغلالهَا على حساب الدين حراماً ، وأمراً يرادف الكفر ، ولا أدري أن أحداً سوى محمد صلى الله عليه وسلم قد صدق في هذا الامتحان من غير مؤسسي الجماعات وزعماء السياسة " انتهى كلامه بتصرّف .
فانظر أيها القاريء الكريم كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم ربط الناس بشخصه أو تطويع هذه الحادثة لمصلحته ، بل انظر كيف قام بترسيخ البعد العقائدي في مثل هذه الحوادث الكونية ، مما ينفي قطعاً كونه مجرد زعيم سياسي .
ثامنا : كل الشعوب ترى من حق قائدها أن يتملّك الأراضي ويتمتّع بالمال ويتقلّب في النعيم ، فكان من الطبيعي أن يشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم الثراء وأن يظهر ذلك في بيته وملبسه ومسكنه ، لكننا نفاجأ ببساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومدى زهده ، حتى أثّر ذلك في أصحابه رضوان الله عليهم ، وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثر الحصير في جنب النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يبكيك ؟ ) ، فقال : "يا رسول الله ، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت رسول الله " ، فقال له : ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ ) رواه البخاري ، فلماذا نراه يفضّل شظف العيش وقسوة الحياة على رغدها لو لم يكن متطلّعاً إلى ما عند الله من ثوابه ونعيمه ؟ .
تاسعا : جاءت وفود الأنصار عند العقبة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وعلى الدفاع عنه حتى الموت ، فما المقابل الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب هذه البيعة ؟ إنه لم يكن مالاً يبذله لهم ، أو وعوداً على مناصب قياديّة ، أو أمانيّ في رقاع من الأرض ، لكنه سما بهم عن كل حطام الدنيا وبشّرهم بالجنة ، والملفت للنظر أنهم لم يطالبوا بشيء من هذه الأموال ، ولكن تدافعوا للبيعة وهم يعلمون أنهم قد يدفعون أرواحهم ثمناً لهذه البيعة ، ولو كان هؤلاء القوم لم يلمسوا فيه صدق دعوته لما واقفوا على مثل تلك البيعة ، فأيّ شيء يغريهم على الموت في مقابل غير معلوم ؟ لا شك أن هذا يعد دليلاً على صدقه .
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً اجتماعيا ؟
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمّم مكارم الأخلاق ، ويضيف إلى الإنسانية الكثير من المعاني السامية ، والمثل العليا ، وإن البعد الأخلاقي في مبادئه واضح بلا مراء ، لكن أن يحلو للبعض أن يفسّر دعوته بانتحال النبوة ، والاحتيال باسم الدين ، كي يسهم في انتشال قومه من الانحلال الخلقي ، ومحاربة الهيمنة القبلية ، فهذا ما لا يقوله عاقل منصف ، عرف التاريخ ، أو اطلع على جزء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
والنقاط التالية تبيّن تهافت تلك الفرية ، وأنها لا تعدوا أن تكون أفكاراً نابعة من نفوس مغرضة :
أولاً : إن جوانب الحياة الاجتماعية تشمل عدة أبعاد : البعد المنظّم لعلاقة الإنسان بنفسه ، والبعد المنظم لعلاقته بمن سواه ، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم مجرّد مصلحٍ اجتماعي لكان تركيزه الأعظم على هذين البعدين ، بينما نرى في الواقع أن العماد الحقيقي الذي قامت عليه دعوته هو بُعد أعمق من القضيتين السابقتين ، إنه البُعد العقدي ، والمتمثل في علاقة الإنسان بخالقه ومولاه .
لقد تركّزت الدعوة الإسلامية في أكثر مظاهرها بالعبادة وتوحيد الله جلّ وعلا ، وهذا البعد ليس له علاقة مباشرة بالإصلاح الاجتماعي ، فما بال النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بعبادة الله وحده ؟ وما علاقة الأخلاق بتحمّل أعباء تكاليف تُشغل بمجملها حياة الإنسان اليومية ؟ .
وهنا قد يقول المستشرقون : إن لهذه التكاليف أثراً في ترويض الروح على الفضيلة ، لكن هذا لا يتماشى مع النهي عن عبادة الأصنام ، ولا مع وجوب البراءة من الكفر والكافرين ، مما يجعلنا نقطع بتهافت مثل هذا الرأي .(10/47)
ثانياً : إن هذا التفسير النظري ليقف عاجزاً عن تفسير بكاء الصحابة العائدين من الغزوات إذ لم تُكتب لهم الشهادة ، ويقف عاجزاً كذلك عن تفسير حرصهم على قتال ذويهم وبني جلدتهم ، حتى ترى الوالد يقتل ولده ، والأخ يقتل أخاه ، كل ذلك في سبيل هذه الدعوة الجديدة ، كما أن هذه النظرية لتعجز عن تفسير رضا المهاجرين أن يتركوا ديارهم وأموالهم ، ويختاروا مفارقة الأوطان ، إلى مصير غير معلوم ، لو لم يعلموا يقيناً بنبوته صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : إن المتطلّع إلى محتويات الدين الإسلامي يجد فيه العديد من التشريعات المختلفة والأنظمة المحكمة الدقيقة ، خصوصاً ما يتعلّق بجوانب القضاء والإفتاء والحدود ، والشأن في المناهج الأرضية القويّة أن تجتمع عقول كثيرة لكي تخرج بنظام متكامل كهذا النموذج ، لا أن يكون منبع هذا الدستور من رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، منشغلٍ بعبادته والاجتماع بصحابته ، ومثل هذا التصوّر يقتضي أن تكون هذه الشريعة من مصدر سماوي ، لا اجتهادات بشريةٍ عرضة للخطأ والصواب .
ونقول أخيراً : إن الإصلاح الاجتماعي هو قاسم مشترك بين الديانات السماوية والدعوات الأرضية ، كذلك فيما يتعلق بالدعوات السياسية ، فالكل يسعى إلى تحقيق الاستقرار وتنظيم الحياة ، ولكنا حينما نتكلم عن دين أتى من عند الخالق الحكيم فمن البداهة أن يكون أوسع نطاقا وأكمل نظاماً وأشمل منهجاً ، فليس هو بالمقتصر على جانب من جوانب الحياة أو نظام من نظمها .
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن السذاجة أن يوصف الدور الذي قام به خاتم الأنبياء والمرسلين بأنه مجرد عمليات إصلاحية في المجتمع العربي ، أو محاولات لتصدّر الزعامة والسيطرة على مقاليد الحكم في جزيرة العرب ، فلا مناص من الاعتراف بالحق الواضح ، وهو ما عبّر عنه المستشرق " تريتون " بقوله : " إذا صحّ في العقول أن التفسير المادّي يمكن أن يكون صالحاً في تعليل بعض الظواهر التاريخية الكبرى ، وبيان أسباب قيام الدول وسقوطها ، فإن هذا التفسير المادي يفشل فشلاً ذريعاً حين يرغب في أن يعلّل وحدة العرب وغلبتهم على غيرهم ، وقيام حضارتهم ، واتساع رقعتهم وثبات أقدامهم ، فلم يبق أمام المؤرخين إلا أن ينظروا في العلّة الصحيحة لهذه الظاهرة الفريدة ، فيرى أنها تقع في هذا الشيء الجديد : ألا وهو الإسلام " .
تلك هي شهادة شاهد من أهلها ، فأي حجة بعد ذلك تنفع ، إذا كان ما سبق لا يُقنع !!
* من مصادر المقال :
- مجلة المنار : للشيخ محمد رشيد رضا
- شبهات التغريب : الأستاذ أيمن الجندي
الشبكه الاسلاميه
===================
الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام
لا يزال مسلسل الكيد للسنة ورجالها مستمراً ، في مخطط يستهدف دين الإسلام واجتثاث أصوله ، وتقويض بنيانه ، فقد رأينا في مواضيع سابقة جزءاً من الحملات التي تعرضت لها السنة ورجالها بدءاً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتشكيك في عدالتهم وديانتهم ، والطعن فيمن عرف بكثرة الرواية منهم ، ومروراً بكبار أئمة التابعين الذين كان لهم دور مشهود في تدوين الحديث ونشر السنة كالإمام الزهري وغيره .
وما أن فرغ خصوم السنة من ذلك حتى بدؤوا جولة جديدة ، كان الهدف فيها هذه المرة أعظم أصول الإسلام بعد القرآن ، فصوبوا سهامهم نحو الصحيحين ومؤلفيهما ، واتخذوهما غرضاً لحملاتهم وشبهاتهم ، لأن في النيل منهما نيلاً من الإسلام ، ولأن إسقاط الثقة بهما هو في الحقيقة إسقاط للثقة بجملة كبيرة من أحكام الشريعة التي إنما ثبتت بتصحيح هذين الإمامين الجليلين وتلقي الأمة لها بالقبول ، فإذا نجحوا في العصف بهما ، فقد أصابوا الإسلام في مقتل يصعب بعده استمرار الحياة ، ولذلك جعلوا من أهم أهدافهم وأولى أولياتهم إسقاط الثقة بأحاديث الصحيحين ورواتهما بشتى الوسائل ، لتنهار بعد ذلك صروح السنة في غيرهما من الكتب والمصنفات الأخرى ، وقد صرح بذلك بعضهم قائلاً : " ونخصّ الصحيحين بالبحث ، لأنّه إذا سقط ما قيل في حقّهما سقط ما قيل في حق غيرهما بالأولوية " .
وسنعرض لأهم ما أثير حول الصحيحين من شبهات ، وليس المقصود استيفاء كل الشبه الواردة وتفنيدها فهو أمر يحتاج إلى دراسة خاصة لا يتسع لها المقام ، ولكن حسبنا أن نشير إلى أهم الأمور البارزة التي ركز عليها هؤلاء ، سواء ممن ينتسب إلى الإسلام ويحسب على السنة أو ممن ينتسب إلى الفرق الضالة التي لها موقف معروف أصلاً من أحاديث الصحيحين لأنها لا تتفق مع أهوائهم وانحرافاتهم .
فقد ذكروا جملة من الشبه توهن من قوة الصحيحين بزعمهم ، وتثير الريبة في أحاديثهما ، وتحطم الهالة التي نسجت حولهما - كما يقولون - .
انتقاد أحاديث ورجال الصحيحين(10/48)
ومن ذلك أن الصحيحين قد تعرضا للنقد من قبل الأئمة وأن فيهما أحاديث لا تصح وبعضها أمارة الوضع بادية عليه ، أضف إلى ذلك التناقض والتعارض بين بعض أحاديث الصحيحين مما يصعب معه الجمع بينها ، إضافة إلى أن ثمة عدد هائل من رجالهما قد تكلم فيهم بتضعيف أو تجريح ، كما أنهما قد أخرجا أحاديث أناس من أهل البدع لم يسلموا من طعن في عقيدتهم .
يقول " محمود أبو رية " : " إنهم - أي العلماء - أعلوا أحاديث كثيرة مما رواه البخاري و مسلم ، وكذلك نجد في شرح ابن حجر للبخاري و النووي لمسلم استشكالات كثيرة ، وألف عليهما مستخرجات متعددة ، فإذا كان البخاري و مسلم - وهما الصحيحان - كما يسمونها - يحملان كل هذه العلل والانتقادات وقيل فيهما هذا الكلام - دع ما وراء ذلك من تسرب الإسرائيليات إليهما ، وخطأ النقل بالمعنى ، وغير ذلك في روايتهما - فترى ماذا يكون الأمر في غير البخاري و مسلم من كتب الأحاديث " ( أضواء على السنة المحمدية 273- 285) .
ويقول " محمد رشيد رضا " بعد أن عرض الأحاديث المنتقدة على البخاري : " وإذا قرأت ما قاله الحافظ ابن حجر - فيها رأيتها كلها في فن الصناعة ، ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه " فتح الباري " ، رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها ، أو تعارضها مع غيرها - أكثر مما صرح به الحافظ نفسه - مع محاولة - من الحافظ - الجمع بين المختلفات ، وحل المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض " .
وقال : " ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة ، بالمعنى الذي عرفوا به الموضوع في علم الرواية ممنوعة ، لا يسهل على أحد إثباتها ، ولكنه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع ..... وإنّ في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه ....
فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من أصول الدين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه ، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية ، الاطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه - وعلمتم أيضاً أنّ المسلم لا يمكن أن ينكر حديثاً من هذه الأحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده على عدم صحّته متناً أو سنداً ، فالعلماء الّذين أنكروا صحّة بعض هذه الأحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم ، قد يكون بعضها صواباً وبعضها خطأً ، ولا يعدُّ أحدهم طاعناً في دين الإسلام " ( تفسير المنار 10/580) .
وأما " أحمد أمين " فيقول : " إن بعض الرجال الذين روى لهم البخاري غير ثقات ، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين ، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل - لأن بعض من ضعف من الرواة لا شك أنه كذاب ، فلا يمكن الاعتماد على قوله ، والبعض الآخر منهم مجهول الحال ، ومن هذا حاله فيشكل الأخذ عنه . . . ومن هؤلاء الأشخاص الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال عكرمة مولى ابن عباس ويذكر " أحمد أمين "شواهد تاريخية لإثبات كون عكرمة كذاباً ثم يقول : فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في صحيحه كثيرا . . . . و مسلم ترجح عنده كذبه ، فلم يرو له إلا حديثاً واحداً في الحج ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث آخر " ( ضحى الإسلام 2/117 ) .
وقبل الشروع في مناقشة هذه المزاعم ينبغي أن يعلم بادئ ذي بدء أن الأمة قد أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول علماً وعملاً ، وقد نقل الاتفاق وإجماع الأمة على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الإمام أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته في علوم الحديث ، والإمام النووي وغيرهم ، يقول النووي رحمه الله : " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري و مسلم ، وتلقتهما الأمة بالقبول ، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة " ( شرح مسلم 1/14) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخارى و مسلم بعد القرآن " (الفتاوى 18/74) ، ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : " وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، وهما اللذان لا مطعن في صحة حديث من أحاديثهما عند العارفين من أهل العلم " ( مشكلات الأحاديث 158) ، ومن هنا فإن كل من هون من أمرهما ، وغض من شأنهما فقد خالف سبيل المؤمنين ، وسلك سبيل أهل البدع والأهواء .
ونحن لا ننكر أن بعض أحاديث الصحيحين كانت محل انتقاد من قبل بعض المحدثين والحفاظ كالدارقطني وغيره ، ولكن ما هي طبيعة هذا الانتقاد ؟ ، وهل يصح أن يجعل من هذا الانتقاد ذريعة للطعن في أحاديثهما جملة ، وإهدار قيمتهما العلمية والشرعية كما أراد المغرضون ؟! .(10/49)
لقد تعرض العلماء منذ أمد بعيد لهذه الانتقادات وأماطوا اللثام عنها ، وبينوا أنها لا تقدح أبداً في أصل موضوع الكتاب ، فهذا النقد لم يكن من قبل الطعن فيها بالضعف وعدم الصحة ، وإنما كان من قبل أنها لم تبلغ الدرجة العليا التي اشترطها صاحبا الصحيح والتزمها كل واحد منهم في كتابه ، كما يقول الإمام : النووي رحمه الله : " قد استدرك جماعة على البخارى و مسلم أحاديث أخلاَّ بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه " أهـ ( شرح مسلم 1/27) .
وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيه ، ومردُّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في التوثيق والتجريح شأنها شأن المسائل الاجتهادية الأخرى ، وليس بالضرورة أن يكون الصواب فيها مع الناقد بل قد يكون الصواب فيها مع صاحب الصحيح ، يظهر ذلك من خلال سبر الأحاديث المتكلم فيها ، ونقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة العلم.
والعلماء الذين نقلوا إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول استثنوا هذه الأحاديث المنتقدة لأن هذه المواضع مما حصل التنازع فيه ، ولذا لم يحصل لها من التلقي والقبول ما حصل لبقية الكتاب قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته : " وأجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره " . وقال في مقدمة شرح مسلم له - كما نقله عنه الحافظ ابن حجر - :" ما أخذ عليهما يعني على البخاري و مسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ ، فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " ( هدي الساري 505) .
فجَعْلُ انتقاد بعض الأحاديث في الصحيحين - لكونهما أخلا بشرطهما فيها في نظر الناقد مع كونها صحيحة ، وقد يكون الصواب معهما - مبرراً كافياً للتشكيك فيهما ، ورد أحاديثهما جملة ليس مسلك المنصفين ، وإنما مبناه الهوى والتعصب .
وقد كفانا أئمة الإسلام وحفاظ الأمة الذين اشتغلوا بالصحيحين ، وأفنوا فيهما أعمارهم بحثاً وشرحاً وتدريساً وتتبعاً وسبراً لأحاديثهما - مؤونة الرد على هذه الشبهة ودحضها .
فقد ذكر الإمام الحافظ ابن حجر - في مقدمة الفتح - أن عدد ما انتقد عليهما من الأحاديث المسندة مائتا حديث وعشرة ، اشتركا في اثنين وثلاثين حديثاً ، واختص البخاري بثمانية وسبعين و مسلم بمائة ، وهذه الأحاديث المنتقدة إن كانت مذكورة على سبيل الاستئناس والتقوية ، كالمعلقات والمتابعات والشواهد ، أجيب عن الاعتراض عليهما بأنها ليست من موضوع الكتابين ، فإن موضوعهما المسند المتصل ، ولهذا لم يتعرض الدارقطني في نقده على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر ، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتابين ، وإنما ذكرت استئناساً واستشهاداً ، وإن كانت من الأحاديث المسندة ، فإما أن يكون النقد مبنياً على قواعد ضعيفة لبعض المحدثين خالفهم فيها غيرهم فلا يقبل لضعف مبناه ، وإما أن يكون مبنياً على قواعد قوية فحينئذ يكون قد تعارض تصحيحهما أو تصحيح أحدهما مع كلام المعترض ، ولا ريب في تقدمهما في باب التصحيح والتضعيف على غيرهما من أئمة هذا الفن ، فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث ، وعنه أخذ البخاري ذلك ، ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول : " ما رأى مثل نفسه " ، وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري ، وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعاً ، وقال مسلم : عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته ، فإذا عرف ذلك تبين أنهما لا يخرّجان من الحديث إلا ما لا علة له ، أو له علة غير مؤثرة عندهما ، وهذا هو الجواب الإجمالي .
وأما الجواب التفصيلي فقد قسَّم الحافظ الأحاديث المنتقدة إلى ستة أقسام ، تكلم عليها ثم أجاب عنها حديثاً حديثاً :
القسم الأول : ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإِسناد ، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة ، وعلله الناقد بالطريق الناقصة ، فهو تعليل مردود ، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر ، لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه ، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع ، والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح، ومن أمثلة ذلك : ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين ، قال الدارقطني في انتقاده : قد خالف منصور ، فقال عن مجاهد عن ابن عباس ، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس ، قال وحديث الأعمش أصح ، وهذا في التحقيق ليس بعلة ، فإن مجاهداًً لم يوصف بالتدليس ، وقد صح سماعه من ابن عباس ،و منصور عندهم أتقن من الأعمش ، و الأعمش أيضاً مِن الحفاظ ، فالحديث كيفما دار دار على ثقة ، والإِسناد كيفما دار كان متصلاً ، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا .(10/50)
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة ، وعلله الناقد بالمزيدة ، تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ، فيُنْظر : إن كان الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكاً بيناً ، أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى ، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك ، وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهراً ، فمحصل الجواب أنه إنما أخرج مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد ، وحفته قرينة في الجملة تقويه ، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع ، مثاله : ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة ، أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - قال لها : ( إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ) الحديث ، قال الدارقطني : هذا منقطع ، وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ، ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك ، قال الحافظ : حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان ، وقد وقع في رواية الأصيلي عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصلاًً ، وعليها اعتمد المزّي في الأطراف ، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب ، قال أبو علي الجياني : وهو الصحيح ، وكذا أخرجه الإِسماعيلي بإسقاطها من حديث عبدة بن سليمان ، و محاضر و حسان بن إبراهيم ، كلهم عن هشام وهو المحفوظ من حديثه .
وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ، ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها ، حاكياً للخلاف فيه على عروة كعادته ، مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمستبعد .
وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع ، لكونها مروية بالمكاتبة والإِجازة ، وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك ، بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده .
القسم الثاني : ما يختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإِسناد ، والجواب عنه : أنه إن أمكن الجمع ، بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما ، حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد ، أو متفاوتين ، فيخرج الطريقة الراجحة ، ويعرض عن المرجوحة ، أو يشير إليها .
فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح ، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف .
القسم الثالث : ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه ، أو أضبط ، وهذا لا يؤثر التعليل به ، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، وإلا فهي كالحديث المستقل .
القسم الرابع : ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف ، وليس في الصحيح من هذا القبيل غير حديثين تبين أن كلاً منهما قد توبع :
أحدهما : حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه : " أن عمر استعمل مولى له يدعي هنياً على الحمى " الحديثَ بطوله ، قال الدارقطني : إسماعيل ضعيف ، قال الحافظ : ولم ينفرد به ، بل تابعه معن بن عيسى عن مالك ، ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره ، وقال أحمد و ابن معين في رواية : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وإن كان مغفلاً ، وقد صح أن أخرج البخاري أصوله ، وأذن له أن ينتقي منها ، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه ، لأنه كتب من أصوله ، وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري .
ثانيهما : حديث أبيّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده ، قال : " كان للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - فرس يقال له اللحيف " ، قال الدارقطني : " أبيّ ضعيف " ، قال الحافظ ابن حجر : تابعه عليه أخوه عبد المهيمن .
القسم الخامس : ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم ، فمنه ما لا يؤثر قدحاً ، ومنه ما يؤثر
السادس : ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن ، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح ، لإِمكان الجمع أو الترجيح .
ثم أخذ يجيب عن الأحاديث المنتقدة حديثاً حديثاً بما يرد عنها كل انتقاد ، ويبين أن الصواب فيها مع المصنف لا مع المنتقد ، ثم قال رحمه الله : " هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد ، المطلعون على خفايا الطرق ، وليست كلها قادحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر ، والقدح فيه مندفع ، وبعضها الجواب عنه محتمل ، واليسير منه في الجواب عنه تعسف ، كما شرحته مجملاً في أول الفصل ، وأوضحته مبيناً أثر كل حديث منها ، فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه ، وجل تصنيفه في عينه ، وعذر أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم ، وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم ، وليس سواء من يدفع بالصدر فلا يأمن دعوى العصبية ، ومن يدفع بيد الإنصاف على القواعد المرضية ، والضوابط المرعية .
وأما الإرجاف والتهويل بأن الحفاظ قد ضعفوا من رجال البخاري نحواً ثمانين " ، وبعضهم كذاب وبعضهم مجهول الحال ، والتمثيل لذلك بعكرمة مولى ابن عباس .(10/51)
فلربما استهول القارئ غير المطلع هذا الكلام ، مع أنه لو تدبر حال أولئك الثمانين واستقرأ ما أخرجه البخاري لهم لاتضح له أن الأمر أهون مما أراد أن يصوره هؤلاء .
فقد بين الحافظ في ( مقدمة الفتح 548) أنه من الأمور المعلومة عند أئمة هذا الشأن أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو يقتضي عدالته عنده ، وصحة ضبطه وعدم غفلته ، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ، هذا إذا خرج له في الأصول ، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق ، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره ، مع حصول اسم الصدق لهم ، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً ، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام ، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي ، وفي ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه ، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح ، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة ، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه " ، فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة .
ثم بين أن مدار أسباب الجرح على خمسة أشياء : البدعة ، أو المخالفة ، أو الغلط ، أو جهالة الحال ، أو دعوى الانقطاع في السند ، بأن يدعى في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل .
فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح ، لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفا بالعدالة ، فمن زعم أن أحداً منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف ، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته ، لما مع المثبت من زيادة العلم ، ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلا .
وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل ، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له : إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمَد أصلُ الحديث لا خصوص هذه الطريق ، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله ، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء ، وأما إن وصف بقلة الغلط كما يقال " سيئ الحفظ " أو " له أوهام " أو " له مناكير " وغير ذلك من العبارات فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك .
وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط والصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى ، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ، فهذا شاذ ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكراً ، وهذا ليس في الصحيح منه إلا نزر يسير ، وقد تعرض الحافظ لكل هذه الأحاديث عند الكلام على الأحاديث المنتقدة ، وانتصر فيها لصاحب الصحيح وبين أن الصواب معه وليس مع المنتقد .
وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من اشتراطه اللقاء مع المعاصرة وربما أخرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب أصلاً ليبين سماع راوٍ من شيخه لكونه أخرج له قبل ذلك معنعناً .
وهي مدفوعة كذلك أيضاً عمن أخرج لهم مسلم فإنه اشترط مع المعاصرة إمكان اللقاء ، وأن لا يكون المرسل ممن عرف بالتدليس والإرسال ، فمثل هذا لا يخرج له في الصحيح ، وما وجد فيهما من أحاديث فيها عنعنة من عرف بالتدليس والإرسال فمحمول على وجود طرق أخرى فيها التصريح بالسماع والتحديث .
وأما البدعة : فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفَّرُ بها أو يفسق ، فالمكفَّر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الأئمة - كما في غلاة الروافض - من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره ، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، أو غير ذلك ، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة .
والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو ، وغيرهم من الفرق والطوائف المخالفة لأصول السنة خلافاً ظاهراً ، لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ .
فهذا هو الذي وقع الخلاف في قبول حديثه إذا كان معروفاً بالتحرز من الكذب ، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة ، موصوفاً بالديانة والعبادة .(10/52)
والمذهب الأعدل - كما قال الحافظ - التفريق بين أن يكون داعية إلى بدعته أو غير داعية ، فيقبل حديث غير الداعية ، ويرد حديث الداعية ، وزاد بعضهم قيداً : وهو ألاَّ تشتمل رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينها ويحسنها ، وأن لا يوافقه غيره في رواية هذا الحديث ، فإن وافقه غيره فلا يلتفت إلى حديث المبتدع إخماداً لبدعته ، وإطفاءً لناره ، وأما إذا لم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما عرف به من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين ، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته ، فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته ، ومن هذا القبيل إخراج صاحبا الصحيح لجماعة ممن رموا ببعض بدع العقائد كالخوارج والإرجاء والقدر والتشيع ، وقد سرد الحافظ رحمه الله أسماءهم في فصل مستقل ( مقدمة الفتح 646) .
ومما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً أن الطعن قد يقع بما لا أثر له في الرواية ، كما عاب قوم من أهل الورع جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم بذلك ، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط ، وأبعد من ذلك التضعيف الذي يقع من باب التحامل بين الأقران ، أو تضعيف من ضعف من هو أوثق منه ، أو أعلى قدراً ، أو أعرف بالحديث ، فكل هذا غير مقبول ولا يعتبر به ، وقد ذكر الحافظ رحمه الله ما وقع في الصحيح من ذلك ، وسرد جميع أسماء من ضعفوا بأمر مردود غير مقبول . (مقدمة الفتح 654) .
وأما رجال البخاري المتكلم فيهم ، فقد عقد الحافظ رحمه الله فصلا مستقلا للكلام عليهم رجلاً رجلاً ، مع حكاية الطعن ، والتنقيب عن سببه ، والجواب عن ذلك بما يكفي ويشفي ، كما فعل في الأحاديث المنتقدة تماماً .
ومن ذلك على سبيل المثال أنه ذكر في أولهم ممن اسمه أحمد تسعة نفر اختلف فيهم ، وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم ، فثلاثة منهم اتضح بأنهم ثقات ، وأن قدح من قدح فيهم ساقط ، وثلاثة فيهم كلام إنما أخرج لكل واحد منهم حديثاً واحداً متابعة ، يروي البخاري الحديث عن ثقة أو أكثر ، ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه ، واثنان روى عن كل منهما أحاديث يسيرة متابعة أيضاً ، والتاسع أحمد ابن عاصم البلخي ليس له في الصحيح إلا موضع واحد ، ورد في رواية المستملي عند تفسير (( الجذر والوكْت )) في باب في باب رفع الأمانة من كتاب الرقاق ، وليس حديثاً مسنداً .
وإذ قد عرفت حال التسعة الأولين فقس عليهم الباقي ، وإن شئت فراجع وابحث يتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة ، وحسبك أن رجال البخاري يناهزون ألفي رجل ، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم .
وأما فيما يتعلق بإخراج البخاري لحديث عكرمة مولى ابن عباس ورميه بالكذب ، فإن ترجمة عكرمة موجودة في الفتح فليراجعها من أحب ، وأما البخاري فقد كان الميزان بيده ، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة إن حدَّث به ، فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم ، فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات ، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره ، بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعضاً ، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر .
فتيبن للبخاري أنه ثقة ، ثم تأمَّلَ ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له ، والزعم بأن مسلماً ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج ، ولم يعتمد فيه عليه وحده ، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير ، قول متناقض في الحقيقة ، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب ، لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح ، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره ، فلم يتبين له ما تبين للبخاري ، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة .
وأما الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم فقد أجاب عنها واحداً واحداً جهابذة من أئمة الحديث ذكرهم الإمام السيوطي في ( تدريب الراوي 1/94) فقال : " ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفاً مخصوصاً فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته ، وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتاباً في الرد عليه ، وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها في إرسال وانقطاع ، وبعضها وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة ، وقد ألف الرشيد العطار كتاباً في الرد عليه والجواب عنها حديثاً حديثاً وقد وقفت عليه . أهـ .
وفيما يتعلق بإخراج مسلم لبعض الضعاف والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح ، مما يخل بشرطه ، فجواب ذلك من أوجه ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/96) ، ونقلها عنه النووي في شرحه ( 1/24) :(10/53)
أحدها : أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ، ولا يقال : الجرح مقدَّم على التعديل ، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسرَ السبب ، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك ، وقد قال الخطيب البغداي : ما احتج البخاري و مسلم و أبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم ، محمولٌ على أنه لم يثبت الطعن المؤثرُ مفسَّرَ السبب .
الثاني : أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد ، لا في الأصول ، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسنادٍ نظيف ، رجاله ثقات ، ويجعله أصلا ، ثم يتبعه بإسنادٍ آخر ، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة ، أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قَدَّمه ، وقد اعتذر الحاكم بالمتابعة والاستشهاد في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح ، منهم مطر الوراق و بقية بن الوليد و محمد بن إسحاق بن يسار و عبد الله بن عمر العمرى و النعمان بن راشد ، وأخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين .
الثالث : أن يكون ضعف الضعيف الذى احتج به طرأ بعد أخذه عنه ، باختلاط حدث عليه ، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته ، كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب حيث ذكر الحاكم أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين ، أي بعد خروج مسلم من مصر ، فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة و عبدالرازق وغيرهما ممن اختلط آخراً ، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك .
الرابع : أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ، ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك ، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً ، وهو خلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولاً ثم أتبعه بمن دونهم متابعة ، وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته ، فقد روي عن سعيد بن عمرو البرذعى أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر صحيح مسلم وإنكار أبي زرعة عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر و قطن بن نسير و أحمد بن عيسى المصري ، وأنه قال أيضاً : يطرق لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا : إذا احتج عليهم بحديث : ليس هذا في الصحيح ، قال سعيد بن عمرو : فلما رجعت إلى نيسابور ، ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال لي مسلم : إنما قلت : " صحيح " ، وإنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد ، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات .
قال سعيد : وقَدِم مسلم بعد ذلك الريّ ، فبلغني أنه خرج إلى أبى عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب ، وقال له نحواً مما قاله لي أبو زرعة : إن هذا يطرق لأهل البدع ، فاعتذر مسلم وقال : إنما أخرجت هذا الكتاب ، وقلت " هو صحاح " ، ولم أقل : " إن ما لم أخرجه من الحديث فى هذا الكتاب فهو ضعيف " ، وإنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعاً عندي ، وعند من يكتبه عنى ، ولا يرتاب فى صحته ، فقبل عذره وحمده .
وأما ما يتعلق باستشكال بعض الأحاديث أو عدم إمكانية الجمع بينها من قبل بعض الشراح ، فليس فيه دليل أبداً على بطلانها ، فالناس تختلف مداركهم وأفهامهم ، خاصة إذا كان المستشكل يتعلق بأمر غيبي لقصور علم الناس في جانب علم الله وحكمته .
وفي القرآن نفسه آيات كثيرة يشكل أمرها على كثير من الناس ، وآيات يتراءى فيها التعارض ، مع أنه كله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهل يعد ذلك طعناً في القرآن .
وهل ما استشكله النووي أو الحافظ ابن حجر ، حكما عليه بالضعف وعدم الصحة ، حتى يتخذ ذلك وسيلة للطعن في الصحيحين ؟ أم هو الادعاء الباطل الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة ؟ وقد رأيت كيف دافع هذان الإمامان عن أحاديث الصحيحين بما لا يدع مجالاً لطاعن فيهما .
وبعد ، فهذا كلام أئمة الدنيا ، وجهابذة المحدثين في زمنهم الذين اشتغلوا بالصحيحين ، وسبروا أحاديثهما ورجالهما ، وأفنوا فيهما أعمارهم وأوقاتهم ورحلاتهم ، فهل بعد كلام الأئمة يقبل قول لقائل أو متخرص ، يأتي في أعقاب الزمن ليطلق الأحكام جزافاً ، وليتهم جميع هذه الأمة التي أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول ، وجلالة المُصَنِّفَيْن في هذا الشأن .(10/54)
تعرض الإسلام من قديم الزمان لهجوم عنيف من قبل خصومه وأعدائه ، وهؤلاء الأعداء منهم الظاهر الواضح في عدائه ، ومنهم المستتر غير المجاهر ، وبلية الإسلام بهؤلاء أشد وأنكى ، لأنهم يظهرون بمظهر الناصح المشفق ، في الوقت الذي يضمرون فيه الكيد ، ويبطنون له العداء ، وينسجون حوله خيوط الافتراءات والأكاذيب ، متبعين في ذلك وسائل وأساليب خفية لتحقيق ما يرمون إليه من أغراض ومقاصد خبيثة ، فتارة عن طريق التشكيك في السنة ، ومصادرها ، ورجالها بدعوى الانتصار لآل البيت وإظهار الحب والتودد لهم ، وتارة عن طريق اختلاق الروايات ، ووضع الأحاديث ، وتحريف النصوص الشرعية ، بما يتفق مع بدعهم وأهوائهم .
وإذا كنا قد قدَّمنا في الجزء الأول من هذا الموضوع ما يتعلق بالرد على بعض الانتقادات التي وجهت إلى الصحيحين من قديم الزمان ، فسنقف في هذا الجزء مع أبرز الأمور التي اتكأ عليها وأثارها صاحب كتاب " أضواء على الصحيحين " وزعم بأنها أدلة كافية بزعمه توجب ضعف الصحيحين والتشكيك فيهما .
هل مات البخاري قبل أن يبيض صحيحه؟!
فمن الشبه التي استدل بها على ضعف أحاديث البخاري وعدم الاعتماد عليهما ، أن البخاري رحمه الله مات قبل أن يبيض صحيحه ، فكان إتمامه على يد غيره ، مستشهداً بكلام المستملي أحد رواة البخاري - والذي نقله عنه الحافظ بن حجر في ( مقدمة الفتح صـ11) - أنه قال : " انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض .
قال أبو الوليد الباجي : ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير ، مع أنهم انتسخوا من أصل احد ، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه ، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث )) .
وهذه الشبهة ليست من كيسه فقد رددها قبله " أبو رية " ، والغرض من هذا الكلام إيهام القارئ أن الإمام البخاري ترك كتابه مسودة ، ومن شأن المسودات أنها لم تنقح ، ومن شأن عدم التنقيح أن يأتي الكتاب على غير ما يرام ، كل ذلك ليخلصوا إلى ما يريدون من التشكيك في منزلة أحاديث الصحيحين .
وليس في كلام المستملي و الباجي ما يشهد لذلك إطلاقاً ، فإن البخاري رحمه الله لم يمت إلا بعد أن نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب ، وهذا النقل الذي ذكره الحافظ ، إنما هو في شأن التراجم التي بيضها البخاري أي ذكرها ، ولم يذكر فيها حديثاً ، أو الأحاديث التي ذكرها ولم يذكر لها باباً ، بل إن هذا النقل يدل على أن صحيح البخاري كان مدوناً في أصل محرر .
وهذه المواضع على ثلاثة أنواع كما ذكر ذلك المعلمي رحمه الله في ( الأنوار الكاشفة 257) :
الأول : أن يثبت الترجمة وحديثاً أو أكثر ، ثم يترك بياضاً لحديث كان يفكر في زيادته ، وإنما أخَّر ذلك لسبب ما ، ككونه كان يحب إثباته كما هو في أصله ، ولم يتيسر له الظفر به حينئذ .
الثاني : أن يكون في ذهنه حديث يرى إفراده بترجمة ، فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث على لما سبق .
الثالث : أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضاً للترجمة ، لأنه يُعْنى جداً بالتراجم ، ويضمنها اختياره ، وينبه فيها على معنى خفي في الحديث ، أو حَمْلِه على معنىً خاص أو نحو ذلك ، فإذا كان متردداً ترك بياضاً ليتمه حين يستقر رأيه ، وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل فيما أثبته في كتابه .
وأما التقديم والتأخير فالاستقراء يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم ، يتقدم أحد البابين في نسخة ويتأخر في أخرى ، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة ، وتتأخر عنه في أخرى فيلتحق بالترجمة السابقة ، ولم يقع من ذلك ما يمس سياق الأحاديث بضرر ، ولذا قال الحافظ رحمه الله في المقدمة بعد إيراده للعبارة السابقة : " قلت وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث ، وهي مواضع قليلة جداً " .
وليس أدل على أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حرَّر كتابه ، وعرضه على أئمة الحديث مما قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي : " لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل و يحي بن معين و علي بن المديني وغيرهم ، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة وروى عنه الفربري قوله : " ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين " ، وذلك كي يجتمع له الاطمئنان القلبي مع البحث العلمي .
ومما يدل كذلك على ما بذله البخاري رحمه الله من جهد وتنقيح ، وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية التحرير قوله : " جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث " .(10/55)
وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدَّث بتلك النسخة طلابه ، وسمع الناس منه من هذه النسخة ، وأخذوا لأنفسهم نسخاً في حياته ، وتسابقوا في كتابة أصله ، مما يثبت أنه كان مطمئناً إلى جميع ما أثبته فيها .
تقطيع البخاري للحديث
ومما ذكره أيضاً كدليل على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من حديث في صحيح البخاري تقطيعه للحديث واختصاره والتصرف فيه ، حيث اعتبر هذا العمل تدليساً وخيانة في أمانة نقل الرواية كما زعم .
مع أن مسألة تقطيع الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب مما اختلف فيها المتقدمون ، فمنهم من أجاز ذلك إذا كان الحديث مشتملاً على عدة أحكام ، كل حكم منها مستقل غير مرتبط بغيره كحديث جابر الطويل في الحج ونحوه ، أو كان ما قطع من الحديث لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقاً يفضي إلى فساد المعنى ، ومن أولئك الإمام البخاري رحمه الله ، ومنهم من منعه واختار إيراد الحديث كاملا كما سمعه .
وكما هو معلوم أن الإمام مسلم اختص بجمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة ، بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباطه منها ، وأورد كثيراً منها في مظانِّه .
والإمام البخاري رحمه الله لم يكن يعجزه أن يسرد الأحاديث والطرق كلها في باب واحد فذاك أمر يسهل عليه ، ولكنه سلك هذا المسلك لجملة من الأغراض الحديثية والفقهية ذكرها أهل العلم ، فهي في الحقيقة مزية للبخاري وليست منقصة ، ولذا قال الحافظ رحمه الله ( مقدمة الفتح 13) : " وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمَّنه في أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار "
فالبخاري رحمه الله يذكر الحديث في كتابه في مواضع ، ويستدل به في كل باب بإسناد آخر ، ويستخرج بحسن استنباطه ، وغزارة فقهه معنىً يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه ، وقلَّما يورد حديثاً في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد ، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان وأغراض تشهد بإمامته وجلالته ورسوخ قدمه في هذا الفن :
ومن ذلك أنه قد يكون المتن قصيرا أو مرتبطاً بعضه ببعض ، وقد اشتمل على حكمين فصاعداً ، فيعيده بحسب ذلك مراعياً مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية ، وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك ، فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث .
وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه ، فيورده في موضع موصولاً وفي موضع معلقاً ، ويورده تارة تاماً وتارة مقتصراً على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب .
فإن كان المتن مشتملاً على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة منها في باب مستقل فراراً من التطويل ، وربما نشط فساقه بتمامه .
وأما اقتصاره على بعض المتن وعدم ذكر الباقي في موضع آخر ، فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفاً على الصحابي ، وفيه شيء قد يحكم برفعه ، فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ، ويحذف الباقي لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه ، كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : " إن أهل الإسلام لا يسيِّبون ، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون " ، هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف ، أوله : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إني أعتقت عبداً لي سائبة فمات وترك مالاً ولم يدع وارثاً ، فقال عبد الله : " إن أهل الإسلام لا يسيبون ، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون ، فأنت ولي نعمته فلك ميراثه ، فإن تأثَّمتَ وتحرجتَ في شيء ، فنحن نقبله منك ، ونجعله في بيت المال " فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف ، وهو قوله : " إن أهل الإسلام لا يسيبون " ، لأن مما ليس للرأي فيه مدخل ، واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه .
فتبين أن البخاري رحمه الله لا يعيد الحديث إلا لفائده ، لكن تارة تكون في المتن ، وتارة في الإسناد وتارة فيهما ، وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه ، فإن كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا ، وإن قلت اختصر المتن أو الإسناد .
البخاري والنقل بالمعنى
وزعم أيضاً أن مما يسلب الاطمئنان والاعتماد على صحيح البخاري ويوجب عدم الوثوق به ، أن قسماً من أحاديثه قد رويت بالمعنى ، ولم ينقلها مؤلف الصحيح بنفس اللفظ حسب ما سمعها من ناقليها ، مستشهداً بما نقله الخطيب في تاريخه والحافظ في مقدمته على الفتح وغيرهم عن البخاري نفسه وهو قوله : " رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ، قيل له : يا أبا عبد الله بكماله ، قال : فسكت ، وقول الحافظ عند الكلام على حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الفتح( 10/227) : " وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين " .(10/56)
فأما الكلام على الرواية بالمعنى وجوازها وضوابطها ، فقد تقدم الكلام عنه في موضوع مستقل بعنوان " رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين " يمكن للقارئ مراجعته ، ومع أن البخاري رحمه الله كان ممن يرى جواز الرواية بالمعنى ، ولكن ليس في تلك العبارة أي دلالة أبداً على موضوع الرواية بالمعنى ، بل كل ما فيها أنه كان يسمع الشيء ولا يكتبه حتى إذا وجد له مناسبة أو ترجمة لائقة به كتبه ، وسكوته لا يدل على أنه رواه بالمعنى ، وغاية ما يدلٌّ عليه جواز الاختصار في الحديث بذكر بعضه دون بعض كما هو شأنه في كتابه ، يقطع الحديث الواحد في عدة أبواب مقتصراً في كل باب على ما يليق به كما تقدم .
وأما ما نقله عن الحافظ فهو أبعد ما يكون الرواية بالمعنى ، ولم يسقه الحافظ رحمه الله لهذا الغرض ، وإنما ساقه في معرض الكلام عن حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن البخاري رواه مرَّة عن شيخه إبراهيم بن موسى بلفظ الجزم : " حتى إذا كان ذات يوم " من غير شك ، ورواه هنا بالشك ولفظه : " حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة " ، وقد ظن الحافظ أولاً أن الشك من البخاري ، ثم ظهر له أن الشك من شيخ شيخه عيسى بن يونس ، وإليك كلام الحافظ ابن حجر حيث قال بعد أن ذكر الروايتين وتحقيق أن الشك ليس من البخاري : " فيحمل الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري حدَّثه به تارة بالجزم ، وتارة بالشك ، ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه ، ثم قال : وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أن يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين " ، وهكذا يتبين لنا الافتراء على البخاري ، وعلى الحافظ ، وخطف الكلام من غير تثبت وتحر .
البخاري ومسلم والإفراط في الطائفية
ومما ذكر على أنه من الأدلة التي تدل على عدم الوثوق بالصحيحين وعدم اعتبار صحة جميع ما ورد فيهما ، ما أسماه بالتطرف الطائفي المفرط ، والتعصب الشديد عند مؤلفيهما ، ومن شواهد ذلك كما يزعمون إخفاء كثير من المناقب والفضائل للإمام علي رضي الله عنه ، والتي ورد ذكرها في كتب السنة الأخرى ، وعدم الاحتجاج بأئمّة أهل البيت ، في مقابل الاحتجاج بمن عرف بعدائه لهم كالخوارج وغيرهم .
ولتجلية هذا الأمر ينبغي أن يُعْلم أن القضية عند صاحبي الصحيح لم تكن قضية طائفية ولا تعصب ، ولا مداراة ومداهنة ، ولكنها قضية شروط اشترطها كل منهم في كتابه ، وفي الرجال الذين يخرج لهم ، ولذلك التزموا بها ، ولم يحيدوا عنها ، بخلاف غيرهم ممن لم يلتزم الصحة كأصحاب السنن والمسانيد ، فربما تساهلوا بعض الشيء ولا سيما في الفضائل ، وهذا هو السرُّ في أن الإمام أحمد رحمه الله خرَّج في فضائل علي أكثر مما خرَّجه البخاري و مسلم في صحيحيهما ، كما أن صاحبا الصحيح لم يلتزما بإخراج كل حديث صحيح ، ولا إخراج أحاديث كل الثقات حتى يُلزَما بذلك .
ومما يدفع هذه الفرية عن الإمامين أنهما أخرجا أحاديث كثيرة في فضائل علي وآل البيت رضي الله عنهم تعتبر من أصح الأحاديث في هذا الباب ، فقد ذكر كل منهما في صحيحه باباً لفضائل عليٍّ ، وبابًا لفضائل الحسن و الحسين .
وذلك كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - في حصار خيبر : ( لأُعطين الرَّاية غدًا رجلاً يُحبه الله ورسوله ، أو يحب الله ورسوله ) ، ثم بعد ذلك أعطاها لعلي ففتح الله عليه ، ومثل ما رواه البخاري في قصة بنت حمزة ، واختصام علي وجعفر وزيد بن حارثة فيها ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( أنت منِّي وأنا منك ) ، ومثل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عليٍّ نفسه قال : " والذي فلق الحبةَ وبرأ النَّسمة إنه لعهدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أن لا يحبَّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ) ، وله شاهد من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عند الإمام أحمد .
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداةً وعليه مُرْطٌ مرَحَّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة ، فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .
كما أخرجا أحاديث كثيرة من رواية أئمة آل البيت كرواية البخاري لحديث ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا ) ، في قصة صفية رضي الله عنها من طريق علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وحديث علي رضي الله عنه في قصة الشارفين ، في كتاب فرض الخمس قال : " كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاني شارفاً من الخمس .... " الحديث ، وهو من طريق علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه رضي الله عنه .(10/57)
وأخرج له مسلم أيضاً في باب فضائل فاطمة رضي الله عنها ، كما أخرج أحاديث عديدة من طريق جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر ، ومنها حديث جابر في وصف حجة النبي عليه الصلاة والسلام ، ولو كانت المسألة طائفية لما رويا شيئاً من ذلك .
وأما إخراجهم لبعض أهل البدع كعمران بن حطان وغيره ممن عرف برأي الخوارج ، فقد تقدم الكلام عن ذلك في الجزء الأول من هذا الموضوع بما يغني عن إعادته هنا ، والمقصود بيان أن المسألة مبناها عندهم على الصدق والضبط ، وإلا لما أخرجا في الصحيح لجماعة من الرواة ممن رموا بالتشيع ، بعد أن ثبت عندهما صدقهم وضبطهم وتحرزهم عن الكذب كعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، و علي بن الجعد ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وإسماعيل بن أبان ، و جرير بن عبد الحميد ، و خالد بن مخلد القطواني وغيرهم كثير ويمكن مراجعة ( مقدمة الفتح 646) .
فتبين أن الأمر لم يكن أمر تعصب وطائفية ، وإنما الأمر أمر شروط الشيخين اشترطاها والتزما بها ، ومن ثم لم يخرجا إلا ما صح عندهما وكان على شرطهما ، بخلاف غيرهما كالإمام أحمد وغيره فإن شروطهم دون ذلك ، وقد روي عنه رحمه الله أنه كان يقول : " نحن إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا " .
عبارات قيلت في الصحيحين
ولما لم تسعفه الحجة العلمية ، والبحث الموضوعي ، ذهب يتصيد هنا وهناك ليبحث عن عبارات وأقوال ، تسقط مكانة الصحيحين في الأمة ، فخرج لنا بطائفة من الأقوال المحرفة المبتورة ، التي أساء فهمها وحرفها عن مواضعها عن تعمد وسوء قصد .
فزعم أنه في مقابل الإفراط إلى حد التعسف والغلو في الثناء على الصحيحين وحفظ مقامهما وشأنهما ، إلا أن هناك طائفة من علماء أهل السنة أنفسهم نظروا إلى الصحيحين نظرة الباحث الناقد ، وصدرت منهم عبارات تشكك من هذه القداسة والهالة التي نسجت حولهما .
بين البخاري والذهلي
ومن ذلك كلام الإمام الذهلي على البخاري وما جرى بينهما في مسألة اللفظ في القصة المعروفة المشهورة في كتب السير والتراجم ، ولسنا في صدد مناقشة وتفصيل ما جرى بين الإمامين ، بل بيان موقف أهل العلم من العبارة التي صدرت من الإمام الذهلي وغيره من العلماء ، وكيف تعاملوا معها .
فمن المعلوم أن البخاري رحمه الله عندما قدم نيسابور كان الذهلي نفسه يحث تلاميذه وطلابه على حضور مجلسه ، فلما أقبل الناس على الإمام وذاع صيته ، دخل في نفسه ما لا يسلم منه بشر ، فقال عبارته تلك ، قال الحاكم أبو عبد الله سمعت محمد بن حامد البزاز قال سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى قال لنا لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور : " اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح ، فاسمعوا منه فذهب الناس إليه ، وأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى فحسده بعد ذلك وتكلم فيه " .
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه ، فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه ، واجتماعهم عليه ، فقال لأصحاب الحديث : " إن محمد بن إسماعيل يقول : ( اللفظ بالقرآن مخلوق ) ، فامتحِنوه في المجلس ، فلما حضر الناس مجلس البخاري ، قام إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ، فقال الرجل : يا أبا عبد الله ، فأعاد عليه القول ، فأعرض عنه ، ثم قال في الثالثة : فالتفت إليه البخاري وقال : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة ، والامتحان بدعة ، فشغب الرجل ، وشغب الناس ، وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله .
وقد أنكر البخاري رحمه الله نسبة هذا القول إليه ، وقال - كما نقل عنه محمد بن نصر المروزي - : " من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله ، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة " ، فنقلها عنه بعض الحساد والمغرضين ، وأشاعوا عنه أنه يقول باللفظ ، وحملوا عبارته ما لا يحتمل .
ولذا لم يلتفت العلماء وأئمة الجرح والتعديل إلى ذلك بل عدوه من كلام الأقران بعضهم في بعض ، وأصلوا قاعدتهم المعروفة وهي أن " كلام الأقران يطوى ولا يروى " ، ولذا قال الذهبي رحمه الله في ( السير 12/456 ) بعد أن ذكر أن بعضهم ترك حديث البخاري لما بلغه أنه يقول باللفظ : " قلت إن تركا حديثه أو لم يتركاه البخاري ثقة مأمون محتج به في العالم " .(10/58)
وقد تكلم كثير من العلماء الثقات في بعض ، ولم يكن ذلك موجباً لإسقاط ثقتهم وعدالتهم فتلكم أبن أبي ذئب في الإمام مالك ، وتكلم سلمة بن دينار في الزهري ، وتكلم عمرو بن علي الفلاس في علي بن المديني والعكس ، وتكلم أحمد بن أبي الحواري في هشام بن عمار ، وتكلم أبو نعيم في أبي عبد الله بن مندة ، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ، ولم يسقطوا عدالتهم إلا ببرهان ثابت وجرح مفسر يتابعه غيره عليه ، قال الحافظ رحمه الله في ( لسان الميزان 1/201 ) : " قلت كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس ، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم " .
موقف أبي زرعة من الصحيحين
واستدل أيضاً بعبارة لأبي زرعة ينتقد فيها لصاحبي الصحيح لإخراجهم لبعض الرواة كأحمد بن عيسى المصري ، والتي نقلها عنه الخطيب في تاريخه ، و الذهبي في ميزان الاعتدال ، وأنه اعتبرهم متظاهرين بالحديث ، أرادوا التصدر وصرف وجوه الناس إليهم .
فقد نقل الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد 4/227) عن سعيد بن عمرو ، قال شهدت أبا زرعة يعنى الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج ، ثم الصائغ على مثاله - يعني البخاري فقال لي أبو زرعة : " هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه ، فعملوا شيئا يتشوفون به ، ألفوا كتاباً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها " ، وأتاه ذات يوم وأنا شاهد رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم ، فجعل ينظر فيه ، فإذا حديث عن أسباط بن نصر ، فقال أبو زرعة ، ما أبعد هذا من الصحيح ، يدخل في كتابه أسباط بن نصر ، ثم رأى في كتابه قطن بن نسير ، فقال لي : وهذا أطم من الأول " .
والجواب أن يقال : إن هذا الجرح من أبي زرعة مفسر ، فسره هو بنفسه ، وبين سبب إيراده ، وهو إخراجه لبعض هؤلاء الرواة المنتقدين الذين ذكر بعضهم ، وقد ذكر مسلم تبرير ذلك والرد عليه بعد هذا الكلام ، ولهذا لم ينقله المحرف لأنه لا يتفق مع هواه وما أراد .
وهو أحد الوجوه التي ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/96) ، ونقلها عنه النووي في شرحه ( 1/24) والتي وجَّه فيها إخراج الإمام مسلم لبعض الضعاف أو المتوسطين .
وهو أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ، ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك ، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً ، حيث قال عندما ذكر له إنكار أبي زرعة : " إنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد ، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات " .
ولا أدل من أن الصواب كان مع الإمام مسلم أن الخطيب نفسه ، الذي نقل هذه العبارة : " وثَّق أحمد بن عيسى ، ولم يلتفت إلى قول من تكلم فيه ، فكان مع الإمام مسلم ، فلماذا لم يورد الكاتب كلام الخطيب الذي يقول فيه بعد ذلك : " قلت : " وما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه " ، وعبارة الذهبي في الميزان بعد إيراده لكلام أبي زرعة نفسه : " قلت احتج به أرباب الصحاح ، ولم أر له حديثا منكرا فأورده " .
والثابت عن مسلم رحمه الله قوله : " عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي ، فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته ، وكلّ ما قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته " .
بين البخاري وابن المديني
ثم نقل عبارة أوردها الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ليرد عليها ، ويبين بطلانها ، مستدلاً بها على خيانة البخاري ، وعدم أمانته العلمية ، وسرقته لجهود الآخرين ، ورغبته في التصدر والشهرة على حساب غيره ، وحتى يعطوا العبارة قيمة علمية نسبوها إلى الحافظ في ( تهذيب التهذيب 9/46) وتم بتر الرد ، وتعقيب الحافظ عليها ، وإغفال الكلام الذي قبله في ثناء العلماء والمحدثين على الإمام البخاري ، والدفاع عنه ، وبطلان ما نسب إليه .
والعبارة هي قول مسلمة : وألّف علي بن المديني كتاب العلل ، وكان ضنياً به فغاب يوماً في بعض ضياعه ، فجاء البخاري إلى بعض بنية ورغبه بالمال ، على أن يرى الكتاب يوماً واحداً ، فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ، ورده إليه ، فلما حضر علي تكلم بشيء ، فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً ، ففهم القضية ، واغتنم لذلك ، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير ، واستغني البخاري عنه بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان ، ووضع كتابه الصحيح فعظم شأنه وعلا ذكره " .(10/59)
قال الحافظ رحمه الله بعد أن أورد هذا لكلام : " قلت إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده ... وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني ، فإنها غنية عن الردِّ لظهور فسادها ، وحسبك أنها بلا إسناد ، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده ، وأن العلل لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري ، فلو كان ضنيناً بها لم يخرجها ، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة والله الموفق .
فانظر أخي القارئ إلى هذا التلبيس والتحريف المتعمد ، وبتر الكلام لتشويه صورة هذا الإمام الجليل .
النووي وصحيح مسلم
ومما ادعاه أيضاً أن الإمام النووي نفسه شكك في موارد مختلفة في صحة بعض الأحاديث التي خرجها مسلم ، بل وصرح ببطلان البعض الآخر ، مستدلاً بعبارته في شرحه لمقدمة مسلم على الصحيح : " وأما قول مسلم رحمه الله في صحيحه في باب صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله - : " ليس كل شيء صحيح عندي وضعته هنا ـ يعني في كتابه هذا الصحيح ـ وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " فمشكل ، فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفاً في صحتها ، لكونها من حديث من ذكرناه ، ومن لم نذكره ، ممن اختلفوا في صحة حديثه " ( شرح النووي 1/16) .
وعبارته في شرحه لحديث أبي سلمة في " باب بدء الوحي " ، الذي يتضمن أن أول سورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي سورة المدثر ، حيث ادعى أن النووي صرح بأن هذا الحديث ضعيف ، بل باطل ، لأن أول سورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي " اقرأ باسم ربك " .
مع أن هذا الاستشكال في الموضع الأول إنما هو في توجيه عبارة الإمام مسلم ، مع ما علم من وجود بعض الأحاديث والرجال المنتقدين - كما سبق - ، وليس فيه أبداً ما يدل على تشكيك النووي رحمه الله في أحاديث الصحيح ، أو اتخاذ موقف منها كما أراد هذا الملبس أن يصوره .
والإمام النووي رحمه الله لم يكتف بإيراد الإشكال فحسب ، بل أعقبه بما يرده ، فذكر توجيه الأئمة لعبارة الإمام مسلم ، والتي حذفها المغرض لأنها لا تخدمه كما فعل مع سابقاتها حيث ذكر بعد الكلام السابق توجيه الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم " فقال : " قال الشيخ - يعني ابن الصلاح وجوابه من وجهين :
أحدهما : أن مراده أنه لم يضع فيه إلا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه ، وإن لم يظهر اجتماعها في بعض الأحاديث عند بعضهم .
والثاني : أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متناً أو إسنادا ، وليس ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته ، كما هو ظاهر كلامه ، فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة ( فإذا قرأ فأنصتوا ) هل هو صحيح ؟ فقال : " هو عندي صحيح ، فقيل لم لم تضعه ها هنا ؟ ، فأجاب بالكلام المذكور .
وفي موضع آخر عند الكلام على الحديث في باب صفة الصلاة ساق عبارة مسلم وأجاب عنها بقوله : " ثم قد ينكر هذا الكلام ، ويقال : قد وضع أحاديث كثيرة غير مجمع عليها ، وجوابه أنها عند مسلم بصفة المجمع عليه ، ولا يلزم تقليد غيره في ذلك ، وقد ذكرنا في مقدمة هذا الشرح هذا السؤال وجوابه " .
وأما ادعاؤه بأن النووي حكم بالبطلان على حديث جابر في صحيح مسلم لأن فيه التصريح بأن أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " فهو من التلبيس وتحريف الكلام الذي عودنا عليه ، وعبارة النووي في الشرح هي كالتالي : " قوله (( أن أول ما أنزل قوله تعالى : يا أيها المدثر )) ضعيف بل باطل ، والصواب أن أول ما أنزل على الاطلاق : اقرأ باسم ربك " .
فالحكم بالضعف أو البطلان إنما وقع على القول بأن أول ما أنزل من القرآن مطلقاً " يا أيها المدثر " ، وليس على رواية جابر ، فالحديث ليس فيه أبداً ما يدل على أن أول ما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " حتى يحكم بضعفه أو بطلانه ، ولو رجع إلى كلام النووي نفسه في شرح حديث عائشة لتبين له ذلك حيث قال : " وهذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن " اقرأ " ، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف ، وقيل أوله : " يا أيها المدثر " وليس بشيء ، وسنذكره بعد هذا في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .
فالكلام إنما هو على القول لا على الحديث ، فإن كان أبو سلمة رواي الحديث عن جابر ، أو حتى جابر نفسه ممن يرى هذا القول ، فهو قول ضعيف وليس في الروايات أبداً ما يشهد له ، مع أنه قد ثبت عن جابر رضي الله عنه في حديث قبله من رواية الزهري عن أبي سلمة التصريح ، بأنه أول نزول بعد فترة الوحي وأنها أولية نسبية ، فلا منافاة إذاً ، فأين تشكيك النووي رحمه الله في أحاديث الصحيح ؟!
الذهبي وصحيح البخاري
ومما نسبوه إلى الإمام الذهبي أنه قال في بعض أحاديث الصحيح : " ولولا هيبة الصحيح لقلت إنها موضوعة! " ، وهو كذب مفضوح على هذا الإمام .(10/60)
فإن عبارته كما في ميزان الاعتدال في ترجمة خالد بن مخلد القطواني عندما ذكر أن البخاري رحمه روى له حديث الولي ( من عادى لي ولياً ) قال : " فهذا حديث غريب جداً ، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن خالد ، وذلك لغرابة لفظه ، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري " .
وغاية ما فيها استغرابه للحديث لأنه من طريق خالد بن مخلد وشيخه شريك مع ما علم من الكلام حولهما ، فيقال إن غاية ما في ذلك أنه صحيح عند البخاري ، فيكون من الأحاديث المنتقدة على صاحب الصحيح ، وليس مما وقع الإجماع على تلقيه بالقبول ، ونحن لا ننكر أن في الصحيح شيئاً من هذا ، وقد سبق بحث هذه النقطة وما حولها من إشكال .
و الحافظ رحمه الله بين في الفتح (11/341) أن للحديث طرقاً أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً حيث قال وهو يرد على الذهبي إطلاقه أنه لم يرو إلا بهذا الإسناد : " وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود .... ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً ثم ذكر بعض الطرق عن عائشة و أبي أمامة و علي و ابن عباس و معاذ بن جبل و أنس .
كما أن المتأمل في عبارة الذهبي يجد فيها مزيد تدعيم لمكانة الصحيح وليس كما أراد المغرضون ، فإن الذي جعلهم يترددون في عدِّ هذا الحديث من منكرات خالد ( هيبة الصحيح ) ، بمعنى أن هذا الحديث لو كان في غير الصحيح لعدَّ من منكرات خالد بن مخلد ، لما عرف من حاله ، ولكن الذي منعهم من ذلك إخراج صاحب الصحيح له ، لما علم من علمه وإمامته وشروطه ، وانتقائه للأحاديث ، وغير ذلك من الأغراض التي ذكرت في الرجال المنتقدين ، فهو مزيد توثيق وتدعيم لموقف صاحب الصحيح ، وليس فيه أبداً أي غض من مكانته كما أراد المشككون ، فأين حكم الذهبي على الحديث بالوضع ؟! .
أما بالنسبة لغرابة ألفاظه فهو كغيره من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحتاج إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم ، ويمكن مراجعة كلام الحافظ وغيره في شرح الحديث ، ولو فتح هذا الباب لردت جملة من الأحاديث الثابتة .
وأخيراً وبعد هذا التطواف ، أظن أن القارئ الكريم قد عرف مكانة هذين الكتابين ، ومنزلتهما في العلم والدين ، وأن شبهات المغرضين حولهما هي مجرد فقاعات وأوهام لا تثبت أمام التحقيق العلمي ، وليس أي سند شرعي ، ولا يزال الله عز وجل يقيض للسنن والأحاديث في كل عصر من ينفي عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، تحقيقاً لوعد الله في حفظ دينه وكتابه وسنة نبيه .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل .
_____________
المراجع :
- هدي الساري ابن حجر العسقلاني .
- صيانة صحيح مسلم أبو عمر ابن الصلاح .
- فتح الباري ابن حجر العسقلاني .
- شرح النووي على صحيح مسلم .
- تدريب الراوي السيوطي .
- تاريخ بغداد الخطيب البغدادي .
- ميزان الاعتدال الذهبي .
- سير أعلام النبلاء الذهبي .
- تهذيب التهذيب ابن حجر العسقلاني .
- لسان الميزان ابن حجر العسقلاني .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
- دفاع عن السنة أبو شهبة .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين
===================
الرد المتين على شبهة عدم زهد الأمين
هل كان محمد زاهداً
تقول يا صديقي:
أن النبي كان عفيفاً زاهداً، ولم يأخذ صدقة من أحد, وقلت أن هذا علامة على صدق رسالته، وأعطيت دليلاً على ذلك بواقعة المنافق الكبير سلمان
الفارسي وحفنة التمر التي رفضها النبي، فهتف سلمان قائلاً بنفاق:
صدقت يا رسول الله
- وقال إن من صدق النبوة أن لا يأخذ النبي صدقة من أحد, وقد يكون النبي قد رفض صدقة سلمان فعلاً، لكن ليس بسبب أنه لا يقبل الصدقة إنما لأنها صدقة متواضعة، فهي مجرد حفنة تمر تقدم للنبي ملك العرب؟ وأما الدليل على أن النبي كان يأخذ الصدقة فهو ما يقوله القرآن:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا,
فإذا كان دليلك على برهان صدق رسالة نبيك بأنه لا يأخذ الصدقة، فماذا يكون الأمر لو كان قد أخذها فعلاً؟
لم يقتصر نبيك على أخذ الصدقة فقط بل تعداه أنه كان يتحصل لنفسه على خمس الغنائم بل وكان يأخذ الأنفال أيضاً وثلث أجور الغزاة من كل سرية أو غزوة بجانب العديد من المزايا الأخرى، فهو الوحيد من جنس البشر الذي أحل له الله - كما يدّعي القرآن - أن ينكح أية امرأة تدعوه لذلك!! ولا يشترط أن تكون زوجته أو من جواريه، بل يشترط أن تكون مؤمنة فقط!! وتهب جسدها له فيعاشرها بدون حساب من الله!! يقول القرآن في ذلك:(10/61)
,,, وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً,
بالطبع هذا كلام جارح يخدش الحياء, ومن الكفر أن ننسب مثل هذه الخطايا إلى الله كلي القداسة, والعجيب أن السماح له بمعاشرة النساء بالهبة يأتي بعد قائمة طويلة من النساء المسموح له بمعاشرتهن، أي أنه لم يكن محتاجاً للمزيد, لكن ماذا نقول للشراهة المَرَضية في الشهوة لديه، والتي كانت خروجاً على كل ما هو مألوف لدى البشر، والعجيب أن الله الخاص به - يشجعه على ذلك! ويقول أن هذا فرض إلهي عليك ولا داعي للخجل أو الحرج، وكان الله غفوراً رحيماً!! وأما قائمة المسموح له بمعاشرتهن من النساء كما يوردها القرآن كالتالي:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ - علماً بأنهن كن تسع زوجات - اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ،الخ - وكان ينفرد عن سائر المسلمين بالسماح له بالنكاح وهو محرم، أي وهو يؤدي مناسك الحج، وهو محظور عمله للمسلمين العاديين، وكثير من المزايا التي انفرد بها دون سائر المسلمين (امتيازات النبي تجدها في السيرة الحلبية جزء 3 ص 44), بل لقد بلغ تجاوزات هذا النبي أنه تزوج من زوجة ابنه زيد بن محمد, وقصة هذا الزواج المشين تجدها في سورة الأحزاب عدد 37-38، وهي سورة مليئة بمغامرات النبي النسائية، وهي أحداث لا يليق أن توضع في كتاب ديني, ونعود إلى قصة هذا الزواج الشاذ، مجمل القصة أن النبي ذهب لزيارة ابنه زيد، فلم يجده، واستقبلته زوجة ابنه السيدة زينب بنت جحش الأسدية، وهي ابنة عم محمد، وكانت تتطلع للزواج منه وليس من مولاه زيد بن حارثة الذي تبناه محمد ورباه وصار أباه، ولم يعد يُسمى زيد بن حارثة بل زيد بن محمد, وكان العرب يعتبرون الابن بالتبني كالابن الحقيقي، فلا يجوز الزواج بزوجته, وكانت زينب ترتدي جلباباً شفافاً فهف قلبه بها، فقرر النبي أن يتزوجها!! لكن كيف يتزوجها وهي زوجة رجل آخر لا تزال في عصمته؟ وليست زوجة أي شخص عادي، بل زوجة ابنه؟ وجد النبي نفسه في حيرة، فما عساه أن يفعل لإتمام هذا الزواج؟ آه لقد وجد النبي الحل، وهل هناك حل غيره، إنه الوحي القرآني؟!! فهو الحل السريع السهل الذي لا يجرء أن يعارضه أحد لأنه آتٍ من عند الله, وأنزل الوحي قائلا:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ - زيد - وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ - رغبة في الزواج من زوجته - مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً,
هكذا تفتق ذهن النبي وأوجد هذا الحل الغريب، فالله يأمره بإلغاء عادة التبني في الإسلام وحتى يتأكد الناس من ذلك يقوم الله بتزويج نبيه بزوجة ابنه بالتبني, وقد يتساءل اللبيب: ألم يكن الله قادراً على إنزال حكم بهذا الإلغاء بدون أن يعرض نبيه للحرج؟
وهل يعتبر التبني جرماً وجب إلغاءه؟ فالتبني كما هو معروف قمة الرحمة والمشاعر الإنسانية النبيلة، وكان مقبولاً لو أنه الله ألغى زواج الهبة، وكان معقولاً لو أنه ألغى القتال والكراهية، لكنه ألغى تقليداً إنسانياً عظيماً هو التبني! إن هذا الموقف يذكرني بحادث أغرب,,
ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رجليه اثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الأنس والجان - وليس بمزامير الشيطان,
مزامير داود المليئة تسبحياً وتعظيماً لله صارت مزامير الشيطان، وغناء عاهرات الجنة من الحوريات صارت أحسن! يا الله ألهذا الحد يعكس الإسلام الأشياء؟ تعالوا لنرى ما تقول مزامير الشيطان ولنقارنه بما يغني به حوريات جنة الإسلام ولنقارن ما بينهما لنعرف من هو الشيطان الحقيقي، تقول المزامير:
أُبَارِكُ الرَّبَّ فِي كُلِّ حِينٍ. دَائِماً تَسْبِيحُهُ فِي فَمِي (مزمور 34:1),
اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ (مزمور 19:1),
لَكَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ يَا اَللّهُ (مزمور 65:1),
اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ (مزمور100:1),(10/62)
ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ المُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ (مزمور 34:8),
أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ,,, كُلُّ الأُمَمِ الذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُونَ ا سْمَكَ. لِأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللّهُ وَحْدَكَ (مزمور 86:5-10),
بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلَا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ, الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ (مزمور 103:2 و3، 8),
اِحْفَظْنِي يَا اَللّهُ لِأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. قُلْتُ لِلرَّبِّ: أَنْتَ سَيِّدِي (مزمور 16:1 و2),
لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. المَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا (مزمور 24:1),
يَا قُّوَتِي لَكَ أُرَنِّمُ، لِأَنَّ اللّهَ مَلْجَإِي إِلهُ رَحْمَتِي (مزمور 59:17),
رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ (مزمور63:3),
سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا كُلَّ الأُمَمِ. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ. لِأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا، وَأَمَانَةُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ (مزمور 117),
اِحْمَدُوا الرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. الا حْتِمَاءُ بِالرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ (مزمور 118:1 و8),
هذا بعض من المزامير, كلمات روحانية عميقة تعطي المجد والعزة والتسبيح لله فهل يليق أن تُسمى بمزامير الشيطان؟ قبل أن تعطي جواباً تعالى لنرى أغاني الحور العين في الجنة وهم يستقبلن رجالهن:
نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام, ينظرون بقرة أعيان وأن ما يفنين به نحن الخالدات فلا تمتنه، فنحن الأمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا تطغنه,
طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت بأحسن أصوات سمعت, وتقول أنت حبي وأنا حبك ليس دونك مقصر ولا وراء معدل, ويقول أحد المخبولين:
هذا هو الطرب والغناء بتقديس لرب الأرض والسماء,, فالذين طهروا آذانهم من سماع الخلاعة! وخافوا ربهم وابتعدوا عن مزامير الشيطان!! أكرمهم الله الإله الذي لا يغفل ولا ينام, فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (سورة الرحمن 55: 60 و61)
قالت عائشة زوجة محمد له في سخرية وتهكم:
عجباً يا محمد أرى إلهك يسرع في هواك (73),
قالت له ذلك بعدما انقلب محمد على زوجاته التسع، وقال إنه لن يعدل بينهن من الآن وصاعداً، وقد كان لكل زوجة يوماً معيناً خاص بها، ولكن فيما يبدو أن النبي أراد التغيير! ولا سيما وقد أحضرت إليه جارية حسناء شابة هي مارية القبطية التي اهداها له المقوقس، أعجب بها محمد إعجاباً كبيراً حتى أنه عاشرها في اليوم المخصص لإحدى زوجاته وهي حفصة بنت عمر، وكان والدها عمر مريضاً فذهبت لزيارته وعادت مسرعة لتجد زوجها مع جاريته في منزلها وعلى فراشها وكادت أن تصرخ، ولكن النبي هدأ من ورعها واعتذر لها وقال: إن مارية محرمة عليه بعد اليوم، قال ذلك ليرضي زوجته حفصة, ولكن الله غضب من محمد لمرضاته لزوجته وتحريمه لمارية!
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة التحريم 66:1), وتوسل لزوجته حفصة عدم إخبار عائشة وبقية زوجاته، وطلب منها أن تحفظ السر، لكن حفصة أسرعت إلى عائشة وباحت لها بهذا السر، فتجمهرت عليه نساؤه بعدما باحت حفصة بالمستور, وعلى الفور تدخل إله محمد لإنقاذه ويكشف له مؤامرة أزواجه! فيقول القرآن:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ,,, قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيٌر عَسَى رَبُّهُ إِنْطَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ,,, ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً 78 ,
ومع هذا التهديد بطلاقهن جميعهن وباستعراض قوة مؤيديه، تلاشت مظاهرة نسائه عليه، ولم تكن هناك مشكلة في التحلل من قسمه بأنه لن يقرب مارية وأنها محرمة عليه فلقد أحل له الله التحلل من أي قسم وذلك من قوله:
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ,
ويؤكد له الله أنه أصبح متحرراً من مسألة العدل بين زوجاته، وأنه لم يعد مقيداً بل يختار من يشاء منهم فيقول القرآن:(10/63)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ,
ويقول أيضاً:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً,
ولعل محمد خاف أن تخونه إحدى زوجاته نتيجة الأسلوب التهديدي لهن، فتدخَّل الوحي يقول من جديد:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ,
ثم شدد عليهن بعدم إتيان الفاحشة فقال لهن الوحي:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً, ثم قال:
وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً,
إلى هذا الحد بلغ صراع النبي مع نسائه وأتباعه,,, وواضح من أسلوب هذا الحديث معاناة النبي لكن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد,
ووسط كل هذا الزحام مرّ موضوع زواجه من زوجة ابنه، وتبرأ تماماً من أبوته لزيد فيقول القرآن:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (81),
وكأن الأبوة تتعارض مع النبوّة! وكأنها فعل شيطاني وجب أن يتخلص محمد منه!! وقال أيضاً ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ,
هكذا كان محمد في غاية الدهاء وسعة الحيلة، فلكل عقدة تجد لها حلاً عنده - لا يقدر أن يطعن فيه أحد لأنه وحي منزل من السماء!
لقد عرضت عليك جانباً من الوجه الآخر للإسلام الذي لا تعرفه أنت ولا يعرفه غالبية المسلمين، لأنهم يكتفون بقرآنهم ولا يطلعون على أديان الآخرين وكتبهم المقدسة، فلم يتمكنوا من المقارنة والاختيار, والمعرفة لا تكمل إلا بطرح الرأي والرأي المخالف له ليقارن ويفاضل بينهما، وقد عرضت عليك هذا الرأي الآخر ولم أقل كلاماً من عندي، بل شواهدي كلها من المصادر الإسلامية، القرآن والأحاديث وكتبة المسلمين من الأئمة والمؤرخين والمفكرين وكلهم مسلمون,, ويمكنك الرجوع إلى مصادري لمعرفة الحق وإذا كانت لديك رغبة في الانطلاق للحياة الأفضل وقد جاء المسيح ليكون للناس حياة ويكون لهم الأفضل, مسيح المحبة والسلام الذي لم يحمل سيفاً ولم يهدر دم أحد، بل يطالب أتباعه بمحبة الأعداء وكان هو يحب الجميع ويشفق عليهم حتى الأعداء منهم, هذا المسيح النازل من السماء لم يأت من زرع بشر ونتاج الشهوة بل جاء من الله فهو كلمة الله وروحه، وقد تجسد في شكل إنساني بمعجزة فريدة من نوعها, وأصبح صورة الله غير المنظور وليجعله منظوراً في شخصه المبارك, ولن يستطيع أحد من البشر أن يتوصل لمعرفة الله إلا بالمسيح لأنه هو والله واحد, هذا المسيح سوف يغير مجرى حياتك لو سلمت له نفسك، سيجعلك أسعد إنساناً في الوجود، سوف يصالحك على ذاتك فلن تعاني من الانقسام الداخلي بعد,, إني أسأله لأجلك أن يضيء بصيرتك لتبصر الحق، والذي أخرجني من الظلمة لهو قادر أن يخرجك أيضاً - لك مني تحياتي ومحبتي,
الحمد لله والصلاة على ازهد خلق الله ومن تبعه بأحسان الى يوم الدين اما بعد:-
هنا بعون الله نرد على الأفترءات التي بموقع الدجاله ناهد متولي وكذب كاتبي الموقع وتأويل النصوص :
نبدأ
بسم الله الرحمن الرحيم:-
كم هو أمر خبيث أن يجهد المرء نفسه في سبيل افتعال نقائص في عقائد الآخرين للنيل منهم ومما يعتقدون
كم هو خبيث أن ينسلخ المرء من ضميره ومن إنسانيته كي يتهم دين الآخرين بما هو منه براء
كم هو خبيث أن يبرر الإنسان لغاياته كل الوسائل مهما كانت دنيئة منحطة
نعرف أن كل ما يخالف الفطرة السوية هو شيء خبيث لكننا لم نر بين الخبائث شيئا أخبث من البهتان .
نعم انه بهتان ووبعون الله نرد على هذا البهتان بتعاون من الأخوة المسلمون في كل مكان من العالم :
نبدأ اولا بفضح حقيقة النصارى لأنهم اصحاب هذا الموضوع وهم الذين افترو على نبينا
لنقرأ معا من كتابهم اخلاق انبيائهم واخلاق ربهم اليسوع المصلوب:-
اولا االأنبياء يسرقون
موسى (وحاشاه):-
نبي الله موسى يأمر بالسرقة بناء على طلب الرب !!
(( فَلاَ تَخْرُجُونَ فَارِغِينَ حِينَ تَمْضُونَ، بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا أَوْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا جَوَاهِرَ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَثِيَاباً تُلْبِسُونَهَا بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ فَتَغْنَمُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمِصْرِيِّين.
في سفر التكوين
نبي الله يعقوب يسرق الغنم والبقر ويهرب بهم ليلا!!
انبياؤهم يشربون الخمر -
نوح يقولون انه كان يشرب الخمر و يتعرى فهل شرب محمد الخمر وتعرى -
Gn:9:21: 21 وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. (SVD)
النبي إشعياء يتعرى ثلاثة سنين(10/64)
Is:20:2: 2 في ذلك الوقت تكلم الرب عن يد اشعياء بن أموص قائلا.اذهب وحلّ المسح عن حقويك واخلع حذاءك عن رجليك.ففعل هكذا ومشى معرّى وحافيا. (SVD)
Is:20:3: 3 فقال الرب كما مشى عبدي اشعياء معرّى وحافيا ثلاث سنين آية وأعجوبة على مصر وعلى كوش (SVD)
Is:20:4: 4 هكذا يسوق ملك اشور سبي مصر وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة ومكشوفي الاستاه خزيا لمصر. (SVD)
Is:20:5: 5 فيرتاعون ويخجلون من اجل كوش رجائهم ومن اجل مصر فخرهم. (SVD)
يعقوب يخدع اباه ويسرق البركة فهل فعل محمد عليه الصلاة والسلام هذا :-
Gn:27:1: 1. وحدث لما شاخ اسحق وكلّت عيناه عن النظر انه دعا عيسو ابنه الاكبر وقال له يا ابني.فقال له هاأنذا. (SVD)
Gn:27:2: 2 فقال انني قد شخت ولست اعرف يوم وفاتي. (SVD)
Gn:27:11: 11 فقال يعقوب لرفقة امه هو ذا عيسو اخي رجل اشعر وأنا رجل املس. (SVD)
Gn:27:12: 12 ربما يجسّني ابي فأكون في عينيه كمتهاون واجلب على نفسي لعنة لا بركة. (SVD)
Gn:27:15: 15 وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الاكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت وألبست يعقوب ابنها الاصغر. (SVD)
Gn:27:18: 18. فدخل الى ابيه وقال يا ابي.فقال هاأنذا.من انت يا ابني. (SVD)
Gn:27:19: 19 فقال يعقوب لأبيه انا عيسو بكرك.قد فعلت كما كلمتني.قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك. (SVD)
Gn:27:20: 20 فقال اسحق لابنه ما هذا الذي اسرعت لتجد يا ابني.فقال ان الرب الهك قد يسّر لي. (SVD)
Gn:27:23: 23 ولم يعرفه لان يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو اخيه.فباركه . (SVD)
Gn:27:34: 34 فعندما سمع عيسو كلام ابيه صرخ صرخة عظيمة ومرة جدا.وقال لأبيه باركني انا ايضا يا ابي. (SVD)
Gn:27:35: 35 فقال قد جاء اخوك بمكر واخذ بركتك. (SVD)
يضرب الرب وينتزع منه البركة
Gn:32:26: 26 وقال اطلقني لأنه قد طلع الفجر.فقال لا اطلقك ان لم تباركني. (SVD)
Gn:32:28: 28 فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل اسرائيل.لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. (SVD)
ينهب ويسرق
Jos:8:27: 27 لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة نهبها اسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي امر به يشوع. (SVD)
Jos:8:28: 28 واحرق يشوع عاي وجعلها تلا ابديا خرابا الى هذا اليوم. (SVD)
يعقوب وعرق النساء Gn:32:32:
لذلك لا يأكل بنو اسرائيل عرق النّسا الذي على حقّ الفخذ الى هذا اليوم.لأنه ضرب حقّ فخذ يعقوب على عرق النّسا ((SVD
يهرب ويخدم من أجل امرأة
Hos:12:12:
وهرب يعقوب الى صحراء ارام وخدم اسرائيل لأجل امرأة ولاجل امرأة رعى (SVD)
انبياؤهم والزنى والدياثه:-
أما عن الدياثة...فهذا بعضها سفر التكوين 12 : 10 ، 19
نبي الله ابراهيم يقدم زوجته سارة إلي فرعون لينال الخير بسببها !!وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته : إني قد علمت انك امرأة حسنة المنظر . فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك . قولي : انك اختي . ليكون لي الخير بسببك وتحيا نفسي من أجلك .............. وحدث لما دخل أبرام إلي مصر أن المصريين رأوا المرأة حسنة جداً ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلي بيت فرعون فصنع إلي أبرام خيراً بسببها ، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال . . . فدعا فرعون أبرام وقال : ما هذا الذي صنعت بي ؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلت هي أختي حتى اخذتها لي لتكون زوجتي ؟.
افتح ............... سفر هوشع 1 : 2
داود يزني ويقتل وينجب من الزنا سليمان
2Sm:11:2: 2 وكان في وقت المساء ان داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحمّ.وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. (SVD)
2Sm:11:3: 3 فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة اوريا الحثّي. (SVD)
2Sm:11:4: 4 فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت اليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها.ثم رجعت الى بيتها. (SVD)
2Sm:11:5: 5 وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت اني حبلى. (SVD)
2Sm:11:6: 6. فأرسل داود الى يوآب يقول ارسل اليّ اوريا الحثي.فأرسل يوآب اوريا الى داود. (SVD)
2Sm:11:7: 7 فأتى اوريا اليه فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. (SVD)
2Sm:11:8: 8 وقال داود لاوريا انزل الى بيتك واغسل رجليك.فخرج اوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك. (SVD)
2Sm:11:13: 13 ودعاه داود فأكل امامه وشرب وأسكره.وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده والى بيته لم ينزل
2Sm:11:14: 14. وفي الصباح كتب داود مكتوبا الى يوآب وأرسله بيد اوريا. (SVD)
2Sm:11:15: 15 وكتب في المكتوب يقول.اجعلوا اوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت. (SVD)
2Sm:11:16: 16 وكان في محاصرة يوآب المدينة انه جعل اوريا في الموضع الذي علم ان رجال البأس فيه. (SVD)
2Sm:12:9:(10/65)
9 لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه.قد قتلت اوريا الحثّي بالسيف وأخذت امرأته لك امرأة واياه قتلت بسيف بني عمون. (SVD)
2Sm:12:10:
10 والآن لا يفارق السيف بيتك الى الابد لأنك احتقرتني وأخذت امرأة اوريا الحثّي لتكون لك امرأة. (SVD)
2Sm:12:11:
11 هكذا قال الرب هاأنذا اقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك امام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس.
(أقول ألا لعنة الله على الظالمين الذين يبدلون في كتاب الله ويحرفون فيه ويفترون على رسل الله وأنبيائه ووصفهم بما لا يجوز ولم يحدث منهم , وإن الله لمنتقم منهم على ما يقولون في أنبيائه ورسله , إنهم يتهمون الله عز وجل بأنه يختار أنبياء زناة وقتله وأن الله سبحانه لم يستطع أن يحسن إختيار رسله وأنبيائه .... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )
حتى شمشون زني
Jgs:16:1:
1. ثم ذهب شمشون الى غزّة ورأى هناك امرأة زانية فدخل اليها. (SVD)
اضحك مع إليشع
2Kgs:2:22:
22 فبرئت المياه الى هذا اليوم حسب قول اليشع الذي نطق به (SVD)
2Kgs:2:23:
23 ثم صعد من هناك الى بيت ايل.وفيما هو صاعد في الطريق اذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة وسخروا منه وقالوا له اصعد يا اقرع.اصعد يا اقرع. (SVD)
2Kgs:2:24:
24 فالتفت الى ورائه ونظر اليهم ولعنهم باسم الرب.فخرجت دبّتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدا. (SVD)
اعتقد ان انبياؤهم عار
اخلاق ربهم الذي يعبدونه من دون الله:-
اليسوع والشذوذ:-
Jn:13:23: 23 وكان متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. (SVD)
Jn:13:25: 25 فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو. (SVD)
يقولن ان يسوع يقول الشتامين لا يدخلون الملكوت
اقرأ:-
Dt:27:22: 22 ملعون من يضطجع مع اخته بنت ابيه او بنت امه.ويقول جميع الشعب آمين. (SVD)
اصبح هو الشعب خارج الملكوت.
لأنه قال:- 1Cor:6:10: 10 ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. (SVD)
ومازال يشتم
Mt:3:7: 7. فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون الى معموديته قال لهم يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الآتي. (SVD)
Mt:16:23: 23 فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان.انت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس (SVD)
Mt:15:26: 26 فأجاب وقال ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. (SVD)
ربهم اليسوع عريان :-
مره أمام اليهود
Mt:27:26:
26. حينئذ اطلق لهم باراباس.واما يسوع فجلده واسلمه ليصلب (SVD)
Mt:27:27:
27 فاخذ عسكر الوالي يسوع الى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة. (SVD)
Mt:27:28:
28 فعروه والبسوه رداء قرمزيا. (SVD)
ومره أمام التلاميذ
Jn:13:4:
4 قام عن العشاء وخلع ثيابه واخذ منشفة واتّزر بها. (SVD)
Jn:13:5:
5 ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل ارجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها. (SVD)
بل كذاب
المسيح يكذب علي إخوته
Jn:7:8:
8 اصعدوا انتم الى هذا العيد.انا لست اصعد بعد الى هذا العيد لان وقتي لم يكمل بعد. (SVD)
Jn:7:10:
ولما كان اخوته قد صعدوا حينئذ صعد هو ايضا الى العيد لا ظاهرا بل كأنه في الخفاء. (SVD)
وأختم بما قاله الأخ حبيب لأحد قساوسة كنيسة الزيتون :-
مارأيك في الكتاب المقدس؟............. وكتبة الكتاب المقدس؟............. ثم ..... هل يختار الله أنبياء كهؤلاء!!!!!!!
ثم انهي هذا الجزء من رسالتي هذه إليك ................ متسائلا ............. بعد كل هذا الفحش والتفحش ....... تقولون أن الأنبياء غير معصومين ........ وإذا قرأتم مثلا أن النبي محمد .... كان يقبل زوجته ....... نعم والله زوجته ...... تقولون لانؤمن به لأنه كان يقبل زوجته!!!!! ............ بل والأدهى من ذلك ........... أنكم تقولون عليها شبهة!!!!!! ..... ألا تستحون؟!!!!!
أخوكم آلفيتوري
المصادر:-
مناظرة الأخ حبيب مع قسيسي ورهبان كنيسة الزيتون.
كتاب البيان لما في عقيدة النصارى من التحريف والبهتان..
تجميع اخوانكم في البال توك.
الرد على الجزء الذي يقول فيه الكافر لكي ينال بالباطل من الحق
وهيهات هيهات يا نصارى:-
قالت عائشة زوجة محمد له في سخرية وتهكم: عجباً يا محمد أرى إلهك يسرع في هواك (73),(10/66)
قالت له ذلك بعدما انقلب محمد على زوجاته التسع، وقال إنه لن يعدل بينهن من الآن وصاعداً، وقد كان لكل زوجة يوماً معيناً خاص بها، ولكن فيما يبدو أن النبي أراد التغيير! ولا سيما وقد أحضرت إليه جارية حسناء شابة هي مارية القبطية التي اهداها له المقوقس، أعجب بها محمد إعجاباً كبيراً حتى أنه عاشرها في اليوم المخصص لإحدى زوجاته وهي حفصة بنت عمر، وكان والدها عمر مريضاً فذهبت لزيارته وعادت مسرعة لتجد زوجها مع جاريته في منزلها وعلى فراشها وكادت أن تصرخ، ولكن النبي هدأ من ورعها واعتذر لها وقال: إن مارية محرمة عليه بعد اليوم، قال ذلك ليرضي زوجته حفصة, ولكن الله غضب من محمد لمرضاته لزوجته وتحريمه لمارية!
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة التحريم 66:1), وتوسل لزوجته حفصة عدم إخبار عائشة وبقية زوجاته، وطلب منها أن تحفظ السر، لكن حفصة أسرعت إلى عائشة وباحت لها بهذا السر، فتجمهرت عليه نساؤه بعدما باحت حفصة بالمستور, وعلى الفور تدخل إله محمد لإنقاذه ويكشف له مؤامرة أزواجه! فيقول القرآن:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ,,, قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيٌر عَسَى رَبُّهُ إِنْطَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ,,, ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً 78 ,
استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم فى توجيه هذا الاتهام إلى ما جاء فى مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى: (يا أيها النبى لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ) (1) .
وهذه الآية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل عند إحداهن وأكل عندها طعامًا لا يوجد فى بيوتهن ، فأسر إلى إحداهن بالأمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحرّم صلى الله عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.
راجعوا تفسير ابن كثير لا تفسير ابن تنصير.
او تفسير معترف به ليس تفسير محرف فيه
مثل الطبري و الجلالين .
اما الرد على حديث
(( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك )) عندما رأت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن
جواب : هذا حديث عائشة الوارد في صحيح البخاري وقد قال النووي في معنى يسارع في هواك : أي يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ولهذا خيرك ، وقال القرطبي : هذا قول أبرزه الدلال والغيرة , وهو من نوع قولها ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله , وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره , لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى , ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق , ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك .
قلت : ومما يوضح لنا أن قول عائشه كان من باب الدلال والغيرة ليس إلا ، هو ما جاء عنها في صحيح مسلم : عن عائشة : كنت اغار على اللاتي وهبن انفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم . صحيح مسلم 10: 49.
اعتقد لا علاقة بموضوع مريم رضي الله عنها بهذا الحديث والسؤال لماذا ربط الكلب هذا بهذا.
لأ فلقد رأها وهي تقولها في سخرية وتهكم أخص تفوخص على ناس كده.
لأ وترجاها لتستره كذاب
والجواب معروف.
لأن ضعفه وانه لم يجد حجه فلجأ للكذب
على طريقة بولس يكذب بحجة انه يمجد الله
الله محتاج للكذب بل للأفتراء
اقرأو بولص Rom:3:7: 7 فانه ان كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده فلماذا أدان انا بعد كخاطئ. (SVD)
اذا لا يستغرب الكذب ممن رأس ماله الكذب.
=====================
الرد على قوله:- ! يا الله ألهذا الحد يعكس الإسلام الأشياء؟
تعالوا لنرى ما تقول مزامير الشيطان ولنقارنه بما يغني به حوريات جنة الإسلام ولنقارن ما بينهما لنعرف من هو الشيطان الحقيقي،
هل يستهبل ذلك الجحش ام يستهبل
اعتقد انها لا تخرج من الأثنين
هل لا يعرف المزمار من مزامير داوود
المزمار هو اله موسيقيه وليست كتابيه
ثم ان الحور تغني لأزواجهن
ان كان الزواج عندكم عارا لأنكم لستم رجالا فنحن نعيش كبشر نتزوج حتى في الجنه فنحن نقول الجنه روحيه وحسيه اما انتم روحيه
على اساس انكم اصلا داخلين الجنه وانتم نصارى وابقوا قابلوني.
صبح صبح يا عمي الحج.
ثم يستمر الدجال على طريقة بولس وزكريا وشنودة قائلا:-
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ,
ويقول أيضاً:(10/67)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً,
ولعل محمد خاف أن تخونه إحدى زوجاته نتيجة الأسلوب التهديدي لهن، فتدخَّل الوحي يقول من جديد:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ,
ثم شدد عليهن بعدم إتيان الفاحشة فقال لهن الوحي:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً, ثم قال:
وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً,
إلى هذا الحد بلغ صراع النبي مع نسائه وأتباعه,,, وواضح من أسلوب هذا الحديث معاناة النبي لكن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد,
ووسط كل هذا الزحام مرّ موضوع زواجه من زوجة ابنه، وتبرأ تماماً من أبوته لزيد فيقول القرآن:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (81),
وكأن الأبوة تتعارض مع النبوّة! وكأنها فعل شيطاني وجب أن يتخلص محمد منه!! وقال أيضاً ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ,
هكذا كان محمد في غاية الدهاء وسعة الحيلة، فلكل عقدة تجد لها حلاً عنده - لا يقدر أن يطعن فيه أحد لأنه وحي منزل من السماء!
من اين اتى من ان الرسول خاف من ان زوجاته تخونه لقد شهد التاريخ بطهرهن ثم الله يعظ النساء الرسول هل يعني هذا ان الله قال انهن سيفعلن الفاحشه كما فعل انبياؤك ... ام هي على طريقة بولس الذي يقول على الناموس بكل جرأه:- (7فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ «لاَ تَشْتَهِ». 8وَلَكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. 9أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشاً قَبْلاً. وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ فَمُتُّ أَنَا ) فهل خلق الله تعالى جسده بلا شهوة ثم عرفها عندما قرأ في الناموس فيقال أن الناموس هو الذي يدفعه للخطيئة .. أم نفسه الأمارة بالسوء ؟!..
اتقي الله وكفى كذبا اعلم انكم تموتون غيظا من الأسلام لأنه الحق وتحسدوننا لأننا على الحق ومؤيدين بنصر الله اما انتم خنتم امناتكم يا كذابيين.
ثم تأتي بأيات بدون تفسير ... لتجعلها حجه يا حقير.
او حتى سبب النزول حتى يسهل عليك ربط الأحداث واختلاق كذبه يا كذاب .
........................
تقول:- مسيح المحبة والسلام الذي لم يحمل سيفاً ولم يهدر دم أحد
يا كذاب اقرأ كتابك فلا تحتاج الى تفسير الا كما واضح فلا تحاول التحايل اقرا:-
المسيح قال:
Lk:19:27: 27 اما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان املك عليهم فأتوا بهم الى هنا واذبحوهم قدامي (SVD)
يسوع يأمر بالأكراه والذبح .
MT:10:34 لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض.ما جئت لألقي سلاما بل سيفا.
يسوعك اتى ليلقي سيفا
Mt:10:35: 35 فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد حماتها. (SVD
جاء للتفرقه.
Mt:10:37: 37 من احب ابا او اما اكثر مني فلا يستحقني.ومن احب ابنا او ابنة اكثر مني فلا يستحقني. (SVD)
Lk:12:51: 51 أتظنون اني جئت لأعطي سلاما على الارض.كلا اقول لكم.بل انقساما. (SVD)
انقاسما يا بتاع المحبه.
Lk:12:52: 52 لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلثة على اثنين واثنان على ثلثة. (SVD)
Lk:12:53: 53 ينقسم الاب على الابن والابن على الاب.والأم على البنت والبنت على الام.والحماة على كنتها والكنة على حماتها (SVD)
Lk:14:26: 26 ان كان احد يأتي اليّ ولا يبغض اباه وأمه وامرأته وأولاده وأخوته وأخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا. (SVD)
2Sm:12:31: 31 واخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وامرّهم في اتون الآجرّ وهكذا صنع بجميع مدن بني عمون.ثم رجع داود وجميع الشعب الى اورشليم (SVD)
، بل يطالب أتباعه بمحبة الأعداء وكان هو يحب الجميع ويشفق عليهم حتى الأعداء منهم
تقول حتى الأعداء منهم اقرأ كتابك:-
انجيل لوقا 22: 37 فَقَالَ لَهُمْ: لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً.
لماذا يأمرهم بذلك لقتل اعدائه ام كان سكرانا عندما قالها
يا كذاب .
الرد على قصة زيد رضي الله عنه والتبني :-(10/68)
منقوله من برنامج حليمو للرد على شبهات النصارى:-
زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها
نوايا خبيثة :
هناك و للأسف أساطير و قصص مختلَقة افتعلها أعداء الدين الإسلامي في هذا الصعيد ، حيث انهم حَوَّروا موضوع زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب مطلقة زيد بن حارثة و ذكروها كقصة غرامية و كذبوا على نبينا العظيم بغية الحط من قدسيته و مكانته السامية ، و قد عرفت بطلانها من خلال معرفة حقيقة الأمر من الآيات القرآنية الصريحة .
و كان السبب في ذلك أن بعض المؤرخين و مع الأسف ذكروا أمورا تتنافى مع مقام النبي محمد الكريم مما ساعد الأعداء على النيل من كرامة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن الآلوسي و الفخر الرازي , وابن كثير وغيرهم من العلماء كذّبا ما نقله أولئك المؤرخون و تصديا لهم و أثبتا بأن تلك المنقولات ليست إلا أكاذيب واضحة و أخبار مدسوسة لا أساس لها من الصحة و الواقع [6] .
كما أن العلماء من الأزهر انتقدوا ابن الأثير بشدة على نقله لهذه القصة برواية محرفة و مشينة في تاريخه " الكامل "
ما هي حقيقة زواج رسول الله ( صلَّى الله عليه وسلم ) من زوجة زيد بن حارثة ؟
جواب : زينب بنت جحش هي إحدى زوجات النبي و قد تزوج بها الرسول في السنة الخامسة من الهجرة ، و هي بنت أمية بنت عبد المطلب عمة النبي و كانت زوجة لزيد بن حارثة قبل أن تصبح زوجة لرسول الله .
أما زيد بن حارثة ـ زوج زينب قبل الرسول ـ فكان يُدعى قبل الإسلام بزيد بن محمد لكنه لم يكن من أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل كان غلاما اشترته خديجه بعد زواجها من النبي ثم أهدته إلى النبي فأعتقه الرسول في سبيل الله ، ثم تبنّاه النبي تبنياً اعتباريا على عادة العرب لرفع مكانته الاجتماعية بعدما عامله والده و قومه بالهجران و الطرد ، و هكذا فقد منحه الرسول احتراما كبيرا و شرفا عظيما و رفع من شأنه بين الناس حتى صار يُدعى بين الناس بابن محمد .
و عندما أحس النبي بحاجة زيد إلى الزواج أمره بخطبة بنت عمته زينب بنت جحش ، لكن زينب رفضت ذلك تبعا للتقاليد السائدة في تلك الأيام و لاستنكاف الحرة من الزواج من العبد المعتق ، خاصة و إن زينب كانت من عائلة ذات حسب و شأن ، فنزلت الآية الكريمة التالية : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } [1] ، فأخبرت زينب النبي بقبولها بهذا الزواج ، و هكذا فقد تم الزواج برضا زينب ، نزولا عند رغبة الرسول و خضوعا لحكم الله تعالى . وهنا نقول لهؤلاء الحاقدين : كيف يطمع الرسول في زينب وهو الذي اقترح واختار زواجها لزيد اساساً ؟
والمهم في هذا الزواج هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد و بأمر من الله كسر العادات و التقاليد الخاطئة و التي كانت تمنع زواج العبيد المعتقين من بنات العوائل المعروفة ، و بالفعل فقد تحقق للنبي العظيم ما أراد و تمكن من تطبيق المساواة بصورة عملية بين أفراد المجتمع الإسلامي .
طلاق زينب :
بعد ذلك تأثرت العلاقة الزوجية بين الزوجين ـ زينب و زيد ـ و آل أمرهما إلى الطلاق و الانفصال رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها النبي لمنع وقوع الطلاق ، و لم تؤثر نصائح النبي في زيد و لم يفلح في تغيير قرار زيد الخاطئ فوقع الطلاق .
زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من زينب :
و بعد أن مضى على طلاق زينب فترة قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنة عمته زينب تعويضا لما حصل لها ، غير أن النبي كان يخشى العادات و التقاليد التي تُحرم زواج الرجل من زوجة ابنه من التبني لاعتباره أبناً حقيقيا ، و إلى هذه الحقيقة يُشير القرآن الكريم حيث يقول : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ... } [2] .
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )) ذكر ابن أبي حاتم والطبري ها هنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها . يريد بذلك أمثال : (( فوقعت في قلبه )) و (( سبحان مقلب القلوب )) . فهذه كلها آثار لم تثبت صحتها. و هذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين كالزهري و القاضي بكر ابن العلاء القشيري و القاضي أبي بكر بن العربي و القاضي عياض في الشفاء.(10/69)
و لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى إن زواج النبي من زينب إنما كان بأمر من الله تعالى ، كما تشهد بذلك تتمة الآية السابقة حيث تقول : { ... فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا } [3] .
هذا و إن زينب كانت متفهمة لنية الرسول و لما حباها الله تعالى من الشرف العظيم إذ جعل لها دورا في إزالة عادتين خرافيتين و نالت شرف الزواج من الرسول صلَّى الله عليه وسلم فكانت زينب تفتخر على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم و تقول : زوَجَكن أهلُوكن و زوجني الله من السماء [4] .
إذن يمكن تلخيص أهداف زواج الرسول صلَّى الله عليه و آله وصحبه من زينب كالتالي :
1 _ تعديل ما حصل لابنة عمته و تضررها بالطلاق و قد رضيت بالزواج من زيد بأمر من الله و رسوله ، فأراد الرسول أن يكرمها و يعوضها عن ما حصل لها .
2 _ كسر العادات و التقاليد الخاطئة التي تمنع الزواج من زوجة الابن من التبنّي ، رغم كونه أبنا اعتباريا لا غير . ( تشريع في صورة عملية )
ان الاسلام ـ من خلال القرآن الكريم ـ رفض الاعتراف بالتبني الذي كان سائداً بين العرب في الجاهلية، وعلى اساس ذلك كانوا ينسبون زيد بن حارثة إلى رسول الله فيقولون زيد بن محمد، وجاء الرفض القرآني حاسماً من خلال قوله تعالى (... وما جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بافواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم...) سورة الاحزاب. آية4 و5. وكذلك قوله تعالى : ( ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً ) سورة الاحزاب. آية40.
وكان التوجيه القرآني للرسول بالزواج من مطلَّقة (زيد بن حارثة) لأجل تأكيد تجاهل المشرع الاسلامي للعرف الجاهلي الانف، لتكون ممارسة الرسول رافعة لكل التباس قد يبقى عالقاً في الاذهان، علماً أن تزويج الرسول كان بعد تطليقها من جانب زيد بن حارثة فلم تكن هذه المرأة مرتبطة باكثر من رجل .
ثم انه لا يخفى أن من مهام الأنبياء هو إزالة العادات الخاطئة و السنن الظالمة و هذا ما فعله النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كما كان يفعل ذلك جميع الأنبياء من قبل في قضايا مشابه مع ما في مكافحة الخرافات من تخوف جدي و إحراج شديد ذلك لان ذلك يعد محاربة للتقاليد و السنن و الاعتقادات الراسخة و المتجذرة في عقولهم ، لكن مهمة الأنبياء لا تقبل التعلل و الخوف و المجاملة ، فهم يحملون على عواتقهم رسالة سماوية حمّلهم إياها رب العالمين ، و إلى هذه الحقيقة تشير الآية الكريمة : { مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا } [5] .
وأخيراً نقول :
أي ضرورة هذه التي تدعو سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدرج هذه الآية في القرآن فيقرأها الناس كلهم ، وهي من أول حرف فيها إلى آخر حرف عتاب للرسول شديد ، وكشف عما يخفيه في نفسه من معرفة أنه سيتزوج زينب بعد تطليق زيد لها ، ثم هي بيان لما يخشاه من كلام قومه إذا أقدم فتزوج مطلقة زيد - نقول أي ضرورة تدعو سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يدرج هذه الآية في القرآن، ويسجلها على مر الدهر كله ، لو لم يكن هذا القرآن كلام خالقه الذي لا يسعه أن يستخفي على حرف واحد منه ؟!
_________________________________________
الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض :
فإن قلت : فما معنى إذاً قوله تعالى في قصة زيد : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 37 ] .
فاعلم ـ أكرمك الله ، و لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه و سلم عن هذا الظاهر
و أن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذكر عن جماعة من المفسرين .
و أصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين ـ أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . و أخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها .
وروى نحوه عمرو بن فائد ، عن الزهري ، قال : نزل جبريل على النبي يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا : وكان أمر الله مفعولا ، أي لا بد لك أن تتزوجها .(10/70)
ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها ، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه و سلم مما كان أعلمه به تعالى .
و قوله تعالى في القصة : ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 37 ] .
فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر .
قال الطبري : ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل مثال فعله لمن قبله من الرسل ، قال الله تعالى : سنة الله في الذين خلوا من قبل ، أي من النبيين فيما أحل لهم ، ولو كان على ما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه و سلم عندما أعجبته ، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق به من مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا ، و لكان هذا نفس الحسر المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء ، فكيف سيد الأنبياء ؟ .
قال القشيري : و هذا إقدام عظيم من قائله ، و قلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه و سلم و بفضله .
و كيف يقال : رآها فأعجبته وهي بنت عمه ، و لم يزل يراها منذ ولدت ، و لا كان النساء
يحتجبن منه صلى الله عليه و سلم ، و هو زوجها لزيد ، و إنما جعل الله طلاق زيد لها ، و تزويج النبي صلى الله عليه و سلم إياها ، لإزالة حرمة التبني و إبطال سنته ، كما قال : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . و قال : لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 40 ] . و نحوه لابن فورك .
و قال أبو الليث السمرقندي : فإن قيل : فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه و سلم لزيد بإمساكها ؟ فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته ، فنهاه النبي صلى الله عليه و سلم عن طلاقها ، إذ لم تكن بينهما ألفة ، و أخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس : يتزوج إمرأة ابنه ، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته ، كما قال تعالى : لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 37 ] .
و قد قيل : كان أمره لزيد بإمساكها قمعاً للشهوة ، و رداً للنفس عن هواها . و هذا إذا جوزنا عليه أنه رآها فجأة و استحسنها . و مثل هذا لا نكرة فيه ، لما طبع عليه ابن آدم من استحسانه للحسن ، و نظرة الفجاءة معفو عنها ، ثم قمع نفسه عنها ، و أمر زيداً بإمساكها ، و إنما تنكر تلك الزيادات في القصة . و التعوي ل و الأولى ما ذكرناه عن علي بن حسين ، و حكاه السمرقندي ، و هو قول ابن عطاء ، و صححه و استحسنه القاضي القشيري ، [ و عليه عول أبو بكر بن فورك ، و قال : إنه معنى ذلك عند المحققين من أهل التفسير ، قال : و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عن استعمال النفاق في ذلك ، و إظهار خلاف ما في نفسه ، و قد نزهه الله عن ذلك بقوله تعالى : ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ، و من ذلك بالنبي صلى الله عليه و سلم فقد أخطأ .
قال : و ليس معنى الخشية هنا الخوف ، و إنما معناه الاستحياء ، أي يستحي منهم أن يقولوا : تزوج زوجة ابنة ] .
و أن خشيته صلى الله عليه و سلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين و اليهود و تشغيبهم على المسلمين بقولهم : تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء ، كما كان ، فعتبة الله على هذا ، و نزهه عن الالتفاف إليهم فيما أحله له ، كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله : لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم . و كذلك قوله له ها هنا : وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 37 ] .
و قد روي عن الحسن و عائشة : لو كتم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ شيئاً كتم هذه الآية لما في من عتبه و إبداء ما أخفاه
_______________________________
[1] سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 36 .
[2] سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 37 .
[3] سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 37 و 38 .
[4] الكامل في التاريخ : 2 / 177.
[5] سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 38 .
[6] يراجع : مفاتيح الغيب : 25 / 212 ، للفخر الرازي ، و روح المعاني : 22 / 23،24 ، للآلوسي .
تقول:-بل شواهدي كلها من المصادر الإسلامية، القرآن والأحاديث وكتبة المسلمين من الأئمة والمؤرخين والمفكرين وكلهم مسلمون,, ويمكنك الرجوع إلى مصادري لمعرفة الحق وإذا كانت لديك رغبة في الانطلاق للحياة الأفضل.
لم تعطي مصدر صحيح معترف به صادق يا كذاب ولا حتى تفسير ولقد اثبت لك انك تربط امور غير متعلقه ببعضها البعض.
ألا لعنة الله عليك.
والحمد لله يتبع:-
.............................
ثم يستمر الكذب والأفتراء على خير خلق الله ويقول:-
فهو الوحيد من جنس البشر الذي أحل له الله - كما يدّعي القرآن - أن ينكح أية امرأة تدعوه لذلك!! ولا يشترط أن تكون زوجته أو من جواريه،
نقول لك حسبي الله ونعم الوكيل واعتقد انك تعرف ما معنى حسبي الله ونعم الوكيل(10/71)
من اين اتيت بمثل هذا الكلام هل اذا جاءت امرأه صالحه لرجل صالح وقالت له تزوجني اصبح عارا وحراما....ثم مادليلك انه لا يتزوجها
فلقد اعترفت انت بنفسك ان ينكح أي يتزوج والنكاح هو الزواج عكس السفاح الذي هو الزنى الذي يفعله انبياؤك بل ان ربك يأمر الأنبياء بأن يأخذوا امرأ زانيه والرسول يتزوج فأيهم خير ربي ام ربك المثلث .
وتقول:-
بل يشترط أن تكون مؤمنة فقط!! وتهب جسدها له فيعاشرها بدون حساب من الله!!
ونقول حسبي الله ونعم الوكيل
لعنك الله يا ملعون تكذب اين دليلك وما هو صدقك اين الكتاب الذي قال هذا .. غيركم يا كفار اين الدليل يا حقير.
يقول القرآن في ذلك:
,,, وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً,
اين العيب زواج نبي من امرأه مالعيب هل الزواج عيب.
ثم تقول أتي بالمصدر اين التفسير يا دجال
وتقول؟:-
بالطبع هذا كلام جارح يخدش الحياء, ومن الكفر أن ننسب مثل هذه الخطايا إلى الله كلي القداسة,
ونقول صدقت وانت كذوب:-
نعم كلا م كفر ها انت تعترف انك كافر لأنك من نسبت هذا الكلام والأسلام برئ منه شكرا لك وفرت علينا.
وتقول:-
والعجيب أن السماح له بمعاشرة النساء بالهبة يأتي بعد قائمة طويلة من النساء المسموح له بمعاشرتهن
ونقول:- حسبي الله ونعم الوكيل.
تقول القائمه الطويله مبالغه
يا باشا تسعه وانبياؤك وصلوا المئه والألف ... ثم لماذا تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى ونقرأ:- سويا بعيدا عن الكذب وحقد اليهود والنصارى:-
هذا الرد من برنامج حاليمو اسمه كشف كذب اللئيم حول الإسلام العظيم كاملا بدون نقص:-
يحاول الحاقدون على الإسلام من النصارى أن يثيروا الشبهات في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، فكيف ندحض هذه الشبهة ونلقم أصحابها الحجارة في حلوقهم؟
الجواب :
نقول لهؤلاء النصارى :
إنكم تزعمون أن تعدد الزوجات عيب يخل بمقام النبوة ، وبديهي أن الزنا الصريح أشد عيباً وفظاعة من تعدد الزوجات ( على فرض أن الزواج عيب ) . وأن الزنا بإمرأة القائد المخلص وقتله للإستيلاء على إمرأته أشد فظاعة ونكراً من الزنا العادي . وأن الزنا بالبنات والمحارم أشد فظاعة وجرماً من الزنا بإمرأة القائد وأن خيانة الله سبحانه وخداعه في أمر الرسالة أشد جرماً من الزنا في ذاته ، وهذه الأمور كلها قد ذكرها كتابكم المقدس صراحةً وألصقها بالأنبياء الكرام الذي عبرعنهم كتابكم المقدس بأنهم أولاد الله الأبكار ! وأنتم مع ذلك تؤمنون بكتابكم المقدس وتؤمنون بأن هؤلاء الأنبياء الذين ارتكبوا هذه الجرائم والموبقات من كبار الأنبياء
وتؤمنون أيضاً أن ارتكاب الانبياء لهذه الخطايا والجرائم ليس فيه اسقاط لنبوتهم .
على أن تعدد الأزواج قد وجد في الأنبياء العظام كإبراهيم وداود ويعقوب وسليمان وغيرهم كما نص بذلك كتابكم المقدس وبالتالي كيف يصح لعاقل منكم قرأ كتابه المقدس أن يعيب ويطعن على محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين عدد من النساء ؟!
ألا يعلم المبشرون أن طعنهم على كتاب الله ونبي الله بهذه الحالة هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟! لأن البداهة تقضي بأن يقول الناس إذا كان تعدد الأزواج عيباً ينافي النبوة فالزنا الصريح والشرك والخيانة التي اثبتها كتابكم المقدس في حق نبي الله داود وسليمان الحكيم تنافي النبوة من باب أولى ومع هذا فلا يمكن للمبشرين أن يسقطوا ويطعنوا في نبوة هؤلاء الانبياء وبالتالي أصبح النصارى أمام أمرين :
إما أن يكفوا عن الكلام في موضوع تعدد زوجات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وإما أن يعترفوا بأن كتابهم المقدس الذي نقل عن الانبياء انهم عددوا في الأزواج وأن منهم زناة ومجرمين وخطاة هو من المحرف . . .
أيها السائل الكريم :
لقد درج أعداء الإسلام منذ القديم على التشكيك في نبي الإسلام والطعن في رسالته والنيل من كرامته، ينتحلون الأكاذيب والأباطيل ليشككوا المؤمنين في دينهم، ويبعدوا الناس عن الإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم، ولا عجب أن نسمع مثل هذا البهتان والافتراء والتضليل في حق الأنبياء والمرسلين، فتلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وصدق الله حيث يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31].
وقبل أن نتحدث عن أمهات المؤمنين الطاهرات وحكمة الزواج بهن نحبّ أن نرد على شبهة سقيمة طالما أثارها كثير من الأعداء من الصليبيين الحاقدين والغربيين المتعصبين.(10/72)
رددوها كثيرًا ليفسدوا بها العقائد ويطمسوا بها الحقائق ولينالوا من صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه إنهم يقولون: "لقد كان محمد رجلاً شهوانيًا يسير وراء شهواته وملذاته ويمشي مع هواه، لم يكتف بزوجة واحدة أو بأربع كما أوجب على أتباعه، بل عدَّد الزوجات فتزوج عشر نسوة أو يزيد سيرًا مع الشهوة وميلاً مع الهوى".
كما يقولون أيضًا: "فرق كبير وعظيم بين عيسى وبين محمد، فرق بين من يغالب هواه ويجاهد نفسه كعيسى بن مريم وبين من يسير مع هواه ويجري وراء شهواته كمحمد"، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].
حقًا إنهم لحاقدون كاذبون فما كان محمد عليه الصلاة والسلام رجلاً شهوانيًا إنما كان نبيًا إنسانيًا تزوج كما يتزوج البشر، ليكون قدوة لهم في سلوك الطريق السوي، وليس هو إلهًا ولا ابن إله كما يعتقد النصارى في نبيهم، إنما هو بشر مثلهم فضَّله الله عليهم بالوحي والرسالة، {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110].
ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه بدعًا من الرسل حتى يخالف سنتهم أو ينقض طريقتهم فالرسل الكرام قد حكى القرآن الكريم عنهم بقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد: 38]
فعلام إذًا يثيرون هذه الزوابع الهوج في حق خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام؟ ولكن كما يقول القائل:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
وصدق الله حيث يقول: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} [الحج: 46]
رد الشبهة:
هناك نقطتان جوهريتان تدفعان الشبهة عن النبي الكريم وتلقمان الحجر لكل مفتر أثيم يجب ألا نغفل عنهما وأن نضعهما نصب أعيننا حين نتحدث عن أمهات المؤمنين وعن حكمة تعدد زوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين.
هاتان النقطتان هما:
أولاً: لم يعدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زوجاته إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين.
ثانيًا: جميع زوجاته الطاهرات ثيبات ـ أرامل ـ ما عدا السيدة عائشة رضي الله عنها فهي بكر، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي في حالة الصبا والبكارة، ومن هاتين النقطتين ندرك بكل بساطة تفاهة هذه التهمة وبطلان ذلك الادعاء الذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون.
فلو كان المراد من الزواج الجري وراء الشهوة أو السير مع الهوى أو مجرد الاستمتاع بالنساء لتزوج في سن الشباب لا في سن الشيخوخة، ولتزوج الأبكار الشابات لا الأرامل المسنات، وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب والنعمة: ((هل تزوجت؟)) قال: نعم، قال: ((بكرًا أم ثيبًا؟)) قال: بل ثيبًا، فقال له صلوات الله عليه: ((فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك)).
فالرسول الكريم أشار عليه بتزوج البكر وهو عليه السلام يعرف طريق الاستمتاع وسبيل الشهوة، فهل يعقل أن يتزوج الأرامل ويترك الأبكار ويتزوج في سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا كان غرضه الاستمتاع والشهوة؟!
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهجهم وأرواحهم، ولو أنه طلب الزواج لما تأخر أحد منهم عن تزويجه بمن شاء من الفتيات الأبكار الجميلات، فلماذا لم يعدد الزوجات في مقتبل العمر وريعان الشباب؟! ولماذا ترك الزواج بالأبكار وتزوج الثيبات؟! إن هذا بلا شك يدفع كل تقوُّل وافتراء ويدحض كل شبهة وبهتان ويرد على كل أفاك أثيم يريد أن ينال من قدسية الرسول أو يشوِّه سمعته، فما كان زواج الرسول بقصد الهوى أو الشهوة، وإنما كان لحكم جليلة وغايات نبيلة وأهداف سامية سوف يقر الأعداء بنبلها وجلالها إذا ما تركوا التعصب الأعمى وحكَّموا منطق العقل والوجدان، وسوف يجدون في هذا الزواج المثل الأعلى في الإنسان الفاضل الكريم والرسول النبي الرحيم، الذي يضحي براحته في سبيل مصلحة غيره وفي سبيل مصلحة الدعوة والإسلام.
إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
أولاً: الحكمة التعليمية.
ثانيًا: الحكمة التشريعية.
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية.
رابعًا: الحكمة السياسية.
أولاً: الحكمة التعليمية:
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هي تخريج بعض معلمات للنساء يعلمهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصيف المجتمع، وقد فرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.(10/73)
وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض والنفاس والجنابة والأمور الزوجية وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل، كما كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل، وكان كما تروي كتب السنة أشد حياءً من العذراء في خدرها، فما كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة بل كان يكني في بعض الأحيان ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام.
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فعلّمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل ثم قال لها: ((خذي فرصة ممسكة ـ أي قطعة من القطن بها أثر الطيب ـ فتطهري بها)) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: ((تطهري بها)) قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها: ((سبحان الله تطهري بها))، قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا وتتبعي بها أثر الدم. وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه، فكان صلوات الله عليه وسلم يستحي من مثل هذا التصريح.
وهكذا كان القليل أيضًا من النساء من تستطيع أن تتغلب على نفسها وعلى حيائها فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها، نأخذ مثلاً لذلك حديث أم سلمة المروي في الصحيحين وفيه تقول: جاءت أم سُليم ـ زوج أبي طلحة ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا رأت الماء)) فقالت أم سلمة: لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله: ((إذًا فيم يشبهها الولد؟)).
مراده عليه السلام أن الجنين يتولد من ماء الرجل وماء المرأة، ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهكذا كما قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان: 2]. قال ابن كثير رحمه الله: "أمشاج أي أخلاط والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس: يعني ماء الرجل وماء المرأة، إذا اجتمعا واختلطا..."
وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات، ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (رحم الله نساء الأنصار؛ ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين، وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن وعن طريقهن تفقه النساء في دين الله.
ثم إنه من المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هي تشمل قوله وفعله وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله عليه السلام في المنزل غير هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله، فكن أمهات للمؤمنين، وزوجات لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟!
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هديه عليه السلام، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ثانيًا: الحكمة التشريعية:
ونتحدث الآن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً بدعة التبني التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال؛ في الميراث والطلاق والزواج ومحرمات المصاهرة ومحرمات النكاح إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه، وكان دينًا تقليديًا متبعًا في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له: "أنت ابني، أرثك وترثني"، وما كان الإسلام ليقرهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجاهلة، فمهد لذلك بأن ألهم رسوله عليه السلام أن يتبنى أحد الأبناء ـ وكان ذلك قبل البعثة النبوية ـ فتبنى عليه السلام زيد بن حارثة على عادة العرب قبل الإسلام. وفي سبب تبنيه قصة من أروع القصص، وحكمة من أروع الحكم ذكرها المفسرون وأهل السير، لا يمكننا الآن ذكرها لعدم اتساع المجال. وهكذا تبنى النبيُ الكريم زيدَ بن حارثة، وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد.(10/74)
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت زيد بن شراحبيل)).
وقد زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بن جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه؛ لأنه كان عبدًا مملوكًا قبل أن يتبناه الرسول وهي ذات حسب ونسب.
ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها، ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37].
وهكذا انتهى حكم التبني، وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية، وكانت دينًا تقليديًا لا محيد عنه ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الإلهي الجديد {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} [الأحزاب: 40].
وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى، ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول بعض الأفاكين المرجفين من أعداء الله، وكان لغرض نبيل وغاية شريفة هي إبطال عادات الجاهلية وقد صرّح الله عز وجل بغرض هذا الزواج بقوله: {لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} [الأحزاب: 37].
وقد تولى الله عز وجل تزويج نبيه الكريم بزينب امرأة ولده من التبني، ولهذا كانت تفخر على نساء النبي بهذا الزواج الذي قضى به رب العزة من فوق سبع سماوات.
روى البخاري بسنده أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات)، وهكذا كان هذا الزواج للتشريع وكان بأمر الحكيم العليم فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله: {وَمَا أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية:
أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية، وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه، وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العدد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا لديه ألا وهو أبو بكر الصديق الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام حتى قال عليه السلام كما في الترمذي مشيدًا بفضل أبي بكر: ((ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، وما عرضت الإسلام على أحد إلا تردد ما عدا أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى)).
فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم مكافأة لأبي بكر في الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق، كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر، فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه وصدقه وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجل سياسته، وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين.(10/75)
كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من نظرة.
رابعًا: الحكمة السياسية:
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
أولاً: تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك، فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في الأسر ـ فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله وأصبحوا من المؤمنين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.
أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، فجاءت إلى الرسول فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، وقد كاتبني ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي فقال عليه السلام: ((أو خير من ذلك؟)) فقالت: ما هو؟ فقال: ((أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)) فقالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: ((قد فعلت)) وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه عليه السلام بنت سيد قومه.
ثانيًا: وكذلك تزوجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب التي أسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر، ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضوا الأمر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين أمرين:
أ ـ إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.
ب ـ وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.
فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له، وذلك لما رأته من جلالة قدره وعظمته وحسن معاملته، وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس.
روي أن صفية رضي الله عنها لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله، فقالت يا رسول الله: إن الله يقول في كتابه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، فقال لها الرسول الكريم: اختاري فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت: يا رسول الله: لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي، فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.(10/76)
ثالثًا: وكذلك تزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك وألد الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسلمت ابنته في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارًا بدينها، وهناك مات زوجها، فبقيت وحيدة فريدة لا معين لها ولا أنيس، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها، فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سرورًا لا يعرف مقداره إلا الله سبحانه؛ لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردة أو عذبوها عذابًا شديدًا، وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار مع هدايا نفيسة، ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقر ذلك الزواج وقال: "هو الفحل لا يقدع أنفه"، فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للإسلام، ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان، فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله ومن أشدهم عداء له وللمسلمين، فكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة
واعتقد هل مازال عندك اعتراض ام ستفكر بكذبه جديده يا مجرم
وأقول لكي ازيدك غيظا وخوفا
حسبي الله ونعم الوكيل
================
تقول:-أن النبي كان عفيفاً زاهداً، ولم يأخذ صدقة من أحد, وقلت أن هذا علامة على صدق رسالته، وأعطيت دليلاً على ذلك بواقعة المنافق الكبير سلمان
ونقول حسبي الله ونعم الوكيل:-
انت يا منافق لماذا كل هذا الحقد على سلمان لأنه كشف حقيقتكم وكشف ان الكتاب قبل ان يتم فيه تعديلات اخرى وتغيير كان الرسول مذكور فيه وحتى الأن يوجد لكن ليس كما في قبل
منافق اخبرني ما هي صفات الكافر والمنافق لتعرف بعدها من انت.
وتقول:-
الفارسي وحفنة التمر التي رفضها النبي، فهتف سلمان قائلاً بنفاق:
صدقت يا رسول الله
ونقول:- حسبي الله ونعم الوكيل
هل قفز هاتفا لماذا تكذب يا باشا .. لماذا لم تخبر بباقي العلامات التي بعدها اطمئن سلمان بأنه الرسول الحق هل تريد ان تخبر اولياءك بشئ اخر هو انها جاءت ملفقه ..... عيب الكذب
لماذا لم تذكر خاتم النبوه لماذا لم تذكرها اذكر القصة كامله يا جبان.[/size]
اتمنى من الأخوه التعاون.
===================
الرد على شبهات عديدة
أولاً: استهزأ النصراني برسول الله عندما أراد علي بن أبي طالب الزواج من ابنة أبي جهل (المسلمة) حينما صعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المنبر وقال بما معناه، إما أن يطلق ابنتي أو يتزوج ابنة أبي جهل، فوالله الذي نفسي بيده لا تجتمع ابنة رسول الله مع ابنة عدو الله تحت سقف واحد، فقام علي وطلق ابنة أبي جهل،
فقال أين العدل في ذلك.
ثانيا: استهزأ النصراني أيضا بقيام رسول الله بهدم الأصنام في مكة واصفا إياه بأنه يتنافى مع قولة تعالى: لكم دينكم ولي دين؟
لم يطلق علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنة أبي جهل لأنه لم يتزوجها أصلاً، وإنما خطبها، ولما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس على منبره فقال: إن فاطمة بضعة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة عدو الله مكاناً واحداً أبداً. فترك علي الخطبة. والحديث في الصحيحين ومسند الإمام أحمد واللفظ له.
وقد بين الإمام النووي في شرح صحيح مسلم علة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين ابنة رسول الله وابنة عدو الله تحت سقف واحد: فقال رحمه الله تعالى: قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي، وهذا بخلاف غيره، قالوا وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم لست أحرم حلالاً، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين: إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة. والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع. ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى لا أحرم حلالاً أي لا أقول شيئاً يخالف حكم الله فإذا أحل شيئاً لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله. انتهى.(10/77)
وأما اعتقاد ذلك النصراني أن هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للأصنام يتنافى مع قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {الكافرون:6}، فهذا جهل فاضح، فليس معنى الآية أنكم لا تتعرضون لي وفي المقابل أنا لا أتعرض لدينكم وأصنامكم التي تعبدونها من دون الله، فإن هذه هي المداهنة التي كان يبغيها الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ {القلم:9}، وقد بين معنى الآية التي هي محل الاستشكال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة (الكافرون) فقال ما نصه:
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه فقوله تعالى: قل يا أيها الكافرون يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش، وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: لا أعبد ما تعبدون يعني من الأصنام والأنداد "ولا أنتم عابدون ما أعبد وهو الله وحده لا شريك له، فما ههنا بمعنى من، ثم قال: ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ولهذا قال: ولا أنتم عابدون ما أعبد أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى.
فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله أي لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم،
والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله، ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لكم دينكم ولي دين، كما قال الله تعالى: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ. وقال: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. انتهى كلام ابن كثير.
والله أعلم
===================
لماذا لم تدون السنة كما دون القرآن ؟
نجح كثير من المستشرقين في العصور المتأخرة في التأثير على عقول بعض المسلمين ، فانخدعوا بكتاباتهم ودراساتهم حول الإسلام ، وهماً منهم أنها قامت على الموضوعية والحياد والإنصاف والتجرد في البحث العلمي ، ومن ثم اقتفوا آثارهم ، ورددوا دعاواهم التي لم يقيموا عليها أي بينة ، بل زادوا عليها من أنفسهم ، وكل هؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم باسم البحث والمعرفة وحرية النقد ، وهم أبعد ما يكون عن العلم الصحيح والبحث القويم والنقد النزيه .
وبذلك جاءت كتابات هذا الفريق من تلامذة المستشرقين وأذنابهم حول الإسلام عموماً والحديث النبوي خصوصاً لا تقلٌّ - إن لم تكن قد فاقت - كتابات المستشرقين في إثارة الشبه والتشكيك في مصادر الشريعة الإسلامية ، فكانت تلك الكتابات في حقيقتها ما هي إلا مرآة وصدى لأفكار المستشرقين التي تأثروا بها .
وكان من هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده ، ثم تلاه " أحمد أمين في كتابه" فجر الإسلام " الذي عقد فيه فصلاً خاصاً أتى فيه بأفكار وآراء حول الحديث ، وهي لا تخرج في جملتها عن أفكار وآراء المستشرقين من غير أن ينسبها إليهم , ثم تسلم الراية بعدهم محمود أبو رية الذي ألف كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، فنشر فيه مزاعم واتهامات حول الحديث النبوي ، وخلط بين ما قاله من سبقه من المستشرقين ، ومن سار على منهجهم من المسلمين ، فجاء كتابه مزيجاً من مختلف الآراء التي قيلت للتشكيك في الحديث النبوي ورجاله ، وإظهار السنة بمظهر الاختلاف والتناقض والتحريف .
وكان غرضهم من ذلك التشكيك في الحديث النبوي كمصدر ثانٍ من مصادر التشريع الإسلامي ، عن طريق الطعن في حجية السنة ، وإثارة الشبه حولها حتى يترك العمل بها من قبل المسلمين .
ومن هذه الشبه التي رددها أذناب المستشرقين قولهم : " لوكانت السنة ضرورية لحفظها الله كما حفظ القرآن في قوله تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها كما أمر بكتابة القرآن " (1) .(10/78)
وقولهم في الحديث الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم : - ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ) ، : " لو كان هذا الحديث صحيحاً لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابة السنة ، ولأمر بتدوينها كما دون القرآن ، ولا يمكن أن يدع نصف ما أوحي إليه بين الناس بغير كتابة ، ولا يكون حينئذ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كاملة إلى أهلها ، ولماذا ترك الصحابة نصف الوحي ولم يدونوه ، فبإهمالهم له يصبحون جميعاً من الآثمين " (2) .
وجواباً على هذه الشبه نقول : إن الله عز وجل كما أراد لهذه الشريعة البقاء والحفظ ، أراد سبحانه أيضاً ألا يكلف عباده من حفظها إلا بما يطيقون ولا يلحقهم فيه مشقة شديدة ، فمن المعلوم أن العرب كانوا أمة أمية ، وكان يندر فيهم الكتبة ، وكانت أدوات الكتابة عزيزة ونادرة ، حتى إن القرآن كان يكتب على جريد النخل والعظام والجلود ، وقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم -بين أصحابه بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة ، ولهذا كان التكليف بكتابة الحديث كله أمرا ًفي غاية الصعوبة والمشقة ، لأنه يشمل جميع أقواله وأفعاله وأحواله وتقريراته - صلى الله عليه وسلم - ، ولِما يحتاجه هذا العمل من تفرغ عدد كبير من الصحابة له ، مع الأخذ في الاعتبار أن الصحابة كانوا محتاجين إلى السعي في مصالحهم ومعايشهم ، وأنهم لم يكونوا جميعا يحسنون الكتابة ، بل كان الكاتبون منهم أفراداً قلائل ، فكان تركيز هؤلاء الكتبة من الصحابة على كتابة القرآن دون غيره حتى يؤدوه لمن بعدهم تامًا مضبوطًا لا يُنْقص منه حرف .
ومن أجل ذلك اقتصر التكليف على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً حتى جمع القرآن كله في الصحف .
وكان الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين فيختلط القرآن بغيره - وخصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي - أحد الأسباب المهمة التي منعت من كتابة السنة .
ثم إنه لم يحصل لحفاظ السنة في عهد الصحابة ما حصل لحفاظ القرآن ، فقد استحرَّ القتل بحفاظ القرآن من الصحابة ، أما السنة فإن الصحابة الذي رووا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كثر ، ولم يحصل أن استحر القتل فيهم قبل تلقي التابعين عنهم
ومن الأسباب أيضاً أن السنة كانت متشعبة الوقائع والأحداث فلا يمكن جمعها كلها بيقين ، ولو جمع الصحابة ما أمكنهم فلربما كان ذلك سبباً في رد من بعدهم ما فاتهم منها ظناً منهم أن ما جمع هو كل السنة .
ثم إن جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن كان عرضة لأن يُقبِل الناس على تلك الكتب ، ويدعوا القرآن ، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها عن طريق الرواية ، وبعض الكتابات الخاصة .
أضف إلى ذلك أن القرآن يختلف عن السنة من حيث أنه متعبد بتلاوته ، معجز في نظمه ولا تجوز روايته بالمعنى ، بل لا بد من الحفاظ على لفظه المنزل ، فلو ترك للحوافظ فقط لما أمن أن يزاد فيه حرف أو ينقص منه ، أو تبدل كلمة بأخرى ، بينما السنة المقصود منها المعنى دون اللفظ ، ولذا لم يتعبد الله الخلق بتلاوتها ، ولم يتحداهم بنظمها ، وتجوز روايتها بالمعنى ، وفي روايتها بالمعنى تيسير على الأمة وتخفيف عنها في تحملها وأدئها .
وقد بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - الدين كله وشهد الله له بهذا البلاغ فقال سبحانه :{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } (المائدة 67) ، ووجود السنة بين الأمة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم فيه أبلغ دلالة على تبليغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياها لأمته وبالتالي لم يضع نصف ما أوحاه الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما زعم الزاعمون - ، بل الجميع يعلم أن الصحابه رضي الله عنهم كانوا يتمتعون بحوافظ قوية ، وقلوب واعية ، وذكاء مفرط ، مما أعانهم على حفظ السنة وتبليغها كما سمعوها ، مستجيبين في ذلك لحث نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله : ( نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فحفظها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ) رواه الترمذي وغيره .
فتم ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - من حفظ السنة وتبليغها ، ويكون بذلك - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ دين الله عز وجل كاملاً ولم ينقص منه شيئاً
الشبكه الاسلاميه
===================
إذا كان من المعلوم أن الذهب حرام على الرجال فكيف ركب الرسول لذلك الصحابي الجليل الذي قطعت أنفه في أحد الغزوات أنفا من ذهب وكذلك سمح لرجل [ سراقة بن مالك] أن يرتدى سواري كسرى من الذهب بعد سقوط كسرى بالرغم من أن الذهب حرام على الذكور ؟؟؟؟؟
أما الذهب فقد ورد النهي عنه كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه: ونهانا عن التختم بالذهب. متفق عليه.
والنهي خاص بالرجال، لحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني(10/79)
ولا يجوز استعماله للرجال إلا في حالة الضرورة والعلاج، كما في قصة عرفجة بن سعد رضي الله عنه لما قطعت أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق "فضة" فأنتن عليه فأمره صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب. رواه أبو داود فهذا من باب العلاج لا من باب الحلية والزينة.
وقصة سراقة رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم كيف بك يا سراقة وقد لبست سواري كسرى. لا تفيد جواز لبس الذهب للرجال، فقد كانت في طريق هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ودلت على معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم ألا وهي إخباره لسراقة بما سيقع والإسلام يومئذ فيما هو عليه من الضعف، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن سقوط مملكة فارس وغنيمة المسلمين لحلي كسرى،
ولما وقع ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجيء بسواري كسرى ألبسهما سراقة بن مالك تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم ثم ردهما إلى الغنيمة فهي إخبار عما سيقع وليست تشريعا لحكم،... ثم إن ذلك كان في بداية الإسلام، وقد كان الذهب مباحا كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه ويجعل فصه في باطن كفه فصنع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل فرمى به وقال والله لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
فنسخ حكم إباحة لبسه للرجال وحرم عليهم إلا عند الضرورة والعلاج.
والله أعلم
===================
ما صحة الحديث...أن امرأة (أم أيمن) شربت بوله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليها كما رواه الدارقطني و صححه القاضي عياض في الشفاء؟
أيضاَ هذه قصة مذكورة عنها في كتب التراجم. كيف نفهم هذه الرواية؟ هل هذا من خصائص النبي ؟ : نص السؤال
أجاب عنها الشيخ: فريح بن صالح البهلال
الحمد لله، حديث شرب المرأة بول النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني وأبو نعيم وابن أبي عاصم وابن عبد البر والمزي.
من طريق الحجاج بن محمد المصيصي، ثنا ابن جريح قال: أخبرني حُكَيْمةُ بنت أُمَيْمَة بنت رُقَيْقَة، عن أمها أُمَيْمَة، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عَيدان يبول فيه، ثم يضعه تحت سريره، ثم جاء فأراده، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة كانت تخدم أم حبيبة جاءت بها من أرض الحبشة: " أين البول الذي كان في القد ؟ قالت: شربته. فقال: " لقد احتظرت من النار بمظار " أو بجُنَّة من نار ".[قال البكي في المنهل العذب: حسنه النووي والحافظ ابن حجر والمناوي في شرحه الكبير وصححه الحاكم في مستدركه وذكره ابن حبان في صحيحه " اهـ.
قلت وصححه السيوطي والألباني وعبد الحق الإشبيلي وغيرهم.
ورواه ابن السكن والطبراني وأبو نعيم، من طريق عبد الملك بن حسين أبي مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن أم أيمن، قالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فخارة يبول فيها بالليل، فكنت إذا أصبحت صببتها، فنمت ليلة وأنا عطشانة، فغلطت فشربتها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فضحك حتى بدت نوجذه، وقال: " إنك لا تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبداً ".
وفي رواية: " فقمت من الليل، وأنا عطشانة فشربت ما فيها، وأنا لم أشعر " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أما إنك لا تتجعين بطنك أبداً ".
قال الدار قطني: تفرد به أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين، عن الأسود ابن قيس، عن نبيح " اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: أبو مالك ضعيف ونبيح لم يلحق أم أيمن ".
وهذه القصة ذكرها السيوطي في الخصائص الكبرى تحت باب " الاستشفاء ببوله - صلى الله عليه وسلم - ".
هذا والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
رد اخر
جاء في كتاب ( بيان الوهم والإيهام..) لابن القطان الفاسي – رحمه الله – 5/513-516 :( كان للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قدح من عَيدان تحت سريره يبول فيه بالليل. ثم قال – عبد الحق – كذا قال الدارقطني: إن هذا الحديث يلحق بالصحيح، أو كلاما هذا معناه. انتهى كلامه أي عبد الحق.
فأقول – وبالله التوفيق-: وهذا أيضا جار مجرى ما نقل من مصححات الترمذي، أو مخرجات البخاري[ أو مسلم، فإنه يقلدهم في تصحيحهم إياه] إياه، وقد كان ينبغي أن لا يقلدهم [ في ذلك وهذا الحديث فيه راو إما أن فيه] ضعفا، أو أنه مجهول.
وإن لم يحصل علمَ ذلك، ولم يكن عنده إلا تقليد الدارقطني فيما قال، فاعلم أن الدارقطني لم يقض على هذا الحديث بصحة، ولا يصح له ذلك، وإنما الأمر فيه على ما أصف:
وذلك أن البخاري ومسلما، لم يخرجا عن رجل لم يرو عنه إلا واحد، بل لا بد أن يكون كل من يخرجان عنه، قد روى عنه اثنان فأكثر، فلذلك لم يخرجا حديث عروة بن مضرس، وقيس بن أبي غرزة، وأمثالهما من الصحابة الذين أحاديثهم صحيحة، ولكنها ليست على شرطهما.(10/80)
وبهذا الاعتبار عمل الدارقطني كتابا بين فيه أن هناك رجالا ترك البخاري ومسلم الإخراج لما صح من أحاديثهم؛ فإنهم بهذه الصفة، أي قد روى عن كل واحد منهم راويان فأكثر.
وأن هناك رجالا أخرج عنهم ولم تحصل لهم هذه الصفة، وإنما روى عن كل واحد منهم واحد فقط.
وإنما يعني بذلك في علمه، فكان مما ذكر الدارقطني في هذا الكتاب أن ترجم ترجمة نصها: ( ذكر أحاديث رجال من الصحابة، رووا عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – رويت أحاديثهم من وجوه صحاح – ليست في الإلزامات المطبوعة قال المحقق – لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا، فلزم إخراجها على مذهبهما، وعلى ما قدمنا مما أخرجا، أو أحدهما) هذا نص ترجمته.
ومعناها: هو أن رجالا من الصحابة رووا أحاديث صحت عنهم برواية الثقات، فصلح كل واحد منهم لأن يخرج في الصحيحين من حديثه ما صح سنده، فلم يخرجا من أحاديثهم شيئا فلزم إخراجها على مذهبه.
ثم ذكر الدارقطني في هذه الترجمة أميمة بنت رقيقة، روى عنها محمد بن المنكدر، وابنتها حكيمة.
لم يزد على هذا، ولا عين ما رويا عنها، ولا قضى لحكيمة بثقة ولا ضعف، ولا لشئ مما روت.
وهذه عادته في هذا الكتاب، فإنه إنما أشار إلى الرواة الذين ثبت لهم عنده هذا الحكم وصلحوا به[ لأن يدخلوا في الصحيح، ورويت] عنهم الأحاديث فجاء بعده أبو ذر الهروي[ فعمل مستخرجا على ذ] لك الكتاب من غير قضاء عليه ولا على شئ منه بصحة ولا ضعف، لا منه ولا من الدارقطني.
فكان مما أخرج حديث محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة في متابعتها للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقوله لها: إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة.
وهو حديث صحيح لثقة رواته.
ثم أورد لها حديث ابنتها حكيمة في قصة القدح من العيدان.
ولم يقض فيه بصحة ولا بضعف، ولا في حكيمة بتعديل ولا تجريح.
فالحديث المذكور، متوقف الصحة على العلم بحال حكيمة المذكورة، فإن ثبتت ثقتها صحت روايتها، وهي لم تثبت، واعتماد فعل الدارقطني في ذلك غير كاف، وفعل الهروي بعده أبعد. والله أعلم).
هنا قال ابن الملقن : قد ذكرها ابن حبان في ثقاته فثبتت والحمد.
واحتج هنا الشيخ ناصر الملة والدين – رحمه الله – في توثيق حكيمة – مع توثيق ابن حبان - بقول الإمام الذهبي في آخر الميزان 4/604: ( فصل في النساء المجهولات) قال: وما علمت في النساء من اتهمت، ولا من تركوها.
---------------
وهذا شرح أخر
http://www.al-eman.com/Islamlib/view...ن-يبول-فيه#SR1
6858 - ( كان له قدح من عيدان ) بفتح العين المهملة وسكون التحتية ودال مهملة جمع عيدانة وهي النخلة السحوق المتجردة والمراد هنا نوع من الخشب وكان يجعل ( تحت سريره ) أي موضوع تحت سريره قال ابن القيم : وكان يسمى الصادر قال الراغب : والسرير مأخوذ من السرور لأنه في الغالب لأولي النعمة قال : وسرير الميت تشبيه به في الصورة وللتفاؤل بالسرور ( يبول فيه بالليل ) تمامه كما عند الطبراني بسند قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح فقام وطلبه فلم يجده فسأل فقالوا : شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة فقال : لقد احتظرت من النار بحظار اهـ . قيل وذا الخبر لا يعارضه خبر الطبراني أيضاً في الأوسط بإسناد قال الولي العراقي :
جيد لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول لأن المراد بانقاعه طول مكثه وما في الإناء لا يطول مكثه بل تريقه الخدم عن قرب ثم يعاد تحت السرير لما يحدث والظاهر كما قاله الولي العراقي أن هذا كان قبل اتخاذ الكنف في البيوت فإنه لا يمكنه التباعد [ ص 178 ] بالليل للمشقة أما بعد اتخاذها فكان يقضي حاجته فيها ليلاً ونهاراً وأخذ من تخصيص البول أنه كان لا يفعل الغائط فيه لغلظه بالنسبة للبول ولكثافته وكراهة ريحه، والليل أنه كان لا يبول فيه نهاراً وفيه حل اتخاذ السرير وأنه لا ينافي التواضع لمسيس الحاجة إليه سيما الحجاز لحرارته وحل القدح من خشب النخل ولا ينافيه ما مر من حديث أكرموا عمتكم النخلة لأن المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها كما تقدم فإذا انفصل منها شيء وعمل إناء أو غيره زال عنه اسم النخلة فلم يؤمر بإكرامه وأما الجواب بأن بوله فيه ليس إهانة بل تشريفاً فغير قويم لاقتضائه اختصاص الجواز به ولا كذلك وفيه حل البول في إناء في البيت الذي هو فيه ليلاً بلا كراهة حيث لم يطل مكثه فيه كما تقرر أما نهاراً فهو خلاف الأولى حيث لا عذر لأن الليل محل الأعذار بخلاف النهار وبول الرجل بقرب أهل بيته للحاجة قيل وحل الاستنجاء بغير ماء إذ لو استنجى به في القدح لعاد رشاشه عليه وقطع النخل للحاجة انتهى . وهما ممنوعان أما الأول فلوضوح جواز كونه استنجى بالماء خارج القدح في إناء آخر أو في أرض ترابية ونحوها وأما الثاني فلا يلزم كون القدح إنما يصنع من نخل مقطوع بل المتبادر أنه من الساقط لنحو هبوب ريح أو ضعف وفيه مشروعية الصناعات ونحو ذلك مما لا يتم المعاش إلا به .(10/81)
--------------
رواه أبو داود والنسائي .
الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم . ورواه أبو ذر الهروي في مستدركه وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطني والطبراني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن قالت : ( قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الليل إلى فخارة له في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال : يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة قلت : قد واللَّه شربته قال : فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : أما واللَّه لا يبعجن بطنك أبدًا ) .
ورواه أبو أحمد العسكري بلفظ : ( لن تشتكي بطنك ) وأبو مالك ضعيف ونبيح لم يلحق أم أيمن
===================
اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب مطامع دنيوية
من الشبه التي أثارها أعداء الإسلام ، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، للوصول إلى الطعن في دعوته ، وإبعاد الناس عنها ، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية ، لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة ، ولكنه بعد هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه ، ابتغاء تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية.
وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق الإنجليزي اليهودي ، حيث قال : "عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب ...وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد ، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة ، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبل ونابليون من بعد " .
والحق فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم ، والمتأمل في تاريخ دعوته، يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي، يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها ، وهذا رد إجمالي على هذه الشبهة، أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي :
1-أن ما ذُكر في هذه الشبهة لا يوجد عليه دليلٌ في واقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كان كما قيل لعاش عيش الملوك ، في القصور والبيوت الفارهة ، ولاتخذ من الخدم والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك المطامع المزعومة ، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إذ كان في شظف من العيش، مكتفياً بما يقيم أود الحياة ، وكانت هذه حاله صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.. ، يشهد لهذا أنّ بيوته صلى الله عليه وسلم كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته .
وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه ، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته ، ولم يكن له من الطعام إلا الأسودان - التمر والماء- ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة : ( ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء ) متفق عليه. وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة بما يدل على خلاف ما يزعمه الزاعمون .
2-ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرف به النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث عليه أصحابه ، فقد صح عنه أنه قال : ( إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) متفق عليه ، وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء ، فقال : ( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم .
3-ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته ، فرفض ذلك كله ، وفضل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته ، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء .
4-أنّ الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ولا صاحب شهوة، بل كان هدفه الأوحد والوحيد إبلاغ دين الله للناس ، وإزالة العوائق المعترضة سبيل الدعوة ، فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن بقوله : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ) رواه البخاري .
فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً ، قبل دعوته إلى الإسلام ، الذي تصان به الدماء والحرمات .(10/82)
5-ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إلا أقل القليل ، ففي الصحيح عن عمرو بن الحارث قال : ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ، ولا ديناراً ، ولا عبداً ، ولا أمة ، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة ) رواه البخاري ، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد ، إلا شطر شعير في رف لي ) متفق عليه .
6-وكما قيل : فإن الحق ما شهدت به الأعداء ، فقد أجرى الله على ألسنة بعض عقلاء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة ، من ذلك ما قاله "كارليل" : "أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره، حمق وأيم الله ، وسخافة وهوس " .
ويقول : "لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ، ومأكله ، ومشربه ، وملبسه ، وسائر أموره وأحواله ...فحبذا محمد من رجل خشن اللباس ، خشن الطعام ، مجتهد في الله ، قائم النهار ، ساهر الليل ، دائباً في نشر دين الله ، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال ، من رتبة ، أو دولة ، أو سلطان ، غير متطلع إلى ذكر أو شهوة " .
7-وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لأسباب مصطنعة وغير كافية، فجوابه أن الواقع خلاف ذلك، إذ أبرم النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم، وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم ، بل تكفل لهم نصرة مظلومهم ، وحمايتهم ، ورعاية حقوقهم ، ولم يكن في سياسته صلى الله عليه وسلم إبعادهم ، ومصادرة أموالهم إلا بعد نقضهم العهود والمواثيق ، ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة .
وبعد : فلا حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب مطامع دنيوية ، يحرص عليها ، ويسعى في تحصيلها ، وإنما هي دعوة صالحة نافعة ، تعود بالخير على متبعيها في الدنيا والآخرة.
الشبكه الاسلاميه
===================
قال الله تعالى : { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الأحزاب50
الوهب : هو انتقال ملكية بلا مقابل ، فلان وهب لك الشيء الفلاني ولم يبيعه لك أو يبادلك بشيء مكانه ؛ ولذلك السيدة عائشة رضى الله عنها لما نزلت هذه الآية قالت : أنا أتعجب لامرأة تبتذل نفسها وتعطي نفسها لرجل مجاناً ....
فنزل النص : { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } فقالت السيدة عائشة : يارسول الله أرى الله يسارع إلى هواك !! أي أن الله يعلم هواك في شيء فينزل تشريعاً خاصاً بك !!
إذن ... التي تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم لا بد ان تكون مؤمنة لأن الكتابية لا تصلح ، لكن هل بمجرد الهبة تحل له ؟
لا
لأن الزواج في الإسلام إيجاب وقبول فلابد أن يرضى هو بهذه الهبة ، ولذلك علقت الآية بعد ذلك بقول الله تعالى : { إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } ، فهنا يكون إيجاب وقبول .
فهناك من يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج عن طريق الهبة والبعض الأخر يدعي أن تزوج من أربعة موهوبات ... فأين الحق ؟
الآية تقول : { وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } فربما واحدة وهبت نفسها ، ولكن الرسول لم يرد ، وربما وهبت نفسها ، ولكنه كرمها وجعل لها مهراً وصارت زوجة عادية ، فهذا كله ممكن
وكلمة : ( نكح ... واستنكح ) بنفس المعنى مثل : عجل إلى كذا واستعجل .
ومعنى : { خَالِصَةً لَّكَ } أي : خاصة بك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خصه الله تعالى بأشياء ، لماذا ؟
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مهمته فقط مع نفسه ، ولكن مهمته مع الناس كلهم ، وهذه المهم ليست مع الناس المعاصرين له فقط ، بل هي ممتدة من خلال دعوته إلى أن تقوم الساعة ، لذا فالمسؤلية الملقاة على عاتقه صلى الله عليه وسلم عظيمة وكبيرة ، اقرأوا إن شئتم قول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } المزمل5
فلا يشغله الله بأي شيء من شواغل الحياة حتى يتفرغ للمهمة الكبرى التب هو بصددها .
إذن ... رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله له أشياء تيسر له أمر الاندماج في المستقبل ولذلك صار الوحي بعد ذلك شيئاً عادياً بالنسبة له لا مشقة له ولا تعب فيه .. لماذا ؟
لأن طاقة الشوق التي عنده تُهون عليه كل هذه المتاعب دون أن يدري .(10/83)
وزوجات النبي كانت لهم الحرية المطلقة في الإختيار ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( لما ُأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : إني ذاكر لكِ أمراً فلا عليكِ أن تعجلي حتى تستأمري أبويكِ ، ـ قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ـ قالت ؛ ثم قال : إن الله جل ثناؤه قال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {33/28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {33/29}}
قالت ؛ فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة .
قالت : ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت)) ... أخرجه البخاري 4785 ومسلم 1475/22
فإن كانت هذه الآية شبهة في عُرف جهابذة العصر وعلى رأسهم القساوسة والرهبان.... فماذا نقول حول إيمانهم بكُتب موسى الذي سجد للأصنام وكُتب داود الذي زنا بزوجة جاره بالإكراه فخانه وقتله وكُتب سليمان الذي خطف العذراء شولميث من حبيبها شيبارد وكان له سبع مئة من النساء السيدات و ثلاث مئة من السراري ولا أحد يملك معرفة متى وكيف عاشرهن ، وقد ذهب عقله وكفر بربه وبعد ذلك يؤمنون بكتبهم .
تعالى الله عما يصفون .... وجميع الأنبياء والرسل براءة من الأكاذيب المنسوبة إليهم بالكتاب المقدس
===================
محمد صلى الله عليه وسلم أُمّى فكيف علّم القرآن ؟
الرد على الشبهة:
والأمى إما أن يكون المراد به من لا يعرف القراءة والكتابة أخذًا من " الأمية " ، وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذًا من " الأممية " حسب المصطلح اليهودى الذى يطلقونه على من ليس من جنسهم.
فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من لا يعرف القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ، بل لعله أن يكون تأكيدًا ودليلاً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه فى كتاب ولم ينقله عن أحد ولا تعلمه من غيره. بهذا يكون الاتهام شهادة له لا عليه .
وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صريحًا فى قوله:
(وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذى يعلم السّر فى السموات والأرض إنه كان غفورًا رحيمًا ) (1).
وحسب النبى الأمى الذى لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يكون الكتاب الذى أنزل عليه معجزًا لمشركى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من مثله.
كفاه بهذا دليلاً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ولا من الشعر ولا من قول البشر ".
أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد(أنه " أُمّى " على معنى أنه من الأمميين ـ أى من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه. بل إنه لشرف له أنه من الأمميين أى أنه من غير اليهود.
ذلك لأن اعتداد اليهود بالتعالى على من عداهم من " الأمميين " واعتبار أنفسهم وحدهم هم الأرقى والأعظم وأنهم هم شعب الله المختار ـ كما يزعمون.
كل هذا مما يتنافى تمامًا مع ما جاء به محمد (من المساواة الكاملة بين بنى البشر رغم اختلاف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذى اعتبر اختلاف الأجناس والألوان والألسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ لا يعطى تميزًا لجنس على جنس ، فليس فى الإسلام ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار.
ولكن التمايز والتكريم فى منظور الإسلام ؛ إنما هو بالتقوى والصلاح كما فى الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) ( 2 ) .
1) الفرقان: 5-6.
(2) الحجرات: 13.
===================
أجمعت الأمة على توقير وإكرام وتعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبِرِّه، وحَرَّم الله تعالى إيذاءه.
كما أجمعت الأمة على قتل مَن سَبَّه من المسلمين، أو نال منه، وذلك لقول الله تعالى: (إنَّ الذين يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللهُ في الدنيا والآخرةِ وأَعَدَّ لهم عذابًا مُهينًا) وقوله سبحانه: (والذينَ يُؤْذونَ رسولَ اللهِ لهم عذابٌ أليمٌ)
ورَوَى علي ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "مَن سَبَّ نبيًّا فاقتلوه، ومَن سَبَّ أصحابي فاضربوه" وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل كعب بن الأشرف غِيلةً؛ لإيذائه رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "مَن لكعب بن الأشرف؛ فإنه يُؤذي اللهَ ورسولَه؟"(10/84)
كما أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل أبي رافع، وكان يُؤذي رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويُعين عليه، كما أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل جماعة ممَّن كانوا يُؤذونه من الكفار ويسبُّونه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهم
ورُوِيَ عن ابن عباس: "أن رجلاً كانت له أم ولد على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تُكْثِر الوَقِيعة في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتشتُمه، فقتلها، فذُكِرَ ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أشهد أنَّ دمَّها هَدَر"
مقتل الكلب كعب بن الأشرف
ـ استنكاره ما فعله المسلمون بقريش في بدر
قال ابن إسحاق : وكان من حديث كعب بن الأشرف : أنه لما أصيب أصحاب بدر ، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، وعبدالله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين ، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه ، وقتل من قتل من المشركين ، كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة الظفري ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وصالح بن أبي أمامة بن سهل ، كل قد حدثني بعض حديثه ، قالوا :
قال كعب بن الأشرف ، وكان رجلاً من طيىء ، ثم أحد بني نبهان ، وكانت أمه من بني النضير ، هذان حين بلغه الخبر : أحق هذا ؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان - يعني زيدا وعبدالله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطن الأرض خير من ظهرها .
ـ ما قاله كعب تحريضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما تيقن عدو الله الخبر ، خرج حتى قدم مكة ، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي ، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فأنزلته وأكرمته ، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد الأشعار ، ويبكي أصحاب القليب من قريش ، الذين أصيبوا ببدر
ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة ، من لي بابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة ، أخو بني عبدالأشهل ، أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله ؛ قال : فافعل إن قدرت على ذلك .
فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة ، وسلكان ابن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة أحد بني عبدالأشهل ، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة ، وعباد بن بشر بن وقش ، أحد بني عبدالأشهل ، والحارث بن أوس بن معاذ ، أحد بني عبدالأشهل ، وأبو عبس بن جبر ، أحد بني حارثة .
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف ، قبل أن يأتوه ، سلكان ابن سلامة ، أبا نائلة ، فجاءه ، فتحدث معه ساعة ، وتناشدوا شعرا ، وكان أبو نائلة يقول الشعر ، ثم قال : ويحك يابن الأشرف ! إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ، فاكتم عني ؛ قال : افعل ، قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا به العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة ، وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيال ، وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا ؛
قال كعب : أنا ابن الأشرف ، أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة ، إن الأمر سيصير إلى ما أقول ، فقال له سلكان : إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن في ذلك ؛ فقال : اترهنوني أبناءكم ؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا ، إن معي أصحابا لي على مثل رأي ، وقد أردت أن آتيك بهم ، فتبيعهم وتحسن في ذلك ، ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء ، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها؛ قال : إن في الحلقة لوفاء ؛
قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : ويقال : أترهنوني نساءكم ؟ قال : كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم ، قال : أترهنوني أبناءكم ؟
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن عكرمة عن ابن عباس قال :
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ، ثم وجههم ، فقال : انطلقوا على اسم الله ؛ اللهم أعنهم ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة ، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ، فهتف به أبو نائلة ، وكان حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذته امراته بناحيتها ، وقالت : إنك امرؤ محارَب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة ، قال : إنه أبو نائلة ، لو وجدني نائما لما أيقظني ، فقالت : والله إني لأعرف في صوته الشر ، قال : يقول لها كعب : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب .(10/85)
فنزل فتحدث معهم ساعة ، وتحدثوا معه ، ثم قال : هل لك يا بن الأشرف أن تتماشى إلى الشعب العجور، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال : إن شئتم . فخرجوا يتماشون ، فمشوا ساعة ، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ، ثم شم يده فقال : ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ، ثم قال : اضربوا عدو الله ، فضربوه فاختلف عليه أسيافهم ، فلم تغن شيئا .
قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي ، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته ، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار ، قال : فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ، فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رأسه أو في رجله ، أصابه بعض أسيافنا . قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث ، حتى أسندنا في حرة العريض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزَّفه الدم ، فوقفنا له ساعة ، ثم أتانا يتبع آثارنا .
قال : فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل ، وهو قائم يصلي ، فسلمنا عليه ، فخرج إلينا ، فأخبرناه بقتل عدو الله ، وتفل على جرح صاحبنا ، فرجع ورجعنا إلى أهلنا ، فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله ، فليس بها يهدوي إلا وهو يخاف على نفسه .
ـ أمر محيصة وحويصة
* لوم حويصة لأخيه محيصة لقتله يهوديا ثم إسلامه
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ) فوثب محيصة بن مسعود .
قال ابن هشام : محيصة ويقال محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرح بن عمرو بن مالك بن الأوس - على ابن شنينة -
قال ابن هشام : ويقال شنينة - رجل من تجار يهود ، كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، وكان أسن من محيصة ، فلما قتله جعل حويصة يضربه ، ويقول أي عدو الله ،أقتلته ؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله .
قال محيصة : فقلت : والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك ، قال : فوالله إن كان لأول الإسلام حويصة قال : آولله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني ؟ قال : نعم ، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها ! قال : والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حويصة
===================
قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب الجحيم
الرد على الشبهة:
ما ذنب النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن أرسل إليهم فى خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟ مادام هو صلوات الله وسلامه عليه قد برئ من هذه الخطيئة ولاسيما فى مرحلة ما قبل النبوة ، وكانت مرحلة الشباب التى يمكن أن تكون إغراء له ولأمثاله أن يقعوا فى هذه الخطيئة ؛ لاسيما وأن المجتمع الجاهلى كان يشجع على ذلك وكان الزنا فيه من الأمور العادية التى يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا أيضًا. وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ، وتُعلق على أبوابها علامات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ، وتعرف بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات.
ومع هذا الاعتراف العلنى من المجتمع الجاهلى بهذه الخطيئة ، ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل الشخصية التى يزدان بها الرجال وتحسب فى موازين تقويمهم وتقديرهم ، وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر. هذه واحدة والثانية: أن الرسالة التى دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه وسلم حرّمت الزنا تحريماً قاطعاً وحملت آياتها فى القرآن الكريم عقاباً شديداً للزانى والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هى أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علناً بحيث يشهدها الناس لتكون عبرة وزجراً لهم عن التورط فيها
كما تقول الآية الكريمة:(الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (1).
فإذا كان الزانيان محصنين أى كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة إلى حدّ الإعدام رمياً بالحجارة حتى الموت.
ولا تقف العقوبة عند ذلك بل نرى أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم تضع مَنْ يمارسون هذه الخطيئة فى مرتبة دونية من البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الأطهار الأسوياء فتقول الآية الكريمة عنهم: (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) (2).
من الذى يحمل المسئولية عن الخطيئة ؟(10/86)
فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة فى المجتمع الذى كان يراها عادية ومألوفة ، ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ، وتضع مرتكبيها فى مرتبة الانحطاط والشذوذ عن الأسوياء من البشر..
فلِمَ يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة ؟ وهل يصح فى منطق العقلاء أن يعيبوا إنساناً بما فى غيره من العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الآخرين وخطاياهم ؟.
وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص بالمسئولية عن الخطيئة أهى فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !
أن الإسلام يمتاز بأمرين مهمين:
أولهما: أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ولا يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه فى حملها غيره وصريح آيات القرآن يقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليه ما اكتسبت) (3). ثم: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) (4). وورد هذا النص فى آيات كثيرة.
أما الأمر الثانى: فيما أقره الإسلام فى مسألة الخطيئة فهو أنها لا تورث ، ولا تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو بين الآباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم:(واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ) (5).
(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) (6).
(ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) (7).
(يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ) (8).
(ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) (9).
(كل نفس بما كسبت رهينة) (10).
وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقرَّه الإسلام من أن الخطايا فردية وأنها لا تورث ولا يجزى فيها والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً.
وما دام الأمر فلا أن فلم يلام محمد صلى الله عليه وسلم ولا يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا الخطيئة التى كان يعترف بها مجتمعه ولا يجزى فيها شيئاً أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها.
وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبداً فى هذه الخطيئة لا قبل زواجه ولا بعده ، ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية فى المصرف الحلال الذى حض الإسلام عليه وهو النكاح الشرعى الحلال ، ودعا المسلمين إلى عدم المغالاة فى المهور تيسيراً على الراغبين فى الحلال ، حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوج الرجل بأقل وأيسر ما يملك من المال ، وأثر عنه صلى الله عليه وسلم أن شاباً جاءه يرغب إليه فى الزواج وما كان معه ما يفى بالمراد فقال له صلى الله عليه وسلم: [ التمس ولو خاتماً من حديد ] (11).
أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة بما يحفظ من القرآن الكريم.
لهذا لم تقع خطايا الزنا فى المجتمع فى العهد النبوى كله إلا فى ندرة نادرة ، ربما لأن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها الحد الشرعى ليسترشد بها المجتمع فى مستقبل الأيام ؛ كتشريع تم تطبيقه فى حالات محددة يكون هادياً ودليلاً فى القضاء والحكم.
هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة ، وهو كما أوضحنا اتهام متهافت لا ينال من مقام النبوة ولا يرتقى إلى أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم. وقد أتينا عليه بما تستريح إليه ضمائر العقلاء وبصائر ذوى القلوب النقية.
أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب الجحيم ، فهى شهادة لجلال التشريع الذى أنزله الحق - على محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة.
بل إن ما يعيبون به محمداً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من أصحاب الجحيم ليس أبداً عيبًا فى منطق العقلاء ذوى النصفة والرشد ؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم ولرسالته الكاملة والخاتمة فى أن التشريع الذى نزلت به سوَّى بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم غرباء عنه فى جميع الأحكام ثواباً وعقوبة.
بل إن التشريع الذى نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى فقال القرآن:(ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (12). وقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) (13).(10/87)
أما فى السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بنى مخزوم ذوى الشرف والمكانة ـ التى ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة عقوبتها حدّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات القرآن ، وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئلا يطبق عليها الحدّ فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن زيد – حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لها لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ أتشفع فى حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ] (14).
وعليه فكون بعض آل محمد وذوى قرباه من أصحاب الجحيم كأبى لهب عمه الذى نزلت فيه سورة المسد: (تبت يدا أبى لهب وتب ) (15) وغيره ممن كان نصيرًا لهم مع بقائه على شركه..
كون هؤلاء من أصحاب الجحيم لأنهم بقوا على شركهم ولم تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو فى الواقع شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التى سوَّت فى العدل بين القريب وبين الغريب ، ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير فى الانحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب. وما قاله المبطلون هو فى الحق وسام وليس باتهام.
وصلى الله وسلم على النبى العظيم.
(1) النور: 2.
(2) النور: 3.
(3) البقرة: 286.
(4) الأنعام: 164.
(5) البقرة 48.
(6) يونس: 30.
(7) إبراهيم: 51.
(8) النحل: 111.
(9) الجاثية: 22.
(10) المدثر: 38.
(11) رواة البخارى [ كتاب النكاح ].
(12) التوبة: 113.
(13) الأنعام: 152.
(14) رواة البخارى [ كتاب أحاديث الأنبياء ].
(15) المسد: 1.
===================
سؤال عن حديث ماء الرجل و ماء المرأة
السلام عليكم
ورد فى صحيح البخارى
باب حدثني حامد بن عمر عن بشر بن المفضل حدثنا حميد حدثنا أنس
أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني به جبريل آنفا قال ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال هذا كنت أخاف يا رسول الله
أرجو توضيح معنى الحديث و ما معنى ينزع لأبيه أو لأمه.
فهل هناك ما يثبت ذلك، علما أن العلم قد أثبت أن الطفل يكتسب صفاته الوراثية من كلا الوالدين. و أن ماء المرأة الذى يخرج عند الجماع ليس هو المسؤول عن الإخصاب و إنما البويضة التى تكون فى الرحم.
وجزاكم الله خيرا
الرد للشيخ الشعراوي
قال رحمه الله (يقول الرسول صلى الله عليه و سلم (وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد)
و فهم المسألة كلها يعتمد على كلمة سبق فمن المعلوم أنه إذا تسابق شخصان فأنهما يبدئان من نقطة بداية واحدة
و إذا علمنا أن عدد كروموسومات الذكر 44 +XY وعدد كروموسومات الأنثى هو 44 + XX حيث أن 44 يمثل عدد الكروموسومات الجسدية
وإذا علمنا أن الأنثى لا دخل لها بتحديد نوع الجنين حيث أن البويضة تحتوى على نوع واحد متشابه من الكروموسومات الجنسية و هوالنوع (X) و الحيوان المنوى يكون أما(X ) أو (Y )
و يكون المولود ذكر أذا ألتقى حيوان منوى يحمل الكروموسوم الجنسى Y مع بويضة الأنثى التى دائما تكون من النوع X و يكون التركيب الجينى ل الذكر هو 44 +XY
و يكون المولود أنثى أذا أذا ألتقى حيوان منوى يحمل الكروموسوم الجنسى Xمع بويضة الأنثى التى دائما تكون من النوع X و يكون التركيب الجينى ل الأنثى هو 44 +XX
فقال رحمه الله أن المقصود بماء الرجل هنا هو الكرموسوم الجنسى Y المحمول على الحيوان المنوى للذكر
و المقصود بماء المرأة هو الكرموسوم الجنسىX المحمول على الحيوان المنوى للذكر
فإذا سبق الحيوان المنوى الذى يحمل الكرموسوم Y الحيوان المنوى الذى يحمل الكروموسوم X و ألتحم بالبويضة يكون المولود ذكر(10/88)
وإذا سبق الحيوان المنوى الذى يحمل الكرموسوم X الحيوان المنوى الذى يحمل الكروموسوم Y و ألتحم بالبويضة يكون المولود أنثى
و على هذا يكون مضمون الحديث أن نوع الجنين سواء كان ذكر أو أنثى يعتمد على ماء الرجل الذى يحتوى على الكروموسومات الجنسية التى على أساسها يتحدد نوع الجنين و هذا هو ما أثبته العلم و هذا ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما أستخدم كلمة سبق التى تدل على وحدة نقطة البداية
مواقع تاكد ما بالرد
http://www.biology-online.org/2/6_sex_chromosomes.htm
Sex Determination
A humans' sex is predetermined in the sperm gamete.
The egg gamete mother cell is said to be homogametic, because all its cell possess the XX sex chromosomes. sperm gametes are deemed heterogametic because around half of them contain the X chromosome and others possess the Y chromosome to compliment the first X chromosome.
In light of this, there are two possibilities that can occur during fertilisation between male and female gametes, XX and XY. Since sperm are the variable factor (i.e. which sperm fertilises the egg) they are responsible for determining sex.
و فى هذا الموقع ستجد المعلومة على هيئة سؤال و جواب
http://www.ezyhealth.com/ezyhealth/a...=25&expertID=1
و ستجد فيه هذه المعلومة
Question
What actually determines the sex of the baby? Is there anyway to increase the chance of giving birth to a baby boy?
Answer
As you might have read before, all the cells in our bodies have 46 chromosomes which contain all the genetic make up of that person. 2 of these chromosomes are called the sex chromosomes (X and Y). When an adult male produces sperms, half of these would contain 22 chromosomes plus a X, and the other half contain 22 plus a Y. If a sperm with 22Y fuses with the egg in the female with 22X (all female eggs are 22X, by the way!), a 44XY will result and this would be a male child. If a 22X sperm fuses with the egg with 22X a baby with 44XX will result and this would be a female child.
أرجو من الله أن أكون قد افدتك
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تنسيق الرد الاخ ابن الاسلام
منتدى الجامع
===================
قصة الغرانيق المكذوبة
تحت عنوان : ( وحي من الشيطان ) كتب أعداء الاسلام ما يلي :
جاء في سورة الحج : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .))
قال المفسرون : إن محمدا لما كان في مجلس قريش أنزل الله عليه سورة النجم فقرأها حتى بلغ أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى فألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدّث به نفسه ويتمناه - وهو تلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لتُرتَجى . فلما سمعت قريش فرحوا به ومضى محمد في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده، كما سجد جميع المشركين. وقالوا: لقد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. وقد عرفنا أن الله يحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده .
ونحن نسأل : كيف يتنكر محمد لوحدانية الله ويمدح آلهة قريش ليتقرب إليهم ويفوز بالرياسة عليهم بالأقوال الشيطانية؟ وما الفرق بين النبي الكاذب والنبي الصادق إذا كان الشيطان ينطق على لسان كليهما ؟
الجواب :
هذا الكلام مبني على رواية باطلة مكذوبة ، قال عنها ابن كثير وغيره : " لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح " .
وقد سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال : من وضع الزنادقة .
وقال البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ورواية البخاري عارية عن ذكر الغرانيق .
وقال الإمام ابن حزم : (( والحديث الذي فيه : وانهن الغرانيق العلا ، وان شفاعتهن لترجى . فكذب بحت لم يصلح من طريق النقل ولامعنى للأشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد )) [ الاسلام بين الانصاف والجحود ] ص 69
واستناداً إلى القرآن والسنة واللغة والمعقول والتاريخ نفسه فإن هذه الرواية باطلة مكذوبة :
1- لأن أسانيدها واهية وضعيفة فلا تصح .
2- لأن النبى صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغه للرسالة محتجين بقوله سبحانه وتعالى :
(( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ )) [ الحاقة : 44 ]
3- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحترم الأصنام في الجاهلية إذ لم يعرف عنه أنه تقرب لصنم بل قال : (( بغض إلي الأوثان والشعر )) .(10/89)
ومن اراد التفصيل فليرجع الى كتاب ( نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ) للعلامة الالباني رحمه الله في باب كتب وابحاث ... والله الموفق
===================
شبهه ذاك رجل بال الشيطان في اذنه
سؤال : روى البخارى في صحيحة : أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح ( أي لم يصلي الفريضة ) قال : ذاك رجل بال الشيطان في أذنه )) فما معنى قوله : (( بال الشيطان في أذنه )) ؟ وهل الشيطان يبول ؟
الجواب :
الحمد لله ،
لقد وجه العلماء الافاضل معنى بول الشيطان في أذن من نام حتى فاتته الفريضه عدة توجيهات منها :
التوجيه الاول : أن يقال بأن هذا مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في أذنه فثقل أذنه وأفسد حسه , والعرب تكني عن الفساد بالبول قال الراجز : بال سهيل في الفضيخ ففسد . وكنى بذلك عن طلوعه لأنه وقت إفساد الفضيخ فعبر عنه بالبول . ووقع في رواية الحسن عن أبي هريرة في هذا الحديث عند أحمد " قال الحسن إن بوله والله لثقيل " وروى محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود " حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه " وهو موقوف صحيح الإسناد . وقال الطيبي : خص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم , فإن المسامع هي موارد الانتباه . وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء .
التوجيه الثاني : ان يقال بأن الأمر هو على حقيقته . قال القرطبي وغيره لا مانع من ذلك إذ لا إحالة فيه لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول .
التوجيه الثالث : أن يقال بأن ذلك هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر .
التوجيه الرابع : أن يقال بأن معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر .
التوجيه الخامس : هو أن الأمر كناية عن ازدراء الشيطان به .
التوجيه السادس : هو ان يقال بأن المعنى أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول , إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه .
===================
الوحي في ثوب عائشة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
يظن الصليبيين عندما نسخر من شبهاتهم الضعيفه ولا نهتم بها اننا ليس عندنا حجه للرد . حتى كثر اللغط حول موضوع الوحى فى ثوب عائشه رضى الله عنها فقلنا رحمة بعقولهم الضعيفه ومستواهم الثقافى واللغوى المتواضع قررنا ان نرد عليهم لعلهم يعقلون او يهتدى منهم من يبحث عن الحق , ولكن لو كان الحديث به شئ يهين الرسول ما قاله الرسول او عقب عليه علماء اللغه وجهابذه العربيه .
نص الحديث فى البخارى :(10/90)
حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة قالت فقالت أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت بلى فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن ارجعي إليه فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها قالت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال إنها بنت أبي بكر قال البخاري الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن وقال أبو مروان عن هشام عن عروة كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وعن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قالت عائشة كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت فاطمة
الشرح :
نعلم اولا ان القرأن يفسر بعضه بعضا والسنه تفسر بعضها بعضا والسنه ايضا تفسر القران كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحرف ( فى ) هو الذى يسبب للنصارى سوء فهم بسبب ضعفهم اللغوى . فقد قال فرعون عن السحرة : (( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) [ سورة طه آية 71 ] وطبيعى ان لا يقول عاقل ان السحره صلبهم فرعون فى داخل النخل !!!! بل ( فى ) هنا تعنى على النخل .
ثانيا : يقول القران على النساء والرجال لفظ لباس (( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ )) [ سورة البقرة - آية 187 ] . ولا يعنى هذا ان المرأه _ بنطلون _للرجل او أن الرجل _ فستان _ للمرأه . كما يفهم النصارى , بل ان لفظ ( لباس ) عند المصريين يعنى شئ اخر غير باقى الدول العربيه , وطبيعى ان المفهوم من الايه انه كما تستر الملابس الجسد فان المرأه تستر زوجها من الزنى والمعاصى وكذلك الرجل يستر على زوجته ويعفها ...
الامر الاخر لكى نفهم معنى ( فى ثوب عائشه ) هو البحث عن القصه بكل ملابساتها وظروفها فى احاديث اخرى فى النقاش الذى كان بين الرسول ونسائه , وهنا يتضح لنا المقصود والمعنى . وهذا هو عين العقل وضمير الباحث عن الحقيقه مع الدرايه باستخدام العرب للالفاظ فى مواقف لتدل عن معنى فى ذهن المحاور واليكم الان حديث اخر يتجاهله النصارى لانه يفضح جهلهم :
نص الحديث
4253 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ - بَصْرِىٌّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبَاتِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُ عَائِشَةُ فَقُولِى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرِ النَّاسَ يُهْدُونَ إِلَيْهِ أَيْنَمَا كَانَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا فَأَعَادَتِ الْكَلاَمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَوَاحِبَاتِى قَدْ ذَكَرْنَ أَنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأْمُرِ النَّاسَ يُهْدُونَ أَيْنَمَا كُنْتَ. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَتْ ذَلِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ فَإِنَّهُ مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا .(10/91)
وهنا يتضح ان المقصود بالثوب هو اللحاف وهو الغطاء او الستره لان كل نساء النبى لهن ستره ولكن لم يأتى الوحى الا فى بيت عائشه وهذا لفضلها ومن مناقبها رضى الله عنها والسبب فى ذلك هو :
الأول : فسروا هذا الاستثناء في حق السيدة عائشة دون زوجات النبي لسببين الاول انها كانت كثيرة التنظيف والتطهير لثيابها وفرشها .
الثاني : الثاني انها ابنة ابي بكر وفضلها من فضل ابيها .
مفهوم الحديث ان ام المؤمنين السيدة عائشة هي الوحيدة من زوجات النبي التي كان ينزل الوحي عليه وهو نائم بجانبها في الفراش او بمعنى اخر في فراشها دون وضع جماع .
وفي اللغة العربية من الممكن التعبير بالجزء عن الكل اذا اعتبرنا ان الثياب ملازم للمرء وملامس لجسده وكذلك الفرش واللحاف لايستغني عنه المرء ودائماً ما يتردد عليه المرء للنوم ويكون مهاد ورداء لجسده .
نظن ان الامر قد وضح الان لمن يبحث عن الحق والقمنا النصارى حجر فى شبهاتهم الضعيفه . ويبقى لنا سؤال ؟
كيف خلع المسيح ثيابه ونشف قدم التلاميذ وبقى عريانا ؟
هل هذا يليق برب خالق والله معبود ؟
واليكم النص من انجيل يوحنا 13/5 :
(( ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل ارجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها. )) (SVD)
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
===================
اثبات الوحي عن طريق خديجة رضي الله عنها
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه
يقول النصارى :
كيف لا يعرف النبي- صلى الله عليه وسلم -الوحي الذي انزل عليه ؟
وكيف يطلب من خديجة –رضي الله عنها- ان تتاكد له من الوحي بجلوسه على فخذها ؟
وكيف ينتظر منها ان تخبره اذا كان هذا وحي ام شيطان ؟
ويستدلون على كلامهم هذا برواية اوردها ابن هشام في سيرته.
وللرد على هذه الشبهة , نورد لكم هذه الرواية اولاً من سيرة ابن هشام وهي من طريقين ,ثم نقوم بمشيئة الله تعالى بتفنيد مزاعمهم وثم نبيين ضعف هذه الرواية وسقوطها وبالله تعالى نستعين.
واليكم الرواية:
الطريق الاولى :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ : أَنّهُ حُدّثَ <239> عَنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ ابْنَ عَمّ أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ . فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي ، قَالَتْ قُمْ يَا ابْنَ عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى ; قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَتُحَوّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى ; قَالَتْ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي ، قَالَتْ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا . قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ هَلْ تَرَاهُ ؟ قَالَ لَا ، قَالَتْ يَا ابْنَ عَمّ اُثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ
الطريق الاخرى :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حَسَنٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ أُمّي فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ إلّا أَنّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ أَدْخَلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا ، فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ ( انتهى)
نقول وبالله تعالى التوفيق,
على فرض صحة هذه الرواية ,لم يرد فيها ان النبي عليه السلام لم يعرف الوحي الذي انزل عليه,وليس فيها انه طلب من خديجة ان تتاكد له من الوحي,وهذا يرجع عندهم الى التعصب الاعمى الذي يقودهم الى اختلاق الاكاذيب او انهم لا يفقهون ما يقراؤن ويرددون كلام المسشرقين كطائر الببغاء, وكل ما في الرواية ان خديجة رضي الله عنها هي التي طلبت التاكد وليس النبي عليه السلام,... فتامل!
ونحن لسنا بحاجة الى هذا التبرير لان الرواية ضعيفة , ولكن اردنا ان نبين على فرض صحتها مدى تفكيرهم السقيم وحقدهم على البشير النذير.(10/92)
واليك الان عزيزي القارئ اثبات ضعف هذه القصة :
الطريق الاولى :
فيها انقطاع ، لأن اسماعيل بن ابي حكيم لم يسمع من خديجة رضي الله عنها ، وقال : أَنّهُ حُدّثَ عن خديجة (بضم الحاء وكسر الدال) ولم يذكر من حدثه عنها ، وهذا كاف لابطال هذه الطريق ولله الحمد
الطريق الاخرى :
وهي عن فاطمة بنت حسين عن خديجة,وفاطمة هي بنت الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم,وهي تابعيةولدت بعد وفاة خديجة بنحو ثلاث واربعين سنة, ففاطمة على هذا لم تسمع من خديجة ,فيصبح الحديث من المراسيل وهذا ايضا كاف لتضعيف هذه الطريق, وحتى الحسين رضي الله عنه لم يرى خديجة لانها توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ,والحسين و لد في شعبان سنة أربع من الهجرة اي بعد وفاتها بسبع سنين ,فاذا كان ابوها لم يسمع من خديجة ,فكيف بابنته فاطمة ؟ رضي الله عنهم جميعا ,,,,,,,فتامل !
وهكذا عزيزي القارئ يتبين لك مدى ضعف هذه الرواية ومدى سقوط الاحتجاج بها ,وان خصومنا من النصارى يتعلقون بالضعيف والمكذوب نسال الله السلامة ونعوذ بالله من الخذلان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
كتبه الأخ بلال_41
===================
قصة الحمار يعفور
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،،،
اما بعد
قصة الحمار يعفور وردت في موقع مسيحي اساسه النيل والسخرية من الرسول ( ص ) ومن شخص يدعى مهران . فكان جل همهم ان ينالوا منه بأي شئ يقع في ايديهم من غير تدقيق ولا تمحيص لذلك اقتطعوا الاقوال وبتروها لهذا الغرض .
واليكم القصة كما اوردها هذا الموقع :
عن أبي منظور قال : لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبراً أصاب من سهمه أربعة أزواج من البغال وأربعة أزواج خفاف ، وعشر أواق ذهب وفضة ، وحمار أسود ومكتل .
قال : فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار ، فكلمه الحمار ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً كلهم لم يركبهم إلا نبي ، لم يبق من نسل جدي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك ، وكنت أتوقع أن تركبني ، قد كنت قبلك لرجل يهودي ، وكنت أعثر به عمداَ ، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سميتك يعفور ، يا يعفور ! قال : لبيك ، قال تشتهي الإناث قال : لا .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعاً منه على الرسول صلى الله عليه وسلم . راجع : تاريخ ابن كثير 6 : 150 . وكذلك : أسد الغابة ج 4 ص 707 . وكذلك : لسان الميزان ، باب من اسمه محمد ، محمد بن مزيد .وكذلك : السيرة الحلبية ، غزوة خيبر
وللرد اقول وبالله تعالى نتأيد :
اولاً : أورد الامام ابن كثير في تاريخه 6 : 150 هذه القصة وأشار إلى انها ضعيفة وقد أنكرها غير واحد من الحفاظ الكبار
ثانياً : قد نص ابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 707 الى ان القصة ضعيفة وليست بصحيحة واليكم كلامه في نقله عن ابي موسى عقب ذكر القصة :
(( هذا حديث منكر جداً إسناداً ومتناً لا أحل لأحد أن يرويه عني إلا مع كلامي عليه ))
فهل ذكر النصارى أصحاب الموقع كلام ابي موسى عليه في ان الحديث منكر جداً ؟
ام اخفوها حتى يُلبسوا الموضوع على الناس ويخفوا الحق وتضحك الناس ؟
ثالثاً : أورد الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني في كتاب لسان الميزان ، باب من اسمه محمد بن مزيد هذه القصة كمثال الى الكذب الذي يرويه محمد بن مزيد ، واورد كلام الحافظ ابن حبان واليكم نص الكلام :
(( محمد بن مزيد أبو جعفر: عن أبي حذيفة النهدي ذكر ابن حبان أنه روى عن أبي حذيفة هذا الخبر الباطل ))
ثم ذكر ابن حجر القصة كاملة فقال :
قال ابن حبان : هذا خبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء. وقال ابن الجوزي: لعن الله واضعه.
رابعاً : كلام الامام السيوطي في اللآلئ المصنوعة
الجزء الأول ، (كتاب المناقب)
واسم الكتاب كاملا اللآلئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة ، وهو خصيصا لتبيان الاحاديث الموضوعة اي الكاذبة
بعد ان ساق الامام السيوطي الحديث قال : موضوع ( اي الحديث )
ثم ذكر كلام الامام الحافظ ابن حبان واليكم كلامه:
قال ابن حبان لا أصل له وإسناده ليس بشيء ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.
فكما رأينا جميعاً اخواني وزملائي ان الرابط النصراني لم يكن ابداً اميناً في النقل ، ولقد بتروا الكلام من السياق واخفوا عليكم اقوال العلماء قبل وبعد ان يذكروه وذلك لغاية في انفسهم
و المضحك المبكي ان النصارى يسخرون من شيء غير ثابت لدينا وثابت لديهم في كتابهم المقدس فاليكم مثلا هذا الحوار الحميري الذكي !!
فنحن نقرأ في سفر العدد [ 22 : 27 ] ما يلي :(10/93)
أتان بلعام : حمارة بلعام (( فَلَمَّا رَأَتِ الأَتَانُ مَلاَكَ الرَّبِّ رَبَضَتْ تَحْتَ بَلْعَامَ. فَثَارَ غَضَبُ بَلْعَامَ وَضَرَبَ الأَتَانَ بِالْقَضِيبِ. 28عِنْدَئِذٍ أَنْطَقَ الرَّبُّ الأَتَانَ، فَقَالَتْ لِبَلْعَامَ : مَاذَا جَنَيْتُ حَتَّى ضَرَبْتَنِي اْلآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ؟ 29فَقَالَ بَلْعَامُ: لأَنَّكِ سَخَرْتِ مِنِّي. لَوْ كَانَ فِي يَدِي سَيْفٌ لَكُنْتُ قَدْ قَتَلْتُكِ. فَأَجَابَتْهُ الأَتَانُ : أَلَسْتُ أَنَا أَتَانَكَ الَّتِي رَكِبْتَ عَلَيْهَا دَائِماً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ؟ وَهَلْ عَوَّدْتُكَ أَنْ أَصْنَعَ بِكَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: «لاَ». ))
والاتان : هي أنثى الحمار .
وأيضاُ فاننا نرى ان للحمار مكانة كبيرة في كتاب النصارى المقدس :
يقول كاتب رسالة بطرس الثانية [ 2 : 16 ] :
(( إِنَّ الْحِمَارَ الأَبْكَمَ نَطَقَ بِصَوْتٍ بَشَرِيٍّ، فَوَضَعَ حَدّاً لِحَمَاقَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ! ))
اي ان الحمار لديه علم اكثر من النبي !!
ولا ننسى ايضاً حوار الاشجار الذي لا يضحك به على طفل صغير وهذا الاعجازي " الكاروتني المقدس" !! من سفر القضاة الاصحاح التاسع العدد السابع :
(( و اخبروا يوثام فذهب و وقف على راس جبل جرزيم و رفع صوته و نادى و قال لهم اسمعوا لي يا اهل شكيم يسمع لكم الله :
8 مرة ذهبت الاشجار لتمسح عليها ملكا فقالت للزيتونة املكي علينا
9 فقالت لها الزيتونة ااترك دهني الذي به يكرمون بي الله و الناس و اذهب لكي املك على الاشجار
10 ثم قالت الاشجار للتينة تعالي انت و املكي علينا
11 فقالت لها التينة ااترك حلاوتي و ثمري الطيب و اذهب لكي املك على الاشجار
12 فقالت الاشجار للكرمة تعالي انت و املكي علينا
13 فقالت لها الكرمة ااترك مسطاري الذي يفرح الله و الناس و اذهب لكي املك على الاشجار
14 ثم قالت جميع الاشجار للعوسج تعال انت و املك علينا
15 فقال العوسج للاشجار ان كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكا فتعالوا و احتموا تحت ظلي و الا فتخرج نار من العوسج و تاكل ارز لبنان ))
فعجبا للنصارى من خفة هذه العقول التي تصدق بهذه الخرافات المقدسة الموجودة في كتبهم و العجيب انهم يتشدقون بما هو ضعيف السند ولاغي اسلاميا !!
ادعوا الله سبحانه وتعالى ان يهدينا جميعا الى طريق الحق والهدى انه نعم المولى ونعم المجيب
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين ،،
===================
هل كان الرسول - صلي الله عليه و سلم - ينسى ؟
الحمد لله و كفي و سلام علي عباده الذين اصطفي وبعد :
فاختصاراً نحن اليوم نسأل سؤالاً لنرد شبهة اثارها النصاري و السؤال هو :
هل يجوز ان ينسي النبي ؟؟
و نجيب بالقول الاتي :
وقوع النسيان من النبي يكون على قسمين :
الأول : وقوع النسيان منه فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ مثل الامور العادية و الحياتيه فهذا جائز مطلقاً لما جبل عليه من الطبيعة البشرية.
والثاني : وقوع النسيان منه فيما هو مأمور فيه بالبلاغ وهذا جائز بشرطين:
الشرط الأول : أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً .
الشرط الثاني : أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره إما بنفسه، وإما بغيره .
قال القاضي عياض رحمه الله :
يجوز النسيان عليه ابتداء فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ ، واختلفوا فيما هو مأمور فيه بالبلاغ والتعليم، و من ذهب الي الاجازة قال: لا بد أن يتذكره أو يذكره به احد .
قال الإسماعيلي النسيان من النبي لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما : نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود في السهو : (( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. )) وهذا القسم سريع الزوال، لظاهر قوله تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))
والثاني : أن يرفعه الله عن قلبه لنسخ تلاوته، وهو المشار إليه في قوله تعالى : (( سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ )) وهذا القسم مشار اليه في قوله: (( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ))
اذا فهمنا هذا الامر فاننا عندئذ نستطيع الرد علي اعتراض النصاري علي حديث واية :
الاية هي قوله تعالى : سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ
فزعموا أن الآيات تدل على أن محمد قد أسقط عمد أو أُنسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها، وتدل أيضًا على جواز النسيان على النبي .
والحديث هو : ما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا. وفي رواية: أُنْسِيتُها .
فزعموا بجهلهم أن النبي أسقط عمد بعض آيات القرآن .
و الجواب عنهم في الاية نقول :(10/94)
أولاً : بأن قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى وعد كريم بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن، إذ إن (لا) في الآية نافية، اي ان الله اخبر فيها نبيه صلي الله عليه و سلم بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه.
وقيل (لا) ناهية، فهي مثل ان تقول لشخص لا تشرك بالله فهل معني ذلك انه اشرك؟؟!! ومثل ما قال لقمان لابنه (( لا تشرك بالله )) فهل معني ذلك انه اشرك؟؟؟
ومعنى الآية على هذا : سنعلمك القرآن، فلا تنساه، فهي تدل على عكس ما أرادوا الاستدلال بِها عليه.
ثانيا : الاستثناء في الآية معلق على مشيئة الله ولم تقع المشيئة، بدليل ما مر من قوله تعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ .))
ثالثًا : الاستثناء في الآية لا يدل على ما زعموا من أنه يدل على إمكان أن ينسى شيئا من القرآن، فان الاستثناء لا يجب حدوثه مثل قوله تعالي : (( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك )) فلما كان الوعد على وجه التأبيد ربما يوهم أن قدرة الله لا تسع غيره ، وأن ذلك خارج عن ارادته جل شأنه، فجاء الاستثناء في قوله تعالى : (( إلا ما شاء الله )) فإنه إذا أراد أن ينسيه لم يعجزه ذلك، فالقصد هو نفي النسيان رأساً . وجاء بالاستثناء ليبين ان هذا الأمر وهو عدم الانساء ليس خارجاً عن إرادته فإذا أراده لم يمنعه مانع فكل شىء بيده سبحانه.
وقيل إن الحكمة في هذا الاستثناء أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك إشعار للنبي أنه دائما مغمور بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يفتنون به كما فتن النصارى بالمسيح .
القول الثاني : أن الاستثناء المراد به منسوخ التلاوة فيكون المعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه ما يقرؤه، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته .
والجواب عما زعموه في الحديث الشريف :
أولا : الآيات التي أنسيها النبي ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي و لم تنزل آية علي النبي الا قام كتبة الوحي بكتابتها . وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر .وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مما كتبه كتاب الوحي ولا ما يدل على أن أصحاب النبي كانوا نسوها جميعا حتى يخاف عليها الضياع
ثانيا : أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد محيت من ذهنه الشريف جملة بل غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي .
قال الباقلاني وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسي العالم الحافظ بالقرآن نسيانا لا يقدح في فان ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه .
ثالثا : أن قوله ( أسقطتها ) مفسرة بقوله في الرواية الأخرى : ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه أسقطها نسيانا لا عمدا فلا محل لما أوردوه من أنه قد يكون أسقط عمدا بعض آيات القرآن.
قال النووي: قوله "كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلغه إلى الأمة .
اخيراً ذهب البعض ان ما نسيه النبي كان مما نسخه الله تعالي و لم يعلم الصحابي بنسخه ثم وقع العلم عند الصحابي بذلك .
و نقول للنصاري ان حفظ القرآن و جمعه ليس مسئولية الرسول و ليس مسئولية الصحابة و لا ابي بكر و لا عمر و لا عثمان فالله بينها واضحة في كتابه (( انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون (( فمن انزل الذكر هو الذي عليه حفظه و بيّن جل جلاله (( لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه و قرآنه )) اي ان المتكفل بجمعه و حفظه للامة ليس النبي بل الله عز و جل و يفعل الله ذلك علي الوجه الذي يشاء .
فبهذا تكون شبهتهم واهية
===================
قاتل محمد صلى الله عليه وسلم فى الشهر الحرام
الرد على الشبهة:
وذلك لما ورد فى آيات سورة البقرة:
(يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) (1).
والمسلمون جميعاً وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد صلى الله عليه وسلم هم أحفظ الناس لحرمة الأشهر الحرم وعدم القتال فيها واعتبار القتال فيها حدثًا كبيرًا أو كأنه كبيرة من الكبائر..
لكن ما الذى يفعله المسلمون إذا ما ووجهوا من أعدائهم من المشركين بالقتال والعدوان على الأنفس والأموال والأعراض ، ليس هذا فحسب بل ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من غيرهم ؟!(10/95)
إن قانون " الدفع الحضارى " الذى يقره القرآن الكريم لحماية الكون من إفساد المتجبرين والظلمة ، ثم لحماية بيوت العبادة للمسلمين والنصارى واليهود أيضًا ، والذى عبرت عنه الآيتان الكريمتان: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (2). وقوله: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) (3). هذا القانون القرآنى ـ وليس قانون من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ـ هو وحده الذى يحمى الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم الظالمين.
وذلك على أساس أن من يمكن الله لهم فى الأرض بما يمنحهم من القوة والثروة والعلم يجب - وبحسب القانون القرآنى - أن يكونوا صالحين وأخيارًا ؛ بمعنى: أن يستخدموا قوتهم وثروتهم وعلمهم لا فى الطغيان والتجبر ولكن فى حماية القيم النبيلة التى تحمى بها العدل والحق وتمكن لكل ما هو خير ، وتنفى كل ما هو شر حتى تنعم البشرية بالأمن والاستقرار ، وتعتدل أمور الحياة والناس.
وهذا ما جاءت الآية التالية للآيتين السابقتين لتقره حيث يقول: (الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ( 4)
ولأن إقرار حقوق عباد الله فى أرض الله وحماية المستضعفين من بطش المتجبرين لا يقل حرمة عند الله من حرمة الأشهر الحرم فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ومن فُتنوا فى دينهم وأُخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا.
وهذا ما تقرره الآية:(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) ( 5) .
-------------------------------------
(1) البقرة: 217.
(2) البقرة: 251.
(3) الحج: 40.
(4) الحج: 41.
(5) البقرة: 217.
===================
الأصول فى اثبات طهاره آمنة أم الرسول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
يعانى الصليبيين مشكله جنسيه كبيره ومأزق خطير فى شخصيه يهوذا الجد الاكبر للمسيح حيث يثبت كتابهم بالدليل القاطع ان ربهم من نسل زنى , وبدلاً من ان يقوموا بحل مشكلتهم والتفرغ لها او الاعتراف بالحق بأن كتابهم محرف , التفوا الى الاسلام فى محاوله يائسه للطعن فى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبه الشريف ...
شبهه الصليبى :
جاء فى كتاب تاريخى اسمه الطبقات الكبرى لابن سعد فى المجلد الاؤل الاتى :
ذكر تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال وحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قالا كانت آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة فمشى اليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطلب وخطب اليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وهيب على نفسه فزوجه إياها فكان تزوج عبد المطلب بن هاشم وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس واحد فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد المطلب فكان حمزة عم رسول الله صلى الله عليه .
تناقض نفس الكتاب الجزء الثالث باب في البدريين طبقات البدريين من المهاجرين .
أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال كان حمزة معلما يوم بدر بريشة نعامة قال محمد بن عمر وحمل حمزة لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ وقتل رحمه الله يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وهو يومئذ بن تسع وخمسين سنة كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ، وشبهه النصرانى هنا ان هذا التناقض يثبت ان ام الرسول قد انجبت النبى صلى الله عليه وسلم من رجل آخر غير عبد الله بن عبد المطلب بعد 4 سنوات من زواجها .
الرد
اولا. قال النبى صلى الله عليه وسلم ( ولدت من نكاح وليس من سفاح ) صحيح البخارى
ثانيا . هذا كتاب تاريخ ونحن لا نأخذ ديننا من كتب تاريخيه , بل من القرأن والسنه الصحيحه .
ثالثا . الروايتين قالهما محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي
فمن هو هذا الرجل ؟ بكل تأكيد لا يعرفه عوام النصارى لانهم كما يقال باللهجة المصرية ( غلابه ) , أما قساوستهم الذين احترفوا الكذب على الله وتزوير الحقائق فيعرفونه , ولذلك اليكم تعريف بهذا الرجل وأقوال علماء الاسلام قبل ان يولد ببغاوات النصارى :(10/96)
محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي ابو عبد الله المدني قاضي بغداد مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي
قال البخاري : الواقدي مديني سكن بغداد متروك الحديث تركه أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا ( تهذيب الكمال مجلد 26)
هذا في ص 185-186 وفي نفس الصفحة قال أحمد هو كذاب وقال يحيى ضعيف وفي موضع آخر ليس بشيء وقال أبو داود : أخبرني من سمع من علي بن المديني يقول روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب وقال أبو بكر بن خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول لا يكتب حديث الواقدي ليس بشيء وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت عنه علي بن المديني فقال : متروك الحديث هنا علة جميلة أيضا في سند الحديث وهي روايته عن عبد الله بن جعفر الزهري قال إسحاق بن منصور قال أحمد بن حنبل كان الواقدي يقلب الأحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ذا قال إسحاق بن راهويه كما وصف وأشد لأنه عندي ممن يضع الحديث الجرح والتعديل 8/الترجمة 92 وقال علي بن المديني سمعت أحمد بن حنبل يقول الواقدي يركب الأسانيد تاريخ بغداد 3/13-16 وقال الإمام مسلم متروك الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال الحاكم ذاهب الحديث قال الذهبي رحمه الله مجمع على تركه وذكر هذا في مغني الضعفاء 2/ الترجمة 5861
قال النسائي في " الضعفاء والمتروكين " المعروفون بالكذب على رسول الله أربعة الواقدي بالمدينة ومقاتل بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام
وبالتالى اخوانى الكرام ويا باحثين عن الحقيقه من النصارى تكون الروايتين بهما ضعف لان الراوى متروك الحديث .
لكن هناك طرق اخرى تؤكد الروايه الثانيه ان حمزه كان اكبر من الرسول بعامين او 4 سنوات وهى صحيحه , و ان زواج جد النبى كان قبل ابنه عبد الله والد الرسول بأعوام كثيره و لو كان ميلاد حمزه تم قبل ميلاد الرسول بعامين او بأربع سنوات . والدليل هو [ كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين وهذا لا يصح عندي لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن الأسد أرضعتها ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين .
وذكر البكائي عن ابن إسحاق قال كان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ] ، كتاب الاستيعاب في تمييز الأصحاب .
كما انه معروف ان الاخوه فى الرضاعه لا تعنى ولا تستلزم فى نفس الوقت بل قد يكون امراه ارضعت طفل وبعد 20 سنه ترضع طفل اخر فيكونوا اخوه فى الرضاعه والفرق بينهم 20 سنه .
والان نسئل النصارى عن رد يثبت براءه نسب المسيح من الزنى , وايضا نريد دليل من الانجيل على نسب السيده مريم العذراء , من هو والد العذراء مريم وبالدليل ؟
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
اخوكم حليمو ,
المقال اسمح بنقله وتصويره ونشره ,
===================
كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن
الرد على شبهة أن محمد صلى الله عليه وسلم كاد أن يفتن
الرد على الشبهة:
أخذوا ذلك من فهم مغلوط لآيات سورة الإسراء:(وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلا * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلاً * إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرًا ) (1) .
بعض ما قيل فى سبب نزول هذه الآية أن وفد ثقيف قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم أجّلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا من (الأصنام) فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا ، فهَمّ صلى الله عليه وسلم بقبول ذلك فنزلت الآية.
قوله تعالى: " كدت تركن إليهم " أى هممت أو قاربت أن تميل لقبول ما عرضوه عليك لولا تثبيت الله لك بالرشد والعصمة ، ولو فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات ؛ يعنى: قاربت أن تستجيب لما عرضوه لكنك بتثبيت الله لم تفعل لعصمة الله لك.
وكل مَنْ هُمْ على مقربة من الثقافة الإسلامية يعرفون أن " الهمّ " أى المقاربة لشىء دون القيام به أو الوقوع فيه لا يعتبر معصية ولا جزاء عليه وهو مما وضع عن الأمة وجاء به ما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله:
(وضع عن أمتى ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) ، وعليه.. فإنه لا إثم ولا شىء يؤخذ على محمد صلى الله عليه وسلم فى ذلك.
(1) الإسراء: 73-75.
===================
مات النبى صلى الله عليه وسلم بالسم
الرد على شبهة أن النبى صلى الله عليه وسلم مات بالسم .
الرد على الشبهة:
حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ، وبما لا يعيب ، واتهامه بما لا يصلح أن يكون تهمة ، حتى إنك لترى من يعيب إنساناً مثلاً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل القامة ، أو مثلاً قد أصيب بالحمى ومات بها ، أو أن فلاناً من الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلاً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلاء ويرفضونه ويرونه إفلاسًا وعجزًا.(10/97)
أن محمداً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم.
وينقلون عن تفسير البيضاوى:
أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس - وهى امرأة سلام بن مشكم (اليهودى) - عن أى الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها: إنه يحب الذراع لأنه أبعدها عن الأذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى سمّ لا يلبث أن يقتل لساعته فسمَّت به الشاة ، وذهبت بها جارية لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا محمد هذه هدية أهديها إليك.
وتناول محمد الذراع فنهش منها.. فقال صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرنى بأنها مسمومة ؛ ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت: نلت من قومى ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون اليهود فى المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها.
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوى:
أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضى الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهرى (1).
فليس فى موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم إلا أن جمع الله له بين الحسنيين ، أنه لم يسلط عليه من يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأيضًا كتب له النجاة من كيد الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم وما أعظم أجر الشهيد.
وأيضًا.. لا شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ، وعَلَمًا من أعلام نبوته يبرهن على صدقه ، وعلى أنه رسول من عند الله حقًا ويقينًا.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت فى الأجل الذى أجله له رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد ذلك بسنوات.
(1) الأبهران عرقان متصلان بالقلب وإذا قطعا كانت الوفاة.
===================
سؤال : نصراني يريد التعرف على بعض من صفات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
الجواب :
الحمد لله ،
لقد كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مستمدة من القرآن الكريم ، ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت لسائلها : أما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . فقالت : كان خلقه القرآن .
وإذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن وما جاء به ، فهيا بنا نتعرف على هذه الأخلاق :
أولاً: التواضع :
إن التواضع في البيت النبوي قد استمد من التوجيه القرآني العظيم ، يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) [ لقمان : 18 ]
لذلك فقد روي عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : (( كان رسول الله يعلف الناضج ، ويعقل البعير ، ويقم البيت ، ويحلب الشاة ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويأكل مع خادمه ، ويطحن عنه إذا تعب ، ويشتري الشيىء من السوق فيحمله إلى أهله ، ويصافح الغني والفقير والكبير والصغير ، ويسلم مبتدئاً على كل من استقبله ، من صغير أو كبير ، وأسود وأحمر ، وحر وعبد )) [ إحياء علوم الدين 3 / 306 ]
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام أنه كان في سفر ، وأمر أصحابه بطهو شاة ، فقال أحدهم : علي ذبحها ، وقال آخر : علي سلخها ، وقال ثالث : على طبخها ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وعلي جمع الحطب )) فقالوا يا رسول الله ، نكفيك العمل ، فقال : (( علمت أنكم تكفونني ، ولكن أكره أن أتميز عليكم ، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه )) [ شرح الزرقاني 4 : 265 ]
وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( التواضع لا يزيد العبد إلا رفعةً ، فتواضعوا يرفعكم الله )) [ كنز العمال ]
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد )) [ كنز العمال ]
ومن أقواله عليه الصلاة والسلام في الحض عل التواضع قوله : (( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ سيرة ابن هشام ]
ثانيا : الصدق
لقد كان الصدق من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والاسلام ، فقد كانت قريش تعرف محمداً قبل أن يتنزل عليه الوحي بالصادق الأمين .
وحتى عندما بدأت الرسالة ، وأراد أن يدعو قريشاً اعترفت بصدقه قبل أن يتكلم عن رسالته ، فعندما صعد الصفا وقال : (( يا صباحاه )) ، كي تجتمع له قريش ، فاجتمعت على الفور وقالوا له : مالك ؟
قال : (( أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدقونني ؟ ))
قالوا : بلى ، ما جربنا عليك كذباً .
قال : (( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ))(10/98)
وها هو هرقل ملك الروم وإمبراطور الروم يسأل أبا سفيان في ركب من قريش بعد صلح الحديبية فيقول : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فقال أبو سفيان : لا ، فقال ملك الروم : ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . [ تاريخ الطبري 3 : 86 ]
وفي القرآن الكريم الصدق صفة وصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )) [ الاحزاب : 22 ]
قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصاقين )) [ التوبة : 119 ]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة . . )) [ رواه البخاري ومسلم وغيرهما ]
ثالثاً : الأمانة :
لقد أمر القرآن الكريم برد الأمانة وامتدح هذا الأمر ، وعقب على الأمر بالتخويف من الخيانة فقال عز وجل : (( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )). [ النساء : 58 ]
ان نهوض الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة التي ائتمنه الله عليها وكلفه أن يقوم بها ، فبلغها للناس أعظم ما يكون التبليغ ، وقام بإدائها أعظم ما يكون القيام ، واحتمل في سبيلها أشق ما يحتمله بشر .
وقد عرف الناس أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ، فكانوا يسمونه الأمين [ سيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري 2 / 251 ]
ومن احدى المشاهد التي تظهر لنا امانة الرسول صلى الله عليه وسلم ان جابر ابن عبدالله قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى ، فقال : (( صل ركعتين )) ، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني . [ فتح المبدي : 2 / 229 ]
وقد تعددت وكثرت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحض على الأمانة ترغيباً وترهيباً منها :
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجره )) [ رواه البخاري ]
رابعاً : الوفاء :
ان الوفاء بالعهد ، وعدن نسيانه أو الاغضاء عن واجبه خلق كريم ، ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل والمقام الأسمى ، فوفاؤه ، وصلته لأرحامه كان مضرب المثل ، وحق له ذلك وهو سيد الأوفياء وإليك ما يثبت هذه الحقيقة :
حديث عبدالله بن أبي الحمساء إذ قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم تذكرت بعد ثلاث ، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال : (( يا فتى لقد شققت علي أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك ))
روى البخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بهدية قال : (( اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة ، إنها كانت تحت خديجة ))
أي وفاء هذا ياعباد الله ؟ إنه يكرم أحباء خديجة وصديقاتها بعد موتها رضي الله عنها .
خامساً : العدل
لقد أمر القرآن الكريم بالعدل فقال سبحانه وتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا )) [ المائدة : 8 ]
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على العدل والمساواة في أحاديث كثيرة بعد ضرب المثل والقدوة للناس عملياً
_ قال عليه الصلاة والسلام : (( ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة )) [ اللؤلؤ والمرجان 1 : 30 ]
_ وقال عليه الصلاة والسلام : (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته ))
_ وكان عليه الصلاة والسلام يعدل ويتحرى العدل بين زوجاته ثم يعذر إلى ربه وهو مشفق خائف فيقول : (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ))
_ وكان الحسن يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحداً يقرف أحد ، ولا يصدق أحد على أحد .
والقرف : التهمة والذنب .
سادساً : الكرم
ان الكرم المحمدي كان مضرب الأمثال ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً . فقد سأله رجل حلة كان يلبسها فدخل فخلعها ، ثم خرج بها في يده وأعطاه إياها . ففي صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : (( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : (( ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا ))(10/99)
وحسبنا في الاستدلال على كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البخاري عن أبن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن جود الرسول وكرمه فقال : كان رسول الله أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن .
وكيف لا يكون الحبيب صلى الله عليه وسلم أكرم الناس واجودهم على الاطلاق وقد نزل عليه قول ربه : (( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )) [ سبأ : 39 ]
سابعاً : الزهد
والمراد بالزهد الزهد في الدنيا ، وذلك بالرغبة عنها ، وعدم الرغبة فيها ، وذلك بطلبها طلباً لا يشق ، ولا يحول دون أداء واجب ، وسد باب الطمع في الاكثار منها والتزيد من متاعها ، وهو ما زاد على قدر الحاجة ، وإليك هذه المواقف التي تدل على ان النبي صى الله عليه وسلم كان أزهد الناس :
قال عليه الصلاة والسلام لعمر وقد دخل عليه فوجده على فراش من أدم حشوه ليف فقال : إن كسرى وقيصر ينامان على كذا وكذا ، وأنت رسول الله تنام على كذا وكذا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( مالي وللدنيا يا عمر ، وإنما أنا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها ))
وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح : (( لو كان لي مثل أحد ذهباً لما سرني أن يبيت عندي ثلاثا إلا قلت فيه هكذا وهكذا إلا شيئاً أرصده لدين ))
فهذا أكبر مظهر للزهد الصادق الذي كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يعيش عليه ويتحلى به .
وكان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه قائلاً : (( اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا )) أي بلا زيادة ولا نقصان .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها : مات رسول الله صلى الله عايه وسلم وما في بيتي شيىء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي .
ثامناً : أدبه وحسن عشرته :
إن من كمال خلق المرء حسن صحبته ومعاشرته لأهله ، وكمال أدبه في مخالطته لغيره ، وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في حسن الصحبة وجميل المعاشرة وأدب المخالطة وإليك هذه الأمثلة :
قال أنس بن مالك : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته ؟ ولا لشيىء تركته لم تركته ؟
ووصفه علي رضي الله عنه فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشره .
وقالت عائشة رضي الله عنها : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال : (( لبيك )) أي أجاب دعوته .
ووصفه ابن أبهي هالة وهو صحيح : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب ، ولا فحاش ، و عياب ، ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه . وكان يجيب من دعاه ، ويقبل الهدية ممن اهداه ، ولو كانت كراع شاه ويكافىء عليها .
وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ))
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلقاً"، أخرجه البخاري ومسلم
وحسبنا في بيان أدبه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وجميل مخالطته قول ربه تبارك وتعالى فيه : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) [ المائدة : 159 ]
فجزاه الله عن أمته خير الجزاء .
تاسعا : خشيته لله وطول عبادته :
ومن مظاهر خشيته لله وطول عبادته :
انه كان يصلي من الليل حتى تتفطّر قدماه ، فإذا سئل في ذلك قال : (( أفلا أكون عبداً ))
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : (( وجعلت قرة عيني في الصلاة ))(10/100)
و قالت عائشة : كان عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم ديمة ، و أيكم يطيق ما كان يطيق ! . و قالت : كان يصوم حتى نقول : لا يفطر . و يفطر حتى نقول : لا يصوم . و نحوه عن ابن العباس ، و أم سلمى ، و أنس . و قالت : كنت لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته مصليا ، و لا نائماً إلا رأيته نائماً . و قال عوف بن مالك : كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فاستاك ثم توضأ ، ثم قام يصلي ، فقمت معه ، فبدأ فاستفتح البقرة ، فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، و لا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ، ثم ركع ، فمكث بقدر قيامه ، يقول : سبحان ذي الجبروت و الملكوت و العظمة ، ثم سجد و قال مثل ذلك ، ثم قرأ آل عمران ، ثم سورة سورة ، يفعل مثل ذلك . و عن حذيفة مثله ، و قال سجد نحواً من قيامه ، و جلس بين السجدتين نحواًمنه ، و قال : حتى قرأ البقرة ، و آل عمران ، و النساء ، و المائدة . و عن عائشة : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم بأية من القرأن ليلة .
وإليك بعض من الآداب المحمدية :
كان عليه الصلاة والسلام يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين ، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم .
خافض الطرف ينظر إلى الأرض ، و يغض بصره بسكينة و أدب ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء لتواضعه بين الناس ، و خضوعه لله تعالى .. كأن على رأسه الطير .
و كان عليه الصلاة والسلام أشجع الناس ، و كان ينطلق إلى ما يفزع الناس منه ، قبلهم ، و يحتمي الناس به ، و ما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه .
و كان عليه الصلاة والسلام يُخاطب جلساءَ ه بما يناسب . فعن زيد بن ثابت ، قال : كنا إذا جلسنا إلي الرسول إنْ أخذنا في حديث في ذكر الآخرة ، أخذ معنا ، و إنْ أخذنا في ذكر الدنيا ، أخذ معنا ، و إنْ أخذنا في ذكر الطعام و الشراب ، أخذ معنا .
و كان عليه الصلاة والسلام إذا أحزنه أمرٌ فزع إلى الصلاة ، لجأ إليها ، و كان يحب الخلوة بنفسه للذكر و التفكر و التأمل و مراجعة أمره .
: وكان يبادر من لقيه بالسلام والتحية و هو علامة التواضع
كان لا يعيب طعاماً يقدم إليه أبداً ، وإنما إذا أعجبه أكل منه ، وإن لم يعجبه تركه .
يتكلم على قدر الحاجة ، لا فضول ولا تقصير .
لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها
يسألُ الناس عما في الناس ، ليكون عارفاً بأحوالهم و شؤونهم
و لا يجلس و لا يقوم إلا على ذكر
و كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يأكل مع العبد ، و يجلس على الأرض ، و يصافح الغني و الفقير .. و لا يحتقر مسكيناً لفقره .. و لا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو ، و يسلم على من استقبله من غني و فقير ، و كبير و صغير .
فصل اللهم وبارك وسلم على عبدك ورسولك محمد عليه الصلاة والسلام
مراجع :
"الأدب المفرد" للبخاري
"مكارم الأخلاق" لأبن أبي الدنيا وللخرائطي
وكتب الشمائل وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن أجمل الكتب المعاصرة التي وقفت عليها في هذا الموضوع "الأخلاق الفاضلة" للرحيلي وهو كتاب جميل .
===================
الرد على شبهة اهتمامه صلى الله علية وسلم بالغنائم
من الشبه التي أثارها أعداء الإسلام ، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، للوصول إلى الطعن في دعوته ، وإبعاد الناس عنها ، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية ، لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة ، ولكنه بعد هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب التي خاضها هو وأصحابه ، ابتغاء تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية .
وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق الإنجليزي اليهودي ، حيث قال : "عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب ...وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد ، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة ، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبل ونابليون من بعد " .
والحق، فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم ، والمتأمل في تاريخ دعوته، يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي، يسعى إليه طلاب الدنيا واللاهثون وراءها ، وهذا رد إجمالي على هذه الشبهة، أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي :
1-أن ما ذُكر في هذه الشبهة لا يوجد عليه دليلٌ في واقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كان كما قيل لعاش عيش الملوك ، في القصور والبيوت الفارهة ، ولاتخذ من الخدم والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك المطامع المزعومة ، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إذ كان في شظف من العيش، مكتفياً بما يقيم أود الحياة ، وكانت هذه حاله صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.. ، يشهد لهذا أنّ بيوته صلى الله عليه وسلم كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته .(10/101)
وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه ، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته ، ولم يكن له من الطعام إلا الأسودان - التمر والماء- ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة : ( ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء ) متفق عليه. وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة بما يدل على خلاف ما يزعمه الزاعمون .
2-ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرف به النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث عليه أصحابه ، فقد صح عنه أنه قال : ( إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) متفق عليه ، وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء ، فقال : ( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم .
3-ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته ، فرفض ذلك كله ، وفضل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته ، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء .
4-أنّ الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ولا صاحب شهوة، بل كان هدفه الأوحد والوحيد إبلاغ دين الله للناس ، وإزالة العوائق المعترضة سبيل الدعوة ، فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن بقوله : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ) رواه البخاري .
فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً ، قبل دعوته إلى الإسلام ، الذي تصان به الدماء والحرمات .
5-ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إلا أقل القليل ، ففي الصحيح عن عمرو بن الحارث قال : ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ، ولا ديناراً ، ولا عبداً ، ولا أمة ، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة ) رواه البخاري ، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد ، إلا شطر شعير في رف لي ) متفق عليه .
6-وكما قيل : فإن الحق ما شهدت به الأعداء ، فقد أجرى الله على ألسنة بعض عقلاء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة ، من ذلك ما قاله "كارليل" : "أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره ، حمق وأيم الله ، وسخافة وهوس " .
ويقول : "لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ، ومأكله ، ومشربه ، وملبسه ، وسائر أموره وأحواله ...فحبذا محمد من رجل خشن اللباس ، خشن الطعام ، مجتهد في الله ، قائم النهار ، ساهر الليل ، دائباً في نشر دين الله ، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال ، من رتبة ، أو دولة ، أو سلطان ، غير متطلع إلى ذكر أو شهوة " .
7-وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لأسباب مصطنعة وغير كافية، فجوابه أن الواقع خلاف ذلك، إذ أبرم النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم، وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم ، بل تكفل لهم نصرة مظلومهم ، وحمايتهم ، ورعاية حقوقهم ، ولم يكن في سياسته صلى الله عليه وسلم إبعادهم ، ومصادرة أموالهم إلا بعد نقضهم العهود والمواثيق ، ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة .
وبعد : فلا حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب مطامع دنيوية ، يحرص عليها ، ويسعى في تحصيلها ، وإنما هي دعوة صالحة نافعة ، تعود بالخير على متبعيها في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين
===================
رضاع الكبير في الإسلام
كتبه د. هشام عزمي
صار حديث رضاع الكبير مضغة في أفواه النصارى يتصايحون به و يقذفونه في وجوه المسلمين حين عجزهم عن مواجهة الواقع الأليم في كتابهم “المكدس” بالفضائح الجنسية !! لذا وجب الوقوف أمام جهلهم أو تجهيلهم حتى نقيم الحجة عليهم و يكون الجميع على بينة فنقول - و الله المستعان - أن حديث رضاع الكبير مما تلقته الأمة بالقبول رواية ودراية .
أما الرواية فقد بلغت طرق هذا الحديث نصاب التواتر كما قال الإمام الشوكاني (نيل الأوطار 6/314).
وأما الدراية فقد تلقى الحديث بالقبول الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين إلى يومنا هذا .(10/102)
تلقوه بالقبول على أنه واقعة عين بسالم لا تتعداه إلى غيره ، ولا تلح للاحتجاج بها. قال الحافظ ابن عبد البر : ” هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه خصوص ” . (شرح الزرقاني على الموطأ 3/292)، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه : ” هذا لسالم خاصة ”
وبذلك صرحت بعض الروايات ، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا .
إن قصة رضاعة سالم قضية عين لم تأت في غيره ، واحتفت بها قرينة التبني ، وصفات لا توجد في غيره ، فلا يقاس عليه .
ثم ننتقل إلى نقطة أخرى: هل قوله - عليه الصلاة و السلام - أرضعيه يحتم ملامسة الثدي كما يدعي النصارى؟ بالطبع النصراني لديه قائمة طويلة من استشهادات اللغويين العرب و علماء المسلمين بأن الرضاع هو مص الثدي و بالتالي طالما قال النبي “أرضعيه” فهو يقصد لا محالة هذا المعنى المباشر و لا شيء سواه !
حسنٌ، سنجيب على هذه الجدلية نقطة بنقطة بعون الله و لنبدأ أولاً بمقصد اللغويين و العلماء من تعريفهم للرضاع بمص الثدي: هل كانوا يقصدون الكبير؟ و هل قصروا التعريف على المص المباشر؟ لنر كيف عرفوا الرضاع …
الرضاع بالفتح والكسر (رَضاع - رِضاع ): اسم من الإرضاع - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/229).
وهو اسم لمص الثدي وشرب لبنه - الإقناع للشربيني (2/364) والروض المربع شرح زاد المستنقع لمنصور البهوتي (3/218).
وشرعاً: اسم لحصول لبن امرأة أو ما يحصل منه في معدة طفل أو دماغه - الإقناع للشربيني (2/364) .
وقال الجرجاني: هو مص الرضيع من ثدي الآدمية في مدة الرضاع - التعريفات للجرجاني (111).
وعرفه بعض العلماء بأنه: مصُ مَنْ دون الحولين لبنا ثاب عن حمل، أو شربه ونحوه - السلسبيل في معرفة الدليل للبليهي (3/95) وانظر الروض المربع (3/218) .
فظهر من هذه النماذج أن المقصود بالمص من الثدي إنما هو الرضيع أو ما دون الحولين و لا مكان للكبير هنا يا سادة يا كرام . و كذلك شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يصح أن يكون رضاعاً . و قبل أن يتحفز النصارى للرد نسأل بكل هدوء و عقلانية: هل الطفل الذي يشرب الحليب من غير رضعه من الثدي مباشرة يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟
الجواب أنه يثبت حسب قول الجمهور و لم يخالف سوى داود بن خلف الظاهري - مؤسس المذهب الظاهري المنقرض - و قد قاد هذا الموقف الشاذ للمدرسة الظاهرية ابن حزم الظاهري إلى رأي غاية في الشناعة بخصوص رضاع الكبير لا يوافقه عليه أحد من العلماء . قال فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : ” استدلال ابن حزم بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية ، والتقام ثديها ، إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا ، استدلال خطأ ، دعاه إليه أن الرضاعة المحرمة عنده إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه” .
إذن إذا كان شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يثبت حكم الرضاع للصغير فأولى به الكبير ، أليس كذلك ؟!
قال أبو عمر : صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ، فأما أن تلقمه المرأة ثديها ، فلا ينبغي عند أحد من العلماء .
وقال القاضي عياض : ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها ، ولا التقت بشرتاهما ، إذ لا يجوز رؤية الثدي ، ولا مسه ببعض الأعضاء .
قال النووي : وهو حسن
(شرح الزرقاني على الموطأ 3/292 ) . انتهى الاقتباس حسب الحاجة .
فما رأي النصارى الأصاغر في هذا التعريف القاطع لرضاع الكبير ؟ لقد قالها الحافظ الكبير أبو عمر ابن عبد البر واضحة صريحة لا تقبل المناقشة و الجدال “صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ، فأما أن تلقمه المرأة ثديها ، فلا ينبغي عند أحد من العلماء” و هذا هو القول الحق الذي يليق بالرسول - صلى الله عليه و سلم - و عليه المسلمون شرقاً و غرباً . أما النصارى الذين أفسدت عقولهم و قلوبهم النصوص الجنسية بكتابهم فهم لا يرون سوى انعكاس قلوبهم المريضة و عقولهم العليلة في الحديث !
و ها هو دليل آخر من كلام ابن قتيبة الدينوري (ت 276ه) و هو عالم نحوي ليس له مثيل و خبير باللغة العربية و معانيها ..
قال ابن قتيبة :
فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم - بمحلها عنده، و ما أحب من ائتلافهما، و نفي الوحشة عنهما - أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، و يطيب نفسه بدخوله فقال لها “أرضعيه”.
و لم يرد: ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال.(10/103)
و لكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه.
ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له و ما لا يؤمن معه من الشهوة؟
( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص308-309)
فما رأي أدعياء العلم النصارى ؟!
أليس يقول تعالى ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ” (النور : 30) ؟ فكيف يسمح النبي حتى يُرتكب مثل هذا الفعل الشائن المحرم ؟؟
النبي هو الذي قال: أرضعيه تحرمي عليه . النص لم يصرح بأن الإرضاع كان بملامسة الثدي.
سياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة فكيف يرضى بالرضاع المباشر بزعم سفهاء النصارى ؟
وإذا كان أبو حذيفة يتغير وجهه من مجرد دخول سالم إلى بيته : فما ظنكم بحاله وقد كشفت امرأته ثديها لسالم ليرضع منه ؟!!!
أو نسي - أو جهل - هؤلاء أن النبي - صلى اله عليه و سلم - حرم المصافحة ؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد ؟!
و آخر درس نعلمه للنصارى أن الحجة لا تقوم على الخصم بما فهمه خصمه وانما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة.
و السلام .
————————————————–
المصادر …
رضاع الكبير للشيخ عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
أحكام الرضاع في الإسلام د/ سعد الدين بن محمد الكبي
تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري
شرح الزرقاني على الموطأ
==============
فيض القدير في الرد على شبهة رضاعة الكبير
الحمد لله و كفي و سلام علي عباده الذين اصطفي
يثير النصاري هذه المسألة و كثيرا ما يتشدقون بها و هي ( رضاعة الكبير )
و عموما اعرف ان الاخوة كلهم يعرفون الرد و لكن اكتب هذا فقط من باب تجميع الاراء و عساها تكون نافعة للاخوة الجدد
اولاً :
الحديث الاول الذي نذكره و الذي احل فيه النبي رضاعة الكبير هو حديث سهلة بنت سهيل زوجة ابي حذيفة بن عتبة
1- كيف تتم رضاعة الكبير؟؟ وهل يري بذلك عورة المرأة ؟؟
الاجابة علي هذا السؤال تذكرني بالنكتة مصرية التي تقول ( ان رجلا اراد شرب اللبن البقري ساخنا فاشعل النار في البقرة )
فهل يشترط لمن يشرب اللبن البقري او الجاموسي انه ينزل تحت الجاموسة ليشرب مباشرة من ثديها؟؟!!!
عفوا اعتذر عن هذا المثال و لكن ما بالك اذا كنت تتعامل مع النصاري
عموما نقول ان مباشرته للمرأة غير وارد و انما يتم حلب اللبن و يشربه دون ان يري عورتها , وما ثبت بخصوص رضاعة سالم و هو كبير من قبل التي ربته سهلة بنت سهيل هو انها حلبت لبنها في وعاء وأعطته ليشرب من الوعاء و هذا ثابت في طبقات ابن سعد ترجمة سهلة بنت سهيل
2- لماذا جاء الاسلام برضاعة الكبير؟؟؟
الناظر لحديث سهلة سيعرف لماذا ؟
لان سهلة نفسها تقول ان سالم كان يدخل عليهم ( اي انه كان ابنها بالتبني ) فلما حرّم الاسلام هذا التبني كان لابد من مرحلة انتقاليه
كذلك سهلة هي التي قامت بتربية سالم فكان عندها مثل ولدها و عز عليها فراقه
3- هل معني ذلك ان الامر كان خاصا بسهلة ؟؟
انقسمت الارآء علي ثلاث :
منهم من رأي ان الامر كان خاص بسهلة فقط
منهم من راي ان الامر كان لمن كان له مثل حالها و للراي الاول و الثاني ذهبت ام سلمة و سائر زوجات النبي
منهم من راي ان الامر مطلق ( و الي هذا ذهبت ام المؤمنين عائشة )
4- هل تحل رضاعة الكبير الان ؟؟؟
لا تحل و الدليل انها لا تحل بعد الحولين ما قاله :
علي ابن ابي طالب
ابن عباس
ابن مسعود
جابر
ابن عمر
ابي هريرة
ام سلمة
سعيد بن المسيب
عطاء
الشافعي
مالك ( رغم انه اخرج الحديث في الموطأ )
احمد
اسحاق
الثوري
اما ابو حنيفة فخالف و رده تلامذته ( ابو يوسف و محمد ) و علي رأي ابو يوسف و محمد الذي هو التحريم يدور مذهب الاحناف .
فهل معني ذلك ان عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها كانت تدعو لامر حرام؟؟!!
نقول بالطبع لا
و لكن حدث نسخ لهذا الامر
و الكل اجمع في الثلاثة اراء المذكورة آنفا ان هذا الامر بتحليل رضاعة الكبير كان لفترة عارضة الا السيدة عائشة
فاذا اثبتنا ان السيدة عائشة نفسها اعترفت بهذا النسخ فلا مجال اذن لحجج النصاري
كيف نثبت ذلك؟؟
نقول اثبات ذلك عقلا و نقلا هو من البخاري
فقد بوّب البخاري رحمة الله عليه بابا اسمه
ثانيا : باب من قال لا رضاعة بعد الحولين
هل اسم الباب واضح؟؟؟
1- لماذا لا تجوز الرضاعة بعد الحولين؟؟؟
لان النبي صلي اله عليه و سلم قال ( انما الرضاعة من المجاعة ) اي ان الرضاعة التي تحيب هي ما كانت في فترة ضغر الطفل كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد انبتت من لبنها لحم الطفل كما الام تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون المرضعة كالام في هذا الحين .
2- هل لهذا الدليل شواهد ام انه مجرد استنتاج ؟؟؟(10/104)
الشاهد من حديث ابن مسعود حين قال ( لا رضاع الا ما شد العظم و انبت اللحم ) و من حديث ام سلمة ( لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء ) .
3- هل جزم احد ان هذا الحديث ناسخ للحديث الذي قبله ؟؟
نعم و منهم المحب الطبري في الاحكام .
4- و لكن كيف تستدل ان عائشة رضي الله عنها قد علمت بهذا النسخ ؟؟؟
اقول لان بمنتهي البساطة هذا الحديث هو من رواية عائشة رضي الله عنها
و اليكم الحديث : اخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها ان النبي دخل عليها و عندها رجل فكانما قد تغير وجهه فقالت انه اخي فقال انظرن ما اخوانكن انما الرضاعة من المجاعة
فان قال النصاري ان ربما المراد بذلك الامر هو ( عدد الرضعات و ليس السن ) لاجبناهم ان هذا يستحيل فان احاديث اعداد الرضعات التي تحرم التي روتها هي عائشة رضي الله عنها و هي تعلمها جيدا
كذلك لفظ الحديث لا يدل علي العدد و انما يدل علي السن ( انما الرضاعة من المجاعة ) اي في السن الذي يكون سد الجوع فيه هو اللبن الذي يرضعه الرضيع
كذلك بوّب البخاري الحديث كما ذكرنا في باب من قال انه لا تجوز الرضاعة بعد الحولين .
السؤال الاخير للنصاري : و ما يدريك ان هذا الحديث هو الذي نسخ الذي قبله و لم لا يكون العكس؟؟ اي لم لا يكون هذا الحديث هو الاول و حديث سهلة هو الناسخ ؟؟؟
نقول هذا من فرط الغباء ان يظن النصاري كذلك و ذلك لان الاصل في الرضاعة كان التحريم فلابد ان يأتي حديث يحلل ذلك التحريم و هو حديث سهلة ثم اذا كان نسخ يكون بعد حديث سهلة لا قبله .
و هذا ما نفهمه من الحديث ان عائشة رضي الله عنها كانت تظن بجوازه فنبهها النبي صلي الله عليه و سلم الي نسخه
و علي هذا فاننا نقول ان الاجماع من امهات المؤمنين و الصحابة رضي الله عنهم و التابعيين و الائمة ان رضاعة الكبير منسوخة
و انها ما احلها الله الا رحمة بالامة في امر احتجاب النساء عن ابنائهم الذين قاموا بتربيتهم لما نزل امر النهي عن التبني ثم نسخت .
اخوكم فى الله / وليد
---------------
يقول عضو المنتدى وليد :
اقتباس:
فهل يشترط لمن يشرب اللبن البقري او الجاموسي انه ينزل تحت الجاموسة ليشرب مباشرة من ثديها؟؟!!!
يا وليد أنت عجيب.
رسول الإسلام أصلا لم يتحدث عن الشرب بل قال (أرضعيه ).
فما دخل الشرب بالرضاعة حتى تستشهد بالمثال الذي ذكرته؟
ثم قال العضو وليد :
اقتباس:
عموما نقول ان مباشرته للمرأة غير وارد و انما يتم حلب اللبن و يشربه دون ان يري عورتها
ما دخل الشرب الآن ؟ تلف وتدور وترجع للشرب ؟!!أنا أول مرة أسمع في حياتي أن الرجل يرضع المسعط أو الإناء أو الكوب.
حتى رسول الإسلام لم يقلها.
يعني ممكن رضاعة من حلمة ثدي المرأة.
ممكن رضاعة من ثدي الشاة وما شابه.
ممكن حتى رضاعة من الحلمة الصناعية البلاستيكية الموجودة في رضاعة الأطفال التي نراها اليوم.
لكن رضاعة من إناء ؟ يا بشر !!!!
الوحيدون اللذين قالوها هم المشايخ والعلماء اللذين فاجئهم هذا الحديث ولم يعرفوا ماذا يقولون فإخترعوا شيء إسمه صفة رضاعة الكبير.
وقد أجاد أخوك motazeltouny في الرد عليك حين قال:
اقتباس:
(الرجل الذي يشرب من اناء اللبن لا يقال عليه انه يرضع فتبرير الموضوع انها كانت تسكب له في وعاء لا يصح وانما الرضاعة تكون بالتقام الثدي والمج منه كما هو معروف في لسان العرب وكان يقال فلان راضع يعني لئيم لماذا لانه كان اذا نزل عليه ضيف واراد ان يشرب اللبن ما كان يصبه في وعاء حتي لا يسمع الضيف صوت اللبن وهو يحلب وانما كان يضع فيه علي ثدي العنزة ويمص منه حتي لا يسمع له صوت فيقال رجل راضع اي لئيم خبيث كما بينت)
ويقول أيضا سيادة العضو وليد :
اقتباس:
انها حلبت لبنها في وعاء وأعطته ليشرب من الوعاء و هذا ثابت في طبقات ابن سعد ترجمة سهلة بنت سهيل .
بالإضافة للردود السابقة فسند هذه الرواية ضعيف أصلا يا سيادة العضو وليد.
الراوية الضعيفة التي ذكرتها في طبقات سعد تعال معي إلى موقع الإيمان وإبحث عن ترجمة سهلة بنت سهيل في آخر على هذا الرابط http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=185&CID=113#s10:
(أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال كان يحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم كل يوم خمسة أيام وكان بعد يدخل عليها وهو حاسر رخصة من رسول الله لسهلة بنت سهيل)
حتى لو إفترضنا أنها مجرد شرب , أنا مش فاهم يعني ؟ في عاقل يقبل الكلام ده؟
تخيلوا إمرأة تحلب ثديها لينزل اللبن في المسعط وتدفع بالمسعط إلى رجل كبير وله لحية وكل يوم لمدة خمسة أيام !!!! يا ناس إرحموا عقولنا !!!
وعموما حتى لو ( وأنتم تتمنون أنه قالها ) حتى لو قال رسول الإسلام ( دعيه يشرب من لبنك بعد أن تدريه في مسعط أو في إناء) فهل تقبل هذا الكلام على أمك؟
أي عاقل يقبل هذا الكلام؟(10/105)
يا زميل وليد إذا كان معظم زوجات النبي أنفسهم لم يقبلوا ( بإفتراض أنها كانت مجرد شرب كما تزعم ) ذلك على أنفسهم كما يظهر لي من خلال الكلام الذي نقل عنهم حينما قالوا ( صحيح مسلم ):
(حَدَّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَتْ تَقُولُ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلاَّ رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلاَ رَائِينَا. )
عضو المنتدى ismael-y يقول :
اقتباس:
-أولا كلامه مبهم و الهاء لا تفيد يقينا أنها تتعلق بالثدي+ ومع فرضية أنها تعود على الثدي فهو قال يحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة فما معنى يحتمل أنه عفي,,?يعني القول الراجح أنه لا يحل مس الثدي ان لم يكن معنى ارضعيه على و جه التعجيز
لا ليس تعجيزا يا ismael-y
إقرأ الحديث جيدا :
3674 - وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ - قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ - عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِى بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ - تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّى أَظُنُّ أَنَّ فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ ». فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ.
الرضاعة شيء والشرب شيء آخر يا بشر.
وإلي عاوز يحرف الكلام والمعاني يحرف زي ما هوا عاوز.
هو حر. لكن يجب أن يسأل نفسه من الداخل على أقل تقدير. (هل ما أقوله صحيح ؟ )
وتسبون وتتهجمون على ديننا وتنسون طوام دينكم.
من كان بيته من زجاج فلا يحذف الناس بالحجر.
---------------
كالعادة النصرانى جاء فقط لحديث الرضاعه من اول مداخله
39450 - جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي ؟ ! قال : فأرضعيه . قالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فقال : ألست أعلم أنه رجل كبير ؟
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3320
ولا يعرف من وجه الحديث مسأله فَقَالَتْ إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُهُ.... فهى من الزيادات التى ضعفها الشيخ الالبانى
----------
اقتباس:
وإلي عاوز يحرف الكلام والمعاني يحرف زي ما هوا عاوز.
هذا هو ما تفعله انت الأن عزيزي
اقرا :-
روى ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة» (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716).
قال ابن قتيبة :
فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم - بمحلها عنده، و ما أحب من ائتلافهما، و نفي الوحشة عنهما - أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، و يطيب نفسه بدخوله فقال لها "أرضعيه".
و لم يرد : ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال. و لكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه. ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له و ما لا يؤمن معه من الشهوة؟ ( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص308-309)
مش عيب عليك لما تكذب هل انت اعلم بالصحابه واتباعه من الرسول صلى الله عليه وسلم
هي بالعافيه ملامسة الثدي يعني الحديث ده مش غابك لأنوا مش على مزاجك ... في الحديث ياروح بولس
ثم تصرخ وتولول تقول ارحموا عقولنا
ارحمنا انت من قصة الأله المنتحر والثلاثه في واحد وواحد في ثلاثه يا خيبه والصليب لعنه والمسيح ملعون لأنه افتداكم من لعنة الناموس لأنه ملعون المعلق على خشبه رب ملعون يا راجل روح بعيد امشي(10/106)
وبعد تدمير كذبك واثبات انه لا اباحيه عندنا بفضل الله
نريد ان نسالك يا من تصرخ وعامل فيها بطل عن اباحيات وقلة ادب كتابك
عندما يأمر هو برضاعه الكبير مباشرة :-
إشعياء49 عدد22:هكذا قال السيد الرب ها اني ارفع إلى الامم يدي والى الشعوب اقيم رايتي.فيأتون بأولادك في الاحضان وبناتك على الاكتاف يحملن (23) ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك.بالوجوه إلى الارض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين اني انا الرب الذي لا يخزي منتظروه
إشعياء60 عدد16: وترضعين لبن الامم وترضعين ثدي ملوك وتعرفين اني انا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب
كيف ربك يأمر بالرذيله ويشجع على جريمة الزنا
سفر صموئيل الثانى [12: 11-12] : رب الأرباب نفسه يسلم أهل بيت نبيه داود عليه السلام للزنى عقاباً له : (( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ.))
-------------
رضاع الكبير
صار حديث رضاع الكبير مضغة في أفواه النصارى يتصايحون به و يقذفونه في وجوه المسلمين حين عجزهم عن مواجهة الواقع الأليم في كتابهم " المكدس" بالفضائح الجنسية !!
ولذا وحتى يكون المسلم على بينة وجب الوقوف مع هذا الحديث فنقول وبالله التوفيق :
نذكر أولا ما ورد فيما يطلق عليه النصارى الكتاب المقدس قبل أن نرد على هذه الشبهة ، ليتبين للقارئ أن ما لدى عباد الصليب من الضلال المبين في كتابهم المقدس مما حرفوه عن دين أنبياءهم الكرام ، ما يجعلهم يستحون من الإنكار على المسلمين شيئا من محاسن شريعتهم التي بشر بها جميع الأنبياء .
ومما جاء فيم يطلقون عليه الكتاب المقدس :
الرب يأمر بالرذيلة و يوقع الناس في الزنا عقاباً لهم !!! :
سفر صموئيل الثانى [12: 11-12] : رب الأرباب نفسه يسلم أهل بيت نبيه داود عليه السلام للزنى عقاباً له : (( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ.))
سفر عاموس [ 7 : 16 ] : النبي عاموس يقول لأمصيا كاهن بيت إيل : (( أنت تقول لا تتنبأ على اسرائيل . ولا تتكلم عن بيت اسحاق لذلك هكذا يقول الرب : امرأتك تزني في المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف . ))
سفر إرميا [ 8 : 10 ] يقول الرب : (( لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. ))
سفر إشعيا [ 3 : 16 ] : (( وَقَالَ الرَّبُّ : مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ 17يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ. ))
الرب يُحِثُّ علىاختطاف بنات شيلوه واغتصابهن :
سفر القضاة [ 21 : 20 ] : (( واوصوا بني بنيامين قائلين امضوا واكمنوا في الكروم. وانظروا فاذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في الرقص فاخرجوا انتم من الكروم واخطفوا لانفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا الى ارض بنيامين. ))
وفي سفر هوشع [ 1: 2-3] : الرب يأمر هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زنى : ولا تتساءل إذا كان هذا تشجيعاً للزانيات أن يتمادين فى بغائهم ، فإن الرب سينصفهن وسيزوجهن من أنبياء وقضاة ؟ : (( أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!. فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْناً. ))
يهوذا جد المسيح يزني بكنته ثامار ( زوجة ابنه )
سفر التكوين [ 38 : 15 ] : فرآها يهوذا فحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال: هاتي أدخل عليك. لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت : ماذا تعطيني لكي تدخل علي. فقال: إني أرسل جدي معزى من الغنم. فقالت: هل تعطيني رهنا حتى ترسله؟ فقال: ما الرهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصاك التي في يدك. فأعطاها ودخل عليها فحبلت منه... وبعد ثلاثة شهور قيل ليهوذا: إن كنتك ثامار قد زنت وها هي الآن حبلى من الزنا(10/107)
ثم إنهم يجعلون نسب المسيح جاء من فارص وزارح ، التوأم اللذين حملت بهما ثامار من الزنى !!!
الرب يأمر بالتغزل بثدي المرأة !!
سفر الأمثال [ 5 : 18 ] : (( وافرح بامرأة شبابك الظبية المحبوبة والوعلة الزهية ، ليروك ثدياها في كل وقت ! ))
نشيد الأنشاد [ 8 : 8 ] : (( لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ ليس لها ثديان ُ، فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمِ خِطْبَتِهَا ؟ ))
والحاصل : أن طائفة كتبت هذا الكلام في كتابها ، لا يصح عقلاً ولا منطقاً أن تتفوه أوتنكر شىء على اتباع الديانات الأخرى ....
أما الرد على شبهتهم الساقطة فنقول وبالله التوفيق :
اتفق علماء الصحابة وأئمة المذاهب الفقهية وأتباعهم على أن الرضاع المحرّم هو ذاك الذي يناله الرضيع وهو دون السنتين من العمر ، لصريح قول الله تعالى : (( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ )) ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها : ( ( انما الرضاعة من المجاعة ) ) اي ان الرضاعة التي تجب هي ما كانت في فترة صغر الطفل كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد انبتت من لبنها لحم الطفل كما الام تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون المرضعة كالام في هذا الحين ، وفي الترمذي وصححه عن أم سلمة مرفوعاً : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) و للدارقطني عن ابن عباس يرفعه : (( لا رضاع إلا في الحولين )) وعند أبي داود عن ابن مسعود يرفعه (( لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم )) .
فكل هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرضاعة المحرمة هي ما كانت دون السنتين قبل الفطام ، وما بعد ذلك فلا أثر له،
وأما ما جاء في حديث سهلة بنت سهيل إمرأة أبي حذيفة من قصة سالم مولى أبي حذيفة من أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، فلما صارت امرأة أبي حذيفة يشق عليها دخول هذا الغلام الذي كبر لما رأت من تغير في وجه زوجها أبي حذيفة ، استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرضعية تحرمي عليه " وكيف ان أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد رأت ان هذا الأمر عاماً ، ( كما في سنن أبي داود ) فكانت تأمر بنات أخواتها و بنات إخوتها أن يُرضِعنَ من أحبت عائشة أن يراها ، أو يدخل عليها و إن كان كبيراً خمس رضعات ثمّ يدخل عليها ، فالجواب عن ذلك هو :
ذهب جمهور العلماء إلى أن قصة سالم هي واقعة خاصة بسالم لا تتعداه إلى غيره ، ولا تصلح للاحتجاج بها. قال الحافظ ابن عبد البر : " عدم تحديث أبي مليكة بهذا الحديث لمدة سنة يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه مخصوص " . ( شرح الزرقاني على الموطأ 3/292)، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه : " هذا لسالم خاصة "
وبذلك صرحت بعض الروايات ، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ (( : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بهذه الرضاعة ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا ))
وبالتالي يكون عمل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - إن صح الخبر - اجتهاد منها ليس إلا ، تثاب عليه في كل الأحوال ، بأجر أو بأجرين . وكان فهم وعمل الصحابة وسائر ازواج النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه . وقد قيل ان ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها مؤول بأنها إذا تفرست بطفل خيرا وأرادت أن يدخل عليها بعد بلوغه تأمر بنات أخيها أن يرضعنه وهو صغير، فإذا كبر دخل عليها .
وقد ذهب البعض إلى إن حديث سهلة بنت سهيل مخصوص بمن حاله كحال سالم مولى أبي حذيفة. فلو وجد أحد تبنى شخصاً حتى كان هذا الابن مثل ابنه في دخوله على أهله وبساطتهم معه، واضطرت امرأته لأن ترضعه ليبقى على ما هو عليه من الدخول - لو وجد هذا – لقلنا بجوازه. لكن هذا في الوقت الحاضر ممتنع، لأن الشرع أبطل التبني، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء، قالوا يا رسول الله : أرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت" ولو كان إرضاع الكبير مؤثراً لقال : " الحمو ترضعه زوجة أخيه مثلا حتى يدخل على امرأة من محارمة " فلما لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أو يوجه إلى هذا علم أن رضاع الكبير بعد إبطال التبني لا يمكن أن يكون له أثر.(10/108)
وذهب البعض أيضاً إلى جواز الترخيص في إرضاع الكبير و ترتيب أحكام الرضاعة عليه في التحليل و التحريم عند وجود المشقة في الاحتجاب عنه ، و عدم الاستغناء عن دخوله على النساء ، كما في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما ، و هذا القول منسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، و هو قول بعيد لأنّ المشقّة غير منضبطة ، أما لو كانت ضرورة ، فللضرورة شأنٌ آخَر ، و الضرورات تقدّر بقَدَرِها .
و الظاهر أنّ لتخصيص الرخصة بسالم رضي الله عنه من دون الناس هو الراجح من حيث اختيار معظم أمهات المؤمنين له ، وذهاب معظم الصحابة و جمهور العلماء إلى القول به ، و هو المفهوم من ظاهر النصوص المعارضة لحديث سهلة بنت سهيل ، و لو كان الأمر على إطلاقه لشاع بين الصحابة الكرام فمن بعدهم من السلف ، و تعدّدت طرقه ، و رويت أخباره .
تنبيه : لقد فهم جهال النصارى من قوله - عليه الصلاة والسلام – لسهلة : (( أرضعيه )) أنه يتحتم ملامسة الثدي فقالوا كيف يكون هذا ؟! ومن أحسن ما قيل في توجيه ذلك قول الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ( 10 / 31 ) : ( قال القاضي : لعلّها حَلَبَته ثم شرِبَه ، دون أن يمسَّ ثديَها ، و لا التَقَت بشرتاهُما إذ لا يجوز رؤية الثدي ، ولا مسه ببعض الأعضاء ، و هذا الذي قاله القاضي حَسَنٌ ، و يُحتَمل أنّه عُفيَ عن مسّه للحاجة ، كما خُصَّ بالرضاعة مع الكِبَر. )
وقال أبو عمر : (( صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه فأما أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي عند أحد من العلماء، وهذا ما رجحه القاضي والنووي )) (شرح الزرقاني3/316).
فإن قيل إنه ورد في الحديث قول سهلة : (( و كيف أرضعه و هو رجل كبير ؟ )) نقول هذا وصف نسبي بالنسبة لما يعرف عن الرضاع بأنه عادة لا يكون إلا للصغير.
فإن أبيتم روينا لكم ما رواه ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة» (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716).
ثم ان النص لم يصرح بأن الارضاع كان بملامسة الثدي. وسياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة فكيف يرضى بالرضاع المباشر كما فهم هؤلاء؟
أونسي هؤلاء أن النبي حرم المصافحة؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد؟
ثم اننا نسأل هؤلاء : هل الطفل الذي يشرب الحليب من غير ارتضاعه من الثدي مباشرة يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟
والجواب كما عند جمهور العلماء أنه يثبت ، وبالتالي نقول انه إذا كان شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يثبت حكم الرضاع للصغير فإنه أولى به للكبير ذلك لأن شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يصح أن يكون رضاعاً .
وأخيراً ننقل من كلام العالم النحوي ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) في توجيهه لحديث سهلة :
قال ابن قتيبة :
فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم - بمحلها عنده، و ما أحب من ائتلافهما، و نفي الوحشة عنهما - أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، و يطيب نفسه بدخوله فقال لها "أرضعيه".
و لم يرد : ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال. و لكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه. ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له و ما لا يؤمن معه من الشهوة؟ ( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص308-309)
قلت : كيف لا وربنا جل جلاله يقول في محكم كتابه : (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) (النور : 30) ؟
فالحجة لا تقوم على الخصم بما فهمه خصمه وانما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
__________________
أبو عبد الله
===================
بركات المتعال في دحض شبهة زواج الأطفال
بقلم د. هشام عزمي
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)
(الطلاق:4)
هذه الآية ذكرت في منتدى نصراني تحت عنوان : (هذه الآية القرآنية واحدة من أسباب عدم إيماني بالقران ).
وقال صاحب الموضوع بعد أن قرأ تفسير المفسرين الذي يفسر (واللائي لم يحضن) على أنهن هن الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن وهن لم يبلغن الحلم (لم يحضن). فقال معلقا على هذا التفسير : نرى هنا أن زواج الأطفال وهو المحرم في جميع شرائع العالم الآن و الذي هو ضد حقوق الإنسان لكنه مسموح به في القران .(10/109)
قلت: قد أجمع علماء الإسلام على جواز زواج الفتاة قبل المحيض و الدخول بها و استدلوا بالآية الرابعة من سورة الطلاق .
قال الطبري رحمه الله: تأويل الآية: { واللائي يئسن من المحيض… فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يقول: وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول (14/142) ومثله قال ابن كثير ( 4/402)، والقرطبي (18/165) وغيرهما.
و كذلك استدلوا بحديث زواج النبي بعائشة ..
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده “سبع سنين” .
قال النووي :
“ كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها “ شرح مسلم (9/207) .
نُقل الإجماع على جواز تزويج الأب البكر الصغيرة - على الأقل إجماع الصحابة - وممن نقل الإجماع : الإمام أحمد في ” المسائل ” - رواية صالح – ( 3/129 ) والمروزي في ” اختلاف العلماء ” ( ص 125 ) ، وابن المنذر في ” الإجماع ” ( ص91 ) وابن عبد البر في ” التمهيد “، والبغوي في ” شرح السنة “( 9/37 ) والنووي في ” شرح مسلم ” ( 9/206 ) وابن حجر في” الفتح ” ( 12/27 ) ، والباجي في ” المنتقى ” ( 3 / 272 ) ، وابن العربي في ” عارضة الأحوذي ” ( 5 / 25 ) ، والشنقيطي في ” مواهب الجليل ” (3/27) .
و لكن القاعدة أيضاً هي صلاحية الفتاة للزواج و عدم الإضرار بها ..
قال النووي :
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ، وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها .
” شرح مسلم ” ( 9 / 206 ) .
قال ابن قدامة في المغني
(5635) فصل : وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك . قاله القاضي . وذكر أنهن يختلفن , فقد تكون صغيرة السن تصلح , وكبيرة لا تصلح . وحده أحمد بتسع سنين , فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها : فإن أتى عليها تسع سنين , دفعت إليه , ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع .
وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع .
قال القاضي : وهذا عندي ليس على طريق التحديد , وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها , فمتى كانت لا تصلح للوطء , لم يجب على أهلها تسليمها إليه , وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها , لأنه لا يملك الاستمتاع بها , وليست له بمحل , ولا يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها , فيفضها أو يقتلها . وإن طلب أهلها دفعها إليه , فامتنع , فله ذلك , ولا تلزمه نفقتها ; لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها .
قلت: من الثابت طبياً أن أول حيضة تبدأ بعد بدء مرحلة البلوغ بسنتين(1) . فأول حيضة و المعروفة باسم المينارك menarche تقع بين سن التاسعة و الخامسة عشر(2) .
أما علامات البلوغ في الفتيات فهي :
1. تغير الصوت نحو الطبيعة الأنثوية .
2. استدارة منحنيات الجسم فتأخذ زوايا الجسم تدورات لطيفة بسبب الترسيب الإنتقائي للدهون .
3. نمو الحلمتين و الثديين بتأثير هرمون الإستروجين .
4. وجود بعض الميول النفسية مثل الخجل و الإنعزال و الميل للجنس الآخر .
5. النمو السريع للرحم و المهبل و باقي الأعضاء الجنسية .
6. ظهور أول حيضة(3) .
فثبت أن الحيض يتأخر عن البلوغ و لا يحدد بدايته . و هكذا نجمع بين كل الآراء فقد كان علمائنا يقصدون بوطء الصغيرة الفتاة التي لم تحض بعد و إن كانت أعراض البلوغ قد نالتها .
و قد نبه خالق المرأة إلى هذا الأمر في كتابه فلم يشترط نزول دم المحيض كعلامة على بدء البلوغ و ما هي بعلامة له أصلاً عند أهل الطب بل هي تدل على اكتمال عملية البلوغ و تقع بعد بدئه بسنتين .
و أيضاً د. دوشني - و هي طبيبة أمريكية - تقرر أن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة و الفتاة ذات الأصل الأفريقي عند السادسة(4) . و هذا بالتأكيد ليس له علاقة بنزول الحيض .
لذا فكلام هذا النصراني عن زواج الأطفال و غيره من الهراء بعيد عن الصحة فالفتاة عادة تبدأ سن البلوغ في سن الثامنة أو التاسعة بظهور علامات البلوغ المعتبرة عند أهل الطب و في هذا السن يمكن الدخول بها بلا مشاكل طبية أو نفسية من أي نوع بغض النظر عن نزول الحيض من عدمه و إنما الضابط هنا هو بلوغ الفتاة و صلاحيتها للزواج .
و الله أعلم .(10/110)
(1)The different changes of puberty in body and mind , what we call the secondary sexual characters, start to appear about two years before the first period. (Toppozada’s Textbook of Gynaecology, p. 82)
(2) Menstruation starts between 9-15 years of age. In Egypt, the menarche usually occurs between 11-13 years depending on constitutional factors or ethnic origin. (ibid. p. 83)
(3) ibid., p. 83
(4) http://www.mercyporthuron.com/news/january2003/
===================
الردُ على الشبهةِ المثارةِ حول روايةِ : " قردةٌ في الجاهليةِ زنت فرُجمت "
كتب الدكتور هشام عزمي
نصُ الأثرِ :
روى الإمامُ البخاري في " صحيحه " (3849) ، كتاب مناقب الأنصار ، بابٌ القسامة في الجاهليةِ :
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : " رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ .
الردُ :
أولاً :
هذا الحديثُ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري ، فصحيحُ البخاري سماهُ : " الجامعُ المختصرُ المسندُ الصحيحُ من أمورِ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلم – وسننهِ وأيامهِ " فالخبرُ ليس مسنداً للرسولِ فهو ليس على شرطِ البخاري – رحمهُ اللهُ - .
فالأحاديثُ الموقوفةُ ، وهي الأحاديثُ التي تروى عن الصحابةِ ، ولا يتمُ رفعُها للنبي – صلى اللهُ عليه وسلم - ، والتي يسميها بعضُ أهلِ العلمِ " الآثار " هي ليست كذلك على شرطِ البخاري – رحمه الله - .
وكذلك الأحاديثُ المعلقةُ ، وهي الأحاديثُ التي يوردها البخاري ، ويحذفُ أولَ أسانيدها ، أو يوردُ قولاً بدون سندٍ كأن يقول : " قال أنسٌ " ، أو يوردهُ بصيغةِ التمريضِ كأن يقول : " يُروى عن أنسٍ " ، وهذه المعلقاتُ سواءٌ رواها بصيغةِ الجزمِ ، أو بصيغةِ التمريضِ ، فليست هي على شرطِ الإمامِ البخاري ، وقد بلغت معلقاتُ البخاري في الصحيحِ ألفاً وثلاثمائة وواحداً وأربعين .
ثانياً :
هذا الخبرُ رواهُ عمرو بنُ ميمونٍ ، وهو من كبارِ التابعين ، وليس صحابياً ، وإنما هو ممّن أدرك الجاهليةَ ، وأسلم في عهدِ النبي – صلى اللهُ عليه وسلم – ولكنهُ لم يرهُ ، ولم يرو عنهُ ، ويطلقُ على أمثالهِ في كتبِ التراجمِ والرجالِ : " مُخَضْرَمٌ " ، ترجم له الحافظُ في " التقريب " فقال : " مُخَضْرَمٌ مَشْهُوْرٌ " [ سيرُ أعلامِ النبلاء (4/158) – والإصابةُ (3/118 ) ] .
قال ابنُ الجوزي – رحمه الله : " وقد أوهم أبو مسعود بترجمةِ عمرو بنِ ميمونٍ أنهُ من الصحابةِ الذين انفرد بالإخراجِ عنهم البخاري ، وليس كذلك فإنهُ ليس من الصحابةِ ، ولا لهُ في الصحيحِ مسندٌ " . [ كشفُ المشكلِ من حديثِ الصحيحين لابن الجوزي (4/175) ] .
فعمرو بنُ ميمونٍ كما قال الإمامُ القرطبي – رحمه الله – يعدُ من كبارِ التابعين من الكوفيين [ تفسيرُ القرطبي (1/442) تفسير سورة البقرة الآية 65 ] .
ثالثاً :
البخاري – رحمهُ اللهُ – لما ذكر هذا الأثرَ الذي ليس على شرطهِ ، إنما أراد الإشارةَ إلى فائدةٍ والتأكيدِ على أن عمرو بنَ ميمونٍ قد أدرك الجاهليةَ ، ولم يبالِ البخاري بظنِ عمرو الذي ظنهُ في الجاهليةِ ، بأن القردةَ قد زنت فرجموها بسببِ الرجمِ .
رابعاً :
الخبرُ استنكرهُ الإمامُ ابنُ عبدِ البرِ – رحمهُ اللهُ – قال الحافظُ ابنُ حجرٍ – رحمهُ اللهُ - : " وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قِصَّة عَمْرو بْن مَيْمُون هَذِهِ وَقَالَ : " فِيهَا إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غَيْر مُكَلَّف ، وَإِقَامَة الْحَدّ عَلَى الْبَهَائِم وَهَذَا مُنْكَر عِنْد أَهْل الْعِلْم " . [ فتح الباري لابن حجر 7/197 ( الطبعة السلفية ) ] .
خامساً :
استنكر الخبرَ الإمامُ الألباني – رحمه الله – فقال : " هذا أثرٌ منكرٌ ، إذ كيف يمكنُ لإنسانٍ أن يعلمَ أن القردةَ تتزوجُ ، وأن من خُلقهم المحافظةَ على العرضِ ، فمن خان قتلوهُ ؟! ثم هبّ أن ذلك أمرٌ واقعٌ بينها ، فمن أين علم عمرو بنُ ميمون أن رجمَ القردةِ إنما كان لأنها زنت " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535) ] .
سادساً :
قال الشيخُ الألباني – رحمهُ اللهُ - : " وأنا أظنُ أن الآفةَ من شيخِ المصنفِ نعيمِ بنِ حمادٍ ، فإنهُ ضعيفٌ متهمٌ ، أو من عنعنةِ هُشيم ، فإنهُ كان مدلساً " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535) ]
سابعاً :
وممن ذهب إلى تضعيفِ الأثرِ محققُ " سير أعلام النبلاء " (4/159) فقد قال في الحاشيةِ : " ونعيمُ بنُ حمادٍ كثيرُ الخطأِ ، وهُشيمٌ مدلسٌ وقد عنعن " .
ثامناًً :(10/111)
فالخبرُ ضعيفٌ في سندهِ نُعيمُ بنُ حمادٍ ، من رجالِ معلقاتِ البخاري لا من أسانيدهِ ، روى عنهُ البخاري مقروناً بغيرهِ في الأحاديثِ أرقام ( 393-4339-7139) ، ولم يقرنهُ بغيرهِ إلا في هذا الحديثِ المقطوعِ الذي ليس على شرطهِ – رحمهُ اللهُ – حديث رقم (3849) .
ونعيمُ بنُ حمادٍ قال عنه الحافظُ في " التقريب " : " صدوقٌ يخطيءُ كثيراً " ، وقال النسائي : " ضعيفٌ " ، وذكرهُ ابنُ حبان في " الثقات " وقال : " ربما أخطأ ووهم " . [ تهذيب الكمال (29/476)
تاسعاً :
وكذلك الخبرُ ضعيفٌ لأن في سندهِِ هُشيمَ بنَ بشيرٍ الواسطي ، وهو كثيرُ التدليسِ ، وجعلهُ الحافظُ في المرتبةِ الثالثةِ في طبقاتهِ ، وهم ممن لا يُحتجُ بحديثهم إلا بما صرحوا به السماعَ ، قلتُ : ولم يصرح بالسماعِ في هذا الخبرِ .
عاشراً :
مال الشيخُ الألباني إلى تقويةِ هذا الأثر مختصراً دون وجود النكارةِ أن القردةَ قد زنت وأنها رُجمت بسببِ الزنا فقال - رحمه الله - : " لكن ذكر ابنُ عبدِ البر في " الاستيعاب " (3/1205) أنهُ رواهُ عبادُ بنُ العوام أيضاً ، عن حصين ، كما رواه هشيم مختصراً .
قلتُ : ( القائلُ الألباني ) وعبادُ هذا ثقةٌ من رجالِ الشيخين ، وتابعهُ عيسى بنُ حطان ، عن عمرو بنِ ميمون به مطولاً ، أخرجهُ الإسماعيلي ، وعيسى هذا وثقهُ العجلي وابنُ حبان ، وروايته مفصلةٌ تبعد النكارةَ الظاهرةَ من روايةِ نعيم المختصرة ، وقد مال الحافظُ إلى تقويتها خلافاً لابنِ عبدِ البر ، والله أعلم " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535-536) ] .
الحادي عشر :
لو اقترضنا صحةَ الخبرِ ، فإن الراوي أخبر عما رأى في وقتِ جاهليتهِ فإنهُ لا حرج من القولِ بأن هذا ما ظنهُ لا سيما أنهُ في روايةٍ رأى قرداً وقردةً مع بعضهما فجاء قردٌ آخر ، وأخذها منهُ فاجتمع عليها القردةُ الآخرون ورجموهما.
فهذه صورةُ الحكايةِ ظنها الراوي رجماً للزنى ، وهو لم يأخذ هذا حكايةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليست كذلك الراوي لها أحدُ أصحابِ النبي – صلى الله عليه وسلم - ولو أخبر بها النبي – صلى اللهُ عليه وسلم - ، وصح السندُ عنه قبلناهُ ، فإننا صدقناهُ فيما هو أعظمُ من ذلك .
الثاني عشر :
والغريبُ في هذا الأمرِ أن بعضَ أهلِ العلمِ قد تكلف جداً في توجيهِ هذا الخبر ، والذي كما أسلفنا ليس من قولِ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – ولا من قولِ أحدٍ من الصحابةِ ، فالخبرُ مقطوعٌ على أحدٍ التابعين ، فلا أدري لم هذا التكلفُ في هذهِ الردودِ على خبرٍ ضعيفِ السندِ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري – رحمهُ اللهُ – . ومن هذهِ الأقوالِ التي فيها الكثيرُ من التكلفِ ما قالهُ بعضُ أهلِ العلم كما نقل عنهُ الحافظُ في " الفتح " : " لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ نَسْل الَّذِينَ مُسِخُوا فَبَقِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْحُكْم " . وقد ردهُ ابنُ التينِ والحافظُ ابنُ حجرٍ فقال بعد أن نقل القولَ عن ابنِ التينِ : " ثُمَّ قَالَ – أي ابن التين - : إِنَّ الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل قُلْت : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد , لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم " أَنَّ الْمَمْسُوخ لَا نَسْل لَهُ " ( حديث رقم 2663- كتاب القدر – باب أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ) .
ومن الردودِ الظاهرةِ التكلفِ هو ما أوردهُ الحافظُ عن بعضِ أهلِ العلمِ بأنهُ : " لَا يَلْزَم أَنْ تَكُون الْقُرُود الْمَذْكُورَة مِنْ النَّسْل , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِينَ مُسِخُوا لَمَّا صَارُوا عَلَى هَيْئَة الْقِرَدَة مَعَ بَقَاء أَفْهَامهمْ عَاشَرَتْهُمْ الْقِرَدَة الْأَصْلِيَّة لِلْمُشَابَهَةِ فِي الشَّكْل فَتَلَقَّوْا عَنْهُمْ بَعْض مَا شَاهَدُوهُ مِنْ أَفْعَالهمْ فَحَفِظُوهَا وَصَارَتْ فِيهِمْ , وَاخْتُصَّ الْقِرْد بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِطْنَة الزَّائِدَة عَلَى غَيْره مِنْ الْحَيَوَان وَقَابِلِيَّة التَّعْلِيم لِكُلِّ صِنَاعَة مِمَّا لَيْسَ لِأَكْثَر الْحَيَوَان , وَمِنْ خِصَاله أَنَّهُ يَضْحَك وَيَطْرَب وَيَحْكِي مَا يَرَاهُ , وَفِيهِ مِنْ شِدَّة الْغَيْرَة مَا يُوَازِي الْآدَمِيّ وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدهمْ إِلَى غَيْر زَوْجَته , فَلَا يَدَع فِي الْغَالِب أَنْ يُحَمِّلهَا مَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ غَيْرَة عَلَى عُقُوبَة مَنْ اِعْتَدَى إِلَى مَا لَمْ يَخْتَصّ بِهِ مِنْ الْأُنْثَى , وَمِنْ خَصَائِصه أَنَّ الْأُنْثَى تَحْمِل أَوْلَادهَا كَهَيْئَةِ الْآدَمِيَّة , وَرُبَّمَا مَشَى الْقِرْد عَلَى رِجْلَيْهِ لَكِنْ لَا يَسْتَمِرّ عَلَى ذَلِكَ , وَيَتَنَاوَل الشَّيْء بِيَدِهِ وَيَأْكُل بِيَدِهِ , وَلَهُ أَصَابِع مُفَصَّلَة إِلَى أَنَامِل وَأَظْفَار , وَلِشَفْرِ عَيْنَيْهِ أَهْدَاب " .(10/112)
قلتُ : لا يخفى على الناقدِ البصيرِ أن هذا التوجيهَ لا يخلو من تكلفٍ واضحٍ لا يتناسبُ مع التيسيرِ في فهمِ النصوصِ ، وإضافة قيودٍ ومحترزاتٍ لا داعي لها أصلاً ، بل توحي لقارئِها إلى وجودِ التقعرِ والتشدقِ ولي أعناقِ النصوصِ حتى تتفقَ مع من ذهب إلى هذا الرأي .
ومن الغريبِ حقاً في سبيلِ ردِ هذا الخبر أن الحميدي في كتابهِ " الجمع بين الصحيحين " زعم أن هذا الخبرَ أُقحم في كتابِ البخاري ، قال الحافظُ – رحمه الله - :" وَأَغْرَبَ الْحُمَيْدِيّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث وَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ , وَأَنَّ أَبَا مَسْعُود وَحْده ذَكَرَهُ فِي " الْأَطْرَاف " قَالَ : وَلَيْسَ فِي نُسَخ الْبُخَارِيّ أَصْلًا فَلَعَلَّهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْمُقْحَمَة فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ " ، وقد رد الحافظ هذا القول :" وَمَا قَالَهُ مَرْدُود , فَإِنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُعْظَم الْأُصُول الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا , وَكَفَى بِإِيرَادِ أَبِي ذَرّ الْحَافِظ لَهُ عَنْ شُيُوخه الثَّلَاثَة الْأَئِمَّة الْمُتْقِنِينَ عَنْ الْفَرَبْرِيّ حُجَّة , وَكَذَا إِيرَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبِي نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا وَأَبِي مَسْعُود لَهُ فِي أَطْرَافه , نَعَمْ سَقَطَ مِنْ رِوَايَة النَّسَفِيّ وَكَذَا الْحَدِيث الَّذِي بَعْده , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُون فِي رِوَايَة الْفَرَبْرِيّ , فَإِنَّ رِوَايَته تَزِيد عَلَى رِوَايَة النَّسَفِيّ عِدَّة أَحَادِيث قَدْ نَبَّهْت عَلَى كَثِير مِنْهَا فِيمَا مَضَى وَفِيمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى " .
قلتُ : القولُ بإقحامِ خبرٍ أو حديثٍ ليس في أصلِ البخاري قولٌ فاسدٌ يفضي إلى عدمِ الوثوقِ بجميعِ ما في الصحيحِ ، وهذا القولُ خطأٌ ، بل ظاهرُ البطلانِ ، فلا أدري لم كلُ هذا التكلفِ في هذهِ التوجيهاتِ الباطلةِ لقبولِ خبرٍ ضعيفٍ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري رحمهُ اللهُ .
كتبه وحرره
سعود الزمانان
13 - 5 - 1425 هـ
أما شرح الحديث فقد قال ابن حجر 7/160 :
قوله رأيت في الجاهلية قردة بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود وقوله اجتمع عليها قردة بفتح الراء جمع قرد وقد ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رقيقا وتبعته فوقع عليها وأنا أنظر ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق فاستيقظ فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومئ إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد أعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم.
قال بن التين: لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم ثم قال إن الممسوخ لا ينسل قلت وهذا هو المعتمد لما ثبت في صحيح مسلم أن الممسوخ لا نسل له، وعنده من حديث بن مسعود مرفوعا" إن الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا".
وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي: إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب إليه على ما ثبت أيضا في صحيح مسلم" أن لما أتي بالضب قال لعله من القرون التي مسخت" وقال صلى الله عليه وسلم فيrالنبي الفأر فقدت أمة من بني إسرائيل لا أراها إلا الفأر".
وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك: قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك، ولذلك لم يأت الجزم عنه بشيء من ذلك بخلاف النفي فإنه جزم به، كما في حديث بن مسعود، ولكن لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل، فيحتمل أن يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم، واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة الزائدة على غيره من الحيوان، وقابلية التعليم لكل صناعة مما ليس لأكثر الحيوان، ومن خصاله أنه يضحك ويطرب ويحكي ما يراه وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ، ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته فلا يدع في الغالب أن يحملها ما ركب فيها من الغيرة على عقوبة من اعتدى إلى ما لم يختص به من الأنثى، ومن خصائصه أن الأنثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية، وربما مشي القرد على رجليه لكن لا يستمر على ذلك، ويتناول الشيء بيده، ويأكل بيده، وله أصابع مفصلة إلى أنامل وأظفار ولشفر عينيه أهداب، وقد استنكر ابن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه، وقال فيها إضافة الزنا إلى غير مكلف، وإقامة الحد على البهائم، وهذا منكر عند أهل العلم قال: فان كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لأنهم من جملة المكلفين، وإنما قال ذلك: لأنه تكلم على الطريق التي أخرجها الإسماعيلي حسب.(10/113)
وأجيب: بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان، وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم: أن هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري وأن أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف قال: وليس في نسخ البخاري أصلا فلعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري، وما قاله مردود فإن الحديث المذكور في معظم الأصول التي وقفنا عليها، وكفي بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري حجة، وكذا إيراد الإسماعيلي، وأبي نعيم في مستخرجيهما، وأبي مسعود له في أطرافه، نعم سقط من رواية النسفي، وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية النسفي عدة أحاديث قد نبهت على كثير منها فيما مضى وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى وأما تجويزه إن يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد فلا يبقى لأحد الوثوق بما في الكتاب المذكور واتفاق العلماء ينافي ذلك، والطريق التي أخرجها البخاري دافعة لتضعيف ابن عبد البر للطريق التي أخرجها الإسماعيلي.
وقد أطنبت في هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده، وهو ظاهر الفساد.
وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الخيل له من طريق الأوزاعي أن مهرا أنزي على أمه فامتنع فأدخلت في بيت وجللت بكساء وأنزي عليها فنزى فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه باسنانه من أصله، فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى. اهـ
===================
رسول الله يستقبل زائريه وهو لابس مرط عائشة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ...
ما زال النصارى يفضحون انفسهم يوما تلو الآخر ويتبين للعيان جهلهم المخزي وحقدهم على سيد المرسلين عليه افضل الصلاة والسلام ولا ضير في ذلك ان كانوا في الاصل لا يفقهون كتبهم وما فيها من اخطاء وتناقضات وغزل يخدش حياء العاهرات والمومسات .
انقل لكم شبهة تتلقفها السن النصارى البذيئة في محاولات مستميتة منهم للطعن في أشرف الأنبياء والمرسلين وبداية أقتبس الشبهة من مواقعهم مع تعليقاتهم حتى تضحكوا قليلا إن لم يكن كثير على جهلهم وبعد ذلك نناقش هذه الشبهة التافهة السخيفة بموضوعية وبعين الانصاف .
=== بداية الإقتباس ===
ومنها ما ذكرت ان النبي كان يستقبل زائريه وهو لابس ثوب زوجته:
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان قال رسول الله إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته صحيح مسلم 4415
واضح من الحديث أن الرسول كان مضطجعا في فراشه لابساً مرط (ثوب = فستان) عائشة فلما حضر عثمان لم يرد الرسول أن يراه عثمان هكذا لما يعرفه من حياء عثمان وخجله فأعطى المرط لعائشة وجلس وقال لها اجمعي عليك ثيابك وباقي التفاصيل واضحة في الحديث .
سؤال : لماذا قال النبي لعائشة عندما جاء عثمان اجمعي عليك ثيابك؟ هل هذا يعني ان زوجة النبي صلوات الله عليه وسلم وام المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت هي الأخرى كاشفة عن عورتها لانها من غير مرط ( ثوب) ؟؟!!. الم يقل في الحديث ان ابو بكر وعمر استأذنا على النبي فأذن لهم وهو على تلك الحال ( أي مضطجع وعليه مرط عائشة ) ثم عندما جاء عثمان قال لعائشة اجمعي عليك ثيابك ! أليس هذا دليل على أنها كانت موجودة كما أنها هي التي نقلت الرواية هذه ؟
وجاء الحديث بلفظ أخر ,,
أن عائشة قالت: كان رسول الله مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله وسوى ثيابه ... فلما خرج قالت عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟
=== انتهى الاقتباس ===
نقول وبالله التوفيق :(10/114)
أولا : المرط ليس فستاناً ولاثوباً ، المرط هو كساء من صوف او خز يضعه الرجل عليه ، كما تضعه المرأة ، ويلتحف فيه الرجل والمرأة سواء ، كما في جامع الترمذي ، فمثلاً خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود
( المِرْطُ ): بالكسر كساءٌ من صُوفٍ أوخَزّ [ج] مُرُوط وبالفتح نَتْفُ الشَّعَرِ ( معجم القاموس المحيط )
المِرْطُ : كساءٌ مِنْ خَزٍّ أو صوف أو كَتَّانٍ يؤْتزَر به وتتلفّع به المرأة ج مُرُوطٌ. ( معجم المحيط )
وكذلك تقول العرب ( لابِس ) إذا وضع الشيء عليه او جلس عليه ، ولهذا جاء في حديث ( جالس على حصير بلي من طول ما لبس ) ـ أو من طول ما جلس عليه تلف الحصير ، فمعنى كلمة لبس أعم في لغة العرب من معناها في اللهجات العامية ، في اللغة تشمل وضع الرداء أو اللحاف على الجسد ، بل و الجلوس على الحصير أو أي سجاد ـ وهذا هو الذي كان فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتحفاً بالمرط أي بالكساء .
وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يلبس فستان امرأة ، ولماذا ؟ ولكن لا بأس فنحنُ نلتمس العذر لسذاجة عقولهم وطريقة تفكيرهم .
وثانياً : القصة واضحة لا إشكال فيها كانت عائشة في ناحية البيت ومتحجبة الحجاب الشرعي ، والنبي صلى الله عليه وسلم مضطجع وعليه مرط ، عليه لحاف هو في الاصل تتلحف به عائشة ، ولكنه وضعه عليه وهو مضطجع ، دخل أبو بكر ودخل عمر والنبي على هذا الحال ، وعائشة على حجابها ، ثم لما دخل عثمان وهو شديد الحياء خشي أن عثمان يشعر أنه قد أحرج النبي فيمتنع من قول حاجته ، فأمر النبي عائشة أن لا تكتفي بالحجاب ولكن تجمع عليها ثيابها أكثر حتى يبدو اهل البيت في حال استقبال الناس ، وأما هو فجلس له وتهيأ له ، حتى لايمنعه الحياء من سؤال حاجته ـ
اما ماجاء في اللفظ الآخر للحديث فنقول ,,
إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر من البشر ، ومن طبيعة البشر أنه قد يسقط بعض الكلفة أمام بعض خاصته ، بما لايفعله أمام غيرهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في عثمان حياء شديداً ، فهو يستحي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحال ، إنه شخص شديد التحرج ، وخاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعه رؤية هيئة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحال ان يذكر حاجته من النبي ، فجلس له وتهيأ له بما يناسب طبيعة عثمان رضي الله عنه ، ثم قال إن هذا الرجل تستحي منه الملائكة ، وليس في هذا نفي أن الملائكة تستحي من النبي ، ولكن ذكر هنا حياءها من عثمان ، لانه شديد الحياء ، والملائكة أيضا موصوفة بالحياء ، فإذا رأت عثمان استحيت من كونه أشد حياء من الملائكة ، كأن النبي يقول لهذا السبب أنا أقدر شدة حيائه ، وتميزه بهذه الناحية فيكون تهيئي له يختلف عن غيره ، وليس في هذا ما يغض من منزل النبي صلى الله عليه وسلم أبدا ، ولكن الحاقد ينظر بنظرة الحقد لا بعين الانصاف ـ
هذا هو المعنى المستفاد من الحديث لا أكثر ، ولهذا رواه أهل الحديث وتلقاه المسلمون من غير استنكار لانه ليس فيه ما يستنكر ، أما الحاقدون الجاهلون بلغة العرب ، فهم يتوهمون ويُوهمون ماليس يدل عليه سياق الحديث ولا لغته ، وهو أنه كان النبي يلبس فستان عائشة وهي بلا فستان ، ثم لما دخل أبو بكر وعمر كان على هذا الحال ، ثم لم دخل عثمان نزع الفستان ولبسته عائشة ، وهذا فهم أعجمي وسقيم وطفولي وغبي ، ولايدل عليه الحديث والقصة بعيده كل البعد عن هذا الفهم المريض ، ولكن لانهم قد أكل الغيظ قلوبهم ، ولهم نقول (قل موتوا بغيظكم ) ـ والله المستعان عليهم
كتبه الشيخ حامد جزاه الله خيراً مع بعض الاضافات والتعديلات
===================
محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن
الرد على شبهة أن محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن .
الرد على الشبهة:
أخذوها من فهمهم الخاطئ فى مفتتح سورة " الفتح ": (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا) (1). فقالوا: كتاب محمد يعترف عليه ويصفه بأنه مذنب !!
وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كتاب كبير مفتوح استوفى فيه كُتَّاب سيرته كل شىء فى حياته. فى صحوه ونومه وفى حربه وسلمه ، وفى عبادته وصلواته ، فى حياته مع الناس بل وفى حياته بين أهله فى بيته.
ليس هذا فحسب بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديثًا أو يذكرون له عملاً يصفونه صلى الله عليه وسلم وصفًا بالغ الدقة وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم: قال صلى الله عليه وسلم كذا وكان متكئاً فجلس ، أو قال كذا وقد امتلأ وجهه بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا: إنه تسجيل دقيق لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة..(10/115)
ثم جاء القرآن الكريم فسجل له شمائله الكريمة فقال عنه: إنه الرحمة المهداة إلى عباد الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (2). ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم:(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (3). ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله عليه وسلم فى قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) (4).
أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات الرسول وحديث نفسه الذى بينه وبين الله مما لا يطلع الناس عليه على نحو ما جاء فى سورة الأحزاب فى أمر الزواج بزينب بنت جحش والذى كان القصد التشريعى فيه إبطال عادة التبنى من قوله تعالى:(وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن وطرًا و كان أمر الله مفعولاً) (5).
أقول: مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هى كتاب مفتوح لم يخف التاريخ منه شيئاً بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما لا يطلع عليه الناس ، ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذلةً ولا ذنبًا فى قول أو عمل.
أفبعد هذا لا يتورع ظالموه من أن يقولوا أنه " مذنب " ؟ !!!
ولو كان هؤلاء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على شىء من سلامة النظر وصفاء القلوب لانتبهوا إلى بقية سورة الفتح ، والتى كانت كلها تثبيتاً للمؤمنين وللرسول وتبشيرًا لهم بالتأييد والنصر.. لو كان محمد صلى الله عليه وسلم - كما ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا مستقيماً ؛ لأن النصر يكون للصالحين لا للمذنبين.
ونقف أمام الذنب فى منطوق الآية:(ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من الخطأ والآثام ؛ لأن سنة الله تبارك وتعالى هى عصمة جميع أنبيائه وفى قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يعرفه ويقره ويقرره أتباع كل الرسالات إلا قتلة الأنبياء ومحرّفى الكلم عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا فى رسل الله وأنبيائه بما هو معروف.
فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنباً على مستوى مقام نبوته صلى الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة الإلهية ـ لا ما تحدده أعراف الناس.
ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب حتى كان معروفًا بينهم بالصادق الأمين.
أفبعد هذا لا يستحى الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا: إنه مذنب ؟!!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) (6) .
(1) الفتح: 2.
(2) الأنبياء 117.
(3) التوبة: 128.
(4) القلم: 5.
(5) الأحزاب: 37.
(6) الكهف: 5.
===================
شبهات حول حديث غمس الذباب في الإناء
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحية داء وفي الأخرى شفاء ) أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد .
وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام : ( إن في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) رواه أحمد وابن ماجه
يرد الأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.
يقول الدكتور أمين رضا :
رفض أحد الأطباء الزملاء حديث الذبابة على أساس التحليل العلمي العقلي لمتنه لا على أساس سنده .
وامتدادًا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن أعارض الزميل الفاضل بما يأتي :
ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي . فالعلم يتطور ويتغير . بل ويتقلب كذلك . فمن النظريات العلمية ما تصف شيئًا اليوم بأنه صحيح . ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ . فإذا كان هذا هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديثًا بأنه خطأ قياسًا على نظرية علمية حالية . ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية العلمية مستقبلاً ؟.
ليس من حقه رفض هذا الحديث أو أي حديث آخر لأنه " اصطدم بعقله اصطدامًا " على حد تعبيره . فالعيب الذي سبب هذا الاصطدام ليس من الحديث بل من العقل، فكل المهتمين بالعلوم الحديثة يحترمون عقولهم احترامًا عظيمًا . ومن احترام العقل أن نقارن العلم بالجهل .(10/116)
العلم يتكون من أكداس المعرفة التي تراكمت لدى الإنسانية جمعاء بتضافر جهودها جيلا بعد جيل لسبر أغوار المجهول . أما الجهل فهو كل ما نجهله، أي ما لم يدخل بعد في نطاق العلم . وبالنظرة المتعقلة تجد أن العلم لم يكتمل بعد ، وإلا لتوقف تقدم الإنسانية ، وأن الجهل لا حدود له ، والدليل على ذلك تقدم العلم وتوالي الاكتشافات يومًا بعد يوم من غير أن يظهر للجهل نهاية .
إن العالم العاقل المنصف يدرك أن العلم ضخم ولكن حجم الجهل أضخم ، ولذلك لا يجوز أن يغرقنا العلم الذي بين أيدينا في الغرور بأنفسنا ، ولا يجوز أن يعمينا علمنا عن الجهل الذي نسبح فيه ؛ فإننا إذ قلنا أن علم اليوم هو كل شيء ، وإنه آخر ما يمكن الوصول إليه أدى ذلك بنا إلى الغرور بأنفسنا، وإلى التوقف عن التقدم، وإلى البلبلة في التفكير ، وكل هذا يفسد حكمنا على الأشياء، ويعمينا عن الحق حتى لو كان أمام عيوننا، ويجعلنا نرى الحق خطأ، والخطأ حقًا فتكون النتيجة أننا نقابل أمورًا تصطدم بعقولنا اصطدامًا ، وما كان لها أن تصطدم لو استعملنا عقولنا استعمالاً فطريًا سليمًا يحدوه التواضع والإحساس بضخامة الجهل أكثر من التأثر ببريق العلم والزهو به.
ليس صحيحًا أنه لم يرد في الطب شيء عن علاج الأمراض بالذباب ؛ فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب ، أما في العصر الحديث فجميع الجراحين الذين عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا - أي في السنوات العشر الثالثة من القرن الحالي - رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب ، وكان الذباب يربي لذلك خصيصًا ، وكان هذا العلاج مبنيًا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم .
على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب المرض، وكذلك البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم . وكلمة بكتريوفاج هذه معناها " آكلة الجراثيم " ، وجدير بالذكر أن توقف الأبحاث عن علاج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه الطريقة العلاجية ، وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذبًا شديدًا . وكل هذا مفصل تفصيلاً دقيقًا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراه التي أعدها الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن التهابات العظام والمقدمة لجامعة الإسكندرية من حوالي سبع سنوات.
في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود سم في الذباب . وهذا شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إلا في القرنين الأخيرين . وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب , ثم بعد اكتشاف الجراثيم يعودون فيصححون الحديث.
إن كان ما نأخذه على الذباب هو الجراثيم التي يحملها فيجب مراعاة ما نعلمه عن ذلك :
( أ ) ليس صحيحًا أن جميع الجراثيم التي يحملها الذباب جراثيم ضارة أو تسبب أمراضًا.
( ب ) ليس صحيحًا أن عدد الجراثيم التي تحملها الذبابة والذبابتان كاف لإحداث مرض فيمن يتناول هذه الجراثيم.
(جـ) ليس صحيحًا أن عزل جسم الإنسان عزلاً تامًا عن الجراثيم الضارة ممكن، وإن كان ممكنًا فهذا أكبر ضرر له ، لأن جسم الإنسان إذا تناول كميات يسيرة متكررة من الجراثيم الضارة تكونت عنده مناعة ضد هذه الجراثيم تدريجيًا.
في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد السموم التي تحملها ، والعلم الحديث يعلمنا أن الأحياء الدقيقة من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الأخرى حربًا لا هوادة فيها ، فالواحدة منها تقتل الأخرى بإفراز مواد سامة ، ومن هذه المواد السامة بعض الأنواع التي يمكن استعمالها في العلاج ، وهي ما نسميه " المضادات الحيوية " مثل البنسلين والكلوروميستين وغيرهما.
إن ما لا يعلمه وما لم يكشفه المتخصصون في علم الجراثيم حتى الآن لا يمكن التكهن به ، ولكن يمكن أن يكون فيه الكثير مما يوضح الأمور توضحيًا أكمل ؛ ولذلك يجب علينا أن نتريث قليلاً قبل أن نقطع بعدم صحة هذا الحديث بغير سند من علم الحديث، ولا سند من العلم الحديث.
هذا الحديث النبوي لم يدعُ أحدًا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولم يشجع على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من دخول الذباب إليها.
إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ولا يمكنه تناول ما فيه فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
هذا الحديث النبوي لا يمنع أحدًا من الأطباء والقائمين على صحة الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه وإبادته، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب ، أو أنه يدعو إلى التهاون في محاربته ، ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد وقع في خطأ كبير " أ هـ.
-----------
الرد على شبهة حديث الذباب
كتبه : - د يوسف القرضاوي(10/117)
ما قولكم في حديث الذباب - أعني الحديث الشريف النبوي الذي يقول: " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ".
هل هذا الحديث صحيح متفق على صحته ؟
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحديث صحيح من حيث المتن والسند وقد رواه الإمام البخاري في صحيحه، لكن الحديث ليس من أصول الدين ، وهو لم يأمر أحدا بوضع الذباب في الإناء، ولو أن مسلما عافت نفسه أن يتناول ما في الإناء بعد أن سقط فيه الذباب ، فلا إثم عليه ولا حرج، ولكن الإثم يأتي من الطعن في الإسلام عن طريق هذا الحديث وإليك التفصيل في هذه المسألة كما ذكرها فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: </< B>
فالحديث صحيح من حيث المتن والسند وقد رواه الإمام البخاري في صحيحه، لكن الحديث ليس من أصول الدين ، وهو لم يأمر أحدا بوضع الذباب في الإناء، ولو أن مسلما عافت نفسه أن يتناول ما في الإناء، بعد أن سقط فيه الذباب ، فلا إثم ولا حرج، ولكن الإثم يأتي من الطعن في الإسلام عن طريق هذا الحديث وإليك التفصيل في هذه المسألة كما ذكرها فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الجواب عن حديث الذباب وما تضمنه من استفسارات ألخصه في النقاط التالية:.
أولاً: </< B>إن الحديث صحيح رواه الإمام البخاري في جامعه الصحيح، ولكنه لا يعد من " المتفق عليه " في اصطلاح علماء الحديث، لأن المتفق عليه عندهم هو ما اتفق على روايته الشيخان - البخاري ومسلم - في صحيحهما . وهذا الحديث مما انفرد به البخاري، ولم يخرجه مسلم، رحمهما الله.
ومعلوم أن أحاديث صحيح البخاري متلقاة بالقبول لدى جماهير الأمة في مختلف العصور، وخصوصًا فيما سلم فيها من النقد والاعتراض من جهابذة علماء الأمة من المحدثين والفقهاء الراسخين.
ولا أعلم أحدًا من العلماء السابقين أثار إشكالاً حول هذا الحديث أو تحدث عن علة قادحة في سنده أو متنه.
ثانيًا: </< B>إن هذا الحديث لا يتعلق ببيان أصل من أصول الدين، من الإلهيات أو النبوات أوالسمعيات، ولا ببيان فريضة من فرائضه الظاهرة أو الباطنة، الشخصية أو الاجتماعية ... ولا ببيان أمر من أمور الحلال والحرام في حياة الفرد أو الجماعة، ولا ببيان تشريع من تشريعات الإسلام المنظمة لحياة الأسرة والمجتمع والدولة والعلاقات الدولية، ولا ببيان خلق من أخلاق الإسلام التي بعث الرسول ليتمم مكارمها.
ولو أن مسلمًا عاش عمره دون أن يقرأ هذا الحديث أو يسمع به، لم يكن ذلك خدشًا في دينه، ولا أثر ذلك في عقيدته أو عبادته، أو سلوكه العام.
فلو سلمنا - جدلاً - بكل ما أثاره المتشككون حول الحديث، وحذفناه من صحيح البخاري أصلاً، ما ضر ذلك دين الله شيئًا.
فلا مجال لأولئك الذين يتخذون من الشبهات المثارة حول الحديث، سبيلاً للطعن في الدين كله، فالدين - أعني الإسلام - أرسخ قدمًا، وأثبت أصولاً، وأعمق جذورًا من أن ينال منه بسبب هذه الشبهات الواهية.
ثالثًا: </< B>إن هذا الحديث - وإن كان صحيحًا لدى علماء الأمة - هو من أحاديث الآحاد، وليس من المتواتر الذي يفيد اليقين.
وأحاديث الآحاد إذا رواها الشيخان أو أحدهما قد اختلف فيها العلماء: هل تفيد العلم أي اليقين أم تفيد مجرد الظن الراجح ؟ أم يفيد بعضها العلم بشروط خاصة ؟.
وهذا الخلاف يكفي للقول بأن من أنكر حديثًا من أحاديث الآحاد، قامت شبهة في نفسه حول ثبوته ونسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . لا يخرج بذلك من الدين لأن الذي يخرج منه إنكار ما كان منه بيقين لا ريب فيه، ولا خلاف معه، أي القطعي الذي يسميه العلماء " المعلوم من الدين بالضرورة ".
إنما يخرج من الدين حقًا من اتخذ من الغبار المثار حول هذا الحديث وسيلة للطعن في الدين والاستهزاء به، فإن هذا كفر صريح.
رابعًا: </< B>أما مضمون الحديث وعلاقته بالعلم والطب الحديث، فقد دافع عنه كثير من كبار الأطباء ورجال العلم، مستشهدين ببحوث ودراسات لعلماء غربيين مرموقين . ونشر ذلك كثير من المجلات الإسلامية في مناسبات شتى.
وحسبي هنا أن أنقل ردا علميا طبيا حول هذا الموضوع، وهو للأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.
يقول الدكتور أمين رضا :.</< B> رفض أحد الأطباء الزملاء حديث الذبابة على أساس التحليل العلمي العقلي لمتنه لا على أساس سنده . وامتدادًا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن أعارض الزميل الفاضل بما يأتي :.(10/118)
1- ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي . فالعلم يتطور ويتغير . بل ويتقلب كذلك . فمن النظريات العلمية ما تصف شيئًا اليوم بأنه صحيح . ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ . فإذا كان هذا هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديثًا بأنه خطأ قياسًا على نظرية علمية حالية . ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية العلمية مستقبلاً ؟.
2- ليس من حقه رفض هذا الحديث أو أي حديث آخر لأنه " اصطدم بعقله اصطدامًا " على حد تعبيره . فالعيب الذي سبب هذا الاصطدام ليس من الحديث بل من العقل، فكل المهتمين بالعلوم الحديثة يحترمون عقولهم احترامًا عظيمًا . ومن احترام العقل أن نقارن العلم بالجهل .
العلم يتكون من أكداس المعرفة التي تراكمت لدى الإنسانية جمعاء بتضافر جهودها جيلا بعد جيل لسبر أغوار المجهول . أما الجهل فهو كل ما نجهله، أي ما لم يدخل بعد في نطاق العلم . وبالنظرة المتعقلة تجد أن العلم لم يكتمل بعد ، وإلا لتوقف تقدم الإنسانية ، وأن الجهل لا حدود له ، والدليل على ذلك تقدم العلم وتوالي الاكتشافات يومًا بعد يوم من غير أن يظهر للجهل نهاية .
إن العالم العاقل المنصف يدرك أن العلم ضخم ولكن حجم الجهل أضخم ، ولذلك لا يجوز أن يغرقنا العلم الذي بين أيدينا في الغرور بأنفسنا ، ولا يجوز أن يعمينا علمنا عن الجهل الذي نسبح فيه ؛ فإننا إذ قلنا أن علم اليوم هو كل شيء ، وإنه آخر ما يمكن الوصول إليه أدى ذلك بنا إلى الغرور بأنفسنا، وإلى التوقف عن التقدم، وإلى البلبلة في التفكير ، وكل هذا يفسد حكمنا على الأشياء، ويعمينا عن الحق حتى لو كان أمام عيوننا، ويجعلنا نرى الحق خطأ، والخطأ حقًا فتكون النتيجة أننا نقابل أمورًا تصطدم بعقولنا اصطدامًا ، وما كان لها أن تصطدم لو استعملنا عقولنا استعمالاً فطريًا سليمًا يحدوه التواضع والإحساس بضخامة الجهل أكثر من التأثر ببريق العلم والزهو به.
3- ليس صحيحًا أنه لم يرد في الطب شيء عن علاج الأمراض بالذباب ؛ فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب ، أما في العصر الحديث فجميع الجراحين الذين عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا - أي في السنوات العشر الثالثة من القرن الحالي - رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب ، وكان الذباب يربي لذلك خصيصًا ، وكان هذا العلاج مبنيًا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم . على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب المرض، وكذلك البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم . وكلمة بكتريوفاج هذه معناها " آكلة الجراثيم " ، وجدير بالذكر أن توقف الأبحاث عن علاج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه الطريقة العلاجية ، وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذبًا شديدًا . وكل هذا مفصل تفصيلاً دقيقًا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراه التي أعدها الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن التهابات العظام والمقدمة لجامعة الإسكندرية من حوالي سبع سنوات.
4- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود سم في الذباب . وهذا شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إلا في القرنين الأخيرين . وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب . ثم بعد اكتشاف الجراثيم يعودون فيصححون الحديث.
5- إن كان ما نأخذه على الذباب هو الجراثيم التي يحملها فيجب مراعاة ما نعلمه عن ذلك :.
( أ ) ليس صحيحًا أن جميع الجراثيم التي يحملها الذباب جراثيم ضارة أو تسبب أمراضًا.
( ب ) ليس صحيحًا أن عدد الجراثيم التي تحملها الذبابة والذبابتان كاف لإحداث مرض فيمن يتناول هذه الجراثيم.
(جـ) ليس صحيحًا أن عزل جسم الإنسان عزلاً تامًا عن الجراثيم الضارة ممكن،
وإن كان ممكنًا فهذا أكبر ضرر له ، لأن جسم الإنسان إذا تناول كميات يسيرة متكررة من الجراثيم الضارة تكونت عنده مناعة ضد هذه الجراثيم تدريجيًا.
6- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد السموم التي تحملها ، والعلم الحديث يعلمنا أن الأحياء الدقيقة من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الأخرى حربًا لا هوادة فيها ، فالواحدة منها تقتل الأخرى بإفراز مواد سامة ، ومن هذه المواد السامة بعض الأنواع التي يمكن استعمالها في العلاج ، وهي ما نسميه " المضادات الحيوية " مثل البنسلين والكلوروميستين وغيرهما.
7- إن ما لا يعلمه وما لم يكشفه المتخصصون في علم الجراثيم حتى الآن لا يمكن التكهن به ، ولكن يمكن أن يكون فيه الكثير مما يوضح الأمور توضحيًا أكمل ؛ ولذلك يجب علينا أن نتريث قليلاً قبل أن نقطع بعدم صحة هذا الحديث بغير سند من علم الحديث، ولا سند من العلم الحديث.(10/119)
8- هذا الحديث النبوي لم يدعُ أحدًا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولم يشجع على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من دخول الذباب إليها.
9- إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ولا يمكنه تناول ما فيه فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
10- هذا الحديث النبوي لا يمنع أحدًا من الأطباء والقائمين على صحة الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه وإبادته، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب ، أو أنه يدعو إلى التهاون في محاربته ، ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد وقع في خطأ كبير " أ هـ.
هذا ما قاله الطبيب العالم الأستاذ الدكتور أمين رضا بلسان العلم والطب المعاصر وفيه كفاية وغنية جزاه الله خيرًا.
والله أعلم
نقلا عن موقع إسلام أون لاين
===================
تقييم دقيق لحادثة الراهب بحيرى
عبد الستار غوري
لم يدع نبي الإسلام أبداً أن تعاليمه هي نتاج فكره الخاص. وقد دافع عنه القرآن الكريم في الآية الكريمة " وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم- صراط الله الذي له ما في السماوات والأرض ألا إلى الله تصير الأمور" سورة الشورى 52-53
وأما الشبهة التي تُثار حول تعاليمه صلى الله عليه وسلم ، وهي أن مصدرها الديانة اليهودية والنصرانية ، فإن من الجدير بالذكر أن مصادر تلك الأديان السماوية واحد وهو الوحي الإلهي ، وأن هناك وحدة في هدف تلك الأديان وهو إرشاد البشرية. لم يدّع نبي الإسلام أبداً أن ما جاء به هو دين فريد في نوعه. وقد وضح القرآن الكريم هذه الحقيقة " قل ما كنتُ بدعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذير مبين " سورة الأحقاف 9
إن التشابه في بعض الأمور الدينية بين الأديان السماوية الثلاث ناتج عن وحدة المصدر ، ومن المتعذر أن يكون نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قد اقتبس تعاليمه من الإنجيل وقد اعترف بعض المستشرقين بذلك ، فقد قال البروفيسور مونتجمري واط "(....) إن من المستبعد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد قرأ الكتب الدينية اليهودية أو النصرانية [ص39] (....) ومن الأرجح أنه لم يقرأ أي كتاب آخر .
وقد شاركه ج.س.هجسن نفس الرأي بقوله " إن قاعدة نبوة محمد من ناحية مبدأية هي نفس تجربة وأعمال أنبياء بني إسرائيل. لكنه لم يعرف شيئاً عنهم بشكل مباشر. ومن الواضح أن تجربته كانت خاصة "
إن الإسلام طريقة حياة أوحى به الله من خلال نبيه لإرشاد البشرية جمعاء على مدى العصور والأزمان ، وقد حافظ دائماً على تعاليمه وأهدافه ، وكان من الممكن اعتباره سخيفاً لو اختلفت تعاليمه الأساسية التي تتناسب مع الزمان والمكان عما هي عليه ، فالله واحد وهو خالق وقيوم كل شيء ، لا شبيه ولا شريك له ، ويوم القيامة آت لا شك فيه ، كما وإن الجريمة والزنا والكذب والسرقة والقسوة...الخ كلها ذنوب قد تعرض مرتكبها للعقاب. أما الرحمة والصدق وإخراج الزكاة وخدمة جميع الكائنات والرفاهية الاجتماعية والفضائل فقد كانت حقيقة منذ مئات آلاف السنين ، وما زالت حقيقة إلى يومنا هذا وستبقى حقيقة عبر القرون القادمة. فكيف تكون تعاليم نبي مختلفة عن تعاليم نبي آخر مع وجود فترة زمنية بينهما قد تبلغ مئات بل آلاف السنين؟ وكذلك الحال بالنسبة للأحداث التاريخية ، ما عدا إحداث بعض التغيير فيها من خلال انعدام المسئولية أو الإهمال في توخي الدقة وقت تدوينها. من المهم معرفة تلك الحقيقة ، ومن واجب المستشرقين تعريف الجميع بها. يقول القرآن الكريم " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب " سورة الشورى 13(10/120)
كان نبي الإسلام أُمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ولم يكن لديه أي اتصال بأي مسئول ديني ، كما لم تتوفر لديه فرصة لتلقي العلم من أحدهم ، هناك حديث يروي أنه سافر ضمن قافلة تجارية مع عمه وولي أمره أبي طالب عندما كان في التاسعة أو في الثانية عشرة من عمره ، وقد توقفت القافلة في بصرى. وكان هناك راهب يعيش في صومعة وقد تعرف على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه رسول رب العالمين. وعندما سُئل عن سبب ذلك ، قال إن كل شجرة وصخرة قد ركعت له ، وأن ذلك لم يحدث إلا للأنبياء. وقد أعاده أبو طالب إلى مكة المكرمة مع أبي بكر وبلال بناء على نصيحة بحيرا. لم يألوا المستشرقين جهداً في إثارة الشبهة حول تلك الحادثة ، والادعاء بأن نبي الاسلام قد اقتبس دينه من ذلك الراهب. لقد تركوا ثقافتهم وموضوعيتهم ودراستهم التحليلية ومستوى بحوثهم العالي الذي عُرفوا به وجعلوا من الحبة قُبة .
لقد روُي ذلك الحديث بواسطة سلسلة من رواة مختلفين (إسناد) ، وفي مجموعات مختلفة . وأقوى تلك الروايات رواية الترمذي ، وجميع الروايات الأخرى موضوعة بحيث أن لا أحد ممن جمعوا الأحاديث أعطاها أي اهتمام.
وهذه سلسلة رواة الحديث كما رواه الترمذي :-
روى الترمذي عن الفضل ابن سهل، عن عبدالرحمن ابن غزوان—عن يونس أبي اسحق – عن أبي بكر ابن أبي موسى عن أبيه [أبي موسى الأشعري] أنه قال : " ذهب أبو طالب إلى بلاد الشام....الخ"
قام العلامة شبلي نُعماني ومن بعده تلميذه العلامة س.سليمان ندفي بإجراء دراسة تحليلية لحادثة بحيرا في كتابهم " سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" (7 مجلدات) باللغة الأردية ، وهذه خلاصة ملاحظاتهم التي وردت في المجلد الأول ( للشلبي) والمجلد الثالث ( لسليمان نفدي) : -
مع أن أحد الرواة – عبدالرحمن ابن غزوان – قد حصل على اعتراف من نُقاد علم أسماء الرجال (علم مصداقية رواة الأحاديث) لكن آخرين قد وجهوا له التهم. يقول العلامة الذهبي في كتابه " ميزان الاعتدال " أن عبدالرحمن يروي الأحاديث الضعيفة ، وأكثر تلك الأحاديث الغير مقبولة هو الحديث المتعلق بحادثة بحيرا. وكذلك فقد روى حديث المماليك المختلق. يقول حكيم " لقد روى حديثاً غير مقبولٍ عن الإمام الليث" وكتب ابن حبان " لقد ارتكب أخطاءً" . إن عبدالرحمن هذا قد روى ذلك الحديث من يونس ابن اسحق ، ورغم أن بعض النقاد قد أيدوا يونس لكنه يعتبر بشكل عام ضعيفاً وغير موثوق به. يقول يحيى : لقد كان مهمِلاً، واتهمه شُعبة بالغش. أما الإمام أحمد فقد صنف روايته بشكل عام على أنها غير موثوقة ولا قيمة لها. نقل يونس هذا روايته عن أبي بكر الذي بدوره روى عن أبيه أبي موسى الأشعري ، لكن ليس مؤكداً إن كان قد سمع الحديث من أبيه مباشرة ، ورفض الإمام أحمد ابن حنبل تماماً سماع أبي بكر عن أبيه ، مما جعل ابن سعد يصنف حديثه على أنه ضعيف. وبذلك فإن بالإمكان تصنيف الحديث على أنه منقطع ( أي انقطاع سلسلة الرواة).
وبعد هذا الموجز عن سلسلة رواة ذلك الحديث من كتاب سيرة النبي ، فإننا سنجري دراسة تفصيلية للرواة ، فعلينا أولاً أن نعطي وصفاً للراوي الأول أبي موسى الأشعري الذي كان أحد صحابة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، قال عنه ابن الأسير :
قالت جماعة من علماء الوراثة والسيرة الذاتية أن أبي موسى ذهب إلى مكة ، وتحالف مع سعيد ابن العاص ثم عاد إلى قبيلته. وبعد ذلك [بعد ليس أقل من 10-15 سنة] ذهب إلى مكة مع إخوته ، وتزامنت رحلته مع عودة المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة زمن فتح خيبر. يُقال أن الرياح قادت سفينتهم إلى أرض النجاشي ، حيث عاشوا لبعض الوقت. ثم انضموا إلى المهاجرين أثناء عودتهم من الحبشة إلى المدينة.
توفي أبو موسى ما بين عام 42-53 هجرية عن عمر ناهز 63 عاماً.
جمع حافظ شمس الدين محمد ابن أحمد ابن أسامة الذهبي معلومات مفصلة عن أبي موسى فقال: -
روي أن أبا موسى توفي عام 42 هـ.
يروي أبو أحمد الحكيم أنه توفي عام 42 هـ .
وفي رواية أخرى أنه توفي عام 43 هـ .
روى أبو نعيم أبو بكر ابن أبي شيبة ، ابن نمير وقعنب ابن المحرر أنه توفي عام 44 هـ .
أما الواقدي فإنه يقول إنه توفي عام 52 هـ ويقول المدائني " في عام 53 بعد المغيرة "
وذُكر في طبقات القرى " الحقيقة هي أن أبا موسى توفي في شهر ذي الحجة من عام 44 "
وقد سُجلت معلومات أخرى مشابهة من قبل المؤرخين :-
( أ ) ابن حجر العسقلاني
( ب ) ابن سعد
يتضح من ذلك أن :-
1- أبا موسى الأشعري قد توفي عن عمر ناهز 63
2- أنه توفي ما بين عام 42 – 53 هـ والأرجح أنه توفي عام 44 كما ذُكر الذهبي أعلاه
3- إذا كان قد توفي عام 42 هـ فإنه يكون قد ولد عندما كان عمرالنبي صلى الله عليه وسلم 32 عاماً أي من 20 – 23 عاماً بعد حادثة بحيرا.(10/121)
4- لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار أبي موسى الأشعري شاهد عيان للحادثة التي حدثت قبل ميلاده بمدة 20 – 34 عاماً وقبل 30 – 40 عاماً قبل بلوغه حيث أن درجة فهمه وتذكره لمثل تلك الحادثة تكون ضعيفة.
وحتى ولو لم يكن أبي موسى شاهد عيان فإن من الممكن قبول روايته لو أنه قال منذ البداية أنه سمع الحادثة من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، أو من أحد صحابته الذين سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
وفي غياب مثل تلك الرابطة فإن سلسلة الرواية تعتبر مقطوعة ، ويعتبر مثل ذلك الحديث "مرسل" أي تصنيفه ضعيف. وحتى لو أننا تجاهلنا تلك النقطة فإن لسلسلة الرواية عيوباً جدية أخرى تحول دون قبولها. فإن أبو بكر يروي الحديث عن أبيه أبي موسى الأشعري ، ولا يوجد دليل واحد على أنه سمع حديثاً عن أبيه وذلك لآنه توفي عام 106 هـ بينما توفي والده أبو موسى الأشعري عام 42 هـ عن عمر ناهز 63 عاماً كما روى الإمام شمس الدين الذهبي ، كما نورد هنا " يروي ابن سعد عن هيثم ابن عدي أنه مات عام 42 هـ أو لاحقاً..."
وهذا يعني أنه عاش 64 عاماً أو نحوها بعد وفاة أبيه مما يجعله لم يكن إلا صبياً وقتها.
وقد رفض الإمام أحمد ابن حنبل رفضاً قاطعاً إمكانية قبول روايته.
ويعتبره ابن سعد كاذباً ولا يؤخذ بقوله.
يقول الحافظ يوسف المزي أن اسمه كان إما عمار أو عامر. ويضيف : -
إنه روى الأحاديث عن: الأسود ابن هلال، البراء ابن عازب، جابر ابن سمره، عبدالله ابن عباس، علي ابن أبي طالب ومما قيل عنه خطأً عن أبيه أبي موسى الأشعري.
لقد نُقل الحديث من أبي بكر إلى يونس ابن إسحق. وكما ذكرنا فإنه ضعيف ولا يُعتمد عليه ومهمل بل وحتى ملفق. يقول أبو حكيم إنه غالباً ما يشعر بالحيرة والإحساس بالهذيان إزاء روايته. رغم أن بعض النقاد أيدوا وحتى قبلوا روايته إلا أن معظمهم يعتبرونه غير موثوق به. لقد جمع حافظ مِزّي معلومات مفصلة نوعاً ما عنه ، وأرى أن إلقاء الضوء على بعضها ضرورياً :-
يروي صالح ابن أحمد ابن حنبل المديني أنه كان يستمع إلى يحيى. وأنه قال عندما ذُكر يونس ابن إسحق: " كان الاهمال وعدم الاهتمام صفة متأصلة في شخصه ". يستشهد بُندار بقول سَلم ابن قتيبة "جئت من الكوفة. وقد سألني شعبة عمن رأيت هناك ، فقلت رأيت فلاناً وفلاناً ، وقابلت أيضاً يونس ابن اسحق ، ثم سألني وأي حديث نقل إليك ، فرويت له ما سمعت ، فسكت برهة قلتُ له أن يونس قال " قال لي بكر ابن ماعز" فقال شعبة " ألم يقل أن عبدالله ابن مسعود روى له ؟ (وكان ذلك مستحيلاً وبوضوح نظراً للفارق الزمني بينهما. وهذا يعني أن شعبة ينظر إليه على أنه مبتدع) . يقول أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبدالله عندما ذُكر اسم يونس ابن أبي اسحق يصنف روايته عن أبيه بأنها غير موثوقة. لقد أخبر أبو طالب أحمد ابن حنبل أن هناك إضافات على روايات الأشخاص في حديث يونس ابن اسحق. سمع ابنه اسرائيل ذلك ودَوّنه من أبي اسحق ، لكن لا يوجد أية إضافات كإضافات يونس. قال عبدالله ابن أحمد ابن حنبل " لقد سألت أبي عن يونس ابن أبي اسحق فأجاب أن رواياته ضعيفة ومشوشة (...) وأنه كذا وكذا " قال أبو هيثم أنه كان موثوقاً به ، لكن أحاديثه يصعب تصديقها واتخاذها دليلاً على شيء. وقال عنه الإمام النسائي بقوله لا ضرر من ورائه (...) توفي عام 159 أو 152 أو 158 والأصح أنه توفي عام 159.
أما الراوي التالي عبدالرحمن ابن غزوان فرغم أن معظم النقاد وضعوه في صف الرواة الأقوياء والموثوق بروايتهم ، إلا أنه لم يسلم من اللّوم فقد قال عنه الإمام مِزّي :-
قال ابن حبان عنه لقد اعتاد ارتكاب الأخطاء. فإن روايته لقصة المماليك عن الليث---عن مالك---عن الزهري---عن عروة---عن عائشة تؤلم وتزعج القلب (العقل). يقول محمد ابن جرير الطبري أنه توفي عام 207 هـ .
والآن يتبقى فقط الفضل ابن سهل ابن إبراهيم الأعرج. لقد كان راوياً قوياً ، ولكن هناك تحفظات بالنسبة له. يقول الخطيب البغدادي :-
قال لي أحمد ابن سليمان ابن علي المقرىء---أبو سعيد أحمد ابن محمد الملِني---عبدالله ابن عدي---قال "سمعتُ عبدان يقول أنه سمع أبا داود الساجستاني يقول أنه لم يُحب رواية بعض الأحاديث عن الفضل الأعرج" فسألته عن السبب. فأجاب كيف يمكن أنه لم يفوت منه أي حديث صحيح" . قال ابن عدي أنه سمع أحمد ابن الحسين الصوفي يقول أن الفضل ابن سهل الأعرج كان شخصاً ماكراً كالثعالب ومراوغاً ومخادعاً.
مما يجدر ملاحظته أنه لو أن راوياً واحداً قد وُجه له النقد ، أو أن هناك انقطاع في سلسلة رواة الحديث ، أو أن الراوي الأول لم يكن شاهد عين للحادثة ، فإن سلسلة الرواة بأكملها تصبح محل شك ، مما يجعل الرواية أو الحديث غير موثوق به.
بغض النظر عن ذكر أحد في هذا الحديث ، فإن معظم الرواة يُعتبرون بطريقة أو بأخرى مجروحين. وثانياً إن سلسلة الرواة تعتبر منقطعة. وأخيراً الراوي الأول ليس شاهد عين للحدث أو طرف فيه.(10/122)
رغم وجود كل هذه العيوب وكون سلسلة الرواة في حالة مشكوك فيها ، فإن من الغريب أن عالماً باحثاً يتجرأ بل ويستشهد بذلك الحديث ويقدمه كدليل على موضوع هام هو الحادثة التي يتناولها الحديث المذكور على أنها المصدر الرئيسي لتعاليم النبي الدينية ؟
بعد القيام بدراسة خارجية لإسناد الحديث ، فإن نصه ومحتوياته يخضعان أيضاً للدراسة وهذا هو نص الحديث :-
سافر أبو طالب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الشام بصحبة بعض كبار رجال قريش في قافلة تجارية ، وعندما اقتربوا من الراهب بحيرا ، قرروا التوقف للاستراحة ، فذهب إليهم الراهب رغم أنه لم يكن يفعل ذلك عندما كانوا يمرون في رحلاتهم السابقة ، فهو لم يُعرهم أي اهتمام أبداً. وعندما كانوا يحطون رحالهم مر الراهب من وسطهم ، وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمسك بيده وقال "هذا رئيس العالم ، رسول رب العالمين ، وسيُعَينه الله رحمة للعالمين. فسأله كبراء قريش عن سبب قوله ذلك ، فقال "عندما ظهرتم من الممر ، فإن كل شجرة وحجر انحنت له ، ولم يحدث ذلك لأحد إلا لنبي ، وعرفته أيضاً بسبب خاتم النبوة الشبيه بالتفاحة الموجودة أسفل عظم كتفه ، ثم عاد وأحضر لهم طعام الغداء ، وكان نبي المستقبل مع قطيع الإبل. فأرسل له الراهب طعاماً. عندما حضر نبي المستقبل كانت غمامة تظله ، وعندما وصل وجد أن الرجال قد اتخذوا الأماكن الظليلة تحت الشجرة ، فجلس النبي فما كان من ظل الشجرة إلا أن انحنى فوقه. قال الراهب " أنظروا هنا! لقد خضع ظل الشجرة له ، وكان ما يزال واقفاً معهم ، ويطلب منهم عدم أخذ محمد صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الروم ، لأنهم سيتعرفون على صفاته ويقتلونه ، وفجأة ظهر سبعة أشخاص من الروم ، فرحب بهم الراهب وسألهم عن سبب زيارتهم ، فأجابوا " بلغنا أن النبي المنتظر سيأتي من مكان إقامته هذا الشهر ، ولذلك فقد أُرسل أشخاص إلى كل جهة وأُرسلنا إلى هذه الطريق". فقال الراهب "هل يوجد رئيس لكم من حيث جئتم ؟ أجابو نعم وقالوا إن فرقتهم أفضل فرقة مما جعل الرئيس يختارهم لتلك الجهة ، فسألهم الراهب" هل فكرتم ؟ هل بإمكان أحد أن يمنع إتمام مهمة قضاها الله ؟ وعندما أجابوا بالنفي حثهم على مبايعة النبي ، وبناء على طلبه أخبره الرجال أن أبو طالب هو ولي أمر محمد صلى الله عليه وسلم. ونزولاً على إصراره المتواصل بضرورة أن يعيده أبو طالب إلى مكة مع أبي بكر وبلال [أو أن أبي بكر هو الذي أرسل بلالاً معه ، وهذا لا يبدو نقلاً مناسباً] وزودهم الراهب بزيت وكعك كمئونة للطريق.
عندما يُحلل النص بطريقة نقدية فإن ذلك يكشف عن ثغرات جدية. وها هي بعض الملاحظات:
1- كان الدخول في التعاملات التجارية والذهاب ضمن قوافل تجارية محصوراً على الأشخاص الأثرياء ولم يحلم أبو طالب أن يكون منهم ، لأنه لم يكن ثرياً أبداً بل إن ثروته كانت ضئيلة لدرجة عدم تمكنه من الإنفاق على أولاده ، مما جعل بعض أقاربه يتعاطفون معه ويأخذون على عاتقهم مسئولية تربية بعض أبنائه. إن قصة الحديث مختلقة ولا يوجد دليل على أن أبا طالب كان له رحلات تجارية إلى أي مكان. كان بائع عطور بسيط ، وقد رُوي أنه كان أعرجاً وبذلك يفقد الأهلية للقيام برحلة شاقة كتلك.
2- لو كان بحيرا حقاً عالماً عظيماً وبارعاً لدرجة أن خطط لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن من المفروض أن يوجد له في السجلات النصرانية أدب كثير ، ومجلدات عن حياته وأعماله ، ولكننا لا نجد عنه شيئاً إلا في أحاديث الدرجة الثالثة في الأدب الإسلامي.
3- اختار بحيرا نبي المستقبل وفي حضور كبار رجال قريش قال إن الصبي سيصبح رئيس العالم المختار ، ونبي رب العالمين ورحمة للعالمين. وبذلك يكون رجال قريش شهوداً على تلك الحادثة الغير عادية ، وينقلونها إلى أهل مكة عند عودتهم إليها وبذلك تصبح حديث الناس ، ومن الطبيعي أنه عندما يحدث شيء يتعلق بنبي المستقبل فإن أولئك الرجال ومن سمع الحادثة منهم سيعودون للحديث عن تلك الحادثة ، لقد ظهر محمد في الصباح الباكر في البيت الحرام بعد ذلك ببضعة سنوات ، حيث حل النزاع حول وضع الحجر الأسود ، وكان من المفروض أن يصيح الناس " لقد وصل رسول رب العالمين ، ورئيس جميع المخلوقات ، وظهر رحمة العالمين ، ونحن نؤيده ونقبل رأيه ". لكن كتب التاريخ لم تذكر شيئاً من هذا القبيل ، بل تذكر أنهم قالوا "جاء الأمين---الصادق---الخ" ومرة أخرى عندما أعلن النبي المنتظر أنه اختير لأداء المهمة ، وكان من المفترض أن يعلن كل من اعتنقوا الإسلام أنهم كانوا يعرفون ذلك وينتظرونه ، فإننا نجد أن ذلك لم يحدث.(10/123)
4- عندما سُئل بحيرا عن سبب معرفته بأن الصبي سيصبح نبياً أجاب بأن جميع الأشجار والحجارة قد ركعت له. ولو كان الأمر كذلك فإن كل من كانت له صلة به في مكة أو غيرها سيعرف ذلك أيضاً ، فقد كان أمراً غير عادي ، وظاهرة غير طبيعية أو مألوفة ، وبذلك لا يمكن أن تمر دون أن لا يلاحظها الناس . من الغريب أن رجال القافلة الذين ارتحلوا معها مئات من الأميال لم يلاحظوا الأمر وكان بحيرا فقط هو الذي أدركها. وبناء عليه فإن من المفترض أن علامة النبوة المذكورة تكون موجودة في الإنجيل ، لكن الأمر ليس كذلك مما يجعل الحادثة مختلقة وغير موثوقة.
5- لو أن المستشرقين الذين اتخذوا من تلك الحادثة عاملاً يساعدهم في ادعائهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد تعلم وأخذ تعاليم دينه عن النصرانية من خلال الراهب المذكور ، لو أنهم اعتقدوا أن حادثة بحيرا تلك كانت حقيقة وليست خيالاً ، ولو أنهم كانوا صادقين في دراساتهم لكان موقفهم تجاه الإسلام مختلفاً تماماً ، بينما يكشف موقفهم السلبي الحالي من الإسلام أنهم حقاً لا يعتقدون بصحة ذلك الحديث.
6- لو كان قول أن الأشجار والحجارة ركعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك لن ينحصر في تلك الحادثة فقط ، ويكون مئات الآلاف من الأشخاص قد شاهدوا ذلك في مكة وسواها. لكننا لا نجد حديثاً صحيحاً واحداً يؤيد حدوث ذلك مما يؤكد أن ذلك الحديث موضوع لا أصل له.
كما ويجدر ذكره أن الإسلام قد حرّم الركوع لأحد سوى الله. يقول القرآن الكريم :
" لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " سورة فصلت 37
" والنجم والشجر يسجدان- والسماء رفعها ووضع الميزان " سورة الرحمن 6-7
" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم" سورة الفرقان 55
" وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن " سورة الفرقان60
وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم الركوع أمام أحد سوى الله. كما مُنع ذلك في الإنجيل : " لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي " الخروج 20 : 4-6
وبذلك يتضح عدم جواز الركوع لغير الله في أية حالة.
7- بالنسبة " لخاتم النبوة " فإنه لا يوجد له دليل واضح في الإنجيل ، ولو كان لهذه العلامة أي ذكر فيه ، ولو وُجدت تلك العلامة حقاً على ظهره الشريف ، كما جاء في الحديث على لسان الراهب ، فإنه لا يوجد أي تبرير لغياب تأييد كبار قريش لتصديق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله ، وبالتالي قبول دينه على أنه دين الحق . رغم وجود كتلة سوداء شبيهة بالغدة أعلى ظهره (تحت عظام الكتف) ، إلا أنه لم يدّع أبداً أنها علامة نبوته ، مع أنه كان بإمكانه إبرازها كدليل على صدق دعواه[1] ، وهذا يدل على عدم أهميتها كعلامة إعجازية . وبذلك تسقط مصداقية الحديث.
8- لو لم تكن تلك الحادثة مختلقة من قبل راوٍ ساذج أو أصدقاء مغفلين أو بعض أعداء الإسلام ، لعرضها النبي صلى الله عليه وسلم كدليل واضح على صدق نبوته ، ولكان من الصعب على الكفار رفض دليل واضح عليها كعلامة ختم النبوة.
9- وتنطبق الملاحظات السابقة على حادثة تظليل السحابة لنبي الإسلام.
10- كما أنها تنطبق على حادثة مَدّ الشجرة لظلها نحوه .
11- لقد حثهم الراهب على عدم أخذ الصبي إلى بلاد الروم ، لأنه لدى رؤيته له تعرّف على علامات النبوة التي ستجعلهم يقتلونه ، وهذا يعني أن علامات نبوة النبي المنتظر كانت من الوضوح في الإنجيل بحيث لا يمكن أن تفوت عن أنظار كبار الروم . هل يتفق المستشرقون مع ملاحظات الراهب ؟ وإن كان الأمر كذلك فما مدى استعدادهم لقبول مصداقية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هل يعتقد أولئك أن العلامات لصالح نبي الإسلام حقاً موجودة في الإنجيل بوضوح بحيث أن مجرد رؤيته تجعل العالِم يتعرف عليه كما ظن الراهب ؟
12- أما عن مجموعة الرجال السبعة الروم الذين قالوا إن النبي المنتظر كان سيخرج من بلده ذلك الشهر ، فإن المرء يتساءل عن مصدر علمهم ذلك ، فبالنسبة للإنجيل لا يوجد شيء فيه من هذا القبيل ، ومن الغريب أن يكون المستشرقون قد اختاروا بناء قصرهم بدون أي أساس وعلى أرضية مزيفة ، مما يجعله قابلاً للسقوط بمجرد ضربة واحدة من قبل ناقد موضوعي.
13- لو كانت الحادثة حقيقية لما تردد كبار قريش وخاصة أبو طالب في اعتناق الإسلام فور إعلان النبي صلى الله عليه وسلم لرسالته.
14- لو كان في الرواية أي جزء من حقيقة لامتلأت كتب الأدب الديني الإسلامي بوصف مراحل حياة ذلك الراهب المختلفة ، لكننا لا نجد له أثراً فيها.(10/124)
15- يقول الفصل الأخير من الحديث أنه وبناء على إصرار من الراهب فإن أبا طالب أعاد الصبي مع أبي بكر وبلال ، وهذا دليل واضح على أن القصة مختلقة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أكبر من أبا بكر رضي الله عنه إلا بعامين أو ثلاثة ، فلو كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ 9 سنوات ، فإن عمر أبا بكر سيكون 6 سنوات ، ولو كان عمر نبي المستقبل 12 عاماً لكان عمر أبي بكر 9 أعوام ، هناك مثل فارسي يقول " الكذب لا ذاكرة له ". لقد نسي مؤلف القصة أن أبا بكر كان أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مدون في التاريخ.
يروي ابن سعد :-
أخبرنا محمد ابن عمر أنه سمع شعيب ابن طلحة يروي عن ابن أبي بكر الصديق أنه قال " كان بلال تِرباً لي (متساوين في السن). قال محمد ابن عمر " لو كان الأمر كذلك وكان أبو بكر قد توفي حقاً عام 13 هـ عندما كان عمره 63 عاماً ، لكان الفرق بين هذا وبين ما رُوي لنا عن بلال 7 سنين. ويقول شعيب ابن طلحة عن ميلاد بلال: كان في مثل سن أبي بكر.
يروي الحافظ الذهبي الذي يعتبر مصدراً موثوقاً في معرفة أسماء الرجال ملخصاً لحياة أبي بكر فيقول :-
توفي الصديق قبل نهاية شهر جمادى الآخرة بثمانية أيام ، عام 13 هـ وكان عمره 63 عاماً.
تُظهر الروايات أعلاه أنه يبدو أن لا منطق في إرسال أبي بكر مع نبي المستقبل لحمايته أثناء رحلة عودته إلى بلده.
16- أما بالنسبة لبلال فمن المحتمل أن لا يكون قد وُلد بعد في ذلك الوقت ، يقول ابن سعد:-
توفي بلال في دمشق ودُفن في باب الصغير عام 20 هـ عن عمر جاوز الستين عاماً. ويُقال أيضاً أنه توفي عام 17 أو 18هـ.
وقد زودنا ابن حجر العسقلاني بمعلومات مماثلة فقال :-
توفي بلال في بلاد الشام عام 17 أو 18 هـ ويقال أيضاً عام 20 هـ عندما جاوز الستين من عمره.
روى شمس الدين الذهبي بعض التقارير عن بلال فقال :-
روى يحيى ابن بكير: توفي بلال في دمشق بمرض الطاعون عام 18 هـ ، وروى محمد ابن إبراهيم التيمي وابن اسحق وأبو عمر الزرير ورواة آخرون أنه توفي في دمشق عام 20 هـ
ذكر الحافظ جمال الدين المزي بعض المعلومات عن بلال فقال :-
ويقول البخاري أنه توفي في بلاد الشام في عهد عمر رضي الله عنه
ويروي أحمد ابن عبدالله ابن البرقي أنه توفي عام 20 هـ
ويقول الواقدي وعمار ابن علي أنه توفي في دمشق عام 20 هـ عن عمر جاوز الستين عاماً.
أستنتج من المراجع والمعلومات العامة أعلاه :-
• تقارب أعمار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبلال رضي الله عنهم فقد كانت أعمارهم عند وفاتهم كانت 63 عاماً تقريباً.
• توفي النبي صلى الله عليه وسلم عام 11 هـ
• توفي أبو بكر رضي الله عنه عام 13 هـ بعد عامين وثلاثة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
• توفي بلال رضي الله عنه عام 17 أو 18 والأرجح أنها عام 20 هـ أي 6-7 والأرجح 9 سنوات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
• وبناء عليه فإنه قد لا يكون قد وُلد بعد أو أن عمره كان 1-3 سنوات ، عندما كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم 9 سنوات.
• عندما كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم 12 عاماً كان عمر بلال 5-7 سنوات والأرجح 3 سنوات.
وبذلك نستطيع بسهولة أن نستنتج أنه لا يمكن أن يكون بلال رضي الله عنه قد أُرسل لحماية النبي صلى الله عليه وسلم أثناء رحلة عودته من بصرى إلى بلده.
وهذا يجعل من المستحيل قبول هذا الحديث ، ويثبت أنه ملفق لا أصل له. وبذلك يتضح للجميع بطلان الأساس الذي ارتكز عليه المستشرقون في زعمهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخذ تعاليمه الدينية عن الراهب النصراني.
قال عبدالرحمن مبارك بوري خلال تفسيره لهذا الحديث في سنن الترمذي :-
لقد اعتبره أئمتنا وهماً وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره 12 عاماً وقتئذٍ ، وكان أبو بكر يصغره بسنتين وربع السنة ، بينما لم يكن بلال قد وُلد بعد في ذلك الوقت. جاء في ميزان الاعتدال أن من الأمور التي تدل على تلفيق هذا الحديث قوله " وأرسله مع أبي بكر وبلال " مع أن بلالاً لم يكن قد وُلد بعد ، وكان أبو بكر ما يزال صبياً.
صنف الذهبي هذا الحديث على أنه ضعيف وغير موثوق نظراً لقوله " وأرسله أبو بكر مع بلال مع أن أبا بكر لم يكن قد اشترى بلالاً بعد ، وبناءً عليه فلا حق له في أن يأمره بأداء أية مهمة (...)
قال الحافظ ابن القيم في كتابه زادالمعاد(...) عندما بلغ محمد صلى الله عليه وسلم 12 عاماً ذهب مع عمه إلى بلاد الشام ، ويقال أيضاً أن عمره كان 9 سنوات وقتذاك (...) وهذا خطأ واضح لأن من الأرجح أن بلالاً لم يكن قد ظهر للوجود بعد ، ولو كان موجوداً لما أمكن أن يكون مع أبي بكر.(10/125)
يقول الحديث أنه بناءً على إصرار الراهب فقد أعيد النبي المنتظر إلى مكة تحت رعاية أبي بكر وبلال ، بحجة أنه لو أُخذ إلى بلاد الروم فإن ذلك سيضع حياته في خطر ، وذلك لأن علماء الدين سيتعرفون عليه ويقتلونه. لم يُرسل أبي بكر وبلال معه ليكونوا رفاق طريق ولم تكن رحلة ترفيهية . ومن السخف واستحالة التصديق أن أبا طالب رغم محبته لمحمد أكثر من محبته لأبنائه ، أن يتركه في رعاية صبيين أحدهما يصغره بثلاث سنوات ، والآخر إما أن لا يكون قد وُلد بعد ( إن كان عمرالنبي المنتظر 9 سنوات) أو أنه كان طفلاً رضيعاً عمره سنتين . يصعب تفسير كيف أن المثقفين المستشرقين الذين يُشهد لهم بالقيام ببحوث تستحق التقدير ، والذين اختاروا هذا الحديث الواضح تلفيقه ، وأقاموا على أساسه قصراً في الهواء ، أن تكون أمانيهم هي التي الدافع الذي ألقى بهم في هاوية عالم التعلم هذه .
17 - عندما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم شاباً في سن الخامسة والعشرين ، شارك مرة أخرى في رحلة مع قافلة تجارية إلى بلاد الشام لصالح خديجة رضي الله عنها. لو كان يعرف أن أهل تلك البلاد يُكنون له العداوة ، وأنهم بمجرد رؤيته سيتعرفون عليه من خلال علامات نبوته الواضحة لما قام أبداً بتلك الرحلة. لكنه لم يُبد أي تردد في قبول عرض خديجة له في الاتجار لصالحها ، ولم يقم أحد بإيذائه وعاد سالماً معافاً بعد قيامه بعمليات تجارية رابحة.
18 من الغريب ملاحظتة في هذا الحديث الذي وبالرغم من أنه كله ملفق ، إلا أنه أقوى من جميع الأحاديث التي تناولت حادثة بحيرا ، لكن الراهب لم يخاطب نبي المستقبل مباشرة في أي وقت من الأوقات ، وبإمكان الشخص ملاحظة ذلك من خلال قراءته للحديث ليرى بنفسه تلك الظاهرة الغريبة. لا يوجد في الحديث ضمير غائب بديلاً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، لقد استعمل الراهب في كل مرة شخصاً ثالثاً أو ضمير إشارة بدلاً من الصبي. هذا يدل على أن الراهب لم يعتبر أن صبياً أمياً يمكنه أن يفهم ما يقول عنه. ومن الملاحظ أيضاً أن أحداً من رواة ذلك الحديث لم يكن من السخف لدرجة أن يُظهر الراهب وهو يخاطب الصبي بشكل مباشر. لأنهم من الطبيعي أن لا يتصورا أن صبياً في مثل عمره يستحق تلك المحادثة .
وخلاصة القول: إن من المفيد إلقاء نظرة على الملاحظات الحيادية لبعض المستشرقين . يقول جون ب. نوس وديفيد س. نوس في كتابهم الشهير " أديان الرجل" :-
(...). إن من الواجب إدراج الحديث الشريف الذي يقول إن محمداً صلى الله عليه وسلم تعلم اليهودية والنصرانية خلال رحلاته مع القافلة التجارية المتجهة للشام ، وكانت الأولى بصحبة عمه أبي طالب عندما كان في سن الثانية عشرة ، والثانية عندما كان عمره 25 عاماً كموظف لخديجة التي تزوجها فيما بعد ، على أنه حديث غير مقبول.
ويقول توماس كارلايل :-
لا أعرف ماذا أقول بشأن سيرجيوس [ بَحيرا أو بُحيرا ، مهما كان اللفظ ،وقد أُطلق عليه أيضاً اسم سرجيوس] ، الراهب النسطوري الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب ، أو كم من الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبياً في مثل تلك السن ، لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير ، فقد كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم 14 عاماً [كان إما 9 أو 12 عاماً على أكثر تقدير] ولم يعرف لغةً غير لغته ، وكان معظم ما في الشام غريباً وغير مفهوم بالنسبة له.
نستنتج من متابعة التعليل أعلاه أن دعوى أولئك العلماء في أن نبي الإسلام قد أخذ تعاليم دينه من بعض علماء الإنجيل مثل بحيرا لا أساس لها من الصحة ، ولم يؤلفوا تلك القصة الغريبة والمستحيلة الحدوث إلا بدافع تمني حدوثه.
إن الدراسة الموضوعية تتطلب جهوداً مستمرة ، وغير مجهزة مسبقاً لتأمين الحقائق بطريقة معقولة وممكن تبريرها وتتسم بالمسئولية.
***ملاحظة المترجمة : قال الكاتب عن خاتم النبوة ما معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم " لم يدّع أبداً أنها علامة نبوته ، مع أنه كان بإمكانه إبرازها كدليل على صدق دعوته ".
وهذا يعارض ما جاء في صحيح البخاري عن قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه : ".......فسلمتُ عليه ، ثم استدرتُ إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته ، عرف أني أستثبت في شيء وُصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرتُ إلى الخاتم فعرفتُه ، فأكببتُ عليه أقبله وأبكي..."
*** كما أن الكاتب نفى وجود علامة خاتم النبوة في الأناجيل رغم أن سفر الإنشاد 5 : 10 يقول " حبيبي أبيض وأحمر .معلم بين ربوة .................وكله مشتهيات..."
لقد ثبت أن كلمة مشتهيات أصلها في النسخة العبرية " محمدم" كما هو موضح هنا :-
"Hikow mamtaqiym wkulow mahamadiym zeh dowdiy wzeh ree`iy bnowt yruushaalaaim."(10/126)
لذا فإنني أتساءل :: إذا كانت " معلم بين ربوة" هذه هي بداية لفقرة انتهت بالحديث عن محمد ، أفلا يكون من الطبيعي أنها أيضاً تتحدث عنه ؟
[1] وهذا يعارض ما جاء في صحيح البخاري عن قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه : ".......فسلمتُ عليه ، ثم استدرتُ إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته ، عرف أني أستثبت في شيء وُصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرتُ إلى الخاتم فعرفتُه ، فأكببتُ عليه أقبله وأبكي..."
*** كما أن الكاتب نفى وجود علامة خاتم النبوة في الأناجيل رغم أن سفر الإنشاد 5 : 10 يقول " حبيبي أبيض وأحمر .معلم بين ربوة .................وكله مشتهيات..."
لقد ثبت أن كلمة مشتهيات أصلها في النسخة العبرية " محمدم" كما هو موضح هنا :-
"Hikow mamtaqiym wkulow mahamadiym zeh dowdiy wzeh ree`iy bnowt yruushaalaaim."
لذا فإنني أتساءل :: إذا كانت " معلم بين ربوة" هذه هي بداية لفقرة انتهت بالحديث عن محمدم ، أفلا يكون من الطبيعي أنها أيضاً تتحدث عنه ؟
===================
آمنت بك وبمن أنزلك
بسم الله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
يثير جهلة النصارى كل يوم مسألة للتشبيه على عوام المسلمين أمر دينهم , ولا يعنينا الرد على النصارى قدر ما يعنينا توضيح ما يثار للمسلم ليكن على بينة من دينه , وهذا ما كررناه في عدة مواضع أن المسلم أفضل عند الله من مجموع النصارى , وأفضليته جاءت من توحيده لله وإفراده إياه بالعبادة . لذا الحرص على نقاء عقيدة المسلم وعلى فهمه لأمور دينه بدفع ما يثيره جهلة الكفار هو من الجهاد في سبيل الله بالكلمة . فاللهم نسأل إخلاص النية والعمل لوجهك الكريم .
يذكر ضلال النصارى حديثاً وردت به قصة استشارة اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر حادثة زنا فأجابهم صلى الله عليه وسلم بحكم الزنا ووضح لهم أنه موجود بكتابهم ولكنهم أخفوه فناشدهم الله فأظهروا النص , ويحاول ضلال النصارى الاستلال بلفظ ورد بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن التوراة ( آمنت بك وبمن أنزلك )
نقول وبالله التوفيق
سنن ابن ماجه :
1- حدثنا عَلِيُّ بْنُ محمد. ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْد اللهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ البَرَاءِ بْنُ عَازِبٍ؛ قَالَ: مَرَّ النَّبِّي صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ. فَدَعَهُمْ فَقَالَ:
(هَكَذا تَجِدُونَ فِي كَتَابِكمْ حَدَّ الزَّانِي؟) قَالُوا : نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهمْ فَقَالَ: (أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّورَاةَ عَلَى مُوسى، أَهكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي؟) قَال: لاَ. وَلَوْ لاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِي لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُ حَدَّ الزَّانِي، فِي كِتَابِنَا، الرَّجْمَ. وَلكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا الرَّجْمُ. فَكُنَّ إِذَا أَخّذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ. وَكُنَّا إِذَا أَخّذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الحَدَّ. فَقُلْنَا تَعَالوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَئٍ نُقِيْمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَ الوَضِيعِ. فَاجتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَ الجَلْدِ، مَكَانَ الرَّجمِ. فقال النَّبِّي صلى الله عليه وسلم: ( اللّهُمَّ! إِنِّي أَوَّلُ مّنْ أَحْيَا أَمْرَكَ، إِذْ أَمَاتُوهُ). وَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
وفي سنن ابي داوود :
1- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تجدون في التوراة في شأن الزِّنا؟" فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فإِذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجما. قال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يَحْني على المرأة يقيها الحجارة.
2- حدثنا مسدد، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مرُّوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهودي قد حُمِّمَ وجهه وهو يطاف به فناشدهم ما حدُّ الزاني في كتابهم؟. قال: فأحالوه على رجل منهم، فنشده النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما حدُّ الزاني في كتابكم؟. فقال: الرجم، ولكن ظهر الزنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف ويقام على من دونه فوضعنا هذا عنا، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم. ثم قال: "اللهم إنِّي أول من أحيا ما أماتوا من كتابك".(10/127)
3- حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مُرَّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهودي مُحمَّمٍ مجلود، فدعاهم فقال: وهكذا تجدون حدَّ الزاني؟" قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم قال له: "نشدتك باللّه الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟" فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حدَّ الزاني في كتابنا الرَّجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد. فقلنا: تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إنِّي أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله: { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } إلى قوله: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة: 42-44] في اليهود إلى قوله: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } في اليهود، إلى قوله: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [المائدة: 45-47] قال: هي في الكفار كلها، يعني: هذه الآية.
4- حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ثنا ابن وهب، حدثني هشام بن سعد، أن زيد بن أسلم حدّثه، عن ابن عمر قال: أتى نفرٌ من يهود فدعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى القُف فأتاهم في بيت المدارس فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلاً منَّا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسادةً فجلس عليها ثم قال: "ائتوني بالتوراة" فأتي بها. فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها ثم قال: "آمنت بك وبمن أنزلك". ثم قال: "ائتوني بأعلمكم" فأتي بفتى شابٍّ، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع.
5- حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: ثنا رجل من مزينة، ح، وثنا أحمد بن صالح، ثنا عنبسة، ثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم: سمعت رجلاً من مزينة ممن يتَّبع العلم ويَعِيه، ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب، فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتمُّ، قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي؛ فإِنه نبي بعث بالتخفيف، فإِن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند اللّه. قلنا: فُتْيا نبيٍّ من أنبيائك. قال: فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم. فقام على الباب فقال: "أنشدكم باللّه الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟" قالوا: يحمّم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أفقيتهما ويطاف بهما.
قال: وسكت شاب منهم. فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- سكت ألظَّ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإِنا نجد في التوراة الرجم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فما أول ما ارتخصتم أمر اللّه؟" قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخّر عنه الرَّجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه، وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإِنِّي أحكم بما في التوراة" فأمر بهما فرجما.
قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } [المائدة: 44] كان النبي - صلى الله عليه وسلم- منهم.
6- حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني، قال: حدثني محمد - يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدِّث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال:
زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أُحْصِنا حين قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه، يضرب مائة بحبل مَطْلِيٍّ بقار ويحمل على حمار وجْهُه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: سلوه عن حدِّ الزاني، وساق الحديث.
فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه، فيحكم بينهم فخيِّر في ذلك قال: { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [المائدة: 42].(10/128)
7- حدثنا يحيى بن موسى البلخي، ثنا أبو أسامة قال مجالد: أُخبرنا عن عامر، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زَنيا قال: "ائتوني بأعلم رجلين منكم". فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟.
قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما. قال: " فما يمنعكما أن ترجموهما؟" قالا: ذهب سلطانا فكرهنا القتل. فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجمهما.
وفي صحيح مسلم :
1- وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىَ جَاءَ يَهُودَ. فَقَالَ: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَىَ مَنْ زَنَىَ؟" قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا. قَالَ: "فَأْتُوا بالتَّوْرَاةِ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ" فَجَاؤُوا بِهَا، فَقَرَأُوهَا، حَتَّىَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَىَ آيَةِ الرَّجْمِ .
2- حَدَّثَنَا يَحيَىَ بْنُ يَحْيَىَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:
مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمَاً مَجْلُوداً، فَدَعَاهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَىَ مُوسَىَ، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالَ: لاَ، وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا.
3- حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية. قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن البراء بن عازب. قال:
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا. فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم. فقال ( أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا. فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه ). فأمر به فرجم.
فأنزل الله عز وجل: { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر* إلى قوله: إن أوتيتم هذا فخذوه } [5 /المائدة /41] يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم. فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا.
فأنزل الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [5 /المائدة /44]. { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [5 /المائدة /45]. { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [5 /المائدة /47]. في الكفار كلها.
وفي مسند الإمام أحمد :(10/129)
1- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: - مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقالوا نعم قال فدعا رجل من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقال لا والله ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه قال فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال في اليهود إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال هي في الكفار كلها.
وفي نصب الرواية :
1- حديث آخر رواه الطبراني في "معجمه" حدثنا بكر بن سهل ثنا عبد اللّه بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: { إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا } قال: هم اليهود زنت منهم امرأة، وقد كان اللّه تعالى حكم في التوراة في الزنا الرجم، فنفسوا أن يرجموها، وقالوا: انطلقوا إلى محمد، فعسى أن يكون عنده رخصة، فاقبلوها، فأتوه، فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فيها؟ فقال عليه السلام: كيف حكم اللّه في التوراة في الزاني؟ فقالوا: دعنا من التوراة، فما عندك في ذلك؟ فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، فأتوه، فقال لهم: بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فلق البحر فأنجاكم، وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حكم اللّه في التوراة في الزاني؟ فقالوا: حكم اللّه الرحم.
وفي صحيح البخاري :
1- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ
قال ابن حجر :
وفي رواية أيوب فجاءوا وزاد عبيد الله بن عمر " بها فقرؤها " وفي رواية زيد بن أسلم " فأتى بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك "
كل الروايات التي وردت لم ترد بها لفظة ( آمنت بك وبمن أنزلك ) الا في رواية أبي داوود عن زيد بن أسلم وزيد ابن اسلم من طبقة التابعين فيكون سند زيادة زيد ابن اسلم منقطعا . ولكن المعنى لا غبار عليه لما سنسوقه لاحقاً
ونلخص ما سبق أن الحديث ورد بعدة صيغ في مواطن مختلفة :
1- حديث البراء بن عازب ( رواه أبو داوود ومسلم وابن ماجة وفي مسند أحمد )
2- حديث أبو هريرة ( رواه أبو داوود )
3- حديث ابن عمر ( رواه أبو داوود ومسلم )
4- حديث جابر بن عبد الله ( رواه أبو داوود )
ولهذا فقول القائل من ضلال النصارى كيف يقل محمد صلى الله عليه وسلم ( آمنت بك وبمن أنزلك ) أليس هذا إقرار منه بالتوراة , وهنا عدة مسائل تغيب عن فكر ضلال النصارى لما غشي أعينهم من الكفر :(10/130)
الأولى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن رب العباد , وهو قد حدد وبين لنا أوامر الشريعة ونواهيها , وما بلغه من رب العزة بلغنا به , ولهذا فنحن مأمورون باتباع ما يشرعه لنا 0( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وهو المبلغ ( يا أيها النبي بلغ ما أنزل اليك ) ومما أنزل اليه صلى الله عليه وسلم ومما بلغنا به - الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) ولقوله ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) فأحد عناصر ودعائم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بالكتب السابقة إجمالاً أنها من عند الله نزلت على أنبيائه المبلغين عنه وأنهم خير بشر بلغوا أمانة الله .
الثانية : ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن ربه – من شرع من هم قبلنا كاليهود والنصارى يعد من الصحيح من شرعهم ومما لم تناله يدهم بالتحريف والتبديل , سواء تحريف لفظ وخط , أو تحريف معنى وتأويل , والتحريف أنواع , وهذا مما لا يفهمه عوام الضالين من النصارى , وليس هذا موضعه , ولقد وصفهم رب العزة بأنهم ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) .
أما إيماننا بكتبهم إجمالاً فلا يعد من قبيل الإقرار بكل ما أتى بها , بل هو إيمان تسليم بأنها نزلت من عند الله على رسل الله وأما تفاصيل كتبهم ففيه مسائل :
الأولى : ما ورد لديهم يدل على وحدانية الله وإفراده بالعبادة , حتى لو لم يصلنا ما يؤيده من قول أو اقرار من نبي الله صلى الله عليه وسلم فهذا نؤمن به بصريح لفظه ولا نسلم لهم بتأويله أو صرف اللفظ عن صريح معناه كما يذهبون في تفسيراتهم .
الثانية : ما ورد تأييد وإقرار له من نبي الله صلى الله عليه وسلم كمسألتنا هذه – مسألة رجم الزاني , وهي مما بين صلى الله عليه وسلم أنهم أخفوها عن أتباعهم وأبدلوا الحكم بحكم آخر وهو نوع من التحريف (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ) والقاعدة الشرعية نوافقهم فيما وافق شرعنا لقول الله ( ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) .
تصديق : لما معهم من الحق وافق شرعنا وأقره صلى الله عليه وسلم فكتابهم كما ذكرنا بموضع آخر به من الحق جزء ومن الباطل أجزاء .
تفصيل : لما أجمل بكتابهم ولم تتضح أحكامه يبينها شرعنا ويقرها صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : نرفض ما فيه شرك بالله كإشراك أحد معه سبحانه في العبادة سواء كان شرك الربوبية أو الألوهية .
مما سبق يتبين لنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آمنت بك وبمن أنزلك ) هو إيمان إجمال لا تفصيل , إيمان أنها من عند الله نزلت على نبي من أنبياء الله , وهذا ما لا ينكره عاقل أن التوراة كتاب من كتب الله , ومن ينكر هذا سواء من ملة الإسلام أو أي ملة أخرى فهو كافر بلا ريب .
لا يجوز في حق النبي تأخير البيان عن وقت الحاجة ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالتبليغ في الحال , ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن حكم الزاني من اليهود رغبة منهم في عدم تحمل مسئولية الحكم في الحادثة – كان هذا وقت التبليغ فلا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ , فبين لهم صلى الله عليه وسلم الحكم وهذه الحادثة أدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن رسول الله ومبلغا عنه لكان أولى به أن يخالفهم بالحكم وهذا ما لا يجوز بحقه صلى الله عليه وسلم .
وتبليغه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة هو نوع من إقامة الحجة عليهم ونوع من الهداية فهو المبلغ والهدى من الله والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن كما ورد بالاثر .
وهنا مسألة أخرى يثيرها ضلال النصارى متعلقة بهذه المسألة , فيستدلون بالآية ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) كاقرار من رب العزة بالتوراة وبأحكام التوراة وان محمدا صلى الله عليه وسلم بعث للعرب فقط أو ان التوراة هي مصدر أحكام النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا استدلال فاسد , فمعرفة التفسير تستلزم معرفة أسباب النزول , وهذا ما لا يفهمه ضلال النصارى , وسبب نزول الايات هو القصة السابقة فليعلم هذا .
وصلى الله على نبينا محمد رغم أنف الكافرين
كتبه الأخ / برسوم
================
شبهات و ردود متنوعة حول الرسول الكريم
الرد على شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض(10/131)
ذكر المعترضون ما ورد فى الصحيحين من حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية (رضى الله عنها) قالت: كان النبى إذا أراد أن يباشر إمراة من نسائه أمرها فاتزرت و هى حائض. و لهما عن عاشة نحوه. و ظنوا بجهلهم أن ذلك يتعارض مع قوله تعالى (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (البقرة 22)
و سبب ذلك أنهم أناس لا يفقهون فالمباشرة المنهى عنها فى الأية الكريمة هى المباشرة فى الفرج أما ما دون ذلك فهو حلال بالإجماع و قد روى الإمام أحمد و أبو داوود و الترمذى و ابن ماجة عن عبد الله بن سعد الأنصارى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحل لى من امرأتى و هى حائض؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " ما فوق الإزار", و روى إبن جرير أن مسروقاً ركب إلى عائشة ( رضى الله عنها) فقال: السلام على النبى و على أهله, فقالت عائشة: مرحباً مرحباً فأذنوا له فدخل فقال: إنى أريد أن أسألك عن شىء و أنا أستحى فقالت : إنما أنا أمك و أنت إبنى فقال: ما للرجل من إمرأته و هى حائض؟ فقالت له : " كل شىء إلا الجماع" و فى رواية ما" فوق الإزار"
و قد راينا فى حديث ميمونة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ما أراد أن يباشر إمرأة من نسائه أمرها" فاتزرت " فأين التعارض المزعوم إذاً يا ملبسى الحق بالباطل.
و لعل ما دفعهم إلى الإعتراض هو وضع المرأة الحائض فى الكتاب اللا مقدس (( وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. كُلُّ مَا تَنَامُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَلَمِسُ شَيْئاً كَانَ مَوْجُوداً عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ عَاشَرَهَا رَجُلٌ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ طَمْثِهَا، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَنَامُ عَلَيْهِ يُصْبِحُ نَجِساً.))(لاوين-15-19)
فهذا هو كتابهم الذى يجعلها فى حيضها كالكم المهمل الذى لا يقترب منه أحد و كأنها ( جربة ) و قد ورد عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها و لم يجامعوها فى البيوت فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فأنزل الله تعالى ((البقرة22)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شىء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه .
و من المعروف فى قواعد علم مقارنة الأديان عدم مؤاخذة دين وفقاً لشرية دين أخر فما بالك و الإسلام أعدل و أسمى و قد أنصفت شريعته المرأة فى هذا المقام و غيره !!.
-----------------
الرد على شبهة قراءة النبى صلى الله عليه وسلم للقرأن فى حجر عائشة و هى حائض .
روى البخارى عن عاشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنى فأغسل رأسه و أنا حائض و كان يتكىء فى حجرى و أنا حائض فيقرأ القرأن .
و هذا أيضاً لا شبهة فيه و ما دفعهم إلى الإعتراض على ذلك الحديث إلا نفس السبب الذى دفعهم للإعتراض على الحديث السابق و هو تصورهم المتطرف لوضع المرأة الحائض و جعلها كالقاذورات التى تنجس كل ما تمسه و هذا ليس من شريعة الإسلام الوسطية العادلة فالمرأة إن كانت لا يمكنها الصلاة أو الصيام و هى حائض إلا أنها لا تنجس زوجها إذا ما مسته و لا ينظر إليها فى حيضها بهذا الإزدراء حتى أن المرأة الحائض عندهم مذنبة !!
((28وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسِبُ لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَالْآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا))(لاويين 28:15-30)-(10/132)
فأين ذلك من شريعة الإسلام الطاهرة التى تحترم المرأة لذا لستدل العلماء من حديث أم المؤمنين عائشة بجواز ملامسة الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها نجاسة وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة , قاله النووي : وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة , قاله القرطبي بل و يمكن للمرأة نفسها أن تتعبد بقراءة القرأن دون النطق به ويمكنها تقليب صفحاته باستعمال سواك أو بارتداء قفاز أو ما شابه ذلك بل و عند إبن حزم يمكنها الجهر بقراءة القرأن و هى حائض دون مس المصحف الشريف
===============
الرد على شبهة معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله صلى الله عليه وسلم
جاء فى تفسير قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)))(التحريم) عدة روايات إنتقى الخبثاء بعضها و نفخوا فيها ليغيروا معانيهاو يحمّلوها أكثر مما تحتمل بكثير و مفاد هذه الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب ماريا أم إبنه إبراهيم فى البيت المخصص لحفص فقالت : أى رسول الله فى بيتى و فى يومى؟
فقال صلى الله عليه وسلم : ألا ترضين أن اًحرمها على فلا أقربها ؟ فقالت : أى رسول الله كيف يحرُم عليك الحلال ؟ فحلف بالله ألا يصيبها و قال لا تذكرى ذلك لأحد .
و وردت عدة روايات لهذا الحديث كثير منها ضعيف و منها روايات تفيد بأن ذلك كان يوم عائشة و الصحيح أن ذلك كان يوم حفص كما دلت الكثير من النصوص و الله أعلم
و قد أمسك السفهاء بهذه الرواية و أخذو يخوضون فى عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم حقداً عليه بل و بثوا سمومهم و سفالاتهم و قالوا أن أم المؤمين حفص قد و جدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وضع (الخيانة الزوجية)!! و أنه صلى الله عليه و أله و سلم طلب منها ألا تفضحه إلى غير ذلك من ترهات عقولهم السفيهة و قلوبهم المريضة بل و وصل الحقد إلى درجة تحريف الكلم عن مواضعه و التطاول على الله تعالى .
و نقول لهؤلاء الجهلة أين هذه الخيانة الزوجية؟ و هل معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسريته و أم ولده تعتبر عندكم خيانة زوجية و العياذ بالله ؟
بالطبع لا فهى من نسائه اللاتى أحل الله له و هذا أمر معروف و لا حرج فيه و أما معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تكن بسبب الخيانة كما يزعمون و إنما بسبب غيرتها عندما خلا رسول الله بأم إبراهيم فى البيت المخصص لها و كانت فى ذلك اليوم عند والدها عمر بن الخطاب( رضى الله عنه) فالمسألة كلها تتعلق بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للقسمة فى ذلك اليوم و كما هو واضح فهذا لم يكن عن عمد و لم يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء حفص التى كانت شديدة الغيرة عليع عليه السلام بدليل أنه طيب خاطرها و حرّم ماريا على نفسه إرضاءً لها .
و قد طلب منها صلى الله عليه وسلم عدم إخبار أحد لأمر من إثنين: (1) إما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشأ ان تعلم عائشة فتحزن لذلك و قد كانت أقرب زوجاته إلى قلبه (صلوات الله و سلامه عليه)ذلك على الأخذ بالروايات التى أشارت إلى أن ذلك كان يومها و هذا لا حرج فيه فهذه حياته الخاصة عليه السلام و هؤلاء هن زوجاته أمهات المؤنين (2) الأمر الثانى و هو الأرجح و دلت عليه كثير من الروايات أن رسول ال له صلى الله عليه وسلم طلب من حفص عدم إخبار أحد "بكونه سيُحرم ماريا على نفسه "لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك و إنما فعله إرضاءً لها و لم يشأ أن يسُن ذلك لأمته فيحرم الناس على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم فأنزل الله (التحريم) .(10/133)
و من الروايات التى تؤكد ذلك المعنى مارَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قُلْت لِعُمَرَ بْن الْخَطَّاب مَنْ الْمَرْأَتَانِ ؟ قَالَ عَائِشَة وَحَفْصَة وَكَانَ بَدْء الْحَدِيث فِي شَأْن أُمّ إِبْرَاهِيم مَارِيَة أَصَابَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْت حَفْصَة فِي نَوْبَتهَا فَوَجَدَتْ حَفْصَة فَقَالَتْ يَا نَبِيّ اللَّه لَقَدْ جِئْت إِلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْت إِلَى أَحَد مِنْ أَزْوَاجك فِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي قَالَ " أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا " قَالَتْ بَلَى فَحَرَّمَهَا وَقَالَ لَهَا " لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ " فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ فَأَظْهَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجك " الْآيَات .
كما وردت روايات أخرى عن أسباب نزول هذه الأية الكريمة منها ما رواه البخارى عن عائشة قالت: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَب عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش وَيَمْكُث عِنْدهَا فَتَوَاطَأْت أَنَا وَحَفْصَة عَلَى أَيَّتِنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ : أَكَلْت مَغَافِير إِنِّي أَجِد مِنْك رِيح مَغَافِير . قَالَ" لَا وَلَكِنِّي كُنْت أَشْرَب عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش فَلَنْ أَعُود لَهُ وَقَدْ حَلَفْت لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا "
فهل طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الرواية من حفص عدم إخبار أحد خشية الفضيحة أيضاًً يا عبّاد الصليب؟ !!
و لو كانت المسألة بهذه الصورة الشوهاء التى رسمتموها فهل كانت تُذكر فى قرأن يُتلى على المؤمن و الكافر إلى يوم القيامة و يتدارسه المؤمنون فى كل وقث و حين؟ كما قال أبى عبد الرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرأن كعبد الله بن مسعود و عثمان بن عفان و غيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا عن النبى صلى الله عليه وسلم عشر أيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل قال: فتعلمنا القرأن و العلم و العمل جميعاً ), و نحن لم نسمع مثل هذه التعليقات السخيفة من عبدة الصليب فى عهد النى صلى الله عليه وسلم و صحابته لا من يهودى و لا منافق و لا حتى صليبى و بدأت سخافاتهم تظهر فى العصور اللاحقة شأن 99% من شبهاتهم المريضة.
أما عن ترك القسمة فى ذلك اليوم فهو حالة إستثنائية عارضة كما أوضحنا أنفاً و ما لا يعرفه هؤلاء الجهال أن القسمة لم تكن ((فريضة شرعية)) فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أن القسمة الشرعية وُضعت عنه فى قوله تعالى((تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً)) (الاحزاب51)
لأن عالم الغيب سبحانه قد علم أن نبيه الكريم سيبقى على القسمة حتى لو لم تكن واجبة عليه فرفع عنه ذلك التكليف حتى إذا ما قسم لهن إختياراً استبشرن به و حملن جميلته فى ذلك و إعترفن بمنته عليهن فى إبقاءه على القسمة و قد ابقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه القسمة و كان يقول ( اللهم هذا فعلى فيما املك فلا تلمنى فيما تملك و لا أملك) و ظل على هذا إلى مرض موته عليه السلام و لم يُطبب فى بيت عائشة إلا بعد ان جمع أزواجه و أستئذنهن فى ذلك
و الأيات فى سورة التحريم تتضمن معجزة من معجزاته صلى الله عليه و سلم, فى قوله تعالى (( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ))(3 التحريم)
و الحديث الى أسره النبى لزوجته حفص هو تحريمه ماريا و أكل العسل على نفسه , فلما أنبأت حفص عائشة بذلك أطلعه الله تعالى على ما دار بينهما فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما وقع منها و أعرض عن بعض بكرم خلقه فتعجبت و قالت من أنبأك هذا؟!! قال صلى الله عليه وسلم نبانى العليم الخبير.
فما الذى يعترض عليه الحاقدون و قد قالت أم المومنين عائشة (( و الله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأة لا تحل له)) و أين ما ذكرناه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة التى نُقلت إلينا كاملة ساطعة البياض من سير داوود الذى زنى بإمراة جاره و لوط الذى زنى بابنتيه أو يهوذا الذى زنى بأرملة إبنه و إبراهيم الذى أراد إستغلال عرض زوجته ليكون له من وراءها خير كثير! و القى بإحدى زوجاته فى الصحراء إرضاءًً لأخرى !!!.(10/134)
===================
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة لأنها أسنت
إعترضوا بان رسول الله صلى الله عليه و سلم طلق أم المؤمنين سودة لمجرد انها أسنت و استدلوا استدلال خاطىء بما جاء فى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَة بِنْت زَمْعَة وَهَبَتْ يَوْمهَا لِعَائِشَة فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم لَهَا بِيَوْمِ سَوْدَة وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عن عروة قال:لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي سَوْدَة وَأَشْبَاههَا وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا وَذَلِكَ أَنَّ سَوْدَة كَانَتْ اِمْرَأَة قَدْ أَسَنَّتْ فَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَنَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْهُ وَعَرَفَتْ مِنْ حُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وَمَنْزِلَتهَا مِنْهُ فَوَهَبَتْ يَوْمهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة فَقَبلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قلت بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله: إن زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من سودة رضى الله عنها كان من الأساس زواج رحمة و رأفة لا زواج رغبة فقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم و هى فى السادسة و الستين من عمرها و كانت قد أسلمت مع زوجها و هاجرا إلى الحبشة فراراًً من أذى الجاهلين من قريش و مات بعد أن عادا و كان أهلها لا يزالون على الشرك فإذا عادت إليهم فتنوها فى دينها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمايتها من الفتنة و لكن بعد زمن وصلت أم المؤمنين إلى درجة من الشيخوخة يصعب معها على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيها كامل حقوقها و فأراد تطليقها أيضاً رأفةً بها كى لا يذرها كالمعلقة (و كى لا يأتى الجهال فى عصرنا و يقولوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعدل بين أزواجه) فقالت رضى الله عنها (فإنى قد كبرت و لا حاجة لى بالرجال و لكنى أريد أن اُبعث بين نسائك يوم القيامة) فأنزل الله تعالى ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)) (البقرة)
و علمتنا هذه الأية المباركة أن إذا إمرأة خافت من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه بعض حقوقها سواءً نفقة او كسوة أو مبيت و له أن يقبل ذلك فلا حرج عليها فى بذلها ذلك له و لا حرج عليه فى قبوله, فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان يحسن إليها كل الإحسان.
===============
الرد على شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق إحدى زوجاته لأنه وجد فيها بياض .
ذكر الطبرانى و غيره عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من أهل البادية فرأى بها بياضا ففارقها قبل أن يدخل بها و كالعادة إعترض النصارى !!!!!!!!!
قلت بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك و إذا أمرتها أطاعتك و إذا أقسمت غليها أبرتك و إذا غبت حفظتك فى نفسها و مالك" و من هذا الحديث الشريف نجد أن من حقوق الزوج أن يتزوج إمرأة يسره النظر إليها و تكون على خلق و دين, و رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معظم زيجاته كما هو معلوم لأغراض إنسانية بحته و هو لم يعدد الزوجات إلا بعد الخمسين و لكن هذا لا يمنع انه كان رجل جميل الخُلق و الخلق و عندما تزوج هذه المرأة كان يسره النظر إليها و لكنه وجد فيها هذا العيب الجلدى الذى نفره منها نفرة شديدة و كانت قد أخفته عليه فمتّعها و ردها إلى بيت أهلها قبل أن يمسها ولم تكتمل هذه الزيجة فما الحرج فى ذلك؟!!(10/135)
و عندما خطب المغيرة بن شعبة إمراة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام"اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"أى تدوم بينكم المودة و العشرة و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتزوج يرسل بعض النسوة ليتعرفن ما قد يخفى من العيوب فيقول لها" شمى فمها,شمى إبطيها...." فمن هذه الأحاديث الطيبة نجد أن رسول الله قد سنّ لنا ما إن فعلناه كان سبباً فى إستمرار المحبة و المودة و حسن المعاشرة , و الإسلام دين واقعى فهو يعطى كل ذى حق حقه و هل يعقل أن يطالب إنسان بأن يستمر فى معاشرة إمرأة وجد منها ما ينفره؟؟ أو تستمر إمرأة فى معاشرة رجل وجدت منه ما ينفرها؟؟ الإجابة هى بالطبع لا , و الحياة الزوجية فى الإسلام شعارها المعاشرة بالمعروف أو التسريح بإحسان و إلم تقم الحياة بين الزوجين على الصدق و المودة والرضى قامت على نفاق أو إكراه !!
و هذا لا وجود له فى دين الله, فالإسلام و إن كان يحث على الصبر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها أخر" إلا أن هناك أشياء قد لا يطيقها الإنسان و يشتد نفوره منها مما قد يذهب بأسس المودة و أداء الحقوق لذا فالإسلام هنا يرخص بالطلاق كما ورد فى البخارى عن ابن عباس قال" جاءت إمراة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه فى خلق و لا دين و لكنى أكره الكفر فى الإسلام ( تعنى كفران العشير) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت : إقبل الحديقة و طلقها.
اما الحال عند النصارى فهو مأساة تشريعية بمعنى الكلمة و كثير منهم يستنجدون بالشريعة الإسلامية فالكنيسة المظلمة لا تكاد تبيح الطلاق إلا فى أضيق الحدود كحال الزنى أو تغيير الدين أما الكاثوليك فلا طلاق عندهم أساساً و لكن إنفصال جسدى !! و كثير من النصارى البائسين الذين لم يوفقوا فى إختيار شركاء الحياة يلجأون إلى الحيل و يغيرون مللهم ليحصلوا على حرياتهم و لا حول و لا قوة إلا بالله.
و انا اذكر هنا قصة من التراث النصرانى و هو ما حدث مع فيليب أغسطس أحد أشهر ملوك الحملات الصليبية الذى كان قد تزوج الأميرة الدنماركية( انجبورج) و لم يشعر معها بأى سعادة فهجرها و إستغرق عام كامل فى إقناع مجلس الأساقفة حتى يحصل على الطلاق و لكن البابا سلستين الثالث أبى أن يوافق على هذا, فتحدى فيليب البابا و تزوج (أنى) الميرانية فحرمة سلستين!! و لكن فيليب ظل على موقفه و قال ( خير لى أن أفقد نصف أملاكى من أن افارق أنى) و امره انوسنت الثالث أن يرجع انجبورج فلما رفض حرمه من كثير من حقوقه فقال فى حسرة (( ما أسعد صلاح الدين ليس فوقه بابا يتحكم فى حياته)) و هدد بإعتناق الإسلام وواصل كفاحه دفاعاً عن المرأة التى أحبها أربع سنين و لكن الشعب إنضم إلى الكنيسة فى الضغط عليى خوفاً من عذاب النار الذى هدد به البابا!!! فطرد فيليب زوجته انى و لكنه أبقى إنجبورج محبوسة فى ايتامب حتى عام 1202 بعد أن قضت أفضل سنين عمرها فى هذا الجحيم و كل ذلك بسبب الفهم النصرانى المتطرف للزواج .
الرد على شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم الشاة
إعترض النصارى على إفتخار المسلمين بأن الله قد جمع للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم الشهادة إلى سائر فضائله فمات متأثراً بسم الشاة التى أهدته إياها إمرأةُ يهودية يوم خيبر,على أساس أن ذلك يتنافى مع عصمته ( صلوات الله و سلامه عليه) و ذلك يرجع إلى جهلهم بالمعانى الشرعية فعصمة رسول الله قد تمت كما وعده ربه عز و جل لأن هذه العصمة هدفها تمكينه من تبليغ الرسالة و هى مقترنة بها كما قال تعالى"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)" ( المائدة)(10/136)
و ذلك قد حدث بنعمة الله , فإذا ما بلغ الرسول الأمين الرسالة فهو بلا شك عائدٌ إلى ربه و أفضل الموت ما كان فى سبيل الله و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي. فهو علي ضامن أن أدخله الجنة. أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه. نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده! ما من كلم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه مسك. والذي نفس محمد بيده! لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحلهم. ولا يجدون سعة. ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده! لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل. ثم أغزو فأقتل. ثم أغزو فأقتل ) لما علم من أجر الشهيد. فقدّر الله له هذه الوفاة الطيبة لتكتمل فضائله عليه السلام, و الله تعالى يقول "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ"و يقول "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ " و يقول "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ "
وقصة شاة خيبر هى من شمائل نبوته و دلائل عصمته لو كانو يعلمون فقد روى ابن كثير عن ابن إسحاق قال:- لما إطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له إمرأة يهودية شاة مصلية و قد سألت أى عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها الذراع فأكثرت من السم فيها, ثم سممت الشاة ثم جاءت بها , فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة لم يسغها و معه بشر ابن براء قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها و أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال"إن هذا العظم يخبرنى أنه مسموم" (( و هذا من معجزاته عليه السلام )) ثم دعا بها فاعترفت, فقال" ما حملكى على ذلك؟" قالت بلغنى ما لم يخف عليك فقلت إن كان كذّابا إسترحنا منه و إن كان نبيا فسيخبر" فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم و مات بشر من أكلته , أما رسول الله فلم يمت إلا بعد هذه الواقعة بثلاث سنوات كاملة كانت هذه السنوات الثلاث من أهم مراحل الدعوة النبوية ففيها فَتحت مكة و دخل الناس فى دين الله أفواجا و حج النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع و إكتملت الشريعة.
و قد جاءت الإرهاصات التى تشير إلى قرب أجل النبى صلى الله عليه وسلم قبل مرض موته و بينما كان فى أوج فتوحاته و إنتصاراته و منها ما جاء فى القرأن الكريم من قوله تعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً "(المائدة) و لم ينزل بعد هذه الأية أى من أيات الأحكام و لا يقولن جاهل أن سورة المائدة فيها أحكام فى مواضع لاحقة عن هذه الأية لأن ترتيب كان وفق ما يقرره الوحى فكان رسول الله يقول "ضعوا هذه الأية على رأس المائة من سورة كذا" و" ضعوا تلك الأية على رأس المائتين من سورة كذا" و كذلك من الإرهاصات التى جاءت فى القرأن الكريم قوله تعالى "إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)"(النصر)
فكانت هذه السورة إشارة رقيقة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدى الرسالة و بلغ الأمانة و نصح للأمة و عليه الأن أن يستعد للرحيل من هذه الدار بسلام إلى دار السلام فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقطع عن القول فى ركوعه" سبحانك اللهم ربنا و بحمدك, اللهم اغفر لى" فى كل صلواته عليه السلام
و أيضا ما رواه البخارى عن ابن عباس قال:- كان رسوا الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس و كان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل و كان يلقاه فى كل ليلة من ليالى رمضان فيدارسه القرأن فكان جبريل يقرأ و النبى يسمع حينا و النبى يقرأ و جبريل يسمع حينا حتى كان العام الذى توفى فيه الرسول فعارضه جبريل بالقرأن مرتين لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى" و قد شهد العرضة الأخيرة أحد مشاهير كتاب الوحى و هو زيد بن ثابت الأنصارى.(10/137)
و منها ما ورد عن أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيقظنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة و قال:إنى أٌمرت أن أستغفر لأهل البقيع فإنطلق معى فانطلقت معه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم ثم قال :- ليهنئكم ما أصبحتم فيه, قد أقبلت الفتن كقطع اليل المظلم ثم قال:- قد أُوتيت مفاتيح خزائن الأرض و الخلد فيها ثم الجنة و خُيرت بين ذلك و بين لقاء ربى فإخترت لقاء ربى , ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف . فبدأ مرضه الذى قبض فيه.
و منها ما ورد عن أم المؤمنين عائشة قالت:- فما رجع من البقيع وجدنى و أنا صداعا و انا أقول:- وارأساه! قال صلى الله عليه وسلم : بل أنا والله يا عائشة وارأساه! ثم قال: ما بالك لو مت قبلى فقمت علبك و كفنتك و صليت عليك و دفنتك؟ فقلت: فكأنى بك و الله لو فعلت ذلك فرجعت إلى بيتى فعرُست ببعض نسائك.
فتبسو و تتام به وجعه و تمرض فى بيتى. فخرج منه يوماً بين رجلين أحدهما الفضل بن العباس و الأخر على قال الفضل: فأخرجته حتى جلس على المنبر فحمد الله و كان أول ما تكلم به النبى صلى الله عليه وسلم أن سلم على أصحاب أحد فأكثر و استغفر لهم ثم قال: أيها الناس إنه قد دنا منى حقوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهرى فليستقد منه و من كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضى فليستقد منه و من أخذت له مالاً فهذا مالى فليأخذ منه و لا يخش الشحناء فإنها ليست من شأنى و إن أحبكم إلى من أخذ منى حقاً إن كان له أو حللنى فلقيت ربى و أنا طيب النفس ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر فعاد إلى مقولته الأولى فادعى عليه رجل بثلاثة دراهم فأعطاه عوضها ثم قال صلى الله عليه وسلم : أيها الناس من كان عنده شىء فليؤده و لا يقول فضوح الدنيا ألا و إت فضوح الدنيا أهون من فضوح الأخرة زُم صلى على أصحاب أحد و استغفر لهم ثم قال : إن عبداً خيّره الله بين الدنيا و ما عنده فاختار ما عنده .فبكى أبو بكر و قال: فديناك بأنفسنا و أبائنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقين فى المسجد باب إلا باب أبى بكر فإنى لا أعلم أحداً افضل فى الصحبة عندى منه و لو كنت متخذاً خليلاً لاخذت أبا بكر خليلاً و لكن أُخوَة الإسلام.
و منها أيضا ما ورد أن لما إشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم و نزل به الموت جعل يأخذ الماء بيده و يجعله على وجهه و يقول :- واكرباه فتقول فاطمة:- واكربى على كربتك يا أبتى فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :- لا كرب على أبيك بعد اليوم, فلما رأى شدة جزعها استندها و سارها , فبكت ثم سارها فضحكت , فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سالتها عائشة عن ذلك فقالت :- أخبرنى أبى أنه ميت فبكيت ثم أخبرنى أنى أول أهله لحوقا به فضحكت .
( و قد ماتت رضى الله عنها بعد ر سول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ).
و قالت أم المؤمنين عائشة: و كنت أسمع رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول كثيراً: إن الله لم يقبض نبى حتى يخيره . فلمل احتضر كانت أخر كلمة سمعتها منه و هو يقول: بل الرفيق الأعلى. قالت: قلت إذاً ؤالله لا يختارنا و علمت أنه يخيّر .
و نقول للمتمطعين الذين يقولون أن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست معجزة و أن أى إنسان يمكنه إدعاؤها, فأقول لهم: و هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم كأى إنسان؟ إنه بإعتراف مؤرخى الشرق و الغرب أعظم شخصية عرفها التاريخ و أعظم قائد دينى و سياسى و أعدائه كانوا أكثر من أن يحصوا من اليهود و النصارى و الوثنيين و المجوس و المنافقين و كلهم حاول إغتياله و القضاء على دعوته المباركة و كان الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يحرسه الصحبة من كيد الكافرين فلما أنزل الله (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )) "المائدة 67"
قال النبى صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس إنصرفوا عنا فقد حرسنا الله " فصرف الحراس فى أشد مراحل الخطر و التهديد فيا له من نبى يتوكل على ربه الحفيظ الذى هو على كل شىء وكيل.
أخيرا نوجه السؤال إلى عباد الصليب و نقول قد جاء فى كتابكم"(( إِذَا ظَهَرَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ أَوْ صَاحِبُ أَحْلاَمٍ، وَتَنَبَّأَ بِوُقُوعِ آيَةٍ أَوْ أُعْجُوبَةٍ. 2فَتَحَقَّقَتْ تِلْكَ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي تَنَبَّأَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ نَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا وَنَعْبُدْهَا. 3فَلاَ تُصْغُوا إِلَى كَلاَمِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ صَاحِبِ الأَحْلاَمِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ يُجَرِّبُكُمْ لِيَرَى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. . . .5أَمَّا ذَلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ))" التثنية 13: 1-5"(10/138)
فكيف الحال و قد قتل المسيح كما تزعمون بعد بدء دعوته بعام و نصف أو ثلاثة أعوام فقط على أحد الأقوال و بذلك يصدق فيه ذلك النص حرفياً و مسألة قيام المسيح لم يشهدها أحد من اليهود (الذين كان يُفترض أن يٌقدم لهم الأية) حتى تحتجوا بها !!
رد عام
مما سبق من شبهات نجد أنها تعكس حقداً أصيلاً على محمد صلى الله عليه وسلم فإذا ما تزوج إعترضوا و إذا ما طلق إعترضوا !! بل و اتخذوا هذه الإعتراضات الواهية ذريعةًً ليكفروا بربهم العظيم و نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم و حقيقة الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو لم يكن قد تزوج على الإطلاق كانو سيكفرون به لأن الله تعالى يقول (( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ))
أما عن شبهاتهم الوهمية فمرجعها كلها إلى ثقافة هؤلاء القوم عن الزواج فهو عندهم شر لابد منه بل و عند البعض شر محض فهو الحلال الدنس!!
يقول ترتليانوس" و الشهوة فى الحقيقة هى سبب الزنا ألا يوجد مظهر من مظاهر الزنا فى الزواج حيث أنه متضمن فيه حيث أن نفس الأفعال تحدث فى الإثنين؟ و المسيح قال ( من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه)
و يستطرد قائلاً: و قد يسأل أحدهم (هل أنت بذلك تهدم أساس الزواج بإمراة واحدة أيضاً ) نعم! و لكن ليس دون سبب وجيه , لأنه حتى هذه الزيجات أساسسها نفس هذا الخزى و هو الزنى !!!!!!, و لذلك "حسن للرجل ألا يمس إمراة"(كورنثوس الأولى1:7) , فلتشعر أنك بمركز أفضل إذا أتاح الله فرصة الزواج مرة واحدة و إلى الأبد!! و أنك مدين بالشكر إذا علمت أنه لم يدعك تتورط مرة أخرى!!!!!! و إلا فأنت تسىءإلى نفسك بالإنغماس حيث أنك تستعمل الزواج بدون مقياس , أفلا يكفيك أن تسقط من قمة مرتبة البتولية الطاهرة إلى مرتبة أدنى بالزواج؟ فإنك بلا شك ستنحدر إلى هوة سحيقة بالزواج الثالث و الرابع !!!!!!
ففى ذلك اليوم ينطق بكلمة (الويل) على الحبالى و المرضعات!!! (مرقس 17:13 و متى 19:24 و لوقا 23:21) سوف يحدث ذلك اى (الويل) قيل عن المتزوجين و غير الطاهرين لأن الزواج يعطى دوراً للأرحام و الأثداء و الرضع!!!!!!
و قد حاول شنودة تبرير زواج أبراهيم بل و أكثر من مرة بأن السبب كان إحياء نسل فى زمن لم يكن فيه إيمان.
و يبرر بولس هذه الدعوة التى زرعها فى الفكر النصرانى قائلاً " واما العذارى فليس عندي امر من الرب فيهنّ ولكنني اعطي رأيا كمن رحمه الرب ان يكون امينا. فاظن ان هذا حسن لسبب الضيق الحاضر انه حسن للانسان ان يكون هكذا" " كورنثوس1 25:7" فها هو يفتينا برأيه و يقول صراحة هذا ليس بوحى ثم نجده فى الكناب المقدس مسطوراً و يقول أيضاً" فاريد ان تكونوا بلا هم.غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. واما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته""كورنثوس 1 32:7_34"
و قد قال البابا المتفزلق يوحنا الذهبى: "إن للبتولية مزايا عملية فالعذراء تهرب من المشاغل و الأحزان التى تشغل المرأة المتزوجة و تقلقها على عائلتها"!!!! و عندما سئل عن إحتمال فتاء البشرية لو إمتنع الناس عن الزواج فقرد قائلاً:" إنها دائماً إرادة الله و ليس النشاط الجنسى هو الذى سخلق شعباً جديداً" !!!
و طبعاً هذا الكلام المتهافت الصادر عن أناس إنتكست فطرتهم فرأوا الحق باطل و رأو الباطل حق لا يحتاج إلى جهد فى تفنيده فهؤلاء الذين يعيشون فى الوهم لم يفهموا أن قول المسيح ( من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها) لا يعنى أن الناس كلهم زناة حتى لو نظروا لزوجاتهم؟!! و إنما يقصد من يطلق البصر للنساء الأجنبيات و ذلك كقوله تعالى" قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)"النور"
أما القول بأن الزواج مثل الزنى لأنه يتضمن نفس الأفعال و أن الزواج أكثر من مرة هو سقط فى الهاوية على حد زعم هؤلاء الضلال فهو كذب و إفتراء فالزواج هو شىء فطرنا الله عليه و منّ علينا به إذ يقول تعالى (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) (الروم)(10/139)
و نحن نرى اناس يسجدون للشمس و أناس يسجدون لله فهل يُذم الذين يسجدون الله العظيم لمجرد ان أخرين يسجدون بنفس الطريقة لألهتهم الباطلة فأين هذا الهراء من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله: أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر" فإن الله لم يخلق فينا الغرائز ليعذبنا بها و إنما أمرنا أن نحسن إستعمالها فيما أرشدنا إليه و حينها نكون قد وصلنا إلى قمة العبودية لله تعالى"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"(الشمس) .
أما عن قول شنودة بأن زواج إبراهيم كان لغرض إحياء النسل المؤمن فهو قول فهو حق اراد به باطل! و إلا فبماذا يفسر ذلك الضال زواج إبراهيم من قطورة بعد إنجابه إسماعيل و إسحاق؟ (تل 1:22) و إذا كان التعدد ضد إرادة الله أساساً فلماذا لم يجعل الله نسل إبراهيم خليله كله من سارة وحدها و قد علمنا كيف أن الله مكنها من الإنجاب و هى عجوز, ألم يكن الله قادراً على جعلها تحمل مرة ثانية و ثالثة إذا أراد بدلاً من أن يسمح لإبراهيم بالزواج الثانى الذى يعتبره النصارى جريمة نكراء؟!!
أما إدعاء بولس بأن الزواج يبعد الانسان عن ربه وهو كما رأينا لا يكاد يبيح الزواج إلا فى حالة الخوف من الوقوع فى الزنا فجعله زواج إضطرارى أو شر أهون من شر!!!!فأين ذلك من أسوتنا و قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول (يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) و الله تعالى يقول " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "(الروم21)
فقد علمنا الله و رسوله كيف نجعل من الزواج المبارك سبب فى التقرب أكثر من طاعة الله و تأسيس أسرة مسلمة و نسل صالح و إدخال السعادة على الأباء بزواج أبناءهم و بذرياتهم و فى الوقت ذاته علمنا عدم الإنشغال بالأهل عن خدمة دين الله تعالى فقال تعالى"سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً"(الفتح)
و قال تعالى "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً "(الكهف) و قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"(المنافقون)
و قد كانت الفترة التى عدد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته هى أكثر فترات عمره عملاً و تضحيةً و جهاداً و تعليماً و أعباءً كما أنه كان أزهد الناس و أبعدهم عن الدنيا و زينتها و كان الله يريد لزوجاته أيضاً ان يكن بعيدات عن الدنيا و زينتها إذ يقول تعالى"يا ايها النبى قل لأزواجك" فهذا هو الفكر السوى الذى نتبعه فى اللإسلام العظيم
ونحن نتسائل ماذا عن موسى و يعقوب و جدعون و سليمان و داوود و غيرهم من الأنبياء الذين تزوجوا بل و عددو بل ووصل عدد نساء البعض منهم إلى مئات الزوجات و هم أتقى الناي و اعبدهم و أعلمهم بالله ؟!!
فهل سقط هؤلاء فى الهاوية التى نجى منها بولس و ترتليانوس و أشباههم .
و بالنسبة للبابا يوحنا الذهبى الذى يتحدث عن إرادة الله فنقول لذلك الجاهل أن إرادة الله كانت فى خلق أدم و حواء و نسلهما و إعطاءهما الأعضاء المناسبة لذلك و العواطف المؤدية لذلك و قد أثبت العلم أن تأخير سن الزواج له مضار صحية و نفسية كإلتهابات الجهاز البولى و التناسلى عند الرجل و الأمراض الخبيثة عند المرأة و مرجع ذلك لإختلال وظائف الغدد و كبت عمل الأعضاء المخصصة للتناسل, و هل عدم الزواج خال من المشاكل؟
إن عدم الزواج هو المشاكل نفسها فأين تذهب المودة و الرحمة و السكن؟!!!(10/140)
و كما هو واضح فإن الجميع يتمسك بوصايا بولس رغم ما تحمله من أفكار خاطئة و مبادىء هدامة لا يقبلها عقل قويم أو فكر مستنير, و هل خلقنا الله لنكون ملائكة يمشون على الأرض؟ نعبده ليل نهار و لا تفتر أبداً؟؟ يا مغلقى العقول إن الله خلق الإنسان إنساناً و خق الملاك ملاكاً و أمر الإنسان بما لا يفوق طاقته و هو عبادة الله وحده بإخلاص و بالوالدين إحساناً و أن نجتنب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ولم يطلب منا أن نخرج من نطاق أدميتنا و نتحدى فطرتنا فى ما نعتقده و ما نفعله كما تفعلون أنتم .
حتى أنى قرأت عن (قديسة) فى الكنيسة الكاثوليكية تركت ابنها الصغير من أجل الرهبنة فجرى الطفل المسكين وراءها و نام على الأرض أمام الدير كى لا تمر أمه فمرت من فوقه و تخطته بكل قسوة و وقاحةو هو يبكى بشدة و لو كانت هذه الأنانية تفقه لعلمت أن كل إنسان راع و كل انسان مسئول عن رعيته فهى التى جاءت بالطفل إلى الحياة ثم يتمته و حرمته من حنان الأمومة فى أشد فترات الاحتياج إليها لتسكن كالبلهاء فى دير و تركت ابنها للضياغ و هذه القصة المثيرة للغثيان يذكرها هؤلاء بافتخار فهل توجد انتكاسة أكبر من هذه ==============
كيف لنبي الرحمة ان يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة
al-morabet كتب "
بسم الله والحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته----وبعد: سؤال يتردد من النصارى ((كيف لنبي الرحمة ان يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟))سم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته----وبعد: سؤال يتردد من النصارى ((كيف لنبي الرحمة ان يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟))
وللاجابة على هذا السؤال يجب ان يعرف هؤلاء اولا سبب الغزوة ((فتح مكة)) والامر الجلي من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هو صلح الحديبية وان قريش قد غدرت بهذا الصلح ونقضت هذا الصلح ومعروف ان خزاعة دخلت في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو بكر الذين دخلوا في حلف قريش اغتنموا الفرصة -وكان بينهم وبين خزاعة ثارات في الجاهلية - اغتنموا فترة الصلح واغاروا على خزاعة ليلا فاصابوا منهم رجالا وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل حتى وصلوا للحرم - ولا شك ان ما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدرا ونقضا لميثاق الصلح وبعد هذا تحرك الجيش الاسلامي نحو مكة وكان الفتح العظيم باذن الله ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وطهر الكعبة من الاصنام بعد ذلك خطب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقال: يا معشر قريش :ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا خيرا اخ كريم وابن اخ كريم قال: فاني اقول لكم كما قال يوسف لاخوته ((لا تثريب عليكم اليوم))اذهبوا فانتم الطلقاء واهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من اكابر المجرمين وامر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبة وهم ((عبد العزى بن خطل وعبد الله بن ابي سرح وعكرمة بن ابي جهل والحارث بن نفيل ومقيس بن صبابة وهبار بن الاسود وقينتان كانت لابي خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب وهؤلاء جميعا كانوا اشد عداوة وبغضا للاسلام وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا شديدي الاذى له بمكة فاما بن سرح فقد جاء به عثمان بن عفان الى النبي صلى الله عليه وسلم وشفع فيه فحقن دمه وقبل اسلامه بعد ان امسك عنه رجاء ان يقوم بعض الصحابة فيقتله وكان قد اسلم قبل ذلك وهاجر ثم ارتد ورجع الى مكة (ارتد) واما عكرمة بن ابي جهل ففر الى اليمن فاستامنت له امراته فامنه النبي صلى الله عليه وسلم فرجع معها واسلم وحسن اسلامه وانا بن خطل فكان متعلقا باستار الكعبة فجاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره فقال اقتله فقتله واما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبدالله وكان مقيس قد اسلم قبل ذلك ثم عدا على رجل من الانصار فقتله ثم ارتد ولحق بالمشركين واما الحارث فكان شديد الاذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي واما هبار بن الاسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجرت فنخس بها حتى سقطت على صخرة واسقطت جنينها ففر هبار يوم مكة ثم اسلم وحسن اسلامه واما القينتان فقتلت احداهما واستؤمن للاخرى فاسلمت كما استؤمن لسارة واسلمت ومن هذا يتبين لنا كرم اخلاق سيد الخلق وامام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فقد اوذي من هؤلاء وغيرهم اشد الاذى ولكن عفا عنهم وكانت كلمته صلى الله عليه وسلم ((اذهبوا فانتم الطلقاء))اروع مثل لعفوه وكرمه صلى الله عليه وسلم اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"
===================
ناوليني الخمره
bigstory(10/141)
بس الله الرحمن الرحيم
الحديث الذي لم يفهمه ببغاوات النصاري عن ام سلمه قال لها النبي وهي حائض ناولييني الخمره من المسجد فقلت اني حائض فقال ان حيضت ليست في يدك .
وحقا مازال النصاري يفضحون انفسهم ليتبيين لنا انهم لا يفقهون شيء في اللغه العربيه ولا مبادئها وللرد علي تللك الشبهه التافهه التي وجدتها في صفحه الدليل والبرهان (الفاشليين) أذكر هنا رأي الأمام إبن الأثير في كتابه غريب الحديث والاثر (( في حديث عن أم سلمه قال لها النبي ناولييني الخمره من المسجد فقالت له انها حائض فقال بها ان حيضتك ليست في يدك الخمره بضم الخاء هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير او نسيجه خوص ونحوه من النبات وسميت خمره بضم الخاء لان خيوطها مستوره بسعفيها . وقد جاء في سنن ابي داوود عن ابن عباس قال جاءت فأره فأخذت تجر الفتيله فجاءت بها فالقتها بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الخمره التي كان قاعدا عليها فاحرقت منها مثل موضع درهم انتهي والنصاري كانو يظنون ان الرسول صلي الله عليه وسلم يطلب الخمره المسكره وهم معذروون نظرا لجهلهم باللغه العربيه وبهذا يتبيين لنا مدي جهلهم فهم يفضحون انفسهم بما تكتبه ايديهم كل يوم. وبالرغم من أن الشبهه تافهه ولا تحتاج اصلا الي رد الا اني احببت ان أرد عليهم لعل يهتدي منهم شخص يبحث عن الحقيقه. والان نوضح مدي قدسيه الخمر في الكتاب المكدس ففي العهد القديم نجد هذا النص ((أعطو مسكرا لهالك وخمرا لمريء النفس يشرب وينسي فقره ولا يذكر تعبه ) الامثال 6:31 وهذه دعوي واضحه الي السكر والعربده اول معجزات الرب يسوع في صالح المساطيل عندما حول الماء الي خمر (يوحنا 7:2) ومنذ ان جرت تلك المعجزه والخمر ما زالت تتدفق في العالم النصراني نص اخر ايضا يوقوله بولس رسولهم ناصحا بشرب الخمر ((لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا من اجل معدتك واسقامك الكثيره . (رساله بولس إلي ثيموساوس 23:5)واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالميين كتبه
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اخوكم bigstory1
===================
شبهة قول عائشة رضي الله عنها يابن أخي، هذا من عمل الكُتَّاب
د. غازي عناية
يقولون: روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سُئِلت عائشة عن لحن القرآن، عن قوله تعالى: (إن هذان لساحران) وعن قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) وعن قوله تعالى: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون). فقالت: يابن أخي، هذا من عمل الكُتَّاب، قد أخطأوا في الكتاب.
قال السيوطي في هذا الخبر: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ويقولون أيضاً: روي عن أبي َلَف مولى بني جُمَح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال: جئت أسألكِ عن آية في كتاب الله، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها؟ قالت: أيّةُ آية؟ قال: (والذين يؤتون ما آتوا) أو (الذين يأتون ما آتوا). قالت: أيهما أحب إليك؟ قلت: والذي نفسي بيده، لإحداهما أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً. قالت: أيهما؟ قلت: (والذين يأتون ما آتوا) فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها، وكذلك أُنزلت، ولكن الهجاء حرف.
ـ تفنيد هذه الشبهة:
أولاً: بأن هذه الروايات مهما يكن سندها صحيحاً، فإنها مخالفة للمتواتر القاطع، ومعارض القاطع ساقط مردود، فلا يلتفت إليها، ولا يعمل بها.
ثانياً: أنه قد نص في كتاب «إتحاف فضلاء البشر»، على أن لفظ (هذان) قد رسم في المصحف من غير ألف ولا ياء، ليحتمل وجوه القراءات الأربع فيها، وإذن فلا يعقل أن يقال أخطأ الكاتب، فإن الكاتب لم يكتب ألفاً، ولا ياءً. ولو كان هناك خطأ تعتقده عائشة ما كانت تنسبه للكاتب، بل كانت تنسبه لمن يقرأ بتشديد (إن)، وبالألف لفظاً في (هذان). ولم ينقل عن عائشة، ولا عن غيرها تخطئة من قرأ بما ذكر، وكيف تنكر هذه القراءة وهي متواترة مجمع عليها؟، بل هي قراءة الأكثر، ولها وجه فصيح في العربية لا يخفى على مثل عائشة. ذلك هو إلزام المثنى الألف في جميع حالاته. وجاء منه قول الشاعر العربي:
«واهاً لسلمى ثم واهاً واهاً يا ليتَ عَيناها لنا وفاها
وموضعَ الخلخال من رجلاها بثمن يَرْضَى به أباها
إنّ أباها وأبَا أباها قد بلغَا في المجدِ غايتاها».
فبعيدٌ عن عائشة أن تنكر تلك القراءة، ولو جاء بها وحدها رسم المصحف.(10/142)
ثالثاً: إن ما نسب إلى عائشة (رض) من تخطئة رسم المصحف في قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة) بالياء، مردود بما ذكره أبو حيان في البحر إذ يقول ما نصه: «وذكر عن عائشة (رض)، عن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف. ولا يصح ذلك عنهما، لأنها عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهور في لسان العرب. وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه، وغيره. وقال الزمخشري: «لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في خط المصحف. وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب (يريد كتاب سيبويه) ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعدَ همةً في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمةً يسدها من بعدهم، وخرقاً يرفوه مَن يلحقهم».
رابعاً: أنّ قراءة «الصابئون» بالواو، لم ينقل عن عائشة أنها خطّأتْ مَن يقرأ بها، ولم ينقل أنها كانت تقرأ بالياء دون الواو. فلا يعقل أن تكون خطأَتْ من كتب الواو.
خامساً: أنّ كلام عائشة في قوله تعالى: (يؤتون ما آتوا) لا يفيد إنكار هذه القراءة المتواترة المجمع عليها. بل قالت للسائل: أيهما أحبُّ إليك؟ ولا تحصر المسموع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قرأ هي به. بل قالت: إنه مسموع ومنزل فقط.
وهذا لا ينافي أن القراءة الأخرى مسموعة، ومنزلة كتلك. خصوصاً أنها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم . أما قولها: ولكن الهجاء حرف: فكلمة حرف مأخوذة من الحرف بمعنى القراءة، واللغة، والمعنى أن هذه القراءة المتواترة التي رسم بها المصحف، لغة، ووجه من وجوه الأداء في القرآن الكريم. ولا يصح أن تكون كلمة حرف في حديث عائشة مأخوذة من التحريف الذي هو الخطأ، وإلا كان حديثاً معارضاً للمتواتر، ومعارض القاطع ساقط.
===================
الرد العلمي على الطعن في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم
كتب "الشيخ الفلوجة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
نتناول في يأتي من سطور الرد على الطعن في نسب النبي صلى الله عليه وسلم استدلالا ببعض الروايات الساقطة الواردة في بعض كتب التراث التي كان أصحابها معروفين بعدم اقتصارهم على نقل الصحيح من الروايات بل كانوا إذا ذكروا الرواية بسندها لم يجدوا ضرورة في التعليق عليها لأن ذكر السند بمثابة ذكر الحكم على الرواية وإلا لماذا يتعب هؤلاء العلماء أنفسهم بذكر أسماء الرواة وأنسابهم وتعريفهم للقارئ فلو كانت هذه الروايات مقبولة كلها لما ذكروا لها سندا. الطعن مبني على ان عبد الله بن عبد المطلب وأبوه هاشم تزوجوا في نفس اليوم بينما ولد لهاشم سيدنا حمزة قبل أربع سنين من ولادة النبي بناء على أن حمزة رضي الله عنه أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم. الآن نورد الروايات التي تمسكوا وبها ونحققها بإذن الله.
1- الرواية الأولى: التي تتحدث أن عبد الله بن عبد المطلب وأبوه تزوجوا في نفس اليوم.
الطبقات الكبرى ج: 1 ص: 94
ذكر تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال وحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قالا كانت آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة فمشى اليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطلب وخطب اليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وهيب على نفسه فزوجه إياها فكان تزوج عبد المطلب بن هاشم وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس واحد فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد المطلب فكان حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب وأخاه من الرضاعة قال أخبرنا هشام بن محمد بن عن أبيه وعن أبي الفياض الخثعمي قالا لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أقام عندها ثلاثا وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها.
الرواية ساقطة لانها من رواية محمد بن عمر الواقدي قال عنه العلماء:
الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج: 3 ص: 87
3137 محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله الأسلمي الواقدي قاضي بغداد قال أحمد بن حنبل هو كذاب كان يقلب الأحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو ذا وقال يحيى ليس بثقة وقال مرة ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال البخاري والرازي والنسائي متروك الحديث وذكر الرازي والنسائي أنه كان يضع الحديث وقال الدراقطني فيه ضعف وقال ابن عدي احاديثه غير محفوظة والبلاء منه.
الرواية الثانية:(10/143)
المستدرك على الصحيحين ج: 2 ص: 656 مجمع الزوائد ج: 8 ص: 230
4176 أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن بن عباس عن أبيه قال قال عبد المطلب قدمنا اليمن في رحلة الشتاء فنزلنا على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزبور يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بدنك ما لم يكن عورة قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم نظر في الأخرى فقال أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى النبوة وأرى ذلك في بني زهرة فكيف ذلك فقلت لا أدري قال هل لك من شاعة قال قلت وما الشاعة قال زوجة قلت أما اليوم فلا قال إذا قدمت فتزوج فيهم فرجع عبد المطلب إلى مكة فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش حين تزوج عبد الله آمنة فلح عبد الله على أبيه قال الإمام الهيثمي مجمع الزوائد ج: 8 ص: 230 رواه الطبراني وفيه عبدالعزيز بن عمران وهو متروك
هذه الرواية كذلك ساقطة لأن فيه سندها عبدالعزيز بن عمران قال عنه العلماء
الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج: 2 ص: 111
1957 عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز أبو ثابت ويعرف بابن أبي ثابت المدني الزهري قال يحيى ليس بثقة وقال البخاري لا يكتب حديثه وقال النسائي متروك الحديث وقال الترمذي والدارقطني ضعيف وقال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير
كما أن لفظ تزوج لا تعني الدخول بل هي تعني إبرام العقد وقد يتأخر الدخول عن الزواج بسنين فالروايات ليس فيها أن عبد الله بن عبد المطلب وأبوه دخل كل واحد على زوجته في نفس اليوم حتى يكون هنا استعجاب من تأخر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عن عمه حمزة رضي الله عنه.
2- الرواية الثالثة: التي تفيد أن حمزة رضي الله عنه أكبر من النبي بأربع سنين
الطبقات الكبرى ج: 3 ص: 10
قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال كان حمزة معلما يوم بدر بريشة نعامة قال محمد بن عمر وحمل حمزة لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ وقتل رحمه الله يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وهو يومئذ بن تسع وخمسين سنة كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين وكان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير قتله وحشي بن حرب وشق بطنه وأخذ كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة بن ربيعة فمضغتها ثم لفضتها ثم جاءت فمثلت بحمزة وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك وبكبده مكة وكفن حمزة في بردة فجعلوا إذا خمروا بها رأسه بدت قدماه وإذا خمروا بها رجليه تنكشف عن وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا وجهه وجعل على رجليه الحرمل.
هذه الرواية ساقطة فقد اجتمع فيها محمد بن عمر الواقدي وقد قدمنا كلام العلماء فيه وكذلك موسى بن محمد بن إبراهيم وقد قال فيه العلماء:
أبو حاتم في كاتبه المجروحين ج: 2 ص: 241
موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من أهل المدينة يروي عن أبيه ما ليس من حديثه فلست أدري أكان المتعمد لذلك أو كان فيه غفلة فيأتي بالمناكير عن أبيه والمشاهير على التوهم وأيما كان فهو ساقط الاحتجاج.
3- الرواية الرابعة: حول طعن قريش في نسب النبي صلى الله عليه وسلم
سنن الترمذي ج: 5 ص: 584
3607 حدثنا يوسف بن موسى البغدادي حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال قلت ثم يا رسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم وخير صليت ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا قال أبو عيسى هذا حديث حسن وعبد الله بن الحارث هو أبو نوفل
أولا من بفهم من الرواية طعن قريش في نسب النبي صلى الله عليه وسلم هو جاهل باللغة العربية لأن الرواية تقول الأحساب جمع حسب ولا ذكر للنسب في الرواية ومعنى الحسب مخالف للنسب كما جاء في كتب اللغة:
مختار الصحاح ج: 1 ص: 57
و الحَسَبُ أيضا ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وقيل حسبه دينه وقيل ماله والرجل حَسِيبٌ وبابه ظرف وقال بن السكيت الحَسَبُ والكرم يكونان بدون الآباء والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء
النهاية في غريب الحديث ج: 1 ص: 381
الحَسب في الاصل . الشَّرَف بالآباء ومايَعُدُّه الناس من مَفاخرهم . وقيل الحَسب والكَرم يكونان في الرجُل وان لم يكن له آبَاء لهُم شَرف والشَّرف والمَجْد لايكونان إلاَّ بالآباء(10/144)
فهم أرادوا الانتقاص من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم في مفاخرهم ولهذا جعلوا النبي مثل النخلة وهي شيء مكرم عند العرب فالنبي عند قريش إنسان عظيم وجعلوا بني هاشم كالكبوة وهي أن تلقى الكناسة أي أن النبي كرجل فهو عظيم معروف بأخلاقه العالية لكن قبيلته لا مكانة لها وما يدل على ذلك صراحة الرواية التالية:
مجمع الزوائد ج: 8 ص: 215
وعن عبدالله بن عمر قال إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم هذه ابنة محمد فقال رجل من القوم إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ثم قام على القوم فقال ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إن الله عز وجل خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلى خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم رواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا انه قال فمن أحب العرب فلحبي أحبهم ومن أبغض العرب فلبغضي ابغضهم وفيه حماد بن واقد وهو ضعيف يعتبر به وبقية رجاله وثقوا
ونذكر رواية تذكر الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان معروفا لدى قريش في اليوم الذي ولد فيه أنه ابن عبد الله بن عبد المطلب:
المستدرك على الصحيحين ج: 2 ص: 656
4177 حدثنا أبو محمد عبد الله بن حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى الكناني حدثني أبي عن بن إسحاق قال كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما قالت ثم كان زفر قد سكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش يا معشر قريش هل الليلة مولود فقالوا والله ما نعلمه قال الله أكبر أما إذا أخطأكم فلا بأس فانظروا واحفظوا ما أقول لكم ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس لا يرضع ليلتين وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعيه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع القوم من مجلسهم وهم متعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا فالتقى القوم فقالوا هل سمعتم حديث اليهودي وهل بلغكم مولد هذا الغلام فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر قال فاذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقال اخرجي إلينا ابنك فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودي مغشيا عليه فلما أفاق قالوا ويلك ما لك قال ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل فرحتم به يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب وكان في النفر يومئذ الذين قال لهم اليهودي ما قال هشام بن الوليد بن المغيرة ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة شاب فوق المحتلم في نفر من بني مناف وغيرهم من قريش هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المدكل بمكة وقد صليت فيه وهي الدار التي كانت بعد مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد عقيل بن أبي طالب في أيدي ولده بعده
إذن قريش كانت تقر أن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب وفي صحيح مسلم في قصة صلح الحديبية دليل قاطع على عدم اعتراض قريش على نسب النبي صلى الله عليه وسلم:
صحيح مسلم ج: 3 ص: 1411
1784 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ثم أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم فقال اكتب من محمد رسول الله قالوا لو علمنا أنك رسول الله لأتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب من محمد بن عبد الله فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا
فقد اعترضت قريش على انه رسول الله وطلبوا منه كتابة اسمه واسم أبيه فكتب محمد بن عبد الله ولم يعترض أحد فأين الاعتراض المزعوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ونختم برواية صحيحة تذكر بوضوح كيف كان نسب النبي صلى الله عليه وسلم معروفا لدى العرب:
صحيح ابن خزيمة ج: 4 ص: 13(10/145)
2260 حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة يعني بن الفضل قال محمد بن إسحاق وهو بن يسار مولى مخرمة وحدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة قالت ثم لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها حين جاء النجاشي فذكر الحديث بطوله وقال في الحديث قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب قال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحيده ولنعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأن نعبد الله لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قالت فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من ثم الله فعبدنا الله وحده ولم نشرك به وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ثم ذكر باقي الحديث.
فنسب النبي كان معروفا لا اعتراض حوله جدير بالذكر أن هذه الواقعة التي كانت في بلاط النجاشي حضرها سيدنا عمرو بن العاص وهو كافر يومئذ جاء يسترد المسلمين الذي هاجروا إلى الحبشة وحاول في سبيل ذلك كل طاقته وهو سمع هذا الكلام وكيف أن نسب النبي صلى الله عليه وسلم معروف لا اعتراض عليه وقد سكت ولم يعترض فأن الاعتراض المزعوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
في الأخير ارجوا أني قد وفقت إلى الرد على هذا الافتراء فإن كان حقا فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين
لا تنسونا من صالح دعائكم
===================
ردود تاريخية وحديثية على جولدزيهر
الحمد لله والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن ولاه، وبعد فقد رد العلماء على المستشرق اليهودي جولدزيهر في كتاباته التي ذم فيها الأمويين بناء على نقولات زائفة وأقوال مغرضة، رمى أصحابها إلى تمزيق الأمة وطعن رجالاتها ولعن بعضها ، ونشر الكلام الذي لا مصلحة لأحد فيه إلا للعدو من اليهود والنصارى والفرق الضالة، وقد نقل علماؤنا الثقات حقائق ثابتة ترد على تلك الافتراءات الباطلة.
ورد في طبقات ابن سعد - رحمه الله - ما يدل على نسك عبد الملك بن مروان وعلمه وعبادته وتقواه قبل خلافته، حتى إنه كان يلقب بحمامة المسجد، ولما سئل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أرأيت إذا تفانى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نسأل ؟ فأجابهم: سلوا هذا الفتى . مشيرًا إلى عبد الملك بن مروان .
وأما بعد خلافته فقد كان حريصًا على إرشاد العلماء وطلاب العلم إلى تتبع السنن والآثار .
ولما جاء الناس لمبايعته بالخلافة كان يتلو كتاب الله عز وجل على مصباح ضئيل، زهدًا وتقللاً وبعدًا عن رغد الحياة ولذائذها .
وقل مثل هذا في الوليد بن عبد الملك ، فقد أنشئت في عصره أكثر المساجد المعروفة اليوم . وهذا الكلام لا يعني أنهم كانوا خلفاء راشدين - كلا - ولكن كانت لهم أخطاء وتجاوزات، وكانت لهم حسنات وإيجابيات، ثم إن التاريخ يذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأمويين، حتى إن رقعة الإسلام لم تزد كثيرًا في العصر العباسي عمَّا كانت عليه في العصر الأموي، والفضل في ذلك كله لله سبحانه وتعالى ثم للأمويين خلفاء وقادة، فقد كان أبناء خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة لإعلاء كلمة الله عز وجل ونشر دينه ورفع الظلم عن العباد .
إن كلام المستشرقين عن وضع الحديث من قبل العلماء والحكام الأمويين لا أساس له من الصحة ، وإذا تجرأ بعض المغفلين وبعض الخاطئين من الفرق الضالة على وضع بعض الأحاديث لنصر أفكارهم أو الطعن في مخالفيهم، فإن ذلك في نطاق ضيق جدًا، وقد تصدى لهم علماء الإسلام وكشفوا تلك المحاولات وأخضعوا كل الأحاديث للفحص الدقيق ومعرفة الرواة كلهم، فلم يثبت إلا الصحيح، وعرف الموضوع من المسند المرفوع، والصحيح من الضعيف .
لقد كان هناك عداء بين الخلفاء وزعماء الطوائف المنشقة عن جماعة المسلمين كالخوارج، والرافضة، والمعتزلة، والزنادقة .
لكن هذه الطوائف لم تنهض لجمع الحديث ونقده وتدوينه وفق منهج أهل السنة، إنما الذين فعلوا ذلك هم العلماء والحفاظ والأئمة الأتقياء أمثال فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم المخزومي، وعبيد ا لله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،و خارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، ونافع بن شهاب الزهري، وعطاء بن أبي رباح، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعلقمة بن الأسود، والحسن البصري وغيرهم رضي الله عنهم .(10/146)
وهؤلاء العلماء لم يصطدموا مع الأمويين في معارك ونزاعات إلا ما كان من سعيد بن المسيب - رحمه الله - وجفائه لعبد الملك بن مروان بسبب طلب عبد الملك البيعة لابنه الوليد ثم لسليمان من بعده، فأبى سعيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في وقت واحد ، فهذا سبب الجفاء، ولا نعلم خلافًا بين سعيد بن المسيب وخلفاء بني أمية قبل هذه الحادثة .
- كما وقع بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبعض العلماء شيء من ذلك سببه اشتداد الحجاج في مقاومة خصوم بني أمية مما أوقعه ذلك في كثير من الظلم والعدوان.
- ومما يزيد في تهافت دعوى هذا المستشرق اتخاذه عداء ابن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب ووضع الحديث، في الوقت الذي لا يذكر شيئًا عن سعيد في مسألة الوضع المزعومة، وكان من اللازم في قياس المستشرق أن يكون ابن المسيب على رأس قائمة الوضاعين، لكنه لم يذكر ذلك؛ لأنه لا يملك دليلاً عليه .
- لقد جهل هؤلاء المستشرقون أو تجاهلوا صفات علماء الإسلام وأخلاقهم وخصائصهم من الترفع عن الكذب، والتحلي بالصدق والأمانة والاستقامة.
- لقد ادعى المستشرق جولدزيهر أن الحكام الأمويين وضعوا الأحاديث كما وضعها خصومهم، ولم يستطع هذا المستشرق ولا غيره أن يذكروا حديثًا واحدًا مما وضعه الحكام الأمويين .
- لكن جولدزيهر كشف عن جهله وقصور علمه في حقائق الإسلام وعلومه، حين زعم أن اختلاف الحديث وتعارض بعضه فيما يبدو أحيانًا دليل على حصول الوضع في الحديث .
وهذا جهل فظيع قد ينطلي على من ليس له باع في علم الحديث، لكن العلماء ذكروا أسباب الاختلاف والتعارض الشكلي والظاهري بين بعض الأحاديث، ومنها:
1- أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز، فيروي صحابي ما شاهده في الحالة الأولى، ويروي الثاني ما شاهده في الحالة الثانية كأحاديث صلاة الوتر أنها سبع ركعات أو تسع أو إحدى عشرة .
2- اختلاف الصحابة في حكاية حال شاهدوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: اختلافهم في حجته صلى الله عليه وسلم هل كان فيها قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا؟ والحالات الثلاث جائزة ومشروعة مأخوذة من النصوص الشرعية .
3- اختلاف الصحابة في فهم المراد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يفهم الوجوب وذاك يفهم الاستحباب.
4- أن يسمع الصحابي حكمًا جديدًا ناسخًا لحكم سابق ولا يكون الصحابي الآخر قد سمع ذلك الحكم الجديد، فيظل يروي الحكم الأول على ما سمع .
وغير ذلك من الأسباب العلمية والدينية والواقعية التي ظن المستشرقون أنها ذريعة لافتراءاتهم .
والخلاصة: أنه يجب على كل مسلم، بل وكل عاقل أن لا يقبل الاتهامات والافتراءات الموجهة إلى الإسلام أو غيره إلا بعد أن يدرس ويبحث في الدين أو الأمر المفترى عليه، فالمستشرقون يتظاهرون بالبحث والإنصاف والموضوعية، وهم بعيدون ذلك، إنما تسوقهم الأهواء والأحقاد والخيالات الفاسدة . والواقع الذي عاشوه ورأوه في كنائسهم وعلمائهم ودينهم المحرف المرفوض
===================
علماء أستراليون يستخرجون مضادات حيوية من الذباب
فليخسأ الحاقدون
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني عتبة بن مسلم قال أخبرني عبيد بن حنين قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول
قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء
صحيح البخاري حديث رقم 3073
صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم
كذب الحاقدون من اصحاب العمائم السوداء , وها هي الحقيقة اليوم واضحة امام المخدوعين من عامة النصارى الذين ربما لم يرو الدراسات السابقة التي اكدت وجود مضادات حيوية في الذباب , أمامهم الآن اكتشاف آخر أجلي وأوضح من التي سبقت ... علماء من هيئة علمية استرالية يؤكدون ما قد اخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن في احدي جناحي الذباب داء والأخرى شفاء ... فهل يؤمن الحاقدون ام يتكبرون علي الحق ,, الحق الذي وعد الله ان يريه للجميع من خلال آياته في الآفاق وفي الأنفس
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
( فصلت :53 )
عنوان الموضوع
The new buzz on antibiotics
موقع أي بي سي
http://www.abc.net.au/science/news/stories/s689400.htm
ترجمة – محمود أباشيخ
ان ظهر الذباب هو آخر مكان تتوقعه ان تجد فيه علي مضادات حيوية , ومع ذلك ذاك هو المكان بالتحديد الذي يركز عليه فريق من باحثين استراليون
وذلك بناءا علي نظرية حتمية امتلاك الذباب مضادات للجراثيم فعالة للحفاظ علي حياتها في بيئة الروث واللحم أو الفواكه المتعفنة, والفريق من قسم علوم الأحياء بجامعة ماكوري يقوم حاليا بدراسة للتعرف علي خاصية تلك المضادات واختلافها في المراحل المختلفة لنمو الذباب(10/147)
وقالت السيدة جوان كلارك : ان بحثنا جزء صغير من ابحاث وجهود عالمية للحصول علي مضادات حيوية جديدة , ونعتقد اننا نبحث حيث لم يبحث فيه احد من قبل
السيدة جوان كلارك هي التي تولت تقديم الاكتشاف نيابة عن الباحثين في مؤتمر جمعية علم الأحياء المجهري عقد في ماربون ويعتبر هذا الموضوع جزء من رسالة الدكتوراه التي تحضرها
العلماء قاموا باختبار اربعة اصناف من الذباب : ذبابة المنزلية , ذبابة اللحم , ذبابة الفواكه والكنترول .. والنوع الأخير من صنف ذبابة الفاكهة في كوينسلاند وتضع بيضها علي الفواكه الطازجة.احتياج هذه اليرقات للمضادات أقل من الاصناف الأخرى لقلة ملاقاتها للجراثيم
الذباب تمر بعدة أطوار في دورة حياتها بداية من مرحلة اليرقة ثم مرحلة الشرنقة الي ان تدخل مرحلة الحشرة الكاملة أو طور البلوغ , وخلال طور الشرنقة الذباب يكون محاطا ب بغلاف محمي ولا تتغذي , وأضافت السيدة جوان كلارك انهم توقعوا قلة انتاج المضادات في هذا الطور
ولكن خلال طور الشرنقة لم تظهر الأصناف الأربعة خصائص المضادات الحيوية سوي صنف كنترول الذي التابع لصنف الفواكه في كوينسلاند بينما جميع الاصناف افرزت مضادات في طور البلوغ ( لأنها في هذا الطور تكون في حاجة الي حماية مضادات الجرثومية لكثرة تحركها وملاقاة الحشرات الأخرى
خصائص المضادات وجدت في جميع الأنواع الأربع, وذكرت جوان ان المضادات تظهر ايضا في احشاء الذبابة كما تظهر خارج الجسم وسبب تركيزنا علي خارج الجسم هو فقط للسهولة عملية الاستخراج
ويتم استخلاص المضادات عن طريق وضع الذبابة في الكحول الأثيلي ثم يتم استخلاص مادة المضاد الخام بتمرير مركب المحلول خلال مرشح ( فبلتر )
وعند وضع المضاد الحيوي المستخرج من الذباب في محلول ملوث بشتى انواع البكتيريا مثل اي كولاي , جولدين ستاف ( معروف ايضا ب ستافلوكوكس ) وخميرة الكانديدا ومعديات أخري .. وفي كل الحالات لوحظ فعالية المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب )
واضافت السيدة جوان كلارك قائلة " اننا حاليا نحاول التعرف علي مكونات المضاد الحيوي لإنتاجه كيميائيا. ولأن المركب ليس مستخرجا من بكتيريا لن يكن سهلا للبكتيريا ان تكون مناعة ضد المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب ) ونأمل ان يكون لهذه المضادات فعالية علاجية لمدة طويلة
===================
ورقة ابن نوفل المعلم المزعوم
بقلم عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
تفنيد مزاعم كتابي الإسلام دعوة نصرانية وقس ونبى
كتابان مشهوران جداً يعتبران من أعمدة كتب المنصرين و(( الباحثين )) النصارى في الديانة الإسلامية حول مصادر القرآن الكريم.
الكتاب الأول: قس ونبي ، بحث في نشأة الإسلام . لأبي موسى الحريري.
الكتاب الثاني : القرآن دعوة نصرانية ، في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي . للأستاذ الحداد.
وكما ترون فإن كلا الكتابين لم يصرح المؤلفان باسميهما ... ولكن .. لا بأس من التعريف بهما
مؤلف كتاب : قس ونبي . هو الأب ج. قزي ، مدرس جامعي معروف في إحدى أشهر الجامعات التبشيرية في أحد بلاد الشام. وما زال على قيد الحياة إلى الآن .
أما مؤلف كتاب : القرآن دعوة نصرانية هو الأب يوسف درة الحداد .. ولد في يبرود في سوريا سنة 1913 وتوفي سنة 1979درس اللاهوت في القدس.
ولكنه قبيل وفاته جمدت الكنيسة التي يتبعها نشاطاته لأنها وجدت في كتابه اقتباسات كثيرة من القرآن فخشيت على الرعية من أن يتبدل فكرها أكثر من الفائدة المتوخاة من الكتاب!!!
وهذه حكمة الله تعالى ودرس لأمثاله لعلهم يتعظون..
ومدحه الأب جورج فاخوري البولسي ( ما زال على قيد الحياة ) ولكنه تحفظ على بعض الشوائب التقنية في الكتاب . كما صرح بذلك في الصفحة 281 من الطبعة الثالثة من الكتاب التي صدرت سنة 1993.
الكاتبان أنهكا نفسيهما في إثبات العلاقة بين الإسلام والنصرانية وكيف أن الإسلام اقتبس منها.
كتاب الحريري أقرب إلى الموضوعية الأكاديمية إلا أنه في نفس الوقت الأقسى عبارة.
ولننتقل إلى أهم ما في كتابيهما وهو ورقة بن نوفل.
قال الحداد: " القرآن كله دعوة نصرانية . وقد درس محمد هذه الدعوة مدة خمس عشرة سنة بعد زواجه من خديجة، ثرية مكة ، على يد ورقة بن نوفل " ص11
أما الحريري: " القس اختار محمداً وتبناه " ص65.
ولكن كلا الكتابين لما يتحفانا بذكر نبذة كاملة عن حياة ورقة.. رغم أنه أساس الكتابين وهذا خلل منهجي خطير في الكتابين .. يؤكد سوء نية الكاتبين ووجود مواقف في سيرة ورقة يريدان إخفاءها.
والذي يعنينا هو تاريخ ولادة ورقة..
ولد ورقة سنة 508 للميلاد وتوفي سنة 611 للميلاد. وهذا التاريخ مهم لنبحث في مدى ( صدق ) حضرة الأبوين.
لما ولد سيدنا محمد كان عمر ورقة ( 60 عاما ) .
أي تزوج سيدنا محمد من خديجة وعمر ورقة ( 85 عاما ).
وبعث سيدنا محمد وعمر ورقة ( 100 عام ). وكان أعمى حينها.
يقولون انتحر محمد بعد وفاة ورقة.(10/148)
أي أن الدعوة الإسلامية والعهد النبوي استمر ( 4 أعوام ).
وهذا إعجاز ( زماني ) حققه سيدنا محمد نشكرهم على جهدهم في إثباته !!.
ماذا كان دين قس مكة العريق في النصرانية ؟؟!!
جاء في البداية والنهاية لابن كثير : 2/340:
" أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وزيد بن عمرو بن نفيل وعبدالله بن جحش بن رئاب وعثمان بن الحويرث كانوا ثم صنم لهم يجتمعون إليه قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا كانوا يعظمونه وينحرون له الجزور ثم يأكلون ويشربون الخمر ويعكفون عليه فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوبا على وجهه فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب الثالثة فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك فقال عثمان بن الحويرث ماله قد أكثر التنكس إن هذا لأمر قد حدث وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عثمان يقول أيا صنم العيد الذي صف حوله صناديد وفد من بعيد ومن قرب تنكست مغلوبا فما ذاك قل لنا أذاك سفيه أم تنكست للعتب ... ".
إذن ورقة ظل يعبد الأصنام طيلة 60 سنة .
وأكد تلك الحادثة يوم ولادة سيدنا محمد في السيرة الحلبية : 1/116 " وذكر أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن جحش كانوا يجتمعون إلى صنم فدخلوا عليه ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوه منكسا على وجهه فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب انقلابا عنيفا فردوه فانقلب كذلك الثالثة ".
خرج ورقة بن نوفل يطلب الدين الأصح بعد أن استمر في عبادة الأصنام 60 سنة ، فما الدين الذي اتبعه ؟
جاء في الاستيعاب في أثناء الحديث عن زيد بن عمرو ( أحد مصادر القرآن بحسب الزملاء النصارى ) 2/616 " ومن خبره في ذلك خرج في الجاهلية يطلب الدين هو وورقة بن نوفل فلقيا اليهود فعرضت عليهما يهود دينهم فتهود ورقة .
ثم لقيا النصارى فعرضوا عليهما دينهم فترك ورقة اليهودية وتنصر وأبى زيد بن عمرو أن يأتي شيئا من ذلك وقال : ما هذا إلا كدين قومنا نشرك ويشركون... ".
هل لاحظتم زيد بن عمرو اعتبر النصرانية شرك لا يختلف عن شرك المشركين .. قارنوا ذلك بعقيدة ورقة مصدر القرآن..
فلننتقل الآن إلى مناقشة وضع ورقة كأستاذ عميق في النصرانية ..
حقيقة الموقف بهدوء وموضوعية ...
عبد ورقة وأصحابه الأصنام ستين عاماً ولم يطلعوا على أي كتاب من الأديان الأخرى
انقلب الصنم الذي كانوا يعبدونه بعد ولادة سيدنا محمد
خرج في رحلة البحث عن الحقيقة كل من ورقة وزيد بحثا عن الدين الحنيف ( المستقيم )
تهودا لما التقيا باليهود وتعلما على يديهما
هل تهودا في لحظة ؟!
من المؤكد أنهما بقيا عند اليهود ليتعلما
ثم التقيا بعض النصارى الذين عرضوا دينهم
رفض زيد النصرانية لأنها ديانة تقوم على الشرك.
وافق ورقة .
نفهم من هنا من خلال دراسة شخصية ورقة أن شخصيته لينة سهلة الانقياد للآخرين
بينما لزيد شخصية قوية.
وأيضاً: ورقة لم يكن عنده تلك الخلفية الثقافية التي تؤهله أن يحكم في صحة الأديان.
بسهولة غادر اليهودية واعتنق المسيحية ولا أدري ماذا كان سيفعل لو قابل هندياً ؟!
المهم:
لاحظ تناقض الحداد في أثناء حديثه عن تأثر محمد بالموحدين ... ذكر معلمي محمد من الموحدين:
قس بن ساعدة 29 كلمة ، أسعد الحميري32 ، المتلمس40 ، سيف بن ذي يزن 41 ، صرمة 66 ، وكيع 117 ، زيد بن عمرو 270 ، أمية بن الصلت 493.
أما ورقة المسكين فقط ( 23 كلمة ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
وعاد وذكرهم ص272 ولم يذكر ورقة بينهم ؟؟!!
وقد يقول قائل ربما الأستاذ الحداد قصد أنه نصراني وليس موحداً فنقول له قد وقع في تناقض لأنه قال ص145:" وورقة بن نوفل .. الذي ربما تنصر ".
وفي ص149 اقرأ بتأمل " .. ورقة بن نوفل ، ابن عم خديجة ، ذاك القس الحنيف المتنصر (؟) الذي ترجم الإنجيل ". [ علامة الاستفهام منه ونحن نضع أمامها !! ]
وكان زميله الحريري أشجع منه فقد صرح في فصل عنوانه " نصرانية القس ورقة "
ما شاء الله ، إن دين النصارى يصل فيه الإنسان إلى أعلى المراتب بسرعة البرق !!
صار ورقة ( قس مكة ) في زمن قياسي وبعد تقلبه بين الوثنية واليهودية !!؟؟!!
وانظر إلى عبارته التي أدان نفسه بها بنفسه
" لقد قيل عن القس ورقة أنه كان على دين موسى ثم صار على دين عيسى.. " ص16.
( قيل ) أي أنه يشك في ذلك وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ثم يذكر أن الحنيفية هي التحنث وهي الأبيونية وهي النصرانية.
والنصرانية هي الإسلام ؟؟!! انظر: الحريري ص109 وما بعدها.
" إن التحنث أو التعبد أو الصوم و الخلوة عادة نصرانية " الحريري ص289.
ولاحظ القنبلة التي فجرها بعد أن أعمى الله بصيرته ..
ففد نقل عن ابن الأثير أن أول من تحنث هو عبد المطلب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!(10/149)
ثم تناقض الحداد معلنا أن الحنيفية هي المسيحية " أطلقوا على دعوتهم للنصرانية باسم الحنيفية وسموا التعبد والصيام على طريقتهم : التحنف " ص289.
ولاحظ المسكين الذي تشفق عليه عندما تقرأ: " ولكن جماعة من العقول من المستقلة أبت أن تقبل اليهودية والنصرانية كما هما بل اكتفت بعبادة الله... وهؤلاء أطلق عليهم الشعب لفظ حنفاء ". ص142.
يبدو أنه ينسى ما يكتبه أو كتبه بعد أن شرب ( كأسا ) منعشاً . ما هذا التناقض يا حضرة الأب المحترم؟!
ولا حول ولا قوة إلا بالله تشفق على المسكين عندما تقرأ عبارته " اقتران التحنف باسم قس مكة ، ورقة بن نوفل ، برهان على نصرانيته ".
أعود وأؤكد لكم أني لا أجرّح بورقة البريء من كل تلك الخزعبلات
ماذا كانت مهمة ورقة ؟؟!!
لقد كان يترجم الإنجيل إلى العربية وهذا الإنجيل المترجم كان يلقيه على تلميذه محمد فأصبح قرآناً.
فقط .. أرأيتم ما أسهل تلك المهمة المقنعة.
يقول الحريري " نذكر بمهمة القس ورقة التي عُرف بها ولم يُعرف بغيرها .. أن القس ورقة كان ينقل الإنجيل العبراني إلى العربية ". ص71.
" أما النجاح الثاني الذي تحقق على يد القس فيقوم على نقل الإنجيل العبراني إلى لسان عربية مبين وسُميَ النقل قرآناً . والقرآن في الحقيقة القراءة العربية للكتاب العبراني ". ص20.
ولكن الحريري ناقض نفسه عندما تحدث عن ترجمات الإنجيل العبراني.. " وضع في الأصل باللغة الآرامية ثم نقل إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية وربما إلى العربية ". ص72.
ربما : يبني عليها بناءه المتين
هنيئا لكم بهذا المدرس الجامعي العلمي ... ؟!
أما الحداد فقد ذكر نقلا عن الصحيحين " ورقة بن نوفل ، قس مكة ، كان يترجم الكتاب والإنجيل من العبرانية إلى العربية ، وذلك بجوار محمد وحضوره ". ص211. أي صحيحين يقصد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
محمد كان بجوار ورقة أثناء ترجمة الإنجيل ؟؟!!
ورقة انتظر حتى صار عمره 100 سنة فقام بترجمة الإنجيل.
لو كان ورقة هو النبي الحقيقي ( كما ذكر الحريري أكثر من مرة في كتابه ) فلماذا تأخر كل تلك الفترة في ترجمة الإنجيل ؟!
ألم يخش أن يتوفاه الله قبل أن يلتقي بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟! كل هذه الدرر كانت موجودة لدى ورقة ولم يفرج عنها إلا بحضور محمد ؟!
والحقيقة تقول إن الإنجيل لم يترجمه إلى العربية أحد في عصر النبوة ولا قبله.
الحقيقة يا سادة نشرتها دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ، ومجلس كنائس الشرق الأوسط في كتابهم المليء بصور فلسطين ( عدا المسجد الأقصى ؟؟؟!!! ) وعنوان الكتاب : المرشد إلى الكتاب المقدس ، طبعة 1996م.
أول ترجمات الإنجيل إلى العربية:
يقول ص 79:
" عام 639م طلب القائد العربي عمر بن سعد بن أبي وقاص من البطريرك اليعقوبي يوحنا أن يضع ترجمة للإنجيل في اللغة العربية ربما تم ذلك حوالي ذلك التاريخ ...
عام 867م أعمال الرسل والرسائل كلها ، مكتبة سانت كاترين ، سيناء ..........
حوالي سنة 930م أسفار التوراة الخمسة وأشعيا ، قام بها العالم اليهودي سعيد الفيومي...
وأول ترجمة كاملة للكتاب المقدس بعهديه تمت في روما ... وعرفت بالبروباغاندا !! ".
هل مجلس الكنائس أصدق أم الأبوين الكريمين أصدق ؟؟!!
أشفق عليكم يا من يلعب بكم هؤلاء وهؤلاء !!
لماذا لم يشر مجلس الكنائس العالمي إلى ورقة ولو بإشارة ؟؟!!!!
أطلت عليكم في الحديث عن ورقة وأسأل الله تعالى أن ييسر لي متابعة الحديث عن علاقة ورقة بزواج سيدنا محمد بخديجة وعلاقته بالوحي ، ونتعرف على شخصية جديدة من شخوص هذه الرواية هي شخصية عداس بن مرداس....
وسنجد هنالك تناقضات تكاد تقتل قارئها من الضحك
دور المزعوم لورقة في زواج السيدة خديجة بسيد البشر محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام:
ذكر الحريري ص 37 أن أبا طالب (( ألح )) على سيدنا محمد أن يعمل عند خديجة رضي الله عنها .. ثم أعجبت السيدة خديجة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه الزواج.
ويبالغ في ذكر تأثير أبي طالب على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ص38 معبراً عنه بـ " المخطط الذي يتنفذ على يد أبي طالب وخديجة .. ولم تبخل علينا كتب السير والأخبار فيما كان عليه القس والعم والزوج. لقد كان لكل منهم دوره فيما دبّر الله على أيديهم ".
حسناً لقد طلب منا الرجوع إلى كتب السير والأخبار .. وله ما يريد حضرة المدرس الجامعي الصادق جداً..(10/150)
جاء في السيرة الحلبية 1 / 226 : " أن خديجة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أذهب إلى عمك فقل له تعجل إلينا بالغداة فلما جاءها معه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت له يا أبا طالب تدخل على عمي فكلمه يزوجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله فقال أبو طالب يا خديجة لا تستهزئى فقالت هذا صنع الله فقام فذهب وجاء مع عشرة من قومه إلى عمها .. وخطب أبو طالب يومئذ فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد أي معدنه وعنصر مضر أي أصله وجعلنا حضنة بيته أي المتكفلين بشأنه وسواس حرمه أي القائمين بخدمته وجعله لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله إثنتي عشرة أوقية ونشا أي وهو عشرون درهما والأوقية أربعون درهماً .... وعند ذلك قال عمها عمرو بن اسد هو الفحل لا يقدع كلاهما وأنكحها منه وقيل قائل ذلك ورقة بن نوفل اي فإنه بعد أن خطب أبو طالب بما تقدم خطب ورقة فقال الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا ينكر العرب فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا على معاشر قريش إني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله وذكر المهر فقال أبو طالب قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها اشهدوا على معاشر قريش أنى قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وأولم عليها صلى الله عليه وسلم نحر جزورا ".
ها قد رجعنا يا حضرة الأب فقل لنا ما عندك ؟!
قال الأب الحريري ص38: " وعندما بلغت الساعة الحاسمة أرسلت خديجة إلى أعمامها فحضروا وأرسل محمد إلى أعمامه فحضروا ... وخطب ولي أمره أبو طالب وقال : ... وخطب القس ورقة ولي أمر خديجة وقال: الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت ، وفضّلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها . وأنتم أهل ذلك كله لا ينكر العرب فضلكم فاشهدوا عليّ يا معشر قريش. إني زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله . وفرح أبو طالب فرحاً شديداً وقال : الحمد لله ... وهو بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير ".
فلنقارن بين ما قاله القزي الصادق المصدَّق وبين ما جاء في السيرة :
1. ورد في السيرة أن أبا طالب قال لخديجة لما أخبرته بعزمها الزواج من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " يا خديجة لا تستهزئي ". أي أنه لم يكن من ( المخططين ) لهذا الزواج .
2. ورد في السيرة قبل هذه الفقرة ذكر للوسطاء بين السيدة خديجة وسيدنا محمد لإقناعه بالزواج ومنهم نفيسة بنت منية وغلامها ميسرة وغيرهما ولم أجد في أي مرجع من مراجع السيرة ذكر للوسيط ورقة.
3. ادعاؤه بأن ورقة هو ولي أمر خديجة وهذا ما تنفيه كل كتب السيرة . كيف يكون ورقة ولي أمرها وعمها موجود ؟؟!!
4. والذي يؤكد ذلك أن أبا طالب رفض حديث ورقة ( الذي تكلم بصفته عضوا في الوفد ليس أكثر ) والدليل على استياء أبي طالب من حديث ورقة قوله بعد أن أنهى ورقة حديثه: " قد أحببت أن يشركك عمها " ولهذا لم يتم عقد الزواج إلى بعد موافقة عمها الصريحة.
5. اشتراط موافقة ولي أمر خديجة ( عمها ) والمهر دليل على أن الزواج لم يكن حسب شريعة النصارى.
6. لاحظوا النص الذي ذكره ( أرسلت خديجة إلى أعمامها فحضروا ) وورقة ليس من أعمامها بل لم يُذكر ( رغم حضوره مع الوفد ) لأن وجوده أقل أهمية من وجودهم..
7. ليس لورقة كل تلك القداسة والهالة والاحترام لدى قريش بل ولدى أقاربه وهذا مهم كما سيمر معنا قريباً.
8. أخفى الحريري بخبث شديد وأمانة علمية منقطعة النظير قول ورقة: " ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم "... بل حوّر الكلام بحيث يصبح الشرف والمكانة لورقة وأهله أسمى مما لبني هاشم كما هو متواتر في التاريخ .
9. كما حذف اعتراض أبي طالب على حديث ورقة.. فكيف دبرا أمر الزواج إذاً ؟؟ ولماذا حذفه ؟؟
10. وأخبث عبارة قالها الحريري كانت في نهاية الفقرة : " بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير " من أين جاء بكلمة ( الزواج ) ؟؟؟؟!!!!!!!!!
ظن المسكين الذي يجهل تعابير العربية أن ( بعد ) معناها ( الأمر التالي ) ولكن المعنى الصحيح هو ( فوق ) لأن أبا طالب كان يذكر ذلك أثناء افتخاره بنسبه وأخلاق محمد ... أي محمد فوق كل ذلك له كذا وكذا من الصفات..
ولاحظوا تلك الخباثة المنقطعة النظير : لقد جعل عبارة " بعد هذا ( الزواج ) له نبأ عظيم وشأن خطير " في آخر خطبة أبي طالب مع انها كانت في وسطها.(10/151)
ويمضي المسكين في خيالاته وأوهامه: " يلاحظ ثانية أن القس لم يكن حاضراً حفلة الزواج ومتقدما على الحاضرين وحسب بل كان محتفلا بالعقد ومكللا فهو الذي أبرم العقد وشهد عليه وأعلن على الحضور ما جرى هو المحتفل الأول بالعقد أو قل هو الكاهن الذي ربط باسم الله ما لا يحل إنسان بحسب تعاليم الإبيونيين كاهن نصراني يبارك الزواج فعلى أي دين يكون الزوجان إذن ".
أسئلة :
1. هل التكليل في بيت خديجة أم في الكنيسة ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!
2. لماذا أصر أبو طالب أن يصدر الموافقة على الزواج من عم خديجة.
3. لا يوجد في كلام ورقة أي حرف يدل على النصرانية .. وأين اختفت عبارات التكليل المعروفة ؟؟
4. هل المهر والصداق المتقدم والمتأخر موجود عند النصارى ؟؟؟؟؟؟؟؟
5. هل سأل الكاهن المكلل الحاضرين : من له اعتراض على الزواج فليتكلم ، أو ليصمت إلى الأبد ؟؟
6. تلميح الحريري إلى أن الزواج كان نصرانياً . والدليل عدم زواج محمد على خديجة يتناقض مع ما ذكره وأخوه الحداد في مقدمة كتابيهما ـ في أن الإسلام مأخوذ عن الهراطقة ـ أن النصرانية بدعة لا تمانع تعدد الزوجات ؟؟؟؟
فكر الحريري وجمع قواه ثم نطق باثاً سموم حقده مستنتجا ما حاول التأسيس له من قواعد باطلة بأدلة واهية ظاناً أن كل الطير يؤكل لحمه . معتبراً أن ما يصدق على مصادر دينه لابد أن يصدق على مصادر الدين الحق ...
قال الحريري الصادق ص41 : " مهما كان جريئاً لا يخطر بباله وهو الخادم أن يتزوج من سيدته التي أشفقت عليه واستخدمته في تجارتها وقد كان قومها قد طلبوها للنكاح قبل ذلك ورفضت وذكروا لها الأموال فلم تقبل . لن يكون لمحمد ذلك لولا دافع دبَّر له المناسب . ومن يكون هذا الدافع غير القس ؟ فلولا ذاك القس لما كان ما كان ، ومتى أراد القس شيئاً كان ".
وهذا ذكرني بقوله ص54: " القس قدير على كل شيء في كل حال ".
الرد:
1. ناقض نفسه ( كعادتهم ) فقد ذكر هو بنفسه وساطة نفيسة لتقنع سيدنا محمد بالزواج من خديجة ومن بعث نفيسة سوى خديجة رضي الله عنها.
2. رفضت الزواج من قومها الأغنياء رفضا طبيعيا لأنها غنية ولا تريد المال. بل تريد الصدق والطهارة العفة ومكارم الأخلاق التي وجدتها في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
3. عبارته : وهو الخادم ، سيدته ... من قال أنه الخادم وهي السيدة ؟
بل كان وكيل أعمالها .. موظفاً مسؤولاً في شركتها ( بحسب تعابيرنا ) وهل كل الموظفين خدم ؟!
لاحظوا بالله عليكم عبارات الحقد والغيظ من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهل الثروة هي التي تحكم على الإنسان ؟؟
لو كان الحريري مسيحياً حقيقياً لآمن بأن المال ما هو إلا شيطان وما الثروة بمقياس يقاس به الشريف والوضيع إلا عند .......... !!!!!!!!!
ما هذا الكلام يا حريري ص61: " القس دبر ، والزوجة نفذت ، والعم عضد ، والنبي استسلم لإرادة الله. على هؤلاء قامت الدعوة الجديدة ".
وفي ص 39 يذكر الحريري المتناقض أن أبا خديجة رفض فقالت له : " أما تستحي ؟ تريد أن تسفه نفسك عند قريش ؟ فلم تزل به حتى رضي ".
لماذا لم تتوجه إلى الزعيم القس الذي يقول للشيء كن فيكون ؟؟!!
ولماذا لم تخبر أباها أن تلك إرادة ورقة سيدك وأبوك وقس كنيستك المطاع ؟
لاحظ معي يا زميلي الاضطراب الشديد عند من وصفهم الله تعالى في سورة الفاتحة بوصفهم الأليق بهم..
يقول ص40 بعد أن ذكر القصة المعروفة في محاولة رقية أخت القس ورقة الزواج بعبد الله بن عبد المطلب أو على الأقل الحمل منه بولد ولو سفاحاً حيث سحبت ثوبه تريد مضاجعته ولكنه أبى.. رغم عرضها المغري بذبائح سخية من الإبل.
" ونلاحظ .. كيفية زواج والد محمد المدعو عبد الله (؟) [ علامة السؤال من عنده ] .. وقد عرضت رقية أخت القس ورقة نفسها عليه .. إلا أنها لم توفق بالزواج من عبد الله ".
هذا هو ورقة الذي إذا أراد شيئاً كان ؟؟ ما هذا التناقض .
بل نفس ورقة كان قد خطب خديجة ولكنها لم توافق عليه كما هو معروف ومشتهر في كتب السيرة. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 8 / 14.
فكيف ينسجم هذا مع أحلام الأستاذ الجامعي المحترم ؟
الحداد يؤكد سطوة ورقة وحظوته حيث عبّر عن هذا الزواج بأنه " زواج مصلحة مدروس " قام به " ورقة أقوى شخصية في مكة والحامي الأكبر للنصارى فيها والحجاز كلها ". ص288.
والله يا زملاء إني أخشى على أعصابكم لكن هذا ما قال به الأب الصادق المصدق حرفياً.
واقرأ في نفس الصفحة : " وهل كان قس مكة النصراني وسيدة قريش التي تأتمر بأمره يرضيان بهذا الزواج لو لم يكن مثلهما نصرانياً ".
خديجة التي رفضت الزواج بورقة تأتمر بأمره... خديجة النصرانية لم تعرف جبريل الذي نزل على سيدنا محمد.
لم تذكر لنا يا عزيزي أي أمر ائتمرت به خديجة من قبل ورقة ونفذته .. اذكر لنا أمراً واحداً.
وليثبت الحداد نصرانية سيدنا محمد ادعى أن الحاضنة بركة ( أم أيمن ) الحبشية مسيحية " فكان محمد طفلا في حضانة مسيحية " ص277.(10/152)
لا أدري أين ذهب عقل الحداد وهو يكتب هذا الكلام ... هل من المعقول أن يسلم النصارى أبناءهم إلى المسيحيين الذين قتّلوهم وأجبروهم على الرحيل إلى صحراء العرب بدعوى أنهم هراطقة ؟؟!!
وأنه تعمد .. يقول ص322 في تفير قوله تعالى في سورة الضحى " ووجدك ضالاً فهدى " " هداية في الطفولة في بيئة نصرانية لا تكون إلا العماد النصراني ولا يستقيم غير ذلك ". وذكر أن حليمة أخذت سيدنا محمد إلى ورقة الذي عمده في غار حراء وعمره ست سنين.
وماذا قال الحريري . لقد قال ص40 أنه سافر إلى الشام وعمده بحيرا.
هل يوجد أحد من نصارى النادي تعمد مرتين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هذه هي الأسس التي اعتمدوا عليه لإثبات نصرانية سيدنا محمد .
ألا تشفقون إخواني على هؤلاء الذي بحثوا واجتهدوا ليبحثوا في أصل الإسلام ولم يجدوا أقوى من تلك الأدلة.
أليست تلك شهادة للإسلام بأنه كاملُ !
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد بأن محمداً عبده ورسوله.
ويتابع درة الحداد درره ص335 " وحدهم النصارى من بني إسرائيل والمتنصرون معهم من العرب بزعامة ورقة بن نوفل وعبد المطلب الأول جد محمد الأعلى يقولون بإسلام القرآن لأنه إسلامهم ".
أليس استقسام عبد المطلب بالأزلام عدة مرات دليل شركه .. أم أن الحداد يوافق أن النصرانية شرك.
ومن هو عبد المطلب الأول والثاني وهل هناك أقنوم ثالث لعبد المطلب ؟؟!!!
هل تنازل بنو هاشم عن السقاية والرفادة وسدنة البيت الحرام لورقة ؟ من قال بذلك ؟
كم من مرة كانت تسيل دماء العرب لنول ذلك الشرف العظيم .. وكيف ناله ورقة وآله بتلك السهولة ؟!
وأختم قصة زواج سيدنا محمد بطرفة قالها الحريري ص57: " ولكن، لابد لنا أن نسأل لا عن نبوة محمد ، بل عن نبوة خديجة .. ".
فالإله مصدر الوحي هو ورقة والنبي هي خديجة أما محمد فـ......
الحريري277: " وهنا تبرز خصوصاً تلك الشخصية الجبارة التي لعبت الدور الأول في هداية ورقة ".
علاقة ورقة بالوحي:
الحريري ص65: " لقد أراد القس أن يكون محمد خليفة له على عمله الروحي بين العرب ويحافظ على استمرارية النصرانية .. ".
وص194: " جل همنا أن نقدم الدليل للمرة الألف على أن القرآن العربي هو قراءة ميسرة للكتاب الأعجمي وعلى أن محمداً لم يكن ليعرف أية لغة أعجمية .. ".
تلك مهمة ورقة التي نجح بها كما قال الحريري ص205: " تحقق على يد القس والنبي فمرده إلى جمع الفرق والشيع والأحزاب النصرانية المنتشرة في مكة والحجاز آنذاك وجعلها دينا واحدا وأمة واحدة وما الإسلام في حقيقته وجوهره إلا دين التوحيد ".
وهنا نلاحظ التناقض الواضح الفاحش :
محمد نصراني ابن نصراني ابن نصراني ( الحداد291 ) فكيف يحتاج شخصاً كان عريقا في الوثنية ولم يتنصر إلا في سني حياته الأخيرة. فمن الأحق بتعليم الآخر والجدر بذك ؟؟؟!!
لماذا احتاج محمد إلى ورقة لو كان محمد نصرانياً ابن نصراني ابن نصراني ؟؟
ورقة الذي حابا الوثنيين حتى لا يلاقي نفس مصير زميله الشجاع زيد بن عمرو الذي قتله عباد الأصنام وتركو ورقة ؟؟ لماذا تركو ورقة وقتلوا زيداً فقط ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ما علاقة ورقة العجوز الكبير في السن العاجز الأصم الأعمى ( الحريري ص62 ) بغار حراء ذلك الغار الذي يقع على قمة جبل النور ذلك الجبل الشاهق العالي الذي يعجز أشد الرجال وأقواهم عن صعوده إلا بشق النفس ؟؟
ثم لو كنت النصرانية عريقة في مكة فلماذا رحل ورقة وأصدقاؤه خارجها بحثاً عن الدين الحنيف ؟
يقول الحداد ص316: " فنحن مدينون بنبوءة محمد النبي العربي إلى زعماء النصرانية بمكة ".
هل اعترف الحداد بنبوة سيدنا محمد .... هل لذلك لفظته الكنيسة التي يتبعها ، ومنعت قراءة كتابه ؟
اللهم ثبت علينا العقل والدين
وفجأة أثناء وجودنا مع هذا الكم الكبير من زعماء النصرانية في مكة يفجر الحريري القنبلة ص34: " ولسنا نجد في مكة في أيام النبي محمد ، غير القس ورقة يلازم محمداً طوال أربع وأربعين سنة ".
لا يوجد نصارى في مكة أعلم من ورقة الذي عبد الأصنام 60 سنة ؟!
أما ملازمة محمد لورقة الذي كان يلبس طاقية الإخفاء فقد غابت عن أبي جهل وأبي سفيان ومعارضو محمد الذين احتاروا في أصل القرآن..
هل تتذكرون كم كلمة كتب الزميل الراعي عن ورقة وأثره في أصل القرآن ؟؟
وهيا بنا لنلتقي بعداس النينوي:
يقول الحريري ص59: " لم تتوان خديجة عن البحث والاستشارات لتهدئ من روع زوجها فقد كانت تذهب به إلى القس ورقة تارة وإلى عداس النينوي طوراً ثم كتبت خديجة إلى بحيرا تسأله عن جبريل ".
بزعمه: خديجة النصرانية لا تعرف جبريل.
ورقة قس مكة لا يعرف جبريل.
عداس لا يعرف جبريل.
خديجة لا تثق بورقة ولذلك بعثت برسالة إلى بحيرا.
أهملت خديجة كل الجالية النصرانية في مكة وبعثت برسالة إلى بحيرا.
وأختم مع هذا الخلط العجيب لعدة أمور ليس لها علاقة ببعضها:(10/153)
يقول الحريري ص54: " حاولوا تجنب خطر ما أدركوا وما عرفوا . وما تجنبوه من مخاطر كان إثباتاً أخطر لما نبحث عنه . لقد حاولوا إثبات نبوة محمد فيما هم في الحقيقة يثبتون نبوة القس. والقس قدير على كل شيء في كل حال. أما الذين تعاونوا مع القس وسمعوا نداءه وذهلوا بتدابيره فأولهم وأهمهم زوج النبي وأبو طالب عمه وكفيله . وأبو بكر صديقه الحميم ، ووالد خديجة بعد رضاه ، وأخوها عمرو ، وغيرهم كثير. كلهم انصاعوا لتدابير الله على يد القس ووكيله في مكة واتُخِذوا فيما دبر. وبارك الراهب بحيرا والراهب عداس النينوي وسلمان الفارسي هذا التدبير ".
الله أكبر ولله الحمد
أسأل الله تعالى أن ييسر البحث القادم حول نصرانية مكة في عهد النبوة وتناقضهما في ذلك.
الديانة النصرانية في مكة:
يقول الحريري بثقة بالنفس قل نظيرها ...
" هذه الشهادات وغيرها في كتب السير والأخبار تدل على وجود نصراني واسع في مكة ". ص18.
وص99: " وتشهد كتب الأخبار على وجود مناخ نصراني عام طغى على بيت محمد ".
ولكن.. قال ص105: " فلا شرك إذن ولا جهل بالله ولا إنكار وجوده ولا الوثنية بمعناها الحقيقي كان موجودا في مكة. ولئن طاب لكتاب السير والأخبار إثبات ذلك ".
لنكمل روايته الخيالية " فمكة لم تكن مشركة ولا وثنية ولا جاهلة بالله وبالتالي لم تكن في عصر الجاهلية.. وربما منادمة محمد للرهبان ومعرفته بهم والتجاؤه إليهم في ملماته وصعوباته وأمراضه خير شاهد على إلمام محمد بالنصرانية، أو على تنصره كما عرفنا ".
ولا أدري ما هي التماثيل والأصنام التي كانت حول الكعبة هل كانت ( ألعاب البوكيمون ) ؟!
كيف سكت الوثنيون من قريش على النصارى رغم أن الوثنية كانت تدر على قريش الأرباح الهائلة..
أم ............... دينهم واحد ؟؟!!
لاحظ حيرة الحداد ص254 " وما كان قس مكة ورقة بن نوفل ليطوف مع مريده محمد حول الكعبة .. لو كانت الكعبة معبد أوثان ".
هل طردتك الكنيسة لأمر بيسط أيها الأب المسكين ...
لقد دفنت محروماً لأنك ( دون أن تدري ) كنت بكتاباتك سبباً في هداية بعض شباب النصارى !!!!!!
ها أنت تحت التراب .. كيف ستقابل ربك بتلك الأكاذيب ؟؟!!
إذن سيدنا محمد لم يحطم الـ360 صنما التي كانت موجودة حول الكعبة وداخلها يوم الفتح ..
أنا متيقن بأن الحداد والحريري يتحدثون عن شيء آخر لا علاقة له بالإسلام ولا الجاهلية ولا بكل جزيرة العرب.. بل ولم يوجد على سطح الأرض.
هل يؤمنان بوجود حياة على سطح المريخ ؟؟!! فيها مكة وكعبة وورقة .... ذلك أقرب للمنطق يا دعاة البحث العلمي .
مشفق والله على طلبة الجامعة التي تحمل اسم الأقنوم الثالث ...
كيف يتحمل طلبة لبنان ما يدرسهم أستاذهم من أغلوطات ؟؟!!!
وإن كان معلموهم كذلك فكيف سيتخرجون ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
بأي علمٍ سيناظرون المسلمين ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
واستفد مما يضيف الحداد ص303 : " ورقة بن نوفل قس مكة .. والذين يلتفون حوله من عبد المطلب جد محمد إلى أبي طالب عم محمد إلى عبد الله والد محمد إلى السيدة خديجة ابنة عمه . إلى محمد نفسه الذي يدور في فلكه قبل مبعثه ، كانوا كلهم نصارى على مذهب النصرانية الإسرائيلية ".
(( بدون تعليق ))
والآن مع الحلقة الأخيرة من حلقات : تناقضات الحداد والحريري :
يقول ص 290: " إن التعبد والصوم والخلوة ليس من شرع إبراهيم ولا من شرع موسى ولا عادة نصرانية وممارسة الخلوة على انفراد عادة رهبانية ".
ولكنه يقول ص322: " ومنذ زمن المزمور الثالث في الزبور اعتاد أتقياء الله ممارسة الخلوة والنوم في بيت الله ينتظرون منه وحياً.. ".
وخذ هذا التناقض للمدرس الجامعي الحريري :
ص42 " فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده وكان يخلو بغار حراء ". وكرر نفس العبارة ص43.
ولكنه بعد أسطر قليلة في نفس الصفحة قال : " ولكن ، لم يك محمد يعرف وحده أهمية الخلوة إعداداً للنفس وانقطاعاً إلى الله لو لم يتعرف على أناس مارسوها قبله ولو لم يتبع في ذلك مسيرة جده وندماء جده أمثال أبي أمية بن المغيرة والقس ورقة بن نوفل وغيرهما فعن هؤلاء أخذ محمد الطريقة وعلى خطواتهم سار في إعداد حياه الروحية ورسالته العلنية إلى الناس ".
وبعد أسطر يقول : " ولا نعرف بالحصر مقومات خلوة محمد في غار حراء ولا كيفيتها ".
ثم يكتشف أنها معروفة محصورة في نقاط محددة ص45 " وفي كتب السيرة وصف لها بما يتفق والتقاليد النصرانية في ذلك الحين ".
ثم يعددها : وهي التحنف ، الزهد والانقطاع عن الناس ، الصيام ، أعمال البر والإحسان ، شهر رمضان ، الطواف حول الكعبة.
ثم يقول ص46: " هذه بعض مقومات خلوة النبي في غار حراء كلها عادات نصرانية .." .
هل هناك تناقض ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!
رأفة بطلابك يا أستاذ حرام عليكم ..
ونسي انه قال ص43: " كان رسول الله يجاور في حراء من كل سنة شهراً وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية ".
وذكر ص142: " الصيام سنة عامة في كل الأديان والمذاهب ".(10/154)
قد صدق الحريري عندما عبر عن نفسيته وهو يحاول اثبات مصدر القرآن بقوله " وجميعنا كنا ضحية بلبلة في الاسلام لا حدود لها ولا نهاية ". ص219.
البلبلة صنعتها يداك وعقلك يا حريري عندما حسبت مصادر دين الإسلام كمصادر دينك
هذه البلبلة صدر عنها اعتراف الحريري بنجاح دعوة سيدنا محمد حيث قال ص200 " لقد نجح القس في ذلك وتوقف نجاحه على نجاح تلميذه ونجح التلميذ ومآثر نجاحه يدل عليها أثره الكبير في تاريخ العالم ".
احذر يا أستاذ قزي كي لا يخسرك طلاب الجامعة بعد ان تلفظك كما لفظت الكنيسة صديقك اليبرودي.
من سيعلم طلابكم خفايا الإسلام وأصول القرآن .... بعدكم أيها الأب العلامة.
الحمد لله رب العالمين على نعمة الصراط المستقيم
كتبه الأستاذ عبد الرحيم الشريف لموقعي - الإعجاز العلمي وردود
http://www.55a.net
http://www.rudood.com/
===================
يحاول الحاقدون على الإسلام من النصارى أن يثيروا الشبهات في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وللرد عليهم وتبيان جهلهم نقول وبالله التوفيق :
أولاً : نقول لهم : إذا كنتم تعيبون النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أنه تزوج عائشة وهي صغيرة ، فما رأيكم في أنبياء كتابكم المقدس الذي وصفهم بأنهم زناة ومجرمين كداود وحاشاه، وسراق كيعقوب وحاشاه، وعباد أوثان كسليمان وحاشاه الخ ؟! مع ان هذه الخطايا غير مسقطة لنبوتهم كما تؤمنون . . . . ؟!
أليس من العجيب إنكارهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم زواجه الشرعي من السيدة عائشة رضي الله عنها وهم يقبلون من كتابهم المقدس أن الأنبياء يمارسون زنى المحارم كالنبي لوط عليه السلام و يهوذا، و يزنون و يقتلون ليس فقط بدون وجه حق بل للوصول للزنى كقصة النبي داود عليه السلام و زوجة أوريا و أنهم أهل خمر كالنبي نوح و النبي لوط عليهما السلام فوق ذلك كله أنهم عبدة أوثان كالنبي سليمان عليه السلام الذي عبد الأوثان لأجل إرضاء زوجاته الوثنيات. كما في سفر الملوك .
ثانياً : لعل النصارى لا يقرأون لكتابهم ولا يعرفون دينهم جيدا..ولعل القساوسة يخفون الحقائق دائما..ففي الوقت الذي كان يسأل فيه النصارى عن زواج الرسول الكريم من السيده عائشة ويدعون ان الفرق السنى كبير بل كبير جدا في وجهة نظرهم المحدودة...
نجد ان السيدة مريم العذراء حينما كانت متزوجة (او مخطوبة) بشهادة النصارى من يوسف النجار وولدت السيد المسيح.. كان سنها 12 سنة فقط في حين كان يوسف النجار على مشارف التسعين من عمره.. حوالي(89).. يعني أكبر منها بحوالى77سنة.. وهذا الكلام موثق في الموسوعة الكاثوليكية...
http://www.newadvent.org/cathen/08504a.htm
" a respectable man to espouse Mary, then twelve to fourteen years of age, Joseph, who was at the time ninety years old "
http://www.cin.org/users/james/files/key2mary.htm
" Virgin Mary Delivers jesus Pbuh @ the age of 12 "
ثالثاً : إنّ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها كان أصلاً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول صلى الله عليه وسلم لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه سيدنا أبي بكر الصدّيق ، لتربطهما أيضاً برباط المصاهرة الوثيق.
رابعاً : أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت قبل ذلك مخطوبة لجبير بن المطعم بن عدي، فهي ناضجة من حيث الأنوثة مكتملة بدليل خطبتها قبل حديث خولة.
خامساً : أنّ قريش التي كانت تتربّص بالرسول صلى الله عليه وسلم الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.(10/155)
سادساً : أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبيّة تُزفّ في تلك البيئة إلى رجل في سنّ أبيها، ولن تكون كذلك أُخراهنّ. لقد تزوّج عبد المطلب الشيخ من هالة بنت عمّ آمنة في اليوم الذي تزوّج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة وهي آمنة بنت وهب. ثمّ لقد تزوّج سيدنا عمر بن الخطّاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب يعرض بنته الشابة حفصة على سيدنا أبي بكر الصدّيق وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها. ولكنّ نفراً من المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربعمئة عام من ذلك الزواج فيهدرون فروق العصر والإقليم، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنّه الجمع الغريب بين الكهل والطفولة ويقيسون بعين الهوى زواجاً عُقد في مكّة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الغرب حيث لا تتزوّج الفتاة عادة قبل سنّ الخامسة والعشرين. ويجب الانتباه إلى أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة مبكّر جداً وهو في سنّ الثامنة عادة، وتتأخّر الفتاة في المناطق الباردة إلى سنّ الواحد والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة. وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن، ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة. غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين. ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها. ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب. هذا يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية وإسلامية ونحو ذلك. ومنها أنّه عندما عرضت عليه خولة بنت حكيم الزواج من عائشة فكّر الرسول صلى الله عليه وسلم أيرفض بنت أبي بكر وتأبى عليه ذلك صحبة طويلة مخلصة ومكانة أبي بكر عند الرسول e التي لم يظفر بمثلها سواه. ولمّا جاءت عائشة رضي الله عنها إلى دار الرسول صلى الله عليه وسلم فسحت لها سودة المكان الأول في البيت وسهرت على راحتها إلى أن توفّاها الله وهي على طاعة الله وعبادته، وبقيت السيدة عائشة رضي الله عنها بعدها زوجة وفيّة للرسول صلى الله عليه وسلم تفقّهت عليه حتّى أصبحت من أهل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية. وما كان حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها إلاّ امتداداً طبيعياً لحبّه لأبيها رضي الله عنهما. ولقد سُئل عليه الصلاة والسلام: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (عائشة) قيل: فمن الرجال؟ قال: (أبوها). هذه هي السيدة عائشة رضي الله عنها الزوجة الأثيرة عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبّ الناس إليه. لم يكن زواجه منها لمجرّد الشهوة ولم تكن دوافع الزواج بها المتعة الزوجية بقدر ما كانت غاية ذلك تكريم أبي بكر وإيثاره وإدناؤه إليه وإنزال إبنته أكرم المنازل في بيت النبوّة .. والحمد لله ربّ العالمين.
سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ... مع الدرس الحادي عشر من دروس سير الصحابيِّات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ، ومع أمهات المؤمنين ، زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، ومع الزوجة الثالثة السيدة عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما.
أيها الإخوة الكرام ... قد يسأل أحدكم : هذا الفارق الكبير في السن بين السيدة عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؟ كيف تزوَّج النبي امرأةً في سن أمه ؟ ثم كيف تزوج امرأةً في سن ابنته ؟ الأمور التي لا يدلي الشرع فيها بحكمٍ ترجع إلى الأعراف .(10/156)
فأنت إذا قلت : أنا أكلت اللحم . ماذا تقصد ؟ لحم الضأن أو لحم البقر ، لأنك إذا أكلت سمكاً تقول : أكلت سمكاً . فإذا إنسان حلف بالطلاق ألّا يأكل لحماً ، فهل بإمكانه أن يأكمل سمكاً؟ نعم بإمكانه ، مع أن السمك لحم ، لكن العرف هو أن اللحم هو لحم الضأن أو البقر والسمك شيءٌ آخر ، ففي الموضوعات التي لم يكن هناك حكمٌ شرعي يعود الأمر إلى العرف.
وهذا موضوع طويل في أصول الفقه ، بابٌ كبير ، فأحد المصادر التشريعية العرف فهو الذي يحكم القضايا التي ليس فيها حكمٌ شرعي .
لو أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسلَّم من السيدة عائشة ، أيُّ مأخذٍ في أعراف العرب وقتها لأُخِذ على النبي صلى الله عليه وسلَّم هذا الزواج ، بل إن البيئة وقتها تسمح بأن تأخذ امرأةً في سن أمك ، وتسمح بأن تأخذ امرأةً في سن ابنتك ؛ ولكن السيدة عائشة لها دور كبير جداً في موضوع الفقه ..
فقال بعض العلماء : " إن ربع الأحكام الشرعيَّة عُلِم منها " . إن ربع الأحكام الشرعية التي عرفناها من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إنما عُرِفَت من أحاديث روتها السيدة عائشة رضي الله عنها ، فامرأة النبي ، زوجة النبي ، أم المؤمنين لها دورٌ خطيرٌ جداً في الدعوة ؛ لأنها يمكن أن تختص بالنساء ، تعلمون أن النساء يسألن النبي عليه الصلاة والسلام عن موضوعاتٍ تخصُّ حالَهن ، وأفضل إنسانة تعبِّر عن الأحكام الشرعية المتعلِّقة بالمرأة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، إذاً لها دورٌ في الدعوة .
ويقول العلماء أيضاً : " ما رأوا أحداً أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام من السيدة عائشة ، وما رأى العلماء أحداً أعلم بالفرائض والطب والشعر والنسب من السيدة عائشة " . مع أنها صغيرة إلا أنها كانت شيئاً نادراً في الذكاء ، وشيئاً نادراً في الحفظ ، وشيئاً نادراً في الوفاء للنبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً فليعلم القارئ حقاً ويطمئن أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلَّم قد اختارهنّ الله جلَّ جلاله له ، لما سيكون لهن من دورٍ في الدعوة مستقبلاً .
فهذا الذي يفكر أن النبي تزوج زوجةً في سن ابنته ، أو امرأةً في سن أمه ، هذا لا يعرف من هو النبي ، فالنبي عليه الصلاة والسلام بقي مع السيدة خديجة وهي في سن أمه ربع قرنٍ ، وكان بإمكانه أن يتزوَّج أجمل فتيات مكة ، فهو بعيدٌ جداً عن هذا الذي يفكِّر فيه أعداء الإسلام .
* * *
أيها الإخوة الكرام ... هذه السيدة الجليلة ـ السيدة عائشة ـ روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ألفي حديث ومئتين وعشرة أحاديث ، وحفظت القرآن الكريم كلَّه في حياة النبي .
إذاً من يقول : إن هناك فارقاً في السن . هذا الفارق في السن كان مألوفاً في عصر النبي ، ولو كان هناك مطعنٌ في هذا الموضوع لما سكت أعداء النبي ، ولجعلوا من هذه القضية قضيةً كبيرةً جداً .
من صفات هذه الزوجة الطاهرة ، على صغر سنها ، أنّها كانت ناميةً ذلك النمو السريع ، العوام الآن يعبرون عن هذه الظاهرة بقولهم : قطعتها كبيرة . فالعبرة بالمرأة في قطعتها لا في عمرها ، كانت على صغر سنِّها ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب ، وكانت متوقِّدة الذهن ، نيِّرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، وهي وإن كانت صغيرة السن لكنّها كبيرة العقل .
نحن تعلَّمنا في الجامعة أن للإنسان عمرين ؛ عمر زمني ، وعمر عقلي ، وقد يبتعدان عن بعضهما ، قد تجد إنساناً عمره الزمني عشر سنوات ، أما عمره العقلي فخمسة عشر عاماً ، وقد تجد إنساناً عمره الزمني عشرون عاماً ؛ وعمره العقلي خمسة عشر عاماً ، فالعقل لا ينمو مع نمو الجسم بل له نموّه الخاص ، فالسيدة عائشة رضي الله عنها على صغر سنها نمت نمواً سريعاً وعلى صغر سنها كانت متوقِّدة الذهن ، نيرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، فهي وإن كانت صغيرة السن لكنها كبيرة العقل ، أي لها دور في الدعوة الاًسلامية .
تروي كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج امرأةً فيما بعد ، قال لها ضرَّاتها : " إذا التقيت بالنبي فقولي له : أعوذ بالله منك " . فلما دخل عليها النبي قالت : " أعوذ بالله منك ". فماذا قال لها ؟ :
" الْحَقِي بِأَهْلِكِ" *
( من صحيح البخاري : عن " السيدة عائشة " )
رفضها ، هل يعقل أن تكون زوجة رسول الله بهذا الإدراك ؟ فهي مبلِّغة عن رسول الله ، تبلِّغ عنه الشرع ، شيءٌ خطيرٌ جداً أن تكون زوجة النبي عليه الصلاة والسلام محدودة التفكير ، لأنها تنقل عنه ، وربما نقلت عنه الشيء الذي ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً هناك حكمةٌ إلهيةٌ بالغة من أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ لرسوله الكريم هذه الزوجة العاقلة، المتقدة في الذهن والذكاء والفطنة ، كثيرة الملاحظة ، ذات النفسيَّة الطيِّبة .(10/157)
يقولون : " ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وهي السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً ، وأشد استعداداً لتلقي العلم ، لما تهيَّأ لها ذلك " .
فالعلم شيءٌ أساسيٌ في حياة المؤمن ، والنبي عليه الصلاة والسلام كل شيءٍ يقوله ينبغي أن ينقل عنه ، وأفضل امرأةٍ تنقل عنه زوجته ، إذاً فلنطمئن أنّ الله سبحانه وتعالى اختارها على علمٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
قال الإمام الزُهري : " لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين ، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل " .
والحقيقة أن الشيء الذي يدهش العقول ، أو الشيء الذي يلفت النظر أن تكون المرأة على درجة عالية جداً من الفهم والعلم والفقه ، فالمرأة عند الناس امرأة ، لكن المرأة التي تتمتَّع بعقلٍ راجح ، وإدراكٍ عميق ، وفهمٍ دقيق ، وحفظٍ شديد ؛ هذه امرأةٌ نادرةٌ جداً ، وامرأةٌ مؤهَّلةٌ لأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
عطاء بن أبي رباح يقول : " كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة " .
والحقيقة مِن مُتَع الحياة أن تعيش مع الذكي ، ومن البلاء الشديد أن تعيش مع المحدود ـ محدود التفكير ـ تكاد تخرج من جلدك ، سمعتم مرةً مني أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه بينما كان يلقي درساً على إخوانه حول صلاة الفجر ، وفيما قرأت كانت رجله تؤلمه ، وبينه وبين تلاميذه مُباسطة، ليس هناك كلفة ، ولعذرٍ فيه كان يمد رجله ، وتعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام ما رؤي ماداً رجليه قط بين أصحابه ـ أما إذا وجد عذر فموضوع ثانٍ ـ دخل رجل طويل القامة ، عريض المنكبين ، حسن الهيئة ، يرتدي عمامةً وجُبةً ، وجلس في مجلس هذا الإمام العظيم .
فأبو حنيفة رضي الله عنه ظنَّه عالماً كبيراً ، فاستحيا منه ورفع رجله ، أي أن بينه وبين إخوانه ليس هناك تكليف ، أما هذا فضيف غريب لعلَّه ينتقده ، فلما انتهى الدرس سأله هذا الرجل: يا إمام كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال له : " عندئذٍ يمد أبو حنيفة رجله ".
فأن يعيش الإنسان مع شخص محدود التفكير يخرج من جلده أحياناً ، والحقيقة من سعادة الإنسان أن يكون الذين حوله في مستواه ، يفهمون عليه.
لذلك فأنا أرى أن من إكرام الله لرسول الله أنه قيَّض له أصحاباًعلى مستوى عالٍ من الفطنة، والوفاء ، والذكاء ، والحُب ، والتضحية ، والإخلاص ، وكلَّما ارتقى مقامك عند الله هيَّأ الله لك أُناساً قريبين منك ، كلَّما ارتقى مقامك عند الله هيَّأ الله لك أُناساً يفهمون عليك ، يفهمون عليك بالإشارة ، يقدِّرون ما أنت فيه ، يعرفون قدرك حق المعرفة ، يعرفون أهدافك النبيلة .
وإذا غضب الله على عبدٍ جعل مَن حوله لا يعرفون قيمته ولا فضله، لذلك ورد في الأثر :
" أكرموا عزيز قومٍ زل ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين الجُهال " .
كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً ، وقال أبو موسى الأشعري : "ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة ، إلا وجدنا عندها فيه علماً " .
وقال مسروق : " رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الأكابر يسألونها عن الفرائض " .
وقال عروة : " ما رأيت أحداً أعلم بفقهٍ ولا طبٍ ولا بشعرٍ من عائشة " .
وقال أبو الزناد : " ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً " .
شاعرة ، ذات حافظة عالية جداً ، ذكية ، فطنة ، تنقل عن رسول الله أكثر من ألفي حديث.
* * *
أيها الإخوة ... أردت من هذه المقدمة أن تعلموا أن عائشة أم المؤمنين ، اختارها الله عزَّ وجل لنبيِّه الكريم ، لتكون زوجته وأمينة سرِّه وراويةً عنه .
كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام عقد عليها وهو في مكة قبل الهجرة ، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، واستقبله الأنصار ، وهم محيطون به ، متقلِّدي سيوفهم ، وهنا حدِّث ولا حرج عن سرور أهل المدينة ، فكان يوم تحوِّله إليهم يوماً سعيداً ، لم ُيرَوْا فرحين فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
فكلكم تحضرون عقود قران ، وموالد بمناسبة ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ونشيد طلع البدر علينا يمكن ألا يكون واحد من الإخوة الحاضرين إلّا سمعه مئات المرَّات إن لم نقل أكثر .
والعبد الفقير لما كنت في المدينة المنورة في إحدى العُمرات ، وقفت قبالة مسجد قِباء ، فهناك ميدان في وسطه نُصب تذكاري ، مكتوب عليه بكرة جميلة طلع البدر علينا ، أيْ في هذا المكان ـ في مكان مسجد قباء ، وقباء في ظاهر المدينة ـ خرج الأنصار من المدينة ، ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وفي هذا المكان بالذات أنشدوا : طلع البدر علينا . والله أيها الإخوة كأنني أسمع هذا النشيد لأول مرة ، وله وقعٌ في هذا المكان لا يوصف ، في المكان الذي وقف فيه الأنصار ينتظرون النبي عليه الصلاة والسلام ، وحينما أطل عليهم قالوا :(10/158)
طلع البدر علينا من ثنيِّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المُطاع
* * *
وفي الصحيحين عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في حديث الهجرة ، قال : " وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت ، والغِلمان والخدم يقولون : الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد ، الله أكبر جاء رسول الله ، وكان الأنصار قد اجتمعوا فمشوا حول ناقته صلى الله عليه وسلَّم ، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شُحَّاً على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له ، وكلَّما مرَّ بدارٍ من دور الأنصار دعوه إلى المنزل ، فيقول عليه الصلاة والسلام :
" دعوها فإنها مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله " .
( من كشف الخفاء : عن " ابن الزبير " )
إخواننا الكرام ... كان عليه الصلاة والسلام حكيماً إلى درجةٍ كبيرة جداً ، لأنه لو اختار البيت بنفسه لكان ، كل إنسان لم يختر بيته ليكون نُزلاً لرسول الله يتألَّم ، لذلك ترك الأمر لله عزَّ وجل ، قال : " دعوها فإنها مأمورة ". حتى يطيِّب قلب أصحابه جميعاً فما اختار هو البيت ، بل قال "دعوها فإنها مأمورة " ، ونزلت في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه .
ولقد كنت في تركيا قبل سنة تقريباً ، وصلَّيت الجمعة في مسجد أبي أيوب الأنصاري في مدينة استنبول ، هذا الصحابي الجليل أين مات ؟ مات في أقصى الشمال ، وله مسجدٌ والله منوَّر تشعر فيه بروحانية عجيبة، فلما انتهت الصلاة زرت مقام هذا الصحابي الجليل وقرأت الفاتحة ، وتأثرت تأثراً كبيراً ، ولكن الذي أدهشني أن كل زوَّار المقام حينما يخرجون من هذا المقام لا يديرون ظهورهم إليه ، يرجعون القهقرى تأدُّباً معه ، فهذا الصحابي الجليل الذي أكرمه الله بأن يكون مُضيف النبي عليه الصلاة والسلام ، له قصصٌ رائعةٌ جداً .
فهو لم يستطع أن ينام في الدور الذي فوق رسول الله ، فبيته طابقان، والنبي عليه الصلاة والسلام رأى في الطابق الأرضي أسهل لزوَّاره ومن يأتيه ، وسمح لأبي أيوب أن ينام في الطابق العلوي ، من شدة أدب هذا الصحابي الجليل لم يستطع أن ينام في الطابق الذي فوق رسول الله ، وكان في حرجٍ شديد ، ومرةً قدر الماء انكسر ، فخاف أن ينزل على النبي قطرةُ ماء ، فجاء باللحاف الذي لا يملك غيره في الشتاء ، فوضعه فوق الماء ، كي يمنع نزول الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا هو الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري الذي حظي بضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
ولما استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة ، أين كانت عائشة ؟ كانت في مكة ، ولما يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يجب أن نعلم أيها الإخوة علماً دقيقاً ، أن العقد على عائشة سبق الدخول بسنوات ، فإذا قلنا صغيرة ، وبينها وبين النبي فرقٌ كبير ، فإن العقد شيء والدخول شيءٌ آخر ، عقد عليها بمكة ، ولم يدخل بها إلا في المدينة ، ولما استقر عليه الصلاة والسلام بالمدينة ، أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا بمن خلَّف من أهله ، وأرسل معهما عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق ، فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ، وسودة زوجِه، وأم أيمن حاضنته في صغره ، وابنها أسامة بن زيد ، وأما زينب فمنعها زوجها أبو العاص بن الربيع ، وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي بكر بأم عائشة زوج أبيه ، وأختيه عائشة وأسماء زوج الزبير بن العوام ، وكانت حاملاً بابنها عبد الله بن الزبير ، وهو أول مولود للمهاجرين في المدينة ، وصحبهم من مكة طلحة بن عُبيد الله .
وبعد أن استقر النبي بالمدينة ، وانتهى ضجيج الهجرة ، وانتهت المطاردة ، أرسل هؤلاء الصحابة ليأتوا بأهله ؛ أتوا بفاطمة ، وأم كلثوم ، وسودة ، وأم أيمن ، وابنها أسامة بن زيد ، أما زينب فمنعها زوجها من الهجرة .
والنبي عليه الصلاة والسلام يهيِّئ الدور لزوجته سودة ولزوجته عائشة ليستقبل فيها أهله .
وفي أيامنا هذه تجد شخصاً عادياً جداً يسألك عن مكان سكنى ابنته المخطوبة ، أين ستسكنها ؟ . غرفةٌ صغيرةٌ جداً ملحقةٌ بالمسجد هذه الغرفة بيت عائشة ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكانت هذه الغرفة الصغيرة التي لا تتسع لصلاته ونوم زوجته معاً ، إما أن يصلي فتنزاح جانباً ، وإما أن يناما معاً ، أما أن يصلي هو وتنام هي فالغرفة لا تتسع لهما ، هذا بيت رسول الله .
طبعاً حينما حضر أهل النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة ؛ ابنته فاطمة ، وأم كلثوم ، وزوجته عائشة وأمها ، ومن يصبحهنّ فهذا الشيء يبعث في النفس السرور طبعاً ، لأن ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام :
" المرء حيث أهله والمرء حيث رحله " .(10/159)
وصلت هذه السيدة الجليلة إلى المدينة مع أمها أم رومان ، وأختها أسماء ، وأخيها عبد الله، واستقروا في دار الوالد الصديق رضي الله عنه، ولم تمضِ أشهر معدودات ـ بعد أشهر معدودة ـ حتى تكلَّم الصديق رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام في إتمام الزواج الذي عقده بمكة .
فالنبي عقد بمكة قبل سنوات من الهجرة ، وبعد الهجرة بأمد طويل استقدم أهله ، وبعد هذا الاستقدام بقيت في بيت أبيها ، فلما كلَّم الصديق رسول الله في شأن إتمام الزواج ، سارع النبي عليه الصلاة والسلام ، وسارعت نساء الأنصار إلى منزل الصديق لتهيئة هذه العروس الشابَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
أجمل موقف وقفته أم السيدة عائشة رضي الله عنها ، حينما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلَّم ، ومعها ابنتها العروس السيدة عائشة بعد أن هُيئت له ، دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في دار أبي بكر وقالت : " يا رسول الله هؤلاء أهلك ، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك " . وهذا أجمل دعاءٍ يُلقى في عقود القِران : " بارك الله لك فيها وبارك لها فيك " .
والزواج المبارك هو الذي يكون مبنياً على طاعة الله ، وعلى تطبيق منهج رسول الله ، والله عزَّ وجل يلقي الحب بين الزوجين ، والألفة والمودَّة ، وينجب من هذين الزوجين الذرِّية الطيبة الصالحة ، فالزواج شيء جميل جداً ، والزواج له ثمرة ؛ وثمرته أولاد أبرار ، والإنسان حينما يموت ينقطع عمله ، أما إن كان له ولد صالح ، فهذا الولد الصالح ينفع الناس من بعده ، وكل أعماله في صحيفة أبيه .
البارحة زارني صديقان ، أحد الصديقين له ابنٌ طالبُ علمٍ شرعي ، متفتِّح ، يدعو إلى الله عزَّ وجل ، فقلت له : إن هذا الابن أثمن شيءٍ في الدنيا بالنسبة لأبيه .
* * *
أيها الإخوة ... وتنقضي ليلة الزفاف المباركة في دار أبي بكرٍ رضي الله عنه ، ثم يتحوَّل النبي عليه الصلاة والسلام بأهله إلى البيت الجديد ، ما كان هذا البيت سوى حجرةٍ من الحُجرات التي شُيِّدت حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، من اللبن وسعف النخيل ، وقد فُرش بحصير ، ووضع فيه فراشٌ ، وبعض ملحقاته ، وأوانٍ بسيطة للشراب والطعام ، وهذا كلُّ بيت رسول الله .
غرفة سقفها من سعف النخيل ، جدرانها من اللبن ، فيها فراش ، وفيها بعض الأدوات البسيطة جداً ، وفي هذا البيت المتواضع بدأت حياة العروس الكريمة عائشة رضي الله عنها ، وبدأت الحياة الزوجية الحافلة بالمكرُمات والخيرات ، مكرُمات النبوة وخيرات الرسالة .
وأنا أعلم أن هناك بيوتاً فخمةً جداً لكن لا سعادة فيها ، وهناك بيوت متواضعة جداً فيها سعادة زوجية تامة ، السعادة الزوجية أساسها طاعة الله ، والشقاء الزوجي أساسه معصية الله عزَّ وجل .
هذه العروس الصغيرة على صغر سنها إلا أنها احتلَّت مكانها المرموق في بيت النبوة ، وحياة رسول الله ، وتاريخ الدعوة ، والتاريخ الإسلامي .
الحقيقة التي لا ريب فيها أنه يُشهد لهذه الزوجة أنها كانت في أعلى مستوى من العلم ، والمعرفة في شؤون الدين ، وعلى جانبٍ عظيم من الدراية لأسرار الأحكام الشرعية ، ولها منزلة رفيعة من التقوى والورع ، بالإضافة إلى معرفتها بالأمور الاجتماعيَّة والسياسية ، لذلك فاعلم أخي الكريم :
" الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " .
( من الجامع الصغير : عن " ابن عمرو " )
التي ..
" إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك".
( من الجامع الصغير : عن " عبد الله بن سلام " )
وحينما قال الله عز وجل :
(( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ( سورة البقرة )
قال العلماء : " حسنة الدنيا هي المرأة الصالحة " .
وأنا أرجو الله سبحانه وتعالى لكل إخوتنا الشباب ، الذين لم يقدموا على الزواج بعد ، فماذا يمنعهم أن يكون دعاؤهم لله عزَّ وجل : اللهمَّ ارزقنا زوجة صالحة . الزوجة الصالحة أحد أسباب النجاح في الحياة ، فحينما تطلب امرأة صالحة ، تتوافر فيها الشروط ، تكون قد حققت أحد جوانب السعادة في حياتك الدنيا .
في درسٍ آخر إن شاء الله ننتقل إلى هذه الزوجة الطاهرة مع ضرَّاتها ـ نساء النبي ـ عليهن جميعاً رضوان الله عزَّ وجل ، وكيف أن الحياة الزوجية جزءٌ من حياة الإنسان الطيبة ..
(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))
( سورة النحل : من آية " 97 " )
والمرأة الصالحة جزءٌ من الحياة الطيبة .
والحمد لله رب العالمين
=================
شبهة أن الوحى مقتبس من اليهودية والنصرانية
الشيخ عماد الشربيني
لقد زعم المستشرقون أن الوحى انبثق فى الدرجة الأولى عن اليهودية والنصرانية ولكن محمد كيفه تكيفاً بارعاً وفقاً لمتطلبات شعبه الدينية([1])(10/160)
ويرشح لنا جولد تسيهر كيف تم له ذلك، وكيف أصبحت تعاليم اليهودية والنصرانية، وحياً تبناه محمد صلي الله عليه وسلم، فيقول
: "فتبشير النبى العباس ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية، عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها،
ولم يخف جولد تسيهر قوله فى أن النبى صلي الله عليه وسلم
قد تتلمذ على رهبان النصارى مثل ورقة بن نوفل، وبحيرا، ونسطورا، وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى، المسيحى الأصل، وأحبار اليهود مثل عبد الله بن سلام، الذين كانوا أساتذة له([2]) وكيف تم الاتصال بأولئك؟
يرى بروكلمان أن ذلك تم من خلال رحلاته، والذين عاشوا معه بعد إسلامهم([3])
وقد حاول المستشرقون الرجوع فى كثير من شعائر الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية أو الاثنين معاً([4])
إن ما زعمه هؤلاء الملحدون هنا، هو باطل من القول سودوا به صفحات التاريخ إذ الحق الذى لا مناص عنه، ثبوت العصمة لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
فى دعواه النبوة، وفى كل ما يخبر به من الوحى عن ربه عز وجل، على ما مر سابقاً فى دلائل عصمته فى تبليغ الوحى من خلال القرآن والسنة([5]) كما أنه لم يكن لأحد عليه فضل فيما جاء به، غير الله تعالى؛ فأنى لأحد من البشر كائناً من كان أن يكون له قبل بما جاء به صلي الله عليه وسلم فينصبونه معلماً له؟
ثانياً : أين هذه الرحلات التى يتكلم عنها جولدستيهر، وبروكلمان، ومن شايعهما، والتى التقى فيها النبى صلي الله عليه وسلم بأحبار اليهود، ورهبان النصارى، وأخذ عنهم؟ ومتى كانت؟ وأين تم هذا اللقاء؟ وكم مدة قضاها ليتلقى تلك الدروس حتى يهضمها ويستوعبها؟ ومن هم الذين أخذ عنهم؟ وماذا أخذ؟
أسئلة يعجز المستشرقون عن إجابتها، لأنها لا إجابة لها البتة، إذ الإجابة عنها من صنع الخيال، وترهات الأفكار
إن ما زعموه بأنه من الممكن أن يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم تلقف هذا الذى جاء به من بحيرا([6]) ونسطورا([7]) الراهبين، زعم باطل. وذلك لأن المعروف الثابت تاريخياً أن النبى صلي الله عليه وسلم ، لم يلق "بحيراً" هذا إلا مرة واحدة، وهى المرة الأولى التى سافر فيها إلى الشام، وكان معه عمه أبى طالب، وكان عمره صلي الله عليه وسلم
، إذ ذاك لا يتعدى اثنتى عشر عاماً([i]) ولا يعقل أن يكون سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
قد أخذ عنه، وهو فى هذه السن شيئ
وأنى "لبحيرا" وما حواه الوحى الإلهى قرآناً وسنة، من علوم وأخبار ماضية ومستقبلة؟ هذا لو فرضنا أنه يمكن أن يكون قد أخذ عنه شيئ
إن الباحث المصنف لو استنطق التاريخ، ما زاد على أن يقول له : إن الراهب "بحيراً" لما رآه تظله سحابة من الشمس، ورأى فيه بعض أمارات النبوة ذكر لعمه، أنه سيكون له شأن، وحذره أن تناله اليهود بأذى
وكذلك الحال عندما مر رسول الله صلي الله عليه وسلم بالراهب نسطور، وهو فى طريقه إلى الشام، يعمل فى تجارة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وكانت هذه هى المرة الثانية والأخيرة فى رحلاته خارج مكة، وكان صلي الله عليه وسلم إذ ذاك شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، وفى صحبته غلام خديجة ميسرة([ii]) والذى تحدث به الراهب نسطورا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم
كان مع مسيرة، ولما تحقق الراهب من صفات النبوة فى رسول الله صلي الله عليه وسلم
، ما زاد على أن جاء إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم
، وقبل رأسه وقدميه، وقال : آمنت بك، وأنا أشهد أنك الذى ذكره الله فى التوراة، ثم قال لميسرة بعد أن خلا به : يا ميسرة! هذا نبى هذه الأمة، والذى نفسى بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً فى كتبهم([iii])
ولم تذكر الأخبار أنه كان حتى هناك مجرد حديث بين الغلام الصغير محمد وبين "بحيرا" و"نسطورا" وإنما الذى ذكرته الأخبار أن كل الحديث الذى تحدث به الراهب بحيرا عنه، كان مع عمه أبى طالب([iv]) والذى تحدث به الراهب نسطورا عنه كان مع غلام خديجة ميسرة! فماذا – يا ترى – سمع الشهود – عمه أبى طالب، وميسرة – من علوم هذا الأستاذ؟ هلا نبأنا التاريخ بنبأ ما جرى خلال هذا الحديث المزعوم الذى جمع فى تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن والسنة كاملة؟!
([1]) ينظر : تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص69، ومقالة فى الإسلام لجرجس سال ص11، وحياء محمد لدر منغم ص125، 126، والاستشراق فى السيرة لعبد الله النعيم ص38، والفكر الإسلامى نقد واجتهاد للدكتور محمد أركون ص137، والإسلام بدون حجاب، بحث مستل من شبكة الإنترنت لمؤلف مجهول ص11
([2]) العقيدة والشريعة ص13، 14، وحياة محمد لدر منغم ص125، 126، ودائرة المعارف الإسلامية ترجمة أحمد الشنتناوى وغيره المجلد 8/232، والاستشراق فى السيرة النبوية لعبد الله محمد الأمين ص65، ومناهج المستشرقين فى الدراسات العربية الإسلامية لجماعة من العلماء 1/37، 38، والوحى القرآنى فى المنظور الاستشراقى ونقده للدكتور محمود ماضى ص117، 145
([3]) ينظر : تاريخ الشعوب الإسلامية ص34(10/161)
([4]) ينظر : العقيدة والشريعة ص17، 18، وتاريخ الشعوب الإسلامية ص47، 48،71، 79، وتاريخ العرب ص181 – 183، وملوك الطائف ص4 5، والرسول فى كتابات المستشرقين ص137
([5]) يراجع : ص264 – 277
([6]) بحيرا : راهب. قيل إنه كان يهودياً من يهود تيماء، وقيل كان نصرانياً من عبد القيس، يقال له جرجس، لقيه النبى e قبل البعثة، له ترجمة فى : أسد الغابة 1/355 رقم 371، وتجريد أسماء الصحابة 1/44، والبداية والنهاية 2/213، 214
([7]) هو : بطريرك الإسكندرية سنة 431م، وهو الذى قال بأن مريم لم تلد إلا الإنسان فهى بذلك أم الإنسان، وليست أماً لإله، وأتباعه هم النساطرة، ومذهبهم وضع الأساس للقول بطبيعتين فى المسيح. ينظر : الموسوعة المسيرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص5 2، 5 3، والملل والنحل للشهرستانى 2/251 – 253
القصة رواها ابن إسحاق فى السيرة النبوية لابن هشام 1/236 – 238 نص رقم 177، 178، والترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب ما جاء فى بدء نبوة النبى صلي الله عليه وسلم 5/55 رقم 362 ولم يرد اسم (بحيرا) فى القصة، وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم فى المستدرك 2/672 رقم 4229 وقال : صحيح على شرط الشيخين، وخالفه الذهبى قائلاً : أظنه موضوعاً فبعضه باطل أهـ ورواه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/168 رقمى 1 8، 1 9، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/24، وابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/12 ، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية 2/213، 266، من طريقى ابن إسحاق والترمذى وقال : "فيه من الغرائب أنه من مرسلات الصحابة، فإن أبا موسى الأشعرى راوى الحديث إنما قدم فى سنة خيبر، سنة سبع من الهجرة، ولا يلتفت إلى قول ابن إسحاق فى جعله له من المهاجرة إلى أرض الحبشة من مكة. وعلى كل تقدير فهو مرسل. فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلي الله عليه وسلم من العمر فيما ذكره بعضهم اثنتا عشرة سنة، ولعل أبا موسى تلقاه من النبى صلي الله عليه وسلم، فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة رضى الله عنهم، أو كان هذا مشهوراً مذكوراً أخذه من طريق الاستفاضة"أهـ قلت : ذهب إلى صحة القصة فضيلة الشيخ عرجون فى كتابه محمد رسول الله 1/167، ووجه الغرائب الواردة فى ألفاظ الحديث بما يزيل غرابتها، فراجعه إن شئت، وصحح الحافظ ابن حجر رواية الترمذى بإسناد قوى فى فتح البارى= =8/587رقم4953،وكذا الألبانى فى هامش فقه السيرة للغزالى ص68، والدكتور سعيد صوابى فى المعين الرائق ص74،وأبطلها عبد العزيز راشد فى أصول السيرة المحمدية ص22،وكذا أبطلها جعفر مرتضى العاملى فى كتابه الصحيح من سيرة النبى 2/93، وتوقف فيها هاشم معروف الحسينى فى سيرة المصطفى صلي الله عليه وسلم ص53
([ii]) القصة أخرجها ابن سعد فى طبقاته 1/129، وابن إسحاق فى السيرة النبوية لابن هشام 1/242 نص رقم 184، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/172 رقم 11
([iii]) ينظر : المصادر السابقة
([iv]) يراجع : رواية لقائه صلي الله عليه وسلم مع بحيرا الراهب فى تخريج قصته السابقة قريب
إن تلك الروايات التاريخية التى تتحدث عن اللقاء العابر بين رسول الله صلي الله عليه وسلم
وبين بحيرا ونسطورا تحيل أن يقف كل من بحيرا ونسطورا موقف المعلم المرشد لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
، لأن كلا منهما بشر عمه وميسرة، بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بهذه البشارة التى يزفها، ثم ينصب نفسه أستاذاً لصاحبها الذى سيأخذ عن الله، ويتلقى عن جبريل، ويكون هو أستاذ الأستاذين، وهادى الهداة المرشدين! وإلا كان هذا الراهب متناقضاً مع نفسه!!
إن هذه التهمة لو كان لها نصيب من الصحة، لفرح بها قومه وقاموا لها وقعدوا، لأنهم كانوا أعرف الناس برسول الله صلي الله عليه وسلم
، وكانوا أحرص الناس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة([iv])
ثالثاً : ما زعموه من أن محمداً صلي الله عليه وسلم
، أخذ ما زعمه أنه وحى من الله تعالى، من ورقة ابن نوفل. هو – أيضاً – باطل كسابقه، وفى الرواية نفسها التى التقى فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم
بورقة([iv]) ما يبين بطلان مزاعم المستشرقين، وتهافت أقوالهم، وفسادها. وذلك فى النقاط التالية :
أ- تبين الرواية أن ورقة قد تنصر فى الجاهلية، ولكن المحدثين والمؤرخين استقصوا كل ما عرف عنه مم صح سنده، ومما لم يصح، فلم يعثروا على رواية تبين أنه كان داعية إلى النصرانية
ب- لم ينقل أن النبى صلي الله عليه وسلم
قد لقى ورقة قبل هذا اللقاء أو رآه
جـ- لقد تم هذا اللقاء بعد مجئ ملك الوحى فى الغار، ونزول صدر سورة "اقرأ" وقد حضرت هذا اللقاء خديجة رضى الله عنها، وشهدته، وقد آمنت بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم
بعد ذلك، فلو كان هنالك تعلم وتلقى ما غاب ذلك عن بالها أبداً، ولكان صارفاً لها عن الإيمان به صلي الله عليه وسلم(10/162)
د- إن موقف ورقة على ما جاء فى هذا اللقاء، كان موقف المستطلع المستخبر لا موقف المعلم، فلما أخبره النبى صلي الله عليه وسلم
، خبر ما رأى، كان موقفه موقف المبشر المصدق المؤمن، المتطوع لمناصرة الحق، المؤيد للنبى صلي الله عليه وسلم
فيما نزل عليه من الوحى "هذا الناموس الذى نزل على موسى، ليتنى فيها جذعاً، ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك…، وإن يدركنى يومك حياً، أنصرك نصراً مؤزرا"
هـ- لم تذكر الروايات أنه ألقى إلى النبى صلي الله عليه وسلم
درساً أو عظة فى أى جزء من جزئيات الإسلام، كما لم يثبت أنه كان صلي الله عليه وسلم
، يتردد عليه لتلقى تلك الدروس، والذى يفهم من كلمته المختصرة السابقة، أنه كان يتمنى أن يبقى حتى يصبح ناصراً لدين الله، وجندياً مخلصاً، وتلميذاً ناجحاً للنبى صلي الله عليه وسلم
، لا أستاذاً مربياً، ولا عالماً معلم
و- ثم إن ورقة لم يلبث بعد هذا اللقاء، إلا أن توفى وفتر الوحى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم
، فكيف تكون هذه المقابلة الخاطفة ينبوعاً لما جاء به عليه الصلاة والسلام من الوحى؟
ز- لو ثبت أنه صلي الله عليه وسلم
، أخذ ذلك من ورقة لما سكت أعداؤه أبداً، ولروجوا ذلك، وساروا به فى الناس جميعاً، وهم الذين تشبثوا بما هو أوهى من ذلك([iv])
رابعاً : إنما زعموه من أنه صلي الله عليه وسلم
، أخذ ما جاء به من صهيب الرومى([iv]) لهو من أبطل الباطل. إذ أن صهيباً هذا كان حداداً يصنع السيوف، أعجمى اللسان، لا يعدو كلامه أن يكون رطانة([iv]) ولا يكاد يبين([iv]) ولذا قال القرآن الكريم : }لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين{([iv])
والمعنى : كيف يتعلم من جاء بهذا القرآن، فى فصاحته وبلاغته، ومعانيه التامة الشاملة، التى هى أكمل من معانى كل كتاب نزل على نبى أرسل؛ كيف يتعلم من رجل أعجمى؟! لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل([iv]) وليت شعرى : لو كان لصهيب أن يكون مرجعاً علمياً كما أرادوا أن يصفوه، فما الذى منع كفار مكة أن يأخذوا عنه، كما أخذ صاحبهم؟ وبذلك كانوا يستريحون من عنائه، ويداوونه من جنس دائه، بل ما منع صهيب أن يبدى للعالم صفحته، فينال فى التاريخ شرف الأستاذية، أو يتولى بنفسه تلك القيادة العالمية؟ بل ما منعه أن يدعى النبوة، فينسب لنفسه هذا المجد والفخار؟([iv]) إن فى عدم ادعاء صهيب شئ مما سبق، وعدم ثبوته عنه، مع صحة إيمانه برسول الله صلي الله عليه وسلم
، دليل على صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم
، فى دعواه النبوة، وفى عصمته صلي الله عليه وسلم
فى كل ما بلغ من وحى ربه
ثالثاً : ما زعموه من أن محمداً صلي الله عليه وسلم ، أخذ ما زعمه أنه وحى من الله تعالى، من ورقة ابن نوفل. هو – أيضاً – باطل كسابقه، وفى الرواية نفسها التى التقى فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم بورقة([iv]) ما يبين بطلان مزاعم المستشرقين، وتهافت أقوالهم، وفسادها. وذلك فى النقاط التالية :
أ- تبين الرواية أن ورقة قد تنصر فى الجاهلية، ولكن المحدثين والمؤرخين استقصوا كل ما عرف عنه مم صح سنده، ومما لم يصح، فلم يعثروا على رواية تبين أنه كان داعية إلى النصرانية
ب- لم ينقل أن النبى صلي الله عليه وسلم
قد لقى ورقة قبل هذا اللقاء أو رآه
جـ- لقد تم هذا اللقاء بعد مجئ ملك الوحى فى الغار، ونزول صدر سورة "اقرأ" وقد حضرت هذا اللقاء خديجة رضى الله عنها، وشهدته، وقد آمنت بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم
بعد ذلك، فلو كان هنالك تعلم وتلقى ما غاب ذلك عن بالها أبداً، ولكان صارفاً لها عن الإيمان به صلي الله عليه وسلم
د- إن موقف ورقة على ما جاء فى هذا اللقاء، كان موقف المستطلع المستخبر لا موقف المعلم، فلما أخبره النبى صلي الله عليه وسلم، خبر ما رأى، كان موقفه موقف المبشر المصدق المؤمن، المتطوع لمناصرة الحق، المؤيد للنبى صلي الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الوحى "هذا الناموس الذى نزل على موسى، ليتنى فيها جذعاً، ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك…، وإن يدركنى يومك حياً، أنصرك نصراً مؤزرا"
هـ- لم تذكر الروايات أنه ألقى إلى النبى صلي الله عليه وسلم درساً أو عظة فى أى جزء من جزئيات الإسلام، كما لم يثبت أنه كان صلي الله عليه وسلم، يتردد عليه لتلقى تلك الدروس، والذى يفهم من كلمته المختصرة السابقة، أنه كان يتمنى أن يبقى حتى يصبح ناصراً لدين الله، وجندياً مخلصاً، وتلميذاً ناجحاً للنبى صلي الله عليه وسلم، لا أستاذاً مربياً، ولا عالماً معلم
و- ثم إن ورقة لم يلبث بعد هذا اللقاء، إلا أن توفى وفتر الوحى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، فكيف تكون هذه المقابلة الخاطفة ينبوعاً لما جاء به عليه الصلاة والسلام من الوحى؟
ز- لو ثبت أنه صلي الله عليه وسلم، أخذ ذلك من ورقة لما سكت أعداؤه أبداً، ولروجوا ذلك، وساروا به فى الناس جميعاً، وهم الذين تشبثوا بما هو أوهى من ذلك([iv])(10/163)
رابعاً : إنما زعموه من أنه صلي الله عليه وسلم، أخذ ما جاء به من صهيب الرومى([iv]) لهو من أبطل الباطل. إذ أن صهيباً هذا كان حداداً يصنع السيوف، أعجمى اللسان، لا يعدو كلامه أن يكون رطانة([iv]) ولا يكاد يبين([iv]) ولذا قال القرآن الكريم : }لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين{([iv])
والمعنى : كيف يتعلم من جاء بهذا القرآن، فى فصاحته وبلاغته، ومعانيه التامة الشاملة، التى هى أكمل من معانى كل كتاب نزل على نبى أرسل؛ كيف يتعلم من رجل أعجمى؟! لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل([iv]) وليت شعرى : لو كان لصهيب أن يكون مرجعاً علمياً كما أرادوا أن يصفوه، فما الذى منع كفار مكة أن يأخذوا عنه، كما أخذ صاحبهم؟ وبذلك كانوا يستريحون من عنائه، ويداوونه من جنس دائه، بل ما منع صهيب أن يبدى للعالم صفحته، فينال فى التاريخ شرف الأستاذية، أو يتولى بنفسه تلك القيادة العالمية؟ بل ما منعه أن يدعى النبوة، فينسب لنفسه هذا المجد والفخار؟([iv]) إن فى عدم ادعاء صهيب شئ مما سبق، وعدم ثبوته عنه، مع صحة إيمانه برسول الله صلي الله عليه وسلم، دليل على صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة، وفى عصمته صلي الله عليه وسلم فى كل ما بلغ من وحى ربه
خامساً : ما زعموه من أنه صلي الله عليه وسلم، تلقى الوحى من علماء أهل الكتاب فى عصره محض افتراء يرده القرآن الكريم الذى حفل بجدالهم ومحاوراتهم فى العقائد والتواريخ والأحكام
فالناظر فى محاورات القرآن لهم يرى بأى لسان يتكلم عنهم القرآن الكريم. إنه يصور علومهم بأنها الجهالات، وعقائدهم بأنها الضلالات، ومعارفهم بأنها الخرافات، وأعمالهم بأنها المنكرات
نعم. لا يعقل أن يصفهم القرآن بذلك ثم يقفون من صاحب هذه النبوة موقف المرشد والناصح! اقرأ إن شئت قول الله تعالى : }وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يأفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون{([iv]) وقال تعالى : }وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم{ إلى أن قال عز وجل : }وبصدهم عن سبيل الله كثيراً. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل{([iv])
وغير ذلك كثير مما هو منثور فى ثنايا سور القرآن الكريم، وهو سهل المنال لمن طلبه. مما يفيدك بأن قوماً أمثال هؤلاء لا يعقل – وحالهم هكذا – أن يتلقى عنهم رسول الله صلي الله عليه وسلم، بل إنك ترى فيه معلماً يصحح لهم أغلاطهم، وينعى عليهم سوء حالهم
فلو كانوا معلمين له صلي الله عليه وسلم، لمدحهم، وجاملهم، وتودد إليهم، وتقرب منهم، ولم يقف منهم هذا الموقف العدائى، حتى لا يفضحوا أمره، ويكشفوا حاله
ثم إن كثيراً من هؤلاء الذين يزعمون أنهم كانوا مصدر الوحى، قد أسلموا، وإسلامهم حجة قائمة على صدق نبوة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وعصمته فيما بلغ من الوحى الإلهى، ولو كان هؤلاء أعانوا النبى صلي الله عليه وسلم على الوحى، وأنه ليس من عند الله، لكانوا أدرى الناس حينئذ بحقيقة الإسلام، وبالتالى كانوا سيكونون أبعد الناس عنه، لأنهم يعرفون أنه دين ليس صحيحاً، ولكن أما وقد أسلموا وأخلصوا لله تعالى، لاسيما وأنه كانت هناك منافسة كبيرة بين أصحاب الأديان المختلفة فى ذلك الوقت، فإن ذلك كان لاستئصال ألسنة الخراصين، حتى يصابوا بالخرس رحمة بالتاريخ الذى كم لوثوه بألسنتهم هذه. وصدق رب العزة : }ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيد بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب{([iv]) وقال عز وجل : }قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين{([iv])
سادساً : من أقوى ما يدل على أن الإسلام لم يكن مقتبساً من اليهودية أو النصرانية، وجود الخلاف فى كثير من العقائد والأحكام؛ بل جعل الشارع الحكيم جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً له، ومن متطلبات الشرع، وهناك كثير من الأحكام جعلت العلة فيها هى مخالفة اليهود أو النصارى من ذلك :
1- قوله صلي الله عليه وسلم : "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"([iv])
2- وقوله صلي الله عليه وسلم : "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم"([iv])(10/164)
3- عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعهن فى البيوت. فسأل أصحاب النبى صلي الله عليه وسلم، النبى صلي الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى : }ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين{([iv]) فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا : "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"([iv]) قال الإمام ابن تيميه([iv]) : "فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم فى عامة أمورهم، حتى قالوا : "ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"([iv])
فهذا إقرار من اليهود عليهم لعائن الله، بمخالفة النبى صلي الله عليه وسلم لما كانوا عليه من شعائر حتى اشتهر ذلك بينهم، ألا يكفى ذلك برهاناً ساطعاً على بطلان قول المستشرقين : أنه كيف شعائر الإسلام لتتفق مع شعائر اليهود؟([iv])
أولم يكفهم أنه صلي الله عليه وسلم، أخرج اليهود أذلاء حقيرين من المدينة، وأجلاهم عنها لما نقضوا عهودهم معه، وأبى عليهم أن يساكنوه فى بلد واحد؟([iv]) وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله : }هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر{([iv]) أما وقف المستشرقون على الآيات والأحاديث العديدة الذامة لليهود الهاتكة لستورهم؟ أفى ذلك أيضاً دلالة على أن النبى كان يتقرب منهم ويتزلف لهم لكسبهم وإرضائهم؟
إن النبى صلي الله عليه وسلم، منذ أن بعث وحمل رسالة الإسلام، نسخ الأديان السابقة، وأبطل شرعيتها، فلا نجاة لأحد من الخلق يهودياً كان أو نصرانياً إلا بالتزام شرعه، والسير على نهجه، وهو القائل صلي الله عليه وسلم : "والذى نفس محمد بيده، لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى، ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار"([iv])
والحديث هنا بياناً وتأكيداً لقوله تعالى : }قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاً الذى له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون{([iv])
فلا بقاء لدين مع دينه صلي الله عليه وسلم، ولا شريعة مع شريعته، بل دينه هو الحاكم والمهيمن على كل الأديان. قال تعالى : }وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً{([iv])
سابعاً : ما زعموه من إرجاع كثير من شعائر الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية، أو الاثنين معاً، زعم باطل لما يلى :
أ- لأن استدلالهم بصوم عاشوراء على موافقة اليهود فيه، بناء على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : "قدم النبى صلي الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال : فأنا أحق بموسى منكم فصامه، وأمر بصيامه"([iv]). فعلة الموافقة الواردة فى الحديث هى التى بنى عليها المستشرقون شبهتهم السابقة، ويجاب بالآتى :
1- لقد ثبت أن النبى صلي الله عليه وسلم، كان يصوم عاشوراء فى الجاهلية قبل قدومه المدينة، ويدل على ذلك قول عائشة رضى الله عنها : "كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم، يصومه، فلما قدم المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه"([iv])
وفى رواية : "وكان يوم تستر فيه الكعبة"([iv]) فدل بهذا على أنه صلي الله عليه وسلم، لم يصمه موافقة لليهود واقتداء بهم، وإنما صامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً، وأخبر صلي الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكراً لله، كنا أحق أن نقتدى به من اليهود، لاسيما إذا قلنا : شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا([iv])
2- إن النبى صلي الله عليه وسلم، بين نوع مخالفة لليهود فى صيام عاشوراء، عندما شرع صيام يوم قبله، أو بعده، فعن ابن عباس قال : حين صام رسول الله صلي الله عليه وسلم، يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا : يا رسول الله. إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع" قال : فلم يأت العام المقبل، حتى توفى رسول الله صلي الله عليه وسلم"([iv]) وعنه أيضاً مرفوعاً : "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"([iv]) فدل ذلك على مخالفته لهم فى صيامه(10/165)
ب- وأما زعمهم أن المؤمنين كانوا لا يصلون فى مكة إلا مرتين فى اليوم، ثم أدخلت صلاة ثالثة عندما ذهبوا إلى المدينة على غرار اليهودية، فهو زعم فى وهن خيط العنكبوت، إذ الصلوات الخمس فرضت بمكة ليلة الإسراء، حين عرج بالنبى صلي الله عليه وسلم، إلى السماء، ولا خلاف بين أهل العلم، وأهل السير فى ذلك([iv])
وهذا الذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة، التى وردت فى صفة الإسراء والمعراج فى الصحيحين وغيرهما، من أحاديث جماعة من الصحابة رضى الله عنهم([iv]) وفى أحدها قوله صلي الله عليه وسلم : "فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة"([iv])
جـ- وأما زعمهم أنه جعل الجمعة، يوم صلاة عامة، على غرار السبت عند اليهود، فهو أيضاً قول مخالف للصواب، لأن الله سبحانه شرع لعباده المؤمنين الاجتماع لعبادته يوم الجمعة، فقال تعالى : }يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون{([iv])
وقد ثبت أن الله أمر الأمم السابقة بتعظيمه، فضلوا عنه، واختار اليهود السبت، والنصارى الأحد، وفضل الله هذه الأمة بيوم الجمعة لفضيلته([iv]) فعن أبى هريرة وحذيفة قالا : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضى لهم قبل الخلائق([iv]) ففى الحديث ذم لأهل الكتابين، على تفريطهم فى يوم الجمعة، ثم شرع صلي الله عليه وسلم، صيام يوم السبت ويوم الأحد مخالفة لهما، كما جاء فى حديث أم سلمة رضى الله عنها، قالت : "كان رسول صلي الله عليه وسلم، يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام، ويقول : إنهما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم"([iv])
قال الحافظ ابن حجر : : "يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامها"([iv])
بعد هذا يتضح لك، أن وحى الله تعالى (كتاباً وسنة) والذى بلغه رسول الله صلي الله عليه وسلم، بعصمة الله له، لم يكن مأخوذاً من اليهودية أو النصرانية، وإنما هو وحى مستقل، لم يتأثر بغيره، وبالتالى دين الإسلام، دين قائم بذاته، متميز عن غيره، وإذا وجد تشابه بين نسك إسلامى، وبين عمل سابق منسوب إلى شريعة اليهود أو النصارى. دل ذلك على أن أصل الدين الذى جاء به رسل الله واحد. لقوله تعالى : }شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه{([iv]) وبياناً لذلك وتأكيداً له، قال صلي الله عليه وسلم : "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"([iv]) والمراد بـ (إخوة لعلات) الذين أمهاتهم مختلفة، وأبوهم واحد. أراد أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة([iv]) أهـ.
=============
اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالإرهاب
إن الحمد لله الذي جعل سيدنا محمدا رسول الله أشرف البشر وأعظمهم على مر التاريخ، فهو إمام الأنبياء والمرسلين، وسيد الشفعاء يوم القيامة، ولن تستطيع أقلام مأجورة ولا أفكار مسعورة ولا حملات إعلامية مضللة من أن تنال منه ولا من دينه وأخلاقه بعد أن قال عنه ربه مادحا: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ، فمدح الله تعالى له يغنيه عن كل إطراء، ويدفع عنه كل شبهة.
لقد كان من صفات هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم العفو عند المقدرة، والرحمة لمن حوله من المؤمنين، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)، بل إن رحمته تمتد لتشمل الكون كله، فما هو إلا رحمة لكل شيء، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107)، وكان عليه السلام يستشعر أهمية الرحمة في حياته ودعوته، فسمى نفسه نبي الرحمة، روى أبو موسى الأشعري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: (أنا محمد، وأحمد، والمقفي والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة) رواه مسلم[1](10/166)
والعجب من أن يتهم بعض المغرضين في عصرنا نبي الرحمة والسلام صلى الله عليه وسلم بالألفاظ النابية التي تدل على جهلهم أو حقدهم، فمن ذلك أنهم وصفوه بالإرهاب، وهو أبعد الناس عن ذلك صلى الله عليه وسلم[2]، فهو أرحم البشر، وأبعدهم عن الظلم والثأر والعدوان، وأحرصهم على فرض النظام والشريعة، وأكثرهم عفة ورفقا ولينا وتواضعا، ولقد أحسن شوقي حين شبه النبي عليه السلام بالأب الرحيم الذي يعفو عن زلات أولاده، فقال: [3]
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
أسباب وصف النبي بالإرهاب
الأسباب التي تدعو بعض الكتاب والمغرضين إلى وصف النبي بالإرهاب لا تعدو أن تكون في مجملها ستة، وهي:
1- اجتزاء النصوص الدينية وعدم النظر إليها كوحدة متكاملة، فالتشريع الإسلامي يشمل الدين والدنيا والحرب والسلام، فقراءة النصوص التي تنظم قواعد الحرب وآدابها بمعزل عن النصوص التي تنظم حياة السلام قد يوقع في الخلط وسوء الفهم.
2- عدم فهم الظروف التي أحاطت بالنصوص، فهنالك ما يسمى أسباب النزول، ومعرفتها ضرورية جدا لفهم ملابسات نزول النص.
3- الجهل باللغة العربية، فقراءة النص الديني بلغته الأصلية تزيل كثير من اللبس والغموض عنه، فهناك العام الذي يراد منه الخاص وبعكسه الخاص الذي يراد منه العام، وهناك الترادف والمشترك والمبهم وغير ذلك، ومعرفة قواعد البلاغة العربية مهمة جدا لفهم القرآن الكريم.
4- الجهل بفلسفة الحياة، فالحياة فيها السلم وفيها الحرب، ولا بد للدين الحق من أن ينظم قواعد الحياة في الحالتين، ولا يترك شئون الحرب ليدبرها الناس بأنفسهم، فيكون دينا ناقصا لا يصلح لواقع الحياة.
5- الجهل بالسيرة النبوية وأحداث التاريخ، وتفسير أحداثه من زاوية طائفية أو مذهبية بعيدا عن الموضوعية بفهم أحداثه.
6- الأسباب النفسية من حقد وكراهية، وهي أسباب قلما ينجو منها متعصب حاقد على الدين الحنيف ورسوله الكريم، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )(النساء: من الآية89)
ما الإرهاب؟
وقبل أن نفند فرية الإرهاب بحق النبي عليه الصلاة والسلام نود أن نعرف الإرهاب ونفرق بينه وبين الجهاد في سبيل الله تعالى، إذ كثيرا ما يخلط الناس بين المصطلحات، مما يوقع اللبس في العقول والنتائج، فمن حيث اللغة: الإرهاب يرجع في اللغة إلى أصل ثلاثي وهو رهب كعلِم، ومعناه: خاف، ورَهَبوت خير من رحموت: أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه: أخافه، والمرهوب: الأسد[4]
فالإرهاب إذا يرجع إلى الخوف، والخوف يحصل بأسباب كثيرة، يبدأ بالأمور النفسية، فالخوف من التكذيب والازدراء ونحو ذلك هو أدنى درجات الإرهاب ونسميه بالإرهاب النفسي، وقد يخاف الإنسان من أن يتحول التكذيب إلى تشهير دائم فيتطور الإيذاء النفسي إلى إيذاء إعلامي واجتماعي، وقد يقاطع الناس هذا الإنسان اقتصاديا، فيتحول الضرر من معنوي إلى حسي، مما يتسبب له بالفقر والضرر، وفي خطوة أخيرة قد يحاولون إيقاع الأذى الجسمي به أو بأهله وضيوفه، وهنا يدخل الإرهاب مرحلة خطيرة وهي مرحلة التصفية والإبادة، مما يبرر لهذا المتضرر بالدفاع عن نفسه حفاظا على حقه في الحياة.
من هذه المقدمة نستطيع تعريف الإرهاب بأنه: هو إيقاع الأذى المادي أو المعنوي بالآخرين ورفض الاستماع إليهم أو التحاور معهم، ويبدأ الأذى بالتكذيب والتشهير، وينتهي بحرب الإبادة والتصفية الجماعية، وبين هاتين المرحلتين مراحل كثيرة من العدوان الإعلامي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي.
براءة الأنبياء والرسل عليهم السلام من الإرهاب(10/167)
من التعريف السابق للإرهاب نجد أنه لا ينطبق على الأنبياء والرسل جميعا، فقد كانوا يريدون من أقوامهم مقارعة الحجة بالحجة، وأن يسمحوا لهم بتبليغ رسالات ربهم دون أذى، وإنما ينطبق على أعدائهم، حيث يقعد أعداء الرسل في طريق الحق لقطعه على كل من يريد الوصول إلى الهدى، وأول من فعل ذلك إبليس لعنه الله، حيث جاء على لسانه في القرآن الكريم: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (لأعراف:16)، ويستخدم أعداء الرسل كافة الأساليب الإرهابية لصرف الناس عن الهدى، فيدعو الإرهابيون من أعداء الأنبياء والرسل إلى الحرب الإعلامية متمثلة بصور شتى منها بذاءة اللسان مع الأنبياء، ونعتهم بالألفاظ النابية، قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذريات:52)، وقد يحاصرون المؤمنين اقتصاديا، ويشيعون الفاحشة ويلوثون الأعراض وسمعة المؤمنين بالإفك ونحوه، ثم تبدأ التصفية الجسدية ومن آثارها مقابلة الحجة بالسوط، والحق بالسيف، والحقيقة بالجلد، إذ ينطلق الإرهاب من فكرة رفض التعايش مع الآخر، وينتهي بالتصفية الجسدية ومحاولة الاستئصال الدموي لذاك الآخر ولو كان نبيا مرسلا مثل موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)(غافر: من الآية28)
وكثيرا ما حاول أعداء الرسل التضييق على رسلهم ومحاولة إخراجهم من أرضهم وكأن الأوطان حكر للكفرة قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (ابراهيم:13) ، وربما امتدت أيديهم الآثمة لقتل الأنبياء وأتباعهم، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران:21)
وقد تعرض النبي الخاتم عليه السلام إلى مختلف أنواع الإرهاب من قومه حتى نجاه الله منهم، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
شبهة وردها
وردت مادة رهب ومشتقاتها في القرآن الكريم في اثني عشر موضعا، منها: الرهب ورهبانية ورهبان وغير ذلك[5]، ولم ترد بمعنى الأمر بإرهاب العدو أبدا، وإنما وردت لتعليل الإعداد لملاقاة الأعداء في المعركة، وذلك موضع واحد من الذكر الحكيم، وهو قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60)، والإرهاب المقصود هنا يكون في المعركة، فقد (أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة)[6]، ومعلوم بأن المعارك كلها تهدف إلى كسب الحرب وإرهاب العدو وإحراز الغنائم، فالحرب ليست لعبا، والقوي هو الذي ينتصر في النهاية، لذلك تحرص الدول والجيوش جميعا على كسب المعارك منذ الجولة الأولى، وبث الرعب في نفوس أعدائها، وهذا ما أراده القرآن، ولم يرد قط إرهاب الآمنين، أو تصفية الخصوم بالأساليب الغادرة كما يفعل الطواغيت في الأرض، لأن المبدأ الذي قام عليه الدين احترام حقوق الآخرين في العقيدة والحياة الكريمة والمشاركة الفاعلة في المجتمع، وعدم البدء بالعدوان على الآخرين، يقول سبحانه: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم)(39-42: الشورى).
الفرق بين الإرهاب والجهاد(10/168)
هنالك خلط متعمد بين الإرهاب والجهاد، فأبواق الضلال تسمي الجهاد إرهابا، وشتان ما بينهما، ويقتضي الخلط وصف النبي عليه السلام بما ليس فيه لأنه حمل السيف وقاتل في سبيل الله، وليس كل من حمل السيف إرهابيا، وإلا لكان عامة الأنبياء والرسل عليهم السلام وكافة الملوك والفاتحين في التاريخ إرهابيين، وهذا باطل بحكم العقل والشرع والواقع، فالإرهاب أعمال عدوانية غير مشروعة كما سبق، تنفرد بها عصابة أو مجموعة أو دولة كما في الكيان الصهيوني لأغراض خاصة، والإرهاب هنا هو إفساد في الأرض، وتدمير للحياة الإنسانية، وهو ما ترفضه جميع الأديان والشرائع، وقد وقف الإسلام منه موقفا حاسما، قال تعالى: ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )(المائدة: من الآية2)، وفرض الإسلام أشد العقوبات على الأعمال التي تهدد الأمن العام كعمل قطاع الطريق ونحوه، مما يستلزم أقصى العقوبة، وفي هؤلاء المجرمين وأمثالهم نزل قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33)
أما الجهاد في سبيل الله فهو جزء من منهج الأنبياء والمرسلين بمن فيهم نبينا محمد عليه السلام، وهو عبارة عن حرب عادلة لدفع العدوان أو لإزالة الديكتاتوريات الظالمة التي تحول دون الناس وبين حرية العقيدة، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة:256)، وليس الجهاد لإرغام الناس على الدخول بالإسلام، فالله تعالى هو المتكبر، وهو ملك الملوك، وقد دعا الناس إلى عبادته لما فيه مصلحتهم، والقرآن مأدبته في الأرض، فمن رفض الدعوة لا يقبل الله عمله ولا يجبره على اعتناقها، لأن من عادة الملوك التكبر، ولو أن إنسانا أقام دعوة ثم رفض بعض المدعوين إجابتها هل يجبرهم على الحضور أم يعرض عنهم ويسخط عليهم؟ إن عماد التواصل في العلاقات بين الناس هو الرغبة والمحبة وليس الكره والإجبار، وهو مع رب الناس وملك الناس وإله الناس قائم على هذا الأساس أيضا، يقول غوستاف لوبون في هذا السياق: (وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، فلما قهر النصارى عرب الأندلس، فضل هؤلاء القتل والطرد عن آخرهم، على ترك الإسلام، ولم ينتشر القرآن بالسيف إذن، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا كالترك والمغول)[7].
وقد ابتدأ الجهاد دفاعا عن حقوق المهاجرين الذي أبعدوا عن ديارهم بغير حق، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)، وانتهى ليصبح دفاعا عن الإنسان حيث كان، وتحريرا للإنسانية بكافة أشكالها وألوانها، وعلى مختلف الأمكنة والعصور من كل الأغلال والديكتاتوريات التي تكبلها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:123)
وقد كان المسلمون يضحون بأموالهم وأنفسهم من أجل نشر العدالة وإتاحة حرية الاختيار أمام الآخرين، في عصور لم تكن تعرف شيئا من الحرية السياسية والدينية، ولم تكن تعترف بكرامة الإنسان. وهذا سبق عالمي ينبغي للمسلمين أن يفتخروا به، فهم لم يقاتلوا من أجل نهب ثروات الآخرين، والاستيلاء على مقدراتهم، وإنما من أجل نشر العدالة والحرية بين الناس حتى يختاروا العقيدة الصحيحة أو يبقوا إذا شاؤوا على عقيدتهم من دون خوف من حسيب أو رقيب. ومثل هذه الحرب لم تعرفها البشرية في كل عصورها، فالحرب عبر التاريخ وإلى يومنا هذا سببها المكاسب المادية والجشع والطمع بما عند الآخرين.
وإذا كان العصر الحديث قد وفر للناس نوعا من الحرية والحماية في ظل القانون، وسلطة الدولة إلى حد ما، وإذا كانت الدول الكبرى بدأت تفكر بما تسميه حقوق الإنسان وتسعى للتدخل لحمايتها كما تزعم، فإن هذا الأمر لم يكن موجودا البتة في العصور الوسطى، ولذلك كان الجهاد في ذلك الوقت استنقاذا للحرية الإنسانية والكرامة البشرية وتحريرا للعقل البشري من وصاية أية قوة طاغية تحول بينه وبين اتباعه للدين الذي يراه دون خوف أو وجل من كافة القوى المتحكمة بمصير الفرد والمجتمع آنذاك.(10/169)
وإذا استطاع القانون إنصاف الناس فلا هجرة ولا حاجة للقتال، ودل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ما هو خير لهم من الجهاد، وذلك في أوقات السلم والأمن، وهو ذكر الله، فقال لهم: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟). قالوا: بلى. قال: (ذكر الله)[8]. وأما إذا عجز القانون إنصاف الناس عن ذلك فالقتال يبقى حقا مشروعا من أجل تحقيق العدالة إلى يوم القيامة.
قبول الآخر أساس الحرية الدينية في الإسلام
الناس أحرار في أديانهم ومعتقداتهم حسب تصور الشريعة الإسلامية التي لا ترى وصاية على عقول الناس ومعتقداتهم، فلا إكراه في الدين، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي)(البقرة: من الآية256) ولا يقبل كفر بالإكراه، ولا إيمان بالإكراه كذلك، فالأساس في الإيمان والكفر هو الحرية الإنسانية الكاملة بلا وصاية ولا إكراه، وبناء على الاختيار تكون المسئولية أمام الله تعالى يوم القيامة.
وهنا يثير بعضهم تساؤلات حول آية السيف، وأننا يجب أن نجبر الآخرين على عقيدتنا، وقد رد العلامة ابن كثير على فكرة نسخ آية السيف لآيات السلام، فقال عند قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنفال:61): (وقال ابن عباس، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة [قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر] وفيه نظر أيضا، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفا، فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، والله أعلم)[9].
أحوال غير المسلمين في الدولة الإسلامية
والأصل في العلاقات الإسلامية مع غير المسلمين ممن لم يشهر سلاحه في وجه الإسلام، أن تكون علاقة بر وعدل وصلة وتعاون، سواء كانوا يعيشون داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)
وأما من شهر سلاحه على الدعوة وحاربها فإنه يعاقب بالمثل، سواء كان غير مسلم أصلا، أو مسلما ارتد عن دينه، أو مسلما خرج على الأمة وحمل السيف على السلطان الشرعي، قال تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة:194)، وأما العدوان من جانب المسلمين على غيرهم فمحرم، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190).
وفي ضوء هذه القوانين السامية التي سنتها شريعة الله سبحانه، تعايش المسلمون مع غيرهم من أبناء الديانات الأخرى، وقد تبادل المسلمون وأهل الكتاب الطعام، حيث أحل الله لكل فريق أن يأكل طعام الآخر، قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُم)(المائدة: من الآية5)
وقد حرم الإسلام شتمهم أو شتم دينهم، أو تسميعهم ما يكرهون، وحرم سفك دمائهم، وسمح بزيارتهم، وبدخولهم المساجد، وبصلاة المسلمين في الكنائس، وبلبس ملابسهم، وعيادة مرضاهم، والاستعانة بهم في الشدائد عند الضرورة، وبالتبادل التجاري معهم، والزواج من نسائهم .. إلخ.
شهادة المستشرقين على سماحة الإسلام
وقد أشاد كثير من المستشرقين بسماحة الإسلام، ومنهم زيغريد هونكة التي نوهت بموقف الإسلام من النصارى حين قالت: "إن التسامح العربي العريق هو الذي حمل فاتح مصر القائد عمرو بن العاص على تحاشي أي أعمال سلب أو نهب أو تدمير للمدن المفتوحة، بل آلى على نفسه المحافظة على ضمان ممارسة حضارتهم المتوارثة، كما جاء في وثيقة الاستسلام المبرمة حرفيا، وللوقوف على البعد الحقيقي لهذا التسامح غير المعهود في أوروبا"
وقد بدأ التسامح من عهد النبي عليه السلام، واستمر هذا الخلق الإسلامي الكريم عند ملوك المسلمين وخلفائهم، يقول غوستاف لوبون في حديثه عن نتائج الحروب الصليبية: (ولم يشأ صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى على بكرة أبيهم، فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم، مانعا سلب شيء منهم)[10].
برناردشو يشيد بشجاعة النبي محمد(10/170)
لم يكن سيدنا محمد إرهابيا في نظر كثير من مفكري الغرب وعلمائه ومنهم: برناردشو، بل كان نبيا كريما وقائدا عظيما يفهم فلسفة الحياة، ويعمل وفق ما تقتضيه قوانينها، والحرب عنده وسيلة وليست غاية، وهي الرؤية التي تبناها برناردشو للحرب نفسها، فقد صور برناردشو موقفه من الحرب في الحوار الذي تخيله بين عيسى ومحمد على النحو التالي:
- القتل حرام في ديانتي
- هذا صحيح حين يتعلق الأمر بنزاعات شخصية، ولكننا يجب أن نقتل أولئك الذين لا يصلحون للحياة.
- ومن الذي يحكم ما إذا كنا نصلح للحياة؟ إن أعلى السلطات والحكام الإمبراطوريين وكبار رجال الدين قضوا كلهم بأني لا أصلح للحياة.
- كان هذا هو نفس ما حدث بالنسبة لي، وكان عليَّ أن أنجو بنفسي وأن أتوارى عن الأنظار، حتى تمكنت من إقناع عدد كاف من الفتيان الأقوياء بأن كبارهم قد جاروا في حكمهم عليَّ، ثم عدت بعد ذلك وأزلت الأعشاب من الحديقة.
- أنا معجب بشجاعتك وبحكمتك العملية، ولكني لست من نفس الطراز.
- ا تعجب بهذه الصفات، إنني أخجل منها أحيانا، كل رؤساء القبائل يملكون منها الكثير، وأنا إذا كان لي قيمة فهي ناتجة عن ذلك السمو الروحي الذي جعل مني أداة للوحي الإلهي[11]
وحبذا لو أن هؤلاء الذين ينعتون محمدا بالإرهاب قد قرأوا كلام برناردشو وفكروا قبل إصدار أحكامهم، لقد حاول أعداء المسيح أن يقتلوه ولم يستطيعوا، وهم يزعمون أنه قد صلب، فهل ينبغي أن يكون مصير كل المرسلين هو القتل أو الصلب كما يزعمون حتى لا يكونوا إرهابيين، ومن الذي يعطي الشرعية للقاتل دون المقتول؟ ولماذا يقف الناس مع الجزار دوما ضد الضحية، أليس هذا منطق شريعة الغاب في النهاية، حيث يفترس القوي الضعيف؟ وما فضيلة مجتمع الإنسان عن مجتمع الغابة آنذاك؟.
الطعن بمحمد طعن بالمسيح
هذه هي الحقيقة التي ينادي بها برناردشو، يقول الأستاذ محمود علي مراد في هذا الصدد:"وفيما يتعلق بالأخلاق عامة، فإن شو رغبة منه في إنصاف نبي الإسلام من ناقديه وناقدي ديانته من المسيحيين، ذكَّر هؤلاء في أكثر من موضع من كتاباته بأن محمدا كان يعترف برسالة السيد المسيح، وكان يوقره بنفس الدرجة التي كان يوقر بها المسيح نفسه يوحنا المعمدان الذي عاصره وبشر بقدومه، والذي أراد شو أن يقوله بالتشديد على هذه الحقيقة هو أن محمدا لو كان شريرا أو مخاتلا أو كاذبا كما تدعي أكثرية المسيحيين تحت لواء الكنيسة، لهاجم المسيح بدل أن يعترف به، وإن اعترافه به هو اعتراف بأخلاقيات رسالته، وإن اعترافه بهذه الرسالة يجب منطقيا أن يقيه شر عدوانهم، ولهذا فإن الطعن في محمد هو طعن بطريق غير مباشر في الأخلاقية التي ينادي بها، وهي نفس القيم التي تنادي بها الديانة المسيحية"[12]
الحروب الصليبية تشهد على سماحة الإسلام
ولا ريب أن بعض النصارى في الغرب رأوا في انتصار الإسلام وانتشار نفوذه خطرا يهدد مصالحهم، فأعلنوا العداوة له، وكانت خطيئة هؤلاء بحق محمد تشبه خطيئة اليهود بحق عيسى، فكل منهما رفض الاعتراف بالحق والإقرار به، فعمدوا على إشعال فتيل الحرب بين النصرانية والإسلام، يقول أحد شعراء الأرمن على لسان ملكه من قصيدة طويلة:[13]
سأفتح أرض الله شرقا ومغربا وأنشر دينا للصليب بصارمي
فعيسى علا فوق السماوات عرشه يفوز الذي والاه يوم التخاصم
وصاحبكم بالترب أودى به الثرى فصار رفاتا بين تلك الرمائم
ومن شأن مثل هذه القصائد أن تشعل حروبا إعلامية، وقد رد ابن حزم الأندلسي على قصيدة هذا الشاعر بنقيضة لها[14].
وقد قامت الحروب الصليبية، وتم إجلاء المسلمين عن الأندلس بسبب الحقد الذي أشعله ملوك الصليبيين، لأغراض ظاهرها دينية وحقيقتها سياسية، لأنه لا تعارض في إمكانية التعايش بين المسيحية والإسلام كما ذكرنا آنفا، وفي سنة 492هـ (أخذت الفرنج بيت المقدس بعد حصار شهر ونصف، وقتلوا أكثر من سبعين ألفا، منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد، وهدموا المشاهد، وجمعوال اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم)[15]. ويصف غوستاف لوبون ما أحدثه الصليبيون من كوارث فيقول: (ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك، فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفا، فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولدا ولا شيخا، وأراد الصليبيون أن يستريحوا من عناء تذبيح أهل القدس قاطبة، فانهمكوا بكل ما يستقذره الإنسان من صنوف السكر والعربدة)[16].(10/171)
وفي مقابل هذا الغزو المتكرر من الصليبيين،لم يتورط المسلمون في حروب دينية استئصالية مع الآخرين، فقد تعايشوا مع كافة الأديان والطوائف التي وجدت في بلاد الإسلام، وحين دحروا القوى الصليبية قدموا الخدمات والمعونة لمن أراد أن يرجع من الصليبيين إلى بلاده، وعفا صلاح الدين عن ملوكهم، (وأطلق السلطان خلقا منهم بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير، فعفا عنهم)[17]، ولم يثأر من كنائسهم أو من النصارى الذين يعيشون جنبا إلى جنب بجوار المسلمين في ديار الإسلام، وهو ما لم يتحقق لمسلمي الأندلس عندما استولى النصارى على الحكم فيها، حيث أحرقت المساجد ودمرت المآثر الإسلامية وتم إجلاء المسلمين جميعا عن تلك البلاد.
أسباب الحروب الصليبية
يحلل برناردشو أسباب الحروب الصليبية، فهو يرى "أن تقديس المسيحيين للعهد القديم باعتباره جزءا لا يتجزأ من كتابهم المقدس كان هو المسئول عن زرع العقلية العسكرية في نفوس العالم الغربي، كما كان له دخل كبير في كافة الحروب التي اشترك فيها العالم المسيحي، وإن كلا من الطرفين في هذه الحروب، بما في ذلك الحرب العظمى الأولى التي جاءت كتابته في هذا الصدد تالية لها كان يمسك بالبندقية أو بالمدفع أو بالقنبلة في يد، وبالعهد القديم أو بكتابات تستلهم العهد القديم في اليد الأخرى، وأن استئصال فكرة الحرب من نفوس الناس لن يتسنى إلا إذا أنزل العهد القديم من السحب، وتم تقويمه والنظر إليه باعتبار حقيقته الفعلية لا باعتباره كتابا منزلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"[18]
الاستعمار الحديث وجذوره الصليبية
وقد اتخذت حروب الاستعمار في العصر الحديث الدين المسيحي غطاء لأطماعه الاقتصادية، فلقد كان نشيد الجنود الطليان عندما أرادوا فتح ليبيا:
(يا أماه . أتمي صلاتك ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي
ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني، وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا.
لأبذل دمي لسحق الأمة الملعونة.
ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان.
سأقاتل بكل قوتي لأمحو القرآن…)[19]
ومثل هذا النشيد لا يقبل به السيد المسيح عليه السلام بكل تأكيد فقد كان رسولا للمحبة والسلام، وهو القائل: (أحبوا أعداءكم).
نتائج البحث
1- إن السلام هو الأصل في دعوة الأنبياء، ولكن أعداءهم حملوا السيف عليهم، فصار القتال قدر الأنبياء جميعا، حتى المسيح الذي لم يقاتل في حياته يوما واحدا، سينزل السماء قبل قيام الساعة ليقتل الدجال الذي هو ألد أعداء الله في الأرض، ففي الحديث أن المسيح سيحمل السيف ويتصدى للدجال: (حتى يدركه بباب لد فيقتله) [20]
2- إن أعداء الرسل والأنبياء هم البادئون بالعدوان، فهم الإرهابيون الحقيقيون في الحياة، ومن دافع عن نفسه من الأنبياء والمرسلين فهذا من حقه الشرعي، قال تعالى: (أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )(التوبة: من الآية13)
3- إن كثيرا من الأنبياء والرسل عليهم السلام قد حملوا السيف قبل محمد عليه السلام، منهم موسى وداود وسليمان عليهم السلام، فلو كان حمل السيف لا يليق بالصالحين والأنبياء، لما حمله أولئك، بل الذي لا يليق بهم أن يتركوا الطغاة والمفسدين يعيثون في الأرض فسادا دون التصدي لهم، لأنه لا بد للحق من قوة تحميه وتدافع عنه.
4- إن قتال الأنبياء والرسل عليهم السلام محكوم بقواعد أخلاقية، فلا يطال البيئة بأذى ولا الحيوان ولا ضعاف البشر ولا الرهبان والأديرة والكنائس ونحوها، بعكس قتال أعدائهم فإنه استئصالي يدمر كل شيء. قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ )(غافر: من الآية25)
5- إن الجهاد في الإسلام ابتدأ دفاعا عن المهاجرين والأنصار، وانتهى دفاعا عن حقوق الشعوب والأقليات في الأرض، وتحريرا لهم من الأغلال التي تكبلهم قال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)(لأعراف: من الآية157) فالجهاد هدفه التغيير والتجديد نحو الأفضل، وإطلاق الحريات للأمم والشعوب، فهو ليس صنوا للإرهاب أبدا، وإذا كانت الدول المتقدمة اليوم تعطي لنفسها الحق في التدخل بشئون الدول الأخرى وشن الحروب عليها من أجل إشاعة جو من الديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن باب أولى أن يكون هذا الحق للدين الذي يعلو ولا يعلى عليه.
6- إن محمدا عليه السلام هو أرحم الناس وأبعدهم عن الانتقام لنفسه، ويكفي قولته المشهورة لأهل مكة عند فتحها: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وكل وصف له يتنافى مع الأخلاق السامية والرحمة الشاملة إنما هو كذب وافتراء على الحقيقة والتاريخ، والمنصفون من علماء الغرب بل ومن كل الأمم يشهدون بعظمة خلقه ونبله عليه الصلاة والسلام.(10/172)
7- إن التعايش مع الآخرين من فطرة الإسلام وشرعه، وما كان الرسول ليظلم أحدا أو يجبره على الدخول في دينه وربه يقول له: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99)
8- إن التفريق بين الجهاد والإرهاب أمر حتمي، فالإرهاب بمعنى العدوان، وقتل النفس الإنسانية بغير حق، وتهجير الناس من أوطانهم، وهدم بيوتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم، وتدمير البيئة الإنسانية كل ذلك مرفوض بكافة صوره وأشكاله، ولا يتفق مع نصوص الشريعة و ومقاصدها، وفتاوى العلماء أكثر من أن تحصر في نبذ الإرهاب وتحريمه.
9- إن الإرهاب هو ما صنعه الاستعمار الذي مزق العلاقات الإنسانية بين الشعوب، واستخدم أفتك الأسلحة لإذلالها وقهرها، ثم هاهو ذا يتهجم على الدين الحق ونبيه الكريم ظلما وعدوانا، ولله در المسيح حين قال لبني إسرائيل: (يا أولاد الأفاعي، يرى أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه).
وآخردعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-----------------------------------------
[1] - انظر: مشكاة المصابيح، للتبريزي، بتحقيق الألباني، (3/1609).
[2] - انظر مقالاتهم في مقال: هل الإسلام سلاح دمار شامل للدكتور عصام نعمان في صحيفة الخليج العدد (8602) السبت 7 ديسمبر 2002م.
[3] - انظر: الهمزية النبوية في ديوان الشوقيات (1/34-41).
[4] - انظر: القاموس المحيط، مادة (رهب).
[5] - انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، مادة (رهب)
[6] - مختصر تفسير ابن كثير، للصابوني، (2/115).
[7] - حضارة العرب، ص (128).
[8] - رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجة، إلا أن مالكا وقفه على أبي الدرداء، قال الألباني: وإسناده صحيح مرفوع. ، انظر: مشكاة المصابيح للتبريزي، (2/702). [مصدر سابق]
[9] - تفسير القرآن العظيم، (2/356-357).
[10] - حضارة العرب، ص (329)، [مصدر سابق]
[11] - انظر: من الأعمال المختارة: بيوت الأرامل، العابث، جورج برناردشو، مقدمة المترجم محمود علي مراد، ص (66) نشر وزارة الإعلام الكويتية، يونيو 1972م، ضمن سلسة من المسرح العالمي، 33/1.
[12] - المرجع السابق، ص (67).
[13] - البداية والنهاية لابن كثير، ( 11/247).
[14] - انظر: البداية والنهاية لابن كثير، ( 11/244-252)، [مصدر سابق]
[15] - تاريخ الخلفاء للسيوطي، تحقيق إبراهيم صالح، ص (504).
[16] - حضارة العرب، ص (327)، [مصدر سابق]
[17] - البداية والنهاية لابن كثير، ( 12/324)، [مصدر سابق]
[18] - انظر: من الأعمال المختارة، ص(64-65). (مرجع سابق).
[19] - الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، د. محمد محمد حسين، (2/164-165)، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1392هـ/1972م.
[20] - رواه مسلم عن النواس بن سمعان، انظر مشكاة المصابيح، للتبريزي، بتحقيق الألباني، (3/1508).
نشر في مجلة منار الإسلام، ربيع الأول 1424هـ/مايو 2003م.
بقلم د. محمد رفعت زنجير
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا،
كلية التربية والعلوم الأساسية، أبو ظبي
===================
شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى بامرأة من الأنصار" والرد عليها
الدكتور/ عماد الشربيني
روى الإمام البخارى فى صحيحه بسنده عن أنس رضى الله عنه قال : "جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ,، ومعها صبى لها، فكلمها رسول الله ,، فقال : "والذى نفسى بيده، إنكم أحب الناس إلى مرتين"([1])
بهذه الرواية طعن أعداء السيرة العطرة فى صحيح الإمام البخارى، وأوهموا القارئ بأن الحديث يطعن فى عصمة رسول الله , فى سلوكه، وفى خلقه العظيم، حيث جاء فى الرواية أنه ، خلا بامرأة، ثم قال : "إنكم أحب الناس إلى"
يقول أحمد صبحى منصور : "والرواية تريد للقارئ أن يتخيل ما حدث فى تلك الخلوة التى انتهت بكلمات الحب تلك، وذلك ما يريده البخارى بالطبع"([1])0
والجواب :
أولاً : أقول لهؤلاء النابتة الضالة التى تريد الطعن والتشكيك فى صحيح الإمام البخارى، لتسقط مكانته كأصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولتسقط بسقوطه كل كتب السنة التى تليه، إذ هو بمثابة الرأس، لكتب السنة، وبسقوط الرأس يسقط كل الجسد0
أقول لهم : إن كنتم صادقين فى دعاكم تنزيه الرسول ، مما يشكك فى سيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة، وعصمته فى سلوكه، وتزعمون أن البخارى بإخراجه لهذه الرواية فى صحيحه قد افترى كذباً على الرسول ، وشكك فى أخلاقه وعصمته - وعصم الله عزوجل - البخارى وغيره من أئمة السنة من ذلك
وإن كنتم حقاً أهل علم، وبحث عن الحقيقة فلماذا تعمدتم عدم ذكر اسم عنوان الباب الذى ذكر تحته الإمام البخارى هذا الحديث؟ وهو باب "ما يجوز أن يخلوا الرجل بالمرأة عند الناس"
ولماذا تجاهلتم ما قاله شراح الحديث فى بيانهم للمراد من الخلوة، وكيف كانت تلك الخلوة، ولماذا اختلى بها النبى؟(10/173)
نعم تعمدتم عدم ذكر ذلك تلبيساً منكم وتضليلاً للقارئ، ولأنكم تعلمون كما تعلم الدنيا بأسرها، أن فقه الإمام البخارى فى تراجم أبوابه، التى أعيا فحول العلماء حل ما أبداه فى هذه العناوين من أسرار! إنكم تعلمون أنكم بذكركم عنوان الباب، ينكشف سريعاً كذبكم وتضليلكم! كما أنكم تجاهلتم ما قاله شراح الحديث من أئمة المسلمين، والذين تحرصون على وصفهم بأنهم يقدسون البخارى، ويعبدونه من دون الله "وعصمهم الله من ذلك" تجاهلتم ما فسروه وبينوه من معنى "خلوة الرجل بالمرأة عند الناس" وكيف كانت تلك الخلوة؟
والنتيجة من تجاهلكم كل ذلك أنكم سفهتم عقول أئمة المسلمين، واستخففتم بعقل القارئ لكم
ثانياً : تعالوا بنا لنظهر للقارئ ما حرصتم على كتمانه؛ ولنترك له الحكم بعد ذلك؛ فيمن الصادق البخارى أم أنتم؟ ومن الطاعن والمشكك فى عصمة النبى البخارى أم أنتم؟ ومن المحترم لعقل القارئ البخارى أم أنتم؟
يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله – شارحاً المراد من عنوان الباب الذى ذكر الإمام البخارى تحته حديث أنس. قال : قوله : "باب ما يجوز أن يخلوا الرجل بالمرأة عند الناس" أى : لا يخلوا بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بحيث لا يسمعون كلامهما، إذا كان مما يخافت به؛ كالشئ الذى تستحى المرأة من ذكره بين الناس، وأخذ المصنف قوله فى الترجمة : "عند الناس" من قوله فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو فى بعض السكك" وهى : الطرق المسلوكة التى لا تنفك عن مرور الناس غالبا
وقوله : "فخلا بها رسول الله " أى : فى بعض الطرق، ولم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أنصار من كان معه، وإنما خلا بها، بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما، من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما، لأنه لم يسمعه
وفى رواية مسلم عن أنس : "أن امرأة كان فى عقلها شئ، فقالت : يا رسول الله! إن لى إليك حاجة، فقال : يا أم فلان! أى السكك شئت، حتى أقضى لك حاجتك، فخلا معها فى بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها"([2])
قال الإمام النووى – رحمه الله – قوله : "خلا معها فى بعض الطرق" أى : وقف معها فى طريق مسلوك، ليقضى حاجتها، ويفتيها فى الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان فى ممر الناس، ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها، لأن مسألتها مما لا يظهره"([3])
ومن هنا استفاد الأئمة من هذه الرواية : "أن مفاوضة الأجنبية سراً لا يقدح فى الدين عند أمن الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة رضى الله عنها، "وأيكم يملك أربه كما كان يملك أربه"([4]) قلت : وإيانا أيضاً معصوم كعصمته
ثالثاً : ليس فى قوله : "إنكم أحب الناس إلى – مرتين – وفى رواية : ثلاث مرات" ما يطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه، لأن هذه الكلمة قالها النبى جهاراً على ملأ من الناس لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس
يدل على ذلك ما أخرجه البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : أبصر النبى ، نساءاً وصبياناً مقبلين من عرس فقام ممتناً فقال : "أنتم من أحب الناس إلى"([5]) وهو على طريق الإجمال، أى : مجموعكم أحب إلى من مجموع غيركم
فالكلمة إذن لم يقلها رسول الله مغازلاً للمرأة الأنصارية التى اختلى بها ليقضى حاجتها؛ كما يحاول أن يزعم، ويستنتج أعداء الإسلام! وإنما قالها ، خطاباً لمجموع الأنصار. وتأمل قوله : "إنكم" ولم يقل "إنك"
وليس أدل على ما سبق أن الراوى للحديث أنس بن مالك، سمع هذه الجملة "إنكم أحب الناس إلى" وسمع كم مرة كررها رسول الله فإذا كانت الكلمة مقصوداً بها المغازلة؛ فلم جهر بها حتى سمعها أنس؟!
ولم لم يسر بها حتى لا يسمعها أنس إن كان مقصوداً بها ما يزعمه أعداء عصمته ؟
إن هذه الجملة : "إنكم أحب الناس إلى" قالها المعصوم : منقبة للأنصار، حيث جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق، فقال : "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"([6]) وفى رواية : "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"([7])
قال الحافظ ابن حجر : وخصموا بهذه المنقبة العظمى، لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبى ,، ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم فى كثير من الأمور على أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجباً لمعاداتهم، جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجباً للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم، والترغيب فى حبهم، حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم فى معنى ذلك مشاركاً لهم فى الفضل المذكور، كل بقسطه"([8])(10/174)
وبعد : فقد ظهر واضحاً جلياً لكل ذى عقل، وقلب سليم، أن الحديث صحيح رواية ودراية، وأن ما زعمه أهل الزيغ من أن لفظ الخلوة فى الحديث محمول على الخلوة المحرمة؛ مردود عليهم بما جاء فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو بعض السكك" وهى الطرق التى لا يخلو منها المارة من الناس
كما اتضح جلياً أن تلك المرأة التى خلى بها النبى ,، كانت لها مسألة أرادت أن تستفتى فيها النبى ، وتلك المسألة مما تستحى من ذكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبى , لها أن تلتمس بعض الطرق أى تلتمس أى جانب من الأماكن العامة التى لا تخلو من مرور الناس غالباً حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، وكل هذا صرحت به رواية الإمام مسلم من حديث أنس، راوى الحديث الذى طعنوا فيها من رواية البخارى! ليقطع لسان كل فاجر، ويدفع افتراء كل آثم يطعن فى عصمته
وما ختم به النبى ,، حديثه مع المرأة من قوله : "والذى نفسى بيده إنكم أحب الناس إلى" هذا منه ,، تأكيداً لما قاله مراراً من جعله علامات الإيمان حب الأنصار، ومن علامات النفاق بغضهم، ثم إن هذه الكلمة قالها رسول الله , جهاراً على ملأ من الناس، لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس، كما سبق من حديث أنس عند البخارى0
فهل بقى بعد كل هذا حجة فى الحديث لمن أرادوا أن يشوشوا به على عصمة سيدنا رسول الله , فى سلوكه، وفى خلقه العظيم؟! وهم يوهمون البسطاء أنهم من المحبين للنبى ,، المدافعين عنه، فى الوقت الذى يجحدون فيه سنته العطرة، ويطعنون فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، ويسفهون عقول المسلمين القائلين بقول سلفهم الصالح رضى الله عنهم، ويستخفون بعقل من يقرئ لهم!0
وبالجملة : أيخشى عاقل، فضلاً عن مؤمن من رسول الله ,، على زوجه، أو ابنته، أو أمه، وهو الذى لم يستطيع كافر أو جاحد، أن يلمس هذا الجانب فى حقه؟0
وقد قال الله تعالى فى حقه : }النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم{([9]) إن رسول الله ,، مؤتمن على الوحى، وحامل الرسالة، والأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، ولا يثير مؤمن فضلاً عن عاقل مثل ما أثاره أعداء السنة المطهرة فى حديثنا هذا، للإيمان بعصمته , من الشيطان. وإن ما طنطن به أعداء عصمته ,، يشبه ما طنطنوا به فى قصة أخرى، وكذبوا البخارى فيها، لأنه رواها، وهى قصة أم سليم وأم حرام رضى الله عنهما0
من كتاب شُبهات حول عصمة النبي
([1]) لماذا القرآن ص91، 92، وقراءة فى صحيح البخارى ص22، كلاهما لأحمد صبحى منصور، وينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص39، 64، 309، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص210 0
([2]) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب قرب النبى , من الناس وتبركهم به 8/90 رقم 2326، وأبو داود فى سننه كتاب الأدب، باب الجلوس فى الطرقات 4/257 رقمى 4818، 4819 0
([3]) المنهاج شرح مسلم للنووى 8/91 رقم 2326 0
([4]) سيأتى تخريجه ص473 وينظر : فتح البارى 9/245 رقم 5234 0
([5]) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبى , للأنصار : أنتم أحب الناس إلى 7/142 رقم 3785، وكتاب النكاح، باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس 9/156 رقم 5180 0
([6]) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان 7/141 رقم 3783، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضى الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق 1/340 رقم 75 من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه0
([7]) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى الأماكن السابقة نفسها برقم 3784، وفى كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار 1/80 رقم 17، ومسلم (بشرح النووى) فى الأماكن السابقة نفسها برقم 128 من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه0
([8]) فتح البارى 1/81 رقم 17 0
([9]) الآية 6 الأحزاب0
===================
سؤال : ما معنى قول عائشة للرسول : (( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك )) عندما رأت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن له ؟
د/هشام عزمي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . . .
أما بعد ،
قال القرطبي رحمه الله ونقله عنه ابن حجر في فتح الباري ووافقه عليه : (( هذا قول أبرزه الدلال والغيرة , وهو من نوع قولها ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله , وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره , لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى , ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق , ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك )) .
قلت : بل نطقت عائشة رضي الله عنها بالصواب ، فالله شرع لنبيه الذي وافق ما يهواه ويشتهيه , فأي سوء عبارة في ذلك ؟!
والحديث في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟!(10/175)
فلما أنزل الله تعالى : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك }
قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك !!)
وبعض المسلمين المتصدين للرد على الشبهات يجردون رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجولته وفحولته التي هي من صفات الكمال البشري التي تحمدها العرب ظنًا منهم أنهم بذلك ينزهونه صلى الله عليه وسلم عما يشين مقام النبوة فيجعلونه كالعنين ناقص الذكورة الذي لا يهوى ولا يشتهي النساء .. فهذا مسلك غير حميد ؛ لأنه يخرج النبي صلى الله عليه وسلم عن آدميته ويجعله في مقام من لا تميل نفسه إلى شهوة مباحة أبدًا ، وبعد هذا يظن أنه ينزهه فيكون قد أعطاه صفة سلب لا مدح فيها .
ثم إنه ينبغي التفريق بين أمرين :
1- الهوى والشهوة المستقرة في النفس البشرية وهي مجبولة عليها .
2- اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك .
فأما النوع الأول فليس بمذموم لأنه ليس للأنسان يدٌ في ذلك البتة , فكيف يذم في شيء قد ركز في الطباع ؟
بل أذهب أبعد من ذلك - ولست أبالغ - , أن من لم يكن ذا شهوة فهو ناقص عن أقرانه , فمن لا يشتهي النساء رجل ناقص الذكورة ؛ فلا يمدح بذلك عرفًا ولا يرغبه الناس , بل هو عيب يحق للقاضي أن يفرق بين الزوجين بسببه وهو ما يسمى العنين .. فإذا كان نقص هذه الشهوة عيب ، فما يقابلها كمال بشري يمدح صاحبها .
وأما النوع الثاني وهو اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك ؛ فهذا هو المذموم وقد جاءت النصوص بذلك كما هو معلوم .
لهذا يجب فهم قول عائشة رضي الله عنها في ضوء هذا التفريق لأن ما فهمه الصحابة والمسلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يتزوج ويشتهي النساء كبقية البشر وليس في ذلك تثريب - كما تقدم - , وأما الكفار فهم الذين ذكر الله عنهم أنهم يستنكرون هذا على رسل الله , فأجابهم الله بقوله : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية } [الرعد:38].
قال ابن الجوزي رحمه الله : (( سبب نزولها أن اليهود عيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة التزويج، وقالوا: لو كان نبياً كما يزعم ، شغلته النبوة عن تزويج النساء ، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس )) زاد المسير (4/336) .
فأهل القلوب المريضة هم الذين يجعلون هذا طعناً في النبوة , أما أهل الفطر السليمة والعقول المستقيمة , فيعلمون ان ذلك لا يضر الرسالة بأدنى ضرر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
===================
محاولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم الانتحار
الرد على الشبهة:
الحق الذى يجب أن يقال.. أن هذه الرواية التى استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها فى صحيح البخارى ـ رضى الله عنه ـ ؛ لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة ، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ ، ومعروف أن البلاغات فى مصطلح علماء الحديث: إنما هى مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن (1).
وقد علق الإمام ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى (2) بقوله:
" إن القائل بلغنا كذا هو الزهرى ، وعنه حكى البخارى هذا البلاغ ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر ".
هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه.
وعلى كلٍ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم يعتنى بها ، وقد قال القرآن الكريم فى ذلك:(قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولاً) (3).
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - فى علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المكان الذى كان ينزل عليه الوحى فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذى جمع بينه وبين حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة ، فماذا فى ذلك أيها الظالمون دائماً لمحمد صلى الله عليه وسلم فى كل ما يأتى وما يدع ؟
وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الآية الكريمة: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) (4).
فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار ، ولكنها تعبير أدبى عن حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن الإسلام ، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى الله ، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.(10/176)
وهذا خاطر طبيعى للنبى الإنسان البشر الذى يعلن القرآن على لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر فى قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين-: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أوتأتى بالله والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه). فكان رده:(سبحان ربى) متعجباً مما طلبوه ومؤكداً أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم:(هل كنت إلا بشراً رسولاً) (5).
أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت فى صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة ، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير ، وله معجزة دائمة هى معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذى وعد الله بحفظه فَحُفِظَ ، ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر بيانه فى كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه
(1) انظر صحيح البخارى ج9 ص 38 ، طبعة التعاون.
(2) فتح البارى ج12 ص 376.
(3) الإسراء: 93.
(4) الشعراء: 3.
(5) الإسراء: 93.
المصدر : موقع الأزهر
حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين / حقائق حول الرسول صلى الله عليه وسلم
===================
الرد على فرية أن جسد النبى الشريف قد أسن
زعم النصارى جهلاً من قبلهم أن جسد رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أسن و انتفخ كشان سائر الأجساد بعد وفاته و استدلوا على ذلك بحديث وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله البهي و فيه: [...... وكان ترك يوماً وليلة حتى ربا بطنه وانثنت خنصراه ]
و كذلك قول العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأسن كما يأسن البشر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات فادفنوا صاحبكم]
بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله :
و أما دعوى النصارى فجوابها من وجوه:
أننا معشر المسلمون لا نعبد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نعتقد فى ألوهيته كما يعتقد النصارى فى المسيح بن مريم حتى نتتبع إن كان جسده الشريف يتغير و يُبلى بالوفاة أم لا....بل نؤمن أنه عبد رسول و إن كان سيد الأنبياء و و خاتم المرسلين ، و قد حفظ الله تعالى نبيه العظيم حتى أتم رسالته و اكتملت شريعته و أنزل سبحانه قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً
فلا يضير سول الله صلى الله عليه و سلم شىء بعد أن أتم رسالته السامية و ترك البشرية على المحجة البيضاء و صعدت روحة الطيبة إلى بارئها
و قد جاءت الإرهاصات التى تشير إلى قرب أجل النبى صلى الله عليه وسلم بعد تمام تبليغ الرسالة و بينما كان فى أوج فتوحاته و إنتصاراته و منها :
(1) قوله تعالى فى سورة النصر
إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)
فكانت هذه السورة إشارة رقيقة إلى أن رسول الله أدى الرسالة و بلغ الأمانة و نصح للأمة و عليه الأن أن يستعد للرحيل من هذه الدار بسلام إلى دار السلام فكان رسول الله لا ينقطع عن القول فى ركوعه" سبحانك اللهم ربنا و بحمدك, اللهم اغفر لى" فى كل صلواته عليه السلام
(2) و أيضا ما رواه البخارى عن ابن عباس قال:- كان رسوا الله أجود الناس و كان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل و كان يلقاه فى كل ليلة من ليالى رمضان فيدارسه القرأن فكان جبريل يقرأ و النبى يسمع حينا و النبى يقرأ و جبريل يسمع حينا حتى كان العام الذى توفى فيه الرسول فعارضه جبريل بالقرأن مرتين لذا قال رسول الله ( " ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى" و قد شهد العرضة الأخيرة أحد مشاهير كتاب الوحى و هو زيد بن ثابت الأنصارى.
(3) و منها ما ورد عن أبو مويهبة فى مولى رسول الله قال: أيقظنى رسول الله ليلة و قال:إنى أٌمرت أن أستغفر لأهل البقيع فإنطلق معى فانطلقت معه فسلم عليهم ثم قال :- ليهنئكم ما أصبحتم فيه, قد أقبلت الفتن كقطع اليل المظلم ثم قال:- قد أُوتيت مفاتيح خزائن الأرض و الخلد فيها ثم الجنة و خُيرت بين ذلك و بين لقاء ربى فإخترت لقاء ربى , ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف . فبدأ مرضه الذى قبض فيه. الكامل فى التاريخ 2/318(10/177)
(4) و منها قول ابن مسعود: [نعى إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت عائشة فنظر إلينا و شدد و دمعت عيناه و قال: مرحباً بكم حياكم الله رحمكم الله أواكم الله حفظكم الله رفعكم الله وفقكم الله سلمكم الله قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله و أوصى الله بكم و أستخلفه عليكم و أؤديكم إليه إنى لكم منه نذير و بشير ألا تعلو على الله فى عباده و بلاده فإنه قال لى و لكم تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
قلنا: فمتى أجلك ؟ قال: دنا الفراق و المنقلب إلى الله و سدرة المنتهى و الرفيق الأعلى و جنة المأوى ، قلنا فمن يغسلك؟ قال أهلى ، قلنا فيم نكفنك؟ قال: فى ثيابى أو فى بياض قلنا : فمن يصلى عليك؟ قال: مهلاًن غفر الله لكم و جزاكم عن نبيكم خيراً... فبكينا و بكى، ثم قال: ضعونى على سريرى على شفير قبرى ثم اخرجوا عنى ساعة ليصلى على جبرائيل و إسرافيل و ميكائيل و ملك الموت مع الملائكة، ثم ادخلوا على فوجاً فوجاً فصلوا على ولا تؤذونى بتزكية ولا رنة ن أقرئو أنفسكم منى السلام ، و من غاب من أصحابى فأقرئوه منى السلام، و من تابعكم على دينى فاقرئوه السلام] الكامل فى التاريخ لابن الأثير 2/320
(4) و منها ما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال [ إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر]
(البخارى3615، مسلم4390)
(5) و منها قول التيى صلى الله عليه و سلم فى خطبة حجة الوداع "ألا إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم. ألا فلا أعرفنكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب وإني لا أدري أن ألقاكم أبداً بعد اليوم اللهم اشهد عليهم اللهم قد بلغت".
معجم الطبراني الكبير (24/ 308)، السنن الكبرى للبيهقي كتاب الحج (5/151)
قال الألبانى: جاء سندها –خطبة الوداع- في أحاديث متفرقة: وقسم كبير منها رواه مسلم
(5) و منها حديث أم المؤمنين عائشة قالت
اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة ثم إنه سارها فضحكت أيضا فقلت لها ما يبكيك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين وسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ولا أراني إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهلي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك ثم إنه سارني فقال ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك ... ( و قد ماتت رضى الله عنها بعد ر سول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر )
صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل فاطمة رضى الله عنها
و قالت أم المؤمنين عائشة: و كنت أسمع رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول كثيراً: إن الله لم يقبض نبى حتى يخيره . فلمل احتضر كانت أخر كلمة سمعتها منه و هو يقول: بل الرفيق الأعلى. قالت: قلت إذاً ؤالله لا يختارنا و علمت أنه يخيّر .
- و قد علمنا أن الله لم يقدر لأحد الخلد و قضت مشيئته الهلاك على كل مخلوق إلا وجهه الكريم بما فى ذلك الأنبياء و الملائكة المقربين
- و من الأنبياء من حُرق و قتُل و مُزق كل ممزق، بل إن يوحنا المعمدان الذى يقول عنه المسيح (من بين من ولدت النساء لم لتد امراة مثل يوحنا المعمدان) قُتل و قُطع رأسه الشريف و وضع بين يدى داعرة تُدعى سالومى و هذا بنص كتاب النصارى المقدس .... فهل يعنى هذا أنه ليس نبى كريم؟!
-بل إن إلنصارى يعتقدون أن الاله نفسه قد صلب و مات بل و ظلت يداه مثقوبتين بعد قيامته المزعومة ..... فى حين يثبتون لانسان و هو أخنوخ النبى أنه لم يذق الموت ابتداءً(10/178)
(( بالإيمان نُقل أخنوخ لكى لا يرى الموت ، و لم يوجد لأن الله نقله )) عبرانيين 5:11
فتعالى الله علواً كبيراً و حقاً قالت النصارى يد الله مثقوبة!
أما قول العباس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأسن كما يأسن البشر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات فادفنوا صاحبكم) فهذا ليس اخباراً عن أمر قد وقع و إنما اجتهاد من قبل العباس إذ ظن أن جسد رسول الله سيسرى عليه ما يسرى على سائر الأجساد بعد الموت و كان قد قال هذه المقوله ترهيباً و تنبيهاً لعمر حين رفض قبول مصيبة موت رسول الله فضلاً عن دفن جسد الكريم و صرخ من هول المصيبة متوعداً كل من يقول أن رسول الله قد مات حتى أزبد شدقاه،
قال عكرمة: [ما زال عمر رضي اللهّ عنه يتكلم ويوعد المنافقين حتى أزبد شدقاه، فقال له العباس: خَلِّ بيننا وبين صاحبنا إن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم يأسن كما يأسن البشر، وإنه قد مات، فادفنوا صاحبكم، أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين? هو أكرم على الله من ذلك، فإن كان كما يقولون فليس على اللّه بعزيز أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله]
إذاً فجسد رسول الله لم يكن قد أسن و إنما طالب العباس بدفن البدن الشريف اكراماً له و ترهيباً من تركه حتى يأسن اعتقاداً منه ان ذلك محتملاً مع رسول الله بحكم بشريته و طبيعته الإنسانية.
و أما حديث وكيع عن عبدالله البهى و الذى فيه أن جسد رسول الله صلى الله عليه و سلم قدتُرك يوماً و ليلة حتى ربا بطنه..فإن وكيعاً حين روى هذا الخبر رأى له حكمة الهية و قال أن الله تعالى جعل الجسد الشريف يربوا حتى لا يفتتن به الناس و ينزلوه غير منزلته ، و حتى يثبت للمكذبين بموت رسول الله حقيقة وقوع القدر المقدور.
و رغم وجاهه رؤيته إلا أن القول الفصل بخصوص روايته أنها غير صحيحة فالحديث منكر و لم يثبت فى حق رسول الله صلى الله عليه و سلم ...قال الألبانى رحمه الله:
{ الراوي: عبدالله البهي مولى مصعب بن الزبير - خلاصة الدرجة: منكر منقطع الإسناد - المحدث: الذهبي - المصدر: سير أعلام النبلاء - الصفحة أو الرقم 9/160 }
فهو حديث منكر منقطع لا حجة به ولا يُلتفت إليه
بل إن الأئمة الاكابر فى زمن وكيع نفسه أنكرو هذا الحديث حتى أن سفيان بن عيينه و هو العالم الوحيد الذى شهد للحديث بحسب الرواية ...قال أنه لا يعلم هذا الحديث أساساً و لكنه شهد له دفعاً للضرر الأكبر كاد أن يُفتك بوكيع لتحديثه بهذا الخبر المنكر
قال ابن خشرم: فلما حدث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صلب وكيع ونصبوا خشبة لصلبه فجاء سفيان بن عيينه فقال لهم: الله الله هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه وهذا حديث معروف
قال سفيان: ولم أكن سمعته إلا أني أردت تخليص وكيع
فأى حجة للنصارى بعد ذلك بخبر غريب ، و منكر ، و منقطع ؟!
المفاجأة التى قد تصيب النصارى بخيبة أمل كبيرة هى أن الأخبار الصحيحة بخصوص وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم تثبت كرامته و تدلل على نبوته
فأما عن كيف تغسيل الجسد الشريف:
قال أبو داود فى السنن: حدثنا النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال:
سمعت عائشة تقول: [لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: واللّه ما ندري أنُجَردُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟
فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مُكلِّمٌ من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم.
وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه]
السنن لأبى داود- كتاب الجنائز – حديث رقم 3141
كذلك أخرجه الحاكم فى المستدرك – بكتاب المغازى و السرايا ، قال : [هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه]. (ج/ص: 3/62)
و كذلك اخرجه الشافعى فى مسنده – باب في صلاة الجنائز وأحكامها 23/ 563
و إليك بيان لحكم الحديث بطرقه فى السلسلة الصحيحة للعلامة الألبانى:
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: روي هذا الحديث مسندا من وجه صحيح - المحدث: ابن عبدالبر - المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 24/400
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: رواته ثقات، ومنهم ابن إسحاق وهو الإمام الصدوق - المحدث: ابن عبدالهادي - المصدر: المحرر - الصفحة أو الرقم: 191
الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي - خلاصة الدرجة: إسناده حسن - المحدث: ابن الملقن - المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: 1/584
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: حسن - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3141(10/179)
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: أحكام الجنائز - الصفحة أو الرقم: 66
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: حسن بزيادة في آخره - المحدث: الألباني - المصدر: مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 5892
فالصحيح أن أجساد الأنبياء لا تبلى و هو ثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم :
روى ابن اسحق عن عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما : أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين ولوا غسل النبى ....... فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه وكان أسامة بن زيد وشقران مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه به من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت)
و كذا أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/281) و المتقى الهندى فى كنز العمال 18783
قال الحاكم فى المستدرك: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا مسدد، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال:
(قال علي بن أبي طالب: غسلت رسول الله فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا - صلى الله عليه وسلم - حيا وميتا
المستدرك على الصحيحين- كتاب الجنائز 1339 / 85
قال الحاكم :[هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجا منه غير اللحد]
و إليك تخريج الشيخ الالبانى للحديث بطرقه:
الراوي: علي بن أبي طالب - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: أحكام الجنائز - الصفحة أو الرقم: 68
الراوي: علي بن أبي طالب - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح - المحدث: ابن الملقن - المصدر: البدر المنير - الصفحة أو الرقم: 5/200
و رواه الامام النووى فى الخلاصة و صححه الإمام الألبانى2/935
و كذا رواه ابن كثير فى أرشاد الفقيه و صححه الإمام الالبانىالصفحة أو الرقم 223/1
و كذلك فى صحيح ابن ماجة للألبانى 1198
فهذا رسول الله لم يدفن ثلاثة أيام ثم لما حانت ساعة تغسيله أنزل الله النعاس على صحابته و سمعوا صوتاً يأمرهم أن يغسلوا رسول الله بثيابه دون أن يكشفوه إكراماً و توقيراً ، ثم يتولى علي بن أبى طالب تدليك جسده الطاهر الشريف فلا يجد منه ما يجد من الميت بل يجد كل طيب من أطيب الطيبين عليه الصلاة و السلام
الاخ ابو تراب
===================
محمد صلى الله عليه وسلم الأكثر ًتأثيرا
الشيخ احمد ديدات
عادة فإنه من الطبيعي لأي شخص أن يحب – يمدح يبجل – أو يمجد قائده سواء كان ًبطلا أو ًقديسا أو ًنبيا ًوكثيرا ما نفعل ذلك .
ومع ذلك فلو كنت قد أعدت ذكر ما قاله المسلمون العظماء أو ما كتبوه عن نبينا الشهير لكان من الممكن أن يبخسه أعداء الإسلام والنازعين للشكوكية باعتباره مبالغة أو ولع أو عبادة لهذا فلتسمحوا لي أن استشهد بمؤرخين غير متحيزين ونقاد أصدقاء وبعض الذين جهروا بعداوتهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . ولو أنك وجدت أن تقدير غير المسلمين لمحمد صلى الله عليه وسلم ) لم يمس شغاف قلبك فلتعلم أن إيمانك خاطئ ولتبحث لك عن دين غير الإسلام , فإن هناك الكثير بالفعل من الأخشاب العطبة في سفينة الإسلام .
نشر في أمريكا في الزمن الحاضر كتاب بعنوان " المائة " أو الخالدون مائة ) أو القمم المائة ) أو أعظم مائة في التاريخ .
وقد ألف هذا الكتاب الجديد من نوعه عالم الفلك والرياضيات والمؤرخ مايكل هارت لقد بالبحث في التاريخ عن الرجال الذين كان لهم أعظم تأثير على البشر وقد ذكر لنا في هذا الكتاب أكثر مائة رجل ًتأثيرا على البشرية منهم آزوس – أرسطو – بوذا – كونفوشيوس – هتلر - أفلاطون – ذرادشت – وهو لا يعطينا علامات محددة عن المائة من ناحية تأثيرهم على الناس ولكنه يقوم بتقييم درجة هذا التأثير ويصفهم بترتيب تفوقهم في هذا التأثير من رقم واحد وحتى رقم مائة وهو يوضح لنا أسبابه في ترتيب مرشحيه . ونحن غير مطالبين بالموافقة على كلامه ولكننا لا يسعنا إلا أن نعجب بأمانة هذا الرجل ودقته في البحث .
وأكثر شيء يدعو للدهشة في تصنيفته المنتقاة أنه وضع نبينا الكريم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كرقم واحد أول المائة العظماء وهو بذلك يؤكد بدون علم أو قصد شهادة الله تعالى في آخر تنزيل له للعالم : " ْلَقَد َكَان ْلَكُم فِي ِرَسُول ِاللَّه ٌأُسْوَة ٌحَسَنَة " )
الأحزاب : .. ) :31
عيسي عليه السلام رقم 3(10/180)
وقد أسعد المسلمين بالطبع تصنيف مايكل هارت لرسول الإسلام في المرتبة الأولى . ولكن هذا الاختيار صدم غير المسلمين وبخاصة اليهود والمسيحيين الذين اعتبروا ذلك إهانة . ماذا ؟ المسيح عليه السلام في المرتبة الثالثة وموسى عليه السلام في
المرتبة الأربعين ؟ !! وبالطبع فإن هذا بالنسبة إليهم شيء لا يمكن هضمه ولكن ماذا يقول مايكل هارت ؟
دعونا نستمع لمناقشته : " حيث أنه يوجد ًتقريبا مسيحيين ضعف عدد المسلمين في العالم 4* فإنه قد يبدو ًغريبا أن يكون تصنيف محمد صلى الله عليه وسلم أعلى من المسيح عليه السلام
وهناك سببين رئيسيين لهذا القرار :
أوًلا لعب محمد صلى الله عليه وسلم ًدورا في ازدهار الإسلام يفوق في أهميته ًكثيرا ما قام به المسيح عليه السلام في ازدهار المسيحية . وعلى الرغم من أن عيسى عليه السلام كان ًمسؤولا عن الخُلُق الأساسي والمبادئ والسلوكيات الأخلاقية للمسيحية " طالما اختلفت هذه المبادئ عن اليهودية 5* فقد كان القديس بولس هو المطور الأصلي للاهوت المسيحي والناشر الرئيسي للمسيحية ومؤلف قسم كبير من العهد الجديد .
ومن ناحية أخرى نجد أن محمد صلى الله عليه وسلم هو المسئول عن العقيدة الإسلامية بجانب خلقه الأساسي ومبادئه الأخلاقية .
بالإضافة إلى ذلك فإنه لعب الدور الرئيسي في الدعوة إلى الدين الجديد وفي تأسيس التطبيق الديني للإسلام .
بولس مؤسس المسيحية
طبقًا لرأي هارت فإن شرف تأسيس المسيحية يجب تقسيمه بين المسيح عليه السلام والقديس بولس .
والأخير كما يعتقد هارت هو المؤسس الحقيقي للمسيحية .. ولا أستطيع إخفاء موافقتي لهارت فمن مجموع الأسفار السبعة والعشرين للعهد الجديد نجد أن القديس بولس قد كتب أكثر من نصفها . ًوخلافا لبولس فإن السيد المسيح لم يكتب كلمة واحدة في السبع
والعشرين ًسفرا .
ولو أنك وجدت ما يسمى بإنجيل الأحرف الحمراء ) فستجد أن كل كلمة َزُعِم أن المسيح
تفوه بها مكتوبة بالحبر الأحمر والباقي بالحبر الأسود العادي*. 6
ولا تندهش حينما تجد في هذا الذي يسمى الإنجيل بشارة المسيح ) أكثر من ..90 في المائة في السبع والعشرين ًسفرا للعهد الجديد مطبوعة بالمداد الحبر الأسود .
هذا هو الاعتراف المسيحي النزيه على ما يسمونه الإنجيل وفي أي مواجهة مع المبشرين المسيحيين ستجدهم يستشهدون مائة في المائة من بولس .
لا أحد يتبع المسيح عليه السلام
قال يسوع عليه السلام ) إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ) يوحنا 4. : 5. .
وقال ًأيضا ) فمن نقض هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السموات ) متى 5:19..
وإذا سالت أي مسيحي كثير المجادلة هل تحفظ هذه الشريعة والوصايا ؟ يجيب ) لا ( فإن سألته بعدها لماذا لا تفعل ؟ سيجيبك بلا اختلاف إذا كان من مروجي الكتاب المقدس والناعقين به ) الشريعة سُمِّرت على الصليب ( وهو يعني بذلك أن الشريعة قد انتهت أو ألغيت ويضيف ) : ونحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية. (
وفي كل مرة تستحث المسيحي بما قاله سيده ومعلمه المسيح عليه السلام فإنه يواجهك بشيء من الرسالتين الأولى والثانية إلى أهل كورينثوس والرسالة إلى أهل غلاطية والرسالة إلى أهل أفسس والرسالة إلى أهل فيلبي .. إلخ .
فإذا سألته من مؤلفها ؟ فسيجيبك : بولس – بولس – بولس .
من هو سيدك ؟ سيجيبك المسيح عليه السلام ولكنه ًدائما سيناقض سيده المسيح عليه السلام بالقديس بولس . لن تجد ًمسيحيا ًمتعلما يناقش حقيقة أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس ولذلك كان على مايكل هارت ليكون ًمنصفا أن يصنف المسيح عليه السلام في المرتبة الثالثة في كتابه .
لماذا تُغضب زبونك ) عميلك )
ما فعله مايكل هارت بوضع المسيح في المرتبة الثالثة يطرح علينا ًسؤالا ًخطيرا وهو لماذا يقدم أمريكي على نشر كتاب من573 صفحة في أمريكا ويقوم ببيعه بسعر ( 1 5. ) دولار للنسخة وهو بذلك يتجشم عناء إثارة غضب قراءه المحتملين ؟ من سيشتري كتابه ؟
بالطبع لن يكونوا الباكستانيين أو شعب بنجلاديش أو العرب أو الأتراك اللهم إلا نسخ قليلة هنا وهناك . ولكن الغالبية العظمى من زبائنه سيكونوا من الـ ( 350. ) مليون مسيحي والـ
( 6 )مليون يهودي الذين يعيشون في أمريكا .
فلماذا إذن يغضب عملائه ؟
ألم يسمع القول الشائع أن الزبون ًدائما على حق ؟ بالطبع قد سمع ذلك فلماذا إذن هذا الاختيار المتحدي ؟
ولكنني قبل أن أغلق هذا الملف الخاص بهارت سأسمح له أن يقدم اعتذاره الأخير عن تهوره
يقول مايكل هارت
" إن اختياري لمحمد صلى الله عليه وسلم ليأتي في المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم ًتأثيرا في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض ولكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق ًنجاحا ًبارزا على كل من المستوى الديني والدنيوي " .
مايكل هارت ) الخالدون مائة ( ص 33
تصنيف لأكثر الأشخاص ًتأثيرا في التاريخ
نيويورك شركة هارت للنشر سنة ....(10/181)
من هم قادة التاريخ
عدد " تايم " الصادر في 1 5. يوليو سنة 1974
نشرت مجلة " تايم " الشهيرة العنوان السابق على غلافها الخارجي وداخل العدد . كانت هناك مقالات كثيرة مثل : ما الذي يصنع القائد العظيم ؟
من المؤهل على مدار التاريخ ؟
وفي هذه المقالات قامت مجلة " تايم " بسؤال مجموعة من المؤرخين والكتاب والعسكريين ورجال الأعمال وآخرين من اختيارها . وقد أعطى كل منها مرشحيه ًطبقا لوجهة نظره بموضوعية على قدر الاستطاعة البشرية لكل منهم ًومعتمدا في ذلك على إدراكه وتميزه وهواه وحكمه المسبق الشخصي .
من يعرف الدكتور سالازار ؟
من عاداتي وواجباتي الممتعة أن أصحب غير المسلمين كمرشد لهم في جولات داخل أكبر مسجد في نصف الكرة الجنوبي بديربان .
وفي إحدى المناسبات كنت أستضيف اثنين من البرتغاليين زوج وزوجته وخلال مناقشاتنا قال السيد البرتغ " أن د . سالازار ًشخصيا كان أعظم رجل في العالم " لم أناقش معه هذه النقطة لأنني ًشخصيا لا أعرف عن د . سالازار سوى أنه ديكتاتور البرتغال
في عصره . ولو أنه كان يعتبر بالنسبة لكثيرين ذو منفعة عظيمة لأمته ولكن ضيفي المحترم كان يتحدث على حسب معرفته الشخصية وحسب وجهة نظره وأهواءه الشخصية .
محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن تجاهله
ويبدو أنه لم يستطع أحد من بين المساهمين في المقالات المنشورة في مجلة " تايم " أن يتجاهل ًمحمدا صلى الله عليه وسلم .
يقول وليام مكنيل William Mcneill مؤرخ أمريكي بجامعة شيكاغو في المقال الذي نشرته مجلة " تايم " : ولو أنك قست الزعامة بمدى تأثيرها فإنك يجب أن تذكر المسيح وبوذا ومحمد وكونفشيوس على أنهم أنبياء العالم العظماء .
ولم يدخل مكنيل في تفاصيل ولم يعطنا أي تفسير لسبب وضعه للمسيح أًولا ومحمد صلى الله عليه وسلم في المرتبة الثالثة ربما كان هذا بحكم العادة .. فإن مكنيل ًمسيحيا
في الغالب ولكننا لن نتناقش معه .
ويقول جيمس جافين James Gavin الذي يوصف بأنه رجل في الجيش الأمريكي أحيل إلى التقاعد برتبة فريق :
" إنني أعتبر محمد والمسيح عيسى وربما لينين ومن المحتمل ماو تسي تونج من بين القادة الذين كان لهم أعظم تأثير على مر العصور .. أما بالنسبة للقائد صاحب المؤهلات التي من الممكن الاستفادة منها إلى درجة بعيدة في الزمن الحاضر فإنني أختار جون ف . كنيدي " .. ولم يقل الجنرال أكثر من ذلك ولكن من الواجب علينا أن نجيبه فإن الأمر يحتاج شجاعة هائلة لكتابة اسم محمد قبل المسيح عليهما السلام . ومن المؤكد أن ذلك لم
يكن زلة قلم .
جولز ماسيرمان Jules Masserman محلل نفسي أمريكي وأستاذ في جامعة شيكاغو يعطينا على عكس المشاركين الآخرين الأسس التي بنى عليها اختياره والأسباب التي جعلته يختار القائد الأعظم لجميع الأزمنة أنه يريدنا أن نكتشف ما نبحث عنه ًحقا في الرجل المطلوب , المؤهلات التي تجعله ًفريدا . وقد نبحث عن أي مجموعة من المؤهلات كما في حالة مايكل هارت الذي كان يبحث عن الشخص الذي حقق أقوى تأثير .
ومع ذلك فإن ماسيرمان لا يريد منا أن نعتمد على خيالنا وعلى ميولنا الشخصية إنه يريد منا أن نقيم معايير قيادة موضوعية للحكم قبل أن نمنح صفة العظمة لأي شخص . إنه
يقول : " يجب أن يحقق القادة ثلاثة أعمال :
. - يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة .
فالقائد مهما كان يجب أن يكون ًمهتما بصالحك ويجب ألا يتطلع إلى استغلال المغفلين لأطماعه الشخصية مثل القس جيم جونز من جونزتاون في جويانا زعيم الطائفة الشهيرة المعروفة باسم " الطائفة المنتحرة " وسوف نتذكره على أنه الرجل الذي انتحر مع 910 من أتباعه كلهم في نفس الوقت !
فقد كانت حكومة الولايات المتحدة في أعقابه وكان على وشك أن يقبض عليه لإجرامه
ولكنه قبل أن يتمكنوا من اعتقاله فكر في أنه من الحكمة أن يتخلص من حياته ومعه جميع أتباعه حتى لا يبقى منهم أحد يشهد ضده فخلط عصير الليمون بالسم ودفع أتباعه لأن يشربوا منه ففعلوا وماتوا ًجميعا في نفس الوقت هذه الميتة المخزية .
وقد اكتشف فيما بعد أن الثوري جيم جونز قد ادخر .5 مليون دولار وأودعها في حسابه الخاص ببنوك في مختلف أنحاء العالم وقد كان كل ضحاياه بمثابة البقر الذي يُدر له اللبن وكان يستغلهم ليشبع شهوته وطمعه .
إن بطل ماسيرمان يجب أن يعود بالنفع على خرافه وعلى قطيعه وليس على نفسه .
. - يجب أن يوفر القائد أو من يكون قائدا نظام اجتماعي يشعر فيه الناس ًنسبيا بالأمن والطمأنينة .
وعلى عكس الماركسيين والفاشيين والنازيين الجدد والاشكنازيين. [) والصهاينة والذين اتبعوهم فإن الأستاذ ماسيرمان في مقالته المختصرة في مجلة " تايم " لم يصرح بذلك . ولكن معتقداته ومشاعره كانت واضحة ًتماما . فهو يبحث عن القائد الذي سيوفر نظام اجتماعي خالي من الأنانية والطمع والعنصرية فكل هذه المذاهب تحمل في طياتها بذور التدمير الذاتي لنفسها .
يقول عبد الله يوسف علي(10/182)
" لا يزال يصاحبنا الكثير من الندم والخطيئة والظلم والاضطهاد والخطأ والكراهية . لا تزال العجرفة تميت الضمائر وتسلب الأرواح المكافحة حتى من كسرات الشفقة وتصنع من الكائنات الكريهة والغبار المتفتت معبود جميل الهيئة للعبادة .
ما يزال الجهل يوصف بالقمم القوية ويحاول أن يُخزي الحكمة .. لا يزال الإنسان يقود الصيد ويعترض بنعومة على نهاية الرق .. لا يزال الطمع يلتهم جوهر الضعفاء الذين داخل سلطانه بل أكثر من ذلك أن صوت الإنسان المهذب يخنق في وسط الضجيج الأجش للمجموعات والحشود التي تصرح بجنون بما يسمونه شعارات عصرية , .. إلافك القديم الذي رفض
تصديقه من زمن بعيد . إ . هـ
. - يجب على القائد أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات .
من السهل التحدث عن الزمالة الدينية والأخوة في الإنسانية , لكن هناك في جنوب إفريقيا اليوم ألف من الطوائف والملل المختلفة بين البيض أهالي السلالة الأوروبية
وثلاثة آلاف من السود أهالي السلالة الإفريقية . وتفرخ كنائس البيض في بلدتي أساقفة سود بمعدل سريع .
ولكن في أول ... سنة من الاحتلال الأوروبي لم يتخرج من كنائس البيض أسقف أسود واحد .
وحتى الآن لا يستطيع السود والبيض والملونين والهنود أن يصلوا ًمعا في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتيتية وقد عبر الإمبراطور المسيحي جوليانوس عن الكراهية بين الطوائف المسيحية بدقة حيث قال :
" لا توجد وحوش مفترسة تتسم بالعداوة للإنسان كما تعادي الطوائف المسيحية بصفة عامة بعضها البعض
سيد أمير علي في ص.. 18 من كتابه روح الإسلام
وعلى ضوء هذه المتطلبات الثلاثة السابقة يبحث ماسيرمان في التاريخ ويقوم بالتحليل والتمحيص لويس باستير – غاندي – كونفوشيوس – الاسكندر الأكبر – قيصر – هتلر – بوذا
– المسيح – إلى آخر الباقين حتى وصل ًأخيرا إلى النتيجة التالية :
" لعل أعظم قائد كان على مر العصور هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع الأعمال الثلاثة وقد فعل موسى نفس الشيء بدرجة أقل " . وليس لنا إلا أن نندهش من ماسيرمان لأنه كيهودي قد تنازل يتفحص حتى أدولف هتلر
العدو الرئيسي لشعبه فهو يعتبره ًقائدا ًعظيما . فقد كان قوم هتلر وهم الأمة الألمانية القوية المكونة من ..90 مليون نسمة كانوا مستعدين أن يسيروا إلى قدرهم أو دمارهم
أمره . واحسرتاه لقد قادهم إلى الهلاك .
ولكن هتلر ليس هو مجال السؤال . إنما السؤال هو لماذا يعلن ماسيرمان وهو يهودي أمريكي وخادم مدفوع الأجر للحكومة بالتصريح لأبناء بلدته الذين يزيدون عن 300 ... مليون منهم اليهودي والمسيحي إنه لا المسيح ولا موسى ولكن محمد عليهم السلام ًجميعا
===================
الرد على شبهة الصرع
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد الصادق الامين وبعد
كان الوحى ينزل على رسول الله بطرق مختلفة وهذه الطرق هى :
1-الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه
2- ما كان يلقيه الملك فى روعه من غير ان يراه كما قال النبى "ان روح القدس نفث فى روعى انه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله واجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق عل ان تطلبوه بمعصية الله"
3-كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه
4- ان يرى الملك فى صورته التى خلقه الله عليها
5- كلام الله له بلا واسطة وكان يوم المعراج
6- كان يأتيه فى مثل صلصلة الجرس وكان اشده عليه فيتلبس به الملك حتى ان جبينه ليتفصد عرقا فى اليوم الشديد الحر وحتى ان راحلته لتبرك به الى الارض اذا كان اكبها ولقد جاءه الوحى مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها
وقد جرى النصارى فى الطعن بكيفية نزول الوحى مجرى المستشرقين الذين ظهروا فىا لقرن التاسع عشر فة وقت كانت الموضه ايامها الصاق تهمة الصرع والهوس بكل العظماء ولكى نفند هذا الاتهام لابد لنا من تعريف الصرع اولا والصرع هو"مجموعة من الامراض المميزة باضطرابات متكررة فى الوظائف العصبية للمخ نتيجة اضطراب مستوى الكهربية فى المخ"
epilepsy:"Group of diseases charaterized by paroxysmal changes in neurological function caused by abnormalities in the electrical activites of the brain"
each episoide is called seizure ,seizure may be convulsve or non convulsne
اى ان النوبات اما ان تصحبها تشنجات او لا تصحبها تشنجات
types of epilepsy:
1- focal(جزئيه ) وهو طبعا خارج الحسابات
2- status epilepcy وهو ايضا خارج الحسابات
3- primary generalized وهذا هو المقصود
a-grand mal (tonic- clonic) وهذا هو المقصود
b- petite mal(abscence seizers) مرفوض طبعا لأنه عبارة عن فقدان للوعى بدون تشنجات
c- myoclonic وهو مرفوض ايضا لأنه عبارة عن انقباض سريع للغاية يؤثر على الجسم كله
d- atonic وهو مرفوض ايضا لأنه عبارة عن فقدان للقوة الموضوعيه تحفظ وضع الجسم
e- infantile وكل عاقل يعرف انه مرفوض من اسمه(10/183)
ولنبدأ بدراسة النوع الذى يشتبه فى كونه المقصود
Grand mal( tonic - clonic)
وهو يتكون من ثلاث مراحل :
1-preconvulsive:ماقبل التشنج
خلالها يشعر المريض بخوف بدون سبب
2- covulsive: مرحلة التشنج
وتنقسم الى اربع مراحل :
-aura مقدمة
وبها هلاوس سمعية وبصرية
والهلوسة تعريفها هو "احساس ذاتى خاص بالشخص بدون مؤثر خارجى"
halhusination :" subjective sensation without external stimulus."
-loss of conciousness فقدان الوعى
-tonic stage مرحلة الانقباض
وتكون مصحوبة بانقباض عضلات الجسم متضمنه عضلات التنفس وتكون مصحوبة بازرقاق لون الجسم
-clonic stage (convution) مرحلة التشنجات
وعادة يحدث ازرقاق للجسم وكسور وعض اللسان وتبول لا ارادى وصعوبة فى التنفس
3- post convulsive stage مرحلة ما بعد التشنج
وفى هذه المرحلة ينام المريض لمدة تصل الى تسع ساعات وبعدها يعانى من صداع شديد ونسيان وارتباك وارهاق واحيانا شلل كامل مؤقت
اذا على مستوى الصورة الاكلينيكية اما على مستوى اسباب الصرع فان اسباب الصرع تختلف باختلاف الاعمار وتنقم الى :
0-2 years infant
2-12 years child
12-18 years adolescent
18-35 years young adult
above 35 years old adult وهذا هو المقصود
وتتلخص اسباب الصرع فى هذا السن فيما يعرف ب cerebrovascular strock وهى تعرف على انها"فقدان للوعى بصورة جادة نتيجة لأنسداد احد الشرايين المغذية للمخ المتبوعة بشلل احد الاطراف او كلها"
وهى فى ابسط صورها تنتج عن شلل نصفى ز كما ان عدة نوبات من الصرع على مدى 23 عام بدون اى مضاعفات ككسور او عض اللسان او ما شابه شىء لا يصدق كما ان الموت فى هذه الحالات بدون علاج يحدث اثناء احدى النوبات
refrances :
- cecil text book of medicine
- taber cyclopedic medical dictionary
ويتضح من السابق ان التحليل العلمى لهذه الشبهة كفيل بتفنيدها ولكن بقى شىء هو ان الرسول لم يكن وحده الذى هوجم فقد هوجم بولس ايضا وارجعوا الى ما قاله جيرالد ميسادييه الذى تكلم عن العلاقات الحميمية التى جمعت بين بولس وكل من تيوثاثى واوينزيم الذين احبهما "وفقا للجسد "على حد قوله ز ولم يكن هو الوحيد فهناك العديد من الباحثين الذين تعرضوا لها ومنهم الاب الطبيب مارك اوريزون وخصوصا ان بولس تزوج من ابنه الحاخام ثم طلقها وهاجم الزواج بعد ذلك
د.هشام عزمي كتب في : Apr 10 2005, 06:39 PM
بارك الله فيك أخي مسلم على هذا المجهود الواضح .. فضلاً عن هذا فالصرع كان مرضًا معروفًا لعرب الجاهلية و لم يكن ليغيب عنهم كون رسول الله صلى الله عليه و سلم مصابًا به لو كان حقًا .
و الدليل على هذا رواية أم زفر الشهيرة في الصحيحين .. ففي صحيح البخاري كتاب المرضي حديث رقم 5220 :
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ .
و في صحيح مسلم كتاب البر و الصلة و الآداب حديث رقم 4673 :
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَا حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو بَكَرٍ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ قَالَتْ أَصْبِرُ قَالَتْ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا .
قال الإمام النووي في شرحه للحديث : (( حَدِيث الْمَرْأَة الَّتِي كَانَتْ تُصْرَع وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الصَّرْع يُثَاب عَلَيْهِ أَكْمَلَ ثَوَاب )) .
و في مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث رقم 3070 :(10/184)
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ أَنْ يُعَافِيَكِ قَالَتْ لَا بَلْ أَصْبِرُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ أَوْ لَا يَنْكَشِفَ عَنِّي قَالَ فَدَعَا لَهَا .
فهذا كله فيه دليل على كون الصرع مرضًا معروفًا للعرب الجاهليين و لم يكن يخفى عليهم إصابة الرسول صلى الله عليه و سلم به لو كان كذلك خاصةً مع وجود العديد من الصحابة ثاقبي النظر المعروفين بالفراسة و دقة النظر و الذين لم تكن تخفى عليهم أدق الملاحظات كعمر بن الخطاب مثلاً .
و الله الموفق
===================
محاولة خائبة لجاهليّ معاصر "قسّ ونبي: بحث في نشأة الإسلام"
أ. د. عماد الدين خليل 2/11/1426
04/12/2005
[ 1 ]
هذا هو عنوان بحث صدر حديثاً لرجل يدّعي أن اسمه ( أبو موسى الحريري )! يعالج فيه قضية تاريخية تنطوي على بعدها الديني بكل تأكيد، إلاّ أنها ـ ابتداءً ـ حلقة تاريخية تتطلب، للتعامل العلمي الجادّ مع مفرداتها، منهجاً تاريخياً يستقصي المرويّات
كافة حول الموضوع بأكبر قدر من الأمانة، ويحذر عن مظنة الانتقاء الكيفي لتأكيد استنتاج مسبق، فيما هو ضد المنهج أساساً.
وبإحالة هذا الذي كتبه (أبو موسى الحريري) في (قس ونبيّ: بحث في نشأة الإسلام) على عشرات، بل مئات الدراسات التي شهدتها مكتبة السيرة النبوية، سيجد المرء نفسه إزاء حالة استثنائية شاذة لا تدعمها المرويّات التاريخية واليقين العلمي، وإنما تستند إلى جملة من الأوهام والظنون والتخمينات التي تنتقي وتستبعد وتفترض، وأحياناً ترغم الواقعة التاريخية على ما لم يكن في تكوينها أساساً.
ليس بحثاً جاداً هذا الذي أنجزه الرجل، وإنما عبث بالحقائق التاريخية التي أجمع عليها الباحثون في الشرق والغرب بخصوص هذه المفردة الصغيرة في سيرة رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)؛ إذ لم يكن قد التقى ورقة قبل أن تأخذه إليه زوجته البارّة خديجة
(رضي الله عنها) لتلقّي جوابه إزاء هزة الوحي الأولى التي أصابته بالحمى لوقعها المفاجئ الثقيل، وحيث أكّد ورقة، وهو الرجل الذي كان قد قرأ العهدين القديم والجديد بالعبرانية حتى كلّت عيناه، وعرف من خلال ما تبقى من معطياتهما الأصيلة، أن هذا الرجل هو النبي الذي بشّر به عيسى (عليه السلام)، والذي سيتلقى الناموس الذي تلقاه موسى (عليه السلام)، والذي يعرفه اليهود والنصارى من كتبهم كما يعرفون أبناءهم!
إن هذا الذي يتخيّله (أبو موسى الحريري) ويفرضه على الواقعة التاريخية لكي يطوّعها لاستنتاجاته المسبقة، ليس كشفاً جديداً، لقد قاله العرب الأميّون قبله، زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحاولوا - من أجل حماية وثنيتهم- اتهام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتلقّي كتابه عن القسس والرهبان، دون أن يدركوا أنهم وضعوا أنفسهم في مفارقة لا يمكن قبولها: إن هؤلاء الذين يلقّنون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (أعاجم) في أصولهم أو في ثقافتهم ولغتهم، وإن القرآن يتنزّل بأسلوب عربي معجز مبين: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ). [النحل:103] وها هو ذا (أبو موسى الحريري) يعيد الدور نفسه، ويقع في الأكذوبة ذاتها. فإذا كان القدماء قد فاتتهم المفارقة المذكورة، فإن هذا الباحث المحدث، وهو يحاول أن يدعم نصرانيته في مواجهة الإسلام، فاتته مفارقة لا تقل ثقلاً: تلك هي أن المضامين القرآنية تنطوي على جملة خصائص تجعل مسألة التلقّي المزعومة عن (القسّ ورقة) مستحيلة بكل المقاييس. ولن يتسع المجال للاستفاضة فيها، ولذا سيتم الاكتفاء بمجرد التأشير على ثلاثة منها فحسب.
[ 2 ](10/185)
إن القرآن الكريم نفسه، بسبب من مطابقته التامة للحقيقتين التاريخية والدينية، يؤكد في حوالي عشرين موضعاً، أنه مصدّق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، أي مطابق لبعض ما ورد في هذين الكتابين. ولكنه لا يقف عند هذا الحدّ قبالة كتابيْن تعرّضا لتحريف خطير، وإنما يمضي لتأكيد وظيفته الأخرى: تعديل الانحراف وكشف الزيف، واستئصال الأكاذيب، وإعادة الخطاب الديني الذي جاء به الأنبياء جميعاً (عليهم السلام) إلى قاعدته التوحيدية التي هي أسّ الأسس في النبوات جميعاً: ()وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ...) [المائدة: من الآية48].
فها هو ذا كتاب الله يحقّ الحق، ويبطل الهوى، ويدعو إلى الالتزام بهذا الحق، وعدم اتباع أهواء الآخرين من اليهود والنصارى (أي المغضوب عليهم والضالين) ، ولن يتحقق هذا على يد نبيّ أريد له أن يكون تلميذاً مخلصاً لقسّ يبشر بموروث أهل الكتاب.
وامتداداً لهذا الصدق الرّباني، يدعو القرآن الكريم المؤمنين كافة إلى الإيمان، ليس بالقرآن فقط، وإنما بالكتب التي نزلت قبله. ولكن أية كتب هذه؟ إنها الكتب الأصيلة قبل أن تطالها يد التزوير، وليست تلك المساحات الواسعة من الكذب والتحريف التي تولّى كبرها اليهودي السابق: (القدّيس بولص) وكل المحرّفين الذين سبقوه وأعقبوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) [النساء:136]
ليس هذا فحسب، بل إن القرآن الكريم يكشف، بمعطياته الإلهية المنزّهة عن المداخلات البشرية الوضعية، ما كان أهل الكتاب أنفسهم يخفونه من كتبهم: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) ( سورة المائدة 15 ).
ويمضي القرآن الكريم لكي يؤكد علم أهل الكتاب السابقين بأن القرآن منزّل من الله سبحانه بالحق، وليس بالتلقّي عن قسّ يحمل في موروثه الصدق والكذب .. الأصيل والمحرّف.. اليقيني والظنّي على السواء، بغض النظر عن أن مؤلف الكتاب يسعى لإعادة تشكيل شخصية القسّ (ورقة) بما يشتهي لكي يحقق المطابقة الجاهزة بين الدعوتين:
(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام:114-116]. مهما يكن من أمر فان السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ألم يكن الأولى بالنسبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل التعتيم على تلقّيه عن كتب السابقين، ألاّ يشير إلى تصديقه لهذه الكتب والأخذ عنها؟!
هذا إلى أن القرآن الكريم محّض مساحات واسعة لسياقات ثلاثة لا نكاد نجد لها مكاناً في العهدين القديم والجديد، ولاسيما آخرهما، وهي:
أ ـ التشريع.
ب ـ يوم القيامة: البعث والحساب والجنة والنار.. إلى آخره ..
جـ ـ الإبداع الإلهي في الخلق الكوني ..
فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عاجزاً عن أن يأتي بمواعظ التوراة
والإنجيل وقصصهما التاريخي، فكيف كان قديراً، وبالأسلوب نفسه من الأداء اللغوي والبياني المعجز، على أن يأتي بهذه المساحات الواسعة، والمؤكدة في كتاب الله، بخصوص السياقات الثلاثة المذكورة؟ وأين هو القسّ الذي تعلمّ منه النبي؟ أم لعل (الحريري) يعمل فكره في البحث عن قسّ آخر تلقى منه النبي هذا الجانب من القرآن الذي لا نكاد نجد له أثراً في التوراة والإنجيل؟!
[ 3 ]
أخيراً .. لنفترض مع أبي موسى الحريري أن محمداً - صلى الله عليه وسلم- تلقى كتابه عن القسّ ورقة، فمن الذي أعطاه القدرة التي تتجاوز الحدود البشرية بكل المقاييس على إخضاع الكتب الدينية السابقة بخصوص المعطيات المعرفية، للاختبار الدقيق الصارم في ضوء كشوف لم يزح عنها النقاب وتدخل دائرة الضوء إلاّ بعد ثلاثة عشر قرناً من لقاء النبي بالقس؟!(10/186)
إن الباحث الفرنسي المعاصر (موريس بوكاي) في دراسته المقارنة للكتب السماوية الثلاثة، والتي استغرقت عشرين عاماً، وصدرت بعنوان: (القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) (عن دار المعارف ، القاهرة ـ 1978 م) يمارس مهمته كما يقول بعقل علماني ملحد لا يؤمن بأي من الأديان، ولا يسلّم بكتبها، ولكنه يخلص إلى جملة من الحقائق والاستنتاجات التي سأورد بعضها نصّاً نظراً لأهميتها البالغة فيما نحن بصدده:
(1) " لقد قمت أولاً بدراسة القرآن، وذلك دون أي فكر مسبق، وبموضوعية تامة، باحثاً عن درجة اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف ، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعاً كثيرة من الظاهرات الطبيعية، ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنصّ العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة
نظر العلم في العصر الحديث. وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد
القديم والأناجيل. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين. فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل.. فإننا نجد نصّ إنجيل متي يناقض بشكل جليّ إنجيل لوقا، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض" (صفحة 13).
(2) لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوّع، ومطابقته تماماً للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت: دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة " (صفحة 144).
(3) تناولت القرآن منتبهاً بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات، وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلاّ في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات، والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد أن يكوّن عنها أدنى فكرة" (صفحة 145).
(4) " كيف يمكن لإنسان ـ كان في بداية أمره أمّياً ـ.. أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكوّنها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة؟" (صفحة 150).
(5) إن اليهود والمسيحيين والملحدين في البلاد الغربية يجمعون على الزعم، وذلك دون أدنى دليل، بأن محمداً كتب أو استكتب القرآن محاكياً التوراة. مثل هذا الموقف لا يقل استخفافاً عن ذلك الذي يقود إلى القول بأن المسيح أيضاً قد خدع معاصريه باستلهامه للعهد القديم. فكل إنجيل متي يعتمد على تلك الاستمرارية مع العهد القديم. أي مفسّر هذا الذي تعنّ له فكرة أن ينزع من المسيح صفته كرسول لله، لذلك السبب؟ ومع ذلك فهكذا يعلن في الغرب .. " (صفحة 148 ـ 149) وذيوله من أمثال الحريري!!
(6) " مقارنة العديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً، وبين مقولات القرآن التي تتوافق تماماً مع المعطيات الحديثة.. وعلى حين نجد في نصّ القرآن .. معلومات ثمينة تُضاف إلى نصّ التوراة .. نجد فيما يتعلق بموضوعات أخرى فروقاً شديدة الأهمية تدحض كل ما قيل من ادّعاء ـ دون أدنى دليل ـ على نقل محمد للتوراة حتى يعدّ نصّ القرآن".(صفحة 285 ـ 286).
(7) لو كان كاتب القرآن إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع (الميلادي) أن يكتب ما اتضح أنه يتفق مع المعارف العلمية الحديثة، في الخلق وعلم الفلك وعلوم الأرض والحيوان والنبات والتناسل الإنساني، التي تعكس التوراة أخطاء علمية ضخمة بشأنها؟ ليس هناك أي مجال للشك، فنصّ القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً نفس النص الأول.. وليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية.. استطاع
(يومها) أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات" (صفحة 145).
هذه التأشيرات تكفي، وهناك عشرات غيرها لن يتسع لها المجال، والأفضل(10/187)
ألاّ يتسع؛ إذ ليس مقبولاً أن يضيّع المسلم الجاد وقته وجهده في الردّ على ترّهات كهذه التي نجدها في كتاب رجل يوحي حتى اسمه بالتعتيم والتزييف لتمرير اللعبة الماكرة، وهي ـ مرة أخرى ـ لعبة سبق وأن مارسها الجاهليون القدماء، وها هم الطائفيون الجدد يعيدون تمثيلها من جديد وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [لفرقان:4-6
===================.
الجواب السخيف عن رضاعة الكبير للرد على المسيحيه
د هشام عزمي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ،
أما بعد ،
في أحد المواقع النصرانية التي تقول عن نفسها أنها (( شمعة تلتهب لكل نفس زكيه طاهره سقطت بيد الارهاب الاسلامي محمد قد مات والمسيح حي لايموت )) ،
و أنها (( صوت الحق المسيحي )) ،
و أنها (( جريدة الكلمة الحرة )) ..
في هذا الموقع الذي يطفح بكراهية الإسلام والحقد على أهله بشكل هستيري وجدت موضوعًا بعنوان (( الجواب السخيف عن رضاعة الكبير للرد على المسيحيه )) ، فجذبني العنوان وفتحت صفحته لكي أسرّي عن نفسي ، ولم أبال بما وجدته في واجهة الموقع من بغض شديد للعرب ، ومن حقد آكل على دينهم وكتابهم ، ومن غرور فاجر وسوء أدب ، فهذا هو ديدن القوم وقد ألفنا ذفرهم هذا في ثيابهم المختلفة .
المهم : فتحت الصفحة المنشودة فهالني أنها لا تحوي إلا مقالي القديم في الرد على شبهة رضاع الكبير وقد كتب البؤساء فوق عنوانه عبارة (الجواب السخيف عن رضاعة الكبير للرد على المسيحيه) .. فقط !
فأعدت قراءة المقال لعل ناقله قد غيّر أو حرّف فيه أو وضع استدراكًا هنا أو اعتراضًا هناك ، فما وجدت هذا ولا ذاك .. ما وجدت إلا النقل الخالص ولا رد ولا تعقيب ولا حول ولا قوة إلا بالله !
ما وجدت إلا كتابتهم في أول المقال (الجواب السخيف عن رضاعة الكبير للرد على المسيحيه) !
أين ردهم على نقلي كلام الحافظ ابن عبد البر : (( صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ، فأما أن تلقمه المرأة ثديها ، فلا ينبغي عند أحد من العلماء )) ؟
الجواب السخيف !
وكلام ابن قتيبه : (( فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم - بمحلها عنده، و ما أحب من ائتلافهما، و نفي الوحشة عنهما - أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، و يطيب نفسه بدخوله فقال لها "أرضعيه".
و لم يرد: ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال.
و لكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه.
ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له و ما لا يؤمن معه من الشهوة؟ ))
الجواب السخيف !
وتعريف الشربيني للرضاع شرعًا بأنه : (( اسم لحصول لبن امرأة أو ما يحصل منه في معدة طفل أو دماغه )) ؟
الجواب السخيف !
وتصريح الحافظ ابن عبد البر : (( أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه خصوص )) ؟
الجواب السخيف !
وقول الدارمي في سننه : (( هذا لسالم خاصة )) ؟
الجواب السخيف !
أين ردهم على قولي : (( النص لم يصرح بأن الإرضاع كان بملامسة الثدي )) ؟
الجواب السخيف !
وقولي : (( أن الحجة لا تقوم على الخصم بما فهمه خصمه وانما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة )) ؟
الجواب السخيف !
وقولي : (( وإذا كان أبو حذيفة يتغير وجهه من مجرد دخول سالم إلى بيته : فما ظنكم بحاله وقد كشفت امرأته ثديها لسالم ليرضع منه ؟!!! ))
الجواب السخيف !
وقولي : (( أو نسي - أو جهل - هؤلاء أن النبي - صلى اله عليه و سلم - حرم المصافحة ؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد ؟! ))
الجواب السخيف !
ياله من رد مفحم !
كيف يرد المسلمون على هذه الحجة القاصمة : (الجواب السخيف) ؟
وبينما أنا جالس أمام جهاز الكمبيوتر أعصر ذهني بحثًا عما أرد به على هؤلاء الجهلة إذ بأبي العلاء يقفز إلى مخيلتي وكأني أسمعه يقول مستنكفًا ساخرًا لاذعًا كعادته : (( ما هذا ؟ هل هو إلا كما قالت الكاهنة : أُفّ وتُفّ ، وجَورَب وخُفّ . قيل : وما جَورَب وخُفّ ؟ قالت : واديان في جهنم )) !! انظر رسالة الغفران للمعري ص462 (*)
والحمد لله رب العالمين .
---------------------------
*حاشية : مقصود الكلام هو أن الجهلة يضعون كلامًا فارغًا من المعنى ليوهموا الناس بأنهم قد قاموا بالرد وهم ما كتبوا إلا كلامًا بلا معنى كقولهم على مقالي (الجواب السخيف) وهو كقول الكاهنة على كلامها الفارغ أنه (واديان في جهنم!!)
===================
شِرْلُوك هُولْمِز والرسول الكريم؟! كيف؟
بقلم : د. إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com(10/188)
فى هذه المرحلة البائسة من التاريخ الإسلامى يتعرض الإسلام والمسلمون لهجمةٍ رهيبةٍ تستهدف محو كل شىء يتعلق به أو بأهله، هجمةٍ تُسْتَخْدَم فيها كل الوسائل والخطط التى لم يحلم بها الشيطان نفسه يوما من الأيام، ويتم الكذب والتدليس بشأنه علانية دون خجل أو حياء، إذ المسلمون حكوماتٍ وشعوبًا هم الآن فى أسوإ حالاتهم وأوضاعهم، وهو ما يغرى الغرب بالاعتقاد بأن هذه فرصة عظيمة لا تتكرر للعمل على تدمير هذا الدين والقضاء على أهله إن استطاع، أو على الأقل: العمل على تغيير هويتهم وانتمائهم، واجتيالهم عن معتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، مستخدما فى ذلك، ضمن ما يستخدم، خَوَنة المسلمين الذين يَسْهُل، عن طريق الفتات التافه الحقير مثلهم من بقايا المناصب والشهرة والمال والجنس، شراؤهم واقتيادهم من أنوفهم للقيام بمهمة "الكَبْش" الذى تُحَطَّم به أبواب القلاع والحصون، تلك المهمة التى ينهض بها هؤلاء الكِبَاش الأقذار المنحطّون بحماسة منقطعة النظير وكأنهم مؤمنون متبتلون يتقربون إلى الله لنيل رضاه لا إلى المستعمر المجرم الذى ظل يذيق أمتهم العذاب قرونًا ويسرقها ويقتّل رجالها ويعتدى على أعراض نسائها وييتّم أطفالها ويذبّحهم أيضا. وفى إطار هذه الهجمة المجرمة الشرسة ينبغى النظر إلى تلك الكتابات العجيبة التى نعرض لبعضها هنا بين الحين والحين بُغْيَةَ تنبيه الغافلين والمغفَّلين من أبناء الأمة التى تنتسب زورا إلى سيد المرسلين لعلها أن تُفِيق وتستيقظ وتنهض من رقدة العدم فتستعيد شرف الانتماء إلى دين سيد الرسل عليه السلام وتسترجع ما كان لها من عز غابر ومجد تالد بدل هذا الهوان والذل والاستخذاء الذى يحاصرها من كل جانب والذى لا يليق بها وبأعدادها وإمكاناتها المهولة وتاريخها العريض ورقيّها الذى كان ثم أصبح فى خبر "كان". ويدخل فى نطاق هذه الهجمة المقالُ الذى نترجمه اليوم ونعلّق عليه، والذى كتبه رجل فرنسى سبق أن عرضْنا له الاقتراح المجنون بنَكْت شوارع المدينة المنورة بغية التأكد من وجود "الخندق" الذى يصر بخبلٍ عقلىٍّ غريبٍ على أنه لم يكن له وجود، مما يعده برهانا لا تمكن المماراة فيه على أن محمدا نفسه لم يكن له وجود!(10/189)
ولكن قبل أن نسوق ترجمة المقال المذكور ننقل تلك السطور التى قرأناها اليوم (الجمعة الموافق للثامن عشر من نوفمبر 2005م) فى صحيفة "القدس العربى" المشباكية تحت عنوان "انتفاضة البؤساء في فرنسا... الأخطر منذ 1968" للكاتب عمر نجيب، والتى تقول: "جزء من ثورة البؤساء في فرنسا نابع كذلك عن ردة الفعل علي الحملة الشرسة التي شُنَّتْ ضد الإسلام والمسلمين خاصة في أوروبا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة. ففي كل مكان بأوروبا استغل أنصارُ الفكر العنصري وأتباعُ الصهيونية الأحداثَ ليشنوا حملة ضد الإسلام والمسلمين. وقد وصل تردي الأوضاع إلى درجة أصبح فيها حتي على الذين لهم أسماء عربية وإسلامية مميزة أن يبدلوها إذا أرادوا أن تكون لهم حظوظ مهما كانت صغيرة للحصول علي عمل ينقذهم من البطالة. ما حدث ويحدث في فرنسا منذ الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر 2005 ولَّد يقظة لدي بعض الحريصين علي إقامة مجتمع عادل بدون عنصرية. في هذا الإطار قال المفكر الفرنسي البارز إيف لوكوك إنه اصبح من الضروري على الغرب الآن أكثر من أي وقت مضي تجاوز عقدة الإسلام والمسلمين وإظهار احترامٍ أكبر لمعتنقي هذه الديانة في أوروبا لضمان التعايش السلمي بين الجميع. وقال المفكر الفرنسي في مقابلة مع رويترز: لم يعد مقبولا أن يتم دَوْس كرامة الآخرين وعدمُ احترام ديانتهم، وخصوصا الديانة الإسلامية التي أضحت هدفا لهجوم من الغرب بلا هوادة. وأضاف لوكوك، وهو وجه وصوت تلفزيوني معروف في فرنسا: إن ما يحدث من شَغْب في ضواحي العاصمة باريس وغيرها طبيعي بالنظر إلى عدد من العوامل التي أدت لغضب المسلمين. واعتبر لوكوك الذي اشتهر بجرأة النقد في برنامجه أعمال الشغب أمرا غير مقبول، لكن يبدو أن تراكم الإحساس بالتهميش والاحتقار وعدم احترام خصوصية المسلمين هو الذي جعل الأمر يصل إلى هذا الحد من الغضب. وانتقد المفكر الفرنسي أداء حكومة باريس في إدارة هذه الأزمة قائلا: من الأفضل معالجة المسألة بالاستماع إلى الجالية المسلمة وتوفير مقومات العيش الجيد لها، وخصوصا توفير مزيد من فرص العمل عِوَضَ الالتجاء الفوضوي إلى القوة مباشرة لردع هذه الفئة التي تشعر بالتهميش اجتماعيا واقتصاديا ودينيا. واستغرب لوكوك ربط هذه الأعمال بجماعات إسلامية منظمة مثلما أشارت بعض التقارير الصحافية الغربية معتبرا أن أي حادث مهما كانت سذاجته أو بساطته في فرنسا أو أوروبا من الآن فصاعدا سيتم تحميل المسؤولية فيه للإسلام والمسلمين. وهذا أمر مخجل، ويجب ألا يتواصل حتي تُسْتَأْنَف العلاقات بشكل جيد مع المسلمين". والآن بعد أن انتهينا معا من مطالعة هذه السطور الكاشفة لأوضاع المسلمين فى الغرب وكيف أنها لا تمكن مقارنتها بأوضاع الأقليات فى البلاد الإسلامية التى تعيش فى فردوس ثم تتطاول مع ذلك على الأكثرية المسلمة وتنسب لها المعايب وتختلق لها التهم اختلاقا، فلنذهب، أيها القارئ العزيز، إلى نص ترجمة المقال المخبول الذى يحاول صاحبه التشكيك فى وجود الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم بطريقة تافهةٍ مضحكةٍ فاضحةٍ للعقلية الغربية عند تعاملها مع الإسلام والمسلمين، وهذه هى الترجمة:
"ترى أكان محمد وشِرْلوك هُولْمز شخصيتين تاريخيتين حقيقيتين أم لم يكونا إلا أسطورتين من بنات الوهم والخيال؟ أكانا فعلا بشرا من البشر فى يوم من الأيام أم لا يزيدان فى واقع الأمر عن أن يكونا تجسيدا لتطلعات بعض بنى الإنسان؟ أهما يمتّان إلى الحقيقة أم هما مجرد زيف ليس له فى الحقيقة أى وجود؟ أم تراهما قد تم مزجهما من هذا وذاك كى يصدق الناس أنهما كانا موجودين يوما وأن كل ما يمتّ إليهما بسبب هو حقيقى صحيح؟ ربما تبدو المسألة غريبة، ذلك أنك متى عرفت من هو محمد فإنك تعرف أنه كان موجودا، وإذا عرفت من هو شرلوك هولمز فإنك تعرف أنه لم يكن له وجود. لكن هل أنت متأكد من هذا؟ بالنسبة لمحمد فإن أكثر من عشرين فى المائة من سكان الأرض يؤمنون أنه شخص حقيقى كان موجودا فى يوم من الأيام، فهل نستخلص من هذا أن مليار نسمة لا يمكن خداعهم فى مسألة يمكن التحقق من صحتها بهذه البساطة، ومن ثم فإنه كان فعلا موجودا؟ إن كان الجواب بـ"نعم" فإنه ينبغى الوصول إلى نتيجة مشابهة فيما يتعلق بشرلوك هولمز، إذ ذكرت "الويكيبيديا" فى مادة "شرلوك هولمز" أنه، طبقا لاستطلاع قامت به الـ"بى بى سى" عام 1959م، قد تبين أن أكثر من نصف الإنجليز يعتقدون أن شرلوك هولمز كان شخصا حقيقيا وأن 25 مليونًا من الإنجليز بالذات لا يمكن أن يكونوا مخدوعين فى مسألة يسهل التحقق منها إلى هذا الحد. أليس كذلك؟(10/190)
الحق أنه من الأفضل أن تقول إنك تَحْسَب أو إنك تعتقد أن محمدا كان موجودا. وفيما يخصك فأنت فى الواقع لم تقابل محمدا، لكن عدم مقابلتك إياه لا يعنى أنه كان موجودا، وإن لم يَعْنِ أيضا أنه لم يكن له وجود. ولسوف يكون الكلام أصحّ لو قلتَ إنك تظن أو إنك تعتقد أن شرلوك هولمز لم يكن له وجود، فأنت فى الحقيقة لم تقابل قَطّ شرلوك هولمز ذاته، لكن عدم مقابلتك شخصا ما لا يعنى أنه لم يكن موجودا، وإن لم يعن أيضا أنه كان له وجود. إن هذا، فيما يبدو، ليبعث على الاضطراب، لكنك إذا اتجهت أخيرا إلى جوهر الموضوع، فعليك أن تجيب على السؤال التالى: ترى ما الذى تعرفه على وجه اليقين فينا يختص بمحمد لأنك قد تحققت منه؟ وكذلك ما الذى تعرفه على وجه اليقين فيما يختص بشرلوك هولمز لأنك قد تحققت منه؟ وعلى أى أساس إذن قد أقمتَ رأيك فى محمد وفى شرلوك هولمز؟
وهاتان الشخصيتان قد عاشتا فى زمنٍ جِدّ مبكِّر بحيث لا يمكن القول بأن هناك من معاصرينا من عرفهما فى حياتهما. وبالنسبة لمرورهما على الأرض، فسواء كان ذلك صحيحًا أو مفترضًا فإننا لا نستطيع إلا أن نشير إلى الآثار التاريخية التى خلّفاها، أو لم يخلّفاها، وراءهما. ولسوف نلقى الآن نظرة على تلك الآثار التى خلفتها هاتان الشخصيتان. ولحسن الحظ فلسنا بحاجة إلى السفر إلى بلاد العرب ولا إلى إنجلترا لنقوم بذلك البحث، إذ هناك من قام بهذا بالنيابة عنا. وبفضل المِشْبَاك فسيكون من السهل الوصول مباشرة إلى المعلومات التى وضعها أولئك الأشخاص تحت تصرف جميع المِشْباكيين المهتمين بالموضوع كى يستطيع كل فرد أن يكوّن بسرعةٍ رأيه الشخصى بكل حرية واستقلال.
فى خُطَى شرلوك هولمز على أعقاب محمد
وسوف نبحث المسألة بطريقتين: الطريقة الأدبية والطريقة الآثارية، ولن نستعين عند الكلام عن كل من الشخصيتين إلا بأفضل المتخصصين. وسوف يكون مرجعنا بالنسبة لمحمد هو المعلومات التى وردتنا عن أشخاص متحمسين لسيرة حياته وشخصيته يُسَمَّوْن: "أهل السنة أو الشيعة"، ويطلَق عليهم جميعا فى فرنسا دون تفرقةٍ اسم "المسلمين". وهذا هو الاسم الذى سوف نعتمده، ولن نستمد أية معلومة إلا من المواقع الإسلامية الناطقة بالفرنسية، وبالذات "إسلام فرانس". أما رأى غير المسلمين، أى الأشخاص الذين لم يدرسوا الوثائق الضخمة المتعلقة بسيرة محمد بعمقٍ، فلن يكون لهم بطبيعة الحال نفس الوزن الذى للمسلمين العارفين بكل ما يتعلق به. وبالنسبة لبعض غير المسلمين فإنهم يفسرون الإحالات والتناقضات فى سيرة محمد على أساس أنه ليس أكثر من أسطورة لفقها على مدار القرون من هنا ومن ههنا كتّاب كانوا يشتغلون بخدمة بعض السادة فى عصرهم بغية تحريك رجال الجيش لشن الحروب من أجلهم. وفى نظر غير المسلمين فإن هؤلاء ظلوا يرددون هذه الأسطورة لأكثر من ألف عام. بيد أن علماء المسلمين يردون بأن هذه الإحالات وتلك التناقضات ليست كذلك فى الحقيقة، بل فى الظاهر فقط، وأن محمدا هو أعظم الأنبياء جميعا وخاتمهم. وقد أضحى وضع الدراسات التى تهدف إلى تأكيد وجود محمد وإثبات أنه أمر لا يقبل المماراة فنا من الفنون. وهناك عدد هائل من الدراسات التى تتعلق بمحمد، بل هناك جامعة تُعَدّ مرجعا عالميا فى هذا الموضوع.
والآن كما فعلنا مع محمد سوف نفعل مع شرلوك هولمز. وسوف يكون مرجعنا بالنسبة لشرلوك هولمز هو المعلومات التى وردتنا عن أشخاص متحمسين لسيرة حياته وشخصيته يُسَمَّوْن: "الهولمزيين أو الشرلوكيين". وفى فرنسا يُسَمَّى الشرلوكيون الإنجليز بـ"الهولمزيين"، وهم أعرف الناس بكل ما يتعلق بشرلوك هولمز، وهذا أمر من الوضوح التام بمكان. وسوف يقتصر اعتمادنا على المراجع الهولمزية، وهى مواقع كثيرة ناطقة بالفرنسية، وبالذات موقع "سوسييتيه شِرْلوك هولمز فرانس". أما رأى غير الهولمزيين، أى الأشخاص الذين لم يدرسوا الوثائق الضخمة المتعلقة بسيرة شرلوك هولمز بعمقٍ، فلن يكون لهم بطبيعة الحال نفس الوزن الذى للهولمزيين العارفين بكل ما يتعلق به. أما غير الهولمزييين فإنهم يفسرون الإحالات والتناقضات فى سيرة شرلوك هولمز على أساس أنه ليس أكثر من أسطورة لفَّقها، من هنا ومن ههنا على مدى أربعين سنةً، كاتبٌ كان يشتغل بخدمة أحد رجال الصحافة فى عصره بغية دفع القراء لشراء صحيفته. وفى نظر المكذِّبين فإن أتباع هولمز ظلوا يرددون كذبةً مضحكةً لأكثر من قرن. بيد أن الهولمزيين، بفضل ما كتبه واطسون، يردّون بأن هذه الإحالات وتلك التناقضات ليست كذلك فى الحقيقة، بل فى الظاهر فقط، وأن شرلوك هولمز هو أعظم مخبرى عصره. وقد أضحى وضع الدراسات التى تهدف إلى تأكيد وجود شرلوك هولمز وإثبات أنه أمر لا يقبل المماراة فنا من الفنون. وهناك عدد هائل من الدراسات التى تتعلق بشرلوك هولمز، وإن لم تكن هناك جامعةٌ يُرْجَع إليها فى هذا الموضوع.(10/191)
وفى النهاية فإنه من الناحية الرياضية لا توجد بالنسبة لمحمد وهولمز إلا أربعة احتمالات: إما أن محمدا وهولمز كليهما كانا موجودين، وإما أن هولمز كان موجودا، أما محمد فلا، وإما أن محمدا كان موجودا، أما هولمز فلا، وإما أنه لا محمد ولا هولمز كان موجودا.
أ- المنهج الأدبى:
المعتقدات: بالنسبة للمسلمين يعد محمد شخصًا حقيقيًّا فَعَل كل ما يُحْكَى عنه فى سيرته، تلك السيرة التى وردتنا من خلال معارفه المباشرين، أى صحابته، مثل علىّ وعمر... إلخ. وقد أملى محمد القرآن على أولئك الصحابة. ويتكون القانون العثمانى من مائة وأربع عشرة سورة هى القرآن، وهذا القرآن هو أساس معتقدات المسلمين جميعها. ويوصَى حميع المسلمين بقوةٍ بقراءة ذلك القانون العثمانى فى لغته العربية، لكن لأن هذا غير ممكن بالنسبة لكل العالم نجد أن هناك ترجمات فرنسية للقرآن.
وبالنسبة للهولمزيين فإن شرلوك هولمز هو أيضا شخص حقيقى فَعَل كل ما يُحْكَى عنه فى سيرته، تلك السيرة التى وردتنا من خلال شاهد مباشر هو صديقه الدكتور واطْسون، الذى روى له شرلوك هولمز أحداث حياته. ويتكون القانون الهولمزى من أربع روايات وست وخمسين قصة قصيرة هى أساس معتقدات الهولمزيين جميعها. ويوصَى حميع الهولمزيين بقوةٍ بقراءة القانون الهولمزى فى لغته الإنجليزية، لكن لأن هذا غير ممكن بالنسبة لكل العالم نجد أن هناك ترجمات فرنسية له.
الحالة المدنية- على الجانب الإسلامى: محمد بن مُطَّلِب (570م؟- 8 يوليه 633م). وُلِد فى مكة، ومات فى المدينة عن 63 عاما. من ذرية إسماعيل، وينتسب لقبيلة قريش التجارية. أبوه عبد الله بن عبد المطلب، وعمه أبو طالب، وأمه آمنة. اتخذ زوجات كثيرات، ورُزِق أطفالا كثيرين مات ذكورهم جميعا فى سن صغيرة، ولم تعش بعده من بناته إلا فاطمة التى رُزِقت ذرية ممتدة. كان يعيش فى بلاد العرب: فى مكة أولا، ثم هاجر فيما بعد إلى المدينة.
وعلى الجانب الآخر: شرلوك هولمز (6 يناير 1854م- 1957م). مسقط رأسه مجهول، ومات (؟) فى ساسِكْس عن مائة وثلاثة أعوام. ينتسب إلى صغار ملاك الأراضى. حفيد أخت الرسام الفرنسى فرنيه. أخوه مايكروفت، الذى يكبره بسبعة أعوام. لا يُعْرَف أى قريب آخر له. لم يتزوج أو يُرْزَق أطفالا. كان يسكن لندن: أولا فى مونتاج ستريت، ثم انتقل إلى 221ب بيكر ستريت. اعتزل العمل وأخلد للراحة فى ساسِكْس، وأنفق بقية عمره فى تربية النحل.
السيرة المحمدية:
حياته قبل أن يصبح أعظم الأنبياء: لا نعرف عن طفولته وصباه شيئا يذكر. أثناء رحلته خارج بلاد العرب فيما بين بيت المقدس ودمشق قابل راهبا اسمه بَحِيرَا وجد لديه استعدادا ليكون أعظم الأنبياء جميعا.
نشاطه بعد أن أصبح أعظم الأنبياء: بعد أن اقترن فى سن الخامسة والعشرين بأرملة ثرية أكبر منه سنا لم يبدأ تعاونه مع الملاك جبريل إلا عندما شارف سنه الأربعين. وكانت نصوص الوحى قليلة فى أول الأمر، ثم تضاعفت بعد ذلك حتى بلغت فى النهاية عدة آلاف. منذ فراره من مكة ووصوله إلى المدينة حتى آخر حياته نجده يكرّس حياته لتحطيم النظام الوثنى للمجتمع المكى. ولأنه لم يكن بارعا فى المبارزة فقد أوكل لأتباعه مهمة اغتيال مناوئيه. اتخذ من نبوّته مسوِّغا لقتل المئات فى المعارك الحربية الكثيرة. كان هذا وذاك سببا فى شيوع الرعب منه فى أرجاء الجزيرة العربية. بعث برسل إلى ملوك الأرض من حوله، فبعضهم آمن به، وبعضهم رد الرسل دون مراعاة لاعتبارات المجاملة. بعد نجاحه فى سحق مكة عسكريا والقضاء على المجتمع الوثنى عاد إلى المدينة حيث مات عام 632م عقب مرض لم يدم طويلا بعد أن قام بمهمة أعظم الأنبياء لمدة ثلاث وعشرين سنة. خارج نطاق النبوة كان محمد يكن كراهية عميقة للفنون بوجه عام (الرسم والنحت والعمارة)، وكان يكره الموسيقى ويحطم آلاتها، ويعجز عن تذوق أى شىء غير التراتيل الدينية.
السيرة الهولمزية:
حياته قبل أن يصبح مخبرا: لا نعرف عن طفولته وصباه شيئا ذا بال. أثناء العامين اللذين قضاهما فى الكلية انتبه إلى أن بمستطاعه كسب رزقه من براعته فى الملاحظة والاستنتاج. اكتشف والد صديقه الوحيد آنذاك لديه ميولا لأن يكون مخبرا سريا عظيما.(10/192)
حياته بعد أن أصبح مخبرا: بدأ نشاطه عام 1878م وعنده أربع وعشرون سنة. شرع يتعاون مع واطسون بدءا من عام 1881م أو 1882م. كانت تحرياته فى البداية قليلة، ثم تضاعفت مع الأيام. منذ نهاية ثمانينات القرن التاسع عشر حتى عام 1891م كرّس كل نشاطه للقضاء على منظمة البروفيسير مورياترى الإجرامية. وقعت بينهما مبارزة فى الرابع من مايو عام 1891م على قمة قلاع رايشنباخ بسويسرا. لقى مورياترى حتفه، على حين اختار هولمز أن يختفى رسميا. استأنف نشاطه من عام 1894م حتى 1901م. نجح فى حل غموض المئات من الجرائم. فى هذه الأثناء استطاع واطسون تحويل مسار هولمز بعيدا عن المخدرات. أهّلته خدماته للتاج البريطانى لمقابلة الملكة فكتوريا عام 1895م، بَيْدَ أنه رفض لقب "الشيفالييه" فى يونيه 1902م. ترك هولمز وظيفة "المخبر" وأخلد إلى الاستراحة فى نهاية 1903م أو بداية 1904م بعد أن مارس مهنته على مدار ثلاث وعشرين سنة مع فترة توقف لمدة ثلاث سنوات من 1891م إلى 1894م قضاها فى الأسفار. اختار الاعتزال وحده فى مزرعةٍ بسَاسِكْس حيث أخذ يقضى وقته فى تربية النحل. عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى كان آخر نشاط معروف له هو القبض على الجاسوس الألمانى فون بورك. خارج نطاق عمله كمخبر كان شرلوك هولمز مغرما بالفنون بوجه عام، وكان مغرما بالموسيقى شديد التحمس لها حتى إنه لم يكن عازفا شديد المهارة للكمان فحسب، بل كان ملحنا ذا موهبة غير عادية.
الوصف الجسدى لمحمد: لم يكن مفرط الطول ولا القصر، مع غلظ الكفين والقدمين. كان متوسط القامة عريض الكتفين ضخم الرأس مهيب الملامح. لم يكن شَعْره قصيًرا جَعْدًا، كما لم يكن طويلا بائن الطول، وكان كَثّ اللحية. كان شَعْر صدره يهبط نازلا إلى سُرّته فى خط طويل. كان واسع الفم أدعج العينين دقيق العظام على نحو ملحوظ حريصا على الإبانة فى أحاديثه كى يسمع الجميع كلامه ويفهموه بسهولة. وكان يميل إلى الصمت ما لم تكن هناك حاجة إلى الكلام.
الوصف الجسدى لهولمز: أول ما يأخذ العَيْنَ منه طولُ قامته ونحافتُه. يبلغ من الطول 180 سنتيمترا، إلا أن واطسون كان يرى أنه أطول من ذلك كثيرا. ضيق الوجه، عريض الجبين، أسود الشعر، داكن الحاجبين كثيفهما، رقيق الشفتين تبدو فيهما أمارات الحزم. كما كان أنفه دقيقا يشبه منقار الصقر، وعيناه رماديتين يقظتين نافذتين تضفيان عليه سيما الاستغراق أثناء تفكيره، وصوته عاليا حادا ذا إيقاع سريع.
أ - المنهج الآثارى:
المخلَّفات التى تركها محمد وراءه: يوجد متحف يضم المئات من هذه المخلفات. وهنا عَرَض الكاتب صورة غريبة غير واضحة لرجلٍ جاثٍ على ركبتيه قال إنها للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. أما فى خانة التمثال فقد ذكر أن الإسلام يحرم نحت التماثيل للكائنات الحية. ثم عَرَض بعض الأشياء التى قال إن الرسول كان يتخذها لاستعماله الشخصى، مُتْبِعًا إياها بصورة لما سماه عمامته، بعدها صور لبعض السيوف وقوسين وعدة أشياء أخرى كمثال على الآلات المفضلة عنده، فضلا عن رسالة من الرسائل التى بعث بها إلى الملوك من حوله، وتسجيل تجميعى لسيرته على قرص دى فى دى، وصورة لقارئ للقرآن كمثال على الصوت المنغم الذى كان شائعا فى عصره، وصور أخرى لمكة والمدينة وجموع الحجيج فى طوافها حول الكعبة، ولغار حراء الذى كان يأوى إليه أثناء تأملاته، ولمقابر البَقِيع التى يزعم أنها مما لا يسع حاجًّا ألا يزوره، وكذلك جبل أُحُد، الذى دارت عنده رَحَى ثانى غزوة من غزواته وأشيع فيها أنه عليه السلام قد قتل، ثم قبره، ليختم هذه الجولة بالقول بأنه، من خلال ما أرسى محمد من مبادئ، قد أضحى مناط إلهام لعدد من العمليات الانتحارية التى يقوم بها هذه الأيام مسلمون يوقنون تمام الإيقان أنهم متى ماتوا فإن كل شىء سوف يقع الضبط كما سبق أن أخبر به الرجل الذى يتخذونه مثلا أعلى.
المخلَّفات التى تركها هولمز وراءه: متحف يضم المئات من هذه المخلفات. ثم يعرض لهولمز صورة شخصية وثلاثة من تماثيله، وقبعته وغليونه وقلمه وعدسته التى كان يستخدمها فى القراءة وبعض أوراقه ومصباحه وساعته، وكتابا له عن كيفية التفرقة بين رماد الأتباغ المختلفة، وتسجيلا تجميعيا لحياته على قرص دى فى دى، ثم صورة لعازف موسيقى كمثال على الصوت المنغم الذى كان شائعا فى عصره، ثم صورا لبيكر ستريت ولندن، ولحجرة الجلوس التى كان يأوى إليها هولمز أثناء تأملاته، ولتجمُّع حاشد فى لندن فى عصرنا، وموضعين من المواضع التى يحرص عشاق هولمز على زيارتها فى سويسرا. أما بالنسبة للمكان الذى دُفِن فيه فيقول إنه غير معروف. ثم يختم الكاتب جولته هذه بالقول بأن هناك هولمزيًّا قد أقدم مؤخرا على الانتحار موقنا تمام الإيقان أنه متى مات فإن كل شىء سوف يقع الضبط كما سبق أن أخبر به الرجل الذى يتخذه مثلا أعلى.(10/193)
النتيجة: نخرج من هذا بأننا متى استندنا للمعلومات التى يقدمها لنا الهولمزيون استطعنا أن نلاحظ وجود عدد من البراهين الدالة على أن شرلوك هولمز شخص حقيقى. وبالمثل فإننا بالاستناد للمعلومات التى يقدمها لنا المسلمون نستطيع أن نلاحظ وجود عدد من البراهين الدالة على أن محمدا شخص حقيقى، وأن هذه البراهين ذات طبيعة واحدة.
وعلى هذا
فلو أن هولمزيًّا أحضر طفلا هنديا من أبناء الأمازون إلى أوروبا وحفّظه عن ظهر قلب، وهو يضربه فوق رأسه بالمقرعة، ومن خلال اللغة الإنجليزية التى لا يفهمها، القانون الهولمزى فى مدرسة هولمزية، ثم أزاره المتاحف الهولمزية، والأماكن التى يتخدث عنها القانون الهولمزى، والمدن التى ينتصب فيها تمثال لشرلوك هولمز، وتلك التى تحمل لوحات تذكارية باسم شرلوك هولمز، فمن المؤكد أن هذا الفتى الأمازونى الشجاع لن يساوره بعد ذلك أدنى شك فى وجود المخبر العظيم شرلوك هولمز. وما إن يعود الفتى الأمازونى إلى موطنه فى قلب الأمازون حتى يشرع فى الكلام عن حياة ذلك المخبر العظيم، فيصبح شرلوك هولمز بهذا حقيقة لا تقبل المماراة بالنسبة للقبيلة جمعاء. ولسوف يكون بمستطاع كل فرد من أفراد القبيلة أن يأتى بدوره إلى أوروبا للتحقق بنفسه من وجود شرلوك هولمز، وأن هناك فعلا متاحف خاصة بشرلوك هولمز وعدساته وغلايينه، وأن هناك أيضا لوحة تذكارية تحمل اسم الدكتور واطسون على أحد الممرات فى طريق المحطة بلوزان بسويسرا. ولسوف تعود القبيلة بعد ذلك إلى موطنها أكثر اقتناعا بوجود شرلوك هولمز رغم أن شرلوك هولمز لم يكن له يوما وجود!
وبالمثل
فلو أن مسلما أحضر طفلا هنديا من أبناء الأمازون إلى بلاد العرب وحفّظه عن ظهر قلب وهو يضربه فوق رأسه بالمقرعة ومن خلال اللغة العربية دون ترجمة القانون العثمانى فى مدرسة قرآنية، ثم أزاره المتاحف الإسلامية، والأماكن التى يتخدث عنها القانون العثمانى، والمدن التى عاش فيها محمد، وتلك التى تخلد ذكراه، فمن المؤكد أن هذا الفتى الأمازونى الشجاع لن يساوره بعد ذلك أدنى شك فى وجود النبى العظيم محمد. وما إن يعود الفتى الأمازونى إلى موطنه فى قلب الأمازون حتى يشرع فى الكلام عن حياة ذلك النبى العظيم، فيصبح محمد بهذا حقيقة لا تقبل المماراة بالنسبة للقبيلة جمعاء. ولسوف يكون بمستطاع كل فرد من أفراد القبيلة أن يأتى بدوره إلى بلاد العرب للتحقق بنفسه من وجود مكة كما قالوا له، وأن هناك فعلا متاحف خاصة بسيوف محمد وبعض مخلفاته، وأن هناك أيضا مقابر خاصة بأصحابه فى المدينة. ولسوف تعود القبيلة بعد ذلك إلى موطنها أكثر اقتناعا بوجود محمد رغم أن محمدا ... إلخ! ذلك أنه بالرغم من الدلائل التى يسوقها المسلمون والهولمزيون على وجود هاتين الشخصيتين فإن هناك شكوكا واضحة تتعلق بحقيقتهما التاريخية.
ومن الواضح أنه لا ينبغى الاعتماد على المعطيات المقدمة من قِبَل الهولمزيين لمعرفة ما إذا كان شرلوك هولمز له وجود حقيقى أو أنه لا يزيد عن كونه مجرد أسطورة. إن هولمز ليس فى الواقع إلا قصة مخترعة أو شخصية خيالية. ومع ذلك فالملاحظ أن مفهوم "هولمز" يجسّد على نحوٍ كافٍ أحلام صنف من البشر لدرجة قيام بعض الأشخاص من تلقاء أنفسهم بصنع جميع العناصر المكونة لوجود تلك الشخصية وجودا حقيقيا وتكوين جماعة تقوم على اعتناق تلك الأكذوبة وحراستها وتخليدها لضمان استمرار المتعة التى يحصلون عليها من ورائها.
وبالمثل
فمن الواضح أنه لا ينبغى الاعتماد على المعطيات المقدمة من قِبَل المسلمين لمعرفة ما إذا كان محمد له وجود حقيقى أو أنه لا يزيد عن كونه مجرد أسطورة. إن محمدا ليس فى الواقع إلا قصة مخترعة أو شخصية خيالية. ومع ذلك فالملاحظ أن مفهوم "محمد" يجسّد على نحوٍ كافٍ أحلام صنف من البشر لدرجة قيام بعض الأشخاص من تلقاء أنفسهم (فى القرن السادس الميلادى) بصنع جميع العناصر المكونة لوجود تلك الشخصية وجودا حقيقيا وتكوين جماعة تقوم على اعتناق تلك الأسطورة وحراستها وتخليدها لما يكفله لهم ذلك من ممارسة سلطان شامل يسوّغ لهم كل ما يريدون.
والحق أننا، عندنا نبحث مسألة وجود محمد، سرعان ما نصطدم بركام من الأسئلة هى فى النهاية أسئلة بسيطة من شأنها أن تثير أجوبة لا تقل عنها بساطة، إلا أن هذه الأسئلة لا تجد فى الجواب عليها سوى الصمت المطبق. لماذا؟ ربما لأن أتباع محمد لا يهتمون بالجواب على نوع معين من الأسئلة، إذ يعرفون جيدا ما سيجدونه، أو بالأحرى ما لن يجدوه، عند البحث عن جواب لها".(10/194)
هذا ما قاله الرجل الباذنجان، والآن لننظرْ فى ما قاله ذلك الأخرق المتهور المتظرف فى غير موضع التظرف، المتظرف الذى دمه مثل دم البق، المتظرف بجهل ورعونة، المتظرف تظرف الشياطين الحاقدين الهدامين المدمرين، لعنة الله عليه وعلى أشباهه من بنى الشياطين وإخوانهم وآبائهم وأقاربهم أجمعين! إنه لم يجد من البشر فى دنيا الله الوسيعة أحدًا يقارنه بالرسول الكريم سوى شرلوك هولمز، المخبر السرى الذى لا وجود له إلا فى بطون القصص البوليسية التى لا يقرؤها غالبا إلا العوام وأشباههم للتسلية وإزجاء الفراغ، وكأن النبوة موضوع من موضوعات التسلية وتضييع الوقت فى الكلام الفارغ. هذا ما يريده ذلك الرجل الباذنجان، الرجل الذى ليس هناك مكان يليق به سوى الخانكة على حسب ما قلت فى مقال لى من قبل، فهو ذاته الرجل الأحمق بل المجنون الذى يريد من المسلمين أن ينكتوا طرقات المدينة المنورة وشوارعها ويهدموا بيوتها ومؤسساتها ومساجدها ويشردوا أهلها كى يشبعوا شهوة الحقد والدمار عنده وعند أمثاله من حَوَارِيِّى نيرون الذين يتلذذون برؤية الخراب وسماع نعيق البوم، وهم يعزفون ألحان الفناء التى لا تطرب نفوسهم الخربة المظلمة إلا على أنغامها، والذى كتبتُ عنه من قبل دراسة بعنوان "خذوه فغُلُّوه! ثم فى الخنكة أَوْدِعُوه!". ذلك أن كلامه لا يمكن أن يكون كلام إنسان عاقل، أو حتى من فى عقله مُسْكَة من ترابط! ولذلك قلت إنه هارب من الخانكة، ولا بد من إرجاعه إلى حيث كان مرة ثانية كى نكون فى مأمن من جنونه الخطر، وإلا آذانا فعض أحدنا عضة مسعورة يمكن أن تتسبب فى وفاته، عليه لعائن الله (عليه هو بطبيعة الحال كما لا بد أن يكون القراء الكرام قد فهموا، لا على المعضوض المسكين)!
إنه يريد أن يُضْحِك قراءه من ملاحدة أوربا ومبشريها ومستشرقيها وأذيالهم الأوباش عندنا، وما أكثرهم هذه الأيام من كل عتل زنيم، يريد أن يضحكهم من الرسول الكريم، غير دار فى غمرة خُرْقه وحُمْقه أن القمر لا يناله بل لا يصله نباح الكلاب المسعورة مهما هَرَّتْ وعَوَتْ، إذ القمر عالٍ فى السماء، أما الكلاب العاوية الحمقاء فهى تجرّر أذيالها النجسة مثلها بين ساقيها فى ذلةٍ وضَعَةٍ على هذه الغبراء! ترى بالله من شرلوك هولمز؟ بل من كُونَان دُويِل نفسه من الرسول الكريم العظيم (نعم، الكريم العظيم رغم أنف هذا المجنون اللئيم!)؟ لقد تحولت الكتابة والفكر إلى لعب عيال وأصبح كل من هب ودب ويستطيع أن يمسك بقلم وورقة يتخيل أنه قادر على العبث والتساخف دون معقب ولا حسيب! لا يا أخا الفرنسيس! لا يا من لا يزال يؤرقكم الرسول الكريم ويطير النوم من عيونكم ويحيل حياتكم إلى جنون مطبق رغم وفاته قبل أربعة عشر قرنا! تنبه وحُطّ عينك التى تستأهل خَرْمها فى راسك، واعمل لخلاصك! نعم نحن المسلمين الآن فى عز ضعفنا وتخاذلنا وبلادتنا (وامض فى مثل هذا اللون من الزراية علينا من هنا للصبح بل ليوم الدين، فلن تجد من يخالفك كثيرا!)، لكن هذا شىء، والاقتراب من سيد الأنبياء بجهل ورعونة وقلة أدب شىء آخر!(10/195)
هل يجوز فى شرعة العقل (العقل الذى حرمك الله منه، شفى الله الكلاب وضَرَّك!) أن يقارَن رجلٌ قد غيَّر مسار التاريخ والحضارة، وفَضَح زُيُوف أديانٍ وأقوامٍ، وعدّل مسار عقائدها وعباداتها وشرائعها بعد أن اختل ميزانها حُقُبًا طويلاً، وأنهض أمما من العدم وأعطاها فرصة قيادة البشرية فأثبتت أهليتها لهذه القيادة، هل يجوز فى شرعة العقل (يا من حرمك الله من العقل!) أن يقارَن سيد الأنبياء من قِبَل أحد الجهلاء النَّوْكَى الموتورين مثلك بـ"شرموط هولمز"؟ من هولمز هذا الذى تُوجِع به دماغنا؟ ما كُنْيَته؟ ما إنجازاته؟ إنه مجرد شخصية وهمية ليس لها من موضع على هذه الأرض "التى تتسع للبشر والكلاب النابحة العاوية معا للأسف!" إلا فى روايات كونان دُويِل البوليسية، وهى روايات كنا نقرؤها ونحن أطفال صغار ثم نَسِيناها مع اتساع مداركنا وتعمق ثقافتنا، روايات لا تُعَدّ فى الطبقة الأولى ولا الثانية بين هذا اللون من الروايات كما هو معروف رغم تدنّيه بالنسبة للروايات الأخرى، وليس له إلا الإنجازات الوهمية مثله، وهى رغم وهميتها وعدم حقيقيتها تنحصر فى الكشف عن بعض اللصوص والقتلة وما أشبه! فكيف تصحّ مقارنته بعظيم من عظماء البشرية، بل بأعظم عظمائها؟ عظيم هو نبى من الأنبياء، بل سيد الأنبياء وزعيمهم وقائدهم وخاتمهم ومصحِّح الانحرافات والوثنيات التى وقع فيها أقوامهم من بعدهم، ومحوِّل مسار الحضارة والتاريخ، والمتسبب فى رفع أقوام واتضاع آخرين على سنة العدل والإنصاف والعمل الجاد والثمار الطيبة المباركة؟ طيب يا أخى (ولست لى بأخ، ولا يشرفنى أبدا أن تكون، لكنها اللغة وعباراتها!)، طيب يا أخى، خَلِّ فى عين البعيد الأَخِر حصاة ملح، أو "خلِّ عندك مزيّة" كما يقول أهل قريتى وقارِنْه (رغم التسامح الشديد والتنازل البعيد من جانبنا!) بأحد زعماء التاريخ السياسيين أو مصلحيه الاجتماعيين أو قواده العسكريين كى يكون للكلام بعض المعنى الجادّ! أما أن تقول لى: "شرلوك هولمز وكونان دُويِل!"، فليس لهذا معنى عندى ولا عند أى عاقل يحترم نفسه إلا أن البعيد ليس عنده تمييز، أو بالتعبير البلدى: أن البعيد لا يشمّ!
وقبل أن ندخل فى التفاصيل نحب أن نقول إننا نستطيع بهذا الأسلوب المضحك أن نشكك فى أى شخص وفى أى شىء حتى وجود هذا الرجل الباذنجان نفسه، إذ ما أدرانا أنه فعلا موجود، وأنه هو الذى كتب هذا الكلام؟ ومن أدرانا أن نابليون أو القائد الإنجليزى ويلسون أو الرئيس الأمريكى نيكسون أو حتى بوش الأب هم أشخاص حقيقيون؟ إننا، لو استخدمنا هذا النوع من المقارنة بشرلوك هولمز، لانتهينا إلى ذات النتيجة التى يريدنا هذا الأخرق الأحمق المتهور أن ننتهى إليها، ألا وهى أن هؤلاء الناس لم يكن لهم أى وجود! كيف؟ بأن نقول، كما قال هو، إن هؤلاء الناس لهم سِيَرٌ مكتوبةٌ، وتركوا وراءهم من المخلفات الشخصية ما تركوا، ولهم من المعجبين والحواريين كذا وكذا... إلى آخر السخف الذى قاله هذا البعيد، لكن شرلوك هولمز كان له كل هذا، ومع ذلك نحن نعرف أن شرلوك هولمز لم يكن له وجود حقيقى، ومن ثم فهؤلاء الناس لم يكن لهم أيضا وجود حقيقى! إن هذا ليس قياسا منطقيا، بل عته وجنون، وهو يدل على مدى الاضطراب العقلى الذى يصيب القوم حين تأتى سيرة النبى الكريم، إذ تراهم بعد أن كانوا يفكرون تفكيرا سليما قد اختلط فى أذهانهم كل شىء وارتبكت عقولهم وانقلبت أفكارهم رأسا على عقب! والسبب؟ السبب هو محمد، الذى يعرفون أن مبادئه فى التوحيد والكرامة والعزة والعدل والجهاد فى سبيل الله ضد سفلة التاريخ وقراصنة الشعوب وجلاديها وباقرى بطون النساء ومفجِّرى مصارين الأطفال وملطِّخى أجساد الرجال بالخراء ومُرْسِلى الكلاب عليهم تنهش خُصَاهم وغراميلهم ومسلِّطى الآباء والأبناء بعضهم على بعض يتلاوطون قسرا وإجبارا وسارقى ثروات الأمم ومدمِّرى الحضارات الأثيلة الأصيلة والمتشامخين بأنوفهم على "خلق الله" كذبا وزورا ناسين أنهم كانوا لقرونٍ قليلةٍ خَلَتْ متخلفين كما البهائم السائمة! محمد هذا (صلى الله عليه وسلم، ولعن كل من يتطاول على عظمته ونبله، أو يفرح بمن يتطاول على عظمته ونبله، أو حتى يوافق مجرد موافقة على من يتطاول على عظمته ونبله)، محمد هذا يمثل لهؤلاء الأوغاد الأوساخ لقمة ضخمة كبيرة لا يستطيعون أكلها، إذ تقف فى حلوقهم وتخنقهم فى كل مرة يحاولون فيها ازدرادها، فهو لذلك يصيبهم، كلما ذُكِر اسمه الكريم، بالرعب ويبرجل عقولهم رغم كل التخلف والهوان الذى فيه أتباعه. وهذا من أعجب العجب!(10/196)
نعم ليس هذا قياسا منطقيا، بل عته وجنون! إذ ما الذى فى المقدمة الخاصة بهولمز مما يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الرجل المنكوس العقل والتفكير؟ هل معنى أن لهوملز مخلفات باسمه وكتبا كُتِبَتْ عنه أو ناسا يؤمنون بغبائهم بأنه كان موجودا فعلا (إن صح هذا الذى يقوله ذلك المأفون!)، هل معنى هذا أن هذا الرجل لم يكن له وجود؟ كلا، إن هذا لا يؤدى لذاك! ومن ثم لا يصح أبدا أن نقيس حياة الرسول أو أى شخص آخر على حالة هولمز. ليس ذلك فقط، بل إن تلك النتيجة معروفة سلفا، ولا تحتاج إلى أى تدليل، ولا علاقة بينها وبين المقدمات المذكورة. وحتى لو كان هناك فعلا تشابه بين المقدمات الخاصة بهولمز والرسول مثلا، وكانت هناك صلة بين المقدمات الهولمزية والنتيجة التى يرتّبها المأفون عليها، فهل يكفى هذا أن تكون النتيجة هنا هى نفسها هناك؟ لا، لأنه لا يكفى أن يكون هناك تشابه بين الطرفين فى الأمور الظاهرية أو العارضة، بل لا بد أن يكون هذا التشابه فى الجوهر والأصول. هذا واضح وضوح الشمس، لكن المخبول يتظارف رغم أن الأمر لا يحتمل شيئا من التظارف على الإطلاق! ترى هل يصح أن نقول مثلا إنه ما دام لكل من الكلب والإنسان رأس وعينان وأذنان وأنف وقلب وكبد... إلخ، فلا بد أن يكون الكلب من الناطقين كالإنسان، أو لا بد أن يكون الإنسان نابحًا كالكلاب، أو أن يكون الكلب من ذوات الاثنين لا الأربع وليس له ذيل، أو أن يكون الإنسان بالعكس من ذوات الأربع لا الاثنين وله ذيل؟ أو هل يمكن القول بأنه ما دامت السيارة تأخذ سائلا وتصدر صوتا وتجرى وتخرج دخانا من خلفها، فلا بد أن يكون عندها عقل كما عند الإنسان، وتتزاوج وتكوّن أُسَرًا وتنجب أطفالا كما يفعل البشر، ولا بد أن لها حكومات ومدارس ومساجد كما للبشر، لأن البشر مثلها يشربون السوائل ويصدرون الأصوات ويجرون ويخرجون ريحا من خلف؟ بالطبع لا. فهذا مثل ذاك.
إن الرجل الإستنجلينا يعرف، بل يقول ويعترف بلسانه النجس مثله أن شرلوك هولمز ليس له وجود! معنى هذا أنه دخل الميدان، وهو يعلم أنه بَكّاش كبير، ويعلم أننا نعلم أنه بَكّاش كبير، ومع ذلك لا يبالى بمنطق ولا بعقل. ولم لا؟ أليس يتكلم عن الإسلام؟ إنه إذن ليقتحم ساحة مفتوحة على الباهلى لكل من هَبَّ ودَبَّ من الأنعام أمثاله. وهو يقصد هذا كله قصدا بغية النيل من الرسول الكريم ودين الرسول الكريم وأتباع الرسول الكريم، وذلك من خلال الربط بين شرلوك هولمز وهذا الرسول الكريم! فانظر، أيها القارئ العزيز، كيف يريد هذا الملتاث العقل أن يهبط بالرسول الكريم من عليائه إلى مستوى شرلوك هولمز والتسالى التى ترتبط بشرلوك هولمز، وهى تَسَالٍ كتسالى اللُّبّ التى نغرم بها فى مصر غراما كبيرا! ألا تَعْسًا لهذا الكائن الضال المضل الذى يتصور أنه قادر على الإساءة لسيد الأنبياء والمرسلين وسيده وتاج رأسه ورأس الذين نفضوه وخلّفوه رغم أنه وإياهم لا يستحقون شيئا من هذا الشرف العظيم الذى يعود على كل من ينتسب له صلى الله عليه وسلم ولو انتساب العبد للسيد! طيب يا ابن الذين، ما الذى أدخلك هذا المدخل الضيق؟ ألم تجد إلا سيدك أنت وأهلك تتطاول عليه؟ أليس فى وجه الأبعد "بعضشى" من الحياء؟ أليس عنده أنف يشم به ويميز بين ما هو طيب وغير طيب؟ أَوَكُلّ الطائر يُؤْكَل لحمه؟ إن ظُفْر محمد لأشرف منك ومن بلدك جميعا! فاستيقظ أيها الوغد من أوهامك، تلك الأوهام الغبية مثلك والتى سولت لك أن التواقح والتسافه والتباذُؤ على الرسول الكريم يمكن أن يمضى فى سلام ودون تعقيب أو حساب كما يمكن أن يمر التواقح والتسافه والتباذؤ على الذين ينتسبون له زورا وبهتانا ممن يظنون أنهم على سنته وخطاه، لكنهم لا على سنته ولا على خطاه، وإلا ما بلغوا الذى بلغوه الآن من الحضيض الأوطإ من نار الدنيا، وما سيبلغونه كذلك من الدرك الأسفل من جحيم الآخرة إن استمروا على هذا الحال المذل المهين! أين الثريا من الثرى؟ وأين الرسول الكريم من ناس يزعمون أنهم أتباع له، وما هم له بأتباع، بل مجرد كائنات بليدة ترضى بالضَّيْم وكانت سببا بتخلفها وهوانها ومذلتها فى أن يتطاول الأوغاد عليه صلى الله عليه وسلم؟(10/197)
لقد جرَّأوا من لم يكونوا يتصورون أنهم يستطيعون فتح فمهم النتن يوما بالإساءة إلى رسول الله، حتى لقد تجرأ مع المتجرئين "زيكو العجيب!"، زيكو الذى ترددتُ طويلا قبل أن أُثْبِت هنا ما أَرْسَله لى بشأنه بعض القراء الغَيَارى، ثم قلت أخيرا: لا بد أن يعرف زيكو حجمه، وكيف ينظر إليه الناس المحترمون. وهذا ما وصلنى عنه: "زيكو أبو طاجن، زيكو المعجون من كل عاجن، زيكو الملسوع الملطوع، زيكو الملدوغ المدموغ، زيكو المحفور المخبور، لعن الله زيكو ومَنْ وراء زيكو، وبالمناسبة فإن أحدا لا يأتى زيكو إلا مِنْ وراء! هذا الزيكو المحتاس، الملعوب منه فى الأساس، يقول عن الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، بصوتٍ كلّه تغنُّج وتهيُّج، وتفتُّر وتكسُّر، وتثنٍّ وتغنٍّ، وتخنُّث وتأنُّث، شأن كل عاهرة فاجرة، من الصنف البئيس الرخيص: "الرسول النكَّاح" (يا اختى عليها: ننّوس عين "أبوها"! ملعون أبوها وأخوها وحَمُوها وفُوها (النتن) وهَنُوها (الأشدّ نتنًا ونتانةً وإنتانًا)، وخذ بالك من "هنوها" هذه، وملعونٌ كذلك ذُوها وذَوُوها، وكل الذين نفضوها)، وذلك حقدا من زيكو فَرْخ بيوت البغاء، على الرجال الأسوياء، لوَعْيه أن "النَّكّاح"، خيرٌ مليارَ مرة منه هو وأشباهه "المثقوبى الأركاح"، من كل راهبٍ "شائبٍ عائب، ومشلوحٍ مبطوحٍ منكوح"، كلما ثارت به "وَجْعَاؤه" وأكلته وآلمته وهيّجته وطيّرت البرج الفاضل من عقله هاج وماج، وركبه الانزعاج، وتحول إلى دجاجة من الدجاج، تطلب التكسير والإيلاج، ولو عَكَمه أى فحل وأشبعه مما يتشهاه، وتتحرق إليه عيناه، لهدأت أحواله وسكن بلباله! مسكين يا ناس، شوفوا له حَلاًّ، حَلّ وسطه ووسط الذين وضعوا بذرة هذا الدَّنِس النَّجِس سليل الأنجاس الأدناس! ومنكم لله أيها المنتسبون لمحمد، ومحمد فى الحقيقة منكم براء! منكم لله يا من لا تستحون أن تتظلموا كالأطفال، وتنوحوا إلى هذا وذاك من أشباه الرجال، ممن لا يشرفكم فى شىء أن يُسْكِتوا عنكم زيكو المبطوح، ولن يُسْكتوه، إذ كيف يُسْكتونه، وزيكو المنكوح إنما ينطق عن إشارة منهم كما ينطق التلفاز ويسكت، أيها البُغُول، بالريموت كونترول؟ أوليس فيكم رجل من الفحول، يقول لكم: عيب أن تَتَشَكَّوْا من عاشق المُلْمُول؟ ألا إنكم لأغبياء، ولم تكن أمة محمد لتوصف يومًا بالغَبَاء والعَيَاء! ولسوف يكون حسابه سبحانه وتعالى لنا عنيفا ووَعْرًا ومريرا يوم القيامة، وسوف يؤاخذنا مؤاخذة عزيز مقتدر، إذ أتاح لنا أعظم الفُرَص وكرَّمَنا باصطفائنا للقيام على رسالة النبى المصطفى ثم رزقنا فى عصرنا هذا "الذهب الأسود" فـ"ذهبت" منا الكرامة، وأصبح يومنا "أسود"! لقد قصَّرْنا بل تقهقرنا بل تمردنا ثم نافقنا فزعمنا أننا نسير على سبيله عليه السلام وأننا نحبه عليه السلام رغم كل ما نحن فيه من قهر وارتكاس مما هو فى ذاته أعظم دليل على كذب ما نزعمه، فاستحققنا أن يخلع عنا سبحانه الكرامة والفضيلة وأن يُحَكِّم فينا أوساخ البشر الذين لا يَرْعَوْن فيمن تُوقِعه الأقدار تحت سلطانهم إلاًّ ولا ذمة!" انتهى.
كذلك فالرجل المخبول يسمِّى القرآن الكريم بـ"القانون العثمانى"، وهذا ليس اسم القرآن على أى معنى من المعانى، بل كل ما يُنْسَب لعثمان من كتاب الله هو "الرسم"، الذى يوصف بـ"الرسم العثمانى"، أى الخط والإملاء، وهذا كل ما هنالك! وبالمثل يسمِّى هذا الأخرقُ رسولَ الله بـ"محمد بن مطلب"، ولا أدرى من أن أتى بهذه التسمية العجيبة، وبخاصة أنه عقب ذلك يعود فيقول إنه "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب" غير دار بالتناقض السخيف الذى وقع فيه! ومع المخبول نمضى فنجد أنه يَكْذِب كذبا حقيرا مثله، إذ يقول إنه لن ينقل عن غير المسلمين أى شىء يتعلق به عليه السلام، لنفاجأ به بعد قليل يقرر أنه صلى الله عليه وسلم "بدأ التعاون مع جبريل وعنده أربعون عاما"، مدلسا على القارئ الذى لا يعرف شيئا فيظن بسلامة طويّته أن هذا ما تقوله المراجع الإسلامية، مع أنه لا أحد من المسلمين يمكن أن يقول هذا بتاتا، علاوة على أن ما تم بين جبريل والرسول لم يكن تعاونا، فنحن لسنا بإزاء خطة ومؤامرة، بل كان وحيا من السماء نزل به الروح الأمين على قلب الرسول الكريم. ونحن حين نقول هذا لا نقصد أن نملى على المغفل المخبول عقيدتنا فيه صلى الله عليه وسلم، بل أن يقول إن هذا هو ما يعتقده المسلمون، لا أكثر، وذلك من باب الأمانة العلمية لا غير!(10/198)
ليس ذلك فقط، بل إن الرجل الملتاث العقل والفكر يزعم أن الرسول، لكونه لا يحسن المبارزة، كان يكلف أتباعه باغتيال المناوئين. وهذا كذب صراح وقاح، فالرسول هو الذى دُبِّرَتْ له أولاً، ودون داعٍ أو استفزاز من جانبه، خطة لاغتياله لولا أن الله قد أمره بالهجرة، تلك الهجرة التى يسميها الأحمق: "فرارا". أما بعد الهجرة ونشوء دولة للإسلام فى المدينة فقد قامت المعارك بين المسلمين وبين كل من الكفار واليهود والروم اسْتُخْدِمَتْ فيها الأسلحة والخطط الحربية، ومع ذلك لم يتوقف الكفار واليهود عن محاولة اغتيال الرسول لولا لطف الله به فى كل مرة، كما نجح الكفار فى اغتيال عدد كبير من أتباعه عليهم رضوان الله غدرًا وخيانةً وعدمَ إنسانية. ولم يلجأ المسلمون إلى أسلوب القتل فى السر إلا مع الأعداء الألداء الذين تكرر منهم الغدر وخيانة المعاهدات القائمة بينهم وبين المسلمين ونَفِدَ معهم حبل الصبر! وهو تصرف مشروع تماما فى ظل قيام حالة حرب بين الطرفين وتكرر اغتيالات المسلمين على يد الوثنيين المجرمين، ولم يكن الأمر، كما يحب البكاش أن يوهم القراء، مجرد رغبة فى الأذى لدى رسول الله. ومثله القول بأنه، عليه الصلاة والسلام، كان يتخذ من الوحى مسوغا لقتل المئات فى المعارك الحربية، وكأن قتل الأعداء فى الحروب يحتاج إلى تسويغات كالتى يتحدث عنها أحمقنا، أو كأن الرسول والمسلمين هم المعتدون أو على الأقل هم الذين كانوا يبدأون العدوان. إن البشر، منذ ظهورهم على الأرض، وهم يمارسون القتل والقتال دون أن ينتظروا من السماء نصوصا تبرر لهم ما يفعلون، وظلوا حتى الآن يقتل بعضهم بعضا ويقاتل بعضهم بعضا دون حاجة إلى مثل تلك النصوص. فلماذا إفراد الرسول بهذا، وكأنه عليه السلام كان قاتلا دمويا، ولم يكن يدعو إلى الوئام والسلام، على حين أن أعداءه هم الذين كانوا يدعون إلى الحرب، وهم الذين كانوا يبادئونه بها؟ أم إن المجنون كان يريد من الرسول أن يقدم رقبته ورقاب المسلمين جميعا على مذبح الوثنية والأحقاد اليهودية كى يُرْضِىَ شهوة الدماء والبغضاء لدى أحمق الفرنسيس الخِنِّيس؟
ثم هناك قوله عنه صلى الله عليه وسلم إنه "كان يكن كراهية عميقة للفنون بوجه عام (الرسم والنحت والعمارة)، وكان يكره الموسيقى ويحطم آلاتها، ويعجز عن تذوق أى شىء غير التراتيل الدينية"، وهو قول سطحى تافه، إذ كل ما كان الرسول يضعه نصب عينيه هو ألا يعود العرب على أعقابهم كرة أخرى إلى الوثنية التى أنقذهم الله منها على يديه المباركتين، ومن ثم كان نهيه عن التماثيل التى لم يكن عند العرب فى ذلك الوقت فرق بينها وبين الأصنام، علاوة على أن التماثيل لديهم حينئذ كانت مجرد نحت بدائى لا فن فيه ولا جمال، إذ كل ما كان يهمهم هو ما فيها من معنًى وثنىٍّ شِرْكِىّ. أما العمارة والموسيقى، فهل كانت هناك آنذاك عمارة أو موسيقى عربية يمكن أن تُحَبّ أو تُكْرَه؟ ومع هذا فقد أُثِرَ عنه عليه السلام ما يُفْهَم منه أن الغناء (النظيف بطبيعة الحال) هو لون من ألوان الترويح عن النفس والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والعامة. بيد أنه من غير المعقول أن يوافق على مثل ذلك الغناء التافه المبتذَل الذى يطالعنا الآن فى كل مكان، دَعْ عنك الغناء الداعر الذى يستشير الشهوات باللفظ واللحظ والحركات والتلوِّيات وكشف العورات بل السوءات بغية القضاء على كل مقومات التماسك العقيدى والخلقى والاجتماعى كى يَسْهُل اجتياح الأمة التى بناها على عينه وتدميرها والقضاء على كل ما أنجزه بتضحياته الجليلة النبيلة وتضحيات أتباعه الكرام!
وجَرْيًا من الكاتب الأحمق على خطته فى الربط الساخر بين الرسول الكريم وشرلوك هولمز نراه يقول إن "بعض غير المسلمين (وهو يقصد بذلك نفسه وأمثاله من الملتاثين) يفسرون الإحالات والتناقضات فى سيرة محمد على أساس أنه ليس أكثر من أسطورة لفقها على مدار القرون من هنا ومن ههنا كتّاب كانوا يشتغلون بخدمة بعض السادة فى عصرهم بغية تحريك رجال الجيش لشن الحروب من أجلهم. وفى نظر غير المسلمين فإن هؤلاء ظلوا يرددون هذه الأسطورة لأكثر من ألف عام"، وهو نفسه تقريبا ما قاله عن هولمز: "أما غير الهولمزييين فإنهم يفسرون الإحالات والتناقضات فى سيرة شرلوك هولمز على أساس أنه ليس أكثر من أسطورة لفقها من هنا ومن ههنا على مدى أربعين سنة كاتب كان يشتغل بخدمة أحد رجال الصحافة فى عصره بغية دفع القراء لشراء صحيفته. وفى نظر المكذبين فإن أتباع هولمز ظلوا يرددون كذبةً مضحكةً لأكثر من قرن". إنه يحاول أن يوهمنا أن المسلمين كانوا يعرفون ما تعرفه أوروبا ثم العالم كله تبعا لها فى عصرنا الحديث من تسويق للمنتجات عن طريق الدعاية والإعلانات التجارية الكاذبة.(10/199)
ثم فلنفترض أن الأمر كان كذلك حقا، أفلم يكن هناك أحد له رأى آخر يخالف به الرأى السائد مثلما هناك الآن ناس فى أنحاء العالم أجمع لا تُعَدّ ولا تُحْصَى يعرفون ويؤكدون أن شرلوك هولمز ليس سوى شخصية قصصية بوليسية لا حقيقة لها، وأنه ليس له أب ولا أم ولا أقارب يمكن الرجوع إليهم بشأنه؟ وفوق هذا فليس هناك بين الأدباء أو النقاد أو المؤرخين من كتب عنه بوصفه شخصية حقيقية لها وجود خارج روايات كونان دويل وخيالاته. وهذا إن صدقنا بوجود من يعتقدون فعلا أنه كان شخصا حقيقيا! يا إلهى، إن هذا ضد طبيعة الأشياء، إذ ما من رأى أو موقف فى عالم البشر إلا وهناك من له رأى أو موقف يناقضه ويعمل على نشره ومعارضة آراء مخالفيه ومواقفهم. وهب أن المسلمين كلهم على بكرة أبيهم فى مشارق الأرض ومغاربها وجهات الشمال منها والجنوب كانوا أولاد ستة وستين، أَوَعلينا أن نتهم البيزنطيين والفرس والبربر ولا أدرى مَنْ أيضا مِنَ البشر الذين عاصروا خلق الأسطورة المحمدية بأنهم اشتركوا فى هذه اللعبة: إما بتواطؤ منهم مع المسلمين، وإما بغباء منهم وسذاجة جعلتهم يبتلعون الطعم بعد أن سقاهم المسلمون "حاجة أصفرة" رغم أن المسلمين "من فرط خيابتهم" لا يلجأون إلى سُقْيَا أحد هذه "الحاجة الأصفرة" لسبب بسيط هو أن دينهم المزيف الملفق يحرّمها تحريم مالك للخمر (وأرجو ألا يضحك القارئ الكريم من العبارة الأخيرة وما فيها من لف ودوران)! وهذا أيضا لو أن البيزنطيين وغيرهم قد اكتفَوْا بذلك الموقف السلبى فسكتوا ولم يتكلموا رغم توفر جميع الدواعى عندهم للكلام وفضح المسلمين الكذابين الملفقين المزورين الذين قَضَوْا على زعامتهم وحرموهم من سيادتهم ومستعمراتهم وجردوهم من السلطان والعز والنغنغة التى كانوا فيها وأذاقوهم من الويلات والمذلات جزاء بغيهم وإجرامهم ما لم يعرفوه طوال تاريخهم! أمّا، ونحن نعرف أن البيزنطيين قد هبّوا منذ البداية فهاجموا الرسول واتهموه بما اتهموه به (بغض النظر الآن عن مدى صدق ذلك أو كذبه) مما يعد دليلا لا يمكن نقضه على أنه عليه السلام حقيقة لا مراء فيها، فمعنى ذلك أن كاتبنا الأخرق يهرف بما لا يعرف. لا، بل يكذب كذبا وقحا، ودون أن يطرف له جفن أو تختلج فى وجهه عضلة! ودعنا كذلك مما عثر العلماء عليه من رسائل بعث بها صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض من حوله! ودعنا كذلك من الشعر الجاهلى الذى سجَّل جانبٌ منه أحداث سيرته صلى الله عليه وسلم بما فى ذلك المعارك الطاحنة التى اشتعلت بين الدين الجديد والوثنية البائدة كقصائد حسان وكعب بن مالك وابن رواحة وأبى سفيان بن الحارث وعبد الله بن الزِّبَغْرَى وكعب بن زهير وأمية بن أبى الصلت وغيرهم! ودعنا أيضا من أنه لو كان ما يقوله هذا المأفون صحيحا لما سكت الأمويون مثلا عما تقوله كتب السيرة والتاريخ الإسلامى عن أجدادهم وآبائهم مما لا يشرفهم كما هو معروف ما دامت المسألة تلفيقا فى تلفيق! أم للقراء رأى آخر؟ فلْيأتونى به، ولهم جزيل الشكر منى، والمثوبة من رب العالمين! ودعنا فوق هذا من أن أحدا من الباحثين على مدار القرون الأربعة عشر الماضية من مسلمين وغير مسلمين لم يفكر مجرد تفكير فى إنكار وجود محمد، إلى أن هَلّ علينا بطلعته البليدة غير المأسوف على غبائه وحمقه فأراد أن يحدث حدثا أحمق أخرق مثله، وهيهات. والتاريخ لا يكتبه المجانين المخابيل، وإلا فعلى الدنيا العفاء! ألم يكن هناك، كما لا يزال بيننا الآن، كفار لا يؤمنون بالقرآن ولا بالرجل الذى يقال إنه هو الذى نزل عليه هذا القرآن من السماء، فيفتحوا أفواههم ليهتكوا هذا الزيف الذى ترفضه عقولهم وضمائرهم؟ وإذا كان البكاش المناور يزعم أن الرسول والقرآن جميعا قد لُفِّقَا تلفيقا من أجل مصالح بعض المتسلطين المستبدين سَفَكَة الدماء، أفلم يكن هناك من بين المسحوقين الذين كان يستغلهم هؤلاء المتسلطون السفاكون من فكّر فى فضح تلك اللعبة الحقيرة؟ لقد وصلنا، كما قلنا، شعرٌ لمشركين ويهود كانوا يهاجمون الدين الجديد ويكذّبون رسوله بما يفيد أنه كان عليه السلام شخصا حقيقيا، لكن لم يصلنا قَطّ شعر ولا نثر يقول إن محمدا هذا لم يكن له وجود، بل مجرد صناعة بشرية قام بها فلان وفلان وفلان من أجل الغاية الفلانية أو العلانية؟ أليس هذا ما يقضى به العقل والمنطق؟ أم هل كان العرب والمسلمون جميعا أمة من الكذابين، أو الكذابين من جهة، والسذَّج الذين يصدقون كل ما يقال لهم كذبًا وافتراءً من جهة أخرى؟ ثم دعنا فوق هذا وذاك من أن القرآن لا يعكس روحا بشريا ولا يشبه أسلوبه أن يكون أسلوب أحد ممن يُتَّهمون بأنهم هم ملفقوه، وإلا فليقل لنا هذا المخبول مَنْ مؤلفه ما دام يقول إنه مصنوع صناعة على يد من يُسَمَّوْن بـ"المسلمين" بعد التاريخ الذى يقال إن محمدا كان يعيش فيه. ونتحدى أى مسعور من أمثال صاحبنا أن يدلنا على الشخص الذى ألف القرآن، لسبب بسيط ومنطقى تمام المنطقية هو أنه ليس من(10/200)
تأليف أحد، بل من وحى السماء!
ثم إن المأفون يقول إنه ليس بحاجة للذهاب لإنجلترا ولا لبلاد العرب للتحقق من الأمر، بل يكفى الرجوع إلى ما كتبه الكاتبون على المشباك. فكيف، وهو المتشكك فى كل شىء، يسارع هنا إلى تصديق ما يقرؤه على المشباك وينسى جميع ارتياباته فى كل ما يتعلق بالإسلام؟ كما أنه يقول إن التناقضات التى لاحظها هو وأمثاله على تاريخ الرسول (بافتراض أن هناك فى سيرته عليه السلام تناقضات لا يمكن حلها وتوجيهها) هى دليل على أن أمر محمد كله أسطورة. أترى هذا دليلا سليما فعلا على ما يقول؟ إنه ما من شىء فى الدنيا يخلو من المتناقضات، ادعاءً كانت هذه المتناقضات أو حقيقةً، فلو اتخذنا إذن من وجود المتناقضات دليلا على أسطورية الأشياء والأشخاص لما كان لشىء فى الدنيا وجود البتة! إن عشرات الملايين من الأمريكان مثلا تقول فى صدام حسين ما قال مالك فى الخمر ("مالكٌ" مرة أخرى فى مقال واحد، لاحظ!)، وتقول فى بوش كل ما يستطيع العقل تخيله من قصائد المديح، على حين أن أنصاره يقولون فيه أحسن ما يقال، وفى بوش أسوأ ما يمكن تصوره، وكل ما تسمعه هنا يتناقض تمام التناقض مع ما تسمعه هناك، فهل نخلص من هذا إذن إلى القول بأن الرجلين ليس لهما وجود؟ وهذا مجرد مثال فقط.
أما قوله إنه "من خلال ما أرسى محمد من مبادئ، قد أضحى مناط إلهام لعدد من العمليات الانتحارية التى يقوم بها هذه الأيام مسلمون يوقنون تمام الإيقان أنهم متى ماتوا فإن كل شىء سوف يقع الضبط كما سبق أن أخبر به الرجل الذى يتخذونه مثلا أعلى" فهو، كمعظم ما جاء فى مقاله التافه مثله، خطأ فى خطإ: فالرسول قد شدد فى أحاديثه الكريمة على تحريم الانتحار موضحا المصير البشع الذى ينتظر المنتحر فى الآخرة، كما حذر القرآن المجيد والسنة النبوية المشرفة من اليأس من رَوْح الله ووضّحا أنه ما من مصيبة أو أذيّة تصيب المؤمن ويصبر عليها ولا يتسخط منها إلا كُتِبَ له بها يوم القيامة أجر كبير، وهو ما من شأنه أن يشيع فى نفس المؤمن السكينة والطمأنينة ويغرس فى قلبه أن عين الله تكلؤه ولا تنساه، ومن ثم لا يمكن أن يخطر الانتحار على باله، على عكس كل ملحدٍ كفّار: "إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون"، "ومن يَقْنَطُ من رحمة ربه إلا الضالون؟"، "فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا"، "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". وفى "صحيح البخارى" عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تردَّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدا، ومن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلَّدًّا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَجَأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلَّدًا فيها أبدا"، وفى "مسند أحمد" عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يَجَأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسُمٍّ فسمّه بيده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يُرْدَى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".(10/201)
فهذا عن السخط والانتحار فى الإسلام بإيجاز خاطف، أما ما يقوم به الأبطال المسلمون الأشاوس من أجل أمتهم فى فلسطين المباركة وعراق المجد والنبالة وأفعانستان التى حطمت فَقَار ظهر الاتحاد السوفييتى وسوف يكتب الله لها هى وسائر بلاد الإسلام المحتلة المظلومة شرف تحطيم فَقَار ظهر الأمريكان بمشيئته تعالى وعونه وكرمه إذا استمرت المقاومة واستعانت فى كفاحها بالنفس الطويل والإيمان الذى لا يتزعزع والاطمئنان إلى وعد الله، أما ما يقوم به أبطالنا فى تلك البلاد وأمثالها من بلاد المسلمين فهو استشهادٌ وقُرْبَى إلى الله، وهو ضريبة الدم والحياة يبذلها أولئك الكرام الأحرار الذين يدوّخون الحضارة الغربية الشيطانية الأنانية رغم قلة الحيلة وضيق ذات اليد، وهو ما يجنّن رجال تلك الحضارة المجرمة المستبدة المتغطرسة القاتلة الناهبة المغرمة بقتل الشعوب المستضعفة وسرقة خيراتها وتمزيق أوطانها ثم الزعم بعد ذلك كله بأنهم إنما يعملون على تحضيرهم وترقيتهم والأخذ بيدهم إلى المعالى (شوفوا البجاسة والجبروت والإجرام وقلة الأدب)! إن الانتحار يأسٌ وكفرٌ وسخطٌ وجَزَعٌ وضعفٌ مَشِينٌ لا يليق بالرجال ونزوعٌ إلى الموت والدمار فرارًا من أثقال الحياة، أما الشهادة فهى حياة لأمم الشهداء، وخلود ونعيم أخروىّ وانغمار فى الرضوان الإلهى لأولئك المغاوير أبد الآبدين. فأين هذا من ذاك؟ إن المأفون وأشباهه إنما يبذلون كل ما عندهم من تدليس وتشكيك وتسخيف من أجل إشاعة الهزيمة فى صفوفنا وقلوبنا وإغرائنا بالاستسلام لسكاكينهم ومدّ رقابنا لهم فى خنوعٍ وضراعةٍ كى يجزروها. هذه كل الحكاية لا أكثر ولا أقل، أما ما يروّجه أولئك الشياطين ومن يُسَمَّوْن بهتانًا ومَيْنًا بـ"علماء الدين" عندنا ممن باعوا ضمائرهم جبنًا أو خبثًا لأعداء الملة والأمة فهو على الجزمة القديمة الملطَّخة بما يليق بأولئك الأبالسة البُعَداء الملاعين، وبهؤلاء العبيد الأنجاس المناكيد! وهل هناك غيره؟ إن أباليس الغرب إنما يحبون الحياة حُبًّا جَمًّا مجنونًا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة أبدا، ولا يريدون أن يُحْرَموا من نعيم هذه الدنيا طرفة عين ولا أن يموتوا فيذهبوا كما يعتقدون إلى العدم والخواء، ومن ثم يعرفون أن سر قوتنا فى هذه المرحلة العجيبة الغريبة من تاريخنا إنما هو إيمان أبطال المسلمين بالجنة والشهادة، إذ لا سلاح غيره تقريبا فى أيدينا، فهم يريدون تجريدنا حتى من هذا السلاح (الذى لا يستطيعون أن يقفوا فى وجهه) حتى يسهل عليهم ابتلاعنا والتهام لحومنا ولحوم الذين خلّفونا ومصمصة عظامنا أيضا فوق البيعة حتى لا تقوم لنا من بعدها قائمة. ثم يأتى الأراذل من جُهَلاءِ السَّوْءِ (عليهم دائرةُ السَّوْء) فيُفْتُونهم بما يريدون. ألا لعنة الله على المدلسين الخائنين الملعونين فى كل كتاب وبكل لسان إلى يوم يُبْعَثون، الذين يتبرأ منهم الله والرسول والملائكة والأرض والسماء والأحرار فى كل الأمم والديار!(10/202)
ويقول الكذاب المداور المناور أيضا: "لو أن مسلما أحضر طفلا هنديا من أبناء الأمازون إلى بلاد العرب وحفّظه عن ظهر قلب، وهو يضربه فوق رأسه بالمقرعة ومن خلال اللغة العربية التى لا يفهمها، القانون العثمانى فى مدرسة قرآنية، ثم أزاره المتاحف الإسلامية، والأماكن التى يتحدث عنها القانون العثمانى، والمدن التى عاش فيها محمد، وتلك التى تخلد ذكراه، فمن المؤكد أن هذا الفتى الأمازونى الشجاع لن يساوره بعد ذلك أدنى شك فى وجود النبى العظيم محمد. وما إن يعود الفتى الأمازونى إلى موطنه فى قلب الأمازون حتى يشرع فى الكلام عن حياة ذلك النبى العظيم، فيصبح محمد بهذا حقيقة لا تقبل المماراة بالنسبة للقبيلة جمعاء. ولسوف يكون بمستطاع كل فرد من أفراد القبيلة أن يأتى بدوره إلى بلاد العرب للتحقق بنفسه من وجود مكة كما قالوا له، وأن هناك فعلا متاحف خاصة بسيوف محمد وبعض مخلفاته، وأن هناك أيضا مقابر خاصة بأصحابه فى المدينة. ولسوف تعود القبيلة بعد ذلك إلى موطنها أكثر اقتناعا بوجود محمد رغم أن محمدا ... إلخ"! وهذا الذى يقوله الكذاب، ما عدا حكاية اللغة الأجنبية التى يلقَّن بها التلميذ ما يراد له معرفته وحفظه وترديده والإيمان به، وكذلك كلامه عن المقرعة وضرب التلميذ بها فوق دماغه تهكما منه علينا وعلى طريقتنا فى التعليم رغم أن الأساتذة الآن لم يعودوا يضربون أحدا من التلاميذ تقريبا ورغم أن عقاب التلميذ البليد والمشاكس المفسد ليس شرا كله، فى الوقت الذى يعلّمنا هؤلاء الأرجاس عن طريق الضرب بالقنابل النووية مما يسير على آخر طراز تربوى وتعليمى بطبيعة الحال، هذا الذى يقوله الكذاب ليس خاصا بالتعليم الإسلامى، بل هو مبدأ عام من مبادئ التعليم فى كل مكان وزمان، ألا وهو التكرار وضرب الأمثلة وزيارة المتاحف والمؤسسات المتعلقة بالمادة المدروسة ومعاينة ما فيها على الطبيعة... إلخ. أما زعمه بأن ذلك إنما يتم بلغة لا يعرفها التلميذ فليس له من رد عندى إلا أن البعيد قد تفوَّق فى بجاسته وبجاحته على المومسات والقحاب، إذ السؤال هو: وكيف سيعرف الطفل ما يقال له حتى ليصل إيمانه وإيمان القبيلة كلها إلى هذا المدى المتصلب الذى ذكره ذلك الإبليس دون أن يفهم ما يقال له؟ أعرفتم لماذا قلت إنه قد تفوق على القحاب العاهرات؟
ويتبقى بعد هذا ما سَخَّمَ به هذا الباجسُ البَجِحُ شاشةَ المشباك قائلا:"إن محمدا ليس فى الواقع إلا قصة مخترعة أو شخصية خيالية، ومع ذلك فالملاحظ أن مفهوم "محمد" يجسّد على نحوٍ كافٍ أحلام صنف من البشر لدرجة قيام بعض الأشخاص من تلقاء أنفسهم (فى القرن السادس الميلادى) بصنع جميع العناصر المكونة لوجود تلك الشخصية وجودا حقيقيا وتكوين جماعة تقوم على اعتناق تلك الأسطورة وحراستها وتخليدها لما يكفله لهم ذلك من ممارسة سلطان شامل يسوّغ لهم كل ما يريدون". والسؤال هو: أى صنف من البشر يا ترى يقصده المأفون، هذا الذى يرى فى الأسطورة المحمدية الملفقة تجسيدا لأحلامه وآماله؟ وما تلك الأحلام والآمال؟ إن الذين يضحون بأنفسهم وراحة بالهم وحياتهم وأموالهم وبيوتهم والدنيا جميعا ويتركون أولادهم من بعدهم فى حماية المولى وحده لا يمكن أن يقول عنهم ما قاله مأفوننا (لا شفاه الله من اختلال عقله) إلا وقح سافل، إذ أية مصلحة يا ترى يمكن اتهام أبطال الإسلام الاستشهاديين بأنهم إنما يجرون خلفها، وهم الذين يضحون بكل شىء كما هو معروف؟ وهل من مصلحةٍ أو سلطةٍ يمكن أن يتطلع إليها أو يبكى عليها طالب الشهادة، وقد جاد بالحياة ذاتها؟ إن المصالح والسلطات إنما هى مع الأمريكان والفرنسيس والبريطان، لكن استشهاديينا الكرام قد نفضوا ذلك كله عن نفوسهم ونبذوه وراء ظهورهم واشْتَرَوْا به ثمنا غاليا هو ما عند الله من بِرٍّ ورحمةٍ وجنةٍ عَرْضها السماوات والأرض أُعِدَّت للمتقين المناضلين فى سبيل الوطن والدين مع النبيين والصِّدّيقين، وحَسُنَ أولئك رفيقا!
===================
تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
يحاول الحاقدون على الإسلام من النصارى أن يثيروا الشبهات في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، فكيف ندحض هذه الشبهة ونلقم أصحابها الحجارة في حلوقهم؟
الجواب :
نقول لهؤلاء النصارى :(10/203)
إنكم تزعمون أن تعدد الزوجات عيب يخل بمقام النبوة ، وبديهي أن الزنا الصريح أشد عيباً وفظاعة من تعدد الزوجات ( على فرض أن الزواج عيب ) . وأن الزنا بإمرأة القائد المخلص وقتله للإستيلاء على إمرأته أشد فظاعة ونكراً من الزنا العادي . وأن الزنا بالبنات والمحارم أشد فظاعة وجرماً من الزنا بإمرأة القائد وأن خيانة الله سبحانه وخداعه في أمر الرسالة أشد جرماً من الزنا في ذاته ، وهذه الأمور كلها قد ذكرها كتابكم المقدس صراحةً وألصقها بالأنبياء الكرام الذي عبرعنهم كتابكم المقدس بأنهم أولاد الله الأبكار ! وأنتم مع ذلك تؤمنون بكتابكم المقدس وتؤمنون بأن هؤلاء الأنبياء الذين ارتكبوا هذه الجرائم والموبقات من كبار الأنبياء، وتؤمنون أيضاً أن ارتكاب الانبياء لهذه الخطايا والجرائم ليس فيه اسقاط لنبوتهم .
على أن تعدد الأزواج قد وجد في الأنبياء العظام كإبراهيم وداود ويعقوب وسليمان وغيرهم كما نص بذلك كتابكم المقدس وبالتالي كيف يصح لعاقل منكم قرأ كتابه المقدس أن يعيب ويطعن على محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين عدد من النساء ؟!
ألا يعلم المبشرون أن طعنهم على كتاب الله ونبي الله بهذه الحالة هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟! لأن البداهة تقضي بأن يقول الناس إذا كان تعدد الأزواج عيباً ينافي النبوة فالزنا الصريح والشرك والخيانة التي اثبتها كتابكم المقدس في حق نبي الله داود وسليمان الحكيم تنافي النبوة من باب أولى ومع هذا فلا يمكن للمبشرين أن يسقطوا ويطعنوا في نبوة هؤلاء الانبياء ...
أيها السائل الكريم :
لقد درج أعداء الإسلام منذ القديم على التشكيك في نبي الإسلام والطعن في رسالته والنيل من كرامته، ينتحلون الأكاذيب والأباطيل ليشككوا المؤمنين في دينهم، ويبعدوا الناس عن الإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم، ولا عجب أن نسمع مثل هذا البهتان والافتراء والتضليل في حق الأنبياء والمرسلين، فتلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وصدق الله حيث يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31].
وقبل أن نتحدث عن أمهات المؤمنين الطاهرات وحكمة الزواج بهن نحبّ أن نرد على شبهة سقيمة طالما أثارها كثير من الأعداء من الصليبيين الحاقدين والغربيين المتعصبين.
رددوها كثيرًا ليفسدوا بها العقائد ويطمسوا بها الحقائق ولينالوا من صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه إنهم يقولون: " لقد كان محمد رجلاً شهوانيًا يسير وراء شهواته وملذاته ويمشي مع هواه، لم يكتف بزوجة واحدة أو بأربع كما أوجب على أتباعه، بل عدَّد الزوجات فتزوج عشر نسوة أو يزيد سيرًا مع الشهوة وميلاً مع الهوى".
كما يقولون أيضًا: "فرق كبير وعظيم بين عيسى وبين محمد، فرق بين من يغالب هواه ويجاهد نفسه كعيسى بن مريم وبين من يسير مع هواه ويجري وراء شهواته كمحمد"، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].
حقًا إنهم لحاقدون كاذبون فما كان محمد عليه الصلاة والسلام رجلاً شهوانيًا إنما كان نبيًا إنسانيًا تزوج كما يتزوج البشر، ليكون قدوة لهم في سلوك الطريق السوي، وليس هو إلهًا ولا ابن إله كما يعتقد النصارى في نبيهم، إنما هو بشر مثلهم فضَّله الله عليهم بالوحي والرسالة، {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110].
ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه بدعًا من الرسل حتى يخالف سنتهم أو ينقض طريقتهم فالرسل الكرام قد حكى القرآن الكريم عنهم بقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد: 38]
فعلام إذًا يثيرون هذه الزوابع الهوج في حق خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام؟ ولكن كما يقول القائل:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
وصدق الله حيث يقول: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} [الحج: 46]
رد الشبهة:
إذا نظرنا إلى دعوة النبي عليه السلام، والى الدولة التي أقامها وأسسها، وإلى ما صنعه هذا النبي العظيم في حياته، وإلى هذه الدولة الإسلامية التي امتدت من الصين إلى المغرب، فبعد هذا من الذي يقول إن هذا عمل رجل مشغول، وان الذي شغله المرأة؟ ومن الذي تفرغ لعمل عظيم وبلغ فيه ما بلغ محمد عليه السلام في مسعاه؟ فهل بعد هذا يقال أن النبي عليه السلام شغلته المرأةُ عن عمله، وأنه كان متعلق القلب بالنساء؟ فأي افتراء هذا، وأي إفك وإفساد مثل هذا.(10/204)
هناك نقطتان جوهريتان تدفعان الشبهة عن النبي الكريم وتلقمان الحجر لكل مفتر أثيم يجب ألا نغفل عنهما وأن نضعهما نصب أعيننا حين نتحدث عن أمهات المؤمنين وعن حكمة تعدد زوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين.
هاتان النقطتان هما:
أولاً: لم يعدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زوجاته إلا بعد ان تجاوز من العمر الخمسين.
ثانيًا: جميع زوجاته الطاهرات ثيبات ـ أرامل ـ ما عدا السيدة عائشة رضي الله عنها فهي بكر، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي في حالة الصبا والبكارة، ومن هاتين النقطتين ندرك بكل بساطة تفاهة هذه التهمة وبطلان ذلك الادعاء الذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون.
فلو كان المراد من الزواج الجري وراء الشهوة أو السير مع الهوى أو مجرد الاستمتاع بالنساء لتزوج في سن الشباب لا في سن الشيخوخة، ولتزوج الأبكار الشابات لا الأرامل المسنات، وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب والنعمة: ((هل تزوجت؟)) قال: نعم، قال: ((بكرًا أم ثيبًا؟)) قال: بل ثيبًا، فقال له صلوات الله عليه: ((فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك)).
فالرسول الكريم أشار عليه بتزوج البكر وهو عليه السلام يعرف طريق الاستمتاع وسبيل الشهوة، فهل يعقل أن يتزوج الأرامل ويترك الأبكار ويتزوج في سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا كان غرضه الاستمتاع والشهوة؟!
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهجهم وأرواحهم، ولو أنه طلب الزواج لما تأخر أحد منهم عن تزويجه بمن شاء من الفتيات الأبكار الجميلات، فلماذا لم يعدد الزوجات في مقتبل العمر وريعان الشباب؟! ولماذا ترك الزواج بالأبكار وتزوج الثيبات؟! إن هذا بلا شك يدفع كل تقوُّل وافتراء ويدحض كل شبهة وبهتان ويرد على كل أفاك أثيم يريد أن ينال من قدسية الرسول أو يشوِّه سمعته، فما كان زواج الرسول بقصد الهوى أو الشهوة، وإنما كان لحكم جليلة وغايات نبيلة وأهداف سامية سوف يقر الأعداء بنبلها وجلالها إذا ما تركوا التعصب الأعمى وحكَّموا منطق العقل والوجدان، وسوف يجدون في هذا الزواج المثل الأعلى في الإنسان الفاضل الكريم والرسول النبي الرحيم، الذي يضحي براحته في سبيل مصلحة غيره وفي سبيل مصلحة الدعوة والإسلام.
إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
أولاً: الحكمة التعليمية.
ثانيًا: الحكمة التشريعية.
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية.
رابعًا: الحكمة السياسية.
أولاً: الحكمة التعليمية:
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هي تخريج بعض معلمات للنساء يعلمهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصيف المجتمع، وقد فرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.
وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض والنفاس والجنابة والأمور الزوجية وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل، كما كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل، وكان كما تروي كتب السنة أشد حياءً من العذراء في خدرها، فما كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة بل كان يكني في بعض الأحيان ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام.
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فعلّمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل ثم قال لها: ((خذي فرصة ممسكة ـ أي قطعة من القطن بها أثر الطيب ـ فتطهري بها)) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: ((تطهري بها)) قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها: ((سبحان الله تطهري بها))، قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا وتتبعي بها أثر الدم. وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه، فكان صلوات الله عليه وسلم يستحي من مثل هذا التصريح.
وهكذا كان القليل أيضًا من النساء من تستطيع أن تتغلب على نفسها وعلى حيائها فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها، نأخذ مثلاً لذلك حديث أم سلمة المروي في الصحيحين وفيه تقول: جاءت أم سُليم ـ زوج أبي طلحة ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا رأت الماء)) فقالت أم سلمة: لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله: ((إذًا فيم يشبهها الولد؟)).(10/205)
مراده عليه السلام أن الجنين يتولد من ماء الرجل وماء المرأة، ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهكذا كما قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان: 2]. قال ابن كثير رحمه الله: "أمشاج أي أخلاط والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس: يعني ماء الرجل وماء المرأة، إذا اجتمعا واختلطا..."
وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات، ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (رحم الله نساء الأنصار؛ ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين، وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن وعن طريقهن تفقه النساء في دين الله.
ثم إنه من المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هي تشمل قوله وفعله وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله عليه السلام في المنزل غير هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله، فكن أمهات للمؤمنين، وزوجات لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟!
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هديه عليه السلام، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ثانيًا: الحكمة التشريعية:
ونتحدث الآن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً بدعة التبني التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال؛ في الميراث والطلاق والزواج ومحرمات المصاهرة ومحرمات النكاح إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه، وكان دينًا تقليديًا متبعًا في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له: "أنت ابني، أرثك وترثني"، وما كان الإسلام ليقرهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجاهلة، فمهد لذلك بأن ألهم رسوله عليه السلام أن يتبنى أحد الأبناء ـ وكان ذلك قبل البعثة النبوية ـ فتبنى عليه السلام زيد بن حارثة على عادة العرب قبل الإسلام. وفي سبب تبنيه قصة من أروع القصص، وحكمة من أروع الحكم ذكرها المفسرون وأهل السير، لا يمكننا الآن ذكرها لعدم اتساع المجال. وهكذا تبنى النبيُ الكريم زيدَ بن حارثة، وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت زيد بن شراحبيل)).
وقد زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بن جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه؛ لأنه كان عبدًا مملوكًا قبل أن يتبناه الرسول وهي ذات حسب ونسب.
ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها، ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37].
وهكذا انتهى حكم التبني، وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية، وكانت دينًا تقليديًا لا محيد عنه ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الإلهي الجديد {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} [الأحزاب: 40].(10/206)
وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى، ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول بعض الأفاكين المرجفين من أعداء الله، وكان لغرض نبيل وغاية شريفة هي إبطال عادات الجاهلية وقد صرّح الله عز وجل بغرض هذا الزواج بقوله: {لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} [الأحزاب: 37].
وقد تولى الله عز وجل تزويج نبيه الكريم بزينب امرأة ولده من التبني، ولهذا كانت تفخر على نساء النبي بهذا الزواج الذي قضى به رب العزة من فوق سبع سماوات.
روى البخاري بسنده أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات)، وهكذا كان هذا الزواج للتشريع وكان بأمر الحكيم العليم فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله: {وَمَا أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية:
أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية، وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه، وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العدد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا لديه ألا وهو أبو بكر الصديق الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام حتى قال عليه السلام كما في الترمذي مشيدًا بفضل أبي بكر: ((ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، وما عرضت الإسلام على أحد إلا تردد ما عدا أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى)).
فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم مكافأة لأبي بكر في الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق، كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر، فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه وصدقه وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجل سياسته، وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين.
كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من نظرة.
رابعًا: الحكمة السياسية:
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
أولاً: تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك، فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في الأسر ـ فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله وأصبحوا من المؤمنين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.(10/207)
أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، فجاءت إلى الرسول فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، وقد كاتبني ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي فقال عليه السلام: ((أو خير من ذلك؟)) فقالت: ما هو؟ فقال: ((أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)) فقالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: ((قد فعلت)) وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه عليه السلام بنت سيد قومه.
ثانيًا: وكذلك تزوجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب التي أسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر، ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضوا الأمر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين أمرين:
أ ـ إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.
ب ـ وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.
فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له، وذلك لما رأته من جلالة قدره وعظمته وحسن معاملته، وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس.
روي أن صفية رضي الله عنها لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله، فقالت يا رسول الله: إن الله يقول في كتابه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، فقال لها الرسول الكريم: اختاري فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت: يا رسول الله: لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي، فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.
ثالثًا: وكذلك تزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك وألد الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسلمت ابنته في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارًا بدينها، وهناك مات زوجها، فبقيت وحيدة فريدة لا معين لها ولا أنيس، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها، فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سرورًا لا يعرف مقداره إلا الله سبحانه؛ لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردة أو عذبوها عذابًا شديدًا، وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار مع هدايا نفيسة، ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقر ذلك الزواج وقال: "هو الفحل لا يقدع أنفه"، فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للإسلام، ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان، فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله ومن أشدهم عداء له وللمسلمين، فكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة
===================
أمية العرب والرسول
ابن مريم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمِّي العربي النذير المبين الصادق الأمين ، و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ......... و بعد ،،،
ما من شك يخالج نفسية المسلم في أن رسول الله قد بعثه ربه إلى الناس كافة ، و قد شاءت ارادة الله تعالى و حكمته أن يكون هذا النبي المبعوث رحمة للناس أميا لا يدري ما الكتاب و لا يخطه بيمينه !.. و لم يكن هذا حال نبينا فحسب ، بل كان حال أغلبية العرب كافة كما قال الله تعالى : { هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ - الجمعة : 2 .(10/208)
فمما هو معروف و قد ذهب إليه أغلب الأئمة و المفسرين أن أولئك الأميين المذكورين في الأية الكريمة هم العرب ؛ و في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إنا أمة أمية لا نكتب و لا نحسب الشهر هكذا و هكذا – بخاري / 1913 و مسلم / 1080، فالعرب كانوا قوم لا ثقافة لهم و لا علوم و لا اطلاع على ثقافات العالم المتحضر أنذاك ، إلا قليلا منهم بالطبع ، كذلك كانوا قوم لا دين لهم يتبعونه و لا كتاب لهم يقرأونه أي أنهم كانوا أمة على أصل ولادتها ، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها ؛ و هذا قد جعل القرآن الكريم يصفهم بالأمّية . و لكن أهل الكتاب في خلال نقاشهم الدائم مع المسلمين لا يقبلون هذا الأمر ، بل و يحاولون أن يتخذونه مولجا إلى أن ثقافة محمد هي مصدر القرآن الكريم . ففي بعض مؤلفات النصارى و مواقعهم على شبكة الأنترنت نقرأ مقالات و مؤلفات تحاول تفسير هذا الموضوع بشكل مغاير تماما للمفهوم الإسلامي فتخلط ما بين الأميّين و الأمَمييّن ، و ما بين الأميّ و الأمميّ ، إلى تنتهي بالقاريء إلى أن المسلمين لا يفهمون كتابهم الذين يرتلونه في صلواتهم أناء الليل و أطراف النهار !!
و من الذي يفهمه ، و يشرح معاني أياته للناس ؟!!.. أهم النصارى الذين لا يعترفون به أصلا ككلام الله ؟!!!
و قبل أن نتطرق معا إلى مؤلفاتهم و مقالاتهم ، تعالوا معا نعرف مسبقا ما هي الأميّة ؟ و ما هي الأمميّة ؟ ، و من هو الأميّ ؟ و من هو الأمميّ ؟ و ما الفرق بينهما ؟
يقول المعجم الوجيز – باب أ م ي : , الأميّ ) هو الذي لا يقرأ و لا يكتب ، و , الأميّة ) مصدر صناعي بمعنى الجهل بالقراءة و الكتابة ، و , الأممي ) هو من ليس من أهل الكتاب ، و بذلك تكون , الأممية ) مصدر صناعي بمعنى عدم الأنتماء لملة أهل الكتاب يهود كانوا أم نصارى . و كما نرى فإن الفارق واضح هنا في المعنى ، و لكن أهل الكتاب يصرون على أن الكلمتين بمعنى واحد و هذا خطأ !! و نتساءل : من أين جاء لديهم هذا الخلط ؟!
يقول الله تعالى لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - : { .. وَقُلْ لّلّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ .. } - آل عمران : 20 . و يفهم من الأية الكريمة التفرقة بين أهل الكتاب و الأميين ، و لأن النصارى يطلقون لفظ , الأمم ) على غير المؤمنين برسالة المسيح - عليه السلام - كما نقرأ في العهد الجديد : , فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ) متى 28 : 19 ، هذا غير أن , الأمم ) مصطلح يهودي مستخدم في العهد القديم للدلالة على غير اليهود . فمن هنا جاء هذا الخلط الأعمى !
و لكن حقيقة الأمر نجد أن القرآن الكريم في الآية السابقة لا يخلط في المعني بمفهوم أهل الكتاب ، و لكن الله تعالى يقول لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد قل لأهل الكتاب من الملّيين و كذلك مشركي العرب , الأميين ) هل تدخلون في دين الإسلام ؟ ، و ليس المقصد هنا بأن الأميين هم الأمميين . يقول الإمام القرطبي مفسرا هذه الأية : أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب. – تفسير القرطبي لسورة أل عمران : 20 .(10/209)
أيضا نقول أن القرآن الكريم إذ يطلق مصطلح , الأميين ) للدلالة على مشركي العرب ، فليس معنى هذا أن العرب كلهم يجهلون القراءة و الكتابة ! ، فنحن طبعا نقرأ في كتب السيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استعان بعدد من كتّاب الوحي لتدوين القرآن الكريم فور نزوله ، أيضا نقرأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد أسلم بعد أن قرأ جزء من سورة طه ، أيضا نقرأ أن مشركى مكة قبل الهجرة قد كتبوا صحيفة مقاطعة للمسلمين و وضعوها في الكعبة ، كذلك كان في أسرى معركة بدر من الكفار من أراد افتداء نفسه أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين القراءة و الكتابة ، و في التاريخ نقرأ عن المعلقات السبعة و هي قصائد عُرف عنها أنها كانت تُكتب على صحائف و تعلّق في الأسواق و المنتديات العربية قبل الإسلام ، .. و غير هذا مما يدل على أن العرب كان علم القراءة و الكتابة معروف لديهم و لكن كان عدد القراء ندرة في هؤلاء القوم على عكس الأقوام الأخرى ، فأهل الكتاب مثلا كانوا يتعلمون العبرانية و اليونانية لقراءة كتبهم التي لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ، و لكن أيضا كان منهم الأميون الذين لا يقرأون و لا يكتبون كما يقول الله تبارك و تعالى عنهم في كتابه الكريم : { وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ } - البقرة : 78 ، و الأماني قد فسرها الحافظ ابن كثير بأنها تلاوات أو قراءات محفوظة من التوراة لا تتطلب منهم علم القراءة . و كما نرى أن هذه الأية تستخدم لفظ , أميون ) للدلالة على غير الملمين بالقراءة و الكتابة لا على غير اليهود لأنها تتحدث عن اليهود !!
o أمية محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم :
كما قلنا شاءت حكمة الله تعالى أن يكون ذلك المبعوث رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم - رجلا أميا لا يقرأ و لا يكتب ، و قد ظل صلوات ربي عليه على أميته حتى وافته المنية كما هو ثابت في مجمل الأحاديث و كتب السيرة . و هذا كي لا يرتاب أحد في أنه يتلقى القرآن عن أحد من العالمين مهما كانت ثقافته . فبعد أن تحدى المولى - عز وجل - العرب أن يأتوا بسورة من مثله و قد فشلوا ، كان ذلك التحدي الأعظم ؛ أن ذلك الذي فشلتم في محاكاته و تقليده و أنتم جهابذة الشعر ، قد جاء به هذا النبي الأمي غير المتعلم ! فمن أين جاء به صلوات ربي عليه و تسليماته ؟!.. قطعا من عند الله رب العالمين .
و في هذا يمنّ الله - عز وجل - على نبيه الكريم و يقول : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } - العنكبوت : 48 . أي أنك يا محمد قبل أن تقرأ هذا القرآن قد لبثت في قومك عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل رجل من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، و لولا ذلك لما كانت ريبة المبطلين من المشركين و أهل الكتاب ! إذ أنهم يعلمون حق العلم أن محمد - صلى الله عليه وسلم - رجلا أميا فمن أين جاء بهذا القرآن ؟
أيضا يقول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلََكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نّهْدِي بِهِ مَن نّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ لَتَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } - الشورى : 52 . أي أنك يامحمد كنت رجلا أميا لا تعلم الكتاب و لا تكتبه ، و في هذا نداء للمشركين و ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعملوا عقولهم كيف لهذا الأمي بهذا البيان و هذه الفصاحة ! و ما كنت على دين قبل ذلك فيقولون انك قد تركته إلى ملة أخرى بل كنت تبحث عن الإيمان و تتفكر في خالق هذا الكون ، فمن الذي علمه هذا الإيمان الذي ما سبقه إليه أحد من العالمين ؟!.
و قديما اتهم بعض المشركين محمدا - صلى الله عليه وسلم - في قراءته للقرآن أنه يقول الشعر ، و ما هو مرسل من عند الله ! فكان رد القرآن عليهم واضحا : { قُل لّوْ شَآءَ اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } - يونس : 16 ، أي قل يا محمد لهؤلاء القوم أنني قد لبثت فيكم أربعون عاما قبل هذا القرآن فهل كذبتكم قط ؟ أم كنت مشهور عندكم بالصدق و الأمانة ! ، و هل علم عني أحد أنني أقرض الشعر ؟ أم أنني رجلا أميّا ! أفلا تعقلون و تعلمون أن هذا عناد على غير الصواب ؟!.. و في هذا نجد أسلوب القرآن في دفع الحجة بالحجة الأقوي ليعلم أولو الألباب أنه من عند الله .(10/210)
أيضا قال المشركين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يتلقى القرآن عن كتب اليهود و النصارى ، لأن تلك القصص الواردة فيه نجدها مذكورة في تلك الكتب ، يعلمه اياها أعجمي قد اختلفوا في ذكر اسمه ! فمنهم من قال أنه نصراني و اسمه جبر ، و منهم من قال إنه غلام اسمه سبيعة يجالسه عند المروة ، و منهم من قال إنه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - رغم أن اسلام سلمان معروف أنه كان بعد الهجرة و تلك الحادثة كانت قبلها !! ، و منهم من قال إنه اعجمي و اسمه بلعام ، و غيره .. فيرد عليهم بقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهََذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ } - النحل : 103 ، أي يا من كان له لب مفكر ؛ إن تلك الكتب التي تلحدون – و الإلحاد هو الميل عن القصد – إليها باللسان العبراني أو اليوناني و لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ، أما القرآن فإنه ذو لغة عربية جلية و أسلوب منفرد ذو بيان و فصاحة عجز العرب أن يأتوا بمثله ! فمن يكون ذلك الذي علمه إياه ؟! و لم لا يظهر هو فيكون أولى منه بشرف النبوة و القيادة بدلا من الإكتفاء بدور المعلم الخفي ؟!!
و في هذا نفي لمفهوم علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب قبل البعثة ، بل و اشتهار ذلك بين العرب و إلا لقاموا عليه و قالوا : لا يا محمد ! نحن نعلم أنك تكتب الكتاب و تقرأه .. فلم لا تكون أنت مصدر هذا القرآن ؟!!
و من الأيات التي تذكر أمية النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بصورة مباشرة قوله تعالى : { وَاخْتَارَ مُوسَىَ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لّمِيقَاتِنَا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مّن قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السّفَهَآءُ مِنّآ إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } - الأعراف : 155-158 . نجد أن الأيات الكريمة وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن قوم موسى - عليه السلام - ، و من منهم أدرك محمدا و أمن بدعوته . و كيف يعرفون محمدا ؟.. و تجيبهم الأية أنه ذلك النبي الذي يجدونه بصفاته مذكورا في كتبهم . و ما هي تلك الصفات ؟ .. و تجيبهم الأية إنه مذكور بأنه أمي لا يقرأ و لا يكتب ، و إنه يأمرهم بالمعروف و مكارم الأخلاق و ينهاهم عن المنكر من أفعالهم ، و يحل لهم من الطيبات ما حرم عليهم في شريعتهم و يحرم عليهم الخبائث التي كانوا يستحلونها من قبل ، و يضع عنهم ثقال الأعمال التي فرضت عليهم من قبل كقتل النفس عند التوبة و قطع أثر النجاسة و عدم مجالسة الحائض و تحريم شحوم الأغنام ظهور الأبقار و لحم الإبل و غيرها و التي قيدتهم من أعناقهم بأغلال الشريعة . فالذين أمنوا بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم وعزَّروه ووقروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه و هو القرآن الكريم أولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والأخرة – تفسير الجلالين لسورة الأعراف : 157 .
و يعترض بعض النصارى و يقولون إن حديث النبي الأمي يقتطع مرتين و لا ينسجم مع خطاب موسى لربه ، لا في النسق و لا في الموضوع ! أي أن موسى يطلب من ربه أن يسجل له و لقومه يهوديتهم حسنة لهم فيرد ربه أن على موسى و قومه أن ينتظروا قرابة الألف سنه حتى يأتي محمد و يؤمنوا به فيسجل لهم بهذا حسنةً !! – , في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي – الحداد ) .(10/211)
حقا لقد اثبت هؤلاء النصارى أنهم لا يفهمون كلمات القرآن ! .. بل لا يفهمون العربية بالمرة ! ، ففي الأية 156 يقول موسى - عليه السلام - لربه : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَآ إِلَيْكَ .. } ، و , هدنا إليك ) أي تبنا إليك توبة نصوح – انظر تفسير الجلالين لسورة الأعراف : 156 ، أنظر أيضا المعجم الوجيز : هادَ هَوَدَاً أي تاب و رجع إلى الحق فهو هَائِدٌ و الجمع هودٌ ، و ليس المقصود أي الملة اليهودية كما ذهب بعض النصارى !
و يرد عليه رب العزة - عز وجل - : { قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ .. } أي أنه إن كانت قد أصابتكم فتنة اهلكت بعضكم فإن ذلك عذابي و تلك بإرادتي ، و مع ذلك فرحمتي قد وسعت كل شيء من الخلق حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها. قال الإمام القرطبي عن ابن عباس : طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس ، فقال : أنا شيء ؛ فقال الله تعالى : { .. فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ .. } ، فقالت اليهود والنصارى : بل نحن متقون ؛ فقال الله تعالى : { الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ .. } الآية . فخرجت بذلك عن العموم – تفسير القرطبي لسورة الأعراف : 156 .
ذلك هو تفسير الأية الكريمة الذي حاول النصارى مداراته ببعض البهلوانات الجدلية فهم يصرفون نظر القاريء عن مدلول الأية الكريمة بالتفكير في السياق ، و قول موسى ، و جواب الله - عز وجل - ، و ... و ... ! و لكن كلام الله واضحا جليا لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
o أمية محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتب السيرة :
بدايةً نود أن نؤكد أنه لا توجد أحاديث ، و لو ضعيفة ، في كتب السيرة تشير إلى أن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ أو يكتب أو أن أحد قد علمه شيء ، أللهم إلا ما سبق و أوردناه عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه بشر أعجمي و قد ورد ذكرهما في سيرة رسول الله لإبن اسحاق و من أخذ عنه في سياق التكذيب و التضعيف . لأن تلك الكتب قد كتبها العرب الذين عاش النبي الكريم بينهم و قد اشتهر بالأمية . أما رفض بعض المشككين لهذه الأمية قد ظهر سببا من أسباب رفضهم لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بل و رفضهم الإعتراف بالقرآن الكريم ككتاب من عند الله ، و هذا قد ظهر في بداية القرن الخامس الهجري عندما بدأت كتابات النصارى تعلن عن رفضهم للإسلام .
أما محمدا - صلى الله عليه وسلم - فكما نقرأ في كتب السيرة نشأ في قريش و استرضع في بني سعد و قد اشتهروا بالفصاحة لأنهم قوم وبر , أي يعيشون على رعي الأغنام ) فلا سبيل إلى اختلاط لغتهم بلغة الأعاجم كقريش و غيرها ممن اشتهروا بالتجارة ؛ و لذا فقد اشتهر عن الرسول الكريم بأنه فصيح اللسان و هذا لا يغير في مفهوم الأميّة لأنها المتواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - .
و بعد ذلك تربى في كنف أمه حتى السادسة ، ثم جده حتى الثامنة ، ثم عمه أبو طالب حتى بلغ أشده . و بالرغم من أنه قد تربى وسط أبناء عمه جعفر و علي و قد اشتهر عنهم القراءة و الكتابة لكن لم يرد في كتب السيرة ما يشير بذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
و بعد ذلك عمل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتجارة ، و تسجل كتب السيرة رحلة وحيدة له مع مولاه زيد بن حارثة عندما ذهبوا إلى بصرى و لم يذهبوا أبعد من ذلك ، و بعدها يعود محمد - صلى الله عليه وسلم - و يتزوج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، و هنا ينوه أحد الكتاب النصارى أن هذا الزواج كان زواجا نصرانيا على يد القس ورقة بن نوفل ابن عم خديجة ، و لذلك لم يتزوج محمد غيرها طيلة حياتها !!!
و نقول : لا يوجد في كتب السيرة ما يؤيد ذلك بل لا يوجد ذكر لورقة بن نوفل في حياة خديجة إلا عندما سألته عن حالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند عودته من غار حراء و قد ثقل عليه أمر الوحي ، أما عن زواجهما فما كان معروف عن خديجة أنها كانت على ملة النصارى و لا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالطبع ، فكيف يُعقد لهما عقدا نصرانيا ؟!!! .. أما عن عدم زواجه سواها طيلة حياتها رضي الله عنها ، فلهذا مقال أخر إن شاء الله حتى لا نخرج عن موضوعنا الأساسي .(10/212)
و في غار حراء نزل الروح الأمين بأول كلمات القرآن على النبي المتحنث بين جنبات الغار فتحكي كتب السيرة أن جبريل - عليه السلام - ضمه إلى صدره حتى بلغ منه الجهد و قال له : إقرأ ! ، فرد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - : ما أنا بقاريء !! و هذا طبقا للروايات الصحيحة – انظر السيرة النبوية لإبن هشام 1/225 و مسند أحمد 232/6 حديث عائشة رضي الله عنها و البخاري/3 و مسلم/160، فأعاد جبريل ذلك مرة أخرى و رد - صلى الله عليه وسلم - بنفس ذلك الرد ، و في المرة الثالثة قال له النبي الكريم : ماذا أقرأ ؟ فكانت الأيات الأولى من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم .
و يحتج بعض النصارى بأمر الروح الأمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - متسائلين : هل كان جبريل يجهل أنه مرسل لنبي أمي حتى يخاطبه بصيغة أمر القراءة ؟.. و يرد الإمام القرطبي و يقول : معنى الأمر الكريم { إقرأ باسم ربك.. } الأية أي اذكر اسمه. أمره أن يبتدئ القراءة باسم اللّه . و قيل فيها حث لأمته على العلم ، و قد أكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا في الكثير من أحاديثه أي أن المعني رمزيا و ليس ملموسا كما ذهب أغلب النصارى !
و في صلح الحديبية و عندما رفض وفد قريش التوقيع على الصحيفة و فيها , محمد رسول الله ) و أرادوا استبدالها بـ , محمد بن عبد الله ) ، فأمر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عليّا بن أبي طالب ، و قد كان كاتبُه في هذا الصلح ، أن يمحو ما أرادوا . و قد ثقل عليه - رضي الله عنه - أن يمحو بيده كلمة , رسول الله ) ، فتناول النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة و سأل عن مكان الكلمة ثم محاها بيده . السيرة النبوية لإبن هشام 3/198 ، و هذا دليل واضح على عدم معرفته بالقراءة .. و غير هذا الكثير من المواقف و الأحاديث التي لا تخرج عن هذا الموضوع ، و الجدير بالذكر أنه على الرغم من حث النبي الكريم أصحابه على طلب العلم ، و بيانه لفضل العلم و منزلة العلماء و لكن لم ينتقده أبدا أحد من أصحابه بسبب أميته أو يحاول أحدهم تعليمه مبادي القراءة و الكتابة أو شيء من هذا القبيل ! و ذلك يرجع أولا إلى علو مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه فلا ذكر هنا لأميّته و إن كانت أمرا واقعا . و ثانيا إن أمية النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لم تكن لتمنع أصحابع أن يتلقوا مباديء الإسلام على يديه - صلى الله عليه وسلم - .
o هل الثقافة و النبوة لا تجتمعان ؟
و لا يفهم النصارى مفهوم الثقافة بالنسبة للأنبياء فيصرون على أن كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في كتبهم كانوا على درجة عالية من الثقافة و سيدهم موسى الكليم – و لا زال الكلام عن لسانهم - الذي يقولون أنه قد تثقف في قصر فرعون بكل علوم المصريين و حكمتهم أما بالنسبة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيتعجبون من موقف المسلمين في الإصرار على أمّيته !!
و نقول لهم : إن أولئك الأنبياء صلوات ربي عليهم و تسليمه قد بعثوا في قومهم مثلهم كمثل العالم الفقية في الأمّة الإسلامية ، و لم يكن من المستغرب أن يسمع بهم الخاصة و العامة في وقت من الأوقات . و لم يكن قيامهم إنكارا لقيام الأنبياء من قبلهم ، بل هو تفسير لبعض الأسفار و حض على اتباع السنن التي رسمها لهم من قبل إبراهيم و إسحاق و يعقوب و داوود و موسى عليهم جميعا أفضل الصلاة و السلام ، فلا مجال هنا للتفكير في ثقافة ذلك النبي و نترك التفكير في دعوته . أما في حالة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه خاتم هؤلاء الأنبياء و صاحب الشريعة الخاتمة الذي بعث للناس كافة .. الأميون منهم و الكتابيون ، فهنا تظهر أميته كحجة دامغة على مصدر رسالته السماوية ، فلا يخالج نفسية المؤمن شك و لو بسيط أنه قد جاء بشيء من عنده ، و سبحان من وسعت حكمته كل شيء .
فمفهوم ثقافة الأنبياء العالية ، و إن كان القرآن لم يشر إليه من قريب أو من بعيد ، لا نعترض عليه ، و لكن مفهوم أمية محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يقلل من نبوته و إن كانت الأمية في حد ذاتها نقص يتنزه عنه العوام ، كذلك لا يقلل من تفضيل الله تعالى له عن العالمين ؛ فتفضيله و اجتبائه إياه - صلى الله عليه وسلم - كان بأنه يحمل ختام الشرائع و نهاية رسالات السماء إلى بني أدم ، و أن ذلك النبي الأمي هو الذي رسم النهج الذي سار عليه من بعده الملايين و الملايين من عباد الله على اختلاف طبقاتهم و ألسنتهم و ألوانهم ، و هذا مالم يحدث مع أحد من العالمين سواه .
أحمد الله العلي القدير على نعمة الإسلام ، و أسأله الهداية لنا و لعباده المتقين ، و الثبات على دينه و ملّة نبيه الكريم العربي الأمي المبعوث رحمة للعالمين صلوات ربي عليه و تسليمه .
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
شبهة: محمد صلى الله عليه وسلم شاعر !
بسم الله الرحمن الرحيم(10/213)
" وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي لهُ " ( سورة يس 69)
وقال رسولُ الله ( ص ) عن ثوبان ( رض ) كما ورد في كتاب إبن السني:
" من رأيتموه ينشد شعرا في المسجدِ فقولوا له فضَّ اللهُ فاكَ , ثلاثَ مرّات "
( وهو حديث ضعيف )
وجاء في الصحيحين ( البخاري ومسلم – رض ) عن البُراء بن عازب ( رض ) إنه قال له رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله فقال البراء : لكن رسول الله لم يفر ولقد رأيته وهو على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحارث ( أبن عم الرسول ) آخذٌ بلجامها والنبي ( ص ) يقول :
أنا النبيُّ لا كذبْ
أنا بنُ عبدالمطلبْ
وجاء في الصحيحين ( البخاري ومسلم - رض ) عن البراء :
إنه رأى النّبي ينقلُ الترابَ يومَ الأحزابِ وقد وارى الترابُ بياضَ بطنهِ وهو يقول :
الله لولا أنت ما اهتدينا ( مستفعلن مستفعلن فعولن )
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا ( متفعلن مستفعلن مفعولن )
فأنزلنْ سكينةً علينا (متفعلن متفعلن فعولن )
وثبِّت الأقدامَ إن لا قينا ( متفعلن مستفعلن مفعولن )
إنَّ الأُلى قد بغوا علينا ( مستفعلن فاعلن فعولن )
إذا أرادوا فتنةً أبينا ( متفعلن مستفعلن فعولن )
( ملاحظة : ولا يمكن أن يعتبر ما ذكر أعلاه شعرا لأن النبي ( ص ) ليس بشاعر)
وعن أنسٍ ( رض ) في صحيحِ البخاري :
عندما كان المهاجرون والأنصارُ يحفرون الخندقَ وينقلون الترابَ على متونهم ويقولون :
" نحنُ الذين بايعوا محمّدا على الإسلامِ ما بقينا أبدا "
وفي رواية أخرى على الجهادِ
وهي الرواية الأصح حسب رأيي حيث يكون وزن بحرالرجز :
مستفعلن متفعلن متفعلن ... متفعلن متفعلن مفتعلن
والنّبيُّ ( ص ) يجيبُهم :
اللهمَّ إنَّه لا خيرَ إلاّ خيرُ الآخره ( مستفعلن مفاعيلن مفاعيلن مستفعلن )
فباركْ في الأنصارِ والمهاجره (مفاعيلن مستفعلن متفعلن)
( وهذا ليس بشعرٍ )
وفي الرجز قال الخليل: الرجزُ المشطور والمنهوك ليسا من الشعرِ وقيل له ما هما ؟
قال : أنصافٌ مسجّعة , فلما رُدَّ عليه , قال لأحتجَّنَّ عليهم بحجّة فإن لم يقرّوا بها عسفوا , فاحتجَّ عليهم بأن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلّمَ كان لا يجري على لسانه الشعرُ :
وقد قيلَ لرسولِِ الله ( ص ) بيتُ شعرٍ لطُرفةَ بن العبد :
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلا ... ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
( وهو من بحر الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن)
فكان يقول :
ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلا ... ويأتيكَ من لم تزوِّدْ بالأخبارِ
وقد علمنا أن النصفَ الذي جرى على لسانهِ لا يكون شعراً إلا بتمام النصفِ الثاني على لفظهِ وزناً وعروضا.
و قال الخليل : لو كان نصفُ البيتِ شعراً لما جرى على لسان النبيِّ ( ص ) وجاء بالنصف الثاني على غير تأليفِ الشعر لأن نصفَ البيت لا يقالُ له شعرٌ ولا بيتٌ ولو جاز أن يقالَ لنصفِ البيت شعرا لجازَ أن يكون جزءٌ منه شعرا أيضا, والرجزُ المشطورُ مثلُ ذلك النصف
وفي رواية جندُب إنّهُ ( ص ) دُميت إصبعُه عند حفرِِ الخندقِِ
وقال النبيُّ ( ص) :
هل أنتِ إلاّ إصبعٌ دُميتِ
وفي سبيلِ اللهِ ما لقيتِ
وهذا على المشطورِ ( مستفعلن مستفعلن فعولن )
وفي رواية البُراء إنّه رأى النبيَّ ( ص ) على بغلةٍ بيضاءَ وهو يقول :
أنا النبيُّ لا كذبْ
أناابنُ عبدِالمطَّلبْ
وهذا من المنهوك ( مستفعلن مستفعلن ) ولو كان شعرا ما جرى على لسانه فإن الله عزَّ وجلَّ يقول :
" وما علّمناه الشعرَ وما ينبغي له " أي وما يتسهَّلُ لهُ فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا.
هكذا حاجج الخليلُ فيما كان يجري على لسانِ النبي ( ص )
وهو بهذه الحججِ لم يقر بكونِ النظمِ على بحر الرجز المشطور والمنهوك شعرا , رغم ادعاء البعض ومنهم الأخفش بأن الخليل أجازه وهم لا يجيزونه .
قال الحربي : ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي ( ص ) من ضروب الرجز إلا ضربان المنهوك والمشطور , ولم يعدهما الخليلُ شعرا , ولم يبلغني إنَّ النبيَّ محمدٌ ( ص) أنشدَ بيتا تاما على وزنه وقافيته إنما كان ينشدُ الصدرَ أو العجزَ فإن أنشده تاما لم يقمْهُ على وزنه, وإنه أنشدَ مرة صدرَ بيت للبيد :
ألا كلُّ شئٍ ما خلا اللهَ باطلُ
وسكت عن عجُزه
( وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائل )
( وهو من بحر الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن )
وقيل إنه أنشد مرة :
أتجعلُ نهبي ونهبَ العُبيـ ... دِ بين الأقرعِ وعُيَينَةَ
( وهو من بحر المتقارب : فعولن فعولن فعولن فعْ )
فقال له الناس : بين عُيَينةَ والأقرع ِ , فأعادها النبي ( ص ) بين الأقرعِ وعُيَيْنةَ , فقام أبو بكر ( رض ) فقال : أشهدُ إنَّك رسولٌ للهِ ثم قرأ :
( وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي لهُ)
وهكذا فالرجز ليس بشعر عند أكثرهم .
وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي محمد ( ص ) إنه شاعر فقال : لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به .(10/214)
وقال أبو إسحاق :إنما سمي الرجز رجزا لأنه تتوالى فيه في أوله حركة وسكون ثم حركة وسكون إلى أن تنتهي أجزاؤه يشبه بالرجز في رجل الناقة ولرعدتها وهو أن تتحرك وتسكن ثم تتحرك وتسكن.
وقيل سمي بذلك لاضطراب أجزائه وتقاربها
وقيل لأنه صدور بلا أعجاز
وقال ابن جني : كل شعرٍ تركَّب تركيبَ الرجز سمِّي رجزا.
وقال الأخفشُ مرة : الرجزُ عند العربِ كل ما كان على ثلاثة أجزاءٍ وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به . كما ويرتجزون عند المنازلةِ في سوح القتال.
وقال ابن سيده : روى بعض من أثق به نحو هذا عن الخليل وقد اختلف فيه فزعم قوم إنه ليس بشعر , ,إن مجازه مجاز السجع , وفي التهذيب زعم الخليل أنه ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث ودليله ما روى عن النبي ( ص ).
كما قال ابن سيده : إن الأخفشَ لم يحفل بما جاء من الرجز على جزأين نحو قوله:
" يا ليتني فيها جذع "
" أخبُّ فيها وأضعْ "
(مستفعلن مستفعلن)
قال : وهو لعمري بالإضافة إلى ما جاء منه على ثلاثة أجزاء , جزءٌ لا قدر له لقلته فلذلك لم يذكره الأخفش في هذا الموضع , فإن قلت إن الأخفش لا يرى ما كان على جزأين شعرا , قيل وكذلك ما هو على ثلاثة أجزاء أيضا شعرا , وزعم آخرون بأن مجازه مجاز السجع. ويسمى قائله راجزا مثلما يسمّى قائلُ الشعر شاعرا .
والأرجوزة : هي القصيدة من الرجز , وهو كهيئة السجع إلا إنَّه في وزن الشعر ( بتفعيلاته ) وجمعُها أراجيز وهناك ما يسمى سجعات :
ومن سجعات الحريري :
فما كلُّ قاضٍ قاضي تبريز
ولا كلُّ وقت تسمعُ فيه الأراجيز
ورجَز يرجُز رجَزا ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل الشعر شاعرا وارتجز ارتجازا ورجَز به ورجّزه ترجيزا أي أنشده أرجوزة وهو راجزٌ, ورجّاز ورجّازة ومرتجز .
وقد عرف عن العرب قولهم الرجز وأشهر ما كان يقال ويتم تناقله ما كان فرسان العرب ترتجز به في قتال أو غيره .
استنتاجات :
1- إن النبي محمد ( ص ) لم يقل شعرا أبدا بدليل كلام الله عز وجل.
2- إن النبي محمد ( ص ) كان يرتجز والإرتجاز ليس شعرا بدليل ما تقدم.
3-إن النبي محمد ( ص ) نهى عن قول الشعر في المساجد. وهذا يثبت بأنه لم يكن يقول شعرا. ( حتى وإن كان الحديث ضعيفا )
4- إن بحر الطويل لا يجوز النظم فيه على المشطور
( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ) لأنه ليس بشعر.
وهذا ينطبق على بقية بحور الشعر العربي. وهو ما لم يتضمنه علم العروض حيث لم يرد المشطور والمنهوك في أي بحر عدا ما قيل في بحر الرجز. ( وهو مشكوك فيه) , وكذلك ورد المنهوك في بحر المنسرح
5- إن المشطور والمنهوك في بحر الرجز وبحر المنسرح ليسا بشعر وهذا يشمل :
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مفعولن
مستفعلن مستفعلن فعولن
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن فعولن
مستفعلن مفعولن
مستفعلن مفعولات
أو أي تركيبة من جزأين أو ثلاثة تشكل أصر شطرا لبيت أو جزءا منه.
لأنهما ليسا بشعر وإنما هما رجز كان يرتجز بهما العرب وكان النبي محمد ( ص ) يرتجز كما تبين والإرتجاز ليس بشعر بدليل ما تقدم من أدلة من الخليل والأخفش.
6- من هذه الإستنتاجات لابد لنا من إعادة النظر في بحور الشعر وجوازاته واستبعاد ما دس على علم العروض من قبل من كانت نياتهم سيئة بهدف إثبات إن النبي محمد ( ص ) كان يقول الشعر . برغم إن بعضنا وبدون قصد ربما قد تبنى بعض هذه المقولات .
7- لبيان المقصود من بعض التسميات :
- التام : هو الشعر الذي ينظم على بحر بكامل تفعيلاته
- المجزوء : هو ما ينظم على بحر بعد حذف تفعيلة العروض وتفعيلة الضرب
- المشطور : هو ما ينظم على ثلاثة تفعيلات سباعية ( ويمكن أن نضيف أيضا أربعة تفعيلات خماسية )
- المنهوك هو ما ينظم على تفعيلتين
والمشطور والمنهوك هما ما يجب أن نسقطه من الشعر العربي , وأي ما كان يمكن أن يكون شطر بيت في أي بحر من بحور العروض.
المصادر :
العين – للخليل بن أحمد الفراهيدي
لسان العرب – لأبن منظور
تاج العروس – للمرتضى الزبيدي
الإذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار – الإمام أبو زكريا يحيى النووي
عن الأستاذ عادل العانى - مؤلف لكتب العروض وعضو منتدى رابطة واحة الشعراء
===================
لعن رجلين
إن المعترض بنى إعتراضه على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد لعن الرجلين بغير حق لقوله فى الحديث ( فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا ) ….
و هذا الفهم باطل يقيناً و قد أورد العلماء الردود على هذا و أرجحها ما نقله الإمام النووى فى شرح مسلم {أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى , وفي باطن الأمر , ولكنه في الظاهر مستوجب له , فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية , ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك , وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر , والله يتولى السرائر }
و يدعم هذا القول أمرين:(10/215)
(1) أن النبى كما هو فى الحديث يشارط ربه و المشارطة بما فيها من بيان المكانة الرفيعة و معانى الرضا و القربة لا يتصور قيامها فى حالة الخطأ المتعمد من قبل شخصه الكريم إذ لو كان قد أذى أحد الناس بغير حق أو انتقاماً للنفس لكان الموضع موضع توبة و استغفار لا موضع مشارطة و عشم و رجاء ….
(2) أن راوى هذا الحديث هى السيدة عائشة رضى الله عنها و قد شهدت بنفسها رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ظلم أو غلظ على أى من المؤمنين بغير حق قط
فلما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم أجابت أعظم جواب فقالت ( كان خُلقه القرأن)
و قالت فى الحديث الأخر (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها)
صحيح البخارى- كتاب المناقب- باب صفة النبى صلى الله عليه و سلم
و بهذا تُفهم النصوص فى ضوء بعضها البعض باذن الله تعالى
رابعاً
أن النصارى يعترضون على موقف واحد من سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم التى نقلت البنا كاملة شاملة جميع أقواله و أفعاله و أحواله و امتلأت بها الكتب … و ينسون كم المواقف التى ثبتت فى كتبهم عن يسوع و سب فيها و لعن و فحش بيد أن هذه الاناجيل لم تتناول سوى فترة قصيرة جداً من حياته تترواح بين العام و النص و الثلاثة أعوام بل و حتى هذه الفترة تناولتها باختصار شديد جداً و مع هذا خرجنا منها بما يلى :
يسوع يسب أنبياء الله قاطبة
(( أنا باب الخراف وجميع الذين جاؤوا قبلي سارقون ولصوص ! )) (يوحنا7:10)
يسوع يسب المؤمنين من اليهود (الحواريين)
_ قال لبطرس كبير الحواريين : (( يا شيطان )) متى [ 16 : 23 ]
_ وشتم آخرين منهم بقوله : (( أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان ! )) لوقا [ 24 : 25 ]
_ بل شتم أحد الذين استضافوه ليتغدى عنده ، شتمه في بيته : (( سأله فريسي أن يتغذى عنده . فدخل يسوع واتكأ . وأما الفريسي فلما رأى ذلك تعجب أنه لم يغتسل أولاً قبل الغداء فقال له الرب : أنتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخبثاً يا أغبياء ! ويل لكم أيها الفريسيون ! . . . فأجاب واحد من النامسيين وقال له : يا معلم ، حين تقول هذا تشتمنا نحن أيضاً . فقال : وويل لكم أنتم أيها الناموسيون ! )) انجيل لوقا [ 11 : 39 ]
يسوع يسب المؤمنين من غير اليهود
سب المرأة الكنعانية المؤمنةو وصفهات بالكلبة لمجرد أنها ليست من بنى إسرائيل
[ وخرَجَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ وجاءَ إلى نواحي صورَ وصيدا. 22فأَقبلَتْ إلَيهِ اَمرأةٌ كَنْعانِيّةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ وصاحَتِ: "اَرْحَمني، يا سيَّدي، يا اَبن داودَ! اَبنتي فيها شَيطانٌ، ويُعذَّبُها كثيرًا". 23فما أجابَها يَسوعُ بكَلِمَةٍ. فَدنا تلاميذُهُ وتَوَسَّلوا إلَيهِ بقولِهِم: "اَصرِفْها عنّا، لأنَّها تَتبَعُنا بِصياحِها!" 24فأجابَهُم يَسوعُ: "ما أرسلَني الله إلاّ إلى الخِرافِ الضّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ". 25ولكنَّ المرأةَ جاءَتْ فسَجَدَتْ لَه وقالَت: "ساعِدْني، يا سيَّدي!" 26فأجابَها: "لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ". 27فقالَت لَه المَرأةُ: "نَعم، يا سيَّدي! حتَّ? الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها". 28فأجابَها يَسوعُ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ، يا اَمرأةُ! فلْيكُنْ لَكِ ما تُريدينَ". فشُفِيَت اَبنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعةِ]
ولاحظ أن المرأة الكنعانية وفق هذا النص كانت مؤمنة بأن المسيح هو ابن داود المبشر به و أنه يملك باذن الله أن يساعدها و مع هذا اعرض عنها المسيح و قال أنه لم يرسل الا لليهود و حين توسلت اليه و تضرعت بذل لتنقذ ابنتها قال أنها كلبة لأممية ولا يجوز أن يؤخذ طعام الأبناء (اليهود) ليطرح للكلاب أمثالها، حينها تنازلت عن أخر قطرة فى كرامتها و انسانيتها فاعترفت على نفسها أنها كلبة تحت اقدام اسيادها تنتظر أن تأكل من فتات طعام موائدهم… حينذ و فقط حينئذ رضى عنها يسوع النصارى و اعتبرها صالحة!!
و يصف سائر الأميين بالكلاب و الخنازير و ينصح اليهود بعدم هدايتهم!
((لا تعطوا القدس للكلاب.ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم)) متى7: 6
و يسب معلمى الشريعة
قائلاً لهم : (( يا أولاد الافاعي )) متى [ 3 : 7 ]
_ وشتمهم في موضع آخر قائلاً لهم : (( أيها الجهال العميان )) متى [ 23 : 17 ]
مع أن بولس نفسه اعتذر حين سب أحدهم و قال ((«ما كُنتُ أعرِفُ، أيُّها الإخوةُ، أنَّهُ رَئيسُ الكَهنَةِ. فالكُتُبُ المُقَدَّسَةُ تَقولُ: «لا تَلعَنْ رَئيسَ شَعبِكَ«.)) أعمال23: 5
فإما أن بولس جاهل بنسخ الهه لرأيه و إما أن الهه خالف حكمه!
===================
شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم"(10/216)
الرد عليها
روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم} قال : "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : الله ( ) {تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى
هذا الحديث طعن فيه أعداء السنة والسيرة قديماً من أهل الأهواء والبدع، وزعموا أن فيه طعناً فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام( ) وتابعهم حديثاً أذيالهم إذا يقول عبد الحسين شرف الدين الموسوى : "إن ، ولسائر الظاهر من قوله : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ثبوت الشك لرسول الله الأنبياء، وأنهم جميعاً أولى به من إبراهيم، ولو فرض عدم إرادة الأنبياء جميعاً مما لابد منها…، والحديث نص صريح فى أنه أولى بالشك"( فإرادة رسول الله )
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : إجماع الأمة على عصمة أنبياء الله عز وجل ورسله، من الكفر والشرك، والشك، ومن تسلط الشيطان عليهم، وأن تلك العصمة صفة أساسية فيهم، وشرطاً ضرورياً من شروط الرسالة، كما أنها جزء من الكمال البشرى الذى كملهم الله عز وجل به، حتى يبلغوا رسالة ربهم إلى أقوامهم، وقد سبق تفصيل ذلك فى من خلال القرآن والسنة( ) حقه
ثانياً : اتفاق علماء المسلمين على أن ظاهر : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ليس مراداً، كما أنه ليس فى ظاهر هذ الشك فى قوله ، وعن إبراهيم وسائر أنبياء الله ورسله عليهم القول اعتراف بالشك، بل نفيه عن نفسه الصلاة والسلام، إذ ما يجوز فى حق واحد منهم يجور فى حق الجميع
يقول : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ليس المراد هاهنا بالشك م الحافظ ابن كثير : قوله قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف( )
وقال الإمام على القارى( ) : "ليس فى : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" اعترافاً منه بالشك لهما، بل نفى لأن يكون قوله إبراهيم عليه السلام شك"( )
"نحن أحق بالشك من ثالثاً : إن سبب قوله من قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم إبراهيم" على ما جاء فى الحديث ما ذكره ( ){رب أرنى كيف تحى الموت قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى}عليه السلام : وهذه الآية وما بعدها قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك، فأراد نفى هذا الشك عن سيدنا إبراهيم، وإبعاد للخواطر الضعيفة أن تظن هذا به عليه السلام
ويؤكد ذلك أنه ليس فى سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ما يدل على أنه شك، إذ السؤال وقع بـ "كيف" الدالة على حال شئ موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول : كيف علم فلان؟ فكيف فى الآية، سؤال عن هيئة الإحياء، لا عن نفس الإحياء، فإنه ثابت مقرر لدى سيدنا إبراهيم عليه السلام( ) وهو ما شهد به رب العزة لسيدنا إبراهيم رداً على سؤاله، بقوله عز وجل: "أولم تؤمن" والاستفهام هنا تقريرى للمنفى، وهو الشك، كأنه قال له : ألست مؤمناً بالبعث؟ فكان جوابه عليه السلام بـ "بلى" لإثبات المنفى وهو الشك، والمعنى : أنا مؤمن بالبعث كما علمت ما فى قلبى، لكننى أريد أن يطمئن قلبى برؤية الكيفية فقط، واعتبر بذلك
فما شك إبراهيم عليه السلام، ولم يكن لديه أى شبهة فى قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، إذ لم يقل لله تعالى : أتستطيع أن تحى الموتى؟ وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أننا لا نشك فى وجود ، ثم يرغب من لم يرى ذلك منا، الفيل، والتمساح، والكسوف، وزيادة النهر، ورسول الله فى أن يرى كل ذلك، ولا يشك فى أنه حق، لكن ليرى العجب الذى يتمثله فى نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره قط( )
فواضح فى السؤال والجواب، أنه عليه السلام، لم يسأل لشك أو شبهة أو تردد وهذا ظاهر من سؤاله، إذ لم يقل لله تعالى : "هل تقدر أن تحى الموتى، أم لا تقدر؟
وهذا يشبه قولك لرسام كبير : دعنى أنظر إليك وأنت ترسم لوحة، أو لخطاط فنان : خط أمامى لكى أرى كيف تخط مثل هذه الخطوط الجميلة
فليس فى مثل هذا الطلب أى ناحية تعجيزية، بل هو تعبير عن الافتنان بفنه الجميل، واعتراف به، ولهفة على رؤية دقائق فنه، وسعادة كبيرة فى تأمل كيفية ظهور لوحة رائعة، مرحلة مرحلة. أجل : فالسؤال كان حول كيفية الإحياء، وليس حول إمكانيته أو عدم إمكانيته"( )
قلت : وكيف يشك من وصفه ربه عز وجل فى كتابه بقوله تعالى : وكذلك نرى}( ) وقوله سبحانه : {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} ( ) والرشد، والإيقان، اسمى{إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين مراتب العلم الذى لا يصح معه شك أو حتى شبهة!
وكيف يصح الشك، وقد وصفه ربه ( ) فبين رب العزة كما{وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم}تعالى بقوله : ترى أنه جاء ربه بقلب سليم، وإنما أراد به، أنه كان سليماً من الشك، وخالصاً للمعرفة واليقين، ثم ذكر المولى عز وجل، أنه عاب قومه على عبادة الأصنام فقال تعالى ( ) فسمى عبادتهم بأنها إفك وباطل، ثم{ماذا تعبدون. أإفكاً آلهة دون الله تريدون}: ( ) وهذا قول عارف بالله تعالى غير شاك! {فما ظنكم برب العالمين}قال سبحانه :(10/217)
( ) شك فى البعث وإحياء الموتى؟! {رب أرنى كيف تحى الموتى}فكيف يكون قوله
الحديث حجة لنا لا علينا :
: "نحن أحق بالشك من ومن هنا كان قوله ، وهذ إبراهيم" حجة لنا إذ فيه نفى للشك عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وعن نفسه ، "نحن أحق بالشك من إبراهيم" من أحسن الأقوال وأصحها وأرجحها عندى فى معنى قوله يقول : إن الشك مستحيل فى حق إبراهيم عليه السلام، فإن الشك فى إحياء فكأنه الموتى لو كان متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم، لأن ما يجوز فى حق واحد من الأنبياء يجوز فى حقهم جميعهم، وقد علمتم أنى لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك!
بقوله : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أن أو أراد يقول : إن هذا الذى تظنونه شكاً، أنا أولى به، ولكنه ليس بشك، وإنما هو طلب لمزيد اليقين
وهذا الكلام مما جرت به العادة فى المخاطبة، لمن أراد أن يدفع عن آخر لا تقل ذلك شيئاً، قال : مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لى، ومقصوده
وإنما خص إبراهيم عليه السلام، لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة، منها احتمال ، تواضعاً وأدباً، أو قبل أن يعلم الشك، وإنما رجح إبراهيم عليه السلام على نفسه أنه خير وسيد ولد آدم عليه السلام( )
هذا : وقيل غير ذلك من الأقوال فى توجيه : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" لكنها أقوال ضعيفة( ) ومن هنا اقتصرت على ذكر قوله ما سبق منها، لكونها أصحها، وأوضحها، وأرجحها أهـ.
والله تعالى أعلى وأعلم
__________________
ابوعبدالله
===================
الرد على ما أثير حول شبه بني قريضة
بقلم د. جمعة بن علي الخولي
"...حدث في العام الخامس من الهجرة أن مر المسلمون بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل..."
بالنسبة لمعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة. لا نريد أن نتعجل الحكم ونقول إنه عليه الصلاة والسلام عالج الأمر بالعلاج الوحيد الذي لا ينفع غيره، أو حل عقدته بالسلاح الذي يناسبه.. لا نريد أن نتعجل الحكم بذلك قبل أن نقف على حيثياته وظروفه.. معروف أنه بمجرد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عقد بينه وبين اليهود الموجودين بها معاهدة رائدة بمثابة أقدم دستور مسجل في العالم[1].
كان من بنود هذه المعاهدة: أ- التزام كل من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الآخر في الداخل[2].
ب- تعهد كل من الطرفين بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي وعلى اليهود أن يتفقوا مع المؤمنين ما داموا محاربين[3].
وحدث في العام الخامس من الهجرة أن مر المسلمون بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل[4] من مشركي قريش وقبائل غطفان وأشجع وأسد وفزارة وبني سليم على حين لم يزد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل[5]، وكان المتوقع أن ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات الزاحفة على المدينة بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين الفريقين..
لكن الذي حدث هو عكس هذا، فقد فوجئ المسلمون ببني قريظة يخونهم في أخطر أوقات محنتهم ولم يرعوا للجوار حقاً، ولا للعهود حرمة، ولقد كانوا يسعون من وراء انضمامهم هذا إلى صفوف الأحزاب التعجيل بسحق المسلمين والقضاء عليهم قضاء تاماً. ولقد أحدث نقض بني قريظة لعهدهم مع المسلمين وإعلانهم الانضمام إلى صفوف الغزاة فزعاً شديداً في صفوف المسلمين لأنهم ما كانوا يتوقعون أن يحدث هذا في مثل تلك الظروف، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص أول الأمر على كتمان الخبر على المسلمين لما كان يخشى من وقعه على نفوسهم.
وبمجرد أن انتهى إلى سمعه النبأ أرسل وفداً مكوناً من سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير ليذكروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عهود، ويحذروهم مغبة ما هم مقدمون عليه، وأوصاهم قائلا: "انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقاً فألحنوا لي لحناً أعرفه. أي ألمحوا لي في الكلام تلميحاً دون تصريح، حتى لا يفت ذلك في عضد الناس، وأما إن كانوا على الوفاء بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.." فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم. وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبينه، فرجع الوفد وأخبر رسول الله تلميحاً لا تصريحاً. بأن قالوا له عضل والقارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أكبر، أبشروا يا معاشر المسلمين[6].(10/218)
وهكذا ركب القوم رؤوسهم، وقرروا الانضمام الفعلي للغزاة، وأخذوا يمدونهم بالمال والعتاد.. وكانت خيانتهم الأثيمة تلك بمثابة طعنة للمسلمين من الخلف أشق على نفوسهم من هجوم الأحزاب من خارج المدينة، لأنهم ما كانوا يظنون أن يأتيهم الروع من مأمنهم الحصين، وعند ذلك عظم البلاء، واشتد الخوف. وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، وظهر النفاق من بعض المنافقين يفتون بذلك في عضد المسلمين ويرجفون به في المدينة، حتى أن أحدهم ليقول كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن أن يذهب إلى الغائط[7].
هكذا كان الوضع إبان معركة الأحزاب حتى لتصور السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ظروف المسلمين وقتئذ بقولها : "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد فيها قتال وخوف، شهدت المريسيع، وخيبر، وكتاب الحديبية، وفي الفتح، وحنين، لم يكن ذلك أتعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخوف عندنا من الخندق، وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري. فالمدينة تحرس حتى الصباح تسمع فيها تكبير المسلمين حتى يصبحوا خوفاً[8]، لكن عناية الله تدخلت لنصرة الإيمان وأهله وهزيمة الشرك وحزبه، وشاء الله أن يندحر ذلك التحالف الوثني اليهودي { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } (الأحزاب الآية 25).
وبعد أن ولى المشركون وحلفاؤهم الأدبار، يحملون معهم كل معاني الإخفاق رجع المسلمون إلى منازلهم بالمدينة يغسلون أنفسهم من وعثاء الجهاد والتعب ويلتقطون أنفاسهم بعد قلق نفسي بالغ دام شهرا كاملا.. ويبدو أن البعض ظن أن الموضوع انتهى إلى ذلك الحد لكن أيترك الناكثون للعهود دون محاسبة وتأديب.. ذلك ما لا يكون.. وتأباه العدالة الإلهية، ولذلك كان عقابها عاجلاً، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء المرابطة في غزوة الأحزاب في بيت أم سلمة رضي الله عنها إذ تبدى له جبريل عليه السلام فقال: "أوضعت السلاح يا رسول الله، قال: نعم. قال: ولكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا أوان رجوعي من طلب القوم، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم[9]، فنادى عليه الصلاة والسلام في المسلمين "ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فسار الناس فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم[1] .. وتبعهم عليه الصلاة والسلام بعد أن استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وحاصر القوم شهراً أو خمسة وعشرين يوماً[11] ..
ولما طال عليهم الحصار.. عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ليخرجوا إلى (أذرعات).. بالشام تاركين وراءهم ما يملكون، ورفض عليه الصلاة والسلام إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط واستسلم يهود بني قريظة، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوكل عليه الصلاة والسلام الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس[12].
وفي اختيار سعد دلالة على حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد نظره، وإدراكه لنفسيات هؤلاء القوم، لأن سعدا كان حليف بني قريظة في الجاهلية، وقد ارتاح اليهود لهذا الاختيار، وظنوا أن الرجل قد يحسن إليهم في حكمه، لكن سعداً نظر إلى الموقف من جميع جوانبه. وقدره تقدير من عاش أحداثه وظروفه. وشاهد كروبه ومآزقه وعرف النذر المستطيرة التي تراءت في الأفق فأوشكت أن تطيح بالعصبة المؤمنة لولا عناية الله عز وجل التي أنقذت الموقف..
وسعد هو نفسه الذي شفع لديهم بادئ ذي بدء ليرجعوا عن غدرهم وغيهم، لكن القوم مضوا في عنادهم لا يقدرون للنتائج عاقبة، ولا يراعون الله في حلف ولا ميثاق، ولذلك لما كلم في شأنهم أكثر من مرة قال رضي الله عنه "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"[13].(10/219)
وبعد أن أخذ رضي الله عنه المواثيق على الطرفين أن يرضى كل منهما بحكمه[14] أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح ففعلوا، ثم قال: "إني أحكم أن تقتل مقاتليهم وتسبى ذريتهم وأموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة[15]، أي سموات.. وأمر عليه الصلاة والسلام بتنفيذ الحكم فسيقوا إلى خنادق في المدينة، فقتل رجالهم وسبي نساؤهم وذراريهم ومن لم ينبت من أولادهم ولاقى بنو قريظة أسوأ مصير على أفظع خيانة.. وهذا مصداق قول الله عز وجل: { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } (الأحزاب الآية 26. 27)..
وهنا يحلو للبعض أن يتقولوا على الإسلام. وأن يتطاولوا على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاملته لبني قريظة ويعتبروا أن الإعدام الجماعي الذي تم لهؤلاء الناس يتسم بالوحشة والقسوة، وأنه كان من الممكن أن يعاقبوا بأي عقاب آخر كالإجلاء أو النفي..
ونقول لهؤلاء:
أولاً: ماذا لو أن نتيجة غزوة الأحزاب تمت حسبما كان يخطط لها بنو قريظة وأحزابهم، ألم تكن هي الإبادة التامة للمسلمين أجمعين.
على أن اليهود لم يقدِموا على هذا العمل الخسيس إلا بعد أن تكون لديهم ما يشبه اليقين بأنهم- بمساعدة المشركين- سوف يقومون بتدمير الكيان الإسلامي تدميراً كاملاً، واستئصال شأفة المسلمين استئصالاً كلياً، ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة[16] .
ولقد كانوا حريصين الحرص كله على المصير إلى هذه النتيجة. حتى لقد طلبوا من الأحزاب والمشركين أن يسلموا إليهم سبعين شاباً من أبنائهم رهائن عندهم ليضمنوا أن جيوش الأحزاب لن تنسحب من منطقة المدينة إلا بعد أن تفرغ من المسلمين وتقضي عليهم قضاء تاماً[17]..
على أن اليهود ترددوا في الاشتراك مع صفوف المشركين في بداية الأمر وأخذ كعب بن أسد القرظي يقول لحيي بن أخطب الذي جاءه يغريه بالانضمام إليهم أخذ يقول له: "إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه[18] لكنهم لما تلقوا تأكيدات تفيد أن وضع المسلمين يائس، وأنهم لن يصمدوا طويلاً أمام تلك الأعداد الضخمة سارعوا بالانضمام إليهم، فاليهود - لا قدر الله- لو أمكنهم القدر من رقاب المسلمين ما ترددوا لحظة في القتل والإبادة تمشياً مع مزاجهم الدموي الذي لا يرى بأسا في قتال الآخرين واستحلال دمه { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (آل عمران الآية 75).
وفي سفر التثنية : "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريماً[19] أي تستأصلها استئصالاً.
ولذلك يعلق مولانا محمد علي، على هذا النص في كتابه ((حياة محمد ورسالته)) بقوله ((وهكذا حكم سعد وفقا للشريعة الموسوية بقتل ذكور بني قريظة وبسبي نسائهم وأطفالهم وبمصادرة ممتلكاتهم.. ومهما بدت هذه العقوبة قاسية، فقد كانت على درجة الضبط للعقوبة التي كان اليهود ينزلونها- تبعاً لتشريع كتابهم- بالمغلوبين من أعدائهم، فأي اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد لا شعوري للشريعة الموسوية، وتسليم بأن شريعة أكثر إنسانية يجب أن تحل محلها، وأيما مقارنة بالشريعة الإسلامية في هذا الصدد خليق بها أن تكشف- في وضوح بالغ- أي قانون رفيق عطوف رحيم قدمه الإسلام إلى الناس"[20].
ثانياً: أن اليهود لم يلقوا من المسلمين طيلة الأعوام التي تلت المعاهدة إلا كل بر ووفاء، كما شهدوا أنفسهم بذلك، فعندما ذهب حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد القرظي يغريه بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً[21].. لكنه لم يزل به حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد.(10/220)
ثالثاً: هذا الحكم وإن كان صادراً من سعد بن معاذ، إلا أنه بمثابة الحكم الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو أقره، وتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله وفعله مما هو معروف عند أهل الحديث.. ورسول الله لا ينطق عن الهوى، فكأن ذلك هو حكم الله والرسول في هؤلاء الخونة الغادرين، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لسعد، لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة[22]، وفي رواية الطبري: لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله[23]..
ثم أليس جبريل عليه السلام هو الذي وقف على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يغسل رأسه إبان مرجعه من غزوة الأحزاب ويأمره بالمسير إلى بني قريظة ويقول له إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل أركانهم، وفي رواية: "قم فشد عليك سلاحك فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا[24]..
فعلام يدل هذا إلا أن يكون الهلاك التام والعقاب الصارم من رب العالمين لكل مجرم خائن. رابعاً: أن قانون أي دولة الآن يحكم بالإعدام على من يخون وطنه ويقيم اتصالات مع العدو أو يتجسس لحسابه، ويقول أحد الكتاب المعاصرين، لو درس الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن قوانين القرن العشرين لا تختلف في شيء عما أصدره سعد بن معاذ، لقد كان بين الرسول وبين يهود بني قريظة معاهدة تحفظ حقوق الفريقين وتقضي على كل فريق أن ينصر الآخر إذا واجهه خطر في حرب، ولكن اليهود تآمروا فانضموا إلى أعدائه وأوقعوه بين شقي الرحى في المدينة مصطليا بنار أعدائه المشركين من جهة واعتداء حلفائه اليهود في ساعته العسرة من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر ثلاث جرائم :
1- رفع السلاح ضد سلطان المدينة مع الأجنبي المعتدي.
2- دس الدسائس لدى العدو ضد المسلمين.
3- تسهيل دخول العدو للبلاد.
وقوانين العقوبات العصرية تجعل الإعدام عقوبة كل جريمة من الجرائم الثلاث[25].
خامسا: قد يقال: كان من الممكن أن يعامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة كما يعامل القائد المنتصر رجال جيش عدوه الذي انهزم أَمامه واستسلم، أو يعاملهم كما عامل يهود بني النضير وبني قينقاع.. والجواب على ذلك أن بني قريظة لم يكونوا أسرى حرب حتى يميل بهم إلى الشفقة، ولم يكونوا في حالة حرب مع المسلمين، وإنما كانوا جيرانا متحالفين يشكلون مع المسلمين وحدة وطنية ملزمة بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي عدوان، لكنهم ظهروا أخطر من الأعداء، وشراً منهم، إذ يبيتون لأناس يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار، وواجبات الذمام، فكانوا بمثابة الخائن المتآمر المتواطئ مع العدو على أمته ووطنه في حالة الحرب القائمة وهذه خيانة عظمى ليس لها في جميع الشرائع إلا الإعدام السريع.. وموقفهم هنا يختلف اختلافا واضحا عن موقف بني قينقاع وبني النضير، فالأولون قد أبدوا البغضاء من أفواههم وأشاعوا الرعب والشكوك ورأوا في الدعاية المغرضة سلاحا لا يفل..
وبنوا النضير ائتمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحالفوا مع بعض المنافقين على المناجزة دون أن تتيح لهم الفرصة طريقا يصلون منه إلى التنفيذ، وهؤلاء وأولئك أَهون خطبا من الذين سلوا السيوف ووقفوا في صفوف العدو وأوقعوا الهلع في قلوب يحيط بها الروع من كل ناحية، فتعادل الكفتين بينهما طيش لا يقره إنصاف، وقد جلا بنو قينقاع وبنو النضير عن المدينة، فكانوا مثار القلق والفتنة ومبعث الضيق للمسلمين فهم الذين حزبوا الأحزاب وجمعوا القبائل مع المشركين ليوم الخندق فأعطوا بمؤامراتهم المزعجة محمداً درسا حاسما يحتم استئصال شأفتهم، وتتبع أفاعيهم في كل مكمن، ليطفئ لهيبا يستعر إذا هبت عليه الريح[26].
فعلى الذين يستبشعون الحكم على بني قريظة، ويصفونه بأنه كان قاسيا شديدا، عليهم أن يحيطوا علما بجوانب الموضوع وظروف القضية ليدركوا أن اليهود هم الذين جروا الوبال على أَنفسهم (وعلى نفسها جنت براقش) والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
----------
[1] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة د/ محمد حميد الله ط ثالثة سنة 1389.
[2] سيرة ابن هشام جـ1/51 ط ثانية سنة 1375.
[3] المرجع السابق.
[4] المرجع السابق جـ2/217 ط ثانية.
[5] السيرة لابن هشام جـ2/22 ط ثانية.
[6] السيرة النبوية لابن هشام جـ 2/222 ط ثانية.
[7] المرجع السابق. نفس الصحيفة.
[8] في ظلال القرآن جـ21/548 ط سابعة سنة 1391هـ.
[9] السيرة لابن هشام جـ2/232 ط ثانية.
[10] صحيح البخاري، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.
[11] تاريخ الرسل والملوك للطبري جـ2/583 والسيرة لابن هشام جـ2/234.
[12] تاريخ الرسل والملوك جـ2/586.
[13] المرجع السابق 587.
[14] تاريخ الرسل والملوك جـ2/587.
[15] الطبقات الكبرى جـ2/75 ط بيروت 1376.
[16] غزوة بني قريظة – محمد أحمد باشميل – 243.(10/221)
[17] السيرة الحلبية جـ2/347 ط التجارية سنة 1382.
[18] عيون الأخبار لابن سيد الناس جـ2/59.
[19] سفر التثنية – الإصحاح العشرون 1: .
[20] حياة محمد ورسالته ص 175 نقلا عن غزوة بني قريظة / محمد أحمد باشميل 179.
[21] البداية والنهاية 4/13 ط 1966.
[22] السيرة لابن هشام جـ 2/24 ط ثانية.
[23] تاريخ الرسل والملوك جـ 2/587.
[24] عيون الأثر لابن سيد الناس جـ 2/68 ط دار المعرفة بلبنان.
[25] غزوة بني قريظة – محمد أحمد باشميل نقلا من مقال للدكتور محمد رجب البيومي بمجلة الحج العدد 12 السنة 88.
[26] المرجع السابق – 274.
===================
شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ"
والرد عليها"
روى البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال : "لما حضر : "هلم أكتب لكم ، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبى رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم كتاباً لا تضلون بعده" فقال عمر : إن رسول الله القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول : قربوا يكتب كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول : ما قال عمر. فلما أكثرو لكم رسول الله ، قال عليه الصلاة والسلام : قوموا، وكان ابن عباس اللغو والاختلاف عند رسول الله ، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، يقول : إنا الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله من اختلافهم ولغطهم"( )
هذا الحديث طعن فيه الرافضة، بما جاء فى بعض رواياته من قول بعض الحاضرين "أهجر" وزعموا كذباً نسبة هذه اللفظة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وأنه بقوله "أهجر" ورفعه شعار "حسبنا كتاب الله" تجاوز حد ، وطعن فى شخصه الكريم، واتهامه بالتخريف والهذيان، كما زعمو الأدب مع رسول الله ، وحط من قدره وشخصه، ومكانته أن تبرير الفقهاء لموقف عمر تشويه لرسول الله العالية، ومساس بعصمته ورسالته( )
يقول : أحمد حسين يعقوب( ) : "أول من اتهم بالهجر، رسول الله ورفع بوجهه شعار "حسبنا كتاب الله" هو عمر بن الخطاب، حيث حضر هو وثلة من حزبه ليطمئنوا على الوضع الصحى لرسول الله، ومن المؤكد أن شخصاً ما أخبر عمر بأن الرسول سوف يكتب وصية تلك الليلة، فأحضر عمر عدداً كبيراً من حزبه ليحول بين الرسول، وبين كتابة وصيته كما أقر عمر بذلك. وما أن قال الرسول : "قربوا كتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً" حتى تصدى له عمر بن الخطاب، فقال فوراً دون أن يسأل عن مضمون الكتاب : "حسبنا كتاب الله، إن رسول الله قد هجر" وبدون تروى صاح الحاضرون من حزب عمر فقالوا : القول ما قاله عمر!! إن رسول الله يهجر، واستغرب الحاضرون من غير حزب عمر، وصعقوا من هول ما سمعوا، فقال عفوياً : قربوا يكتب لكم رسول الله، وكان الحاضرون من حزب عمر يشكلون الأكثرية، لأنهم أعدوا للأمر عدته فصاح عمر وأعوانه : "حسبنا كتاب الله إن الرسول يهجر" واختلف الفريقان وتنازعوا، وصدم عمر وحزبه خاطر النبى، فقال النبى للجميع : "قوموا عنى، ولا ينبغى عندى التنازع، وما أنا فيه خير مما تدعونى إليه" ولقد أصاب ابن عباس عندما سمى ذلك اليوم بيوم الرزية!!!" ( )
ويجاب عن الشبهات السابقة بما يلى :
أولاً : نسبة القول بـ "أَهَجَر" إلى الفاروق عمر بن الخطاب، لا دليل عليه، إذ جميع روايات هذا الحديث تنفى هذه الكلمة إلى عمر رضى الله عنه. وإنما الذى جاء على لسان عمر فى جميع قد غلب عليه الوجع، وعندكم الروايات : قال ابن عباس : "فقال عمر : إن رسول الله القرآن، حسبنا كتاب الله"( )
أما لفظ "أَهَجَر" فجاءت جميع الروايات بنسبتها دون تحديد لأشخاصهم، قال ابن عباس : "فقالو إلى بعض الحاضرين فى بيت رسول الله ما شأنه؟ أهجر! استفهموه"( )
فأين إذن ما يزعمه الرافضة من نسبة هذه الكلمة إلى سيدنا عمر رضى الله عنه؟
إنه لا وجود لهذه النسبة إلا فى أذهانهم !! المريضة، وقلوبهم الممتلئة حقداً على صحابة رسول الله
ثانياً : ليس فى فى عقله، وفى الوحى وتبليغ الرسالة، حال كلمة "أهجر" ما يعارض عصمة رسول الله صحته، وحال مرضه يبين ذلك ضبط الكلمة المبين حقيقة المراد منها وهو سلب الهجر لا إثباته، وحاصل هذا الضبط فيما يلى :
أ- إثبات همزة الاستفهام، وبفتحات عليها، "أَهَجَرَ" على أنه فعل ماض، والكلمة فى هذه الحالة، على سبيل الاستفهام الإنكارى ، بإحضار الكتف والدواة. فكأن قائلها قال : كيف تتوقف على من توقف فى امتثال أمره كغيره يقول الهذيان فى مرضه، امتثل أمره، وأحضره م ، أتظن أنه فى امتثال أمره طلب فإنه لا يقول إلا الحق
وهذا الضبط والمراد به، هو أحسن الأجوبة، وأرجحها عند الحافظ ابن حجر، والقرطبى فى توجيه هذه الكلمة( ) وهو ما أرجحه أيض
ب- وضبطها بعضهم : "أهُجْراً" بضم الهاء، وسكون الجيم، والتنوين والكلمة فى وقائلها خاطبهم بها، والمراد : هذه الحالة راجعة إلى المختلفين عند رسول الله ، وبين يديه هجراً ومنكراً من القول( ) جئتم باختلافكم عند رسول الله(10/222)
وهذا الضبط الثانى والمراد به، تثبته الروايات، وما جاء فيها من كثرة لغطهم ولغوهم
ثالثاً : اتفق العلماء على أنه لا يصح أن تكون هذه الكلمة "أهجر" إخباراً، لأن الهجر بالضم، ثم السكون، من الفحش أو الهذيان، والمراد به هنا : ما يقع من كلام مستحيل فى المريض الذى لا ينتظم، ولا يعتد به لعدم فائدته( ). ووقوع ذلك من النبى : ( ) ولقوله {وما ينطق عن الهوى}حقه، لأنه معصوم فى صحته ومرضه، لقوله تعالى : "فوالذى نفسى بيده ما يخرج منه (أى من فمه الشريف فى حال غضبه، ورضاه، وكذا صحته ومرضه)، إلا حق"( )
وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى فى الحديث "هجر" أو "يهجر"( ) وهى محمولة عند أهل العلم على وجهين :
الوجه الأول : حذف ألف الاستفهام، والتقدير أهجر؟
ويؤيد صحة هذا الحمل، أنه لو احتمل من بعض الصحابة ، أو عن شك عرض له فى عصمة رسول أنه قال تلك الكلمة، إخباراً عن حال رسول الله نفسه رد حال مرضه، لوجد من ينكره عليه من كبار الصحابة، بل من رسول الله الله عن عصمته، ولو ثبت الإنكار من الصحابة أو الرسول، لنقل إلينا، ولا نقل! وهو ما يؤكد صحة هذا المحمل
الوجه الثانى : فى المراد بظاهر رواية "هجر" و"يهجر" هو قد غلبه حملها على ما جاء فى الرواية الثانية من قول الفاروق عمر : "إن رسول الله الوجع" ويكون قائل "هجر" أو "يهجر" لم يضبط لفظه، وأجرى الهجر، مجرى شدة الوجع، يجوز عليه الهجر، وإلا وجد من ينكر عليه كم لأنه ينشأ منه، لا أنه اعتقد أنه سبق
هذا وقيل غير ذلك من الأقوال فى توجيه كلمة "هجر" و"يهجر" فاقتصرت على ما سبق لكونه أرجح عندى من غيره( )
وعلى ما سبق فليس فى قول القائل "أَهَجَر" أياً قد غلبه الوجع" كان قائلها، كما أنه ليس فى قول عمر رضى الله عنه : "إن رسول الله ، ولا ما يشوه شخصيته، ويحط من قدره كما يزعم ما يتعارض مع عصمة رسول الله الرافضة! لأن قائل "أهجر" أو "أهجراً" كان القول منه سلباً للهجر لا إثباته، ، وإنكاراً أيضاً على المختلفين بين يديه وإنكاراً منه على من توقف فى امتثال أمره ، وما أحدثوه بحضرته من لغط ولغو. ولو حملت الكلمة من قائلها، على الإخبار بحاله ينكر ذلك، عليه الصلاة والسلام لوجد من ينكر على قائلها، وعلى رأسهم رسول الله ، ولنقل إلينا، ولا نقل! مما يؤكد أن قائل "أهجر" قصد بها سلب الهجر عن رسول الله لا إثباته كما يزعم الرافضة!
رابعاً : اتفق قول العلماء – سوى الرافضة – على أن قول عمر "إن رسول الله، قد غلبه الوجع، عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله" رد على من نازعه، لا على أمر النبى
كما أن العلماء عدو قوله : من قوة فقهه، ودقيق ، حين رآه قد غلب عليه نظره، ومن موافقاته للوحى، قصد منه التخفيف عن رسول الله الوجع، وشدة الكرب، وقامت عنده قرينه بأن الذى أراد كتابته، ليس مما لا يستغنون عنه، إذ لو كان من هذا القبيل، لم يتركه عليه الصلاة والسلام، لأجل اختلافهم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما}ولغطهم، لقوله تعالى : ( ) {بلغت رسالته والله يعصمك من الناس
تبليغ غيره بمخالفة من كما لم يترك خالفه، ومعاداة من عاداه، وفى تركه عليه الصلاة والسلام، الإنكار على عمر إشارة إلى رأيه( ) تصويبه
قلت : وهذا عندى من أقوى ما يتمسك به فى الرد على الرافضة ومن بتصويب رأيه، الإنكار على عمر، هو إقرار منه قال بقولهم، لأن ترك رسول الله ويأخذ هذا الإقرار حكم المرفوع المسند
ويؤيد صحة ما سبق، من صحة رأى عمر، وأن بالكتابة لم يكن على سبيل الوجوب، ما جاء فى نفس الحديث من وصيته عليه أمره الصلاة والسلام بثلاث قال : "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم( ) وسكت عن الثالثة أو قال الراوى : فنسيتها"( )
فهذا يدل على أن ، لم يكن أمراً متحتماً، لأنه لو كان مما أمر بتبليغه، لم يكن الذى أراد أن يكتبه يتركه لوقوع اختلافهم، ولعاقب الله عز وجل، من حال بينه وبين تبليغه، ولبلغه لهم لفظاً، كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك
وقد عاش عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقالة أياماً، وحفظوا عنه أشياء لفظاً، فيحتمل أن مجموعها ما أراد أن يكتبه بالكتابة على الوجوب ويتركه! ويبعد مع كل هذا أن يكون أمره
كما يبعد كل البعد، بدليل ما سبق، ما يزعمه الرافضة من الوصية لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه، بالخلافة من بعده عليه الصلاة والسلام، وزعمهم أن عمر رضى الله عنه، حال بين رسول الله، وبين كتابة تلك الوصية( )(10/223)
قال الإمام المازرى( ) : "وإنما جاز للصاحبة لهم بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها م الاختلاف فى هذا الكتاب، مع صريح أمره ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه عليه الصلاة والسلام قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر رضى الله عنه، على على قال ذلك من غير قصد جازم، وعزمه الامتناع، لما قام عنده من القرائن، بأنه الكتابة إن كان بالوحى الكتابة كان إما بالوحى، وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه فبالوحى، وإلا فبالاجتهاد أيضاً، وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد فى ( ) الشرعيات"( ) وهو ما ينكره الرافضة على صحابة رسول الله
قلت : وفى كلا الحالتين العزم على الكتابة وتركها، سواء كان بالوحى، أو بالاجتهاد، فيه إقرار من لرأى عمر رضى الله عنه، فيأخذ حكم المرفوع المسند، وهو دليل على صحة رسول الله موقف الصحابة رضى الله عنهم من اختلافهم فى الكتاب، مع صريح أمره
قال الإمام : القرطبى( ) : "واختلاف الصحابة رضى الله عنهم، فى هذا الكتاب كاختلافهم فى قوله "لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة"( ) فتخوف ناس فوات الوقت فصلوا، وتمسك آخرون أحد منهم، من أجل الاجتهاد المسوغ، والمقصد بظاهر الأمر فلم يصلوا، فما عنف الصالح"( )
، ثم وعلى ما سبق من اختلاف الصحابة رضى الله عنهم، فى فهم أمره لهذا الاختلاف فى فهمهم لأمره، يرد على زعم الرافضة، ومن قال بقولهم، فى إقراره !! بالكتابة، سوء أدب منهم، مع رسول الله أن اختلاف الصحابة، فى أمر رسول الله
فى بعض الأمور قبل أن يجزم لأنهم رضوان الله عليهم أجمعين، كانوا يراجعونه فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية، فى كتاب الصلح بينه وبين قريش( ). فأما إذا أمر عليه الصلاة والسلام بالشئ أمر عزيمة، ولا قرينة تصرفه عن ذلك، فلا يراجع فيه أحد منهم( )
خامساً : زعم الرافضة أن فى قول عمر : "حسبنا كتاب الله" دعوى منه للاكتفاء به عن بيان السنة، زعم لا دليل عليه، لأن سيدنا عمر رضى الله عنه لم يرد بقوله هذا، الاكتفاء به عن بيان السنة المطهرة، بل قال ما قاله لما قام عنده من القرينة، على أ كتابته مما يستغنى عنه، بما فى كتاب الله عز وجل، ن الذى أراد ( ) حيث لا تقع واقعة إلى يوم القيامة،{ما فرطنا فى الكتاب من شئ}لقوله تعالى : إلا وفى الكتاب، أو السنة بيانها نصاً أو دلالة
فى مرضه من وفى تكلف النبى شدة وجعه، كتابة ذلك مشقة ومن هنا رأى عمر، الاقتصار على ما سبق بيانه إياه نصاً أو ، ولئلا ينسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط، وإلحاق دلالة تخفيفاً عليه : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، الفروع بالأصول، وقد كان سبق قوله وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر"( )
وكل بعض الأحكام وهذا دليل على أنه إلى اجتهاد العلماء، وجعل لهم الأجر على الاجتهاد، فرأى عمر رضى الله عنه الصواب تركهم على هذه الجملة، لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد، مع التخفيف عن رسول ، وفى تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر، دليل على استصوابه رضى الله الله عنه رغم أنف الرافضة( )
ولا يعارض ذلك قول ابن عباس رضى الله عنهما : إن الرزية كل الرزية … الخ لأن عمر كان أفقه منه قطعاً، هذا مع اعترافنا بأنه حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأعلم الناس بتفسير كتاب الله وتأويله، ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه، لكونه أولى من الاستنباط، لاسيما وقد بقى ابن عباس حتى شاهد الفتن( ). أه
وبعد :
فقد استبان لك أيها الناظر بما سبق؛ ، فى بدنه من الصرع( ) وفى عقله وقلبه من الكفر( ) والشرك والضلال عصمة رسول الله والغفلة( ) والشك، والفحش، ومن تسلط الشيطان عليه( ) واستحالة ذلك ونحوه عليه شرعاً وإجماعاً، ونظراً وبرهاناً وعصمته فيما سبق قبل النبوة وبعدها، وفى كل حالاته من رضى وغضب، وجد ومزح
وما استدل به أعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة من فى عقله وبدنه لا تفيدهم فى دعواهم، لأن أحاديث يفيد ظاهرها عدم عصمة رسول الله ما استدلوا به من أحاديث، منها ما هو ضعيف، وموضوع لا يحتج به، ومنهما ما هو صحيح ولكن تضعف دلالته على ما احتجوا به، على ما سبق تفصيله فى المطالب السابقة أهـ.
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
__________________
ابوعبدالله
===================
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -ووجدك ضالا فهدى-
تقول ا " ناهد متولي "
ش 2 : (( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى)) هذا دليل على ضلال نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام و أنة لم يكن لا حنيفا و لا عابدا .
الرد : نستعين بالله و له الحمد من قبل و من بعد ..
أولا:(10/224)
من المعلوم يقيناً لكل باحث منصف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اتجه قلبه الشريف إلى غير رب العالمين حنيفاً و ما كان من المشركين ، و هذا الحق تجزم به العقول و يشهد له المنقول، قال ابن اسحق: [ شب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه الله و يحفظه و يحوطه من أقار الجاهلية، لما يريد من كرامته و رسالته حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، و أحسنهم خلقاً و أكرمهم حسباً ، و أحسنهم جواراً ، و أعظمهم حلماً ، و أصدقهم حديثاً ، و أعظمهم أمانة ، و أبعدهم عن الفحش و الأخلاق التى تدنس الرجل تنزهاً و تكرماً ، حتى ما اسمه فى قومه إلا الصادق الأمين، لما جُمع فيه من الأمور الصالحة ]
و قد أعد الله تعالى الأجواء و هىء الظروف لاستقبال النبأ العظيم بمبعث النبى الكريم، فاستلزم ذلك حفظه و حفظ دعوته من قبل أن تبدأ ، و من ذلك:
أ- حادثة الفيل الشهيرة، حين أراد أبرهة الأشرم و هو أحد النصارى الأحباش غزو الكعبة المشرفة و هدمها لتكون كنيسته الخسيسة التى بناها فى صنعاء قبلة للعرب عوضاً عنها ، فهزمه الله تعالى و أرنا فيه أية خالدة تشهد لصدق الرسالة المحمدية و لعظيم مكانة بيت الله الحرام، و هذه القصة متواترة فى كتاب الله و سنة نبيه المصطفى كما هو معلوم.
ب- حادثة إتيان الملكين رسول الله (صلى الله علية و سلم) و هو طفل صغير فشقا صدره الجميل و أخرجا قلبه فغسلاه و استخلصاه من نصيب الشيطان ، قال ابن اسحق [حدثنى ثور بن يزيد عن خالد بن ممدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك، قال: نعم ، أنا دعوة أبى إبراهيم و بشرى عيسى عليهما السلام ، و رأت أمى حين حملت بى أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ، و استرضعت فى بنى سعد بن بكر ، فبنا أنا بهم اتانى رجلان عليهما ثياب بيض معهما ظشت من ذهب مملوء ثلجاً فأضجعانى فشقا بطنى ثم استخرجا قلبى فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فالقياها ، ثم غسلا قلبى و بطنى بذلك الثلج ....الحديث] قال الحافظ ابن كثير اسناده جيد قوى
و روى أحمد هذا الخبر من طريق بقية ابن الوليد ، و كذا رواه عبد الله ابن المبارك من ذات الطريق، و رواه ابن عساكر من طريق أبو داود الطيالسى و عن أبى ابن كعب ، و رواه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ابن مالك
و هذه الروايات جازمة فى اثبات طهارة رسول الله صلى الله عليه وسلم و عصمته من غواية الشياطين منذ طفولته
ج- حادثة الراهب بحيرى حين مرت به قافلة قريش و بها رسول الله و هو ابن اثنتى عشر سنة، فأعد لهم وليمة ، و أخذ يتفرس فى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى فيه من علامات النبوة ، قال ابن اسحق [..... حتى إذا فزع القوم من طعامهم و تفرقوا قام إليه بحيرى و قال: يا غلام ، أسألك بحق اللات و العزى ألا أخبرتنى عما أسئلك عنه؟ و إنما قال بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألنى باللات و العزى شيئاً، فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضها....الحديث ]
د- و كذلك فى الحديث الذى رواة الشيخان و بلفظ الإمام أحمد قال (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة فقال عباس اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال إزاري إزاري فشد عليه إزاره )
مسند جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه باقي مسند المكثرين مسند أحمد
فهذا الحديث أيضاً يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم و كيف أن ربه تعالى عصمه من عادات الجاهلية السيئة حتى و إن لم تكن عقائدية !
ملحوظة:
عجبت من استخدام بعض الجهال من عباد الصليب لهذا الحديث للطعن فى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه يحكى واقعة حدثت قبل البعثة و قبل نزول الشريعة، و مع أن الحديث يشتمل على كرامة لرسول الله لا تخفى على ناظره، فهو دليل عصمته لا مطعن فى شخصه!! ، إلا أن منهج القوم الإنتقائى الناجم عن حقدهم الدفين على نبيهم صلوات الله و سلامه عليه ، مسخ أبصارهم و جعلهم يرون الحق باطلاً و الباطل حقاً ، و كان أولى بهم أن ينظروا حال أنبياءهم السكارى العراة الزناة ، أو حال إلههم الذى خلع منشفته التى كانت تستره ليمسح بها أقدام عباده! و الذى جرده العبيد من ثيابه و كشفوا عورته المغلظة و ألبسوه ثياب الأراجوزات! الحمد لله على نعمة الإسلام
ه- وكذا من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلن يعتزل قومه و يذهب للتعبد بغار ثور مختلياً بربه يناجيه بعيداً عن الأصنام و الاوثان و رجزهم،
فكل هذه الشواهد النقلية و غيرها تعكس لنا صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام
حتى أننا نقرأ عن صفة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وُلد مسروراً مختوناً رافعاً رأسه إلى السماء(10/225)
روى الحافظ ابن عساكر من حديث سفيان بن محمد المصيصي عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كرامتي على الله أني ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد ثم أورده من طريق الحسن بن عرفة عن هشيم به ثم أورده من طريق محمد بن محمد بن سليمان هو الباغندي حدثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي حدثنا موسى بن أبي موسى المقدسي حدثني خالد بن سلمة عن نافع عن ابن عمر قال : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا
وقال البيهقي : "أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني محمد بن كامل القاضي شفاها أن محمد بن إسماعيل حدثه يعني السلمي حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن أبي الحكم التنوخي قال : كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح يكفأن عليه برمة ، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نسوة فكفأن عليه برمة فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ووجدنه مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء فأتاهن عبد المطلب فقلن له : ما رأينا مولودا مثله وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ووجدناه مفتوحا عيناه شاخصا ببصره إلى السماء فقال : احفظنه فإني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيرا ، فلما كان اليوم السابع ذبح عنه ودعا له قريشا فلما أكلوا قالوا : يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته ؟ قال : سميته محمدا قالوا : فما رغبت به عن أسماء أهل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض قال أهل اللغة : كل جامع لصفات الخير يسمى محمدا كما قال بعضهم
ثانياً
أما قوله تعالى ((وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى)) فإن المقصود بالضلال هنا الغفلة ، أى كنت غافلاً عما تعلمه الأن من الشرائع و أسرار علوم الدين التى لا تُعلم بالفطرة ولا بالعقل، و إنما تُعلم بالوحى، فهداك الله إلى ذلك بما أوحى إليك ، فالمعنى هو الغفلة عن العلم و هذا كقول موسى عليه السلام لفرعون حين عايره بقتل المصرى((قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)) و معلوم أن موسى ما كان مشركاً قط ، بل كان من بنى إسرائيل و هم أهل التوحيد يومئذ، قال ابن كثير { أَيْ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيَّ وَيُنْعِم اللَّه عَلَيَّ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ " وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " أَيْ الْجَاهِلِينَ}
و الضلال جاء بمعنى الغفلة فى مواضع شتى فى كتاب الله كقوله سبحانه عن شهادة المرأة ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ))
و كقوله ((قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى )) و معلوم أن الله لا يضل لأن الهدى ليس إلا إليه أساساً، و إنما المعنى أى {لا يغفل ربى ولا ينسى}، و أيضاً كقوله جل و علا فيما يحكيه عن قول عشيرة يعقوب حين أخبرهم أنه يجد ريح يوسف ((قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ )) ،
و قول الشاعر:
و تظن سلمى أننى أبغى بها بدلاً أراهأ فى الضلال تهيم
و كذا يدل على هذا قوله سبحانه و تعالى ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) و قوله سبحانه و تعالى (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) و قوله و تعالى ((.. وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ))
و قوله سبحانه و تعالى ((وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ)) .
و الحمد لله رب العالمين
مجدي ابو عيشة
محمد بقيت معجزته الى أخر الزمان .
لم يبعث الله رسولا لمنكرين الا ايده بما يؤيد رسالته .
فعصى موسى عليه السلام و دلالات النبوة التي مع عيسى عليه السلام كانت دليلا على انه منزل من عند الله ولتبليغ رسالة الله الى الناس .
ولما كان نبينا أخر الانبياء كانت معجزته باقية ما بقيت السماء والارض الا وهي القران .
اريد ان ازيد على كلام أخي حسام المقالة التالية ففيها بعض دلائل النبوة :
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=437
وكما تفضل الاخ حسام فان ما يتحقق هو من دلائل صدق نبوته
===================
شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه على نسائه ؟(10/226)
روى البخارى وغيره عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : يدور على نسائه، فى الساعة الوحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة( ) كان النبى قال قتادة : قلت لأنس : أو كان يطيقه؟ قال : كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين"( )
وفى رواية عن ابن عمر مرفوعاً : "أعطيت قوة أربعين فى البطش والجماع"( ) "فضلت على الناس بأربع : وله شاهد صحيح عن أنس بن مالك، قال : قال رسول الله بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش"( )
هذا الحديث الذى يبين ما بين أهل بيته، يطعن فيه ، دون غيره من الناس، ويبين عدله اختص به رسول الله ، ويطعن فى عصمته فى أعداء السنة النبوية، بزعم أنه يسهم فى تشويه صورة الرسول مهووساً بالجماع؛ كما زعموا أن سلوكه، حيث يجعل الحديث بزعمهم من رسول الله الحديث يتعارض مع القرآن الذى يبين أن النبى كان يقضى ليله فى قيام الليل، وقراءة القرآن والعبادة، ويقضى نهاره فى الجهاد ونشر الدعوة
يقول أحمد صبحى منصور : "البخارى يجعل من النبى مهووساً بالجماع إلى درجة لا يعرفها أشد الرجال فحوله، ولا أعرف من أين لهم ذلك القياس الذى جعلوا به مقدرة النبى – المزعومة – تبلغ قوة ثلاثين رجلاً؟
ولكن هل كان النبى فعلاً يقضى الليل والنهار فى جماع مستمر؟ وهل كان أصحابه خلفه يهتفون بقدرته الفذة فى النكاح؟ أو هل كانت سنة النبى هى فى الجماع؟
إن النبى كان يقضى ليله فى قيام الليل، وقراءة القرآن والعبادة، ويقضى نهاره فى الجهاد، والسعى فى توطيد أركان دولته الجديدة، ولم يكن لديه متسع من الوقت ليقطعه فى جماع متصل لجميع النساء، وفى وقت واحد… ولم يكن أصحابه لديهم الفراغ ليشجعوه ويهتفوا لفحولته الخارقة
أمامنا نوعان من السنة، أى : طريقة إن ربك يعلم أنك تقوم}الحياة اليومية للنبى… السنة التى ذكرها الرحمن فى القرآن : ( ) والسنة التى ذكرها{أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين آمنوا معك البخارى فى صحيحه، ولا يمكن أن نؤمن بالاثنين معاً"( )
وبنحو قوله قال صالح الوردانى، وزاد : "إن الذين اختلقوا هذه الروايات إنما كانوا يهدفون من ورائها إلى "( ) تشويه شخصية الرسول
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : ليس فى رواية رواة السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أئمة المحدثين كالبخارى ومسلم ، ما يشوه سيرته العطرة وغيرهما؛ ليس فى روايتهم الحياة الخاصة لرسول الله
معصوم فى سلوكه وهديه، وما ينقل عنه من حياته الخاصة دين، لأن رسول الله وللأمة فيه القدوة والأسوة الحسنة، وليس أدل على ذلك، ما سبق ذكره من اختلافهم فى جواز القبلة للصائم، وفى طلوع الصبح على الجنب وهو صائم، فسألوا أم المؤمنين عائشة ، فرجعوا إلى ذلك، وعلموا أنه لا حرج رضى الله عنها، فأخبرتهم أن ذلك وقع من النبى على فاعله( )
فى حياته الخاصة، حث عليه، وكان بإذنه وهذا النقل لما يخصه ، عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهم بدليل ما روى أن رجلاً سأل رسول الله : "إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل"( ) الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال
كما وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى}دل على أن هذا النقل من الدين قوله تعالى : ( ) فهذا نص قرآنى صريح يأمر بحسن{أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً صحبة الزوجة بكل ما تعنيه كلمة "المعروف"( )
ومعلوم أن مراد الله فى كتابه، ({وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، لقوله تعالى : من مهامه )
قول ومن هنا : كان نقل هذا البيان فى الحياة الخاصة لرسول الله ولذا{وعاشروهن بالمعروف}وعملاً، دين واجب ذكره، لتتعلم الأمة المراد بخطاب ربها : : ذكر العلماء من حكم كثرة أزواجه
1- نقل الأحكام الشرعية التى لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفى مثله
2- الاطلاع على أم حبيبة بنت أبى سفيان( ) وأبوها إذ ، الباطنة، فقد تزوج محاسن أخلاق رسول الله ذاك يعاديه، وصفية بنت حى بن أخطب، بعد قتل أبيها وعمها وزوجه
فلو لم يكن ، اكمل الخلق فى خلقه لنفرن منه! بل الذى وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن( )
فى سلوكه قلت : وفيما سبق من حكم كثرة أزواجه وغيرها، تأكيد لعصمته وهديه مع أزواجه الأطهار. لأنه إذا كان ما يقع مع الزوجة، مما شأنه أن يختفى مثله لعصمة الله عن الناس، لما فيه من نقص فى قول أو عمل، فهذا بخلاف سيدنا رسول الله عز وجل له، فقوله وعمله مع أهل بيته كله كمال، ومما تقتضى به الأمة. وإليك بيان ذلك فى حديثن
ثانياً : لا وجه على ما سبق لإنكار أعداء السنة، لما ينقل من ، مع أهل بيته، وزعمهم أن فى ذلك تشويه لشخصيته وسيرته العطرة، أحوال رسول الله لأن فى ذلك المنقول، بيان لعصمته، وعظمة شخصيته، ومحاسن أخلاقه الباطنة مع أهل ، لما حث عليه قول بيته، وهذا ما دل عليه حديثنا، حيث فيه البيان العملى منه(10/227)
:"إن من أكمل المؤمنين فعن عائشة رضى الله عنها قالت:قال رسول الله قال:"خيركم إيماناً، أحسنهم خلقاً؛وألطفهم بأهله"( )وعنها أيضاً عن رسول الله تأكيداً وبياناً لقول رب خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى"( ) وهذه الأقوال منه وهى كلمة جامعة تعنى : التحلى بمكارم الأخلاق فى{وعاشروهن بالمعروف}العزة : معاملة الزوجات، من صبر على ما قد يبدر منهن، أو تقصير فى أداء واجباتهن، ومن حلم عن إيذائهن فى القول أو الفعل، وعفو وصفح عن ذلك، ومن كرم فى القول والبذل، ولين فى الجانب، ورحمة فى المعاملة، إلى غير ذلك مما تعنيه المكارم الأخلاقية التعاملية الأسرية
بين نسائه فى القسم" كما قالت وذلك هو ما دل عليه حديثنا "عدله ، لا يفضل بعضنا على بعض فى أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : "كان رسول الله القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم يأتى إلا وهو يطوف علينا جميعاً فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها"( )
وهذا الحديث نص على نسائه جميعاً فى الساعة الوحدة من الليل والنهار صريح يبين لنا حقيقة طوافه
إنه طواف حب، ومداعبة، بدون جماع، حتى يبلغ إلى التى هو يومها فيبيت عندها، كما هو ظاهر كلام عائشة رضى الله عنه
ولا يتعارض مع ظاهر حديث أنس رضى على نسائه جميعاً بجماع الله عنه، فى أن حقيقة طوافه
إذ الجمع بينهما حينئذ يكون، بحمل المطلق فى كلام أنس على المقيد فى كلام عائشة ووجه آخر : بحمل إذا طاف كلام عائشة على الغالب، وكلام أنس على القليل النادر، فلا مانع من أنه القدرة على ذلك، على نسائه جميعاً فى بعض الأحيان يكون بجماعهن جميعاً، وتكون له : "فضلت على الناس بأربع: لم اختصه الله به من القوة وكثرة الجماع، وهو صريح قوله كثرة الجماع، وشدة البطش… الحديث( )
: "أعطيت قوة أربعين( ) فى وقوله البطش والجماع"( ) وفى ذلك تصريح بأن الصحابة رضى الله عنهم، كانوا يتحدثون عن قوة ، فى الجماع من خلال نحو هذه الأحاديث المرفوعة، ولا يتحدثون بالقياس رسول الله والظن و… كما يزعم أعداء خصائصه وعصمته
ثالثاً : ليس للناقل لخصائص رسول ، من رواة السنة والسيرة، أى دخل فيها سوى النقل، وأداء الأمانة، أمانة الله : : "نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه"( ) وقوله الدين، كما قال "بلغوا عنى ولو آية… الحديث( ) فإذا أدوا هذه الأمانة، كان لهم خير الجزاء من ربهم، والشكر الجميل منا، لم أدوا إلينا من الدين!
أما الافتراء عليهم والزعم بأنهم قوة فى الجماع لا يعرفها أشد الرجال فحولة يتدخلون فيما ينقلون، ويجعلون من النبى … الخ( ) فهذا محض كذب عليهم، لا دليل عليه، ونكران لجميلهم وفضلهم، واستخفاف بعقل القارئ!
فى حديثن رابعاً : إنكار أعداء العصمة، لم اختص به سيدنا رسول الله هذا من قوة البدن، وكثرة الجماع، إنكار لكتاب الله عز وجل، ورد على رب العزة كلامه، ({تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}القائل : )
، يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء كما قال عز وجل ومع أن كثرة أزواجه ( ) {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية}:
على وكذلك طوافه نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء، كما : "كان لسليمان ستون امرأة( ) فقال : لأطوفن عليهن الليلة. فتحمل دل على ذلك قوله كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل فى سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان. فقال رسول الله : "لو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلاماً، فارساً، يقاتل فى سبيل الله"( )
، اختص فى طوافه بخرق العادة له فى كثرة إلا أنه الجماع، مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرة تكسر شهوته( ) فانخرقت هذه العادة فى حقه ( )
خامساً : ليس فى الحديث كما يزعم أعداء السنة، ما يتعارض مع كتاب الله ومن الليل} عن قيام الليل متهجداً لربه عز وجل : قال تعالى : عز وجل، ويشغله إن ربك يعلم}( ) وقال سبحانه : {فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ( ) {أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين آمنوا معك
لأن على نسائه فى ساعة واحدة من النهار أو الليل، والساعة الحديث واضح وصريح فى طوافه هى قدر يسير من الزمان، لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة( )
والساعة هنا : هى حق له، ولأهل بيته( ) ولا تشغله عن حق ربه عز وجل، ولا عن حق رسالته، ونشر دعوته لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما، لم أخبر عنه، أنه يصوم فهو القائل بقوله : "فإن النهار أبداً، ويقوم الليل، ويقرأ القرآن كله ليلة، خاطبه رسول الله لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً"( )(10/228)
، فى سيرته يعطى كل ذى حق حقه، يدل على ذلك ما روى عن وهكذا كان رسول الله ، يصنع فى أهله؟ قالت : كان فى مهنة أهله، عائشة رضى الله عنها سألت، ما كان النبى فإذا حضرت الصلاة، قام إلى الصلاة"( ) وفى رواية قالت : "كان بشراً من البشر، يفلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه"( )
، العدل، وإعطاء كل ذى حق حقه، وتلك هى سنته فمن كان عليها فقد اهتدى، ومن كان عمله على خلافها فقد ضل، وذلك ما صرح به المعصوم تصوم النهار، وتقوم ، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : "كانت مولاة للنبى : "إن لكل عمل الليل، فقيل له، إنها تصوم النهار، وتقوم الليل، فقال رسول الله شرة( ) والشرة إلى فترة( ) فمن كان فترته إلى سنتى فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى فى أن يكون نشاط المسلم واستقراره على سنته غير ذلك فقد ضل"( ) وما حث عليه المطهرة، وسيرته العطرة، لا يكون إلا بالعدل، وإعطاء كل ذى حق حقه، لربه، ولجسده، ، لا يخالف قوله عمله، كان طوافه على نسائه جميعاً، سواء بمسيس ولأهله… الخ ولأنه أو بدونه، من العدل بإعطاء كل ذى حق حقه، بدون أن يشغله ذلك عن حق ربه عز وجل وإليك نماذج من قيامه الليل بما لا يتعارض مع طوافه على نسائه!
1- فعن عائشة رضى العشاء قط فدخل على، إلا صلى أربع ركعات، أو الله عنها، قالت : "ما صلى رسول الله ، ما ترك قيام ست ركعات( ) ثم يأوى إلى فراشه فهذا تأكيد من زوجته عائشة، بأنه الليل، منذ دخل عليه
2- وتحكى عائشة رضى الله عنها، أنها : "افتقدت رسول الله ، ذات ليلة تقول : فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو راكع، أو ساجد، يقول : سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت، تقول : فقلت : بأبى وأمى، إنك لفى شأن، وإنى لفى آخر"( ) تعنى : أنها غارت حيث افتقدته، وظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه، ولكن إذ بها تجده قائماً بين يدى ربه عز وجل يناجيه
3- وتوضح عائشة رضى الله ، يجمع بين حق الله تعالى فى قيام الليل، وبين حق أهل عنها، كيف كان رسول الله ، ينام أول الليل، ويحى آخره، ثم إن كانت له بيته وحقه، فتقول : "كان رسول الله حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول قالت : وثب( ) ولا والله : ما قالت قام، فأفاض عليه الماء، ولا والله : ما قالت : اغتسل. وأنا أعلم ما تريد، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة. ثم صلى الركعتين"( )
فتأمل : ، الجماع تابعاً لقيام ليله، وبعد فراغه منه، ثم ينام، حتى إذ كيف جعل رسول الله دخل وقت الفجر قام بسرعة، وبكل نشاط استعداداً لصلاة الفجر، بإفضاء الماء على جسده تطهيراً من الجنابة – إن كان جنباً – وتأمل دقة التعبير قالت : "وثب" يقول الأسود بن يزيد راوى الحديث "لا والله : ما قالت قام… إلخ وإن لم يكن جنباً، توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتين أى سنة الصبح
4- وبنفس شهادة عائشة رضى الله عنها، شهد ابن عباس رضى الله عنهما، عندما بات عند خالته أم المؤمنين ميمونة رضى الله عنه
ففى الصحيحين عنه : أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضى وأهله الله عنها – وهى خالته – قال : فاضطجعت على عرض الوسادة، واضطجع رسول الله ، حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم فى طولها، فنام رسول الله ، فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات خواتيم استيقظ رسول الله سورة آل عمران، ثم قام إلى شن( ) معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلى. قال ابن عباس رضى الله عنهما : فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع ، يده اليمنى على رأسى، وأخذ بأذنى اليمنى يفتلها بيده، فصلى ركعتين ثم رسول الله ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح"( )
5- وحتى عندما زار أم سليم، وأم حرام، وبات عندهما، لم يمنعه ذلك من قيام الليل على ما جاء فى رواية فى بيت أم سليم، وأم سليم، وأم أنس بن مالك رضى الله عنه قال : صلى رسول الله حرام خلفنا، ولا أعلمه إلا قال : أقامنى عن يمينه"( )
وبعد : فهل قصر رسول ، مع طوافه على نسائه جميعاً فى ساعة واحدة من الليل أو النهار فى قيام الله الليل؟
أو هل تعارض حديث طوافه مع كتاب الله عز وجل، كما يزعم أعداء السيرة العطرة؟
، على نسائه جميعاً، يبين بياناً عملياً على ما سبق؛ إن حديث طوافه ويبين البيان العملى لخيرية وكمال أخلاقه وعصمته{وعاشروهن بالمعروف}القرآن الكريم مع أهل بيته، كما قال : "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى" إنه يبين كمال رأفته، وحبه، وعدله مع أهل بيته، كما صرحت بذلك عائشة رضى الله عنها "لا يفضل بعضنا على بعض فى القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم يأتى إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التى هو يومها، فيبيت عندها"(10/229)
كما ، وفضل به على سائر الناس من "قوة أربعين أن الحديث يبين ما اختص به رسول الله رجلاً فى البطش والجماع" والأمر هنا : ليس من عند نفسه، ولا من عند رواة السنة – رحمهم الله – وإنما من عند ربه عز وجل، وهو ما يفيده مجئ لفظ "أعطيت" بالبناء للمجهول. فتأمل
كما أنه ليس فى كثرة جماعه دليل على (هوسه بالجماع) على حد زعم ؟ أعداءه وأعداء عصمته
لأن الأمر فى ذلك راجع إلى قيامه بواجب العدل بين أهل بيته، كما أنه يرجع إلى طبيعته البشرية، وما اختصه به ربه عز وجل، ولم يكن فى ذلك كله ما يشغله عن حق ربه عز وجل، فهو مع ما طبعت عليه بشريته من كثرة الجماع، فهو ، لم يكن يأتيها إلا على بالإجماع أعبد الناس، ولم يخل بعبادته شيئاً، لأنه مشروعيتها، وهذا هو غاية العصمة والكمال فى البشرية
وتأمل مع ما سبق من أحاديث إذا صلى، قام حتى تتفطر قيامه الليل، حديث عائشة رضى الله عنها : "كان رسول الله رجلاه، فقالت : يا رسول الله : أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : "يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً"( )
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وسلم ورزقنى قدوة به فى تعدده
وفى عدله مع أهل بيته
__________________
ابوعبدالله
===================
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -نبوة محمد عليه الصلاه والسلام-
دفع الشبهات المثارة من جانب " ناهد متولي " في مناظرتها مع الشيخ منصف عن نبوة الرسول صلى الله علية و سلم و التي جرت في البال توك ))
الشبهه الأولى
الرد : نحمد الله سبحانه و تعالى و نستعينة ..
سألت السيدة ناهد سؤالا مفادتة ..
ما هو الدليل الذي يحتاجه العقل لكي يقتنع بأن مدعي النبوة صادق لا كاذب ؟
إن مدعي النبوة هو مخبر عن الله الخالق ،لذا كان لابد له من دليل يقنع به.
والدليل كان لابد أن يكون معجزة. أي سلوكا يخرق العادة على نحو يعجز عنه الكائن الإنساني. فتتم نسبة القدرة على هذا السلوك إلى غير الإنسان ، ومن ثم يتم تصديق الرسول
لذا يقول الأمام الجويني رحمه الله " لا دليل على صدق النبى غير المعجزة . فإن قيل : هل فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة ؟ قلنا : ذلك غير ممكن ! فإن ما يقدر دليلا على الصدق لا يخلو إما أن يكون معتادا ، و إما أن يكون خارقا للعادة : فإن كان معتادا يستوى فيه البر و الفاجر ، فيستحيل كونه دليلا ، و إن كان خارقا للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله تعالى ، فإذا لم يكن بد من تعلقه بالدعوى ، فهو المعجزة بعينها " . الارشاد ص 331.
لذا نلاحظ أن الديانات السماوية كلها كانت معززة عند أنبيائها بمعجزات كأدلة قابلة للتصور والتصديق.
فالمعجزة إذن هي الدليل على صدق النبي. ومن ثم فبحث نبوة محمد يستلزم النظر في معجزته ، للخلوص إلى تصديقها أو تكذيبها.
هذا هو إذن المسلك المنهجي الذي ينبغي سلوكه.
إذا فما معنى المعجزة ؟ ما هي شروطها ؟
قد عرضنا سابقا إلى شرط خرق العادة ، ونستمر في تدقيق مدلول المعجزة :
يمكن أن نقول مع الأمام السيوطي إن المعجزة :
" أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدى ، سالم عن المعارضة " . ( الأتقان فى علوم القرآن 2 : 116( .
و هناك مدلولا مشتركا يجمع بين كل الكتب التي تحدثت عن أدله النبوة ، بوصف المعجزة أن بها يتحقق صدق الرسول.
أما من حيث الشروط الواجب توفرها في هذة المعجزة التي يثبت بها صدق الرسول صلى الله علية و سلم يمكن أن نتفق على خرق العادة ، وإعلان التحدي ، وعجز المخاطبين عن المعارضة (أي الأتيان بمثل ما أتى به الرسول )
إذا اتفقنا على ما سبق يمكن بعد ذلك بحث حقيقة معجزة محمد صلى الله عليه و سلم ، ونختبرها وفق المعايير الشرطية الثلاثة:
- شرط خرق العادة.
- شرط إعلان التحدي
- شرط عجز المخاطبين عن المعارضة.
لكن قبل هذا الأختبار نحتاج إبتداء إلى الأنتقال لمعالجة مسألة أخرى هي :
ما طبيعة معجزة محمد صلى الله علية و سلم و ما وجه تمييزها عن باقي معجزات الأنبياء ؟
أو بمعنى أصح لماذا جائت معجزة الرسول صلى الله علية و سلم الرئيسية و لا أقول الوحيدة ( القرآن الكريم ) معنوية و ليست حسية كمعظم المعجزات الرئيسية لأنبياء بني اسرائيل ؟
يميز علماء أصول الدين بين نوعين من المعجزات : حسية ومعنوية.
فالمعجزات الحسية كمعجزات موسى ( العصا- اليد---) ، ومعجزة عيسى (إحياء الموتى ، وإشفاء الأبرص ...) ،لكن هذا النوع من المعجزة يبقى محصورا عند من شاهدها أو عند من تناقل إليه الخبر بطريق متواتر يجزم بعدم إمكان الشك فيه.
ثم ثمة معجزة معنوية لا حسية ، وهي ما يؤكد علماء الأصول أنها المعجزة التي اختص بها سيدنا محمد ، ألا وهي معجزة القرآن.(10/230)
و يجدر بنا هنا أن نشير إلى موقف الزملاء النصارى إزاء المعجزات المعنوية , أنهم يقررون أن المعجزة يجب أن تكون حسية مثل إحياء الموتى , إنهم يريدون بذلك أن يصلون إلى كون المعجزة ليست معنوية وبالتالي يجب على المسلم أن يترك الأحتجاج بالقرآن واعتباره معجزة !!
و أنا هنا أسأل ...
أليست المعجزة المعنوية في نص كتاب إذا تحقق فيها خرق عوائد البشر في القول ، وعوائد البشر في النبوغ والعبقرية ،فجاء النص بمعطيات يستحيل على طبيعة قدرة البشر في التفكير والصياغة الأتيان بمثلها يكون النص خارقا للعادة.أي خارقا لعادات البشر في التفكير ؟
فلماذا تحصرون خرق الطبيعة في خرق العادة الجارية في الطبيعة المادية ، وتستبعد خرق العادة الجارية في طبيعة التفكير البشري ومحدوديته؟
نحن كمسلمين نعتقد أن نبي الاسلام له معجزة معنوية أساسية هي القرآن. وله معجزات حسية , و هناك ثمة معجزة أخرى ألا و هي شخصية الرسول الكريم صلى الله علية و سلم
فيمكننا المناقشة في أي منها .
و لكن الشئ الأساسي أن معجزة محمد صلى الله علية و سلم الرئيسية هي المعجزة المعنوية و هي القرآن الكريم .
و في مداخلتي تلك سأقتصر بالحديث عن معجزة القرآن الكريم .. فهي الدليل القاطع الذي لا يقبل الشك على نبوة محمد صلى الله علية و سلم .
وهنا يطرح السؤال ما السبب في كون معجزه أنبياء بني إسرائيل حسية ، بينما معجزة النبي ص معنوية أكثر منها حسية ( القرآن الكريم ) ؟؟؟
السبب في ذلك أن الاسلام مع محمد صلى الله علية و سلم كان موضوعا ليكون ديانة خاتمة ، ومن ثم ينبغي أن تكون المعجزة مستمرة ، وهذا مما لا يتحقق بمعجزة حسية تخرق عادة كونية ،فلا يراها إلا المشاهد الحاضر ،بل لابد من معجزة معنوية تخاطب الأنسان في مختلف لحظات تطوره.
وتلك المعجزة هي القرآن الكريم .
كما أن طبيعة المعجزة الأسلامية تفيد ضمنيا انتقال البشرية إلى طور جديد ، طور إقرأ ، طور الرشد والتفكير العقلي.
أجل ثمة معجزات من قبيل الطبيعة الحسية فقط تم تعزيز النبي ص بها ، لكن معجزته الأساسية تبقى هي القرآن.
لكن ما الدليل على صحة كون المعجزة المحمدية هي القرآن؟هل قال محمد بذلك ، أم أن هذا مجرد استنتاج من قبلنا أو من قبل العلماء؟
إن الدليل على ذلك نجده صريحا في القرآن نفسه حيث يقول مجيبا مشركي قريش الذين طالبوا بآيات / معجزات مادية حسية :
"وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه، قل إنما الآيات عند الله و إنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم" (50 ،51- العنكبوت) .
كما أن النبي ص يؤكد نوعية المعجزة التي اختص بها حيث يقول :
"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً" رواه البخاري .
نأتي الآن إلى المعايير الثلاثة التي يجب اختبار المعجزة بها:
قلنا إن المعجزة لابد أن تقرن بشرط التحدي.وإلا لم تسم معجزة تصديقية.
فهل تحقق هذا الشرط لمحمد ؟
أجل . فقد جاء التنزيل القرآني بتحد سافر يتلو بعضه بعضا :
ففي البداية جاء بخطاب يتحداهم بنبرة أشعرتهم بقوة مصدر التحدي ،حيث لم يتحد قبيلته فقط ، ولا حتى جميع قبائل العرب بل جاء بخطاب أوسع في لغة التحدي ،حيث قال :
"قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" (88 –الإسراء).
ولم تأت استجابة للتحدي .
فجاء بتحد آخر فيه اقتدار على مزيد من إظهار عجز المتحدى – بفتح الدال وتشديدها- حيث قال :
"أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله" (13، 14- هود).
وهنا إظهار للعجز على نحو أكثر سفورا ،فهو لم يطالبهم بأن يأتوا بالقرآن بل فقط بعشر سور مثله.
ولم يأت الرد!!!!!
وإمعانا في إظهار إعجاز المتحدى ، جاءت آية أخرى بأقسى مما سبق :
"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" (23- البقرة).
ما دلالة هذا التحدي ؟
لكي ندرك دلالته جيدا. يجب أن نستحضر شيئا من تاريخ العرب ، وخاصة تاريخهم الثقافي ،فقد كانت القبائل تتبارى في سوق عكاظ بمعارضة القصائد ، وكانت تعقد محاكمات للتفاضل بين الشعراء . ولم يقل شاعر بأن قصيده لا يمكن أن يؤتى بمثله أو بأفضل منه.
لكن محمد الذي لم يسبق أن سجل التاريخ أنه كان لديه إلمام أو تجربة شعرية ، بل لم يسجل التاريخ أنه تبارى يوما في عكاظ أو غيرها بنص شعري ، هذا الرجل يأتي بنمط من القول جديد في سبكه وصياغته . ثم لا يتحدى بلغاء وشعراء قبيلته فقط ، ولا يذهب إلى مجلس معارضة شعرية ليبز من حضر فيها فقط ،بل يعلن التحدي سافرا جامعا مانعا للجميع قائلا فأتوا بسورة من مثله.(10/231)
من هنا ندرك أن هذا التحدي كان جارحا لكبرياء قريش ولكبرياء العرب.بل أسقطها في الحيرة من أمر هذا القول الفريد في أي جنس من أجناس القول ينبغي تصنيفه ، أجل إنهم عجزوا عن تصنيفه .
و لو سألنا أي عالم نفسي عن ردة فعل من كان في مثل مكانة قريش الشعرية و ألقى عليهم من لا باع له في الشعر أو غيرة هذا التحدي ماذا سوف تكون ردة فعلهم إزاء ذلك ؟
سيقول أنه بلا شك سيكون الحافز الرئيس عندهم هو الرد عليه و دحرة دحرا ..
و لكن قريش عجزت , بل و قد وقد بين القرآن الكريم عجزهم بهذا التدريج السابق الذي أتينا به .
أجل إنهم عجزوا عن تصنيفه .
بل الأقتدار على الرد عليه. وهنا أورد لكي الحادثة المشهورة للوليد مع الرد القرآني عليها :
جاء في الروض الأنف :
"ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش - وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ، قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا : نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا : فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة .. وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا : ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته . "
ويصور القرآن هذه الحيرة تصويرا غاية في البلاغة ، وكأنك تلمس حسا هذه الأختلاجات النفسية القلقة التي انتابت الوليد إزاء تصنيف القرأن ، ثم جحوده بعد علمه بكون آيات القرأن ما هي من قول شاعر ولا مجنون :
" ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ، سأرهقه صعودا ، إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر " .
وعود إلى التحدي . فأقول :
لقد تحقق في المعجزة إذن شرط التحدي و العجز عن الرد!!
وهكذا اجتمع في المعجزة القرآنية شرط التحدي والسلامة من المعارضة.
لكن تلاحظين مما سبق أنني لم أختبر المعجزة القرآنية إلا بالشرط الثاني والثالث:
أي شرط التحدي.والسلامة من المعارضة.
وقد نجحت المعجزة القرآنية في الأختبار ،إذ ثبت وجود التحدي. كما ثبتت سلامتها من المعارضة .
ستقولين لي قد قفزت عن الشرط الأول وهو خرق العادة.
اللهم إلا من مثال حيرة قريش في تصنيف القرآني حيث خرق عوائدها وأنماطها في الكلام.
لذا قد تسألينني هل تكتفي بخرق العادة بما سبق؟
أقول لا ..
بل إن بحث موضوع خرق العادة مبحث أعمق وأوسع مما سبق ،بل عليه يستند كل موضوعنا ، وهو إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.لذا فبحث ما في القرآن من معطيات أسلوبية ومعرفية هو ما يجب أن يكون موضوع ما نستقبل من محادثات بيننا . إذا اتفقنا على مفهوم المعجزة ومعاييرها.
فما هو الذي في القرآن الكريم يفيد القطع بأنه خارق للعادة و أنة ليس بمقدور من قبل البشر ؟
سؤال كهذا لن يكفينا أبدًا في حوار كهذا , بل و لن يكفينا سلسلة من الحوارات المستمرة , فالقرآن الكريم ينطق بكل حرف فيه أنه خارق للعادة أو غير مقدور من جهة البشر ..
و لكن سوف أقوم بالتدليل على أنة لم يكتبة محمد بطريقة فريدة من نوعها نوعًا ما ..
فسوف أفترض معكِ أنه من تأليف محمد صلى الله علية و سلم .. !!
ومن ثم فكل ما سأفعل هو أنني لن أنطلق من كون محمد نبيا ، ولا من كون القرآن من عند الله. بل سأنطلق من منطلق معكوس تماما ،أي من الفرضية التي تتبناها السيدة ناهد ،بمعنى أن القرآن ليس من عند الله ، وأن محمدا هو مؤلفه ، وبالتالي فهو نبي كاذب ( حاش و كلا ) لا نبي صادق مرسل.
ثم أقدم ضد هذه الفرضية بمجموعة من الانتقادات والتساؤلات المعترضة عليها ، وأطلب من السيدة ناهد أن تفسرها لي ما دامت هي تقول أن محمدا صلى الله علية و سلم ليس نبيا ، وأن القرآن من تأليفه.
لنفترض أن محمدا ليس نبيا رسولا ، وأن القرآن من نسج تأليفه .(10/232)
أمام هذه الفرضية موانع قوية صلبة تحتاج لكي تصبح حقيقة علمية وتنتقل من مستوى الأفتراض أن تتخطاها ،، وأنبه السامع أولا إلى أن ما سيسمعه ليس أدلة إنما هي فقط دعوة للتفكير في ظاهرة نبوة محمد صلى الله علية و سلم ، فالأدله كثيرة و لن أطرحها الآن لقصر المداخله , و ربما ألخصها في مداخلتي القادمة , أما الآن في تلك المداخله فسنطرح فيها كل مرة فرضيات ونختبرها فأقول مستعينا بالله عزّ و جلّ :-
عندما بلغ محمد أربعين عاما قال بكونه نبيا رسولا .ثم أخذ في عرض قرأن يقول إنه من عند الله.
لنفترض أن القرآن هذا من عند نفسه ،أي من تأليفه . فالمطلب الأول هو أن نجد في النص القرآني حضورا لشخصية محمد ومشاعره . فالقرآن ليس نص فزياء ولا نص رياضيات يغرق في الرموز بل هو نص يتحدث عن مشاعرواعتقادات وحوادث ونظم مجتمعية . ومثل هذا النوع من النصوص لابد أن نجد فيها ملامح مؤلفها.
وعود إلى القول :
لنفترض أن القرآن هذا من عند محمد صلى الله علية و سلم
فما هو الأعتراض الأول على هذه الفرضية ؟
أولا :من بين الأسباب المشككة في هذه الفرضية أننا لا نجد في القرآن شخصية محمد صلى الله علية و سلم . فنص القرآن الذي ينقل لنا حوادث واقعية عاشها محمد صلى الله علية و سلم أو عاشها المحيطون به
"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ..."
نجده وياللغرابة ! تغيب منه الحوادث المفروض أن تحضر بقوة فيه إذا كان محمد هو مؤلف القرآن ، وذلك مثل :
اللحظات الصعبة التي مر بها في حياته كلحظة موت زوجته خديجة. حيث لا نجد أي ذكر لهذا الحدث في القرآن ، ولا حتى بضع كلمات يبث فيها محمد حزنه عليها ، وهوالذي كان مرهف الحس ، وهو الذي حتى بعد سنوات طوال بعد موتها كان يذكرها فتدمع عيناه!!!
هل يستطيع شاعر أو أديب أ ن يتجاهل ذاتيته ؟؟؟
كيف استطاع محمد صلى الله علية و سلم أ ن يتجاهل ذاتيته ولم يعبر عن مكنون وجدانه في حق خديجة في نص قرآني ؟؟؟؟
كيف لا نجد ولو ذكرا واحدا لحوادث أخرى كان لابد أن تحضر لأنها أثرت فيه واستدرت الدمع من عينه مثل موت أبنائه الذكور واحدا تلو آخر. وخاصة إبنه إبراهيم الذي احتضر بين يديه ، وتوفي وهو بين ذراعيه ينظر إليه ؟؟
كيف تغيب مثل هذه اللحظات العصيبة من نص القرآن ،ونحن نعلم أن محمد صلى الله علية و سلم لم يكن رجلا جلفا يخفي شعوره ومشاعره بل كان يفخر بإظهار هذه المشاعر والتعبيرعنها ؟؟؟
محمد صلى الله علية و سلم كان يحب زورجته خديجة وزوجته عائشة ، ،لكننا لا نجد في القرأن سورة باسميهما ،في حين نجد اسم مريم يتكرر في القرآن 44 مرة ،بل ثمة سورة كاملة باسم مريم!!! كما لانجد ذكرا لأسم فاطمة ولا الحسن والحسين مع شديد حبه لهم؟؟
لماذا؟!!!!!!
بماذا تفسيرين يا سيدة ناهد مثل هذا الغياب لوجدانية محمد صلى الله علية و سلم إذا كان القرآن من تأليفه؟؟؟؟؟؟؟
هنا تهتز عندي الفرضية الأولى وهي أن القرآن من كتابة محمد.
ولا أسقطها بالتأمل السابق فقط بل أسقطها به وبكثير غيره من التأملات والأدلة والبراهين. لكن يكفيني في هذا المقام أن أقول بناء على ماسبق إن الفرضية منذ أولى لحظات امتحانها العلمي تهتز.
وأنتظر منكِ إسنادها بتفسير ما سبق وتعليله.
ثم نتابع...
ودائما مع اختبار فرضية أن القرآن من تأليف محمد وليس وحيا !!
ثانيا :
هناك معطى آخر يشكك في هذه الفرضية ، يتمثل في حادثة الإفك :
لو تأملت أخي الكريم هذا الحدث ستجد أنه يكفي دليلا على كون القرآن ليس من تأليف محمد ،بل يستحيل عليه أن يكون من تأليفه.
وأنا كلما قرأت آيات الأفك أحسست بنبوة الحبيب المصطفى. وأذكر أنني كنت في مجلس كان أحد الأخوة يشرح لنا آيات الأفك ويستخلص منها الدلالات والضوابط الواجب توفرها داخل الجماعة المسلمة ،بينما كان تفكيري كله ملتفتا إلى شيء آخر ، إلى استحالة كون القرآن من تأليفه. فلو كان من تأليفه لأنزل آيات تبرئة سيدتنا عائشة في ذات اليوم ، ولم يكن ليترك الأشاعة الخسيسية تنتشر وتفعل فعلها في النفوس ، ويتأذى بها رسول الله نفسيا أشذ الأذاية.
وتعلم أن أقسى ما يمكن أن يمس الرجل هو التشكيك في عرضه.
فكيف يصبر محمد صلى الله علية و سلم كل تلك الأيام الطوال ينتظر نزول الوحي بالحق في شأن حادث الأفك ، ألم يكن سهلا عليه – والقرآن من تأليفه – أن يسارع إلى تبرئتها ؟!!!
فكيف تفسرين هذا مع القول أن القرآن من تأليفه؟!!!
ثالثا :
ثم نأتي الآن إلى شخصية محمد صلى الله علية و سلم ذاتها ،لماذا هذا الغياب الملحوظ لأسمه في القرآن بالمقارنة مع غيره من أسماء الأنبياء ،فمحمد صلى الله علية و سلم رغم أن سورة موسومة باسمه فهو لم يذكر في القرآن إلا خمس مرات ،بينما ذكر موسى 55 مرة ،وذكر عيسى عليه السلام باسمه 25 مرة .
فكيف يتم هذا التغييب لأسم محمد صلى الله علية و سلم وتحضر أسماء نبيي الديانتين اللتين لمحمد صلى الله علية و سلم خصومة واضحة مع أتباعهما؟!!!
رابعًا :(10/233)
- عدد الجذور الثلاثية للألفاظ القرآنية التي بدأت بالهمزة هو ( 76 ) جذرا وعددها في الصحاح للجوهري (187). بمعنى أن النص القرآن على وجازته استخدم 40% من جذور الألفاظ المبدوءة بالهمزة.
5. مجموع الجذور الثلاثية للألفاظ القرآنية هو ( 1640 ) وبالمقارنة نجد أن مجموع الجذور الثلاثية في الصحاح للجوهري هو (4814). بمعنى أن القرآن استخدم 34%.
وتأسيسا على ما سبق يتبين أن القرآن الكريم استعمل أكثر من ثلث الجذور الثلاثية للألفاظ العربية .
(أنظر إعجاز القرآن البياني ودلائل مصدره الرباني للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي ص332 ، دار عمار – الأردن طبعة: 2004م.)
على ماذا يدل هذا الثراء اللغوي؟؟؟
نعلم جميعا أن كل كاتب له معجم حاضر ذهنيا ، ويتمظهر في تعبيراته المكتوبة والملفوظة. وكل كاتب حتى ولو كان يعرف جميع دلالات ألفاظ العربية لن يستطيع بشكل تلقائي استعمالها كلها ولو كتب ألف مجلد.بل حتى ولو كتب مليون مجلد . وهذه آلية سيكولوجية معروفة في ما يسمى عند تشومسكي بنظرية "الكفاءة اللغوية".
فأي أديب مهما بلغ ثراؤه اللغوي واقتداره في التعبير لن يستخدم في الغالب أكثر من 5% من أصول كلمات اللغة ولو كتب كما سبق أن قلت آلاف المجلدات، فما معنى أن يستعمل النص القرآني أكثر من ثلث الكلمات العربية ؟
ولو تأملت كتابات العقاد مثلا ستجد كلمات تتكرر كثيرا ،ولو تأملت كتابات أي كاتب آخر ستجد نفس الشيء ،بمعنى أن اللغة غير قابلة للأمتلاك كلها على مستوى الأستعمال حتى ولو امتلكتها كلها على مستوى دراية مدلولات ألفاظها.
بناء على ذلك يشكل القرآن استثناء بين الكتب !!!
فكيف ينفرد محمد صلى الله علية و سلم بأن يتفوق على غيره من الكتاب فينسج نصا يحتمل بين دفتيه كل هذا الثراء اللغوي ؟؟؟؟؟
و هل هذا مقدور من جهة البشر ؟؟ أن يكتب كتابًا في حجم القرآن الكريم يحتوي بين دفتية على أكثر من ثلث اللغة الخاصة به ؟؟ و الغريب أنه صلى الله علية و سلم أمي لا يعرف القراءة و لا الكتابة !!!!
بل العجيب في الأمر أن هذا الثراء غير موجود حتى في أحاديثه التي صدرت منه رغم أن حجم وعدد أحاديثه أكبر من حجم القرآن !!
ألا يدل هذا على أن هذا النص الفريد الموجود بين دفتين لم يأت من محمد صلى الله علية و سلم ؟!!!
أضف إلى ذلك كم المعلومات الهائل الذي يملأ كتابًا في حجم القرآن الكريم !!
ناهيك عن أن النص ذاتة لا يقدر أن يأتي به البشر !!
خامسا:
وفي سياق القراءة اللغوية للنص القرآني ثمة أمر آخر إضافة إلى ما سبق وهو :
اختلاف الأسلوب بين الحديث والقرآن.
فلو راجعنا أساليب الكتاب والشعراء سنلاحظ أ ن لكل شاعر أو كاتب أسلوب محدد في الصياغة والتركيب . لكن نجد محمد صلى الله علية و سلم يمتاز عن غيره بنمطين أسلوبيين متباينين على نحو يقطع باختلاف وتباين مصدريهما.
فأسلوبه في قول الحديث مخالف لأسلوبه في نظم القرآن.هذا مع أنه في أحاديثه لم يكن مجرد متكلم عادي بل بلغ الفصاحة في الخطاب ،فكيف يقتدر محمد صلى الله علية و سلم على ما لم يقتدر غيره من الكتاب والشعراء؟
و الأمر عند علماء النفس أصلا من المستحيلات أن يحدث هذا الفصل !!
سادسا :
عندما نطق محمد بالقرآن تبين للعرب بوضوح أمران اثنان :
1- أنه خارق لمعهودهم في الخطاب . فلا هو شعر ولا هو نثر مسبوك فيما اعتادوه من أسليب الخطابة وصياغة الأمثال والحكم. بل هو متفرد في أسلوبه.لذا احتاروا في تصنيفه.وهذه الحيرة سجلها لنا القرآن في حديثه عن الوليد...
2- أنه بليغ في أسلوبه. لذا كانوا ينصحون غالبا بعضهم بعضا بأن لا يسمعوا للقرآن.
قد لا يحس القارئ المعاصر بجمالية البلاغة القرآنية ( و هذا نادر جدًا و قد نقول أنة لا يحدث ) . ولكن هذا متوقع لأن نظامنا التعليمي لم يستطع تكوين ذائقة لغوية سليمة لها آلياته العلمية التي تمكنها من فهم بلاغة الكلام والأحساس بها.
مثلما أن المبتدئ في اللغة الأنجليزية لن يحس بجمالية لغة مسرحيات شكسبير ، وهذا ليس عيبا في لغة شكسبير بقدر ما هو نقص في قارئها المبتدئ.
سابعا :
ثم إن محمد صلى الله علية و سلم عندما قرأ القرآن على قريش قرنه بالتحدي ، ونحن نعلم أن قريش قد جمعت قبائل العرب كلها ضد محمد صلى الله علية و سلم في غزوة الأحزاب لمقاتلة محمد صلى الله علية و سلم ، لذا أتساءل ألم يكن من السهل عليها أن تجمع فصحاء العرب وشعرائها لمعارضته؟؟!!!
لماذا لم تفعل مع أن الجزيرة العربية كانت معتادة في مجالس الشعر على التباري في المعارضة بين الشعراء ؟ لماذا لم تفعل مع أن محمدا صلى الله علية و سلم كرر التحدي مرة تلو مرة ؟؟
أليس الأمر مستغرب حقا ؟ ألا يدعو هذا إلى التفكير والتأمل ؟
قد تقول لقد حاولوا ولكن التاريخ لم يسجل محاولاتهم ؟(10/234)
نحن نعلم أنه حتى المؤرخين القائلين بأن التاريخ يكتبه المنتصرون ، يقولون إنه يتبقى دائما بين تلافيف التاريخ ما يؤكد خلاف رواية المنتصرين.ويكفي في نظرية التاريخ الصامت والتاريخ الصائت للمؤرخ الفرنسي الكبير بروديل إشارة إلى إمكان إعادة كتابة التاريخ الخفي ،باستنطاق الشروط المجتمعية في شموليتها وتنوعها .ومن ثم أقول ليست مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصرون دالة على أن المعطى التاريخي يكون دائما محفوظا من أي تأثير لغير المنتصر.
ودارس التاريخ ونظرياته يعرف بالتأكيد ما سبق.
لكن التاريخ سجل لنا محاولات عرب الجزيرة للرد على تحدي القرآن ، مثل محاولة مسيلمة مثلا ، وقد كانت هذه المحاولة بتخلخلها وسوئها وانحطاطها بلاغيا ودلاليا حجة على العجز عن معارضة القرآن.
لكن قد يقال بأن المؤرخين المسلمين قصدوا تسجيل هذه المحاولات الضعيفة التي قام بها مسليمة وغضوا النظر عن غيرها.
لكن هذا الاعتراض هو رجم بالغيب . نقابله بطلب هذه المحاولات ، ونعلم يقينا أنها غير موجودة.
لكن يكفينا هنا التأمل في محاولة معاصرة التي حاول القيام بها " مجموعة أورشليم " من المسيحيين المتخصصين في اللغة العربية ،فقد عكفوا على مشروعهم طيلة ستة عشر سنة من أجل معرضة القرآن بإعادة كتابة أفكار الأنجيل بأسلوب قرآني .
ومن بين أجمل نصوصهم المزعومة !! التي استحقت من القس شروش أن ينقلها عنهم ويستدل بها على تحقق معارضة القرآن هذا النص الذي أقوله لكم للتأمل ودون تعليق مني ،لأن في إيراده غناء عن الرد عليه:
" بسم الله الرحمن الرحيم. قل يا أيها الذين آمنوا إن كنتم تؤمنون بالله حقاً فآمنوا بي و لا تخافوا. إن لكم عنده جنات نزلاً. فلأسبقنكم إلى الله لأعدها لكم ، ثم لآتينكم نزلة أخرى ، و إنكم لتعرفون السبيل إلى قبلة العليا. فقال له توما الحواري: مولانا إننا لا نملك من ذلك علماً. فقال له عيسى: أنا هو الصراط إلى الله حقاً ، و من دوني لا تستطيعون إليه سبيلاً ، و من عرفني فكأنما عرف الله ، و لأنكم منذ الآن تعرفونه و تبصرونه يقيناً ، فقال له فيليب الحواري : مولانا أرنا الله جهرة تكفينا، فقال عيسى: أو لم تؤمنوا بعد و قد أقمت معكم دهراً ؟ فمن رآني فكأنما رأى الله جهراً " والنص كما هو ملحوظ مصاغ بناء على إنجيل يوحنا (14/1-6 ) .
ثامنا :
نجد في القرآن مرات عديدة إشارات غيبية تحققت ، ولم يتم تكذيبه ولو في واحدة . وهذا أمر مستغرب حقيقة . لأن الكهنة والمتنبئين يصيبون في واحدة ويكذبون في عشرات، بينما محمد لم يسجل قط له أن كذب في نبوءة وردت في القرأن أو في حديث من أحاديثه.
دعونا نأخذ أمثلة :
نجد في القرأن الكريم أن آيات كثيرة تعلن عن أن دين الأسلام سوف يظهر على غيره من الأديان وسوف يكون له الريادة والسيادة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون)..
وقد تحقق هذا .
هذا رغم كون القرآن ومحمد صلى الله علية و سلم كانا يقولان بهذا في لحظات استضعاف كماهوالحال في مكة ، وكما هو الحال في تلك الليالي العصيبة في المدينةوهم يحفرون الخندق ليحتموا من قبائل العرب التي جيشت كل قواها لإفنائهم ،في تلك اللحظات العصيبة جدا قال محمد بانتصار المسلمين على كسرى وقيصر .
وقد تحققت نبوءته !!
،قد يقال إن هذه نبوءات أطلقها محمد بذكائه لتشجيع أتباعه ، وهو يعلم أن أمرها متروك إلى سنوات مقبلة ،فإذا حدثت تم تصديقه وإذا لم تحدث لن يقع شيء لن يكذبه أحد لأنه يكون قد مات.
لكن هذا مردود عندما نجد أن محمد يعلن عن أمر غيبي سيتحقق في حياته كما هو الحال في فتح مكة.
بل أغرب من هذا إن محمد يعلن عن أمر غيبي في حق كافر يسمع ذلك الأمر ولا يستطيع ذلك الكافر المشرك أن يخالفه .فسورة "تبت يد أبي لهب " كما تعلم جاءت بأمر غيبي وهو أن أبا لهب سيموت هو وامرأته على الكفر.
والغريب أن مكة كلها بكل أذكيائها لم تخطر لهم على البال فكرة كانت ستكون مدمرة ومقلقلة لمحمد . وهو أن يمثل أبا لهب دور المؤمن بالآسلام. !!!!
من بين النبوءات التي قالها القرآن انتصار الروم على الفرس ؟،"غلبت الروم في أدنى الأرض ... الخ "
وتحققت النبوءة.
ثمة هنا احتمالات ثلاثة :
إما أن تكون سورة "تبت يد أبي لهب" و"سورة الروم " والآيات المخبرة بفتح مكة "قيلت قبل وبالتالي فهي تنبؤ غيبي تحقق.
وإما أن يكون محمد قد أضافها بعد انتصار الروم فعلا ، و بعد تحقق موت أبي لهب ،وفتح مكة .
والاحتمال الثالث: أن يكون جامعوا القرآن قد أضافوها ليثبتوا القدرة التبؤية بالغيب في القرآن.
ثلاثة احتمالات ،لو اختبرناها سنجد أن الاحتمال الوحيد المؤكد هو أن السور قيلت قبل تحقق ما تخبر به وجوديا ولم تضف بعديا .
لأنه :(10/235)
إذا كان محمد قد أضافها بعديا ،فإنه بذلك سيفضح نفسه بين أتباعه ،حيث سيعلمون أنه يكذب عليهم ،فقد عاشوا في مكة ولم تكن سورة أبي لهب قد تنزلت.وحدث انتصار الروم ، ثم ابتدع محمد نص الأخبار به ، وحدث فتح مكة ثم أخبر به..ومن ثم ستكون فعلته هذه دليلا على عدم نبوته لا العكس. ومن ثم يستحيل عليه أن يقدم دليلا على كذبه بهذا الشكل الفاضح.
يبقى احتمال أن يكون الصحابة الذين جمعوا القرآن أضافوها .
لكن هذا الأحتمال الثاني هو نفسه مستبعد ،فلا أحد كان قادرا على أن يغامر بنفسه ليضيف سورة بأكملها . ولماذا يضيفها ؟ هل ليوجد للأسلام مسلمون مؤمنون به وبنبوة محمد ؟؟
لقد حصل ذلك بالفعل ،ولم يكن الأمر محتاج إلى اختراع نبوءات وإضافتها إلى القرآن.
ثمة أفكار أخرى ،لكن نظرا لضيق الوقت و حتى يتم اختبار كل فكرة والتعمق في بحثها أقتصر على ما سبق.
وما سبق هو مجرد تأمل في ظاهرة النص القرآني ومقاربتها بإمعان التفكير في الفرضية القائلة بكونه من تأليف محمد صلى الله علية و سلم.
و الحمد لله رب العالمين .
===================
عصمته الرسول من أكل ما ذبح على النصب؟
من أكل ما ذبح على النصب، ودفع ما يتوهم عصمته عكس ذلك :
، لقى زيد بن عمرو 1- عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أن النبى سفرة( ) الوحى، فقدمت إلى النبى بن نفيل( ) بأسفل بلدح( ) قبل أن ينزل عليه فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد : إنى لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ، مما ذبح على النصب ما ذكر اسم الله عليه"( )، ففى الحديث تصريح بعدم أكله
- ، وزيد بن حارثة( ) مر بهم أما ما جاء فى حديث سعيد بن زيد بن عمرو أن رسول الله زيد بن عمرو، فدعوه إلى سفرة لهما، فقال : يا ابن أخى إنى لا آكل مما ذبح على بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب"( ) النصب، فما رؤى النبى
- وفى حديث وهو مردفى إلى نصب من الأنصاب، زيد بن حارثة رضى الله عنه قال : خرج رسول الله فذبحنا له شاة، ووضعناها فى التنور( ) حتى إذا نضجت، استخرجناها فجعلناها فى يسير، وهو مردفى فى أيام الحر، من أيام مكة، حتى إذ سفرتنا، ثم أقبل رسول الله كنا بأعلى الوادى لقى فيه زيد بن عمرو – فذكر الحديث مطولاً – وفيه : ثم قدّمنا إليه يعنى زيد بن عمرو – السفرة التى كان فيها الشواء، فقال : ما هذه؟ فقلنا : هذه شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا، فقال : إنى لا آكل ما ذبح لغير الله"( )
وفى رواية قال : "ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه"( ) فليس فى الروايتين ما يتعارض مع من أكل ما ذبح للأصنام، لأن قول زيد : "هذه شاة رواية البخارى السابقة من عصمته ذبحناها لنُصب كذا وكذا" تعنى الحجر الذى ذبحت عليه الشاة، وليس هذا الحجر بصنم ولا معبود، وإنما هو من آلات الجزار التى يذبح عليها، لأن النُصب فى الأصل حجر كبير. فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام، فيذبحون له وعلى اسمه! ومنها مالا يعبد، بل يكون من آلات الذبح، فيذبح الذابح عليه لا للصنم!
وهذا أكثر ما تحمله العبارة السابقة : أن يكون زيد بن حارثة ذبح شاة، واتفق ذلك الذبح عند صنم، كانت قريش تذبح عنده، لا أنه ذبحها للصنم!
فظن زيد بن عمرو أن ذلك اللحم مما ذبح لصنم، فامتنع لذلك حسماً للمادة، ولم يكن الأمر كما ظن زيد( )
ويكون بعد ذلك عن أكل شئ ذبح على النصب أى الحجر مثل امتناع زيد بن عمرو امتناع النبى حسماً للمادة
بعد ذلك هذا ولا يعنى قول زيد بن حارثة : "فما رؤى النبى قبل ذلك كان يأكل مما ذبح لصنم! كلا! وحاشاه أكل شيئاً مما ذبح على النصب" أنه من ذلك، ويؤكده ما جاء فى نفس الرواية السابقة من حديث زيد بن حارثة قال : "وكان صنماً من نحاس يقال له أساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله : "لا تمسه" قال زيد : فطفنا. وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله : "ألم تنه؟"( فقلت فى نفسى لأمسنه حتى أنظر ما يقول، فمسحته! فقال رسول الله )
عن استلام الأصنام ثم يذبح لها؟!( فكيف يعقل إذن أن ينهى رسول الله )
أما ما يستشكل من قول زيد بن عمرو : "إنى لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه" وهو ما يعنى أنه علم أن الشاة المذبوحة، إنما ذبحت على النصب الذى هو من آلات الذبح، ولم تذبح لصنم، ولكنه مع ذلك امتنع عن الأكل منها، لأنها لم يذكر عليها اسم كان أولى بهذه الفضيلة من زيد بن عمرو الله عز وجل، وهو ما يعنى أن رسول الله
أكل منها، وعلى تقدير أن يكون أكل، فزيد فالجواب : أنه ليس فى الحديث أنه إنما كان يفعل ذلك برأى يراه، لا بشرع بلغه، ولاسيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحداً من أهل الكتابين( )
وهو وإن كان على دين سيدنا إبراهيم، فشرعه على تحريم الميتة، لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، واستمر ذلك حتى جاء الإسلام( )
أما قول بعض خصوم السيرة العطرة : "بأن هذا جواب بارد، لأن فيه إدراك زيد لهذا الأمر الذى وافق فيه نظر الشرع"( )(10/236)
فأقول له : وأين نظر الشرع هنا فى إدراكه، وقد جاء النهى عن أكل ما ذبح إلى غير اسم الله عز وجل، بعد المبعث بمدة ولا}طويلة، ولم ينقل أن أحداً بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزل قوله تعالى : ( ) {تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق
أما زعمه بان إدراك مما لا يمكن قبوله، أو الالتزام به، لأنه يعنى أن زيداً كان أعقل زيد لذلك دونه وأعرف به( ) من النبى
فالجواب : أنه ليس فى إسناد فضيلة لزيد بن عمرو أو ،ولا ما يثبت تفضيله عليه. إذ من المسلم أنه لغيره، ما يعود بالنقض على رسول الله قد يكون فى المفضول من الخصائص ما ليس للأفضل، ولا يؤثر هذا فى أفضليته، لأن له من الخصائص ما يؤهله لاستحقاق الأفضلية. وهذا بديهى. وإلا فليخبرنا الرافضى، هل الفضائل والمناقب الصحيحة، بل وحتى الضعيفة والموضوعة التى تنسب لسيدنا على بن أبى طالب، أو غيره من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين تعنى أنه أو أنهم أعقل من سيدنا وأعرف منه، وأفضل منه؟!! أه رسول الله
من الحلف بأسماء هـ عصمته الأصنام التى كان يعبدها قومه، ويحلفون بها تعظيماً لها:
جاء فى قصة بحيرا باللات والعزى حينما لقيه بالشام فى سفرته مع عمه أبى الراهب أنه استحلف النبى يا غلام أسألك باللات طالب وهو صبى، لما رأى فيه علامات النبوة، فقال بحيرا للنبى والعزى إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون : "لا تسألنى باللات والعزى شيئاً، فوالله ما أبغضت بغضه بهما. فقال له النبى شيئاً قط"( )
وعن عروة بن الزبير رضى الله عنه قال : حدثنى جار لخديجة بنت يقول لخديجة : أى خديجة والله لا أعبد خويلد رضى الله عنها قال : سمعت النبى اللات أبداً، والله لا أعبد العزى أبداً، قال : فتقول خديجة خل العزى، قال : كانت صنمهم الذى يعبدون، ثم يضطجعون"( )
===================
شهادة المنصفين من أهل الكتاب والكفار وأعدائه له بالصحة والصدق:
وهذا من باب أن أقوى الشهادات على صحة الشيء شهادة الخصوم ؛ فأهل الكتاب والكفار مع شدة عداوتهم للقرآن ، إلا أن منهم من اعترف به ، وأقر بصدقه وصحته، وهذا الدليل مأخوذ من قوله تعالى:
( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( [الأنعام:114].
وقوله جل جلاله:( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ( [القصص:52-53].
وقوله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ( [الإسراء:106-108].
وقوله سبحانه : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [الأحقاف:10] .
وقوله تعالى (...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ( [المائدة:82-85].(10/237)
أخرج مسلم عن أبي ذر قَالَ:قَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ( بِثَلَاثِ سِنِينَ . قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ :لِلَّهِ . قُلْتُ :فَأَيْنَ تَوَجَّهُ ؟ قَالَ :أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي ،أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ ، كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ ،فَقَالَ أُنَيْسٌ :إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي . فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ (424)عَلَيَّ ثُمَّ جَاءَ ، فَقُلْتُ :مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ . قُلْتُ :فَمَا يَقُولُ النَّاسُ ؟ قَالَ :يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ –وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ –قَالَ أُنَيْسٌ :لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ ،وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . قَالَ قُلْتُ :فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ . قَالَ :فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ ،فَقُلْتُ :أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ ،فَقَالَ :الصَّابِئَ . فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ (425) وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ ،قَالَ :فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ . قَالَ :فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا ،وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ ...)(426).
(وأخرج ابن إسحاق والبيهقي(427) من طريق عكرمة ، أو سعيد عن ابن عباس :أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ،فقال :إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا ، فقالوا :فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقوم به ، فقال: بل أنتم فقولوا لأسمع . فقالوا :نقول كاهن . فقال :ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره . فقالوا :نقول : مجنون . فقال :وما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قال :فنقول: شاعر . قال :فما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر . قال :فنقول : ساحر. قال :فما هو ساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده . فقالوا :ما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال :والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمعذق وإن فرعه لجنى ،فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر . فتقولوا : هذا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه ، وبين المرء وبين أخيه ، وبين المرء وبين زوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عند ذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره ،فأنزل الله عز وجل في النفر الذين كانوا معه ، ويصفون له القول في رسول الله فيما جاء به من عند الله : ( الذين جعلوا القرآن عضين ( أي أصنافا ( فوربك لنسألنهم أجمعين ( أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله لمن لقوا من الناس ،قال :وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله ، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .
وأخرج أبو نعيم(428) من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، قال :أقبل الوليد بن المغيرة على أبي بكر يسأله عن القرآن ،فلما أخبره خرج على قريش ،فقال :يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا سحر ، ولا بهُذاء مثل الجنون ، وان قوله لمن كلام الله .(10/238)
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم(429) ، عن ابن عباس قال :قام النضر بن الحارث ابن كلدة ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ،فقال :يا معشر قريش ، إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله ، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا ، أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم : قلتم ساحر . لا والله ما هو بساحر ؛ قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن . لا والله ما هو بكاهن ؛ قد رأينا الكهنة وحالهم وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر . لا والله ما هو بشاعر ؛ لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم : مجنون . لا والله ما هو بمجنون؛ لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش انظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي(430) ، عن محمد بن كعب ، قال :حُدَّثْتُ أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم ورسول الله ( في المسجد :يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه ، فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضها ويكف عنا ؟ قالوا :بلى يا أبا الوليد . فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله ( ،قال عتبة :يا محمد أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فلم يجبه قال :فبم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا ،فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت ، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستعين بها أنت وعقبك من بعدك . ورسول الله ( ساكت ولا يتكلم ، حتى إذا فرغ عتبة ،قال رسول الله ( :يا أبا الوليد . قال :نعم . قال :فاسمع مني . قال :افعل . فقال رسول الله ( : بسم الله الرحمن الرحيم ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا ( فمضى رسول الله فقرأها عليه ، فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليهما ، يسمع منه حتى انتهى رسول الله إلى السجدة فسجد فيها ،ثم قال :سمعت يا أبا الوليد ؟ قال :سمعت. قال :فأنت وذاك . فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض :نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم ،قالوا :وما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي إني والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا السحر ، ولا الكهانة ،يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ؛ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . فقال :هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم)(431).
وهذه بعض شهادات المنصفين من المعاصرين :
-يقول إبراهيم خليل(432):( يرتبط هذا النبي ( بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح –عليه السلام- في قوله عنه:(ويخبركم بأمور آتية) ، وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم ، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان ، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه ؛ من طب وفلك و جغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف ..)(433) .
وقال : ( أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا ، لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية، وجاءني نفر من الناس وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه ؛ لآمنت برب العزة والجبروت خالق السماوات والأرض ، ولن أشرك به أحدا)(434).
وقال بلاشير(435): (إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً و يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة ، تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته من التحف ، إن الخليفة المقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المعارض الفظ في البداية للدين الجديد ،قد غدا من أشد المتحمسين لنصرة الدين عقب سماعه لمقطع من القرآن ، وسنورد الحديث فيما بعد عن مقدار الافتتان الشفهي بالنص القرآني بعد أن رتله المؤمنون )(436).
وقالت بوتر(437) :(عندما أكملت قراءة القرآن الكريم ، غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة ، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة )(438).
وقالت بوتر أيضا: (كيف استطاع محمد ( الرجل الأمي ، الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ،والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(439).(10/239)
قال بوكاي(440): (لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ،وذلك دون أي فكر مسبق ، وبموضوعية تامة بحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ،وكنت أعرف قبل هذه الدراسة ،وعن طريق الترجمات ،أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية، لكن معرفتي كانت وجيزة ،وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي ، استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها ، أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث ، وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل، أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول،أي سفر التكوين فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا ، وأما بالنسبة للأناجيل ،فإننا نجد نص إنجيل متي يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا،وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض)(441) .
وقال حتي(442) : (إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره،ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر ،ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه . هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)(443).
وقال أرنولد(444) :(.. (إننا) نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار (الإسباني) الذي عرف بتعصبه على الإسلام ،يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل ،حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به)(445).
ولقد ألف الدكتور مراد هوفمان –سفير ألمانيا السابق بالرباط- كتاب (الإسلام كبديل)(446)، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه ، وصدق النبي ( وكمال التشريع.
إلى آخر تلك الشهادات الطويلة على صدق القرآن وإعجازه .
قارن بين هذا الكلام وكلام نصر أبو زيد عندما يقول: (إن إعجاز القرآن ليس إلا في تغلبه على الشعر وسجع الكهان ، ولكنه ليس معجزا في ذاته)(447).
===================
ادعاء التناقض والتعارض بين الأحاديث
من القضايا التي يجب أن تكون مسلَّمة لدى كل مسلم أن دين الله محفوظ من التناقض والتعارض ، وشريعته منزهة عن التضاد والتضارب ، لأنها منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي لا تتضارب أقواله ولا تتنافر أحكامه .
فلا يمكن أن يوجد دليلان صحيحان من حيث الثبوت ، صريحان من حيث الدلالة يناقض أحدهما الآخر مناقضة تامة واضحة بحيث يتعذر الجمع والترجيح بينهما بحال من الأحوال
والقول بوجود تناقض بين أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما أن يأتي من عدم المعرفة بعلم الحديث ، بحيث لا يميز القارئ بين الصحيح من غيره ، فيورد التعارض بين أحاديث لا أصل لها ، أو يعارض حديثا صحيحاً بآخر مختلق موضوع ، وإما أن يأتي من عدم الفهم وضعف الفقه في حقيقة المراد بالنص .
وقد كان الإمام ابن خزيمة رحمه الله - وهو ممن اشتهر عنه الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض - يقول : " لا أعرف حديثين متضادين ، ومن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .
ولذا فإن من الأحكام الجائرة التي ألصقها المستشرقون وأذنابهم بالحديث وأهله ، دعوى التناقض بين الروايات والأخبار ، مما يجعل ذلك سبباً وجيها بزعمهم للتشكيك والطعن في الحديث النبوي .
فقالوا : " وضعت مبادئ شكلية زعم أصحاب الحديث أنها تستهدف تصحيح علل الحديث " أي : إزالة التعارض .
وقال " جوينبل " : وينبغي أن نذكر في هذا المقام أن مادة الحديث المروي كانت في الواقع أصل التنازع ، فالغالب أن ما في موضوع الحديث من هوىً هو الذي كان يثير المعارضة دائماً ، فالحكم النهائي لم يكن مقصوداً به قيمة المحدث ، وإنما كان المقصود به الحكم على مادة الروايات التي يرويها " .
ويذكر " ماكدونالد " أمثلة من الأحاديث المتناقضة بزعمه فيقول : " ونجد أحاديث تنص صراحة على أن محمداً كان لا يرضى عن الجدل في الدين ، بينما نجد أحاديث أخرى تصوره لنا مقبلاً على الجدال إقبالاً شديداً ، وكلا هذين النوعين مشكوك فيه على حد سواء ، وربما كان النوع الأول من هذه الأحاديث قد وضعه الذين ظلوا مدة طويلة يرفضون تحكيم العقل في هذه الأمور ، ويقنعون بما يصل إليهم عن طريق النقل " .
وقال أيضاً : " وكان من جراء الزيادات في الحديث أيضاً ، أن اشتد التناقض في صفات الله ، ولهذا نجد حديثاً يكثر وروده وهو " (( إن رحمتي تغلب غضبي أو تسبقه )) ، ونجد من جهة أخرى ذلك الحديث المخيف (( هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي )) .
وعقد " أبو رية " في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " فصلاً بعنوان " أحاديث مشكلة " ، ذكر فيه أحاديث استشكلها هو ، بعضها مرفوع وبعضها موقوف ، ومنها ما هو صحيح ومنها ما هو غير صحيح ، ليؤكد من خلال ذلك هذه الدعوى المفتراة .(10/240)
وهي تهمة في الحقيقة ليست جديدة ، فقد وجهها بعض أهل الأهواء إلى المحدثين من قديم ، وتصدى للرد عليهم أئمة الإسلام في ذلك الحين ومنهم الإمام ابن قتيبة الدينوري صاحب كتاب " تأويل مختلف الحديث " حيث تكلم في مقدمة كتابه عن الباعث له على تأليف هذا الكتاب ، وكان مما ذكر ما وقف عليه من ثلب أهل الكلام لأهل الحديث وامتهانهم ، ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف ، وكثرت النحل ....... إلخ .
ثم تبعهم على ذلك المستشرقون ومقلدوهم الذي رددوا هذه الدعاوى مغفلين أو متغافلين أصول المحدثين وقواعدهم في التعامل مع مثل هذا النوع من الأحاديث .
والواقع أن وجود تعارض في الظاهر بين بعض النصوص ليس بالأمر المستغرب ، ما دام فيها ما ليس منه بد من عام وخاص ، ومطلق ومقيد ، ومجمل ومفسِّر ، ومنسوخ وناسخ يرفع حكمه ، وليس بالضرورة أن يكون مردُّه إلى الوضع ، وقد ذكر العلماء وجوهاً كثيرة لأسباب اختلاف الحديث :
- منها تعدد وقوع الفعل الذي حكاه الصحابي مرتين في ظرفين مختلفين فيحكي هذا ما شاهده في ذلك الظرف ، ويحكي الثاني ما شاهده في ظرف آخر كحديثي ( الوضوء من مس الذكر ) ، و( هل هو إلا بضعة منك ) .
- ومنها أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز ، كأحاديث صلاة الوتر أنها سبع أو تسع أو إحدى عشرة .
- ومنها اختلافهم في حكاية حال شاهدوها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل اختلافهم في حجة الرسول ، هل كان فيها قارناً أو مفرداً أو متمتعاً ، وكل هذه حالات يجوز أن يفهمها الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لأن نية القران أو التمتع أو الإفراد مما لا يطلع عليه الناس .
- ومنها أن يسمع الصحابي حكماً جديداً ناسخاً للأول ، ولا يكون الثاني قد سمعه ، فيظل يروي الحكم الأول على ما سمع .
إلى غير ذلك من الأسباب .
ومع ذلك فقد تعامل المحدثون مع هذا النوع من الأحاديث ، ووضعوا له القواعد والقوانين التي تكفل عدم وجود تعارض أو تناقض بين أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما عرف بعلم " مختلف الحديث " ، وهو علم جليل القدر ، عظيم المنفعة ، يحتاج إليه العالم والفقيه ، ولا يمهر فيه إلا من وسع علمه ودق فهمه وثقب رأيه .
وهذه القواعد والضوابط هي من صميم منهج المحدثين في النقد ، ولها اتصال وثيق ومباشر بشروط قبول الحديث نفسها ، ولذلك تفرع عنها أنواع من علوم الحديث كالشاذ والمحفوظ ، والمنكر والمعروف ، والناسخ والمنسوخ ، والمضطرب والمعلل .
فالحديث المقبول إذا عارضه حديث ضعيف طُرِح الحديث الضعيف وحكم عليه بأنه منكر ، ويكون معارضه هو المعروف .
وأما إذا عارضه حديث من رواية الثقات - ولا نسميه الآن صحيحاً - فإننا ننظر في طبيعة النصين وفي دلالتهما .
فإما أن يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين ، وإبداء وجه من التفسير للحديث المشكل يزيل الإشكال عنه ، وينفي تعارضه مع غيره ، فيتعين المصير إليه ، وهذا هو الأكثر الأغلب في تلك الأحاديث .
ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام حديث (( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث )) ، وحديث (( خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء ))إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه .
فالأول : ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا ، والثاني : ظاهره طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم أقل ، فخُصَّ عموم كل منهما بالآخر .
ومن أمثلته في غير أحاديث الأحكام التعارض بين أحاديث إثبات العدوى كحديث (( لا يوردن ممرض على مصح )) و(( فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد )) وأحاديث نفيها كحديث (( لا عدوى ولا طيرة )) وكلها صحيحة ، حيث سلك العلماء مسالك شتى للجمع بين هذه الأحاديث بما يزيل التعارض والإشكال عنها .
وأما إذا تعذر الجمع بين الحديثين فلا يخلو الأمر من أحد حالين :
الأول : أن يتبين لنا بعد استعمال التاريخ أن أحد النصين جاء بعد الآخر وحلَّ محله ، فلا تعارض أيضاً ، لأن الشارع نسخ الحكم المتقدم بالحكم المتأخر ، فيُعمَل بالناسخ ويتُْرَك المنسوخ .
والثاني : أن لا تقوم دلالة على النسخ ، فيفزع حينئذ إلى الترجيح ، ويعمل بالأرجح منهما والأقوى ، ويكون هو " الصحيح " ويسمى أيضاً " المحفوظ " ، ويكون المرجوح " شاذاً " أو " معللاً " وهو المردود .
وقد عُني العلماء بأوجه الترجيح وأنواعها ، وتقصوها بجزئياتها وكلياتها حتى زادت جزئياتها على مئة وجه من أوجه الترجيح كما ذكر الإمام العراقي ، وجميعها يرجع إلى سبعة أقسام كلية ذكرها السيوطي في تدريب الراوي ، كالترجيح بحال الراوة ، ووجوه التحمل ، وكيفية الرواية ، ولفظ الخبر ، والترجيح بأمر خارجي ، إلى غير ذلك من وجوه الترجيح .(10/241)
ولم يكتف العلماء بتأصيل القواعد والضوابط في هذا الباب ، بل درسوا هذه الأحاديث دراسة تفصيلية ، فتناولوا كل حديث بالشرح ، وأجابوا عن الإشكالات التي قد ترد عليه وعلى النصوص الأخرى ، وذلك في شروحهم الحافلة التي صنفوها على كتب السنة ، وأفردوا لهذا اللون من الأحاديث مؤلفات خاصة ، جمعت الأحاديث المشكلة والتي ظاهرها التعارض ، مبينين وجه الصواب فيها بما يزيل أي إشكال ، ويرد على كل متخرص ، ومن تلك المؤلفات :
- اختلاف الحديث للإمام الشافعي
- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
- مشكل الآثار للطحاوي
- مشكل الحديث لأبي بكر بن فَورَك
وهكذا نجد أن البحث في موضوع التعارض والتناقض قد شمل كل جوانبه ، وعالج القضية علاجاً يزيل كل توهم حول الحديث الصحيح .
__________
المراجع :
- السنة المطهرة والتحديات د. نور الدين عتر .
- منهج النقد في علوم الحديث د.نور الدين عتر .
- السنة النبوية ومكانتها في التشريع د. مصطفى السباعي .
- الحديث والمحدثون محمد أبو زهو .
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
===================
دفع شبهات اللئيمة عن ذات الرسول الكريمة -أوزار النبي عليه الصلاه والسلام
تقول " ناهد متولي "
ش3 : و ماذا عن قوله سبحانه و تعالى (( ووضعنا عنك وزرك الذى انقض ظهرك )) ... ألا يدل ذلك على كثرة أوزار نبى الاسلام ) ؟!!
الرد : بعون الله سبحانه و تعالى و بحمدة نقول
فأما قوله تعالى ( ووضعنا عنك وزرك الذى انقض ظهرك ) فان معناه ليس كما ذكر المفسرين النصارى , بل كما بين المفسرون المسلمين للوزر المذكور فى الايه عده معان معا . منها ما اختاره ابو حبان وهو من ائمه اللغه العربيه الذين يدركون اساليب اللغه واسرارها وملخص ما قال ان ذلك كنايه عن عصمه النبى صلى الله عليه وسلم من الذنوب الكبيرة فمعنى ووضعنا عنك وزرك عصمناك من الاوزار التى من شأنها ان تقصم الظهور فلم يصدر عنك اى ذنب لا قبل النبوه ولا بعدها إلا أقل الصغائر التي فسرها القرآن الكريم و السنة النبوية فقط ( و لا تعتبر ذنوب ) وذلك حسن جميل تؤيده اللغه ويعضده العقل ومثال ذلك : تقول لغه للشخص العظيم الذى لا يستطيع زيارتك قد وضعت عنك عبئ الزياره بمعنى رفعتها عنك بالمره وان لم تحصل منه مطلقا . و قد تم رفع هذا الوزر فى حديث الملك الذى جاء الى رسول الله صلى الله علية و سلم و هو فى السادسة ليشرح صدرة و ينزع عنة بذرة الشيطان .. فهو عصمة من الوزر قبل اقترافة أصلا ..
وبعضهم فسر الوزر بما كان يجده النبى صلى الله عليه وسلم من الصعوبات الشديده التى كان يضعها المشركون فى سبيل الدعوه الى الله سبحانه و تعالى وجحدهم الشديد وعدم الاصغاء الى الحق الذى يخرجهم من الظلمات الى النور وهذا الامر كان حملا عظيما على عاتق النبى صلى الله عليه وسلم فقد كاد ان يهلك اسفا على عدم هدايه قومه وعنادهم فى أول الامر حتى قال له ربه( لعلك باخع نفسك على اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا ) .
وهذا هو معنى قوله تعالى ( ووضعنا عنك وزرك ) ولكن اين لمن لا يعلم أسرار اللغة و الصم البكم الذين لا يعقلون ان يفهموا هذه الاسرار والمعانى الدقيقه ويعلموا انه لا يصح الاحتجاج بأيه الا اذا كانت نصا فى المعنى المقصود بحيث لا تحتمل سواه , لآن الدليل اذا طرقه احتمال لا يصلح دليلا .
===================
الرد على فرية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان سبابا
أابن مريم
أعظم النصارى الفرية على رسول الله صلى الله عليه و سلم و وصفوه بأنه كان سباباً استناداً على حديث ورد فى الصحيح ولا يخدم اتجاهاتهم بحال و نصه:
حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان قال وما ذاك قالت قلت لعنتهما وسببتهما قال أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا
حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح و حدثناه علي بن حجر السعدي وإسحق بن إبراهيم وعلي بن خشرم جميعا عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث جرير و قال في حديث عيسى فخلوا به فسبهما ولعنهما وأخرجهما
___________________________
بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله:
نجيب تلك الفرية الكاذبة من جهات
أولا:
أن الحديث السابق يذكر موقفاً نادراً فريداً ، و لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يسب و يلعن المؤمنين أبداً… بل كان عليه الصلاة و السلام أطيب الناس و أرأف الناس حتى قال عنه تعالى بالمؤمنين رؤوف رحيم(10/242)
و قال عز و جل فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
و قال سبحانه وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
و قال عنه أنس رضى الله عنه (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فلا والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء لم أصنعه ألا صنعته؟ ولا لامني، فإن لامني بعض أهله قال: دعه، وما قدر فهو كائن أو ما قضي فهو كائن)
و قد أجمعت كتب السير على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أعظم الناس خلقاً فما كان باللعان ولا الفاحش ولا البذىء…
و عليه فمن الظلم البين أن ينسب وصف ما لرسول الله صلى الله عليه و سلم بناءً على موقف واحد له تفسيره الصحيح… فالوصف لا يلحق بالموصوف إلا بأن يكون عادة متأصلة فيه اشتهر بها …. و هذا لم يكن أبداً بل إن أم المؤمنين عائشة تروى لنا فى هذا الحديث فزعها و تعجبها مما فعله الرجلان فأغضبا به رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذه الطريقة !
ثانياً:
أن اللوم فى هذا الموقف لا يقع على سيد الخلق و امام المرسلين بل يقع على الرجلين الذين أغضبا رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد قال تعالى
وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ
ثالثاً:
أن المعترض بنى إعتراضه على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد لعن الرجلين بغير حق لقوله فى الحديث ( فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا ) ….
و هذا الفهم باطل يقيناً و قد أورد العلماء الردود على هذا و أرجحها ما نقله الإمام النووى فى شرح مسلم {أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى , وفي باطن الأمر , ولكنه في الظاهر مستوجب له , فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية , ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك , وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر , والله يتولى السرائر }
و يدعم هذا القول أمرين:
(1) أن النبى كما هو فى الحديث يشارط ربه و المشارطة بما فيها من بيان المكانة الرفيعة و معانى الرضا و القربة لا يتصور قيامها فى حالة الخطأ المتعمد من قبل شخصه الكريم إذ لو كان قد أذى أحد الناس بغير حق أو انتقاماً للنفس لكان الموضع موضع توبة و استغفار لا موضع مشارطة و عشم و رجاء ….
(2) أن راوى هذا الحديث هى السيدة عائشة رضى الله عنها و قد شهدت بنفسها رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ظلم أو غلظ على أى من المؤمنين بغير حق قط
فلما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم أجابت أعظم جواب فقالت ( كان خُلقه القرأن)
و قالت فى الحديث الأخر (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها)
صحيح البخارى- كتاب المناقب- باب صفة النبى صلى الله عليه و سلم
و بهذا تُفهم النصوص فى ضوء بعضها البعض باذن الله تعالى
رابعاً
أن النصارى يعترضون على موقف واحد من سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم التى نقلت البنا كاملة شاملة جميع أقواله و أفعاله و أحواله و امتلأت بها الكتب … و ينسون كم المواقف التى ثبتت فى كتبهم عن يسوع و سب فيها و لعن و فحش بيد أن هذه الاناجيل لم تتناول سوى فترة قصيرة جداً من حياته تترواح بين العام و النص و الثلاثة أعوام بل و حتى هذه الفترة تناولتها باختصار شديد جداً و مع هذا خرجنا منها بما يلى :
يسوع يسب أنبياء الله قاطبة
(( أنا باب الخراف وجميع الذين جاؤوا قبلي سارقون ولصوص ! )) (يوحنا7:10)
يسوع يسب المؤمنين من اليهود (الحواريين)
_ قال لبطرس كبير الحواريين : (( يا شيطان )) متى [ 16 : 23 ]
_ وشتم آخرين منهم بقوله : (( أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان ! )) لوقا [ 24 : 25 ]
_ بل شتم أحد الذين استضافوه ليتغدى عنده ، شتمه في بيته : (( سأله فريسي أن يتغذى عنده . فدخل يسوع واتكأ . وأما الفريسي فلما رأى ذلك تعجب أنه لم يغتسل أولاً قبل الغداء فقال له الرب : أنتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخبثاً يا أغبياء ! ويل لكم أيها الفريسيون ! . . . فأجاب واحد من النامسيين وقال له : يا معلم ، حين تقول هذا تشتمنا نحن أيضاً . فقال : وويل لكم أنتم أيها الناموسيون ! )) انجيل لوقا [ 11 : 39 ]
يسوع يسب المؤمنين من غير اليهود
سب المرأة الكنعانية المؤمنةو وصفهات بالكلبة لمجرد أنها ليست من بنى إسرائيل(10/243)
[ وخرَجَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ وجاءَ إلى نواحي صورَ وصيدا. 22فأَقبلَتْ إلَيهِ اَمرأةٌ كَنْعانِيّةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ وصاحَتِ: "اَرْحَمني، يا سيَّدي، يا اَبن داودَ! اَبنتي فيها شَيطانٌ، ويُعذَّبُها كثيرًا". 23فما أجابَها يَسوعُ بكَلِمَةٍ. فَدنا تلاميذُهُ وتَوَسَّلوا إلَيهِ بقولِهِم: "اَصرِفْها عنّا، لأنَّها تَتبَعُنا بِصياحِها!" 24فأجابَهُم يَسوعُ: "ما أرسلَني الله إلاّ إلى الخِرافِ الضّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ". 25ولكنَّ المرأةَ جاءَتْ فسَجَدَتْ لَه وقالَت: "ساعِدْني، يا سيَّدي!" 26فأجابَها: "لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ". 27فقالَت لَه المَرأةُ: "نَعم، يا سيَّدي! حتَّ? الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها". 28فأجابَها يَسوعُ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ، يا اَمرأةُ! فلْيكُنْ لَكِ ما تُريدينَ". فشُفِيَت اَبنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعةِ]
ولاحظ أن المرأة الكنعانية وفق هذا النص كانت مؤمنة بأن المسيح هو ابن داود المبشر به و أنه يملك باذن الله أن يساعدها و مع هذا اعرض عنها المسيح و قال أنه لم يرسل الا لليهود و حين توسلت اليه و تضرعت بذل لتنقذ ابنتها قال أنها كلبة لأممية ولا يجوز أن يؤخذ طعام الأبناء (اليهود) ليطرح للكلاب أمثالها، حينها تنازلت عن أخر قطرة فى كرامتها و انسانيتها فاعترفت على نفسها أنها كلبة تحت اقدام اسيادها تنتظر أن تأكل من فتات طعام موائدهم… حينذ و فقط حينئذ رضى عنها يسوع النصارى و اعتبرها صالحة!!
و يصف سائر الأميين بالكلاب و الخنازير و ينصح اليهود بعدم هدايتهم!
((لا تعطوا القدس للكلاب.ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم)) متى7: 6
و يسب معلمى الشريعة
قائلاً لهم : (( يا أولاد الافاعي )) متى [ 3 : 7 ]
_ وشتمهم في موضع آخر قائلاً لهم : (( أيها الجهال العميان )) متى [ 23 : 17 ]
مع أن بولس نفسه اعتذر حين سب أحدهم و قال ((«ما كُنتُ أعرِفُ، أيُّها الإخوةُ، أنَّهُ رَئيسُ الكَهنَةِ. فالكُتُبُ المُقَدَّسَةُ تَقولُ: «لا تَلعَنْ رَئيسَ شَعبِكَ«.)) أعمال23: 5
فإما أن بولس جاهل بنسخ الهه لرأيه و إما أن الهه خالف حكمه
فرية [سب الرسول لمعاذ بن جبل ] عندما قال له (ثكلتك أمك يا معاذ ) يقول النصارى ان هذا القول هو دعاء عليه بالهلاك والموت
والسلام عليكم
الجواب على هذا هو ما قاله الإمام النووى و نصه:
{أن ما يقع من مثل هذه الأدعية غير مقصود , بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية , كقوله : (تربت يمينك) , (عقرى حلقى) و ( لا كبرت سنك ) وفي حديث معاوية ( لا أشبع الله بطنك ) ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء , ........ وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان , ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه , وقد سبق و قيل لرسول الله : ادع على دوس , فقال : " اللهم اهد دوسا " وقال : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " والله أعلم }
فيجب قبل الحكم فهم مدلول اللفظ و مقصوده اللغوى فى بيئته الأصلية التى قيل فيها
===================
شبهة أمرت أن أقاتل الناس
يوضح د .عزت عطية أستاذ ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، المعنى الحقيقى لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذى يتغافل عنه أصحاب الاتجاه الواحد ,فنحن لا يمكن أن نستدل على موقف الإسلام فى مجال من المجالات ، من آية واحدة أو من حديث واحد ،لأن الآية والحديث كل منهما يمثل جزءا من الحقيقة ، ومن يفعل ذلك يكون كمن يقول بجزء من الآية كقوقله تعالى ( فويل للمصلين ) ثم يقول إن الله يتوعد المصلين بجهنم !
وفيما يختص بشأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .. فهو أمر يتعلق بالقتال ،وأساس القتال فى الإسلام قول الله تعالى ( وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ) و يقول عليه الصلاة و السلام ( لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية )..
فالاسلام ينظر إلى القتال على أنه عبس وأن القيام به لا يكون إلا عند الضرورة ، كما يقول الله سبحانه وتعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
فالقتال بالنسبة للمسلم مكروه شرعا وغير مطلوب شرعا إلا إذا اقتضت الضرورة كالاعتداء على النفس والأوطان ، فيقول الله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) فكان القتال ممنوعا قبل ذلك ثم أبيح للضرورة .(10/244)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل ).. يعنى للدفاع عن الدين فالسكون فى ذلك ضعف وجبن لا يليق بالإنسان ..وقوله ( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ) ..أى حتى يعترفوا بالتوحيد وما تقتضيه العبودية من العدل .
فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حلقة فى سلسلة طويلة عنوانها التعامل بين المسلم وغير المسلم ، وهو مقيد بكل هذه الحلقات فيما يتصل بفهم معناها كلها ، ومن هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عاهد المشركين وصالحهم لمدة طويلة ،وعاهد اليهود وتعامل المسلمون مع غيرهم سلما فى وقت السلم وحربا فى الحرب فى إطار قانونى يعترف العالم بنبله وسموه .
تعليق فضيلة الشيخ / بن باز على الحديث الشريف :
شرح حديث : أمرت أن أقاتل الناس الحديث؟
س : سائل يرجو شرح هذا الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله
ج : هذا الحديث صحيح ، رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى الحديث ، وهذا على ظاهره ، فإن من أتى بالشهادتين وهو لا يأتي بهما قبل ذلك ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة فإنه يعتبر مسلما حرام الدم والمال إلا بحق الإسلام ، يعني : إلا بما يوجبه الإسلام عليه بعد ذلك ، كأن يزني فيقام عليه حد الزنا ؛ إن كان بكرا فبالجلد والتغريب ، وإن كان ثيبا فبالرجم الذي ينهي حياته ، وهكذا بقية أمور الإسلام يطالب بها هذا الذي أسلم وشهد هذه الشهادة وأقام الصلاة وآتى الزكاة . فيطالب بحقوق الإسلام ، وهو معصوم الدم والمال إلا أن يأتي بناقض من نواقض الإسلام ، أو بشيء يوجب الحد عليه ، وهكذا قوله في الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله
هذا الحديث مثل ذاك الحديث : من أتى بالتوحيد والإيمان بالرسالة فقد دخل في الإسلام ، ثم يطالب بحق الإسلام ، فيطالب بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك ، فإن أدى ما أوجب الله عليه فهو مسلم حقا ، وإن امتنع عن شيء أخذ بحق الله فيه وأجبر وألزم بحقوق الله التي أوجبها على عباده .
وهذا هو الواجب على جميع من دخل في دين الإسلام أن يلتزم بحق الإسلام ، فإن لم يلتزم أخذ بحق الإسلام
http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=bz01568.htm
===================
شبهة الأستيلاء على قوافل قريش
http://www.islamweb.net/ver2/archive...t.php?id=82444
يلحظ الناظر في شبهات المستشرقين ومن تبعهم سياستهم في قلب الحقائق والنظر إلى الأمور بمنظار قاتم ، يُرى فيه الحق باطلاً ، والحسن قبيحاً ، والفضيلة رذيلةً ، متوصلين بذلك إلى مأربهم الدنيء من تشويه صورة هذا الدين وتزييف حقائقه ، وهذه هي طريقتهم المفضّلة في حربهم على الإسلام .
وسوف نستعرض في مقالنا هذا ، نموذجا لإحدى التشويهات المتعمدة والنظرات الجائرة للتاريخ الإسلامي .
لقد حاول المستشرقون ومن تبعهم إيهام الناس أن النبي صلى الله عليه وسلّم لجأ إلى السطو على قوافل قريش التي كانت محمّلة بأثمن البضائع ، رغبةً منه في التوسّع المالي ، وتكديس الثروات ، متناسين ما وُصف به النبي صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون معه من زهدٍ وتقشّفٍ طيلة حياتهم ، ويقول أحدهم واصفاً جيوش المؤمنين في العهد المدني قبل غزوة بدر : " ..وبدأت هذه السرايا باعتراض قوافل قريش والسطو عليها ، وأخذ ما أمكن من الغنائم منها " .
وللإجابة على هذه الشبهة ، ينبغي لنا أن نعلم تداعيات الأحداث وسرد تسلسلها التاريخي كي نفهم المناخ الذي ألجأ المسلمين إلى التعرّض لتلك القوافل ، ولأجل أن يتّضح للقاريء الكريم كيف تُقلب الحقائق وتُسمّى بغير اسمها .
إن الوضع الذي عاش فيه المسلمون في العهد المكيّ كان شديداً ، فقد ضُيّق عليهم من قبل صناديد قريش وكبرائها ، فقاموا بتعذيبهم والتنكيل بهم ، ومارسوا معهم كل أساليب الاضطهاد الديني والتعذيب الوحشيّ ، حتى فقدوا بعضهم ، وأكلوا أوراق الشجر ، وعاشوا حياةً مليئةً بالمصاعب والآلام ، فما كان للمسلمين بدّ أن يتخلّوا عن أوطانهم وديارهم ، فراراً بدينهم ، وطلباً لمكان يعبدون فيه ربّهم ، دون أن يتعرّض لهم أحد ، وصدق الله إذ يقول في كتابه : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } ( الحج : 40 ) .(10/245)
ومما يؤكد ذلك قول عائشة رضي الله عنها : " كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، مخافة أن ُيفتن عليه" رواه البخاري ، وعنها أيضا : " ..وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج – أي : لبيعة العقبة - ، فضيّقوا على أصحابه وتعبّثوا بهم ، ونالوا منهم مالم يكونوا ينالون من الشتم والأذى ؛ فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستأذنوه في الهجرة " رواه ابن سعد في الطبقات .
وعلى الرغم من ذلك ، لم تقف قريش مكتوفة الأيدي ، بل قامت بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين ، واستباحت ديارهم وأموالهم ، وليس أدل على ذلك من تجريدهم لأموال صهيب الرومي رضي الله عنه .
حتى إذا تم استقرار المسلمين في المدينة واستتبّ لهم الأمر ، أذن الله تعالى لهم بالقتال لمن ظلمهم وبغى عليهم ، قال الله تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } ( الحج : 39 ) ، فأُعلنت الحرب على قُريش ورجالاتها منذ تلك اللحظة ، ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالا عديدة ، يأتي في مقدّمها ما يُسمى بلغة عصرنا : " الحرب الاقتصادية " ، فلهذا كان المسلمون يتعرّضون لقوافل قريش ، ويقطعون طريقها .
يقول اللواء محمد جمال الدين محفوظ : " والضغط الاقتصادي من الأساليب التي لها آثار استراتيجية في الصراع ، وبدراسة الأعمال العسكرية التي تمت خلال العامين الأول والثاني للهجرة إلى ما قبل غزوة بدر ، يتّضح أن هدفها الغالب هو التعرّض لقافلة قريش على طريق تجارتها من مكة إلى الشام ، مما شكّل ضغطاً اقتصادياً على قريش التي أدركت أن هذا الطريق أصبح محفوفاً بالمخاطر ، وخاصةً بعد أن عقد الرسول صلّى الله عليه وسلّم الاتفاقات والمعاهدات مع القبائل العربية ، وأبلغ تعبير عن آثار هذا الضغط الاقتصادي قول صفوان بن أميّة لقومه : إن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل ، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه ، فما ندري أين نسلك ؟ ، وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا ، لم يكن لها من بقاء ، وإنما حياتنا بمكة على تجارة الشام في الصيف ، وإلى الحبشة في الشتاء " أ.هـ.
ويؤكّد ما سبق ، ما رواه الإمام الطبراني في معجمه أن أبا جهل قال في معرض كلامه عن سريّة سيف البحر : " يا معشر قريش ، إن محمداً قد نزل يثرب وأرسل طلائعه ، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ، فاحذروا أن تمرّوا طريقه وأن تقاربوه ، فإنه كالأسد الضاري ، إنه حنق عليكم " ، وهكذا أعادت قريش النظر في صراعها مع المسلمين بعد تلك الضربات الموجعة .
ولم تكن تلك الضربات هي المعتمد الإقتصادي لدى المسلمين ، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنشاء سوق منافسة لسوق اليهود في المدينة ، وسرعان ما ازدهرت تلك الحركة التجارية لتصبح مورداً قوياً لتلك الدولة الناشئة .
ثم لو كان المقصود من هذه الغارات الطمع في التوسّع المادي المجرد من القيم الأخلاقية ، لما روى لنا التاريخ في صدره الأول أمثلةً راقيةً لذلك الجيل ، تبيّن لنا ما وصلوا إليه من زهدٍ في الدنيا ، وتقلّلٍ من متاعها ، ولما وجدت في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلّم ذمّا لها أو تحذيرا من الافتتان ببهرجها وزخارفها.
ولما تضافرت النصوص النبوية نهياً عن كل مظاهر الإسراف والترف ، أو بياناً لعواقب المتكبّرين والمختالين ، أو ترغيباً بالجود والعطاء ، والكرم والسخاء ، والإيثار بكل صوره .
ثم إن المسلمين قد تحقّق لهم توسعٌ أكبر في دولتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وصار لها ثقل اقتصادي ضخم ، وموارد مالية عديدة ، فما زادهم إلا زهداً في الدنيا وما فيها ، وغدا الجميع كأسرةٍ واحدة ، يحنو بعضهم على بعض ، ويغيث الأخ أخاه ، ويتعاهده في حضرته وغيبته .
ولم تقتصر هذه المظاهر الإنسانية على أبناء ملتهم فحسب ، بل امتدّت لتشمل الآخرين من معتنقي الملل الأخرى ، وشواهد التاريخ أعظم دليلٍ على ذلك .
فخلاصة الأمر : أن التعرض لقوافل قريشٍ كان نوعاً من الحرب الاقتصادية عليها ، وكسراً لشوكتها ، وما ذلك إلا رغبةً في رد حقوق المسلمين المسلوبة وأموالهم المنهوبة ، وبهذا يتقرّر لنا أن هذه الشبهة المثارة ليس لها رصيد من الحقيقة ، ولا تجرّد من قائليها ، بل هي انحرافٌ ظاهرٌ في تقييم الأمور وتوصيف الأحداث .
===================
نسى آدم فنسيت أمته دليل على توريث الخطيئة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الرسول نسى آدم فنسيت أمته وجحد آدم فجحدت أمته وخطئ آدم فخطئت أمته
السؤال:- ما ذنبنا أن نرث طبع الخطأ والنسيان والجحود لأن آدم فعل ذلك؟؟؟
ألا يطابق ذلك قول النصارى الذين يقولون أن آدم عندما أخطأ ورثت ذريته الخطيئة من بعده حتى جاء المسيح وفداهم.
000000000000000000(10/246)
1- هذا الحديث فى سنده رجل ضعيف,وبالتالى فالحكم على الحديث أنه حديث ضعيف,,ومثل هذه الأحاديث لا ينظر لها فى باب الأحكام عموماً,فكيف إذا كانت فى باب الغيبيات والعقائد والتى يجب أن ناخذها من القرآن نصاً أو من الأحاديث الصحيحة.
2- الثابت من القرآن أن آدم عليه السلام نسى[ وعهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما]3- إنك نسيت أن آدم مخلوق أساساً ليعيش على الأرض [وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة] وأن الله قال [ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها] فكل نفس بشرية أودع الله فيها الفجور والتقوى وقال[ قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها]...وقال الله واصفاً الإنسان [ وهديناه النجدين] أى السبيلين سبيل الخير,وسبيل الشر
قال تعالى[ الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا]فالإنسان مخلوق لا ليكون ملكاً فلا يخطئ كالملائكة التى لا تقدر ولا تعرف طريق المعصية,ولكن هو مخلوق به جانبا الخير والشر ,حتى يميز الخبيث من الطيب, وحتى يؤجر الطائع ويعاقب العاصى
فإذا كنت أيها الإنسان لا تعصى أبداً,لأن الله لم يخلق فيك طاقة المعصية فلماذا تدخل الجنة إذن؟؟هل حاربت نفسك ؟؟هل وقفت أمام شهواتك؟؟هل حرمت نفسك من متعة محرمة حتى تؤجر بسببها وتدخل الجنة؟؟
4- أما فعل آدم فقد أراد الله به أن يتعرف على نفسه حتى لا يظن أن هيئته كهيئة الملائكة الموجودة فى الملأ الأعلى والذين سجدوا فور سماع الأمر حتى إذا ما نزل إلى الأرض نزل ومعه قوله تعالى[فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمىو قد كنت بصيرا قال كذلك أتتك أياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى]5- وعلى فرض صحة الحديث فقول نسى آدم فنسيت أمته ليس معناه أن نسيان آدم كان سبباً فى حدوث النسيان لأمته ولكن معناه أنه كما خلق آدم وفيه طبع النسيان,,كذلك نسله كان على هيئته
6- أما كلام النصارى أن الخطيئة تورث فهذا كلام غير صحيح [ ولا تزر وازرة وزر أخرى],,[ وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه]7- وإذا كان المسيح نزل لكى يخلص ذرية آدم من الخطايا التى أرتكبت قبله فما بال الخطايا التى أرتكبت بعده؟؟
لعلك علمت ضعف هذا الحديث وأنه لا يستدل به,,وأن الإنسان يحمل جانب الخير وجانب الشر ,,وقد دله على الخير ببعثة الأنبياء وبالكتب السماوية,,وحذره من الشر وفتح له باب الإستغفار والتوبةو,وضاعف له الأجر على العمل الصالح ولم يجازه بالسيئة إلا مثلها فليس هذا من أقوال النصارى فى شئ ولا شبيهاً به
والله اعلم
فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف [ أحد الدعاة فى مصر]
===================
شبهات حول الشفاعة
لا يختلف المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الشافع المشفَّع يوم القيامة، وأن الشفاعة - في الجملة - ثابتة بالكتاب والسنة، واتفق أهل السنة والجماعة على إثباتها في أصحاب الكبائر الذين ماتوا ولم يتوبوا من ذنوبهم، في حين خالف المعتزلة والخوارج فيهم وقالوا: إن الشفاعة المذكورة في الكتاب والسنة ليست سوى رفع الدرجات وزيادة ثواب المشفوع فيهم من المؤمنين، أما أصحاب الكبائر فهم كفار في نار جهنم خالدون فيها أبدا، واستدلوا على ذلك بأدلة سنعرض لها بالنقد والتمحيص، ولكن قبل ذلك نورد من أدلة أهل السنة ما يتضح به صحة مسلكهم وسلامة منهجهم، وأن النص والإجماع معهم لا مع من خالفهم:
دلائل الشفاعة :
أدلة الشفاعة الواردة في القرآن أدلة عامة غير مفصلة، تدل بمجملها على ثبوت الشفاعة يوم القيامة، وقد جاءت الأحاديث النبوية مصرحة بذلك، فمن تلك الأحاديث:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) رواه مسلم ، ولا شك أن من زنى أو سرق أو شرب الخمر لم يشرك بالله فهو ممن تناله الشفاعة إن شاء الله .
2- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال – بخطاياهم، فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر – أي جماعات - فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ) رواه مسلم .
3- حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي ) رواه الترمذي وأبو داود .(10/247)
4- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ) رواه البخاري ومسلم .
5- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما خيرني ربي الليلة، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة، قلنا يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها، قال: هي لكل مسلم ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .
فهذه الأحاديث وغيرها تثبت صراحة الشفاعة في أهل الكبائر، إلا أن المخالفين ردوا هذه الأحاديث بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تثبت بها العقائد، وأنها على فرض صحتها محمولة على رفع الدرجات وزيادة الثواب .
والجواب عن ذلك أن يقال: كيف يصح حمل الشفاعة في الأحاديث السابقة على زيادة الثواب ورفع الدرجات ؟! وهي مصرحة بخروج المذنبين من النار ، وأن خروجهم يكون بشفاعة الشافعين، وأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، كل ذلك يرد هذا التأويل ويبطله، أما دعوى أن أحاديث الشفاعة أحاديث آحاد فدعوى مردودة على أصحابها، إذ قد نص أهل العلم على تواترها، وممن نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، و السخاوي ، والقاضي عياض وغيرهم، ويقول الإمام الباقلاني في تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل:" والأخبار في الشفاعة أكثر من أن يؤتى عليها، وهي كلها متواترة متوافية على خروج الموحدين من النار بشفاعة الرسول وآله، وإن اختلفت ألفاظها .. وقد أطبق سلف الأمة على تسليم هذه الرواية وصحتها مع ظهورها وانتشارها، والعلم بأنها مروية من الصحابة والتابعين، ولو كانت مما لم تقم الحجة بها لطعن طاعن فيها بدفع العقل والسمع لها على ما يقوله المعتزلة، ولكانت الصحابة أعلم بذلك وأشد تسرعا إلى إنكارها، ولو كانوا قد فعلوا ذلك أو بعضهم لظهر ذلك وانتشر ولتوفرت الدواعي على إذاعته وإبدائه، حتى ينقل نقل مثله، ويحل العلم به محل العلم بخبر الشفاعة، لأن هذه العادة ثابتة في الأخبار، وفي العلم بفساد ذلك دليل على ثبوت خبر الشفاعة وبطلان قول المعتزلة " ا.هـ .
ويؤيد ما سبق ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينكرون على من أنكر الشفاعة، حيث ذكر من الآثار ما يؤيد ذلك فقال: " إن الخوارج - الطائفة المشهورة المبتدعة - كانوا ينكرون الشفاعة، وكان الصحابة ينكرون إنكارهم، ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة قال: ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة، فقال رجل: إنكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا، فغضب وذكر له - ما معناه - إن الحديث يفسر القرآن، وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال: من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها، وأخرج البيهقي في البعث .. عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: خطب عمر رضي الله عنه فقال: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار . ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال: قال أنس : " يخرج قوم من النار، ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج " ا.هـ ،
ومن خلال ما نقله الحافظ رحمه الله تعالى يتضح أن مسألة التكذيب بالشفاعة مسألة قديمة تصدى لها الصحابة رضوان الله عليهم، وبينوا زيفها وبطلانها.
ومع ذلك تمسك الخوارج والمعتزلة بنفي الشفاعة، واستدلوا بظواهر آيات من القرآن الكريم تنفي الشفاعة بإطلاق، فمن ذلك قوله تعالى: { فما تنفعهم شفاعة الشافعين }( المدثر: 48). وقوله تعالى:{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون }(البقرة:28)، وبقوله:{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون }(البقرة:123) وبقوله:{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون }(البقرة:254) وبقوله:{ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع }( غافر:18) .
والجواب على هؤلاء أن مقتضى الفقه في الدين، واتباع سبيل المؤمنين هو الأخذ بمجموع ما ورد في الكتاب والسنة وعدم اجتزاء نصوصهما، وعدم الأخذ ببعض الكتاب والإعراض عن بعض، فإن ذلك دليل هوى ومسلك زيغ .
ونصوص الشفاعة الواردة في الكتاب على أقسام:
القسم الأول: نصوص ترجع الشفاعة لله، كقوله تعالى: { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون }(الزمر:44).(10/248)
القسم الثاني: نصوص تنفي الشفاعة بإطلاق، كالآيات التي استدل بها من أنكر الشفاعة .
القسم الثالث: نصوص تنفي انتفاع الكافرين بالشفاعة، كقوله تعالى:{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين }(المدثر: 48)
القسم الرابع: نصوص تثبتها بقيود وتشترط لها شروطا، كقوله تعالى:{ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا }(مريم: 87 )، وقوله:{ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا }( طه: 109) وقوله:{ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له }(سبأ: 23) وقوله: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون }(الأنبياء:28)، ومجمل هذه الشروط التي تدل عليها الآيات السابقة هي: إيمان الشافع والمشفوع له، ورضا الله عنهما، وإذنه بالشفاعة .
ولا شك أن مسلك أهل العلم هو الجمع بين تلك الآيات وعدم اجتزائها أو الاستدلال ببعضها دون بعض، وعليه فالآيات التي تثبت أن الشفاعة لله جميعا لا إشكال فيها إذ مرد الأمر كله لله من قبل ومن بعد.
وأما الآيات التي تنفي الشفاعة بإطلاق فهي من المطلق المقيَّد، وتقييدها يكون بالآيات التي تثبتها بشروط، وتبقى الآيات التي تنفي انتفاع الكافرين بالشفاعة موافقة لعموم نفي الشفاعة، وهذا لا إشكال فيه، وبه تجتمع الآيات ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف، وهذا الجمع بين الآيات هو ما قرره العلماء ، يقول العلامة ابن الوزير اليماني في الروض الباسم: "قوله تعالى:{ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة }(البقرة:254), فأطلق نفي الخلّة والشّفاعة في هذه الآية عن كلّ أحد, ثمّ قيّده في قوله تعالى:{ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتّقين } (الزخرف:67), وقال تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون }( الأنبياء/28), فأثبت الخلّة والشّفاعة لمن اتّقى, ولمن ارتضى بعد أن نفاهما مطلقاً, وكذلك ما ورد في خروج أهل الإسلام من النّار من صحيح الأخبار "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على من أنكر الشفاعة لأهل الكبائر بناء على الآيات السالفة: "وجواب أهل السنة أن هذا يراد به .. أنها لا تنفع المشركين كما قال تعالى في نعتهم: { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين } فهؤلاء نفي عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا ". ويقول العلامة الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير قوله تعالى:{ واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون }(البقرة:48) قال : " { ولا يقبل منها شفاعة } ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بيّن في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض . أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع ".
واحتج الخوارج والمعتزلة أيضا على إنكار الشفاعة بأن مرتكبي الكبائر كفار مخلدون في نار جهنم، لا يخرجهم الله من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا بغيرها .
والجواب عن هذه المسألة - التي تعدُّ من أقدم مسائل الخلاف بينهم وبين أهل السنة - قد سبق في بحث تحت محور العقيدة بعنوان: " شبهات من كفّر أصحاب الكبائر " .
وبهذا نكون قد أوضحنا بالدليل والبرهان، أن الشفاعة ثابتة لعصاة الموحدين، وأنه ليس مع من أنكرها دليل عقلي أو نقلي صحيح.
ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام أن المسلم وإن أثبت الشفاعة في أهل الكبائر وآمن بها، فلا ينبغي أن يكون إيمانه بالشفاعة سببا في تهاونه في ارتكاب المعاصي والآثام، فإن يوما واحدا في نار جهنم ينبغي للعاقل أن يعمل له من العمل الصالح ما ينجيه منه، وأن يبتعد عما يقربه إليه والله أعلم.
===================
شبهة : معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة والرد عليها
بقلم د. جمعة بن علي الخولي
"...حدث في العام الخامس من الهجرة أن مر المسلمون بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل..."
بالنسبة لمعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة. لا نريد أن نتعجل الحكم ونقول إنه عليه الصلاة والسلام عالج الأمر بالعلاج الوحيد الذي لا ينفع غيره، أو حل عقدته بالسلاح الذي يناسبه.. لا نريد أن نتعجل الحكم بذلك قبل أن نقف على حيثياته وظروفه.. معروف أنه بمجرد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عقد بينه وبين اليهود الموجودين بها معاهدة رائدة بمثابة أقدم دستور مسجل في العالم[1].
كان من بنود هذه المعاهدة: أ- التزام كل من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الآخر في الداخل[2].(10/249)
ب- تعهد كل من الطرفين بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي وعلى اليهود أن يتفقوا مع المؤمنين ما داموا محاربين[3].
وحدث في العام الخامس من الهجرة أن مر المسلمون بظروف قاسية عندما تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة، وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل[4] من مشركي قريش وقبائل غطفان وأشجع وأسد وفزارة وبني سليم على حين لم يزد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل[5]، وكان المتوقع أن ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات الزاحفة على المدينة بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين الفريقين..
لكن الذي حدث هو عكس هذا، فقد فوجئ المسلمون ببني قريظة يخونهم في أخطر أوقات محنتهم ولم يرعوا للجوار حقاً، ولا للعهود حرمة، ولقد كانوا يسعون من وراء انضمامهم هذا إلى صفوف الأحزاب التعجيل بسحق المسلمين والقضاء عليهم قضاء تاماً. ولقد أحدث نقض بني قريظة لعهدهم مع المسلمين وإعلانهم الانضمام إلى صفوف الغزاة فزعاً شديداً في صفوف المسلمين لأنهم ما كانوا يتوقعون أن يحدث هذا في مثل تلك الظروف، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص أول الأمر على كتمان الخبر على المسلمين لما كان يخشى من وقعه على نفوسهم.
وبمجرد أن انتهى إلى سمعه النبأ أرسل وفداً مكوناً من سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير ليذكروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عهود، ويحذروهم مغبة ما هم مقدمون عليه، وأوصاهم قائلا: "انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقاً فألحنوا لي لحناً أعرفه. أي ألمحوا لي في الكلام تلميحاً دون تصريح، حتى لا يفت ذلك في عضد الناس، وأما إن كانوا على الوفاء بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.." فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم. وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبينه، فرجع الوفد وأخبر رسول الله تلميحاً لا تصريحاً. بأن قالوا له عضل والقارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أكبر، أبشروا يا معاشر المسلمين[6].
وهكذا ركب القوم رؤوسهم، وقرروا الانضمام الفعلي للغزاة، وأخذوا يمدونهم بالمال والعتاد.. وكانت خيانتهم الأثيمة تلك بمثابة طعنة للمسلمين من الخلف أشق على نفوسهم من هجوم الأحزاب من خارج المدينة، لأنهم ما كانوا يظنون أن يأتيهم الروع من مأمنهم الحصين، وعند ذلك عظم البلاء، واشتد الخوف. وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، وظهر النفاق من بعض المنافقين يفتون بذلك في عضد المسلمين ويرجفون به في المدينة، حتى أن أحدهم ليقول كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن أن يذهب إلى الغائط[7].
هكذا كان الوضع إبان معركة الأحزاب حتى لتصور السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ظروف المسلمين وقتئذ بقولها : "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد فيها قتال وخوف، شهدت المريسيع، وخيبر، وكتاب الحديبية، وفي الفتح، وحنين، لم يكن ذلك أتعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخوف عندنا من الخندق، وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري. فالمدينة تحرس حتى الصباح تسمع فيها تكبير المسلمين حتى يصبحوا خوفاً[8]، لكن عناية الله تدخلت لنصرة الإيمان وأهله وهزيمة الشرك وحزبه، وشاء الله أن يندحر ذلك التحالف الوثني اليهودي { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } (الأحزاب الآية 25).(10/250)
وبعد أن ولى المشركون وحلفاؤهم الأدبار، يحملون معهم كل معاني الإخفاق رجع المسلمون إلى منازلهم بالمدينة يغسلون أنفسهم من وعثاء الجهاد والتعب ويلتقطون أنفاسهم بعد قلق نفسي بالغ دام شهرا كاملا.. ويبدو أن البعض ظن أن الموضوع انتهى إلى ذلك الحد لكن أيترك الناكثون للعهود دون محاسبة وتأديب.. ذلك ما لا يكون.. وتأباه العدالة الإلهية، ولذلك كان عقابها عاجلاً، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء المرابطة في غزوة الأحزاب في بيت أم سلمة رضي الله عنها إذ تبدى له جبريل عليه السلام فقال: "أوضعت السلاح يا رسول الله، قال: نعم. قال: ولكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا أوان رجوعي من طلب القوم، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم[9]، فنادى عليه الصلاة والسلام في المسلمين "ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فسار الناس فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم[1] .. وتبعهم عليه الصلاة والسلام بعد أن استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وحاصر القوم شهراً أو خمسة وعشرين يوماً[11] ..
ولما طال عليهم الحصار.. عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ليخرجوا إلى (أذرعات).. بالشام تاركين وراءهم ما يملكون، ورفض عليه الصلاة والسلام إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط واستسلم يهود بني قريظة، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوكل عليه الصلاة والسلام الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس[12].
وفي اختيار سعد دلالة على حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد نظره، وإدراكه لنفسيات هؤلاء القوم، لأن سعدا كان حليف بني قريظة في الجاهلية، وقد ارتاح اليهود لهذا الاختيار، وظنوا أن الرجل قد يحسن إليهم في حكمه، لكن سعداً نظر إلى الموقف من جميع جوانبه. وقدره تقدير من عاش أحداثه وظروفه. وشاهد كروبه ومآزقه وعرف النذر المستطيرة التي تراءت في الأفق فأوشكت أن تطيح بالعصبة المؤمنة لولا عناية الله عز وجل التي أنقذت الموقف..
وسعد هو نفسه الذي شفع لديهم بادئ ذي بدء ليرجعوا عن غدرهم وغيهم، لكن القوم مضوا في عنادهم لا يقدرون للنتائج عاقبة، ولا يراعون الله في حلف ولا ميثاق، ولذلك لما كلم في شأنهم أكثر من مرة قال رضي الله عنه "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"[13].
وبعد أن أخذ رضي الله عنه المواثيق على الطرفين أن يرضى كل منهما بحكمه[14] أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح ففعلوا، ثم قال: "إني أحكم أن تقتل مقاتليهم وتسبى ذريتهم وأموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة[15]، أي سموات.. وأمر عليه الصلاة والسلام بتنفيذ الحكم فسيقوا إلى خنادق في المدينة، فقتل رجالهم وسبي نساؤهم وذرا ريهم ومن لم ينبت من أولادهم ولاقى بنو قريظة أسوأ مصير على أفظع خيانة.. وهذا مصداق قول الله عز وجل: { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } (الأحزاب الآية 26. 27)..
وهنا يحلو للبعض أن يتقولوا على الإسلام. وأن يتطاولوا على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاملته لبني قريظة ويعتبروا أن الإعدام الجماعي الذي تم لهؤلاء الناس يتسم بالوحشة والقسوة، وأنه كان من الممكن أن يعاقبوا بأي عقاب آخر كالإجلاء أو النفي..
ونقول لهؤلاء:
أولاً: ماذا لو أن نتيجة غزوة الأحزاب تمت حسبما كان يخطط لها بنو قريظة وأحزابهم، ألم تكن هي الإبادة التامة للمسلمين أجمعين.
على أن اليهود لم يقدِموا على هذا العمل الخسيس إلا بعد أن تكون لديهم ما يشبه اليقين بأنهم- بمساعدة المشركين- سوف يقومون بتدمير الكيان الإسلامي تدميراً كاملاً، واستئصال شأفة المسلمين استئصالاً كلياً، ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة[16] .
ولقد كانوا حريصين الحرص كله على المصير إلى هذه النتيجة. حتى لقد طلبوا من الأحزاب والمشركين أن يسلموا إليهم سبعين شاباً من أبنائهم رهائن عندهم ليضمنوا أن جيوش الأحزاب لن تنسحب من منطقة المدينة إلا بعد أن تفرغ من المسلمين وتقضي عليهم قضاء تاماً[17]..(10/251)
على أن اليهود ترددوا في الاشتراك مع صفوف المشركين في بداية الأمر وأخذ كعب بن أسد القرظي يقول لحيي بن أخطب الذي جاءه يغريه بالانضمام إليهم أخذ يقول له: "إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه[18] لكنهم لما تلقوا تأكيدات تفيد أن وضع المسلمين يائس، وأنهم لن يصمدوا طويلاً أمام تلك الأعداد الضخمة سارعوا بالانضمام إليهم، فاليهود - لا قدر الله- لو أمكنهم القدر من رقاب المسلمين ما ترددوا لحظة في القتل والإبادة تمشياً مع مزاجهم الدموي الذي لا يرى بأسا في قتال الآخرين واستحلال دمه { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (آل عمران الآية 75).
وفي سفر التثنية : "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريماً[19] أي تستأصلها استئصالاً.
ولذلك يعلق مولانا محمد علي، على هذا النص في كتابه ((حياة محمد ورسالته)) بقوله ((وهكذا حكم سعد وفقا للشريعة الموسوية بقتل ذكور بني قريظة وبسبي نسائهم وأطفالهم وبمصادرة ممتلكاتهم.. ومهما بدت هذه العقوبة قاسية، فقد كانت على درجة الضبط للعقوبة التي كان اليهود ينزلونها- تبعاً لتشريع كتابهم- بالمغلوبين من أعدائهم، فأي اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد لا شعوري للشريعة الموسوية، وتسليم بأن شريعة أكثر إنسانية يجب أن تحل محلها، وأيما مقارنة بالشريعة الإسلامية في هذا الصدد خليق بها أن تكشف- في وضوح بالغ- أي قانون رفيق عطوف رحيم قدمه الإسلام إلى الناس"[20].
ثانياً: أن اليهود لم يلقوا من المسلمين طيلة الأعوام التي تلت المعاهدة إلا كل بر ووفاء، كما شهدوا أنفسهم بذلك، فعندما ذهب حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد القرظي يغريه بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً[21].. لكنه لم يزل به حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد.
ثالثاً: هذا الحكم وإن كان صادراً من سعد بن معاذ، إلا أنه بمثابة الحكم الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو أقره، وتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله وفعله مما هو معروف عند أهل الحديث.. ورسول الله لا ينطق عن الهوى، فكأن ذلك هو حكم الله والرسول في هؤلاء الخونة الغادرين، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لسعد، لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة[22]، وفي رواية الطبري: لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله[23]..
ثم أليس جبريل عليه السلام هو الذي وقف على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يغسل رأسه إبان مرجعه من غزوة الأحزاب ويأمره بالمسير إلى بني قريظة ويقول له إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل أركانهم، وفي رواية: "قم فشد عليك سلاحك فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا[24]..
فعلام يدل هذا إلا أن يكون الهلاك التام والعقاب الصارم من رب العالمين لكل مجرم خائن. رابعاً: أن قانون أي دولة الآن يحكم بالإعدام على من يخون وطنه ويقيم اتصالات مع العدو أو يتجسس لحسابه، ويقول أحد الكتاب المعاصرين، لو درس الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن قوانين القرن العشرين لا تختلف في شيء عما أصدره سعد بن معاذ، لقد كان بين الرسول وبين يهود بني قريظة معاهدة تحفظ حقوق الفريقين وتقضي على كل فريق أن ينصر الآخر إذا واجهه خطر في حرب، ولكن اليهود تآمروا فانضموا إلى أعدائه وأوقعوه بين شقي الرحى في المدينة مصطليا بنار أعدائه المشركين من جهة واعتداء حلفائه اليهود في ساعته العسرة من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر ثلاث جرائم :
1- رفع السلاح ضد سلطان المدينة مع الأجنبي المعتدي.
2- دس الدسائس لدى العدو ضد المسلمين.
3- تسهيل دخول العدو للبلاد.
وقوانين العقوبات العصرية تجعل الإعدام عقوبة كل جريمة من الجرائم الثلاث[25].(10/252)
خامسا: قد يقال: كان من الممكن أن يعامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة كما يعامل القائد المنتصر رجال جيش عدوه الذي انهزم أَمامه واستسلم، أو يعاملهم كما عامل يهود بني النضير وبني قينقاع.. والجواب على ذلك أن بني قريظة لم يكونوا أسرى حرب حتى يميل بهم إلى الشفقة، ولم يكونوا في حالة حرب مع المسلمين، وإنما كانوا جيرانا متحالفين يشكلون مع المسلمين وحدة وطنية ملزمة بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي عدوان، لكنهم ظهروا أخطر من الأعداء، وشراً منهم، إذ يبيتون لأناس يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار، وواجبات الذمام، فكانوا بمثابة الخائن المتآمر المتواطئ مع العدو على أمته ووطنه في حالة الحرب القائمة وهذه خيانة عظمى ليس لها في جميع الشرائع إلا الإعدام السريع.. وموقفهم هنا يختلف اختلافا واضحا عن موقف بني قينقاع وبني النضير، فالأولون قد أبدوا البغضاء من أفواههم وأشاعوا الرعب والشكوك ورأوا في الدعاية المغرضة سلاحا لا يفل..
وبنوا النضير ائتمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحالفوا مع بعض المنافقين على المناجزة دون أن تتيح لهم الفرصة طريقا يصلون منه إلى التنفيذ، وهؤلاء وأولئك أَهون خطبا من الذين سلوا السيوف ووقفوا في صفوف العدو وأوقعوا الهلع في قلوب يحيط بها الروع من كل ناحية، فتعادل الكفتين بينهما طيش لا يقره إنصاف، وقد جلا بنو قينقاع وبنو النضير عن المدينة، فكانوا مثار القلق والفتنة ومبعث الضيق للمسلمين فهم الذين حزبوا الأحزاب وجمعوا القبائل مع المشركين ليوم الخندق فأعطوا بمؤامراتهم المزعجة محمداً درسا حاسما يحتم استئصال شأفتهم، وتتبع أفاعيهم في كل مكمن، ليطفئ لهيبا يستعر إذا هبت عليه الريح[26].
فعلى الذين يستبشعون الحكم على بني قريظة، ويصفونه بأنه كان قاسيا شديدا، عليهم أن يحيطوا علما بجوانب الموضوع وظروف القضية ليدركوا أن اليهود هم الذين جروا الوبال على أَنفسهم (وعلى نفسها جنت براقش) والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
----------
[1] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة د/ محمد حميد الله ط ثالثة سنة 1389.
[2] سيرة ابن هشام جـ1/51 ط ثانية سنة 1375.
[3] المرجع السابق.
[4] المرجع السابق جـ2/217 ط ثانية.
[5] السيرة لابن هشام جـ2/22 ط ثانية.
[6] السيرة النبوية لابن هشام جـ 2/222 ط ثانية.
[7] المرجع السابق. نفس الصحيفة.
[8] في ظلال القرآن جـ21/548 ط سابعة سنة 1391هـ.
[9] السيرة لابن هشام جـ2/232 ط ثانية.
[10] صحيح البخاري، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.
[11] تاريخ الرسل والملوك للطبري جـ2/583 والسيرة لابن هشام جـ2/234.
[12] تاريخ الرسل والملوك جـ2/586.
[13] المرجع السابق 587.
[14] تاريخ الرسل والملوك جـ2/587.
[15] الطبقات الكبرى جـ2/75 ط بيروت 1376.
[16] غزوة بني قريظة – محمد أحمد باشميل – 243.
[17] السيرة الحلبية جـ2/347 ط التجارية سنة 1382.
[18] عيون الأخبار لابن سيد الناس جـ2/59.
[19] سفر التثنية – الإصحاح العشرون 1: .
[20] حياة محمد ورسالته ص 175 نقلا عن غزوة بني قريظة / محمد أحمد باشميل 179.
[21] البداية والنهاية 4/13 ط 1966.
[22] السيرة لابن هشام جـ 2/24 ط ثانية.
[23] تاريخ الرسل والملوك جـ 2/587.
[24] عيون الأثر لابن سيد الناس جـ 2/68 ط دار المعرفة بلبنان.
[25] غزوة بني قريظة – محمد أحمد باشميل نقلا من مقال للدكتور محمد رجب البيومي بمجلة الحج العدد 12 السنة 88.
[26] المرجع السابق – 274.
عن موقع القلم
===================
رد الشيخ محمد الغزالي على شبهة تعدد زوجات الرسول عليه الصلاه والسلام
شبهة تعدد زوجات الرسول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
كل من قرأ بإنصاف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعرف سيرته لا يملك إلا أن يثني على هذا الرجل العظيم ،الذي أفنى حياته في سبيل الله ،وتبليغ رسالته ،والعارف بسيرته صلى الله عليه وسلم ليعلم أنه لم يكن صاحب شهوة ،فقد تزوج من السيدة خديجة وهو ابن خمس وعشرين ،وكانت هي في الأربعين من عمره،ولم يتزوج معها غيرها طيلة حياتها ،وقد ماتت وهو فوق الخمسين ،فهل من المعقول أن الزواج بعد الخمسين كان لشهوة،بعد أن أمضى زهرة شبابه مع امرأة عجوز؟!!
ثم إن الأمانة التي تحملها النبي صلىالله عليه وسلم لم تكن لتترك له فرصة أن يستمتع بحياته كمااستمتع الآخرون.
واللآئي تزوجهن الرسول صلىالله عليه وسلم كلهن باستثناء عائشة سبق لهن الزواج ،فلو كان يبغي الشهوة والجمال لتزوج الحسان ،وهو نبي الأمة !!
والقارئ لقصة زواجه ليعلم أنه ما تزوج لشهوة ،وإنما كان تخفيفًا عن اللائي تزوجهن،وحفاظا عليهن من صروف الزمان .
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :(10/253)
انطلقت هذه الشائعة بين الأوروبيين حتى كادت تكون بينهم يقينًا! قالوا: كان لمحمد تسع نسوة يتقلب في أحضانهن ويشبع شبابه المنهوم، لا يسأم من واحدة حتى يتجدد هواه مع أخرى.. وقالوا: إن ساغ ذلك لواحد من الناس فما يسوغ من داع إلى الروحانية يصل الناس بالسماء، ويحدثهم عن الله والدار الآخرة!.
إن هذا العشق المشبوب للمرأة له دلالة واسعة، فالرجل رجل دنيا وليس رجل دين، وما نصدق مزاعمكم معشر المسلمين عن تجرده وتقواه.
قلت: إذا كان ما قلتموه صحيحًا فما استنتجتموه حق! لكن هذا الذي ذكرتم لون من تحريف الكلم عن مواضعه يجعله أدنى إلى الكذب.. إن تاريخ محمد من ألسنة العدو والصديق يشهد بغير ما ذكرتم، فقد تزوج في الخامسة والعشرين من عمره بامرأة في الأربعين من عمرها، وظل معها وحدها قريبًا من ثمان وعشرين سنة حتى ماتت فأين هذه المتع التي تصفون؟.
عندما كان في الأربعين من عمره كانت شيخة في الخامسة والخمسين، وعندما كان في الثالثة والخمسين كانت تقترب من السبعين فأين الحسناوات اللاتي يتنقل بين صدورهن كما تزعمون؟ وهو كما يقرر العدو قبل الصديق لا يعرف إلا الوفاء للسيدة العجوز التي قضى معها شبابه كله.
ثم ماتت زوجته خديجة في عام أطلق عليه عام الحزن، فاستقدم إلى داره امرأة تقاربها في السن هي التي هاجرت معه إلى المدينة..
وصحيح أنه في السنوات العشر الأخيرة من حياته اجتمعت لديه نسوة أخريات! من هن؟ مجموعة من الأرامل المنكسرات أحاطت بهن ظروف صعبة، لم يشتهرن بالجمال ولا كان لهن من السن المبكرة ما يحدد الحياة اللهم إلا بكرًا واحدة بنت صديقه أبي بكر تزوجها توثيقًا لعلاقاتهما. وتزوج بعدها حفصة بنت صديقه عمر، ولم تعرف بجمال، بل بدا أن البناء بها بعد موت زوجها كان جبر خاطر ودعم مودة وجهاد!!..
وتزوج أم حبيبة المهاجرة إلى الحبشة، إنه لم يرها هناك بيد أنه يعرف إسلامها برغم أنف أبيها زعيم المشركين يومئذ، وبقاءها على الإسلام برغم أنف زوجها الضائع فهل يتركها في وحشتها وعزلتها؟ لقد أرسل يخطبها ويعز جانبها.
وكلما أحاطت ظروف سيئة بامرأة ذات مكانة، ضمها إليه، وما كان للشهوة موضع يلحظ، وأدركت النسوة القادمات هذه الحقيقة، وعرفن أن هذا الوضع فوق طاقة الإنسان العادي، فعرض بعضهن في صراحة أن يبقى منتسبًا للبيت النبوي مكتفيًا بهذا الشرف، ومتنازلاً عن حظ المرأة من الرجل، فإن الرسول آواهن مستجيبًا لنداء إنساني لا لبواعث الغريزة! أين مكان الغريزة والحالة على ما شرحنا؟
وفي استبقاء أولئك الزوجات على ما ارتضين نزلت آيات كريمة. منها قوله تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحها بينهما صلحًا. والصلح خير" ومنها قوله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء. ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك. ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن..".
إنه لا يستطيع إلا ذلك، فإن دوافع الشهوة كانت ميتة وراء هذا التعدد الذي فرضته أزمات أحاطت ببعض المؤمنات العريقات..
ولنفرض جدلاً أن الإعجاب بالجمال هو الذي أوحى بتزوج بعضهن، أفكانت أيام الحصار المضروب على الدعوة، والأزمات الخانقة التي يتعرض لها المسلمون عامة، وأهل البيت النبوي خاصة، تيسر للمؤمنين ونبيهم طعم الراحة؟ ما أشقى ربات البيت عندما يكون رب البيت أبًا لأمة كبيرة وملاذًا للمستضعفين واللاجئين وناشدي العون في الصباح والمساء، إنه يؤثر غيره بما لديه ويبيت هو واللاتي معه – على الطوى..
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله –صلى الله عليه وسلم-..
وعند مسلم قالت عائشة: لقد مات رسول الله وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين..
وعند الترمذي، قال مسروق: دخلت على عائشة فدعت لي بطعام وقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت! قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله الدنيا! والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم!
وعند البيهقي قالت: ما شبع رسول الله ثلاثة أيام متوالية، ولو شئنا لشبعنا، ولكنه كان يؤثر على نفسه!
وعند الطبراني ما كان ما كان يبقى على مائدة رسول الله شيء من خبز الشعير قليل ولا كثير! قال الحسن: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يواسي الناس بنفسه، حتى جعل يرقع إزاره بالأدم" ما أكثر العفاة الطارقين، يلتمسون المطعم والملبس!!(10/254)
وكان الناس ربما اقتحموا البيت النبوي قبل إعداد الطعام بوقت طويل، أو جلسوا بعد الفراغ منه وقتًا طويلاً، ولا ريب أن ذلك كان يشق على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويجد منه الحرج فلم يكن بد من تنزل الوحي الإلهي يضع نظامًا صارمًا لهذا التسيب قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق..".
إن زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- تعبن معه طويلاً في خدمة المجتمع وتعليم الناس ومعاونة الضعفاء واستقبال الوفود.
وكان مألوفًا أن يصحو النبي للصلاة، ويصلي بالناس في المسجد ثم يعود إلى بيته ليسأل عن شيء يفطر به فلا يجده فينوي الصيام.. وربما وجد بعض الخل فلا يضجر ولا يشقى بل يقبل عليه راضيًا قائلاً: نعم الأدم الخل..!! هذا هو نهج الحياة التي يزعم الأوربيون أنها كانت تلذذًا بالنساء واستمتاعًا بالدنيا بين أحضانهن.. أين هذه الدنيا الناعمة؟؟
وقد ذكر كتاب السيرة جميعًا كيف ضاقت الزوجات بهذا الشظف، وكيف اجتمعن على المطالبة بتغييره، وكيف تطلعن إلى حياة أهدأ وأهنأ.. فلما بوغتن بالرد الصارم: هذا أو الفراق! ثابت إلى نفوسهن مشاعر الإيمان وآثرن انتظار الآخرة، والعيش في ظل النبوة المكافحة على استعجال الطيبات في هذه الدنيا..
كان مفروضًا على بيت الوحي أن يعيش كأضعف بيت في الدنيا، وأن يتحمل المقيمات به كل ما يتحمله المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وعاشوا من بعد على ما تيسر..
وكافأهن الله سبحانه على هذا البذل، بأن صرن أمهات للمؤمنين، وهو لقب –كما رأيت- فيه من التكليف مثل ما فيه من التشريف..
أكانت هناك ديانة أرضية أو سماوية تنهي عن تعدد الزوجات؟ أو ترى فيه أدنى شائبة؟ لا، بل إن أنبياء العهد القديم ألفوا التعدد دون حدود! والمذكور عن سليمان وحده أنه تزوج بثلاثمائة امرأة.
وليس في النصرانية نهى عن التعدد، وقد حكى "ويل ديورانت" في قصة الحضارة عن آثام الأحبار والرهبان ما يثير الاشمئزاز! فلنترك الدين إلى الفلسفة! ولننظر إلى فلاسفة الإغريق لنرى كيف يعيش قادة الفكر القديم..!
وقد كنت راغبًا عن ذكر هذه الدنايا، ولكني رأيت الطاعنين في محمد يجمعون بين قلة الحياء وكثرة الافتراء فقلت: ما بد من حمل العصا..
كتب ماجد نصر الدين في صحيفة اللواء الأردنية مقالاً عنوانه "لماذا ينهل المثقفون من تراث موبوء بالشذوذ؟" نقتطف منه هذه الجملة "إن الفلاسفة الذين يعتبرهم البعض مثله الأعلى هم لواطيون، شاذون جنسيًا، يفخرون بشذوذهم، ويتباهون بمضاجعة الغلمان!! وقد كرهت امرأة سقراط رجلها وعافت عشرته لتعلقه بأحد تلاميذه، وقس على ذلك أفلاطون الذي تعرف على سقراط وهو صغير، وسقراط مشهور بهذا الداء ومتهم بإفساد الشباب..
ويزعم أرسطو أن نسبة الشواذ في عصره تعادل نسبة الطبيعيين وقد جرت على لسانه عبارات لا نجرؤ على نقلها هنا. وتقول مؤلفة "الجنس في التاريخ: إن معظم المجتمعات حرمت اللواط، أو تجاهلته إلا اليونان، فإن البغاء المذكر كان شائعًا، ويمكن استئجار الغلمان!".
والحضارة الغربية الحديثة ورثت عن اليونان والرومان مباذل وضيعة مخزية، ومع ذلك فهي تتغافل بخبث عن عللها، وتتناسى الدنس الذي تصبح فيه وتمسى، وتبسط لسانها بالأذى في سيرة أمير الأنبياء، ومعلم الأمم الطهر والعفاف!!
ربما قال قائل: آمنا بأن تعدد الزوجات كان مألوفًا في الديانات الأرضية والسماوية حتى جاء الإسلام فوضع عليه القيود، فلماذا لم يلتزم نبي الإسلام بالعدد الذي وقف المسلمين عنده؟ ألم يجيء في الأحاديث الصحاح أنه أمر رجلاً لديه عشر زوجات أن يمسك أربعًا ويسرح الباقيات؟
قلت: سؤال صحيح! فلنتدبر الإجابة عليه! إن النسوة الست التي طلقهن صاحب العشرة سيتركن بيته ويجدن بيوتًا أخرى، فلهن حق الزواج ممن أحببن، ولا حرج على أحد في التزوج منهن!.
لكن ماذا عسى يفعل زوجات الرسول إذا كان الوحي قد نزل من قبل يقول للمسلمين: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا".
لقد صرن أمهات للمؤمنين وفق النص القائل: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهن وأزواجه أمهاتهم.." وما كان لمؤمن أن يتزوج أمه! فهل يسوغ بعد هذا تسريحهن ليعشن في وحدة وإياس؟
ولنفرض زورًا أن تسريحهن مطلوب فهل هذا هو الجزاء الإلهي لنسوة تحملن مع صاحب الرسالة شظف العيش ومشقات الحصار المضروب على أمته؟
لقد اخترن البقاء معه عندما خيرهن، وأبين العودة إلى أهلهن في بيوت أملأ بالسمت والعسل، وحملهن الإيمان على البقاء في جو التهجد والصيام والكفاح مع النبي الذي انتصب لمقاومة الضلال في العالمين، فهل يكون الجزاء بعد هذا الوفاء الخلاص منهن؟(10/255)
إن الله أذن ببقائهن، والاقتصار عليهن، وصدر لهن تشريع خاص "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن، إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبًا".
وإن أسائل الهاجمين على محمد من خلال هذه الثغرة المزعومة في حياته: أهي محاكمة خاصة لهذا الإنسان الشريف؟ ومحاولة متعمدة للنيل منه وحده؟ أعرف أن مساءات كثيرة وجهت لأنبياء من قبله، وتعرض الرجال الصالحون لأقبح التهم! ألم يتهم النبي الطاهر لوط بأنه زنى بابنتيه كلتيهما بعد ما أفقدته الخمر وعيه وأنجب منهما؟ ألم يتهم النبي يعوقب بأنه سرق منصب النبوة من أخيه الأكبر عيصو بعد عملية احتيال ماكرة على أبيه الذي كف بصره؟ أم يتهم سليمان بأنه انطلق في شوارع القدس يبحث عن الحبيب المجهول ليأخذه إلى فراشه، مع أن عنده ألف امرأة؟ إن هذا البحث الماجن استغرق عدة صفحات مليئة بجمل طائشة تحت عنوان نشيد الإنشاد الذي لسليمان! من شاء قرأه في العهد القديم.
ومع جنون الاتهام الذي سيطر على كاتبي هذه الصحف، فإن المتهمين بقوا أنبياء مكرمين! أما سليمان فقد جعله اليهود ملكًا، ولكن أي ملك؟ إنه باني الهيكل الذي يجب أن يعاد بناؤه ليكون مسكنًا للرب يتجلى فيه بهاؤه ويحكم العالم كله من سدته بوساطة شعبه المختار من بني إسرائيل!
أما محمد الصوام القوام لله طوال حياته، والذي جمع آخر عمره بضع نسوة من الأرامل والمصابات عشن معه على مستويات الضرورة، وتمحضن لله والدار الآخرة فهو وحده الذي يستباح وتتوارث الضغائن عليه، ويتجمع حلف الأطلسي لحماية شاتميه!!
ومن أولئك الشاتمون الغاضبون؟ أهم رهبان وقذتهم العبادة وكبتوا حب النساء في دمائهم فهم يشتهون ويميتون شهواتهم ابتغاء رضوان الله كما يزعمون؟ كلا، إنهم أفراد وشعوب شربوا كؤوس الشهوات حتى الثمالة، ولم يتركوا بابًا للذة إلا افتتحوه دون تهيب أو حياء.
وحضارة أوروبا تميزت بأنها يسرت للدهماء من المتع ما كان حكرًا على الملوك والرؤساء فأضحى الصعلوك قادرًا على الاتصال بسبعين امرأة كلما ذاق جديدًا طلب مزيدًا ما تحجزه عن دناياه تقاليد ولا قوانين، وفي هذا الوسط من الدنس يذمون محمدًا وينالون منه! أي منطق هذا المنطق الجائر الظلوم؟
إن الإسلام لم يأمر بتعدد الزوجات، فإن الزواج ليس نشدانًا للذة فقط وإنما هو قدرة على التربية ورعاية الأسرة، فمن عجز عن ذلك كلفه الإسلام بالصوم، ونحن نوجه للأوروبيين سؤالاً لا مهرب منه: هل التعدد الذي أذن الإسلام به أفضل أم الزنى.
إنني أسائل كل منصف صادق: هل المجتمعات الأوروبية تكتفي بالواحدة أم أن التعدد قانون غير مكتوب يخضع له الكثيرون؟ وثم سؤال آخر: هل الضرورات هي التي تدفع إلى التعدد الحرام أم إن الإثارات المتعمدة في الاختلاط المطلق وفي تقاليد الرقص التي لا آخر لها من وراء هذا الفيضان من العلاقات الآثمة؟؟
وأختم هذا القول بسؤال حاسم: هل وعي التاريخ الجاد سيرة رجل أعف خلقًا وأشرف ثوبًا وأغير على الحرمات وأبعد عن الشبهات من محمد؟ ..؟.
هل حكى عن أحفال في بيته رصت فيها الموائد وعليها زجاجات الخمور، وأطايب الأطعمة، وأنواع المشهيات والهواضيم؟
لقد كانت عيدان الحصير تنطبع على جلده وهو نائم، أو جالس، فإذا ظفر مع أصحابه بالخبز واللحم عد ذلك من النعيم الذي يسأل الناس عنه يوم القيامة!!
فهل هذا النبي الفارس المخشوشن الجلد يوصف بأنه من أصحاب الشهوات ومن الذي يصفه؟ الذين ابتلاهم الله "بالإيدز" بعد ما ابتلاهم بالزهري وغيره من أمراض الإسفاف والإسراف والسقوط!!
وطاولت الأرض السماء سفاهة وعيرت الشهب الحصا والجنادل!
وقال السها للشمس أنت ضئيلة وقال الدجى للصبح: لونك حائل!
فياموت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
والله أعلم
===================
شبه حديث رأيت القَسّ
ابن مريم(10/256)
ذكر القاضي ابن الطيب اختلاف الناس في أول ما نزل من القرآن فقيل : المدثر وقيل : اقرأ وقيل : الفاتحة . وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن أبي ميسرة عمرو بن شَرَحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : ( إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً ) قالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث . فلما دخل أبو بكر - وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم - ذكرت خديجة حديثه له قالت : يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده فقال : انطلق بنا إلى ورقة فقال : ( ومن أخبرك ) . قال : خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه فقال : ( إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض ) فقال : لا تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني . فلما خلا ناداه : يا محمد ! قل { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين - حتى بلغ - ولا الضالين } ، قل : لا إله إلا الله . فأتى ورقة فذكر ذلك له، فقال له ورقة : أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، وإن يدركني ذلك لأجاهدن معك . فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد رأيت القَسّ في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني ) يعني ورقة . قال البيهقي رضي الله عنه : هذا منقطع . يعني هذا الحديث، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزل عليه { اقرأ باسم ربك } . و { يا أيها المدثر }
===================
لماذا حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر ، وسمل أعين العرنيين؟
اليكم السؤال والأجابة كما هى ننقلها لكم
بسم الله الرحمن الرحيم ..
بعد الدعاء لكم بالتوفيق لجهودكم فسؤالي عن عدة نقاط وأرجو الإجابة عليها بشكل واضح جزاكم الله خيرا :1 -قبل أيام دخلت في نقاش مع أحد النصارى و الذي كان يتهم الإسلام و الرسول صلى الله عليه و سلم بعدم الرحمة و ادعى أن الرسول صلى الله عليه و سلم قام بعد حصار اليهود في موقعة خيبر قام بتعذيب الأسرى و قتلهم و استدل بحديث ادعى أنه من صحيح البخاري و قال إنه مذكور في الحديث أنه (أقامهم في الحرة و سمرت أعينهم)
و قد سمعت بهذا الحديث من قبل و لكن سؤالي هو هل هذا الحديث ورد في يهود خيبر و إذا كان كذلك فهل عذبهم الرسول فعلا وإن فعل فلماذا ؟
وهل هو حديث صحيح أصلا أم لا و كيف نرد على من ادعى أن الرسول صلى الله عليه و سلم ليس برحيم وأنه اتهم المرأة بأنها نجس ؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وذلك لدورهم السيئ في تحريض الأحزاب ضد المسلمين، وإثارة بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصالهم بالمنافقين المتآمرين. وما ذكر محاورك النصراني من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتعذيب الأسرى وقتلهم كذب، وإنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم كنانة بن الربيع، حين خالف بنود الصلح وأخفى كنزاً عنده لبني النضير، فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟" قال: نعم. فلما وجد المسلمون الكنز أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بقتله. وأما حادثة سمل الأعين فليست في هذه الغزوة قطعاً، وإنما هي في العرنيين الذين قتلوا رعاة الإبل واستاقوها.
وحديثها صحيح أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا وقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا" وقد فعل بهم صلى الله عليه وسلم هذا الفعل لأنهم كانوا قد فعلوا ذلك بالراعي، فكان قصاصا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) .
وأما القول بنجاسة المرأة ونسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الكذب البين.(10/257)
فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فمي. فهذا الحديث صريح في إباحة أكل الحائض وشربها مع زوجها، وأن لعابها طاهر، وأن الحيض لا يجعل الحائض ولا شيئاً منها نجساً. واليهود هم الذين يقولون بنجاسة المرأة في الحيض. روى مسلم عن أنس أنه قال: إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت (أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد) فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) فقال صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبين هذا الحديث الصحيح أن معنى الآية أي :اعتزلوا وطأهن ولا تقربوه. وما سوى ذلك من المؤاكلة والمجالسة والسكن في بيت واحد فكل ذلك مباح.
وأما القول بأنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم فهو من الافتراء والكذب للطعن فيه صلى الله عليه وسلم، وليست هذه القضية جديدة في ساحة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، بل هي قضية متلازمة مع الحركة الإسلامية في كل زمان ومكان، فقد قام أعداء الدعوة الإسلامية في مهدها الأول -وهم مشركو قريش - بوسم الرسول صلى الله عليه وسلم بكل الصفات السلبية، وبعد انتقال الدعوة إلى المهد الثاني وهو: المدينة المنورة حمل لواء العداء لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيه الشبهات والمطاعن لها أعداء الدعوة الجدد وهم: اليهود والمنافقون.
وقد دافع الله تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم ورد كل الشبهات والافتراءات بأبلغ الردود، وفندها بأوضح البراهين والحجج.
وللرد على أنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم، يقول تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [الأنبياء:107] وسيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله والمسلمين من حوله، بل ومع خصومه من كفار قريش والمنافقين في المدينة دالة على اتصافه بالرحمة والرأفة والإحسان. وحسبه صلى الله عليه وسلم موقفه يوم الفتح، وقوله لصناديد قريش: " اذهبوا فأنتم الطلقاء" .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===================
شبهات حول حجية السنة
ظهرت في حِقَب من التاريخ الإسلامي فرق وطوائف أنكرت السنة والاحتجاج بها ، فمنهم من أنكرها صراحة ودعا إلى نبذها بالكلية سواءً أكانت متواترة أم آحادية زعماً منهم أنه لا حاجة إليها ، وأن في القرآن غنية عنها ، ومنهم رأى الحجية في نوع منها دون غيره .
وكان أول من تعرض لهذه المذاهب وردَّ على أصحابها ودحض شبهاتهم الإمام الشافعي رحمه الله حيث عقد فصلاً خاصاً في كتاب " الأم " ذكر فيه مناظرة بينه وبين بعض من يرون ردَّ الأخبار كلِّها ، كما عقد في كتاب " الرسالة "فصلاً طويلاً في حجية خبر الآحاد .
وكادت تلك الطوائف التي أنكرت السنة جملة أن تنقرض ، حتى نبتت نابتة جديدة - في عصرنا الحاضر - غذَّاها الاستعمار بنفسه وأيدها مادياً ومعنوياً ، في محاولة منه للقضاء على الإسلام وهدم أصوله وأركانه .
وكان أحد هؤلاء الذين دعوا إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن فقط : الدكتور توفيق صدقي الذي كتب مقالين في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده " .
وتبع ذلك ظهور جماعة في شبه القارَّة الهندية دعت إلى الأخذ بالقرآن فقط ، وأنكرت أن يكون للأحاديث أي قيمة تشريعية ، وهم الذين عرفوا بـ " بالقرآنيين " أو " جماعة أهل القرآن " ، مردِّدين نفس الحجج والشبه التي استند إليها توفيق صدقي .
ومن ذلك ما فهموه من قوله تعالى { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام 38) ، وقوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل 89).
فقالوا : إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين ، وكلَّ حُكم من أحكامه ، وأنه بيَّن ذلك وفصَّله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وإلا كان الكتاب مفرِّطاً فيه ، ولما كان تبياناً لكل شيء ، فيلزم الخُلْف في خبره سبحانه وتعالى .(10/258)
وجواباً على هذه الشبهة يقال : ليس المراد من الكتاب في قوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام 38) القرآن ، وإنما المراد به اللوح المحفوظ ، فإنه هو الذي حوى كل شيء ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، على التفصيل التام ، بدلالة سياق الآية نفسها حيث ذكر الله عز وجل هذه الجملة عقب قوله سبحانه : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } (الأنعام 38) أي مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها ، كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم كل ذلك مسطور مكتوب في اللوح المحفوظ لا يخفى على الله منه شيء .
وعلى التسليم بأن المراد بالكتاب في هذا الآية القرآن ، كما هو في الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل 89) فالمعنى أنه لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين وأحكامه ، وأنه بيَّنها جميعاً بياناً وافياً .
ولكن هذا البيان إما أن يكون بطريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده وقواعد الأحكام العامة ، فبيَّن الله في كتابه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، وحِلِّ البيع والنكاح ، وحرمة الرِّبا والفواحش ، وحِلِّ أكل الطيبات وحُرْمة أكل الخبائث على جهة الإجمال والعموم ، وتَرَك بيان التفاصيل والجزئيات لرسوله صلى الله عليه وسلم .
ولهذا لما قيل لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير : " لا تحدثونا إلا بالقرآن قال : والله ما نبغي بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن .
وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل يحمل تلك الشبهة : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ، ثم قال أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا ، إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك " .
وإما أن يكون بيان القرآن بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحُجَجاً على خلقه .
فكل حكم بينته السنَّة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة ، فالقرآن مبَيِّن له حقيقة ، لأنه أرشد إليه وأوجب العمل به ، وبهذا المعنى تكون جميع أحكام الشريعة راجعة إلى القرآن .
فنحن عندما نتمسك بالسنة ونعمل بما جاء فيها إنما نعمل في الحقيقة بكتاب الله تعالى ، ولهذا لما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه وقالت : إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأتِ { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) ؟! قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه .
وحُكِي أن الشافعي رحمه الله كان جالساً في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِم إذا قتل الزُّنْبُور ؟ فقال لا شيء عليه ؟ فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فقال : قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ( الحشر 7) ، ثم ذكر إسناداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) رواه الترمذي وغيره ، ثم ذكر إسناداً إلى عمر رضي الله عنه أنه قال " للمُحْرِم قتل الزُّنْبُور " فأجابه من كتاب الله .
قال الإمام الخطابي رحمه الله " أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً ، وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (النحل44) ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " أهـ .
وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم ، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبياناً لكل شيء ، والحمد لله أولاً وآخراً .
تقدمت الإشارة - في الجزء الأول من هذا الموضوع - إلى بعض الشبه التي استند إليها منكروا حجية السنة في العصر الحديث ، حيث استدلوا ببعض الآيات التي أساءوا فهمها وتأوَّلوها على غير وجهها ، محرفين فيها الكلم عن مواضعه .(10/259)
وإضافة إلى ما استدلوا به من آيات ، فقد تمسكوا أيضاً بجملة أخبارٍ منسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤيد - بحسب زعمهم - ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بالسنة ، ووجوب عرض ما جاء فيها على كتاب الله .
ومن هذه الأخبار ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود فحدّثوه فخطب الناس فقال : ( إن الحديث سيفشو عنِّي ، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي ) ، فقالوا : إذا أثبتت السنة حكماً جديداً فإنها تكون غير موافقة للقرآن ، وإن لم تثبت حكماً جديداً فإنها تكون لمجرد التأكيد فالحجة إذاً في القرآن وحده .
ومن هذه الأخبار التي استدلوا بها ما روِي أنه - صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ، قلته أم لم أقله فصدّقوا به ، فإني أقول ما يُعرَف ولا يُنكَر ، وإذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدِّقوا به ، فإني لا أقول ما يُنكَر ولا يُعرَف ) ، فقالوا هذا يفيد وجوب عرض الحديث المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم - على المستحسن المعروف عند الناس من الكتاب أو العقل ، فلا تكون السنة حجَّة حينئذ .
ومن تلك الأخبار أيضاً ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه ) ، وفي رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ، فإني لا أحلُّ لهم إلا ما أحلَّ الله ولا أحرَّم عليهم إلا ما حرَّم الله ) .
هذه هي خلاصة الشبه التي أوردوها ، وهي شبه ضعيفة متهافتة لا تثبت أمام البحث والنظر الصحيح ، وتدل على مبلغ جهلهم وسوء فهمهم .
وجواباً على ما أوردوه من أحاديث يقال :
أما الحديث الأول : ( إن الحديث سيفشو عني .... ) فإن أحاديث العرض على كتاب الله ، كلها ضعيفة لا يصح التمسك بشيء منها كما ذكر أهل العلم ، فمنها ما هو منقطع ، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول ، ومنها ما جمع بين الأمرين ، وقد بَيَّن ذلك ابن حزم ، و البيهقي ، و السيوطي ، وقال الشافعي في الرسالة : " ما روَى هذا أحدٌ يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل هذه الرواية في شيء " ، بل نقل ابن عبد البر في جامعه عن عبد الرحمن بن مهدي قوله : " الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث " ، ثم قال : " وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه " .
بل إن الحديث نفسه يعود على نفسه بالبطلان ، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً له ، فلا يوجد في كتاب الله أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل منه إلا ما وافق الكتاب ، بل إننا نجد في القرآن إطلاق التأسي به - صلى الله عليه وسلم - ، والأمر بطاعته ، والتحذير من مخالفة أمره على كل حال ، فرجع الحديث على نفسه بالبطلان .
ومما يدل على بطلانه كذلك معارضته الصريحة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) رواه أبو داود .
وعلى التسليم بصحة الخبر فليس المراد منه أن ما يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم نوعان : منه ما يوافق الكتاب فهذا يُعمل به ، ومنه ما يخالفه فهذا يُردُّ ، بل لا يمكن أن يقول بذلك مسلم ، لأن في ذلك اتهاماً للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يمكن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، وكيف لمؤمن أن يقول ذلك وقد ائتمنه الله على وحيه ودينه وقال له : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } (يونس 15) .
فالرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، ولا يمكن أن يوجد خبر صحيح ثابت عنه مخالفٌ لما في القرآن .
فيكون معنى الحديث إذاً : " إذا رُوِي لكم حديث فاشتبه عليكم هل هو من قولي أو لا فاعرضوه على كتاب الله ، فإن خالفه فردُّوه فإنه ليس من قولي " ، وهذا هو نفسه الذي يقوله أهل العلم عندما يتكلمون على علامات الوضع في الحديث ، فإنهم يذكرون من تلك العلامات أن يكون الحديث مخالفاً لمحكمات الكتاب ، ولذلك قال " فما أتاكم يوافق القرآن : فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي".
وعندما نقول : إن السنة الصحيحة لابدَّ وأن تكون موافقة للقرآن غير مخالفة له ، فلا يلزم أن تكون هذه الموافقة موافقة تفصيلية في كل شيء ، فقد تكون الموافقة على جهة الإجمال ، فحين تبين السنة حكماً أجمله القرآن ، أو توضِّح مُشْكِلاً ، أو تخصص عامَّاً ، أو تقييد مطلقاً ، أو غير ذلك من أوجه البيان ، فهذا البيان في الحقيقة موافق لما في القرآن ، غير مخالف له .(10/260)
بل حتى الأحكام الجديدة التي أثبتتها السنة ودلَّت عليها استقلالاً ، هي أيضاً أحكام لا تخالف القرآن ، لأن القرآن سكت عنها على جهة التفصيل ، وإن كان قد أشار إليها وتعرض لها على جهة الإجمال حين قال : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) .
وأما الحديث الثاني : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ....) ، فرواياته ضعيفة منقطعة كما قال البيهقي و ابن حزم وغيرهما ، فضلاً عما فيه من تجويز الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عبارة : ( ما أتاكم من خبر فهو عنِّي قلته أم لم أقله ) ، وحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله : ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار ) أخرجاه في الصحيحين .
وقد رُوي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها لفظ ( قلته أم لم أقله ) منها رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد : ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ) .
والمراد منه أن من أدلَّة صحة الحديث وثبوته أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن ، وأن يكون قريباً من العقول السليمة والفطر المستقيمة ، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على عدم صحته ، وهذا هو الذي يقوله علماء الحديث عند الكلام على العلامات التي يعرف بها الوضع وليس هذا مجال بسطها .
نعم قد تقصر عقولنا عن إدارك الحكمة والعلَّة ، فلا يكون ذلك سبباً في إبطال صحة الحديث وحجيته ، فمتى ما ثبت الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب علينا قبوله وحسن الظن به ، والعمل بمقتضاه ، واتهام عقولنا ، قال ابن عبد البر : كان أبو إسحاق إبراهيم بن سيار يقول : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من فم القربة ، فكنت أقول : إن لهذا الحديث لشأناً ، وما في الشرب من فم القربة حتى يجيء فيه هذا النهي ؟ فلما قيل لي : إن رجلاً شرب من فم القربة فوكعته حية فمات ، وإن الحيات والأفاعي تدخل أفواه القرب علمت أن كل شيء لا أعلم تأويله من الحديث أن له مذهباً وإن جهلته ".
وأما الحديث الثالث : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ....) ، فهو حديث منقطع في كلتا روايتيه كما قال الشافعي و البيهقي و ابن حزم .
وعلى فرض صحته فليس فيه أيُّ دلالة على عدم حجية السنة بل المراد بقوله : ( في كتابه ) ما أوحى الله إليه - كما قال البيهقي - فإن ما أوحى الله إلى رسوله نوعان : أحدهما وحي يتلى ، والآخر وحي لا يتلى ، ففسَّرَ الكتاب هنا بما هو أعم من القرآن .
وقد ورد في السنة استعمال الكتاب في هذا المعنى في الحديث الذي رواه الإمام البخاري حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) فغدا إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرُجِمت ، فجعل - صلى الله عليه وسلم -حكم الرجم والتغريب في كتاب الله ، مما يدُلُّ على أن المراد عموم ما أوحي إليه .
وحتى لو سلمنا أن المراد بالكتاب القرآن ، فإن ما أحلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حرمه ولم ينص عليه القرآن صراحة ، فهو حلال أوحرام في القرآن لقول الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر 7) ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله ) رواه الترمذي وغيره .
وأما رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ...) ، فقد قال فيها الشافعي إنها من رواية طاووس وهو حديث منقطع .
وعلى افتراض ثبوتها فليس معناها تحريم التمسك بشيء مما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أو الاحتجاج به .
وإنما المراد أنه -صلى الله عليه وسلم - في موضع القدوة والأسوة ، وأن الله عز وجل قد خصَّه بأشياء دون سائر الناس فأبيح له ما لم يبح لغيره ، وحُرِّم عليه ما لم يُحرَّم على غيره ، فكان المعنى : لا يتمسكن الناس بشيء من الأشياء التي خصني الله بها ، وجعل حكمي فيها مخالفاً لحكمهم ، ولا يقس أحدٌ نفسه عليَّ في شيء من ذلك ، فإن الحاكم في ذلك كله هو الله تعالى ، فهو الذي سوى بيني وبينهم في بعض الأحكام ، وفرَّق بيني وبينهم في بعضها الآخر(10/261)
وبهذا يتبين أن الأحاديث التي استند إليها أصحاب هذه الشبهة منها ما لم يثبت عند أهل العلم ، ومنها ما ثبت ولكن ليس فيه دليل على دعواهم ، فلم يبق لهؤلاء المبتدعة - الذين نابذوا السنة ، وتأولوا القرآن على غير وجهه - من حجة إلا اتباع الهوى ، وصدق الله إذ يقول : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (القصص 50) ، نعوذ بالله من اتباع الهوى ، ومن الزيغ بعد الهدى .
===================
التشكيك فى صحة الأحاديث والاستغناء عنها بالقرآن
هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبول ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).
الرد على الشبهة:
فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.
ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..(10/262)
أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء..
فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:
إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .
فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6).
تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.
فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون..
والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين..
فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.
والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.
(1) النحل: 44.
(2) آل عمران: 32.
(3) النساء: 59.
(4) النساء: 80.
(5) آل عمران: 31.
(6) الفتح: 10
كتبه د. محمود حمدى زقزوق - وزير الأوقاف المصرى
===================
شبهة أن الرسول طلق سودة لأنها أسنت
ابن مريم
الله الرحمن الرحيم
إعترضوا على أن الرسول طلق سودة لأنها أسنت وإستدلوا إستدلال خاطئ بما جاء فى الصحيحين
من حديث هشام بن عروة أن سودة بنت زمعة لما أسنت وهبت يومها لعائشة
ومن صحيح البخارى عن عروة قال لما أنزل الله فى سودة وأشباهها وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزاً أوإعراضاً وذلك أن سودة كانت إمرأة قد أسنت فعرفت حب الرسول لعائشة ومنزلتها منه فوهبت لها يومها ولم ترغب فى أن يفارقها الرسول فقبل الرسول ذلك[ هذا ليس نص الحديث]
-------------
الرد على هذه الشبهة(10/263)
إن زواج الرسول من سودة كان من الأساس زواج رحمة ورأفة لا زواج رغبة فقد كانت فى السادسة والستين من العمر وكانت قد أسلمت وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً من أذى الجاهلين من قريش ومات بعد أن عادا وكان اهلها لا يزالون على الشرك فإذا عادت إليهم فتنوها عن دينها فتزوجها الرسول لحمايتها من الفتنة ولكن بعد زمن وصلت السيدة سودة إلى درجة من الشيخوخة يصعب معها على الرسول أن يعطيها كامل حقوقها فأراد تطليقها أيضاً رأفة بها كى لا يذرها كالمعلقة[ ولكى لا يأتى الجهال فى عصرنا ليقولوا أن الرسول لم يكن يعدل بين زوجاته]فقالت رضى الله عنها [ إنى قد كبرت ولا حاجة بى للرجال ولكنى أريد أن أبعث بين نسائك يوم القيامة] فأنزل الله تعالى[ وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا]
علمتنا هذه الآية أنه إذا خافت إمرأة من زوجها نفور أو إعراض فلها أن تسقط عنه بعض حقوقها سواء نفقة أو كسوة أو مبيت وله أن يقبل ذلك فلا حرج عليها فى بذلها ذلك له ولا حرج عليه فى قبوله فراجعها الرسول وكان يحسن إليها كل الإحسان
===================
شبهة : النساء ناقصات عقل ودين
وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل
كثيرة هي الاتهامات التي تُوجَّه إلى الإسلام بخصوص المرأة، وأنه ينتقص من حقها في الحياة والحقوق. وقد عُقدت ولا تزال تُعقد لأجل هذا الغرض الكثير من البرامج والندوات والمناظرات في أماكن مختلفة، وبوسائل إعلامية متنوعة. وأكثر ما يجري عليه التركيز هو عقل المرأة وأن الإسلام يعتبرها ناقصة عقل، ويستشهدون بالحديث الوارد في الصحيحين من أن النساء ناقصات عقل. فهل ما يقولونه حق وصحيح؟ وهل المرأة فعلاً ناقصة عقل؟ وهل الرسول وصفها بذلك حقًّا وقصد ما فهموه هم من الحديث؟ أم يا تُرى أن الأمر هو خلاف ذلك؟
حديث ناقصات عقل
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج.
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة، وذلك في قوله تعالى: ... واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى... (البقرة: 282).
الفهم الخاطئ والمتناقض للحديث
يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحًا وطربًا باتهام الإسلام أنه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه وسلم: "وما رأيت من ناقصات عقل". فاستنتج هؤلاء أن النساء ناقصات عقل، وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية، أو الذكاء كما يسميه علماء النفس، أي أن قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال. بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي أقل منه وأنقص، أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند الرجل. ولو أنهم تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي، وأنه يتناقض مع واقع الحديث نفسه، وذلك للملاحظات التالية:
• ذكر الحديث أن امرأة منهن جزلة ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم. والجزلة، كما قال العلماء، هي ذات العقل والرأي والوقار، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟
• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرات النساء، وأن الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدًّا. فكيف تغلب ناقصة العقل رجلاً ذكيًّا جدًّا؟
• أن هذا الخطاب موجّه لنساء مسلمات، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي نصاب الشهادة والصلاة والصوم. فهل يا تُرى لو أن امرأة كافرة ذكية وأسلمت، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟!
فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث بالكامل، أي لم يربط أجزاءه ببعض، كما لم يربطه مع الآية الكريمة. فالحديث يصرح بأن النساء ناقصات عقل، ويعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، والآية تعلل ذلك بالضلال والتذكير. ولم تصرح الآية بأن النساء ناقصات عقل، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لأجل أن تفكير المرأة أقل من تفكير الرجل.
فما هو التفكير؟ وما هو العقل؟(10/264)
التفكير هو عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع؛ حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه. أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع، ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه. وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة. ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء. ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم. كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ، ولا في طرق اكتساب المعرفة. معنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير أو آليته، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية.
وعليه فإن التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء، بل هو أوسع من ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر في مراحل متعددة، فهو عملية معقدة وليست بالبسيطة. كما أن العقل في مفهوم القرآن والسنة هو أوسع من مجرد التفكير؛ إذ هو لفت انتباه للتفكير من أجل العمل، فلا يكفي أن تفكر، بل لا بد من أن يمتد ذلك إلى التصديق والعمل وإدراك العواقب؛ ولهذا فسوف نلاحظ دقة التعبير في الحديث، فهو عبّر بناقصات عقل وهو ما يعني أن النقص هو في عوامل أخرى تؤثر في التفكير وليس في نفس القدرات الفطرية، أي ليس في قدرات الدماغ، كما يتوهم كثيرون. وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة تعلي من شأن التفكير عند كل من المرأة والرجل بوصف كل منهما إنسانًا، ولا تميز بينهما من هذه الناحية على الإطلاق. بل إن كثيرًا من النصوص تظهر وتبين القدرات العقلية العالية عند النساء في كثير من المواضع والحالات.
أين الإعجاز في هذا؟
يكمن الإعجاز في الحديث عن نقصان عقل المرأة بهذه الطريقة، فهذا لا يمكن أن يحيط به بشر. فنصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة. هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة. فإذا كان لم يثبت علميًّا أي اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا، فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية. فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية، ويدخل فيها عوامل أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة.
وإذا نظرنا إلى الآية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة المذكور بالضلال والتذكير، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي وبالدوافع والموانع. وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة، لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث إنها تمر في حالات وتتعرض لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها. وهذا التأثير ينعكس على القرار الذي يمكن أن تتخذه المرأة. زد على ذلك ما تملكه المرأة من عواطف جياشة تفوق ما يملكه الرجل، وهذا عنصر لا يمكن إغفاله في العقل، ويمكن أن يؤثر بشكل واضح في القرار، كما لو كان الذي ستشهد له المرأة هو ابنها مثلاً.
إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام، وكيل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح. وهذا يبين حقائق مذهلة تتعلق بالتفكير والعقل وطبيعة المرأة واختلافها في هذه النواحي عن الرجل، وكيف يؤثر ذلك على طريقة التفكير. وهذا ليس انتقاصًا من حق المرأة ولا من عقلها بقدر ما هو تقرير لواقعها، وحث لها على العمل والتغلب على العقبات التي يمكن أن تؤثر فيه. كما أن هذا الموضوع هو جزء من بحث أشمل أسميه الإعجاز الفكري في القرآن والسنة يتعرض لواقع التفكير ودلالاته في كل من القرآن والسنة، وسوف ننشره تباعًا، وقد تقدمت به إلى مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
===================
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
تعد شبهة أخذ سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن الكريم، أقدم ما عُرِف من نشاطات المستشرقين. فكل من يؤرخ للنشاط الاستشراقي يؤكد أن أقدم دراسة استشراقية كانت بعنوان: " ماذا اقتبس محمد عن اليهودية ". [1]
توضيح تلك الشبهة:(10/265)
يرى كثير من غير المسلمين أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -كان على دين اليهود ، وأرسل اليهود لتدمير المسيحية التي تهدد كيانهم.. ومن ثم اقتبس عن كتبهم العقائد والشرائع والقصص.
وإن كان أكثرهم يخالف هذا الرأي ويزعم زعماً آخر وهو أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -كان مسيحياً من نصارى مكة، أعده ورقة بن نوفل بالتعاون مع الراهب بحيرا وحداد رومي اسمه يسار... لإعادة الروح إلى المسيحية في الجزيرة العربية. لكن محمداً - صلى الله عليه وسلم -خدعهم فأعجب بنفسه .... فادعى النبوة.
تلك الشبهة ملخصة.. وإليكم الرد عليها: [2]
1. من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمداً - صلى الله عليه وسلم -بعد الهجرة بالعداوة صراحة. [3]
2. إن قريشاً أحرص من المنصرين على إثبات بشرية مصدر الوحي ولكنهم ـ وهم الأدرى بحاله وتحركاته ـ لم يرصدوا أنه ذهب إلى معلم كتابي واحد.. ولم يفضحه رفاقه في السفر بأنه التقى بأي حبر أو كاهن.. ومن غير الممكن أن يتردد سيدنا محمد إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة، أحياؤها ـ بل بيوتها ـ معروفة لكل واحد من أهلها.
3. لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند.
كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغاً فكرياً ورقياً حضارياً، وفاقد الشيء لا يعطيه! [4]
ولم يكن النصارى أحسن حالاً منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم ـ على الأقل ـ، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم. [5]
4. ومحمد - صلى الله عليه وسلم -لم يعاشر إلا قومه، ولم يثبت أبداً أنه خرج من مكة قبل البعثة إلا مرتين فقط: مرة وهو صغير مع عمه أبي طالب ومرة في تجارة خديجة وكان مرافقاً له غلامها ميسرة. ولو كان تغيير الدين يحدث بتلك السهولة بسبب التجارة، لكان غالب أهل مكة من اليهود والنصارى. بينما الواقع التاريخي، يثبت أن لا أحد من أهل مكة في الجاهلية قد غير دينه بسبب ما اطلع عليه من ديانات أثناء رحلاته التجارية.
5. الغالبية العظمى من القصص القرآني كانت في السور المكية، أي قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -إلى المدينة المنورة واحتكاكه باليهود.
6. لو كان للاتصال باليهود ذلك الأثر الكبير في دعوى النبوة، فلماذا لم ينتقوا أحداً من أهل يثرب أو رجلاً من القريتين عظيم، أو عبد الله بن أبي سلول ـ ليحمي دعوتهم بجاهه وماله؟
7. إن في القرآن الكريم قصصاً لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى - عليه السلام -ونفي صلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح. [6]
8. معجزاته - صلى الله عليه وسلم -ـ وخاصة معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم أعاجم.
9. من غير المستغرب أن يجلس سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -إلى حداد رومي [7] لبعض حاجات بيته الطبيعية، وليس من المنطق أن يكون القرآن الذي أعجز العرب بنظمه، قد ألقاه إليه ذلك الحداد في عجالة وهو جالس عنده في السوق.. وهل الجلوس عند الحداد فيه من الراحة والاستعدادات النفسية والذهنية ما يؤهله للتعلم، تعلم هذا القرآن العظيم ؟ [8]
أليست مهنة التعليم لذلك الحداد، أيسر عليه من الحدادة ؟
10. أسباب النزول تنفي التعلم المسبق للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
11. لا يمنع أن يوجد في القرآن الكريم ما يوافق ما سبق من كتب سماوية، فالقرآن الكريم لا يقول بأنها كلها محرفة 100% بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف [9] .. ومثله ما نسب إلى كتب جهلة اليهود والهراطقة مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
فقد جعل النصارى من كتب بقايا النصارى الموحدين كتباً ممنوعة القراءة، بعد أن حكموا على رجالها بالهرطقة. بخاصة بعد مجمع نيقية الذي أقر التثليث ونبذ التوحيد.. فما المانع من أن تكون تلك الكتب هي الأقرب إلى الحق، وأن ما بين أيدينا من كتب اعترفت بها الكنيسة لاحقاً هي الباطل؟
12. مخالفة القرآن الكريم عقائد أساسية تميزت بها اليهودية والمسيحية.. كتفضيل الجنس اليهودي وتكريمه على الناس بقبول عبادته لله عز وجل، وكذلك أساس عقيدة النصارى من تثليث وفداء وخلاص.(10/266)
إن الإسلام هو دين الله الحق، الذي لم ينزل من السماء سواه. إن الدين عند الله الإسلام، دينه الذي من ابتغى غيره سبيلاً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، فكل الأنبياء جاؤوا بالإسلام، ولم يسمِّ أحد منهم نفسه يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً من لدن آدم - عليه السلام -وحتى محمد - صلى الله عليه وسلم -. [10]
وعلى هذا فلا يمكن القبول بزعم أن الإسلام ما هو إلا فرع من شجرة اليهودية أو النصرانية ـ المحرفة عن الإسلام ـ بل هي ذات الرسالة وعين العقائد والمبادئ العامة التي دعا إليها الإسلام.
ويُقال لهم: إن سلمنا معاً أن القرآن الكريم كلام الله - جل جلاله -، كالتوراة والإنجيل. فالتشابه بينه وبينها طبيعي لأن مصدرهما واحد. بل لو لم يكن هنالك اتفاق بين القرآن الكريم وتلك الكتب في جميع العقائد لقالوا: كيف يكون مصدرها واحداً وهي لم تتفق في أي عقيدة ؟!
فإن اتفق شيء مما تبقى من عقائد وشرائع الأنبياء السابقين مع الموجود في القرآن الكريم، فهو من أدلة وحدة مصدرها، وإن تفوق القرآن الكريم عليها بكونه كله قطعي الثبوت.
" أما المجاحدون من أهل الكتاب ـ لا سيما دعاة النصرانية في هذا الزمان ـ فهم يقولون فيما وافق القرآن به كتبهم، أنه مأخوذ منها بدليل موافقته لها. وفيما خالفها أنه غير صحيح بدليل أنه خالفها. وفيما لم يوافقها ولم يخالفها به أنه غير صحيح، لأنه لم يوجد عندنا، وهذا منتهى ما يُكابر به مُناظِر مناظراً، وأبطل ما يرد به خصم على خصم ". [11]
ولما كانت شبهة تعلم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -على يد بحيرا وورقة بن نوفل تشكل أعظم شبهاتهم، فالرد عليها ملخصه ما يلي: [12]
1. إن تلك الشبهة فيها اتهام للنصرانيين الناسكين المتعبدين بالكذب والخداع، ومن غير المعقول أن يكون أواخر عهد ناسكين متعبدين، تسهيل مهمة شخص مخادع يدعي أنه موحى له من عند الله - جل جلاله -.
2. قصر الوقت الذي شاهدهما فيه، فما في القرآن من عقائد وشرائع وقصص تحتاج إلى فترة زمنية طويلة. بل المنطق يقول إن أي إنسان عادي، لن يستطيع تأليف قوانين وشرائع مماثلة لتلك الموجودة في القرآن الكريم، إلا بعد مكث سنوات طويلة من التعلم.
3. أين قريشاً منهما، ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلاً بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟
4. لم يصدر عن أي من ملوك النصارى العرب، أو الروم، أو القبط، أو الأحباش.. الذين وصلتهم رسالة الإسلام، أن ما في القرآن الكريم مسروق من عندهم.
5. لماذا لم يستخدما رجلاً أغنى وأكثر جاهاً منه - صلى الله عليه وسلم -، ليسهل عليهم المهمة ؟
6. كان عمره - صلى الله عليه وسلم -عندما قابل بحيرا أول مرة تسعة أعوام، ولما تاجر لخديجة كان عمره خمسة وعشرين عاماً. وفي الأولى كان معه عمه، وفي الثانية ميسرة غلام خديجة. [13]
7. هل كان لدى ورقة بن نوفل أي حصيلة علمية أو معرفية، تؤهله ليكون مصدر القرآن الكريم؟ [14]
8. كيف يستطيع ورقة ـ وهو كبير السن ـ أن يصعد إلى الجبل الذي فيه غار حراء، رغم أن صعوده شاق على أشد الشباب قوة؟
9. لم يتهم أي مشرك محمداً - صلى الله عليه وسلم -بأنه كان يقابل ورقة، رغم أن ذلك الزعم أقوى من اتهام حداد رومي.
10. لماذا تأخر ورقة في إعلان نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -إلى أن بلغ من العمر عتياً، وهل كان يضمن أنه سيعيش ذلك العمر ؟
11. أين باقي تلاميذ بحيرا وورقة ؟ هل من المعقول أن لا يكون لهما إلا تلميذ واحد يتيم فقير؟ ولماذا لم تبعث قريش بفتيانها إليهما ليتعلموا ؟
12. هل رافق بحيرا وورقة محمداً - صلى الله عليه وسلم -في كل حركاته وسكناته ؟ إن في أسباب النزول رداً مباشراً على زعمهم.
13. قول ورقة بأن الوحي الذي نزل على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -هو الذي نزل على موسى لا عيسى عليهما السلام، فلو كان نصرانياً لذكر سيدنا عيسى - عليه السلام -. وهذا اعتراف من ورقة على إلهية مصدر القرآن الكريم.
14. لو كان لورقة ذلك التأثير على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، لكان أول من يذهب إليه - صلى الله عليه وسلم -بُعَيد نزول الوحي عليه وهو في غار حراء، قبل أن يعود إلى بيته.
15. لم يذكر التاريخ أن هنالك زيارات معتادة بين بيتي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وورقة، ولم يكن بينهما صداقة معروفة قبل البعثة كصداقته بأبي بكر - رضي الله عنه -مثلاً.
16. كما لم يزر بحيرا مكة ولا المدينة قبل أو أثناء البعثة النبوية، فكيف له أن يعرف ظروف بيئة الرسول - صلى الله عليه وسلم -وأحداثاً قبل الهجرة في مكة كموقف المشركين من الدعوة، وغيرها من أسباب نزول الآيات المكية. وبعد الهجرة: كالغزوات والعلاقة مع المنافقين.. وغيرها من أسباب نزول الآيات المدنية ؟
---(10/267)
[1] كان ذلك عام 1134م على يد المستشرق اليهودي الألماني أبراهام جايجر، وقد نال عن دراسته تلك جائزة الدولة البروسية. انظر: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص17.
[2] انظر: بذل المجود في إفحام اليهود، السموءل، ص147. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل عباس، ص197. ووحي الله، د. حسن عتر، ص185.
[3] ذكر ابن هشام عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما، إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله rونزل قباء.. غدا عليه أبي وعمي مُغلِّسين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من غم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت ". انظر: السيرة النبوية 2/123. وقولها: " مغلسين " أي وقت الغلس. والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. انظر: النهاية في غريب الحديث، الجزري، 4/377.
[4] لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية من اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة.. وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة. انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي 6/8. ود. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهودية في بلاد العرب، ص42.
[5] " ولا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء... من الصعب على الباحث أن يجد فرقاً كبيراً بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى ان من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام ". انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الفصل166، 4/ 1311.
[6] انظر في سفر التكوين ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام: نوح u 9/20-27ولوط u 19/30-38وإسحاق u 29.
[7] كي يتقن كفار قريش حبك فرية تلقي رسول الله rالقرآن، وضعوا في معلمه شرطين: الأول: أن يكون من سكان مكة؛ ليتحقق زعمهم بتلقي القرآن عنه بكرة وأصيلاً. والثاني: أن يكون من غير قومهم وملتهم، ليُمكن عندها أن يُقال إن عنده علم ما لم يعلموا.. والتمسوا الشرطين فلم يجدوهما إلا عند حداد رومي. انظر: مدخل إلى القرآن، د. محمد دراز، ص134.
قلت: لو تحقق الشرطان في ورقة ـ أو غيره من أحبار اليهود والنصارى ـ ، لما أوقعوا أنفسهم في فضيحة انتقاء الحداد معلماً مزعوماً.
[8] الجلوس عند الحداد ـ وخاصة في ذلك الزمان ـ لا يرتاح إليه أحد. وقد وصف ما ينتاب المرء نتيجة ذلك الجلوس، من أوتي جوامع الكلم rبأروع وصف حين قال: " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ. لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ. وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ". رواه البخاري في البيوع باب في العطار وبيع المسك 2101 . ولك أن تتخيل كيفية استماع القرآن الكريم لأول مرة، وأصوات مطارق الحدادين، ونار الكير، ناهيك عن الرائحة التي تصد حضور الذهن الضروري لأي تعليم.. فلو أراد حفظ نشيدٍ من أناشيد الأطفال في ذلك الجو، لكان متعذراً عليه !
[9] قال تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [الأنبياء: 105] وفي مزامير داود [37/11] " الأبرار يرثون الأرض ". فذكر ذلك بكل مصداقية، عكس متى الذي اقتبس تلك الفقرة ذاتها في إنجيله [5/5] دون الإشارة إلى اقتباسها.
[10] قال ابن تيمية: وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام. انظر مجموع الفتاوى 27/370 وانظر الأدلة على كون كل الأنبياء دينهم الإسلام في: الخطاب الدعوي للأنبياء والدعاة في القرآن الكريم، عبد الرحيم الشريف، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت، الأردن، 2001م، ص16-76.
[11] تفسير المنار، محمد رشيد رضا 3/249.
[12] انظر: الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص32-39 والقرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة ص65-117. ووحي الله، د. حسن عتر، ص139-165.
[13] انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 1/23. والبداية والنهاية، ابن كثير، 2/295.
[14] كان ورقة يعبد الأصنام طيلة ستين سنة، ثم ذهب يبحث عن أفضل دين هو ومجموعة من أصدقائه، وترددوا بين الشرك والنصرانية واليهودية، ثم استقر رأيه ورأي أكثرهم على الحنفية. وكان عمر ورقة عند بعثة النبي مائة سنة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 2/340 والسيرة الحلبية لعلي الحلبي 1/116، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2/616. فهو لا يملك ذلك العلم الواسع(10/268)
المقال منقول من موقع الاعجاز العلمي في القران والسنه
===================
شبهة تعلم محمد صلى الله عليه وسلم من الشعوب المحيطة
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في التفسير
شرح تلك الشبهة:
تزعم بعض مواقع الإنترنت غير الإسلامية أن القرآن الكريم، مأخوذ عن الشعوب المحيطة بالجزيرة العربية من الصين إلى مصر..
فأخذ قصة الإسراء والمعراج عن الفرس.
والحج عن الهنود.
والوضوء عن الصابئة
" والله الصمد " عن الفراعنة، جاعلين منها دليلاً على التثليث !!!!!!!!!!!!!!!!
وقصة هاروت وماروت عن الأرمن !!
وأن ما في القرآن الكريم مأخوذ عن معلمي سيدنا محمد من شعراء العرب ـ بعض مواقع الإنترنت ذكر أكثر من عشرين شاعراً علموه الشعر !! ـ وأشهرهم: أمية بن الصلت [1] ، وامرؤ القيس [2] وزيد بن عمرو بن نفيل [3] وقس بن ساعدة [4] .. وكان يلتقي بهم خلسة في غار حراء وهم يحدثونه بالقرآن الكريم.
وقد عددوا منهم أكثر من عشرين شاعراً جاهلياً ومن الصحابة والصحابيات ! أشهرهم عبد الله بن أبي سرح [5] - رضي الله عنه -الذي كان أحد كتبة الوحي، وقيل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان يقرأ عليه " عزيز حكيم " فيقرأ: " غفور رحيم ".
أما معلموه من غير العرب فعددوا منهم: بحيرا وورقة ونسطور وبلعام وجبر ويسار وعائش وعداس وسلمان الفارسي [6] ..
كما استدلوا بتقبيل الحجر الأسود [7] على الجذور الوثنية للديانة الإسلامية !!!!! وكذلك لأنننا نتبين أوقات الصلوات، بحسب تحرك الشمس فصرنا نعبدها [8] !!!!!
الرد على تلك الشُّبهات:
1 شبهة استنباطه من عادات الشعوب أحكام الإسلام:
كيف يستطيع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -الإطلاع على كل عادات شعوب الأرض، من الهند إلى مصر.. وينتقي تلك العبادات والقصص والعقائد ؟ وأية مراجع علمية كانت في مكتبته ؟ وأي جيش من المدرسين استطاع تعليمه كل ذلك في ثلاث وعشرين سنة كانت الأنظار مصوبة نحوه كل لحظة... من أتباعه المخلصين وأعدائه المتربصين ؟
قد يقول قائل: لم يأته المدرسون بل ذهب إليهم تحت ستار التجارة. والجواب على ذلك أنه لو كان الأمر بتلك السهولة لنبغت نبوة أثرياء العرب، والعاملين في التجارة الذين يطوفون البلاد ويلتقون الأحبار والرهبان، ويستخلصون من تجار العالم أفضل العقائد والشرائع.
مثلاً: أبو سفيان - رضي الله عنه -قبل إسلامه، خرج في عدة قوافل تجارية، وتوفر له من الوقت والمال والجاه أكثر مما توفر لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لم يستطع ادعاء النبوة. كما أنه لم يطعن في مصدر القرآن الكريم، زاعماً أنه سمع تلك العقائد والشرائع من الحضارات المختلفة التي التقى بأعيانها.
إن الادعاء سهل، فكل شخص يستطيع ادعاء وزعم ما يشاء، ولكن المنهج العلمي في البحث وما اتفق عليه الناس من منطق يحسم أي خلاف.
أما ما في القرآن الكريم من أحداث وعقائد مبثوثة في كتب الأعاجم الفرس، الهنود،... المقدسة فهو أمر طبيعي؛ لأنك تجد في التراث القومي لكل شعب بقايا لآثار الأنبياء الذين أرسلوا إليهم، وما في كتبهم من عقائد وغيبيات ليس إلا بقايا حق بشرت به الأنبياء لا تخلوا منهم أمة، كما هو معلوم من ديننا بالضرورة. قال تعالى في سورة فاطر: " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ 24 ".
بعد أن ثبت استحالة القول بأن مصدر القرآن الكريم من أهل الكتاب، فإن القول باستحالته كونه من شعوب أعجمية، بعيدة عن البيئة العربية، أولى.
لقد كان كفار قريش أذكى من الطاعنين المعاصرين في القرآن الكريم، حين التمسوا معلماً من غير بيئة العرب.. وإن لم يجدوا أفضل من حداد رومي !!
2 شبهة وجود معلمين علموه في مدرسة غار حراء:
إن تلك المواقع تتحدث عن جيش جرار من المدرسين الأكفاء الذين احتشدوا ليعلموا محمداً - صلى الله عليه وسلم -آيات القرآن الكريم.. معلمون من شتى الجنسيات.. يعلمونه ما في كتبهم المقدسة باللغة الأصلية.. [9] كل هذا وقريش لم ترهم؟ وهل كانت وسائل الاتصال في ذلك الزمان تسمح بذلك؟
لقد كان العرب الأحرص على معارضة القرآن الكريم، فهو يهدد أقدس معبوداتهم المتوارثة جيلاً بعد جيل، وكان القرآن الكريم يهدد يومياً مصدر عزهم وجاههم وتفوقهم على سائر العرب وهيمنتهم السياسية والاقتصادية على كل من في جزيرة العرب من آلهة موجودة حول الكعبة، ومناسك دينية تدر عليهم الربح الوفير.. ولكن التاريخ لم يُثبت أن المكيين حاولوا ولو مرة واحدة معارضة القرآن الكريم، استجابة للتحدي والتبكيت المستمر لهم في آيات القرآن الكريم، رغم أن العربي الأصيل معروف بطبع سرعة الاستفزاز، وعدم القبول بالهزيمة أمام أي متحدٍ، وكم مرة كانت الدماء تسيل لعقود طويلة بسبب سباق خيل كحرب داحس والغبراء أو بسبب ناقة كالبسوس . [10](10/269)
أين استجابة العربي لتحدي القرآن الكريم له عدة مرات؟ ولماذا لم يؤلفوا آية واحدة معارضة للقرآن الكريم؟ لو كان القرآن الكريم مقتبساً من بيئة العرب، فما أسهل معارضته، بل لا يوجد معنى لطلب المعارضة، خشية من أن يقوم أحد من العرب بذلك.
لقد انسحب العرب من ذلك التحدي بخزي وعار وفضيحة، متمثلين قول امرئ القيس:
وَقَد طَوَّفتُ في الآفاقِ حَتّى رَضيتُ مِنَ الغَنيمَةِ بِالإِيابِ [11]
من يطالع نظم القرآن الكريم يقرر بسهولة: إن نفي كون القرآن الكريم مقتبساً من بيئة العرب وكلامهم، لهو نفي له أن يكون من عند غيرهم بالضرورة.
أما زعم وجود معلمين علموا محمداً - صلى الله عليه وسلم -عقائدَ وأحكاماً وضعها في القرآن الكريم فالرد عليها بما يلي:
1. لم يشهد التاريخ أنه - صلى الله عليه وسلم -جلس يوماً واحداً بين يدي أي معلم سواء كان في طفولته أم شبابه، فضلاً عن بلوغه النبوة في سن الأربعين.
2. ما يملكه المعلمون المفترضون من علم، لماذا يُلقونه إلى غيرهم؟ لماذا لم يدخروه لأنفسهم ويزعمون أنهم الأحق بالنبوة منه - صلى الله عليه وسلم -.
3. لماذا لم يخلد أي من المعلمين اسمه في القرآن الكريم؟
4. ما يصدر عن الإنسان ـ أي إنسان ـ لن يكون بهذا النظم البديع المعجز، فلو كان القرآن صادراً عن مصدر بشري لكان من اليسير جداً تأليف مثله.
5. لا يذكر لنا التاريخ أن بلاد العرب كان فيها كل أولئك المعلمين الجهابذة.
6. لماذا لم يستأجر أحد أثرياء المشركين جيشاً من المعلمين ليعارض القرآن الكريم؟ أو درس بين يديه؟ أليس ذلك أفضل حل لأبي جهل وعتبة بن ربيعة والأخنس؟
7. يتميز القرآن الكريم بخصائص لم يعهدها العرب من قبل، ولم يأت بها أي عالم لغوي عربي:
أ. من حيث الشكل: حروف فواتح السور، أحكام التجويد، الجرس الموسيقي الفريد الذي لا يعد شعراً ولا نثراً، النظم المعجز..
ب. المضمون: ما فيه من عقائد وشرائع وأخلاق وقصص.. مما انفرد به ولم يعهده العرب من قبل.
وكل من الشكل والمضمون معجز.
أما شبهة أخذه عن الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فهي شبهة واهية، لعدة أسباب:
1. ما نزل من قرآن كريم مؤيداً لمواقف بعض الصحابة، له حكم أسباب النزول تماماً. والله جل جلاله بعلمه السابق الأزلي علم أن فلاناً من الصحابة سيقول كذا وكذا، وسينزل من القرآن الكريم بُعيدها ما يقارب لفظ الصحابي.
ولا يعني ذلك أن الآية القرآنية الكريمة، كان سيتغير لفظها لو غير الصحابي لفظه.
مثال: آيات الظهار في أول سورة المجادلة، لا يمكن القول أنها لم تكن لتنزل لو أن هلال بن أمية - رضي الله عنه -لم يظاهر زوجته ـ رضي الله عنها.
بل الحق إن الله - جل جلاله -علِمَ بعلمه السابق أنها ستأتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وتشتكي إليه، ومن ثم سيتنزل من القرآن الكريم المعجز في ذلك الوقت الإجابة عن سؤالها.
وكذا الحال بالنسبة لما نزل من القرآن الكريم، موافقاً ـ كما يزعمون ـ لبعض الصحابة.
2. ما تنزل من القرآن الكريم في ذلك قليل جداً لا يكاد يذكر، [12] ولا يصح أن ينبني عليه تعميم.
3. الإعجاز في النظم بين الآيات التي لها سبب نزول، أو التي حصل اتفاق بينها وقول صحابي لهو دليل كونها من مصدر إلهي واحد. فلا يعقل أن تجتمع أساليب عدد من الصحابة في دفتي مصحف واحد بهذا التنسيق البديع المحكم دون خلل.
4. في ذلك تكريم للصحابة رضوان الله عليهم.
5. لما ترسخت مبادئ الإسلام العامة في عقول الصحابة، وتركز الإيمان في قلوبهم؛ أنطقهم الله - جل جلاله -بما يوافق سنته في الكون والحياة. وكم من مسلم يستطيع الحكم على أي قضية من قضايا الحياة المعاصرة دون أن يحفظ ما يؤيد ما ذهب إليه من الكتاب والسنة، ولكنه لما عرف مبادئ الإسلام العامة، ودخل الإيمان العميق قلبه، وتحركت كل جوارحه بمختلف العمل الصالح.. سدَّد الله - جل جلاله -طريقه وهداه صراطه المستقيم. قال تعالى في سورة البقرة: " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 282 ".
6. كان في نزول تلك الآيات من القرآن الكريم فتنة وامتحاناً لقوة إيمان الصحابة.
7. لو كان أمر تأليف القرآن الكريم بتلك السهولة، فما الذي منع ابن أبي سرح - رضي الله عنه -من زعم النبوة، وكان عندها سيجد دعماً غير محدود من مختلف أعداء الإسلام الذين هرب عندهم.
8. ما الذي دعا ابن أبي سرح - رضي الله عنه -أن يعود إلى الإسلام من جديد ؟! ولماذا لم يلتحق بمجموعة المتنبئين، أو يحشد له أتباعاً كما جمعوا ؟ بل سيكون الأقدر منهم كلهم.
9. توفر همة المشركين واليهود والمنافقين لمعارضة القرآن الكريم.. فلو كان تأليف مثله سهلاً ميسراً لوضوعو الأموال والملذات بين يدي ابن أبي سرح - رضي الله عنه -كي يؤلف سورة واحدة على الأقل. ولكن التاريخ لم يثبت أي محاولة ـ على الأقل محاولة ـ للقيام بتلك المعارضة.(10/270)
فهل كان عبد الله بن أبي بن سلول سيدع تلك الفرصة تفلت من بين يديه، لو كانت بتلك السهولة ؟
10. هذا دليل عدم تصرف سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -بما يتنزل عليه من وحي، فلو كان الأمر متروكاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكان هواه يقتضي مخالفة قول كل صحابي؛ حتى لا يدع أي مجال للشك فيه. ولتبقى له الزعامة المطلقة بلا شريك، كما هو هوى كل نفس بشرية، ولكنها النبوة.
إن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الذين لم يتزعزع إيمانهم قيد أنملة بسبب ذلك، لهم الأحرى بالشك من أولئك الذين يزعمون اتباع المنهج العلمي الموضوعي.
وسبحان الله العظيم، لا إله إلا هو ! إن ما يعده منتقدوا القرآن الكريم، شبهة دامغة ضده. ينقلب دائماً حجة قوية، ودليلاً إضافياً على إلهية مصدره !!
كما أن ما سبق مثال واضح على تخبط المواقع التنصيرية على غير هدى في تحديد المصدر البشري المزعوم، الذي أخذ منه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -القرآن الكريم. وما ذلك إلا لعدم وجود دليل، فلا يتخبط في السير على الطريق إلا أعمى أو سكران ...
وصدق الله العظيم في وصفه لهم: " وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ " [آل عمران: 69].
---
[1] أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، ت 5 ه = 626 م، شاعر جاهلي حكيم، من أهل الطائف. قدم دمشق قبل الاسلام. وكان مطلعا على الكتب القديمة، يلبس المسوح تعبدا. وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الاوثان في الجاهلية. ورحل إلى البحرين فأقام ثماني سنين ظهر في أثنائها الاسلام، وعاد إلى الطائف، فسأل عن خبر محمد بن عبد الله rفقيل له: يزعم أنه نبي. فخرج حتى قدم عليه بمكة وسمع منه آيات من القرآن، وانصرف عنه، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه، فقال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ فقال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام. وهاجر رسول الله إلى المدينة، وحدثت وقعة بدر، وعاد أمية من الشام، يريد الاسلام، فعلم بمقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له، فامتنع. وأقام في الطائف إلى أن مات. انظر: الأعلام، الزركلي 2/33.
[2] امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار، أشهر شعراء العرب على الاطلاق. يماني الاصل، كان أبوه ملك أسد وغطفان. وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه المهلهل الشعر، فقاله وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته. فأبعده إلى حضرموت، موطن آبائه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. فأقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي ! ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، لاصحو اليوم ولا سكر غدا ! اليوم خمر وغدا أمر ! ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لابيه من بني أسد، وقال في ذلك شعراً كثيراً. وكانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فابتعد، وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره. ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس. فقصد الحارث ابن أبي شمر الغساني والي بادية الشام فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية، فولاه فلسطين، ولقبه فيلارق أي الوالي، فرحل يريدها. فلما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، وما لبث أن توفي؛ ولذلك عُرف بذي القروح، وكذلك: الملك الضليل. انظر: الأعلام، الزركلي 2/14. وللرد التفصيلي على شبهة أخذ القرآن عن شعر امرئ القيس انظر:
http://www.islamweb.net/ver2/Archive/readart.php?id=79229
[3] هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي، لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الاوثان ولا يأكل مما ذبح عليها. رحل إلى الشام باحثا عن عبادات أهلها، فلم تستمله اليهودية ولا النصرانية بل اتهم النصرانية أن لا فرق بينها وبين الشرك !! فعاد إلى مكة يعبد الله Yعلى دين إبراهيم uـ الحنيفية ـ وجاهر بعداء الاوثان، فتألب عليه جمع من قريش، فأخرجوه من مكة، ولكنه كان يدخلها خلسة. رآه النبي rقبل النبوة، توفي قبل مبعث النبي rبخمس سنين. انظر: الأعلام، الزركلي 5/104.
[4] قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، ت 23 ق. ه = 600 م من بني إياد: أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية. كان أسقف نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه " أما بعد ". وكان يفد على قيصر الروم، زائرا، فيكرمه ويعظمه. وهو معدود في المعمرين، طالت حياته وأدركه النبي rقبل النبوة، ورآه في عكاظ. انظر: الأعلام، الزركلي 5/236.(10/271)
[5] انظر ترجمته في البداية والنهاية لابن كثير 6/330، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2/243. وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/227 أنه تاب بعد ردته وأسلم يوم الفتح، ولم يتعدّ، ولا فعل ما يُنقم عليه بعدها، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم.. وتوفي وهو يصلي الفجر، بعد التسليمة الأولى، وقبل الثانية سنة59هـ.
[6] أصله عربي ، ولكن الفرس غزوا قومه واستعبدوه. وهو أكثر المعلمين المزعومين أنه التقى بسيدنا محمد rفي غار حراء تكراراً . ولكن لماذا لم يكن سلمان tمدعياً النبوة لو كان الأمر بتلك السهولة ؟ وأيضاً: من المجمع عليه أن سلمان الفارسي tأسلم بعد الهجرة، انظر: سيرة ابن هشام1/173، فصل: حديث إسلام سلمان t. وكان زمن نزول الآيات المكية ـ التي تناولت العقائد والقصص المزعوم أخذها عن الفرس ـ يطوف بلاد الشام بحثاً عن الحقيقة ولم ير النبي rإلا بعد الهجرة، أي بعد انتهاء فترة آيات العهد المكي. كما أنه لم يرَ مكة ـ ومن باب أولى غار حراء ـ قبل الفتح الإسلامي لها !!! أي بعد نزول أكثر من 95% من الآيات القرآنية .
[7] ليس تقبيل الحجر الأسود دليلاً على عبادته، فالنصارى يقبِّلون بابا الفاتيكان فهل هم يعبدونه ؟ والجندي الشيوعي إذ يقبل علم بلاده هل معنى ذلك أنه يعبده ؟ إن التقبيل رمز الاحترام والمحبة ولا يدل على عبادة المقبَّل، كما هو معلوم عقلاً. ورغم ذلك تكرر الاستدلال بتقبيل الحجر الأسود ـ بصفته أقوى أدلة وثنية الإسلام ـ في المواقع التنصيرية عشرات المرات، والغريب أن بعضها كان يستشهد بالقول الشهير لعمر بن الخطاب t: " أما والله لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبَّلك ما قبَّلتُك ". كما لم يُعهَد أن عبَدت طائفة من العرب الكعبة أو الحجر الأسود، رغم كثرة أصنامهم.
[8] تكرر ذكر الشمس في القرآن الكريم 33 مرة. وذكرت في القرآن الكريم كأي ظاهرة كونية تدل على إبداع خلق الله Y. ومنها قوله تعالى في سورة فصلت: " لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 37 "، وهي تنسف ما يزعموه. وينسفه أيضاً حديث صريح في ذلك رواه أكثر أهل الحديث ومنهم البخاري في مواقيت الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس 583: " إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ.. ". وللبخاري ومسلم معاً 24 حديثاً في هذا المعنى. وهذا يدل على تدليسهم.
كيف يفسرون توجه الكنائس إلى جهة الشرق ؟ وكيف يجعلون من حركة الشمس التي هي دليلٌ الوقت، دليلاً على عبادتها ؟ فهل إن قلت للمسيحي صلِّ يوم الأحد عند الساعة التاسعة والنصف، فإن ذلك يعني أنك تأمره بعبادة الساعة التاسعة والنصف ؟
وقد ذكر الحكمي في معارج القبول 2/470 في تعريف الصابئة: أنهم أبناء القوم الذين ناظرهم سيدنا إبراهيم uفي عبادة الكواكب، وأنهم يقدسون الشمس ويعدونها من الملائكة، ولهم كعبة يقصدونها ثلاث مرات في اليوم.. وقال: " وهم إذا طلعت الشمس سجدوا كلهم، وإذا غربت، وإذا توسطت الفلك. ولهذا يقارفها الشيطان في هذه الأوقات الثلاثة، لتقع عبادتهم وسجودهم له؛ ولهذا نهى النبي rعن تحري الصلاة في هذه الأوقات؛ قطعاً لمشابهة الكفار ظاهراً، وسداً لذريعة الشرك، وعبادة الأصنام ". ألا يكفي كل هذا لنقض زعمهم؟ ودليلاً على جهلهم ببدهيات وأساسيات العقيدة الإسلامية؟
[9] التاريخ يؤكد عدم وجود أي دليل على ترجمة الكتاب المقدس التوراة والإنجيل إلى اللغة العربية في زمن النبوة. ورد في كتاب: المرشد إلى الكتاب المقدس، طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، 1996م. ص79 حول أول ترجمات الإنجيل إلى العربية: " عام 639م: طلب القائد العربي عمر بن سعد بن أبي وقاص من البطريرك اليعقوبي يوحنا أن يضع ترجمة للإنجيل في اللغة العربية.. عام 867م: أعمال الرسل والرسائل كلها، مكتبة سانت كاترين، سيناء.. حوالي سنة 930م: أسفار التوراة الخمسة وأشعيا، قام بها العالم اليهودي سعيد الفيومي... وأول ترجمة كاملة للكتاب المقدس بعهديه تمت في روما في القرن التاسع عشر الميلادي وعرفت بالبروباغاندا ". وإن كانت كتب اليهود والنصارى المقدسة لم تترجم إلى العربية إلا في وقت متأخر.. فالكتب المقدسة للحضارات والأمم الأخرى، من باب أولى.
[10] حرب البسوس: بين بكر وتغلب، بسبب ناقة امرأة تدعى البسوس. قتلها كليب بن وائل، فقتله من كانت الناقة في حماه.. واستمرت الحرب أربعين سنة. أما حرب داحس والغبراء: فكلا منها فرس تراهن عليهما قيس بن زهير، مع حمل بن بدر، على مائة بعير. ولكن حملاً كمن في إحدى الشعاب للغبراء، ففازت داحس. واستمرت الحرب قرابة أربعين سنة. انظر: تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن، 1/47و49.
[11] البيان والتبيين، الجاحظ 3/18.(10/272)
[12] ذكر ابن حجر في فتح الباري 1505، شرح باب: " ما جاء في القبلة " إنها لا تزيد عن خمسة عشرة مرة.
المقال منقول بالكامل من موقع الاعجاز العلمي في القران والسنه
www.55a.net
===================
تحرير الفكرة في حديث الفأرة
بقلم الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ في جامعة الأزهر ـ مصر
هذا حديث صحيح من الأحاديث التي ردها البعض وأنكرها، أو سخر منها بعض الجهلاء، أو استهجنها من لا علم له، إنه حديث صحيح أورده البخاري في جامعه الصحيح، والترمذي والنسائي في سننيهما، كما ورد في مسند أبي داود وفي موطأ مالك، بروايات متقاربة.
والحديث بلفظ أبي داود، كما أورده في كتابه الأطعمة (باب: في الفأرة تقع في السمن) ـ هو : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامداً فألقوه وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوها).
ولقد ناقش د/عبد البديع زللي[1]هذا الموضوع، وألقى بعض الضوء على وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث النبوي، في مقالة مطولة، نلخص ما توصل إليه في السطور القليلة القادمة.
بدايةً يقرر التاريخ أن الإنسان لم يعرف شيئاً عن وجود الميكروبات أو الكائنات الحية الدقيقة، عموماً، إلا فيما بعد عام 1857م .. ومنذ ذلك التاريخ والأبحاث تتوالى في جوانب مختلفة من هذا العالم الغامض المثير المدهش. واستطاع العلماء أن يهيئوا أوساطاً غذائية للكائنات الحية الدقيقة في المعامل والمختبرات من أجل دراسة هذه الكائنات وعزلها وتصنيفها وتحديد أنواعها.
ومن أشهر الأوساط الغذائية قسمان: أوساط مائعة وأوساط صلبة، وهذه الأخيرة هي كالأولى ولكن بعد مادة (آجار) التي تعمل على تصلب المائع(أو السائل) تصلباً بسيطاً وتجعله كالجيلى (الذي يسيل بالتسخين ويتصلب بالتبريد).
تتكاثر البكتريا وتنمو بوفرة وتنتشر في جميع أجزاء الأوساط الغذائية السائلة، ولكنها تعجز عن الانتشار في الأوساط الغذائية الصلبة وتظل باقية محبوسة في المكان الذي وقعت فيه، ولا تنتشر في أرجاء هذا الوسط الغذائي الصلب.
وبالرغم من أن الإسلام حضَّ المسلم على حفظ صحته وحمايتها مما يضَّر بها، ومن هذه الأضرار ما تسببه الفئران من أخطار حتى كانت الفأرة من ضمن الفواسق التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، وقد وردت الأحاديث النبوية في هذا بصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وموطأ مالك وسنن الدارمي.. فإن الحديث النبوي الصحيح عنها إلا حديثاً، وهي أن البكتريا الممرضة الموجودة في جسم الفأرة يكون احتمال انتشارها إلى جميع أرجاء السمن وارداً عندما يكون السمن مائعاً، أي حينما يكون وسطاً غذائياً سائلاً.
ولذلك كان النهي عن الاقتراب من هذا السمن بأية طريقة:( فلا تقربوه)، لأن البكتريا التي أصابها السمن المائع بعد انتقالها إليه من جسم الفأرة، قد تكاثرت وتضاعفت أعدادها كثيراً، مما يجعل هذا السمن بؤرة فاسدة مكتظة بأعداد ضخمة من البكتريا الممرضة، ولذلك فإن إدخال اليد في السمن أو لمسه، يّعدُّ سبباً لنقل البكتريا الممرضة إلى جسم الإنسان، ولذلك جاء الهدي النبوي بالأمر بعدم الاقتراب من هذا السمن.
أما إذا كان السمن جامداً ووقعت فيه فأرة ثم تركته، أو حتى ماتت فيه، فإن البكتريا المنتقلة من الفأرة إلى السمن لا تلوث جميع أرجائه، بل الطبقة المحيطة بالفأرة، ولذلك جاء الحديث النبوي بإلقاء الفأرة وما حولها من طبقة السمن إلى خارج الإناء، وجواز استعمال بقية السمن..!!
هكذا يتضح بعض ما ينطوي عليه هذا الحديث النبوي الصحيح من إعجاز علمي، وإن كان يحتوي المزيد الذي يكشف عنه العلماء مع تطور علومهم وارتفاع معارفهم، وهكذا يظل الحديث النبوي، عموماً، كالآيات القرآنية، يتوالى عطاؤها العلمي على مرِّ الزمان، فإذا بالمنكر أو المتردد يرى سخف رأيه وضلاله في ردَّ الأحاديث النبوية التي عجز علقه عن فهمها فهماً سليماً.
===================
علماء أستراليون يستخرجون مضادات حيوية من الذباب فليخسأ الحاقدون
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني عتبة بن مسلم قال أخبرني عبيد بن حنين قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول
قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء
صحيح البخاري حديث رقم 3073
صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم(10/273)
كذب الحاقدون من اصحاب العمائم السوداء , وها هي الحقيقة اليوم واضحة امام المخدوعين من عامة النصارى الذين ربما لم يرو الدراسات السابقة التي اكدت وجود مضادات حيوية في الذباب , أمامهم الآن اكتشاف آخر أجلي وأوضح من التي سبقت ... علماء من هيئة علمية استرالية يؤكدون ما قد اخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن في احدي جناحي الذباب داء والأخرى شفاء ... فهل يؤمن الحاقدون ام يتكبرون علي الحق ,, الحق الذي وعد الله ان يريه للجميع من خلال آياته في الآفاق وفي الأنفس
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
( فصلت :53 )
عنوان الموضوع
The new buzz on antibiotics
موقع أي بي سي
http://www.abc.net.au/science/news/stories/s689400.htm
ترجمة – محمود أباشيخ
ان ظهر الذباب هو آخر مكان تتوقعه ان تجد فيه علي مضادات حيوية , ومع ذلك ذاك هو المكان بالتحديد الذي يركز عليه فريق من باحثين استراليون
وذلك بناءا علي نظرية حتمية امتلاك الذباب مضادات للجراثيم فعالة للحفاظ علي حياتها في بيئة الروث واللحم أو الفواكه المتعفنة, والفريق من قسم علوم الأحياء بجامعة ماكوري يقوم حاليا بدراسة للتعرف علي خاصية تلك المضادات واختلافها في المراحل المختلفة لنمو الذباب
وقالت السيدة جوان كلارك : ان بحثنا جزء صغير من ابحاث وجهود عالمية للحصول علي مضادات حيوية جديدة , ونعتقد اننا نبحث حيث لم يبحث فيه احد من قبل
السيدة جوان كلارك هي التي تولت تقديم الاكتشاف نيابة عن الباحثين في مؤتمر جمعية علم الأحياء المجهري عقد في ماربون ويعتبر هذا الموضوع جزء من رسالة الدكتوراه التي تحضرها
العلماء قاموا باختبار اربعة اصناف من الذباب : ذبابة المنزلية , ذبابة اللحم , ذبابة الفواكه والكنترول .. والنوع الأخير من صنف ذبابة الفاكهة في كوينسلاند وتضع بيضها علي الفواكه الطازجة.احتياج هذه اليرقات للمضادات أقل من الاصناف الأخرى لقلة ملاقاتها للجراثيم
الذباب تمر بعدة أطوار في دورة حياتها بداية من مرحلة اليرقة ثم مرحلة الشرنقة الي ان تدخل مرحلة الحشرة الكاملة أو طور البلوغ , وخلال طور الشرنقة الذباب يكون محاطا ب بغلاف محمي ولا تتغذي , وأضافت السيدة جوان كلارك انهم توقعوا قلة انتاج المضادات في هذا الطور
ولكن خلال طور الشرنقة لم تظهر الأصناف الأربعة خصائص المضادات الحيوية سوي صنف كنترول الذي التابع لصنف الفواكه في كوينسلاند بينما جميع الاصناف افرزت مضادات في طور البلوغ ( لأنها في هذا الطور تكون في حاجة الي حماية مضادات الجرثومية لكثرة تحركها وملاقاة الحشرات الأخرى
خصائص المضادات وجدت في جميع الأنواع الأربع, وذكرت جوان ان المضادات تظهر ايضا في احشاء الذبابة كما تظهر خارج الجسم وسبب تركيزنا علي خارج الجسم هو فقط للسهولة عملية الاستخراج
ويتم استخلاص المضادات عن طريق وضع الذبابة في الكحول الأثيلي ثم يتم استخلاص مادة المضاد الخام بتمرير مركب المحلول خلال مرشح ( فبلتر )
وعند وضع المضاد الحيوي المستخرج من الذباب في محلول ملوث بشتى انواع البكتيريا مثل اي كولاي , جولدين ستاف ( معروف ايضا ب ستافلوكوكس ) وخميرة الكانديدا ومعديات أخري .. وفي كل الحالات لوحظ فعالية المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب )
واضافت السيدة جوان كلارك قائلة " اننا حاليا نحاول التعرف علي مكونات المضاد الحيوي لإنتاجه كيميائيا. ولأن المركب ليس مستخرجا من بكتيريا لن يكن سهلا للبكتيريا ان تكون مناعة ضد المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب ) ونأمل ان يكون لهذه المضادات فعالية علاجية لمدة طويلة
===================
شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش والرد عليها
وطبعا هذا ينقل كاملا لأننا نحتاج جدا للفهم الجيد للقصة حتى نكون واعين لها من جميع الجوانب وحتى تتضح للسائل اكثر وتغلق فم الملبس ابدا
الحمد لله والصلاة و الصلاة و السلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
أحبتي في الله شاء الله عز وجل ولا مرد لمشيئته أن يطلق زيد بن حارثة زوجته حينما تعذر بقاء الحياة الزوجية بينه و بينها على الوجه المطلوب ، و مضت سنة الله في خلقه أن ما رسخ في النفوس بحكم العادة لا يسهل التخلص منه ، فقد كانت عادة التبني لا تزال قائمة في نفوس الناس ، و ليس من السهل التغلب على الآثار المترتبة عليها ، و من أهم هذه الآثار أن الأب لا يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلاقه لزوجته ، فاختار الله تعالى لهذه المهمة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم و أمره بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد .(10/274)
و بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها ، أثار هذا الزواج أحاديث همز و لمز و أقاويل كثيرة من قبل المشركين والمنافقين ، فقد قالوا : تزوج محمد حليلة ابنه زيد بعد أن طلقها ، كما وأن للمستشرقين و من شايعهم في العصر الحاضر ، أحاديث في هذا الموضوع ، فاتخذوا من هذه الحادثة ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه و سلم .
والذي أريد أن أتحدث عنه اليوم هو الرد على هؤلاء المستشرقين الذين اتخذوا من هذه القضية مدخلاً للطعن في نبي الله صلى الله عليه وسلم ، كما و أنهم تناولوا زواجه صلى الله عليه وسلم بهذا العدد ، فجعلوا منه مادة للنيل منه صلى الله عليه وسلم ، و وصفوه بأشياء ينبو عنها القلم .
و لما كان هذا الأمر من الخطورة بمكان لتعلقه بأشرف خلق الله على الإطلاق - و كان كل من يطلق لسانه في هذا الصدد يقول : لسنا نبتدع شيئاً ، فها هي كتب التفسير و كتب السير تحكي ذلك - ، لذا سأقوم الآن بعرض تلك الروايات التي اعتمدوا عليها رواية رواية ، متبعاً كل رواية منها ببيان ما وجّه لأسانيدها من نقد ، ثم أتبع ذلك بنقدها جميعاً من جهة متونها ، و موقف الأئمة المحققين من هذه الروايات .
يقول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ، و تخفي في نفسك ما الله مبديه ، و تخشى الناس والله أحق أن تخشاه ، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً } [الأحزاب/37].
إن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها ؛ هو ما كان بين زيد و بين زينب من خلافات ، و أنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما ، فطلقها بمحض اختياره و رغبته ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ، و قد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلق زينب ، و أنه ستكون زوجة له ، و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا و يخشى من مقولة الناس ، أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه ، فعاتبه ربه على ذلك . انظر : جامع البيان للطبري (22/11) و تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/489) ، و انظر البخاري ( برقم 4787) .
خلاصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون أن هناك سبباً آخر لطلاق زينب ، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب فجأة و هي في ثياب المنزل فأعجبته ، و وقع في قلبه حبها ، فتكلم بكلام يفهم منه ذلك ، إذ سمعه زيد فبادر إلى طلاقها تحقيقاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أن زيداً شاوره في طلاقها ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ، لكن في قلبه ضد هذا ، و أنه كان راغباً في طلاق زيد لها ليتزوجها ، و فوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل ، بل عاتبه لِمَ يخفي هذا والله سيبديه .
و رغم شناعة ما جاء في هذه الروايات ، و هذا الفهم للآية الكريمة التي تتحدث عن طلاق زيد لزينب و زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها ، إلا أنه قد جاز على أئمة فضلاء ، ففسروا به الآية الكريمة ، وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم .
ومن هؤلاء الأئمة :
ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان (22/12) ، عند تفسيره الآية ولم يذكر غيره .
و منهم : الرازي في تفسيره (13/184) ، حيث ذكر نحواً من كلام ابن جرير .
ومنهم : ابن القيم في كتابه الجواب الكافي (ص 247) ، حيث ذكره في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام .
ومنهم : الزمخشري في تفسيره (3/262) .
وأحسن ما يعتذر به عن هؤلاء الأئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر الآية بهذا ، أنهم عدوا هذا منه صلى الله عليه وسلم من عوارض البشرية ، كالغضب والنسيان ، و لكنهم لم يستحضروا شناعة هذا التفسير للآية ، و نسبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها و متونها كما فعل غيرهم ، ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن يغفر لهم .
والآن إلى نقد الروايات ..
الرواية الأولى :(10/275)
ذكرها ابن سعد في طبقاته (8/101) و من طريقه ساقها ابن جرير في تاريخه (3/161) : قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه ، و كان زيد إنما يقال له : زيد بن محمد ، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول : أين زيد ؟ فجاء منزله يطلبه ، فلم يجده ، و تقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فُضُلاً أي وهي لابسة ثياب نومها - ، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقالت : ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل ، و إنما عجلت أن تلبس لما قيل لها : رسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب فوثبت عجلى ، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فولى و هو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا : سبحان مصرّف القلوب ، فجاء زيد إلى منزله ، فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله ، فقال زيد : ألا قلت له أن يدخل ؟ قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى ، قال : فسمعت شيئاً ؟ قالت : سمعته يقول حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه ، و سمعته يقول : سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت ؟ بأبي وأمي يا رسول الله ، لعل زينب أعجبتك فأفارقها ، فيقول رسول الله : أمسك عليك زوجك ، فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم ، فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره ، فيقول رسول الله : أمسك عليك زوجك ، فيقول : يا رسول الله أفارقها ، فيقول رسول الله : احبس عليك زوجك ، ففارقها زيد واعتزلها و حلت يعني انقضت عدتها قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة ، إلى أن أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية ، فسري عنه و هو يبتسم و هو يقول : من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء ؟ وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ..} الآية ، القصة كلها .
قالت عائشة : فأخذني ما قرب و ما بعد لما يبلغنا من جمالها ، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها ، زوجها الله من السماء ، و قلت : هي تفخر علينا بهذا ، قالت عائشة : فخرجت سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فتحدثها بذلك ، فأعطتها أوضاحاً حلي من الفضة عليها .
وإسناد هذه الرواية فيه علل ثلاث ، واحدة منها تكفي لرد هذه الرواية :
العلة الأولى : أنها مرسلة ، فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي ، يروي عن الصحابة ، و يروي أيضاً عن التابعين ، كعمر بن سليم و الأعرج ، و غيرهما ، (ت 121 هـ ) و عمره ( 74 سنة ) ، فهو لم يدرك القصة قطعاً و لم يذكر من حدثه بها . التهذيب (9/507-508 ) .
العلة الثانية : عبد الله بن عامر الأسلمي ، ضعيف بالاتفاق ، بل قال فيه البخاري : ذاهب الحديث ، و قال أبو حاتم : متروك . التهذيب (5/275) ، و ميزان الاعتدال (2/448) .
العلة الثالثة : محمد بن عمر ، و هو الواقدي ، إخباري كثير الرواية ، لكنه متروك الحديث ، ورماه جماعة من الأئمة بالكذب و وضع الحديث . ميزان الاعتدال (3/664) .
الرواية الثانية :
ذكرها ابن جرير في تفسيره (22/13 ) قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت عمته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وقع ذلك كرهت الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : مالك ؟ أرابك منها شيء ؟ قال : لا ، والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فذلك قول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } ، تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها .
و هذه الرواية فيها علتان :
العلة الأولى : أنها معضلة ، فابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ليس بصحابي ولا تابعي ، فقد سقط من الإسناد راويان أو أكثر .(10/276)
العلة الثانية : أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق المحدثين ، بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث ، قال البخاري وأبو حاتم : ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال أبو حاتم : كان في الحديث واهياً ، و جاء عن الشافعي أنه قال : قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف المقام ركعتين ؟ قال : نعم . و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً منقطعاً قال له : اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح . و أقوال الأئمة في تضعيفه كثيرة ، و هو رجل صالح في نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف جداً . التهذيب (6/178) . و يروى عنه شيء كثير في التفسير ، فما كان من رأيه في فهم القرآن ، فهذا ينظر فيه ، وأما ما يرويه مسنداً فغير مقبول ، فكيف إذا أرسل الحديث ؟!
الرواية الثالثة :
ذكرها أحمد في مسنده (3/149-150) ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا ثابت عن أنس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته زينب ، وكأنه دخله لا أدري من قول حماد أو في الحديث فجاء زيد يشكوها إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، قال : فنزلت { واتق الله و تخفي في نفسك ما الله مبديه } إلى قوله { زوجناكها } يعني زينب .
مؤمل بن إسماعيل قواه بعض الأئمة ، و وصفه أكثرهم بأنه كثير الخطأ يروي المناكير ، قال يعقوب بن سفيان : حديثه لا يشبه حديث أصحابه ، و قد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، و هذا أشد ، فلوا كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً .
و قال محمد بن نصر المروزي : المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه ، لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط . التهذيب (10/381) .
و حديثه هذا قد رواه جماعة من الثقات من أصحاب حماد فلم يذكروا أول الحديث ، وإنما ذكروا مجيء زيد يشكوا زينب ، و قول النبي صلى الله عليه وسلم له ، و نزول الآية . البخاري (برقم 7420) والترمذي ( برقم 3212) والنسائي ( برقم 11407) .
الرواية الرابعة :
رواها ابن جرير في تفسيره (22/13) ، قال : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } و هو زيد أنعم الله عليه بالإسلام : { وأنعمت عليه } أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } ، قال : وكان يخفي في نفسه ودّ أنه طلقها ، قال الحسن : ما أنزلت عليه آية كانت أشد منها قوله { واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } ، و لو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } ، قال خشي نبي الله صلى الله عليه وسلم مقالة الناس .
و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هذه القصة مختصرة ، قال : جاء زيد بن حارثة فقال : يا رسول الله إن زينب اشتد عليّ لسانها ، وأنا أريد أن أطلقها ، فقال له : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قال : والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها و يخشى مقالة الناس . فتح الباري (8/524) .
وقتادة هو بن دعامة السدوسي أحد الأئمة الحفاظ ، مشهور بالتفسير ، فما فسره من فهمه للآيات فينظر فيه ، وما ذكره رواية فإن العلماء أخذوا عليه كثرة التدليس ، فاشترطوا لصحة حديثه أن يصرح بالسماع ، و هذا إذا ذكر الإسناد ، فإما ما يرسله ولا يذكر بعده في الإسناد أحداً كما في روايته لهذه القصة فهو ضعيف جداً ، قال الشعبي : كان قتادة حاطب ليل ، و قال أبو عمرو بن العلاء : كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء ، يأخذان عن كل أحد . التهذيب (8/351-356 ) . و كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً ، و يقول : هو بمنزلة الريح . جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ( ص 101 ) .
على أن روايته لتفسير الآية ليس فيه تفصيل كما في الروايات الأخرى ، و يمكن رد روايته إلى الروايات الصحيحة في تفسير الآية ، فيكون معنى ( أحب ) و ( ودّ ) أي علم أن زيداً سيطلقها ولا بد بإلهام الله له ذلك ، وتكون خشيته من مقالة الناس حينئذٍ أن يقولوا : تزوج حليلة ابنه .
الرواية الخامسة :(10/277)
ذكرها القرطبي في تفسيره (14/190) قال مقاتل : زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حيناً ، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه ، فأبصر زينت قائمة ، و كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتمّ نساء قريش ، فهويها وقال : سبحان الله مقلب القلوب ، فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبراً ، تعظم عليّ و تؤذيني بلسانها ، فقال عليه السلام : أمسك عليك زوجك واتق الله ، و قيل : إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر و زينب مُتَفَضَّله في منزلها ، فرأى زينب فوقعت في نفسه ، و وقع ف ينفس زينب أنه وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ن و ذلك لما جاء يطلب زيداً ، فجاء زيد فأخبرته بذلك ، فوقع في نفس زيد أن يطلقها .
هذه الرواية لم يذكروا لها إسناداً إلى مقاتل ، و لو صحت إلى مقاتل لم يفدها شيئاً ، فإن مقاتلاً و هو مقاتل بن سليمان فيما يظهر قد كذبه جمع من الأئمة و وصفوه بوضع الحديث ، و تكلوا في تفسيره . أنظر ترجمته في التهذيب (10/279-285 ) .
الرواية السادسة :
قال ابن إسحاق : مرض زيد بن حارثة فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده و زينب ابنة جحش امرأته جالسة عن رأس زيد ، فقامت زينب لبعض شأنها ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طأطأ رأسه ، فقال : سبحان مقلب القلوب والأبصار ، فقال زيد : أطلقها لك يا رسول الله ، فقال : لا ، فأنزل الله عز وجل { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ...} إلى قوله {وكان أمر الله مفعولاً } . تعدد نساء الأنبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام اللواء أحمد عبد الوهاب ( ص 68 ) .
هذه الرواية لم يذكروا لها إسناداً ، و لم أقف عليها في سيرة ابن هشام .
و بعد أن تبين ضعف هذه الروايات و سقوطها من جهة أسانيدها ، فلننظر فيها من جهة متونها وما فيها من اضطراب و نكارة ، من عدة وجوه :-
الوجه الأول : تناقض الروايات المذكورة ، ففي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار زيد بن حارثة و هو غائب فاستقبلته زينب ، و في بعضها أن زيداً كان مريضاً ، فزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم جالساً هو و زيد و زينب ، فكيف يكون زيد غائباً و مريضاً في فراشه في وقت واحد .؟!
الوجه الثاني : والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار زيداً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لزينب رضي الله عنها ، فرواية تقول بأنه كان واقفاً بالباب فخرجت إليه ، و رواية بأنه كان واقفاً بباب زيد فرفعت الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته .
الوجه الثالث : تتفق الروايات على أن إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بزينب و وقوع حبها في قلبه جاء متأخراً ، أي بعد أن تزوجها زيد رضي الله عنه ، و هذا شيء عجيب ، فلقد ولدت زينب و رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثانية عشرة من عمره ، و شبت وترعرعت أمامه ، فهي ابنة عمته ، ألم يلحظ مفاتنها إلا متأخراً ، و بعد أن صارت زوجة لدعيّه ، و هو الذي زوجها له ، والحجاب لم ينزل بعد ، فقد نزل صبيحة عرسها ، ألا يكون شاهدها ، فلوا كان يهواها أو وقعت في قلبه لما منعه شيء من زواجها ، فإشارة منه صلى الله عليه وسلم كافية لأن يقدموها له ، بل قد ورد أنه وهبت نفسها له . أنظر كلام ابن العربي حول هذا الوجه في كتابه أحكام القرآن (3/1543) .
الوجه الرابع : لو افترضنا جدلاً أن حبها وقع في قلبه صلى الله عليه وسلم متأخراً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة ، فبأي شيء يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و زينب أنها وقعت في قلبه ، سواء كان ذلك تسبيحاً أو طأطأة للرأس ، أو غير ذلك ؟! كيف ذلك و هو الذي نهى عن أن يخبب الرجل امرأة غيره عليه ؟ أفيعمل ما قد نهى أمته عنه ؟! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا ) أبو داود ( برقم 5170) بسند صحيح .
ولو افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد إفهامها ذلك ، وإنما صدر منه ذلك عفواً دون قصد ، فكيف بما ذكروا أنه عقد عليه قلبه من محبته و رغبته أن يطلقها زيد ليتزوجها ؟ ولو نسب ذلك إلى آحاد المسلمين لكان ينبغي تبرئته من ذلك .
و فوق ذلك كله كيف يعاتبه الله كما تقول هذه الروايات لأنه أخفى ذلك عن الناس و لم يعلن أنه يحب زوجة زيد ، وأنه يود لو طلقها ليتزوجها ؟ تَصَوّرٌ مثل هذا كاف في ظهور بطلان هذه الروايات .(10/278)
الوجه الخامس : هذه الروايات التي فسروا بها الآية لو لم يرد غيرها لم يصح أن يفسر بها كتاب الله تعالى ، لسقوطها إسناداً ومتناً ، فكيف و قد وردت روايات أخرى في تفسير الآية تفسيراً منطقياً لا إشكال فيه ولا نكارة ، فالذي يخفيه صلى الله عليه وسلم هو ما أعلمه ربه أنه ستصبح زوجة له ، و الذي يخشاه هو مقولة الناس إنه تزوج حليلة من كان يدعى إليه .
والغريب في الأمر أن بعض المفسرين ترك هذه الروايات الصحيحة و التي لا مطعن فيها ، و ذكر تلك الروايات الشاذة الغريبة ، و منهم من لم يذكرها لكنه ذهب يفسر الآيات على ضوئها .
و إذا اتضح الآن سقوط تلك الروايات سنداً و متناً فإنه لا يفوتني هنا أن أسجل مواقف بعض الأئمة المحققين من المفسرين وغيرهم الذي وقفوا أمام هذه الروايات موقفاً حازماً صلباً ، فمنهم من ذكرها و فندها ، و منهم من أضرب عنها صفحاً بعد الإشارة إلى ضعفها و نكارتها .
قال ابن العربي بعد أن ذكر ملخص هذه الروايات ، و بين عصمة النبي صلى الله عليه وسلم : هذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد . أحكام القرآن (3/1543) .
قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى الله عليه وسلم ، و ما الذي كان يخشاه من الناس : و هذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، و هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي و غيرهم . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد و ربما أطلق بعض المُجّان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . الجامع لأحكام القرآن (14/191) .
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها ، و قد روى الإمام أحمد هاهنا أيضاً حديثاً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً . تفسير القرآن العظيم (3/491) .
و قال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : و وردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها . فتح الباري (8/524) .
و هناك ثُلّة كبيرة من علماء الإسلام في العصر الحاضر تفطنوا لمثل هذه الأخبار ، و رمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل خطيرة لا تليق بمقام الأنبياء ، فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب عن هذه الآثار الدخيلة ، فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ الفكر الإسلامي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تشويه الحقائق التاريخية في تراث الإسلام .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا : وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ، و يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زوراً و بهتاناً . محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص 275) .
و خلاصة الأمر ..
كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس و ثلاثين . ابن سعد في الطبقات (8/114) .
روى البخاري في صحيحه ( برقم 7420) : أن زيداً جاء يشكوا زوجته ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قالت عائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً ، لكتم هذه ، فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : زوجكن أهاليكن ، و زوجني الله من فوق سبع سماوات .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه / الشيخ أبو عبد الله الذهبي
===================
العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام
قد يظن كثير من المسلمين أن العدوان الغربي على الإسلام وتشويه صورة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من طرف وسائل الإعلام في الغرب لا سيما في أميركا من جانب رؤساء بعض الكنائس الإنجيلية أمر جديد حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقيام الحرب الصليبية المقنعة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت قناع " الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل " .
والحق أن هذا العدوان الإعلامي الشرس ليست جديدة ، بل هي : عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجري .
وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر القرون لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة . وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العَفِن الذي تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الأنجيليين في أميركا ، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة .(10/279)
وقبل أن نلقي نظرة موجزة جداَ على تاريخ تلك العقيدة الغربية(1) القائمة على أساس التلفيق والاختراع لتصوير الإسلام في أشكال مشوهة وبشعة ، نعرض لمقتطفات من أقوال بعض رجال الدين الإنجيليين في أميركا عن الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام ليتضح لكل صاحب فكر خصيب مدى اعتناق هؤلاء لتلك العقيدة الموروثة التي لفقها أسلافهم خلال العصور الوسطى في أوربا .
1- جيري فالويل Jerry Falwell : وهو قسيس أنجيلي معروف له برنامج إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من عشرة ملايين أسبوعياً وله جامعة أصولية خاصة تسمى جامعة الحرية Liberty University وهو الذي يروج في موقعه على الإنترنت www.Lalwell.com لكتابه "فلنتقدم إلى معركة هرمجدون" March to Armgeddon وهي معركة نهاية التاريخ كما في معتقدات الأنجيليين . وفي الصفحة الأولى من موقعه على الإنترنت يضع تاريخاً ملفقاً عن النبي عليه الصلاة والسلام; مستمد بكامله من كتابات بعض الرهبان الأوربيين في العصور الوسطى . ويهاجم فالويل النبي ; من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى .
ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002م في برنامج 60 دقيقة مانصه : "أنا اعتقد أن محمداً كان إرهابياً ، لقد قرأت ما يكفي من المسلمين وغير المسلمين أنه رجل عنف ، ورجل حروب ..... في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحب كما فعل موسى ، وأنا اعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً" .
2- بات روبرتسون Pat Robertson : وهو قسيّس إنجيلي معروف باهتماماته السياسية وتأييده المعلن لإسرئيل ، ويمتلك عدداً من المؤسسات الإعلامية من بينها نادي ال 700 (700 Club) وهو برنامج تلفزيوني يصل إلى عشرات الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى 90 دولة في العالم بأكثر من 500 لغة مختلفة وهي محطة (البث النصراني Christian Broadcasting) ومنها إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة في التنصير في منطقة العالم العربي .
كما سعى بات روبرتسون إلى الترشيح لمنصب الرئيس الأمريكي في عام 1988م ، ويقف خلف أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو (التحالف النصراني) (Christias Coalition) وموقعه الإلكتروني هو www.patrobertson ويملك أيضاً جامعة أصولية هي جامعة ريجنت Reqent University وفي هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتي وكولمز Hannity and Colmess في قناة فوكس الإخبارية Fox Newss قال ما يلي: "كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن ، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين... إنه رجل متعصب إلى أقصى حد ..إنه كان لصاً وقاطع طريق .. « إن ما يدعو إليه هذا الرجل [محمد] في رأيي الشخصي ليس إلا خديعة وحيلة ضخمة" "إن 80% من القرآن من النصوص النصرانية واليهودية . ولقد ذكر موسى أكثر من 500 مرة في القرآن . أنا أقول إن هذا القرآن ماهو إلا سرقة من المعتقدات اليهودية .. ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى في المدينة . أنا أقصد .. أن هذا الرجل [محمد] كان قاتلاً [سافك للدماء] " وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيّس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين في العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا المأفون مع أقوال عصر الظلمات في أوربا في العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم
3- فرانكلين جراهام Franklin Graham : وهو أبن القسيس الأمريكي بيلي جراهام .(10/280)
وقد عمل والده قسيساً خاصاً للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون ، وحتى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون . ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب ، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليوبوش . ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التي أنشأها أبوه والتي تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عدداً وتأثيراً ، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من 450 حملة تنصير في جميع أنحاء العالم . وموقعه على الانترنت هو www.samaritan.org. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام ، وأن القرآن ( يحض على العنف ) وكرر جراهام خلال برنامج ( هاينتي وكولمز ) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية في الخامس من أغسطس 2002م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001م وصف فيها الإسلام بأنه دين ( شرير ) وفي كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم) The name ، يحتوي علىنصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلي : في الصفحة رقم 71 يقول : " الإسلام .. أسّسَ بواسطة فرد بشري مقاتل يسمى محمد ، وفي تعاليمه ترى تكتيك ( نشر الإسلام من خلال التوسع العسكري ) ، ومن خلال العنف إذا كان ضرورياً ، من الواضح أن هدف الإسلام النهائي هو السيطرة على العالم " ويقول في الصحفة 72 من كتابه إن " القرآن يحتوي على قصص أُخذت وحُرّفت عن العهدين القديم والجديد .. لم يكن للقرآن التأثير الواسع علىالثقافتين الغربية والمتحضرة الذي كان للأنجيل . الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية " .
4- جيري فاينز Jerry Vines : وهو راعي كنيسة في جاكسون فيل في فلوريدا ، يصل عددأتباعها إلى 25 ألف شخص ،وهو من أبرز المتحدثين الأمريكيين في المؤتمر السنوي للكنائس المعمدانية الجنوبية ، وهو أكبر مؤتمر ديني يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالي والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وموقعه على الانترنت www.fbcjax.com . وقد أدلى جيري فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية ، والذي عُقد مؤخراً في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية .
وخلال الاجتماع أفترى جيري فاينز على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زوراً و بهتاناً بأنه " شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان ، وتزوج من 12 زوجه آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات " وأضاف فاينز أن " الله [ الذي يؤمن به المسلمون ] ليس الرب الذي يؤمن به المسيحيون " .
هذه الصور الملفقة المشوهة هي عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربي النصراني ، أصبحت راسخة في العقل الجمعي الغربي منذ نهاية القرن الثامن الهجري . وكانت هي المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين في العصور الحديثة وهي التي نراها الآن ونسمع بها .
ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة في أربعة مصادر رئيسية هي :-
1- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم : يوحنا الدمشقي وتلميذه أبو قره ويوحنا النقيوسي ، ويحى بن عدي ، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السرياني .
2- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون ( الروم ) وعلى رأسهم : ثيوفانس المعترف ، ونيقتاس البيزنطي ، وجرمانوس .
3- المصادر الأسبانية : وعلى رأسهم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام وماكتبه ايزدور الأشبيلي ، وأولوخيو ، وبول الفارو ، وغيرهم .
4- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجري .(10/281)
ويأتي على رأس تلك الكتابات : المشروع الكلوني . وهو أول وأكبر مشروع استشراقي هدف بالدرجة الأولى إلى تفنيذ الإسلام . وكتاب لمؤلف مجهول يسمى : الدحض الرباعي ، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من : بدرودي الفونسو ، وسان بدرو باسكوال ، وريكولدو دي مونت كروس ، ورامون مارتي ، وريموندلول ، ووليم الطرابلسي ، ووليم الصوري ، ووليم آدم ، وجاكيوس دي فتري ، وهامبرت الروماني ، وفيد ينزو أوف بافيا ، وغيرهم كثير .من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقي ( 55 - 131هـ / 675 - 749 م ) وهو من نصارى الشام ، وُلدَ وعاش في العصر الأموي ، وتضلع في اللاهوت ، وكتب كتباً كثيرة ، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات . وأفرد فيه فصلاً عن الإسلام أطلق عليه اسم ( هرطقة الأسماعيليين ) ويقصد بالإسماعيلين العرب من أبناء اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . وهذا الفصل شديد الطعن ، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقه والضلال والخرافة ، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة ، وزعم أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان رسولاً زائفاً ادَّعى النبوة زمن الامبراطور هرقل ، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسي فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتاباً من السماء ، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة ـ على حد قوله ـ التي تسمى بالإسلام . ومن التلفيقات التي وضعها يوحنا في فصله هذا لتشويه صورة النبي عليه الصلاة والسلام زعمه الكاذب أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل إلى بيت زينب بنت جحش في غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب.... إلى آخر القصة التي تسربت إلى بعض كتب التفسير ، وأدرك ابن كثير زيفها فأعرض عن ذكرها في تفسيره وأشار إلى أنها ملفقةً لا تصح .
وكان هدف يوحنا الدمشقي من ذلك التشويه تحصين النصارى من أهل الذمة والحيلولة بينهم في بلاد الشام وبين اعتناق الإسلام حين رأى تسامح المسلمين مع أهل الذمة، ودخول كثير من النصارى في الإسلام فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى اتهام الإسلام بالهرطقة وتشويه سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، لتكون صورته في نظر النصارى صورة كريهة حتى لا يقبلوا على اعتناق الإسلام . وقد انتشر هذا الكتاب في بلاد الدولة البيزنطية ( دولة الروم ) واستخدمه الكتّاب البيزنطيون في هجماتهم الفكرية على الإسلام ثم تُرجم إلى اللاتينية وأسهم في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين طوال العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر .(10/282)
ومن الكُتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطي الذي عاش في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي . وكتب كتاباً زعم أنه دحضٌ للقرآن الكريم ، ذلك أن الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث ( 227 ـ 254 / 842 ـ 867 ) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن لله جل وعلا ابن يشاركه في أسمائه وصفاته ، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة . فكلَّفَ الامبراطور نيقتاس بالرد عليهما فقام نيقتاس بتأليف رده الذي وصفه بأنه ( دحض لكتاب محمد المزوَّر ) . ولم يكن نيقتاس متضلعاً في اللغة العربية ، فقام حسب زعمه بالإطلاع على القرآن ، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف ، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا ـ مثلما هو رقمها في القرآن ـ ثم يذكر اسمها . وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله ـ جل وعلا ـ على شكل كروي كامل ، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة في السماء . ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التي سأشير إليها بعد قليل . ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادي ـ بزعمه ـ ، وقال بأن محمداًعليه الصلاة والسلام قاد المسلمين ليعبدوا في مكة وثناً مصنوعاً على غرار أفروديت ـ معبودة الحب والجمال عند الأغريق ـ وأنه جعل الشيطان رباً للخلق ،وظل يؤكد على أن دين محمد عليه الصلاة والسلام دين وثني وأن اتباعه مجرد جماعة من الوثنيين. وكان في كل سورة يتحدث عنها يوجه السب والشتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ـ زاعماً ـ أنه هو الذي وضع القرآن وشحنه بالأساطير ، وأنه أمر اتباعه بقتل من يجعل شريكاً في جانب الله، ولذلك وقع معظم ذلك القتل على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن الله ـ بزعمه ـ وأخذ نيقتاس يحاول تفنيد بعض نصوص القرآن وقصصه عن طريق مقارنتها بنصوص العهدين القديم والجديد. ويبدو في هذا متأثراً برأي يوحنا الدمشقي ، فزعم على سبيل المثال أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يصل إلى مكة ولم يبن الكعبة ، لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك . كما حاول نيقتاس أن يستدل على عقيدة الثالوث ببعض آيات القرآن بتأويلها حسب عقيدته . واختتم حديثه بالتأكيد على أن الذي يعبده محمدعليه الصلاة والسلام ويدعو إلى عبادته إنما هو الشيطان نفسه . والحق أن كل أراء نيقتاس لا تتعدى هذا الهذيان وقد أوردناها لنرى الأثر الذي أسهمت به في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خلال العصور الوسطى وإلى الآن .
وقد كان لبعض أراء نيقتاس الزائفة أثرها في الدولة البيزنطية حتى أن أحد رجال الدين ألف رسالة في زمن الامبراطور مانويل كومنين ( 549ـ585هـ/ 1143ـ1180م ) يشجب فيها الدين الإسلامي وفيها يلعن مصنفها (الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام) وقدَّم تلك الرسالة للإمبراطور الذي أراد شطب هذه العبارة المقيته محتجاً بأن الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الأب الذي يعبده النصارى فأصَّر رجال الدين على أن الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو إله غير إله المسيحيين . وهذا يوضح إلى أي مدى بقيت هذه العقيدة الزائفة حية حتى اعتنقها وقال بها فرانكلين جراهام وجيري فاينز كما ذكرنا آنفاً .
ومنذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري / النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي أصبح في مقدور رجال الدين في الغرب الأوروبي الإطلاع على تلك الصور المشوهة حين ترجم أمين مكتبة البلاط البابوي أنستاسيوس بعض تلك الكتابات ، الشرقية والبيزنطية إلى اللاتينية وأدمجها في حولياته التاريخية .
وفي أواخر القرن الثاني الهجري / أواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الميلادي ظهرت مقالة في أسبانيا في أحد الأديرة الشمالية ، وهي عبارة عن نص هجومي بذئ على النبي عليه الصلاة والسلام عُرفت باسم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام ولا يُعرف كاتبها ، ويرجح ناشرها دياز أنها من عمل أحد النصارى المستعربين . وهذه المقالة تصِّور النبي عليه الصلاة والسلام بصورة مجافية للذوق ومعاكسة لصفاته ، فتزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أنه كان كاذباً مبتدعاً شهوانياً ، وأنه دعا عربه المتوحشين إلى أن يتخلوا عن الوثنية ، وأن يعبدوا إلها مادياً في السماء على شكل كرة مادية ، وتزعم هذه المقالة الزائفة أن إبليس ظهر لمحمد عليه الصلاة والسلام مدعياً أنه الملك جبريل ،وأخبره أن الرب أرسله ليبشر العرب بما كان قد سمعه في مدارس المسيحيين ويدعوهم إلى عبادة ذلك الإله المادي في السماء وهجر عبادة الأوثان . وتزعم المقالة البذيئة أن محمداً عليه الصلاة والسلام عندما مات تعفنت جثته فقامت الكلاب والخنازير بالتهام الجثة العفنة .(10/283)
وقد نجم عن هذه المقالة المنحطة أن تشبع بها بعض الرهبان فظهرت حركة في قرطبة في منتصف القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي ، يقوم أفرادها بسب النبي عليه الصلاة والسلام علناً فيؤخذ أفرادها إلى القاضي فيكررون السب والشتم للنبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي أدى إلى إصدار حكم الإعدام على عدد منهم ، تذكر المصادر الأسبانية أن عددهم يبلغ زهاء 50 شخصاً ، وسمَّت تلك المصادر تلك الحركة بحركة الاستشهاد في قرطبة وبدأت تلك الحركة براهب يُدعى بيرفكتوس الذي ذهب إلى السوق فسأله بعض عامة المسلمين عن رأي النصارى في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فرد قائلاً بألوهية المسيح ووصف محمداً عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات الواردة في المقالة الأسبانية ، فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاضي فأصر على موقفه فصدر الحكم بقتله . وقد سار على منواله عدد من الرهبان ، منهم بول الفارو، وأولوخيو أسقف طليطلة الأسمي . وأولوخيو كتب رواية عن هذه الحركة وسبّ النبي عليه الصلاة والسلام فحُكمَ عليه بالأعدام سنة 245هـ / 859 م . وبول الفارو هو الذي كتب سيرة أولوخيو بعد مقتله . والاثنان اعتقدا بأن ظهور الإسلام وانتشاره إنما هو الإعداد النهائي لظهور المسيح الدجال ، أو هو الدجال نفسه . ومما أورده أولوخيو في روايته لتلك الحركة أن ثلاثة من الرهبان الأسبان هم جورجيوس، وأورليوس ، وناثاليا كتبا نصاً عن الأم المسيح . وقد احتوى النص على هجوم متعصب حاقد على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام فوصف الإسلام بأنه " العقيدة الضالة ، وخدعة الشيطان الماكرة وأن الإسماعيليين [أي العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام] يُجِّلون نبيّاً كاذباً ، صدَّقوا أنه من خلاله يكون طريق الخلاص ، وأن نبي المسلمين إنما هو ـ بزعمهم ـ غادر بطبعه ومؤمن بأبليس ، وهو وكيل المسيح الدجال ، والمستنقع لكل الرذائل ، والذي سوف يُلقى به في جهنم ، ومن خلال تعاليمه العقيمة كتب على أتباعه عذاب النار السرمدي ، وأن الذي تراءى له في هيئة ملاك إنما هو الشيطان " . ولا شك أن هذه الحركة الحاقدة المتعصبة في قرطبة وما صاحبها من كتابات الرهبان المقيتة قد أسهمت بدور كبير في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا طوال العصور الوسطى وإلى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية .
أما المشروع الكلوني : - فهو الذي أعدَّ كل المواد اللازمة لغرس تلك العقيدة الباطلة في العقل الغربي وأحكم معظم جوانبها لتستمر قائمة إلى العصر الحاضر .
وهذا المشروع الذي يعتبره بعض الباحثين الغربيين بأنه : المشروع الغربي العالمي الأول لدراسة الإسلام ، إنما هو في حقيقته المشروع الغربي الأكبر لتشويه صورة الإسلام ، الذي حدث سنة 537هـ / 1143 م .
ويُنسب هذا المشروع إلى دير كلوني في جنوب فرنسا الذي تأسس سنة 297هـ/910م ومنه انبثقت حركة لإصلاح الحياة الرهبانية عُرفت في التاريخ الأوربي باسم حركة الإصلاح الكلونية التي لم تلبث أن أسهمت في تقوية الجهاز الكنسي في الغرب الأوربي ونال دير كلوني منزلة الحصانة تحت الحماية المباشرة للبابا في روما ، والحق المطلق في أن ينشئ أديرة أخرى تابعة لهُ ، وخلال القرنين التاليين من تأسيسه نال دير كلوني تأثيراً كبيراً وثروة ضخمة ، وأصبح في الواقع عاصمة للامبراطورية الديرية حيث يتبعه أكثر من ستمائة دير ، وعشرات الآلاف من الرهبان في كل مكان من العالم الغربي النصراني . وأصبح رهبان ديركلوني بابوات وكرادلة وكثير من رؤسائه كانوا مستشارين للاباطرة والملوك . ومن أشهر رهبان دير كلوني الذين وصلوا إلى منصب البابوية ، البابا جريجوري السابع ، وتلميذه البابا أوربان الثاني الذي أطلق الحروب الصليبية ضد المسلمين .
وفي سنة 516 هـ / 1122هـ تم اختيار رئيس جديد لدير كلوني هو الراهب بيير موريس دي مونتبوسيير ، الذي أطلق عليه معاصروه لقب بطرس المكّرم . وقد أمضى سنواته الأولى في تدعيم سلطة الدير ومكانته . وفي سنة 536 هـ / 1142 م قام برحلة إلى شمال الأندلس لزيارة الأديرة الكلونية في تلك البلاد . وهناك علم من بعض المترجمين بوجود رسالة لنصراني شرقي تدافع عن النصرانية وتهاجم الإسلام مكتوبة باللغة العربية ، وعرف منهم مضمونها ، فقرر القيام بمشروع ترجمتها وترجمة القرآن الكريم وبعض المصنفات الأخرى إلى اللاتينية بهدف دحض الإسلام والرد عليه .
عاد بطرس المكّرم إلى دير كلوني في فرنسا بعد أن اتفق مع خمسة مترجمين للقيام بالعمل لديه وبيّن لهم أهدافه من المشروع وأجزل لهم العطاء لتنفيذه .ونقدم الآن لمحة مختصرة جداً عن أخطر ترجمتين في المشروع والأثر الذي أحدثته في صياغة تلك العقيدة الغربية عن الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام .(10/284)
1- ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية . وهي احدى الترجمات الخمس التي أصبحت تُعرف في أوربا بإسم المجموعة الطليطلية . وقام بهذه الترجمة مترجم انجليزي يسمى روبرت أوف كيتون كان قد استقر في برشلونة في الأندلس منذ سنة 530 هـ / 1136 م وأتقن العربية واهتم بالمؤلفات العربية في علم الفلك والهندسة وقد عَلِمَ روبرت أوف كيتون من بطرس المكرم أن هدفه تعريف الغرب النصراني بالإسلام الذي يعتبره هرطقة من الهرطقات الكبرى التي هددت النصرانية ، وأن بطرس المكرم ينوي الرد على الإسلام ، لذلك قام روبرت أوف كيتون بترجمة خاطئة مغرضة لمعاني القرآن الكريم، كان لها تأثير سئ في صياغة تلك العقيدة الغربية الحاقدة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام .
وتتضح أهداف روبرت أوف كيتون المبنية على أهداف بطرس المكرم من ما جاء في مقدمته لتلك الترجمة ، حيث صدَّرها بمقدمة طنّانه سمّاها ( تمهيد عن الخرافة الإسلامية المسماة بالقرآن ) ومما قاله في مقدمته :" .... أنا كشفت عن شريعة محمد بيديّ وجلبتها إلى خزينة اللغة الرومانية ، الأمر الذي سوف يساعد رسالة المسيح المخلّص على الانتشار وتخليص الجنس البشري من هذا الإثم ـ الإسلام ـ ... ذلك أن دكاترة الكنيسة أهملوا تلك الهرطقه الكبرى ـ يقصد الإسلام ـ لتصل وتصعد إلى شئ ضخم جداً ومفرط لمدة خمسمائة وسبع وثلاثين سنة ، لأنها مهلكة وضارة ، بسبب أن الزهرة من تلك العقيدة المتعصبة الفاسدة ، مجرد غطاء فوق عقرب ، تحول دون أن تلفت الأنتباه إليه ، وتُحطِّم بالخداع قانون الدين المسيحي .... " إلى أن يقول مخاطباً بطرس المكرَّم :" ولذلك قمت بالعمل معك لما علمت أن نفسك مجتهدة في سبيل كل شيء صالح ، وأنك تتوق إلى ردم المستتنقع غير الخصب للعقيدة الإسلامية .. لذلك أنا كشفت عن السُّبل والوسائل ـ بكل جهدي ـ للوصول إلى ذلك .... وهكذا أنا أحضرت الخشب والحجارة اللازمة لعمارتك الجميلة التي يجب أن تنتصب فوق الجميع خالدة . أنا كشفت الغطاء عن دخّان محمد الذي يجب أن يُخمد بواسطة منفاخك " .
وقام روبرت أوف كيتون في ترجمته لمعاني القرآن الكريم بإعادة ترتيب السور وعمد إلى الاختصار والتشويه المتعمَّد والحذف والإضافة، وإضفاء الطابع اللاتيني على المعاني، مما أعطى صورة بشعة لمعاني القرآن الكريم .
ومن أمثلة الفساد والتشويه في تلك الترجمة مايلي :
?أ- أعطى معنىً غامضاً لخطاب يا أهل الكتاب وجعله يبدو في معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين .
?ب- أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معاني جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربي لاسيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور . مثل :
?ج- الآية 230 من سورة البقرة ; فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ; ترجمها " فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره " .
?د- الآية 220 من سورة البقرة ; .... ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين ترجم تخالطوهم بمعنى تمارسوا معهم اللواط .
?ه- الآية 223 من سورة البقرة ; نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ; ترجمها بمعنى " فأتوهن في أدبارهن " .
?و- الآية 50 من سورة الأحزاب ; يا أيها النبي إنا احللنا لك أزواجك .. الآية ; ترجمها هكذا " نحن نجيز لك أزواجك اللائي أتيتهن مهورهن ، وجميع إيمائك اللائي أعطاكهن الله ، وبنات عمك ، وبنات عماتك ، وبنات خالك وبنات خالاتك ، اللائي اتبعنك ، وكل امرأة مؤمنة إذا هي ترغب أن تقدّم جسدها أو نفسها للرسول ، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل ، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين " .
وهذا قليل من كثير مما في تلك الترجمة من تشويه متعمَّد .
هذه الترجمة المشوهة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها روبرت أوف كيتون لحساب بطرس المكرم سنة 537 هـ / 1143 م هي أول ترجمة عرفتها أوربا وأحدثت تأثيراً واسعاً على الفهم الأوربي المشوه للإسلام حتى القرن الثامن عشر ، فقد ظلت تنتشر مخطوطاتها حتى قام عالمان سويسريان بطباعتها في بازل سنة 949هـ / 1543م . وعن هذه الترجمة اللاتينية قام أريفابيني الإيطالي بترجمتها إلى الإيطالية سنة 953هـ/1547م . وعن هذه الترجمة الإيطالية قام سالمون اشفجر بترجمتها إلى الألمانية سنة 1025هـ/1616م وعن هذه الترجمة الألمانية تُرجمت إلى الهولندية سنة 1051هـ / 1641م .(10/285)
2- رسالة النصراني الشرقي : وهي الأخيرة في المجموعة الطليطلية ، وتُعرف باسم: الرسالة الإسلامية والجواب المسيحي . وهي التي أحدثت المشروع الكلوني برمته . وهي عبارة عن رسالة وجواب على الرسالة . الرسالة مرسلة من رجل مسلم يُدعى عبدالله بن إسماعيل الهاشمي إلى صديق له نصراني يدعى عبد المسيح بن إسحاق الكندي ، وقد صيغت رسالة الهاشمي المزعومة بحيث يبدو قريباً للخليفة المأمون ، بينما صيغ الجواب وكأن الكندي المزعوم يعمل في بلاط الخليفة نفسه . ومن الواضح أن كلا الاأسمين مستعاران وأن كاتب النصين عالم عربي نصراني عاش في العراق في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ، والراجح أنه الطبيب والفيلسوف النصراني يحيى بن عدي المتوفي سنة 364هـ / 975م. ولا نجد لهذه المصنفة ذكراً في المصادر الإسلامية إلا عند البيروني المتوفي سنة 440هـ / 1048م الذي اقتبس منها نصاً في حديثه عن الصابئة .
وقد كلّف بطرس المكرم اثنين من المترجمين بترجمة هذا النص هما بطرس الطليطلي ، وبطرس أوف بواتييه . وقد صاغ يحيى بن عدي رسالة الهاشمي المزعوم في نحو عشرين صفحة ، بحيث بدأ بالسلام والرحمة على صديقه النصراني ، زاعماً أن ذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام في مخاطبته للناس بما فيهم النصارى ثم يبدي الهاشمي المزعوم تعبيرات مختلفة من الاحترام لصديقه والإشارة إلى النسب الأصيل للكندي ، والإشاده بتقواه وثقافته ومعرفته ، ويدعوه إلى اعتناق الإسلام الذي هو دين الحنيفية ، دين أبيهما الأول ابراهيم عليه السلام ، وهو التوحيد الخالص لله تعالى ، ثم يعرض أركان الإسلام الخمسة ، والجهاد ، ويسهب في ذكر نعيم الجنة لاغراء صديقه النصراني باعتناق الإسلام. وأنه إذا اعتنق الإسلام يمكنه الزواج بأربع زوجات ويطلق متى يشاء ويملك من الجواري ما يشاء ، ويحصل على ترقية في بلاط الخليفة وفي النهاية يعرض على صديقه أن يجيبه بكل صراحة على عرضه وأن يقول ما يحلو له في الدفاع عن دينه ويحثه على التخلي عن عبادة الثالوث .
وقد أجاب يحى بن عدي على رسالته التي جعلها على لسان الهاشمي ، بجوابه الذي جعله على لسان الكندي في 140 صفحة ، أي أكبر بسبع مرات من رسالة الهاشمي ، بحيث يترك جوابه الانطباع لدى القارئ النصراني أنه نال الغلبة والقهر بالحجة والبرهان . ومن الواضح أن يحيى بن عدي كتب هذا الكتاب حين ازداد دخول النصارى في الإسلام في القرن الرابع الهجري ، وكان هدفه منه تحصين أهل الذمة من النصارى لمنعهم من اعتناق الإسلام وإقناعهم بان دينهم هو الدين الصحيح .
ويبدأ يحيى بن عدي جوابه على لسان الكندي المزعوم بالعرفان بالجميل لصديقه الهاشمي والدعاء للخليفة المأمون . ثم يدافع عن عقيدة الثالوث ، ويزعم أن عقيدة الحنيفية التي يدعو إليها الهاشمي التي كان عليها إبراهيم عليه السلام إنما هي عبادة الأصنام ، حيث يزعم أن إبراهيم ظل يعبدها لمدة سبعين سنة في حرّان مع آبائه .
ويحاول بأسلوب فلسفي تفنيد عقيدة التوحيد ، ثم يوجه هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام، ويتهمه بأنه تطلّع إلى المُلك ، ولما كان يعرف أن نفوس قريش تأبى أن يصبح ملكاً عليها ادّعى النبوة للوصول إلى هدفه . ولا يتحدث جواب الكندي المزعوم عن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة ، وإنما ينتقل فجأة إلى المدينة حيث يزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام اغتصب مربد غلاميين يتيمين وبنى عليه مسجده ، وأنه اصطحب قوماً فراغاً لاعمل لهم وبدأ في شن الغارات وممارسة النهب والسلب وقطع الطريق وإخافة السبيل ، ويتهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر باغتيال بعض الآمنين في بيوتهم ، ثم يشير إلى جروح النبي عليه الصلاة والسلام يوم أحد ، ويرى أنه لو كان رسولاً لمنعه الله من الضرر ، ثم يزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن له هم إلا امرأة جميلة يتزوجها ، ويتهمه بالاستخفاف بالله في محاباة زوجاته ويكرر حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها .(10/286)