ولكن الأمر كان أكبر من هذا كله. كان أكبر من كل هذه الاعتبارات الصغيرة. الصغيرة في حساب الإسلام. كان أمر تربية هذه الجماعة الجديدة لتنهض بتكاليفها في خلافة الأرض وفي قيادة البشرية. وهي لا تقوم بالخلافة في الأرض ولا تنهض بقيادة البشرية حتى يتضح لها منهج فريد متفوق على كل ما تعرف البشرية؛ وحتى يثبت هذا المنهج في حياتها الواقعية. وحتى يمحص كيانها تمحيصاً شديداً؛ وتنفض عنه كل خبيئة من ضعف البشر ومن رواسب الجاهلية. وحتى يقام فيها ميزان العدل - لتحكم به بين الناس - مجرداً من جميع الاعتبارات الأرضية، والمصالح القريبة الظاهرة، والملابسات التي يراها الناس شيئاً كبيراً لا يقدرون على تجاهله!
واختار الله - سبحانه - هذا الحادث بذاته، في ميقاته.
. مع يهودي.. من يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين إذ ذاك في المدينة؛ والتي تؤلب عليهم المشركين، وتؤيد بينهم المنافقين، وترصد كل ما في جعبتها من مكر وتجربة وعلم لهذا الدين! وفي فترة حرجة من حياة المسلمين في المدينة، والعداوات تحيط بهم من كل جانب. ووراء كل هذه العداوات يهود!
اختار الله هذا الحادث في هذا الظرف، ليقول فيه - سبحانه - للجماعة المسلمة ما أراد أن يقول، وليعلمها به ما يريد لها أن تتعلم!
ومن ثم لم يكن هناك مجال للباقة! ولا للكياسة! ولا للسياسة! ولا للمهارة في إخفاء ما يحرج، وتغطية ما يسوء!
ولم يكن هناك مجال لمصلحة الجماعة المسلمة الظاهرية! ومراعاة الظروف الوقتية المحيطة بها!
هنا كان الأمر جداً خالصاً، لا يحتمل الدهان ولا التمويه! وكان هذا الجد هو أمر هذا المنهج الرباني وأصوله. وأمر هذه الأمة التي تعد لتنهض بهذا المنهج وتنشره. وأمر العدل بين الناس. العدل في هذا المستوى الذي لا يرتفع إليه الناس - بل لا يعرفه الناس - إلا بوحي من الله، وعون من الله.
وينظر الإنسان من هذه القمة السامقة على السفوح الهابطة - في جميع الأمم على مدار الزمان - فيراها هنالك.. هنالك في السفوح.. ويرى بين تلك القمة السامقة والسفوح الهابطة صخوراً متردية، هنا وهناك، من الدهاء، والمراء، والسياسة، والكياسة، والبراعة، والمهارة، ومصلحة الدولة، ومصلحة الوطن، ومصلحة الجماعة.. إلى آخر الأسماء والعنوانات.. فإذا دقق الإنسان فيها النظر رأى من تحتها.. الدود..!! وينظر الإنسان مرة أخرى فيرى نماذج الأمة المسلمة - وحدها - صاعدة من السفح إلى القمة.. تتناثر على مدار التاريخ، وهي تتطلع إلى القمة، التي وجهها إليها المنهج الفريد.
أما العفن الذي يسمونه " العدالة " في أمم الجاهلية الغابرة والحاضرة، فلا يستحق أن نرفع عنه الغطاء، في مثل هذا الجو النظيف الكريم
الفهرس العام
فيض رب الكعبة في شرح الأحرف السبعة ... 1
المراد بالأحرف السبعة ... 5
نزول القرآن على سبعة أحرف ... 15
القرآن والنحو .. وحقائق غائبة ... 26
هل ذكر بولس في القرآن ؟ ... 30
الرد عى الاستدلال بالآية 146 من سورة البقرة على عدم تحريف الإنجيل ... 55
ما معنى (حتى يقيموا التوراة و الإنجيل) ؟؟ ... 59
هل كانت سورة الأحزاب في طول البقرة؟ ... 60
هل يجوز الزواج من البنت من الزنا - تفسير القرطبي للآية 54 الفرقان ؟ ... 61
معنى الصمد ردا ي كذب زكريا بطرس ... 64
رداً على أكاذيب زكريا بطرس حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم) ... 68
شبهات حول الناسخ والمنسوخ والرد عليها ... 74
هل هناك تناقض في مدة خلق السموات والأرض ؟ ... 79
الرد على شبهة حفص متهم بالكذب وهو راوي للقرآن ... 81
الرد على ما يثار حول صفة المكر ... 85
الرد على شبهة أن في القرآن حلفاً بالفجر والليالي العشر وغيرهما . ... 88
إسماعيل بين الأنبياء ... 88
الرد على شبهة العجل الذهبى الذي من صنع السامرى ... 89
الرد على شبهة أن مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها ... 90
الرد على شبهة شخصية هامان في القرآن الكريم ... 92
الرد على الجاهل بخصوص مخطوط المصحف ... 95
فيض الرحمن في الرد علي من ادعى ان الفاتحة قد تم تحريفها بواسطة عبد الملك بن مروان ... 98
المقصود بقولة تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ... 101
القواعد الذهبية ... 111
تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور ... 125
إسلامية العلم والمعرفة ... 154
شبهات وردود حول بعض القضايا القرآنية ... 170
حفظ القرآن من التحريف ... 177
الرد على شبهه عصيان إبليس وهو من الملائكة الذين لا يعصون الله ... 183
الرد على شبهة أن الله لا يغفر أن يشرك به ولكنه غفر لنبي الله إبراهيم ... 185
انتصار الروم البيزنطيين ... 189
الردّ على منكري الإعجاز في سورة الروم ... 198
هل في القرآن ألفاظ غير عربية ؟ ... 208
البرامج التنصيرية في القنوات الفضائية ... 209
الشر في القنوات الفضائية أغلب من الخير ... 211
شبهات حول القرآن ... 211
القرآن الكريم في كتابات المستشرقين ... 215(6/443)
ما هو المقصود بلفظ وما ملكت أيمانهم ... 221
ما معنى (حتى يقيموا التوراة و الإنجيل) ؟؟ ... 222
رد على الطاعنين بأن رسول الله حرم شيئا أحله الله وذلك فى سورة التحريم ... 223
المصطلحات الأعجمية في القرآن الكريم ... 229
أعجاز القرآن ومعنى المعجزة والسحر والكذب والفرق بينهم ... 233
شبهات وردود حول المحكم والمتشابه ... 236
ما معنى الاية ({فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ... 241
كيف يستوي الرحمن علي العرش ؟ ... 243
الجنة في الاسلام هي للزواج وشرب الخمر فقط ؟ ... 243
ما هو القرآن الكريم ؟ ... 248
الرد على شبهة الآية ألقى الشيطان في أمنيته الحج 52 و أكذوبة الغراتيق العلا ... 250
من هم الربانيون الذين مدحهم الله بتعليم الكتاب ؟ ... 253
الرد على ما زعم حول سورة الحفد و الخلع ... 254
ما صحة حديث عائشة رضي الله عنها التي روت فيه أن الداجن قد أكلت من نسخة القرآن التي كانت معها ؟ ... 256
الرد على شبهة حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود ... 260
هل القرآن جمع من كتب سابقة ... 262
شبهة أن القرآن مقتبس من التوراة ... 264
الغرب يحاول محاصرة القرآن الكريم ... 280
تحليل الحلف ... 285
تفسير قولة تعالى مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج ... 285
الرد على شبهة أن بالقرآن أخطاء إملائية ... 291
الرد على شبهة اختلاف مصاحف الصحابة ... 292
الرد على شبهة حول آية الرجم المنسوخة ... 295
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن ... 300
ردّ على سورة القدر المزعومة ... 307
شبهة أن القرآن الكريم ابتدعه فكر سيدنا محمد ... 312
حول شبهة إدراك الشمس للقمر ... 317
هل القرآن كلام الرهبان؟ ... 322
شبهة زعم وجود أخطاء جغرافية في القرآن الكريم.. ... 328
هل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله ؟ ... 341
شبهة حول نقل القرآن من سفر الخروج 21 :23-25 ... 342
يوجد تناقض في عدد أيام خلق السموات والأرض ... 347
هل للذكر مثل حظ الانثيين في كل الحالات ... 349
موقف ابن مسعود من المعوذتين ... 350
مراحل تَخَلُّق الجنين ... 352
لماذا التحريض على الجهاد والقتل؟ ... 362
هل قالت اليهود عزير بن الله ؟ ... 364
شبهات حول أخطاء قرانية مزعومة ... 368
الرد على خلق المسيح من الطين كهيئة الطير ... 381
رد موريس بوكاى على دعاوى نقل القرآن من الكتاب المقدس ... 395
يقولون لقد نقل محمد من كتب أهل الكتاب ... 398
القرآن الكريم في مقابل الكتاب المقدس ... 399
شطحات في تساؤلات زكريا بطرس 1 ... 404
الرد فاتحة الفرقان الحق المزعومة ... 424
شبهة مصدر القرآن الكريم هي الشياطين ... 428
مصادر القرآن الكريم ... 440
شبهة حول مد الأرض ودحوها وكرويتها ... 466
شبهة حول العَمَد بين السماء والأرض ... 476
الفرقان الحق فضيحة العصر ... 482
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن ... 515
شبهة حول العنكبوت، قوة خيطه ... 523
الرد علي نقل سورة يوسف من التوراة ... 525
تفنيد تفصيلي لشبهة مصحف ابن مسعود و عدم قرآنية المعوذتين ... 527
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ... 535
وإن منكم إلا واردها ... 537
يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ... 542
تفسير قوله تعالى : وترى الشمس اذا طلعت .... ... 546
ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن ؟ ... 546
الرد على شبهة لا تبديل لكمات الله والله يقول اذا بدلنا اية ... ... 554
الرد المرغوب على شبهة ذو القرنين و الغروب ... 573
الرد على طعن الْملاحدة في تواتر القرآن ... 576
ترتيب السور ... 581
حول عصيان البشر مع أنهم من المخلوقات الطائعة القانتة لله ... 593
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله ..... ... 595
شبهة سرقة إعجاز الحاجز بين المياه العذبة والمالحة: ... 597
شبهة حول الإعجاز البياني في القران ... 601
قبسات من الإعجاز البياني في القرآن ... 603
التناسق البياني لكلمات القرآن الكريم ... 619
الرد على الأخطاء التاريخية المزعومة حول القرآن الكريم ... 629
الرد على التناقضات المزعومة حول القرآن الكريم ... 639
أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد ... 659
شبهه " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " كيف يحاسبنا بعد ان يغوينا ... 660
درء الشبهات عن الأسماء و الصفات ... 663
كيف تطلبون من غير المسلمين أن يصدقوا ما في كتابكم بشأن عيسى ، ورفض صلبه ، وبنوته لله ، مع أن الكتاب المقدس قد أخبر بذلك ؟. ... 667
حول تناقض النقل - القرآن - مع العقل ... 671
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ... 677
شبهة اعتراض العرب على بعض الكلمات الغير العربية ... 681
وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ... 683(6/444)
{ مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } . . ... 687
هل القرآن يقرر ألوهية المسيح عليه السلام؟؟ ... 695
هل يجوز لنا الاعتماد على التاريخ لنحكمه في قصص القرآن؟ ... 700
وإذ قال ربك للملائكة ... 706
شبهة حرق المصاحف واختلاف مصاحف الصحابة ... 713
و ماذا عن لحن القرآن ..؟ ... 719
رد جديد على شبهة وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ... 723
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ . ... 729
نفي عصمة الرسول صلى اله عليه وسلم ... 734
لماذا حفظ الله القرآن و لم يحفظ الكتب قبله و هي كلامه ... 743
كان الناس أمة واحدة ، فلماذا ارسل الله الرسل ؟ ... 745
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ... 757
شبهة المؤلفة قلوبهم ... 762
شبهة ادعاء وجود أخطاء حسابية في القرآن الكريم ... 765
الرد على خرافة إقتباس القرأن من شعر أميّة بن أبى الصلت ... 769
ما هو الدليل على أن القرآن من عند الله تعالى ... 789
قال النصارى :إن القرآن الكريم ورد بأن عيسى عليه السلام روح الله تعالى وكلمته ، وهو اعتقادنا . ... 794
قولهم : قولنا في ( الأقانيم ) و(التثليث ) كقولكم في آيات الصفات ! ... 796
قولهم : إن القرآن أخبر أننا نؤمن بعيسى - عليه السلام ... 797
قولهم : إن القرآن مدح قرباننا في سورة المائدة ... 799
مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمانكم ... 800
للرجال بالجنة "حور عين".. فماذا للنساء؟ ... 808
فك طلاسم سر الحروف كما إدعي النصاري .... والرد عليهم ... 811
قولهم : إن القرآن مدح أهل الكتاب ... 819
إله المسلمين غير عاقل ..مجرد إسقاط أعمى ..قاتلهم الله أنى يؤفكون؟ ... 821
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ... 824
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب ... 829
شبة اقتباس التوراة من شريعة حمورابي وتأييد القرآن لذلك ... 840
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ... 844
الثناء في القرآن على طائفة من النصارى استجابت للحق لا على جميع النصارى.؟ ... 849
آية إقرأ بسم ربك الذي خلق هي أول آية نزلت على رسول الله إذا لماذا لا نجدها في أول القرآن ؟ ... 852
ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ... 853
تعقيب تغيير الجغرافيا في مقال د . زغلول النجار ... 863
الرد على موقع نصرانى يشكك فى الاعجاز البلاغى فى القرآن فى بعض الآيات ... 869
شبهة : التكرار فى القصص القرآنى ... 879
سؤال حول آية في سورة الرحمن مرج البحرين يلتقيان ... 892
من هو أبو مريم ؟ ... 896
الله يتردد (سبحان الله عما يصفون) ... 897
ما هي الأدلة العلمية لتحريم أكل لحم الجوارح وكل ذي ناب وأكل لحم الخنزير؟ علماً أن هناك شعوباً على غير الملة يأكلونها ويتمتعون بصحة جيدة؟ ... 910
شبهة جديدة حول كفالة مريم ... 910
هل توجد أرض غير أرضنا ؟ ... 914
وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً ... 916
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ... 917
أن في القرآن أساطير للأولين ... 918
الطعن في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد: ... 919
الطعون العامة التي يوردها الطاعنون ... 923
ما رأيكم في قيام بعض المفسرين بلي أعناق النصوص لتتوافق مع الظواهر الكونية والاكتشافات العلمية والأحداث المعاصرة؟ ... 931
هل خلق الله آدم على صورته؟ ... 932
المسيح وآدم ... 934
التضارب فى القرآن ... 938
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ... 940
التضارب فى القرآن ... 943
يسألونك عن الروح .. تأملات في دلائل النبوة و الإعجاز العلمي ! ... 956
عزيز أم فوطيفار ,? ... 963
النمروذ و ابراهيم ... 964
و يكلم الناس في المهد ... 965
أخذ محمد (عليه الصلاه والسلام) أقوال الصحابة ... 967
مذهب التناسخ ... 970
كم ملكاً بشر مريم - ما رأيكم ؟ ... 972
نطق الحجر والشجر ... 975
تحريف أهل الكتاب كما وصفه القرآن ... 975
حقه أم على قدر طاقتكم؟ ... 993
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ... 995
أخذ محمد (عليه الصلاه والسلام) أقوال النساء ... 997
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ... 1001
واضربوهنّ ... 1002
لا تقربوا الصلاة ... 1008
أسماء الأنبياء ... 1013
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... 1017
لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... 1019
إبراهيم والكواكب ... 1028
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ... 1033
القرآن مصدّق على التوراة والإنجيل: ... 1037
لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ... 1044(6/445)
لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ... 1049
مائدة المسيح ... 1052
قايين وهابيل ... 1054
العجل له خوار ... 1057
وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ... 1061(6/446)
الباب الثاني - شبهات حول القرآن ( 3 )
الإنجيل في عهد موسى ""النبي الأمي""
“وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ; (آيتا 156 ، 157).
يقول القرآن هنا إن موسى وقومه في ميقاتهم أخذتهم الرَّجْفةُ فأخذوا يصلّون ويقولون .. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنّا هُدْنا إليك . كان اليهود يشتقُّون اسمهم من الهُدى، والهدى كناية عن موسى ولقد آتينا موسى الهدى . أو يشتقّون الهدى من اسمهم، فموسى وقومه يطلبون من الله تسجيل يهوديتهم حسنةً لهم، فيجيبهم الله بقوله أولاً: إن الحسنة لأهل التقي والزكاة والإيمان، وهذه الحسنة ستُكتب للذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. فهل كان موسى وقومه ينتظرون ألفي سنة حتى تقوم لهم حسنةٌ بالإيمان بمحمد!! أمِن المعقول أن يجيب الله على دعاء موسى وقومه لربهم بأن الهداية ليست في الموسوية بل في اتِّباع محمد النبي الأمي ؟!! وأن يقول الله في ردّه على صلاة موسى إن محمداً مكتوبٌ في التوراة والإنجيل.. وأين كان الإنجيل في زمن موسى حتى يحدّث الله قومه به؟!
وكلمة الأمي الواردة في النصّ لا تعني (بحسب القرآن) عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، إنما تعني من ليس له كتاب مُنزَّل، فاليهود أتباع إسحاق بن إبراهيم هم كتابيون في حين أن العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم هم أميون . ودلَّ القرآن على هذا دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتِّباع الإسلام قل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ (آل عمران 3: 20) ثم يشير إلى تمنّي الأميين لمعرفة الكتاب: ومنهم أُميُّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ (البقرة 2: 78) ويفخر بأن بعثه الله رسولاً من غير الكتابيين فيقول: هو الذي بعث في الأُمّيين رسولاً منهم (الجمعة 62: 2). وقد عرَّف أهل الكتاب بأن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: قالوا ليس علينا في الأميين سبيل (آل عمران 3: 75). بهذا المعنى القرآني يجب أن نفهم قول القرآن عن أُمِّية محمد. فالأميون هم العرب أبناء إسماعيل، والكتابيون هم اليهود أبناء إسحاق، وبالتالي فإن أمّية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه إلى العرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم من الله كتاب مُنزَّل. (راجع تفسير ابن كثير للأعراف 7: 157 - ولم نعثر على تفسيرٍ إسلامي يشرح ذكر الإنجيل في هذا الموقف، ولكنهم جميعاً يصمتون عن هذا تماماً
إنه لنبأ عظيم، يشهد بأن بني إسرائيل قد جاءهم الخبر اليقين بالنبي الأمي، على يدي نبيهم موسى ونبيهم عيسى - عليهما السلام - منذ أمد بعيد.
جاءهم الخبر اليقين ببعثه، وبصفاته، وبمنهج رسالته، وبخصائص ملته. فهو " النبي الأمي " ، وهو يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهو يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وهو يضع عمن يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به. وأتباع هذا النبي يتقون ربهم، ويخرجون زكاة أموالهم، ويؤمنون بآيات الله.. وجاءهم الخبر اليقين بأن الذين يؤمنون بهذا النبي الأمي؛ ويعظمونه ويوقرونه، وينصرونه ويؤيدونه، ويتبعون النور الهادي الذي معه { أولئك هم المفلحون }..
وبذلك البلاغ المبكر لبني إسرائيل- على يد نبيهم موسى عليه السلام - كشف الله سبحانه عن مستقبل دينه، وعن حامل رايته، وعن طريق أتباعه، وعن مستقر رحمته.. فلم يبق عذر لأتباع سائر الديانات السابقة، بعد ذلك البلاغ المبكر بالخبر اليقين.
وهذا الخبر اليقين من رب العالمين لموسى عليه السلام - وهو والسبعون المختارون من قومه في ميقات ربه - يكشف كذلك عن مدى جريمة بني إسرائيل في استقبالهم لهذا النبي الأمي وللدين الذي جاء به. وفيه التخفيف عنهم والتيسير، إلى جانب ما فيه من البشارة بالفلاح للمؤمنين!
إنها الجريمة عن علم وعن بينة! والجريمة التي لم يألوا فيها جهداً.. فقد سجل التاريخ أن بني إسرائيل كانوا هم ألأم خلق وقف لهذا النبي وللدين الذي جاء به.. اليهود أولاً والصليبيون أخيراً.. وأن الحرب التي شنوها على هذا النبي ودينه وأهل دينه كانت حرباً خبيثة ماكرة لئيمة قاسية؛ وأنهم أصروا عليها ودأبوا؛ وما يزالون يصرون ويدأبون!(7/1)
والذي يراجع - فقط - ما حكاه القرآن الكريم من حرب أهل الكتاب للإسلام والمسلمين - وقد سبق منه في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ما سبق - يطلع على المدى الواسع المتطاول الذي أداروا فيه المعركة مع هذا الدين في عناد لئيم!
والذي يراجع التاريخ بعد ذلك - منذ اليوم الذي استعلن فيه الإسلام بالمدينة، وقامت له دولة - إلى اللحظة الحاضرة، يدرك كذلك مدى الإصرار العنيد على الوقوف لهذا الدين وإرادة محوه من الوجود!
ولقد استخدمت الصهيونية والصليبية في العصر الحديث من ألوان الحرب، والكيد والمكر أضعاف ما استخدمته طوال القرون الماضية.. وهي في هذه الفترة بالذات تعالج إزالة هذا الدين بجملته؛ وتحسب أنها تدخل معه في المعركة الأخيرة الفاصلة.. لذلك تستخدم جميع الأساليب التي جربتها في القرون الماضية كلها - بالإضافة إلى ما استحدثته منها - جملة واحدة!
ذلك في الوقت الذي يقوم ممن ينتسبون إلى الإسلام ناس يدعون في غرارة ساذجة إلى التعاون بين أهل الإسلام وأهل بقية الأديان للوقوف في وجه تيار المادية والإلحاد! أهل بقية الأديان الذين يذبحون من ينتسبون إلى الإسلام في كل مكان؛ ويشنون عليهم حرباً تتسم بكل بشاعة الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس - سواء عن طريق أجهزتهم المباشرة في المستعمرات في آسيا وإفريقية أو عن طريق الأوضاع التي يقيمونها ويسندونها في البلاد (المستقلة!) لتحل محل الإسلام عقائد ومذاهب علمانية! تنكر " الغيبية " لأنها " علمية "! و " تطوّر " الأخلاق لتصبح هي أخلاق البهائم التي ينزو بعضها على بعض في " حرية! " ، و " تطوّر " كذلك الفقه الإسلامي، وتقيم له مؤتمرات المستشرقين لتطويره.
كيما يحل الربا والاختلاط الجنسي وسائر المحرمات الإسلامية!!
إنها المعركة الوحشية الضارية يخوضها أهل الكتاب مع هذا الدين، الذي بشروا به وبنبيه منذ ذلك الأمد البعيد. ولكنهم تلقوه هذا التلقي اللئيم الخبيث العنيد!
وقبل أن يمضى السياق إلى مشهد جديد من مشاهد القصة، يقف عند هذا البلاغ المبكر، يوجه الخطاب إلى النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - يأمره بإعلان الدعوة إلى الناس جميعاً، تصديقاً لوعد الله القديم:
{ قل: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت. فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، واتبعوه لعلكم تهتدون }..
إنها الرسالة الأخيرة، فهي الرسالة الشاملة، التي لا تختص بقوم ولا أرض ولا جيل.. ولقد كانت الرسالات قبلها رسالات محلية قومية محدودة بفترة من الزمان - ما بين عهدي رسولين - وكانت البشرية تخطو على هدى هذه الرسالات خطوات محدودة، تأهيلاً لها للرسالة الأخيرة. وكانت كل رسالة تتضمن تعديلاً وتحويراً في الشريعة يناسب تدرج البشرية. حتى إذا جاءت الرسالة الأخيرة جاءت كاملة في أصولها، قابلة للتطبيق المتجدد في فروعها، وجاءت للبشر جميعاً، لأنه ليست هنالك رسالات بعدها للأقوام والأجيال في كل مكان. وجاءت وفق الفطرة الإنسانية التي يلتقي عندها الناس جميعاً. ومن ثم حملها النبي الأمي الذي لم يدخل على فطرته الصافية - كما خرجت من يد الله - إلا تعليم الله. فلم تشب هذه الفطرة شائبة من تعليم الأرض ومن أفكار الناس! ليحمل رسالة الفطرة إلى فطرة الناس جميعاً:
{ قل: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً }..
وهذه الآية التي يؤمر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يواجه برسالته الناس جميعاً، هي آية مكية في سورة مكية.. وهي تجبه المزورين من أهل الكتاب، الذين يزعمون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدور في خلده وهو في مكة أن يمد بصره برسالته إلى غير أهلها، وأنه إنما بدأ يفكر في أن يتجاوز بها قريشاً، ثم يجاوز بها العرب إلى دعوة أهل الكتاب.
ثم يجاوز بها الجزيرة العربية إلى ما وراءها.. كل أولئك بعد أن أغراه النجاح الذي ساقته إليه الظروف! وإن هي إلا فرية من ذيول الحرب التي شنوها قديماً على هذا الدين وأهله. وما يزالون ماضين فيها!
إن هذا الدين يعلن عن طبيعته وعن حقيقته في كل مناسبة.. إنه ليس مجرد عقيدة تستكن في الضمير.. كما أنه كذلك ليس مجرد شعائر تؤدى وطقوس.. إنما هو الاتباع الكامل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه، وفيما يشرعه ويسنه.. والرسول لم يأمر الناس بالإيمان بالله ورسوله فحسب. ولم يأمرهم كذلك بالشعائر التعبدية فحسب ولكنه أبلغهم شريعة الله في قوله وفعله. ولا رجاء في أن يهتدي الناس إلا إذا اتبعوه في هذا كله.. فهذا هو دين الله.. وليس لهذا الدين من صورة أخرى إلا هذه الصورة التي تشير إليها هذه اللفتة: { واتبعوه لعلكم تهتدون } بعد الأمر بالإيمان بالله ورسوله.. ولو كان الأمر في هذا الدين أمر اعتقاد وكفى، لكان في قوله: { فآمنوا بالله ورسوله } الكفاية
بحث ذو علاقه
اميه الرسول في الميزان(7/2)
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمِّي العربي النذير المبين الصادق الأمين ، و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ......... و بعد ،،،
ما من شك يخالج نفسية المسلم في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه ربه - سبحانه وتعالى - إلى الناس كافة ، و قد شاءت ارادة الله تعالى و حكمته أن يكون هذا النبي المبعوث رحمة للناس أميا لا يدري ما الكتاب و لا يخطه بيمينه !.. و لم يكن هذا حال نبينا صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل كان حال أغلبية العرب كافة كما قال الله تعالى : { هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } - الجمعة : 2 .
فمما هو معروف و قد ذهب إليه أغلب الأئمة و المفسرين أن أولئك الأميين المذكورين في الأية الكريمة هم العرب ؛ و في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنا أمة أمية لا نكتب و لا نحسب الشهر هكذا و هكذا – بخاري / 1913 و مسلم / 1080، فالعرب كانوا قوم لا ثقافة لهم و لا علوم و لا اطلاع على ثقافات العالم المتحضر أنذاك ، إلا قليلا منهم بالطبع ، كذلك كانوا قوم لا دين لهم يتبعونه و لا كتاب لهم يقرأونه أي أنهم كانوا أمة على أصل ولادتها ، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها ؛ و هذا قد جعل القرآن الكريم يصفهم بالأمّية . و لكن أهل الكتاب في خلال نقاشهم الدائم مع المسلمين لا يقبلون هذا الأمر ، بل و يحاولون أن يتخذونه مولجا إلى أن ثقافة محمد هي مصدر القرآن الكريم . ففي بعض مؤلفات النصارى و مواقعهم على شبكة الأنترنت نقرأ مقالات و مؤلفات تحاول تفسير هذا الموضوع بشكل مغاير تماما للمفهوم الإسلامي فتخلط ما بين الأميّين و الأمَمييّن ، و ما بين الأميّ و الأمميّ ، إلى تنتهي بالقاريء إلى أن المسلمين لا يفهمون كتابهم الذين يرتلونه في صلواتهم أناء الليل و أطراف النهار !!
و من الذي يفهمه ، و يشرح معاني أياته للناس ؟!!.. أهم النصارى الذين لا يعترفون به أصلا ككلام الله ؟!!!
و قبل أن نتطرق معا إلى مؤلفاتهم و مقالاتهم ، تعالوا معا نعرف مسبقا ما هي الأميّة ؟ و ما هي الأمميّة ؟ ، و من هو الأميّ ؟ و من هو الأمميّ ؟ و ما الفرق بينهما ؟
يقول المعجم الوجيز – باب أ م ي : ( الأميّ ) هو الذي لا يقرأ و لا يكتب ، و ( الأميّة ) مصدر صناعي بمعنى الجهل بالقراءة و الكتابة ، و ( الأممي ) هو من ليس من أهل الكتاب ، و بذلك تكون ( الأممية ) مصدر صناعي بمعنى عدم الأنتماء لملة أهل الكتاب يهود كانوا أم نصارى . و كما نرى فإن الفارق واضح هنا في المعنى ، و لكن أهل الكتاب يصرون على أن الكلمتين بمعنى واحد و هذا خطأ !! و نتساءل : من أين جاء لديهم هذا الخلط ؟!
يقول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : { .. وَقُلْ لّلّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ .. } - آل عمران : 20 . و يفهم من الأية الكريمة التفرقة بين أهل الكتاب و الأميين ، و لأن النصارى يطلقون لفظ ( الأمم ) على غير المؤمنين برسالة المسيح - عليه السلام - كما نقرأ في العهد الجديد : ( فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ) متى 28 : 19 ، هذا غير أن ( الأمم ) مصطلح يهودي مستخدم في العهد القديم للدلالة على غير اليهود . فمن هنا جاء هذا الخلط الأعمى !
و لكن حقيقة الأمر نجد أن القرآن الكريم في الآية السابقة لا يخلط في المعني بمفهوم أهل الكتاب ، و لكن الله تعالى يقول لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : يا محمد قل لأهل الكتاب من الملّيين و كذلك مشركي العرب ( الأميين ) هل تدخلون في دين الإسلام ؟ ، و ليس المقصد هنا بأن الأميين هم الأمميين . يقول الإمام القرطبي مفسرا هذه الأية : أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب. – تفسير القرطبي لسورة أل عمران : 20 .(7/3)
أيضا نقول أن القرآن الكريم إذ يطلق مصطلح ( الأميين ) للدلالة على مشركي العرب ، فليس معنى هذا أن العرب كلهم يجهلون القراءة و الكتابة ! ، فنحن طبعا نقرأ في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان بعدد من كتّاب الوحي لتدوين القرآن الكريم فور نزوله ، أيضا نقرأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد أسلم بعد أن قرأ جزء من سورة طه ، أيضا نقرأ أن مشركى مكة قبل الهجرة قد كتبوا صحيفة مقاطعة للمسلمين و وضعوها في الكعبة ، كذلك كان في أسرى معركة بدر من الكفار من أراد افتداء نفسه أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين القراءة و الكتابة ، و في التاريخ نقرأ عن المعلقات السبعة و هي قصائد عُرف عنها أنها كانت تُكتب على صحائف و تعلّق في الأسواق و المنتديات العربية قبل الإسلام ، .. و غير هذا مما يدل على أن العرب كان علم القراءة و الكتابة معروف لديهم و لكن كان عدد القراء ندرة في هؤلاء القوم على عكس الأقوام الأخرى ، فأهل الكتاب مثلا كانوا يتعلمون العبرانية و اليونانية لقراءة كتبهم التي لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ، و لكن أيضا كان منهم الأميون الذين لا يقرأون و لا يكتبون كما يقول الله تبارك و تعالى عنهم في كتابه الكريم : { وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ } - البقرة : 78 ، و الأماني قد فسرها الحافظ ابن كثير بأنها تلاوات أو قراءات محفوظة من التوراة لا تتطلب منهم علم القراءة . و كما نرى أن هذه الأية تستخدم لفظ ( أميون ) للدلالة على غير الملمين بالقراءة و الكتابة لا على غير اليهود لأنها تتحدث عن اليهود !!
o أمية محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم :
كما قلنا شاءت حكمة الله تعالى أن يكون ذلك المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم رجلا أميا لا يقرأ و لا يكتب ، و قد ظل صلوات ربي عليه على أميته حتى وافته المنية كما هو ثابت في مجمل الأحاديث و كتب السيرة . و هذا كي لا يرتاب أحد في أنه يتلقى القرآن عن أحد من العالمين مهما كانت ثقافته . فبعد أن تحدى المولى - عز وجل - العرب أن يأتوا بسورة من مثله و قد فشلوا ، كان ذلك التحدي الأعظم ؛ أن ذلك الذي فشلتم في محاكاته و تقليده و أنتم جهابذة الشعر ، قد جاء به هذا النبي الأمي غير المتعلم ! فمن أين جاء به صلوات ربي عليه و تسليماته ؟!.. قطعا من عند الله رب العالمين .
و في هذا يمنّ الله - عز وجل - على نبيه الكريم و يقول : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } - العنكبوت : 48 . أي أنك يا محمد قبل أن تقرأ هذا القرآن قد لبثت في قومك عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل رجل من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، و لولا ذلك لما كانت ريبة المبطلين من المشركين و أهل الكتاب ! إذ أنهم يعلمون حق العلم أن محمد صلى الله عليه وسلم رجلا أميا فمن أين جاء بهذا القرآن ؟
أيضا يقول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلََكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نّهْدِي بِهِ مَن نّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ لَتَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } - الشورى : 52 . أي أنك يامحمد كنت رجلا أميا لا تعلم الكتاب و لا تكتبه ، و في هذا نداء للمشركين و ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعملوا عقولهم كيف لهذا الأمي بهذا البيان و هذه الفصاحة ! و ما كنت على دين قبل ذلك فيقولون انك قد تركته إلى ملة أخرى بل كنت تبحث عن الإيمان و تتفكر في خالق هذا الكون ، فمن الذي علمه هذا الإيمان الذي ما سبقه إليه أحد من العالمين ؟!.
و قديما اتهم بعض المشركين محمدا صلى الله عليه وسلم في قراءته للقرآن أنه يقول الشعر ، و ما هو مرسل من عند الله ! فكان رد القرآن عليهم واضحا : { قُل لّوْ شَآءَ اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } - يونس : 16 ، أي قل يا محمد لهؤلاء القوم أنني قد لبثت فيكم أربعون عاما قبل هذا القرآن فهل كذبتكم قط ؟ أم كنت مشهور عندكم بالصدق و الأمانة ! ، و هل علم عني أحد أنني أقرض الشعر ؟ أم أنني رجلا أميّا ! أفلا تعقلون و تعلمون أن هذا عناد على غير الصواب ؟!.. و في هذا نجد أسلوب القرآن في دفع الحجة بالحجة الأقوي ليعلم أولو الألباب أنه من عند الله .(7/4)
أيضا قال المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلقى القرآن عن كتب اليهود و النصارى ، لأن تلك القصص الواردة فيه نجدها مذكورة في تلك الكتب ، يعلمه اياها أعجمي قد اختلفوا في ذكر اسمه ! فمنهم من قال أنه نصراني و اسمه جبر ، و منهم من قال إنه غلام اسمه سبيعة يجالسه عند المروة ، و منهم من قال إنه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - رغم أن اسلام سلمان معروف أنه كان بعد الهجرة و تلك الحادثة كانت قبلها !! ، و منهم من قال إنه اعجمي و اسمه بلعام ، و غيره .. فيرد عليهم بقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهََذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ } - النحل : 103 ، أي يا من كان له لب مفكر ؛ إن تلك الكتب التي تلحدون – و الإلحاد هو الميل عن القصد – إليها باللسان العبراني أو اليوناني و لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ، أما القرآن فإنه ذو لغة عربية جلية و أسلوب منفرد ذو بيان و فصاحة عجز العرب أن يأتوا بمثله ! فمن يكون ذلك الذي علمه إياه ؟! و لم لا يظهر هو فيكون أولى منه بشرف النبوة و القيادة بدلا من الإكتفاء بدور المعلم الخفي ؟!!
و في هذا نفي لمفهوم علم النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب قبل البعثة ، بل و اشتهار ذلك بين العرب و إلا لقاموا عليه و قالوا : لا يا محمد ! نحن نعلم أنك تكتب الكتاب و تقرأه .. فلم لا تكون أنت مصدر هذا القرآن ؟!!
و من الأيات التي تذكر أمية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة قوله تعالى : { وَاخْتَارَ مُوسَىَ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لّمِيقَاتِنَا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مّن قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السّفَهَآءُ مِنّآ إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } - الأعراف : 155-158 . نجد أن الأيات الكريمة وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن قوم موسى - عليه السلام - ، و من منهم أدرك محمدا و أمن بدعوته . و كيف يعرفون محمدا ؟.. و تجيبهم الأية أنه ذلك النبي الذي يجدونه بصفاته مذكورا في كتبهم . و ما هي تلك الصفات ؟ .. و تجيبهم الأية إنه مذكور بأنه أمي لا يقرأ و لا يكتب ، و إنه يأمرهم بالمعروف و مكارم الأخلاق و ينهاهم عن المنكر من أفعالهم ، و يحل لهم من الطيبات ما حرم عليهم في شريعتهم و يحرم عليهم الخبائث التي كانوا يستحلونها من قبل ، و يضع عنهم ثقال الأعمال التي فرضت عليهم من قبل كقتل النفس عند التوبة و قطع أثر النجاسة و عدم مجالسة الحائض و تحريم شحوم الأغنام ظهور الأبقار و لحم الإبل و غيرها و التي قيدتهم من أعناقهم بأغلال الشريعة . فالذين أمنوا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم منهم وعزَّروه ووقروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه و هو القرآن الكريم أولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والأخرة – تفسير الجلالين لسورة الأعراف : 157 .
و يعترض بعض النصارى و يقولون إن حديث النبي الأمي يقتطع مرتين و لا ينسجم مع خطاب موسى لربه ، لا في النسق و لا في الموضوع ! أي أن موسى يطلب من ربه أن يسجل له و لقومه يهوديتهم حسنة لهم فيرد ربه أن على موسى و قومه أن ينتظروا قرابة الألف سنه حتى يأتي محمد و يؤمنوا به فيسجل لهم بهذا حسنةً !! – ( في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي – الحداد ) .(7/5)
حقا لقد اثبت هؤلاء النصارى أنهم لا يفهمون كلمات القرآن ! .. بل لا يفهمون العربية بالمرة ! ، ففي الأية 156 يقول موسى - عليه السلام - لربه : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَآ إِلَيْكَ .. } ، و ( هدنا إليك ) أي تبنا إليك توبة نصوح – انظر تفسير الجلالين لسورة الأعراف : 156 ، أنظر أيضا المعجم الوجيز : هادَ هَوَدَاً أي تاب و رجع إلى الحق فهو هَائِدٌ و الجمع هودٌ ، و ليس المقصود أي الملة اليهودية كما ذهب بعض النصارى !
و يرد عليه رب العزة - عز وجل - : { قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ .. } أي أنه إن كانت قد أصابتكم فتنة اهلكت بعضكم فإن ذلك عذابي و تلك بإرادتي ، و مع ذلك فرحمتي قد وسعت كل شيء من الخلق حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها. قال الإمام القرطبي عن ابن عباس : طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس ، فقال : أنا شيء ؛ فقال الله تعالى : { .. فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ .. } ، فقالت اليهود والنصارى : بل نحن متقون ؛ فقال الله تعالى : { الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ .. } الآية . فخرجت بذلك عن العموم – تفسير القرطبي لسورة الأعراف : 156 .
ذلك هو تفسير الأية الكريمة الذي حاول النصارى مداراته ببعض البهلوانات الجدلية فهم يصرفون نظر القاريء عن مدلول الأية الكريمة بالتفكير في السياق ، و قول موسى ، و جواب الله - عز وجل - ، و ... و ... ! و لكن كلام الله واضحا جليا لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
o أمية محمد صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة :
بدايةً نود أن نؤكد أنه لا توجد أحاديث ، و لو ضعيفة ، في كتب السيرة تشير إلى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أو يكتب أو أن أحد قد علمه شيء ، أللهم إلا ما سبق و أوردناه عن أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بشر أعجمي و قد ورد ذكرهما في سيرة رسول الله لإبن اسحاق و من أخذ عنه في سياق التكذيب و التضعيف . لأن تلك الكتب قد كتبها العرب الذين عاش النبي الكريم بينهم و قد اشتهر بالأمية . أما رفض بعض المشككين لهذه الأمية قد ظهر سببا من أسباب رفضهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم بل و رفضهم الإعتراف بالقرآن الكريم ككتاب من عند الله ، و هذا قد ظهر في بداية القرن الخامس الهجري عندما بدأت كتابات النصارى تعلن عن رفضهم للإسلام .
أما محمدا صلى الله عليه وسلم فكما نقرأ في كتب السيرة نشأ في قريش و استرضع في بني سعد و قد اشتهروا بالفصاحة لأنهم قوم وبر ( أي يعيشون على رعي الأغنام ) فلا سبيل إلى اختلاط لغتهم بلغة الأعاجم كقريش و غيرها ممن اشتهروا بالتجارة ؛ و لذا فقد اشتهر عن الرسول الكريم بأنه فصيح اللسان و هذا لا يغير في مفهوم الأميّة لأنها المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم .
و بعد ذلك تربى في كنف أمه حتى السادسة ، ثم جده حتى الثامنة ، ثم عمه أبو طالب حتى بلغ أشده . و بالرغم من أنه قد تربى وسط أبناء عمه جعفر و علي و قد اشتهر عنهم القراءة و الكتابة لكن لم يرد في كتب السيرة ما يشير بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
و بعد ذلك عمل محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة ، و تسجل كتب السيرة رحلة وحيدة له مع مولاه زيد بن حارثة عندما ذهبوا إلى بصرى و لم يذهبوا أبعد من ذلك ، و بعدها يعود محمد صلى الله عليه وسلم و يتزوج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، و هنا ينوه أحد الكتاب النصارى أن هذا الزواج كان زواجا نصرانيا على يد القس ورقة بن نوفل ابن عم خديجة ، و لذلك لم يتزوج محمد غيرها طيلة حياتها !!!
و نقول : لا يوجد في كتب السيرة ما يؤيد ذلك بل لا يوجد ذكر لورقة بن نوفل في حياة خديجة إلا عندما سألته عن حالة النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من غار حراء و قد ثقل عليه أمر الوحي ، أما عن زواجهما فما كان معروف عن خديجة أنها كانت على ملة النصارى و لا محمدا صلى الله عليه وسلم بالطبع ، فكيف يُعقد لهما عقدا نصرانيا ؟!!! .. أما عن عدم زواجه سواها طيلة حياتها رضي الله عنها ، فلهذا مقال أخر إن شاء الله حتى لا نخرج عن موضوعنا الأساسي .
و في غار حراء نزل الروح الأمين بأول كلمات القرآن على النبي المتحنث بين جنبات الغار فتحكي كتب السيرة أن جبريل - عليه السلام - ضمه إلى صدره حتى بلغ منه الجهد و قال له : إقرأ ! ، فرد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقاريء !! و هذا طبقا للروايات الصحيحة – انظر السيرة النبوية لإبن هشام 1/225 و مسند أحمد 232/6 حديث عائشة رضي الله عنها و البخاري/3 و مسلم/160، فأعاد جبريل ذلك مرة أخرى و رد صلى الله عليه وسلم بنفس ذلك الرد ، و في المرة الثالثة قال له النبي الكريم : ماذا أقرأ ؟ فكانت الأيات الأولى من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم .(7/6)
و يحتج بعض النصارى بأمر الروح الأمين للنبي صلى الله عليه وسلم متسائلين : هل كان جبريل يجهل أنه مرسل لنبي أمي حتى يخاطبه بصيغة أمر القراءة ؟.. و يرد الإمام القرطبي و يقول : معنى الأمر الكريم { إقرأ باسم ربك.. } الأية أي اذكر اسمه. أمره أن يبتدئ القراءة باسم اللّه . و قيل فيها حث لأمته على العلم ، و قد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا في الكثير من أحاديثه أي أن المعني رمزيا و ليس ملموسا كما ذهب أغلب النصارى !
و في صلح الحديبية و عندما رفض وفد قريش التوقيع على الصحيفة و فيها ( محمد رسول الله ) و أرادوا استبدالها بـ ( محمد بن عبد الله ) ، فأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عليّا بن أبي طالب ، و قد كان كاتبُه في هذا الصلح ، أن يمحو ما أرادوا . و قد ثقل عليه - رضي الله عنه - أن يمحو بيده كلمة ( رسول الله ) ، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيفة و سأل عن مكان الكلمة ثم محاها بيده . السيرة النبوية لإبن هشام 3/198 ، و هذا دليل واضح على عدم معرفته بالقراءة .. و غير هذا الكثير من المواقف و الأحاديث التي لا تخرج عن هذا الموضوع ، و الجدير بالذكر أنه على الرغم من حث النبي الكريم أصحابه على طلب العلم ، و بيانه لفضل العلم و منزلة العلماء و لكن لم ينتقده أبدا أحد من أصحابه بسبب أميته أو يحاول أحدهم تعليمه مبادي القراءة و الكتابة أو شيء من هذا القبيل ! و ذلك يرجع أولا إلى علو مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فلا ذكر هنا لأميّته و إن كانت أمرا واقعا . و ثانيا إن أمية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم تكن لتمنع أصحابع أن يتلقوا مباديء الإسلام على يديه صلى الله عليه وسلم .
o هل الثقافة و النبوة لا تجتمعان ؟
و لا يفهم النصارى مفهوم الثقافة بالنسبة للأنبياء فيصرون على أن كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في كتبهم كانوا على درجة عالية من الثقافة و سيدهم موسى الكليم – و لا زال الكلام عن لسانهم - الذي يقولون أنه قد تثقف في قصر فرعون بكل علوم المصريين و حكمتهم أما بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيتعجبون من موقف المسلمين في الإصرار على أمّيته !!
و نقول لهم : إن أولئك الأنبياء صلوات ربي عليهم و تسليمه قد بعثوا في قومهم مثلهم كمثل العالم الفقية في الأمّة الإسلامية ، و لم يكن من المستغرب أن يسمع بهم الخاصة و العامة في وقت من الأوقات . و لم يكن قيامهم إنكارا لقيام الأنبياء من قبلهم ، بل هو تفسير لبعض الأسفار و حض على اتباع السنن التي رسمها لهم من قبل إبراهيم و إسحاق و يعقوب و داوود و موسى عليهم جميعا أفضل الصلاة و السلام ، فلا مجال هنا للتفكير في ثقافة ذلك النبي و نترك التفكير في دعوته . أما في حالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه خاتم هؤلاء الأنبياء و صاحب الشريعة الخاتمة الذي بعث للناس كافة .. الأميون منهم و الكتابيون ، فهنا تظهر أميته كحجة دامغة على مصدر رسالته السماوية ، فلا يخالج نفسية المؤمن شك و لو بسيط أنه قد جاء بشيء من عنده ، و سبحان من وسعت حكمته كل شيء .
فمفهوم ثقافة الأنبياء العالية ، و إن كان القرآن لم يشر إليه من قريب أو من بعيد ، لا نعترض عليه ، و لكن مفهوم أمية محمد صلى الله عليه وسلم لا يقلل من نبوته و إن كانت الأمية في حد ذاتها نقص يتنزه عنه العوام ، كذلك لا يقلل من تفضيل الله تعالى له عن العالمين ؛ فتفضيله و اجتبائه إياه صلى الله عليه وسلم كان بأنه يحمل ختام الشرائع و نهاية رسالات السماء إلى بني أدم ، و أن ذلك النبي الأمي هو الذي رسم النهج الذي سار عليه من بعده الملايين و الملايين من عباد الله على اختلاف طبقاتهم و ألسنتهم و ألوانهم ، و هذا مالم يحدث مع أحد من العالمين سواه .
أحمد الله العلي القدير على نعمة الإسلام ، و أسأله الهداية لنا و لعباده المتقين ، و الثبات على دينه و ملّة نبيه الكريم العربي الأمي المبعوث رحمة للعالمين صلوات ربي عليه و تسليمه .
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .كتبه الأخ / طارق
================
اختيار موسى سبعين رجلاً:
“وَا خْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ; (آية 155).
قال السُّدي: أمر الله موسى أن يأتيه في ناسٍ مِن بني إسرائيل يعتذرون إليه عن عبادة العجل، فامتثل الأمر. فلما ذهب بهم إلى ميقات ربه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً، فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم؟ رب لو شئتَ أهلكتَهم من قبل وإياي.(7/7)
فعبارة القرآن تفيد أن موسى أخذ السبعين رجلاً بعد نزول الشريعة وبعد عمل العجل، والحقيقة هي أن موسى أصعد السبعين رجلاً قبل نزول اللوحين وقبل عمل العجل (خروج 24: 1
ذكرنا من قبل
سفر تكوين الاصحاح 38 يذكر لنا قصة يهوذا والزانية التي زنا بها وهي ثامار ومولودهم السفاح فارص الذي هو أحد أجداد السيد المسيح كما يدعوا ، فهذا يوضح أن سفر تكوين يقر بأن السيد المسيح هو من أصل اجداد زناه ، فهل نحن المسلمين نؤمن بهذه الخرافات ؟ بالطبع لا
فكيف نتبع الضلال ونترك الحق الذي أرسله الله عز وجل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
================
بنو إسرائيل وأرض كنعان
“قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ; (آية 22). وفي (عدد 24) “يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ .
قال المفسرون إن اليهود قالوا هذه المقالة لأن مذهبهم التجسيم، فكانوا يجوّزون الذهاب والمجيء على الله (أي أنهم يعتقدون أن لله جسماً، وهو افتراء محض عليهم).
قال بعض علماء الإسلام: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه موسى فهو فسق. وقال بعضهم: قالوهعلىوجه المجاز، والمعنى اذهب أنت، وربك معين لك . ولكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التفسير. وقال بعضهم: أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى. قالوا والأصح أنهم قالوا ذلك جهلاً منهم بالله وصفاته. وقد ورد قوله: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ; (الأنعام 6: 91) (الطبري القرطبي الرازي في تفسير الآية).
ونقول إن القول الحق الذي يغني عن هذا التأويل والتكلّف هو أن بني إسرائيل لم يقولوا لموسى لا ندخل أرض الموعد ما لم تُخرِج أهلها، ولم يقولوا فاذهب أنت وربك فقاتلا. نعم تذمّروا على موسى وقالوا له: ليتنا متنا في مصر أو في القفر . وقال بعضهم بإقامة رئيس لإرجاعهم إلى مصر، وكاد الله أن يلاشيهم. غير أن موسى صلى للرب صلاة طويلة بأن لا يؤاخذ بني إسرائيل على شرِّهم وعنادهم. وأمات الله الرجال العشرة الذين بثّوا الرعب (العدد أصحاح 13 ، 14
الرد
نكرر بان المسلمون لا يأخذوا الأحداث الماضية للأنبياء من كتب محرفة بل من القرآن الكريم
{ قالوا: يا موسى إن فيها قوماً جبارين؛ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون }.
إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل. ذلك أنهم أمام الخطر؛ فلا بقية إذن من تجمل؛ ولا محاولة إذن للتشجع، ولا مجال كذلك للتمحل. إن الخطر ماثل قريب؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض، وأن الله قد كتبها لهم - فهم يريدونه نصراً رخيصاً، لا ثمن له، ولا جهد فيه. نصراً مريحاً يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى!
{ إن فيها قوماً جبارين.. وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها.. فإن يخرجوا منها فإنا داخلون }..
ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود! وهي فارغة القلوب من الإيمان!
{ قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما: ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }.
هنا تبرز قيمة الإيمان بالله، والخوف منه.
. فهذان رجلان من الذين يخافون الله، ينشىء لهما الخوف من الله استهانة بالجبارين! ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم! وهذان هما يشهدان بقولتهما هذه بقيمة الإيمان في ساعة الشدة؛ وقيمة الخوف من الله في مواطن الخوف من الناس. فالله سبحانه لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين: مخافته - جل جلاله - ومخافة الناس.. والذي يخاف الله لا يخاف أحداً بعده؛ ولا يخاف شيئاً سواه..
{ ادخلوا عليهم الباب. فإذا دخلتموه فإنكم غالبون }..
قاعدة في علم القلوب وفي علم الحروب.. أقدموا واقتحموا. فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم؛ وشعروا بالهزيمة في أرواحهم وكتب لكم الغلب عليهم..
{ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }..
فعلى الله - وحده - يتوكل المؤمن. وهذه هي خاصية الإيمان وعلامته؛ وهذا هو منطق الإيمان ومقتضاه.. ولكن لمن يقولان هذا الكلام؟ لبني إسرائيل؟!
{ قالوا: يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها. فاذهب أنت وربك فقاتلا. إنا ها هنا قاعدون }..
وهكذا يحرج الجبناء فيتوقحون؛ ويفزعون من الخطر أمامهم فيرفسون بأرجلهم كالحمر ولا يقدمون! والجبن والتوقح ليسا متناقضين ولا متباعدين؛ بل إنهما لصنوان في كثير من الأحيان. يدفع الجبان إلى الواجب فيجبن. فيحرج بأنه ناكل عن الواجب، فيسب هذا الواجب؛ ويتوقح على دعوته التي تكلفه ما لا يريد!
{ فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون }..(7/8)
هكذا في وقاحة العاجز، الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان! أما النهوض بالواجب فيكلفه وخز السنان!
{ فاذهب أنت وربك }!..
فليس بربهم إذا كانت ربوبيته ستكلفهم القتال!
{ إنا ها هنا قاعدون }..
لا نريد ملكاً، ولا نريد عزاً، ولا نريد أرض الميعاد.. ودونها لقاء الجبارين!
هذه هي نهاية المطاف بموسى عليه السلام. نهاية الجهد الجهيد. والسفر الطويل. واحتمال الرذالات والانحرافات والالتواءات من بني إسرائيل!
نعم ها هي ذي نهاية المطاف.. نكوصاً عن الأرض المقدسة، وهو معهم على أبوابها. ونكولاً عن ميثاق الله وهو مرتبط معهم بالميثاق.. فماذا يصنع؟ وبمن يستجير؟
{ قال: رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي. فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين }..
دعوة فيها الألم. وفيها الالتجاء. وفيها الاستسلام. وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم!
وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه.. ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول. وفي إيمان النبي الكليم. وفي عزم المؤمن المستقيم، لا يجد متوجهاً إلا لله. يشكو له بثه ونجواه، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين. فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق.. ما يربطه بهم نسب. وما يربطه بهم تاريخ. وما يربطه بهم جهد سابق. إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله، وهذا الميثاق مع الله.
وقد فصلوه. فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق. وما عاد يربطه بهم رباط.. إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون.. إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون..
هذا هو أدب النبي. وهذه هي خطة المؤمن. وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون.. لا جنس. لا نسب. لا قوم. لا لغة. لا تاريخ. لا وشيجة من كل وشائج الأرض؛ إذا انقطعت وشيجة العقيدة؛ وإذا اختلف المنهج والطريق
=================
الاثنا عشر نقيباً
“وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الّزَكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَّزَرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ; (آية 12).
قال المفسرون إن الله عز وجل وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة (وصوابه إن الله وعد إبراهيم) وكان يسكنها الكنعانيون والجبارون، فأمر الله موسى أن يسير ببني إسرائيل للاستيلاء عليها، ووعده بالنصر، وأمره أن يأخذ من قومه اثني عشر نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء منهم على ما أُمروا به. فاختار موسى النّقباء وسار ببني إسرائيل حتى قربوا من أريحا، فبعث هؤلاء النقباء يتجسّسون له الأخبار. فلقيهم رجلٌ يُقال له عوج بن عنق، وكان طوله 3330 ذراعاً وثلث ذراع (هكذا نقله البغوي) وفيه نظر لأن آدم كان طوله (على ما ورد في الأحاديث الصحيحة) ستين ذراعاً. وكان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب من مائه، ويتناول الحوت من قعر البحر ويشويه في عين الشمس. ومن خرافاتهم أنه اقتلع الصخرة من الجبل على قدر عسكر موسى، وكانت فرسخاً في فرسخ، وحملها على رأسه ليطبقها عليهم، فبعث الله الهدهد فنقب الصخرة وقوّرها بمنقاره، فوقعت في عنق عوج فصرعته، فقتله موسى النبي. ولما لقي عوج النقباء عزم على طحنهم برجله، ولكن أخبرته امرأته أن يتركهم ليرجعوا ويخبروا قومهم بما رأوا، فرجعوا وأزعجوا قومهم ما عدا يوشع وكالب (الطبري في تفسير المائدة 5: 12).
وتذكر التوراة القصة في سفر العدد 13 فتقول: إن موسى أرسل اثني عشر رجلاً من بني إسرائيل ليتجسسوا أرض كنعان، فذهبوا إليها وتجسسوها، وأفادوا أنها أرض تفيض لبناً وعسلاً كناية عن خصبها. غير أن سكانها أشدَّاء ومدنها حصينة، فضعفت عزيمتهم. أما يشوع بن نون وكالب بن يفنة فسكّنا روع بني إسرائيل، ولكنهم زادوا هياجاً واضطراباً. وضرب الله عشرة من الذين أثبطوا همة الشعب بالوباء
المسلمون لا ياخذوا الأحداث الماضية للأنبياء إلا من القرآن وليس من كتب مُحرفه كالكتاب المقدس(7/9)
لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحاء أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم: إني كتبتها لكم داراً قراراً، فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها، وإني ناصركم، وأمر موسى عليه السلام بأن يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل، وتكفل لهم به النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون، فرأوا أجراماً عظيمة وقوّة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدّثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق، إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط أفراثيم بن يوسف، وكانا من النقباء. والنقيب: الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها، كما قيل له: عريف، لأنه يتعرفها { إِنّى مَعَكُمْ } أي ناصركم ومعينكم { وعزرتموهم } نصرتموهم من أيدي العدوّ. ومنه التعزير، وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد. وقرىء بالتخفيف يقال: عزرت الرجل إذا حطته وكنفته. والتعزير والتأزير من واد واحد. ومنه: لأنصرنك نصراً مؤزراً، أي قوياً. وقيل معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والتوحيد وبعثنا منهم اثني عشر ملكاً يقيمون فيهم العدل ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. واللام في { لَئِنْ أَقَمْتُمُ } موطئة للقسم وفي { لأَكَفِّرَنَّ } جواب له، وهذا الجواب سادّ مسدّ جواب القسم والشرط جميعاً { بَعْدَ ذَلِكَ } بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم. فإن قلت: من كفر قبل ذلك أيضاً فقد ضلّ سواء السبيل. قلت: أجل، ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم، لأنّ الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذازادت النعمة زاد قبح الكفر وتمادى { لَعنَّاهُمْ } طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا. وقيل: مسخناهم. وقيل: ضربنا عليهم الجزية { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم. أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست. وقرأ عبد الله: «قسيَّة»، أي ردية مغشوشة، من قولهم: درهم قسيّ وهو من القسوة؛ لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة، والقاسي والقاسح - بالحاء - أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة وقرىء: «قسية»، بكسر القاف للإتباع { يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ } بيان لقسوة قلوبهم، لأنه لا قسوة أشدّ من الافتراء على الله وتغيير وحيه { وَنَسُواْ حَظَّا } وتركوا نصيباً جزيلاً وقسطاً وافياً { مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } من التوراة، يعني أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم، أو قست قلوبهم وفسدت فحرّفوا التوراة وزالت أشياء منها عن حفظهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية. وتلا هذه الآية. وقيل: تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ } أي هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وأن يسموك { عَلَى خَائِنَةٍ } على خيانة، أو على فعلة ذات خيانة، أو على نفس، أو فرقة خائنة.
ويقال: رجل خائنة، كقولهم: رجل راوية للشعر للمبالغة. قال:
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُن ..... لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مَضَلَّ الأُصْبُعِ
وقرىء على خيانة { مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم الذين آمنوا منهم { فَاعْفُ عَنْهُمْ } بعث على مخالفتهم. وقيل هو منسوخ بآية السيف. وقيل: فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم
================
منصوبة أم مجرورة؟
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ; (آية 6).
في القرآن كثير من الاختلافات الناشئة عن القراءات. قال العلماء: تعارُض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين، وهذه الآية مثال لذلك. فقوله وأرجلكم قُرئت بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما، فحمل النصب على الغسل، والجر على مسح الخف. فالقراءات هي من أعظم الاختلافات والمناقضات، فإن المعنى ينعكس بها، وتترتَّب عليها أحكام متناقضة. ومع هذا فالقرآن مشحون منها. قال السيالكوتي وحسن جلبي في الحاشية على المواقف من الجزء الثاني: يوجد في القرآن من الاختلافات ما يزيد على اثني عشر ألفاً كما تسمع أصحاب القراءات يتلونها عليك (أنظر الفصل الرابع من القسم الأول من هذا الكتاب). (القرطبي في تفسير الآية
الرد(7/10)
قرأ جماعة «وأرجلكم» بالنصب، فدل على أن الأرجل مغسولة فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها.
فهل لنا من نصراني متطوع أو راهب او قسيس او شماس أن يعرب لنا هذه الجملة :
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ
==================
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; (آية 93).
قالوا: المراد بالقسم الأول من هذه العبارة مسيلمة الكذّاب، والمراد بالقسم الثاني عبد الله بن أبي سَرْح الذي كان يكتب الوحي لمحمد، ثم ارتدّ ولَحِق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت المؤمنون 23: 12 “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ; دعاه النبي فأملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله “ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ; (المؤمنون 23: 14) عَجِب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: “تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ! ; (المؤمنون 14). فقال محمد: هكذا أُنزلت عليّ . فشكّ عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أُوحي إليّ كما أُوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلتُ كما قال. فارتدّ عن الإسلام ولحِق بالمشركين، فذلك قوله: ومن قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله رواه الكلبي عن ابن عباس. وذكره محمد بن إسحاق، قال: حدّثني شرحبيل قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح ومَنْ قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله ارتدّشّعن الإسلام، فلما دخل محمد مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خَطَل ومِقْيَس بن صُبَابة ولو وُجدوا تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمُّه عثمانَ، فغيّبه عثمان حتى أتى به إلى محمد بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمَت طويلاً ثم قال: نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد: ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه بعضُكم فيضربَ عُنُقَه . فقال رجل من الأنصار: فهلاّ أومأتَ إليَّ؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (القرطبي في تفسير الأنعام 6: 109).
ولقد كان عبد الله معذوراً في ترك محمد فإنه ساعد محمداً في أقواله، بل كان يأخذ جُملاً برُمّتها ويضعها في القرآن ويقول إنها وحي، فقال: إذا كان الوحي بهذه الصفة فأنا أكون نبياً أيضاً، لأنني ساعدته على تأليفه . وشهادة عبد الله مهمة لأنه كان كاتباً له، عاشره وعرف أسراره، وتأكد أن تأليف عبارات القرآن لم يكن بطريقةٍ خارقةٍ للعادة بل كان بطريقة عادية، وإلا لما أخذ محمد أقواله ووضعها في القرآن! كما أن أسلوب عبد الله يشبه أسلوب القرآن، فأين إعجاز القرآن؟!
الرد
اعلم أنه تعالى لما شرح كون القرآن كتاباً نازلاً من عند الله وبين ما فيه من صفات الجلالة والشرف والرفعة، ذكر عقيبه ما يدل على وعيد من ادعى النبوة والرسالة على سبيل الكذب والافتراء فقال: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى عظم وعيد من ذكر أحد الأشياء الثلاثة:
فأولها: أن يفتري على الله كذباً. قال المفسرون: نزل هذا في مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، وفي الأسود العنسي صاحب صنعاء، فإنهما كانا يدعيان النبوة والرسالة من عند الله على سبيل الكذب والافتراء، وكان مسيلمة يقول: محمد رسول قريش، وأنا رسول بني حنيفة.
قال القاضي: الذي يفتري على الله الكذب يدخل فيه من يدعي الرسالة كذباً، ولكن لا يقتصر عليه، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فكل من نسب إلى الله تعالى ما هو برىء منه، إما في الذات، وإما في الصفات وإما في الأفعال كان داخلاً تحت هذا الوعيد.
قال: والافتراء على الله في صفاته، كالمجسمة، وفي عدله كالمجبرة، لأن هؤلاء قد ظلموا أعظم أنواع الظلم بأن افتروا على الله الكذب، وأقول: أما قوله: المجسمة قد افتروا على الله الكذب، فهو حق.
وأما قوله: إن هذا افتراء على الله في صفاته، فليس بصحيح. لأن كون الذات جسماً ومتحيزاً ليس بصفة، بل هو نفس الذات المخصوصة، فمن زعم أن إله العالم ليس بجسم، كان معناه أنه يقول: جميع الأجسام والمتحيزات محدثة، ولها بأسرها خالق هو موجود ليس بمتحيز، والمجسم ينفي هذه الذات، فكان الخلاف بين الموحد والمجسم ليس في الصفة بل في نفس الذات، لأن الموحد يثبت هذه الذات والمجسم ينفيها، فثبت أن هذا الخلاف لم يقع في الصفة، بل في الذات.(7/11)
وأما قوله: المجبرة قد افتروا على الله تعالى في صفاته، فليس بصحيح، لأنه يقال له المجبرة ما زادوا على قولهم الممكن لا بد له من مرجح، فإن كذبوا في هذه القضية، فكيف يمكنهم أن يعرفوا وجود الإله؟ وإن صدقوا في ذلك لزمهم الإقرار بتوقيف صدور الفعل على حصول الداعي بتخليق الله تعالى، وذلك عين ما نسميه بالجبر، فثبت أن الذي وصفه بكونه افتراء على الله باطل، بل المفتري على الله من يقول الممكن لا يتوقف رجحان أحد طرفيه على الآخر على حصول المرجح. فإن من قال هذا الكلام لزمه نفي الصانع بالكلية، بل يلزمه نفي الآثار والمؤثرات بالكلية.
والنوع الثاني: من الأشياء التي وصفها الله تعالى بكونها افتراء قوله: { أَوْ قَالَ أُوْحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْء } والفرق بين هذا القول وبين ما قبله، أن في الأول كان يدعي أنه أوحي إليه وما كان يكذب بنزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، وأما في هذا القول، فقد أثبت الوحي لنفسه ونفاه عن محمد عليه الصلاة والسلام، وكان هذا جمعاً بين نوعين عظيمين من الكذب، وهو إثبات ما ليس بموجود ونفي ما هو موجود.
والنوع الثالث: قوله: { سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ } قال المفسرون: المراد ما قاله النضر بن الحرث وهو قوله: { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } وقوله في القرآن: إنه من أساطير الأولين، وكل أحد يمكنه الإتيان بمثله، وحاصله: أن هذا القائل يدعي معارضة القرآن. وروي أيضاً أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، فلما نزل قوله:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلَلَةٍ مّن طِينٍ }
[المؤمنون: 12]
أملاء الرسول عليه السلام، فلما انتهى إلى قوله: { ثُمَّ أنشأناه خلقاً آخر } عجب عبد الله منه فقال: فتبارك الله أحسن الخالقين! فقال الرسول: " هكذا أنزلت الآية " ، فسكت عبد الله وقال: إن كان محمد صادقاً، فقد أوحي إليّ، وإن كان كاذباً فقد عارضته، فهذا هو المراد من قوله: { سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ }.
أما قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ } فاعلم أن أول الآية وهو قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } يفيد التخويف العظيم على سبيل الإجمال وقوله بعد ذلك: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ } كالتفصيل لذلك المجمل، والمراد بالظالمين الذين ذكرهم، وغمرات الموت جمع غمرة وهي شدة الموت، وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه، ومنه غمرة الماء، وغمرة الحرب، ويقال غمره الشيء إذا علاه وغطاه.
وقال الزجاج: يقال لكل من كان في شيء كثير قد غمره ذلك. وغمره الدين إذا كثر عليه هذا هو الأصل، ثم يقال للشدائد والمكاره: الغمرات، وجواب «لو» محذوف، أي لرأيت أمراً عظيماً، والملائكة باسطو أيديهم قال ابن عباس: ملائكة العذاب باسطو أيديهم يضربونهم ويعذبونهم، كما يقال بسط إليه يده بالمكروه أخرجوا أنفسكم. ههنا محذوف، والتقدير: يقولون أخرجوا أنفسكم، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية سؤال: وهو أنه لا قدرة لهم على إخراج أرواحهم من أجسادهم فما الفائدة في هذا الكلام؟
فنقول: في تفسير هذه الكلمة وجوه:
الوجه الأول: ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى غمرات الموت في الآخرة فأدخلوا جهنم فغمرات الموت عبارة عما يصيبهم هناك من أنواع الشدائد والتعذيبات، والملائكة باسطو أيديهم عليهم بالعذاب يبكتونهم، ويقولون لهم أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد إن قدرتم.
الوجه الثاني: أن يكون المعنى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت عند نزول الموت بهم في الدنيا والملائكة باسطو أيديهم لقبض أرواحهم يقولون لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد وخلصوها من هذه الآفات والآلام.
والوجه الثالث: أن قوله: { أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } أي أخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن العنف والتشديد في إزهاق الروح من غير تنفيس وإمهال وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم الملازم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله، ويقول له: أخرج إلي ما لي عليك الساعة ولا أبرح من مكاني حتى أنزعه من أحداقك.
والوجه الرابع: أن هذه اللفظة كناية عن شدة حالهم وأنهم بلغوا في البلاء والشدة إلى حيث تولى بنفسه إزهاق روحه.
والوجه الخامس: أن قوله: { أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } ليس بأمر، بل هو وعيد وتقريع، كقول القائل: امض الآن لترى ما يحل بك. قال المفسرون: إن نفس المؤمن تنشط في الخروج للقاء ربه ونفس الكافر تكره ذلك فيشق عليها الخروج، لأنها تصير إلى أشد العذاب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد لقاء الله أراد الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " وذلك عند نزع الروح، فهؤلاء الكفار تكرههم الملائكة على نزع الروح:(7/12)
المسألة الثانية: الذين قالوا إن النفس الإنسانية شيء غير هذا الهيكل وغير هذا الجسد احتجوا عليه بهذه الآية، وقالوا: لا شك أن قوله: { أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } معناه: أخرجوا أنفسكم عن أجسادكم، وهذا يدل على أن النفس مغايرة للأجساد إلا أنا لو حملنا الآية على الوجهين الأولين من التأويلات الخمسة المذكورة، لم يتم هذا الاستدلال.
ثم قال تعالى: { الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } قال الزجاج: عذاب الهون أي العذاب الذي يقع به الهوان الشديد. قال تعالى:
{ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ }[النحل: 59]
والمراد منه أنه تعالى جمع هناك بين الإيلام وبين الإهانة، فإن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم، فكذلك العقاب شرطه أن يكون مضرة مقرونة بالإهانة. قال بعضهم: الهون هو الهوان، والهون هو الرفق والدعة. قال تعالى:
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً }[الفرقان: 63]
وقوله:
{ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }[الأنعام: 93]
وذلك يدل أن هذا العذاب الشديد إنما حصل بسبب مجموع الأمرين الافتراء على الله، والتكبر على آيات الله.
وأقول: هذان النوعان من الآفات والبلاء ترى أكثر المتوسمين بالعلم متوغلين فيه مواظبين عليه نعوذ بالله منه ومن آثاره ونتائجه. وذكر الواحدي: أن المراد بقوله: { وَكُنتُمْ عَنْ ءايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي لا تصلون له قال عليه السلام: " من سجد لله سجدة بنية صادقة فقد برىء من الكبر ... ... ...
=================
فاسألوا أهل الذكر
جملة يرددها النصارى بجهالة وكأنها هي سلاح العبقرية ، بل هي عليهم وليست لهم ..
سورة النحل 43 ـ 44
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً.. لم نرسل ملائكة، ولم نرسل خلقاً آخر. رجالاً مختارين { نوحي إليهم } كما أوحينا إليك، ونكل إليهم التبليغ كما وكلنا إليك.
{ فاسألوا أهل الذكر } أهل الكتاب الذين جاءتهم الرسل من قبل، أكانوا رجالا أم كانوا ملائكة أم خلقا آخر. اسألوهم { إن كنتم لا تعلمون }. أرسلناهم بالبينات وبالكتب (والزبر الكتب المتفرقة) { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } سواء منهم السابقون أهل الكتاب الذين اختلفوا في كتابهم ، فجاء القرآن ليفصل في هذا الخلاف، وليبين لهم وجه الحق فيه. أو المعاصرون الذين جاءهم القرآن والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبينه لهم ويشرحه بفعله وقوله { ولعلهم يتفكرون } في آيات الله وآيات القرآن فإنه يدعو دائماً إلى التفكر والتدبر، وإلى يقظة الفكر والشعور.
سورة الصف آية 6 { واذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه احمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين }
ويختم هذا الأمر الذي بدأه بالإشارة إلى الذين يستكبرون ويمكرون.. ينتهي بلمسة وجدانية بعد لمسة:
أولاهما للتخويف من مكر الله الذي لا يأمنه أحد في ساعة من ليل أو نهار.
والثانية لمشاركة هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه. فليس إلا الإنسان هو الذي يستكبر ويمكر. وكل ما حوله يحمد ويسبح.
{ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون؟ أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين. أو يأخذهم على تخوف. فإن ربكم لرؤوف رحيم }.
{ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون }؟
{ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون
================
وألقى في الأرض رواسيَ أن تميدَ بكم
وألقى في الأرض رواسيَ أن تميدَ بكم (آية 15). أي أنه ثبَّتها بالجبال كيلا تميل بكم وتضطرب.
ولكنه يقول: والأرضَ مدَدْناها وألقَيْنا فيها رواسيَ (الحِجْر 15: 19) ، وفي ق 50: 7 ، ونوح 71: 18 والله جعل لكم الأرض بساطاً مع أن الأرض متحرّكة وكرة مستديرة
الرد
لو عدنا للعصور الوسطى نجد أن الكنيسة هي أولا المعترضين على دوران الأرض لأنه يخالف ما جاء بالكتاب المقدس والذي جعل الأرض ذات اطراف أربعة ثابتة لا تتحرك
امثال 30:4- من صعد الى السموات ونزل . من جمع الريح في حفنتيه . من صرّ المياه في ثوب . من ثبت جميع اطراف الارض . ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت
والنص الذي يؤكد أن كلمة اطراف لا تعني كروية
اعمل لنفسك جدائل على اربعة اطراف ثوبك الذي تتغطى به .... تث 22:12
فهل الثوب الذي نتغطى به كروي ؟(7/13)
وهذا سفر اشعياء 22:18 يثبت أن الأرض مسطحة وليست كروية : يلفك لف لفيفة كالكرة الى ارض واسعة الطرفين . هناك تموت وهناك تكون مركبات مجدك يا خزي بيت سيدك
"ويرفع راية للامم ويجمع منفيي اسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من اربعة اطراف الارض." (إشعياء 11 –12)
(الجسم الكروي لا يمكن أن يكون له أطراف، أما أي شكل مسطح فيمكن أن يكون له أطراف علماً بأن اللفظ الإنجليزي الذي ترجم إلى أطراف في العربية هو corners وتعني أركان)
"فرؤى راسي على فراشي هي اني كنت ارى فاذا بشجرة في وسط الارض وطولها عظيم. 11 فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى اقصى كل الارض." (دانيال 4 :10-11)
(أي نقطة على الجسم الكروي تمثل نقطة الوسط، وبالتالي فوصف "وسط الأرض" لا معنى له إلا إذا كان الكاتب يتصور جسماً مسطحاً، أيضاً تعبير أقصى الأرض يشير إلى نهايات أو أطراف الأرض والترجمة الإنجليزية لأقصى الأرض هي Ends if the earth )
" ليمسك باكناف الارض فينفض الاشرار منها." (أيوب 38 :13)
أكناف الأرض :
"يا رب عزي وحصني وملجإي في يوم الضيق اليك تأتي الامم من اطراف الارض ويقولون انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه " (إرميا 16 : 19)
ويتضح للجميع أن كتاب الكتاب المقدس والمسيحيين كانوا يتصورون الأرض كجسم مسطح محمول على أعمدة وهذه الأعمدة لا يحملها شيء وأن قبة السماء تحيط بالأرض كما بالشكل المبين :
أما بخصوص الأرض الواقفة على أعمدة والمعلقة على لا شيء، فهذه الصورة يرسمها لنا الكتاب المقدس في الآيات التالية:
المزعزع الارض من مقرها فتتزلزل اعمدتها (أيوب 9: 6)
المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر والابد (مزامير 104 :5)
أما هذه الأعمدة فهي معلقة على لا شيء حسب تصور كتاب الكتاب المقدس وذلك كما يعبر عنه سفر أيوب الآية 26 :7 " يمد الشمال على الخلاء ويعلّق الارض على لا شيء. "
فالأرض لها قواعد وأعمدة ولكنها معلقة على لا شيء، وهذا التصور يخالف تصورات كثير من الشعوب القديمة التي كانت ترى أن الأرض محمولة على أكتاف أطلس أو على ظهر سلحفاة أو فيل أو على قرون ثور .. إلخ، فقد كان كاتب سفر أيوب يرى أن الأرض محمولة على لا شيء، ولكنه كان يؤمن بأنها واقفة على أعمدة كما تبين لنا.
00000000000
والآن نعرض موضوع الإعجاز الذي يتباها به النصارى بجهل فنجد :
سفر اشعياء40
"21 ألا تعلمون.ألا تسمعون.ألم تخبروا من البداءه.ألم تفهموا من اساسات الارض
22 الجالس على كرة الارض وسكانها كالجندب الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن"
وفي ترجمة أخرى يقول
اشعياء40
" 21أَلَمْ تَعْلَمُوا؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا؟ أَلَمْ يَبْلُغْكُمْ مُنْذُ الْبَدْءِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ إِرْسَاءِ أُسُسِ الأَرْضِ؟
22إِنَّهُ هُوَ الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجَرَادِ. هُوَ الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ كَسُرَادَقَ، وَيَنْشُرُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسُّكْنَى "
لنطلع على أحد التراجم الإنجليزية؟ ترجمة الملك جيمس أو الترجمة الأمريكية أو غيرها من الترجمات
Isaiah 40 (New International Version)i
22 He sits enthroned above the circle of the earth, and its people are like grasshoppers. He stretches out the heavens like a canopy, and spreads them out like a tent to live in.
http://www.biblegateway.com/passage/?search=Isaiah%2040
Isaiah 40 (King James Version)i
22It is he that sitteth upon the circle of the earth, and the inhabitants thereof are as grasshoppers; that stretcheth out the heavens as a curtain, and spreadeth them out as a tent to dwell in:
http://www.biblegateway.com/passage/...40;&version=9;
ما هذا .. circle of the earth ؟!
هل circle تعني كرة ؟ .. وفي أي لغة نجد أن Circle تعني كرة ؟؟ فحسب معلوماتنا الإنجليزية الضئيلة فكلمة Circle تعني دائرة .. فلابد أن هناك خطأ ما ، فإما أن تكون الترجمة العربية مُحرفه ، أو أن تكون الترجمة الإنجليزية "ساذجة" .. هل عندكم حل آخر؟ ... ... ...
(وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون "15")
وهكذا يدلنا الحق سبحانه على أن الأرض قد خلقت على مراحل، ويشرح ذلك قوله سبحانه:
{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين "9" وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين "10"} (سورة فصلت)(7/14)
وهكذا علمنا أن جرم الأرض العام قد خلق أولاً؛ وهو مخلوق على هيئة الحركة؛ ولأن الحركة هي التي تأتي بالميدان ـ التأرجح يميناً وشمالاً ـ وعدم استقرار الجرام على وضع، لذلك شاء سبحانه أن يخلق في الأرض الرواسي لتجعلها تبدو ثابتة غير مقلقة والراسي هو الذي يثبت. ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الاستقرار لما خلق الله الجبال، ولكنه خلق الأرض على هيئة الحركة، ومنع أن تميد بخلق الجبال ليجعل الجبال رواسي للأرض. وفي آية أخرى يقول سبحانه:
{وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب .. "88"}
(سورة النمل)
وكلمة (ألقى) تدل على أن الجبال شيء متماسك وضع ليستقر. ثم يعطف سبحانه على الجبال: {وأنهاراً وسبلاً .. "15"}
(سورة النحل)
ولم يأت الحق سبحانه فعل يناسب الأنهار، ومن العجيب أن الأسلوب يجمع جماداً في الجبال، وسيولة في الأنهار، وسبلاً أي طرقاً، وكل ذلك:
{لعلكم تهتدون "15"} (سورة النحل)
أي: أن الجعل كله لعلنا نهتدي. ونعلم أن العرب كانوا يهتدوا بالجبال، ويجعلون منها علامات، والمثل هو جبل "هرشا" الذي يقول فيه الشاعر:
خذوا بطن هرشا أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشا لهن طريق
وأيضاً جبل التوباد كان يعتبر علامة. وكذلك قول الحق سبحانه:
{وناديناه من جانب الطور الأيمن .. "52"} (سورة مريم)
وهكذا نجد من ضمن فوائد الجبال أنها علامات نهتدي بها إلي الطرق وإلي الأماكن، وتلك من المهام الجانبية للجبال. أو: {لعلكم تهتدون "15"} (سورة النحل)
باتعاظكم بالأشياء المخلوقة لكم، كي تهتدوا لمن أوجدها لكم
-----------
سورة الحجر 19
(والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون"19")
وحين نسمع كلمة الأرض فنحن نتعرف على المقصود منها، ذلك أنه ليس مع العين أين. والمد هو الامتداد الطبيعي لما نسير عليه من أي مكان في الأرض.
وهذه هي اللفتة التي يلفتنا لها الحق سبحانه؛ فلو كانت الأرض مربعة؛ أو مستطيلة؛ أو مثلثة؛ لوجدنا لها نهاية وحافة، لكنا حين نسير في الأرض نجدها ممتدة، ولذلك فهي لابد وأن تكون مدورة.
وهم يستدلون في العلم التجريبي على أن الأرض كروية بأن الإنسان إذا ما سار في خط مستقيم؛ فلسوف يعود إلى النقطة التي بدأ منها، ذلك أن منحنى الأرض مصنوع بدقة شديدة قد لا تدرك العين مقدار الانحناء فيه ويبدو مستقيماً.
وحين يقول الحق سبحانه:
{وألقينا فيها رواسي "19"} (سورة الحجر)
يعني أشياء تثبتها. ولقائل أن يتساءل: مادامت الأرض مخلوقة على هيئة الثبات فهل كانت تحتاج إلى مثبتات؟
ونقول: لابد أن الحق سبحانه قد خلقها متحركة وعرضة لأن تضطرب؛ فخلق لها المثقلات، وهكذا نكون قد أخذنا من هذه الآية حقيقتين؛ التكوير والدوران. وهناك آية أخرى يقول فيها الحق سبحانه:
{وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب "88"}
(سورة النمل)
ونفهم من هذا القول الكريم أن حركة الجبال ليست ذاتية بل تابعة لحركة الأرض؛ كما يتحرك الحساب تبعاً لحركة الرياح.
وشاء سبحانه أن يجعل الجبال رواسي مثبتات للأرض كي لا تميد بنا؛ فلا تميل يمنة أو يسرة أثناء حركتها ... ... ...
====================
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
رُوي عن سعيد بن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى وقال هذه قراءة أُبيّ بن كعب (كتاب المصاحف للساجستاني فصل مصحف أُبيّ). وأُبيّ هذا هو أحد الأربعة الذين أُخذ عنهم القرآن (البخاري باب جمع القرآن).
وهذه القراءة هي ما يستدل به الشيعة على إباحة زواج المتعة، وهو أن يتزوج الرجل بأيّ امرأةٍ لفترةٍ محدودة وبأجر محدّد دون عقد أو شهود (كتاب الفقه على المذاهب الخمسة الفقه الجعفري).
وإن كانت هذه القراءة صحيحة أو غير صحيحة. فهي تبين أن القرآن قد حُذف أو أُضيف إليه أشياء أثناء الجمع لأسباب يعلمها جامعوه
الرد
قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }.
الاستمتاع في اللغة الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع، يقال: استمتع الرجل بولده، ويقال فيمن مات في زمان شبابه: لم يتمتع بشبابه. قال تعالى:
{ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }[الأنعام: 128]
وقال:
{ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَتِكُمْ فِى حَيَتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا }[الأحقاف: 20]
يعني تعجلتم الانتفاع بها، وقال:
{ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلقِكُمْ }[التوبة: 69]
يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا. وفي قوله: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } وجهان: الأول: فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو عقد عليهن، فآتوهن أجورهن عليه، ثم أسقط الراجع إلى «ما» لعدم الالتباس كقوله:
{ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاْمُورِ }[الشورى: 43](7/15)
فأسقط منه. والثاني: أن يكون «ما» في قوله: { مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } بمعنى النساء و«من» في قوله: { مِنْهُنَّ } للتبعيض، والضمير في قوله: { بِهِ } راجع إلى لفظ { مَا } لأنه واحد في اللفظ، وفي قوله: { فآتوهن أجورهن } إلى معنى «ما» لأنه جمع في المعنى، وقوله: { أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن، قال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } إلى قوله:
{ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }[النساء: 25]
وهي المهور، وكذا قوله: { فآتوهن أجورهن } ههنا، وقال تعالى في آية أخرى:
{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }[الممتحنة: 10]
وإنما سمي المهر أجراً لأنه بدل المنافع، وليس ببدل من الأعيان، كما سمي بدل منافع الدار والدابة أجرا ، والله أعلم.
الرد القاتل في دحض زواج المتعة الباطل
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=680
ثم قال تعالى: { فآتوهن أجورهن فريضة } والمعنى أن إيتاءهن أجورهن ومهورهن فريضة لازمة وواجبة، وذكر صاحب «الكشاف» في قوله: { فَرِيضَةً } ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه حال من الأجور بمعنى مفروضة.
وثانيها: أنها وضعت موضع إيتاء، لأن الايتاء مفروض.
وثالثها: أنه مصدر مؤكد، أي فرض ذلك فريضة.
================
الرد القاتل في دحض زواج المتعة الباطل
زواج المتعة
علمنا من قبل أنه عند ظهور الإسلام كانت هناك عادات وتقاليد باطلة معروفة في الجاهلية ، ولهذا عند ظهور الإسلام واجه الجاهلية في أمور العقيدة بلا هوادة ( ترك الأصنام وعبادة الله الواحد القهار ) فالعقيدة لا تقع تحت أمور النسخ بالتخفيف ولكن أزالها من أول الأمر ، ورفع راية " لا إله إلا الله ..... محمداً رسول الله" .
ثم جاء الإسلام في أمور العادات والتقاليد فبدأ يهونها ، لأن الناس كانت تألفها ، لذلك أخذها بشئ من الرفق والهوادة ، وكان هذا من حكمة الشرع ، فلم يجعل الإسلام الأحكام في أول الأمر عملية قصرية فقد يترتب عليها الخلل في المجتمع وفي الوجود كله ، وإنما أخذ الأمور بالهوادة .
كما يحدث الآن بعلاج المدمن من مادة مخدرة اعتداد على تعاطيها ، فالعلاج الحديث أثبت بتقليل الجرعات تدريجياً إلى أن نصل في نهاية الأمر الى التوقف نهائياً عن الجرعات وبهذا يتم الخلاص من هذه العادة السيئة المدمرة
وكان زواج المتعة هو أمر من أمور العادات السيئة في الجاهلية وكذا الخمر
فزواج المتعة كان مباحاً في أول الإسلام ثم نُسخت الإباحة ، وصار محرَّماً إلى يوم الدين .
ولكن أعداء الدين أردوا جعلها شبهة من الشبهات الغريبة التي تحل علينا منهم ، من هم ؟ هم من رفضوا الإسلام ديناً واتبعهم من ضلوا عن سبيل الله
فهؤلاء أعداء الدين يدعوا أن زواج المتعة حلال ولا يوجد نص تحريم بذلك مشار له في القرآن أو السنة ... وأتبعهم النصارى كحجة لخلق شبهة للتشكيك في العقيدة الإسلامية .
يا أيها المخلوقات المنسوبة الى المخلوق البشري ضللتم فأضلكم الله ..
تعلموا أصول الدين قبل التحليل والتحريم على الأهواء ، ولا تقولوا على الله الكذب أيها المخادعون
يقول الله عز وجل
البقرة 235
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
على الرغم من كثرة الحديث في هذه الآية في أمر الزواج ولكن سنأخذ منه جزء للغرض المطلوب شرحه وإثباته من خلال هذه الآية
فمعنى كلمة العزم : أن تفكر في المسألة بعمق وروية في نفسك حتى تستقر على رأي أكيد . ثم لك أن تقبل على الزواج على أنه أمر له ديمومة وبقاء لا مجرد شهوة طارئة ليست لها أرضية من عزيمة النفس عليها .
ولذلك فإن الزواج القائم على غير روية ، والمعلق على أسباب مؤقتة كقضاء الشهوة لا يستمر ولا ينجح .
فزواج المتعة ... علته في تحريمه أن المُقدِم عليه لا يريد به الاستمرار في الحياة الزوجية ، وما دام لا يقصد منه الديمومة فمعناه أنه هدف للمتعة الطارئة .
فالذين يبيحون زواج المتعة مصابون في تفكيرهم ، لأنهم يتناسون عنصر الإقبال بديمومة على الزواج
فما الداعي لأن تقيد زواجك بمدة ؟
إن النكاح الأصيل لا يُفيد بمثل هذه المدة
وتأمل أخي في الله حمق هؤلاء لتعلم أن المسألة ليست مسألة زواج ، وإنما المسألة هي تبرير زنى ، وإلا لماذا يشترط في زواج المتعة أن يتزوجها لمدة شهر أو أكثر ؟(7/16)
إن الإنسان حين يشترط تقييد الزواج بمدة فذلك دليل على غباء تفكيره وسوء نيته ، لأن الزواج الأصيل هو الذي يدخل في ديمومة ، وقد ينهيه بعد ساعة إن وجد أن الأمر يستحق ذلك ، ولن يعترض عليه أحد مثل هذا السلوك ، فلماذا تقيد نفسك بمدة ؟ إن المتزوج للمتعة يستخدم الذكاء في غير محله ، قد يكون ذكياً في ناحية ولكنه قليل الفطنة وغبي وجاهل في ناحية أخرى
إن على الإنسان أن يدخل على الزواج بعزيمة بعد تفكير عميق وروية ثم ينفذ العزم إلى عقد .
حذار أن تضع في نفسك مثل هذا الزواج المربوط على مطامع وأهداف في نفسك كعدم الديمومة أو لهدف المتعة فقط ، فكل ما يفكر فيه بعض الناس من أطماع شهوانية ودنيوية هي أطماع زائلة .
اصرف كل هذه الأفكار عنك ، لأنك إن أردت شيئاً غير الديمومة في الزواج ، وإرادة الإعفاف ، فالله سبحانه وتعالى يعلمه وسيرد تفكيرك نقمة عليك فاحذره
إن الله سبحانه وتعالى لا يحذر الإنسان من شئ إلا إذا كان مما يغضبه .
لذلك يذيل الحق هذه الآية الكريمة بقوله : (( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله عفور حليم )) .
فالله سبحانه وتعالى يعرف ضعف النفس البشرية وأنها قد تضعف في بعض الأحيان ، فإن كان قد حدث منها شيء فالله يعطيها الفرصة في أن يتوب صاحبها لأنه سبحانه هو الغفور الرحيم
فهذا هو تحريم الشرع لزواج المتعة من القرآن
وللحديث بقية ... بتحريم زواج المتعة من السُنة
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إقتباس بعض الفقرات من خواطر الشيخ / محمد متولي الشعراوي
-----------
السلام عليكم
أخي البتار سأشارك في هدا الموضوع , أرجو التصحيح ان أخطأت
- اقتباس:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، وَابْنُ، بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا أَلاَ نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ** .
فالجواب عن هدا الحديت
1 حديث 5171 - النكاح - صحيح البخارى.
5171 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.
- النكاح - صحيح مسلم.
3499 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِىٍّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
2/
صحيح مسلم / 17 - النكاح - صحيح مسلم.بسم الله الرحمن الرحيم 17 - كتاب النكاح ... /
حديث 3492 - النكاح - صحيح مسلم.
3492 - حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالاَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ.
3*/
3496 - النكاح - صحيح مسلم.
3496 - وَحَدَّثَنِى سَلَمَةَ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنِ ابْنِ أَبِى عَبْلَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ « أَلاَ إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ ».
فالمتعة كانت من عادات الجاهلية و ينطبق عليها نفس القصة في مسألة الخمر فالخمر كان يتعاطاه الناس ثم بعد دلك حرم .
و كدا المتعة تعاطاها بعض الصحابة عندما كانت تطول الغزوات و ليس كلهم لان الجميع كانت ترافقهم الازواج هذا من جهة .
و من جهة أخرى لم تكون الغزوات 24/24 ساعة حتى نقول أنها كانت منتشرة على نطاق واسع و خصوصا الغزوات الطوال .(7/17)
إذن الحديت الاول لم يرخص النبي صلى الله عليه و سلم في المتعة و لكن لم يعطاه الامر بعد في معالجو المسالة علما أن الدين لم يكتمل الا في 23 سنة ثم بعد 3 أيام من الواقعة تم تحريم المتعة الى يوم القيامة
أما الحماقات التي يتفوه بها الشيعة أن أهل السنة يقولون حرمت في خيبر ثم في اماكن اخرى مما يدل على ضعف الاحاديت فهدا ليس جواب منطقي لان التحريم ان و قع في أكتر من مكان دل على شدة التحريم .
4
حديث 1147 - النكاح - سنن الترمذى.
1147 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِىٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا رُوِىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَىْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِى الْمُتْعَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حَيْثُ أُخْبِرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِىِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
هذا الحديت يفسر لنا لمادا جابر قال أن عمر منع المتعة و قد استمتعنا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و عهد اب بكر أي لم يكن جابر على علم بتحريمها لآن المتعة لم تكن مشكلة أي لم يكن التعاطي لها على نطاق و اسع و في كل الاحوال و أنما اقل من القليل و في الغزوات الطوال .
لدلك
سنن ابن ماجه / 10 - النكاح - سنن ابن ماجه.10 - كتاب النكاح /
حديث 2039 - النكاح - سنن ابن ماجه.
2039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلاَنِىُّ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِىُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا وَلِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ لَنَا فِى الْمُتْعَةِ ثَلاَثًا ثُمَّ حَرَّمَهَا وَاللَّهِ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا تَمَتَّعَ وَهُوَ مُحْصَنٌ إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَنِى بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَحَلَّهَا بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهَا
فعمر رضي الله عنه لم يخترع شيئا من عنده لكن لما بلغه أن البعض ما زال يعتقد بحلتها صعد المنبر و أقسم أن يرجم مرتكبها ادن فهي زنا و قد تحدى الجميع و لم يعترض أحد لآن الجميع كان يعلم بحرمته الا أقل من القليل .
ثم لو كانت المتعة حلالا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصوم الشباب و أن يغضوا أبصارهم و يحفظوا فروجهم +
23/5-7
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ
إذن اما الزواج الشرعي وغير ذلك -بما في دلك المتعة-فهي تعدي
و الله أعلم
-----------
التحريم من السُنة
عن علي رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ." وفي رواية : " نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية ."
رواه البخاري ( 3979 ) ومسلم ( 1407 ) .
وعن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " .
رواه مسلم ( 1406 ) .
وقد جعل الله تعالى الزواج من آياته التي تدعو إلى التفكر والتأمل ، وجعل تعالى بين الزوجين المودة والرحمة ، وجعل الزوجة سكناً للزوج ، ورغَّب في إنجاب الذرية ، وجعل للمرأة عدة وميراثاً ، وكل ذلك منتفٍ في هذا النكاح المحرَّم .
والمرأة المتمتع بها عند الرافضة – الشيعة وهم الذين يقولون بجوازه – ليست زوجة ولا أمَة ، وقد قال تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } المؤمنين / 5 – 7 .
وقد إتبع النصارى استدل الرافضة لإباحة المتعة بما لا يصلح دليلاً ومنه :
أ. قول الله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } النساء / 24 .
فقالوا : إن في الآية دليلاً على إباحة المتعة ، وقد جعلوا قوله تعالى { أجورهن } قرينة على أن المراد بقوله { استمتعتم } هو المتعة .(7/18)
والرد على هذا : أن الله تعالى ذكر قبلها ما يحرم على الرجل نكاحه من النساء ، ثم ذكر ما يحل له في هذه الآية ، وأمر بإعطاء المرأة المزوَّجة مهرها .
وقد عبَّر عن لذة الزواج هنا بالاستمتاع ، ومثله ما جاء في السنَّة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة كالضِّلَع إن أقمتَها كسرتَها ، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عوج " رواه البخاري ( 4889 ) ومسلم ( 1468 ) .
وقد عبَّر عن المهر هنا بالأجر ، وليس المراد به المال الذي يُدفع للمتمتَّع بها في عقد المتعة ، وقد جاء في كتاب الله تعالى تسمية المهر أجراً في موضع آخر وهو قوله : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } ، فتبيَّن أنه ليس في الآية دليل ولا قرينة على إباحة المتعة .
ولو قلنا تنزلاًّ بدلالة الآية على إباحة المتعة فإننا نقول إنها منسوخة بما ثبت في السنة الصحيحة من تحريم المتعة إلى يوم القيامة .
ب. ما روي عن بعض الصحابة من تجويزها وخاصة ابن عباس .
والرد على هذا
الغريب في الأمر أن الشيعة يكفرون أصحاب النبي رضي الله عنهم ثم تراهم يستدلون بفعلهم هنا ، وفي غيره من المواضع ، ويتبعهم النصارى خطوة بخطوة
فأما من ثبت عنه القول بالجواز فهم ممن لم يبلغهم نص التحريم ، وقد رد الصحابة رضي الله عنهم ( ومنهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير ) على ابن عباس في قوله بإباحة المتعة .
فعن علي أنه سمع ابن عباس يليِّن في متعة النساء فقال : مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية .
موضوع زواج المتعه أكيد حرام
واسمحولي من غير ما كنت أقرا الاستدلالات من القرءان والسنة أنا متأكده انه حرام
ليه؟
لأن ربنا حرم كل حاجه تعرضنا للأذى وتنشر الفساد في المجتمع
بمعنى أنه حرم الخمر وما يشبهها بالقياس مثل المخدرات والسجائر لانها تمرض أمراض تعرض متناولها للموت وأيضا تذهب بالعقل وبالتالي يمكن أن يقدم مغيب العقل على ارتكاب الجرائم
وكمان حرم الميسر اللي هو القمار لأن اللي بيلعبوه بيدمنوه وبيبقوا عبيد ليه وبيحاولوا يجيبوا المال بمختلف الوسائل الغير مباحه مرتكبين الجرائم وناشرين للفساد حولهم وأيضا تضيع أسرهم وتخرب بيوتهم
ولما حرم لحم الخنزير لأن لحمه يحتوي على الدوده الشريطية اللي بتتلف الكبد يعني بتوصل للموت (الخنزير أصلا بيتغذى على الزباله)
يعني ربنا مش بيحرم علينا حاجات جميله مفيده هتخلي حياتنا ورديه
يبقى ليه الغباء؟
وبالقياس بقى نرجع لموضوعنا الأصلي الخاص بزواج المتعه اللي هو اصلا الزنا لكن بعقد
الست اللي بترضى عن علاقه بالشكل ده بتعرض نفسها لمصايب منها:
الأمراض - نبذ المجتمع ليها - الحمل في طفل غير مرغوب فيه ويبقى الحل انها تجهض نفسها ولذلك مساويء:
الموت أثناء الاجهاض - اصابتها بأذى يمنعها من الانجاب للأبد اذا توفرت لها فرصة زواج شرعي كامل - الحفاظ على الجنين وحمل مسئوليته على عاتقها في غياب وجود اثبات لميلاده ومعرفة أبوه يعني يظهر في المجتمع نماذج معقده حاقده كارهة للحياة
يبقى الخلاصه لما يفكر المقدمين على هذه التصرفات في النفع والضرر يعرفوا على طول انها حرام لأن ليها أضرار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسمح لي أخي السيف البتار أن أقدم ما عندي واعذرني على الاطالة
أن صاحب هذه الشبهة لم يستدل عليها الا من الامامية (( الجعفرية )) الشيعة فهم يقولون أن زواج المتعة حلال .
الرد(7/19)
ان زواج المتعة حرام تحريما مؤبدا و المتعة هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول، والحكم الشرعي في المتعة أنها حرام، وذلك لِما روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)، وروى أحمد وأبو داود عن سبرة الجهني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة) والمتعة محرمة بنص الحديث وليس بأمر عمر، فعمر لا يملك تحليلاً ولا تحريماً وإنما يملك تبني حكم شرعي قد شرعه الله، وهو لا يملك التشريع، ورأيه كرأي أي صحابي هو رأي مجتهد وليس بدليل شرعي، وما رُوي أن عمر قد نهى عن المتعة فأطاعه الناس فإن ذلك كان تنفيذاً لحكم شرعي شرعه الله وليس أمراً من عمر ولا رأياً له، ذلك أن بعض المسلمين لم يبلغهم حينئذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة فلم يكونوا يقولون به فأراد عمر أن يفهمهم أنها حرام فأمر بتحريمها ليبلغ ذلك من لم يبلغه بعد. فأمْرُه كان تنفيذاً لحكم شرعي وليس أمراً من عنده، والمسلمون أطاعوه لحديث سبرة المصرح بالتحريم المؤبد وليس لأنه أمر به عمر، والمسلمون متعبدون بما بلغهم عن الشارع، وقد صح التحريم المؤبد بحديث سبرة الصحيح فأخذوا بالتحريم المؤبد للحديث الصحيح. والمتعة زنا لا شك فيه، فإنه وقاع رجل لامرأة بغير نكاح، بل هو استحلال لفرج المرأة بما حرمه الشرع تحريماً مؤبداً بالحديث الصحيح، فهو زنا. وقد روى البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه. وقد روى ابن ماجه عن ابن عمر بإسناد صحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلاّ رجمته بالحجارة)، يعني أن ابن عمر يرى أنها زنا، وأن مرتكبها يقام عليه الحد. وحكم مرتكب المتعة حكم الزاني سواء بسواء، تقيم عليه الدولة الحد بوصفه زانياً، فتجلده مائة جلدة إن كان غير محصن، وترجمه بالحجارة إن كان محصناً، ولا يعتبر نكاحاً فيه شبهة كالنكاح الفاسد، فإنه ليس بنكاح حتى ولا نكاحاً باطلاً، بل هو زنا محصن يخلد فاعله قطعاً. وأما إذا كان مذهبه يجيز المتعة مثل الجعفرية فإنه يُنظَر فيه، فإن كان لم يتبنَّ الإمام –أي الخليفة- رأياً في المتعة فإنه لا يطبق عليه حكم يخالف مذهبه الذي يتعهد عليه. ومذهب جعفر مثل مذهب أبي حنيفة يعتبر اجتهاده اجتهاداً شرعياً، ورأيه الذي استنبطه حكماً شرعياً لأن لديه شبهة الدليل لكونه مجتهداً معتبراً يستند إلى دليل عنده. وأما إن كان قد تبنى الإمام تحريم المتعة وأمر بتحريمها فإن مرتكبها يقام عليه الحد أياً كان سواء أكان حنفياً أم جعفرياً، لأن أمر الإمام يرفع الخلاف، ولأن أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً، فيقام الحد على ارتكاب المتعة على جميع الناس.(7/20)
والإمامية –أي الجعفرية- يقولون بجواز المتعة، وحقيقتها عندهم كما في كتبهم هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول أو غايته إلى خمسة وأربعين يوماً، ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في منقطعة الحيض، وبحيضتين في الحائض، وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها، وحكمه أن لا يثبت لها مهر غير المشروط، ولا تثبت لها نفقة ولا عدة إلاّ استبراء بما ذكر، ولا يثبت به نسب إلاّ أن يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه. ودليل الإمامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة وبقيت الرخصة ولم يحرمها بعد الترخيص بها. وروي عن ابن عباس بقاء الرخصة، وروى أحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، إلاّ أنه قال السهيلي: إنه لا يُعرَف عن أهل السير ورواة الآثار أنه نهى عن نكاح لمتعة يوم خيبر. وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فسكت عنها. وعن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية. فالذين يجيزون المتعة ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يوم خيبر، ويستدلون على ذلك بالترخيص بها بعد خيبر في حنين وعام الفتح، ويقولون إن تحليل المتعة مجمَع عليه، والمجمَع عليه قطعي، وتحريمها مختلَف فيه، والمختلَف فيه ظني، والظني لا ينسخ القطعي، ويقولون إن قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبَي بن كعب وسعيد بن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) دليل على جواز المتعة. وهذه الأقوال والأدلة باطلة لا تصلح للاستدلال. أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رخص في المتعة فهذا صحيح ولا خلاف فيه ولكنه حرمها بعد أن رخص بها، فهي أولاً حين أُبيحت لم تكن عزيمة بل كانت رخصة ثم نسخت هذه الرخصة بتحريم المتعة تحريماً مؤبداً، فالموضوع لا يتعلق بنكاح معين قد سنه الشرع بل برخصة رخص بها الشرع، والموضوع أيضاً ليس كون الشرع قد رخص بها، بل الموضوع هو نسخ هذا الترخيص أو عدم نسخه، ومتى صح النسخ وجب المصير إليه وترك الحكم المنسوخ فوراً ولو جاء الإخبار بالنسخ في خبر الآحاد لنسخ ما ثبت بالتواتر والدليل القطعي، فإن المسلمين كانوا يصلون إلى بيت المقدس قبلتهم الأولى وكان ذلك ثابتاً بالتواتر، فلما نسخت الصلاة إلى بيت المقدس بلغ ذلك المسلمين بطريق الآحاد وهم في الصلاة فتحولوا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأتموا صلاتهم. فالحكم الناسخ يجب المصير إليه فوراً متى ثبت النسخ ولو بطريق الآحاد، ونسخ الرخصة في المتعة بتحريمها تحريماً مؤبداً ثابت بالحديث الصحيح فوجب على المسلمين المصير إليه وترك الحكم المنسوخ، وأما ما روي عن ابن عباس بقاء الرخصة فإنه روي عنه أنه رجع عن هذا القول بعد أن بلغه حديث تحريم المتعة تحريماً مؤبداً. وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتابه القرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير، وروى الرجوع أيضاً البيهقي وأبو عوانة في صحيحه. وفوق ذلك فإن ابن عباس صحابي وكلامه ليس بحجة ورأيه ليس دليلاً شرعياً فلا يصلح للاستدلال. وأما ما روي عن علي من أن النهي في خيبر كان عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها، فإنه قد روي عن علي في كتب الصحاح المتفق عليها ما يخالف ذلك. فعن علي رضي الله عنه ٍ(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، وفي رواية ٍ(نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية الأنسية). وأما ما روي عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، فهو صحيح من حيث رواية واقعة النهي زمن خيبر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية في واقعة ثم بعد ذلك نهى عن المتعة في واقعة أخرى، فقد روى ابن عيينة عن الزهري بلفط نهي عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو غير ذلك اليوم ٍ”فالذين لم يبلغهم النهي الثاني قالوا بأن النهي إنما كان عن لحوم الحُمر الأهلية، والذين بلغهم النهي الأول والنهي الثاني جمعوهما معاً وقالوا نهي عن لحوم الحُمر الأهلية وعن المتعة، وكلتا الروايتين صحيحة”، فيكون النهي عن المتعة ثابتاً يوم خيبر ولا ينقضه من يقول إنما نهى عن الحُمر الأهلية لأنه لا يصلح دليلاً على أنه لم ينه عن غيرها، فإن عدم سماع الرجل للنهي الثاني لا ينفي سماع غيره له فيكون عدم سماع بعض الرواة حديث النهي عن المتعة يوم خيبر لا يطعن بسماع من روى حديث النهي عنها يوم خيبر نفسه، لا سيما أنه حصل في واقعة ثانية. وأما قولهم إن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعي، وتحريمهما ظني والظني لا ينسخ القطعي، فإن الموضع هو ثبوت النسخ وعدم ثبوته وليس كون الناسخ ظنياً والمنسوخ قطعياً، والموضوع ليس متعلقاً برواية نص(7/21)
حتى ولا برواية حكم، بل الموضوع هو أن هذا الحكم قد نسخ أو لم ينسخ، فليس هو نسخ قطعي بظني بل هو نسخ حكم ثبت بالسنّة بحكم ثبت بالسنّة، فموضوع قطعي وظني ليس وارداً ولا هو موضوع بحث، فقد ثبت بالسنّة إباحة المتعة في صدر الإسلام، وثبت بالسنّة تحريمها في خيبر ثم بالسنّة إباحتها عام الفتح، وثبت بالسنّة تحريمها في عام الفتح نفسه تحريماً مؤبداً.
فالموضوع ليس نسخ القرآن بالسنّة ولا هو نسخ المتواتر بخبر الآحاد، بل هو نسخ حكم ثابت بالسنّة في خبر الآحاد بحكم ثبت بالسنّة بخبر الآحاد، ولذلك لا ترِد مسألة قطعي وظني ولا مسألة نسخ القطعي بالظني. وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأُبي بن كعب وسعيد بن جبير فإنها ليست قرآناً لأنها جاءت بطريق الآحاد ولا يعتبر قرآناً إلاّ ما جاء بطريق التواتر وما ألقي على جمع تقوم الحجة القاطعة بقولهم، لأن القرآن هو فقط ما نقل نقلاً متواتراً وعلمنا يقينياً أنه من القرآن، فهذا وحده هو القرآن وهو الذي يكون حجة، وأما ما عداه فليس قرآناً وليس بحجة، ولذلك فإن ما نُقل إلينا منه من آحاد كمصحف ابن مسعود وغيره ليس بقرآن ولا يكون حجة. وعلى ذلك فإن هذه القراءة ليست قرآناً وكذلك ليست سنّة لأجل روايتها قرآناً، فلا تعتبر حجة ولا يصح الاستدلال بها. على أن الدليل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ليس النهي عنها يوم خيبر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباحها بعد خيبر في عام الفتح، وإنما تحريم المتعة تحريماً مؤبداً ثابت بتحريمها يوم الفتح والنص على تحريمها تحريماً مؤبداً في نفس نص النهي، ثابت بحديث سبرة الصحيح، فقد روى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) وذكر الحديث إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً). فتحريم المتعة تحريماً مؤبداً لم يأت من النهي عنها يوم خيبر وإنما أتى عن النهي عنها يوم الفتح، ودليله ليس حديث النهي عنها يوم خيبر بل دليله حديث سبرة الصحيح المصرح به بالتحريم المؤبد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة) ويقول: (فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ سبيله) فهذا هو دليل التحريم المؤبد. وعلى ذلك فإن رأي الإمامية الجعفرية في جواز المتعة رأي باطل لا يستند إلى دليل، لأن دليلهم هو دليل الرخصة بها وهذه الرخصة قد نُسخت بالحديث الصحيح، والاستدلال بالمنسوخ استدلال باطل لا يحل الاستناد إليه ما دام يُعرف أنه منسوخ. وفوق ذلك فإنهم يعتمدون على أحاديث خيبر، وأحاديث خيبر بغض النظر عن ثبوت النهي فإنه لا يستدل على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً، ولا يستدل بها على عدم تحريم المتعة تحريماً مؤبداً لأن الرسول عليه السلام قد رخص بها بعد خيبر فأصبحت هذه الأحاديث ليست موضوع بحث في تحريم المتعة مطلقاً، ولا في تحريمها تحريماً مؤبداً، بل موضوع البحث هو تحريمها في عام الفتح، أو بعبارة أخرى هو حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد. وخلاصة حديث المتعة أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريماً مؤبداً. ذلك أن المتعة كانت مباحة في صدر الإسلام، فعن ابن مسعود قال: ٍ”كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم...) الآية، وروى الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: ٍ”إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متعة وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)” قال ابن عباس: ٍ”فكل فرج سواهما حرام”. فالثابت في صحيح السنّة عن طريق خبر الآحاد لا عن طريق التواتر أن المتعة كان مرخصاً بها وظل المسلمون على هذه الرخصة حتى يوم خيبر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يسمع نهي عنها قبل خيبر مطلقاً. وفي خيبر ثبت بالسنّة أن الرسول عليه السلام قد نهى عنها، روي ذلك عن علي وغيره، إلاّ أن هذا النهي لم يبلغ بعض الصحابة فظلوا يقولون بالترخيص بها، وفوق ذلك فإن هذا النهي لم يكن نهياً مؤبداً وإنما كان نهياً مطلقاً. هذه هي المرة الأولى التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، فأبيحت في صدر الإسلام حتى خيبر ثم حرمت في خيبر. أما المرة الثانية فكانت عام أوطاس أو عام الفتح، وهما عام واحد، فإن الرسول عليه السلام قد فتح مكة وبعد الفتح(7/22)
غزا هوازن وكانت المعركة في وادي أوطاس بديار هوازن وهي المعروفة بغزوة حنين، وفي هذا العام رخص صلى الله عليه وسلم في المتعة ثم نهى عنها في نفس العام، فقد روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ٍ(رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها)، وأخرج أحمد ومسلم عن سبرة الجهني ٍ(أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) إلى أن قال: ٍ(فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواية أخرى في حديث صحيح (إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة". وكانت الإباحة هنا في عام أوطاس أو عام الفتح ثابتة بالسنّة، وكان التحريم هنا بعد الإباحة كما في نص الحديث الثابت بالسنّة، إلاّ أن التحريم هنا كان تحريماً مؤبداً، فقد نص على أنها قد حرمت إلى يوم القيامة. وهذه هي المرة الثانية التي وقع فيها إباحة المتعة وتحريمها، وفيما عدا هاتين الواقعتين لم يصح شيء في أمر المتعة. أما ما يقال من أنه قد روي نسخ المتعة بعد الترخيص بها في ستة مواطن هي: خيبر، وعمرة القضاء، وعام الفتح، وعام أوطاس، وغزوة تبوك، وحجة الوداع، فإنه وهْم وخلْط بين الحوادث. أما رواية إباحتها ونسخها في عمرة القضاء، فإن الحديث الوارد فيها لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيل الحسن ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى فرض صحته فإنه يُحمل على أنه يوم خيبر أي عام خيبر، لأن خيبر وعمرة القضاء كانا في عام واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع من صلح الحديبية وأقام بالمدينة خمسة عشر يوماً ثم غزا خيبر، وبعد ذلك في نفس العام قام بعمرة القضاء، فتكون واقعة واحدة. أما رواية إباحتها ونسخها في عام الفتح وعام أوطاس فإنهما عام واحد، فبعد الفتح حصلت غزوة أوطاس أو غزوة حنين، فتكون الروايات المتعددة حتى التي ذكرت حنين روايات عن واقعة واحدة هي نسخ المتعة وتحريمها في عام الفتح، وهو نفسه عام أوطاس أو غزوة حنين. وأما غزوة تبوك فإن الرواية لا تدل على أن الرسول أباحها لهم وإنما تدل على أنه زجرهم عنها، فعن جابر قال: ٍ(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن فأخبرناه، فغضب وقام بيننا خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبداً). فهذا الحديث لا يدل على الإباحة أو النهي وإنما يدل على الزجر، فإن الرسول عليه السلام رأى النسوة عند هؤلاء الرجال فسألهم عنهن فأخبروه وزجرهم عن ذلك، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي. وأما حجة الوداع فإن الحديث وإن كان صحيحاً من رواية أحمد وأبي داود إلاّ أنه لم ينص على الإباحة وإنما نص على النهي فقط، وبما أن النهي كان قبل ذلك في عام الفتح وكان تحريماً مؤبداً فإنه يُحمل على أنه تأكيد لذلك النهي وليس واقعة أخرى، ولعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع وليسمعه مَن لم يسمعه قبل ذلك. هذه خلاصة موضوع المتعة، فإن تحريمها وإباحتها قد وقعا مرتين. كانت مباحة في صدر الإسلام قبل خيبر، ثم حرمت في خيبر ولكن لم يكن التحريم مؤبداً، ثم أبيحت في عام الفتح أو عام أوطاس أو غزوة حنين، ثم حرمت في نفس العام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة. فالحكم الشرعي هو أن المتعة حرام، وأن تحريمها جاء بالسنّة في الحديث الصحيح، وأن هذا التحريم تحريم مؤبد، لأن الحديث الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد لا يقبل التأويل وغير قابل للنسخ لنصه على أن التحريم إلى يوم القيامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....
روايات تحريم متعة النساء في ثلاث كتب من الكتب الثمانية المعتمدة يردها علما، الشيعه بحجة ((التقيه)) بعد ان تبين صحة سندها عندهم
هل يخاف علي من ان يقول بالمتعة خاصة إذا علمنا أن بعض الصحابه كانوا يفتون بها لما لم يكن قد بلغهم نهي رسول الله..هل كان الصحابه الذين افتوا بالمتعه اشجع من علي رضى الله عنه ولم يعملوا بالتقيه ..خاصة إذا علمت يا مسلم أن علي رضي الله عنه هو الذي يروي حديث تحريم المتعه في صحيح البخاري وغيره
وهذه مصادر التحريم في كتب اللأثني عشريه :
- تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي ج 7 ص 251 :(7/23)
( 1085 ) 10 - واما ما رواه محمد بن يحيى عن ابى جعفر عن ابى الجوزا عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الاهلية ونكاح المتعة . فان هذه الرواية وردت مورد التقية وعلى ما يذهب إليه مخالفوا الشيعة ، والعلم حاصل لكل من سمع الاخبار ان من دين ائمتنا عليهم السلام اباحة المتعة فلا يحتاج/ صفحة 252 / إلى الاطناب فيه .
- الاستبصار - الشيخ الطوسي ج 3 ص 142 :
[ 511 ] 5 - فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي الجوزا عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وآله لحوم الحمر الاهلية ونكاح المتعة .
فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقية لانها موافقة لمذاهب العامة والاخبار الاولة موافقة لظاهر الكتاب وإجماع الفرقة المحقة على موجبها فيجب أن يكون العمل بها دون هذه الرواية الشاذة
- وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج 14 ص 441 :
محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن على ، عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الاهلية ونكاح المتعة
أقول : حمله الشيخ وغيره على التقية يعني في الرواية لان إباحة المتعة من ضروريات مذهب الامامية ، وتقدم ما يدل على ذلك ، ويأتي ما يدل عليه والاخير يحتمل النسخ والكراهة مع المفسدة .
خاصة إذا علمت أن علي هو راوي حديث المتعه في البخاري وغيره ولك هذا الحديث من صحيح البخاري
- صحيح البخاري - حديث رقم 4005 :
4005 حدثني يحيى بن قزعة ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله ، والحسن ، ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية
وسئل جعفر بن محمد ( الأمام الصادق ) عن المتعة فقال : ( ماتفعله عندنا إلا الفواجر ) . ( بحار الأنوار للمجلسي – الشيعي – ج 100 ص 318
وهذا علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(ع) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57 والوسائل 14/449 ونوادر أحمد ص 87 ح 199 الكافي ج5 ص 452......
عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله يقول (ع) يقول في المتعة: دعوها ، أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟! الكافي 5/453 ، البحار 100وكذلك 103/311 والعاملي في وسائله 14/450 ، والنوري في المستدرك 14/455وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: لا تدنس بها نفسك ! مستدرك الوسائل ج 14 ص 455 .
ولم يكتف الصادق بالزجر والتوبيخ لأصحابه في ارتكابهم الفاحشة ، بل إنه صرّح بتحريمها : عن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد : قد حرّمت عليكما المتعة « الفروع من الكافي » 2 / 48 ، « وسائل الشيعة » 14/450
نصيحه الي نساء الشيعة
ندائي ونصيحتي إلى أخوات و نساء الشيعة ، ما أردت بهذا النداء والنصيحة إلا لأجل التنبيه ، ولا أدري إن كنّ تعلمن ذلك أم لا ؟
إنما مجرد سؤال وطرح فقط لا غير ؟
- هل ترضى أخوات الشيعة القبول لنفسها هذا النوع من زواج المتعة ؟!!
- هل ترضى فتاة الشيعة أن تكون لعبة في أيدي رجال الشيعة ؟ !!!
- هل ترضى أن تبيع وتعرض جسدها وجمالها بأرخص الثمن مقابل دراهم ؟ !!!
- هل ترضى أن تكون سوء السمعة أمام أهلها وجيرانها وعند الناس ؟!!!
- هل ترضى أن تكون كالسيارة المستأجرة ؟ !!!
- هل تعلمين أن زواج المتعة عند الشيعة كالإيجار فقط ؟ !!!
- وهل الشيعي رب الأسرة يرضى بأخته أو أمه أو ببناته، أو بخالته أو عمته ...؟؟ !!!
طبعاً لا ترضي ؟ ولا يرضى الشيعي بذلك أبداً ؟ لعلك ِ لا تصدقين ذلك من خلال طرحي وسؤال لكِ ؟ ؟ وتظنين بأني قد بالغت أو افتريت عليكِ ؟ !! كلا ثم والله كلا، كلا يا أختي لا أفتري ولا أكذب عليكِ ولا بالغت في كلامي .
لا تستعجلي، اقرئي وتدبّري وتأملي جيداً في الروايات الشيعية ومن مصادر الشيعة المعتمدة التي تصرح وتبيح وتشجع بارتكاب مثل هذه الرذيلة الفاحشة التي أذكرها لك ِ .
العنوان أولاً ، ثم إليكِ الروايات في ذلك :
التمتع بالشيعية يعدّونها كالمستأجرة !!!!
1- عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أي جعفر الصادق أنه قال: تزوّج منهن ألفاً فإنهنّ " مستأجرات " !!!!
2- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر أي محمد الباقر عليه السلام قال: إنما هي " مستأجرة " !!!
3- عن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليست من الأربع إنما هي " إجارة " !!!(7/24)
4- عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: فقلت له: الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر!! حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول !! حتى بانت منه ثلاثا وتزوج ثلاثاً !! يحل للأول أن يتزوجها ؟ قال: نعم كم شاء ليس هذه مثل " الحرة " !! هذه " مستأجرة " !!! وهي بمنزلة الإماء !!
5- عن عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال: تزوج منهن ألفاً !!! فإنهن " مستأجرات " !!
6- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق!! ولا ترث !! وإنما هي " مستأجرة " !!
وإليكِ أقوال علماء الشيعة في إثبات ذلك !!!
قال النجفي : إن المتمتع بها ليست " كالحرة " هي " مستأجرة " كالأمة خصوصاً خبر أبي جعفر: " في المتعة قال: ليست من الأربع لأنها لا تطلق!! ولا ترث !! ولا تورث !!! إنما هي " مستأجرة " .
وقال أيضاً : تطابقت النصوص والفتاوى خصوصاً بعد تصريح الأدلة بأنهن " مستأجرات " ولا ريب في جواز ذلك في " الإجارة "
للمزيد راجع كتاب " تحريم المتعة في الكتاب والسنة " تأليف / يوسف جابر المحمدي . وجزاكم الله خير
===============
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير
شبهة:-لماذا يحرم الإسلام الخنزير ، مع أنه مخلوق من مخلوقات الله ؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً ؟!. "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" البقرة/173 . "
أولا :
لقد حرم ربنا جل وعلا أكل الخنزير تحريما قطعيا ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام/145
ومن رحمة الله تعالى بنا ، وتيسيره علينا ، أنه أباح لنا أكل الطيبات ، ولم يحرم علينا إلا الخبائث ، قال تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف/157
فنحن لا نشك لحظة أن الخنزير حيوان خبيث قذر ، فإن أكله مضر بالإنسان ، ثم هو يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه .
ثانيا :
وأما أضرار أكل الخنزير على جسم الإنسان ، فقد أثبت الطب الحديث جملة منها :
• يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية ، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الإصابة بتصلب الشرايين. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم .
• يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والثدي والدم
• يسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
• يسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
• يسبب تناول لحم الخنزير الإصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية ، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي .
ويؤكد الأطباء أن أمراض الديدان الشريطية تعتبر من الأمراض الخطيرة التي تنجم عن تناول لحم الخنزير، وتتطور في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان، وتنضج خلال شهور عدة لتصل إلى دودة بالغة، يتألف جسمها من حوالي ألف قطعة، ويصل طولها إلى ما بين 4 - 10 أمتار، وتعيش وحيدة في أمعاء الإنسان المصاب وتخرج بيضها مع البراز. وعندما تبتلع الخنازير البيض وتهضمه، يدخل إلى الأنسجة والعضلات مشكّلاً الكيسة المذنبة أو اليرقة، وهي كيس يحتوي على سائل وعلى رأس الدودة الشريطية. وعند تناول لحم الخنزير المصاب تتحول اليرقة إلى دودة كاملة في أمعاء الإنسان، وتسبب هذه الديدان ضعف الإنسان، ونقص فيتامين (ب12)، الذي يسبب نوعاً خاصاً من فقر الدم، وقد يسبب حدوث أعراض عصبية مثل التهاب الأعصاب، وقد تصل اليرقات في بعض الحالات إلى الدماغ مسببة حدوث الاختلاج، أو ارتفاع الضغط داخل الدماغ، وما يتلوه من صداع، واختلاج ، أو حتى حدوث الشلل .(7/25)
ويسبب تناول لحم الخنزير غير المطبوخ جيداً أيضا الإصابة بالديدان الشعرينية ، وعندما تصل هذه الطفيليات إلى الأمعاء الدقيقة تخرج يرقات كثيرة بعد 4 إلى 5 أيام لتدخل إلى جدار الأمعاء ، وتصل إلى الدم ومنه إلى معظم أنسجة الجسم، وتمر اليرقات إلى العضلات وتشكل كيسات هناك. ويعاني المريض من آلام عضلية شديدة، وقد يتطور المرض إلى حدوث التهاب السحايا، والدماغ ، والتهاب عضلة القلب والرئة، والكليتين، والأعصاب ، وقد يكون المرض مميتاً في حالات قليلة .
ومن المعروف أن هناك أيضا بعض الأمراض الخاصة بالبشر ، لا يشاركهم فيها من الحيوانات إلا الخنزير، ومن ذلك الروماتيزم، وآلام المفاصل، وصدق الله العظيم إذ يقول : "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" البقرة/173 .
على أننا لو لم نعلم في أكل الخنزير مضرة ولا أذى ، فهذا لا يغير من إيماننا بتحريمه شيئا ، ولا يضعف من تركنا له ، ولتعلم أن آدم عليه السلام إنما أخرج من الجنة لأجل أكلة أكلها من الشجرة التي نهاه الله عنها ، وما علمنا عن تلك الشجرة شيئا ، ولا كان آدم في حاجة إلى أن يبحث في سبب تحريم الأكل منها ، بل كان يكفيه ، كما هو يكفينا ويكفي كل مؤمن ، أن يعلم أن الله حرم هذا .
وانظر حول بعض الأضرار المترتبة على أكل لحم الخنزير : أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ، ط الكويت [ 731 وما بعدها ] ، وأيضا : الوقاية الصحية في ضوء الكتاب والسنة ، لؤلؤة بنت صالح [ 635 وما بعدها ] .
على أننا نعود فنسألكم أنتم أيها النصارى
أليس الخنزير محرما في العهد القديم الذي هو شطر كتابكم المقدس :
{ لا تأكل رجسا ما ؛ هذه البهائم التي تأكلونها ... والخنزير لأنه يشق الظلف ، لكنه لا يجتر ، فهو نجس لكم ، فمن لحمها لا تأكلوا ، وجثثها لا تلمسوا } [ سفر التثنية 14/3-8 ونحوه في سفر اللاويين 11/1-8 ] .
وتحريم الخنزير على اليهود لا يحتاج إلى أن ننقل دليلا عليه ، فإن كنتم في شك ، فاسألوا القوم يخبروكم لكن الذي نظن أننا نحتاج إلى تنبيهكم عليه هو بعض ما جاء في كتابكم المقدس أيضا ، لكن في عهده الجديد الذي يقول لكم إن أحكام التوراة ثابتة في حقكم ، لا يمكن أن تتغير ؛ أليس فيها أن المسيح قال :
{ لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس ، أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ؛ فإني الحقَّ أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف أو نقطة واحدة من الناموس ، حتى يكون الكل } [ متى 5/17-18 ]
ومع أننا لا نحتاج مع هذا النص إلى أن نبحث عن حكم آخر للخنزير في العهد الجديد ، فإننا نزيدكم هنا نصا آخر قاطعا في نجاسة الخنزير وخبثه :
{ وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى . فطلب إليه كلُّ الشياطين قائلين : أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها . فأذن لهم يسوع للوقت ، فخرجت الأرواح النجسة ، ودخلت في الخنازير } [ إنجيل مرقس 5/11-13 ] وانظر نصوصا أخرى في استقذار الخنازير ، واحتقار من يقوم برعيها [ متى 67 ، رسالة بطرس الرسول الثانية 2/22لوقا 15/11-15 ]
فلعلكم تقولون هذا نسخ ، فقد قال بطرس ، أو قال بولس ؟!!
وهكذا يبدل كلام الله ، وتنسخ التوراة ، وينسخ كلام المسيح الذي أكد لكم أنه ثابت ثبوت السماء والأرض ، يبدل كل هذا وينسخ بكلام بولس أو بطرس ؟!
فلنفرض أنه صادق ، وأن تحريمه قد نسخ حقيقة ، فما تنكرون أن يكون حراما في الإسلام كما كان عندكم أول مرة ؟!
ثالثا :
وأما قولكم :إذا كان أكله محرما ، فلماذا خلق الله الخنزير إذاً ، فإننا نسألكم لماذا خلق الله كذا وكذا من الأشياء المؤذية ، أو المستقذرة ، بل نسألك لماذا خلق الله الشيطان ؟!
أليس من حق الخالق أن يأمر عباده بما يشاء ، ويحكم فيهم بما يريد ، لا معقب لحكمه سبحانه ، ولا مبدل لكلماته ؟
أليس من واجب المخلوق العابد أن يقول لربه ، كلما أمره بشيء : سمعنا وأطعنا ؟
( قد يلذ لك مذاقه ، ويستهويك أكله ، ويتمتع به من حولك ، لكن ألا تستحق الجنة منك أن تضحي ببعض ما تشتهيه نفسك ؟
===============
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
حزقيال النبي والعظام:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ; (آية 243).
قال مفسرو المسلمين: كانت قرية يقال لها دارودان وقع بها الطاعون، فخرج عشرة آلاف، وقيل سبعون ألفاً، وبقيت
طائفة. فسلَّم الذين خرجوا وهلك أكثر من بقي بالقرية. غير أن الله أمات من هرب أيضاً ثم أحياهم، بأن مرّ عليهم(7/26)
حزقيل بن بوذي، وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل، وقد عريت عظامهم وتفرّقت أوصالهم، فتعجّب من ذلك. فأوحي إليه: نادِ فيهم أن قوموا بإذن الله، فنادى فقاموا يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلا أنت (القرطبي في تفسير البقرة 2: 243). والغاية من هذه القصة تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرّض للشهادة وحثّهم على الاستسلام للقضاء.
وقد جاءت القصة في سفر النبي حزقيال بالتوراة مختلفة، ففي عصر حزقيال النبي لم يهرب عشرة آلاف من بني إسرائيل من الطاعون كما قال القرآن، ولا الله أماتهم، ولا النبي حزقيال بعثهم من الموت. ولكن الله أمر حزقيال النبي أن ينزل في وسط بقعة كانت موقعاً لمعركة حربية ملآنة عظاماً ويتنبأ على العظام فتحيا، ويضع عليها الله عَصَباً ولحماً ويبسط عليها جلداً ويجعل فيها روحاً فتحيا: ففعل. وبينما هو يتنبأ كان صوتٌ وإذا رعشٌ، فتقاربت العظام وكُسيت بالعصب واللحم وبُسِط الجلد عليها وليس فيها روح. فأمره الله أن يتنبأ عليها ثانية، فتنبّأ فدخل فيها الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً . فأخبره الله أن هذه العظام هي كل بني إسرائيل يقولون: يبست عظامنا وهلك رجاؤنا فقال لهم: هكذا قال السيد الرب: “هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.,, وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ ; (حزقيال 37: 1 - 14).
وهدف هذه الرؤيا إنعاش بني إسرائيل وإحياء آمالهم بعد اليأس الذي استولى عليهم في السبي فيما بين النهرين، فشبّه حالتهم بالعظام اليابسة المبدَّدة في القبر. غير أن الله علّمهم من حزقيال 37 أنه على كل شيء قدير، يحيي الرفات ويرجعهم من سبيهم. والواجب الإيمان بمواعيده الصادقة.
الرد
-----------
ابن كثير
روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف, وعنه كانوا ثمانية آلاف وقال أبو صالح: تسعة آلاف, وعن ابن عباس أربعون ألفاً, وقال وهب بن منبه وأبو مالك: كانوا بضعة وثلاثين ألفاً.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس, قال: كانوا أهل قرية يقال لها داوردان. وكذا قال السدي وأبو صالح وزاد من قبل واسط ,
وقال سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل أذرعات, وقال ابن جريج عن عطاء قال: هذا مثل. وقال علي بن عاصم: كانوا من أهل داوردان قرية على فرسخ من قبل واسط .
وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي, عن المنهال بن عمرو الأسدي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت" قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم "موتوا" فماتوا, فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم, فذلك قوله عز وجل "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت" الاية.(7/27)
وذكر غير واحد من السلف, أن هؤلاء القوم, كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم, وأصابهم بها وباء شديد, فخرجوا فراراً من الموت, هاربين إلى البرية, فنزلوا وادياً أفيح, فملؤوا ما بين عدوتيه, فأرسل الله إليهم ملكين, أحدهما من أسفل الوادي, والاخر من أعلاه, فصاحا بهم صيحة واحدة, فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد, فحيزوا إلى حظائر, وبني عليهم جدران وقبور, وفنوا وتمزقوا وتفرقوا, فلما كان بعد دهر, مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل, يقال له حزقيل, فسأل الله أن يحييهم على يديه, فأجابه إلى ذلك, وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية, إن الله يأمرك أن تجتمعي, فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض, ثم أمره فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً وعصباً وجلداً, فكان ذلك وهو يشاهد, ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح, إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فقاموا أحياءً ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة وهم يقولون: سبحانك لا إله إلا أنت. وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة, ولهذا قال: "إن الله لذو فضل على الناس", أي فيما يريهم من الايات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة "ولكن أكثر الناس لا يشكرون" أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم. وفي هذه القصة عبرة ودليل, على أنه لن يغني حذر من قدر, وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه, فإن هؤلاء خرجوا فراراً من الوباء, طلباً لطول الحياة, فعوملوا بنقيض قصدهم, وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد. ومن هذا القبيل, الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى, أخبرنا مالك وعبد الرزاق, أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل, عن عبد الله بن عباس, أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ, لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه, فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام, فذكر الحديث, فجاءه عبد الرحمن بن عوف, وكان متغيباً لبعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علماً, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه, وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف, وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به بطريق أخرى لبعضه.
أما ما جاء بالكتاب المقدس فقد ذكرنا من قبل أن الكتاب المقدس غير معترف به .
فالأرثوذكس ترفض كتاب الكاثوليك والعكس كذلك ، والبروتستانت يرفضون كتاب الأرثوذكس والكاثوليك ... فعندما يتفقوا جيمعاً على كتاب واحد فبعدها سنقوم بالمقارنة بما جاء بتفسيرات علماء الإسلام وما جاء بالكتاب المقدس
================
شبهة حول الناسخ والمنسوخ فى الصيام
:(( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )) البقرة .(7/28)
* في ابتداء فرض الصيام كان إذا أفطر أحدهم إِنَّما يحل له الأكْل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فقط ، إلا إذا نام قبل ذلك ، فإذا نام أو صلى العشاء فقدْ بدأ صومه إلى الليلة التالية ، فوجدوا في ذلك مشقة كبيرة ، لان الرجل لو كان صائمًا فنام المغرب قبل أن يفطر فقد حُرِّم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة التالية كصيام أهل الكتاب ، وقد وقع ذلك لأحد الصحابة حيث كاد أن يهلك من الجوع والعطش ، ووقع لآخر أن أتى امرأته بعد أن نامت (وذلك لا يحل) حيث قال في نفْسه إِنَّها لم تَنَمْ ولكنها تتعلل ، فغلبته نَفْسُه وشَهْوَتُه على عقله ودينه ، مُبَرِّرةً ومُسَوَّلة ومُطَوِّعة له ذلك بأن الزوجة لم تنم ، فكأن النفس اجتهدت في إخفاء المخالفة على العقل والوازع الديني حتى يوافقها صاحبها ويفعل ما تهواه وتشتهيه ، وهذا هو اختيان النفس ، في قوله تعالى :(( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ )) البقرة لأن لفظ الخيانة لا يستعمل إلا في المخالفة التي تخفى على المَخُون ، والنفس هنا هي الخائنة ، وصاحبها هو المخون ، والمعني : تختانكم أنفسُكم ، وعبارة القرآن أبلغ ، وهي التي يستعملها الناس في حياتهم ، كالمريض الذي يتناول الممنوعات عليه ويجتهد في ا لتبرير والتهوين وتنويم ضميره ، فيقول له الطبيب : أتخون نفْسَك ـ أو : أَتَغُشُّ نفسك ، أو : أتضحك على نفسِك ، وهكذا . والمراد هنا أنَّ الأمر قد شق عليهم حتى وقع بعضُهم في اختيان النفس ، لكن الصحابي الجليل ذهب بعد ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً : يا رسول الله : أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة .. وحكى ما حدث منه ، وجاء آخرون أيضًا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا مثل ذلك من الأكل أو الشرب أو الجماع ، وكلهم يريد الاعتذار والتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ، لا اعتراضًا على شدة الحكم ، لأن حق الرب الملك الإله أن يحكم ما يريد ، وأن تُبذل الأموال والأنفس في سبيله . فأنزل الله هذه الآية بهذه الرخصة بإحلال الأكل والشرب والجماع (الرَّفث) إلى الفجر (بدلاً من العشاء) بلا تأثير للنوم في ذلك ، فجاء هذا الحكم ناسخًا ورافعًا للحكم الأول ، ودليل النسخ قوله تعالي :(( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فقبل الآن كان الحكم المنسوخ ، والآن جاء الحكم الناسخ المستقر إلى يوم القيامة .
ولفتةٌ جميلةٌ في قوله تعالى :(( وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) إذ أن ليالي رمضان - وخصوصًا العَشْر الأواخر - مَغْنَمٌ للمؤمنين ، فإذا كان الله قد أباح لكم مباشرة أزواجكم ليلة الصيام ، فلا يشغلكم ذلك عن الخير الذي كتبه الله لكم من القيام والاعتكاف واغتنام ليلة القدر ، علاوة علي ابتغاء الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وابتغاء الآجر الذي يكتبه الله على مباشرة الأزواج .
سؤال : يردده السفهاء ابتغاء فتنة الجهلاء والضعفاء من المسلمين :-* هل كان الحكم الأول مُشَدّدًا لتجربة احتمال المسلمين واختبار طاقتهم ، فلما تَبيَّن شدة الحكم ومشقة الأمر عليهم تم نَسْخُه بالحُكْمِ الثاني المُخفَّف ؟ بمعنى : هل بَدَا للمشرع من حال الناس ما كان خافيًا عليه ، ولم يكن باديًا له فاضطر إلى تعديل الأمر ليناسب أحوال الناس ؟ ، وإذا كان كذلك فلا يمكن للقرآن أن يكون كلام الله الذي يعلم كل شيء عن الخلق إلى يوم الدين وما بَعْده ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فالبداء عليه محال ، وكان الأيسر : الابتداء بالحكم الثاني ، والثبات عليه بلا نسخ .
الرد
* الله تعالى هو الرب المالك الذي له ملك كل شيء ، وكل الخلق مماليكه ، فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء ، ويثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بما يشاء ، ولا يفعل شيئًا من ذلك إلا لحكمة بالغة ، فما من حُكْمٍ إلا وهو تابع للحِكْمةِ ، والحكمةُ تختلف باختلاف الناس وزمانهم ومكانهم ومصلحتهم ، لا باختلاف علم الحاكم حاشا لله عَزَّ وَجَلَّ .
* فترة الرسالة ثلاث وعشرون سنة ، ابتدأت بقوم على الجاهلية الجهلاء وانتهت بكمال الدين وتمام النعمة بما يسع جميع الناس في كل بقاع الأرض على مدار القرون إلى يوم الدين ، وبما لا يجافي أية حالة من حالات الإنسان ، فلن تحدث قضية إلا ولها مَثَلٌ في الكتاب والسنة ، وانتهت الرسالة والأمَّة في غاية الرقيّ الإنساني ، وغاية الكمال البشري ، وإنما تم ذلك بالتربية التدريجية ، والتدرج في الأحكام بمراعاة الأصلح والأنفع لكل حال ولكل ظرف ، مع ما يناسب قابلية الناس في سنوات الرسالة ليقدِّموا القدوة اللازمة لجميع الدرجات للناس كافة إلى آخر الزمان .(7/29)
* الله تعالى يحب أن يتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته ، ويَمْتَنُّ عليهم بمقتضياتها ، ومقتضى العفو في الآية ظاهر في قوله تعالى :(( فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ )) ، وحق الله علينا كبير لا نبلغه ولا نستطيعه ، ولا حل لهذه المعضلة إلا عفوُه عَزَّ وَجَلَّ ، حيث ترك أكثر حقه لدينا ولم يطالبنا إلا بما جاء به الشرع ، ففي هذه المسألة فرض علينا الصيام بالحكم الأول المشدَّد الذي شق على الأصحاب وهم خير القرون ، فجاء التخفيف بالحُكْم الناسخ ، وذلك بمقتضى العفو أيضًا ، ثم إذا نسينا أو أخطأنا سألناه عفوًا آخر مقابلاً للخطأ والنسيان وهكذا أنواع من العفو ، وأيضًا فالتخفيف هو من مقتضى الرحمة والحِكْمة وأيضًا توبة الله عليهم بعد هذا الظرف من الشدة إنما هي فضل من الله يرفعهم بها درجات عنده لأنهم صادقون كما تبين ، حيث بصدقهم صار اختيانهم لأنفسهم في هذه الشدة كان سببا قدره الله لتوبته عليهم ، كما قال تعالى :(( لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) التوبة .* عندما يقرأ المسلم آية الصيام في ليالي الصيام وهو يتنعم بالمآكل والمشارب ومباشرة زوجه مع عمله بما كان قبل النسخ ، فما أجدره أن يشكر نعمة الله في عفوه هذا الذي لا ينسى ، كما أنه إذا تعرض لظروف شديدة طارئة في ليالي وأيام الصيام ، فما أجدره أن يذكر الاقتداء بهؤلاء الصادقين ويصبر ويستعين بالله .
* فإذا تبينت هذه الفوائد والحِكم ، وهي قليل من كثير ، علمنا أن قضية النسخ في القرآن ليست قادحة في نسبته إلى الله ، بل مثبتة لأنه كلام الحكيم العليم ، قال تعالى :(( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ )) النمل ، وعلمنا أيضًا أن هؤلاء المعترضين سفهاء لا يفرقون بين البداء أو العلم بعد الخفاء وبين الأحكام التابعة للحكمة التي تختلف باختلاف الناس ، حيث الحاكم عَزَّ وَجَلَّ يعلم أن هذا الحكم في هذا الزمان أو لهذه الأمة مناسب ، وفي زمن آخر أو لأمة أخرى غير مناسب ، ولهذا كان النسخ من مقتضى الحكمة والعلم لا مخالفًا لهما
===================
سقوط آدم
من قارن بين ماورد في الأعراف 7: 20 - 23 وما ورد في التوراة عن سقوط آدم وجد أخطاءً كثيرة في القرآن. قال القرآن إن الشيطان قال: “مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ .
والتوراة تعلّمنا أن الشيطان اختلى بحواء واستفهم منها بمكره وغدره عن الشجرة ثم قال لحواء: إنكما إذا أكلتما منها تكونان كالله ذاته وتعرفان الخير والشر.
ومن أخطائه قوله إن الله قال لآدم وحواء: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وإنها أجابا: ربنَّا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . مع أن التوراة أفادت أنه لما أكل آدم وامرأته من الشجرة اختبئا. “فَنَادَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ؟ . فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لِأَنِّي عُرْيَانٌ فَا خْتَبَأْتُ . فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ ; (تكوين 3: 8 - 2
سفر تكوين الاصحاح 38 يذكر لنا قصة يهوذا والزانية التي زنا بها وهي ثامار ومولودهم السفاح فارص الذي هو أحد أجداد السيد المسيح كما يدعوا ، فهذا يوضح أن سفر تكوين يقر بأن السيد المسيح هو من أصل اجداد زناه ، فهل نحن المسلمين نؤمن بهذه الخرافات ؟ بالطبع لا
فكيف نتبع الضلال ونترك الحق الذي أرسله الله عز وجل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ويقول صاحب الشبهة : فَنَادَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ؟..... فهذا أستخفاف بالله عز وجل ونسب له الجهل كما أدعى بولس بقوله :
1 كورنثوس 1
25 لان جهالة الله احكم من الناس.وضعف الله اقوى من الناس
إن الإغواء على الشر يقع في صورة من الصور؛ وإيحاء بارتكاب المحظور يتم في هيئة من الهيئات. وأن هذا الإيحاء وذلك الإغواء يعتمدان على نقط الضعف الفطرية في الإنسان. وأن هذا الضعف يمكن اتقاؤه بالإيمان والذكر ؛ حتى ما يكون للشيطان سلطان على المؤمن الذاكر؛ وما يكون لكيده الضعيف حينئذ من تأثير..(7/30)
وهكذا وسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما.. فهذا كان هدفه.. لقد كانت لهما سوآت، ولكنها كانت مواراة عنهما لا يريانها - وسنعلم من السياق أنها سوآت حسية جسدية تحتاج إلى تغطية مادية، فكأنها عوراتهما - ولكنه لم يكشف لهما هدفه بطبيعة الحال! إنما جاءهما من ناحية رغائبهما العميقة:
{ وقال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين }..
بذلك داعب رغائب " الإنسان " الكامنة.. إنه يحب أن يكون خالداً لا يموت أو معمراً أجلاً طويلاً. كالخلود! ويحب أن يكون له ملك غير محدد بالعمر القصير المحدد..
وفي قراءة: { ملكين } بكسر اللام. وهذه القراءة يعضدها النص الآخر في سورة طه:
{ هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى }
وعلى هذه القراءة يكون الإغراء بالملك الخالد والعمر الخالد وهما أقوى شهوتين في الإنسان بحيث يمكن أن يقال: إن الشهوة الجنسية ذاتها إن هي إلا وسيلة لتحقيق شهوة الخلود بالامتداد في النسل جيلاً بعد جيل - وعلى قراءة { ملكين } بفتح اللام يكون الإغراء بالخلاص من قيود الجسد كالملائكة مع الخلود.. ولكن القراءة الأولى - وإن لم تكن هي المشهورة - أكثر اتفاقاً مع النص القرآني الآخر، ومع اتجاه الكيد الشيطاني وفق شهوات الإنسان الأصيلة.
ولما كان اللعين يعلم أن الله قد نهاهما عن هذه الشجرة؛ وأن هذا النهي له ثقله في نفوسهما وقوته؛ فقد استعان على زعزعته - إلى جانب مداعبة شهواتهما - بتأمينهما من هذه الناحية؛ فحلف لهما بالله إنه لهما ناصح، وفي نصحه صادق:
{ وقاسمهما: إني لكما لمن الناصحين }. .!
ونسي آدم وزوجه - تحت تأثير الشهوة الدافعة والقسم المخدر - أنه عدوهما الذي لا يمكن أن يدلهما على خير! وأن الله أمرهما أمراً عليهما طاعته سواء عرفا علته أم لم يعرفاها! وأنه لا يكون شيء إلا بقدر من الله، فإذا كان لم يقدر لهما الخلود والملك الذي لا يبلى فلن ينالاه!
نسيا هذا كله، واندفعا يستجيبان للإغراء!
{ فدلاهما بغرور. فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؛ وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ }..
لقد تمت الخدعة وآتت ثمرتها المرة. لقد أنزلهما الشيطان بهذا الغرور من طاعة الله إلى معصيته، فأنزلهما إلى مرتبة دنيا:
{ فدلاهما بغرور }!
ولقد شعرا الآن أن لهما سوآت، تكشفت لهما بعد أن كانت مواراة عنهما. فراحا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه في بعض { يخصفان } ويضعان هذا الورق المشبك على سوآتهما - مما يوحي بأنها العورات الجسدية التي يخجل الإنسان فطرة من تعريها، ولا يتعرى ويتكشف إلا بفساد في هذه الفطرة من صنع الجاهلية!
{ وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ }..
وسمعا هذا العتاب والتأنيب من ربهما على المعصية وعلى إغفال النصيحة.. أما كيف كان النداء وكيف سمعاه، فهو كما خاطبهما أول مرة. وكما خاطب الملائكة. وكما خاطب إبليس. كلها غيب لا ندري عنه إلا أنه وقع. وأن الله يفعل ما يشاء.
وأمام النداء العلوي يتكشف الجانب الآخر في طبيعة هذا الكائن المتفرد.. إنه ينسى ويخطئ. إن فيه ضعفاً يدخل منه الشيطان. إنه لا يلتزم دائماً ولا يستقيم دائماً.. ولكنه يدرك خطأه؛ ويعرف زلته؛ ويندم ويطلب العون من ربه والمغفرة.. إنه يثوب ويتوب؛ ولا يلح كالشيطان في المعصية، ولا يكون طلبه من ربه هو العون على المعصية!
{ قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }..
إنها خصيصة " الإنسان " التي تصله بربه، وتفتح له الأبواب إليه.. الاعتراف، والندم، والاستغفار، والشعور بالضعف، والاستعانة به، وطلب رحمته.مع اليقين بأنه لا حول له ولا قوة إلا بعون الله ورحمته.. وإلا كان من الخاسرين..
وهنا تكون التجربة الأولى قد تمت. وتكشفت خصائص الإنسان الكبرى. وعرفها هو وذاقها. واستعد - بهذا التنبيه لخصائصه الكامنة - لمزاولة اختصاصه في الخلافة؛ وللدخول في المعركة التي لا تهدأ أبداً مع عدوه..
{ قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال: فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون }..
وهبطوا جميعاً.. هبطوا إلى هذه الأرض.. ولكن أين كانوا؟ أين هي الجنة؟.. هذا من الغيب الذي ليس عندنا من نبأ عنه إلا ما أخبرنا به من عنده مفاتح الغيب وحده.. وكل محاولة لمعرفة هذا الغيب بعد انقطاع الوحي هي محاولة فاشلة. وكل تكذيب كذلك يعتمد على مألوفات البشر اليوم و " علمهم " الظني هو تبجح، فهذا " العلم " يتجاوز مجاله حين يحاول الخوض في هذا الغيب بغير أداة عنده ولا وسيلة. ويتبجح حين ينفي الغيب كله، والغيب محيط به في كل جانب، والمجهول في " المادة " التي هي مجاله أكثر كثيراً من المعلومات!(7/31)
لقد هبطوا جميعاً إلى الأرض.. آدم وزوجه،وإبليس وقبيله. هبطوا ليصارع بعضهم بعضاً. وليعادي بعضهم بعضاً؛ ولتدور المعركة بين طبيعتين وخليقتين: إحداهما ممحضة للشر، والأخرى مزدوجة الاستعداد للخير والشر؛ وليتم الابتلاء، ويجري قدر الله بما شاء
==================
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ; (آية 26).
تُرى ما هو ذلك اللِّباس الذي يواري السوءات؟ وما هو الريش ولباس التقوى؟ إنه خيرٌ. إنه من آيات الله. ولكن القرآن لا يشرح لنا شيئاً عنه، مع أنه في غاية الأهمية لسَتْر الإنسان الذي أزلَّه الشيطانُ وعرَّاه وفضَحَه! ولكن حسناً نصح القرآن أصحابه: فا سْألوا أهل الذِّكر إن كنتُم لا تعلمون (النحل 16: 43). فإن سفر التكوين في التوراة يقول لنا إن آدم وحواء لم يُفلِحا في سَتْر نفسيهما وهما يَخْصِفان عليهما من ورق الجنَّة، فصنع الربُّ الإلهُ لآدمَ وامرأته أقمصةً مِن جلدٍ وألبسهما (تكوين 3: 21). إذاً كانت هناك ذبيحةٌ سُفك دمها وأُخِذ جِلْدُها لستر آدم وحواء. لقد فداهما الله بذبحٍ عظيم لأنّه بدون سَفْك دمٍ لا تحصل مغفرة (الصافات 37: 107 والعبرانيين 9: 22). وهذا رمزٌ للمسيح المخلِّص الآتي الذي هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29 ، 36). ويقول نبيُّ الله إشعياء في التوراة: فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر (إشعياء 61: 10
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ; (آية 26).
هذه وقفة من وقفات التعقيب في سياق السورة. وهي وقفة بعد المشهد الأول في قصة البشرية الكبرى. كأنما ليقال: قفوا هنا نتدبر ما في هذه المرحلة من عبرة قبل أن نمضي قدماً في الرحلة الكبرى!
وهي وقفة في مواجهة المعركة التي بانت طلائعها بين الشيطان والبشرية. وقفة للتحذير من أساليب الشيطان ومداخله؛ ولكشف خطته ما كان منها وما يكون متمثلاً في صور وأشكال شتى..
ولكن المنهج القرآني لا يعرض توجيهاً إلا لمواجهة حالة قائمة؛ ولا يقص قصصاً إلا لأن له موقعاً في واقع الحركة الإسلامية.. إنه لا يعرض قصصاً لمجرد المتاع الفني! ولا يقرر حقيقة لمجرد عرضها النظري.. إن واقعية الإسلام وجديته تجعلان توجيهاته وتقريراته، لمواجهة حالات واقعة بالفعل في مواجهة الحركة الإسلامية.
وقد كان واقع الجاهلية العربية هو الذي يواجهه التعقيب هنا عقب المرحلة الأولى من قصة البشرية الكبرى.. كانت قريش قد ابتدعت لنفسها حقوقاً على بقية مشركي العرب الذين يفدون لحج بيت الله - الذي جعلوه بيتاً للأصنام وسدنتها! - وأقامت هذه الحقوق على تصورات اعتقادية زعمت أنها من دين الله؛ وصاغتها في شرائع، زعمت أنها من شرع الله! وذلك لتخضع لها أعناق المشركين؛ كما يصنع السدنة والكهنة والرؤساء في كل جاهلية على وجه التقريب.. وكانت قريش سمت نفسها اسماً خاصاً وهو " الحُمس " وجعلوا لأنفسهم حقوقاً ليست لسائر العرب.
ومن هذه الحقوق - فيما يختص بالطواف بالبيت - أنهم هم وحدهم لهم حق الطواف في ثيابهم. فأما بقية العرب فلا تطوف في ثياب لبستها من قبل. فلا بد أن تستعير من ثياب الحمس للطواف أو تستجد ثياباً لم تلبسها من قبل وإلا طافوا عرايا وفيهم النساء!
قال ابن كثير في التفسير: (كانت العرب - ما عدا قريشاً - لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها! وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم. ومن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه؛ ومن معه ثوب جديد طاف فيه. ثم يلقيه فلا يتملكه أحد! ومن لم يجد ثوباً جديداً، ولا أعاره أحمسي ثوباً طاف عرياناً! وربما كانت امرأة فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر... وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع؛ فأنكر الله تعالى عليهم ذلك فقال: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها }.(7/32)
فقال تعالى رداً عليهم: { قل }. أي يا محمد لمن ادعى ذلك. { إن الله لا يأمر بالفحشاء } أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك. { أتقولون على الله ما لا تعلمون }.. أي أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته. وقوله تعالى: { قل: أمر ربي بالقسط }.. أي بالعدل. والاستقامة: { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وادعوه مخلصين له الدين }.. أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله، وما جاءوا به من الشرائع، وبالإخلاص له في عبادته. فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: (أي أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك).
ففي مواجهة هذا الواقع الجاهلي في شؤون التشريع للعبادة والطواف واللباس - مضافاً إليه ما يختص بتقاليد كهذه في الطعام يزعمون أنها من شرع الله وليست من شرع الله - في مواجهة هذا الواقع جاءت تلك التعقيبات على قصة البشرية الأولى. وجاء ذكر الأكل من ثمر الجنة - إلا ما حرم الله - وجاء ذكر اللباس خاصة، ونزع الشيطان له عن آدم وزوجه بإغوائه لهما بتناول المحظور؛ وجاء ذكر حيائهما الفطري من كشف السوآت، وخصفهما على سوآتهما من ورق الجنة..
فما ذكر من أحداث القصة، وما جاء في التعقيب الأول عليها، هو مواجهة واقعية لواقع معين في الجاهلية..
والقصة تذكر في مواضع أخرى من القرآن، في سور أخرى، لمواجهة حالات أخرى، فتذكر منها مواقف ومشاهد، وتذكر بعدها تقريرات وتعقيبات تواجه هذه الحالات الأخرى.. وكله حق.. ولكن تفصيل القرآن لمواجهة الواقع البشري هو الذي يقتضي هذا الاختيار والتناسق. بين حلقات القصص المعروض في كل معرض، وطبيعة الجو والموضوع في كل معرض.
{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً. ولباس التقوى، ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون }..
هذا النداء يجيء في ظل المشهد الذي سبق عرضه من القصة.. مشهد العري وتكشف السوآت والخصف من ورق الجنة.. لقد كان هذا ثمرة للخطيئة.. والخطيئة كانت في معصية أمر الله، وتناول المحظور الذي نهى عنه الله.. وليست هي الخطيئة التي تتحدث عنها أساطير (الكتاب المقدس!) والتي تعج بها التصورات الفنية الغربية المستقاة من تلك الأساطير ومن إيحاءات " فرويد " المسمومة.. لم تكن هي الأكل من " شجرة المعرفة " - كما تقول أساطير العهد القديم. وغيرة الله - سبحانه وتعالى - من " الإنسان " وخوفه - تعالى عن وصفهم علواً كبيراً - من أن يأكل من شجرة الحياة أيضاً فيصبح كواحد من الآلهة! كما تزعم تلك الأساطير. ولم تكن كذلك هي المباشرة الجنسية كما تطوف خيالات الفن الأوربي دائماً حول مستنقع الوحل الجنسي، لتفسر به كل نشاط الحياة كما علمهم فرويد اليهودي!.
وفي مواجهة مشهد العري الذي أعقب الخطيئة ومواجهة العري الذي كان يزاوله المشركون في الجاهلية يذكر السياق في هذا النداء نعمة الله على البشر وقد علمهم ويسر لهم، وشرع لهم كذلك، اللباس الذي يستر العورات المكشوفة، ثم يكون زينة - بهذا الستر - وجمالاً، بدل قبح العري وشناعته - ولذلك يقول: { أنزلنا } أي: شرعنا لكم في التنزيل. واللباس قد يطلق على ما يواري السوأة وهو اللباس الداخلي. والرياش قد يطلق على ما يستر الجسم كله ويتجمل به، وهو ظاهر الثياب. كما قد يطلق الرياش على العيش الرغد والنعمة والمال.. وهي كلها معان متداخلة ومتلازمة:
{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً }..
كذلك يذكر هنا { لباس التقوى } ويصفه بأنه { خير }:
{ ولباس التقوى ذلك خير. ذلك من آيات الله. }..
قال عبد الرحمن بن أسلم: (يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى)..
فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة، وبين التقوى.. كلاهما لباس. هذا يستر عورات القلب ويزينه. وذاك يستر عورات الجسم ويزينه. وهما متلازمان. فعن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه. ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري.. العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة!
إن ستر الجسد حياء ليس مجرد اصطلاح وعرف بيئي - كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس وعفتهم لتدمير إنسانيتهم، وفق الخطة اليهودية البشعة التي تتضمنها مقررات حكماء صهيون - إنما هي فطرة خلقها الله في الإنسان؛ ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر؛ وأقدرهم على تنفيذها بما سخر لهم في الأرض من مقدرات وأرزاق.
والله يذكر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر، صيانة لإنسانيتهم من أن تتدهور إلى عرف البهائم! وفي تمكينهم منه بما يسر لهم من الوسائل:
{ لعلهم يذَّكرون }..(7/33)
ومن هنا يستطيع المسلم أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الناس وأخلاقهم؛ والدعوة السافرة لهم إلى العري الجسدي - باسم الزينة والحضارة والمودة! - وبين خطة أهل الكتاب لتدمير إنسانيتهم، والتعجيل بانحلالهم، ليسهل تعبيدهم لطاغوت ! ثم يربط بين هذا كله والخطة الموجهة للإجهاز على الجذور الباقية لهذا الدين في صورة عواطف غامضة في أعماق النفوس! فحتى هذه توجه لها معاول السحق، بتلك الحملة الفاجرة الداعرة إلى العري النفسي والبدني الذي تدعو إليه أقلام وأجهزة تعمل لشياطين أهل الكتاب في كل مكان! والزينة " الإنسانية " هي زينة الستر، بينما الزينة " الحيوانية " هي زينة العري.. ولكن " الآدميين " في هذا الزمان يرتدون إلى رجعية جاهلية تردهم إلى عالم البهيمة
=================
إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ; (آية 28) مع أنه ورد في (الإسراء 17: 16) أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها . ولتبرير ذلك قال علماء الإسلام: الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني، بمعنى القضاء والقَدَر
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "16" )
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يعطينا مثالاً لعاقبة الخروج عن منهج الله تعالى؛ لأنه سبحانه حينما يرسل رسولاً ليبلغ منهجه إلى خلقه، فلا عذر للخارجين عنه؛ لأنه منهج من الخالق الرازق المنعم، الذي يستحق منا الطاعة والانقياد. وكيف يتقلب الإنسان في نعمة ربه ثم يعصاه؟ إنه رد غير لائق للجميل، وإنكار للمعروف الذي يسوقه إليك ليل نهار، بل في كل نفسٍ من أنفاسك.
ولو كان هذا المنهج من عند البشر لكان هناك عذر لمن خرج عنه، ولذلك يقولون: "من يأكل لقمتي يسمع كلمتي".
كما أن هذا المنعم سبحانه لم يفاجئك بالتكليف، بل كلفك في وقت مناسب، في وقت استوت فيه ملكاتك وقدراتك، وأصبحت بالغاً صالحاً لحمل هذا التكليف، فتركك خمسة عشر عاماً تربع في نعمه وتتمتع بخيره، فكان الأولى بك أن تستمع إلى منهج ربك، وتنفذه أمراً ونهياً؛ لأنه سبحانه أوجدك من دم وأمدك من عدم.
والمتأمل في قضية التكليف يرى أن الحق سبحانه بعضنا أن يكلف بعضاً، كما قال تعالى:
{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها .. "132"} (سورة طه)
وقد شرح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية فقال: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".
وهذا التكليف وإن كان في ظاهره من الأهل لأولادهم، إلا أنه في حقيقته من الله تعالى فهو الآمر للجميع، ولكن أراد الحق سبحانه أن يكون التكليف الأول في هذه السن من القريب المباشر المحس أمام الطفل، فأبوه هو صاحب النعمة المحسة حيث يوفر لولده الطعام والشراب، وكل متطلبات حياته، فإذا ما كلفه أبوه كان أدعى إلى الانصياع والطاعة؛ لأن الولد في هذه السن المبكرة لا تتسع مداركه لمعرفة المنعم الحقيقي، وهو الله تعالى.
لذلك أمر الأب أن يعود ولده على تحمل التكليف وأن يعاقبه إن قصر؛ لأن الآمر بالفعل هو الذي يعاقب على الإهمال فيه. حتى إذا بلغ الولد سن التكليف وتعود عليه، وبذلك يأتي التكليف الإلهي خفيفاً على النفس مألوفاً عندها.
أما إن أخذت نعم الله وانصرفت عن منهجه فطغيت بالنعمة وبغيت فانتظر الانتقام، انتظر أخذه سبحانه وسنته التي لا تتخلف ولا ترد عن القوم الظالمين في الدنيا قبل الآخرة.
واعلم أن هذا الانتقام ضروري لحفظ سلامة الحياة، فالناس إذا رأوا الظالمين والعاصين والمتكبرين يرتعون في نعم الله في أمن وسلامة، فسوف يغريهم هذا بأن يكونوا مثلهم، وأن يتخذوهم قدوة ومثلاً، فيهم الفساد والظلم وينهار المجتمع من أساسه.
أما إن رأوا انتقام الحق سبحانه من هؤلاء، وشاهدوهم أذلاء منكسرين، فسوف يأخذون منهم عبرة وعظة، والعاقل من اعتبر بغيره، واستفاد من تجارب الآخرين.
فالانتقام من الله تعالى لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وكم رأينا من أشخاص وبلاد حاق بهم سوء أعمالهم حتى أصبحوا عبرة ومثلة ومن لم يعتبر كان عبرة حتى لمن لم يؤمن، وبذلك تعتدل حركة الحياة، حيث يشاهد الجميع ما نزل بالمفسدين من خراب ودمار، وإذا استقرأت البلاد في نواحي العالم المختلفة لتيسر لك الوقوف على هذه السنة الإلهية في بلاد بعينها، ولاستطعت أن تعزو ما حدث لها إلى أسباب واضحة من الخروج عن منهج الحق سبحانه.
وصدق الله حين قال:
{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"} (سورة النحل)
وإياك أن تظن أن الحق سبحانه يمكن أن يهمل الفسقة والخارجين عن منهجه، فلابد أن يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر، وإلا لكانت أسوة سيئة تدعو إلى الإفساد في حركة الحياة. قال تعالى:(7/34)
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "16" } (سورة الإسراء)
الآفة أن الذين يستقبلون نص القرآن يفهمون خطأ أن (ففسقوا) مترتبة على الأمر الذي قبلها، فيكون المعنى أن الله تعالى هو الذي أمرهم بالفسق، وهذا فهم غريب لمعنى الآية الكريمة، وهذا الأمر صادر من الحق سبحانه إلى المؤمنين، فتعالوا نر أوامر الله في القرآن:
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .. "5" } (سورة البينة)
{أمرت أن أعبد رب هذه البلدة .. "91" } (سورة النمل)
{وأمرت أن أكون من المسلمين "72"} (سورة يونس)
فأمر الله تعالى لا يكون إلا بطاعة وخير، ولا يأمر سبحانه بفسق أو فحشاء، كما ذكر القرآن الكريم، وعلى هذا يكون المراد من الآية: أمرنا مترفيها بطاعتنا وبمنهجنا، ولكنهم خالفوا وعصوا وفسقوا؛ لذلك حق عليهم العذاب.
والأمر: طلب من الأعلى، وهو الله تعالى إلى الأدنى، وهم الخلق طلب منهم الطاعة والعبادة، فاستغلوا فرصة الاختيار ففسقوا وخالفوا أمر الله. قوله:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية .. "16"} (سورة الإسراء)
من الخطأ أن نفهم المعنى على أن الله أراد أولاً هلاكهم ففسقوا؛ لأن الفهم المستقيم للآية أنهم فسقوا فأراد الله إهلاكهم. و(قرية) أي أهل القرية. وقوله:
{فيها فحق عليها القول .. "16" } (سورة الإسراء)
أي: وجب لها العذاب، كما قال تعالى:
{كذلك حقت كلمت .. "33" }(سورة يونس)
وقد أوجب الله لها العذاب لتسلم حركة الحياة، وليحمي المؤمنين من أذى الذين لا يؤمنون بالآخرة. وقوله تعالى:
{فدمرناها تدميرا "16" } (سورة الإسراء)
أي: خربناها، وجعلناها أثراً بعد عين، وليست هذه هي الأولى، بل إذا استقرأت التاريخ خاصة تاريخ الكفرة والمعاندين فسوف تجد قرى كثيرة أهلكها الله ولم يبقى منها إلا آثاراً شاخصة شاهدة عليهم، كما قال تعالى:
(وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا"17" )
فأين عاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح؟ إذن: فالآية قضية قولية، لها من الواقع ما يصدقها. وقوله:
{من بعد نوح .. "17"}
(سورة الإسراء)
دل على أن هذا الأخذ وهذا العذاب لم يحدث فيما قبل نوح؛ لأن الناس كانوا قريبي عهد بخلق الله لآدم ـ عليه السلام ـ كما أنه كان يلقنهم معرفة الله وما يضمن لهم سلامة الحياة، أما بعد نوح فقد ظهر الفساد والكفر والجحود، فنزل بهم العذاب. الذي لم يسبق له مثيل. قال تعالى:
{والفجر "1" وليال عشر "2" والشفع والوتر "3" والليل إذا يسر "4" هل في ذلك قسم لذي حجر "5" ألم تر كيف فعل ربك بعاد "6" إرم ذات العماد "7" التي لم يخلق مثلها في البلاد "8" وثمود الذين جابوا الصخر بالواد "9" وفرعون ذي الأوتاد "10" الذين طغوا في البلاد "11" فأكثروا فيها الفساد "12" فصب عليهم ربك سوط عذاب "13" إن ربك لبالمرصاد "14"} (سورة الفجر)
ولنا وقفة سريعة مع هذه الآيات من سورة الفجر، فقد خاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:
{ألم تر كيف فعل ربك بعاد "6" } (سورة الفجر)
و(ألم تر) بمعنى: ألم تعلم؛ لأن النبي لم ير ما فعله الله بعاد، فلماذا عدل السياق القرآني عن: تعلم إلى تر؟
قالوا: لأن إعلام الله لرسوله أصدق من عينه ورؤيته، ومثلها قوله تعالى:
{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1" }(سورة الفيل)
حيث ولد رسول الله في عام الفيل، ولم يكن رأى شيئاً. وفي آيات سورة (الفجر) ما يدلنا على أن حضارة عاد التي لا نكاد نعرف عنها شيئاً كانت أعظم من حضارة الفراعنة التي لفتت أنظار العالم كله؛ ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قال عن عاد:
{التي لم يخلق مثلها في البلاد "8"} (سورة الفجر)
أي: لا مثيل لها في كل حضارات العالم، في حين قال عن حضارة الفراعنة:
{وفرعون ذي الأوتاد "10" } (سورة الفجر)
مجرد هذا الوصف فقط. وقوله تعالى:
{وكم أهلكنا من القرون .. "17" } (سورة الإسراء)
كم: تدل على كثرة العدد.
والقرون: جمع قرن، وهو في الاصطلاح الزمني مائة عام، ويطلق على القوم المقترنين معاً في الحياة، ولو على مبدأ من المبادئ، وتوارثه الناس فيما بينهم.
وقد يطلق القرن على أكثر من مائة عام كما نقول: قرن نوح، قرن هود، قرن فرعون. أي: الفترة التي عاشرها. وقوله:
{وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً "17" }
(سورة الإسراء)
أي: أنه سبحانه غني عن إخبار أحد بذنوب عباده، فهو أعلم بها، لأنه سبحانه لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء:
{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور "19" } (سورة غافر)
فلا يحتاج لمن يخبره؛ لأنه خبير وبصير، هكذا بصيغة المبالغة. وهنا قد يقول قائل: طالما أن الله تعالى يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية، فلماذا يسأل الناس يوم القيامة عن أعمالهم؟
نقول: لأن السؤال يرد لإحدى فائدتين:
الأولى: كأن يسأل الطالب أستاذه عن شيء لا يعلمه، فالهدف أن يعلم ما جهل.(7/35)
والأخرى: كأن يسأل الأستاذ تلميذه في الامتحان، لا ليعلم منه، ولكن ليقرره بما علم.وهكذا الحق سبحانه ـ ولله المثل الأعلى ـ يسأل عبده يوم القيامة عن أعماله ليقرره بها، وليجعله شاهداً على نفسه، كما قال:
{اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "14"} (سورة الإسراء)
وقوله تعالى:
{وكفى بربك .. "17"} (سورة الإسراء)
كما تقول: كفى بفلان كذا، أي: أنك ترتضيه وتثق به، فالمعنى: يكفيك ربك فلا تحتاج لغيره، وقد سبق أن أوضحنا أن الله تعالى في يده كل السلطات حينما يقضي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وهو سبحانه غني عن الشهود والبينة والدليل.
إذن: كفى به سبحانه حاكماً وقاضياً وشاهداً. ولأن الحق سبحانه خبير بصير بذنوب عباده، فعقابه عدل لا ظلم فيه
القاموس المحيط
http://qamoos.sakhr.com/openme.asp?f...l/1079029.html
الفِسْقُ : مصـ. ـ: العِصْيَان؛ حَرِيٌّ بالعاقِلِ أن يتحاشى الفِسْقَ.
وبالطبع فالعصيان لابد أن يسبقه أمر يُعصى .. وبالتأكيد فالفسق في الآية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعصوا ...
أيضا القاموس المحيط
http://qamoos.sakhr.com/openme.asp?f...l/1079801.html
فَسَقَ يَفْسُقُ فِسْقاً وفُسُوقاً : فَجَرَ وتركَ أوامرَ اللَّه، وجاوزَ حدودَ الشَّرع. ـ عن أمرِ ربِّه: خرج عن طاعته ( فَسَجدُوا إلاَّ إِبْليسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ). ـ كلُّ ذي قشر: خرجَ عن قشرهِ؛ فَسَقَتِ الرُّطبة عن قشرها/ فَسَقَتِ الفَأْرَةُ عن جُحْرها.
أي أن الله أمره بالخير فعصى وخرج عن أمر ربه
.. وهكذا بقية المعاجم ..
فالأصل في كلمة فسق هو الخروج عن الأمر
=================
هود وعاد
وَإِلَى عَادٍ (أرسلنا) ; أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ 66 قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ... قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَّزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَا نْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ; (آيات 65 و66 و 70 - 72).
قال مفسِّرو المسلمين كلاماً طويلاً في عاد وهود، وملخّص أقوالهم إن هوداً هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح. وقيل هو شالح بن أرفخشد بن سام بن عم أبي عاد. وكان قوم عاد يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هوداً فكذّبوه وازدادوا عتوّاً، فأمسك الله المطر عنهم ثلاث سنين حتى جَهِدَهم. وكان الناس حينئذ مُسْلمهم ومُشركهم إذا نزل بهم بلاءٌ توجّهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه، قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم. وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عماليق بن لاوذ بن سام، وسيدهم معاوية بن بكر. فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قِينتان له. فلما رأى ذهولهم بالله عما بُعثوا له أهمَّهُ ذلك واستحَى أن يكلّمهم فيه مخافة أن يظنّوا به ثقل مقامهم، فعلَّم القِينتين:
لا يا قيلُ ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا الغماما
فيسقي أرض عادٍ إن عاداً قد أمسوا ما يُبينون الكلاما
حتى غنّتا به، فأزعجهم ذلك. فقال مرثد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيّكم وتُبتم إلى الله سُقيتم . فقالوا لمعاوية: احبسه عنا. لا يَقْدُمنّ معنا مكة، فإنه قد اتّبع دين هود وترك ديننا . ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنتَ تسقيهم . فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء حمراء وسوداء، فناداه منادٍ من السماء: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك فقال: اخترت السوداء فإنها أكثرهنّ ماء، فخرجت على عاد من وادي المغيث، فاستبشروا بها وقالوا: هذا عارضٌ مُمطِرنا، فجاءتهم منها ريحٌ عقيم أهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله فيها حتى ماتوا (الطبري في تفسير الأعراف 7: 65 - 70).
قلنا: (1) ورد في تكوين 10: 22 أن أولاد سام هم عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، فالظاهر أن كلمة هود محرّفة عن لود.
(2) ولم يرد في التوراة أن هوداً أو لوداً كان نبياً، وإنه أُرسل إلى قومه. وكذلك لم يرد أن قومه هم عاد.
(3) لم يصرّح القرآن بالرجس الذي أنزله الله على قوم هود، ولو كان شيئاً حقيقياً لصرّح به.(7/36)
غير أن المفسرين قالوا إن الله أمسك عنهم المطر ثلاث سنين لأنهم كذّبوا هوداً. والحق أن إيليا النبي هو الذي أمسك المطر عن بني إسرائيل مدة ثلاث سنين وستة أشهر في عهد الملك أخآب (1 ملوك 17 و18). فخلطوا إيليا بهود، واخترعوا أسماء وهمية لا أصل لها
ذكرنا من قبل سفر تكوين الاصحاح 38 يذكر لنا قصة يهوذا والزانية التي زنا بها وهي ثامار ومولودهم السفاح فارص الذي هو أحد أجداد السيد المسيح كما يدعوا ، فهذا يوضح أن سفر تكوين يقر بأن السيد المسيح هو من أصل اجداد زناه ، فهل نحن المسلمين نؤمن بهذه الخرافات ؟ بالطبع لا
فكيف نتبع الضلال ونترك الحق الذي أرسله الله عز وجل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قوله: { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } ففيه أبحاث:
البحث الأول: انتصب قوله: { أَخَاهُمْ } بقوله:
{ أَرْسَلْنَا }[الأعراف: 59] في أول الكلام والتقدير { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } وأرسلنا إِلَى عاد أخاهم هوداً.
البحث الثاني: اتفقوا على أن هوداً ما كان أخاً لهم في الدين. واختلفوا في أنه. هل كان أخا قرابة قريبة أم لا؟ قال الكلبي: إنه كان واحداً من تلك القبيلة، وقال آخرون: إنه كان من بني آدم ومن جنسهم لا من جنس الملائكة فكفي هذا القدر في تسمية هذه الأخوة، والمعنى أنا بعثنا إلى عاد واحداً من جنسهم وهو البشر ليكون إلْفُهُم والأنس بكلامه وأفعاله أكمل. وما بعثنا إليهم شخصاً من غير جنسهم مثل ملك أو جني.
البحث الثالث: أخاهم: أي صاحبهم ورسولهم، والعرب تسمي صاحب القوم أخا القوم، ومنه قوله تعالى:
{ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا }
[الأعراف: 38] أي صاحبتها وشبيهتها. وقال عليه السلام: " إن أخا صداء قد أذن وإنما يقيم من أذن " يريد صاحبهم.
البحث الرابع: قالوا نسب هود هذا: هود بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام. بن نوح. وأما عاد فهم قوم كانوا باليمن بالأحقاف، قال ابن إسحق: والأحقاف، الرمل الذي بين عمان إلى حضرموت.
البحث الخامس: اعلم أن ألفاظ هذه القصة موافقة للألفاظ المذكورة في قصة نوح عليه السلام إلا في أشياء: الأول: في قصة نوح عليه السلام:
{ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ }[الأعراف: 59]
وفي قصة هود: { قَالَ يَا قَوْمٌ اعْبُدُواْ اللَّهَ } والفرق أن نوحاً عليه السلام كان مواظباً على دعواهم وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة. وأما هود فما كانت مبالغته إلى هذا الحد فلا جرم جاء «فاء التعقيب» في كلام نوح دون كلام هود. والثاني: أن في قصة نوح
{ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مّنْ اله غَيْرُهُ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }[الأعراف: 59]
وقال في هذه القصة:
{ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }[المؤمنون: 32]
والفرق بين الصورتين أن قبل نوح عليه السلام لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعة العظيمة وهي الطوفان العظيم، فلا جرم أخبر نوح عن تلك الواقعة فقال: { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وأما واقعة هود عليه السلام فقد كانت مسبوقة بواقعة نوح وكان عند الناس علم بتلك الواقعة قريباً، فلا جرم اكتفى هود بقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } والمعنى تعرفون أن قوم نوح لما لم يتقوا الله ولم يطيعوه نزل بهم ذلك العذاب الذي اشتهر خبره في الدنيا فكان قوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } إشارة إلى التخويف بتلك الواقعة المتقدمة المشهورة في الدنيا.
والفرق الثالث: قال تعالى في قصة نوح:{ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ }[الأعراف: 60]
وقال في قصة هود: { قَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } والفرق أنه كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد، أسلم وكان يكتم إيمانه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن.
والفرق الرابع: أنه تعالى حكى عن قوم نوح أنهم قالوا: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَلٍ مُّبِينٍ } وحكى عن قوم هود أنهم قالوا: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَذِبِينَ } والفرق بين الصورتين أن نوحاً عليه السلام كان يخوف الكفار بالطوفان العام وكان أيضاً مشتغلاً بإعداد السفينة وكان يحتاج إلى أن يتعب نفسه في إعداد السفينة، فعند هذا، القوم قالوا:
{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }[الأعراف: 60]
ولم يظهر شيء من العلامات التي تدل على ظهور الماء في تلك المفازة أما هود عليه السلام فما ذكر شيئاً إلا أنه زيف عبادة الأوثان ونسب من اشتغل بعبادتها إلى السفاهة وقلة العقل فلما ذكر هود هذا الكلام في أسلافهم قابلوه بمثله ونسبوه إلى السفاهة ثم قالوا: { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَذِبِينَ } في ادعاء الرسالة واختلفوا في تفسير هذا الظن فقال بعضهم: المراد منه القطع والجزم، وورود الظن بهذا المعنى في القرآن كثير قال تعالى:(7/37)
{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقوا رَبّهِمْ }[البقرة: 46]
وقال الحسن والزجاج: كان تكذيبهم إياه على الظن لا على اليقين فكفروا به ظانين لا متيقنين، وهذا يدل على أن حصول الشك والتجويز في أصول الدين يوجب الكفر.
والفرق الخامس: بين القصتين أن نوحاً عليه السلام قال:
{ أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[الأعراف: 62]
وأما هود عليه السلام فقال: { أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } فنوح عليه السلام قال: { أَنصَحَ لَكُمْ } وهو صيغة الفعل وهود عليه السلام قال: { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ } وهو صيغة اسم الفاعل ونوح عليه السلام. قال: { وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وهود عليه السلام لم يقل ذلك، ولكنه زاد فيه كونه أميناً، والفرق بين الصورتين أن الشيخ عبد القاهر النحوي ذكر في كتاب دلائل الإعجاز أن صيغة الفعل تدل على التجدد ساعة فساعة، وأما صيغة اسم الفاعل فإنها دالة على الثبات والاستمرار على ذلك الفعل.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن القوم كانوا يبالغون في السفاهة على نوح عليه السلام، ثم إنه في اليوم الثاني كان يعود إليهم ويدعوهم إلى الله، وقد ذكر الله تعالى عنه ذلك فقال:
{ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً }[نوح: 5]
فلما كان من عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة لا جرم ذكره بصيغة الفعل، فقال: { وَأَنصَحُ لَكُمْ } وأما هود عليه السلام فقوله: { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ } يدل على كونه مثبتاً في تلك النصيحة مستقراً فيها.
أما ليس فيها إعلام بأنه سيعود إلى ذكرها حالاً فحالاً ويوماً فيوماً، وأما الفرق الآخر في هذه الآية وهو أن نوحاً عليه السلام قال: { وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وهوداً وصف نفسه بكونه أميناً. فالفرق أن نوحاً عليه السلام كان أعلى شأناً وأعظم منصباً في النبوة من هود، فلم يبعد أن يقال: إن نوحاً كان يعلم من أسرار حكم الله وحكمته ما لم يصل إليه هود، فلهذا السبب أمسك هود لسانه عن ذكر تلك الكلمة، واقتصر على أن وصف نفسه بكونه أميناً: ومقصود منه أمور: أحدها: الرد عليهم في قولهم: { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَذِبِينَ } وثانيها: أن مدار أمر الرسالة والتبليغ عن الله على الأمانة فوصف نفسه بكونه أميناً تقريراً للرسالة والنبوة. وثالثها: كأنه قال لهم: كنت قبل هذه الدعوى أميناً فيكم، ما وجدتم مني غدراً ولا مكراً ولا كذباً، واعترفتم لي بكوني أميناً فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب؟
واعلم أن الأمين هو الثقة، وهو فعيل من أمن يأمن أمنا فهو آمن وأمين بمعنى واحد.
واعلم أن القوم لما قالوا له: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } فهو لم يقابل سفاهتهم بالسفاهة بل قابلها بالحلم والإغضاء ولم يزد على قوله: { لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ } وذلك يدل على أن ترك الانتقام أولى كما قال:
{ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً }[الفرقان: 72].
أما قوله: { وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ } فهو مدح للنفس بأعظم صفات المدح. وإنما فعل ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام القوم بذلك، وذلك يدل على أن مدح الإنسان نفسه إذا كان في موضع الضرورة جائز.
والفرق السادس: بين القصتين أن نوحاً عليه السلام قال:
{ أوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[الأعراف: 63]
وفي قصة هود أعاد هذا الكلام بعينه إلا أنه حذف منه قوله: { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } والسبب فيه أنه لما ظهر في القصة الأولى أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة لم يكن إلى إعادته في هذه القصة حاجة، وأما بعد هذه الكلمة فكله من خواص قصة هود عليه السلام وهو قوله تعالى حكاية عن هود عليه السلام:
{ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ }
[الأعراف: 69].
واعلم أن الكلام في الخلفاء والخلائف والخليفة قد مضى في مواضع، والمقصود منه أن تذكر النعم العظيمة يوجب الرغبة والمحبة وزوال النفرة والعداوة، وقد ذكر هود عليه السلام ههنا نوعين من الأنعام:
الأول: أنه تعالى جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح، وذلك بأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم وما يتصل بها من المنافع والمصالح.
والثاني: قوله: { وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَسْطَةً } وفيه مباحث:
البحث الأول: { الْخَلْقِ } في اللغة عبارة عن التقدير، فهذا اللفظ إنما ينطلق على الشيء الذي له مقدار وجثة وحجمية، فكان المراد حصول الزيادة في أجسامهم، ومنهم من حمل هذا اللفظ على الزيادة في القوة، وذلك لأن القوى والقدر متفاوتة، فبعضها أعظم وبعضها أضعف.(7/38)
إذا عرفت هذا فنقول: لفظ الآية يدل على حصول الزيادة واعتداد تلك الزيادة، فليس في اللفظ ألبتة ما يدل عليه إلا أن العقل يدل على أن تلك الزيادة يجب أن تكون زيادة عظيمة واقعة على خلاف المعتاد، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر في معرض الإنعام فائدة. قال الكلبي: كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعاً، وقال آخرون: تلك الزيادة هي مقدار ما تبلغه يدا إنسان إذا رفعهما، ففضلوا على أهل زمانهم بهذا القدر، وقال قوم يحتمل أن يكون المراد من قوله: { وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَسْطَةً } كونهم من قبيلة واحدة متشاركين في القوة والشدة والجلادة، وكون بعضهم محباً للباقين ناصراً لهم وزوال العداوة والخصومة من بينهم، فإنه تعالى لما خصهم بهذه الأنواع من الفضائل والمناقب فقد قرر لهم حصولها، فصح أن يقال: { وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَسْطةً } ولما ذكر هود هذين النوعين من النعمة قال: { فَاذْكُرُواْ ءالآءَ اللَّهِ } وفيه بحثان:
البحث الأول: لا بد في الآية من إضمار، والتقدير: واذكروا آلاء الله واعملوا عملاً يليق بتلك الإنعامات لعلكم تفلحون. وإنما أضمرنا العمل لأن الصلاح الذي هو الظفر بالثواب لا يحصل بمجرد التذكر بل لا بد له من العمل، واستدل الطاعنون في وجوب الأعمال الظاهرة بهذه الآية وقالوا: إنه تعالى رتب حصول الصلاح على مجرد التذكر، فوجب أن يكون مجرد التذكر كافياً في حصول الصلاح. وجوابه ما تقدم من أن سائر الآيات ناطقة بأنه لا بد من العمل. والله أعلم.
البحث الثاني: قال ابن عباس: { آلآءَ اللَّهِ } أي نعم الله عليكم. قال الواحدي: واحد الآلاء إلى وألو وإلى. قال الأعشى:
أبيض لا يرهب الهزال ولا ..... يقطع رحماً ولا يخون إلي
قال نظير الآلاء الآناء، واحدها: أنا وإني وإني، وزاد صاحب «الكشاف» في الأمثلة فقال: ضلع وأضلاع، وعنب وأعناب.
ابن كثير
يخبر الحق سبحانه وتعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ } الآية؛
كقول الكفار من قريش:
{ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }[الأنفال: 32]
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا يعبدون أصناماً، فصنم يقال له صُدَاء، وآخر يقال له صمود، وآخر يقال له الهباء، ولهذا قال هود عليه السلام: { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أي: قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس، قيل: هو مقلوب من رجز. وعن ابن عباس: معناه سخط وغضب. { أَتُجَدِلُونَنِي فِى أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤكُمُ } أي: أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة، وهي لا تضر ولا تنفع، ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلاً؟ ولهذا قال: { مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ } وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه، ولهذا عقبه بقوله: { فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
================
امرأة لوط
“فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَا نْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ; (آيتا 83 ، 84).
فقوله من الغابرين أي الباقين الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، مع أن كتاب الله يعلّمنا أن الله أرسل ملاكين أخرجا لوطاً وامرأته وابنتيه خارج المدينة لشفقة الرب عليه، ونبّها عليهم أن لا ينظر أحد إلى ورائه، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً. وأما امرأته فنظرت من ورائه بسبب تعلُُّق قلبها بالمدينة، فصارت عمود ملح
الرد
يقول مُدعي الشبهة : مع أن كتاب الله يعلّمنا أن الله أرسل ملاكين أخرجا لوطاً وامرأته .... ولكنه لم يذكر لنا أي كتاب المقصود ؟ هل هو كتاب الكاثوليك ام البروتستانت ام الأرثوذكس ام شهود يهوه ام السبتيين ؟
واعلم أن قول الحق { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } يحتمل أن يكون المراد من أهله أنصاره وأتباعه الذين قبلوا دينه ويحتمل أن يكون المراد المتصلين به بالنسب. قال ابن عباس: المراد ابنتاه. وقوله: { إِلاَّ امْرَأَتَهُ } أي زوجته. يقال: امرأة الرجل بمعنى زوجته. ويقال: رجل المرأة بمعنى زوجها لأن الزوج بمنزلة المالك لها، وليست المرأة بمنزلة المالك للرجل، فإذا أضيفت إلى الرجل بالاسم العام، عرفت الزوجية. وملك النكاح، والرجل إذا أضيف إلى المرأة بالاسم العام، تعرف الزوجية. وقوله: { كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } يقال: غبر الشيء يغبر غبوراً، إذا مكث وبقي.
قال الهذلي:
فغبرت بعدهم بعيش ناصب .... وإخال أني لاحق مستتبع(7/39)
يعني بقيت فمعنى الآية: أنها كانت من الغابرين عن النجاة أي من الذين بقوا عنها ولم يدركوا النجاة يقال فلان غبر هذا الأمر أي لم يدركه، ويجوز أن يكون المراد أنها لم تسر مع لوط وأهله، بل تخلفت عنه وبقيت في ذلك الموضع الذي هو موضع العذاب.
ثم قال: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } يقال: مطرت السماء وأمطرت، والأول أفصح، وأمطرهم، مطراً وعذاباً، وكذلك أمطر عليهم، والمراد أنه تعالى أمطر عليهم حجارة من السماء بدليل أنه تعالى قال في آية أخرى:
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ }[الحجر: 74].
ثم قال: { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ظاهر هذا اللفظ وإن كان مخصوصاً بالرسول عليه السلام إلا أن المراد سائر المكلفين ليعتبروا بذلك فينزجروا.
فإن قيل: كيف يعتبرون بذلك، وقد آمنوا من عذاب الاستئصال؟
قلنا: إن عذاب الآخرة أعظم وأدون من ذلك، فعند سماع هذه القصة يذكرون عذاب الآخرة مؤنبة على عذاب الاستئصال، ويكون ذلك زجراً وتحذيراً.
المسألة الثانية: أنه الله تعالى قال: { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الْمُجْرِمِينَ } والظاهر أن المراد من هذه العاقبة ما سبق ذكره وهو إنزال الحجر عليهم ومن المجرمين، الذين يعملون عمل قوم لوط، لأن ذلك هو المذكور السابق فينصرف إليه، فصار تقدير الآية: فانظر كيف أمطر الله الحجارة على من يعمل ذلك العمل المخصوص، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب، يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فهذه الآية تقتضي كون هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص، وإذا ظهرت العلة، وجب أن يحصل هذا الحكم أينما حصلت هذه العلة
==============
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً
البخاري: عن عائشة، قالت خرجنا مع النبي في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر، ورسول الله واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبسْتِ رسول الله والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رأس رسول الله على فخذي. فقام رسول الله على غير ماءٍ حين أصبح، فأنزل الله آيةَ التيمُّم، فتيمموا. فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فوجدنا العقد تحته. وقد رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن اسماعيل، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك (ابن كثير في تفسير النساء 4: 43).
فهذا الأمر لا يخرج عن كونه مهادنة للناس من أجل خاطر عائشة، فكان كلما حدثت متاعب بسببها عمل جبريل على إرضاء الناس عليها
الرد
فهذا الأمر لا يخرج عن كونه مهادنة للناس من أجل خاطر عائشة، فكان كلما حدثت متاعب بسببها عمل جبريل على إرضاء الناس عليها.
فهل كلما تعلق الأمر بسبب نزول يقال عنه مهادنة للناس من أجل فلان و فلانة ,,?
فلو افترضنا أننا في سفر و ليس معنا ماء ماذا كنا سنفعل هل ننتظر أن ينزل لها علينا أية التييمم من أجل خاطرنا ,,??
فكم من آيات كان لها سبب نزول و لم يكن لعائشة دور في ذلك اذن مهادنة للناس من أجل خاطر كل الناس و بالتالي الإسلام جاء من أجل خاطر كل الناس .و هدا شيء جميل ,,?
===============
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ...
- 1 - نسب القرآن إلى الأسباط (أبناء يعقوب) وحياً. ونحن لا نعلم ما هو. والقرآن نفسه ينسب لهم في يوسف 12: 8 10 عدّة خطايا لا تخرج من مؤمنين، فما بالك بالأنبياء (وقد تحدثنا عما نُسب إليهم تفصيلاً في الجزء الأول من هذه السلسلة). فهل يُعقل أن الله يتَّخذ مثل هؤلاء أدواتٍ لتبليغ رسالته؟
- 2 - في الآية لم يُراعَ الترتيب التاريخي للأنبياء، فذكر المسيح قبل أيوب ويونس، ثم ذكر هارون وسليمان، ثم عاد لداود دون أي انسجام في ترتيب الأسماء
الرد
هذا هو إيمان المسلمين : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .أما ما قيل عن أنبياء الكتاب المقدس نجد :
يسوع وإشعياء وحزقيال وصموئيل .... من الأنبياء الكذبة
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=3015(7/40)
{ وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب } أعاد ذكر هؤلاء بعد ذكر النبيين تعظيماً لأمرهم وتفخيماً لشأنهم { والأسباط } وهم أولاد يعقوب. وقيل: إن الأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل كيوسف وداود وسليمان وموسى وعيسى فيجوز أن يكون أراد بالوحي إليهم الوحي إلى الأنبياء منهم كما تقول: أرسلت إلى بني تميم إذا أرسلت إلى وجوههم ولم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنبياء { وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان } وقدَّم عيسى على أنبياء كانوا قبله لشدة العناية بأمره لغلو اليهود في الطعن فيه والواو لا يوجب الترتيب { وآتينا داود زبوراً } أي كتاباً يسمى زبوراً واشتهر به كما اشتهر كتاب موسى بالتوراة وكتاب عيسى بالإنجيل.
وقيل : ولما أجمل تعالى ذكر النبيين فصّل فقال منبهاً على شرف من ذكرهم وشهرتهم: { وأوحينا إلى إبراهيم } أي أبيكم وأبيهم كذلك { وإسماعيل } أي ابنه الأكبر الذي هو أبوكم دونهم { وإسحاق } وهو ابنه الثاني وأبوهم { ويعقوب } أي ابن إسحاق { والأسباط } أي أولاد يعقوب.
ولما أجمل بذكر الأسباط بعد تفصيل مَنْ قبلهم فصّل من بعدهم فقال: { وعيسى } أي الذي هو آخرهم من ذرية يعقوب { وأيوب } وهو من ذرية عيصو بن إسحاق على ما ذكروا { ويونس وهارون وسليمان } ولما كان المقام للتعظيم بالوحي، وكان داود عليه الصلاة والسلام من أهل الكتاب قال: { وآتينا داود زبوراً * } أي وهم يدعون الإيمان به مع اعترافهم بأنه لم ينزل جملة ولا مكتوباً من السماء.
واعلم أن الأنبياء المذكورين في هذه الآية سوى موسى عليه السلام إثنا عشر ولم يذكر موسى معهم، وذلك لأن اليهود قالوا: إن كنت يا محمد نبياً فأتنا بكتاب من السماء دفعة واحدة كما أتى موسى عليه السلام بالتوراة دفعة واحدة، فالله تعالى أجاب عن هذه الشبهة بأن هؤلاء الأنبياء الأثنى عشر كلهم كانوا أنبياءً ورسلاً مع أن واحداً منهم ما أتى بكتاب مثل التوراة دفعة واحدة، ثم ختم ذكر الأنبياء بقوله { وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } يعني أنكم اعترفتم بأن الزبور من عند الله، ثم إنه ما نزل على داود دفعة واحدة في ألواح مثل ما نزلت التوراة دفعة واحدة على موسى عليه السلام في الألواح، فدل هذا على أن نزول الكتاب لا على الوجه الذي نزلت التوراة لا يقدح في كون الكتاب من عند الله، وهذا إلزام حسن قوي
================
إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
“وَقَوْلِهِمْ ;(أي اليهود) ; إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ; (آية 157).
- 1 - لقد قوَّل القرآن اليهود ما لم يقُولُوه، فمن المفترض (عقلاً ومنطقياً) أن اليهود لم يقولوا إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله فلو أنهم اعتقدوا أنه رسول الله لما صلبوه وقتلوه.
- 2 - أليس من المنطقي أن الصلب يسبق القتل؟ فكان الأصوب أن يقول وما صلبوه وما قتلوه .
- 3 - صلب المسيح حادثة حقيقية مؤيَّدة بالنبوات والتواريخ والمؤرخين اليهود والرومان من أمثال فيلو ويوسيفوس فكيف ينكرها القرآن بعد 600 سنة من حدوثها، والبيّنة على من ادَّعى؟
- 4 - ناقض القرآن نفسه، فهو يقول ما قتلوه ولكنه يقول إني متوفِّيك (آل عمران 3: 55) ويقول فلما توفَّيتني (المائدة 5: 117) و يقول السلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت (مريم 19: 33).
- 5 - ونقول إن قتلوه ترجع لليهود. فلماذا ينكر المسلمون تاريخية الصليب؟ ولماذا لا يكون المعنى أن اليهود صلبوا المسيح فعلاً (تاريخياً). ولكن لم يصلبوه أثراً، أي لم تتحقق لهم النتيجة المرجوَّة من صلبه وهي اندثار دعوته. إن القرآن نفسه يعترف بقتل بعض الناس دون أن يعترف بوفاتهم، فيقول: “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ; (البقرة 2: 154).
الرد
و ما قتلوه و ما صلبوه ) رؤيه من تفسير ابن كثير
بسم الله الرحمن الرحيم
هي آيه 157 من سوره النساء ، قال الله تعالي :" {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَاللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَاخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّاتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }
يقول ابن كثير في تفسير هذه الأيهالكريمه
وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه. وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء، كقولالمشركين: يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون[الحجر: 6](7/41)
وكان من خبر اليهود -عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه-أنه لمابعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى، حسدوه على ما آتاه الله من النبوةوالمعجزات الباهرات، التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله، عز وجل، إلىغير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه وخالفوه،وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام، لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه، عليهما السلام، ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان - وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته: اليونان - وأنهوا إليه: أن ببيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملكرعاياه. فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأنيصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه على الناس. فلما وصل الكتاب امتثل مُتولي بيتالمقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام، وهوفي جماعة من أصحابه، اثنا عشر أو ثلاثة عشر - وقيل: سبعة عشر نفرا- وكان ذلك يومالجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك. فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهمعليه، أو خروجه عليهم قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي، وهو رفيقي في الجنة؟فانتدب لذلك شاب منهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لاينتدب إلا ذلك الشاب - فقال: أنت هو- وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو،< 2-449 > وفتحت روزنةمن سقف البيت، وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم، فرفع إلى السماء وهو كذلك، كماقال [الله] تعالى: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [ومطهركمن الذين كفروا] الآية [آل عمران: 55].
فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلكالشاب ظنوا أنه عيسى، فأخذوه في الليل وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، فأظهر اليهودأنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم،ما عدا من كان في البيت مع المسيح، فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فإنهم ظنوا كماظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم، حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوبوبكت، ويقال: إنه خاطبها، والله أعلم.
المرجع لمن يريد الأستزاده
http://www.qurancomplex.com/Quran/tafseer/Tafseer.asp?nSora=4&t=katheer&l=arb&nAya=157#4_157
اذا رجعنا للكتاب المقدس عند النصاري وجدنااقوال المسيح علي الصليب اذا فرضنا صحه هذا الأقوال، فانها تخلف بكل عقل نظريتهمالمزعومه و لكنها قد توافق هذه القصه حيث ان المحكوم عليه بالصلب رفض التصريح بانهملك اليهود
و هي كما يلي
في انجيل متي : ( َنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِيلِي، إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» متي :27:46)
من مفهوم روايه تفسير ابن كثير انه ذلك الشاب الذي تطوع لأخذ مكان المسيح فأنه يستغيث بالله من الألم و ذلك طبيعي للمعذب و لكنه بالطقع ليس طبيعي بالنسبه للروايه المسيحيه ان الله يستغيث بالله !!!!!! و اذا كان ابن الله فمن الأحري ان يقول " ابي ابي لما تركتني
في انجيل متي مره اخري : وَلَكِنَّ يَسُوعَ ظَلَّ صَامِتاً. فَعَادَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسْأَلُهُ: قَالَ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» 64فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً إِنَّكُمْ مُنْذُ الآنَ سَوْفَ تَرَوْنَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُدْرَةِ ثُمَّ آتِياً عَلَى سُحُبِ السَّمَاءِ!» 65 (انجيل متي : 26:65)
فانه لم يكذب كلام الحاخام اليهودي و لم يقول و من الطبيعي انه اذا كان هو المسيح و هو كما يدعون ابن الله لما كان كذب ( اقول من الطبيعي )
الغريب انه هذا المحاكمة ليست في انجيل يوحنا و موت و صلب المسيح في الجزء الثامن عشر و ليست في السابع و العشرين . فمن الواضح ان الروح القدس التي كانت تملي علي كاتب انجيل يوحنا لم تكن حاضر الموقف او هي نفس الروح القدس التي املت الثنين و لكن نسيت .. سبحان الله
عيسى عبد الله ورسوله
قال تعالى سورة البقرة الآية 87
:start-ico وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهو ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ويموت حينئذ أخبر الآية الزخرف الآيات 59 65(7/42)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {43/59} وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ {43/60} وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {43/61} وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {43/62} وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {43/63} إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {43/64} فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ {43/65} معنى التوفي
ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء والقبض وذلك ثلاثة أنواع :
أحدها توفي النوم
والثاني توفي الموت
والثالث توفي الروح والبدن جميعا ...
فإنه بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس ويخرج منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلام توفاه الله وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم والغائط والبول ونحو ذلك
الوجه الثالث قولهم إنه عنى بموته عن موت الناسوت كان ينبغي لهم أن يقولوا على أصلهم عنى بتوفيته عن توفي الناسوت وسواء قيل موته أو توفيته فليس هو شيئا غير الناسوت فليس هناك شيء غيره لم يتوف الله تعالى قال:
إني متوفيك ورافعك إلي : فالمتوفى هو المرفوع إلى الله
وقولهم إن المرفوع هو اللاهوت .... مخالف لنص القرآن ولو كان هناك موت فكيف إذا لم يكن فإنهم جعلوا المرفوع غير المتوفى ... والقرآن أخبر أن المرفوع هو المتوفى
وكذلك قوله في الآية الأخرى : وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ... هو تكذيب لليهود في قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله
واليهود لم يدعوا قتل لاهوت ولا أثبتوا لله لاهوتا في المسيح ... والله تعالى لم يذكر دعوى قتله عن النصارى حتى يقال إن مقصودهم قتل الناسوت دون اللاهوت بل عن اليهود الذين لا يثبتون إلا الناسوت
وقد زعموا أنهم قتلوه فقال تعالى : وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه : .... فأثبت رفع الذي قالوا إنهم قتلوه وإنما هو الناسوت فعلم أنه هو الذي نفي عنه القتل وهو الذي رفع والنصارى معترفون برفع الناسوت لكن يزعمون أنه صُلب وأقام في القبر إما يوما وإما ثلاثة أيام ثم صعد إلى السماء وقعد عن يمين الأب الناسوت مع اللاهوت
وقوله تعالى : وما قتلوه يقينا . .. معناه أن نفي قتله هو يقين لا ريب فيه بخلاف الذين اختلفوا بأنهم في شك منه من قتله وغير قتله فليسوا مستيقنين أنه قتل إذ لا حجة معه بذلك
ولذلك كانت طائفة من النصارى يقولون إنه لم يصلب فإن الذين صلبوا المصلوب هم اليهود وكان قد اشتبه عليهم المسيح بغيره كما دل عليه القرآن وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك حتى قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه وقول من قالوا معنى الكلام ما قتلوه علما بل ظنا قول ضعيف
الوجه الرابع أنه قال تعالى :إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ... فلو كان المرفوع هو اللاهوت لكان رب العالمين قال لنفسه أو لكلمته { إني رافعك إلي} وكذلك قوله { بل رفعه الله إليه} فالمسيح عندهم هو الله
ومن المعلوم أنه يمتنع رفع نفسه إلى نفسه وإذا قالوا هو الكلمة فهم مع ذلك أنه الإله الخالق لا يجعلونه بمنزلة التوراة والقرآن ونحوهما مما هو كلام الله الذي قال فيه إليه يصعد الكلم الطيب بل عندهم هو الله الخالق الرازق رب العالمين ورفع رب العالمين إلى رب العالمين ممتنع
الوجه الخامس قوله : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .. دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إلا الله دون المسيح فإن قوله كنت أنت يدل على الحصر كقوله {إن كان هذا هو الحق }ونحو ذلك ... فعلم أن المسيح بعد توفيته ليس رقيبا على اتباعه بل الله هو الرقيب المطلع عليهم المحصي أعمالهم المجازي عليها والمسيح ليس برقيب فلا يطلع على أعمالهم ولا يحصيها ولا يجازيهم بها
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
هل الصلب ثم القتل أم القتل ثم الصلب
قصة صلب اليسوع قصة معروفة ومدونة بالعهد الجديد كما يؤمن المسيحيين بأنه تم القبض على اليسوع ثم تعذيبه ثم صلبه ثم قتل أو مات .
لكنني اليوم أرفع الستار عن نقطة مهمة جداً وهي :
هل صُلب المصلوب ثم مات على الصليب أم قتل ثم صُلب ؟
هذه نقطة مهمة جداً ويجب أن نعي لها .
نجد في القرآن قول الحق سبخانه وتعالى بسورة النساء آية 157(7/43)
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }
فلنلاحظ الدقة في قول : وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
وقد وجه النصارى سؤال عجيب لهذه الآية وضح من خلال هذا السؤال أمر خطير جداً ... وهو :
أليس من المنطقي أن الصلب يسبق القتل؟ فكان الأصوب أن يقول وما صلبوه وما قتلوه ؟
وبالحث بالعهد القديم وجدت بسفر التثنية :
21: 22 و اذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل و علقته على خشبة
سفر يشوع
8: 23 و اما ملك عاي فامسكوه حيا و تقدموا به الى يشوع
8: 24 و كان لما انتهى اسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم و سقطوا جميعا بحد السيف حتى فنوا ان جميع اسرائيل رجع الى عاي و ضربوها بحد السيف
ثم بعد ضربه بحد السيف { أي قُتل }
8: 29 و ملك عاي علقه على الخشبة الى وقت المساء
استير 9
10 عشرة بني هامان بن همداثا عدو اليهود قتلوهم ولكنهم لم يمدوا ايديهم الى النهب
ثم
13 فقالت استير ان حسن عند الملك فليعطى ايضا لليهود الذين في شوشن ان يعملوا كما في هذا اليوم ويصلبوا بني هامان العشرة على الخشبة.
إذن من خلال ما جاء بالعهد القديم وقوانين الصلب نجد أنه لا يُصلب أحد إلا بعد قتله أولا
وبهذا فكل النصوص والفقرات الواردة عن قصة صلب اليسوع باااااااااااااطلة .
لأنه لا يصلب أحد إلا بعد قتله أولاً
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
==============
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى محمد يستأذن عليه فأُذن له فلم يدخل، فقال: قد أذنّا لك. فقال جبريل: أجل. ولكنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب، قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمةً لها. ثم جئتُ إلى محمد فأخبرته، فأمرني بقتله. فأتى عاصم بن عدي وعويم بن ساعده وسعد بن خيثمة وقالوا له: إنَّا قومٌ نصيد بالكلاب وبالبُزاة، وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء، فماذا يحلّ لنا؟ فسكت، ثم قال: أُحلّ لكم... . قال: كلب الصيد وكلب الماشية، بعد أن قتل الجميع (الطبري في تفسير المائدة 5: 4).
نقول: (1) لو افترضنا أن هذا الرأي صحيح وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في الكهف 18: 18 ونقلِّبُهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه ؟ فكيف كانت الملائكة تقلّبهم في أثناء وجود الكلب؟
(2) كانت الكلاب في المدينة بل في بيت محمد قبل هذا الوقت، فكيف كان يأتيه جبريل بالوحي؟ إما أن الذي كان يأتيه قبل قَتل الكلاب غير جبريل، أو أن هذه الأمور كلها أوهام، فإن جبريل كان يأتي أنبياء العهد القديم والعهد الجديد ولم يأمر بقتل كلب ولا كلاب
الرد
سفر التثنية
23: 18 لا تدخل اجرة زانية و لا ثمن كلب الى بيت الرب الهك عن نذر لانهما كليهما رجس لدى الرب الهك
وقول : نقول: (1) لو افترضنا أن هذا الرأي صحيح وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في الكهف 18: 18 ونقلِّبُهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه ؟ فكيف كانت الملائكة تقلّبهم في أثناء وجود الكلب؟
الرد :
قال الطبري : أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الوصيد: الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أن الباب يُوصَد، وإيصاده: إطباقه وإغلاقه من قول الله عزّ وجلّ:
{ إنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ }
وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجد، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة. وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أُوصِده، وهو مُوصَد ومن قال الأصيد، قال: آصدت الباب فهو مُؤْصَد، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسط ذَراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.
وقول : كانت الكلاب في المدينة بل في بيت محمد قبل هذا الوقت، فكيف كان يأتيه جبريل بالوحي؟ إما أن الذي كان يأتيه قبل قَتل الكلاب غير جبريل، أو أن هذه الأمور كلها أوهام، فإن جبريل كان يأتي أنبياء العهد القديم والعهد الجديد ولم يأمر بقتل كلب ولا كلاب!
الرد :
الوحي في المفهوم المسيحي، كما وضح (قاموس الكتاب المقدس ص 1020و1021) الوحي: هو إبلاغ الحق الإلهي للبشر بواسطة بشر. فالروح القدس يعمل في أفكار الأنبياء وفي قلوبهم، ... مستخدما في ذلك اختباراتهم وطاقاتهم العقلية، ... فهو يرشدهم إلى الكتابة دون أن يمحو شخصياتهم فكَتَبَ كل واحد منهم بأسلوبه.(7/44)
إذن لا يوجد جبريل ولا غيره ليوحي لأنبياء العهد القديم أو الجديد لأن الوحي بالمسيحية هو وسواس فقط ، كان هذا الوسواس شيطاني ام لا !!! فهذا نعرفه من مضمون الكتاب المقدس وحواديته التي لم تنتهي .
والقرآن كما ذكرنا من قبل هو معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.
=============
لوحا الوصايا
لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ; (آية 145). قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة. والمعنى: وكتبنا لموسى في ألواح التوراة تفاصيل كل شيء . وفي الحديث: كانت من سدر الجنة، طول اللوح اثنا عشر ذراعاً . وقال بعضهم: كانت الألواح من خشب، وقيل من زبرجد خضراء، وقيل من ياقوتة حمراء، وقيل من زمرد جاء بها جبريل من جنة عدن، وقيل أمره الله بقطع ألواح من صخرة صمّاء ليّنها له، فقطعها بيده ثم شقها بأصبعه. وسمع موسى صريف الأقلام.
واختلفوا في عدد الألواح، فقال ابن عباس: كانت سبعة ألواح، وقيل عشرة ألواح، وقيل تسعة، وقيل لوحان. والحق أن الله كتب الوصايا العشر على لوحين فقط من حجر
الرد
واعلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على كيفية تلك الألواح، وعلى كيفية تلك الكتابة، فإن ثبت ذلك التفصيل بدليل منفصل قوي، وجب القول به وإلا وجب السكوت عنه.
وقوله: { من كل شيء } فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح وليس الوصايا العشرة فقط .
وأما قوله: { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَىْءٍ } فهو كالبيان للجملة التي قدمها بقوله: { مِن كُلِّ شَىْءٍ } وذلك لأنه تعالى قسمه إلى ضربين: أحدهما: { مَّوْعِظَةً } والآخر { تَفْصِيلاً } لما يجب أن يعلم من الأحكام، فيدخل في الموعظة كل ما ذكره الله تعالى من الأمور التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، وذلك بذكر الوعد والوعيد، ولما قرر ذلك أولاً أتبعه بشرح أقسام الأحكام وتفصيل الحلال والحرام، فقال: { وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } ولما شرح ذلك، قال لموسى: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي بعزيمة قوية ونية صادقة، ثم أمره الله تعالى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها، وظاهر ذلك أن بين التكليفين فرقاً، ليكون في هذا التفصيل فائدة، ولذلك قال بعض المفسرين: إن التكليف كان على موسى عليه السلام أشد، لأنه تعالى لم يرخص له ما رخص لغيره، وقال بعضهم: بل خصه من حيث كلفه البلاغ والأداء. وإن كان مشاركاً لقومه فيما عداه، وفي قوله: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }.
سؤال: وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به، وظاهر قوله { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } يقتضي أن فيه ما لبس بأحسن، وإنه لا يجوز لهم الأخذ به، وذلك متناقض وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهاً:
الأول: أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن، كالقصاص، والعفو، والانتصار، والصبر، أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن، وأكثر للثواب كقوله: { وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم }[الزمر: 55]
وقوله:
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }[الزمر: 18].
فإن قالوا: فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن، فقد منع من الأخذ بذلك الحسن، وذلك يقدح في كونه حسناً فنقول يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض.
الوجه الثاني: في الجواب قال قطرب { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بحسنها وكلها حسن لقوله تعالى:
{ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ }[العنكبوت: 45]
وقول الفرزدق: بيتاً دعائمهُ أعز وأطول
الوجه الثالث: قال بعضهم: الحسن يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، وأحسن هذه الثلاثة الواجبات والمندوبات.
وأما قوله: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } ففيه وجهان:
الأول: أن المراد التهديد والوعيد على مخالفة أمر الله تعالى، وعلى هذا التقدير: فيه وجهان:
الأول: قال ابن عباس والحسن ومجاهد دار الفاسقين هي جهنم، أي فليكن ذكر جهنم حاضراً في خاطركم لتحذروا أن تكونوا منهم.
والثاني: قال قتادة: سأدخلكم الشام وأريكم منازل الكافرين الذين كانوا متوطنين فيها من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها وما صاروا إليه من النكال.
وقال الكلبي: { دَارَ الْفَاسِقِينَ } هي المساكن التي كانوا يمرون عليها إذا سافروا، من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله تعالى.
والقول الثاني: أن المراد الوعد والبشارة بأنه تعالى سيورثهم أرض أعدائهم وديارهم والله أعلم.(7/45)
وقول أنهم لوحين كتب عليهم الوصايا العشرة !! فهذا كلام جهلاء ، فهل الوصايا العشر تحتاج للوحين لكتابتهم ؟
ونحن نسأل السادة النصارى : إن كنتم تؤمنوا أنهم لوحين فأنتم أحرار في إيمانكم .... فأين هم اللوحين ؟
===================
بنو إسرائيل ومصر
ورد في آية 128 أن موسى حضّ قومه على الاعتصام بالصبر، وأخبرهم “إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “ثم قال لهم في عدد 129 “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُّوَكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ “فأجمع مفسِّرو المسلمين على أن هذه العبارة تقول إنه لما يهلك الله عدوهم (يعني فرعون وقومه) يجعل بني إسرائيل يخلفونهم في أرضهم، أي أرض مصر بعد هلاكهم، ويأخذونها. ولم يأخذ بنو إسرائيل أرض مصر مطلقاً، لا في زمن داود كما قال البيضاوي، ولا في زمن غيره. وقوله يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض منافٍ للحقيقة التاريخية. ولم يقل موسى لبني إسرائيل شيئاً من هذا.
الضربات على المصريين:
“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ; (آية 133).
(1) لم يذكر القرآن الضربات التي ضرب بها الله المصريين حسب ترتيب حدوثها.
(2) أخطأ في قوله الطوفان، فإن الله لم يرسل على المصريين طوفاناً فأغرقهم. والصواب أن الله ضرب المصريين بعشر ضربات لإطلاق بني إسرائيل، وهي حسب ترتيب حدوثها:
(1) تحويل الماء إلى دم (2) الضفادع (3) البعوض (4) الذباب (5) موت المواشي (6) الدمامل (7) البَرَد (8) الجراد (9) الظلام (10) موت الأبكار (الخروج 7 12). ولما كان لا يوجد طوفان أخذوا في تأويله فقال مجاهد: وعطاء الطوفان الموت . وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة أهل اليمن . وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عُذِّبوا به وقال مقاتل: الطوفان الماء طفا فوق حروثهم . وقال ابن عباس: الطوفان المطر (ابن كثير في تفسيرالأعراف 7: 132).
الرد
{ وقال الملأ من قوم فرعون: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟ قال: سنقتل أبناءهم، ونستحيي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون }..
إن فرعون لم يكن يدعي الألوهية بمعنى أنه هو خالق هذا الكون ومدبره؛ أو أن له سلطاناً في عالم الأسباب الكونية. إنما كان يدعي الألوهية على شعبه المستذل! بمعنى أنه هو حاكم هذا الشعب بشريعته وقانونه؛ وأنه بإرادته وأمره تمضي الشؤون وتقضى الأمور. وهذا ما يدعيه كل حاكم يحكم بشريعته وقانونه، وتمضي الشؤون وتقضى الأمور بإرادته وأمره - وهذه هي الربوبية بمعناها اللغوي والواقعي - كذلك لم يكن الناس في مصر يعبدون فرعون بمعنى تقديم الشعائر التعبدية له - فقد كانت لهم آلهتهم وكان لفرعون آلهته التي يعبدها كذلك، كما هو ظاهر من قول الملأ له: { ويذرك وآلهتك } وكما يثبت المعروف من تاريخ مصر الفرعونية. إنما هم كانوا يعبدونه بمعنى أنهم خاضعون لما يريده بهم، لا يعصون له أمراً، ولا ينقضون له شرعاً.. وهذا هو المعنى اللغوي والواقعي والاصطلاحي للعبادة.. فأيما ناس تلقوا التشريع من بشر وأطاعوه فقد عبدوه، وذلك هو تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى عن اليهود والنصارى:
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله... الآية }
عندما سمعها منه عدي بن حاتم - وكان نصرانياً جاء ليسلم - فقال: يا رسول الله ما عبدوهم.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال؛ فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم " .. (أخرجه الترمذي).
أما قول فرعون لقومه:
{ ما علمت لكم من إله غيري }
فيفسره قوله الذي حكاه القرآن عنه:
{ اليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين. ولا يكاد يبين؟ فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين؟ }
وظاهر أنه كان يوازي بين ما هو فيه من ملك ومن أسورة الذهب التي يحلى بها الملوك، وبين ما فيه موسى من تجرد من السلطان والزينة!. وما قصد بقوله:
{ ما علمت لكم من إله غيري }
إلا أنه هو الحاكم المسيطر الذي يسيرهم كما يشاء؛ والذي يتبعون كلمته بلا معارض! والحاكمية على هذا النحو ألوهية كما يفيد المدلول اللغوي! وهي في الواقع ألوهية. فالإله هو الذي يشرع للناس وينفذ حكمه فيهم! سواء قالها أم لم يقلها! وعلى ضوء هذا البيان نملك أن نفهم مدلول قول ملأ فرعون:
{ أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، ويذرك وآلهتك؟ }..(7/46)
فالإفساد في الأرض - من وجهة نظرهم - هو الدعوة إلى ربوبية الله وحده؛ حيث يترتب عليها تلقائياً بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله. إذ أن هذا النظام قائم على أساس حاكمية فرعون بأمره - أو بتعبير مرادف على أساس ربوبية فرعون لقومه - وإذن فهو - بزعمهم - الإفساد في الأرض، بقلب نظام الحكم، وتغيير الأوضاع القائمة على ربوبية البشر للبشر، وإنشاء وضع آخر مخالف تماماً لهذه الأوضاع، الربوبية فيه لله لا للبشر. ومن ثم قرنوا الإفساد في الأرض بترك موسى وقومه لفرعون ولآلهته التي يعبدها هو وقومه..
ولقد كان فرعون إنما يستمد هيبته وسلطانه من الديانة التي تعبد فيها هذه الآلهة.. بزعم أنه الابن الحبيب لهذه الآلهة! وهي بنوة ليست حسية! فلقد كان الناس يعرفون جيداً أن الفرعون مولود من أب وأم بشريين. إنما كانت بنوة رمزية يستمد منها سلطانه وحاكميته. فإذا عبد موسى وقومه رب العالمين، وتركوا هذه الآلهة التي يعبدها المصريون، فمعنى هذا هو تحطيم الأساس الذي يستمد منه فرعون سلطانه الروحي على شعبه المستخف؛ الذي إنما يطيعه لأنه هو كذلك فاسق عن دين الله الصحيح.. وذلك كما يقول الله سبحانه:
{ فاستخف قومه فأطاعوه.. إنهم كانوا قوماً فاسقين }
فهذا هو التفسير الصحيح للتاريخ.. وما كان فرعون بقادر على أن يستخف قومه فيطيعوه، لو لم يكونوا فاسقين عن دين الله.. فالمؤمن بالله لا يستخفه الطاغوت، ولا يمكن أن يطيع له أمراً، وهو يعلم أن هذا الأمر ليس من شرع الله.. ومن هنا كان يجيء التهديد لنظام حكم فرعون كله بدعوة موسى - عليه السلام - إلى " رب العالمين " وإيمان السحرة بهذا الدين، وإيمان طائفة من قوم موسى كذلك وعبادتهم لرب العالمين.
. ومن هنا يجيء التهديد لكل وضع يقوم على ربوبية البشر للبشر من الدعوة إلى ربوبية الله وحده.. أو من شهادة أن لا إله إلا الله.. حين تؤخذ بمدلولها الجدي الذي كان الناس يدخلون به في الإسلام. لا بمدلولها الباهت الهزيل الذي صار لها في هذه الأيام!
ومن هنا كذلك استثارت هذه الكلمات فرعون، وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله فانطلق يعلن عزمه الوحشي البشع:
{ قال: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون }:
وكان بنو إسرائيل قد عانوا من قبل - في إبان مولد موسى - مثل هذا التنكيل الوحشي من فرعون وملئه كما يقول الله تعالى في سورة القصص:
{ إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين }
إنه الطغيان في كل مكان وفي كل زمان. لا فرق بين وسائله اليوم ووسائله قبل عشرات القرون والأعوام..!
ويدع السياق فرعون وملأه يتآمرون، ويسدل الستار على مشهد التآمر والوعيد، ليرفعه على مشهد خامس من مشاهد القصة ندرك منه أن فرعون قد مضى ينفذ الوعيد.. إنه مشهد النبي موسى - عليه السلام - مع قومه، يحدثهم بقلب النبي ولغته، ومعرفته بحقيقة ربه؛ وبسنته وقدره، فيوصيهم باحتمال الفتنة، والصبر على البلية، والاستعانة بالله عليها. ويعرفهم بحقيقة الواقع الكوني. فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة لمن يتقون الله ولا يخشون أحداً سواه.. فإذا شكوا إليه أن هذا العذاب الذي يحل بهم قد حل بهم من قبل أن يأتيهم، وهو يحل بهم كذلك بعدما جاءهم، حيث لا تبدو له نهاية، ولا يلوح له آخر! أعلن لهم رجاءه في ربه أن يهلك عدوهم، ويستخلفهم في الأرض ليبتليهم في أمانة الخلافة:
{ قال موسى لقومه: استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. قالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا. قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم، ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون }.
إنها رؤية " النبي " لحقيقة الألوهية وإشراقها في قلبه. ولحقيقة الواقع الكوني والقوى التي تعمل فيه. ولحقيقة السنة الإلهية وما يرجوه منها الصابرون..
إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين. وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين. وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه. وألا يعجلوا، فهم لا يطلعون الغيب، ولا يعلمون الخير...
وإن الأرض لله. وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها. والله يورثها من يشاء من عباده - وفق سنته وحكمته - فلا ينظر الداعون إلى رب العالمين، إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها.
فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها!
وإن العاقبة للمتقين.. طال الزمن أم قصر.. فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير. ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيحسبونهم باقين..
إنها رؤية " النبي " لحقائق الوجود الكبير..
ولكن إسرائيل هي إسرائيل!
{ قالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا }:(7/47)
إنها كلمات ذات ظل! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم! أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك. وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية!
ويمضي النبي الكريم على نهجه. يذكرهم بالله، ويعلق رجاءهم به، ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض. مع التحذير من فتنة الاستخلاف.
{ قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم، ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون }.
إنه ينظر بقلب النبي فيرى سنة الله، تجري وفق وعده، للصابرين، وللجاحدين! ويرى من خلال سنة الله هلاك الطاغوت وأهله، واستخلاف الصابرين المستعينين بالله وحده. فيدفع قومه دفعاً إلى الطريق لتجري بهم سنة الله إلى ما يريد.. وهو يعلمهم - منذ البدء - أن استخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم. ليس أنهم أبناء الله وأحباؤه - كما زعموا - فلا يعذبهم بذنوبهم! وليس جزافاً بلا غاية. وليس خلوداً بلا توقيت. إنه استخلاف للامتحان: { فينظر كيف تعملون }.. وهو سبحانه يعلم ماذا سيكون قبل أن يكون. ولكنها سنة الله وعدله ألا يحاسب البشر حتى يقع منهم في العيان، ما هو مكشوف من الغيب لعلمه القديم.
ويدع السياق موسى وقومه؛ ويسدل عليهم الستار، ليرفعه من الجانب الآخر على مشهد سادس: مشهد فرعون وآله، يأخذهم الله بعاقبة الظلم والطغيان؛ ويحقق وعد موسى لقومه، ورجاءه في ربه؛ ويصدق النذير الذي يظلل جو السورة، وتساق القصة كلها لتصديقه.
ويبدأ المشهد هوناً؛ ولكن العاصفة تتمشى فيه شيئاً فشيئاً، فإذا كان قبيل إسدال الستار دمدمت العاصفة، فدمرت كل شيء، وعصفت بكل شيء، وخلا وجه الأرض من الطاغية وذيول الطاغية، وعلمنا أن بني إسرائيل قد صبروا فلقوا جزاء صبرهم الحسنى، وأن فرعون وآله فجروا فلقوا جزاء فجورهم الدمار وصدق وعد الله ووعيده؛ وجرت سنة الله في أخذ المكذبين بالهلاك بعد أخذهم بالضراء والسراء:
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. فإذا جاءتهم الحسنة قالوا: لنا هذه! وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه. ألا إنما طائرهم عند الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا: مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. . آيات مفصلات.. فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين.
{ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا: لنا هذه! وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه }..
ومضى فرعون وآله يعللون الأحداث. الحسنة التي تصيبهم هي من حسن حظهم وهم يستحقونها. والسيئة التي تصيبهم هي بشؤم موسى ومن معه عليهم، ومن تحت رأسهم!
{ ولما وقع عليهم الرجز قالوا: يا موسى ادع لنا ربك - بما عهد عندك - لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل }..
وفي كل مرة ينقضون عهدهم، ويعودون إلى ما كانوا فيه قبل رفع العذاب عنهم وفق قدر الله في تأجيلهم إلى أجلهم المقدور لهم:
{ فلما كشفنا عنهم الرجز - إلى أجل هم بالغوه - إذا هم ينكثون }..
جمع السياق الآيات كلها، كأنما جاءتهم مرة واحدة. وكأنما وقع النكث منهم مرة واحدة. ذلك أن التجارب كلها كانت واحدة، وكانت نهايتها واحدة كذلك. وهي طريقة من طرق العرض القرآني للقصص يجمع فيها البدايات لتماثلها؛ ويجمع فيه النهايات لتماثلها كذلك.. ذلك أن القلب المغلق المطموس يتلقى التجارب المنوعة وكأنها واحدة؛ لا يفيد منها شيئاً، ولا يجد فيها عبرة..
ثم تجيء الخاتمة - وفق سنة الله في أخذ المكذبين بعد الابتلاء بالضراء والسراء - وتقع الواقعة. ويدمر الله على فرعون وملئه - بعد إذ أمهلهم وأجلهم إلى أجل هم بالغوه - ويحقق وعده للمستضعفين الصابرين، بعد إهلاك الطغاة المتجبرين:
{ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم، بأنهم كذبوا بآياتنا، وكانوا عنها غافلين. وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها }... { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه، وما كانوا يعرشون }..
والسياق يختصر هنا في حادث الإغراق، ولا يفصل أحداثه كما يفصلها في مواضع أخرى من السور. ذلك أن الجو هنا هو جو الأخذ الحاسم بعد الإمهال الطويل؛ فلا يعرض لشيء من التفصيل.. إن الحسم السريع هنا أوقع في النفس وأرهب للحس!
{ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم }..
ضربة واحدة، فإذا هم هالكون. ومن التعالي والتطاول والاستكبار، إلى الهويّ في الأعماق والأغوار، جزاء وفاقاً:
{ بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين }..
فيربط بين التكذيب بالآيات والغفلة عنها، وبين هذا المصير المقدور. ويقرر أن الأحداث لا تجري مصادفة، ولا تمضي فلتات عابرة، كما يظن الغافلون
==============
مشكلة إلقاء شبه المسيح على يهوذا(7/48)
ليتني أجد عنكم حلا ، وأكون لكم من الشاكرين ، في حوار مع احدهم بأحد المنتديات عن هذا الموضوع جاءني بتفسير للرازي يقول ظاهره أنه لا يستبعد الصلب ، وإليكم ماقاله محاوري والذي لم أرد عليه حتى أجد القول الفصل والحكيم ، لعلني اجده عنكم :
مشكلة إلقاء شبه المسيح علي يهوذا قال : ( أي الرازي في تفسيره )
" فكيفما كان ففي إلقاء شبهه علي الغير ستة إشكالات :
الإشكال الأول : أنه إن جاز أن يقال أن الله تعالي يلقي شبه أنسان علي إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطه وأيضا يفضي إلي القدح في التواتر . ففتح هذا الباب أوله سفسطه وآخره إبطال النبوات بالكلية .
الاشكال الثاني : إن الله أيده بروح القدس جبريل فهل عجز هنا عن تأييده ؟ وهو كان قادرا علي إحياء الموتي ؟ فهل عجز عن حماية نفسه ؟
الاشكال الثالث :
إنه تعالي كان قادرا علي تخليصه برفعه ىإلي السماء فما هي الفائدة في إلقاء شبهه علي غيره ؟ فهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه ؟
الاشكال الرابع : بالقاء الشبه علي غيره اعتقدوا ( اليهود ) أن هذا الغير هو عيسي- مع انه ما كان عيسي - وهذا إلقاء في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة الله .
الاشكال الخامس : إن النصاري علي كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة حبهم للمسيح وغلوهم في أمره . أخبروا أنهم شاهدوه مصلوبا فلو أنكرنا هذا كان طعنا فيما ثبت بالتواتر والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسي وسائر الانبياء .
الاشكال السادس : ألا يقدر المشبوه أن يدافع عن نفسه , أنه ليس بعيسي ، والمتواتر أنه فعل ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعني . فلما لم يوجد شئ من ذلك علمنا أن الأمر علي غير ما ذكرتم "
مفاتيح الغيب . الرازي . مجلد 6 . طبعة دار الفكر . بيروت لبنان . ص 100 - 106
ليتكم تعجلون بالرد بارك الله فيكم فالموضوع معلقا على أيجاد رد علمي قاطع
الرد
السيف البتار
أولاً : طالما أن النصارى يؤمنوا أن المسيح مات وقام وصعد إلى السماء .. فلماذا لم يؤمنوا أنه صعد إلى السماء دون أن يُصلب ؟
فطالما أن الصعود واحد ... فإذن من السهل جداً أنه صعد إلي السماء قبل الصلب .... فمن هو المصلوب ؟ فهذا أمر أخرى على النصارى تدبره والرجوع إلى كتابهم لتقصي الحقائق لأنه أمر لا يعنينا بشيء.
أوضح الله عز وجل لنا أن عملية ميلاد المسيح تم استقبالها من بني إسرائيل بضجة ، فعلى رغم علمهم خبر مجيء المسيح بالميلاد من غير أب كبشارة بالتوراة ، وعلى رغم أنهم علموا بناتهم الاستشراف أن يكون لأية واحدة منهن شرف حمل المسيح ، وعلى رغم ذلك قالوا البهتان في مريم التي اصطفاها الله . وكذلك كان لمسألة الوفاة ضجة .
واقتران الضجتين :( ضجة الميلاد وضجة الوفاة ) معاً في رسالة السيد المسيح يدلنا على أن العقل يجب أن يكون له وحدة تفسيرية ، فساعة يتكلم العقل عن قضية الميلاد بالنسبة للمسيح ابن مريم لابد أن يستشعر الإنسان أن الأمر قد جاء على غير سنة موجودة ، وساعة يبلغنا الله أن بني إسرائيل بيتوا النية لقتل عيسى عليه السلام ، وأن الله رفعه إليه تكون المسألة قد جاءت أيضاً بقضية مخالفة ، ولابد أن نصدق ما بلغنا الله به ، وأن يتذكر العقل أن الميلاد كان مخالفاً ، فلماذا لا تكون النهاية مخالفة أيضاً ؟ .
وكما صدقنا أن سيدنا عيس ابن مريم جاء من غير أب ، لا بد أن نصدق أن الله رفعه في النهاية وأخذه ، فلم يكن الميلاد في حدود تصور العقل لولا بلاغ الله لنا ، وكذلك الوفاة لا بد أن تكون مقبولة في حدود بلاغ الله لنا .
والميلاد والنهاية بالنسبة لعيسى ابن مريم كل منهما عجيبة .... وإن فهمنا العجيبة الأولى في الميلاد فنحن نعتبرها تمهيداً إلى أن عيسى ابن مريم دخل الوجود ودخل الحياة بأمر عجيب ، فلماذا لا يخرج منها بأمر عجيب ؟
وإن حدثنا الله أن عيسى ابن مريم خرج من الحياة بأمر عجيب فنحن لا نستعجب ذلك ، لأن من بدأ بعجيب لا عجب أن ينتهي بعجيب .
والله عز وجل حكم وقال [ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ] وكلمة { شبه لهم } هذه هي الدليل على هوج المحاولة للقتل ، فقد ألقى شبهه على شخص آخر . وذلك دليل على أن المسألة كانت غير طبيعية ، وليس فيها جزم التبين من المتربصين القتلة ... ونعلم ان الحواريين وأتباع عيسى ابن مريم كانوا يلفون رءوسهم ويدارون سماتهم ، ولذلك قال الله عز وجل [ ولكن شبه لهم ] أي أنهم قد شبه لهم أنهم قتلوه .
وقد اختلفت الروايات في كلمة { شبه لهم } ... ومن الذي بلغ عن السيد المسيح للقبض عليه .... وأقوال كثيرة لا يهمنا فيها غير أنهم قالوا قتلنا عيسى وصلبناه . .. . وقد أبلغنا الله بأنه رفع السيد المسيح دون أذى وانتهت المسألة بالنسبة لنا ... لأننا كمؤمنين لا نأخذ الجزئيات الدينية أولاً فإن صدقناها آمنا ، لا
نحن نؤمن بمُنزَّل هذه الجزئيات ونصدق من بعد ذلك كل ما جاء منه سبحانه ، وهو قال ذلك فآمنا به وانتهت المسألة .(7/49)
ونجد قول الحق سبحانه وتعالى : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } يدلنا على عدم تثبت القتلى من شخصية القيل ، وهو أمر متوقع في مسألة مثل هذه ، حيث يمكن أن تختلط الأمور .
إننا نرى ذلك في أية حادثة تحدث مع وجود أعداد كبيرة من البشر وأعينهم مفتوحة ، وعلى الرغم من ذلك تختلف فيها الروايات . بل وقد تكون الحادثة مصورة ومسجلة ومع ذلك تختلف الروايات ، فما بالنا بوجود حادثة مثل هذه في زمن قديم لا توجد به كل الاحتياطات التي نراها في زماننا ؟ إذن فاضطراب الآراء والرويات في تلك الحادثة أمر وارد ، مع العلم أن الأخبار الواردة عن قصة الصلب منقولة من اليهود فقط ، فكيف نؤمن بقول المجرم ؟.
وعلى الرغم بعدم إيماننا للكتاب المقدس لا من قريب أو من بعيد، نجد أن الذين قبضوا على المصلوب لم يتمكنوا إلى شخصيته حتى بعد صلبه .... وقد تم سؤاله أكثر من مرة بأنه هل هو ملك اليهود ؟ وهو لم يرد ..... وحاولوا الضغط على بطرس ليقر بأنه المقبوض عليه هو ملك اليهود ولكن لأن بطرس غدر وأنكر ولعن وأقسم بأنه لا يعرف هذا الشخص .... فاليهود لم يتأكدوا أن المصلوب هو السيد المسيح ملك اليهود .. لدرجة أنهم علقوا على الصليب لوحة تقول أن المصلوب ملك اليهود ... وهذه الأفعال تدل على أنهم لم يتأكدوا أن المصلوب هو نفسه الشخص المطلوب ، لأنهم لم يمتلكوا دليل واحد على أن المصلوب هو السيد المسيح غير المُبلغ فقط ... فهل هذا دليل قاطع ؟
ولو رجعنا إلى قول الله عز وجل : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ } .. فيجب أن يفهم السادة الذين أضلهم ذكائهم أننا نملك لغة عربية دقيقة جداً في أسلوبها .
فحرف الواو في (((((متوفيك و رافعك ))))) هي واو العطف ... ومن لديه العلم والقدرة لكي يقول أن واو العطف تقضي الترتيب ؟ ... هذا في حدود ثقافتهم الضيقة ، أما اللغة العربية توضح أن واو العطف لا تُفيد الترتيب .
مثال : حضر (( زيد وعمرو )) .. فهل هنا يوضح من حضر الأول ؟ .. لا ... بل ممكن أن يكون " زيد " حضر الأول ... أو " عمرو " حضر الأول ... أو الاثنين معاً ... إذن واو العطف لا تقضي الترتيب بل الجمع فقط .
وهذا هو سبب بطلان مقولة {{{ الأب والابن و الروح القدس }}} فهذا هو الجمع وكذا لا يقتضي الترتيب ... فيمكن القول {{{ الروس القدس والابن والأب }}}} فما الذي يمنع ذلك .
يا سادة : المسلمين يملكون لغة عربية دقيقة للغاية فاحترسوا .
ولو نظرنا لكلمة " متوفيك " فالوفاة نوعان ... نوم وموت .... كقول الله عز وجل { يتوفاكم بالليل } .... والوفاة غير القتل .. كقول الله تعالى : { أفإن مات أو قتل } 144 آل عمران .
فعلى الرغم من أن الموت والقتل تخرج الروح من الجسد ... ولكن الموت هو خروج الروح بجسد سليم لن يصيبه أذى .. والأذى يأدى إلى أن الروح لا تصلح بالوجود بهذا الجسد كما يحدث في القتل والحوادث المروعة .
ونحن هنا نسأل السادة الجهابذة الذين يدعو أن السيد المسيح هو المصلوب ......
يا سادة : هل اليسوع مات أم قتل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مع العلم أن الكتاب المسكين المقدس أقر حالة التعذيب التي تعرض لها المصلوب ... ونحن لسنا بصدد سرد هذه الأحداث الآن ... وكذا طعن المصلوب بخنجر في جانبه من قِبل عسكر من العساكر .
بعد الرد على هذا السؤال عليهم أن يطابقوا ردهم على الآيات القرآنية .
لهذا نجد أن المصلوب قتله اليهود ولم يمت موت طبيعي ... فلهذا ليس المصلوب هو السيد المسيح الوارد في القرآن .
وهذا : إذا كان النصارى يعتقدوا أن (( متوافيك ورافعك )) تعني الصلب ثم الرفع ... فلو تدنى تفكيرنا لهذا المستوى .. فنقول لهم : وهل المصلوب مات أم قتل ؟
ولو تتبعنا الآية التي نحن بصددها نجد قول الحق سبحانه : { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } ...
والنسبة الأولى هنا هي الشك ، وهو نسبة يتساوى فيها الأمران .
والنسبة الثانية هي اتباعهم للظن ، وهو نسبة راجحة . لقد بدأ الأمر بالنسبة إليهم شكاً ثم انقلب ظناً ... فأين التأكيد الذين أقره القرآن على أن المصلوب هو السيد المسيح ؟
فلا تقولوا على الله ما لا تعلمون
وينهي الله سبحانه ذلك بعلم اليقين { وما قتلوه يقيناً } . واليقين ينقسم إلى ثلاث مراحل
1)علم اليقين
2)عين اليقين
3)حق اليقين
لنسهل مع بعض فهم هذا الأمر .
عندما يخبرنا واحد من الناس أن جزءا من نيويورك اسمه ( مانهاتن ) . وأن ( مانهاتن ) هذه هي جزيرة يصل تعداد سكانها إلى عشرة مليون نسمة ، وفيها ناطحات سحاب ، وجاء هذا الخبر ممن لا نعرف عنه الكذب فيسمعه من لم ير نيويورك :
* فيصير مضمون الخبر عنده (علماً متيقنا)ً ؛ لأن الذي أخبر به موثوق به .
* وإن جاء آخر ووجه للسامع عن نيويورك دعوة لزيارتها ولبى السامع الدعوة وذهب إلى نيويورك ، هنا تحول الخبر من ( علم يقين ) إلى ( عين اليقين ) .(7/50)
* وإن جاء ثالث وصحب السامع إلى قلب نيويورك وطاف به في كل شوارعها ومبانيها ، فهذا هو ( حق اليقين ) .
وأسمى نوع هو ( حق اليقين ) وقبلها ( عين اليقين ) ( علم اليقين ) .
لنصل في النهاية أن قول الله عز وجل عن مسألة قتل السيد المسيح عليه السلام : { وما قتلوه يقيناً } يصدقه الذين لم يشاهدوا الحادث ، تصديق علم يقين لأن الله هو القائل .
والذين رأوا الحادث عرفوا أنهم لم يقتلوا ولكنهم شكوا في ذلك ، أما من باشر عملية القتل لإنسان غير السيد المسيح فهو الذي عرف حقيقة اليقين .
والحق هو أن الله عز وجل رفعه كاملاً بالروح والجسد دون أي أذى لأن الله عز وجل هو العزيز الذي لا يغلبه أحد على الإطلاق ، فهو القوي الشديد الذي لا ينال منه أحد ، فإذا كانوا قد أرادوا قتل رسول عيسى عليه السلام ، فالله غالب على أمره وهو العزيز الحكيم
داعي الله عز وجل أن يهدي من ضل عن طريق الهدى الذي يرضاه الله
والسلام على من اتبع الهدى
=================
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
يقول الحق سبحانه : الأحزاب36
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
{ وما كان } اعلم أن معناها لا يمكن أن يرد في باب العقل أن مؤمناً أو مؤمنة لا يمتثلان لأمر قضى به الله ورسوله ، وإلا فإن حدث ذلك فهو دليل على عدم إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومع أن الله أعطى الإنسان حرية الأختيار ، لكن هناك فرقاً بين أختيار داخل في التكليف إن شئت فعلته أو لم تفعله ، وشيء في إيجاد التكليف فليس لهم خيار في الإتيان بشيء من التكليف لكن الله إذا كلفهم فهو صاحب التكليف وكونهم يطيعونه أو يخالفونه فهذا موضوع آخر ؛ فهناك فرق بين خيار التكليف وخيار التكوين .
ومادام ثبت أنهم مؤمنون بالله ورسوله كان يجب عليهم أن يرتضوا الأمر .
هذه قصة صال المستشرقون فيها وجالوا وجعلوا منها ومن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قضية للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أن زينب بنت جحش أعجبت الرسول فأراد من زيد أن يطلقها ليتزوجها هو !! وهذا كذب وافتراء ، لماذا ؟
لأن زينب كانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مكلفاً بإدارة أموالها ورعاية شئونها ، ولو أراد أن يتزوجها من البداية ما منعه أحد ، بعد ذلك تجدهم يتحججون بأن الله شهد بذلك في قوله تعالى : { وتخفي في نفسك ما الله مبديه }
نقول لهم : إن أردتم أن تعرفوا ما أخفاه رسول الله فخذوه مما أبداه الله . فما الذي أبداه الله ؟
الذي أبداه الله وأراده في هذه القضية هو قوله تعالى : الأحزاب 37
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا
كذلك هم يقولون إن قلب محمد صلى الله عليه وسلم انشغل بزينب بنت جحش . فلماذا يجعلون هذا الانشغال انشغالاً جنسياً ، ولماذا لا ينظرون إلى القصة من بدايتها ؟
فحينما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ليخطب زينب لزيد ، ظن اخوها عبد الله وظنت هي وظنت أختها أن رسول الله سيخطبها لنفسه ، فلما عرفوا أنه جاء ليخطبها لزيد صدموا وقالوا : كيف نزوجها لعبد ؟ وغضبوا وحزنوا ، ولم يوافقوا إلا بعد أن علموا أن هذا أمر من الله ورسوله لحكمة لا يعلمها إلا الله ، فوافقوا .
فحين يقول المستشرقين إنه انشغل بها ، نقول لهم : لو كان ذلك صدقاً لانتهز الرسول الفرصة حينما شكا إليه زيد من أن زينب لا تحبه كزوج وتعامله بتكبر ، ونصحه بأن يطلقها . لأن زينب كانت ترى أنها قرشية وبنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مولى وعبد !! فهي أطاعت أمر الله في الزواج منه ، ولكنها لم تتوافق معه لأن الأمر للقالب وليس للقلب . وزيد رضى الله عنه كرجل كانت تعز عليه نفسه ويغضب من ذلك ، ولكن حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعله يصبر على ابنة عمته التي اختارها له وزوجها له ، لأن هذا شرف كبير .
ولهذا نقول لهم : ابحثوا في علاقة الرجل والمرأة لتروا أن الذي خلقنا ، خلق الرجل للمرأة ، وخلق المرأة للرجل ؛ ولذلك السيدة العربية لما جاءت لتوصي ابنتها أم إياس لما خطبها الحارث وكانت بنتاً ذكية ، فأمها تعظها فتقول لها : ( أي بنية إنكِ لو تركتِ بلا نصيحة ، لكنتِ أغنى الناس عنها ، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها ، لكنتِ أغنى الناس ، ولكن النساء للرجال خلقن ، ولهن خلق الرجال ... )(7/51)
ونحن نعلم أن الأب يستطيع أن يجعلهات تستغنى عن الزوج ، مهما هيأ لها من أسباب الراحة والسعادة . لأن نفسها تتوق إلى هذا ؛ ولذلك هذا هو السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) الترمذي1159 وصححه الألباني1998
لماذا ؟ لأنه يعطيها ما يعطيه الأب والأم والأخوة ، وأكثر من ذلك مما لا يستطيعون ولا يقدرون ؛ ولذلك تقول الأم العربية
في نصيحتها لابنتها ام إياس : (( وإن النصيحة لو تركت لفضل أدب ، لتركت ذلك منك ، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل )) .
فالخلاصة أن الرجل للمرأة والمرأة للرجل ، ومهما ضربت على البنت من أسوار العز والجبروت ، لا يمكن أن تعيش بدون رجل .
إذن .. المسألة كانت صعبة بالنسبة لزيد بن حارثة رضى الله عنه تعالى عنه ، لأن الزواج جعل الله له ثلاث مراحل ، كما قال خالق الرجل والمرأة سبحانه وتعالى : ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً))
هذه المراحل هي : السكن والمودة والرحمة ، فأول مرحلة هي السكن ، بمعنى سكون من حركة الخارج واطمئنان ورحمة ، وهي أسعد مرحلة ، فإن امتنع السكن لمنغصات الحياة ، فعلى الأقل خذوها من باب المودة ، لأنك لو عاشرت صديقاً مدة من الزمن ، تكون عشرتك ومودتك له لها عمق ، فتتحمله من أجل هذه المودة التي كانت بينكما في السابق ، فإن لم يعد هناك سكن ومودة ، فليرحم الرجل زوجته إن لم تكن على وفق ما يريد بأن كبرت أو هرمت أو مرضت وهي تبادله هذه الرحمة .
فزيد ابن حارثة رضى الله عنه لم يجد في زواجه هذا ، سكناً ولا مودة ولا رحمة ، فذهب يشتكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالرسول كان يقول له : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ}الأحزاب 37
فبالله عليكم لو كان رسول الله في باله شيء ، ألم يكن من السهل أن ينصحه بطلاقها حينما شكا له منها ؟!
شيء آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن كان قد فكر في أمر زينب ، فلماذا تعدلون به عن التفكير في الغريزة ، لماذا لا تعدلون به إلى مرتبة الإنصاف . لأنه أرغمها على أن تتزوج زيداً وهي له كارهة ، لأنها قرشية وبنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مولى ، وعرف الرسول أنها كانت غير راضية ، لا هي ولا اخوها ولا اختها . فإذا وجد أنها قلقة وغير مستقرة في حياتها مع زوجها ، أليس من واجبه أن يطيب هذا الخاطر ، ويجبر الكسر الذي حدث ويضمها إليه لتكون ام المؤمنين .
فهؤلاء الناس لم يحسنوا الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتجدهم يقولون لك : ياأخي إن كان الله تعالى يقول : { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} الأحزاب37
نقول لهم : الخشية نوعان : خشية من شيء تخاف أن يضرك ، وخشية استحياء ، والله تعالى يقول : { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} الأحزاب 53.
إذن الخشية التي كان يخشاها الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنهم سيقولون عنه إنه تزوج من زوجة ابنه بالتبني ، مع أن الله أراد إلغاء التبني .. وما دام الله ألغى التبني فلا حجة لهم , والرسول صلى الله عليه وسلم جاء لينقض عادات وتقاليد الجاهلية ، فلا بد أن يتحمل وا، يكون أول واحد يتصدى لها .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يستحي من أن يقول الناس عنه ذلك ، فهو يريد أن يبريء عرضه من أي شبهة ، فهو ليس خائفاً منهم ، ولكنه لا يريد أن يقف موقفاً فيه شبهة ، ولذلك حينما مر عليه الصحابة وهو يتكلم مع زوجته صفية ، لووا أنفسهم عنه ، فقال عليه الصلاة والسلام : على رسلكما إنها صفية ، لأنه يريد أن يُبعد عن نفسه أي شبهة ، فقالوا له : وهل نشك فيك يارسول الله فقال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم . جزء من حديث اخرجه البخاري 3281 ومسلم 2175/24(7/52)
إذن .. رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده استحياء ، ولا أدل على هذا وهو في قمة انتصاره على قريش ، ودخوله مكة فاتحاً ، سماهم الطلقاء ، وكان قد أهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، لأنه نال منة رسول الله كثيراً ، فلما أهدر دمه ، جاء عثمان ابن عفان رضى الله عنه يطلب من رسول الله المان لعبد الله بن أبي السرح ، فلم يرد عليه رسول الله وسكت ، انتظاراً لأن يقتله أحد المسلمين ، ولكن عثمان رضى الله عنه اعاد السؤال وكرره ، فلما استحى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عثمان ، أمن عبد الله ، فلما أمنه وأخذه عثمان وخرج من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الرسول للحاضرين : ( ألم يكن فيكم رجل رشيد يقوم إلى الرجل فيقتله ؟ ) فقال عباد بن بشر ، رضى الله عنه : يارسول الله إن عيني كانت في عينك وأنا أنتظر منك إشارة أن أقتله ، ولكنك لم تفعل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين )
وكان رسول الله إذا غاب زيد يذهب ليسأل عنه ، فذهب مرة فرأى زينب ، فلما دخل ووجدها مشغولة بشغل البيت وكانت حسنة المظهر فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، مثلما ترى ابنتك وقد صارت عروساً فتقول : ما شاء الله ، كما أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يخفف عنها ما هي فيه ، ويطيب خاطرها لأنه زوجها لأنه زَوٌجها لزيد مع أنها لم تكن راغبة فيه .
فلما حضر زيد قالت له : لقد جاء رسول الله وسأل عنك وقال لي : ( فتبارك الله أحسن الخالقين .. المؤمنون 14 )
فقال لها زيد رضى الله عنه (( لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك لطلقتك لتتزوجيه )) .
وقوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا... الأحزاب 37 } يفهمها الناس على أنه حدث بينهم ما يحدث بين رجل وزوجته من لقاء جنسي ؛ لكن المعنى أشمل من ذلك ، فالوطر هو الحاجة التي تناسب معاش الرجل ، فوطر الرجل من المرأة هو العشرة ، فالرجل ضاق بها واشتكى رسول الله أكثر من مرة ، وفي كل مرة ينصحه بالتمسك بها والصبر عليها . ولكن طلق زيد زينب ، فلما انقضت عدتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب إلى زينب فاخطبها عليّ ـ أي اخطبها لي ـ فانظروا أي عظمة هذه ، الرسول يأتي بالمطلق ويقول له : اذهب إلى المطلقة واخطبها لي مسألة ليست هينة ، ولكنه واثقاً من أن زيداً لم يكن راغباً فيها ولم يكن ناتدماً على طلاقها .
فلما ذهب زيد رضى الله عنه إلى زينب قال لها : أبشري يازينب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبك ، فقالت : لا أجيب حتى اسجد لله . فلما عاد زيد وأخبر رسول الله بما حدث ذهب صلى الله عليه وسلم ثم دخل عليها بلا استأذان فكيف يفعل ذلك مع أن الزواج لم يتم بعد ؟!
قالوا : لا ... إن الزواج قد حدث ، وزوجها الله تعالى له ، واقرأوا إن شئتم قول الله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا... الأحزاب 37 } .
إذن ... فالتزويج قد وقع ، فمن حقه أن يدخل عليها بلا استئذان لأنها صارت زوجته ؛ ولذلك كانت السيدة زينب بنت جحش رضى الله عنها حينما تجلس مع زوجها النبي صلى الله عليه وسلم تقول لهن : { أنا افتخر عليكن جميعاً بأنكن تزوجن بأوليائكن ولكن أنا زوجني ربي ؛ فيسكتن جميعاً } البخاري 7420، ولم تقل لهن فقط بل قالت لرسول الله ايضاً يارسول الله : أنا ادل عليك بثلاثة ـ أي لي الدلال بثلاثة اشياء ـ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أما الأولى : فقالت فجدي وجدك واحد ـ أما الثانية : فلأن الله زوجني من فوق سبع سماوات ، أما الثالثة : فلأن سفيري في الزواج لم يكن زيداً وإنما جبريل عليه السلام .
إذن ... هؤلاء الذين يقولون إن الرسول تزوج زينب لأنها أعجبته أو غير ذلك عليهم أن يسكتوا لأن الله هو الذي زوجه من فوق سبع سماوات لحكمة علياً أرادها سبحانه .. لأن هناك فرقاُ بين أن يتزوجها هو وبين أن يزوجها الله له بأمر منه سبحانه وتعالى لأنه لا يخالف عن أمر الله .
وكذلك قصته صلى الله عليه وسلم مع كل زوجاته واقرأوا إن شئتم قول الله تعالى في سورة التحريم آية 5 : { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا }
إذن ... فالله تعالى هو الذي يزوج رسوله صلى الله عليه وسلم ويختار له بحكمتة العليا ، والرسول صلى الله عليه وسلم ما عليه إلا أن ينفذ أمر ربه سبحانه .
وهذا الموضوع يكشف طهارة قول الحق سبحانه وأوامره الصحيحة ... ولهذا يحاول أن يدنس اعداء الدين طهارة الإسلام محاولين تساوي الإسلام بخرافات الديانات الأخرى التي نجد من خلالها أن الرب يأمر نبي من أنبيائه بزواج عاهرة :
سفر هوشع : 3:1(7/53)
وقال الرب لي اذهب ايضا احبب امرأة حبيبة صاحب وزانية كمحبة الرب لبني اسرائيل وهم ملتفتون الى آلهة اخرى ومحبّون لاقراص الزبي
===========
قتل فرعون للإسرائيليين
“وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ; (آية 127).
وتعلمنا التوراة في الخروج 1: 16 أن قتل الذكور واستحياء البنات كان قبل ولادة موسى، فإنه لما رأى فرعون أن بني إسرائيل زادوا خشي من انضمامهم إلى أعدائه ، فنبّه على قابلتي العبرانيين بإماتة الذكور. فوُلد موسى في هذا الوقت فوضعته أمه في سَفَط من البَردي وألقته في النهر، فالتقطته ابنة فرعون. والقرآن يقول إن المصريين اشتكوا لفرعون من تصرّف موسى، فنبّه بقتل أبناء العبرانيين واستحياء نسائهم
الرد
الشبهة كلها تنحصر في هذه النقطة : { وتعلمنا التوراة في الخروج 1: 16 أن قتل الذكور واستحياء البنات كان قبل ولادة موسى } و
==========
شُعَيْب ومَدْيَن
“وَإِلَى مَدْيَنَ ;(أي وأرسلنا) ; أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ; (آية 85) إلى عدد 91.
قال ابن عباس وغيره: فتح الله على مدين باباً من جهنم فأرسل عليهمحراً شديداً، فأخذ بأنفسهم فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماءُ، فدخلوا في الأسراب ليهربوا فيها فوجدوها أشد حراً من الظاهر، فخرجوا هرباً من البرية، فبعث الله عليهم سحابة فيها ريح طيبة باردة فأظلَّتهم، وهي الظُلَّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً. فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم ناراً، ورجفت بهم الأرض من تحتهم فاحترقوا كاحتراق الجراد في المقلى . وقال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، فأما أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلَّة، وأما أهل مدين فأخذتهم الرَّجفة. صاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعاً . ووردت قصة أصحاب الأيكة هذه بالتفصيل في (الشعراء 26: 176 190) وأُشير إليها في (ص 38: 13 والحِجْر 15: 78 ، ق 50: 14) (الطبري في تفسير الأعراف
أين الشبهة ؟ أنا لم أجد تعليق عليها ؟ هداهم الله
المهم .. الرد كالآتي :
ذكرنا أن التقدير: { وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } وذكرنا أن هذه الأخوة كانت في النسب لا في الدين، وذكرنا الوجوه فيه، واختلفوا في مدين فقيل: إنه اسم البلد، وقيل: إنه اسم القبيلة بسبب أنهم أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام، ومدين صار اسماً للقبيلة، كما يقال: بكر وتميم وشعيب من أولاده، وهو: شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن.
واعلم أنه تعالى حكى عن شعيب أنه أمر قومه في هذه الآية بأشياء: الأول: أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله، وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء. فقال: { اعْبُدُواْ اللَّهَ مَالَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } والثاني: أنه ادعى النبوة فقال: { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } ويجب أن يكون المراد من البينة ههنا المعجزة، لأنه لا بد لمدعي النبوة منها، وإلا لكان متنبئاً لا نبياً، فهذه الآية دلت على أنه حصلت له معجزة دالة على صدقه. فأما أن تلك المعجزة من أي الأنواع كانت فليس في القرآن دلالة عليه، كما لم يحصل في القرآن الدلالة على كثير من معجزات رسولنا. قال صاحب «الكشاف»: ومن معجزات شعيب أنه دفع إلى موسى عصاه، وتلك العصا حاربت التنين، وأيضاً قال لموسى: إن هذه الأغنام تلد أولاداً فيها سواد وبياض، وقد وهبتها منك، فكان الأمر كما أخبر عنه. ثم قال: وهذه الأحوال كانت معجزات لشعيب عليه السلام، لأن موسى في ذلك الوقت ما ادعى الرسالة.
واعلم أن هذا الكلام بناء على أصل مختلف بين أصحابنا، وبين المعتزلة وذلك لأن عندنا أن الذي يصير نبياً ورسولاً بعد ذلك، يجوز أن يظهر الله عليه أنواع المعجزات قبل إيصال الوحي، ويسمى ذلك إرهاصاً للنبوة، فهذا الإرهاص عندنا جائز، وعند المعتزلة غير جائز، فالأحوال التي حكاها صاحب «الكشاف» هي عندنا إرهاصات لموسى عليه السلام، وعند المعتزلة معجزات لشعيب لما أن الإرهاص عندهم غير جائز، والثالث: أنه قال: { فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ }.
واعلم أن عادة الأنبياء عليهم السلام إذا رأوا قومهم مقبلين على نوع من أنواع المفاسد إقبالاً أكثر من إقبالهم على سائر أنواع المفاسد بدأوا يمنعهم عن ذلك النوع، وكان قوم شعيب مشغوفين بالبخس والتطفيف، فلهذا السبب بدأ بذكر هذه الواقعة فقال: { فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ } وههنا سؤالان:
السؤال الأول: الفاء في قوله: { فَأَوْفُواْ } توجب أن تكون للأمر بإيفاء الكيل كالمعلول والنتيجة عما سبق ذكره وهو قوله: { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } فكيف الوجه فيه؟(7/54)
والجواب: كأنه يقول البخس والتطفيف عبارة عن الخيانة بالشيء القليل. وهو أمر مستقبح في العقول، ومع ذلك قد جاءت البينة والشريعة الموجبة للحرمة، فلم يبق لكم فيه عذر { فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ }.
السؤال الثاني: كيف قال { الكيل والميزان } ، ولم يقل { المكيال والميزان }
[هود: 84] كما في سورة هود؟
والجواب: أراد بالكيل آلة الكيل، وهو المكيال، أو يسمى ما يكال به بالكيل، كما يقال العيش لما يعاش.
والرابع: قوله: { وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } والمراد أنه لما منع قومه من البخس في الكيل والوزن منعهم بعد ذلك من البخس والتنقيص بجميع الوجوه، ويدخل فيه المنع من الغصب والسرقة، وأخذ الرشوة، وقطع الطريق وانتزاع الأموال بطريق الحيل. والخامس: قوله: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصلاحِهَا } وذلك لأنه لما كان أخذ أموال الناس بغير رضاها يوجب المنازعة والخصومة، وهما يوجبان الفساد، لا جرم قال بعده: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } وقد سبق تفسير هذه الكلمة، وذكروا فيه وجوهاً فقيل: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصلاحِهَا } بأن تقدموا على البخس في الكيل والوزن، لأن ذلك يتبعه الفساد. وقيل: أراد به المنع من كل ما كان فساداً حملاً للفظ على عمومه. وقيل: قوله: { وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } منع من مفاسد الدنيا وقوله: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ } منع من مفاسد الدين حتى تكون الآية جامعة للنهي عن مفاسد الدنيا والدين، واختلفوا في معنى { بَعْدَ إِصْلاحِهَا } قيل: بعد أن صلحت الأرض بمجيء النبي بعد أن كانت فاسدة بخلوها منه، فنهاهم عن الفساد، وقد صارت صالحة. وقيل: المراد أن لا تفسدوا بعد أن أصلحها الله بتكثير النعم فيهم، وحاصل هذه التكاليف الخمسة يرجع إلى أصلين التعظيم لأمر الله، ويدخل فيه الإقرار بالتوحيد والنبوة، والشفقة على خلق الله، ويدخل فيه ترك البخس، وترك الإفساد، وحاصلها يرجع إلى ترك الإيذاء، كأنه تعالى يقول: إيصال النفع إلى الكل متعذر. وأما كف الشر عن الكل فممكن، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الخمسة. قال: { ذالِكُمْ } وهو إشارة إلى هذه الخمسة، والمعنى: خير لكم في الآخرة إن كنتم مؤمنين بالآخرة، والمراد: أترك البخس وترك الإفساد خير لكم في طلب المال في المعنى لأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة، رغبوا في المعاملات معكم، فكثرت أموالكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي إن كنتم مصدقين لي في قولي
==============
صالح وثمود
73 وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ (أي وأرسلنا) ; يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْو. َذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ,.. فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ; (آيات 73 و77 و78).(7/55)
قال المفسرون: ثمود هو ابن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عابر. وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وقد عمَّر ثمود إعماراً طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً من أشرافهم فأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أيّة آيةٍ تريدون؟ قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فمن استُجيب له اتُّبع. فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم، ثم أشار أميرهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يُقال لها الكائبة، وقال له أَخرِج من هذه الصخرة ناقةً مخترجة جوفاء وَبْراء، فإن فعلت صدّقناك. فأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ ذلك لتؤمنُنّ، فقال نعم. فصلّى ودعا ربه، فتمخّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولداً مثلها في العِظم، ولذا سُمّيت ناقة الله لأنها لا من ذكر ولا من أنثى، فآمن به جندع في جماعة، ومنع الباقين من الإيمان ابن ذواب بن عمرو والحباب، صاحبا أوثانهم، ورباب بن صغر كاهنهم. فمكثت الناقة وولدها ترعى الشجر وترد الماء غباً، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاءوا حتى تملأ أوانيهم فيشربون ويدّخرون. وكانت تصيّف بظهر الوادي فتهرب منها بهائمهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقّ ذلك عليهم. وزيَّنت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها، فرقي ولدها جبلاً اسمه قارة، فرغا ثُلاثاً، فقال صالح: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رُغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غداً مصفرّة، وبعد غد محمرّة، واليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. فلما كان ضحوة اليوم الرابع تحنّطوا بالصبر وتكفّنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقطّعت قلوبهم فهلكوا (الرازي في تفسير الأعراف 7: 73).
ولم يرد في التوراة ولا في الإنجيل أن الله أرسل نبياً اسمه صالح إلى ثمود من قبائل العرب، فإن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا من الأمة الإسرائيلية في أرض اليهود، لأن الله فضّلها على العالمين بأن جعل منها الأنبياء والمرسلين. ودعواهم أن صالحاً من ذرّية سام يدل على عدم معرفةٍ بالأنساب والتواريخ، وأقدم تاريخ في الدنيا لمعرفة أنساب نوح وإبراهيم وغيرهما هو التوراة
سفر تكوين الاصحاح 38 يذكر لنا قصة يهوذا والزانية التي زنا بها وهي ثامار ومولودهم السفاح فارص الذي هو أحد أجداد السيد المسيح كما يدعوا ، فهذا يوضح أن سفر تكوين يقر بأن السيد المسيح هو من أصل اجداد زناه ، فهل نحن المسلمين نؤمن بهذه الخرافات ؟ بالطبع لا
فكيف نتبع الضلال ونترك الحق الذي أرسله الله عز وجل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قصة صالح.
أما قوله: { وإلى ثمود } فالمعنى{ ولقد أرسلنا نوحاً }[الأعراف: 59]
{ إلى عاد أخاهم هوداً }[الأعراف: 65]
{ وإلى ثمود أخاهم صالحاً }[هود: 61] وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثموداً لقلة مائها من الثمد، وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى، وقيل سميت ثمود لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
المسألة الثانية: قرىء { وإلى ثمود } يمنع التصرف بتأويل القبيلة { وإلى ثمود } بالصرف بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر، وقد ورد القرآن بهما صريحاً. قال تعالى:
{ ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود }[هود: 68].
واعلم أنه تعالى حكى عنه أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله كما ذكره من قبله من الأنبياء.
ثم قال: { قد جاءتكم بينة من ربكم } وهذه الزيادة مذكورة في هذه القصة، وهي تدل على أن كل من كان قبله من الأنبياء كانوا يذكرون الدلائل على صحة التوحيد والنبوة، لأن التقليد وحده لو كان كافياً لكانت تلك البينة ههنا لغواً، ثم بين أن تلك البينة هي الناقة فقال: { هذه ناقة الله لكم آية } وفيه مسائل:(7/56)
المسألة الأولى: ذكروا أنه تعالى لما أهلك عاداً قام ثمود مقامهم، وطال عمرهم وكثر تنعمهم، ثم عصوا الله، وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً وكان منهم، فطالبوه بالمعجزة. فقال: ما تريدون. فقالوا: تخرج معنا في عيدنا، ونخرج أصنامنا وتسأل إلهك ونسأل أصنامنا، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا، فخرج معهم فسألوه أن يخرج لهم ناقة كبيرة من صخرة معينة، فأخذ مواثيقهم أنه إن فعل ذلك آمنوا فقبلوا، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت تلك الصخرة كما تتمخض الحامل، ثم انفرجت وخرجت الناقة من وسطها، وكانت في غاية الكبر وكان الماء عندهم قليلاً فجعلوا ذلك الماء بالكلية شرباً لها في يوم، وفي اليوم الثاني شرباً لكل القوم قال السدي: وكانت الناقة في اليوم التي تشرب فيه الماء تمر بين الجبلين فتعلوهما ثم تأتي فتشرب فتحلب ما يكفي الكل، وكأنها كانت تصب اللبن صباً، وفي اليوم الذي يشربون الماء فيه لا تأتيهم وكان معها فصيل لها. فقال لهم صالح: يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه، فذبح تسعة نفر منهم أبناءهم، ثم ولد العاشر فأبى أن يذبحه أبوه، فنبت نباتاً سريعاً، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجونه به، وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء، واشتد ذلك عليهم، فقال الغلام: هل لكم في أن أعقر هذه الناقة؟ فشد عليها، فلما بصرت به شدت عليه، فهرب منها إلى خلف صخرة فأحاشوها عليه، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت.
فذلك قوله: { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وأظهروا حينئذ كفرهم وعتوا من أمر ربهم، فقال لهم صالح: إن آية العذاب أن تصبحوا غداً حمراً، واليوم الثاني صفراً، واليوم الثالث سوداً، فلما صبحهم العذاب تحنطوا واستعدوا.
إذا عرفت هذا فنقول: تعدد اقوال العلماء في وجه كون الناقة آية فقال بعضهم: إنها كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة. قال القاضي: هذا إن صح فهو معجز من جهات:
أحدها: خروجها من الجبل
والثانية: كونها لا من ذكر وأنثى
والثالثة: كمال خلقها من غير تدريج.
والقول الثاني: أنها إنما كانت آية لأجل أن لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقة شرب أمة من الأمم عجيب، وكانت مع ذلك تأتي بما يليق بذلك الماء من الكلأ والحشيش.
والقول الثالث : أن وجه الإعجاز فيها أنهم كانوا في يوم شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم لهم مقام الماء في يوم شربهم. وقال الحسن: بالعكس من ذلك، فقال إنها لم تحلب قطرة لبن قط، وهذا الكلام مناف لما تقدم.
والقول الرابع: أن وجه الإعجاز فيها أن يوم مجيئها إلى الماء كان جميع الحيوانات تمتنع من الورود على الماء، وفي يوم امتناعها كانت الحيوانات تأتي.
واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها آية، فأما ذكر أنها كانت آية من أي الوجوه فهو غير مذكور والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله: { هذه ناقة الله لكم آية } فقوله: { آية } نصب على الحال أي أشير إليها في حال كونها آية، ولفظة (هذه) تتضمن معنى الإشارة، و { آية } في معنى دالة. فلهذا جاز أن تكون حالاً.
فإن قيل: تلك الناقة كانت آية لكل أحد، فلماذا خص أولئك الأقواك بها؟ فقال: { هذه ناقة الله لكم آية }.
قلنا: فيه وجوه: أحدها: أنهم عاينوها وغيرهم أخبروا عنها، وليس الخبر كالمعاينة. وثانيها: لعله يثبت سائر المعجزات، إلا أن القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح، فأظهرها الله تعالى لهم، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص.
فإن قيل: ما الفائدة في تخصيص تلك الناقة بأنها ناقة الله؟
قلنا: فيه وجوه: قيل أضافها إلى الله تشريفاً وتخصيصاً كقوله: بيت الله، وقيل: لأنه خلقها بلا واسطة، وقيل: لأنها لا مالك لها غير الله. وقيل: لأنها حجة الله على القوم.
ثم قال: { فذروها تأكل في أرض الله } أي الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فذروها تأكل في أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم، ولا تمسوها بسوء ولا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوا منها شيئاً من أنواع الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك "
ثم قال تعالى: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } قيل إنه تعالى لما أهلك عاداً عمر ثمود بلادها، وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعماراً طوالاً.
ثم قال: { وبوأكم في الأرض } أنزلكم، والمبوأ: المنزل من الأرض، أي في أرض الحجر بين الحجاز والشام.
ثم قال: { تتخذون من سهولها قصوراً } أي تبوؤن القصور من سهولة الأرض، فإن القصور إنما تبنى من الطين واللبن والآجر، وهذه الأشياء إنما تتخذ من سهولة الأرض { وتنحِتون من الجبال بيوتاً } يريد تنحِتون بيوتاً من الجبال تسقفونها.
فإن قالوا: علام انتصب بيوتاً؟(7/57)
قلنا: على الحال كما يقال: خط هذا الثوب قميصاً وأبر هذه القصبة قلما، وهي من الحال المقدرة، لأن الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت، ولا الثوب والقصبة قميصاً، وقلما في حال الخياطة والبري. وقيل: كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء، وهذا يدل على أنهم كانوا متنعمين مترفهين.
ثم قال: { فاذكروا آلاء الله } يعني قد ذكرت لكم بعض أقسام ما آتاكم الله من النعم، وذكر الكل طويل فاذكروا أنتم بعقولكم ما فيها { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } قيل المراد منه: النهي عن عقر الناقة، والأولى أن يحمل على ظاهره وهو المنع عن كل أنواع الفساد
==================
ثعبانٌ أم جان؟
; 107 فَأَلْقَى عَصَاهُ ;(أي موسى) ; فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ; (آية 107). مع أنه ورد في (النمل 27: 10) : وألقِ عصاك. فلما رآها تهتزُّ كأنها جانٌّ .
فقالوا: الجان الصغير من الحيّات، والثعبان الكبير منها. وقالوا لأن خلقها كخلق الثعبان العظيم، واهتزازها وخفَّتها كاهتزاز الجان وخفته. فترى أنهم يتصرفون في اللغة كيف شاءوا
يقول مُدعي الشبهة الجاهل : فترى أنهم يتصرفون في اللغة كيف شاءوا
القرآن نزل وثبت فصاحته وبلاغته عند القوم الذين نزل لهم أولاً ، وما سمعنا معارضة منهم بهذا الخصوص ... فهذا لا يثبت إلا جهلكم أنتم وليس تصرف في اللغة كما نشاء ... لأن التصرف في اللغة يعني هشاشة هذه اللغة ، ولكن اللغة العربية بها أكثر من مليون و900 ألف كلمة ومن كثرة المرادفات فيها ومقارنة باللغة الإنكليزية التي لا يتجاوز عدد مفرداتها 250 ألف كلمة، و300 ألف كلمة في الفرنسية. نجد أن قواعد اللغة العربية ثابته ولا تتغير وباقي اللغات الأخرى كل يوم في تجديد وتعديل في كلماتها وقواعدها ... فأين التلاعب ؟ ، فما هو إلا جهل باللغة العربية فقط ، فالعيب في صاحب الشبهة وليس العيب في القرآن
===============
فرعون والسحرة وموسى
“وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ; (آيات 113 - 116). “وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ; (آيات 120 - 125). وقد تكررت هذه القصة يونس 10: 80 ، 81 وفي طه 20: 60 97 وفي الشعراء وغيرها.
قال المفسرون المراد بالسحر العظيم هو أن السحرة ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال قد ملأت الوادي، ويقال إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقاً أيضاً وألقوها على الأرض، فلما أثَّر حرُّ الشمس فيها تحركت والتوى بعضُها على بعضٍ، حتى تخيّل للناس أنها حيّات. ويقال إن الأرض كانت سعتها ميلاً في ميل، فصارت كلها حيّات وأفاعي، ففزع الناس من ذلك حتى فزع موسى أيضاً فأوجس في نفسه خِيفةٍ موسى. قلنا لا تخف (طه 20: 67 ، 68) (المنار في تفسير الأعراف 7: 113 - 116).
(1) لم يقل السحرة لفرعون إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، وأنه أجاب سؤلهم. فإن مثل هذا لا يحدث، لأن فرعون كان ملكاً مستبداً يفعل بقومه كما يشاء، والذوق والأدب يقضيان بعدم إبرام شروط مع الملك. وانظر إلى عبارة التوراة فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك .
(2) لم يرد في التوراة أن موسى جزع وخاف من شعوذة السحرة وهو يعرف كذبها، هذا فضلاً عن بسالته وثقته في عناية الله به.
(3) لم يقل السحرة لموسى: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، وكذلك لم يقل لهم: ألقوا أنتم أولاً. بل إن الله أمره أن يطلب من فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وإذا سأل آيةً فافعل كذا وكذا.
(4) أخطأ القرآن في قوله إن السحرة آمنوا برب موسى، فإن التوراة صرّحت بأن الله قسّى قلب فرعون وقلوب عبيده ليُظهِر قوّته وقدرته. ولا نظن أن عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ويخالفون فرعون الملك المطاع، وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه.
(5) أخطأ في تهديد فرعون للسحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ ثم يصلبهم
تقول الشبهة(7/58)
(1) لم يقل السحرة لفرعون إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، وأنه أجاب سؤلهم. فإن مثل هذا لا يحدث، لأن فرعون كان ملكاً مستبداً يفعل بقومه كما يشاء، والذوق والأدب يقضيان بعدم إبرام شروط مع الملك. وانظر إلى عبارة التوراة فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك .
الرد على هذا الكلام :
على الرغم من أننا لا نؤمن بالكتاب المقدس من قريب او بعيد ولكن سنخاطبهم من خلاله
سفر خروج
7: 10 فدخل موسى و هرون الى فرعون و فعلا هكذا كما امر الرب طرح هرون عصاه امام فرعون و امام عبيده فصارت ثعبانا
7: 11 فدعا فرعون ايضا الحكماء و السحرة ففعل عرافو مصر ايضا بسحرهم كذلك
فأين هنا الحاور ؟ فرعون دعى السحرة والحكماء ... ثم ؟ لا شيء
فهل يعقل أن فرعون ناداهم دون سبب ودون أن يأمرهم بشيء ؟!!!! أين هنا الحوار
والعجيب هنا أن سفر الخروج اوضح أن معجزة العصا لهارون وليست لموسى مع العلم أنه في الإصحاح الرابع الفقرة الثانية تكشف أن معجزة العصا لموسى وليست لهارون
سفر خروج
فقال له الرب ما هذه في يدك . فقال عصا
ولكن التناقض يظهر بالأصحاح السابع الفقرة 12 لسفر خروج وان هارون هو الذي يلقي العصا لتصنع المعجزات
سفر الخروج 7
طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين . ولكن عصا هرون ابتلعت عصيهم
علماً بأن بالأصحاح الرابع الفقرة 17 لسفر الخروج نجد أن الرب يأمر موسى بأخذ العصا الذي سيصنع بها المعجزات ، فكيف أنتقلت المعجزات لعصا هارون ؟
سفر الخروج 4
وتاخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات
فهل علينا أن نتبع كتاب مُحرف ونترك الحق الذي أنزله الله على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟
تقول الشبهة
(2) لم يرد في التوراة أن موسى جزع وخاف من شعوذة السحرة وهو يعرف كذبها، هذا فضلاً عن بسالته وثقته في عناية الله به.
للرد عليها :
أين هي التوراة ؟ سامرية أم عبرانية ام سبعينية ؟
سفر الخروج ذكر أن عندما دخل موسى وهارون على فرعون ألقى هارون عصاه فأصبحت ثعبان كبير ، فنادى فرعون السحرة والحكماء !!!!!! ، ولكننا لم نعرف : هل بقى الثعبان يسعى أمام فرعون إلى أن استدعى فرعون السحرة والحكماء ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!
كلام لا يُعقل ؟
فمن المؤكد للعقلاء ان أمر الأستدعاء أخذ فترة زمنية لا تقل عن عدة أيام ، لأنه من المؤكد أن فرعون استدعاهم من جميع ولاياته التي كان يحكمها ... لهذا فهناك من الأسرار التي أخفاها كاتب السفر للتضليل لأن السفر قال :
سفر خروج
7: 10 فدخل موسى و هرون الى فرعون و فعلا هكذا كما امر الرب طرح هرون عصاه امام فرعون و امام عبيده فصارت ثعبانا
7: 11 فدعا فرعون ايضا الحكماء و السحرة ففعل عرافو مصر ايضا بسحرهم كذلك
ولماذا رجع موسى الى الرب وقال يا سيد لماذا اسأت الى هذا الشعب. لماذا ارسلتني. فانه منذ دخلت الى فرعون لاتكلم باسمك اساء الى هذا الشعب. وانت لم تخلّص شعبك ..... علماً بأن موسى كان ثقيل الفم اللسان وقد طلب الرب من هارون أن يتكلم بدلاً من موسى !! فكيف قال موسى للرب أنه هو كان المتحدث لفرعون ؟
تقول الشبهة
(3) لم يقل السحرة لموسى: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، وكذلك لم يقل لهم: ألقوا أنتم أولاً. بل إن الله أمره أن يطلب من فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وإذا سأل آيةً فافعل كذا وكذا.
للرد
سفر خروج
7: 8 و كلم الرب موسى و هرون قائلا
7: 9 اذا كلمكما فرعون قائلا هاتيا عجيبة تقول لهرون خذ عصاك و اطرحها امام فرعون فتصير ثعبانا
7: 10 فدخل موسى و هرون الى فرعون و فعلا هكذا كما امر الرب طرح هرون عصاه امام فرعون و امام عبيده فصارت ثعبانا
هل قال فرعون شيء أم لم يقل فلا توضيح لهذا الكلام ؟ طرح هارون عصاه وانتهى الأمر !!! ما هي الأحداث ؟ لا يوجد !!!!!
فمن أي مصدر يُكذب النصارى قول الحق بالقرآن ؟
تقول الشبهة
(4) أخطأ القرآن في قوله إن السحرة آمنوا برب موسى، فإن التوراة صرّحت بأن الله قسّى قلب فرعون وقلوب عبيده ليُظهِر قوّته وقدرته. ولا نظن أن عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ويخالفون فرعون الملك المطاع، وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه.
للرد
تناقض عجيب : فالشبهة رقم 2 تقول : { هذا فضلاً عن بسالة موسى وثقته في عناية الله به.} ثم الآن يقول : { وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه }
ألا تكفي قوة الله ؟
ألا يكفي أن جُعل إله
سفر خروج
7: 1 فقال الرب لموسى انظر انا جعلتك الها لفرعون و هرون اخوك يكون نبيك
تُشككون في كُتبكم لتنسبوا الخطأ في القرآن ؟
تقول الشبهة
(5) أخطأ في تهديد فرعون للسحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ ثم يصلبهم.
الرد:
هذا ليس دليل على خطأ في القرآن لأن تسلسل الشبهات يظهر أن النقص والخطأ في الكتاب المقدس وليس بالقرآن
=================
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ(7/59)
معجزات محمد(عليه الصلاه والسلام)
“وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ; (آية 109).
قالت قريش: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً، وتخبرنا أن عيسى كان يُحيي الموتى، وأن ثمود لهم الناقة. فأْتنا بآيةٍ حتى نصدّقك ونؤمن بك . فقال محمد: أي شيء تحبون؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، وابعث لنا بعض موتانا نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل، وأرِنا الملائكة يشهدون لك . قال محمد: إن فعلتُ بعضَ ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا: نعم. والله لئن فعلتَ لنتبعنَّك أجمعين . وسأل المسلمون محمداً أن يُنزِلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام محمد وجعل يدعو الله أن يجعل الصفا ذهباً. فجاءه جبريل فقال: ما شئت إن شئت أصبح ذهباً، ولكن إن لم يصدّقوك لنعذبنَّهم. وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال محمد: بل يتوب تائبهم . (الطبري في تفسير الأنعام 6: 109).
فجميع الأنبياء كانوا يعملون المعجزات الباهرة ثم يطلبون من الناس أن يصدِّقوا رسالتهم، ولم يقتفِ محمدٌ أثرهم. ولما طلبوا منه أن يعمل معجزةً كموسى أو عيسى أو غيرهما قال: إنكم لا تؤمنون
الرد
هؤلاء المشركين يقسمون بالله جهد أيمانهم أن لو جاءتهم آية - أي خارقة مادية كخوارق الرسل السابقة - ليؤمنن بها! الأمر الذي جعل بعض المسلمين حين سمعوا أيمانهم يقترحون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل ربه هذه الآية التي يطلبون!.. ويجيء الرد الحاسم على المؤمنين، ببيان طبيعة التكذيب في هؤلاء المكذبين:
{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها. قل: إنما الآيات عند الله. وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون؟ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم، كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغيانهم يعمهون. ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا - إلا أن يشاء الله - ولكن أكثرهم يجهلون }..
إن القلب الذي لا يؤمن بآيات الله المبثوثة في هذا الوجود - بعد توجيهه إليها على هذا النحو العجيب الذي تكفل به هذا الكتاب العجيب - ولا توحي آيات الله المبثوثة في الأنفس والآفاق إليه أن يبادر إلى ربه، ويثوب إلى كنفه.. إن هذاالقلب هو قلب مقلوب.. والذي عاق هؤلاء عن الإيمان في أول الأمر، ما الذي يُدري المسلمين الذين يقترحون إجابة طلبهم، أن يعوقهم عن الإيمان بعد ظهور الخارقة؟ إن الله هو الذي يعلم حقيقة هذه القلوب.. وهو يذر المكذبين في طغيانهم يعمهون، لأنه يعلم منهم أنهم يستحقون جزاء التكذيب؛ كما يعلم عنهم أنهم لا يستجيبون.. لا يستجيبون ولو نزل إليهم الملائكة كما يقترحون! ولو بعث لهم الموتى يكلمونهم - كما اقترحوا كذلك! - ولو حشر الله عليهم كل شيء في هذا الوجود يواجههم ويدعوهم إلى الإيمان!.. إنهم لا يؤمنون - إلا أن يشاء الله - والله سبحانه لا يشاء، لأنهم هم لا يجاهدون في الله ليهديهم الله إليه.. وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس عن طبائع القلوب..
إنه ليس الذي ينقص الذين يلجون في الضلال أنه لا توجد أمامهم دلائل وبراهين.. إنما الذي ينقصهم آفة في القلب، وعطل في الفطرة، وانطماس في الضمير..
وإن الهدى جزاء لا يستحقه إلا الذين يتجهون إليه، والذين يجاهدون فيه
==================
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً (آية 160). هذه الجملة خطأ، وصوابها اثني عشر سبطاً لأن مميَّز ما فوق العشرة مفرد، فما وجه جمعه هنا؟ وقد اعتذر المفسرون عن ذلك اعتذارات شتى فقالوا إنه يقصد اثنتي عشرة قبيلة، ولما كانت كل قبيلة أسباطاً فحذف قبيلة ووضع كلمة أسباطاً التي تساويها (راجع الرازي في تفسير الأعراف 7: 160
الرد
يقول الإمام الرازي
المقصود من هذه الآية، شرح نوعين من أحوال بني إسرائيل:
أحدهما: أنه تعالى جعلهم اثني عشر سبطاً، وقد تقدم هذا في سورة البقرة، و المراد أنه تعالى فرق بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة، لأنهم كانوا من اثني عشر رجلاً من أولاد يعقوب، فميزهم وفعل بهم ذلك لئلا يتحاسدوا فيقع فيهم الهرج والمرج. وقوله: { وَقَطَّعْنَهُمُ } أي صيرناهم قطعاً أي فرقاً وميزنا بعضهم من بعض وقرىء { وَقَطَّعْنَهُمُ } بالتخفيف وههنا سؤالان:
السؤال الأول: مميز ما عدا العشرة مفرد، فما وجه مجيئه مجموعاً، وهلا قيل: اثني عشر سبطاً؟
والجواب: المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط، فوضع أسباطاً موضع قبيلة.
السؤال الثاني: قال: { اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } مع أن السبط مذكر لا مؤنث.
الجواب قال الفراء: إنما قال ذلك، لأنه تعالى ذكر بعده { أُمَمًا } فذهب التأنيث إلى الأمم.(7/60)
ثم قال: ولو قال: اثني عشر لأجل أن السبط مذكر كان جائزاً. وقال الزجاج: المعنى { وَقَطَّعْنَهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ } فرقة { أَسْبَاطًا } فقوله: { أَسْبَاطًا } نعت لموصوف محذوف، وهو الفرقة. وقال أبو علي الفارسي: ليس قوله: { أَسْبَاطًا } تمييزاً، ولكنه بدل من قوله: { اثْنَتَىْ عَشْرَةَ }.
وأما قوله: { أُمَمًا } قال صاحب «الكشاف»: هو بدل من { اثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بمعنى: وقطعناهم أمما لأن كل سبط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ولا تكاد تأتلف. وقرىء { اثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بكسر الشين.
النوع الثاني: من شرح أحوال بني إسرائيل قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ } وهذه القصة أيضاً قد تقدم ذكرها في سورة البقرة. قال الحسن: ما كان إلا حجراً اعترضه وإلا عصاً أخذها.
واعلم أنهم كانوا ربما احتاجوا في التيه إلى ماء يشربونه، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه الحجر. وكانوا يريدونه مع أنفسهم فيأخذوا منه قدر الحاجة، وقوله: { فَانبَجَسَتْ } قال الواحدي: فانبجس الماء وانبجاسه انفجاره. يقال: بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس إذا تفجر، هذا قول أهل اللغة، ثم قال:
والانبجاس والانفجار سواء، وعلى هذا التقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور ههنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة، وقال آخرون: الانبجاس خروج الماء بقلة، والانفجار خروجه بكثرة، وطريق الجمع: أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً، ثم صار كثيراً، وهذا الفرق مروي عن أبي عمرو بن العلاء، ولما ذكر تعالى أنه كيف كان يسقيهم، ذكر ثانياً أنه ظلل الغمام عليهم، وثالثا: أنه أنزل عليهم المن والسلوى، ولا شك أن مجموع هذه الأحوال نعمة عظيمة من الله تعالى، لأنه تعالى سهل عليهم الطعام والشراب على أحسن الوجوه ودفع عنهم مضار الشمس.
ثم قال: { كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ } والمراد قصر أنفسهم على ذلك المطعوم وترك غيره.
ثم قال تعالى: { وَمَا ظَلَمُونَا } وفيه حذف، وذلك لأن هذا الكلام إنما يحسن ذكره لو أنهم تعدوا ما أمرهم الله به، وذلك إما بأن تقول إنهم ادخروا مع أن الله منعهم منه، أو أقدموا على الأكل في وقت منعهم الله عنه، أو لأنهم سألوا غير ذلك مع أن الله منعهم منه، ومعلوم أن المكلف إذا ارتكب المحظور فهو ظالم لنفسه، فلذلك وصفهم الله تعالى به ونبَّه بقوله: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وذلك أن المكلف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلا نفسه حيث سعى في صيرورة نفسه مستحقة للعقاب العظيم
====================
قرية والحيتان
اسكنوا هذه القرية (أي بيت المقدس) وكلوا منها حيث شئتُم، وقولوا حِطَّةٌ، وادخلوا الباب سُجّداً نغفر لكم خطيئتكم (آية 161)
أمرهم أن يطلبوا من الله أن يحط عنهم ذنوبهم، فبدَّل الذين ظلموا منهم هذا الكلام بأن قالوا حنطة في شعيرة . فأرسل الله عليهم عذاباً من السماء. ووردت هذه القصة أيضاً في سورة البقرة. ولم يرد في تاريخ بني إسرائيل شيء من هذا.
حاضرة البحر:
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرةَ البحرِ إذ يَعْدون في السبت إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبْتِهم شُرَّعاً، ويوم لا يَسْبِتون لا تأتيهم. كذلك نبلوهم بما كانوا يَفْسُقون.. فلما عَتَوْا عن ما نُهوا عنه قلنا لهم: كونوا قِردةً خاسئين (آيتا 163 و166).
اختلفوا في القرية، فقيل هي بين مصر والمدينة والمغرب، وقيل بين مدين والطور، وقال الزهيري هي طبرية الشام. ولهم أقوال غير هذه. فكانت تأتيهم الحيتان ظاهرةً على الماء كثيرة متتابعةً يتبع بعضها بعضاً.
قال أهل التفسير: إن اليهود أُمروا بيوم الجمعة فتركوه، واختاروا يوم السبت فابتُلوا به، وهو أن الله أمرهم بتعظيمه ونهاهم عن العمل فيه وحرّم عليهم فيه الصيد. فلما أراد أن يبتليهم كانت الحيتان تظهر لهم في يوم السبت، ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تُرَ إلا في السبت المقبل. فوسوس إليهم الشيطان إن اصطادوا، فاصطادوا. قال قتادة: لما عتوا عما نُهوا عنه مسخهم الله فصيّرهم قردة تتعاوى بعد ما كانوا رجالاً ونساء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 163). وحاشا لله أن يجرّب عباده بالشر، وهو يودّ أن الجميع يحفظون وصاياه. (راجع تعليقنا على ما أوردناه عن البقرة 2: 65).
الرد
هذه القصة أيضاً مذكورة مع الشرح والبيان في سورة البقرة.
بقي أن يقال: إن ألفاظ هذه الآية تخالف ألفاظ الآية التي في سورة البقرة من وجوه:
الأول: في سورة البقرة { وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ }[البقرة: 58] وههنا قال: { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ }
والثاني: أنه قال في سورة البقرة { فَكُلُواْ } بالفاء وههنا { وَكُلُواْ } بالواو.(7/61)
والثالث: أنه قال في سورة البقرة { رَغَدًا } وهذه الكلمة غير مذكورة في هذه السورة.
والرابع: أنه قال في سورة البقرة: { وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ } وقال ههنا على التقديم والتأخير.
والخامس: أنه قال في البقرة { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } وقال ههنا: { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَتِكُمْ }
والسادس: أنه قال في سورة البقرة: { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } وههنا حذف حرف الواو.
والسابع: أنه قال في سورة البقرة:{ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ }[البقرة:59]وقال ههنا: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ }
والثامن: أنه قال في سورة البقرة: { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } وقال ههنا: { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة.
000000000
أما الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة: { ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ } وقال ههنا: { اسْكُنُواْ } فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولاً، ثم سكونها ثانياً.
وأما الثاني: فهو أنه تعالى قال في البقرة:{ ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ }[البقرة: 58] بالفاء. وقال ههنا: { اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ } بالواو والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، كما يوجد بعضها ينعدم. فإنه إنما يكون داخلاً في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكوناً لا دخولاً.
إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار. فلا جرم يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: { ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ } وأما السكون فحالة مستمرة باقية. فيكون الأكل حاصلاً معه لا عقيبه فظهر الفرق.
وأما الثالث: وهو أنه ذكر في سورة البقرة { رَغَدًا } وما ذكره هنا فالفرق الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان ذلك الأكل ألذ لا جرم ذكر فيه قوله: { رَغَدًا } وأما الأكل حال سكون القرية، فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ما لم تكن اللذة فيه متكاملة، فلا جرم ترك قوله: { رَغَدًا } فيه.
وأما الرابع: وهو قوله في سورة البقرة: { وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ } وفي سورة الأعراف على العكس منه، فالمراد التنبيه على أنه يحسن تقديم كل واحد من هذين الذكرين على الآخر، إلا أنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى، وإظهار الخضوع والخشوع لم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.
وأما الخامس: وهو أنه قال في سورة البقرة:
{ خَطَايَاكُمْ }[البقرة: 58] وقال ههنا: { خَطِيئَتِكُمْ } فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة، فهي مغفورة عند الإتيان بهذا الدعاء والتضرع.
وأما السادس: وهو أنه تعالى قال في سورة البقرة:{ وَسَنَزِيدُ }[البقرة: 58] بالواو وههنا حذف الواو فالفائدة في حذف الواو أنه استئناف، والتقدير: كان قائلاً قال: وماذا حصل بعد الغفران؟ فقيل له { سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }.
وأما السابع: وهو الفرق بين قوله: { أَنزَلْنَا } وبين قوله: { أَرْسَلْنَا } فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها، فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل، ثم جعله كثيراً، وهو نظير ما ذكرناه في الفرق بين قوله: { فَانبَجَسَتْ } وبين قوله: { فَانفَجَرَتْ }.
وأما الثامن: وهو الفرق بين قوله: { يَظْلِمُونَ } وبين قوله: { يَفْسُقُونَ } فذلك لأنهم موصوفون بكونهم ظالمين، لأجل أنهم ظلموا أنفسهم، وبكونهم فاسقين، لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله تعالى، فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين، فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة، وتمام العلم بها عند الله تعالى.
أما قول أنه : ولم يرد في تاريخ بني إسرائيل شيء من هذا ... فالرد :
نحن لا نأخذ ما جاء بالكتاب المقدس لأن الكنيسة تشهد أنه كتاب محرف .
http://www.alarabiya.net/Articles/2005/10/05/17432.htm
ويمكن الوصل لمصدر جريدة التايمز من خلال توقيعي
=================
وإذْ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورِهِم ذُرِّيتهم وأشهدهم على أنفسهم
روى سعيد بن جبير لما خلق الله آدم، أخذ ذريته من ظهره مثل الذرّ، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام، وقال للآخرين ادخلوا النار ولا أبالي (الطبري في تفسير الأعراف 7: 172).
فهل هذا هو طريق الخلاص الذي عندهم؟
الرد(7/62)
فالآن في هذه الآية تعرض قضية التوحيد من زاوية جديدة، وزاوية عميقة.. تعرض من زاوية الفطرة التي فطر الله عليها البشر؛ وأخذ بها عليهم الميثاق في ذات أنفسهم، وذات تكوينهم؛ وهم بعد في عالم الذر!.. إن الاعتراف بربوبية الله وحده فطرة في الكيان البشري. فطرة أودعها الخالق في هذه الكينونة وشهدت بها على نفسها بحكم وجودها ذاته، وحكم ما تستشعره في أعماقها من هذه الحقيقة. أما الرسالات فتذكير وتحذير لمن ينحرفون عن فطرتهم الأولى، فيحتاجون إلى التذكير والتحذير.. إن التوحيد ميثاق معقود بين فطرة البشر وخالق البشر منذ كينونتهم الأولى، فلا حجة لهم في نقض الميثاق - حتى لو لم يبعث إليهم بالرسل يذكرونهم ويحذرونهم - ولكن رحمته وحدها اقتضت ألا يكلهم إلى فطرتهم هذه فقد تنحرف؛ وألا يكلهم كذلك إلى عقولهم التي أعطاها لهم فقد تضل؛ وأن يبعث إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل!
{ وإذ أخذ ربك من بني آدم - من ظهورهم - ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا! أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل. وكنا ذرية من بعدهم. أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟.. وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون }..
إنها قضية الفطرة والعقيدة يعرضها السياق القرآني في صورة مشهد - على طريقة القرآن الغالبة - وإنه لمشهد فريد.. مشهد الذرية المكنونة في عالم الغيب السحيق، المستكنة في ظهور بني آدم قبل أن تظهر إلى العالم المشهود، تؤخذ في قبضة الخالق المربي، فيسألها: { ألست بربكم؟ }.. فتعترف له - سبحانه - بالربوبية؛ وتقر له - سبحانه - بالعبودية؛ وتشهد له - سبحانه - بالوحدانية؛ وهي منثورة كالذر؛ مجموعة في قبضة الخالق العظيم!
إنه مشهد كوني رائع باهر، لا تعرف اللغة له نظيراً في تصوراتها المأثورة! وإنه لمشهد عجيب فريد حين يتملاه الخيال البشري جهد طاقته! وحينما يتصور تلك الخلايا التي لا تحصى، وهي تجمع وتقبض. وهي تخاطب خطاب العقلاء - بما ركب فيها من الخصائص المستكنة التي أودعها إياها الخالق المبدع - وهي تستجيب استجابة العقلاء، فتعترف وتقر وتشهد؛ ويؤخذ عليها الميثاق في الأصلاب!
وإن الكيان البشري ليرتعش من أعماقه وهو يتملى هذا المشهد الرائع الباهر الفريد. وهو يتمثل الذر السابح. وفي كل خلية حياة. وفي كل خلية استعداد كامن. وفي كل خلية كائن إنسان مكتمل الصفات ينتظر الإذن له بالنماء والظهور في الصورة المكنونة له في ضمير الوجود المجهول، ويقطع على نفسه العهد والميثاق، قبل أن يبرز إلى حيز الوجود المعلوم!
لقد عرض القرآن الكريم هذا المشهد الرائع الباهر العجيب الفريد، لتلك الحقيقة الهائلة العميقة المستكنة في أعماق الفطرة الإنسانية وفي أعماق الوجود.
. عرض القرآن هذا المشهد قبل قرابة أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث لم يكن إنسان يعلم عن طبيعة النشأة الإنسانية وحقائقها إلا الأوهام! ثم يهتدي البشر بعد هذه القرون إلى طرف من هذه الحقائق وتلك الطبيعة. فإذا " العلم " يقرر أن الناسلات، وهي خلايا الوراثة التي تحفظ سجل " الإنسان " وتكمن فيها خصائص الأفراد وهم بعد خلايا في الأصلاب.. أن هذه الناسلات التي تحفظ سجل ثلاثة آلاف مليون من البشر، وتكمن فيها خصائصهم كلها - لا يزيد حجمها على سنتيمتر مكعب، أو ما يساوي ملء قمع من أقماع الخياطة!.. كلمة لو قيلت للناس يومذاك لاتهموا قائلها بالجنون والخبال! وصدق الله العظيم:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }
أخرج ابن جرير وغيره - بإسناده - عن ابن عباس قال: " مسح ربك ظهر آدم، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة.. فأخذ مواثيقهم، وأشهدهم على أنفسهم: { ألست بربكم؟ قالوا: بلى }.. وروي مرفوعاً وموقوفاً على ابن عباس. وقال ابن كثير: إن الموقوف أكثر وأثبت..
فأما كيف كان هذا المشهد؟ وكيف أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم؟ وكيف خاطبهم: { ألست بربكم } وكيف أجابوا: { بلى شهدنا }؟.. فالجواب عليه: أن كيفيات فعل الله - سبحانه - غيب كذاته. ولا يملك الإدراك البشري أن يدرك كيفيات أفعال الله ما دام أنه لا يملك أن يدرك ذات الله. إذ أن تصور الكيفية فرع عن تصور الماهية. وكل فعل ينسب لله سبحانه مثل الذي يحكيه قوله هذا كقوله تعالى:
{ ثم استوى إلى السماء وهي دخان... }
{ ثم استوى على العرش }
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت }
{ والسماوات مطويات بيمينه }
{ وجاء ربك والملك صفاً صفا }
{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم }(7/63)
إلى آخر ما تحكيه النصوص الصحيحة عن فعل الله سبحانه، لا مناص من التسليم بوقوعه، دون محاولة إدراك كيفيته.. إذ أن تصور الكيفية فرع عن تصور الماهية كما قلنا.. والله ليس كمثله شيء فلا سبيل إلى إدراك ذاته ولا إلى إدراك كيفيات أفعاله. إذ أنه. لا سبيل إلى تشبيه فعله بفعل أي شيء، ما دام أن ليس كمثله شيء.. وكل محاولة لتصور كيفيات أفعاله على مثال كيفيات أفعال خلقه، هي محاولة مضللة، لاختلاف ماهيته - سبحانه - عن ماهيات خلقه. وما يترتب على هذا من اختلاف كيفيات أفعاله عن كيفيات أفعال خلقه.. وكذلك جهل وضل كل من حاولوا - من الفلاسفة والمتكلمين - وصف كيفيات أفعال الله، وخلطوا خلطاً شديداً!
على أن هناك تفسيراً لهذا النص بأن هذا العهد الذي أخذه الله على ذرية بني آدم هو عهد الفطرة.. فقد أنشأهم مفطورين على الاعتراف له بالربوبية وحده. أودع هذا فطرتهم فهي تنشأ عليه، حتى تنحرف عنه بفعل فاعل يفسد سواءها، ويميل بها عن فطرتها.
قال ابن كثير في التفسير: قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد - كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ومن رواية الحسن البصري عن الأسود ابن سريع - وقد فسر الحسن الآية بذلك. قالوا: ولهذا قال: { وإذ أخذ ربك من بني آدم } ولم يقل: من آدم.. { من ظهورهم }.. ولم يقل من ظهره.. { ذرياتهم } أي جعل نسلهم جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، كقوله تعالى:
{ وهو الذي جعلكم خلفاء الأرض }
وقال:{ ويجعلكم خلفاء الأرض }
وقال:
{ كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين }
ثم قال: { وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى! } أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له.. حالاً.. وقالوا: والشهادة تارة تكون بالقول كقوله:
{ قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين }
وتارة تكون حالاً كقوله تعالى:
{ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر }
أي حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنهم قائلون ذلك.. وكذلك قوله تعالى:
{ وإنه على ذلك لشهيد }
كما أن السؤال تارة يكون بالمقال وتارة يكون بالحال. كقوله:
{ وآتاكم من كل ما سألتموه }
قالوا: ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك. فلو كان قد وقع هذا، كما قال من قال، لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه. فإن قيل: إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - به كاف في وجوده، فالجواب: أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره. وهذا جعل حجة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد. ولهذا قال: { أن تقولوا }.. أي لئلا تقولوا { يوم القيامة إنا كنا عن هذا }. أي التوحيد.. { غافلين، أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا }... الآية).
أما الأحاديث التي أشار إليها في أول هذه الفقرة فهي:
في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية. " على هذه الملة " - فأَبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تولد بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ".
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ".
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني السري بن يحيى، أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتد عليه، ثم قال:
" ما بال أقوام يتناولون الذرية؟ " فقال رجل: يا رسول الله. أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: " إن خياركم أبناء المشركين! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة. فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصرانها " .قال الحسن: لقد قال في كتابه: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم }... الآية.
ونحن لا نستبعد أن يكون قول الله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم.. الآيات } على وجهه لا على سبيل الحال. لأنه في تصورنا يقع كما أخبر عنه الله سبحانه. وليس هناك ما يمنع أن يقع حين يشاؤه.. ولكنا كذلك لا نستبعد هذا التأويل الذي اختاره ابن كثير، وذكره الحسن البصري واستشهد له بالآية.. والله أعلم أي ذلك كان..
وفي أي من الحالين يخلص لنا أن هناك عهداً من الله على فطرة البشر أن توحده. وأن حقيقة التوحيد مركوزة في هذه الفطرة؛ يخرج بها كل مولود إلى الوجود؛ فلا يميل عنها إلا أن يفسد فطرته عامل خارجي عنها! عامل يستغل الاستعداد البشري للهدى وللضلال. وهو استعداد كذلك كامن تخرجه إلى حيز الوجود ملابسات وظروف.(7/64)
إن حقيقة التوحيد ليست مركوزة في فطرة " الإنسان " وحده؛ ولكنها كذلك مركوزة في فطرة هذا الوجود من حوله - وما الفطرة البشرية إلا قطاع من فطرة الوجود كله. موصولة به غير منقطعة عنه، محكومة بذات الناموس الذي يحكمه - بينما هي تتلقى كذلك أصداءه وإيقاعاته المعبرة عن تأثره واعترافه بتلك الحقيقة الكونية الكبيرة..
إن ناموس التوحيد الذي يحكم هذا الوجود، واضح الأثر في شكل الكون، وتنسيقه، وتناسق أجزائه، وانتظام حركته، واطراد قوانينه، وتصرفه المطرد وفق هذه القوانين.. وأخيراً - حسب العلم القليل الذي وصل إليه البشر - وحدة الجوهر الذي تتألف منه ذراته، وهو الإشعاع الذي تنتهي إليه المواد جميعاً عند تحطيم ذراتها وإطلاق شحناتها..
ويوماً بعد يوم يكشف البشر أطرافاً من ناموس الوحدة في طبيعة هذا الكون، وطبيعة قوانينه التي تحكم تصرفاته - في غير آلية حتمية ولكن بقدر من الله مطرد متجدد وفق مشيئة الله الطليقة - ولكننا نحن لا نعتمد على هذا الذي يكشفه علم البشر الظني - الذي لا يمكن أن يكون يقينياً بحكم وسائله البشرية - في تقرير هذا الناموس. إنما نحن نستأنس به مجرد استئناس. واعتمادنا الأول في تقرير أية حقيقة كونية مطلقة، على ما قرره لنا الخالق العليم بما خلق. والقرآن الكريم لا يدع مجالاً للشك في أن الناموس الذي يحكم هذا الكون هو ناموس الوحدة، الذي أنشأته المشيئة الواحدة للخالق الواحد سبحانه.
كما أنه لا يدع مجالاً للشك في عبودية هذا الكون لربه، واعترافه بوحدانيته، وعبادته له بالكيفية التي يعلمها الله ولا نعرف عنها إلا ما يخبرنا به؛ وما نراه من آثارها في انتظامه ودأبه واطراده.
هذا الناموس الذي يصرف الكون كله - بقدر الله المطرد المتجدد وفق مشيئة الله الطليقة - سارٍ كذلك في كيان الإنسان - بوصفه من كائنات هذا الكون - مستقر في فطرته، لا يحتاج إلى وعي عقلي للإحساس به؛ فهو مدرك بالفطرة، مستقر في صميمها، تستشعره بذاتها، وتتصرف وفقه، ما لم يطرأ عليها الخلل والفساد، فتنحرف عن إدراكها الذاتي له، وتدع للأهواء العارضة أن تسيرها، بدلاً من أن تسير وفق قانونها الداخلي القويم.
هذا الناموس - بذاته - هو ميثاق معقود بين الفطرة وخالقها. ميثاق مودع في كيانها، مودع في كل خلية حية منذ نشأتها. وهو ميثاق أقدم من الرسل والرسالات. وفيه تشهد كل خلية بربوبية الله الواحد، ذي المشيئة الواحدة، المنشئة للناموس الواحد الذي يحكمها ويصرفها. فلا سبيل إلى الاحتجاج بعد ميثاق الفطرة وشهادتها - سواء أكان بلسان الحال هذا أم بلسان المقال كما في بعض الآثار - لا سبيل إلى أن يقول أحد: إنه غفل عن كتاب الله الهادي إلى التوحيد. وعن رسالات الله التي دعت إلى هذا التوحيد. أو يقول: إنني خرجت إلى هذا الوجود، فوجدت آبائي قد أشركوا فلم يكن أمامي سبيل لمعرفة التوحيد. إنما ضل آبائي فضللت فهم المسؤولون وحدهم ولست بالمسؤول! ومن ثم جاء هذا التعقيب على تلك الشهادة:
{ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم. أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟
====================
ورَفَعْنا فوقهم الطُّورَ بميثاقهم
وإذْ نَتَقْنا الجبل فوقهم كأنه ظُلَّةٌ وظنوا أنه واقعٌ بهم (آية 171). وهو يشبه ما ورد في النساء 4: 154 ورَفَعْنا فوقهم الطُّورَ بميثاقهم .
قال الخازن (جزء 2) إن أصحاب الأخبار قالوا إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة، لما فيها من التكاليف الشاقة، أمر الله جبريل فرفع جبلاً عظيماً حتى صار على رؤوسهم كالظّلَّة. فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين، فسجد كل واحد منهم على خدّه وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفاً أن يسقط عليه، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر.
فهذه الأقوال من الخرافات القديمة اليهودية. أما كتاب الله فيعلّمنا أنه لما أنزل الله الشريعة على موسى بمرأى من بني إسرائيل، رأوا الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن، ففزعوا وارتعدوا ووقعت هيبة الله وموسى في قلوبهم (خروج 20: 18
الرد
{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم. خذوا ما آتيناكم بقوة، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون }.
إنه ميثاق لا ينسى.. فقد أخذ في ظرف لا ينسى! أخذ وقد نتق الله الجبل فوقهم كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم! ولقد كانوا متقاعسين يومها عن إعطاء الميثاق؛ فأعطوه في ظل خارقة هائلة كانت جديرة بأن تعصمهم بعد ذلك من الانتكاس. ولقد أمروا في ظل تلك الخارقة القوية أن يأخذوا ميثاقهم بقوة وجدية، وأن يستمسكوا به في شدة وصرامة، وألا يتخاذلوا ولا يتهاونوا ولا يتراجعوا في ميثاقهم الوثيق، وأن يظلوا ذاكرين لما فيه، لعل قلوبهم تخشع وتتقي. وتظل موصولة بالله لا تنساه!(7/65)
ولكن إسرائيل هي إسرائيل! نقضت الميثاق، ونسيت الله، ولجت في المعصية، حتى استحقت غضب الله ولعنته. وحق عليها القول، بعدما اختارها الله على العالمين في زمانها، وأفاء عليها من عطاياه. فلم تشكر النعمة، ولم ترع العهد، ولم تذكر الميثاق.. وما ربك بظلام للعبيد..
وقول : فهذه الأقوال من الخرافات القديمة اليهودية .... المائدة 51 { يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه
=================
حبل حواء
الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملاً خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون (آيتا 189 ، 190).
قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل، فقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعله بهيمة أو كلب؟ وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك وذكرته لآدم. ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة، فإن دعوتُ الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهّل عليك خروجه تسمّيه عبد الحرث. وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم، فيسمّيه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنْ سَرَّكما أن يعيش لكما ولد فسمِّياه عبد الحرث. فولدت، فسمَّياه عبد الحرث فعاش. قال محمد: لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سمِّيه عبد الحرث، فسمّته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فهذا معنى قول القرآن وجعلا له شركاء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 189 ، 190).
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟
الرد
اعلم أن الله تعالى يقرر أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المروي عن ابن عباس { هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ } وهي نفس آدم { وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي حواء خلقها الله من ضلع آدم عليه السلام من غير أذى { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } آدم { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَلَمَّا أَثْقَلَت } أي ثقل الولد في بطنها أتاها إبليس في صورة رجل وقال: ما هذا يا حواء إني أخاف أن يكون كلباً أو بهيمة وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك أو ينشق بطنك؟ فخافت حواء، وذكرت ذلك لآدم عليه السلام، فلم يزالا في هم من ذلك، ثم أتاها وقال: إن سألت الله أن يجعله صالحاً سوياً مثلك ويسهل خروجه من بطنك تسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث فذلك قوله: { فَلَمَّا ءاتَهُمَا صَلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتَاهُمَا } أي لما آتاهما الله ولداً سوياً صالحاً جعلا له شريكاً أي جعل آدم وحواء له شريكاً، والمراد به الحرث هذا تمام القصة.
** هذا التأويل فاسد ويدل عليه وجوه :
الأول: أنه تعالى قال: { فَتَعَلَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.
الثاني: أنه تعالى قال بعده:
{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ }[الأعراف: 191]
وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى، وما جرى لإبليس اللعين في هذه الآية ذكر.
الثالث: لو كان المراد إبليس لقال: (أيشركون من لا يخلق شيئاً)، ولم يقل (ما لا يخلق شيئاً)، لأن العاقل إنما يذكر بصيغة «من» لا بصيغة «ما»
الرابع: أن آدم عليه السلام كان أشد الناس معرفة بإبليس، وكان عالماً بجميع الأسماء كما قال تعالى: { وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } فكان لا بد وأن يكون قد علم أن اسم إبليس هو الحرث فمع العداوة الشديدة التي بينه وبين آدم ومع علمه بأن اسمه هو الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وكيف ضاقت عليه الأسماء حتى أنه لم يجد سوى هذا الاسم؟
الخامس: أن الواحد منا لو حصل له ولد يرجو منه الخير والصلاح، فجاءه إنسان ودعاه إلى أن يسميه بمثل هذه الأسماء لزجره وأنكر عليه أشد الإنكار. فآدم عليه السلام مع نبوته وعلمه الكثير الذي حصل من قوله:
{ وَعَلَّمَ ءادَمَ الأسْمَاء كُلَّهَا }[البقرة: 31](7/66)
وتجاربه الكثيرة التي حصلت له بسبب الزلة التي وقع فيها لأجل وسوسة إبليس، كيف لم يتنبه لهذا القدر وكيف لم يعرف أن ذلك من الأفعال المنكرة التي يجب على العاقل الاحتراز منها السادس: أن بتقدير أن آدم عليه السلام، سماه بعبد الحرث، فلا يخلو إما أن يقال إنه جعل هذا اللفظ اسم علم له، أو جعله صفة له، بمعنى أنه أخبر بهذا اللفظ أنه عبد الحرث ومخلوق من قبله.
فإن كان الأول لم يكن هذا شركاً بالله لأن أسماء الأعلام والألقاب لا تفيد في المسميات فائدة، فلم يلزم من التسمية بهذا اللفظ حصول الإشراك، وإن كان الثاني كان هذا قولاً بأن آدم عليه السلام اعتقد أن لله شريكاً في الخلق والإيجاد والتكوين وذلك يوجب الجزم بتكفير آدم، وذلك لا يقوله عاقل. فثبت بهذه الوجوه أن هذا القول فاسد ويجب على العاقل المسلم أن لا يلتفت إليه.
إذا عرفت هذا فنقول: في تأويل الآية وجوه صحيحة سليمة خالية عن هذه المفاسد.
التأويل الأول: ما ذكره القفال فقال: إنه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل وبيان أن هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك، وتقرير هذا الكلام كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنساناً يساويه في الإنسانية، فلما تغشى الزوج زوجته وظهر الحمل، دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولداً صالحاً سوياً لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك. فلما آتاهما الله ولداً صالحاً سوياً، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما، لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام.
ثم قال تعالى: { فَتَعَلَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزه الله عن ذلك الشرك، وهذا جواب في غاية الصحة والسداد.
التأويل الثاني: بأن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم آل قصي، والمراد من قوله: هو الذى خلقكم من نفس قصي وَجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوي جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف، وعبد العزى، وعبد قصي، وعبد اللات، وجعل الضمير في { يُشْرِكُونَ } لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك.
التأويل الثالث: أن نسلم أن هذه الآية وردت في شرح قصة آدم عليه السلام وعلى هذا التقدير ففي دفع هذا الإشكال وجوه:
الأول: أن المشركين كانوا يقولون إن آدم عليه السلام كان يعبد الأصنام، ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها، فذكر تعالى قصة آدم وحواء عليهما السلام، وحكى عنهما أنهما قالا: { لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صَلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولداً سوياً صالحاً لاشتغلوا بشكر تلك النعمة، ثم قال: { فَلَمَّا ءاتَهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء } فقوله: { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء } ورد بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتبعيد، والتقرير: فلما آتاهما صالحاً أجعلا له شركاء فيما آتاهما؟ ثم قال: { فَتَعَلَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون بالشرك وينسبونه إلى آدم عليه السلام، ونظيره أن ينعم رجل على رجل بوجوه كثيرة من الأنعام، ثم يقال لذلك المنعم: أن ذلك المنعم عليه يقصد ذمك وإيصال الشر إليك، فيقول ذلك المنعم: فعلت في حق فلان كذا وأحسنت إليه بكذا وكذا وأحسنت إليه بكذا وكذا، ثم إنه يقابلني بالشر والإساءة والبغي؟ على التبعيد فكذا ههنا.
الوجه الثاني: في الجواب أن نقول: أن هذه القصة من أولها إلى آخرها في حق آدم وحواء ولا إشكال في شيء من ألفاظها إلا قوله: { فَلَمَّا ءاتَهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتَهُمَا } فنقول: التقدير، فلما آتاهما ولداً صالحاً سوياً جعلا له شركاء أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذا فيما آتاهما، أي فيما آتى أولادهما ونظيره قوله:
{ وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ }[يوسف: 82] أي واسأل أهل القرية.
فإن قيل: فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله: { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء }.
قلنا: لأن ولده قسمان ذكر وأنثى فقوله: { جَعَلاَ } المراد منه الذكر والأنثى مرة عبر عنهما بلفظ التثنية لكونهما صنفين ونوعين، ومرة عبر عنهما بلفظ الجمع، وهو قوله تعالى: { فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.(7/67)
الوجه الثالث: في الجواب سلمنا أن الضمير في قوله: { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتَاهُمَا } عائد إلى آدم وحواء عليهما السلام، إلا أنه قيل: إنه تعالى لما آتاهما الولد الصالح عزما على أن يجعلاه وقفاً على خدمة الله وطاعته وعبوديته على الإطلاق. ثم بدا لهم في ذلك، فتارة كانوا ينتفعون به في مصالح الدنيا ومنافعها، وتارة كانوا يأمرونه بخدمة الله وطاعته. وهذا العمل وإن كان منا قربة وطاعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلهذا قال تعالى: { فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } والمراد من هذه الآية ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال حاكياً عن الله سبحانه: " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه " وعلى هذا التقدير: فالإشكال زائل.
الوجه الرابع: في التأويل أن نقول: سلمنا صحة تلك القصة المذكورة، إلا أنا نقول: إنهم سموا بعبد الحرث لأجل أنهم اعتقدوا أنه إنما سلم من الآفة والمرض بسبب دعاء ذلك الشخص المسمى بالحرث، وقد يسمى المنعم عليه عبداً للمنعم. يقال في المثل: أنا عبد من تعلمت منه حرفاً، ورأيت بعض الأفاضل كتب على عنوان: كتابة عبد وده فلان. قال الشاعر:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ..... ولا شيمة لي بعدها تشبه العبدا
فآدم وحواء عليهما السلام سميا ذلك الولد بعبد الحرث تنبيهاً على أنه إنما سلم من الآفات ببركة دعائه، وهذا لا يقدح في كونه عبد الله من جهة أنه مملوكه ومخلوقه، إلا أنا قد ذكرنا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلما حصل الاشتراك في لفظ العبد لا جرم صار آدم عليه السلام معاتباً في هذا العمل بسبب الاشتراك الحاصل في مجرد لفظ العبد، فهذا جملة ما نقوله في تأويل هذه الآية.
0000000
المسألة الثانية: في تفسير ألفاظ الآية وفيها مباحث:
البحث الأول:
قوله: { هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ } المشهور أنها نفس آدم
وقوله: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } المراد حواء. قالوا ومعنى كونها مخلوقة من نفس آدم، أنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم. قالوا: والحكمة فيه أن الجنس إلى الجنس أميل، والجنسية علة الضم، وأقول هذا الكلام مشكل لأنه تعالى لما كان قادراً على أن يخلق آدم ابتداء فما الذي حملنا على أن نقول أنه تعالى خلق حواء من جزء أجزاء آدم؟ ولم لا نقول: إنه تعالى خلق حواء أيضاً ابتداء؟ وأيضاً الذي يقدر على خلق إنسان من عظم واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء، وأيضاً الذي يقال: إن عدد أضلاع الجانب الأيسر أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن فيه مؤاخذة تنبي عن خلاف الحس والتشريح. بقي أن يقال: إذا لم نقل بذلك، فما المراد من كلمة { مِنْ } في قوله: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } فنقول: قد ذكرنا أن الإشارة إلى الشيء تارة تكون بحسب شخصه، وأخرى بحسب نوعه قال عليه الصلاة والسلام: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وليس المراد ذلك الفرد المعين بل المراد ذلك النوع. وقال عليه الصلاة والسلام: " في يوم عاشوراء هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون " والمراد خلق من النوع الإنساني زوجة آدم، والمقصود التنبيه على أنه تعالى جعل زوج آدم إنساناً مثله قوله: { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي جامعها، والغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشاها وتغشاها إذا علاها، وذلك لأنه إذا علاها فقد صار كالغاشية لها، ومثله يجللها، وهو يشبه التغطي واللبس. قال تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }
وقوله: { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } قالوا يريد النطفة والمني والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر، والحمل بكسر الحاء ما حمل على ظهر أو على الدابة.
وقوله: { فَمَرَّتْ بِهِ } أي استمرت بالماء والحمل على سبيل الخفة، والمراد أنها كانت تقوم وتقعد وتمشي من غير ثقل. قال صاحب «الكشاف»: وقرأ يحيى بن يعمر { فَمَرَّتْ بِهِ } بالتخفيف وقرأ غيره { فمارت به } من المرية.
كقوله:
{ أَفَتُمَارُونَهُ }[النجم: 12] وفي قراءة أخرى { أَفَتُمَرُونَهُ } معناه وقع في نفسها ظن الحمل وارتابت فيه { فَلَمَّا أَثْقَلَت } أي صارت إلى حال الثقل ودنت ولادتها { دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا } يعني آدم وحواء { لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صَالِحاً } أي ولداً سوياً مثلنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّكِرِينَ } لآلائك ونعمائك { فَلَمَّا ءاتَهُمَا } الله { صَلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتَهُمَا } والكلام في تفسيره قد مر بالاستقصاء قرأ ابن كثير وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وعاصم، في رواية حفص (عَنْهُ شُرَكَاء) بصيغة الجمع وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر (عَنْهُ) بكسر الشين وتنوين الكاف ومعناه جعلا له نظراء ذوي شرك وهم الشركاء، أو يقال معناه أحدثا لله إشراكاً في الولد ومن قرأ { شُرَكَاء } فحجته قوله:
{ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ } [الرعد:16](7/68)
أراد بالشركاء في هذه الآية إبليس لأن من أطاع إبليس فقد أطاع جميع الشياطين، هذا إذا حملنا هذه الآية على القصة المشهورة، أما إذا لم نقل به فلا حاجة إلى التأويل
==================
دعاء موسى على فرعون
وقال موسى: ربَّنا إنك آتيتَ فرعون وملأَهُ زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليُضِلّوا عن سبيلك. ربنا اطمس على أموالهم واشدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يَرَوُا العذاب الأليم. قال: قد أُجيبت دعوتُكما فاستقيما ولا تتَّبعانِ سبيل الذين لا يعلمون (آيتا 88 ، 89).
قال المفسرون: الطّمس إزالة أثر الشيء بالمحو، ومعنى اطمس على أموالهم أزل صورها وهيئاتها. وقال أكثر المفسرين: مسخها وغيَّرها عن هيئتها. قال ابن عباس: إن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقرشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً. وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بكيس فيه شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منه البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة (ابن كثير في تفسير يونس 10: 88).
قلنا لم يرد أن موسى دعا على فرعون وقومه بهذه الدعوة وأن الله استجاب له، وأنه أزال صور أموالهم أو أهلكها. بل قالت التوراة إن موسى وهارون طلبا من فرعون أن يأذن بخروج بني إسرائيل من مصر، فاستعمل المراوغة والمخاتلة، فضربه الله ليُظهر قدرته، وليوضّح للمصريين أن أصنامهم لا تفيدهم شيئاً. ولكن أموال المصريين التي طمس الله عليها تعمِّر متاحف العالم، وهي غير مطموسة
الرد
{ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة، وبشر المؤمنين }..
وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة النظامية. وهما معاً ضروريتان للأفراد والجماعات، وبخاصة قبيل المعارك والمشقات. ولقد يستهين قوم بهذه التعبئة الروحية، ولكن التجارب ما تزال إلى هذه اللحظة تنبئ بأن العقيدة هي السلاح الأول في المعركة، وأن الأداة الحربية في يد الجندي الخائر العقيدة لا تساوي شيئاً كثيراً في ساعة الشدة.
وهذه التجربة التي يعرضها الله على العصبة المؤمنة ليكون لها فيها أسوة، ليست خاصة ببني إسرائيل، فهي تجربة إيمانية خالصة. وقد يجد المؤمنون أنفسهم ذات يوم مطاردين في المجتمع الجاهلي، وقد عمت الفتنة وتجبر الطاغوت، وفسد الناس، وأنتنت البيئة - وكذلك كان الحال على عهد فرعون في هذه الفترة - وهنا يرشدهم الله إلى أمور:
* اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها - ما أمكن في ذلك - وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها.
* اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي؛ وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح؛ وتزاول بالعبادة ذاتها نوعاً من التنظيم في جو العبادة الطهور.
واتجه موسى - عليه السلام - إلى ربه، وقد يئس من فرعون وملئه أن يكون فيهم خير، وأن تكون قد بقيت فيهم بقية، وأن يرجى لهم صلاح.
اتجه إليه يدعو على فرعون وملئه، الذين يملكون المال والزينة، تضعف إزاءهما قلوب الكثيرين، فتنتهي إلى التهاوي أمام الجاه والمال، وإلى الضلال.. اتجه موسى إلى ربه يدعوه أن يدمر هذه الأموال، وأن يشد على قلوب أهلها فلا يؤمنوا إلا حيث لا ينفعهم إيمان. فاستجاب الله الدعاء:
{ وقال موسى: ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا. ربنا ليضلوا عن سبيلك. ربنا اطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال: قد أجيبت دعوتكما، فاستقيما، ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون }..
{ ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا }..
ينشأ عنها إضلال الناس عن سبيلك، إما بالإغراء الذي يحدثه مظهر النعمة في نفوس الآخرين. وإما بالقوة التي يمنحها المال لأصحابه فيجعلهم قادرين على إذلال الآخرين أو إغوائهم. ووجود النعمة في أيدي المفسدين لا شك يزعزع كثيراً من القلوب التي لا يبلغ من يقينها بالله أن تدرك أن هذه النعمة ابتلاء واختبار، وأنها كذلك ليست شيئاً ذا قيمة إلى جانب فضل الله في الدنيا والآخرة. وموسى يتحدث هنا عن الواقع المشهود في عامة الناس. ويطلب لوقف هذا الإضلال، ولتجريد القوة الباغية المضلة من وسائل البغي والإغراء، أن يطمس الله على هذه الأموال بتدميرها والذهاب بها، بحيث لا ينتفع بها أصحابها. أما دعاؤه بأن يشد الله على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، فهو دعاء من يئس من صلاح هذه القلوب، ومن أن يكون لها توبة أو إنابة. دعاء بأن يزيدها الله قسوة واستغلاقاً حتى يأتيهم العذاب، وعندئذ لن يقبل منهم الإيمان؛ لأن الإيمان عند حلول العذاب لا يقبل، ولا يدل على توبة حقيقية باختيار الإنسان.
{ قال: قد أجيبت دعوتكما }..
كتبت لها الإجابة وقضي الأمر.
{ فاستقيما }..
في طريقكما وعلى هداكما حتى يأتي الأجل:
{ ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون }..(7/69)
فيخبطوا على غير علم، ويترددوا في الخطط والتدبيرات، ويقلقوا على المصير، ولا يعرفوا إن كانوا يسيرون في الطريق الهادي أم هم ضلوا السبيل.
والمشهد التالي هو مشهد التنفيذ.
{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً، حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟! فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون }..
إنه الموقف الحاسم والمشهد الأخير في قصة التحدي والتكذيب. والسياق يعرضه مختصراً مجملاً، لأن الغرض من سياقة هذه الحلقة من القصة في هذه السورة هو بيان هذه الخاتمة. بيان رعاية الله وحمايته لأوليائه، وإنزال العذاب والهلاك بأعدائه، الذين يغفلون عن آياته الكونية وآياته مع رسله حتى تأخذهم الآية التي لا ينفع بعدها ندم ولا توبة.
سؤال واجب طرحه : هل من المعقول أن يذهب نبي إلى ملك مثل فرعون ويقول له أحضر معي بني اسرائيل لنخرج من مصر ... فينساق فرعون بجبروته للنبي دون أي مواجه حقيقية ؟
واضح إن النصارى يعيشون في وهم كبير
===============
هل هناك تكرار بين الآيتين 48 و 123
سورة البقرة 48
وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
قوله تعالى : { وَاتَّقُواْ يَوْماً } يذكرهم بهذا اليوم . وهو اليوم الذي لا ينفع الإنسان إلا عمله . ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم ان يجعلوا بينهم وبين صفات الجلال لله تعالى في ذلك اليوم وقاية .
إن هناك آية أخرى تقول :
البقرة 123
وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
وهذه الآية وردت مرتين ، وصدر الآيتين متفق . ولكن الآية الأولى تقول :
{ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }... البقرة 48
والآية الثانية :
{ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ... البقرة 123
هل هذا تكرار؟ نقول : لا
فالمسألة تحتاج لعقول واعية للفهم . فالآيتان متفقتان في مطلعهما : في قوله تعالى :
{ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً }
ولكن الآية الأولى قدم الشفاعة وقال : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ }
وفي الآية الثانية أخر الشفاعة وقال : { وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ }
ففي الآية الأولى الشفاعة مقدمة ..... والعدل متأخر
وفي الآية الثانية العدل متقدم .... والشفاعة متأخرة
والمقصود بقوله تعالى : { وَاتَّقُواْ يَوْماً } هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالى :
{ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } الأنفطار 19
وقوله تعالى : (لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) كم نفساً هنا ؟ إنهما اثنان . نفس عن نفس
هناك نفس أولى ونفس ثانية .
فما هي النفس الأولى ؟
النفس الأولى هي الجازية .
وما هي النفس الثانية ؟
النفس الثانية هي المجزي عنها
ومادام هناك نفسان فقوله تعالى : (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) هل من النفس الأولى أم الثانية ؟
اذا نظرت إلى المعنى فالمعنى انه سيأتي انسان صالح في يوم القيامة ويقول يارب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي حق فلان . النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول ان تتحمل عن النفس المجزي عنها .
ولكي نقرب المعنى ولله المثل الأعلى نفترض ان حاكما غضب على احد من الناس وقرر ان ينتقم منه ابشع انتقام . يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول ان يجزي عن المغضوب عليه . فبما لهذا الرجل منزلة عند الحاكم يحاول ان يشفع للطرف الثالث . وفي هذه الحالة اما ان يقبل شفاعته أو لا يقبل . فاذا لم يقبل شفاعته فانه سيقول للحاكم انا سأسدد ما عليه ... أي سيدفع عنه فدية ، ولا يتم ذلك إلا إذا فسدت الشفاعة .
فغذا كانت المسألة في يوم القيمامة ومع الله سبحانه وتعالى .. يأتي انسان صالح ليشفع عند الله تبارك وتعالى لانسان أسرف على نفسه .. فلابد ان يكون هذا الانسان المشفع من الصالحين حتى تقبل شفاعته عند الحق جل جلاله . واقرأ قوله سبحانه : { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } البقرة 255
وقوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ .... الأنبياء 28 } .
والإنسان الصالح يحاول ان يشفع لم أسرف على نفسه فلا تقبل شفاعته ولا يؤخذ منه عدل ولا يسمح لها بأي مساومة أخرى . إذن لا يتكلم عن العدل في الجزاء إلا اذا فشلت الشفاعة(7/70)
هنا الضمير يعود إلى النفس الجازية . أي التي تتقدم للشفاعة عند الله . فيقول الحق سبحانه وتعالى :
{ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } فلا يقبل منها أي مساومة أخرى . ويقول سبحانه : وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ... وهذا ترتيب طبيعي للأحداث .
ــ في الآية الثانية : يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل ان تستشفع بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها . لابد ان تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب . فيضطر ان يذهب لغيره . وفي هذا اعتراف بعجزه . فيقول يارب ماذا أفعل حتى اكفر عن ذنوبي فلا يقبل منه . فيذهب إلى من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم .
واذا أردنا ان نضرب لذلك مثلاً من القرآن فاقرأ قول الحق تبارك وتعالى :
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ... السجدة 12 }
هؤلاء هم الذين يطلبون العدل من الله . بأن يعيدهم إلى الدنيا ليكفروا عن سيئاتهم . ويعملوا عملاً صالحاً ينجيهم من العذاب . ذلك ان الحسنات يذهبن السيئات .
فماذا كان رد الحق سبحانه وتعالى عليهم . قال جل جلاله :
{ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ... السجدة 14 }
فهم عرضوا ان يكفروا عن سيئاتهم . بان طلبوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً . فلم يقبل الله سبحانه وتعالى منهم هذا العرض . اقرأ قوله تبارك وتعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ... الأعراف 53 }
لقد طلب هؤلاء الشفاعة أولاً ولم تقبل . فدخلوا في حد آخر وهو العدل فلم يؤخذ مصداقاً لقوله تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ .. (1)} .
والآية الثانية : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ ... (2)} .. أي ان الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها . فهي تقدم العدل أولاً : (( ارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا )) فلا يقبل منها ، فتبحث عن شفعاء فلا تجد ولا تنفعها شفاعة
================
استغفار إبراهيم لأبيه
وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلاّ عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه.فلمّا تبيَّن له أنه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. إن إبراهيم لَأََّواهٌ حليم (آية 114).
قال علي ابن أبي طالب: لما أنزل الله خبراً عن إبراهيم أنه قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، سمعت رجلاً يستغفر لوالديه. فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أَوَلم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيتُ محمداً فذكرتُ ذلك له، فأنزل الله: قد كانت لكم أُسْوَةٌ حسنةٌ في إبراهيم...إلاّ قَوْلُ إبراهيمَ لأبيه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لك (الممتحنة 60: 4).
قال البخاري: رُوي عن أبي هريرة أن محمداً قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغيرة، فيقول إبراهيم: ألم أقُل لك لا تعْصَني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يارب إنك قد وعدتني أن لا تخزيني يوم يُبعَثون، فأيُّ خزيٍ أخزى من أبي؟ فيقول الله تبارك وتعالى: إني حرَّمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو ذيخٌ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيُلقى في النار (القترة غبرة يعلوها سواد والذيخ، هو ذَكَر الضباع والأنثى ذيخة). (الطبري في تفسير التوبة 9: 114).
قلنا: (1) حاشا لإبراهيم مما نُسب إليه من أنه وعد أباه أن يستغفر الله له، فإنه يعرف أنه لا تنفع بعد الموت شفاعة. ولما رأى محمد أن الاستغفار بعد الموت يكون موجباً لتمادي المشرك على إشراكه، تلافى الأمر وقال: اقتدوا بإبراهيم في كل شيء، ما عدا مسألة الاستغفار. مع أنه لم يقع من إبراهيم شيء من ذلك.
(2) لم يكن أبو إبراهيم مشركاً، بل أذعن لأمر الله وترك وطنه وعشيرته مع ابنه إبراهيم ولوط ابن أخيه امتثالاً لأمر الله، وفارقوا أهل وطنهم لانغماسهم في الشر والرذائل
الرد
تقول الشبهة
قلنا: (1) حاشا لإبراهيم مما نُسب إليه من أنه وعد أباه أن يستغفر الله له، فإنه يعرف أنه لا تنفع بعد الموت شفاعة. ولما رأى محمد أن الاستغفار بعد الموت يكون موجباً لتمادي المشرك على إشراكه، تلافى الأمر وقال: اقتدوا بإبراهيم في كل شيء، ما عدا مسألة الاستغفار. مع أنه لم يقع من إبراهيم شيء من ذلك.
الرد(7/71)
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان يعني ابن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن أراه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"
سفر ملوك واحد
8: 50 و اغفر لشعبك ما اخطاوا به اليك و جميع ذنوبهم التي اذنبوا بها اليك و اعطهم رحمة امام الذين سبوهم فيرحموهم
هل طلب المغفرة هذا للأحياء أم الأموات أم الأثنين معاً ؟ وهل شعب الله الأحياء فقط أم الأموات ؟ أم الأحياء والموات منهم ؟
والسؤال المهم : لماذا يصلى المسيحيين بالكنيسة على الميت وقبل دفنه إن كان لا تنفع بعد الموت شفاعة ؟
00000000
أما قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه:
الأول: أن المقصود منه أن لا يتوهم إنسان أنه تعالى منع محمداً من بعض ما أذن لإبراهيم فيه.
والثاني: أن يقال إنا ذكرنا في سبب اتصال هذه الآية بما قبلها المبالغة في إيجاب الانقطاع عن الكفار أحيائهم وأمواتهم. ثم بين تعالى أن هذا الحكم غير مختص بدين محمد عليه الصلاة والسلام، بل المبالغة في تقرير وجوب الانقطاع كانت مشروعة أيضاً في دين إبراهيم عليه السلام، فتكون المبالغة في تقرير وجوب المقاطعة والمباينة من الكفار أقوى.
الثالث: أنه تعالى وصف إبراهيم عليه السلام في هذه الآية بكونه حليماً أي قليل الغضب، وبكونه أواها أي كثير التوجع والتفجع عند نزول المضار بالناس، والمقصود أن من كان موصوفاً بهذه الصفات كان ميل قلبه إلى الاستغفار لأبيه شديداً، فكأنه قيل: إن إبراهيم مع جلالة قدره ومع كونه موصوفاً بالأواهية والحليمية منعه الله تعالى من الاستغفار لأبيه الكافر، فلأن يكون غيره ممنوعاً من هذا المعنى كان أولى.
المسألة الثانية: دل القرآن على أن إبراهيم عليه السلام استغفر لأبيه. قال تعالى حكاية عنه
{ وَاغْفِرْ لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالّينَ }[الشعراء: 86]
وأيضاً قال عنه:
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ }[إبراهيم: 41]
وقال تعالى حكاية عنه في سورة مريم قال:
{ سَلَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي }[مريم: 47]
وقال أيضاً:
{ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ }[الممتحنة: 4]
وثبت أن الاستغفار للكافر لا يجوز. فهذا يدل على صدور هذا الذنب من إبراهيم عليه السلام.
واعلم أنه تعالى أجاب عن هذا الإشكال بقوله:
{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ }[التوبة: 114]
وفيه قولان:
الأول: أن يكون الواعد أبا إبراهيم عليه السلام، والمعنى: أن أباه وعده أن يؤمن، فكان إبراهيم عليه السلام يستغفر لأجل أن يحصل هذا المعنى، فلما تبين له أنه لا يؤمن وأنه عدو لله تبرأ منه، وترك ذلك الاستغفار.
الثاني: أن يكون الواعد إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } والدليل على صحة هذا التأويل قراءة الحسن { وَعَدَهَا أَبَاهُ } بالباء، ومن الناس من ذكر في الجواب وجهين آخرين.
الوجه الأول: المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه له إلى الإيمان والإسلام، وكان يقول له آمن حتى تتخلص من العقاب وتفوز بالغفران، وكان يتضرع إلى الله في أن يرزقه الإيمان الذي يوجب المغفرة، فهذا هو الاستغفار، فلما أخبره الله تعالى بأنه يموت مصراً على الكفر ترك تلك الدعوة.
والوجه الثاني: في الجواب أن من الناس من حمل قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 113] على صلاة الجنازة، وبهذا الطريق فلا امتناع في الاستغفار للكافر لكون الفائدة في ذلك الاستغفار تخفيف العقاب. قالوا: والدليل على أن المراد ما ذكرناه، أنه تعالى منع من الصلاة على المنافقين، وهو قوله:
{ وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً }[التوبة: 84]
وفي هذه الآية عم هذا الحكم، ومنه من الصلاة على المشركين، سواء كان منافقاً أو كان مظهراً لذلك الشرك وهذا قول غريب.
المسألة الثالثة: اختلفوا في السبب الذي به تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله. فقال بعضهم: بالإصرار والموت. وقال بعضهم: بالإصرار وحده. وقال آخرون: لا يبعد أن الله تعالى عرفه ذلك بالوحي، وعند ذلك تبرأ منه. فكان تعالى يقول: لما تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله تبرأ منه، فكونوا كذلك، لأني أمرتكم بمتابعة إبراهيم في قوله:
{ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ }[النساء: 125].
واعلم أنه تعالى لما ذكر حال إبراهيم في هذه الواقعة. قال: { إِنَّ إِبْراهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114](7/72)
واعلم أن اشتقاق الأواه من قول الرجل عند شدة حزنه أوه، والسبب فيه أن عند الحزن يختنق الروح القلبي في داخل القلب ويشتد حرقه، فالإنسان يخرج ذلك النفس المحترق من القلب ليخفف بعض ما به هذا هو الأصل في اشتقاق هذا اللفظ، وللمفسرين فيه عبارات، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأواه: الخاشع المتضرع " وعن عمر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأواه، فقال: " الدعاء " ويروى أن زينب تكلمت عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما يغير لونه، فأنكر عمر، فقال عليه الصلاة والسلام: " دعها فإنها أواهة " قيل يا رسول الله وما الأواهة؟ قال: " الداعية الخاشعة المتضرعة "
وقيل: معنى كون إبراهيم عليه السلام أواها، كلما ذكر لنفسه تقصيراً أو ذكر له شيء من شدائد الآخرة كان يتأوه إشفاقاً من ذلك واستعظاماً له.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الأواه، المؤمن بالخشية. وأما وصفه بأنه حليم فهو معلوم.
واعلم أنه تعالى إنما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام، لأنه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كذلك فإنه تعظم رقته على أبيه وأولاده، فبين تعالى أنه مع هذه العادة تبرأ من أبيه وغلظ قلبه عليه، لما ظهر له إصراره على الكفر، فأنتم بهذا المعنى أولى، وكذلك وصفه أيضاً بأنه حليم، لأن أحد أسباب الحلم رقة القلب، وشدة العطف لأن المرء إذا كان حاله هكذا اشتد حلمه عند الغضب
==================
ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى
رُوي إنه جيء لمحمد بسبعين أسيراً، فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل، فاستشار فيهم أصحابه فقال له أبو بكر: دعهم. وأشار عليه عمر بقتلهم. فأخذ برأي أبي بكر. ولما رأى أن هذا الرأي ليس في صالحه، قال إن الله أنزل عليه هذه الآية (راجع أسباب نزول هذه الآية للواحدي والسيوطي
الرد
{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً، واتقوا الله، إن الله غفور رحيم }.
{ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى، إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم. وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم، والله عليم حكيم }..
قال ابن إسحاق - وهو يقص أخبار الغزوة -: " فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوشحاً السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي، في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم! " قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال!
وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم - قال: لما كان يومئذ التقوا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر منهم سبعون رجلاً، واستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر وعلياً.
فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لناعضداً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال قلت: والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكني أرى أن تمكني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل (ابن أبي طالب) فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم!.. فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء.. فلما كان من الغد - قال عمر - فغدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وهما يبكيان. فقلت: ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة " - لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله: { فلكوا مما غنمتم حلالاً طيباً } فأحل لهم الغنائم... ورواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن مردويه من طرق عن عكرمة بن عمار اليماني.(7/73)
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن هاشم، عن حميد، عن أنس - رضي الله عنه - قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر، فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم " فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس " فقام عمر فقال: يا رسول الله، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلى لله عليه وسلم، فقال للناس مثل ذلك. فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول الله - صلى لله عليه وسلم - ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء. قال: وأنزل الله عز وجل: { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم }..
وقال الأعمش، عن عمر بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى لله عليه وسلم -:
" ما تقولون في الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم.. وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم.. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت في واد كثير الحطب. فأضرم الوادي عليهم ناراً ثم ألقهم فيه! فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم شيئاً. ثم قام فدخل. فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله - صلى لله عليه وسلم - فقال: " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال: { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام: قال: { إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }. وإن مثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام قال: { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }. وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام قال: { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً }. أنتم عالة فلا ينفكن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق " قال ابن مسعود: قلت: يا رسول الله، إلا سهيل ابن بيضاء فإنه يذكر الإسلام! فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ حجارة من السماء مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " إلا سهيل بن بيضاء " فأنزل الله عز وجل: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض... } إلى آخر الآية... (رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي معاوية عن الأعمش به، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
والإثخان المقصود: التقتيل حتى تضعف شوكة المشركين وتشتد شوكة المسلمين، وهذا ما كان ينبغي قبل أن يكون للنبي والمسلمين أسرى يستبقونهم ويطلقونهم بالفدية كما حدث في بدر. فعاتب الله المسلمين فيه.
لقد كانت غزوة بدر هي المعركة الأولى بين المسلمين والمشركين. وكان المسلمون ما يزالون قلة والمشركون ما يزالون كثرة. وكان نقص عدد المحاربين من المشركين مما يكسر شوكتهم ويذل كبرياءهم ويعجزهم عن معاودة الكرة على المسلمين. وكان هذا هدفاً كبيراً لا يعدله المال الذي يأخذونه مهما يكونوا فقراء.
وكان هنالك معنى آخر يراد تقريره في النفوس وتثبيته في القلوب.
. ذلك هو المعنى الكبير الذي عبر عنه عمر رضي الله عنه في صرامة ونصاعة وهو يقول: " وحتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين "..
لهذين السببين البارزين نحسب - والله أعلم - أن الله - سبحانه - كره للمسلمين أن يأخذوا الأسرى يوم بدر وأن يفادوهم بمال. ولهذه الظروف الواقعية التي كان يواجهها النص - وهو يواجهها كلما تكررت هذه الظروف - قال الله تعالى:
{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }..
ولذلك عرّض القرآن بالمسلمين الذين قبلوا الفداء في أسرى المعركة الأولى:
{ تريدون عرض الدنيا }..
أي: فأخذتموهم أسرى بدل أن تقتلوهم؛ وقبلتم فيهم الفداء وأطلقتموهم!
{ والله يريد الآخرة }..
والمسلمون عليهم أن يريدوا ما يريد الله، فهو خير وأبقى، والآخرة تقتضي التجرد من إرادة عرض الدنيا!
{ والله عزيز حكيم }..
قدر لكم النصر، وأقدركم عليه، لحكمة يريدها من قطع دابر الكافرين
{ ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون }
{ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم }..
ولقد سبق قضاء الله بأن يغفر لأهل بدر ما يفعلون؛ فوقاهم سبق قضائه فيهم ما كان يستحقه أخذهم الفداء من العذاب العظيم!(7/74)
ثم زادهم الله فضلاً ومنة؛ فجعل غنائم الحرب حلالاً لهم - ومنها هذه الفدية التي عوتبوا فيها - وكانت محرمة في الديانات قبلهم على أتباع الرسل - مذكراً إياهم بتقوى الله، وهو يذكر لهم رحمته ومغفرته، لتتوازن مشاعرهم تجاه ربهم، فلا تغرهم المغفرة والرحمة، ولا تنسيهم التقوى والتحرج والمخافة:
{ فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً، واتقوا الله، إن الله غفور رحيم
================
تفسير الرازي - (ج 7 / ص 435)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
واعلم أن المقصود من هذه الآية تعليم حكم آخر من أحكام الغزو والجهاد في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو عمر { وَتَكُونُ } بالتاء والباقون بالياء ، أما قراءة أبي عمرو بالتاء فعلى لفظ الأسرى ، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير للرجال فهو مؤنث اللفظ ، وأما القراءة بالياء فلأن الفعل متقدم ، والأسرى مذكرون في المعنى ، وقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل وكل واحد من هذه الثلاثة إذا انفرد أوجب تذكير الفعل كقولك جاء الرجال وحضر قبيلتك وحضر القاضي امرأة . فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان التذكير أولى . وقال صاحب «الكشاف» : قرىء للنبي صلى الله عليه وسلم على التعريف و { أسارى } و { يُثْخِنَ } بالتشديد .
المسألة الثانية : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل بن أبي طالب فاستشار أبا بكر فيهم فقال : قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك ، فقام عمر وقال : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم . فإن هؤلاء أئمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء . فمكن علياً من عقيل وحمزة من العباس ومكني من فلان ينسب له فنضرب أعناقهم . فقال عليه الصلاة والسلام : " إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال { فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] ومثل عيسى في قوله : { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } [ المائدة : 118 ] ومثلك يا عمر مثل نوح { وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ تَذَرْ عَلَى الارض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] ومثل موسى حيث قال : { رَبَّنَا اطمس على أموالهم واشدد على قُلُوبِهِمْ } [ يونس : 88 ] " ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قول أبي بكر . روي أنه قال لعمر يا أبا حفص وذلك أول ما كناه ، تأمرني أن أقتل العباس ، فجعل عمر يقول : ويل لعمر ثكلته أمه ، وروي أن عبد الله بن رواحة أشار بأن تضرم عليهم نار كثيرة الحطب فقال له العباس قطعت رحمك . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا تخرجوا أحداً منهم إلا بفداء أو بضرب العنق فقال ابن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء ، فإني سمعته يذكر الإسلام . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد خوفي . ثم قال من بعد : «إلا سهيل بن بيضاء» وعن عبيدة السلماني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقوم : إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم "
فقالوا : بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد . وكان فداء الأسارى عشرين أوقية وفداء العباس أربعين أوقية ، وعن محمد بن سيرين كان فداؤهم مائة أوقية والأوقية أربعون درهماً أو ستة دنانير . وروي أنهم أخذوا الفداء نزلت هذه الآية فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت ، فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه ولو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ . هذا هو الكلام في سبب نزول هذه الآية .
المسألة الثالثة : تمسك الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } صريح في أن هذا المعنى منهي عنه ، وممنوع من قبل الله تعالى . ثم إن هذا المعنى قد حصل ، ويدل عليه وجهان : الأول : قوله تعالى بعد هذه الآية : { رَّحِيمٌ ياأيها النبى قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاسرى } [ الأنفال : 70 ] الثاني : أن الرواية التي ذكرناها قد دلت على أنه عليه الصلاة والسلام ما قتل أولئك الكفار ، بل أسرهم ، فكان الذنب لازماً من هذا الوجه .(7/75)
الوجه الثاني : أنه تعالى أمر النبي عليه الصلاة والسلام وجميع قومه يوم بدر بقتل الكفار وهو قوله : { فاضربوا فَوْقَ الاعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [ الأنفال : 12 ] وظاهر الأمر للوجوب ، فلما لم يقتلوا بل أسروا كان الأسر معصية .
الوجه الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء ، وكان أخذ الفداء معصية ، ويدل عليه وجهان : الأول : قوله تعالى : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الاخرة } وأجمع المفسرون على أن المراد من عرض الدنيا ههنا هو أخذ الفداء . والثاني : قوله تعالى : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وأجمعوا على أن المراد بقوله : { أَخَذْتُمْ } ذلك الفداء .
الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بكيا ، وصرح الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إنما بكى لأجل أنه حكم بأخذ الفداء ، وذلك يدل على أنه ذنب .
الوجه الخامس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العذاب قرب نزوله ولو نزل لما نجا منه إلا عمر » وذلك يدل على الذنب ، فهذه جملة وجوه تمسك القوم بهذه الآية .
والجواب عن الوجه الذي ذكروه أولاً : أن قوله : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الارض } يدل على أنه كان الأسر مشروعاً ، ولكن بشرط سبق الأثخان في الأرض ، والمراد بالإثخان هو القتل والتخويف الشديد ، ولا شك أن الصحابة قتلوا يوم بدر خلقاً عظيماً ، وليس من شرط الأثخان في الأرض قتل جميع الناس . ثم إنهم بعد القتل الكثير أسروا جماعة ، والآية تدل على أن بعد الإثخان يجوز الأسر فصارت هذه الآية دالة دلالة بينة على أن ذلك الأسر كان جائزاً بحكم هذه الآية ، فكيف يمكن التمسك بهذه الآية في أن ذلك الأسر كان ذنباً ومعصية؟ ويتأكد هذا الكلام بقوله تعالى :{ حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } [ محمد : 4 ] .
فإن قالوا : فعلى ما شرحتموه دلت الآية على أن ذلك الأسر كان جائزاً والإتيان بالجائز المشروع لا يليق ترتيب لعقاب عليه ، فلم ذكر الله بعده ما يدل على العقاب؟ فنقول : الوجه فيه أن الإثخان في الأرض ليس مضبوطاً بضابط معلوم معين ، بل المقصود منه إكثار القتل بحيث يوجب وقوع الرعب في قلوب الكافرين ، وأن لا يجترئوا على محاربة المؤمنين ، وبلوغ القتل إلى هذا الحد المعين لا شك أنه يكون مفوضاً إلى الاجتهاد ، فلعله غلب على ظن الرسول عليه الصلاة والسلام أن ذلك القدر من القتل الذي تقدم كفى في حصول هذا المقصود ، مع أنه ما كان الأمر كذلك فكان هذا خطأ واقعاً في الاجتهاد في صورة ليس فيها نص ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين . فحسن ترتيب العقاب على ذكر هذا الكلام لهذا السبب ، مع أن ذلك لا يكون البتة ذنباً ولا معصية .
والجواب عن الوجه الذي ذكروه ثانياً أن نقول : إن ظاهر قوله تعالى : { فاضربوا فَوْقَ الاعناق } أن هذا الخطاب إنما كان مع الصحابة لإجماع المسلمين على أنه عليه الصلاة والسلام ما كان مأموراً أن يباشر قتل الكفار بنفسه ، وإذا كان هذا الخطاب مختصاً بالصحابة ، فهم لما تركوا القتل وأقدموا على الأسر ، كان الذنب صادراً منهم لا من الرسول صلى الله عليه وسلم . ونقل أن الصحابة لما هزموا الكفار وقتلوا منهم جمعاً عظيماً والكفار فروا ذهب الصحابة خلفهم وتباعدوا عن الرسول وأسروا أولئك الأقوام ، ولم يعلم الرسول بإقدامهم على الأسر إلا بعد رجوع الصحابة إلى حضرته ، وهو عليه السلام ما أسر وما أمر بالأسر ، فزال هذا السؤال .
فإن قالوا : هب أن الأمر كذلك ، لكنهم لما حملوا الأسارى إلى حضرته فلم لم يأمر بقتلهم امتثالاً لقوله تعالى : { فاضربوا فَوْقَ الاعناق } .
قلنا : إن قوله : { فاضربوا } تكليف مختص بحالة الحرب عند اشتغال الكفار بالحرب ، فأما بعد انقضاء الحرب فهذا التكليف ما كان متناولاً له . والدليل القاطع عليه أنه عليه الصلاة والسلام استشار الصحابة في أنه بماذا يعاملهم؟ ولو كان ذلك النص متناولاً لتلك الحالة ، لكان مع قيام النص القاطع تاركاً لحكمه وطالباً ذلك الحكم من مشاورة الصحابة ، وذلك محال ، وأيضاً فقوله : { فاضربوا فَوْقَ الاعناق } أمر ، والأمر لا يفيد إلا المرة الواحدة ، وثبت بالإجماع أن هذا المعنى كان واجباً حال المحاربة فوجب أن يبقى عديم الدلالة على ما وراء وقت المحاربة ، وهذا الجواب شاف .
والجواب عما ذكروه ثالثاً ، وهو قولهم : إنه عليه الصلاة والسلام حكم بأخذ الفداء ، وأخذ الفداء محرم . فنقول : لا نسلم أن أخذ الفداء محرم .(7/76)
وأما قوله : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الاخرة } فنقول هذا لا يدل على قولكم ، وبيانه من وجهين : الأول : أن المراد من هذه الآية حصول العتاب على الأسر لغرض أخذ الفداء ، وذلك لا يدل على أن أخذ الفداء محرم مطلقاً . الثاني : أن أبا بكر رضي الله عنه قال الأولى : أن نأخذ الفداء لتقوى العسكر به على الجهاد ، وذلك يدل على أنهم إنما طلبوا ذلك الفداء للتقوى به على الدين ، وهذه الآية تدل على ذم من طلب الفداء لمحض عرض الدنيا ولا تعلق لأحد البابين بالثاني . وهذان الجوابان بعينهما هما الجوابان عن تمسكهم بقوله تعالى : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
والجواب عما ذكروه رابعاً : أن بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف أمر الله في القتل ، واشتغل بالأسر استوجب العذاب ، فبكى الرسول عليه الصلاة والسلام خوفاً من نزول العذاب عليهم ، ويحتمل أيضاً ما ذكرناه أنه عليه الصلاة والسلام اجتهد في أن القتل الذي حصل هل بلغ مبلغ الإثخان الذي أمره الله به في قوله : { حتى يُثْخِنَ فِي الارض } ووقع الخطأ في ذلك الاجتهاد ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين ، فأقدم على البكاء لأجل هذا المعنى .
والجواب عما ذكروه خامساً : أن ذلك العذاب إنما نزل بسبب أن أولئك الأقوام خالفوا أمر الله بالقتل ، وأقدموا على الأسر حال ما وجب عليهم الاشتغال بالقتل ، فهذا تمام الكلام في هذه المسألة . والله أعلم .
المسألة الرابعة : في شرح الألفاظ المشكلة في هذه الآية .
أما قوله : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن تَكُونَ لَهُ أسرى } فلقائل أن يقول : كيف حسن إدخال لفظة كان على لفظة تكون في هذه الآية .
والجواب : قوله { مَا كَانَ } معناه النفي والتنزيه ، أي ما يجب وما ينبغي أن يكون له المعنى المذكور ونظيره ما كان لله أن يتخذ من ولد قال أبو عبيدة . يقول : لم يكن لنبي ذلك ، فلا يكون لك ، وأما من قرأ { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ } فمعناه : أن هذا الحكم ما كان ينبغي حصوله لهذا النبي ، وهو محمد عليه الصلاة والسلام . قال الزجاج : { أسرى } جمع ، و { أسارى } جمع الجمع . قال ولا أعلم أحداً قرأ { أسارى } وهي جائزة كما نقلنا عن صاحب «الكشاف» : أنه نقل أن بعضهم قرأ به وقوله : { حتى يُثْخِنَ فِي الارض } فيه بحثان :البحث الأول : قال الواحدي : الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته ، يقال : قد أثخنه المرض إذا اشتد قوة المرض عليه ، وكذلك أثخنه الجراح ، والثخانة الغلظة فكل شيء غليظ ، فهو ثخين . فقوله : { حتى يُثْخِنَ فِي الارض } معناه حتى يقوى ويشتد ويغلب ويبالغ ويقهر ، ثم إن كثيراً من المفسرين . قالوا المراد منه : أن يبالغ في قتل أعدائه . قالوا وإنما حملنا اللفظ عليه لأن الملك والدولة إنما تقوى وتشتد بالقتل . قال الشاعر :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
ولأن كثرة القتل توجب قوة الرعب وشدة المهابة ، وذلك يمنع من الجراءة ، ومن الإقدام على ما لا ينبغي ، فلهذا السبب أمر الله تعالى بذلك .
البحث الثاني : أن كلمة { حتى } لانتهاء الغاية . فقوله : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الارض } يدل على أن بعد حصول الإثخان في الأرض له أن يقدم على الأسر .
أما قوله : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا } فالمراد الفداء ، وإنما سمى منافع الدنيا ومتاعها عرضاً ، لأنه لا ثبات له ولا دوام ، فكأنه يعرض ثم يزول ، ولذلك سمى المتكلمون الأعراض أعراضاً ، لأنه لا ثبات لها كثبات الأجسام لأنها تطرأ على الأجسام ، وتزول عنها مع كون الأجسام باقية ، ثم قال : { والله يُرِيدُ الاخرة } يعني أنه تعالى لا يريد ما يفضي إلى السعادات الدنيوية التي تعرض وتزول وإنما يريد ما يفضي إلى السعادات الأخروية الباقية الدائمة المصونة عن التبديل والزوال . واحتج الجبائي والقاضي بهذه الآية على فساد قول من يقول : لا كائن من العبد إلا والله يريده لأن هذا الأسر وقع منهم على هذا الوجه ، ونص الله على أنه لا يريده بل يريد منهم ما يؤدي إلى ثواب الآخرة وهو الطاعة دون ما يكون فيه عصيان .
وأجاب أهل السنة عنه بأن قالوا : إنه تعالى ما أراد أن يكون هذا الأسر منهم طاعة ، وعملاً جائزاً مأذوناً . ولا يلزم من نفي إرادة كون هذا الأسر طاعة ، نفي كونه مراد الوجود ، وأما الحكماء فإنهم يقولون الشيء مراد بالعرض مكروه بالذات .(7/77)
ثم قال : { والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ } والمراد أنكم إن طلبتم الآخرة لم يغلبكم عدوكم لأن الله عزيز لا يقهر ولا يغلب حكيم في تدبير مصالح العالم . قال ابن عباس : هذا الحكم إنما كان يوم بدر ، لأن المسلمين كانوا قليلين ، فلما كثروا وقوي سلطانهم أنزل الله بعد ذلك في الأسارى { حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا } [ محمد : 4 ] وأقول إن هذا الكلام يوهم أن قوله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } يزيد على حكم الآية التي نحن في تفسيرها ، وليس الأمر كذلك لأن كلتا الآيتين متوافقتان ، فإن كلتاهما يدلان على أنه لا بد من تقديم الإثخان ، ثم بعده أخذ الفداء .
ثم قال تعالى : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
واعلم أنه كثر أقاويل الناس في تفسير هذا الكتاب السابق . ونحن نذكرها ونذكر ما فيها من المباحث :
فالقول الأول : وهو قول سعيد بن جبير وقتادة لولا كتاب من الله سبق يا محمد بحل الغنائم لك ولأمتك ، لمسكم العذاب . وهو مشكل لأن تحليل الغنائم والفداء هل كان حاصلاً في ذلك الوقت ، أو ما كان حاصلاً في ذلك الوقت؟ فإن كان التحليل والإذن حاصلاً في ذلك الوقت امتنع إنزال العذاب عليهم ، لأن ما كان مأذوناً فيه من قبل لم يحصل العقاب على فعله ، وإن قلنا : إن الإذن ما كان حاصلاً في ذلك الوقت كان ذلك الفعل حراماً في ذلك الوقت أقصى ما في الباب أنه كان في علم الله أنه سيحكم بحله بعد ذلك إلا أن هذا لا يقدح في كونه حراماً في ذلك الوقت .
فإن قالوا : إن كونه بحيث سيصير حلالاً بعد ذلك يوجب تخفيف العقاب .
قلنا : فإذا كان الأمر كذلك امتنع إنزال العقاب بسببه ، وذلك يمنع من التخويف بسبب ذلك العقاب .
القول الثاني : قال محمد بن إسحاق : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } إني لا أعذب إلا بعد النهي لعذبتكم فيما صنعتم ، وأنه تعالى ما نهاهم عن أخذ الفداء ، وهذا أيضاً ضعيف لأنا نقول حاصل هذا القول أنه ما وجد دليل شرعي يوجب حرمة ذلك الفداء ، فهل حصل دليل عقلي يقتضي حرمته أم لا؟ فإن قلنا حصل ، فيكون الله تعالى قد بين تحريمه بواسطة ذلك الدليل العقلي ، ولا يمكن أن يقال إنه تعالى لم يبين تلك الحرمة ، وإن قلنا : إنه ليس في العقل ولا في الشرع ما يقتضي المنع ، فحينئذ امتنع أن يكون المنع حاصلاً ، وإلا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق ، وإذا لم يكن المنع حاصلاً كان الإذن حاصلاً ، وإذا كان الإذن حاصلاً ، فكيف يمكن ترتيب العقاب على فعله؟
القول الثالث : قال قوم قد سبق حكم الله بأنه لا يعذب أحداً ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أيضاً مشكل لأنه يقتضي أن يقال : إنهم ما منعوا عن الكفر والمعاصي والزنا والخمر وما هددوا بترتيب العقاب على هذه القبائح ، وذلك يوجب سقوط التكاليف عنهم ولا يقوله عاقل . وأيضاً فلو صار كذلك ، فكيف آخذهم الله تعالى في ذلك الموضع بعينه في تلك الواقعة بعينها ، وكيف وجه عليهم هذا العقاب القوي؟
والقول الرابع : لولا كتاب من الله سبق في أن من أتى ذنباً بجهالة ، فإنه لا يؤاخذه به لمسهم العذاب ، وهذا من جنس ما سبق .
واعلم أن الناس قد أكثروا فيه ، والمعتمد في هذا الباب أن نقول : أما على قولنا : فنقول : يجوز أن يعفو الله عن الكبائر . فقوله : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } معناه لولا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسهم عذاب عظيم ، وهذا هو المراد من قوله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } [ الأنعام : 54 ] ومن قوله : «سبقت رحمتى غضبي» وأما على قول المعتزلة فهم لا يجوزون العفو عن الكبائر ، فكان معناه { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } في أن من احترز عن الكبائر صارت صغائره مغفورة وإلا لمسهم عذاب عظيم ، وهذا الحكم وإن كان ثابتاً في حق جميع المسلمين ، إلا أن طاعات أهل بدر كانت عظيمة وهو قبولهم الإسلام ، وانقيادهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإقدامهم على مقاتلة الكفار من غير سلاح وأهبة فلا يبعد أن يقال : إن الثواب الذي استحقوه على هذه الطاعات كان أزيد من العقاب الذي استحقوه على هذا الذنب ، فلا جرم صار هذا الذنب مغفوراً ، ولو قدرنا صدور هذا الذنب من سائر المسلمين لما صار مغفوراً ، فبسبب هذا القدر من التفاوت حصل لأهل بدر هذا الاختصاص .
ثم قال تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طَيّباً } روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها ، فنزلت هذه الآية . وقيل هو إباحة الفداء .
فإن قيل : ما معنى الفاء في قوله : { فَكُلُواْ } .(7/78)
قلنا التقدير : قد أبحت لكم الغنائم { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا } نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر ، أي أكلاً حلالاً { واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والمعنى : واتقوا الله فلا تقدموا على المعاصي بعد ذلك ، واعلموا أن الله غفور ما أقدمتم عليه في الماضي من الزلة ، رحيم ما أتيتم من الجرم والمعصية ، فقوله : { واتقوا الله } إشارة إلى لمستقبل . وقوله : { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إشارة إلى الحالة الماضية .
-------------
الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1868)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما أخرجه مسلم فى صحيح عن ابن عباس قال : حدثنى عمر بن الخطاب : " أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً ، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لى ما وعدتنى
. فقتل المسلمون من المشركين يومئذ سبعين وأسروا سبعين .
قال ابن عباس : فلما اسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبى بكر وعمر : ما ترون فى هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى أن يهديهم الله إلى الإِسلام .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : قلت لا والله يا رسول الله ، ما أرى الذى رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه ، وتمكننى من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه ، - حتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين : فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده . فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت :
فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان ، فقلت : يا رسول الله . أخبرنى من أى شيئ بتكبى أنت وصاحبك . فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبى على أصحابك من أخذهم الفداء عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله - عز وجل - : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض } " إلخ الآيات .
وروى الإِمام والترمذى عن عبد الله بن مسعود قال : " لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما تقولون فى هؤلاء الأسارى "؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله! قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم .
وقال عمر : يا رسول الله! كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم .
وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، أنت بواد كثير الحطب فأضرم الوادى عليهم ناراً ثم ألقهم فيه .
قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئاً . ثم قال فدخل فقال ناس : يأخذ بقول أبى بكر . وقال ناس : يأخذ بقول عمر . وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة .
ثم خرج عليهم رسول الله فقال : " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين؛ ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وكمثل عيسى إذ قال : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } .
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } ، وكمثل موسى إذ قال : { رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم } .
ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : " أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق " .
قال ابن مسعود : فقلت يا رسول ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإِسلام ، فسكت رسول الله ثم قال : " إلا سهيل بن بيضاء " . وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض . . . } "
إلى آخر الآية .(7/79)
وقال ابن إسحاق - وهو يحكى أخبار غزوة بدر - : " فلما وضع القوم أيدهم يأسرون ورسوله الله - صلى الله عليه وسلم - فى العريش ، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوشحاً السيف ، فى نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ، يخافون عليه الكرة . ورأى رسول الله - فيما ذكر لى - فى وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم "؟ فقال : أجل والله يا رسول الله : كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشكر ، فكان الإِثخان فى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال " .
قوله : { أسرى } : جمع أسير كقتلى جمع قتيل . وهو مأخوذ من الأسر بمعنى الشد بالإِسار أى : القيد به حتى لا يهرب ، ثم صار لفظ الأسير يطلق على كل من يؤخذ من فتنة فى الحرب ، ولو لم يشد بالإِسار .
وقوله { يُثْخِنَ } من الثخانة وهى فى الأصل الغلظ والصلابة . يقال : ثخن الشيئ يثخن ثخونة وثخانة وثخنا ، أى : غلظ وصلب فهو ثخين ، ثم استعمل فى النكاية والمبالغة فى قتل العدو فقيل : أثخن فلان فى عدوه . أى : بالغ فى قتله وإنزال الجراحة الشديدة به ، لأنه بذلك بمنعه من الحركة فيصير كالثخين الذى لا يسيل ولا يتحرك .
والمراد بالنبى فى قوله { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } : نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما جئ باللفظ منكراً تلطفاً به - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يواجه بالعتاب .
والمعنى : ما صح وما استقام لنبى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } من أعدائه الذين يريدون به وبدعوته شراً { حتى يُثْخِنَ فِي الأرض } أى : حتى يبالغ فى قتلهم ، وإنزاله الضربات الشديدة عليهم إذلالاً للكفر وإعزازا لدين الله .
وقوله : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الآخرة } استئناف مسوق للعتاب .
والعرض : ما لا ثبات له ولا دوام من الأشياء ، فكأنها تعرض ثم تزول ، والمراد بعرض الدنيا هنا : الفداء الذى أخذوه من أسرى غزوة بدر حتى يطلقوا سراحهم .
تريدون - أيها المؤمنون - بأخذكم الفداء من أعدائكم الأسرى عرض الدنيا ومتاعها الزائل ، وحطامها الذى لا ثبات له ، والله - تعالى - يريد لكم ثواب الآخرة .
فالكلام فى قوله : { والله يُرِيدُ الآخرة } على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والإِرادة هنا بمعنى الرضا أى : والله - تعالى - يرضى لكم العمل الذى يجعلكم تظفرون بثوابه فى الآخرة ، وهو تفضيل إذلال الشرك على أخذ الفداء من أهله .
وقوله : { والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أى : والله - تعالى - { عَزِيزٌ } لا يغالب بل هو الغالب على أمره { حَكِيمٌ } فى كل ما يأمر به أو ينهى عنه .
فالآية الكريمة تعتب على المؤمنين ، لأنهم آثروا الفداء على القتال والإِثخان فى الأرض ، وذلك لأن غزوة بدر كانت أول معركة حاسمة بين الشرك والإيمان ، وكان المسلمون فيها قلة والمشركون كثرة ، فلو أن المسلمين آثروا المبالغة فى إذلال أعدائهم عن طريق القتل لكان ذلك أدعى لكسر شوكة الشرك وأهله ، وأظهر فى إذلال قريش وحلفهائها ، وأصرح فى بيان أن العمل على إعلاء كلمة الله كان عند المؤمنين فوق متع الدنيا واعرضها ، وأنهم لا يوادون من حارب الله ورسوله مهما بلغت درجة قرابته ، وهذا ما عبر عنه عمر - رضى الله عنه - بقوله : " وحتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين " .
والخلاصة أن غزوة بدر - بظروها وملابساتها التى سبق أن أشرنا إليها - كان الأولى بالمسلمين فيها أن يبالغوا فى قتل أعدائهم لا أن يقبلوا منهم فداء حتى يذلوها ويعجزوهم عن معاودة الكرة .
ورضى الله - تعالى - عن " سعد بن معاذ " فقد هرت الكراهية على وجهه بسبب أخذ الفداء من الأسرى ، وقال - كما سبق أن بينا - : " كانت غزوة بدر - أول وقعة أوفعها الله بأهل الشرك ، فكان الإِثخان فى القتل أحب إلىّ من استبقاء الرجال " .
قال الفخر الرازى : قال ابن عباس : هذا الحكم إنما كان يوم بدر ، لأن المسلمين كانوا قليلين ، فلما كثروا وقوى سلطانهم أنزل الله بعد ذلك فى الأسارى { حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا } ثم قال الرازى : وأقول : إن هذا الكلام يوهم أن قوله { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } يزيد على حكم الآية التى نحن فى تفسيرها : وليس الأمر كذلك ، لأن الآيتين متوافقتان ، فإن كلتيهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإِثخان ثم بعده أخذ الفداء .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر رحمته بالمؤمنين : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
والمراد بالكتابه هنا : الحكم ، وأطلق عليه كتاب لأن هذا الحكم مكتوب فى اللوح المحفوظ .(7/80)
وللمفسرين أقوال فى تفسير هذا الحكم السابق فى علم الله - تعالى - : فمنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذب المخطئ فى اجتهاده .
وقد صرد صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال قوله : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ } . اى : لولا حكم منه سبق إثباته فى اللوح المحفوظ ، وهو أنه - سبحانه - لا يعاقب أحداً بخطأ ، وكان هذا خطأ فى الاجتهاد ، لأنهم نظروا فى أن استبقاءهم ربما كان سبباً فى إسلامهم وتوبتهم وأن فداءهم يتقوى بهم على الجهاد فى سبيل الله ، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإِسلام وأهيب لمن وراءهم ، وأقل لشوكتهم . .
ومنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذب قوماً إلا بعد تقديم النهى عن الفعل ولم يتقدم نهى عن أخذ الفداء .
ومنهم من يرى أن المراد به أنه - سبحانه - لا يعذبهم ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم .
أو أنه - سبحانه - لا يعذب أحداً ممن شهد بدراً .
وقد ساق الإِمام الرازى هذه الأقوال وناقشها ثم اختار أن المراد بالكتاب الذى سبق : هو حكمه - سبحانه - فى الأزل بالعفو عن هذه الواقعة ، لأنه كتب على نفسه الرحمة . وسبقت رحمته غضبه .
أما الإِمام ابن جرير فهو يرى : أن الاية خبر عام محصور على معنى دون معنى ، وأنه لا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى . . فقال : يقول الهل - تعالى - لأهل بدر الذين أخذوا من الأسرى الفداء { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ } .
أى : لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر فى اللوح المحفوظ أن الله يحل لكم الغنيمة ، وأن الهل قضى أنه لا يضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يعذب أحداً شهد هذا المشهد الذى شهدتموه ببدر . . لولا كل ذلك لنالكم من الله بأخذكم الفداء عذاب عظيم .
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير - من أن الآية خبر عام يشمل كل هذه المعانى - أولى بالقبول ، لأنه لم يوجد نص صحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - يحدد تفسيره المراد من هذا الكتاب السابق فى علمه - تعالى - .
ولعل الحكمة فى هذا الإبهام لتذهب الأفهام فيه إلى كل ما يحتمله اللفظ ، ويدل عليه المقام ، ولكى يعرفوا أن أهذهم الفداء كان ذنباً يستحقون العقوبة عليه لولا أن الله - تعالى - قدر فى الأزل العقو عنهم بسبب وجود النبى - صلى الله عليه وسلم - فيهم ، ولأنهم قد أخطأوا فى اجتهادهم ، ولأنهم لم يتقدم لهم نهى عن ذلك ، ولأنهم قد شهدوا هذه الغزوة التى قال الرسول فى شأن من حضرها على لسان ربه - عز وجل - : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
فقد روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعرم فى قصة حاطب بن أبى بلتعة عند ما أخبر المشركين بأن الرسول سيغزوهم قبل فتح مكة وكان حاطب قد شهد بدراً : " وما يدريك لعل الله - تعالى - اطلع على أهل بدر وقال : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ } أى : لولا حكم من الله - تعالى - سبق منه فى الأزل ألا يعذب المخطئ على اجتهاده أو ألا يعذب قوماً قبل تقديم البيان إليهم . . . ولولا كل ذلك { لَمَسَّكُمْ } أى لأصابكم { فِيمَآ أَخَذْتُمْ } أى بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به { عَذَابٌ عَظِيمٌ } لا يقادر قدره فى شدته وألمه .
قال ابن جرير : قال ابن زيد : لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب ، جعل لا يلقى أسيراً إلا ضرب عنقه وقال : يا رسول الله مالنا وللغنائم؟ نحن قوم نجاهد فى دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو عذبنا فى هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك " .
وقال ابن اسحاق : لما نزلت { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ } الآية . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله : يا نبى الله ، كان الإِثخان فى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال " .
وقال بعض العلماء : قال القاضى ، وفى الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون ، وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه .
ثم زاد - سبحانه - المؤمنين فضلا ومنه فقال : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
قال الآلوسى روى أنه لما نزلت الآية الأولى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى . . . } كف الصحابة أيديهم عما أخوا من الفداء فنزلت هذه الآية .(7/81)
فالمراد بقوله { مِمَّا غَنِمْتُمْ } إما الفدية وإما مطلق الغنائم ، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية ، وإلا فحل الغنيمة مما عداها علم سابقاً من قوله :{ واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } وقيل المراد بقوله : { مِمَّا غَنِمْتُمْ } الغنائم من غير اندراج الفدية فيها ، لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهداً منهم ، لا ظناً لحرمتها . . والفاء للعطف على سبب مقدر ، أى قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم .
والمعنى : لقد عفوت عنكم - أيها المؤمنون - فيما وقعتم فيه من تفضيلكم أخذ الفداء من الأسرى على قتلهم ، وأبحث لكم الانتفاع بالغنائم فكلوا مما غنمتم من أعدائكم حلالا طيباً ، أى لذيذاً هينئاً لا شبهة فى أكله ولا ضرر { واتقوا الله } فى كل أحوالكم بأن تخشوه وتراقبوه { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ولذا غفر لكم ما فرط منكم وأباح إليه توبة صادقة .
وقوله { حَلاَلاً } حال من " ما " الموصولة فى قوله : { مِمَّا غَنِمْتُمْ } أو صفة لمصدر محذوف ، أى : أكلاً حلالا .
ووصف هذا المأمور بأكله بأنه حلال طيب ، تأكيداً للإِباحة حتى يقبلوا على الأكل منه بدون تحرج أو تردد ، فإن معاتبتهم على أخذ الفداء قبل ذلك جعلتهم يترددون فى الانتفاع به وبما غنموه من أعدائهم .
================
وما كان الله ليُعذِّبهم وأنت فيهم
وإذْ قالوا اللهمَّ إنْ كان هذا هو الحقُّ من عندك فأَمطِر علينا حجارةً من السماء، أو ائْتِنا بعذابٍ أليم. وما كان الله ليُعذِّبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (آيتا 32 ، 33). (هذه الآية مكية بالرغم من وجودها في سورة مدنيّة الطبري).
- 1 - طلب أهل مكة من محمد أن يأتيهم بمعجزة فلم يفعل، فطلبوا منه أن يأتي بالخير لنفسه فلم يفعل. ولما يئس القوم منه. قالوا له: اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. فأورد محمد كلامهم وقال إن الله أنزله عليه. ثم قال لهم: وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم . ولما هاجر للمدينة وخشي أن ينكشف أمره قال: وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (الطبري في تفسير الآيتين 32 و33 والسيوطي والواحدي في سبب نزولهما).
- 2 - تعلمنا التوراة أن الخطية فعل شنيع، فالله قد عاقب اليهود لأن واحداً منهم أخطأ وخالف أمر الله (أنظر قصة عخان بن كرمى في يشوع 7). ولم يحاول أيُّ نبيٍّ أن يجد أعذاراً للكفَّار من قومه، خاصةً وأنهم طلبوا العذاب بأنفسهم
الرد
وإذ قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم }..
وهو دعاء غريب؛ يصور حالة من العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك على الإذعان للحق، حتى ولو كان حقاً! إن الفطرة السليمة حين تشك تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق، وأن يهديها إليه، دون أن تجد في هذا غضاضة.
ولكنها حين تفسد بالكبرياء الجامحة، تأخذها العزة بالإثم، حتى لتؤثر الهلاك والعذاب، على أن تخضع للحق عندما يكشف لها واضحاً لا ريب فيه.. وبمثل هذا العناد كان المشركون في مكة يواجهون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذه الدعوة هي التي انتصرت في النهاية في وجه هذا العناد الجامح الشموس!
ويعقب السياق على هذا العناد، وعلى هذا الادعاء، بأنهم مع استحقاقهم لإمطار الحجارة عليهم من السماء وللعذاب الأليم الذي طلبوه - إن كان هذا هو الحق من عنده - وإنه للحق.. مع هذا فإن الله قد أمسك عنهم عذاب الاستئصال الذي أخذ به المكذبين قبلهم. لأن رسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم، ولا يزال يدعوهم إلى الهدى. والله لا يعذبهم عذاب الاستئصال والرسول فيهم. كما أنه لا يعذبهم هذا العذاب على معاصيهم إذا كانوا يستغفرون منها؛ وليس تأخير العذاب عنهم لمجرد أنهم أهل هذا البيت. فهم ليسوا بأولياء هذا البيت إنما أولياؤه المتقون:
{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون، ولكن أكثرهم لا يعلمون، وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية. فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }..
إنها رحمة الله تمهلهم فلا يأخذهم الله بعنادهم؛ ولا يأخذهم بصدهم عن المسجد الحرام - وقد كانوا يمنعون المسلمين أن يحجوا إليه، وهم لا يمنعون أحداً ولا يهيجونه عنه!
إنها رحمة الله تمهلهم عسى أن يستجيب للهدى منهم من تخالط بشاشة الإيمان قلبه - ولو بعد حين - وما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم، يدعوهم، فهنالك توقع لاستجابة البعض منهم؛ فهم إكراماً لوجود رسول الله بينهم يمهلون. والطريق أمامهم لاتقاء عذاب الاستئصال دائماً مفتوح إذا هم استجابوا واستغفروا عما فرط منهم وأنابوا:
{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }..
فأما لو عاملهم الله بما هم فيه فهم مستحقون لهذا العذاب:(7/82)
{ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام. وما كانوا أولياءه. إن أولياؤه إلا المتقون، ولكن أكثرهم لا يعلمون }..
إنه لا يمنع العذاب عنهم ما يدعونه من أنهم ورثة إبراهيم وسدنة بيت الله الحرام.. فهذه ليست سوى دعوى لا أساس لها من الواقع. إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه. إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف. إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله.
. ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم - عليه السلام - فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب؛ إنما هي وراثة دين وعقيدة. والمتقون هم ورثة إبراهيم وبيت الله الذي بناه لله؛ فإذا هم يصدون عنه أولياءه الحقيقيين المؤمنين بدين إبراهيم!
إنهم ليسوا أولياء لهذا البيت وإن كانوا يصلون عنده صلاتهم. فما هذه بصلاة! إنما كانت صفيراً بالأفواه وتصفيفاً بالأيدي، وهرجاً ومرجاً لا وقار فيه، ولا استشعار لحرمة البيت، ولا خشوع لهيبة الله.
عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويصفقون ويصفرون.
وإن هذا ليخطر بالبال صور العازفين المصفقين الصاخبين الممرغين خدودهم على الأعتاب والمقامات اليوم في كثير من البلاد التي يسمونها " بلاد المسلمين "! إنها الجاهلية تبرز في صورة من صورها الكثيرة. بعدما برزت في صورتها الواضحة الكبيرة: صورة ألوهية العبيد في الأرض، وحاكميتهم في حياة الناس.. وإذا وقعت هذه فكل صور الجاهلية الأخرى إنما هي تبع لها، وفرع منها!
{ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }..
وهو ذلك العذاب الذي نزل بهم في بدر بأيدي العصبة المسلمة. فأما العذاب الذي طلبوه - عذاب الاستئصال المعروف - فهو مؤجل عنهم، رحمة من الله بهم، وإكراماً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومقامه فيهم، عسى أن ينتهي بهم الأمر إلى التوبة والاستغفار مما هم فيه.
والكفار ينفقون أموالهم ليتعاونوا على الصد عن سبيل الله.. هكذا فعلوا يوم بدر، على نحو ما ذكرنا في سياق الحديث عن الموقعة من كتب السيرة.. وهكذا ظلوا بعد بدر يستعدون للوقعة التالية. والله ينذرهم بالخيبة فيما يبغون وبالحسرة على ما ينفقون، ويعدهم الهزيمة في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة:
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة؛ ثم يغلبون؛ والذين كفروا إلى جهنم يحشرون. ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيركمه جميعاً، فيجعله في جهنم، أولئك هم الخاسرون }..
-----------------
ويذكر مُدعي الشبهة بالشبهة السابقة قول : علّمنا الله أن النفس التي تخطئ هي تموت، لأنه لا يوجد إنسان كامل حتى يزِر وازرة إنسانٍ آخر، ولكن الله بمحبته أرسل لنا المسيح الذي حمل كل أوزارنا وصالحنا مع الله إلى الأبد.
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=5228
والآن يقول : تعلمنا التوراة أن الخطية فعل شنيع، فالله قد عاقب اليهود لأن واحداً منهم أخطأ وخالف أمر الله (أنظر قصة عخان بن كرمى في يشوع 7). ولم يحاول أيُّ نبيٍّ أن يجد أعذاراً للكفَّار من قومه، خاصةً وأنهم طلبوا العذاب بأنفسهم.
تناقض عجيب ..... هذا يكشف لنا أن الأمر ليس أكشاف شبهات بل محولات فاشلة للكيد من القرآن الكريم
==============
آية السيف والبسملة
تبدأ سورة التوبة دون بسملة، وقد أفرد علماء الإسلام لهذه القضية صفحات عدة، وفي النهاية لم يتفقوا على رأي. فقد قيل إن سورتي التوبة والأنفال سورة واحدة ولذا لم تُكتب بينهما بسملة. وعن مالك إنها كانت تعادل البقرة في الطول، وإن أولها لما سقط سقطت معه البسملة (الإتقان باب جمع القرآن وترتيبه، وباب عددسوره وآياته وكلماته وحروفه).
وقد كان محمد في مبدأ الأمر يأتي بكل ما يُشعِر باللطف لا العنف، والإحسان لا العدوان، ولكن لما قوي أمره وتمكّن من غايته ألغى ذلك بآية السيف (التوبة 5). قال ابن حزم: من الآيات المنسوخة قوله في البقرة 2: 192 فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم . وهذا من الأخبار التي معناها الأمر، تأويله: فاغفروا لهم واعفوا عنهم. ثم أخبار العفو منسوخة بآية السيف وهي: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (التوبة 9: 5) فلو كان المقصود إظهار الصرامة الكبرى لمن قاوم محمداً لقال ذلك في مبدأ الأمر، ولكنه لم يفعل ذلك.
وقد وردت آيات كثيرة يُؤخذ منها الرفق واللين واللطف، ولكنه نسخها، فصار القرآن كله قسوة شديدة. فمن ذلك ما ورد في النساء 4: 63 فأَعرِضْ عنهم وعِظْهُم . نُسخت بآية السيف المتقدمة، وورد فيها: ستجدون آخَرين يريدون أن يأمَنوكم ويأمَنوا قومهم (النساء 4: 91) نُسخت بآية السيف.(7/83)
ومن طالع كتاب ابن حزم وغيره من الكتب الموضوعة في الناسخ والمنسوخ ظهر له أنه إذا وُجد في القرآن قول يحضّ على اللطف ومكارم الأخلاق نُسخ بآية السيف، فصار القرآن مبنيّاً على السيف فقط (راجع كتاب الحِكم الجديرة بالإذاعة في شرح حديث بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب الحنبلي).
الرد
{ براءةٌ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر: أن الله بريء من المشركين ورسوله، فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم. إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً - فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، إن الله يحب المتقين. فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون }..
هذه الآيات - وما بعدها إلى الآية الثامنة والعشرين - نزلت تحدد العلاقات النهائية بين المجتمع الإسلامي الذي استقر وجوده في المدينة وفي الجزيرة العربية - بصفة عامة - وبين بقية المشركين في الجزيرة الذين لم يدخلوا في هذا الدين.. سواء منهم من كان له عهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما لاح له أن مواجهة المسلمين للروم - حين توجهوا لمقابلتهم في تبوك - ستكون فيها القاضية على الإسلام وأهله، أو على الأقل ستضعف من شوكة المسلمين وتهد من قوتهم.. ومن لم يكن له عهد ولكنه لم يتعرض للمسلمين من قبل بسوء.. ومن كان له عهد - موقوت أو غير موقوت - فحافظ على عهده ولم ينقص المسلمين شيئاً ولم يظاهر عليهم أحداً.. فهؤلاء جميعاً نزلت هذه الآيات وما بعدها لتحدد العلاقات النهائية بينهم وبين المجتمع المسلم؛ في ظل الاعتبارات التي أسلفنا الحديث عنها بشيء من التوسع سواء في تقديم السورة، أو في تقديم هذا الدرس خاصة.
وأسلوب هذه الآيات وإيقاع التعبير فيها، يأخذ شكل الإعلان العام، ورنينه العالي! فيتناسق أسلوب التعبير وإيقاعه مع موضوعه والجو الذي يحيط بهذا الموضوع؛ على طريقة القرآن في التعبير.
وقد وردت روايات متعددة في ظروف هذا الإعلان، وطريقة التبليغ به، ومن قام بالتبليغ. أصحها وأقربها إلى طبائع الأشياء وأكثرها تناسقاً مع واقع الجماعة المسلمة يومذاك ما قرره ابن جرير وهو يستعرض هذه الروايات. ونقتطف من تعليقاته ما يمثل رؤيتنا لحقيقة الواقعة مغفلين ما لا نوافقه عليه من كلامه وما تناقض فيه بعض قوله مع بعض. إذ كنا لا نناقش الروايات المتعددة ولا نناقش تعليقات الطبري؛ ولكن نثبت ما نرجح أنه حقيقة ما حدث من مراجعة ما ورد وتحقيقه:
قال في رواية له عن مجاهد: { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين }.. قال: أهل العهد: مدلج والعرب الذين عاهدهم، ومن كان له عهد. قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك حين فرغ منها - وأراد الحج، ثم قال: " إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك " فأرسل أبا بكر وعلياً رحمة الله عليهما. فطافا بالناس، بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالموسم كله؛ وآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر.. فهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر. ثم لا عهد لهم. وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا. فآمن الناس أجمعون حينئذ.ولم يسح أحد ".
وقال - بعد استعراض جملة الروايات في حقيقة الأجل ومبدئه ونهايته والمقصودين به:
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الأجل الذي جعله الله لأهل العهد من المشركين، وأذن لهم بالسياحة فيه بقوله: { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } إنما هو لأهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته. فأما الذين لم ينقضوا عهدهم ولم يظاهروا عليه، فإن الله جل ثناؤه أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإتمام العهد بينه وبينهم إلى مدته بقوله: { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، إن الله يحب المتقين }.. [سورة التوبة: 4].(7/84)
" فإن ظن ظان أن قول الله تعالى ذكره: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [سورة التوبة: 5] يدل على خلاف ما قلنا في ذلك، إذ كان ذلك ينبئ على أن الفرض على المؤمنين كان بعد انقضاء الأشهر الحرم قتل كل مشرك، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الآية التي تتلو ذلك تبين عن صحة ما قلنا، وفساد ما ظنه من ظن أن انسلاخ الأشهر الحرم كان يبيح قتل كل مشرك كان له عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يكن كان له منه عهد.
وذلك قوله: { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله - إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم، إن الله يحب المتقين } [التوبة: 7] فهؤلاء مشركون؛ وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بالاستقامة لهم في عهدهم ما استقاموا لهم بترك نقض صلحهم، وترك مظاهرة عدوهم عليهم.
" وبعد، ففي الأخبار المتظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه حين بعث علياً رحمة الله عليه ببراءة إلى أهل العهود بينه وبينهم، أمره فيما أمره أن ينادي به فيهم: " ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته " ، أوضح الدليل على صحة ما قلنا. وذلك أن الله لم يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل فاستقاموا على عهدهم بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض قبل التأجيل، أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود. فأما من كان أجله محدوداً، ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلاً، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بإتمام عهده إلى غايته مأموراً. وبذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب ".
وقال في تعقيب آخر على الروايات المتعددة في شأن العهود:
" فقد أنبأت هذه الأخبار ونظائرها عن صحة ما قلنا، وأن أجل الأشهر الأربعة إنما كان لمن وصفنا. فأما من كان عهده إلى مدة معلومة فلم يجعل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين لنقضه ومظاهرة أعدائهم سبيلاً، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وفى له بعهده إلى مدته، عن أمر الله إياه بذلك. وعلى ذلك ظاهر التنزيل، وتظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وإذا نحن تركنا الروايات التي بها ضعف، فإننا نستيطع أن نقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بأبي بكر - رضي الله عنه - أميراً للحج في هذا العام لما كرهه من الحج والمشركون يطوفون بالبيت عراة.
الإمام سيد قطب ... ... ...
رد آخر :
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الليث: يقال: سلخت الشهر إذا خرجت منه، وكشف أبو الهيثم عن هذا المعنى فقال: يقال: أهللنا هلال شهر كذا، أي دخلنا فيه ولبسناه، فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه لباساً منه، ثم نسلخه عن أنفسنا بعد تكامل النصف منه جزءاً فجزءاً، حتى نسلخه عن أنفسنا وأنشد:إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله كفى قائلاً سلخي الشهور وإهلالي
وأقول تمام البيان فيه أن الزمان محيط بالشيء وظرف له، كما أن المكان محيط به وظرف له ومكان الشيء عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر ومن الجسم المحوي فإذا انسلخ الشيء من جلده فقد انفصل من السطح الباطن من ذلك الجلد وذلك السطح، وهو مكانه في الحقيقة فكذلك إذا تم الشهر فقد انفصل عن إحاطة ذلك الشهر به، ودخل في شهر آخر، والسلخ اسم لانفصال الشيء عن مكانه المعين، فجعل أيضاً اسماً لانفصاله عن زمانه المعين، لما بين المكان والزمان من المناسبة التامة الشديدة. وأما الأشهر الحرم فقد فسرناها في قوله:
{ فَسِيحُواْ فِى الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }[التوبة: 2]
وهي يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر، والمراد من كونها حرماً، أن الله حرم القتل والقتال فيها. ثم إنه تعالى عند انقضاء هذه الأشهر الحرم أذن في أربعة أشياء: أولها: قوله:
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }[النساء: 89]
وذلك أمر بقتلهم على الإطلاق، في أي وقت، وأي مكان. وثانيها: قوله: { وَخُذُوهُمْ } أي بالأسر، والأخيذ الأسير. وثالثها: قوله: { وَاحْصُرُوهُمْ } معنى الحصر المنع من الخروج من محيط. قال ابن عباس: يريد إن تحصنوا فاحصروهم. وقال الفراء: حصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام. ورابعها: قوله تعالى: { وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو من قولهم: رصدت فلاناً أرصده إذا ترقبته، قال المفسرون: المعنى اقعدوا لهم على كل طريق يأخذون فيه إلى البيت أو إلى الصحراء أو إلى التجارة، قال الأخفش في الكلام محذوف والتقدير: اقعدوا لهم على كل مرصد.
ثم قال تعالى: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلووا سبيلهم } وفيه مسائل:(7/85)
المسألة الأولى: احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على أن تارك الصلاة يقتل، قال لأنه تعالى أباح دماء الكفار مطلقاً بجميع الطرق، ثم حرمها عند مجموع هذه الثلاثة، وهي التوبة عن الكفر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فعندما لم يوجد هذا المجموع، وجب أن يبقى إباحة الدم على الأصل.
فإن قالوا: لم لا يجوز أن يكون المراد الإقرار بهما واعتقاد وجوبهما؟ والدليل عليه أن تارك الزكاة لا يقتل.
أجابوا عنه: بأن ما ذكرتم عدول عن الظاهر، وأما في تارك الزكاة فقد دخله التخصيص.
فإن قالوا: لم كان حمل التخصيص أولى من حمل الكلام على اعتقاد وجوب الصلاة والزكاة؟
قلنا: لأنه ثبت في أصول الفقه أنه مهما وقع التعارض بين المجاز وبين التخصيص، فالتخصيص أولى بالحمل.
المسألة الثانية: نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول: في مانعي الزكاة لا أفرق بين ما جمع الله، ولعل مراده كان هذه الآية، لأنه تعالى لم يأمر بتخلية سبيلهم إلا لمن تاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فأوجب مقاتلة أهل الردة لما امتنعوا من الزكاة وهذا بين إن جحدوا وجوبها أما إن أقروا بوجوبها وامتنعوا من الدفع إليه خاصة، فمن الجائز أنه كان يذهب إلى وجوب مقاتلتهم من حيث امتنعوا من دفع الزكاة إلى الإمام. وقد كان مذهبه أن ذلك معلوم من دين الرسول عليه السلام كما يعلم سائر الشرائع الظاهرة.
المسألة الثالثة: قد تكلمنا في حقيقة التوبة في سورة البقرة في قوله:
{ فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }
[البقرة: 37]
روى الحسن أن أسيراً نادى بحيث يسمع الرسول أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد ثلاثاً، فقال عليه السلام: عرف الحق لأهله فأرسلوه.
المسألة الرابعة: قوله: { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } قيل إلى البيت الحرام، وقيل إلى التصرف في مهماتهم { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن تاب وآمن. وفيه لطيفة وهو أنه تعالى ضيق عليهم جميع الخيرات وألقاهم في جميع الآفات، ثم بين أنهم لو تابوا عن الكفر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فقد تخلصوا عن كل تلك الآفات في الدنيا، فنرجو من فضل الله أن يكون الأمر كذلك يوم القيامة أيضاً فالتوبة عبارة عن تطهير القوة النظرية عن الجهل، والصلاة والزكاة عبارة عن تطهير القوة العملية عما لا ينبغي، وذلك يدل على أن كمال السعادة منوط بهذا المعنى.
الإمام الرازي ... ... ...
البسملة :
إذا ابتدأت بأول سورة من سور القرآن الكريم فلا بد من الإتيان بالبسملة ما عدا أول "براءة"، وتسمى سورة "التوبة" –أيضا.
وإذا ابتدأت بأول سورة "التوبة" فيمتنع الإتيان بالبسملة؛ وذلك لنزول هذه السورة بالسيف.
وإذا ابتدأت بما بعد أوائل السور ولو بكلمة فأنت مخير بين الإتيان بالبسملة وبين عدم الإتيان بها.
وهل "براءة" كذلك؟ جوَّز بعضهم الإتيان بالبسملة وتركها كغيرها من السور، ومنع الجعبري البسملة في أي جزء من أجزائها تبعاً لأولها.
أوجه كل من الاستعاذة والبسملة
للاستعاذة أربعة أوجه في بدء كل سورة، ما عدا "براءة":
الأول: قطع الجميع، أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، والبسملة عن أول السورة.
الثاني: قطع الاستعاذة مع وصل البسملة بأول السورة.
الثالث: وصل الاستعاذة بالبسملة واقفاً عليها مبتدئاً بأول السورة.
الرابع: وصل الجميع.
وأما في أول براءة فلك وجهان فقط، وهما:
1. قطع الاستعاذة عن أول السورة.
2. وصل الاستعاذة بأول السورة، وقد علمت مما تقدم أن البسملة ممتنعة أول "التوبة".
وأما إذا ابتدأت بأجزاء السور أي: بما بعد أولها ولو بكلمة، فللاستعاذة ستة أوجه؛ لأنك مخير بين البسملة وبين عدمها.
فإذا أتيت بالبسملة جاز لك الأوجه الأربعة السابقة.
وإذا لم تأت بها جاز لك الوجهان الجائزان في أول "التوبة".
وللبسملة بين السورتين ثلاثة أوجه:
الأول: قطع الجميع.
الثاني: قطع آخر السورة عن البسملة مع وصل البسملة بأول السورة.
الثالث: وصل الجميع.
وأما وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها فلا يجوز؛ لأن البسملة جعلت لأوائل السور لا لأواخرها.
وهذه الأوجه الثلاثة جائزة بين كل سورتين، سواء أكانتا مرتبتين أم غير مرتبتين.
ويستثنى من ذلك بين الأنفال والتوبة، فإن بينهما لجميع القراء ثلاثة أوجه وهي: الوقف ، والسكت ، والوصل بدون بسملة. وبين الأنفال وبين التوبة ...... قف واسكتن وصل بلا بسملة
فقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم، قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف.(7/86)
وقيل لأن العرب كان من شأنهم أنهم إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا التوقف عنه كتبوا إليهم كتاباً ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب ... ... ...
=================
واتَّقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصّةً
- 1 - روى أحمد في مسنده إن الله ليعُذِّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكربين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، ولا ينكروخ. فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة والعامة(المنار في تفسير الأنفال 8: 25).
- 2 - ورد في الإسراء 17: 15 لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . فكيف تتفق هذه الآية مع ما جاء في الحديث؟
- 3 - علّمنا الله أن النفس التي تخطئ هي تموت، لأنه لا يوجد إنسان كامل حتى يزِر وازرة إنسانٍ آخر، ولكن الله بمحبته أرسل لنا المسيح الذي حمل كل أوزارنا وصالحنا مع الله إلى الأبد
الرد
{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب }..
والفتنة: الابتلاء أو البلاء.. والجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره - وأظلم الظلم نبذ شريعة الله ومنهجه للحياة - ولا تقف في وجه الظالمين؛ ولا تأخذ الطريق على المفسدين.
. جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين.. فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع (فضلا على أن يروا دين الله لا يتبع؛ بل أن يروا ألوهية الله تنكر وتقوم ألوهية العبيد مقامها!) وهم ساكتون. ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة لأنهم هم في ذاتهم صالحون طيبون!
ولما كانت مقاومة الظلم تكلف الناس التكاليف في الأنفس والأموال؛ فقد عاد القرآن بذكر العصبة المسلمة - التي كانت تخاطب بهذا القرآن أول مرة - بما كان من ضعفها وقلة عددها. وبما كان من الأذى الذي ينالها، والخوف الذي يظللها.. وكيف آواها الله بدينه هذا وأعزها ورزقها رزقا طيبا.. فلا تقعد إذن عن الحياة التي يدعوها إليها رسول الله. ولا عن تكاليف هذه الحياة، التي أعزها بها الله، وأعطاها وحماها:
{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم، وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون }..
{ولا تزر وازرة وزر أخرى .. "15" } (سورة الإسراء)
أي: لا يحمل أحد ذنب أحدٍ، ولا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، وكلمة:
{تزر وازرة .. "15" } (سورة الإسراء)
من الوزر: وهو الحمل الثقيل، ومنها كلمة الوزير: أي الذي يحمل الأعباء الثقيلة عن الرئيس، أو الملك أو الأمير. فعدل الله يقتضي أن يحاسب الإنسان بعمله، وأن يسأل عن نفسه، فلا يرمي أحد ذنبه على أحد، كما قال تعالى:
{لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا .. "33"} (سورة لقمان)
وحول هذه القضية تحدث كثير من المستشرقين الذين يبحثون في القرآن عن مأخذ، فوقفوا عند هذه الآية:
{ولا تزر وازرة وزر أخرى .. "15" } (سورة الإسراء)
وقالوا: كيف نوفق بينها وبين قوله:
{وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم .. "13" } (سورة العنكبوت)
وقوله تعالى:
{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون "25"} (سورة النحل)
ونقول: التوفيق بين الآية الأولى والآيتين الأخيرتين هين لو فهموا الفرق بين الوزر في الآية الأولى، والوزر في الآيتين الأخيرتين.
ففي الأولى وزر ذاتي خاص بالإنسان نفسه، حيث ضل هو في نفسه، فيجب أن يتحمل وزر ضلاله. أما في الآية الثانية فقد أضل غيره، فتحمل وزره الخاص به، وتحمل وزر من أضلهم.
ويوضح لنا هذه القضية الحديث النبوي الشريف: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء
-----------
تفسير الألوسي - (ج 7 / ص 56)(7/87)
{ واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي لا تختص إصابتها لمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره والمراد بالفتنة الذنب وفسر بنحو إقرار المنكر والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد حسبما يقتضيه المعنى ، والمصيب على هذا هو الأثر كالشآمة والوبال ، وحينئذ إما أن يقدر أو يتجوز في إصابته ، وجوز أن يراد به العذاب فلا حاجة إلى التقدير أو التجوز فيما ذكر لأن إصابته بنفسه ، وكذا لا حاجة إلى ارتكاب تقدير في جانب الأمر ولا التزام استخدام و { لا } نافية ، والجملة المنفية قيل جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم ، واعترض بأن جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنس الأمر المظهر لا من جنس الجواب ولو قدر ذلك وفاء بالقاعدة فسد المعنى ، إذ يكون إن تتقوا الفتنة تعمكم إصابتها ولا تختص بالظالمين منكم وهوكما ترى ، وأجيب بأن أصل الكلام واتقوا فتنة لا تصيبنكم فإن أصابتكم لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل عمتكم فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر في جواب الأمر لتسببه منه ، وسمي جواب الأمر لأن المعاملة معه لفظاً .
/ وفيه أن البين أن عموم الإصابة ليس مسبباً عن عدم الإصابة ولا عن الأمر وظاهر التعبير يقتضيه ، وقال بعض المحققين : إن ذلك على رأي الكوفيين من تقدير ما سناسب الكلام وعدم التزام كون المقدر من جنس الملفوظ نفياً أو إثباتاً فيقدرون في نحو لا تدن من الأسد يأكك الإثبات أي إن تدن يأكلك وفي نحو اتقوا فتنة النفي أي إن لم تتقوا تصبكم واعترض عليه بأن ذلك القائل لم يقدر لا هذا ولا ذاك وإنما قدر ما يستقيم به المعني من غير نظر إلى مضمون الأمر أو نقيضه ، وأجيب بأن مراده أن التقدير إن لم تتقوا تصبكم وإن أصابتكم لا تختص بالظالمين فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر الذي هو نقيض الأمر لتسببه عنه ، وما أورد على هذا من أنه لا حاجة إلى اعتبار الواسطة حينئذ إذ يكفي أن يقال : إن لم تتقوا لا تصب الظالمين خاصة فمع كونه مناقشة لفظية مدفوع بأدنى تأمل لأن عدم اختصاص إصابة الفتنة بالظالمين كما يكون بعموم الإصابة لهم ولغيرهم كذلك يكون بعدم أصابتها لهم رأساً فلا بد من اعتبار الواسطة قطعاً .
وقال بعض المتأخرين : مراد من قدر آن أصابتكم ، إن لم تتقوا على مذهب من يرى تقدير النفي ، لكنه عبر عنه بأصابت لتلازمها فلا يرد حديث الواسطة ، نعم قيل : إن جواب الشرط متردد فلا يليق تأكيده بالنون إذ التأكيد يقتضي دفع التردد ، وأجيب بأنه هنا طلبي معنى فيؤكد كما يؤكد الطلبي وهو لا ينافيه التردد في وقوعه لأنه لا تردد في طلبه على أنه قيل : إنه وإن كان متردداً في نفسه لكونه معلقاً بما هو متردد وهو الشرط لكنه ليس بمتردد بحسب الشرط ، وعلى تقدير وقوعه فيليق به التأكيد بذلك الاعتبار ، وأنت تعلم أن ابن جني رجح أن المنفي بلا يؤكد في السعة لشبهه بالنهي كما في قوله سبحانه : { ادخلوا مساكنكم لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان } [ النمل : 18 ] .
وقال ناصر الدين : إن هذا الجواب لما تضمن معنى النه يساغ توكيده ، ووجه أن النفي إذا كان مطلوباً كان في معنى النهي وفي حكمه فيجوز فيه التأكيد كالنهي الصريح ، ولا خفاء في أن عدم كونهم بحيث تصيبهم الفتنة مطلوب كما أن عدم كونهم يحطمهم سليمان وجنوده كذلك ، وجوز أن تكون الجملة المنفية في موضع النصب صفة لفتنة ، واعترض بأن فيه شذوذاً ون النون لا تدخل المنفي في غير القسم ، وقد يجاب بأنك قد عرفت أن ابن جني وكذا بعض النحاة جوز ذلك ، وقد ارتضاع ابن مالك في التسهيل ، نعم ما ذكر كلام الجمهور .
وقال أبو البقاء وغيره : يحتامل أن تكون { لا } ناهية والجملة في موضع الفة أيضاً لكن على إرادة القول كقوله :
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
لأن المشهور أن الجملة الإنشائية نهياً كانت أو غيرها لا تقع صفة ونحوها إلا بتقدير القول ، وقد صرحوا بأن قولك : مررت برجل أضربه بتقدير مقول فيه أضربه ، وليس المقصود بالمقولية الحكاية بل استحقاقه لذلك حتى كأنه مقول فيه ، ومن الناس من جوز الوصف بذلك باعتبار تأويله بمطلوب ضربه فلا يتعين تقدير القول ، وأن تكون الجملة جواب قسم محذوف أي والله لا تيبن الظالمين خاصة بل تعم ، وحينئذ يظهر أمر التأكيد ، وأيد ذلك بقراءة عليّ كرم الله تعالى وجهه . وزيد بن ثابت . وأبيّ . وابن مسعود . والباقر . والربيع . وأبو العالية { لتصيبن } فإن الظاهر فيها القسمية ، وقيل : إن الأصل لا إلا أن الألف حذفت تخفيفاً كما قالوا : أم والله ، وقال بعضهم : أن { لفتاه لا } في القراءة المتواترة هي اللام والألف تولدت من إشباع الفتحة كما في قوله :
فأنت من العواتك حين ترمي ... ومن ذم الرجال بمنتزاح(7/88)
وكلا القولين لا يعول عليه ، ويحتمل أن تكون نهياً مستأنفاً لتقرير الأمر وتأكيده ، وهو من باب الكناية لأن الفتنة لا تنهى عن الإصابة إذ لا يتصور الامتثال منها بحال ، والمعنى حينئذ لا تتعرضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة و { مِنْ } على تقدير كون { لا } ناهية سواء جعلت الجملة صفة أو مؤكدة للأمر بيانية لا تبعيضية لأنها لو اعتبرت كذلك لكان النهي عن التعرض للظلم مخصوصاً بالظالمين منهم دون غيرهم فغير الظالم لا يكون منهياً عن التعرض له بمنطوق الآية وذلك شيء لا يراد .
وأما على الوجوه الأخر من كون { لا } نافية لا ناهية سواء كان قوله سبحانه وتعالى : { لاَّ تُصِيبَنَّ } صفة لفتنة كما هو الظاهر أو جواب الأمر أو جواب قسم فهي تبعيضية قطعاً ، إذ الآية على هذه التقادير جميعاً مخبرة بأن إصابة الفتنة لا تخص بالظالمين بل تعم غيرهم أيضاً ، فلو بين الذين ظلموا بالمخاطبين لأفهمت أن الأصحاب رضي الله تعالى عنهم كلهم ظالموا وحاشاهم ، ثم لا يخفى أن الخطاب إذا كان عاماً لأمة وفسرت الفتنة بإثرار المنكر لا يجيء الإشكال على عموم الإصابة بقوله سبحانه : { وَلاَ * تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى } [ الأنعام : 164 ] لأنه كما يجب على مرتكب الذنب الانتهاء عنه يجب على الباقين رفعه وإذا لم يفعلوا كانوا آثمين فيصيبهم ما يصيبهم لأثمهم .
ويدل للوجوب ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيهمهم الله تعالى بعذاب يصيب الظالم و غير الظالم ، وأخرج الترمذي . وأبو داود عن قيس بن حازم عن أبي بكر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب » وروى الترمذي أيضاً عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله تعالى قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . ومن ذهب إلى أن الخطاب خاص فسر الفتنة بافتراق الكلمة ، وجعل ذلك إشارة إلى ما حدث بين أصحاب بدر يوم الجمل .
وممن ذهب إلى أنهم المعنيون السدي وغيره ، وأخرج غير واحد عن الزبير قال : قرآنا هذه الآية زماماً وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، وقد أخرج نهيهم عن ذلك على أبلغ وجه وأقيم الظالمون مقام ضميرهم تنبياً على أن تعرض الفتنة وهي افتراق الكلمة من أشد الظلم لا سيما هؤلاء الأجلاء ، ثم فسر بضميرهم دلالة على الاختصا صوأكد بخاصة وكثيراً ما يشدد الأمر على الخاصة { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } لم خالف أمره وكذا من أقر من انتهك محارمه { واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } أي في العدد ، والجملة الاسمية للإيذان باستمرار ما كانوا فيه من القلة وما يتبعها
وأما على الوجوه الأخر من كون { لا } نافية لا ناهية سواء كان قوله سبحانه وتعالى : { لاَّ تُصِيبَنَّ } صفة لفتنة كما هو الظاهر أو جواب الأمر أو جواب قسم فهي تبعيضية قطعاً ، إذ الآية على هذه التقادير جميعاً مخبرة بأن إصابة الفتنة لا تخص بالظالمين بل تعم غيرهم أيضاً ، فلو بين الذين ظلموا بالمخاطبين لأفهمت أن الأصحاب رضي الله تعالى عنهم كلهم ظالموا وحاشاهم ، ثم لا يخفى أن الخطاب إذا كان عاماً لأمة وفسرت الفتنة بإثرار المنكر لا يجيء الإشكال على عموم الإصابة بقوله سبحانه : { وَلاَ * تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى } [ الأنعام : 164 ] لأنه كما يجب على مرتكب الذنب الانتهاء عنه يجب على الباقين رفعه وإذا لم يفعلوا كانوا آثمين فيصيبهم ما يصيبهم لأثمهم .
ويدل للوجوب ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيهمهم الله تعالى بعذاب يصيب الظالم و غير الظالم ، وأخرج الترمذي . وأبو داود عن قيس بن حازم عن أبي بكر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب » وروى الترمذي أيضاً عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله تعالى قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . ومن ذهب إلى أن الخطاب خاص فسر الفتنة بافتراق الكلمة ، وجعل ذلك إشارة إلى ما حدث بين أصحاب بدر يوم الجمل .(7/89)
وممن ذهب إلى أنهم المعنيون السدي وغيره ، وأخرج غير واحد عن الزبير قال : قرآنا هذه الآية زماماً وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، وقد أخرج نهيهم عن ذلك على أبلغ وجه وأقيم الظالمون مقام ضميرهم تنبياً على أن تعرض الفتنة وهي افتراق الكلمة من أشد الظلم لا سيما هؤلاء الأجلاء ، ثم فسر بضميرهم دلالة على الاختصا صوأكد بخاصة وكثيراً ما يشدد الأمر على الخاصة { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } لم خالف أمره وكذا من أقر من انتهك محارمه
---------
الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1804)
ثم يؤكد - سبحانه - بعد ذلك ترهيبه لهم من التراخى فى تغيير المنكر فيقول : { واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } .
والفتنة : من الفتن . وأصله - كما يقول الراغب - : إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل فى إدخال الإِنسان النار .
كما فى قوله - تعالى - { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أى : عذابكم . وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعمل فيه نحو قوله - تعالى - : { أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ } وتارة فى الاختيار نحو قوله - تعالى - { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } والمراد بالفتنة هنا العذاب الدنيوي ، كالأمراض ، والقحط ، واضطراب الأحوال ، وتسلط الظلمة ، وعدم الأمان . . وغير ذلك من المحن والمصائب والآلام التى تنزل بالناس بسبب غشيانهم الذنوب ، وإقرارهم للمنكرات ، والمداهنة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
والخطاب لجميع فى كل زمان ومكان .
فالمعنى : دواموا أيها المؤمنون على طاعة الله بقوة ونشاط ، واحذروا من أن ينزل بكم عذاب سيعم عند نزوله الأخيار والفجار والمحسنين والمسيئين .
وقوله : { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } المراد منه الحث على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله - تعالى - .
أى : واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ، وانتهك حرماته .
قال صاحب الكشاف : وقوله { لاَّ تُصِيبَنَّ } لا يخلو من أن يكون جواباً للأمر ، أو نهيا بعد أمر ، أو صفة لفتنة .
فإذا كان جواباً فالمعنى : إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم . . وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل : واحذروا ذنباً أو عقاباً ، ثم قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله الجميع وليس من ظلم منكم خاصة .
فإن قلت : كيف جاز دخول النون المؤكدة فى جواب الأمر؟
قلت : لأن فيه معنى النهى - ومتى كان كذلك جاز إدخال النون المؤكدة - كما إذا قلت : انزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك . ومنه قوله - تعالى - : { ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } وقوله { خَآصَّةً } منصوب على الحال من الفاعل المستكن فى قوله { لاَّ تُصِيبَنَّ } .
ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف . إصابة خاصة .
هذا ، وقد دلت الآية الكريمة على وجوب الإِقلاع عن المعاصى ، ووجوب محاربة مرتكبيها ، فإن الأمة التى تشيع فيها المعاصى والمظالم والمنكرات . . ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها ، تستحق العقوبة جزاء سكوتها واستخذائها وجبنها .
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت فى حق بعض الصحابة الذين اشتركوا فى وقاعة الجمل فيما بعد .
ولكن هذا القول غير صحيح؛ لأن الآية الكريمة تخاطب المؤمنين جميعاً فى كل زمان ومكان ، وأمرهم بالبعد عن المعاصى والمنكرات التى تفضى بهم إلى العذاب الدنيوى قبل الأخروى . وليست خاصة بفريق دون فريق .
لذا قال ابن كثير : والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم الصحيح ، ويدل عليه الأحاديث الواردة فى التحذير من الفتن .
ومن ذلك ما رواه الإِمام أحمد عن عدى بن عميرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله - تعالى - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة " .
وروى الإِمام أحمد أيضاً عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى وهم أعز وأكثر ممن يعملون ، ثم لم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب " .
وقال الإِمام القرطبى : قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب .
ففى صحيح مسلم " عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " " .
وفى صحيح الترمذى : " إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه ، أو شك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " .(7/90)
وفى صحيح البخارى والترمذى عن النعمان بن بشير عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا - أى اقترعوا - على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " .
ففى هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة .
قال علماؤنا : فالفتنة إذا عمت هلك الكل وذلك عند ظهور المعاصى ، وانتشار المنكر وعدم التغيير . وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها .
روى ابن وهب عن مالك قال : تهجر الأرض التى يصنع فيها المنكر جهارا ولا يستقر فيها .
واحتج بصنيع أبى الدرداء فى خروجه عن أرض معاويةحين أعلن بالربا ، فأجاز بيع ساية الذهب بأكثر من وزنها .
فإن قيل : فقد قال الله - تعالى - { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } وقال : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد ، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب؟
فالجواب أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره ، فإذا سكت عليه فكلهم عاص؛ هذا بفعله وهذا برضاه ، وقد جعل الله فى حكمه الراضى بمنزلة العامل؛ فانتظم فى العقوبة .
وقال بعض العلماء : وذكر القسطلانى " أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذى يقع فى الدين بفعل المعاصى ، فلا يتحقق كون الإِنسان كارها له ، إلا إذا تألم للخلل الذى يقع فى الدين ، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده . فكل من لم يكن بهذه الحالة ، فهو راض بالمنكر ، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار .
================
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا
بسم الله الرحمن الرحيم
مداراة محمد لقومه:
“لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ; (آية 286).
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما أورد محمد قوله وإنْ تُبْدوا ما في أنفسِكم أو تُخْفوه يحاسِبْكم بهِ اللهُ (عدد 284) اشتدّ ذلك على أصحابه، فأتوا محمداً ثم جثوا على الرُّكب فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا. غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما فعلوا ذلك نسخها الله بقوله: لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 286).
فمن هنا ترى أن محمداً كان يتقلّب مع قومه ويدور معهم حسب ميولهم، وهو من أنواع السياسة، ليرضيهم. والله يرسل أنبياءه الصادقين ليعلّموا الناس إرادته الصالحة، مهما كانت ضد ميولهم وطباعهم.
-----------
الرد
أعتقد أن قصص الأنبياء والرسل والزنا والفحشاء والقتل والخداع والتزوير كما جاء بالكتاب المقدس عنهم تكفي لتوضح وشرح لأكذوبة نسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }.
وهكذا يتصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها الله عليه في خلافته للأرض؛ وفي ابتلائه في أثناء الخلافة؛ وفي جزائه على عمله في نهاية المطاف. ويطمئن إلى رحمة الله وعدله في هذا كله؛ فلا يتبرم بتكاليفه، ولا يضيق بها صدراً، ولا يستثقلها كذلك، وهو يؤمن أن الله الذي فرضها عليه أعلم بحقيقة طاقته، ولو لم تكن في طاقته ما فرضها عليه. ومن شأن هذا التصور - فضلاً عما يسكبه في القلب من راحة وطمأنينة وأنس - أن يستجيش عزيمة المؤمن للنهوض بتكاليفه، وهو يحس أنها داخلة في طوقه؛ ولو لم تكن داخلة في طوقه ما كتبها الله عليه؛ فإذا ضعف مرة أو تعب مرة أو ثقل العبء عليه، أدرك أنه الضعف لا فداحة العبء! واستجاش عزيمته ونفض الضعف عن نفسه وهمّ همة جديدة للوفاء، ما دام داخلاً في مقدروه! وهو إيحاء كريم لاستنهاض الهمة كلما ضعفت على طول الطريق! فهي التربية كذلك لروح المؤمن وهمته وإرادته؛ فوق تزويد تصوره بحقيقة إرادة الله به في كل ما يكلفه.
ثم الشطر الثاني من هذا التصور:
{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }.(7/91)
فردية التبعة، فلا تنال نفس إلا ما كسبت؛ ولا تحمل نفس إلا ما اكتسبت.. فردية التبعة، ورجعة كل إنسان إلى ربه بصحيفته الخاصة، وما قيد فيها له أو عليه. فلا يحيل على أحد، ولا ينتظر عون أحد.. ورجعة الناس إلى ربهم فرادى من شأنها - حين يستيقنها القلب - أن تجعل كل فرد وحدة إيجابية لا تنزل عن حق الله فيها لأحد من عباده إلا بالحق. وتقف كل إنسان مدافعاً عن حق الله فيه تجاه كل إغراء، وكل طغيان، وكل إضلال، وكل إفساد، فهو مسؤول عن نفسه هذه وعن حق الله فيها - وحق الله فيها هو طاعته في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه، وعبوديتها له وحده شعوراً وسلوكاً - فإذا فرط في هذا الحق لأحد من العبيد تحت الإغراء والإضلال، أو تحت القهر والطغيان - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان - فما أحد من تلك العبيد بدافع عنه يوم القيامة ولا شافع له؛ وما أحد من تلك العبيد بحامل عنه شيئاً من وزره ولا ناصر له من الله واليوم الآخر.. ومن ثم يستأسد كل إنسان في الدفع عن نفسه والدفاع عن حق الله فيها، ما دام هو الذي سيلقى جزاءه مفرداً وحيداً! ولا خوف من هذه الفردية - في هذا المقام - فمن مقتضيات الإيمان أن ينهض كل فرد في الجماعة بحق الجماعة عليه، بوصفه طرفاً من حق الله في نفسه. فهو مأمور أن يتكافل مع الجماعة في ماله وكسبه، وفي جهده ونصحه، وفي إحقاق الحق في المجتمع وإزهاق الباطل، وفي تثبيت الخير والبر وإزاحة الشر والنكر.. وكل أولئك يحسب له أو عليه في صحيفته يوم يلقى الله فرداً فيتلقى هنالك جزاءه!
وكأنما سمع المؤمنون هذه الحقيقة وأدركوها.. فها هو ذا ينطلق من قلوبهم دعاء خافق واجف، يذكره النص القرآني بطريقة القرآن التصويرية؛ فكأنما نحن أمام مشهد الدعاء، وصفوف المؤمنين قائمة تردده في خشوع؛ عقب إعلان حقيقة التكاليف وحقيقة الجزاء:
{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }..
وهو دعاء يصور حال المؤمنين مع ربهم؛ وإدراكهم لضعفهم وعجزهم، وحاجتهم إلى رحمته وعفوه، وإلى مدده وعونه؛ وإلصاق ظهورهم إلى ركنه، والتجائهم إلى كنفه، وانتسابهم إليه وتجردهم من كل من عداه؛ واستعدادهم للجهاد في سبيله واستمدادهم النصر منه.. كل أولئك في نغمة وادعة واجفة تصور بإيقاعاتها وجيب القلب ورفرفة الروح
================
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
إبراهيم والذبيحة:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ; (آية 260).
مهما حاول المفسرون في الاعتذار عن شكّ إبراهيم في قدرة الله على إحياء الموتى، فعبارة القرآن ناطقة بوقوع الشكّ منه في قدرة الله، وإلا لما قال: رب أرني كيف تحيي الموتى. وعن أبي هريرة أنّ محمداً قال: نحن أحق بالشكّ من إبراهيم، إذا قال: ربي أرني كيف تحيي الموتى. قال: أوَلم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي. ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبتُ الداعي . قالوا لما نزلت هذه الآية الواردة في القرآن قال قوم: شكّ إبراهيم ولم يشكّ محمد فردّ ليتستَّروا به على شكوك محمد(ابن كثير في البقرة 2: 260).
قالوا: والأربعة الطيور التي قدمها إبراهيم هي أنه أخذ طاووساً وديكاً وحمامة وغراباً، وقيل نسراً بدل الحمامة. قال ابن عباس: وجعل كل طائرٍ أربعة أجزاء وجعلها على أربعة جبال، على كل جبلٍ رُبعاً من كل طائر، وقيل جزَّأها سبعة أجزاءٍ ووضعها على سبعة جبال وأمسك رؤوسهنّ بيده، ثم دعاهنّ: تعالين بإذن الله، فجعلت كل قطرة من دم طائر تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى، وكل عظم يطير إلى العظم الآخر، ثم أقبلت سعياً إلى رؤوسهن (ابن كثير في البقرة 2: 260).(7/92)
وكتاب الله يعلّمنا أن إبراهيم لم يشكّ في قدرة الله، بل يُضرَب بإيمانه المثل، ولذا سُمّي أبو المؤمنين. ولما أمره الله أن يقدم ابنه وحيده ذبيحةً أطاع الأمر، مع أنه كان هَرِماً وامرأته متقدمة في السن، ولكنه آمن أن الله قادرٌ أن يقيم من الحجارة أولاداً له. ولما وعده الله أنه سيُكثر نسله ويكون كنجوم السماء في الكثرة آمن بالله، فوعده أن يعطيه أرض الميعاد، ثم أعطاه هذه العلامة وهي أن يأخذ عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً ويمامةً وحمامة. فأخذها وشقَّها من الوسط، وأما الطير فلم يشقه. ثم غابت الشمس فصارت العتمة، وإذا تنّور دخانٍ ومصباح نارٍ يجوز بين تلك القطع (سفر التكوين 15). فهذه الذبيحة هي لتأييد العهد الذي عقده الله مع إبراهيم، فكانت العادة عند قطع عهد أن يذبحوا الذبيحة إشارة إلى أن من ينكث العهد يمزّقه سيف العدل الإلهي، فالله سبحانه تفضّل وأعطاه هذه العلامة لتأييد العهد وتثبيت إيمانه، وإنه سينجز ما وعده به.
وفي القصة أربعة أخطاء (1) في قوله إن إبراهيم طلب من الله أن يريه كيف يُحيي الموتى وإنه شكّ بالله. (2) في قوله إن الله أمر أن يأخذ أربعة طيور، والحقيقة خلاف ذلك (3) في قوله إن الطيور أتت سعياً. (4) في قوله إن الله أمر أن يضع كل جزءٍ منها على جبل.
وواضح أن الأحوال لم تساعد محمداً على تحرّي الحقائق، فلم يكن عصره عصر تمدّنٍ ومطابع، كما أن كُتَّابه كانوا يتصرَّفون فيما يُمليه عليهم. ذكر في السيرة للعراقي أن كتّابه كانوا اثنين وأربعين، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وهو أول من كتب له من قريش بمكة ثم ارتد، وصار يقول: كنت أصرف محمداً حيث أريد. كان يملي عليّ عزيز حكيم، فأكتب عليم حكيم فيقول: نعم، كلٌّ صواب . ويقول: اكتب كيف شئت . ولما فضحه هذا الكاتب أورد في القرآن قوله: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ; (الأعراف 7: 37). ولما كان يوم الفتح أمر محمدٌ بقتله، ففرَّ إلى عثمان بن عفان لأنه كان أخاه من الرضاعة (أرضعت أمُّه عثمانَ) فغيَّبه عثمان عنه، ثم جاء به بعد ما اطمأن الناس واستأمن له محمداً، فصمت محمد طويلاً ثم قال نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد لمن حوله: ما صمتُّ عنه إلا لتقتلوه .
الرد
-----------
وسيدنا إبراهيم عليه السلام حفظ الأدب مع الله ، فإنه أثنى على الله أولاً بقوله { رَبّ } ثم دعا حيث قال: { أَرِنِى } ... وهذا تأكيد أن سيدنا ابراهيم عليه السلام مؤمن بالله لقول قبل ذي بدأ { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ } .... فصاحب الشبهة جاهل
لأننا ما سمعنا أن هذه الشبهة أثارها عرب الجاهلية في عصر زول الوحي .
ذكروا في سبب سؤال إبراهيم : ما قاله قوم من الجهال، وهو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان شاكاً في معرفة المبدأ وفي معرفة المعاد، أما شكه في معرفة المبدأ فقوله { هَذَا رَبّى } وقوله { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالّينَ }
[الأنعام: 77]
وأما شكه في المعاد فهو في هذه الآية، وهذا القول سخيف، بل كفر وذلك لأن الجاهل بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى كافر، فمن نسب النبي المعصوم إلى ذلك فقد كفر النبي المعصوم، فكان هذا بالكفر أولى، ومما يدل على فساد ذلك وجوه أحدها: قوله تعالى: { أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } ولو كان شاكاً لم يصح ذلك
وثانيها: قوله { وَلَكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } وذلك كلام عارف طالب لمزيد اليقين، ومنها أن الشك في قدرة الله تعالى يوجب الشك في النبوّة فكيف يعرف نبوّة نفسه.
/أما قوله تعالى: { أَوَلَمْ تُؤْمِن } ففيه وجهان
أحدهما: أنه استفهام بمعنى التقرير، قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ......... وأندى العالمين بطون راح
والثاني: المقصود من هذا السؤال أن يجيب بما أجاب به ليعلم السامعون أنه عليه السلام كان مؤمناً بذلك عارفاً به وأن المقصود من هذا السؤال شيء آخر.
أما قوله تعالى: { قَالَ بَلَى وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } فاعلم أن اللام في { لّيَطْمَئِنَّ } متعلق بمحذوف، والتقدير: سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب، قالوا. والمراد منه أن يزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل وإلا فاليقين حاصل على كلتا الحالتين.
وهاهنا بحث عقلي وهو أن التفسير مفرع على أن العلوم يجوز أن يكون بعضها أقوى من بعض، وفيه سؤال صعب، وهو أن الإنسان حال حصول العلم له إما أن يكون مجوزاً لنقيضه، وإما أن لا يكون، فإن جوّز نقيضه بوجه من الوجوه، فذاك ظن قوي لا اعتقاد جازم، وإن لم يجوز نقيضه بوجه من الوجوه امتنع وقوع التفاوت في العلوم.
واعلم أن هذا الإشكال إنما يتوجه إذا قلنا المطلوب هو حصول الطمأنينة في اعتقاد قدرة الله تعالى على الإحياء، أما لو قلنا: المقصود شيء آخر فالسؤال زائل.
سفر العدد 20(7/93)
12فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيل لِذَلِكَ لا تُدْخِلانِ هَذِهِ الجَمَاعَةَ إِلى الأَرْضِ التِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا».
يوحنا 5
5: 38 و ليست لكم كلمته ثابتة فيكم لان الذي ارسله هو لستم انتم تؤمنون به
يوحنا
10: 37 ان كنت لست اعمل اعمال ابي فلا تؤمنوا بي
يوحنا
14: 10 الست تؤمن اني انا في الاب و الاب في الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال
14: 11 صدقوني اني في الاب و الاب في و الا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها
فهذا يوضح أن الإيمان بالمسيحية لا يأتي إلا باعمال المعجزات .... فكما جاء بيوحنا 14 يظهر أن اليسوع الذي يؤمن به النصارى أنه الله لا يؤمن به أحد من التلاميذ إلا بأعماله ... والدليل أن قال ( صدقوني ) فهذه الكلمة لا تؤكد إلا على تكذيبه وان التلاميذ لم يؤمنوا به وقد ظهر ذلك في أخر الإصحاح والذي أقر فيه اليسوع أنهم ليسوا مؤمنين .
وانظر إلى سفر العدد والذي جاء بأن مرسى وهارون كفروا بربهم الذي أوحى لهم بالأسفار الخمسة .. فهل تأخذ كتابات كفره ونقول أنها من وحي سماوي لموسى ؟ كيف ؟ ألم يكفر ؟.
إقتباس:
وواضح أن الأحوال لم تساعد محمداً على تحرّي الحقائق، فلم يكن عصره عصر تمدّنٍ ومطابع
اعتقد أن الكتاب المقدس قرره قسطنطين في القرن الرابع ، أي قبل مجيء الإسلام 350 عام ، بمعني ما مر به الكتاب المقدس اصعب مما مر به القرآن الكريم.... ويكفينا أعترافات الكنائس ورجال الدين المسيحي وكذا المواقع المسيحية بأن الكتاب المقدس كتاب محرف ومزور وبه أخطاء فاقت كل التصورات العقلية .
ورسالة القرآن هي الرسالة الوحيدة في الكون التي بقيت وحفظت بلغتها الأصلية بدءً من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وتدوينه آيات الوحي اولاً بأولا ( كما أقر صاحب الشبهة حيث قال : أن كُتَّابه كانوا يتصرَّفون فيما يُمليه عليهم ) وهذا يؤكد تدوين القرآن وحفظه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كانت النسخة الصلية بيد السيدة حفصة رضى الله عنها وهي النسخة التي نسخ منها سيدنا عثمان ابن عفان ولم تحرق هذه النسخة إلا بعد وفاة السيدة حفظة والذي حرقها لم يكن سيدنا عثمان
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=6
وأما ما قيل عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري فبرجوع للمواقع المسيحية وقراءة تاريخ الأقباط والفتوحات الإسلامية في عهد عثمان ابن عفاف سنجد أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري كان القائد المسلم الذي قاد جيش الإسلام لفتح افريقيا وتحريرها من البربر والوثنيين ليطبق قول الحق { لا إكراه في الدين ) .... فلو كان القرآن كتاب زوره الكتبه أو زوره رسول الله ، هل يُعقل أن يعتنق عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري الإسلام مرة أخر بعد أن أرتد ؟ بل هذا دليل قاطع بأن ما جاء عن لسان يوم أرتد كان كذباً وقد هداه الله للإسلام مرة أخرى لإثبات الحق .
رسول الله عنده استحياء ، ولا أدل على هذا وهو في قمة انتصاره على قريش ، ودخوله مكة فاتحاً ، سماهم الطلقاء ، وكان قد أهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، لأنه نال منة رسول الله كثيراً ، فلما أهدر دمه ، جاء عثمان ابن عفان رضى الله عنه يطلب من رسول الله المان لعبد الله بن أبي السرح ، فلم يرد عليه رسول الله وسكت ، انتظاراً لأن يقتله أحد المسلمين ، ولكن عثمان رضى الله عنه اعاد السؤال وكرره ، فلما استحى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عثمان ، أمن عبد الله ، فلما أمنه وأخذه عثمان وخرج من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الرسول للحاضرين : ( ألم يكن فيكم رجل رشيد يقوم إلى الرجل فيقتله ؟ ) فقال عباد بن بشر ، رضى الله عنه : يارسول الله إن عيني كانت في عينك وأنا أنتظر منك إشارة أن أقتله ، ولكنك لم تفعل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين ) .. صدق رسول الله ... ولو كره الضالون
=================
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهَيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
“أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهَيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ َلَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَا نْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ; (آية 259).(7/94)
اختلفوا في والذي مرَّ . فرُوي عن مجاهد أنه كان كافراً شكّ في البعث. وهذا قول ضعيف لقوله كم لبثْتَ والله لا يخاطب الكافر، ولقوله آيةً للناس وهذا لا يُقال في الكافر، وإنما يُقال في الأنبياء. وقال قتادة وعكرمة والضحاك والسدي: هو عُزَيرْ بن شرخيا، وإنه لما رجع إلى منزله كان شاباً وأولاده شيوخاً، فإذا حدّثهم بحديث قالوا حديث مائة سنة. ولما قال لهم أنا عُزير كذّبوه، فقرأ التوراة من الحفظ، ولم يحفظها أحدٌ قبله. فعرفوه بذلك، وقالوا هو ابن الله. وأمره الله أن ينظر إلى حماره كيف تفرَّقت عظامه، أو قال له انظر إليه سالماً كما ربطتَه حفظناه بلا ماءٍ وعلفٍ، كما حفظنا الطعام والشراب من التغيير. وقال وهب بن منبّه: هو إرميا بن حلقيا من سبط هارون.
واختلفوا في القرية فقيل هي بيت المقدس، وقيل هي ديرسابر أباد، في فارس. وقيل سلماباد قرية من نواحي جرجان، وقيل هي دير هرقل بين البصرة وعسكر مكرم (ابن كثير القرطبي الطبري في تفسير البقرة 2: 259).
ولو كان لهذه القصة أصل في كتب الوحي الإلهي لذَكَر اسم هذا الشخص، ووفَّر على المفسرين الظن والتخمين.
ومن تأمل في التوراة والإنجيل، لا يجد فيها شيئاً من ذلك، ولكن نجد لها أصلاً في كتب اليونان القديمة. وهي حكاية أبيمنيدس، الكاهن والشاعر اليوناني، وأدرجه البعض في سلك علماء اليونان السبعة عوضاً عن برياندر، وُلد في كريت في القرن السابع قبل المسيح، فروى قومه وهم وثنيون أنه نام نحو 57 سنة في مغارة، وفي أثنائها نزل عليه الوحي. فلما استيقظ (أو لما بُعث كما قال القرآن) انذهل من تغيُّر أحوال أهل وطنه، وقيل إنه عاش نحو 199 سنة. وفي سنة 569 ق م سافر إلى أثينا، بدعوةٍ من سكانها الذين تضايقوا من الحرب والطاعون، فأخبرهم أئمة ديانتهم أن سبب ذلك هو أنهم قتلوا أنصار سولون في هيكل آلهتهم، والواجب أن يكفّروا عن ذنبهم، فاستدعوا أبيمنيدس المشهور بالحكمة ًوالصلاح ليستعطف الآلهة، فأتى وقدّم الذبائح وأجرى الرسوم الدينية، فوقف الطاعون. ثم عاون سولون على تنقيح نظامات أثينا. ولما عزم على العودة إلى وطنه لم يرْضَ أن يقبل هدايا، ولم يطلب سوى غصن شجرة زيتون.
الرد
--------
قبل وفاة موسى عليه السلام دعا سبعين رجلاً من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم/ التوراة واستخلف يوشع بن نون ، وأوصى موسى ليوشع بن نون بخلافته في بني إسرائيل من بعده ، و يوشع بن نون من تلاميذ موسى عليه السلام ، وصار نبيًا قاد بني إسرائيل في أعظم ملحمة لهم ودخل بهم الأرض المقدسة ، وواصل يشوع وقومه إلحاق الهزائم بالكنعانيين حتى استطاعوا السيطرة على جزء من المدن الكنعانية.
وعندما توفي يشوع تولى حكماء العبرانيين الحكم من بعده وأطلق على هذه الفترة ــ فترة حكم "القضاة" والتي استمرت 150 سنة، ثم انتخب شاؤول ملكا على "مملكة يهودا" ، فبعد وفاته انقسم العبرانيون وقامت الحروب بين الفريقين وبعدها أصبح داود عليه السلام ملكا،فاتسعت مملكة داود لتشمل على معظم المنطقة الممتدة من جبل الكرمل وجبل حرمون شمالا حتى الحدود المصرية جنوبا وحتى الصحراء شرقا ، وبعد وفاة سيدنا داود استلم الحكم ابنه سليمان (عليه السلام) كثالث ملك للمملكة اليهودية ، وبعد وفاة سليمان (عليه السلام) انقسمت المملكة اليهودية التي دامت 97 سنة إلى مملكتين صغيرتين (مملكة إسرائيل في الشمال)، (ومملكة يهودا في الجنوب) وجرت معارك طاحنة بين المملكتين واستعان كلاهما بالممالك المجاورة ،والعديد من مملكة إسرائيل كانوا وثنيين وعشرة من بين ملوكهم أل 19 قتلوا على أيدي شعبهم. وفي 722 ق.م : تمكن الأشوريون من تدمير مملكة إسرائيل وعاصمتها سامره وهاجم كذلك الكلدانيون بقيادة نبوخذ نصر مرتين مملكة يهودا في أواخر أيامها ، وفي 586 ق.م كانت المرة الثانية التي غزا فيها نبوخذ نصر القدس وقام بحرق الهيكل ودمر المدينة وأخذ 50.000 أسيرا إلى بابل وآلت فلسطين بعد ذلك إلى حكم الكلدانيين وهذا هو التاريخ الأسود في مملكة إسرائيل ، ونتيجة لما تعرض له اليهود من غزو وتدمير، ولا سيما بعد أن حرق بختنصر الهيكل ، وسبى اليهود إلى بابل ، وفي هذه الحادثة انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأسا ، ولكن ومن خلال هذه الحروب جاء سيدنا عزير (عزرا) عليه السلام سنة 534 ق.م وكان أبوه سروخاً قد دفن التوراة في موضع لم يعرفه أحد غير عزير عليه السلام
والمشهور أن عزيراً من أنبياء بني إسرائيل ، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل(7/95)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ذكر الطبرانى و السيوطى و ابن كثير أن هذه الآية المقصود بها عزير
و فى تفسيرها أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف انتهى إلى حين بيت المقدس فقامت الظهيرة أصابه الحر، فدخل بيت المقدس وكان خربة وهو على حمار له، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فنزل في ظل وأخرج قصعة معه، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة، ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها، ورأى عظاما بالية فقال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها!}
فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا. فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام، فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث، فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى، ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد، ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل، فاستوى جالسا فقال له الملك: كم لبثت ؟
قال: لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب. فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم.
فقال له الملك: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة، فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس، فذلك قوله {لم يتسنه} يعني لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله، فكأنه أنكر في قلبه.
فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك. فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم، ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا،
فذلك قوله {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما}
يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحما {فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} من احياء الموتى وغيره.
قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر منازله، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله ، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، وبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس.
قال: فإني أنا عزير.
قالت: سبحان الله! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر.
قال: فإني أنا عزير، كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني.
قالت: فإن عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك، فإن كنت عزيرا عرفتك. فدعا ربه ومسح يده على عينيهما؟؟ فصحتا، وأخذ بيدها فقال: قومي بإذن الله، فأطلق الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير.
{وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}
و جاء عزير الى بنى اسرائيل
فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا.
فانطلق بهم إلى ذلك موضع دفن أبيه للتوراة فحفر فاستخرج التوراة، وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة ... فكتب عزير لبني إسرائيل التوراة من حفظه
فقال بني إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب وأن عزيراً قد جاءنا بها من غير كتاب. فقالت طوائف منهم عزير ابن الله
--------------
تفسير الرازي - (ج 3 / ص 467)
قوله تعالى : { أَوْ كالذى مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } .
وفي الآية مسائل :(7/96)
المسألة الأولى : اختلف النحويون في إدخال الكاف في قوله { أَوْ كالذى } وذكروا فيه ثلاثة أوجه الأول : أن يكون قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذى حَاجَّ إبراهيم } [ البقرة : 258 ] في معنى ( أَلم تر كالذي حاج ابراهيم ) وتكون هذه الآية معطوفة عليه ، والتقدير : أرأيت كالذي حاج إبراهيم ، أو كالذي مرّ على قرية ، فيكون هذا عطفاً على المعنى ، وهو قول الكسائي والفرّاء وأبي علي الفارسي ، وأكثر النحويين قالوا : ونظيره من القرآن قوله تعالى : { قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [ المؤمنون : 84 ، 85 ] ثم قال : { مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [ المؤمنون : 85 ، 86 ] فهذا عطف على المعنى لأن معناه : لمن السموات؟ فقيل لله . قال الشاعر : معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فحمل على المعنى وترك اللفظ .
والقول الثاني : وهو اختيار الأخفش : أن الكاف زائدة ، والتقدير : ألم تر إلى الذي حاج والذي مرّ على قرية .
والقول الثالث : وهو اختيار المبرد : أنا نضمر في الآية زيادة ، والتقدير : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم ، وألم تر إلى من كان كالذي مرّ على قرية .
المسألة الثانية : اختلفوا في الذي مرّ بالقرية ، فقال قوم : كان رجلاً كافراً شاكاً في البعث وهو قول مجاهد وأكثر المفسرين من المعتزلة ، وقال الباقون : إنه كان مسلماً ، ثم قال قتادة وعكرمة والضحاك والسدي : هو عزير ، وقال عطاء عن ابن عباس : هو أرمياء ، ثم من هؤلاء من قال : إن أرمياء هو الخضر عليه السلام ، وهو رجل من سبط هارون بن عمران عليهما السلام ، وهو قول محمد بن إسحاق ، وقال وهب بن منبه : إن أرمياء هو النبي الذي بعثه الله عندما خرب بختنصر بيت المقدس وأحرق التوراة ، حجة من قال : إن هذا المار كان كافراً وجوه الأول : أن الله حكى عنه أنه قال : { أنى يحي هذه الله بعد موتها } وهذا كلام من يستبعد من الله الإحياء بعد الإماتة وذلك كفر .
فإن قيل : يجوز أن ذلك وقع منه قبل البلوغ .
قلنا : لو كان كذلك لم يجز من الله تعالى أن يعجب رسوله منه إذ الصبي لا يتعجب من شكه في مثل ذلك ، وهذه الحجة ضعيفة لاحتمال أن ذلك الاستبعاد ما كان بسبب الشك في قدرة الله تعالى على ذلك ، بل كان بسبب إطراد العادات في أن مثل ذلك الموضع الخراب قلما يصيره الله معموراً وهذا كما أن الواحد منا يشير إلى جبل ، فيقول : متى يقلبه الله ذهباً ، أو ياقوتاً ، لا أن مراده منه الشك في قدرة الله تعالى ، بل على أن مراده منه أن ذلك لا يقع ولا يحصل في مطرد العادات ، فكذا هاهنا .
الوجه الثاني : قالوا : إنه تعالى قال في حقه { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } وهذا يدل على أنه قبل ذلك لم يكن ذلك التبين حاصلاً له وهذا أيضاً ضعيف لأن تبين الإحياء على سبيل المشاهدة ما كان حاصلاً له قبل ذلك ، فأما أن تبين ذلك على سبيل الاستدلال ما كان حاصلاً فهو ممنوع .
الوجه الثالث : أنه قال : { أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } وهذا يدل على أن هذا العالم إنما حصل له في ذلك الوقت ، وأنه كان خالياً عن مثل ذلك العلم قبل ذلك الوقت ، وهذا أيضاً ضعيف لأن تلك المشاهدة لا شك أنها أفادت نوع توكيد وطمأنينة ووثوق ، وذلك القدر من التأكيد إنما حصل في ذلك الوقت ، وهذا لا يدل على أن أصل العلم ما كان حاصلاً قبل ذلك .
الوجه الرابع : لهم أن هذا المار كان كافراً لانتظامه مع نمروذ في سلك واحد وهو ضعيف أيضاً ، لأن قبله وإن كان قصة نمروذ ، ولكن بعده قصة سؤال إبراهيم ، فوجب أن يكون نبياً من جنس إبراهيم .
وحجة من قال : إنه كان مؤمناً وكان نبياً وجوه الأول : أن قوله { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } يدل على أنه كان عالماً بالله ، وعلى أنه كان عالماً بأنه تعالى يصح منه الإحياء في الجملة ، لأن تخصيص هذا الشيء باستبعاد الإحياء إنما يصح أن لو حصل الاعتراف بالقدرة على الإحياء في الجملة فأما من يعتقد أن القدرة على الإحياء ممتنعة لم يبق لهذا التخصيص فائدة .
/الحجة الثانية : أن قوله { كَمْ لَبِثْتَ } لا بد له من قائل والمذكور السابق هو الله تعالى فصار التقدير : قال الله تعالى : { كَمْ لَبِثْتَ } فقال ذلك الإنسان { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فقال الله تعالى : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } ومما يؤكد أن قائل هذا القول هو الله تعالى قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ } ومن المعلوم أن القادر على جعله آية للناس هو الله تعالى ، ثم قال : { وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } ولا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى؛ فثبت أن هذه الآية دالة من هذه الوجوه الكثيرة على أنه تكلم معه ، ومعلوم أن هذا لا يليق بحال هذا الكافر .(7/97)
فإن قيل : لعله تعالى بعث إليه رسولاً أو ملكاً حتى قال له هذا القول عن الله تعالى .
قلنا : ظاهر هذا الكلام يدل على أن قائل هذه الأقوال معه هو الله تعالى ، فصرف اللفظ عن هذا الظاهر إلى المجاز من غير دليل يوجبه غير جائز .
والحجة الثالثة : أن إعادته حياً وإبقاء الطعام والشراب على حالهما ، وإعادة الحمار حياً بعد ما صار رميماً مع كونه مشاهداً لإعادة أجزاء الحمار إلى التركيب وإلى الحياة إكرام عظيم وتشريف كريم ، وذلك لا يليق بحال الكافر له .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن كل هذه الأشياء إنما أدخلها الله تعالى في الوجود إكراماً لإنسان آخر كان نبياً في ذلك الزمان .
قلنا : لم يجر في هذه الآية ذكر هذا النبي ، وليس في هذه القصة حالة مشعرة بوجود النبي أصلاً فلو كان المقصود من إظهار هذه الأشياء إكرام ذلك النبي وتأييد رسالته بالمعجزة لكان ترك ذكر ذلك الرسول إهمالاً لما هو الغرض الأصلي من الكلام وأنه لا يجوز .
فإن قيل : لو كان ذلك الشخص لكان إما أن يقال : إنه ادعى النبوّة من قبل الإماتة والإحياء أو بعدهما ، والأول : باطل ، لأن إرسال النبي من قبل الله يكون لمصلحة تعود على الأمة ، وذلك لا يتم بعد الإماتة ، وإن ادعى النبوّة بعد الإحياء فالمعجز قد تقدم على الدعوى ، وذلك غير جائز .
قلنا : إظهار خوارق العادات على يد من يعلم الله أنه سيصير رسولاً جائز عندنا ، وعلى هذا الطريق زال السؤال .
الحجة الرابعة : أنه تعالى قال في حق هذا الشخص { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ } وهذا اللفظ إنما يستعمل في حق الأنبياء والرسل قال تعالى : { وجعلناها وابنها ءَايَةً للعالمين } [ الأنبياء : 91 ] فكان هذا وعداً من الله تعالى بأنه يجعله نبياً ، وأيضاً فهذا الكلام لم يدل على النبوّة بصريحه فلا شك أنه يفيد التشريف العظيم ، وذلك لا يليق بحال من مات على الكفر وعلى الشك في قدرة الله تعالى .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من جعله آية أن من عرفه من الناس شاباً كاملاً إذا شاهدوه بعد مائة سنة على شبابه وقد شاخوا أو هرموا ، أو سمعوا بالخبر أنه كان مات منذ زمان وقد عاد شاباً صح أن يقال لأجل ذلك إنه آية للناس لأنهم يعتبرون بذلك ويعرفون به قدرة الله تعالى ، ونبوّة نبي ذلك الزمان .
والجواب من وجهين الأول : أن قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً } إخبار عن أنه تعالى يجعله آية ، وهذا الاخبار إنما وقع بعد أن أحياه الله ، وتكلم معه ، والمجعول لا يجعل ثانياً ، فوجب حمل قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ } على أمر زائد عن هذا الإحياء ، وأنتم تحملونه على نفس هذا الإحياء فكان باطلاً والثاني : أنه وجه التمسك أن قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ } يدل على التشريف العظيم ، وذلك لا يليق بحال من مات على الكفر والشك في قدرة الله تعالى .(7/98)
الحجة الخامسة : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول الآية قال : إن بختنصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم الكثيرون ، ومنهم عزير وكان من علمائهم ، فجاء بهم إلى بابل ، فدخل عزير يوماً تلك القرية ونزل تحت شجرة وهو على حمار ، فربط حماره وطاف في القرية فلم ير فيها أحداً فعجب من ذلك وقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } لا على سبيل الشك في القدرة ، بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة ، وكانت الأشجار مثمرة ، فتناول من الفاكهة التين والعنب ، وشرب من عصير العنب ونام ، فأماته الله تعالى في منامه مائة عام وهو شاب ، ثم أعمى عن موته أيضاً الإنس والسباع والطير ، ثم أحياه الله تعالى بعد المائة ونودي من السماء : يا عزير { كَمْ لَبِثْتَ } بعد الموت فقال { يَوْماً } فأبصر من الشمس بقية فقال { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فقال الله تعالى : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ } من التين والعنب وشرابك من العصير لم يتغير طعمهما ، فنظر فإذا التين والعنب كما شاهدهما ثم قال : { وانظر إلى حِمَارِكَ } فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح وقد تفرقت أوصاله وسمع صوتاً أيتها العظام البالية إني جاعل فيك روحاً فانضم أجزاء العظام بعضها إلى بعض ، ثم التصق كل عضو بما يليق به الضلع إلى الضلع والذراع إلى مكانه ثم جاء الرأس إلى مكانه ثم العصب والعروق ثم أنبت طراء اللحم عليه ، ثم انبسط الجلد عليه ، ثم خرجت الشعور عن الجلد ، ثم نفخ فيه الروح ، فإذا هو قائم ينهق فخر عزير ساجداً ، وقال : { أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ثم إنه دخل بيت المقدس فقال القوم : حدثنا آباؤنا أن عزير بن شرخياء مات ببابل ، وقد كان بختنصر قتل ببيت المقدس أربعين ألفاً ممن قرأ التوراة وكان فيهم عزير ، والقوم ما عرفوا أنه يقرأ التوراة ، فلما أتاهم بعد مائة عام جدد لهم التوراة وأملاها عليهم عن ظهر قلبه لم يخرم منها حرفاً ، وكانت التوراة قد دفنت في موضع فأخرجت وعورض بما أملاه فما اختلفا في حرف ، فعند ذلك قالوا : عزير بن الله ، وهذه الرواية مشهورة فيما بين الناس ، وذلك يدل على أن ذلك المار كان نبياً .
المسألة الثالثة : اختلفوا في تلك القرية فقال وهب وقتادة وعكرمة والربيع : إيلياء وهي بيت المقدس ، وقال ابن زيد : هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت .
أما قوله تعالى : { وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } قال الأصمعي : خوى البيت فهو يخوى خواء ممدود إذا ما خلا من أهله ، والخوا : خلو البطن من الطعام ، وفي الحديث : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى » أي خلى ما بين عضديه وجنبيه ، وبطنه وفخذيه ، وخوى الفرس ما بين قوائمه ، ثم يقال للبيت إذا انهدم : خوى لأنه بتهدمه يخلو من أهله ، وكذلك : خوت النجوم وأخوت إذا سقطت ولم تمطر لأنها خلت عن المطر ، والعرش سقف البيت ، والعروش الأبنية ، والسقوف من الخشب يقال : عرش الرجل يعرش ويعرش إذا بني وسقف بخشب ، فقوله : { وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } أي منهدمة ساقطة خراب ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وفيه وجوه أحدها : أن حيطانها كانت قائمة وقد تهدمت سقوفها ، ثم انقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المنهدمة ، ومعنى الخاوية المنقلعة وهي المنقلعة من أصولها يدل عليه قوله تعالى : { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] وموضع آخر { أَعْجَازُ نَخْلٍ منقعر } [ القمر : 20 ] وهذه الصفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به والثاني : قوله تعالى : { خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } أي خاوية عن عروشها ، جعل ( على ) بمعنى ( عَنْ ) كقوله { إِذَا اكتالوا عَلَى الناس } [ المطففين : 2 ] أي عنهم والثالث : أن المراد أن القرية خاوية مع كون أشجارها معروشة فكان التعجب من ذلك أكثر ، لأن الغالب من القرية الخالية الخاوية أن يبطل ما فيها من عروش الفاكهة ، فلما خربت القرية مع بقاء عروشها كان التعجب أكثر .
أما قوله تعالى : { قَالَ أنى يُحْىِ هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا } فقد ذكرنا أن من قال : المار كان كافراً حمله على الشك في قدرة الله تعالى ، ومن قال كان نبياً حمله على الاستبعاد بحسب مجاري العرف والعادة أو كان المقصود منه طلب زيادة الدلائل لأجل التأكيد ، كما قال إبراهيم عليه السلام : { أرني كيف تحيي الموتى } [ البقرة : 260 ] وقوله { أنّى } أي من أين كقوله { أنى لَكِ هذا } [ آل عمران : 37 ] والمراد بإحياء هذه القرية عمارتها ، أي متى يفعل الله تعالى ذلك ، على معنى أنه لا يفعله فأحب الله أن يريه في نفسه ، وفي إحياء القرية آية { فَأَمَاتَهُ الله مِاْئَةَ عَامٍ } وقد ذكرنا القصة .
فإن قيل : ما الفائدة في إماتة الله له مائة عام ، مع أن الاستدلال بالإحياء يوم أو بعد بعض يوم حاصل .(7/99)
قلنا : لأن الإحياء بعد تراخي المدة أبعد في العقول من الإحياء بعد قرب المدة ، وأيضاً فلأن بعد تراخي المدة ما يشاهد منه ، ويشاهد هو من غيره أعجب .
أما قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثَهُ } فالمعنى : ثم أحياه ، ويوم القيامة يسمى يوم البعث لأنهم يبعثون من قبورهم ، وأصله من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها ، وإنما قال { ثُمَّ بَعَثَهُ } ولم يقل : ثم أحياه لأن قوله { ثُمَّ بَعَثَهُ } يدل على أنه عاد كما كان أولاً حياً عاقلاً فهما مستعدا للنظر والاستدلال في المعارف الإلهية ، ولو قال : ثم أحياه لم تحصل هذه الفوائد .
أما قوله تعالى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : فيه وجهان من القراءة ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإدغام والباقون بالإظهار ، فمن أدغم فلقرب المخرجين ومن أظهر فلتباين المخرجين وإن كانا قريبين .
المسألة الثانية : أجمعوا على أن قائل هذا القول هو الله تعالى وإنما عرف أن هذا الخطاب من الله تعالى ، لأن ذلك الخطاب كان مقروناً بالمعجز ، ولأنه بعد الإحياء شاهد من أحوال حماره وظهور البلى في عظامه ما عرف به أن تلك الخوارق لم تصدر إلا من الله تعالى .
المسألة الثالثة : في الآية إشكال ، وهو أن الله تعالى كان عالماً بأنه كان ميتاً وكان عالماً بأن الميت لا يمكنه بعد أن صار حياً أن يعلم أن مدة موته كانت طويلة أم قصيرة ، فمع ذلك لأي حكمة سأله عن مقدار تلك المدة .
والجواب عنه : أن المقصود من هذا السؤال التنبيه على حدوث ما حدث من الخوارق .
أما قوله تعالى : { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ففيه سؤالات :
السؤال الأول : لم ذكر هذا الترديد؟ .
الجواب : أن الميت طالت مدة موته أو قصرت فالحال واحدة بالنسبة إليه فأجاب بأقل ما يمكن أن يكون ميتاً لأنه اليقين ، وفي التفسير أن إماتته كانت في أول النهار ، فقال { يَوْماً } ثم لما نظر إلى ضوء الشمس باقياً على رؤوس الجدران فقال : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .
السؤال الثاني : أنه لما كان اللبث مائة عام ، ثم قال : { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } أليس هذا يكون كذباً؟ .
والجواب : أنه قال ذلك على حسب الظن ، ولا يكون مؤاخذاً بهذا الكذب ، ونظيره أنه تعالى حكى عن أصحاب الكهف أنهم قالوا { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ الكهف : 19 ] على ما توهموه ووقع عندهم ، وأيضاً قال أخوة يوسف عليه السلام : { ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } [ يوسف : 81 ] وإنما قالوا : ذلك بناء على الأمارة من إخراج الصواع من رحله .
السؤال الثالث : هل علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، أو لم يعلم ذلك بل كان يعتقد أن ذلك اللبث بسبب الموت .
الجواب : الأظهر أنه علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، وذلك لأن الغرض الأصلي في إماتته ثم إحيائه بعد مائة عام أن يشاهد الإحياء بعد الإماتة وذلك لا يحصل إلا إذا عرف أن ذلك اللبث كان بسبب الموت ، وهو أيضاً قد شاهد إما في نفسه ، أو في حماره أحوالاً دالة على أن ذلك اللبث كان بسبب الموت .
أما قوله تعالى : { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } فالمعنى ظاهر ، وقيل : العام أصله من العوم الذي هو السباحة ، لأن فيه سبحاً طويلاً لا يمكن من التصرف فيه .
أما قوله تعالى : { فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلف القراء في إثبات الهاء في الوصل من قوله { لَمْ يَتَسَنَّهْ } و { اقتده } و { مَالِيَهْ } و { سلطانيه } و { ماهيه } بعد أن اتفقوا على إثباتها في الوقف ، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل ، وكان حمزة يحذفهن في الوصل وكان الكسائي يحذف الهاء في الوصل من قوله { وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } و { اقتده } ويثبتها في الوصل في الباقي ولم يختلفوا في قوله { لَمْ أُوتَ كتابيه وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 25 ، 26 ] أنها بالهاء في الوصل والوقف .
إذا عرفت هذا فنقول : أما الحذف ففيه وجوه أحدهما : أن اشتقاق قوله { يَتَسَنَّهْ } من السنة وزعم كثير من الناس أن أصل السنة سنوة ، قالوا : والدليل عليه أنهم يقولون في الاشتقاق منها أسنت القوم إذا أصابتهم السنة ، وقال الشاعر :(7/100)
ورجال مكة مسنتون عجاف ... ويقولون في جمعها : سنوات وفي الفعل منها : سانيت الرجل مساناة إذا عامله سنة سنة ، وفي التصغير : سنية إذا ثبت هذا كان الهاء في قوله { لَمْ يَتَسَنَّهْ } للسكت لا للأصل وثانيها : نقل الواحدي عن الفرّاء أنه قال : يجوز أن تكون أصل سنة سننة ، لأنهم قالوا في تصغيرها : سنينة وإن كان ذلك قليلاً ، فعلى هذا يجوز أن يكون { لَمْ يَتَسَنَّهْ } أصله لم يتسنن ، ثم أسقطت النون الأخيرة ثم أدخل عليها هاء السكت عن الوقف عليه كما أن أصل لم يتقض البازي لم يتقضض البازي ثم أسقطت الضاد الأخيرة ، ثم أدخل عليه هاء السكت عند الوقف ، فيقال : لم يتقضه وثالثها : أن يكون { لَمْ يَتَسَنَّهْ } مأخوذاً من قوله تعالى :{ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] والسن في اللغة هو الصب ، هكذا قال أبو علي الفارسي ، فقوله : لم يتسنن . أي الشراب بقي بحاله لم ينضب ، وقد أتى عليه مائة عام ، ثم أنه حذفت النون الأخيرة وأبدلت بها السكت عند الوقف على ما قررناه في الوجه الثاني ، فهذه الوجوه الثلاثة لبيان الحذف ، وأما بيان الإثبات فهو أن { لَمْ يَتَسَنَّهْ } مأخوذ من السنة ، والسنة أصلها سنهه ، بدليل أنه يقال في تصغيرها : سنيهة ، ويقال : سانهت النخلة بمعنى عاومت ، وآجرت الدار مسانهة ، وإذا كان كذلك فالهاء في { لَمْ يَتَسَنَّهْ } لام الفعل ، فلا جرم لم يحذف ألبتة لا عند الوصل ولا عند الوقف .
المسألة الثانية : قوله تعالى : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي لم يتغير وأصل معنى { لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي لم يأت عليه السنون لأن مر السنين إذا لم يتغير فكأنها لم تأت عليه ، ونقلنا عن أبي علي الفارسي : لم يتسنن أي لم ينضب الشراب ، بقي في الآية سؤالان :
السؤال الأول : أنه تعالى لما قال : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } كان من حقه أن يذكر عقيبه ما يدل على ذلك وقوله { فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } لا يدل على أنه لبث مائة عام بل يدل ظاهراً على ما قاله من أنه لبث يوماً أو بعض يوم .
والجواب : أنه كلما كانت الشبهة أقوى مع علم الإنسان في الجملة أنها شبهة كان سماع الدليل المزيل لتلك الشبهة آكد ووقوعه في العمل أكمل فكأنه تعالى لما قال : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } قال : { فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } فإن هذا مما يؤكد قولك { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فحينئذ يعظم اشتياقك إلى الدليل الذي يكشف عن هذه الشبهة ، ثم قال بعده { وانظر إلى حِمَارِكَ } فرأى الحمار صار رميماً وعظاماً نخرة فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى ، فإن الطعام والشراب يسرع التغير فيهما ، والحمار ربما بقي دهراً طويلاً وزماناً عظيماً ، فرأى ما لا يبقى باقياً ، وهو الطعام والشراب ، وما يبقى غير باق وهو العظام ، فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى ، وتمكن وقوع هذه الحجة في عقله وفي قلبه .
السؤال الثاني : أنه تعالى ذكر الطعام والشراب ، وقوله { لَمْ يَتَسَنَّهْ } راجع إلى الشراب لا إلى الطعام .
والجواب : كما يوصف الشراب بأنه لم يتغير ، كذلك يوصف الطعام بأنه لم يتغير ، لا سيما إذا كان الطعام لطيفاً يتسارع الفساد إليه ، والمروى أن طعامه كان التين والعنب ، وشرابه كان عصير العنب واللبن ، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ( وانظر إِلى طعامك وهذا شرابك لم يتسنن ) .
أما قوله تعالى : { وانظر إلى حِمَارِكَ } فالمعنى أنه عرفه طول مدة موته بأن شاهد عظام حماره نخرة رميمة ، وهذا في الحقيقة لا يدل بذاته ، لأنه لما شاهد انقلاب العظام النخرة حياً في الحال علم أن القادر على ذلك قادر على أن يميت الحمار في الحال ويجعل عظامه رميمة نخرة في الحال ، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بعظام الحمار على طول مدة الموت ، بل انقلاب عظام الحمار إلى الحياة معجزة دالة على صدق ما سمع من قوله { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } قال الضحاك : معنى قوله أنه لما أحيى بعد الموت كان دليلاً على صحة البعث ، وقال غيره : كان آية لأن الله تعالى أحياه شاباً أسود الرأس ، وبنو بنيه شيوخ بيض اللحى والرؤوس .
أما قوله تعالى : { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ } فقد بينا أن المراد منه التشريف والتعظيم والوعد بالدرجة العالية في الدين والدنيا ، وذلك لا يليق بمن مات على الكفر والشك في قدرة الله تعالى .(7/101)
فإن قيل : ما فائدة الواو في قوله { وَلِنَجْعَلَكَ } قلنا : قال الفرّاء : دخلت الواو لأنه فعل بعدها مضمر ، لأنه لو قال : وانظر إلى حمارك لنجعلك آية ، كان النظر إلى الحمار شرطاً ، وجعله آية جزاء ، وهذا المعنى غير مطلوب من هذا الكلام ، أما لما قال : { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً } كان المعنى : ولنجعلك آية فعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء ، ومثله قوله تعالى : { وكذلك نُصَرّفُ الأيات وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } [ الأنعام : 105 ] والمعنى : وليقولوا درست صرفنا الآيات { وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين } [ الأنعام : 75 ] أي ونريه الملكوت .
أما قوله تعالى : { وانظر إِلَى العظام } فأكثر المفسرين على أن المراد بالعظام عظام حماره ، فإن اللام فيه بدل الكناية ، وقال آخرون أرادوا به عظام هذا الرجل نفسه ، قالوا : إنه تعالى أحيا رأسه وعينيه ، وكانت بقية بدنه عظاماً نخرة ، فكان ينظر إلى أجزاء عظام نفسه فرآها تجتمع وينضم البعض إلى البعض ، وكان يرى حماره واقفاً كما ربطه حين كان حياً لم يأكل ولم يشرب مائة عام ، وتقدير الكلام على هذا الوجه : وانظر إلى عظامك ، وهذا قول قتادة والربيع وابن زيد ، وهو عندي ضعيف لوجوه أحدها : أن قوله { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } إنما يليق بمن لا يرى أثر التغير في نفسه فيظن أنه كان نائماً في بعض يوم ، أما من شاهد أجزاء بدنة متفرقة ، وعظام بدنة رميمة نخرة ، فلا يليق به ذلك القول وثانيها : أنه تعالى حكي عنه أن خاطبه وأجاب ، فيجب أن يكون المجيب هو الذي أماته الله ، فإذا كانت الإماتة راجعة إلي كله ، فالمجيب أيضاً الذي بعثه الله يجب أن يكون جملة الشخص وثالثها : أن قوله { فَأَمَاتَهُ الله مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } يدل على أن تلك الجملة أحياها وبعثها .
أما قوله { كَيْفَ ننشرها } فالمراد يحييها ، يقال : أنشر الله الميت ونشره ، قال تعالى : { ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ } وقد وصف الله العظام بالإحياء في قوله تعالى : { قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا } [ ياس : 78 ، 79 ] وقرىء { ننشرها } بفتح النون وضم الشين ، قال الفرّاء : كأنه ذهب إلى النشر بعد الطي ، وذلك أن بالحياة يكون الانبساط في التصرف ، فهو كأنه مطوي ما دام ميتاً ، فإذا عاد صار كأنه نشر بعد الطي ، وقرأ حمزة والكسائي { كَيْفَ نُنشِزُهَا } بالزاي المنقوطة من فوق ، والمعنى نرفع بعضها إلى بعض ، وانشاز الشيء رفعه ، يقال أنشزته فنشز ، أي رفعته فارتفع ، ويقال لما ارتفع من الأرض نشز ، ومنه نشوز المرأة ، وهو أن ترتفع عن حد رضا الزوج ، ومعنى الآية على هذه القراءة : كيف نرفعها من الأرض فتردها إلى أماكنها من الجسد ونركب بعضها على البعض ، وروي عن النخعي أنه كان يقرأ { ننشِزُهَا } بفتح النون وضم الشين والزاي ووجهه ما قال الأخفش أنه يقال : نشزته وأنشزته أي رفعته ، والمعنى من جميع القراءات أنه تعالى ركب العظام بعضها على بعض حتى اتصلت على نظام ، ثم بسط اللحم عليها ، ونشر العروق والأعصاب واللحوم والجلود عليها ، ورفع بعضه إلى جنب البعض ، فيكون كل القراءات داخلاً في ذلك .
ثم قال تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } وهذا راجع إلى ما تقدم ذكره من قوله { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } والمعنى فلما تبين له وقوع ما كان يستبعد وقوعه وقال صاحب «الكشاف» : فاعل { تَبَيَّنَ لَهُ } مضمر تقديره فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير قال : { أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، وهذا عندي فيه تعسف ، بل الصحيح أنه لما تبين له أمر الإماتة والإحياء على سبيل المشاهدة قال : { أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } وتأويله : أني قد علمت مشاهدة ما كنت أعلمه قبل ذلك الاستدلال وقرأ حمزة والكسائي { قَالَ أَعْلَمُ } على لفظ الأمر وفيه وجهان أحدهما : أنه عند التبين أمر نفسه بذلك ، قال الأعشى :ودع أمامة إن الركب قد رحلوا ...
والثاني : أن الله تعالى قال : { أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } ويدل على صحة هذا التأويل قراءة عبد الله والأعمش : قيل أعلم أن الله على كل شيء قدير ويؤكده قوله في قصة إبراهيم { ربي أرني كيف تحيي الموتى } [ البقرة : 260 ] ثم قال في آخرها { واعلم أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ البقرة : 260 ] قال القاضي : والقراءة الأولى وذلك لأن الأمر بالشيء إنما يحسن عند عدم المأمور به ، وهاهنا العلم حاصل بدليل قوله { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } فكان الأمر بتحصيل العلم بعد ذلك غير جائز ، أما الاخبار عن أنه حصل كان جائزاً .
------------
الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 479)(7/102)
ثم ساتق السورة الكريمة قصتين تدلان أبلغ دلالة على قدرة الله - تعالى - وعلى صحة البعث والنشور استمع إلى القرآن استمع إلى القرآن وهو يحكي هاتين القصتين بأسلوبه البليغ فيقول :
{ أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ . . . }
قال الآلوسي ما ملخصه : قوله : { أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ } معطوف على سابقه - وهو قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ } والكاف اسمية بمعنى مثل معمولة لا رأيت محذوفاً . أي أو أرأيت مثل الذي مر على قرية . . وحذف لدلالة ( أَلَمْ تَرَ ) عليه . وقيل : إن الكاف زائدة والتقدير : ألأم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو الذي مر على قرية . . وقيل : إن العطف هنا محمول على المعنى كأنه قيل : أرأيت شيئاً عجيباً - كالذي حاج إبراهيم في ربه ، أو كالذي مر على قرية " .
والذي { مَرَّ على قَرْيَةٍ } قيل هو عزير بن شرخيا ، وقيل حزقيال بن بوزي وقيل غير ذلك ، والقرية قيل المراد بها بيت المقدس وكان قد خربها " بختنصر " البابلي . . والقرآن الكريم لم يهتم بتحديد الأشخاص والأماكن لأنه يقصد العبرة وبيان الحال والشأن . وجملة { وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } في موضع الحال من الضمير المستتر في { مَرَّ } والواو رابطة بين الجملة الحالية وبين صاحبها والإِتيان بها واجب لخلو الجملة من ضمير يعود على صاحبها وقيل هي حال من قرية ، وسوغ إتيان الحال منها مع كونها نكرة وقوعها بعد الاستفهام المقدر وهو أرأيت ومعنى { وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } أن جدرانها ساطقة على سقوفها ، أي أن الخراب قد عمها والدمار قد نزل بها ، فأصبحت خالية من أهلها وفارغة ممن كان يعمرها وأصل الخواء الخلو . يقال خوت الدار وخربت تخوى خواء إذا سقطت وخلت .
والعروش جمع عرش وهو سقف البيت ويسمى العريش ، وكل شيء يهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش وعرش .
وقوله - تعالى - : { قَالَ أنى يُحْيِي هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا } حكاية لما قاله ذلك الذي مر على تلك القرية ورأى فيها ما رأى من مظاهر الخراب والدمار والمعنى : أو أرأيت مثل الذي مر على قرية وهي ساقطة حياطانها على سقوفها ، وفارغة ممن كان يسكنها ، فهاله أمرها ، وراعه شأنها ، وقال على سبيل التعجب كيف يحيى الله هذه القرية بعد موتها ، بأن يعيد إليها العمران بعد الخراب ، ويجعلها عامرة بسكانها الذي خلت منهم . فقوله : { قَالَ أنى يُحْيِي هذه } بمعنى كيف فتكون منصوبة على الحالية من اسم الإِشارة ويجوز أن تكون { أنى } هنا بمعنى متى أي : متى يحيى الله هذه القرية بعد موتها فتكون منصوبة على الظرفية .
وقال القرطبي : قوله { قَالَ أنى يُحْيِي هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا } معناه من أي طريق وبأي سبب ، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان ، كما يقال الآن في المدن الخربة يبعد أن تعمر وتسكن أي : أنى تعمر هذه بعد خرابها . فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته " .
وقوله هذا إنما هو تساؤل عن كيفية الإِعادة لا عن أصل الإِعادة لأنه كان مؤمنا بالبعث والنشور ، إلا أنه لما رأى حال القرية على تلك الصورة من الخراب تعجب من قدرة الله على إحيائها ، وتشوق إلى عمارتها واعترف بالعجو عن معرفة طريق الإِحياء . فماذا كانت نتيجة هذا التساؤل؟ كانت نتيجته كما حكاها القرآن : { فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .
أي : بعد أن قال هذا الذي مر على تلك القرية الخاوية على عروشها ما قال ، ألبثه الله - تعالى - في الموت مائة عام { ثُمَّ بَعَثَهُ } أي أحياه ببعث روحه إلى بدنه { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } أي كم مدة من الزمان لبتثها على هذه الحال؟ { قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .
وقال - سبحانه - : { فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } ولم يقل ثم أحياه ، للدلالة على أنه عاد كهيئته يوم مات عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال وكان ذلك بعد عمارة القرية وللإِشهار بسرعته وسهولة تأتيه على الباري - سبحانه - .
قال ابن كثير : كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيى بدنه فلما استقل سوياً قال الله له بواسطة الملك { كَمْ لَبِثْتَ } ؟ { قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر النهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .
وقوله : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } استئناف مبنى على سؤال كأنه قيل : فماذا قال له بعد بعثه؟
فقيل : قال كم لبثت ليظهر له العجز عن الإِحاطة بشئون الله - تعالى - على أتم وجه وتنحسم مادة استبعاده بالمرة .
وكم منصوبة على الظرفية ومميزها محذوف والتقدير كم يوما أو وقتا والناصب لها قوله : { لَبِثْتُ } .(7/103)
وفي هذه الجملة الكريمة بيان للناس بأن الموت يشبه النوم ، وأن البعث يشبه اليقظة بعده وأنه لا شيء محال على الله - تعالى - فهو القائل : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وفي الحديث الشريف : " والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون ، ولتجزون بالإِحسان إحسانا وبالسوء سوءا ، وإنها لجنة أبدا ، أو لنار أبدا " .
وقوله - تعالى - : { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ } معطوف على مقدر ، أي : ليس الأمر كما قلت إنك لبثت يوما أو بعض يوم بل إنك لبثت مائة عام ثم أرشده - سبحانه - إلى التأمل في أمور فبها أبلغ دلالة على قدرة الله تعالى وعلى صحة البعث فقال - سبحانه - : { فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر إلى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } .
قوله : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } أي لم يتغير بمرور السنين الطويلة ولم تذهب طراوته فكأنه لم تمر عليه السنون ولفظ يتسنه : مشتق من السنة ، والهاء فيه أصلية إذا قدر لام سنة هام ، وأصلها سنهة لتصغيرها على سنيهة وجمعها على سنهات كسجدة وسجدات ، ولقولهم : سانهته إذا عاملته سنة فسنة ، وتسنه عند القوم إذا أقام فيهم سنة . أو الهاء للوقف نحو كتابيه وجزمه بحذف حرف العلة إذا قدر لام سنة واوا ، وأصلها سنوه لتصغيرها على سنية وجمعها على سنوات .
وقوله : { نُنْشِزُهَا } أي نرفعها . يقال : أنشز الشيء إذا رفعه من مكانه . وأصله من النشز - بفتحتين وبالسكون - وهو الكان المرتفع . وقرئ { نُنْشِزُهَا } - بضم النون والراء - أي نحييها من أنشر الله الموتى أي أحياهم . والمعنى : قال الله - تعالى - لهذا الذي مر على قرية وهي خاوية على غروشها إنك لم تلبث يوما أو بعض يوم في الموت كما تظن بل لبثت مائة عام فإن كنت في شك من ذلك فانظر إلى طعامك وشرابك لتشاهد أمرا آخر من دلائل قدرتنا فإن هذا الطعام والشراب كما ترى لم يتغير بمرور السنين وكر الأعوام بل بقي على حالته . وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه ، وتفرقت أوصاله مما يشهد بأنه قد مرت عليه السنوات الطويلة .
وقوله : { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } معطوف على محذوف متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق ، والتقدير : فعلنا ما فعلنا لترى وتشاهد بنفسك مظاهر قدرة الله ، ولنجعلك آية معجزة ودليلا على صحة البعث وقوله : { وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } أي انظر وتأمل في هذا العظام كيف نركب بعضها في بعض بعد أن نوجدها .
وقيل المعنى : وانظر إلى العظام أي عظام حمارك التي تفرقت وتناثرت لتشاهد كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها في جسده .
قال ابن كثير : قال السدي وغيره : " تفرقت عظام حماره يمينا وشمالا حوله فنظر إليها وهي تلوح من بياضها ، فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع ، ثم ربك كل عظم في موضعه ، وذلك كله بمرأى من العزير " .
وجاء الضمير في قوله : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } بالإِفراد مع أن المتقدم طعام وشراب ، لأنهما متلازمان بمعننى أن أحدهما لا يكتفى به عن الآخر فصارا بمنزلة شيء واحد ، فكأنه قال : انظر إلى غذائك .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي فلما تبين له بالأدلة الناصعة ، وبالمشاهدة الحسية قدرة الله - تعالى - على الإِحياء والإِماتة ، وعلى البعث والنشور قال أعلم أي أستيقن وأومن وأعتقد أن الله - تعالى - على كل شيء قدير ، وأنه - سبحانه - لا يعجزه شيء .
والفاء في قوله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ . . . } عاطفة على مقدر يستدعيه المقام فكأنه قيل : رفع الله العظام من أماكنها وأكساها لحما فلما تبين له ذلك ، وتيقنه قال أعلم أن الله على كل شيء قدير . وفاعل { تَبَيَّنَ } مضمر يفسره سياق الكلام والتقدير : فلما تبين له كيفية الإِحياء أو فلما تبين له ما أشكل عليه من أمر إحياء الموتى قال أعلم أن الله على كل شيء قدير .
تلك هي القصة الأولى التي ساقها الله - تعالى كدليل على قدتره وعلى صلحة البعث والنشور
==================
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبَرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ; (آية 258).(7/104)
أجمع علماء الإسلام على أن الذي حاجَّ إبراهيم هو نمرود بن كنعان الجبار، وكانت تلك المحاجّة من طغيان الملك. قال مجاهد: مَلَك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران. فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصّر .
وقالوا: لما كسر إبراهيم الأصنام سجنه نمرود ثم أخرجه ليحرقه، فقال: مَنْ ربك الذي تدعونا إليه؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت . وقيل إن الناس أصابهم القحط على عهد نمرود وكان الناس يمتارون من عنده الطعام، فكان إذا أتاه أحد يمتار سأله: من ربك؟ فيقول أنت، فيُميره. فخرج إبراهيم إليه يمتار لأهله الطعام، فأتاه فقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت. قال: أنا أُحيي وأُميت. قال إبراهيم: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبُهت نمرود وردّه بغير طعام. فرجع إبراهيم إلى أهله، فمرّ على كثيب رمل أعفر، ووضع في متاعه فوجده أهله طعاماً.
وقد عاقب الله نمرود بأن فتح الله عليه باباً من البَعُوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام، ودخلت واحدةٌ منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة، فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عَتِيدَة لذلك، فبقى في البلاء أربعين يوماً. (القرطبي في تفسير البقرة 2: 258)
والتوراة تقول إن إبراهيم كان خليل الله وإنه أبو المؤمنين، وإن الله اصطفاه، ولكنها لم تقل إنه أُلقي في النار وإنه فعل المعجزات المنسوبة إليه هنا.
ولم يكن نمرود معاصراً لإبراهيم، بل كان سابقاً لإبراهيم بنحو 300 سنة، كما يقول سفر التكوين.
الرد
ورد ذكر القصة في سورة البقرة - الآية258 قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
القصة: مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع الله العظيم الجليل في العظمة ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة. قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قال مجاهد. وقال غيره: نمرود بن فالح بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
قال مجاهد وغيره: وكان أحد ملوك الدنيا، فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان وكافران. فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان. والكافران: النمرود وبختنصّر.(7/105)
وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان طغا وبغا، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا. ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية. فلما قال الخليل: (ربي الذي يحي ويميت قال: أنا أحي وأميت). قال قتادة والسُّدِّي ومُحَمْد بن إسحاق: يعني أنه إذا آتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر. وهذا ليس بمعارضة للخليل، بل هو كلام خارجي عن مقام المناظرة، ليس بمنع ولا بمعارضة، بل هو تشغيب محض، وهو انقطاع في الحقيقة، فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها، (هذا دليل) على وجود فاعل. (و) ذلك، الذي لا بد من استنادها إلى وجوده ضرورة عدم قيامها بنفسها، ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة، ثم إماتتها ولهذا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}. فقول هذا الملك الجاهل (أنا أحيي وأميت) إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند، وإن عنى ما ذكره قتادة والسُّدِّي ومُحَمْد بن إسحاق فلم يقل شيئاً يتعلق بكلام الخليل إذ لم يمنع مقدمة ولا عارض الدليل. ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم، ذكر دليلاً آخر بين وجود الصانع وبطلان ما ادّعاه النمرود وانقطاعه جهرة: قَال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها. وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء. فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد، أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها. فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وقد ذكر السُّدِّي: أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود، يوم خرج من النار، ولم يكن اجتمع به يومئذ، فكانت بينهما هذه المناظرة. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم: أن النمرود كان عنده طعام، وكان الناس يفدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة ولم يكن اجتمع به إلا يومئذ، فكان بينهما هذه المناظرة، ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس، بل خرج وليس معه شيء من الطعام. فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه وقال: اشغل أهلي إذا قدمت عليهم، فلما قدم: وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام، فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاماً طيباً، فعملت منه طعاماً. فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه؛ فقال: أنى لكم هذا؟ قالت: من الذي جئت به. فعرف أنه رِزْقٌ رَزقَهُموه الله عز وجل. قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه. وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي. فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.
وقد ذكرنا من قبل أننا ليس لنا شأن بالكتاب المقدس لاختلاف الطوائف والتحريف الواقع به وكثرة وتعدد النسخ واختلافاتها
================
ا للَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ(7/106)
يعتبر المسلمون هذه الآية أعظم آيات القرآن. وقد ورد في تفسير ابن كثير عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رجلٌ من الإنس فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني، فإن صرَعْتَني علّمتُك آيةً إذا قرأتَها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان؟ فصارعه فصرعه، فقال: إني أراك ضئيلاً شخيتاً (نحيف الجسم) كأن ذراعيك ذراعا كلب. أفهكذا أنتم أيها الجنّ كلكم، أم أنت من بينهم؟ فقال: إني بينهم لضليع فعاوِدْني. فصارعه، فصرعه الإنسي، فقال: تقرأ آية الكرسي، فإنه لا يقرأها أحدٌ إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خيخ (ضِراط) الحمار . فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ فقال: من عسى أن يكون إلا عمر! (ابن كثير في تفسير الآية).
ونحن نقول إن الوحي الصادق أبعد من أن تعلِّمه الشياطين. فالله لا يسمح للشياطين أن يحملوا كلامه للبشر
الرد
إقتباس:
ونحن نقول إن الوحي الصادق أبعد من أن تعلِّمه الشياطين. فالله لا يسمح للشياطين أن يحملوا كلامه للبشر. من كتاب ايوب 2.... والى الآن هو متمسك بكماله وقد هيّجتني عليه لابتلعه بلا سبب هكذا اضل الشيطان الرب ....
فهذه هي العلاقة بين الشيطان والرب بالكتاب المقدس
إقتباس:
ونحن نقول إن الوحي الصادق أبعد من أن تعلِّمه الشياطين. فالله لا يسمح للشياطين أن يحملوا كلامه للبشر
ومن قال أن الله سمح للشيطان أن يحمل كلامه للبشر ؟... الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم به الشياطين من خلال البشر
الأحقاف 29ـ32 ... وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
فمِن مَن علم الشياطين كلام الله ؟ أليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم
================
آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل،
إيمان فرعون:
وجاوَزْنا ببني إسرائيل البحر، فأَتْبَعهم فرعونُ وجنوده بَغْياً وعَدْواً، حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل، وأنا مِن المسلمين. الآن وقد عصَيْتُ قبْلُ وكنتُ من المفسِدين. فاليومَ ننجِّيك ببدنِك لتكون لمَن خلْفَك آيةً (آيات 90 92).
قال المفسرون: اجتمع يعقوب وبنوه وهم 72 وخرجوا مع موسى من مصر، وهم 600 ألف. وأدركهم فرعون وكان معه في عسكره 800 ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان، ولما دخلوا في البحر انطبق عليهم. فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص ظناً منه أنها تنجّيه.
ورُوي عن ابن عباس أن محمداً قال: لما أغرق الله فرعون قال آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل. قال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حمأة البحر فأَدُسُّه في فمه مخافة أن تدركه الرحمة. وفي رواية أخرى أن جبريل جعل يدسّ في فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلاّ الله فيرحمه الله، أو خشية أن يرحمه الله (الطبري في تفسير يونس 10: 90 92).
اعترض الإمام الرازي فقال: هل يصحُّ أن جبريل أخذ يملأ فم فرعون بالطين لئلا يتوب غضباً عليه؟ والجواب الأقرب أنه لايصحّ، لأن في تلك الحالةإما أن يُقال: هل التكليف كان ثابتاً أم لا؟ فإن كان ثابتاً، لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة. وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذٍ لا يبقىلهذاالذي نُسب إلى جبريل فائدة. ولومنعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر. وكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان؟ ولو قيل إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله، فهذا يبطله قول جبريل: وما نتنزَّلُ إلاّ بأمر ربك (مريم 19: 64). فرُدَّ على الإمام الرازي بأن هذا الحديث صحيح، وأن الله يحول بين المرء وقلبه وغير ذلك (الرازي في تفسير يونس 10: 90 92).
والتوراة تعلّمنا أن فرعون لم يؤمن بربِّ موسى حتى في الساعة الأخيرة، فإنه رأى بعينيه الضربات التي حلّت به وبقومه ولم يرقّ قلبه. ولم يؤمن، بل أرسل جنوده لإعادة بني إسرائيل إلى أرض مصر ليستعبدهم ويذلهم ثانية.(7/107)
ويقول القرآن إن فرعون خُصَّ بمزية فقيل له: فاليوم ننجِّيك . ولما كانت نجاته منافية لقول القرآن إن الله استجاب دعاء موسى عليه بالبوار، فسَّروا عبارة فاليوم ننجيك بقولهم: ننقذك ممّا وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافياً، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل. ومعنى قوله ببدنك أي عارياً عن الروح، أو كاملاً سوياً، أو عرياناً من غير لباس، أو بدرعك، حتى يكون آيةً لبني إسرائيل، إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خُيِّل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى حين أخبرهم بغرقه (الرازي في تفسير الآية).
ولكن التوراة تعلّمنا أن الله أغرق كل الذين اقتفوا أثر بني إسرائيل ليردّوهم ثانية، ولم يميّز بين كبير ولا صغير، ولما رأى بنو إسرائيل هذا الخلاص العظيم سبّحوا الله وشكروه. ولم تُلْقَ جثة فرعون على الساحل وأُغرقت جثث غيره في البحر، بل كان الحكم على الكل على حد سواء، فإنه متى امتلأت الجثة غازات طَفَت من ذاتها على البحر.
ولم يرد خبر في التوراة عن غرق فرعون. وقد أيّدت التواريخ أن فرعون موسى لم يغرق، لأنه لم يخرج مع جيشه
الرد
لما أجاب دعاءهما أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر في الوقت المعلوم ويسر لهم أسبابه، وفرعون كان غافلاً عن ذلك، فلما سمع أنهم خرجوا وعزموا على مفارقة مملكته خرج على عقبهم وقوله: { فَأَتْبَعَهُمْ } أي لحقهم يقال: أتبعه حتى لحقه، وقوله: { بَغْيًا وَعَدْوًا } البغي طلب الاستعلاء بغير حق، والعدو الظلم، روي أن موسى عليه السلام لما خرج مع قومه وصلوا إلى طرف البحر وقرب فرعون مع عسكره منهم، فوقعوا في خوف شديد، لأنهم صاروا بين بحر مغرق وجند مهلك، فأنعم الله عليهم بأن أظهر لهم طريقاً في البحر على ما ذكر الله تعالى هذه القصة بتمامها في سائر السور، ثم إن موسى عليه السلام مع أصحابه دخلوا وخرجوا وأبقى الله تعالى ذلك الطريق يبساً، ليطمع فرعون وجوده في التمكن من العبور، فلما دخل مع جمعه أغرقه الله تعالى بأن أوصل أجزاء الماء ببعضها وأزال الفلق، فهو معنى قوله: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } وبين ما كان في قلوبهم من البغي وهي محبة الإفراط في قتلهم وظلمهم، والعدو وهوتجاوز الحد، ثم ذكر تعالى أنه لما أدركه الغرق أظهر كلمة الإخلاص ظناً منه أنه ينجيه من تلك الآفة، وههنا سؤالان:
السؤال الأول: أن الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفظ بهذا اللفظ فكيف حكى الله تعالى عنه أنه ذكر ذلك؟
والجواب: من وجهين:
الأول: أن مذهبنا أن الكلام الحقيقي هو كلام النفس لا كلام اللسان، فهو إنما ذكر هذا الكلام بالنفس، لا بكلام اللسان، ويمكن أن يستدل بهذه الآية على إثبات كلام النفس لأنه تعالى حكى عنه أنه قال هذا الكلام، وثبت بالدليل أنه ما قاله باللسان، فوجب الاعتراف بثبوت كلام غير كلام اللسان وهو المطلوب.
الثاني: أن يكون المراد من الغرق مقدماته.
السؤال الثاني: أنه آمن ثلاث مرات :
أولها قوله: { ءامَنتُ }
وثانيها قوله: { لا اله إِلاَّ الَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْراءيلَ }
وثالثها قوله: { وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
فما السبب في عدم القبول والله تعالى متعال عن أن يلحقه غيظ وحقد حتى يقال: إنه لأجل ذلك الحقد لم يقبل منه هذا الإقرار؟
والجواب: العلماء ذكروا فيه وجوهاً:
الوجه الأول: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول ، لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى:
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }[غافر: 85].
الوجه الثاني: هو أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة والمحنة الناجزة، فما كان مقصوده من هذه الكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف بعزة الربوبية وذلة العبودية، وعلى هذا التقدير فما كان ذكر هذه الكلمة مقروناً بالإخلاص، فلهذا السبب ما كان مقبولاً.
الوجه الثالث: هو أن ذلك الإقرار كان مبنياً على محض التقليد، ألا ترى أنه قال: { لا اله إِلاَّ الَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْراءيلَ } فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله، إلا أنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلهاً، فهو أقر بذلك الإله الذي سمع من بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده، فكان هذا محض التقليد، فلهذا السبب لم تصر الكلمة مقبولة منه، ومزيد التحقيق فيه أن فرعون على ما بيناه في سورة طه كان من الدهرية، وكان من المنكرين لوجود الصانع تعالى، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته، إلا بنور الحجج القطعية، والدلائل اليقينية، وأما بالتقليد المحض فهو لا يفيد، لأنه يكون ضماً لظلمة التقليد إلى ظلمة الجهل السابق.(7/108)
الوجه الرابع: رأيت في بعض الكتب أن بعض أقوام من بني إسرائيل لما جاوزوا البحر اشتغلوا بعبادة العجل، فلما قال فرعون { آمنتُ أَنَّهُ لا اله إِلاَّ الَّذِى آمنتْ بِهِ بَنواْ إِسْراءيلَ } انصرف ذلك إلى العجل الذي آمنوا بعبادته في ذلك الوقت، فكانت هذه الكلمة في حقه سبباً لزيادة الكفر.
الوجه الخامس: أن اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ولهذا السبب اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسد ذلك العجل ونزل فيه، فلما كان الأمر كذلك وقال فرعون { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } فكإنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية والحلول والنزول، وكل من اعتقد ذلك كان كافراً فلهذا السبب ما صح إيمان فرعون.
الوجه السادس: لعل الإيمان إنما كان يتم بالإقرار بوحدانية الله تعالى، والإقرار بنبوة موسى عليه السلام. فههنا لما أقر فرعون بالوحدانية ولم يقر بالنبوة لا جرم لم يصح إيمانه. ونظيره أن الواحد من الكفار لو قال ألف مرة أشهد أن لا إله إلا الله فإنه لا يصح إيمان إلا إذا قال معه وأشهد أن محمداً رسول الله، فكذا ههنا.
الوجه السابع: روى صاحب «الكشاف» أن جبريل عليه السلام أتى فرعون بفتيا فيها ما قول الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته، فكفر نعمته وجحد حقه، وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون فيها يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر بنعمته أن يغرق في البحر، ثم إن فرعون لما غرق رفع جبريل عليه السلام فتياه إليه.
أما قوله تعالى: { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } ففيه سؤالات:
السؤال الأول: من القائل له { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ }.
الجواب: الأخبار دالة على أن قائل هذا القول هو جبريل، وإنما ذكر قوله: { وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } في مقابلة قوله: { وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ومن الناس من قال: إن قائل هذا القول هو الله تعالى، لأنه ذكر بعده { فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } إلى قوله: { إن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } وهذا الكلام ليس إلا كلام الله تعالى.
السؤال الثاني: ظاهر اللفظ يدل على أنه إنما لم تقبل توبته للمعصية المتقدمة والفساد السابق، وصحة هذا التعليل لا تمنع من قبول التوبة.
والجواب: مذهب أصحابنا أن قبول التوبة غير واجب عقلاً، وأحد دلائلهم على صحة ذلك هذه الآية. وأيضاً فالتعليل ما وقع بمجرد المعصية السابقة، بل بتلك المعصية مع كونه من المفسدين.
السؤال الثالث: هل يصح أن جبريل عليه السلام أخذ يملأ فمه من الطين لئلا يتوب غضباً عليه.
والجواب: الأقرب أنه لا يصح، لأن في تلك الحالة إما أن يقال التكليف كان ثابتاً أو ما كان ثابتاً، فإن كان ثابتاً لم يجز على جبريل عليه السلام أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة، لقوله تعالى:
{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
[المائدة: 2]
وأيضاً فلو منعه بما ذكروه لكانت التوبة ممكنة، لأن الأخرس قد يتوب بأن يندم بقلبه ويعزم على ترك معاودة القبيح، وحينئذ لا يبقى لما فعله جبريل عليه السلام فائدة، وأيضاً لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر، وأيضاً فكيف يليق بالله تعالى أن يقول لموسى وهارون عليهما السلام:
{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }[طه: 44]
ثم يأمر جبريل عليه السلام بأن يمنعه من الإيمان، ولو قيل: إن جبريل عليه السلام إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله تعالى، فهذا يبطله قول جبريل
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ }[مريم: 64] وقوله تعالى في صفتهم:
{ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }[الأنبياء: 28]
وقوله:
{ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }[الأنبياء: 27]
وأما إن قيل: إن التكليف كان زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذ لا يبقى لهذا الفعل الذي نسب جبريل إليه فائدة أصلاً.
ثم قال تعالى: { فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } وفيه وجوه: الأول: { نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } أي نلقيك بنجوة من الأرض وهي المكان المرتفع. الثاني: نخرجك من البحر ونخلصك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ولكن بعد أن تغرق. وقوله: { بِبَدَنِكَ } في موضع الحال، أي في الحال التي أنت فيه حينئذ لا روح فيك. الثالث: أن هذا وعد له بالنجاة على سبيل التهكم، كما في قوله:
{ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }[آل عمران: 21](7/109)
كأنه قيل له ننجيك لكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك، ومثل هذا الكلام قد يذكر على سبيل الاستهزاء كما يقال: نعتقك ولكن بعد الموت، ونخلصك من السجن ولكن بعد أن تموت. الرابع: قرأ بعضهم { نُنَجّيكَ } بالحاء المهملة، أي نلقيك بناحية مما يلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب من جوانب البحر. قال كعب: رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور.
وأما قوله: { بِبَدَنِكَ } ففيه وجوه: الأول: ما ذكرنا أنه في موضع الحال، أي في الحال التي كنت بدناً محضاً من غير روح. الثاني: المراد ننجيك ببدنك كاملاً سوياً لم تتغير. الثالث: { نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } أي نخرجك من البحر عرياناً من غير لباس. الرابع: { نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } أي بدرعك، قال الليث: البدن هو الدرع الذي يكون قصير الكمين، فقوله: { بِبَدَنِكَ } أي بدرعك، وهذا منقول عن ابن عباس قال: كان عليه درع من ذهب يعرف بها، فأخرجه الله من الماء مع ذلك الدرع ليعرف. أقول: إن صح هذا فقد كان ذلك معجزة لموسى عليه السلام.
وأما قوله: { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } ففيه وجوه:
الأول: أن قوماً ممن اعتقدوا فيه الإلهية لما لم يشاهدوا غرقه كذبوا بذلك وزعموا أن مثله لا يموت، فأظهر الله تعالى أمره بأن أخرجه من الماء بصورته حتى شاهدوه وزالت الشبهة عن قلوبهم. وقيل كان مطرحه على ممر بني إسرائيل.
الثاني: لا يبعد أنه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة بعد ما سمعوا منه قوله
{ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى }[النازعات: 24]
ليكون ذلك زجراً للخلق عن مثل طريقته، ويعرفوا أنه كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة ثم آل أمره إلى ما يرون. الثالث: قرأ بعضهم { لِمَنْ خَلَقَكَ } بالقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته. الرابع: أنه تعالى لما أغرقه مع جميع قومه ثم إنه تعالى ما أخرج أحداً منهم من قعر البحر، بل خصه بالإخراج كان تخصيصه بهذه الحالة العجيبة دالاً على كمال قدرة الله تعالى وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوة.
وأما قوله: { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } فالأظهر أنه تعالى لما ذكر قصة موسى وفرعون وذكر حال عاقبة فرعون وختم ذلك بهذا الكلام وخاطب به محمداً عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك زاجراً لأمته عن الإعراض عن الدلائل، وباعثاً لهم على التأمل فيها والاعتبار بها، فإن المقصود من ذكر هذه القصص حصول الاعتبار، كما قال تعالى:
{ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَابِ
================
ولقد بوَّأْنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ
ولقد بوَّأْنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ (آية 93).
المعنى أن الله بوَّأ بني إسرائيل منزلاً صالحاً مرضياً، فأجمع المفسرون على أن المراد بذلك مصر والشام، وقالوا إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت يد فرعون وقومه من ناطقٍ وصامتٍ وزرعٍ وغيره. وهذا منافٍ للوحي والتاريخ (تفسير الجلالين والطبري على الآية
الرد
لما ذكر الله عز وجل ما وقع عليه الختم في واقعة فرعون وجنوده، ذكر أيضاً في هذه الآية ما وقع عليه الختم في أمر بني إسرائيل، وههنا بحثان:
البحث الأول: أن قوله: { بَوَّأْنَا بَنِى إِسْراءيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي أسكناهم مكان صدق أي مكاناً محموداً، وقوله: { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } فيه وجهان:
الأول: يجوز أن يكون مبوأ صدق مصدراً، أي بوأناهم تبوأ صدق.
الثاني: أن يكون المعنى منزلاً صالحاً مرضياً، وإنما وصف المبوأ بكونه صدقاً، لأن عادة العرب أنها إذا مدحت شيئاً أضافته إلى الصدق تقول: رجل صدق، وقدم صدق. قال تعالى:
{ وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ }[الإسراء: 80]
والسبب فيه أن ذلك الشيء إذا كان كاملاً في وقت صالحاً للغرض المطلوب منه، فكل ما يظن فيه من الخبر، فإنه لا بد وأن يصدق ذلك الظن.
البحث الثاني: وتعددت الآراء في أن المراد ببني إسرائيل في هذه الآية أهم اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام أم الذين كانوا في زمن محمد عليه السلام.
أما القول الأول: فقد قال به قوم ودليلهم أنه تعالى لما ذكر هذه الآية عقيب قصة موسى عليه السلام كان حمل هذه الآية على أحوالهم أولى، وعلى هذا التقدير: كان المراد بقوله: { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْراءيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } الشام ومصر، وتلك البلاد فإنها بلاد كثيرة الخصب. قال تعالى:
{ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاْقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ }[الإسراء: 1]
والمراد من قوله: { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ } تلك المنافع، وأيضاً المراد منها أنه تعالى أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي قوم فرعون من الناطق والصامت والحرث والنسل، كما قال:{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَرِبَهَا }[الأعراف: 137].(7/110)
ثم قال تعالى: { فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ } والمراد أن قوم موسى عليه السلام بقوا على ملة واحدة ومقالة واحدة من غير اختلاف حتى قرؤا التوراة، فحينئذ تنبهوا للمسائل والمطالب ووقع الاختلاف بينهم. ثم بين تعالى أن هذا النوع من الاختلاف لا بد وأن يبقى في دار الدنيا، وأنه تعالى يقضي بينهم يوم القيامة.
وأما القول الثاني: وهو أن المراد ببني إسرائيل في هذه الآية اليهود الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام فهذا قال به قوم عظيم من المفسرين. قال ابن عباس: وهم قريظة والنضير وبنو قينقاع أنزلناهم منزل صدق ما بين المدينة والشام ورزقناهم من الطيبات، والمراد ما في تلك البلاد من الرطب والتمر التي ليس مثلها طيباً في البلاد، ثم إنهم بقوا على دينهم، ولم يظهر فيهم الاختلاف حتى جاءهم العلم، والمراد من العلم القرآن النازل على محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما سماه علماً، لأنه سبب العلم وتسمية السبب باسم المسبب مجاز مشهور.
وفي كون القرآن سبباً لحدوث الاختلاف وجهان: الأول: أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام ويفتخرون به على سائر الناس، فلما بعثه الله تعالى كذبوه حسداً وبغياً وإيثاراً لبقاء الرياسة وآمن به طائفة منهم، فبهذا الطريق صار نزول القرآن سبباً لحدوث الاختلاف فيهم. الثاني: أن يقال: إن هذه الطائفة من بني إسرائيل كانوا قبل نزول القرآن كفاراً محضاً بالكلية وبقوا على هذه الحالة حتى جاءهم العلم، فعند ذلك اختلفوا فآمن قوم وبقي أقوام آخرون على كفرهم.
وأما قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فالمراد منه أن هذا النوع من الاختلاف لا حيلة في إزالته في دار الدنيا، وأنه تعالى في الآخرة يقضي بينهم، فيتميز المحق من المبطل والصديق من الزنديق
================
إكراه أو لا إكراه
ولو شاء ربُّك لآمَنَ مَن في الأرض كلِّهم، أفأنت تُكرِه الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (آية 99).
قاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكون الدِّينُ كلّه لله (الأنفال 8: 39).
نقول: كيف تتفق آيات الإكراه وعدم الإكراه؟
في بداية دعوة محمد في مكة رأى أنه ليس من صالحه إعلان الحرب على خصومه. ولكن حينما استتبَّ له الأمر في المدينة أعلن هذه الحرب، حتى قال في الحديث أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (متفق عليه مشكاة المصابيح حديث رقم 12). وغاية ما اعتذر به المسلمون عن هذا قولهم إن بعض هذه الآيات ناسخ للآخر.
الرد
قاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكون الدِّينُ كلّه لله (الأنفال 8: 39).
ما جاء بسورة الأنفال القتال بسبب الفتنة وعليه :
اعلم أنه تعالى لما بين أن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن كفرهم حصل لهم الغفران، وإن عادوا فهم متوعدون بسنة الأولين، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا فقال: { وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } قال عروة بن الزبير: كان المؤمنون في مبدأ الدعوة يفتنون عن دين الله، فافتتن من المسلمين بعضهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة، وفتنة ثانية وهو أنه لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، توامرت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكة عن دينهم، فأصاب المؤمنين جهد شديد، فهذا هو المراد من الفتنة، فأمر الله تعالى بقتالهم حتى تزول هذه الفتنة. وفيه وجه آخر، وهو أن مبالغة الناس في حبهم أديانهم أشد من مبالغتهم في حبهم أرواحهم، فالكافر أبداً يسعى بأعظم وجوه السعي في إيذاء المؤمنين وفي إلقاء الشبهات في قلوبهم وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقة، وإذا وقعت المقاتلة زال الكفر والمشقة، وخلص الإسلام وزالت تلك الفتن بالكلية. قال القاضي: إنه تعالى أمر بقتالهم ثم بين العلة التي بها أوجب قتالهم، فقال: { حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ويخلص الدين الذي هو دين الله من سائر الأديان، وإنما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكلية. إذا عرفت هذا فنقول: إما أن يكون المراد من الآية { وَقَتِلُوهُمْ } لأجل أن يحصل هذا المعنى أو يكون المراد { وَقَتِلُوهُمْ } لغرض أن يحصل هذا المعنى فإن كان المراد من الآية هو الأول وجب أن يحصل هذا المعنى من القتال فوجب أن يكون المراد { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } في أرض مكة وما حواليها، لأن المقصود حصل هنا، قال عليه السلام: " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " ولا يمكن حمله على جميع البلاد، إذ لوكان ذلك مراداً لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الذي أمر الله به، وأما إذا كان المراد من الآية هو الثاني، وهو قوله: قاتلوهم لغرض أن يكون الدين كله لله، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم لأنه ليس كل ما كان غرضاً للإنسان، فإنه يحصل، فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل.(7/111)
ثم قال: { فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } والمعنى { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } عن الكفر وسائر المعاصي بالتوبة والإيمان { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم { وَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني عن التوبة والإيمان { فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ } أي وليكم الذي يحفظكم ويرفع البلاء عنكم، ثم بين أنه تعالى { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } وكل ما كان في حماية هذا المولى وفي حفظه وكفايته، كان آمناً من الآفات مصوناً عن المخوفات.
ولكن ما جاء بسورة يونس لأهل الكتاب وليس للكفار
ولو شاء ربُّك لآمَنَ مَن في الأرض كلِّهم، أفأنت تُكرِه الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (آية 99).
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الكلام قال: { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } والمعنى أنه لا قدرة لك على التصرف في أحد، والمقصود منه بيان أن القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ليست إلا للحق سبحانه وتعالى.
فقوله: { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ } يعني إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم إلى الإيمان هو لا أنت. وإيلاء الاسم حرف الاستفهام، وللإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه، وإنما الشأن في المكره من هو؟ وما هو إلاّ هو وحده لا يشارك فيه، لأنه هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطّرون عنده إلى الإيمان، وذلك غير مستطاع للبشر.
فالفارق كبير بين توجيه الخطاب من جهة المشركين الذين ينشرون الفتنة بين الناس وبين ما جاء بسورة يونس لأهل الكتاب والناس ... فلا وجود للفتنة التي ينتج عنها قتال
===============
شبهة تعدد القراءات والتنقيط
3- تعدد قراءات القرآن
مقدمة: تعدد القراءات ألا يدل على الاختلاف فيه ، وهو نوع من التحريف ؟
القراءات: جمع قراءة ، وقراءات القرآن مصطلح خاص لا يراد به المعنى اللغوى المطلق ، الذى يفهم من اطلاع أى قارئ على أى مكتوب ، بل لها فى علوم القرآن معنى خاص من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم، فإضافة " قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو القراءات من ذلك المعنى اللغوى العام ، فالمعنى اللغوى العام يطلق ويراد منه قراءة أى مكتوب ، سواء كان صحيفة أو كتابًا ، أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تلاه بلسانه من ذاكرته الحافظة لما يقرؤه من القرآن ومنه قول الفقهاء:
القراءة فى الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء تكون جهرًا ، فإن أسرَّ فيهما المصلى فقد ترك سُنة من سنن الصلاة ، ويسجد لهما سجود السهو إن أسر ساهيًا. فقراءة القرآن هنا معنى لغوى عام ، لا ينطبق عليه ما نحن فيه الآن من مصطلح: قراءات القرآن. وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءات القرآنية يحدد المراد منها تحديدًا دقيقًا. فقالوا فى تعريفها:
" اختلاف ألفاظ الوحى فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما (البرهان فى علوم القرآن (1/318)).
وقد عرفها بعض العلماء فقال:
" القراءات: هى النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبى صلى الله عليه وسلم .." (القراءات القرآنية تاريخ وتعريف).
ومما تجب ملاحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عزَّ وجل ، فهى إذن قرآنٌ ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة:
قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنْفُسِكُمْ )(1). هذه قراءة حفص عن عاصم ، أو القراءة العامة التى كُتب المصحف فى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه عليها ، والشاهد فى الآية كلمة "أنفُسِكُم" بضم الفاء وكسر السين ، وهى جمع: " نَفْس " بسكون الفاء ، ومعناها: لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لأنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ، وبيئة ، ولغة.
وقرأ غير عاصم: " لقد جاءكم رسول من أَنْفَسِكُمْ " بفتح الفاء وكسر السين ، ومعناها: لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم.
و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل من النفاسة. فكلمة " أنفسكم " كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق. وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية.
مع ملاحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها فى أذهاننا ونحن نتصدى فيما يأتى للرد على الشبهة التى سيوردها خصوم القرآن من مدخل: تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات لا تشمل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات فى الآية دون كلمات الآية الأخرى ، وقد رأينا فى الآية السابقة أن كلمات الآية لم تشملها القراءات ، بل كانت فى كلمة واحدة هى " أنفسكم ".
وهذا هو شأن القراءات فى جميع القرآن ، كما ينبغى أن نستحضر دائمًا أن كثيرًا من الآيات خلت من تعدد القراءات خلوًّا تامًّا.
ومثال آخر ، قوله تعالى:
" مالك يوم الدين " والشاهد فى الآية كلمة " مالك " ، وفيها قراءتان:
" مالك " اسم فاعل من " مَلِكَ " وهى قراءة حفص وآخرين. " مَلِك " صفة لاسم فاعل ، وهى قراءة: نافع وآخرين.
ومعنى الأولى " مالك " القاضى المتصرف فى شئون يوم الدين، وهو يوم القيامة.(7/112)
أما معنى " مَلِك " فهو أعم من معنى " مالك " أى من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شىء. ما ظهر منها وما خفى.
وكلا المعنيين لائق بالله تعالى ، وهما مدح لله عز وجل.
ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت فى الرسم هكذا "ملك " بحذف الألف بعد حرف الميم ، مع وضع شرطة صغيرة رأسية بين الميم واللام ، ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين.
ومثال ثالث هو قوله تعالى:
(يوم يُكشف عن ساق )(2).
والشاهد فى الآية كلمة " يُكشَف " وفيها قراءتان الأولى قراءة جمهور القراء ، وهى " يُكشف " بضم الياء وسكون الكاف ، وفتح الشين. بالبناء للمفعول ، والثانية قراءة ابن عباس " تَكْشِفُ " بفتح التاء وسكون الكاف ، وكسر الشين ، بالبناء للفاعل ، وهو الساعة ، أى يوم تكشف الساعة عن سياق. قرأها بالتاء ، والبناء للمعلوم ، وقرأها الجمهور بالياء والبناء للمجهول.
والعبارة كناية عن الشدة ، كما قال الشاعر:
كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح (3).
هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكر الحقائق الآتية:
- إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل.
- إنها لا تدخل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات محصورة وردت فيها ، وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها.- إن الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه.
- إن القراءات القرآنية لا تؤدى إلى خلل فى آيات الكتاب العزيز ، وكلام الله الذى أنزله على خاتم رسله عليهم الصلاة والسلام.
ومع هذا فإن خصوم الإسلام يتخذون من تعدد قراءات بعض كلمات القرآن وسيلة للطعن فيه ، ويرون أن هذه القراءات ما
هى إلا تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوى.
وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ، إنكم تتهمون الكتاب المقدس بعهديه (التوراة والإنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ، وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفات والتغييرات والتبديلات ، التى تسمونها قراءات ؟
وهذا ما قالوه فعلاً ، وأثاروا حوله لغطًا كثيرًا ، وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين ، الذين تحالفوا إلا قليلاً منهم على تشويه حقائق الإسلام ، وفى مقدمتها القرآن الكريم.
ونكتفى بما أثاره واحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التى يطنطنون حولها كثيرًا ، ذلكم الواحد هو المستشرق اليهودى المجرى المسمى: " جولد زيهر " الحقود على الإسلام وكل ما يتصل به من قيم ومبادئ.
إن هذا الرجل لهو أشد خطرًا من القس زويمر زعيم جيش المبشرين الحاقدين على الإسلام فى عهد الاحتلال الإنجليزى للهند ومصر.
أوهام جولد زيهر حول القراءات القرآنية:
---------------
المحاولة التى قام بها جولد زيهر هى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، نزل به الروح الأمين إلى كونها تخيلات توهمها علماء المسلمين ، وساعدهم على تجسيد هذا التوهم طبيعة الخط العربى ؛ لأنه كان فى الفترة التى ظهرت فيها القراءات غير منقوط ولا مشكول ، وهذا ساعد على نطق الياء ثاء فى مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ بالتاء " تقولون " ومنهم من قرأ بالياء " يقولون ".
هذا من حيث النقط وجودًا وعدمًا ، أما من حيث الشكل أى ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثلاً ، وأرجع إلى هذا السبب قوله تعالى: (وهو الذى أرسل الرياح بُشرًا..)(4).
فقد قرأ عاصم: " بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائى وحمزة: " نَشْرا " بالنون المفتوحة بدلاً من الباء المضمومة عند عاصم.
وقرأ الباقون: " نُشُرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ، بينما كانت الشين فى القراءات الأخرى ساكنة (5).
وفى هذا يقول جولد زيهر نقلاً عن الترجمة العربية لكتابه الذى ذكر فيه هذا الكلام (6):
" والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب فى ظهوره إلى خاصية الخط العربى ، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها ، كما أن عدم وجود الحركات النحوية ، وفقدان الشكل (أى الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب. فهذه التكميلات للرسم الكتابى ثم هذه الاختلافات فى الحركات والشكل ، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات ، فيما أهمل نقطه أو شكله من القرآن ".
00000000000000
إن المتأمل فى هذا الكلام ، الذى نقلناه عن جولد زيهر ، يدرك أن الرجل يريد أن يقول فى دهاء وخبث. إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم ، وأن النصوص الإلهية المنزلة على رسولهم أصابها بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات لوجود التحريف فى القرآن الحكيم.
ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين اللذين تقدم ذكرهما ، وهما:
- تجرد المصحف من النقط فى أول عهده.
- تجرد كلماته من ضبط الحروف. فإلى السبب الأول نسب قوله تعالى:(7/113)
(ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)(7).
والشاهد فى كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور. وقد قارنها جولد زيهر بقراءة شاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ، يريد أن يقول: إن الكلمة كانت فى الأصل " يستكبرون " غير منقوطة الحروف الأول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها:
فمنهم من قرأ الخامس " باء " والأول تاء فنطق: تستكبرون ، ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون.
هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده.
وكذلك قوله تعالى:(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه..)(8).والشاهد فى كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب الذكر.
ثم قارنها بقراءة شاذة لحماد الراوية هكذا " أباه " بإبدال الياء من " أباه " باء " اباه " أى وعدها إبراهيم عليه السلام أباه ؟ (9).
****
أما اختلاف القراءات للسبب الثانى ، وهو تجرد كلمات المصحف عن الضبط بالحركات ، فمن أمثلته عنده قوله تعالى:
(ومَنْ عِنْدَهُ علم الكتاب )(10).
وقارن بين قراءاتها الثلاث: " مَنْ عنْدَهُ " " مِنْ عِنْدِه " "مَنْ عِنْدِهِ " ؟ !
هذا هو منهجه فى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، إلى كونها أوهامًا كان سببها نقص الخط العربى الذى كتب به المصحف أولاً عن تحقيق الألفاظ من حيث حروفها ومن حيث كيفية النطق بها. واقتفى أثره كثير من المبشرين والمستشرقين.
الرد على هذه الشبهة:
---------
لقد حظى كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير ، فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته. ومن الحقائق
الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان هو السماع الصوتى.
- سماع صوتى من جبريل لمحمد عليهما السلام.
- وسماع صوتى من الرسول إلى كتبة الوحى أولاً وإلى المسلمين عامة.
- وسماع صوتى من كتبة الوحى إلى الذين سمعوه منهم من عامة المسلمين.
- وسماع صوتى حتى الآن من حفظة القرآن المتقنين إلى من يتعلمونه منهم من أفراد المسلمين.
هذا هو الأصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم الدين ، فى تلقى القرآن من مرسِل إلى مستِبل.
وليست كتابة القرآن فى مصاحف هى الأصل ، ولن تكون. القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف ، ولا يزال متعلم القرآن فى أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ حافظين متقنين ، وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة فى المصحف ، ولو ظل يتعلمها وحده أيامًا وأشهرا.
وبهذا تهوى الأفكار التى أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى الحضيض ، ولا يكون لها أى وزن فى البحث العلمى المقبول ؛ لأن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربى من القراءة فى المصاحف ، وإنما تعلموه سماعًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قيض الله لكتابه شيوخًا أجلاء حفظوه وتلوه غضّا طريّا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من جبريل أمين الوحى.
أجل.. كان سيكون لأفكار جولد زيهر وجه من الاحتمال لو كان المسلمون يأخذون القراءة قراءة من مصاحف. أما وقد علمنا أن طريق تلقى القرآن هو السماع الموثق ، فإن أفكار جولد زيهر تذهب هباء فى يوم ريح عاصف.
ثانيًا: إن القراءات الصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسموعة من محمد صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحى ، ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحى لعموم المسلمين فى صدر الإسلام الأول ، ثم شيوخ القرآن فى تعاقب الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد سمع المسلمون من محمد المعصوم عن الخطأ فى التبليغ " فتبينوا " و " فتثبتوا " فى قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )(11) بالباء والياء والنون.
وسمعوها منه " فتثبتوا " بالتاء والثاء والباء والتاء وكلا القراءتين قرآن موحى به من عند الله. وليس كما توهم جولد زيهر، إنهما قراءتان ناشئتان عن الاضطراب الحاصل من خلو كلمات المصحف من النقط والشكل فى أول أمره ؟.
والقراءتان ، وإن اختلف لفظاهما ، فإن بين معنييهما علاقة وثيقة ، كعلاقة ضوء الشمس بقرصها: لأن التبين ، وهو المصدر المتصيد من " فتبينوا " هى التفحص والتعقب فى الخبر الذى يذيعه الفاسق بين الناس ، وهذا البَين هو الطريق الموصل للتثبت. فالتثبت هو ثمرة التبين. ومن تبيَّن فقد تثبت. ومن تثبت فقد تبين.
فما أروع هذه القراءات ، ورب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، إن قراءات القرآن لهى وجه شديد الإشراق من وجوه إعجاز القرآن ، وإن كره الحاقدون.
وكما سمع المسلمون من فم محمد ، الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فى الآية السابقة: " فتبينوا " و " فتثبتوا " سمعوا منه كذلك ، " يُفَصِّل " و " نُفصِّلُ " فى قوله تعالى:
(ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )(12).
و " نفصل الآيات "(7/114)
وفاعل الفصل فى القراءتين واحد هو الله عز وجل:
وقد اختلف التعبير عن الفاعل فى القراءتين ، فهو فى القراءة الأولى " يفَصِّل " ضمير مستتر عائد على الله عز وجل فى قوله:
(ما خلق الله ذلك إلا بالحق)أى يفصل هو الآيات. فالفاعل هنا مفرد لعوده على مفرد " الله ".
وفى القراءة الثانية عُبِّر عن الفاعل بضمير الجمع للمتكلم "نُفَصِّل" أى نفصل نحن.
والله واحد أحد ، ولكن النون فى " نفصل " لها معنى فى اللغة العربية هو التعظيم إذا كان المراد منها فردًا لا جماعة. ووجه التعظيم بلاغةً تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظيمًا لشأنه ، وإجلالاً لقدره.
وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ، وهو وصف ملازم لكل القراءات.
وللبلاغيين إضافة حسنة فى قراءة " نفصل " بعد قوله: " ما خلق الله.. " هى الانتقال من الغيبة فى " ما خلق الله " إلى المتكلم فى " نفصل " للإشعار بعظمة التفصيل وروعته.
وبعد: إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربى الذى كان فى أول أمره خاليًا من النقط والشكل ، كما توهم " جولد زيهر " ومن بعده " آثر جيفرى " فى المقدمة التى كتبها لكتاب المصاحف ، لأبى داود السجستانى ، وتابعهما المستشرق " جان بيرك " ، إن هذه النظرية مجرد وَهْم سانده جهل هؤلاء الأدعياء على الفكر الإسلامى، مبدؤه ومنتهاه الحقد على الإسلام والتطاول على القرآن ، لحاجات فى نفوسهم .
وقد قدمنا فى إيجاز ما أبطل هذه الأوهام ، وبقى علينا فى الرد على هذه الشبهة أن نذكر فى إيجاز كذلك جهود علمائنا فى تمحيص القراءات ، وكيف وضعوا الضوابط الدقيقة لمعرفة القراءات الصحيحة ، من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن فى عهد عثمان بن عفان " رضى الله عنه ".
تمحيص القراءات:
***************************************
وضع العلماء الأقدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى هى وحى من عند الله. وتلك الضوابط هى:
1- صحة السند ، الذى يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ، الذى أجمعت عليه الأمة فى خلافة عثمان رضى الله عنه مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلافة عثمان ، نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بلا تغيير أو تبديل. ورسم المصحف الذى بين أيدينا الآن سنة نبوية ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقر تلك الوثيقة ، واحتفظ بها فى بيته حتى آخر يوم فى حياته الطيبة.
ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف فى أى زمن من الأزمان ، على غير الرسم المعروف بالرسم العثمانى للمصحف الشريف. ونقل هذا الإجماع عنهم كثير من علماء تاريخ القرآن (13).
3- أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية ؛ لأن الله أنزل كتابه باللسان العربى المبين.
4- أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قيم الإسلام ومقاصده ، الأصول والفروع.
فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا تكون القراءة مقبولة ولا يعتد بها.
وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة ، أو ما يسمى بالقراءات الشاذة ، أو الباطلة.
ولم يكتف علماؤنا بهذا ، بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها القراءات الصحيحة ، ووجهوها كلها من حيث اللغة ، ومن حيث المعنى.
كما جمع العلامة ابن جنى القراءات الشاذة ، حاصرًا لها ، واجتهد أن يقومها تقويمًا أفرغ ما ملك من طاقاته فيها ، وأخرجها فى جزءين كبيرين.
أما ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه ، حين أمر بنسخ الوثائق النبوية فى المصاحف ، فقد أراد منه هدفين ، ننقل للقارئ الكريم كلامًا طيبًا للمرحوم الدكتور/ محمد عبد الله دراز فى بيانهما:
" وفى رأينا أن نشر المصحف بعناية عثمان كان يستهدف أمرين:
أولهما: إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة ، التى كانت تدخل فى إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل نبوى مجمع عليه ، وحمايتها فيه منعًا لوقوع أى شجار بين المسلمين بشأنها ، لأن عثمان كان يعتبر التمارى (أى الجدال) فى القرآن نوعًا من الكفر.
ثانيهما: استبعاد ما لا يتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الأصلى (الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوع فى انشقاق خطير فيما بينهم ، وحماية للنص ذاته من أى تحريف ، نتيجة إدخال بعض العبارات المختلف عليها نوعًا ما ، أو أى شروح يكون الأفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " (14).
هذه هى عناية المسلمين من الرعيل الأول بالقرآن الكريم وتعدد قراءاته ، وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحى الإلهى.(7/115)
هذا ، وإذا كان جولد زيهر ، وآثر جيفرى المبشر الإنجليزى ، وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا من قراءات القرآن منفذًا للانقضاض عليه ، والتشكيك فيه ، فإن غيرهم من المستشرقين شهدوا للقرآن بالحق ، ونختم ردنا على هذه الشبهة بمستشرق نزيه ، أثنى على القرآن وقال إنه النص الالهى الوحيد ، الذى سلم من كل تحريف وتبديل ، لا فى جمعه ، و فى تعدد مصاحفه ، ولا فى تعدد قراءاته. قال المستشرق لوبلوا: [ إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى الوحيد ، الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ]. ومن قبله قال مستشرق آخر (د. موير) كلاما طيباً فى الثناء على القرآن ، وهو: [ إن المصحف الذى جمعه عثمان ، قد تواتر انتقاله من يد ليد ، حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ، ولقد حفظ بعناية شديدة ، بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الإطلاق فى النسخ التى لا حصر لها ، المتداولة فى البلاد الإسلامية الواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية
المتنازعة وهذا الاستعمال الإجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص المُنزل، الموجود معنا والذى يرجع إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى مات مقتولا(15).
000000000
(1) التوبة: 128.
(2) القلم: 42.
(3) معانى القرآن للقراء (3/177).
(4) الفرقان: 48.
(5) انظر: رسم المصحف (29) للدكتور / عبد الفتاح شلبى ، مكتبة وهبة.
(6) المذاهب الإسلامية (ص4) ، ترجمة د. محمد يوسف موسى.
(7) الأعراف: 48.
(8) التوبة: 114.
(9) رسم المصحف (30) ، مرجع سبق ذكره.
(10) الرعد: 43.
(11) الحجرات: 6.
(12) يونس: 5.
(13) ينظر: البرهان فى علوم القرآن ، مرجع سبق ذكره.
(14) " مدخل إلى القرآن الكريم " (ص43) مرجع سبق ذكره
=====================
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين
آل عمران
يجب عندما نحاول أن نتعرف على مضمون آية يجب أن نعرف سياق الحديث لهذه الآية بأخذ الآية التي قبلها أو التي بعدها .
ففي حالنا هذا يقول الله تعالى :
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 13
قرآن كريم
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَّرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَّشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ {13} زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ {14}
فالموضع الذي تأتي فيه الآية رقم 14 { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ ............ } هو : موقع ذكر المعركة الإسلامية التي جعلها الله آية مستمرة دائمة ؛ لتوضح لنا أن المعارك الإيمانية تتطلب الانقطاع إلى الله ، وتتطلب خروج الإنسان المؤمن عما ألف من عادة تمنحه كل المتع ، والمعارك الإيمانية تجعل المؤمن الصادق يضحي بكثير من ماله في تسليح نفسه ، وتسليح غيره أيضاً .
فمن يقعد عن الحرب إنسان تغلبه شهوات الدنيا ، فيأتي الله بهذه الآية بعد ذكر الآية التي ترسم طريق الانتصارات المتجدد لأهل الإيمان ؛ وذلك حتى لا تأخذنا شهوات الحياة من متعة القتال في سبيل الله ولإعلاء كلمته ... فيقول : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ .. } .
وكلمة { زُيِّنَ } تعطينا فاصلاً بين المتعة التي يحلها الله ، والمتعة التي لا يرضاها الله ؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر . فالمرأة تكون جميلة في ذاتها وبعد ذلك تتزين ، فتكون زينتها شيئاً فوق جوهر جمالها .
فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها ، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها ، بل نأخذها بحقيقتها الاستباقية فيقول : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ } ... فالقول هنا " للناس " أي للرجال ، لأن سياق الحديث من الآية السابقة يوضح الفئة المجاهدة التي تقاتل في سبيل الله .... " فالسياق لا يتحدث عن المرأة أو الطفل أو المريض أو المعوق أو المجنون ... فكلهم ناس " ولكن السياق للمجاهدين ... ومواصفات المجاهدين لا تخضع للمذكورين سابقاً "
وما هي الشهوة ؟ الشهوة هي ميل النفس بقوة إلى أي عمل ما .
وحين ننظر إلى الآية فإننا نجدها توضح لنا أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة فهو مطلوب ومقبول ، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك فهذا هو الممقوت .
فمثال .. ولله المثل الأعلى :(7/116)
إن أعنف غرائز الإنسان هي الغريزة الجنسية ، وأن الحيوان يَفْضُل الإنسان فيها ، فالحيوان أخذ العملية الجنسية لاستبقاء النوع .... بدليل أن الأنثى من الحيوان إذا تم لقاحها من فحل لا تُمكن فحلاً آخر منها ، والفحل أيضاً إذا ما جاء إلى أنثى وهي حامل فهو لا يُقبل عليها ، إذن فالحيوانات قد أخذت غريزة الجنس كاستبقاء للحياة ، ولم تأخذها كالإنسان لذة متجددة
ومع ذلك نحن البشر نظلم الحيوانات ، ونقول في وصف شهوة الإنسان : إن عند فلان شهوة بهيمية .... فنقول : يا ليتها كانت بهيمية بالفعل ، لأن البهيمية قد أخذتها على القدر الضروري ... لكن نحن فلسفناها ، إذن فخروجك بالشيء عما يمكن أن يكون مباحاً ومشروعاً يسمى : دناءة شهوة النفس .
ولكي لا أطيل : فشهوة الرجال للنساء معروفة ولا شرح فيها ... أما قول الحق { َالبَنِينَ } فالمقصود بها الذكران ، ولم يقل البنات ، لماذا ؟
لأن البنين هم الذين يُطلبون دائماً للعزوة كما يقولون ولا يأتي منهم العار ، وكان العرب يئدون البنات ويخافون العار ، والمحبوب لدى الرجل في الإنجاب حتى الآن هو إنجاب البنين ، حتى الذين يقولون بحقوق المرأة وينادون بها ، سواء كان رجلاً أو امرأة إن لم يرزقه الله بولد فإنه أو إنها تريد ولداً ذكراً .
لي ملحوظة صغيرة : يقول الله تعالى " زُيِّنَ " فمن المزين ؟ إن كان في الأمر الزائد على الضروريات الأمر فهذا من شغل الشيطان ، وإن كان في الأمر الرتيب الذي يضمن استبقاء النوع فهذا من الله .
والله أعلم
للشيخ الخطيب تفسيراً آخر لهذه الآية
زين للناس حب الشهوات من الرجال والنساء ..وأيضاً البنين المقصود بها الذكور والإناث
ولكن يوجد أسلوب قرآنى إسمه [ أسلوب الإكتفاء] وهو أن يكتفى بذكر حالة معينة دون غيرها والمراد التعميم
مثل قوله تعالى فى سورة النحل [ وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم]
فى هذه الآية المقصود بها أن الله جعل لكم سرابيل تقيكم الحر وأيضاً سرابيل تقيكم البرد ولكنه أكتفى بذكر حالة الحر والمقصود العموم فى الحر والبرد
وعلى هذا المنوال كانت الآية 14 من سورة آل عمران
وقد يكون الإكتفاء بذكر شهوة النساء فقط لأنها أشد
-------
يذكر الإمام الرازي قول :
قوله تعالى: { مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ } ففيه بحثان:
{ مِنْ } في قوله { مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ } كما في قوله{ فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } [الحج: 30]
فكما أن المعنى فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس فكذا أيضاً معنى هذه الآية: زين للناس حب النساء وكذا وكذا التي هي مشتهاة.
الله تعالى عدد ههنا من المشتهيات أموراً أولها : النساء وإنما قدمهن على الكل لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم ولذلك قال تعالى: { خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21]
ومما يؤكد ذلك أن العشق الشديد المفلق المهلك لا يتفق إلا في هذا النوع من الشهوة.
ولما كان حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى، لا جرم خصه الله تعالى بالذكر، ووجه التمتع بهم ظاهر من حيث السرور والتكثر بهم إلى غير ذلك.
واعلم أن الله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة، فإنه لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وهذه المحبة كأنها حالة غريزية ولذلك فإنها حاصلة لجميع الحيوانات، والحكمة فيه ما ذكرنا من بقاء النسل
==============
شبهات حول أثيرت حول الجمع العثماني؟
أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الأولى: الطعن باستنكار ابن مسعود ? تولي زيد الجمع
وقد طعن بعض الطاعنين على كتاب الله في جمع القرآن في زمن عثمان ? بِما ورد عن ابن مسعودٍ من استنكار تولي زيدٍ هذا الجمع، وعدم توليه إياه، مع كونه أعلم أصحاب النَّبِيّ ? بكتاب الله، واستدلوا على ذلك بالأحاديث السابقة في اعتراض ابن مسعود على عثمان، ومنها:
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: } وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {،(1) ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ? فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ.(2)
وقالوا: إن استنكار ابن مسعودٍ طعنٌ في جمع القرآن، وهو دليلٌ على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس موثوقًا، وهو أيضًا طعنٌ في تواتر القرآن، إذ لو كان ما كتبه عثمان متواترًا لَما وسع ابن مسعود استنكاره.(3)
والجواب عن هذه الشبهة:(7/117)
أولاً: أن الاستنكار المروي عن ابن مسعودٍ لم يكن طعنًا في جمع القرآن، ولا استنكارًا لفعل الصحابة، وإنَّما كان استنكارًا لاختيار من يقوم بِهذا الجمع، إذ كان يرى في نفسه أنه الأولى أن يسند إليه هذا الجمع، مع كمال ثقته في زيدٍ وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه.
ومسألة اختيار من يقوم بجمع القرآن تقديرية، ولا شكَّ أن تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل -أصدق من تقدير ابن مسعودٍ له، كما مرَّ بنا قريبًا في تصويب اختيار عثمان زيدًا على غيره لجمع القرآن.(4)
وأما حداثة سِنِّ زيدٍ ?، فليست مطعنًا، فكم من صغيرٍ فاق من هو أكبر منه، وقد كان في ثقة النَّبِيّ ? بزيد -كما مرَّ قريبًا- ما يدل على أهليته وكفايته، وقد قدَّم النَّبِيّ ? بعض صغار السِنِّ على من هم أكبر منهم لَمَّا رأى من كفايتهم وأهليتهم فيما قدَّمهم فيه، كما قدَّم أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار، وهو ابن ست عشرة سنة، رغم طعن بعض الناس في إمارته، وأنفذ هذا الجيش أبو بكر ?، ولم يأبه لاستنكار بعض ذوي السن من الصحابة، محتجًّا في ذلك بتقديم الرَّسُول ? إياه.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ? بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.(6)
ولما طلب الناس تأمير من هو أسنُّ من أسامة بعد وفاة النَّبِيّ ?، قال أبو بكر ? لعمر لما كلمه في ذلك: ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب! استعمله رَسُول اللهِ ?، وتأمرني أن أنزعه.(7)
ثانيًا: أن استنكار ابن مسعود أن يترك حرفه، هو شهادة لحرفه بالصحة، لأنه أخذه عن رَسُول اللهِ ?، وليس في ذلك طعنٌ على حرف زيد من حيث هو، وإنَّما غاية ما هنالك أنه لا يرى ترك حرفه لحرف أحدٍ غيره.
قال الباقلاني: ليست شهادة عبد الله لحرفه وأنه أخذه من فم رَسُول اللهِ ? طعنًا على حرف غيره، ولكنه عنده حجةٌ في أنه لا يَجِب عليه تركه، وتحريق مصحف هو فيه.(8)
ثالثًا: أنه على فرض كون استنكار ابن مسعودٍ طعنًا في صحة جمع القرآن وتواتره، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنه قد رجع عن ذلك -كما مرَّ قريبًا.(9)
رابعًا: أننا لو سلَّمنا أن ابن مسعود استمرَّ على استنكاره، وأن استنكاره كان طعنًا في تواتر القرآن وصحة جمعه في زمن عثمان، فإننا نجيب بأن طعن ابن مسعود في التواتر لا يقدح فيه، فإن التواتر حجة قاطعة بصحة ما روي متواترًا، وإذا كان الجماعة الذين اتفقوا على صحة جمع القرآن في زمن عثمان قد بلغوا حدَّ التواتر وأكثر، فإن إنكار الواحد أو الاثنين لا يقدح في ذلك التواتر، فإن من شهد حجةٌ على من لم يشهد.
خامسًا: أن قول ابن مسعود: وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. ليس قطعًا على أنه ليس فيهم من هو أعلم منه بكتاب الله، وإنما هو اعتقاد ابن مسعود، وهو غير معصوم في هذا الاعتقاد.(10)
تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الثانية: الفاتحة والمعوذتان عند ابن مسعود ?.
طعن بعض الطاعنين على جمع القرآن بأن عبد الله بن مسعود ? أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، وزعموا أن في ذلك قدحًا في تواتر القرآن.(1)
وقد ثبت أن عبد الله بن مسعودٍ ? كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وروي عنه أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب كذلك.
فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا،(2) فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ?، فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ?.ـ(3)(7/118)
وَعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لاَ يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ ? قَالَ لَهُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ ?.ـ(4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى.(5)
وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة.(6)
وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن.(7)
الجواب عن هذه الشبهة:
أمَّا فاتحة الكتاب، فإن عدم كتابتها في مصحف ابن مسعود مشكوكٌ فيه، غير مسلم بصحته.
والخبر الذي تعلَّق به أصحاب هذه الشبهة ليس فيه إنكار قرآنية الفاتحة، وإنَّما قصارى ما فيه أن ابن مسعود لم يكن يكتبها، وليس في ذلك جحدٌ بأنَّها من القرآن.
ولو صحَّ عن ابن مسعود هذا الخبر، فإنه لا يجوز لمسلمٍ أن يَظُن خفاء قرآنية الفاتحة على ابن مسعود، فضلاً عن أن يَظُنَّ به إنكار قرآنيتها، وكيف يُظَن به ذلك، وهو من أشد الصحابة عناية بالقرآن، وقد أوصى النَّبِيّ ? بقراءة القرآن على قراءته.(8)
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.(9)
كما أن ابن مسعود ? من السابقين إلى الإسلام، ولم يزل يسمع النَّبِيّ ? يقرأ بالفاتحة في الصلاة، ويقول: لا صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.(10)
فلو صحَّ عنه هذا النقل، وجب أن يُحمل على أكمل أحواله ?، وذلك بأن يُقال: إنه كان يرى أن القرآن كتب في المصاحف مخافة الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في فاتحة الكتاب؛ لأنَّها تثنى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها -ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة -وهي خوف النسيان- في شأنِها.
فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان.(11)
قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على قول ابن مسعود: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة" قال: يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.(12)
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود قراءة عاصم وغيره، وفيها الفاتحة، وهذا نقلٌ متواتر يوجب العلم.
وأما المعوذتان، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنَّهما قرآنٌ منَزَّلٌ.
فقد ورد التصريح بقرآنيتهما عن النَّبِيّ ?.
كما جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(13)
وعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(14)
كما ورد أنه ? صلى بِهما صلاة الصبح، وفي قراءتِهما في الصلاة دليلٌ صريح على كونِهما من القرآن العظيم.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ ? فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللهِ ? أَنْ أَرْكَبْ مَرْكَبَ رَسُولِ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَنَزَلَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، وَنَزَلْتُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ فَأَقْرَأَنِي: } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {، وَ} قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ.(15)
وقد أنكر كثيرٌ من أهل العلم صحة النقل عن ابن مسعود في إنكاره قرآنية المعوذتين، وفي عدم إثباتِهما في مصحفه.(7/119)
قال الباقلاني: وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل.(16)
وقال ابن حزم: وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذبٌ موضوع، لا يصح، وإنَّما صحَّت عنه قراءة عاصمٍ عن زِرِّ ابن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان.(17)
وقال النووي: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئًا منه كفر، وما نُقِل عن ابن مسعودٍ في الفاتحة والمعوذتين باطلٌ، ليس بصحيح عنه.(18)
وقد فنَّد هؤلاء العلماء ما ورد عن ابن مسعود من الإنكار أو الْمَحْوِ من المصاحف، وتطلبوا لذلك وجوهًا كثيرةً في الردِّ، منها:
1. أن سبيلَ نقل المعوذتين سبيلُ نقل القرآن، وهو ظاهرٌ مشهورٌ، وأن فيهما من الإعجاز الذي لا خفاء لذي فهمٍ عنه، فكيف يحمل على ابن مسعودٍ إنكار كونِهما قرآنًا، مع ما ذكر من النقل والإعجاز؟
2. أن ابن مسعودٍ لو أنكر أن المعوذتين من القرآن لأنكر عليه الصحابة، ولنقل إلينا نقلاً مستفيضًا، كما أنكروا عليه ما هو أقل من ذلك، وهو اعتراضه على اختيار زيد لجمع القرآن.(19)
3. أن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل إلينا، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده.(20)
4. أنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فإن ذلك لا يدل على إنكاره كونَهما من القرآن، بل لعله أن يكون أسقطهما لعدم خوف النسيان عليهما، وظن من رأى ذلك مِمن لم يعرف ما دعاه إليه أنه أسقطهما لأنَّهما ليستا عنده بقرآن.(21)
5. ويحتمل أن يكون سمع جواب النَّبِيّ ? لأُبيٍّ لما سأله عنها، وأنه قال: قيل لي، فقلت، فلما سمع هذا أو أخبر به اعتقد أنَّهما من كلام الله ?، غير أنه لا يجب أن تسميا قرآنًا؛ لأنه ? لم يسمهما بذلك، أو أنه سمع جواب النَّبِيّ ? لعقبة لما سأله: أقرآنٌ هما؟ فلم يجبه، وأصبح فصلَّى الصبح بِهما، فاعتقد أنَّهما كلام الله تعالى، ولم يسمهما قرآنًا لما لم يسمهما النَّبِيّ ? بذلك.
6. ويحتمل أن يكون لم ير النَّبِيّ ? يقرأ بِهما في الصلاة قطُّ، فظن به لأجل ذلك أنه يعتقد أنَّهما ليستا من القرآن.(22)
7. وأنه يُمكن أن يكون سئل عن عوذة من العوذ رواها عن النَّبِيّ ?، وظن السائل عنها أنَّها من القرآن، فقال عبد الله: إن تلك العوذة ليست من القرآن، وظن سامع ذلك أو راويه أنه أراد المعوذتين، ويُمكن أن يحمل على ذلك أيضًا جوابه لِمن قال له في المعوذتين: أهي من القرآن؟ فقال بأنها ليست من القرآن، فإنه يحتمل أن يكون سأله عن معوذتين أخريين غير سورة الفلق وسورة الناس.(23)
8. وأما ما روي من حكِّه إياهما من المصحف فذلك بعيدٌ، لأنه لا يَخلو أن يكون حكَّهما من مصحفه، أو من مصاحف أصحابه الذين أخذوا عنه، أو من مصحف عثمان، وما كُتِب منه.
فمحالٌ أن يكون حكَّهما من مصحفه؛ لأنَّهما لم يكونا فيه، لأنه لم يكتبهما.
وكذلك مصاحف من أخذ عنه من أصحابه، فهي بالضرورة موافقة لمصحفه، فلا يُتَصَوَّرُ أن يكون فيها المعوذتان.
وإن كان من مصحف عثمان ?، فذلك بعيدٌ، لأنه شقُّ العصا، وخلافٌ شديدٌ يطول فيه الخطب بينهما، ولو حصل ذلك لنقل إلينا، وفي عدم العلم بذلك دليلٌ على بطلانه.
9. وأما قول الراوي: إنه كان يَحكهما، ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني المعوذتين، فهذا تفسير من الراوي، ويحتمل أنه كان يَحكُّ الفواتح والفواصل.(24)
ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.(25)
10. ولو ثبت عنه بنصٍّ لا يحتمل الرد أنه حكَّهما، فإن ذلك يَحتمل وجوهًا من التأويل، منها:
أ- أن يكون رآها مكتوبةً في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، وأراد بقوله: لا تخلطوا به ما ليس منه: التأليف الفاسد.
ب- أو أنه رآها كتبت مغيَّرةً بضرْبٍ من التغيير، فحكَّها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني فساد النظم.(26)
وهذه التأويلات التي ذكروها حسنةٌ، ولكن الرواية بإنكار ابن مسعودٍ قرآنية المعوذتين ومحوهما من المصاحف صحيحة، فلا ينبغي أن تُرَدَّ بغير مستندٍ، ولا محظور حينئذٍ، فتأويل فعل ابن مسعود مُمكن مع صحة هذه الروايات عنه.
قال الحافظ: وأما قول النووي: أجمع المسلمون… ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم… ثم قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستندٍ لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل مُحتملٌ، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش، وإن أراد استقراره، فهو مقبول.(27)(7/120)
وقال ابن كثير: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النَّبِيّ ?، ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ? أثبتوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنَّة.(28)
وعلى صحة هذا النقل يكون الجواب عن هذه الشبهة بوجوه، منها -إضافةً إلى ما سبق:
1- أن ترك كتابة ابن مسعودٍ المعوذتين في مصحفه ليس بالضرورة إنكارًا لقرآنيتهما، إذ ليس يجب على الإنسان أن يكتب جميع القرآن، فلو أنه كتب بعضًا وترك بعضًا، فليس عليه عيب ولا إثم.(29)
2- أنه يحتمل أن يكون ابن مسعودٍ ? لم يسمع المعوذتين من النَّبِيّ ?، ولم تتواترا عنده، فتوقف في أمرهما.
فإن قيل: ولِمَ لَمْ ينكر عليه الصحابة، يجاب بأنَّهم لم ينكروا عليه لأنه كان بصدد البحث والتثبت في هذا الأمر.(30)
3- أنه يَحتمل أنه كان يسمعهما من النَّبِيّ ?، وكان يراه ? يعوِّذ الحسن والحسين بِهما، فظن أنَّهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعًا، ثم لَمَّا تيقن قرآنيتهما رجع إلى قول الجماعة.(31)
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: … وَلَيْسَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ،(32) كَانَ يَرَى رَسُولَ اللهِ ? يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا عُوذَتَانِ، وَأَصَرَّ عَلَى ظَنِّهِ، وَتَحَقَّقَ الْبَاقُونَ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ فَأَوْدَعُوهُمَا إِيَّاهُ.(33)
ومِمَّا يؤيد أنه رجع إلى قول الجماعة، ما ذكرناه آنفًا من صحة قراءة عاصم وغيره عنه، وأن فيها المعوذتين.
4- أنه على فرض استمرار عبد الله بن مسعودٍ على إنكار قرآنية المعوذتين، ومَحوهما من المصاحف، يُجاب بأنه ? انفرد بِهذا الإنكار، ولم يتابعه عليه أحدٌ من الصحابة ولا غيرهم، وانفراده على فرض استمراره عليه لا يطعن في تواتر القرآن، فإنه ليس من شرط التواتر ألاَّ يُخالف فيه مخالفٌ، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم قام عليه بمجرد أن يُخالف فيه مخالفٌ.
فلو أنه ثبت أن ابن مسعود ? أنكر المعوذتين، بل أنكر القرآن كله، واستمر على ذلك، فإن إنكاره لا يقدح في تواتر القرآن.
قال البزار: لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة.(34)
ولا شكَّ أن إجماع الصحابة على قرآنيتهما كافٍ في الردِّ على هذا الطعن، ولا يضرُّ ذلك الإجماع مخالفة ابن مسعود، فإنه لا يُعقل تصويب رأي ابن مسعودٍ وتخطئة الصحابة كلهم، بل الأمة كلها.(35)
وقد استشكل الفخر الرازي على فرض صحة النقل عن ابن مسعودٍ في إنكاره قرآنية المعوذتين أنه إن قيل إن قرآنية المعوذتين كانت متواترةً في عصر ابن مسعودٍ، لزم تكفير من أنكرهما، وإن قيل إن قرآنيتهما لم تكن متواترةً في عصره، لزم أن بعض القرآن لم يتواتر في بعض الزمان، قال: وهذه عقدة صعبة.(36)
ويجاب عن هذا الاستشكال بأن تواتر قرآنية المعوذتين في عصر ابن مسعودٍ لا شكَّ فيه، ولا يلزم من ذلك تكفيره ?، إذ إن التواتر -وإن كان يفيد العلم الضروري- فإنه نفسه ليس علمًا ضروريًّا -أي أنه قد يخفى على بعض الناس، فليس من الضروري أن يعلم كلُّ واحدٍ من أهل العصر بتواتر الشيء، فإن خفي عليه هذا التواتر كان معذورًا، فلا يُكَفَّر.
قال ابن حجر: وأجيب باحتمال أنه كان متواترًا في عصر ابن مسعودٍ، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلَّت العقدة بعون الله تعالى.(37) تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
================
رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الطريقة والمنهج الذي كتب به :-
وحدد عثمان – رضي الله عنه - مع الكُتّاب – رضي الله عنهم – الأسس والمنهج الذي يعتمدون عليه في نسخ المصاحف العثمانية وهي :-
1- لا يكتب شيء إلا بعد التحقق من أنه قرآن .
2- لا يكتب شيء إلا بعد العلم بأنه استقر في العرضة الأخيرة .
3- لا يكتب شيء إلا بعد التأكد أنه لم ينسخ .
4- لا يكتب شيء إلا بعد عرضه على جمع من الصحابة .
5- إذا اختلفوا في شيء من القرآن كتبوه بلغة قريش .
6- يحافظ على القراءات المتواترة ولا تكتب قراءة غير متواترة .
7- اللفظ الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات يرسم بصورة واحدة .
8- اللفظ الذي تختلف فيه وجوه القراءات ويمكن رسمه في الخط محتملاً لها كلها يكتب برسم واحد مثل : (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، فإنها تصح أن تقرأ بالقراءة الأخرى (فتثبتوا) لأن الكتابة كانت خالية من النقط والشكل .
9- اللفظ الذي تختلف فيه وجوه القراءات ولا يمكن رسمه في الخط محتملاً لها يكتب في نسخة برسم يوافق بعض الوجوه وفي نسخة أخرى برسم يوافق الوجه الآخر . مثل (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) ، فإنها تكتب في نسخة أخرى (وأوصى). (3)(7/121)
وبهذا المنهج الدقيق والأسس السلمية كتب المصحف العثماني فكان في غاية الدقة والضبط والتحري . ولله الحمد والمنة .
** الهامش
(3) أنظر كتاب دراسات في علوم القرآن – للدكتور/محمد بكر إسماعيل ص 128-129(دار المنار – القاهرة ط.1411.1هـ) وكتاب القرآن ونصوصه للدكتور عدنان زرزور ص 85- 86(مطبعة خالد بن الوليد – دمشق 1399هـ) ومناهل العرفان للزرقاني(1/ 211) (الكتاب العربي – بيروت ط1419.3 هـ)
الشبهة الأولى: الطعن باستنكار ابن مسعود ? تولي زيد الجمع
وقد طعن بعض الطاعنين على كتاب الله في جمع القرآن في زمن عثمان ? بِما ورد عن ابن مسعودٍ من استنكار تولي زيدٍ هذا الجمع، وعدم توليه إياه، مع كونه أعلم أصحاب النَّبِيّ ? بكتاب الله، واستدلوا على ذلك بالأحاديث السابقة في اعتراض ابن مسعود على عثمان، ومنها:
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: } وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {،(1) ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ? فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ.(2)
وقالوا: إن استنكار ابن مسعودٍ طعنٌ في جمع القرآن، وهو دليلٌ على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس موثوقًا، وهو أيضًا طعنٌ في تواتر القرآن، إذ لو كان ما كتبه عثمان متواترًا لَما وسع ابن مسعود استنكاره.(3)
والجواب عن هذه الشبهة:
أولاً: أن الاستنكار المروي عن ابن مسعودٍ لم يكن طعنًا في جمع القرآن، ولا استنكارًا لفعل الصحابة، وإنَّما كان استنكارًا لاختيار من يقوم بِهذا الجمع، إذ كان يرى في نفسه أنه الأولى أن يسند إليه هذا الجمع، مع كمال ثقته في زيدٍ وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه.
ومسألة اختيار من يقوم بجمع القرآن تقديرية، ولا شكَّ أن تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل -أصدق من تقدير ابن مسعودٍ له، كما مرَّ بنا قريبًا في تصويب اختيار عثمان زيدًا على غيره لجمع القرآن.(4)
وأما حداثة سِنِّ زيدٍ ?، فليست مطعنًا، فكم من صغيرٍ فاق من هو أكبر منه، وقد كان في ثقة النَّبِيّ ? بزيد -كما مرَّ قريبًا- ما يدل على أهليته وكفايته، وقد قدَّم النَّبِيّ ? بعض صغار السِنِّ على من هم أكبر منهم لَمَّا رأى من كفايتهم وأهليتهم فيما قدَّمهم فيه، كما قدَّم أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار، وهو ابن ست عشرة سنة، رغم طعن بعض الناس في إمارته، وأنفذ هذا الجيش أبو بكر ?، ولم يأبه لاستنكار بعض ذوي السن من الصحابة، محتجًّا في ذلك بتقديم الرَّسُول ? إياه.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ? بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.(6)
ولما طلب الناس تأمير من هو أسنُّ من أسامة بعد وفاة النَّبِيّ ?، قال أبو بكر ? لعمر لما كلمه في ذلك: ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب! استعمله رَسُول اللهِ ?، وتأمرني أن أنزعه.(7)
ثانيًا: أن استنكار ابن مسعود أن يترك حرفه، هو شهادة لحرفه بالصحة، لأنه أخذه عن رَسُول اللهِ ?، وليس في ذلك طعنٌ على حرف زيد من حيث هو، وإنَّما غاية ما هنالك أنه لا يرى ترك حرفه لحرف أحدٍ غيره.
قال الباقلاني: ليست شهادة عبد الله لحرفه وأنه أخذه من فم رَسُول اللهِ ? طعنًا على حرف غيره، ولكنه عنده حجةٌ في أنه لا يَجِب عليه تركه، وتحريق مصحف هو فيه.(8)
ثالثًا: أنه على فرض كون استنكار ابن مسعودٍ طعنًا في صحة جمع القرآن وتواتره، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنه قد رجع عن ذلك -كما مرَّ قريبًا.(9)(7/122)
رابعًا: أننا لو سلَّمنا أن ابن مسعود استمرَّ على استنكاره، وأن استنكاره كان طعنًا في تواتر القرآن وصحة جمعه في زمن عثمان، فإننا نجيب بأن طعن ابن مسعود في التواتر لا يقدح فيه، فإن التواتر حجة قاطعة بصحة ما روي متواترًا، وإذا كان الجماعة الذين اتفقوا على صحة جمع القرآن في زمن عثمان قد بلغوا حدَّ التواتر وأكثر، فإن إنكار الواحد أو الاثنين لا يقدح في ذلك التواتر، فإن من شهد حجةٌ على من لم يشهد.
خامسًا: أن قول ابن مسعود: وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. ليس قطعًا على أنه ليس فيهم من هو أعلم منه بكتاب الله، وإنما هو اعتقاد ابن مسعود، وهو غير معصوم في هذا الاعتقاد.(10)
-----------
(1) سورة آل عمران، من الآية 161.
(2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16/16) ح 2462، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 23.
(3) مناهل العرفان (1/283).
(4) انظر مناهل العرفان (1/283).
(5) رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب بعث النَّبِيّ ? أسامة إلى الحرقات (7/590) ح 4271.
(6) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد بن حارثة (7/108-109) ح 3730.
(7) تاريخ الطبري (2/246)، وانظر فتح الباري (7/759).
(8) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 364.
(9) انظر المبحث السابق، ومناهل العرفان (1/284).
(10) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 364.
الشبهة الثانية: الفاتحة والمعوذتان عند ابن مسعود ?.
طعن بعض الطاعنين على جمع القرآن بأن عبد الله بن مسعود ? أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، وزعموا أن في ذلك قدحًا في تواتر القرآن.(1)
وقد ثبت أن عبد الله بن مسعودٍ ? كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وروي عنه أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب كذلك.
فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا،(2) فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ?، فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ?.ـ(3)
وَعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لاَ يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ ? قَالَ لَهُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ ?.ـ(4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى.(5)
وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة.(6)
وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن.(7)
الجواب عن هذه الشبهة:
أمَّا فاتحة الكتاب، فإن عدم كتابتها في مصحف ابن مسعود مشكوكٌ فيه، غير مسلم بصحته.
والخبر الذي تعلَّق به أصحاب هذه الشبهة ليس فيه إنكار قرآنية الفاتحة، وإنَّما قصارى ما فيه أن ابن مسعود لم يكن يكتبها، وليس في ذلك جحدٌ بأنَّها من القرآن.
ولو صحَّ عن ابن مسعود هذا الخبر، فإنه لا يجوز لمسلمٍ أن يَظُن خفاء قرآنية الفاتحة على ابن مسعود، فضلاً عن أن يَظُنَّ به إنكار قرآنيتها، وكيف يُظَن به ذلك، وهو من أشد الصحابة عناية بالقرآن، وقد أوصى النَّبِيّ ? بقراءة القرآن على قراءته.(8)
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.(9)
كما أن ابن مسعود ? من السابقين إلى الإسلام، ولم يزل يسمع النَّبِيّ ? يقرأ بالفاتحة في الصلاة، ويقول: لا صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.(10)
فلو صحَّ عنه هذا النقل، وجب أن يُحمل على أكمل أحواله ?، وذلك بأن يُقال: إنه كان يرى أن القرآن كتب في المصاحف مخافة الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في فاتحة الكتاب؛ لأنَّها تثنى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها -ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة -وهي خوف النسيان- في شأنِها.(7/123)
فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان.(11)
قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على قول ابن مسعود: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة" قال: يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.(12)
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود قراءة عاصم وغيره، وفيها الفاتحة، وهذا نقلٌ متواتر يوجب العلم.
وأما المعوذتان، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنَّهما قرآنٌ منَزَّلٌ.
فقد ورد التصريح بقرآنيتهما عن النَّبِيّ ?.
كما جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(13)
وعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(14)
كما ورد أنه ? صلى بِهما صلاة الصبح، وفي قراءتِهما في الصلاة دليلٌ صريح على كونِهما من القرآن العظيم.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ ? فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللهِ ? أَنْ أَرْكَبْ مَرْكَبَ رَسُولِ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَنَزَلَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، وَنَزَلْتُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ فَأَقْرَأَنِي: } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {، وَ} قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ.(15)
وقد أنكر كثيرٌ من أهل العلم صحة النقل عن ابن مسعود في إنكاره قرآنية المعوذتين، وفي عدم إثباتِهما في مصحفه.
قال الباقلاني: وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل.(16)
وقال ابن حزم: وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذبٌ موضوع، لا يصح، وإنَّما صحَّت عنه قراءة عاصمٍ عن زِرِّ ابن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان.(17)
وقال النووي: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئًا منه كفر، وما نُقِل عن ابن مسعودٍ في الفاتحة والمعوذتين باطلٌ، ليس بصحيح عنه.(18)
وقد فنَّد هؤلاء العلماء ما ورد عن ابن مسعود من الإنكار أو الْمَحْوِ من المصاحف، وتطلبوا لذلك وجوهًا كثيرةً في الردِّ، منها:
1. أن سبيلَ نقل المعوذتين سبيلُ نقل القرآن، وهو ظاهرٌ مشهورٌ، وأن فيهما من الإعجاز الذي لا خفاء لذي فهمٍ عنه، فكيف يحمل على ابن مسعودٍ إنكار كونِهما قرآنًا، مع ما ذكر من النقل والإعجاز؟
2. أن ابن مسعودٍ لو أنكر أن المعوذتين من القرآن لأنكر عليه الصحابة، ولنقل إلينا نقلاً مستفيضًا، كما أنكروا عليه ما هو أقل من ذلك، وهو اعتراضه على اختيار زيد لجمع القرآن.(19)
3. أن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل إلينا، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده.(20)
4. أنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فإن ذلك لا يدل على إنكاره كونَهما من القرآن، بل لعله أن يكون أسقطهما لعدم خوف النسيان عليهما، وظن من رأى ذلك مِمن لم يعرف ما دعاه إليه أنه أسقطهما لأنَّهما ليستا عنده بقرآن.(21)
5. ويحتمل أن يكون سمع جواب النَّبِيّ ? لأُبيٍّ لما سأله عنها، وأنه قال: قيل لي، فقلت، فلما سمع هذا أو أخبر به اعتقد أنَّهما من كلام الله ?، غير أنه لا يجب أن تسميا قرآنًا؛ لأنه ? لم يسمهما بذلك، أو أنه سمع جواب النَّبِيّ ? لعقبة لما سأله: أقرآنٌ هما؟ فلم يجبه، وأصبح فصلَّى الصبح بِهما، فاعتقد أنَّهما كلام الله تعالى، ولم يسمهما قرآنًا لما لم يسمهما النَّبِيّ ? بذلك.
6. ويحتمل أن يكون لم ير النَّبِيّ ? يقرأ بِهما في الصلاة قطُّ، فظن به لأجل ذلك أنه يعتقد أنَّهما ليستا من القرآن.(22)(7/124)
7. وأنه يُمكن أن يكون سئل عن عوذة من العوذ رواها عن النَّبِيّ ?، وظن السائل عنها أنَّها من القرآن، فقال عبد الله: إن تلك العوذة ليست من القرآن، وظن سامع ذلك أو راويه أنه أراد المعوذتين، ويُمكن أن يحمل على ذلك أيضًا جوابه لِمن قال له في المعوذتين: أهي من القرآن؟ فقال بأنها ليست من القرآن، فإنه يحتمل أن يكون سأله عن معوذتين أخريين غير سورة الفلق وسورة الناس.(23)
8. وأما ما روي من حكِّه إياهما من المصحف فذلك بعيدٌ، لأنه لا يَخلو أن يكون حكَّهما من مصحفه، أو من مصاحف أصحابه الذين أخذوا عنه، أو من مصحف عثمان، وما كُتِب منه.
فمحالٌ أن يكون حكَّهما من مصحفه؛ لأنَّهما لم يكونا فيه، لأنه لم يكتبهما.
وكذلك مصاحف من أخذ عنه من أصحابه، فهي بالضرورة موافقة لمصحفه، فلا يُتَصَوَّرُ أن يكون فيها المعوذتان.
وإن كان من مصحف عثمان ?، فذلك بعيدٌ، لأنه شقُّ العصا، وخلافٌ شديدٌ يطول فيه الخطب بينهما، ولو حصل ذلك لنقل إلينا، وفي عدم العلم بذلك دليلٌ على بطلانه.
9. وأما قول الراوي: إنه كان يَحكهما، ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني المعوذتين، فهذا تفسير من الراوي، ويحتمل أنه كان يَحكُّ الفواتح والفواصل.(24)
ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.(25)
10. ولو ثبت عنه بنصٍّ لا يحتمل الرد أنه حكَّهما، فإن ذلك يَحتمل وجوهًا من التأويل، منها:
أ- أن يكون رآها مكتوبةً في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، وأراد بقوله: لا تخلطوا به ما ليس منه: التأليف الفاسد.
ب- أو أنه رآها كتبت مغيَّرةً بضرْبٍ من التغيير، فحكَّها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني فساد النظم.(26)
وهذه التأويلات التي ذكروها حسنةٌ، ولكن الرواية بإنكار ابن مسعودٍ قرآنية المعوذتين ومحوهما من المصاحف صحيحة، فلا ينبغي أن تُرَدَّ بغير مستندٍ، ولا محظور حينئذٍ، فتأويل فعل ابن مسعود مُمكن مع صحة هذه الروايات عنه.
قال الحافظ: وأما قول النووي: أجمع المسلمون… ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم… ثم قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستندٍ لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل مُحتملٌ، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش، وإن أراد استقراره، فهو مقبول.(27)
وقال ابن كثير: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النَّبِيّ ?، ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ? أثبتوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنَّة.(28)
وعلى صحة هذا النقل يكون الجواب عن هذه الشبهة بوجوه، منها -إضافةً إلى ما سبق:
1- أن ترك كتابة ابن مسعودٍ المعوذتين في مصحفه ليس بالضرورة إنكارًا لقرآنيتهما، إذ ليس يجب على الإنسان أن يكتب جميع القرآن، فلو أنه كتب بعضًا وترك بعضًا، فليس عليه عيب ولا إثم.(29)
2- أنه يحتمل أن يكون ابن مسعودٍ ? لم يسمع المعوذتين من النَّبِيّ ?، ولم تتواترا عنده، فتوقف في أمرهما.
فإن قيل: ولِمَ لَمْ ينكر عليه الصحابة، يجاب بأنَّهم لم ينكروا عليه لأنه كان بصدد البحث والتثبت في هذا الأمر.(30)
3- أنه يَحتمل أنه كان يسمعهما من النَّبِيّ ?، وكان يراه ? يعوِّذ الحسن والحسين بِهما، فظن أنَّهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعًا، ثم لَمَّا تيقن قرآنيتهما رجع إلى قول الجماعة.(31)
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: … وَلَيْسَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ،(32) كَانَ يَرَى رَسُولَ اللهِ ? يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا عُوذَتَانِ، وَأَصَرَّ عَلَى ظَنِّهِ، وَتَحَقَّقَ الْبَاقُونَ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ فَأَوْدَعُوهُمَا إِيَّاهُ.(33)
ومِمَّا يؤيد أنه رجع إلى قول الجماعة، ما ذكرناه آنفًا من صحة قراءة عاصم وغيره عنه، وأن فيها المعوذتين.
4- أنه على فرض استمرار عبد الله بن مسعودٍ على إنكار قرآنية المعوذتين، ومَحوهما من المصاحف، يُجاب بأنه ? انفرد بِهذا الإنكار، ولم يتابعه عليه أحدٌ من الصحابة ولا غيرهم، وانفراده على فرض استمراره عليه لا يطعن في تواتر القرآن، فإنه ليس من شرط التواتر ألاَّ يُخالف فيه مخالفٌ، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم قام عليه بمجرد أن يُخالف فيه مخالفٌ.
فلو أنه ثبت أن ابن مسعود ? أنكر المعوذتين، بل أنكر القرآن كله، واستمر على ذلك، فإن إنكاره لا يقدح في تواتر القرآن.
قال البزار: لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة.(34)(7/125)
ولا شكَّ أن إجماع الصحابة على قرآنيتهما كافٍ في الردِّ على هذا الطعن، ولا يضرُّ ذلك الإجماع مخالفة ابن مسعود، فإنه لا يُعقل تصويب رأي ابن مسعودٍ وتخطئة الصحابة كلهم، بل الأمة كلها.(35)
وقد استشكل الفخر الرازي على فرض صحة النقل عن ابن مسعودٍ في إنكاره قرآنية المعوذتين أنه إن قيل إن قرآنية المعوذتين كانت متواترةً في عصر ابن مسعودٍ، لزم تكفير من أنكرهما، وإن قيل إن قرآنيتهما لم تكن متواترةً في عصره، لزم أن بعض القرآن لم يتواتر في بعض الزمان، قال: وهذه عقدة صعبة.(36)
ويجاب عن هذا الاستشكال بأن تواتر قرآنية المعوذتين في عصر ابن مسعودٍ لا شكَّ فيه، ولا يلزم من ذلك تكفيره ?، إذ إن التواتر -وإن كان يفيد العلم الضروري- فإنه نفسه ليس علمًا ضروريًّا -أي أنه قد يخفى على بعض الناس، فليس من الضروري أن يعلم كلُّ واحدٍ من أهل العصر بتواتر الشيء، فإن خفي عليه هذا التواتر كان معذورًا، فلا يُكَفَّر.
قال ابن حجر: وأجيب باحتمال أنه كان متواترًا في عصر ابن مسعودٍ، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلَّت العقدة بعون الله تعالى.(37)
(1) مناهل العرفان (1/275).
(2) قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع هذا اللفظ مبهمًا، وكأن بعض الرواة أبْهمه استعظامًا له، وأظن ذلك سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبْهام. فتح الباري (8/615).
(3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة (قل أعوذ برب الناس) (8/614) ح 4977.
(4) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20682.
(5) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20683. قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، ورجال عبد الله رجال الصحيح، ورجال الطبراني ثقات. مجمع الزوائد (7/152).
(6) رواه عبد بن حميد في مسنده، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9)، وفتح القدير للشوكاني (1/62)، ورواه أبو بكر الأنباري، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81).
(7) رواه عبد بن حميد في مسنده، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، انظر فتح القدير (1/62).
(8) انظر مناهل العرفان (1/276).
(9) رواه ابن ماجه في سننه كتاب المقدمة، باب فضل عبد الله بن مسعود (1/49) ح 138، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة المصاحف حفظًا ص 152-153.
(10) رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (1/216) ح 820.
(11) انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 47-49، ومناهل العرفان (1/276).
(12) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9).
(13) رواه أحمد في مسنده، مسند الشاميين (5/137) ح 16848.
(14) رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة المعوذتين (6/96) ح 814.
(15) رواه النسائي في سننه، كتاب الاستعاذة، (8/253) ح 5437، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في المعوذتين (2/73) ح 1462.
(16) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 90.
(17) المحلى (1/13).
(18) المجموع شرح المهذب (3/363).
(19) كما مرَّ في المبحث السابق.
(20) انظر المحلى (1/13)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 90-91، والفصل في الملل والأهواء و النحل (2/212).
(21) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 91.
(22) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 92، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43.
(23) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 92-93.
(24) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 93.
(25) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة الفواتح والعدد في المصاحف ص 154.
(26) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 93-94.
(27) فتح الباري (8/615).
(28) تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين بن كثير (4/571).
(29) انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 49.
(30) انظر مناهل العرفان (1/276)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/571).
(31) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43.
(32) يعني المعوذتين.
(33) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20684.
(34) مجمع الزوائد (7/152)، وفتح الباري (8/615).
(35) مناهل العرفان (1/276-277).
(36) فتح الباري (8/616).
(37) فتح الباري (8/616).
------------------
إشكال في جمع عثمان للمصحف
إشكال : قال الزرقاني ـ رحمه الله ـ ما معناه أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ حينما أراد جمع المصحف اضطر الى تتعدد المصاحف المكتوبة ، لأنه رضي الله عنه أراد أن يجمع في المصحف الأوجه السبعة التي نزل عليها القران ، و هذه الأوجه منها ما يمكن أي يندرج تحت رسم واحد ، كاختلاف وجوه الاعراب و منها ما لا يمكن أن يندرج تحت رسم واحد كالتقديم و التأخير مثلا أو بعض صور الابدال .(7/126)
ووجه الاشكال : أن ما ذكره الزرقاني واضح و مفهوم و يمكن أن يندرج على مصحف عثمان ، و لكن ذكر الزرقاني رواية البخاري من أن عثمان أرسل الى حفصة أن ترسل اليه بالصحف التي عندها ـ و التي جمعت في عهد أبي بكر بعمل زيد بن ثابت ـ لينسخ منها المصحف ـ بأوجهه السبعة ـ فكيف كانت هذه الأوجه السبعة موجودة في مصحف واحد و هو الذي جمع على عهد أبي بكر و بعض هذه الوجوه لا تجتمع في رسم واحد مما اضطر عثمان الى أن يعدد المصاحف كما مر ؟
لا أجد دفع لذلك الا القول باحد وجهين :
الوجه الأول : أن مصحف زيد بن ثابت لم يشتمل على الأوجه السبعة ، و لكن هذا يرد عليه إشكالان :
الأول / أن الزرقاني ذكر أن المصحف الذي جمع في عهد زيد بن ثابت كان يشتمل على الأوجه السبعة .
الثاني / أن ذلك يلزم منه أن عثمان اعتمد على صحائف أخرى غير مصحف زيد بن ثابت حتى يستطيع أن يصل الى ما وصل اليه من جمع كل الاختلافات ، و هذا لم يرد بل ما ورد هو اعتماده على المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر .
الوجه الثاني : أن نقول بتعدد المصحف المجموع على عهد أبي بكر ، و لا يظهر ذلك من النقولات كما لا يخفى عليكم .
سيُحَل هذا الإشكال وجميع الإشكالات في موضوع الجمع - إن شاء الله تعالى - من خلال تصور ما يلي :
1 - أن أبا بكر رضي الله عنه جمع القرآن , وعثمان رضي الله عنه جمع الناس عليه .
2 - فعليه : جمع عثمان هو جمع أبي بكر رضي الله عنهم , ولم يغير فيه شيئاً .
3 - الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه هو ما عرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام في العرضة الأخيرة .
4 - العرضة الأخيرة اشتملت على ما لم يُنسَخ من الأحرف السبعة ؛ بدليل وجود عدد من الصحابة تختلف قرائتهم عمَّا في المصحف الإمام .
هذا القدر من البيان تجتمع به الأدلة , وعليه قامت , وبه نطقت , وهو حلٌّ لكثير من المشكل في هذا الباب , وأكتفي بهذا القدر , لهذا الإشكال , ولعلنا نزيد الموضوع إيضاحاً , بإيرادات أخرى في هذا الباب . والله أعلم .
لماذا تعدد المصحف العثماني ليشمل الأوجه كلها ، و لم يتعدد المصحف الذي جمعه أبو بكر ؟
والجواب :
الذي اختلف في الجمعين هو سبب الجمع , فسببه في زمن أبي بكر رضي الله عنه هو خشية فوات شيء من القرآن بفوات حملته ؛ وذلك لما استحر القتل في القراء في وقعة اليمامة , في طلب عمر المشهور من أبي بكر بذلك .
أما سبب الجمع في زمن عثمان رضي الله عنه هو , ما رآه هو وما بلغه عن بعض الصحابة من الإختلاف في قراءة القرآن , اختلافاً يتبعه تخطئة وتجهيل , كما اختلفت اليهود والنصارى في كتابهم , وهذا ما جعل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يطلب من عثمان ذلك مع ما هو في نفس عثمان , وقد حمد له الصحابة ذلك الفعل بإجماع , وصح عن علي رضي الله عنه قوله : والله ما فعل عثمان الذي فعل إلا على ملأٍ منّا , ولو كنت مكانه لفعلت مثل الذي فعل .
فعلى هذا : الأوجه التي أشرت إليها في مصحف عثمان موجودة في مصحف أبي بكر , ولا أدري كيف ظهر لك أن في مصحف أبي بكر أوجهاً ليست في مصحف عثمان , فإن كنت وقفت عليه في "مناهل العرفان" فاذكره , وإن كنت فهمته من غيره فبينه , وفقك الله تعالى لكل خير , وجعلنا من مفاتيحه .
قلت أخي : ولا أدري كيف ظهر لك أن في مصحف أبي بكر أوجها ليست في مصحف عثمان .
و لكن أنا أقصد العكس / كيف تكون هناك أوجها في مصحف عثمان ليست في مصحف أبي بكر ؟
قال الزرقاني : [ وصفوة القول : أن اللفظ الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات ، كانوا يرسمونه بصورة واحدة لا محالة ، أما الذي تختلف فيه وجوه القراءات فإن كان لا يمكن رسمه في الخط متحملا لتلك الوجوه كلها ، فإنهم يكتبونه برسم يوافق بعض الوجوه في مصحف ، ثم يكتبونه برسم اخر يولفق بعض الوجوه الأخرى في مصحف اخر ، وكانوا يتحاشون أن يكتبوه بالرسمين في مصحف واحد ….. إلخ ]
فواضح أن تعدد الأوجه كان مدعاة الى تعدد الرسم ، وبعض هذا الرسم لا يمكن الجمع بينه و بين غيره ، فكان لزاما لذلك أت تتعدد المصاحف كما هو ظاهر من كلام الزرقاني ـ رحمه الله ـ
و معلوم أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ نقل المصحف بأوجهه السبعة عن مصحف أبي بكر ، أي أن مصحف أبي بكر كان شاملا للأوجه السبعة ، فهذا يستلزم أنه أيضا متعدد ، لوجود الرسم الذي لا يمكن أن يجتمع مع غيره .
و السؤال / هل كان مصحف أبي بكر متعددا ؟ أم أنه كان على رسم واحد و لكن بقية الأوجه و الاختلافات محفوظة في صدر الصحابة رضي الله عنهم ، ثم لمّا دونها عثمان ـ رضي الله عنه ـ تعددت المصاحف ؟
-------------
( جمع القرآن * بين أبي بكر وعثمان ) رضي الله عنهما
في هذا الموضوع(7/127)
استشكل أحد الإخوة مسألةً في جمع القرآن , فكتبت خلاصة عاجلة تزيل الإشكال على طريقة : التأصيل ثم التفصيل , ثم أورد إشكالاً آخر , فأجبته , ثم انقلب الإشكال الثاني وأصبح إشكالاً ثالثاً , وهنا توقفت عن المتابعة ؛ لأضع هذه المشاركة , التي أرجوا أن تفيد في جانب :
(( جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما , والفرق بينهما ))
وسنرى أن تصور هذه المقدمة يعين كثيراً على فهم مسائل كثيرة من أبواب علوم القرآن لاتصاله الظاهر بها , وبالأخص " الأحرف السبعة " .
وسأبدأ بذكر خلاصة الباب في نظري , ثم أتبعها بالتفصيل , جاعلاً حاشية كل موضع بعده مباشرةً بين هلالين :
تأصيلٌ ثم تفصيل
سيُحَل هذا الإشكال وجميع الإشكالات في موضوع الجمع - إن شاء الله تعالى - من خلال تصور ما يلي :
1 - أن أبا بكر رضي الله عنه جمع القرآن , وعثمان رضي الله عنه جمع الناس عليه .
2 - فعليه : جمع عثمان هو جمع أبي بكر رضي الله عنهم , ولم يغير فيه شيئاً .
3 - الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه هو ما عرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام في العرضة الأخيرة .
4 - العرضة الأخيرة اشتملت على ما لم يُنسَخ من الأحرف السبعة ؛ بدليل وجود عدد من الصحابة تختلف قرائتهم عمَّا في المصحف الإمام .
هذا القدر من البيان تجتمع به الأدلة , وعليه قامت , وبه نطقت , وهو حلٌّ لكثير من المشكل في هذا الباب , وأكتفي بهذا القدر , لهذا الإشكال , ولعلنا نزيد الموضوع إيضاحاً , بإيرادات أخرى في هذا الباب . والله أعلم .
( جمع القرآن )
الحمد لله , و صلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد :
فإن الله تعالى قد تكفل بحفظ كتابه , وهيأ الأسباب الكونية والقدرية لذلك , فقال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
وهذه مقدمة مهمة لفهم مسالة جمع القرآن على مراحلها الثلاثة كما سنذكر – إن شاء الله تعالى - .
* الجمع الأول : في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
يطلق جمع القرآن ويراد به أحد معنيين :
الأول : حفظه في الصدور . والثاني : كتابته في السطور.
( في تسمية القرآن بـ: القرآن والكتاب , إشارة لطيفة إلى هذين النوعين, فالقرآن بمعنى الجمع والحفظ , والكتاب بمعنى المكتوب , ولا يكفي أحدهما عن الآخر , فلا يكفي حفظ حافظ حتى يوافق رسم المصحف , ولا تكفي كتابة كاتب حتى توافق ما نقل بالتواتر . انظر: النبأ العظيم , لمحمد عبد الله دراز, صـ 5 - 7 , ونقلها عنه غالب من كتب في علوم القرآن بعده ) وكلاهما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
فأما النوع الأول : فإن الأمة الأمية التي بعث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من أسرع الناس حفظاً , وهكذا الصحابة رضي الله عنهم عُنُوا بسماع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه ومدارسته , فلم يكونوا يتجاوزوا عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل , وأقاموا به ليلهم تهجداً وتلاوةً , حتى كان يسمع لبيوتهم دويٌّ كدويّ النحل من التلاوة , فلا عجب أن يكثر حفاظ القرآن من الصحابة , حتى عُرف طائفة منهم بالقراء , وقد كانوا عدداً كبيراً , ففي البخاري (4090) عن أنس رضي الله عنه في قصة بئر معونة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سبعين رجلاً يقال لهم القراء .. الحديث .
وذكر السيوطي في الإتقان (3 – 1 / 72 , نقلاً عن أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه ( القراءات ) وفي مقدمة ( طبقات القراء ) للذهبي أن هذا العدد هم الذين عرضوا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم واتصلت بنا أسانيدهم , وأما من جمعه من الصحابة ولم يتصل بنا سندهم فكثير) عدداً كثيراً ممن حفظ القرآن كله من المهاجرين والأنصار , ومثّل أنس بن مالك رضي الله عنه لبعض من جمع القرآن كاملاً عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعاً منه وعرضاً عليه بقوله عندما سأله قتادة : من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد (4 – 6 / 102-103 , وأبو زيد هو قيس بن السكن أحد عمومة أنس رضي الله عنهم . الفتح 6 / 102-103 ).(7/128)
أما النوع الثاني من جمع القرآن وهو ضم بعضه إلى بعض كتابةً وتدويناً فقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك, وقد أذن به صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تكتبوا عني , ومن كتب عني غير القرآن فليمحه " (رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , صحيح مسلم بشرح النووي 18 / 129) , بل كان له عليه الصلاة والسلام كتّاب الوحي ومنهم الخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب ومعاوية وغيرهم كثير رضي الله عنهم (انظر: جوامع السيرة لابن حزم صـ 26-27 , وزاد المعاد لابن القيم 1 / 29) , ووصف هذا الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه بقوله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع (رواه الحاكم في المستدرك 2 / 229) . فلم تكن أدوات الكتابة متيسرة لهم بل كانوا يكتبون في اللخاف والرقاع والأقتاب والأكتاف وغيرها . وكان على هذه الصورة مفرقاً غير مجموع , وإنما لم يجمع في كتاب واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتابع نزول الوحي منجّماً حسب الأحداث , ولورود النسخ فيه , مما يستلزم تكرار تغييره دائماً مع كل نزول , ولأن الله أمّنَ نبيّه من نسيانه " سنقرئك فلا تنسى , إلا ّما شاء الله " (انظر:المرشد الوجيز لأبي شامة صـ 62, والبرهان 1 / 300-301) .
وقد كان الاعتماد في هذه المرحلة على الحفظ أكثر من الكتابة لقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وقلة الكاتبين ووسائل الكتابة .
فقُبِض النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور, ومكتوب في الصحف , مفرقاً بين الصحابة , مرتب الآيات إجماعاً , قال زيد رضي الله عنه : قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء (صحيح البخاري 6 / 58 باب جمع القرآن الكريم) .
* الجمع الثاني : في عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه :-
- تاريخه: بعد معركة اليمامة في السنة الثانية عشر من الهجرة .
- وسببه: أنه قُتل في معركة اليمامة عدد كبير من القراء منهم سالم مولى أبي حذيفة أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن منهم , فأمر أبو بكر بجمعه لئلا يضيع , ففي البخاري (4986) أن عمر بن الخطاب أشار على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد وقعة اليمامة, فتوقف , فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدر أبي بكر لذلك فأرسل إلى زيد بن ثابت فأتاه وعنده عمر فقال له أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه , قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمراني به , قال: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال , فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله , ثم عند عمر حياته , ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما .. . رواه البخاري مطوّلاً .
وقد وافق المسلمون أبا بكر على ذلك وعدّوه من حسناته حتى قال علي رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر , رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع ما بين اللوحين (رواه ابن أبي داود في المصاحف صـ11, وحسّنه الحافظ ابن حجر في الفتح 9/12) .
وإنما أُختير زيد رضي الله عنه لهذا الأمر في زمن أبي بكر وعثمان ؛ لما ذكره أبو بكر عنه من رجاحة عقله, وتمام حفظه, وأنه من كتبة الوحي, ولأنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن (شرح السنة للبغوي 4/525 – 526 , والبرهان للزركشي 1/237 , والإتقان للسيوطي 1/118) .
وصفة هذا الجمع قائمةٌ على أربعة أسس :
1 – ما كان محفوظاً في صدور الرجال .
2 – ما كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
3 – لا يقبل من صدور الرجال إلا ما تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم .
4 – لا يقبل شيء من المكتوب حتى يشهد شاهدان على أنه كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو بكر رضي الله عنه لزيد وعمر بن الخطاب : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه (المصاحف لابن أبي داود صـ12 , وجمال القراء للسخاوي 1/86 , قال ابن حجر: ورجاله ثقات مع انقطاعه . الفتح 9/14) .
وقام عمر رضي الله عنه في الناس فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به (المصاحف لابن أبي داود صـ17) .
قال زيد رضي الله عنه : فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال (صحيح البخاري برقم 4986) .
قال ابن حجر : وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف على عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (الفتح 9/15) .
وذكر قريباً من ذلك أبو شامة والزركشي رحمهم الله تعالى (المرشد الوجيز لأبي شامة صـ57 , والبرهان للزركشي 1/234) .(7/129)
وتميز هذا الجمع بمنتهى الدقة والإتقان , وإهماله لما نسخ من الآيات, واشتماله على ما ثبت في العرضة الأخيرة دون سواه , وظفر بإجماع الأمة عليه , وتواتر ما فيه , ولم يكن منه إلا نسخة واحدة حفظت عند إمام المسلمين أبي بكر-رضي الله عنه- باتفاق العلماء (البرهان للزركشي 1/297 , ودراسات في علوم القرن لفهد الرومي صـ82) , وسمي بالـ"مصحف" باتفاق الصحابة (رواه ابن أشتة في (المصاحف) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب , ذكره السيوطي في الإتقان1/89) .
وكان الغرض من هذا الجمع تقييد القرآن كله مجموعاً في مصحف واحد حتى لايضيع منه شيء , دون أن يحمل الناس عليه لعدم ظهور الخلاف في قراءته (أصولٌ في التفسير , لمحمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله ,صـ33) .
* الجمع الثالث : في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه :ـ
تاريخه : في أوائل السنة الخامسة والعشرين من الهجرة .
وسببه : اختلاف الناس في القراءة بحسب ما وصلهم من القرآن , إمّا من الصحابة أو الصحف , فخيفت الفتنة فأمر عثمان رضي الله عنه أن يجمع الناس على مصحف واحد , لئلا يختلف الناس فيتنازعوا في كتاب الله ويتفرقوا (قاله ابن حجر في الفتح 9/17) , ومنه ما رواه البخاري (الفتح 9/17) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق , فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة , فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك , فأرسلت بها حفصة إلى عثمان .
وكان هذا العمل بمشورة من الصحابة واتفاق منهم , قال علي رضي الله عنه : يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف , فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأٍ منّا جميعاً , قال ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك , وهذا يكاد أن يكون كفراً , قلنا: فما ترى ؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد , فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف , قلنا: فنعم ما رأيت , قال علي:والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل (المصاحف لابن أبي داود صـ30 , وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح 9/18) .
واختار عثمان رضي الله عنه لهذا الجمع لجنة من ثلاثة من قريش: عبد الله بن الزبير, وسعيد بن العاص, وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام, وواحد من الأنصار هو زيد بن ثابت رضي الله عنه , وقال عثمان للقرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم (صحيح البخاري 6/99) وهذا فيما يتعلق بالرسم الكتابة .
فنسخ مصحف أبي بكر رضي الله عنه في أربعة أو خمسة أو سبعة مصاحف , واحد منها بقي عند عثمان وأرسل البقيّة إلى مكة والشام والبصرة والكوفة , وأرسل مع كل مصحف منها حافظ يقرئ الناس بها (مناهل العرفان 1/396-397) , وأمر بالإقراء بما فيها وما يوافقها ومنع ما عداها(البرهان 1/235 , الإتقان 1/60) , وأمر بإحراق ما كان من صحائف مفرقة عند بعض الصحابة رضي الله عنهم (صحيح البخاري برقم 4987 , والفتح 9/21) .
وتميّز جمع عثمان رضي الله عنه باشتماله على ما ثبت في العرضة الأخيرة , وإهمال ما نسخت تلاوته (قال البغوي في(شرح السنّة ) 4/525-526: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه , وأذهب ما سوى ذلك قطعاً لمادة الخلاف , فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعدوا في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم.ا.هـ ونقلها عنه ابن حجر في الفتح8/646) .
وكان مرتب الآيات والسور على الوجه المعروف الآن , واشتمل على ما لم ينسخ من الأحرف السبعة والتي تفرعت عنها القراءات المتواترة المعروفة .
وكتبت المصاحف بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة , وذلك بعدم إعجامها وشكلها , وجُرِّدت هذه المصاحف من كل ما ليس قرآناً , كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة من شرح لمعنى أو بيان لمنسوخ أو دعاء أو نحو ذلك (مناهل العرفان 1/260-261) .
وأجمعت الأمّة على جمع عثمان رضي الله عنه , وهو من سنّة الخلفاء الراشدين وقد دلّ الحديث على أن لهم سنّة يجب إتباعها (كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه المشهور"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين , عضّوا عليها بالنواجذ , . . الحديث" رواه أبو داود (4607) والترمذي (2672) وابن ماجه (44,43) وأحمد 4/126-127 والدارمي 1/44 وغيرهم) .
* والفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان رضي الله عنهما هو :(7/130)
1 – أن الباعث لجمع أبي بكر "خشية أن يذهب شيء من القرآن" , والباعث لجمع عثمان "منع الاختلاف في قراءته" ولم يغير رضي الله عنه حرفاً مما في مصحف أبي بكر رضي الله عنه , وأنّى له ذلك , فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : قلت لعثمان { والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً } قد نسختها الآية الأخرى , فلِمَ تكتبها أو تدعها ؟ قال : يا ابن أخي لا أغيّر شيئاً من مكانه . (رواه البخاري 6/29 برقم 4530) .
2 – جمع أبي بكر في مصحف واحد , وجمع عثمان بمعنى نسخه في مصاحف متعددة متحد ة الإقراء بما يوافق رسمه .
والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم
===============
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ
التابوت والسكينة:
“وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ; (آية 248).
تختلف أقوال المسلمين عن التابوت تماماً عما جاء بالتوراة. قالوا إن الله أنزل التابوت على آدم فيه صورة الأنبياء، وكان من خشب الشمشاد، طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، فانتقل من آدم إلى أن وصل إلى موسى، ثم إلى صموئيل.
واختلفوا في السكينة، فقال علي بن أبي طالب هي ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجهٌ كوجه الإنسان. وقال مجاهد: هي شيء يشبه الهِرَّة له رأس كرأس الهرة وذَنَب كذَنَب الهرة. وله جناحان، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرّد وزبرجد، كانوا إذا سمعوا صوته تيقّنوا النصر. وقال ابن عباس: هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقال وهب: هي روح من الله تعالى تتكلم إذا اختلفوا في شيءٍ فتخبرهم ببيان ما يريدون. وقال قتادة والكلبي: هي فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربكم، ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا.
واختلفوا في تلك البقية التي ترك آل موسى وآل هارون، فقال ابن عباس: هي رضاض من الألواح وعصا موسى. وقيل عصا هارون وشيء من ألواح التوراة. وقيل كانت العلم والتوراة. وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه، وعصا هارون وعمامته. وقوله تحمله الملائكة قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت. وقال الحسن: كان التابوت مع الملائكة في السماء، فلما وُلِّي طالوتُ المُلك حملته الملائكة ووضعته بينهم، وقيل وضعته في دار طالوت، فأصبح في داره فأقرّوا بمُلكه (الرازي الطبري ابن كثير في تفسير البقرة 2: 248).
وسبب اضطراب أقوال المسلمين عن التابوت والسكينة وغيرها هو عدم اطلاعهم على نصوص كتاب الوحي الإلهي. وحقيقة الأمر هي أن الله أمر موسى عند طور سينا أن يصنع خيمة الاجتماع لتقديم الذبائح والعبادة فيها، قبل بناء هيكل سليمان بنحو 480 سنة. وسُميت خيمة لأنها كانت مصنوعة من ألواح، وسُميت خيمة الاجتماع لأن الله كان يجتمع بشعبه فيها، وتُسمّى أيضاً خيمة الشهادة ومسكن الشهادة، لأن لوحي الشهادة وُضعا فيها، وكانت منقوشة بنقوش بديعة، ومغشاة بالذهب وطولها ثلاثون ذراعاً وعرضها عشر أذرع وارتفاعها عشر أذرع. وكانت هذه الخيمة محاطة بدارٍ غير مسقوفة، مستطيلة الشكل، طولها مائة ذراع وعرضها خمسون ذراعاً.
ونجد في البقرة 2أربعة أخطاء:
(1) قوله إن التابوت تحمله الملائكة، ولم يرد في كتاب الله أن الملائكة حملت التابوت وأدخلته إلى بيت شاول علامةً على الملك، بل العلامة التي خصّه الله بها هي أنه لما مسحه صموئيل حلّ عليه روح الله وتغيّر عما كان عليه وهزم العمونيين.
(2) قوله فيه سكينة وصوابه شخنيا، وهي كلمة عبرية معناها الروح . أو هي مأخوذة من شاخونة ومعناها سكن، وكان اليهود يطلقون هذه اللفظة للدلالة على تجلّي الحضرة الإلهية بين الكروبيم والغطاء، وللدلالة على جلاله الأقدس.
(3) قوله فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون . والحقيقة هي إنه لم يكن فيه سوى لوحيّ العهد.
(4) عدم معرفته اسم النبي الذي مسح شاول، ولا يخفى أن اسمه صموئيل.
للرد
---------------
قال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } وفيه مسائل:(7/131)
المسألة الأولى: أن مجيء ذلك التابوت لا بد وأن يقع على وجه يكون خارقاً للعادة حتى يصح أن يكون آية من عند الله، دالة على صدق تلك الدعوى، ثم قال أصحاب الأخبار: إن الله تعالى أنزل على آدم عليه السلام تابوتاً فيه صور الأنبياء من أولاده، فتوارثه أولاد آدم إلى أن وصل إلى يعقوب، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل، فكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر وهم يقاتلون العدو فإذا سمعوا من التابوت صيحة استيقنوا بالنصرة، فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه، فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت، قال ذلك النبي: إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت في داره، ثم إن الكفار الذين سلبوا ذلك التابوت كانوا قد جعلوه في موضع البول والغائط، فدعا النبي عليهم في ذلك الوقت، فسلط الله على أولئك الكفار البلاء حتى إن كلّ من بال عنده أو تغوط ابتلاه الله تعالى بالبواسير، فعلم الكفار أن ذلك لأجل استخفافهم بالتابوت، فأخرجوه ووضعوه على ثورين فأقبل الثوران يسيران ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، حتى أتوا منزل طالوت، ثم إن قوم ذلك النبي رأوا التابوت عند طالوت، فعلموا أن ذلك دليل على كونه ملكاً لهم، فذلك هو قوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أن يأتيكم التابوت } والإتيان على هذا مجاز، لأنه أتى به ولم يأت هو فنسب إليه توسعاً، كما يقال: ربحت الدراهم، وخسرت التجارة.
والرواية الثانية: أن التابوت صندوق كان موسى عليه السلام يضع التوراة فيه، وكان من خشب، وكانوا يعرفونه، ثم إن الله تعالى رفعه بعد ما قبض موسى عليه السلام لسخطه على بني إسرائيل، ثم قال نبي ذلك القوم: إن آية ملك طالوت أن يأتيكم التابوت من السماء، ثم إن التابوت لم تحمله الملائكة ولا الثوران، بل نزل من السماء إلى الأرض، والملائكة كانوا يحفظونه، والقوم كانوا ينظرون إليه حتى نزل عند طالوت، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، وعلى هذا الإتيان حقيقة في التابوت، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعاً، لأن من حفظ شيئاً في الطريق جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء وإن لم يحمله كما يقول القائل: حملت الأمتعة إلى زيد إذا حفظها في الطريق، وإن كان الحامل غيره.
جعل الله تعالى إتيان التابوت معجزة، ثم فيه احتمالان أحدهما: أن يكون مجىء التابوت معجزاً، وذلك هو الذي قررناه والثاني: أن لا يكون التابوت معجزاً، بل يكون ما فيه هو المعجز، وذلك بأن يشاهدوا التابوت خالياً، ثم إن ذلك النبي يضعه بمحضر من القوم في بيت ويغلقوا البيت، ثم إن النبي يدعي أن الله تعالى خلق فيه ما يدل على واقعتنا، فإذا فتحوا باب البيت ونظروا في التابوت رأوا فيه كتاباً يدل على أن ملكهم هو طالوت، وعلى أن الله سينصرهم على أعدائهم فهذا يكون معجزاً قاطعاً دالاً على أنه من عند الله تعالى، ولفظ القرآن يحتمل هذا، لأن قوله: { يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } يحتمل أن يكون المراد منه أنهم يجدون في التابوت هذا المعجز الذي هو سبب لاستقرار قلبهم واطمئنان أنفسهم فهذا محتمل.
المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»: وزن التابوت إما أن يكون فعلوتاً أو فاعولاً، والثاني مرجوح، لأنه يقل في كلام العرب لفظ يكون فاؤه ولامه من جنس واحد، نحو: سلس وقلق، فلا يقال: تابوت من تبت قياساً على ما نقل، وإذا فسد هذا القسم تعين الأول، وهو أنه فعلوت من التوب، وهو الرجوع لأنه ظرف يوضع فيه الأشياء، ويودع فيه فلا يزول يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته.
المسألة الثالثة: قرأ الكل: التابوت بالتاء، وقرأ أبي وزيد بن ثابت { التابوه } بالهاء وهي لغة الأنصار.
المسألة الرابعة: من الناس من قال: إن طالوت كان نبياً، لأنه تعالى أظهر المعجزة على يده وكل من كان كذلك كان نبياً، ولا يقال: إن هذا كان من كرامات الأولياء، لأن الفرق بين الكرامة والمعجزة أن الكرامة لا تكون على سبيل التحدي، وهذا كان على سبيل التحدي، فوجب أن لا يكون من جنس الكرامات.
والجواب: لا يبعد أن يكون ذلك معجزة لنبي ذلك الزمان، ومع كونه معجزة له فإنه كان آية قاطعة في ثبوت ملكه.
هذا ما جاء عن التابوت
السكينة
-------------
أما قوله تعالى: { فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: { السَّكِينَةَ } فعيلة من السكون، وهو ضد الحركة وهي مصدر وقع موقع الاسم، نحو: القضية والبقية والعزيمة.
المسألة الثانية: اختلفوا في السكينة، وضبط الأقوال فيها أن نقول: المراد بالسكينة إما أن يقال إنه كان شيئاً حاصلاً في التابوت أو ما كان كذلك.(7/132)
والقسم الثاني: هو قول أبي بكر الأصم، فإنه قال: { آية مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } أي تسكنون عند مجيئه وتقرون له بالملك، وتزول نفرتكم عنه، لأنه متى جاءهم التابوت من السماء وشاهدوا تلك الحالة فلا بد وأن تسكن قلوبهم إليه وتزول نفرتهم بالكلية.
وأما القسم الأول: وهو أن المراد من السكينة شيء كان موضوعاً في التابوت، وعلى هذا ففيه أقوال الأول: وهو قول أبي مسلم أنه كان في التابوت بشارات من كتب الله تعالى المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء عليهم السلام، بأن الله ينصر طالوت وجنوده، ويزيل خوف العدو عنهم الثاني: وهو قول علي عليه السلام: كان لها وجه كوجه الإنسان، وكان لها ريح هفافة والثالث: قول ابن عباس رضي الله عنهما: هي صورة من زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر، وذنب كذنبه، فإذا صاحت كصياح الهر ذهب التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا وقف وقفوا ونزل النصر.
القول الرابع: وهو قول عمرو بن عبيد: إن السكينة التي كانت في التابوت شيء لا يعلم.
واعلم أن السكينة عبارة عن الثبات والأمن، وهو كقوله في قصة الغار:
{ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ }
[الفتح: 26] فكذا قوله تعالى: { فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } معناه الأمن والسكون.
واحتج القائلون بأنه حصل في التابوت شيء بوجهين الأول: أن قوله: { فِيهِ سَكِينَةٌ } يدل على كون التابوت ظرفاً للسكينة والثاني: وهو أنه عطف عليه قوله: { وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى } فكما أن التابوت كان ظرفاً للبقية وجب أن يكون ظرفاً للسكينة.
والجواب عن الأول: أن كلمة { فِى } كما تكون للظرفية فقد تكون للسببية قال عليه الصلاة والسلام: " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وقال: " في خمس من الإبل شاة " أي بسببه فقوله في هذه الآية: { فِيهِ سَكِينَةٌ } أي بسببه تحصل السكينة.
والجواب عن الثاني: لا يبعد أن يكون المراد بقية مما ترك آل موسى وآل هارون من الدين والشريعة، والمعنى أن بسبب هذا التابوت ينتظم أمر ما بقي من دينهما وشريعتهما.
اقتباس:
( اقتباس:
3) قوله فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون . والحقيقة هي إنه لم يكن فيه سوى لوحيّ العهد.
ولو اعتبرنا أن ما بداخل التابوت هم لوحي العهد ... أليسوا من الله عز وجل ؟
والسؤال : أين هم لوحي العهد الآن ؟
اقتباس:
اقتباس:
(4) عدم معرفته اسم النبي الذي مسح شاول، ولا يخفى أن اسمه صموئيل.
لا يعنينا ذلك لأن القرآن لا يذكر في أي عهد كانوا ، المهم أنهم كانوا بعد سيدنا موسى عليه السلام . (( إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))
=================
نوح وقومه
وردت في سورة هود المجادلة التي جرت بين نوح وقومه: فقال الملأُ الذين كفروا من قومه: ما نراك إلاّ بشراً مثلنا، وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلُنا، باديَ الرأيِ، وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنُّكم كاذبين... (فقال نوح لهم) : ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله، ولا أعلمُ الغَيْبَ، ولا أقول إني مَلَكٌ (آيات 27 39).
لم يرد في التوراة خبرٌ عن هذه المجادلة، وإنما ورد أن نوحاً كان كارزاً للبر، يحضُّ قومه على الإقلاع عن المنكرات وترك الآثام والمفاسد.
ولا ورد في التوراة أن أراذل الناس تبعوا نوحاً، فلم يتبعه أراذلهم ولا أفاضلهم، ولذا أغرقهم الله بالطوفان. إنما يحكي محمد بعضاً مما كان يجادله به العرب، وذكر ما كان يردّ به عليهم، فذكر حكاية حاله مع قومه، وقوله لهم: إنما أنا بشرٌ مثلُكم (الكهف 18: 110) وغايته من ذلك أن يخبر قومه أنه قد حصل للأنبياء السالفين مثل ما حصل له، وأن الأَوْلَى الإقلاع عن معارضته ومقاومته لئلا يحلّ بهم مثل ما حلّ بقوم نوح، ومثل ما حلّ بغيرهم. ولكن شتان بين محمد ونوح، فقد حلّ بقوم نوح الطوفان، ولكن لم يحلّ بالعرب الذين قاوموه أو أبطنوا النفاق شيئاً من عقاب الله
الرد
نبي الله نوح عليه السلام كما جاء بالكتاب المقدس
نبي الله نوح عليه السلام يشرب الخمر ويسكر ويتعرى !!
سفر التكوين [ 9 : 20 ] : يقول كاتب السفر :(7/133)
( وَاشْتَغَلَ نُوحٌ بِالْفَلاحَةِ وَغَرَسَ كَرْماً، وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خَيْمَتِهِ، فَشَاهَدَ حَامٌ أَبُو الْكَنْعَانِيِّينَ عُرْيَ أَبِيهِ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَا خَارِجاً. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ رِدَاءً وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا الْقَهْقَرَى إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ، وَسَتَرَا عُرْيَ أَبِيهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِيرَا بِوَجْهَيْهِمَا نَحْوَهُ فَيُبْصِرَا عُرْيَهُ. وَعِنْدَمَا أَفَاقَ نُوحٌ مِنْ سُكْرِهِ وَعَلِمَ مَا فَعَلَهُ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ قَالَ: «لِيَكُنْ كَنْعَانُ مَلْعُوناً، وَلْيَكُنْ عَبْدَ الْعَبِيدِ لإِخْوَتِهِ». ثُمَّ قَالَ : تَبَارَكَ اللهُ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ. لِيُوْسِعِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي خِيَامِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُم )
ان هذه القصة من افتراءات الكتاب المقدس على أنبياء الله واتهامهم بارتكاب الكبائر ، وهي تفضح عنصرية اليهود البغيضة حيث قصدوا بهذه القصة اللعنة إلي الكنعانيين سكان فلسطين قبل اليهود ، ونسبوا أنفسهم إلي سام وادعوا اختصاصهم بذلك ليتسنى لهم ادعاء حق السيطرة على الكنعانيين وأرضهم فلسطين . ولنا على هذه القصة المكذوبة عدة ملاحظات تفضح افتراءها منها :
_ كيف يلام حام وهو لم يفعل شيئاً يستحق اللوم عليه إضافة إلي أنه كان طفلاً صغيراً . . . ؟
_ وكيف يلعن نوح كنعان بن حام _ الذي سيولد بعد 20 سنة ؟ . . . فما ذنب كنعان ؟ وكيف يتحمل ذنب أبيه _ إن كان لأبيه ذنب ؟
قوله: { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْى } والمراد منه قلة ما لهم وقلة جاههم ودناءة حرفهم وصناعتهم هذا أيضاً جهل، لأن الرفعة في الدين لا تكون بالحسب والمال والمناصب العالية، بل الفقر أهون على الدين من الغنى، بل نقول: الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف تجعل قلة المال في الدنيا طعناً في النبوة والرسالة.
وقول : فقد حلّ بقوم نوح الطوفان، ولكن لم يحلّ بالعرب الذين قاوموه أو أبطنوا النفاق شيئاً من عقاب الله.
الطوفان حل على العالم كله وليس قوم نوح فقط .... وإن كان الله لم يعاقب العرب بمثل ما عاقب به قوم نوح وذلك لأن الله عز وجل أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للعالم أجمعين ... وقال الله عز وجل : وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم.. الأنفال 33
المسألة الأولى : قال الواحدي: الأرذل جمع رذل وهو الدون من كل شيء في منظره وحالاته ورجل رذل الثياب والفعل. والأراذل جمع الأرذل، كقولهم أكابر مجرميها، وقوله عليه الصلاة والسلام: " أحاسنكم أخلاقاً "
فعلى هذا الأراذل جمع الجمع، وقال بعضهم: الأصل فيه أن يقال: هو أرذل من كذا ثم كثر حتى قالوا: هو الأرذل فصارت الألف واللام عوضاً عن الإضافة وقوله: { بَادِىَ الرَّأْى } البادي هو الظاهر من قولك: بدا الشيء إذا ظهر، ومنه يقال: بادية لظهورها وبروزها للناظر، وتعددت الأقوال في بادي الرأي وذكروا فيه وجوهاً:
الأول: اتبعوك في الظاهر وباطنهم بخلافه
والثاني: يجوز أن يكون المراد اتبعوك في ابتداء حدوث الرأي وما احتاطوا في ذلك الرأي وما أعطوه حقه من الفكر الصائب والتدبر الوافي.
الثالث: أنهم لما وصفوا القوم بالرذالة قالوا: كونهم كذلك بادي الرأي أمر ظاهر لكل من يراهم، والرأي على هذا المعنى من رأي العين لا من رأي القلب ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنه كان يقرأ { إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ رَأْىَ الْعَيْنِ }.
المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو ونصير عن الكسائي { بادىء } بالهمزة والباقون بالياء غير مهموز فمن قرأ { بادىء } بالهمزة فالمعنى أول الرأي وابتداؤه ومن قرأ بالياء غير مهموز كان من بدا يبدو أي ظهر و { بَادِىَ } نصب على المصدر كقولك: ضربت أول الضرب.
===============
ونادى نوح ابنه
ونادى نوحٌ ابنَه وكان في مَعْزلٍ: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء. قال: لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلاّ من رحم. وحال بينهما الموجُ، فكان من المغْرَقين... ونادى نوحٌ ربَّه فقال: ربِّ، إن ابني من أهلي، وإنّ وعدَك الحقُّ، وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوحُ إنه ليس من أهلك. إنه عَمَلٌ غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علمٌ (آيات 42 46).
رمى القرآن زوجة نوح بالزنا، فقال في التحريم 66: 10 في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما . ولما وجد المفسرون أن هذا لا يليق بالأنبياء، حاولوا الخروج من المأزق بقولهم إنه ليس من أهلك الذين وعدتُك أن أنجّيهم، أو تعني أنه كافر فلا قرابة بينكما. واستقبحوا ما رمى به القرآن زوجة نوح، مع أن القرآن قال ذلك (الرازي في تفسير هود 11: 45).(7/134)
وقالوا إن الذي غرق هو كنعان بن نوح. ولو سلّمنا بصحة هذا لما كان يجوز لنوح أن يتأوَّه ويقول إنه من أهلي وهو يعرف أن كل نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (البقرة 2: 286). وناهيك أن الله زجره. ونتعلم من التوراة أنه لما تحلّ بالأتقياء مصيبة يسلّمون الأمر لله. فهذا عالي الكاهن لما أخبره صموئيل بما يحلّ بولديه من القتل بسبب شرهما، وما يحلّ ببيته من البوار، لم يقل لله: إنهما من أهلي بل قال: هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل (1 صموئيل 3: 18) فسلّم لإرادة الرب.
والحق أنه لم يغرق أحدٌ من أولاد نوح بالطوفان، ولم يطلب نوحٌ هذه الطلبة. فكيف يهلك الله كنعان (كما قالوا) قبل أن يولد! وبعد الطوفان قال الله: وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث. وحام هو أبو كنعان (تكوين 9: 18).
الرد
{ وقال: اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها }..
فنفذ الأمر وحشر من حشر وما حشر.
{ وقال: اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها }.. وهذا تعبير عن تسليمها للمشيئة في جريانها ورسوها، فهي في رعاية الله وحماه.. وماذا يملك البشر من أمر الفلك في اللجة الطاغية بله الطوفان؟!
ثم يأتي المشهد الهائل المرهوب: مشهد الطوفان:
{ وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونادى نوح ابنه ـ وكان في معزل ـ يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال. سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. وحال بينهما الموج فكان من المغرقين }..
إن الهول هنا هولان. هول في الطبيعة الصامته، وهول في النفس البشرية يلتقيان:
{ وهي تجري بهم في موج كالجبال }..
وفي هذه اللحظة الرهيبة الحاسمة يبصر نوح، فإذا أحد أبنائه في معزل عنهم وليس معهم، وتستيقظ في كيانه الأبوة الملهوفة، ويروح يهتف بالولد الشارد:
{ يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين }..
ولكن البنوة العاقة لا تحفل بالأبوة الملهوفة، والفتوة المغرورة لا تقدر مدى الهول الشامل:
{ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء }..
ثم ها هي ذي الأبوة المدركة لحقيقة الهول وحقيقة الأمر ترسل النداء الأخير:
{ قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم }.
لا جبال ولا مخابئ ولا حامٍ ولا واقٍ. إلا من رحم الله.
وفي لحظة تتغير صفحة المشهد. فها هو ذا الموج الغامر يبتلع كل شيء:
{ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين }.
وإننا بعد آلاف السنين، لنمسك أنفاسنا ـ ونحن نتابع السياق ـ والهول يأخذنا كأننا نشهد المشهد. وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونوح الوالد الملهوف يبعث بالنداء. وابنه الفتى المغرور يأبى إجابة الدعاء، والموجة الغامرة تحسم الموقف في سرعة خاطفة راجفة وينتهي كل شيء، وكأن لم يكن دعاء ولا جواب!
وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية ـ بين الوالد والمولود ـ كما يقاس بمداه في الطبيعة، والموج يطغى على الذرى بعد الوديان. وإنهما لمتكافئان، في الطبيعة الصامته وفي نفس الإنسان. وتلك سمة بارزة في تصوير القرآن.
والآن وبعد ان هدأت العاصفة، وسكن الهول، واستوت على الجودي. الآن تستيقظ في نفس نوح لهفة الوالد المفجوع:
{ ونادى نوح ربه، فقال: رب إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق، وأنت أحكم الحاكمين }.
رب إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق، وأنت أحكم الحاكمين. فلا تقضي إلا عن حكمة وتدبير..
قالها يستنجز ربه وعده في نجاة أهله، ويستنجزه حكمته في الوعد والقضاء..
وجاءه الرد بالحقيقة التي غفل عنها. فالأهل ـ عند الله وفي دينه وميزانه ـ ليسوا قرابة الدم، إنما هم قرابة العقيدة. وهذا الولد لم يكن مؤمناً، فليس إذن من أهله وهو النبي المؤمن.. جاءه الرد هكذا في قوة وتقرير وتوكيد؛ وفيما يشبه التقريع والتأنيب والتهديد:
{ قال: يا نوح إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح، فلا تسألن ما ليس لك به علم. إني أعظك أن تكون من الجاهلين }..
إنها الحقيقة الكبيرة في هذا الدين. حقيقة العروة التي ترجع إليها الخيوط جميعاً. عروة العقيدة التي تربط بين الفرد والفرد ما لا يربطه النسب والقرابة:
{ إنه ليس من أهلك. إنه عمل غير صالح }..
فهو مُنبتٌّ منك وأنت منبت منه، ولو كان ابنك من صلبك، فالعروة الأولى مقطوعة، فلا رابطة بعد ذلك ولا وشيجة.
ولأن نوحاً دعا دعاء من يستنجز وعداً لا يراه قد تحقق.. كان الرد عليه يحمل رائحة التأنيب والتهديد:
{ فلا تسألن ما ليس لك به علم. إني أعظك أن تكون من الجاهلين }..
إني أعظك خشية أن تكون من الجاهلين بحقيقة الوشائج والروابط، أو حقيقة وعد الله وتأويله، فوعد الله قد أُول وتحقق، ونجا أهلك الذين هم أهلك على التحقيق.
ويرتجف نوح ارتجافة العبد المؤمن يخشى أن يكون قد زل في حق ربه، فيلجأ إليه، يعوذ به، ويطلب غفرانه ورحمته:
{ قال: رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإلا تغفرلي وترحمني أكن من الخاسرين }..
وأدركت رحمة الله نوحاً، تطمئن قلبه، وتباركه هو والصالح من نسله
ما جاء عن الإمام الرازي :(7/135)
ثم حكى الله تعالى عنه أنه نادى ابنه، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أنه كان ابناً له، وفيه أقوال:
القول الأول: أنه ابنه في الحقيقة، والدليل عليه: أنه تعالى نص عليه فقال: { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } ونوح أيضاً نص عليه فقال: { يا بَنِى } وصرف هذا اللفظ إلى أنه رباه، فأطلق عليه اسم الابن لهذا السبب صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة وأنه لا يجوز، والذين خالفوا هذا الظاهر إنما خالفوه لأنهم استبعدوا أن يكون ولد الرسول المعصوم كافراً، وهذا بعيد، فإنه ثبت أن والد رسولنا صلى الله عليه وسلم كان كافراً، ووالد إبراهيم عليه السلام كان كافراً بنص القرآن، فكذلك ههنا، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنه عليه السلام لما قال:{ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَفِرِينَ دَيَّاراً }[نوح: 26]
فكيف ناداه مع كفره؟
فأجابوا عنه من وجوه:
الأول: أنه كان ينافق أباه فظن نوح أنه مؤمن فلذلك ناداه ولولا ذلك لما أحب نجاته.
والثاني: أنه عليه السلام كان يعلم أنه كافر، لكنه ظن أنه لما شاهد الغرق والأهوال العظيمة فإنه يقبل الإيمان فصار قوله: { يابُنَىَّ ارْكَبَ مَّعَنَا } كالدلالة على أنه طلب منه الإيمان وتأكد هذا بقوله: { وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ } أي تابعهم في الكفر واركب معنا.
والثالث: أن شفقة الأبوة لعلها حملته على ذلك النداء، والذي تقدم من قوله: { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } كان كالمجمل فلعله عليه السلام جوز أن لا يكون هو داخلاً فيه.
القول الثاني: أنه كان ابن امرأته وهو قول محمد بن علي الباقر وقول الحسن البصري ويروى أن علياً رضي الله عنه قرأ { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } والضمير لامرأته. وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير { ابْنَهُ } بفتح الهاء يريد أن ابنها إلا أنهما اكتفيا بالفتحة عن الألف، وقال قتادة سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ابنه فقلت: إن الله حكى عنه أنه قال:
القول الثالث: أنه ولد على فراشه لغير رشدة، والقائلون بهذا القول احتجوا بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما وهذا قول خبيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة لا سيما وهو على خلاف نص القرآن. أما قوله تعالى { فَخَانَتَاهُمَا } فليس فيه أن تلك الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذكروه. قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما كانت تلك الخيانة، فقال: كانت امرأة نوح تقول: زوجي مجنون، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا به. ثم الدليل القاطع على فساد هذا المذهب قوله تعالى:
{ الْخَبِيثَتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَتِ وَالطَّيّبَتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَتِ }[النور: 26]
وأيضاً قوله تعالى:
{ الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[النور: 3]
وبالجملة فقد دللنا على أن الحق هو مقول الأول.
فالإمام الرازي ذكر أقوال البعض والرد عليها فقط وليس كما أظهر بالباطل النصارى ضد الإمام الرازي
==================
ولقد جاءت رسُلُنا إبراهيمَ بالبُشرى،
البشرى لإبراهيم:
ولقد جاءت رسُلُنا إبراهيمَ بالبُشرى، قالوا: سلاماً قال: سلامٌ. فما لبث إن جاء بعجلٍ حنيذٍ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكِرَهُم وأوجس منهم خِيفَةً. قالوا: لا تخَفْ، إنّا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ. وامرأته قائمةٌ فضحكت. فبشّرناها بإسحق، ومن وراء إسحق يعقوب (آيات 69 71).
فأقبلت امرأتُه في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وجهَها وقالت: عجوزٌ عقيم (الذاريات 51: 29).
قال المفسّرون: ضحكت لأنهم لم يمدّوا أيديهم إلى الطعام ليأكلوا. وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقُرب العذاب منهم. وقيل: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثةٍ وهو بين خدمه وحشمه وخواصه. وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجُّباً من أن يكون لها ولدٌ على كِبر سنِّها وسنّ زوجها. فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير وتقدير.
وقيل: ضحكت بمعنى حاضت. وقال في المحكم ضحكت المرأة حاضت . وقال القرآن لما بُشِّرت أقبلت في صَرَّةٍ أي صيحة من الصَّرير، ولطمت وجهها.
واختلفوا في عدد الرسل، فقالوا: ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثني عشر مَلَكاً. وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك. وقال السدّي: كانوا أحد عشر مَلَكاً (الطبري في تفسير هود 69 71).(7/136)
وتروي لنا التوراة القصة في (تكوين 18: 1 16) وتقول إن الرجال الثلاثة أكلوا، ثم سألوا إبراهيم عن سارة فقال: ها هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعّم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ فأعاد لها الوعد. وأنكرت سارة الضحك لأنها خافت.
وقصة التوراة تكشف خطأ القرآن:
- 1 - في قوله إن الرجال لم يأكلوا. والحقيقة أنهم أكلوا، ولم يخَفْ إبراهيم من شيء.
- 2 - إنهم بشّروه بابنٍ قبل أن يكلّموه عن قوم لوط.
- 3 - إن امرأته لم تُقبِل في صَرَّةٍ ولم تصكَّ وجهها، إذ لا يخفى أن من أعظم العار أن تصخب المرأة أو تصك وجهها، وعند زوجها ضيوفٌ من أفاضل الناس. والكتاب المقدس يضرب المثل بحشمة سارة وأدبها وطاعتها لزوجها.
- 4 - عبارة القرآن تفيد أنها كانت مع الضيوف تخدمهم، مع أن هذا خلاف عادات الشرقيين. وأنهم بشّروها بغلام، والحقيقة هي أنها كانت في الخِباء، لأنها من المخدَّرات. والرجال بشّروا إبراهيم فقط، وهي كانت تسمع من بُعد.
- 5 - لم يذكر القرآن عدد ضيوف إبراهيم
الرد
في قصتي إبراهيم ولوط هنا يتحقق وعد الله بطرفيه لنوح:
{ قيل: يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك. وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم }
وقد كانت البركات في إبراهيم وعقبه من ولديه: إسحاق وأبنائه أنبياء بني إسرائيل. وإسماعيل ومن نسله خاتم الأنبياء المرسلين.
{ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى }..
ولا يفصح السياق عن هذه البشرى إلا في موعدها المناسب بحضور امرأة إبراهيم! والرسل: الملائكة. وهم هنا مجهولون، فلا ندخل ـ مع المفسرين ـ في تعريفهم وتحديد من هم بلا دليل.
{ قالوا: سلاماً. قال: سلام }..
وكان ابراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق، وعبر الأردن، وسكن في أرض كنعان في البادية ـ وعلى عادة البدو في إكرام الأضياف راح إبراهيم يحضر لهم الطعام وقد ظنهم ضيوفاً ـ:
{ فما لبث إن جاء بعجل حنيذ }..
أي سمين مشوي على حجارة الرضف المحماة.
ولكن الملائكة لا ياكون طعام أهل الأرض:
{ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه }..
أي لا تمتد إليه.
{ نكرهم وأوجس منهم خيفة }..
فالذي لا يأكل الطعام يريب، ويشعر بأنه ينوي خيانة أو غدراً بحسب تقاليد أهل البدو.. وأهل الريف عندنا يتحرجون من خيانة الطعام، أي من خيانة من أكلوا معه طعاماً! فإذا امتنعوا عن طعام أحد فمعنى هذا أنهم ينوون به شراً، أو أنهم لا يثقون في نياته لهم.. وعند هذا كشفوا له عن حقيقتهم:
{ قالوا: لا تخف، إنا أرسلنا إلى قوم لوط }..
وإبراهيم يدرك ما وراء إرسال الملائكة إلى قوم لوط! ولكن حدث في هذه اللحظة ما غير مجرى الحديث:
{ وامرأته قائمة فضحكت }..
وربما كان ضحكها ابتهاجاً بهلاك القوم الملوثين:
{ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب }..
وكانت عقيماً لم تلد وقد أصبحت عجوزاً. ففاجأتها البشرى بإسحاق. وهي بشرى مضاعفة بأن سيكون لإسحاق عقب من بعده هو يعقوب. والمرأة ـ وبخاصة العقيم ـ يهتز كيانها كله لمثل هذه البشرى، والمفاجأة بها تهزها وتربكها:
{ قالت: يا ويلتا! أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً؟ إن هذا لشيء عجيب }..
وهو عجيب حقاً. فالمرأة ينقطع طمثها عادة في سن معينة فلا تحمل. ولكن لا شيء بالقياس إلى قدرة الله عجيب:
{ قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. إنه حميد مجيد }..
ولا عجب من أمر الله. فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل.
وعندما يشاء الله لحكمة يريدها ـ وهي هنا رحمته بأهل هذا البيت وبركاته الموعودة للمؤمنين فيه ـ يقع ما يخالف العادة، مع وقوعه وفق السنة الإلهية التي لا نعلم حدودها، ولا نحكم عليها بما تجري به العادة في أمد هوعلى كل حال محدود، ونحن لا نستقرئ جميع الحوادث في الوجود.
والذين يقيدون مشيئة الله بما يعرفونه هم من نواميسه لا يعرفون حقيقة الألوهية كما يقررها الله سبحانه في كتابه ـ وقوله الفصل وليس للعقل البشري قول في ذلك القول ـ وحتى الذين يقيدون مشيئة الله بما يقرر الله ـ سبحانه ـ أنه ناموسه ـ لا يدركون حقيقة الألوهية كذلك! فمشيئة الله سبحانه طليقة وراء ما قرره الله سبحانه من نواميس. ولا تتقيد هذه المشيئة بالنواميس.(7/137)
نعم إن الله يجري هذا الكون وفق النواميس التي قدرها له.. ولكن هذا شيء والقول بتقيد إرادته بهذه النواميس بعد وجودها شيء آخر! إن الناموس يجري وينفذ بقدر من الله في كل مرة ينفذ فيها. فهو لا يجري ولا ينفذ آلياً. فإذا قدر الله في مرة أن يجري الناموس بصورة أخرى غير التي جرى بها في مرات سابقة كان ما قدره الله ولم يقف الناموس في وجه القدر الجديد.. ذلك أن الناموس الذي تندرج تحته كل النواميس هو طلاقة المشيئة بلا قيد على الإطلاق، وتحقق الناموس في كل مرة يتحقق فيها بقدر خاص طليق.
وإلى هنا كان إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد اطمأن إلى رسل ربه، وسكن قلبه بالبشرى التي حملوها إليه
==============
شرُّ العين....الحسد في سوره يوسف
وقال: يا بَنِيَّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبوابٍ متفرّقةٍ، وما أُغني عنكم مِن الله مِن شيءٍ (آية 67).
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور والمفسرين: أمَرَهم أن يتفرّقوا في دخولهم المدينة لئلا يُصابوا بالعين،فإن العين حق . ووردت أحاديث كثيرة تثبت أن العين حق. وكان محمد يقول: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه (القرطبي في تفسير هذه الآية).
واعترض العقلاء اعتراضات جمّة على ذلك، فردّ أصحاب الوسوسة وقالوا: لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من عين العائن لتتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة .
والحق أنه لا يعتقد عاقل بالعين، ويعقوب كان من المتوكلين على الله. ولم يرد في التوراة شيء من هذا، بل ورد قول يعقوب لبنيه: والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخَر، وبنيامين (تك 43: 14
الرد
أولاً : لا توجد توراة بل ثلاث نسخ مختلفة ولم نصل إلى النسخة الحقيقية .
1) النسخة اليونانية ..... 2) النسخة العبرانية....... 3) النسخة السامرية
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة السيف البتار
والحق أنه لا يعتقد عاقل بالعين،
حسده اخوته . واما ابوه فحفظ الامر .... تك 37:11 .... والمقصود هنا قصة يوسف بسفر تكوين
ورؤساء الآباء حسدوا يوسف وباعوه الى مصر وكان الله معه ..... اع 7:9
فكيف لا يؤمن هؤلاء الضالين بالحسد علماً بأن الحسد مذكور بالكتاب المقدس بأكثر من 30 مرة
{ يا بَنيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبواب متفرقةٍ }. فقال لهم: ليدخل كل أخوين من باب، خاف عليهم العين؛ لأنهم أهل جمال وأُبَّهة، مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة؛ فإذا دخلوا كبكبة واحدة أصابتهم العين. ولعل لم يوصهم بذلك في المرة الأولى؛ لأنهم كانوا مجهولين حينئذٍ، وللنفس آثار من العين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " العَينُ حَقٌّ تُدخِل الرَّجُلَ القَبرَ والجَمَلَ القِدرَ ".
وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ منها، بقوله: " اللهم إنِّي أَعُوذ بك مِن كَلِّ نَفسٍ هَامَّةٍ، وعَينٍ لامَّةٍ " يؤخذ من الآية والحديث: التحصن منها قياماً برسم الحكمة. والأمر كله بيد الله. ولذلك قال يعقوب عليه السلام: { وما أغني عنكم من الله من شيء } مما قُضي عليكم بما أشرت به عليكم، والمعنى: أن ذلك لا يدفع من قدر الله شيئاً، فإن الحذر لا يمنع القدر، { إن الحُكم إلا لله } فما حكم به عليكم لا ترده حيلة، { عليه توكلتُ وعليه فليتوكل المتوكلون } أي: ما وثقت إلا به، ولا ينبغي أن يثق أحد إلا به. وإنما كرر حذف الجر؛ زيادة في الاختصاص؛ ترغيباً في التوكل على الله والتوثق به.
==============
مقابلة يوسف لإخوته
دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه. قال: إني أنا أخوك فلا تَبْتَئِسْ بما كانوا يعملون. فلما جهَّزَهم بجِهازهم جعل السِّقاية في رَحْل أخيه. ثم أذَّن مُؤذِّنٌ: أيتها العير، إنكم لسارقون. قالوا وأقبَلوا عليهم: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صُوَاعَ المَلِكِ، ولِمَنْ جاء به حِمْلُ بعيرٍ (آيات 69 72).
قال القرآن إن يوسف عرَّف نفسه لأخيه دون باقي إخوته، والحقيقة هي أنهم لما وصلوا أكرمهم وأطعمهم واستفهم منهم عن سلامة أبيهم. ولما أزمعوا الرحيل أمر بوضع الطاس في فم عِدْل بنيامين. ولما انصرفوا أرسل وراءهم من فتَّش عِدالهم، ولما وجدوا الطاس في فم عِدل بنيامين أمر بالقبض عليه، وكانت غايته من ذلك أن يعرف: هل كانوا يبغضونه، أم غيَّرت الأيام طباعهم؟ فاستعطفه إخوته وقصّوا عليه حكايتهم المبكية، مما برهن تغيُّر قلوبهم. وأخيراً كشف لهم يوسف الأمر. (تكوين 44 ، 45
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.(7/138)
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
إن هم إلا في ضلال مبين .
اعلم أنهم لما أتوه بأخيه بنيامين أكرمهم وأضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف بقي أخوكم وحيداً فأجلسه معه على مائدة ثم أمر أن ينزل منهم كل اثنين بيتاً وقال: هذا لا ثاني له فاتركوه معي فآواه إليه، ولما رأى يوسف تأسفه على أخ له هلك قال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال: من يجد أخاً مثلك ولكنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه وقال: إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: { اوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي أنزله في الموضع الذي كان يأوي إليه. وقوله: { إِنّى أَنَاْ أَخُوكَ } فيه قولان: قال وهب: لم يرد أنه أخوه من النسب، ولكن أراد به إني أقوم لك مقام أخيك في الإيناس لئلا تستوحش بالتفرد. والصحيح ما عليه سائر المفسرين من أنه أراد تعريف النسب، لأن ذلك أقوى في إزالة الوحشة وحصول الأنس، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة، فلا وجه لصرفه عنها إلى المجاز من غير ضرورة.
وأما قوله: { فَلاَ تَبْتَئِسْ } فقال أهل اللغة: تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس. وقوله: { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فيه وجوه:
الأول: المراد بما كانوا يعملون من إقامتهم على حسدنا والحرص على انصراف وجه أبينا عنا
الثاني: أن يوسف عليه السلام ما بقي في قلبه شيء من العداوة وصار صافياً مع إخوته، فأراد أن يجعل قلب أخيه صافياً معه أيضاً، فقال: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لا تلتفت إلى ما صنعوه فيما تقدم، ولا تلتفت إلى أعمالهم المنكرة التي أقدموا عليها.
الثالث: أنهم إنما فعلوا بيوسف ما فعلوه، لأنهم حسدوه على إقبال الأب عليه وتخصيصه بمزيد الإكرام، فخاف بنيامين أن يحسدوه بسبب أن الملك خصه بمزيد الإكرام، فأمنه منه وقال: لا تلتفت إلى ذلك فإن الله قد جمع بيني وبينك. الرابع: روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا يعيرون يوسف وأخاه بسبب أن جدهما أبا أمهما كان يعبد الأصنام، وأن أم يوسف امرأت يوسف فسرق جونة كانت لأبيها فيها أصنام رجاء أن يترك عبادتها إذا فقدها. فقال له: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي من التعيير لنا بما كان عليه جدنا. والله أعلم.
ثم قال تعالى: { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ } وقد مضى الكلام في الجهاز والرحل، أما السقاية فقال صاحب «الكشاف»: مشربة يسقي بها وهو الصواع قيل: كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعاً يكال به، وهو بعيد لأن الإناء الذي يشرب الملك الكبير منه لا يصلح أن يجعل صاعاً، وقيل: كانت الدواب تسقى بها ويكال بها أيضاً وهذا أقرب، ثم قال وقيل كانت من فضة مموهة بالذهب، وقيل: كانت من ذهب، وقيل: كانت مرصعة بالجواهر وهذا أيضاً بعيد لأن الآنية التي يسقى الدواب فيها لا تكون كذلك، والأولى أن يقال: كان ذلك الإناء شيئاً له قيمة، أما إلى هذا الحد الذي ذكروه فلا.
ثم قال تعالى: { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } يقال: أذنه أي أعلمه وفي الفرق بين أذن وبين أذن وجهان: قال ابن الأنباري: أذن معناه أعلم إعلاماً بعد إعلام لأن فعل يوجب تكرير الفعل قال ويجوز أن يكون إعلاماً واحداً من قبيل أن العرب تجعل فعل بمعنى أفعل في كثير من المواضع، وقال سيبويه: أذنت وأذنت معناه أعلمت لا فرق بينهما، والتأذين معناه: النداء والتصويت بالإعلام.(7/139)
وأما قوله تعالى: { أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } قال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير وقول من قال العير الإبل خاصة باطل، وقيل: العير الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تذهب وتجيء، وقيل: هي قافلة الحمير، ثم كثر ذلك حتى قيل لكل قافلة عير كأنها جمع عير وجمعها فعل كسقف وسقف.
إذا عرفت هذا فنقول: { أَيَّتُهَا الْعِيرُ } المراد أصحاب العير كقوله: يا خيل الله اركبي وقرأ ابن مسعود: { وَجَعَلَ السّقَايَةَ } على حذف جواب لما كأنه قيل فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية في رحل أخيه أمهلهم حتى انطلقوا { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ }.
فإن قيل: هل كان ذلك النداء بأمر يوسف أو ما كان بأمره؟ فإن كان بأمره فكيف يليق بالرسول الحق من عند الله أن يتهم أقواماً وينسبهم إلى السرقة كذباً وبهتاناً، وإن كان الثاني وهو أنه ما كان ذلك بأمره فهلا أنكره وهلا أظهر براءتهم عن تلك التهمة.
قلنا: العلماء ذكروا في الجواب عنه وجوهاً:
الأول: أنه عليه السلام لما أظهر لأخيه أنه يوسف قال له: إني أريد أن أحبسك ههنا، ولا سبيل إليه إلا بهذه الحيلة فإن رضيت بها فالأمر لك فرضي بأن يقال في حقه ذلك، وعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام فخرج عن كونه ذنباً.
والثاني: أن المراد إنكم لسارقون يوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام والمعاريض لا تكون إلا كذلك.
والثالث: أن ذلك المؤذن ربما ذكر ذلك النداء على سبيل الاستفهام، وعلى هذا التقدير يخرج عن أن يكون كذباً.
الرابع: ليس في القرآن أنهم نادوا بذلك النداء عن أمر يوسف عليه السلام والأقرب إلى ظاهر الحال أنهم فعلوا ذلك من أنفسهم لأنهم لما طلبوا السقاية وما وجدوها وما كان هناك أحد إلا هم غلب على ظنونهم أنهم هم الذين أخذوها ثم إن إخوة يوسف { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي { تَفْقِدُونَ } من أفقدته إذا وجدته فقيداً قالوا تفقد صواع الملك.
قال صاحب «الكشاف»: قرىء صواع وصاع وصوع وصوع بفتح الصاد وضمها، والعين معجمة وغير معجمة. قال بعضهم جمع صواع صيعان، كغراب وغربان، وجمع صاع أصواع، كباب وأبواب. وقال آخرون: لا فرق بين الصاع والصواع، والدليل عليه قراءة أبي هريرة: { قَالُواْ نَفْقِدُ صاعَ الْمَلِكُ } وقال بعضهم: الصواع اسم، والسقاية وصف، كقولهم: كوز وسقاء، فالكوز اسم والسقاء وصف.
ثم قال: { وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } أي من الطعام { أَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } قال مجاهد: الزعيم هو المؤذن الذي أذن. وتفسير زعيم كفيل. قال الكلبي: الزعيم الكفيل بلسان أهل اليمن. وروى أبو عبيدة عن الكسائي: زعمت به تزعم زعماً وزعامة. أي كفلت به، وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم، وقد حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " الزعيم غارم "
فإن قيل: هذه كفالة بشيء مجهول؟
قلنا: حمل بعير من الطعام كان معلوماً عندهم، فصحت الكفالة به إلا أن هذه الكفالة مال لرد سرقة، وهو كفالة بما لم يجب لأنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئاً على رد السرقة، ولعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم
================
قالوا: إنْ يَسْرِق فقد سَرَق أخٌ له مِن قَبُْل
قالوا: إنْ يَسْرِق فقد سَرَق أخٌ له مِن قَبُْل. فأَسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم. قال: أنتم شرٌّ مكاناً (آية 77).
يؤخذ من عبارة القرآن أن بنيامين سرق الصاع مثل أخيه يوسف، فإن المسلمين قالوا إن يوسف سرق صنم جدّه أبي أمه. وقيل سرق بيضةً أعطاها للفقراء، وقيل دجاجة. وقيل كان يخبىء الطعام ليتصدّق به، وغير ذلك (الكشاف في تفسير هذه الآية) وهو غير صحيح، فإن يوسف لم يسرق شيئاً. والحقيقة هي أنه لما وجد عبيدُ يوسف الطاسَ في عِدل بنيامين، مزّق إخوتُه ثيابهم، وتحدث يهوذا حديثاً مؤثراً جداً، وقال ليوسف: خذني عِوضاً عنه، لأني إذا صعدتُ إلى أبيه بدونه يموت والدي. وبذلك ظهرت محبتهم لبنيامين، وأن طباعهم تغيّرت عما كانوا عليه وقت يوسف. فتأثر يوسف من أقوالهم وتصرفاتهم وأمر بإخراج الحاضرين وبكى، وعرّفهم نفسه، وسكّن روعهم
الرد
أولاً : لا توجد توراة بل ثلاث نسخ مختلفة ولم نصل إلى النسخة الحقيقية .
1) النسخة اليونانية ..... 2) النسخة العبرانية....... 3) النسخة السامرية
اعلم أنه لما خرج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤسهم وقالوا: هذه الواقعة عجيبة أن راحيل ولدت ولدين لصين، ثم قالوا: يا بني راحيل ما أكثر البلاء علينا منكم، فقال بنيامين ماأكثر البلاء علينا منكم ذهبتم بأخي وضيعتموه في المفازة، ثم تقولون لي هذا الكلام، قالوا له: فكيف خرج الصواع من رحلك، فقال: وضعه في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم.(7/140)
واعلم أن ظاهر الآية يقتضي أنهم قالوا للملك: إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان أيضاً سارقاً، وكان غرضهم من هذا الكلام أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته، وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة لأنهما من أم أخرى، واختلفوا في السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال:
الأول: قال سعيد بن جبير: كان جده أبو أمه كافراً يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك، فهذا هو السرقة،
والثاني: أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه ويدفعه إلى الفقراء، وقيل سرق عناقاً من أبيه ودفعه إلى المسكين وقيل دجاجة.
والثالث: أن عمته كانت تحبه حباً شديداً فأرادت أن تمسكه عند نفسها، وكان قد بقي عندها منطقة لاسحق عليه السلام وكانوا يتبركون بها فشدتها على وسط يوسف ثم قالت بأنه سرقها وكان من حكمهم بأن من سرق يسترق، فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها.
والرابع: أنهم كذبوا عليه وبهتوه وكانت قلوبهم مملوءة بالغضب على يوسف بعد تلك الوقائع، وبعد انقضاء تلك المدة الطويلة، وهذه الواقعة تدل على أن قلب الحاسد لا يطهر عن الغل ألبتة.
ثم قال تعالى: { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } واختلفوا في أن الضمير في قوله: { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ } إلى أي شيء يعود على قولين قال الزجاج: فأسرها إضمار على شريطة التفسير، تفسيره أنتم شر مكاناً وإنما أنث لأن قوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } جملة أو كلمة لأنهم يسمون الطائفة من الكلام كلمة كأنه قال: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وفي قراءة ابن مسعود { فَأَسْرِ } بالتذكير يريد القول أو الكلام وطعن أبو علي الفارسي في هذا الوجه فيما استدركه على الزجاج من وجهين:
الوجه الأول: قال الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين: أحدهما: أن يفسر بمفرد كقولنا: نعم رجلاً زيد ففي نعم ضمير فاعلها، ورجلاً تفسير لذلك الفاعل المضمر والآخر أن يفسر بجملة وأصل هذا يقع في الابتداء كقوله:
{ فَإِذَا هِىَ شَخِصَةٌ أَبْصَـ?رُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }[الأنبياء: 97]
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[الصمد: 1]
والمعنى القصة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر الله أحد.
ثم إن العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضاً نحو إن كقوله:
{ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً }[طه: 74]
{ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَـ?رِ }[الحج: 46].
إذا عرفت هذا فنقول: نفس المضمر على شريطة التفسير في كلا القسمين متصل بالجملة التي حصل منها الإضمار، ولا يكون خارجاً عن تلك الجملة ولا مبايناً لها. وههنا التفسير منفصل عن الجملة التي حصل منها الإضمار فوجب أن لا يحسن. والثاني: أنه تعالى قال: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وذلك يدل على أنه ذكر هذا الكلام، ولو قلنا: إنه عليه السلام أضمر هذا الكلام لكان قوله أنه قال ذلك كذباً. واعلم أن هذا الطعن ضعيف لوجوه:
أما الأول: فلأنه لا يلزم من حسن القسمين الأولين قبح قسم ثالث.
وأما الثاني: فلأنا نحمل ذلك على أنه عليه السلام قال ذلك على سبيل الخفية وبهذا التفسير يسقط هذا السؤال.
والوجه الثاني: وهو أن الضمير في قوله: { فَأَسَرَّهَا } عائد إلى الإجابة كأنهم قالوا: { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } فأسر يوسف إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقت ثان ويجوز أيضاً أن يكون إضماراً للمقالة. والمعنى: أسر يوسف مقالتهم، والمراد من المقالة متعلق تلك المقالة كما يراد بالخلق المخلوق وبالعلم المعلوم يعني أسر يوسف في نفسه كيفية تلك السرقة، ولم يبين لهم أنها كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والطعن. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات لأجل همه بها، عوقب بالحبس وبقوله:
{ اذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ }[يوسف: 42]
عوقب بالحبس الطويل وبقوله:
{ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ }[يوسف: 7]
عوقب بقولهم: { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } ثم حكى تعالى عن يوسف أنه قال: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } أي أنتم شر منزلة عند الله تعالى لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم فأخذتم أخاكم وطرحتموه في الجب، ثم قلتم لأبيكم إن الذئب أكله وأنتم كاذبون، ثم بعتموه بعشرين درهماً، ثم بعد المدة الطويلة والزمان الممتد ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم فرميتموه بالسرقة.
ثم قال تعالى: { وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } يريد أن سرقة يوسف كانت رضا لله، وبالجملة فهذه الوجوه المذكورة في سرقته لا يوجب شيء منها عود الذم واللوم إليه، والمعنى: والله أعلم بأن هذا الذي وصفتموه به هل يوجب عود مذمة إليه أم لا.
================
رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم(7/141)
يُستفاد من يوسف 80 82 أن إخوة يوسف تركوا بنيامين في مصر وتوجّهوا إلى أبيهم وأخبروه أن ابنه بنيامين سرق، وأن حاكم مصر حجزه عنده. فأرسلهم ثانية إلى مصر لشراء قمح.
والتوراة تختلف مع هذا، فإنهم لو رجعوا إلى أبيهم بغير أخيهم لما عاش والدُهم. والحق هو أن يوسف عرّف نفسه لإخوته، وأرسل المركبات واستدعى أباه إلى أرض مصر. ومن رغب في معرفة هذه القصة فعليه بمطالعة التوراة
الرد
أولاً : لا توجد توراة بل ثلاث نسخ مختلفة ولم نصل إلى النسخة الحقيقية .
1) النسخة اليونانية ..... 2) النسخة العبرانية....... 3) النسخة السامرية
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنهم لما قالوا:
{ فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ }[يوسف: 78]
وهو نهاية ما يمكنهم بذله فقال يوسف في جوابه:
{ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ }[يوسف: 79]
فانقطع طمعهم من يوسف عليه السلام في رده، فعند هذا قال تعالى: { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّا } وهو مبالغة في يأسهم من رده { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } أي تفردوا عن سائر الناس يتناجون ولا شبهة أن المراد يتشاورون ويتحيلون الرأي فيما وقعوا فيه، لأنهم إنما أخذوا بنيامين من أبيهم بعد المواثيق المؤكدة وبعد أن كانوا متهمين في حق يوسف فلو لم يعيدوه إلى أبيهم لحصلت محن كثيرة:
أحدها: أنه لو لم يعودوا إلى أبيهم وكان شيخاً كبيراً فبقاؤه وحده من غير أحد من أولاده محنة عظيمة.
وثانيها: أن أهل بيتهم كانوا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة.
وثالثها: أن يعقوب عليه السلام ربما كان يظن أن أولاده هلكوا بالكلية وذلك غم شديد ولو عادوا إلى أبيهم بدون بنيامين لعظم حياؤهم فإن ظاهر الأمر يوهم أنهم خانوه في هذا الابن كما أنهم خانوه في الابن الأول، ولكان يوهم أيضاً أنهم ما أقاموا لتلك المواثيق المؤكدة وزنا ولا شك أن هذا الموضع موضع فكرة وحيرة، وذلك يوجب التفاوض والتشاور طلباً للأصلح الأصوب فهذا هو المراد من قوله: { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّا }.
المسألة الثانية: قال الواحدي روي عن ابن كثير استياسوا
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ }[يوسف: 110]
بغير همز وفي ييئس لغتان يئس وييأس مثل حسب ويحسب ومن قال استيأس قلب العين إلى موضع الفاء فصار استعفل وأصله استيأس ثم خففت الهمزة. قال صاحب «الكشاف»: استيأسوا يئسوا، وزيادة السين والتاء للمبالغة كما في قوله:
{ استعصم }[يوسف: 32]
وقوله: { مِنْهُ خَلَصُواْ } قال الواحدي: يقال خلص الشيء يخلص خلوصاً إذا ذهب عنه الشائب من غيره، ثم فيه وجهان:
الأول: قال الزجاج خلصوا أي انفردوا، وليس معهم أخوهم،
والثاني: قال الباقون تميزوا عن الأجانب، وهذا هو الأظهر. وأما قوله: { نَجِيّاً } فقال صاحب «الكشاف»: النجي على معنيين يكون بمعنى المناجي كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر. ومنه قوله تعالى:
{ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً }[مريم: 52]
وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل: النجوى بمعنى المتناجين، فعلى هذا معنى { خَلَصُواْ نَجِيّا } اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم { نَجِيّاً } أي مناجياً. روي { نَجْوَى? } أي فوجاً { نَجِيّاً } أي مناجياً لمناجاة بعضهم بعضاً، وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجياً، لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار غير ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي على غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم، صاروا نفس التناجي حقيقة.
أما قوله تعالى: { قَالَ كَبِيرُهُمْ } فقيل المراد كبيرهم في السن وهو روبيل، وقيل كبيرهم في العقل وهو يهودا، وهو الذي نهاهم عن قتل يوسف، ثم حكى تعالى عن هذا الكبير أنه قال: { أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ } وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما قال يوسف عليه السلام:
{ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ }[يوسف: 79]
غضب يهودا، وكان إذا غضب وصاح فلا تسمع صوته حامل إلا وضعت ويقوم شعره على جسده فلا يسكن حتى يضع بعض آل يعقوب يده عليه فقال لبعض إخوته اكفوني أسواق أهل مصر وأنا أكفيكم الملك فقال يوسف عليه السلام لابن صغير له مسه فمسه فذهب غضبه وهم أن يصيح فركض يوسف عليه السلام رجله على الأرض وأخذ بملابسه وجذبه فسقط فعنده قال يا أيها العزيز، فلما أيسوا من قبول الشفاعة تذاكروا وقالوا: إن أبانا قد أخذ علينا موثقاً عظيماً من الله. وأيضاً نحن متهمون بواقعة يوسف فكيف المخلص من هذه الورطة.
المسألة الثانية: لفظ ما في قوله: { مَا فَرَّطتُمْ } فيها وجوه:
الأول: أن يكون أصله من قبل هذا فرطتم في شأن يوسف عليه السلام، ولم تحفظوا عهد أبيكم.(7/142)
الثاني: أن تكون مصدرية ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف، وهو من قبل. ومعناه وقع من قبل تفريطكم في يوسف
الثالث: النصب عطفاً على مفعول { أَلَمْ تَعْلَمُواْ } والتقدير: ألم تعلموا أخذ أبيكم موثقكم وتفريطكم من قبل في يوسف.
الرابع: أن تكون موصولة بمعنى ومن قبل هذا ما فرطتموه أي قدمتموه في حق يوسف من الخيانة العظيمة، ومحله الرفع والنصب على الوجهين المذكورين، ثم قال: { فَلَنْ أَبْرَحَ الاْرْضَ } أي فلن أفارق أرض مصر حتى يأذن لي أبي في الانصراف إليه أو يحكم الله لي بالخروج منها أو بالانتصاف ممن أخذ أخي أو بخلاصه من يده بسبب من الأسباب وهو خير الحاكمين، لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق، وبالجملة فالمراد ظهور عذر يزول معه حياؤه وخجله من أبيه أو غيره قاله انقطاعاً إلى الله تعالى في إظهار عذره بوجه من الوجوه
================
اذهبوا بقميصي هذا فأَلْقوه على
اذهبوا بقميصي هذا فأَلْقوه على وجه أبي يأتِ بصيراً، وأْتوني بأهلكم أجمعين. ولما فَصَلَتِ العِيرُ قال أبوهم: إني لَأَجِدُ ريحَ يوسف لولا أن تُفنّدونِ. قالوا: تَاللهِ إنك لَفِي ضلالِك القديم. فلمّا أن جاء البشيرُ ألقاهُ على وجهَهُ فارتدَّ بصيراً (آيات 93 96).
قال الضحّاك: كان هذا القميص من نسيج الجنة وقال مجاهد: أمره جبريل أن يرسل إليه قميصه، وكان ذلك القميص قميص إبراهيم، وذلك إنه لما جُرِّد من ثيابه وأُلقي في النار عرياناً أتاه جبريل بقميصٍ من حرير الجنة، فألبسه إياه، فكان ذلك القميص عند إبراهيم. فلما مات ورثه إسحق، فلما مات ورثه يعقوب، فلما شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في قَصَبةٍ من فضَّة وسدّ رأسها وجعلها في عنق يوسف كالتعاويذ، لما كان يخاف عليه من العين، وكانت لا تفارقه. فلما أُلقي يوسف في البئر عُرياناً أتاه جبريل وأخرج له ذلك القميص وألبسه إياه. فلما كان هذا الوقت جاءه جبريل وأمره أن يرسل هذا القميص إلى أبيه، لأن فيه ريح الجنة، فلا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عُوفي في الوقت. فدفع يوسف ذلك القميص إلى إخوته وقال: اذهبوا بقميصي هذا وضعوه على وجه أبي. فلما فعلوا ذلك رُدَّ إليه بصره (القرطبي في تفسير يوسف 12: 93).
أما صواب قصة القميص فنقرأه في تكوين 37: 3 . كان يعقوب يحب يوسف فصنع له قميصاً ملوناً. ولما باع أولاد يعقوب أخاهم يوسف أخذوا هذا القميص الملوّن وذبحوا تيساً من المعز وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوه إلى أبيهم وقالوا: وجدنا هذا القميص، فحقِّقْه: أقميص ابنك هو؟ فقال: قميص ابني. وحشٌ رديءٌ أكله. فناح.
وفي تكوين 37: 35 أرسل يوسف لطلب أبيه عَجَلاتٍ وعشر حمير حاملة من خيرات مصر، وعشرة أُتُنٍ حاملةً حنطة وخبزاً وطعاماً لأبيه في الطريق. ولم يرسل إليه قميصاً.
ونسب القرآن إلى هذا القميص تفتيح عيني يعقوب!
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
---------------------(7/143)
قال يوسف عليه السلام: { اذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا } قال المفسرون: لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصه، قال المحققون: إنما عرف أن إلقاء ذلك القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى ولولا الوحي لما عرف ذلك، لأن العقل لا يدل عليه ويمكن أن يقال: لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء وضيق القلب ضعف بصره فإذا ألقي عليه قميصه فلا بد أن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوي الروح ويزيل الضعف عن القوي، فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى، وقوله: { يَأْتِ بَصِيرًا } أي يصير بصيراً ويشهد له { فَارْتَدَّ بَصِيرًا }[يوسف: 96]
ويقال: المراد يأت إلي وهو بصير، وإنما أفرده بالذكر تعظيماً له، وقال في الباقين: { وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }
قال الكلبي: كان أهله نحواً من سبعين إنساناً وقال مسروق دخل قوم يوسف عليه السلام مصر. وهم ثلاثة وتسعون من بين رجل وامرأة، وروي أن يهودا حمل الكتاب وقال أنا أحزنته بحمل القميص الملطخ بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته. وقيل حمله وهو حاف وحاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخاً
================
ويسبّح الرعد بحمده والملائكة من خِيفَته
قال ابن عباس: أقبلت اليهود إلى محمد فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: مَلَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوقه بها حيث يشاء الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يُسمع؟ قال: زجره السحاب حتى تنتهي حيث أُمرَت. قالوا: صدقت . أخرجه الترمذي (الرازي في تفسير هذه الآية).
والرعد كما لا يخفى تصادم الكهربائية بين السحاب وبين بعضه، أو بين السحاب والأرض
الرد
والبرق والرعد والسحاب مشاهد معروفة، وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان. وهي بذاتها مشاهد ذات أثر في النفس ـ سواء عند الذين يعرفون الكثير عن طبيعتها والذين لا يعرفون عن الله شيئاً! والسياق يحشدها هنا؛ ويضيف إليها الملائكة والظلال والتسبيح والسجود والخوف والطمع، والدعاء الحق والدعاء الذي لا يستجاب. ويضم إليها هيئة أخرى: هيئة ملهوف يتطلب الماء، باسطاً كفيه ليبلغه، فاتحاً فاه يتلقف منه قطرة..
هذه كلها لا تتجمع في النص اتفاقاً أو جزافاً. إنما تتجمع لتلقي كلها ظلالها على المشهد، وتلفه في جو من الرهبة والترقب، والخوف والطمع، والضراعة والارتجاف، في سياق تصوير سلطان الله المتفرد بالقهر والنفع والضر، نفياً للشركاء المدعاة، وإرهاباً من عقبى الشرك بالله.
{ هو الذي يريكم البرق. خوفاً وطمعاً }..
هو الله الذي يريكم هذه الظاهرة الكونية، فهي ناشئة من طبيعة الكون التي خلقها هو على هذا النحو الخاص، وجعل لها خصائصها وظواهرها. ومنها البرق الذي يريكم إياه وفق ناموسه، فتخافونه لأنه بذاته يهز الأعصاب، ولأنه قد يتحول إلى صاعقة، ولأنه قد يكون نذيراً بسيل مدمر كما علمتكم تجاربكم. وتطمعون في الخير من ورائه، فقد يعقبه المطر المدرار المحيي للموات، المجري للأنهار.
{ وينشئ السحاب الثقال }..
وهو كذلك الذي ينشئ السحاب ـ والسحاب اسم جنس واحدته سحابة ـ الثقال بالماء. فوفق ناموسه في خلقة هذا الكون وتركيبه تتكون السحب، وتهطل الأمطار. ولو لم يجعل خلقة الكون على هذا النحو ما تكونت سحب ولا هطلت أمطار. ومعرفة كيف تتكون السحب، وكيفية هطول الأمطار لا تفقد هذه الظاهرة الكونية شيئاً من روعتها، ولا شيئاً من دلالتها. فهي تتكون وفق تركيب كوني خاص لم يصنعه أحد إلا الله. ووفق ناموس معين يحكم هذا التركيب لم يشترك في سنه أحد من عبيد الله! كما أن هذا الكون لم يخلق نفسه، ولا هو الذي ركب في ذاته ناموسه!
والرعد.. الظاهرة الثالثة لجو المطر والبرق والرعد.. هذا الصوت المقرقع المدوي. إنه أثر من آثار الناموس الكوني، الذي صنعه الله - أياً كانت طبيعته وأسبابه - فهو رجع صنع الله في هذا الكون، فهو حمد وتسبيح بالقدرة التي صاغت هذا النظام. كما أن كل مصنوع جميل متقن يسبح ويعلن عن حمد الصانع والثناء عليه بما يحمله من آثار صنعته من جمال وإتقان.. وقد يكون المدلول المباشر للفظ يسبح هو المقصود فعلاً، ويكون الرعد { يسبح } فعلاً بحمد الله. فهذا الغيب الذي زواه الله عن البشر لا بد أن يتلقاه البشر بالتصديق والتسليم وهم لا يعلمون من أمر هذا الكون ولا من أمر أنفسهم إلا القليل!(7/144)
وقد اختار التعبير أن ينص على تسبيح الرعد بالحمد اتباعاً لمنهج التصوير القرآني في مثل هذا السياق، وخلع سمات الحياة وحركاتها على مشاهد الكون الصامته لتشارك في المشهد بحركة من جنس المشهد كله ـ كما فصلت هذا في كتاب التصوير الفني في القرآن ـ والمشهد هنا مشهد أحياء في جو طبيعي. وفيه الملائكة تسبح من خيفته، وفيه دعاء لله، ودعاء للشركاء. وفيه باسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.. ففي وسط هذا المشهد الداعي العابد المتحرك اشترك الرعد ككائن حي بصوته في التسبيح والدعاء..
ثم يكمل جو الرهبة والابتهال والبرق والرعد والسحاب الثقال.. بالصواعق يرسلها فيصيب بها من يشاء. والصواعق ظاهرة طبيعية ناشئة من تركيب الكون على هذا المنوال؛ والله يصيب بها أحياناً من غيروا ما بأنفسهم واقتضت حكمته ألا يمهلهم، لعلمه أن لا خير في إمهالهم، فاستحقوا الهلاك.
والعجيب أنه في هول البرق والرعد والصواعق، وفي زحمة تسبيح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وزمجرة العواصف بغضبه.. في هذا الهول ترتفع أصوات بشرية بالجدل في الله صاحب كل هذه القوى وباعث كل هذه الأصوات التي ترتفع على كل جدال وكل محال:
{ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال }!
وهكذا تضيع أصواتهم الضعيفة في غمرة هذا الهول المتجاوب بالدعاء والابتهال والرعد والقرقعة والصواعق، الناطقة كلها بوجود الله ـ الذي يجادلون فيه ـ وبوحدانيته واتجاه التسبيح والحمد إليه وحده من أضخم مجالي الكون الهائل، ومن الملائكة الذين يسبحون من خيفته (وللخوف إيقاعه في هذا المجال) فأين من هذا كله أصوات الضعاف من البشر وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال؟!
وهم يجادلون في الله وينسبون إليه شركاء يدعونهم معه. ودعوة الله هي وحدها الحق؛ وما عداها باطل ذاهب، لا ينال صاحبه منه إلا العناء
================
واسْتَبقا الباب، وقَدَّت قميصَه من دُبُرٍ
واسْتَبقا الباب، وقَدَّت قميصَه من دُبُرٍ. وألفيا سيّدها لدى الباب. قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجَن أو عذابٌ أليم؟ قال: هي راودتني عن نفسي. وشهد شاهد من أهلها: إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت، وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت، وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قُدّ من دُبُرٍ قال: إنه من كيدكنَّ. إن كيدكنّ عظيم.
يوسف أعرض عن هذا (آيات 25-29) يعني: اترك هذا الحديث ولا تذكره لأحدٍ حتى لا ينتشر بين الناس. أو: لا تكترث به، فقد بانت براءتك.
والتوراة تعلمنا خلاف هذا، ففي ذات يوم دخل يوسف البيت ليعمل عمله، ولم يكن أحد في البيت، فأمسكت بثوبه قائلة: اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب. فنادت أهل بيتها وقالت: جاء إلينا برجلٍ عبراني ليداعبنا . فأخبرت زوجها فحبسه (التكوين 39).
ومن هذا نرى:
- 1 - لم يجد فوطيفار زوجته ويوسف عند الباب.
- 2 - لم يقدّ قميصه لا من دُبُر ولا من قُبُل، لأنه ترك ثيابه في يدها وهرب.
- 3 - من الغرائب تبرئة فوطيفار ليوسف وتوبيخ امرأته، وتوسُّله إلى يوسف ألاّ يُشيع الفضيحة، فالرجل الذي يُثبِت على امرأته الفسق والخيانة لا يبقيها في بيته، ولا يستمر على اقتناء العبد ليكون أحبولةً لامرأته الشريرة، ولا يسجنه بعد ظهور براءته. فالحق هو ما ذُكر في التوراة لأنها هي الأصل، ولأنها توافق الذوق والعقل السليم
الرد
لنستخدم عقولنا ونتدبر هذا القول :
يقول مُدعي الشبهة : والتوراة تعلمنا خلاف هذا، ففي ذات يوم دخل يوسف البيت ليعمل عمله، ولم يكن أحد في البيت، فأمسكت بثوبه قائلة: اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب. فنادت أهل بيتها وقالت: جاء إلينا برجلٍ عبراني ليداعبنا . فأخبرت زوجها فحبسه (التكوين 39).
السؤال : ما هو نوع الثوب الذي عندما امسكته امرأة العزيز من السهل أن يخلعه يوسف من على جسده !!!!
وهل عندما ترك يوسف ثوبه بين أيدي امرأة العزيز كان عاري تماماً ؟!!!
اما ما جاء عن العهد القديم فنسأل الله السلامة ، فنحن كمسلمين لا نتبع الضلال
والالتفات إلى يوسف البرئ:
{ يوسف أعرض عن هذا }..
فأهملْه ولا تُعِرْه اهتماماً ولا تتحدث به.. وهذا هو المهم.. محافظة على الظواهر!
وعظة إلى المرأة التي راودت فتاها عن نفسه، وضبطت متلبسة بمساورته وتمزيق قميصه:
{ واستغفري لذنبك. إنك من الخاطئين }..
إنها الطبقة الأرستقراطية، من رجال الحاشية، في كل جاهلية. قريب من قريب!
ويسدل الستار على المشهد وما فيه.. وقد صور السياق تلك اللحظة بكل ملابساتها وانفعالاتها ولكن دون أن ينشئ منها معرضاً للنزوة الحيوانية الجاهرة، ولا مستنقعاً للوحل الجنسي المقبوح!(7/145)
ولم يحل السيد بين المرأة وفتاها. ومضت الأمور في طريقها. فهكذا تمضي الأمور في القصور! ولكن للقصور جدراناً، وفيها خدم وحشم. وما يجري في القصور لا يمكن أن يظل مستوراً. وبخاصة في الوسط الأرستقراطي، الذي ليس لنسائه من هم إلا الحديث عما يجري في محيطهن. وإلا تداول هذه الفضائح ولوكها على الألسن في المجالس والسهرات والزيارات:
{ وقال نسوة في المدينة: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه. قد شغفها حباً. إنا لنراها في ضلال مبين
===================
قال أحدُهما: إني أراني أعصِر خمراً،
ودخل معه السجن فَتَيان. قال أحدُهما: إني أراني أعصِر خمراً، وقال الآخَر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطيرُ منه. نبِّئْنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين. قال: لا يأتيكما طعامٌ تُرزَقانِهِ إلا نبَّأتُكما بتأويله قبل أن يأتيكما. ذلكما مما علّمني ربي...يا صاحِبَيِ السجن، أمّا أحدُكما فيسقي ربَّه خمراً، وأما الآخر فيُصلَب فتأكل الطير من رأسه. قُضيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان (آيات 36 و37 و41).
والحقيقة هي ما جاء في تكوين 40 ، فقد أذنب رئيس السقاة ورئيس الخبَّازين إلى فرعون، فحبسهما في المكان الذي كان يوسف مسجوناً فيه. وحلم كل منهما حلماً في ليلة واحدة فكدّرهما، فقصَّ رئيس السُّقاة حلمه على يوسف وقال له: كنتُ في حلمي وإذا كرمةٌ أمامي وفي الكرمة ثلاثة قضبان، وهي إذا أفرخت طلع زهرُها وأنضجت عناقيدها عنباً. وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذتُ العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت في يد فرعون. فقال له يوسف: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويردّك إلى مقامك. ثم قال رئيس الخبازين ليوسف: كنت أنا أيضاً في حلمي وإذا ثلاثة سلال حُوَّارَى (بيضاء) على رأسي، وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز، والطيور تأكله من السل عن رأسي. فأجاب يوسف: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام أيضاً يرفع فرعون رأسك عنك ويعلّقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك
الرد
وهذه هي الحلقة الثالثة والمحنة الثالثة والأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف؛ فكل ما بعدها رخاء، وابتلاء لصبره على الرخاء، بعد ابتلاء صبره على الشدة. والمحنة في هذه الحلقة هي محنة السجن بعد ظهور البراءة. والسجن للبريء المظلوم أقسى، وإن كان في طمأنينة القلب بالبراءة تعزية وسلوى.
وفي فترة المحنة هذه تتجلى نعمة الله على يوسف، بما وهبه من علم لدني بتعبير الرؤيا وبعض الغيب القريب الذي تبدو أوائله فيعرف تأويله. ثم تتجلى نعمة الله عليه أخيراً بإعلان براءته الكاملة إعلاناً رسمياً بحضرة الملك، وظهور مواهبه التي تؤهله لما هو مكنون له في عالم الغيب من مكانة مرموقة وثقة مطلقة، وسلطان عظيم.
{ ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين }..
وهكذا جو القصور، وجو الحكم المطلق، وجو الأوساط الأرستقراطية، وجو الجاهلية! فبعد أن رأوا الآيات الناطقة ببراءة يوسف. وبعد أن بلغ التبجح بامرأة العزيز أن تقيم للنسوة حفل استقبال تعرض عليهن فتاها الذي شغفها حباً، ثم تعلن لهم أنها به مفتونة حقاً، ويفتتن هن به ويغرينه بما يلجأ إلى ربه ليغيثه منه وينقذه، والمرأة تعلن في مجتمع النساء ـ دون حياء ـ أنه إما أن يفعل ما يؤمر به، وإما أن يلقى السجن والصغار، فيختار السجن على ما يؤمر به!.
بعد هذا كله، بدا لهم أن يسجنوه إلى حين!
ولعل المرأة كانت قد يئست من محاولاتها بعد التهديد؛ ولعل الأمر كذلك قد زاد انتشاراً في طبقات الشعب الأخرى.. وهنا لا بد أن تحفظ سمعة " البيوتات "! وإذا عجز رجال البيوتات عن صيانة بيوتهن ونسائهن، فإنهم ليسوا بعاجزين عن سجن فتى بريء كل جريمته أنه لم يستجب، وأن امرأة من " الوسط الراقي! " قد فتنت به، وشهرت بحبه، ولاكت الألسن حديثها في الأوساط الشعبية!
{ ودخل معه السجن فتيان }..
سنعرف من بعد أنهما من خدم الملك الخواص..
ويختصر السياق ما كان من أمر يوسف في السجن، وما ظهر من صلاحه وإحسانه، فوجه إليه الأنظار، وجعله موضع ثقة المساجين، وفيهم الكثيرون ممن ساقهم سوء الطالع مثله للعمل في القصر أو الحاشية، فغضب عليهم في نزوة عارضة، فألقي بهم في السجن.. يختصر السياق هذا كله ليعرض مشهد يوسف في السجن وإلى جواره فتيان أنسا إليه، فهما يقصان عليه رؤيا رأياها. ويطلبان إليه تعبيرها، لما يتوسمانه فيه من الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك:
{ قال أحدهما: إني أراني أعصر خمراً؛ وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله، إنا نراك من المحسنين }..
وينتهز يوسف هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة؛ فكونه سجيناً لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والأوضاع الفاسدة، القائمة على إعطاء حق الربوبية للحكام الأرضيين، وجعلهم بالخضوع لهم أرباباً يزاولون خصائص الربوبية، ويصبحون فراعين!(7/146)
ويبدأ يوسف مع صاحبي السجن من موضوعهما الذي يشغل بالهما، فيطمئنهما ابتداء إلى أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علماً لدنياً خاصاً، جزاء على تجرده لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.
هو وآباؤه من قبله.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه:
{ قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي. إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون }..
ويبدو في طريقة تناول يوسف للحديث لطف مدخله إلى النفوس، وكياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف.. وهي سمة هذه الشخصية البارزة في القصة بطولها..
{ قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي }..
بهذا التوكيد الموحي بالثقة بأن الرجل على علم لدني، يرى به مقبل الرزق وينبئ بما يرى. وهذا ـ فوق دلالته على هبة الله لعبده الصالح يوسف ـ وهي كذلك بطبيعة الفترة وشيوع النبوءات فيها والرؤى ـ وقوله: { ذلكما مما علمني ربي } تجيء في اللحظة المناسبة من الناحية النفسية ليدخل بها إلى قلبيهما بدعوته إلى ربه؛ وليعلل بها هذا العلم اللدني الذي سيؤول لهما رؤياهما عن طريقه.
{ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون }..
مشيراً بهذا إلى القوم الذي ربي فيهم، وهم بيت العزيز وحاشية الملك والملأ من القوم والشعب الذي يتبعهم. والفتيان على دين القوم، ولكنه لا يواجههما بشخصيتهما، إنما يواجه القوم عامة كي لا يحرجهما ولا ينفرهما ـ وهي كياسة وحكمة ولطافة حس وحسن مدخل.
وذكر الآخرة هنا في قول يوسف يقرر ـ كما قلنا من قبل ـ أن الإيمان بالآخرة كان عنصراً من عناصر العقيدة على لسان الرسل جميعاً؛ منذ فجر البشرية الأول؛ ولم يكن الأمر كما يزعم علماء الأديان المقارنة أن تصور الآخرة جاء إلى العقيدة ـ بجملتها ـ متأخراً.. لقد جاء إلى العقائد الوثنية الجاهلية متأخراً فعلاً، ولكنه كان دائماً عنصراً أصيلاً في الرسالات السماوية الصحيحة..
ثم يمضي يوسف بعد بيان معالم ملة الكفر ليبين معالم ملة الإيمان التي يتبعها هو وآباؤه:
{ واتبعت ملة آبائي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء }..
فهي ملة التوحيد الخالص الذي لا يشرك بالله شيئاً قط.
. والهداية إلى التوحيد فضل من الله على المهتدين، وهو فضل في متناول الناس جميعاً لو اتجهوا إليه وأرادوه. ففي فطرتهم أصوله وهواتفه، وفي الوجود من حولهم موحياته ودلائله، وفي رسالات الرسل بيانه وتقريره. ولكن الناس هم الذين لا يعرفون هذا الفضل ولا يشكرونه:
{ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون }..
مدخل لطيف.. وخطوة خطوة في حذر ولين.. ثم يتوغل في قلبيهما أكثر وأكثر، ويفصح عن عقيدته ودعوته إفصاحاً كاملاً، ويكشف عن فساد اعتقادهما واعتقاد قومهما، وفساد ذلك الواقع النكد الذي يعيشون فيه.. بعد ذلك التمهيد الطويل:
{ يا صاحبي السجن، أأرباب متفرقون خير؟ أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. إن الحكم إلا لله. أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ذلك الدين القيم. ولكن أكثر الناس لا يعلمون }..
لقد رسم يوسف ـ عليه السلام ـ بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة، كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة. كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزاً شديداً عنيفاً..
{ يا صاحبي السجن، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ }..
إنه يتخذ منهما صاحبين، ويتحبب إليهما هذه الصفة المؤنسة، ليدخل من هذا المدخل إلى صلب الدعوة وجسم العقيدة. وهو لا يدعوهما إليها دعوة مباشرة، إنما يعرضها قضية موضوعية:
{ أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ }..
وهو سؤال يهجم على الفطرة في أعماقها ويهزها هزاً شديداً.. إن الفطرة تعرف لها إلهاً واحداً ففيم إذن تعدد الأرباب؟.. إن الذي يستحق أن يكون رباً يعبد ويطاع أمره ويتبع شرعه هو الله الواحد القهار. ومتى توحد الإله وتقرر سلطانه القاهر في الوجود فيجب تبعاً لذلك أن يتوحد الرب وسلطانه القاهر في حياة الناس. وما يجوز لحظة واحدة أن يعرف الناس أن الله واحد، وأنه هو القاهر، ثم يدينوا لغيره ويخضعوا لأمره، ويتخذوا بذلك من دون الله ربا.. إن الرب لا بد أن يكون إلهاً يملك أمر هذا الكون ويسيره. ولا ينبغي أن يكون العاجز عن تسيير أمر هذا الكون كله رباً للناس يقهرهم بحكمه، وهو لا يقهر هذا الكون كله بأمره!(7/147)
والله الواحد القهار خير أن يدين العباد لربوبيته من أن يدينوا للأرباب المتفرقة الأهواء الجاهلة القاصرة العمياء عن رؤية ما وراء المنظور القريب ـ كالشأن في كل الأرباب إلا الله ـ وما شقيت البشرية قط شقاءها بتعدد الأرباب وتفرقهم، وتوزع العباد بين أهوائهم وتنازعهم.. فهذه الأرباب الأرضية التي تغتصب سلطان الله وربوبيته؛ أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة، أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية! هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها، ومن حرصها على ذواتها وبقائها، ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته، وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أو من بعيد؛ وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثىء نفختها الخادعة!
والله الواحد القهار في غنى عن العالمين؛ فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح والعمل والعمارة ـ وفق منهجه ـ فيعدّ لهم هذا كله عبادة.
وحتى الشعائر التي يفرضها عليهم إنما يريد بها إصلاح قلوبهم ومشاعرهم، لإصلاح حياتهم وواقعهم.. وإلا فما أغناه سبحانه عن عباده أجمعين!
{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد }
ففرق بين الدينونة لله الواحد القهار والدينونة للأرباب المتفرقة بعيد!
ثم يخطو يوسف ـ عليه السلام ـ خطوة أخرى في تفنيد عقائد الجاهلية وأوهامها الواهية:
{ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان }..
إن هذه الأرباب ـ سواء كانت من البشر أم من غير البشر من الأرواح والشياطين والملائكة والقوى الكونية المسخرة بأمر الله ـ ليست من الربوبية في شيء، وليس لها من حقيقة الربوبية شيء. فالربوبية لا تكون إلا لله الواحد القهار؛ الذي يخلق ويقهر كل العباد.. ولكن البشر في الجاهليات المتعددة الأشكال والأوضاع يسمون من عند أنفسهم أسماء، ويخلعون عليها صفات، ويعطونها خصائص؛ وفي أول هذه الخصائص خاصية الحكم والسلطان.. والله لم يجعل لها سطاناً ولم ينزل بها من سلطان..
وهنا يضرب يوسف ـ عليه السلام ـ ضربته الأخيرة الحاسمة فيبين: لمن ينبغي أن يكون السلطان! لمن ينبغي أن يكون الحكم! لمن ينبغي أن تكون الطاعة.. أو بمعنى آخر لمن ينبغي أن تكون " العبادة "!
{ إن الحكم إلا لله. أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ذلك الدين القيم. ولكن أكثر الناس لا يعلمون }..
إن الحكم لا يكون إلا لله. فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته. إذ الحاكمية من خصائص الألوهية. من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته؛ سواء ادعى هذا الحق فرد، أو طبقة، أو حزب. أو هيئة، أو أمة، أو الناس جميعاً في صورة منظمة عالمية. ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها فقد كفر بالله كفراً بواحاً، يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة، حتى بحكم هذا النص وحده!
وادعاء هذا الحق لا يكون بصورة واحدة هي التي تخرج المدعي من دائرة الدين القيم، وتجعله منازعاً لله في أولى خصائص ألوهيته ـ سبحانه ـ فليس من الضروري أن يقول: ما علمت لكم من إله غيري؛ أو يقول: أنا ربكم الأعلى، كما قالها فرعون جهرة.
ولكنه يدعي هذا الحق وينازع الله فيه بمجرد أن ينحي شريعة الله عن الحاكمية؛ ويستمد القوانين من مصدر آخر. وبمجرد أن يقرر أن الجهة التي تملك الحاكمية، أي التي تكون هي مصدر السلطات، جهة أخرى غير الله سبحانه.. ولو كان هو مجموع الأمة أو مجموع البشرية. والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله؛ ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته. إنما مصدر الحاكمية هو الله. و كثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة و بين مصدر السلطة. فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده. والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان..
ويوسف ـ عليه السلام ـ يعلل القول بأن الحكم لله وحده. فيقول:
{ أمر ألا تعبدوا إلا إياه }.
ولا نفهم هذا التعليل كما كان يفهمه الرجل العربي إلا حين ندرك معنى { العبادة } التي يخص بها الله وحده..(7/148)
إن معنى عبد في اللغة: دان، وخضع، وذل.. ولم يكن معناه في الإصطلاح الإسلامي في أول الأمر أداء الشعائر.. إنما كان هو معناه اللغوي نفسه.. فعندما نزل هذا النص أول مرة لم يكن شيء من الشعائر قد فرض حتى ينطلق اللفظ إليه. إنما كان المقصود هو معناه اللغوي الذي صار هو معناه الاصطلاحي. كان المقصود به هو الدينونة لله وحده، والخضوع له وحده، واتباع أمره وحده. سواء تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية، أو تعلق بتوجيه أخلاقي، أو تعلق بشريعة قانونية. فالدينونة لله وحده في هذا كله هي مدلول العبادة التي خص الله ـ سبحانه ـ بها نفسه؛ ولم يجعلها لأحد من خلقه..
وحين نفهم معنى العبادة على هذا النحو نفهم لماذا جعل يوسف ـ عليه السلام ـ اختصاص الله بالعبادة تعليلاً لاختصاصه بالحكم. فالعبادة ـ أي الدينونة ـ لا تقوم إذا كان الحكم لغيره.. وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود، وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة. فكله حكم تتحقق به الدينونة.
ومرة أخرى نجد أن منازعة الله الحكم تخرج المنازع من دين الله ـ حكماً معلوماً من الدين بالضرورة ـ لأنها تخرجه من عبادة الله وحده.. وهذا هو الشرك الذي يخرج أصحابه من دين الله قطعاً. وكذلك الذين يقرون المنازع على ادعائه، ويدينون له بالطاعة وقلوبهم غير منكرة لاغتصابه سلطان الله وخصائصه.. فكلهم سواء في ميزان الله.
ويقرر يوسف ـ عليه السلام ـ أن اختصاص الله ـ سبحانه ـ بالحكم ـ تحقيقاً لاختصاصه بالعبادة ـ هو وحده الدين القيم:
{ ذلك الدين القيم }..
وهو تعبير يفيد القصر.
فلا دين قيماً سوى هذا الدين، الذي يتحقق فيه اختصاص الله بالحكم، تحقيقاً لاختصاصه بالعبادة.
{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون }..
وكونهم { لا يعلمون } لا يجعلهم على دين الله القيم. فالذي لا يعلم شيئاً لا يملك الاعتقاد فيه ولا تحقيقه.. فإذا وجد ناس لا يعلمون حقيقة الدين، لم يعد من الممكن عقلاً وواقعاً وصفهم بأنهم على هذا الدين! ولم يقم جهلهم عذراً لهم يسبغ عليهم صفة الإسلام. ذلك أن الجهل مانع للصفة ابتداء. فاعتقاد شيء فرع عن العلم به.. وهذا منطق العقل والواقع.. بل منطق البداهة الواضح.
لقد رسم يوسف ـ عليه السلام ـ بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة؛ كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزاً شديداً..
إن الطاغوت لا يقوم في الأرض إلا مدعياً أخص خصائص الألوهية، وهو الربوبية. أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه، ودينونتهم لفكره وقانونه. وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه - ولو لم يقله بلسانه - فالعمل دليل أقوى من القول.
إن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس. فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، والخضوع للحكم عبادة. بل هي مدلول العبادة.
وإلى هنا يبلغ يوسف أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه، مرتبطاً في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن. ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس، ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقاً به:
{ يا صاحبي السجن، أما أحدكما فيسقي ربه خمراً، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه
====================
وقال للذي ظنّ إنه ناجٍ منهما: اذكرني عند ربك
وقال للذي ظنّ إنه ناجٍ منهما: اذكرني عند ربك. فأنساه الشيطان ذكر ربه. فلبث في السجن بضع سنين (آية 42).
قال أكثر المفسرين: إن الشيطان أنسى يوسف ذِكر ربه حتى ابتغى الفرج من غيره، واستعان بمخلوقٍ مثله في دفع الضرر. وتلك غفلةٌ عرضت ليوسف، بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة، فإنه ورد في الحديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقوله بضع سنين اختلفوا فيه، فقيل هو ما بين الثلاث إلى السبع، وقيل هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل هو ما دون العشر. وقال أكثر المفسرين إن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان يوسف لبث قبلها خمس سنين، فجملة ذلك 12 سنة. قال محمد: رحم الله يوسف، لولا كلمته التي قالها وهي اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث (الرازي في تفسير يوسف 12: 42).
ولكن التوراة تعلمنا أن يوسف قال لرئيس السقاة: حينما يصير لك خير تصنع إليّ إحساناً وتذكرني لفرعون، وتخرجني من السجن . وهذا الالتماس جائز في حد ذاته، بل واجب، لأن الله جعل لكل شيء سبباً. وأيُّ حرجٍ على يوسف في طلبه هذا الطلب العادل؟ والعاقل يرى أن سلوك يوسف هذا كان مرضياً لله فإنه من باب التوكّل على الله. وقد ورد في تكوين 39: 21 أن الرب كان مع يوسف وبسط إليه لطفاً وجعل نعمة له في عيني رئيس بيت السجن، فسلّم له كل شيء، لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب ينجحه
الرد(7/149)
وأحب يوسف السجين البريء، الذي أمر الملك بسجنه دون تحر ودون بحث، إلا ما نقله إليه بعض حاشية من وشاية لعلهم صوروا له فيها حادث امرأة العزيز وحادث النسوة تصويراً مقلوباً، كما يقع عادة في مثل هذه الأوساط.. أحب يوسف أن يبلغ أمره إلى الملك ليفحص عن الأمر:
{ وقال للذي ظن أنه ناج منهما: اذكرني عند ربك }..
اذكر حالي ووضعي وحقيقتي عند سيدك وحاكمك الذي تدين وتخضع لحكمه، فهو بهذا ربك. فالرب هو السيد والحاكم والقاهر والمشرع.. وفي هذا توكيد لمعنى الربوبية في المصطلح الإسلامي. ومما يلاحظ أن ملوك الرعاة لم يكونوا يدعون الربوبية قولاً كالفراعنة، ولم يكونوا ينتسبون إلى الإله أو الآلهة كالفراعنة. ولم يكن لهم من مظاهر الربوبية إلا الحاكمية وهي نص في معنى الربوبية.
وهنا يسقط السياق أن التأويل قد تحقق، وأن الأمر قد قضي على ما أوله يوسف. ويترك هنا فجوة، نعرف منها أن هذا كله قد كان. ولكن الذي ظن يوسف أنه ناج فنجا فعلاً لم ينفذ الوصية، ذلك أنه نسي الدرس الذي لقنه له يوسف، ونسي ذكر ربه في زحمة حياة القصر وملهياتها وقد عاد إليها، فنسي يوسف وأمره كله..
{ فأنساه الشيطان ذكر ربه }.. راجع إلى الناجي الشرابي والمعنى: أن الشيطان أنسى ذلك الفتى أن يذكر يوسف للملك حتى طال الأمر { فلبث في السجن بضع سنين } بهذا السبب ... لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل أولى من صرفها إلى يوسف الصديق، ولأن الاستعانة بالعباد في التخلص من الظلم جائزة.
{ فلبث في السجن بضع سنين }..{ بِضْعَ سِنِينَ } البضع ما بين الثلاث إلى التسع
والضمير الأخير في لبث عائد على يوسف. وقد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد. وكان هذا من اصطفائه وإكرامه.
إن عباد الله المخلصين ينبغي أن يخلصوا له سبحانه، وأن يدعوا له وحده قيادهم، ويدعوا له سبحانه تنقيل خطاهم. وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك، يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضى وحباً وشوقاً.. فيتم عليهم فضله بهذا كله
================
حلم فرعون
ذُكر في القرآن حلم فرعون، وهو ينقص عما في التوراة جملة أشياء. فلم يذكر أن البقرات التي رآها في الحلم كانت طالعةً من النهر، ولم يقل إن السبع سنابل كانت في ساق واحد. وقال إن رئيس السقاة طلب من فرعون أن يرسله إلى يوسف (كما في عدد 45) وإنه أرسله ففسّر له يوسف الحلم ثم رجع إلى الملك. وفي عدد (50) وقال الملِكُ ائْتوني به. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسْأله: ما بالُ النِّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ؟ إن ربّي بكيدهنّ عليم . وفي عدد (54) وقال الملك ائْتوني به استخلصْهُ لنفسي. فلما كلّمه قال: إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين .
وهذا يعني أنه لما أخبر الساقي الملك بتفسير الرؤيا، أمر الملك بإخراج يوسف من السجن، فأبى يوسف أن يخرج مع رسول الملك حتى تظهر براءته وكيد النساء، فجمع فرعون النساء وخاطبهن، فاعترفت امرأةُ العزيز أنها راودته عن نفسه وحدها، وغير ذلك من الكلام، ثم دعا فرعونُ يوسفَ فأجاب الطلب.
والحقيقة هي كما في التوراة، أنه لما حلم فرعون اعترف رئيس السُّقاة لسيده بتقصيره في عدم ذِكر يوسف، وأخبره بما حدث له مع رفيقه في السجن. فأرسل فرعون ودعا يوسف من السجن، فأبدل ثيابه ودخل على فرعون، فأخبره بأحلامه ففسّرها له، وأشار عليه بتخزين القمح أيام الرخاء والخصب، استعداداً لأيام القحط. ولما انذهل من حكمته ومهارته جعله وزير مصر الأول (أنظر تكوين 41).
وهنا نرى:
- 1 - ذهب رئيس السقاة إلى السجن واستفهم من يوسف عن تعبير حلمَي فرعون.
- 2 - لما أرسل فرعونُ إلى يوسف رفض يوسف أن يلبّي الدعوة مع أن يوسف هو الذي ترجَّى رئيس السقاة أن يتوسّط في إخراجه من السجن. ولا يُعقل أن يوسف يخالف أمر الملك ويُصِرّ على البقاء في السجن إلى أن يبرىء فرعون ساحته، مع أنه عبد أسير. قال محمد: لو لبثْتُ في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبْتُ الداعي (أي رسول الملك) (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة يوسف).
- 3 - ذكر يوسف تقطيع النساء أيديهن. وهذا غريب. فكيف يذكره وهو لم يصرّح بشيءٍ مما حصل له من ظلم إخوته؟ وأغرب من هذا قول القرآن إن فرعون جمع النساء واستفهم منهنّ عن حقيقة ما حدث.
- 4 - قال القرآن إن امرأة فوطيفار اعترفت بذنبها، وهو بعيد عقلاً. وهذه مسألة عرضٍ وشرف.
- 5 - كانت هذه المسألة قد نُسيت بمضي سنوات، وعبارة القرآن تفيد أنه مضى على يوسف في السجن سبع سنين أو 12 سنة
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :(7/150)
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
{ وقال الذي نجا منها وادكّر بعد أمة: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون }!
أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون.. ويسدل الستار هنا، ليرفع في السجن على يوسف وصاحبه هذا يستفتيه:
{ يوسف ـ أيها الصديق ـ أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون }.
والساقي يلقب يوسف بالصدّيق، أي الصادق الكثير الصدق. وهذا ما جربه في شأنه من قبل..
{ أفتنا في سبع بقرات سمان... }..
ونقل الفاظ الملك التي قالها كاملة، لأنه يطلب تأويلها، فكان دقيقاً في نقلها، وأثبتها السياق مرة أخرى ليبين هذه الدقة أولاً، وليجيء تأويلها ملاصقاً في السياق لذكرها.
ولكن كلام يوسف هنا ليس هو التأويل المباشر المجرد، إنما هو التأويل والنصح بمواجهة عواقبه. وهذا أكمل:
{ قال: تزرعون سبع سنين دأباً }..
أي: متوالية متتابعة. وهي السنوات السبع المخصبة المرموز لها بالبقرات السمان.
{ فما حصدتم فذروه في سنبله }..
أي فاتركوه في سنابله لأن هذا يحفظه من السوس والمؤثرات الجوية.
{ إلا قليلاً مما تأكلون }..
فجردوه من سنابله، واحتفظوا بالبقية للسنوات الأخرى المجدبة المرموز لها بالبقرات العجاف.
{ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد }..
لا زرع فيهن.
{ يأكلن ما قدمتم لهن }..
وكأن هذه السنوات هي التي تأكل بذاتها كل ما يقدم لها لشدة نهمها وجوعها!
{ إلا قليلاً مما تحصنون }..
أي إلا قليلاً مما تحفظونه وتصونونه من التهامها!
{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }..
أي ثم تنقضي هذه السنوات الشداد العجاف المجدبة، التي تأتي على ما خزنتم وادخرتم من سنوات الخصب. تنقضي ويعقبها عام رخاء، يغاث الناس فيه بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرونها خمراً، وسمسمهم وخسهم وزيتونهم فيعصرونه زيتاً..
وهنا نلحظ أن هذا العام الرخاء لا يقابله رمز في رؤيا الملك؛ فهو إذن من العلم اللدني الذي علمه الله يوسف. فبشر به الساقي ليبشر الملك والناس، بالخلاص من الجدب والجوع بعام رخيّ رغيد.
وهنا كذلك ينتقل السياق إلى المشهد التالي. تاركاً فجوة بين المشهدين يكمل التصور ما تم فيها من حركة. ويرفع الستار مرة أخرى على مجلس الملك. ويحذف السياق ما نقله الساقي من تأويل الرؤيا، وما تحدث به عن يوسف الذي أولها. وعن سجنه وأسبابه والحال التي هو فيها.. كل أولئك يحذفه السياق من المشهد، لنسمع نتيجته من رغبة الملك في رؤية يوسف، وأمره أن يأتوه به:
{ وقال الملك: ائتوني به }..
ومرة ثالثة في المشهد يحذف السياق جزئيات تفصيلية في تنفيذ الأمر. ولكنا نجد يوسف يرد على رسول الملك الذي لا نعرف: إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أو رسولاً تنفيذياً مكلفاً بمثل هذا الشأن. نجد يوسف السجين الذي طال عليه السجن لا يستعجل الخروج حتى تحقق قضيته، ويتبين الحق واضحاً في موقفه، وتعلن براءته ـ على الأشهاد ـ من الوشايات والدسائس والغمز في الظلام.
. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. فلم يعد معجلاً ولا عجولاً!
إن أثر التربية الربانية شديد الوضوح في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول له فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والفارق بين الموقفين بعيد..
{ قال: ارجع إلى ربك فاسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ إن ربي بكيدهن عليم }(7/151)
لقد رد يوسف أمر الملك باستدعائه حتى يستوثق الملك من أمره، وحتى يتحقق من شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن.. بهذا القيد.. تذكيراً بالواقعة وملابساتها وكيد بعضهن لبعض فيها وكيدهن له بعدها.. وحتى يكون هذا التحقق في غيبته لتظهر الحقيقة خالصة، دون أن يتدخل هو في مناقشتها.. كل أولئك لأنه واثق من نفسه، واثق من براءته، مطمئن إلى أن الحق لا يخفى طويلاً، ولا يخذل طويلاً.
ولقد حكى القرآن عن يوسف استعمال كلمة { رب } بمدلوها الكامل، بالقياس إليه وبالقياس إلى رسول الملك إليه. فالملك رب هذا الرسول لأنه هو حاكمه الذي يدين لسلطانه. والله رب يوسف لأنه هو حاكمه الذي يدين لسلطانه..
ورجع الرسول فأخبر الملك وأحضر الملك النسوة يستجوبهن ـ والسياق يحذف هذا لنعلمه مما يليه ـ:
{ قال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ }..
والخطب: الأمر الجلل والمصاب. فكأن الملك كان قد استقصى فعلم أمرهن قبل أن يواجههن، وهو المعتاد في مثل هذه الأحوال، ليكون الملك على بينة من الأمر وظروفه قبل الخوض فيه. فهو يواجههن مقرراً الاتهام، ومشيراً إلى أمر لهن جلل أو شأن لهن خطير:
{ ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ }.
ومن هذا نعلم شيئاً مما دار في حفل الاستقبال في بيت الوزير؛ ما قالته النسوة ليوسف وما لَمّحن به وأشرن إليه، من الإغراء الذي يبلغ درجة المراودة. ومن هذا نتخيل صورة لهذه الأوساط ونسائها حتى في ذلك العهد الموغل في التاريخ. فالجاهلية دائماً هي الجاهلية. إنه حيثما كان الترف، وكانت القصور والحاشية، كان التخلل والتميع والفجور الناعم الذي يرتدي ثياب الأرستقراطية!
وفي مثل هذه المواجهة بالاتهام في حضرة الملك، يبدو أنه لم يكن هنالك مجال للإنكار:
{ قلن: حاش لله! ما علمنا عليه من سوء }!
وهي الحقيقة التي يصعب إنكارها. ولومن مثل هؤلاء النسوة. فقد كان أمر يوسف إذن من النصاعة والوضوح بحيث لا يقوم فيه جدال.
وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء في صراحة:
{ قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق. أنا راودته عن نفسه. وإنه لمن الصادقين }..
الآن حصحص الحق وظهر ظهوراً واضحاً لا يحتمل الخفاء:
{ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين }.
وزادت ما يكشف عن أن قلبها لم يخل من إيثاره ورجاء تقديره والتفاته بعد كل هذا الأمد؛ وما يشي كذلك بأن عقيدة يوسف قد أخذت طريقها إلى قلبها فآمن:
{ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين }..
وهذا الاعتراف وما بعده يصوره السياق هنا بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر. كما يشي الستار الرقيق بما وراءه في ترفع وتجمل في التعبير:
{ أنا راودته عن نفسه، وإنه لمن الصادقين }.
شهادة كاملة بنظافته وبراءته وصدقه. لا تبالي المرأة ما وراءها مما يلم بها هي ويلحق بأردانها.. فهل هو الحق وحده الذي يدفعها لهذا الإقرار الصريح في حضرة الملك والملأ؟
يشي السياق بحافز آخر، هو حرصها على أن يحترمها الرجل المؤمن الذي لم يعبأ بفتنتها الجسدية. أن يحترمها تقديراً لإيمانها ولصدقها وأمانتها في حقه عند غيبته:
{ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب }..
ثم تمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبها يوسف ويقدرها:
{ وأن الله لا يهدي كيد الخائنين }..
وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة:
{ وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم }..
إنها امرأة أحبت. امرأة تكبر الرجل الذي تعلقت به في جاهليتها وإسلامها، فهي لا تملك إلا أن تظل معلقة بكلمة منه، أو خاطرة ارتياح تحس أنها صدرت عنه!
وهكذا يتجلى العنصر الإنساني في القصة، التي لم تسق لمجرد الفن، إنما سيقت للعبرة والعظة. وسيقت لتعالج قضية العقيدة والدعوة. ويرسم التعبير الفني فيها خفقات المشاعر وانتفاضات الوجدان رسماً رشيقاً رفيقاً شفيفاً. في واقعة كاملة تتناسق فيها جميع المؤثرات وجميع الواقعيات في مثل هذه النفوس، في ظل بيئتها ومؤثرات هذه البيئة كذلك.
وإلى هنا تنتهي محنة السجن ومحنة الاتهام، وتسير الحياة بيوسف رخاء، الاختبار فيه بالنعمة لا بالشدة
==============
وما أُبرِّئ نفسي. إن النفس لَأَمَّارةٌ بالسوء
وما أُبرِّئ نفسي. إن النفس لَأَمَّارةٌ بالسوء (آية 53).
لما قال يوسف: لم أخُنْهُ بالغيب (آية 52). قال له جبريل: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: وما أُبرّئ نفسي . هذه هي رواية ابن عباس، وهو قول الأكثرين. والتوراة تعلمنا أنه منزّه عن أنه همّ بها. وكيف يساعده الله على الارتقاء وقلبه فاسد؟ والقرآن قال إنه لما نسي ذِكر ربه لبث في السجن جملة سنين (الطبري في تفسير هذه الآية
الرد
أولاً : لا توجد توراة بل ثلاث نسخ مختلفة لم نصل إلى النسخة الحقيقية .
1) النسخة اليونانية ..... 2) النسخة العبرانية....... 3) النسخة السامرية،(7/152)
رد شبهة سورة يوسف آية 24 (همت به وهم بها)
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=5572
{ وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم }..
إنها امرأة أحبت. امرأة تكبر الرجل الذي تعلقت به في جاهليتها وإسلامها، فهي لا تملك إلا أن تظل معلقة بكلمة منه، أو خاطرة ارتياح تحس أنها صدرت عنه!
وهكذا يتجلى العنصر الإنساني في القصة، التي لم تسق لمجرد الفن، إنما سيقت للعبرة والعظة. وسيقت لتعالج قضية العقيدة والدعوة. ويرسم التعبير الفني فيها خفقات المشاعر وانتفاضات الوجدان رسماً رشيقاً رفيقاً شفيفاً. في واقعة كاملة تتناسق فيها جميع المؤثرات وجميع الواقعيات في مثل هذه النفوس، في ظل بيئتها ومؤثرات هذه البيئة كذلك.
فهذا الكلام من بقية كلام المرأة ففيه وجهان:
الأول: وما أبرىء نفسي عن مراودته ومقصودها تصديق يوسف عليه السلام في قوله: { هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى }
الثاني: أنها لما قالت:
{ ذ?لِكَ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }[يوسف: 52]
قالت وما أبرىء نفسي عن الخيانة مطلقاً فإني قد خنته حين قد أحلت الذنب عليه وقلت:
{ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[يوسف: 25]
وأودعته السجن كأنها أرادت الاعتذار مما كان.
فإن قيل جعل هذا الكلام كلاماً ليوسف أولى أم جعله كلاماً للمرأة؟
قلنا: جعله كلاماً ليوسف مشكل، لأن قوله:
{ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ }[يوسف: 51]
كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره
النفس الإمارة بالسوء ما هي؟ :
والمحققون قالوا إن النفس الإنسانية شيء واحد، ولها صفات كثيرة فإذا مالت إلى العالم الإلهي كانت نفساً مطمئنة، وإذا مالت إلى الشهوة والغضب كانت أمارة بالسوء، وكونها أمارة بالسوء يفيد المبالغة والسبب فيه أن النفس من أول حدوثها قد ألفت المحسوسات والتذت بها وعشقتها، فأما شعورها بعالم المجردات وميلها إليه، فذلك لا يحصل إلا نادراً في حق الواحد، فالواحد وذلك الواحد فإنما يحصل له ذلك التجرد والانكشاف طول عمره في الأوقات النادرة فلما كان الغالب هو انجذابها إلى العالم الجسداني وكان ميلها إلى الصعود إلى العالم الأعلى نادراً لا جرم حكم عليها بكونها أمارة بالسوء، ومن الناس من زعم أن النفس المطمئنة هي النفس العقلية النطقية، وأما النفس الشهوانية والغضبية فهما مغايرتان للنفس العقلية، والكلام في تحقيق الحق في هذا الباب مذكور في المعقولات.
المسألة الرابعة: تمسك أصحابنا في أن الطاعة والإيمان لا يحصلان إلا من الله بقوله: { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى } قالوا دلت الآية على أن انصراف النفس من الشر لا يكون إلا برحمته؛ ولفظ الآية مشعر بأنه متى حصلت تلك الرحمة حصل ذلك الانصراف. فنقول: لا يمكن تفسير هذه الرحمة بإعطاء العقل والقدرة والألطاف كما قاله القاضي لأن كل ذلك مشترك بين الكافر والمؤمن فوجب تفسيرها بشيء آخر، وهو ترجيح داعية الطاعة على داعية المعصية وقد أثبتنا ذلك أيضاً بالبرهان القاطع وحينئذ يحصل منه المطلوب.
وإلى هنا تنتهي محنة السجن ومحنة الاتهام، وتسير الحياة بيوسف رخاء، الاختبار فيه بالنعمة لا بالشدة. وإلى هنا نقف في هذا الجزء من الظلال، وتتابع القصة سيرها في الجزء التالي إن شاء الله
================
قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم
طلب يوسف الرئاسة:
قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم (آية 55).
ونقول:
(1) ورد في الحديث قول محمد: يرحم الله أخي يوسف، لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخّر ذلك سنة . (القرطبي في تفسير الآية).
(2) مدح يوسف نفسه مع أن القرآن يقول: فلا تزكّوا أنفسكم (النجم 53: 33).
(3) والصواب هو ما ذُكر في التوراة (التكوين 41: 37 45). فإنه لما فسّر يوسف الحلم لفرعون، حسُن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟ ثم قال فرعون ليوسف: بعد ما أعلمك الله كل هذا، ليس بصيرٌ وحكيمٌ مثلك . وجعله على كل أرض مصر، وفوّض له الأمر
الرد
أولاً : لا توجد توراة بل ثلاث نسخ مختلفة لم نصل إلى النسخة الحقيقية .
1) النسخة اليونانية ..... 2) النسخة العبرانية....... 3) النسخة السامرية
حكى الحق تبارك وتعالى أن يوسف عليه السلام قال في هذا المقام { اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاْرْضِ إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ } وفيه مسائل:(7/153)
المسألة الأولى: قال المفسرون: لما عبر يوسف عليه السلام رؤيا الملك بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصديق قال: أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعاً كثيراً وتبني الخزائن وتجمع فيها الطعام فإذا جاءت السنون المجدبة بعنا الغلات فيحصل بهذا الطريق مال عظيم فقال الملك ومن لي بهذا الشغل فقال يوسف: { اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاْرْضِ } أي على خزائن أرض مصر وأدخل الألف واللام على الأرض، والمراد منه المعهود السابق.
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أنه قال: " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لأستعمله من ساعته لكنه لما قال ذلك أخره عنه سنة " وأقول هذا من العجائب لأنه لما تأبى عن الخروج من السجن سهل الله عليه ذلك على أحسن الوجوه ولما تسارع في ذكر الالتماس أخر الله تعالى ذلك المطلوب عنه وهذا يدل على أن ترك التصرف والتفويض بالكلية إلى الله تعالى أولى.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: لم طلب يوسف الإمارة والنبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الرحمن بن سمرة: «لا تسأل الإمارة» وأيضاً فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر، وأيضاً لم لم يصبر مدة ولم أظهر الرغبة في طلب الأمارة في الحالة، وأيضاً لم طلب أمر الخزائن في أول الأمر، مع أن هذا يورث نوع تهمة وأيضاً كيف جوز من نفسه مدح نفسه بقوله: { إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ } مع أنه تعالى يقول:
{ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ }
[النجم: 32]
وأيضاً فما الفائدة في قوله: { إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ } وأيضاً لم ترك الاستثناء في هذا فإن الأحسن أن يقول: إني حفيظ عليم إن شاء الله بدليل قوله تعالى:
{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذ?لِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ }[الكهف: 23، 24]
فهذه أسئلة سبعة لا بد من جوابها فنقول:
الأصل في جواب هذه المسائل أن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه، فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان، إنما قلنا: إن ذلك التصرف كان واجباً عليه لوجوه:
الأول: أنه كان رسولاً حقاً من الله تعالى إلى الخلق، والرسول يجب عليه رعاية مصالح الأمة بقدر الإمكان
والثاني: وهو أنه عليه السلام علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد الذي ربما أفضى إلى هلاك الخلق العظيم، فلعله تعالى أمره بأن يدبر في ذلك ويأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلك القحط في حق الخلق
والثالث: أن السعي في إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم أمر مستحسن في العقول.
وإذا ثبت هذا فنقول: إنه عليه السلام كان مكلفاً برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه، وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فكان هذا الطريق واجباً عليه ولما كان واجباً سقطت الأسئلة بالكلية، وأما ترك الاستثناء فقال الواحدي: كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة وهي أنه تعالى أخر عنه حصول ذلك المقصود سنة، وأقول: لعل السبب فيه أنه لو ذكر هذا الاستثناء لاعتقد فيه الملك أنه إنما ذكره لعلمه بأنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء
وأما قوله لم مدح نفسه فجوابه :
لا نسلم أنه مدح نفسه لكنه بين كونه موصوفاً بهاتين الصفتين النافعتين في حصول هذا المطلوب، وبين البابين فرق وكأنه قد غلب على ظنه أنه يحتاج إلى ذكر هذا الوصف لأن الملك وإن علم كماله في علوم الدين لكنه ما كان عالماً بأنه يفي بهذا الأمر، ثم نقول هب أنه مدح نفسه إلا أن مدح النفس إنما يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل، فأما على غير هذا الوجه فلا نسلم أنه محرم فقوله تعالى
{ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ }[النجم: 32]
المراد منه تزكية النفس حال مايعلم كونها غير متزكية، والدليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } أما إذا كان الإنسان عالماً بأنه صدق وحق فهذا غير ممنوع منه والله أعلم.
قوله ما الفائدة في وصفه نفسه بأنه حفيظ عليم؟
قلنا: إنه جار مجرى أن يقول حفيظ بجميع الوجوه التي منها يمكن تحصيل الدخل والمال، عليم بالجهات التي تصلح لأن يصرف المال إليها، ويقال: حفيظ بجميع مصالح الناس، عليم بجهات حاجاتهم أو يقال: حفيظ لوجوه أياديك وكرمك، عليم بوجوب مقابلتها بالطاعة والخضوع
===============
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له مُنْكِرون،
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له مُنْكِرون، ولما جهّزهم بجهازهم قال: ائْتوني بأخٍ لكم من أبيكم. ألا ترَوْن إني أوفي الكَيْل وأنا خير المُنْزِلِين؟ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربونِ (آيات 58 60).
قال فخر الدين الرازي: هذا الكلام يضعف قول المفسرين إنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس، لأن مَن يتهمهم بأنهم جواسيس لا يليق به أن يقول لهم: ألا ترون إني أوفي الكيل وأنا خير المنزِلين (الرازي في تفسير هذه الآيات).
وهنا نرى:(7/154)
(1) قال يوسف: ائتوني بأخٍ لكم، بدون استفهامٍ منهم.
(2) قوله: إني أوفي الكيل . والحق هو ما ورد في تكوين 42 أنه لما اشتد الجوع في كنعان وعرف يعقوب بوجود قمحٍ في مصر، أرسل أولاده ليشتروا قمحاً، فأتوا إلى يوسف وخرّوا له ساجدين. فتنكّر يوسف وقال لهم: أتيتم لتتجسَّسوا الأرض . وكانت غايته من ذلك أن يستدلّ منهم عما إذا كان أبوه وأخوه على قيد الحياة أم لا. فأجابوه: إننا اثنا عشر رجلاً بنو رجل واحد، والصغير عند أبينا اليوم، وواحد مفقود . فقال لهم: لا أصدّق كلامكم ما لم تأتوا بأخيكم، وإلا فأنتم جواسيس . وحبسهم ثلاثة أيام، ثم حجز شمعون إلى أن يأتوا بأخيهم، فتذكّروا يوسف وضيقة نفسه، وظنّوا أن يوسف لم يفهم كلامهم، فتحوَّل عنهم وبكى، وأمر أن تُملأ أوعيتهم قمحاً وتُردّ الفضة، وأن يُعطوا زاداً للطريق لأنه كلّفهم بمأمورية. فلا يتصوّر أحد إنهم يذهبون إلى أبيهم ويطلبون منه أن يُرسل أخاهم بنيامين بدون سبب. ولكن التوراة ذكرت سبب ذلك، وهو رغبتهم في تبرئة أنفسهم مما نُسب إليهم أنهم جواسيس، وشرعوا في إقامة البرهان على صدق كلامهم بإحضار أخيهم. ومن الأسباب الموجِبة لإحضار أخيهم بنيامين حجز يوسف لأخيهم شمعون. ولا يُفهَم من عبارة القرآن شيءٌ من ذلكفهي مقتضبة وموجزة
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
إذن هي كُتب فاسدة ليس لها أصل .
قول الرازي :
اعلم أنه لما عم القحط في البلاد، ووصل أيضاً إلى البلدة التي كان يسكنها يعقوب عليه السلام وصعب الزمان عليهم فقال لبنيه إن بمصر رجلاً صالحاً يمير الناس فاذهبوا إليه بدراهمكم وخذوا الطعام فخرجوا إليه وهم عشرة ودخلوا على يوسف عليه السلام وصارت هذه الواقعة كالسبب في اجتماع يوسف عليه السلام مع إخوته وظهور صدق ما أخبر الله تعالى عنه في قوله ليوسف عليه السلام حال ما ألقوه في الجب
{ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـ?ذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }[يوسف: 15]
وأخبر تعالى أن يوسف عرفهم وهم ما عرفوه ألبتة، أما أنه عرفهم فلأنه تعالى كان قد أخبره في قوله: { لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ } بأنهم يصلون إليه ويدخلون عليه، وأيضاً الرؤيا التي رآها كانت دليلاً على أنهم يصلون إليه، فلهذا السبب كان يوسف عليه السلام مترصداً لذلك الأمر، وكان كل من وصل إلى بابه من البلاد البعيدة يتفحص عنهم ويتعرف أحوالهم ليعرف أن هؤلاء الواصلين هل هم إخوته أم لا فلما وصل إخوة يوسف إلى باب داره تفحص عن أحوالهم تفحصاً ظهر له أنهم إخوته، وأما أنهم ما عرفوه فلوجوه:
الأول: أنه عليه السلام أمر حجابه بأن يوقفوهم من البعد وما كان يتكلم معهم إلا بالواسطة ومتى كان الأمر كذلك لا جرم أنهم لم يعرفوه لا سيما مهابة الملك وشدة الحاجة يوجبان كثرة الخوف، وكل ذلك مما يمنع من التأمل التام الذي عنده يحصل العرفان.
والثاني: هو أنهم حين ألقوه في الجب كان صغيراً. ثم إنهم رأوه بعد وفور اللحية، وتغير الزي والهيئة فإنهم رأوه جالساً على سريره، وعليه ثياب الحرير، وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج من ذهب، والقوم أيضاً نسوا واقعة يوسف عليه السلام لطول المدة. فيقال: إن من وقت ما ألقوه في الجب إلى هذا الوقت كان قد مضى أربعون سنة، وكل واحد من هذه الأسباب يمنع من حصول المعرفة، لا سيما عند اجتماعها
والثالث: أن حصول العرفان والتذكير بخلق الله تعالى، فلعله تعالى ما خلق ذلك العرفان والتذكير في قلوبهم تحقيقاً لما أخبره عنه بقوله: { لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وكان ذلك من معجزات يوسف عليه السلام.(7/155)
ثم قال تعالى: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } قال الليث: جهزت القوم تجهيزاً إذا تكلفت لهم جهازهم للسفر، وكذلك جهاز العروس والميت وهو ما يحتاج إليه في وجهه. قال: وسمعت أهل البصرة يقولون: الجهاز بالكسر. قال الأزهري: القراء كلهم على فتح الجيم، والكسر لغة ليست بجيدة، قال المفسرون: حمل لكل رجل منهم بعيراً وأكرمهم أيضاً بالنزول وأعطاهم ما احتاجوا إليه في السفر، فذلك قوله: { جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } ثم بين تعالى أنه لما جهزهم بجهازهم قال: { ائْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ }.
واعلم أنه لا بد من كلام سابق حتى يصير ذلك الكلام سبباً لسؤال يوسف عن حال أخيهم، وذكروا فيه وجوهاً:
الوجه الأول: وهو أحسنها إن عادة يوسف عليه السلام مع الكل أن يعطيه حمل بعير لا أزيد عليه ولا أنقص، وإخوة يوسف الذين ذهبوا إليه كانوا عشرة، فأعطاهم عشرة أحمال، فقالوا: إن لنا أباً شيخاً كبيراً وأخاً آخر بقي معه، وذكروا أن أباهم لأجل سنه وشدة حزنه لم يحضر، وأن أخاهم بقي في خدمة أبيه ولا بد لهما أيضاً من شيء من الطعام فجهز لهما أيضاً بعيرين آخرين من الطعام فلما ذكروا ذلك قال يوسف فهذا يدل على أن أحب أبيكم له أزيد من حبه لكم، وهذا شيء عجيب لأنكم مع جمالكم وعقلكم وأدبكم إذا كانت محبة أبيكم لذلك الأخ أكثر من محبته لكم دل هذا على أن ذلك أعجوبة في العقل، وفي الفضل والأدب فجيئوني به حتى أراه فهذا السبب محتمل مناسب.
والوجه الثاني: أنهم لما دخلوا عليه، عليه السلام وأعطاهم الطعام قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن قوم رعاة من أهل الشام أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال: لعلكم جئتم عيوناً فقالوا معاذ الله نحن إخوة بنو أب واحد شيخ صديق نبي اسمه يعقوب قال: كم أنتم قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحد وبقي واحد مع الأب يتسلى به عن ذلك الذي هلك، ونحن عشرة وقد جئناك قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخ لكم من أبيكم ليبلغ إلي رسالة أبيكم فعند هذا أقرعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون، وكان أحسنهم رأيا في يوسف فخلفوه عنده.
والوجه الثالث: لعلهم لما ذكروا أباهم قال يوسف: فلم تركتموه وحيداً فريداً؟ قالوا: ما تركناه وحيداً، بل بقي عنده واحد. فقال لهم: لم استخلصه لنفسه ولم خصه بهذا المعنى لأجل نقص في جسده؟ فقالوا: لا. بل لأجل أنه يحبه أكثر من محبته لسائر الأولاد فعند هذا قال يوسف لما ذكرتم أن أباكم رجل عالم حكيم بعيد عن المجازفة، ثم إنه خصه بمزيد المحبة وجب أن يكون زائداً عليكم في الفضل، وصفات الكمال مع أني أراكم فضلاء علماء حكماء فاشتاقت نفسي إلى رؤية ذلك الأخ فائتوني به، والسبب الثاني: ذكره المفسرون، والأول والثالث محتمل والله أعلم.
ثم إنه تعالى حكى عنه أنه قال: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ } أي أتمه ولا أبخسه، وأزيدكم حمل بعير آخر لأجل أخيكم، وأنا خير المنزلين، أي خير المضيفين لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم. وأقول: هذا الكلام يضعف الوجه الثاني وهو الذي نقلناه عن المفسرين، لأن مدار ذلك الوجه على أنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس، ولو شافههم بذلك الكلام فلا يليق به أن يقوم لهم: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } وأيضاً يبعد من يوسف عليه السلام مع كونه صديقاً أن يقول لهم أنتم جواسيس وعيون، مع أنه يعرف براءتهم عن هذه التهمة، لأن البهتان لا يليق بحال الصديق.
ثم قال: { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ }.
واعلم أنه عليه السلام لما طلب منهم إحضار ذلك الأخ جمع بين الترغيب والترهيب. أما الترغيب: فهو قوله: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } وأما الترهيب: فهو قوله: { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ } وذلك لأنهم كانوا في نهاية الحاجة إلى تحصيل الطعام، وما كان يمكنهم تحصيله إلا من عنده، فإذا منعهم من الحضور عنده كان ذلك نهاية الترهيب والتخويف، ثم إنهم لما سمعوا هذا الكلام من يوسف قالوا: { سَنُر?وِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } أي سنجتهد ونحتال على أن ننزعه من يده، وإنا لفاعلون هذه المراودة، والغرض من التكرير التأكيد، ويحتمل أن يكون { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } أن نجيئك به، ويحتمل { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } كل ما في وسعنا من هذا الباب
================
إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً
لما قالت اليهود لمشركي مكة: سَلُوا محمداً عن أمر يعقوب وقصة يوسف،وكانت عند اليهود بالعبرانية، نزلت هذه السورة فيها قصة يوسف بالعربية لتفهمها العرب ويعرفوا معانيها. فقوله قرآناً من إطلاق الكل على الجزء. فالمسلمون يعترفون أن قصة يوسف مذكورة باللغة العبرية في الأصل، وأن القرآن ذكرها باللغة العربية ليفهمها العرب (الرازي في تفسير يوسف 12: 2).(7/156)
ولكن نقول إنها كانت مترجمة إلى العربية قبل ظهور محمد بأجيال عديدة، وقد تصرّف محمد في هذه القصة تارة بالزيادة وأخرى بالحذف، فذكر في عدد (4) أن يوسف رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، وهذه العبارة مثل العبارة الواردة في تكوين 37: 9 11. لكنه حذف الحُلم المذكور قبل هذا فقال لإخوته إنهم كانوا حازمين حُزماً في الحقل: وإذا حزمتى قامت وانتصبت، فاحتاطت حُزمكم وسجدت لحزمتي فترك القرآن هذا ولم يذكر سوى الحلم الثاني.
الرد
هذه الشبهه افضل رد عليها هو الاتي
يقول السير وليم جونس بموقع بيت الله المسيحي :
المسيحية لا تؤمن بكتاب هبط علينا من السماء بكلماته وحروفه، بل نحن نؤمن بالوحي. ولقد أعطى الله الوحي بالنسبة لأسفار العهد القديم باللغة العبرانية، وأجزاء قليلة منه بالأرامية، وأما العهد الجديد فأعطاه الرب باللغة اليونانية.
ان أول وأهم ترجمة للكتاب المقدس تمت قبل الميلاد، عندما استقدم حاكم مصر بطليموس فيلادلفوس عام 282 ق.م. إلي الإسكندرية 72 عالماً من علماء اليهود ليترجموا العهد القديم إلي اليونانية. وهذه هي الترجمة التي عُرِفت فيما بعد بالترجمة السبعينية (نسبة لعدد مترجميها).
أما فى الحقبة الحاضرة (بعد الميلاد) فتوالت ترجمات الكتاب المقدس بعهديه. فنحو عام 150م تُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة السريانية لخدمة المؤمنين في أنطاكية ونواحيها ، ويوجد حالياً خمس ترجمات سريانية مختلفة متوفرة بين أيدي الباحثين، (أشهرها الترجمة البشيتا) أي البسيطة، وسميت كذلك لبساطتها ووضوحها.
وكذلك ظهر نحو ذلك الزمان أيضا ترجمة الكتاب إلى اللاتينية.ولقد سميت تلك الترجمة بالترجمة القديمة، إلى أن عهد للعالم الكتابي الفذ القديس إيرونيموس (أو جيروم) أن يقوم بمراجعة وتنقيح الترجمة القديمة، فظهرت ترجمته هذه عام 383 م. ولقد عُرِفت هذه الترجمة باسم الفولجاتا
وفي بداية القرن الثالث نهض العلامة القبطي بانتينوس بترجمة الكتاب المقدس بعهديه إلى اللغة القبطية*. وبعد ذلك الزمان بفترة وجيزة قام آخرون بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الحبشية وإلى اللغة الأرمينية وكذلك اللغة الفارسية.
في أواخر القرن الثامن ظهرت أول ترجمة عربية. ونحو سنة 1380 ظهرت ترجمة أسبانية وأخرى إنجليزية. ونحو عام 1460 ظهرت ترجمة نمساوية. وفي عام 1477 كانت هناك ترجمتان للكتاب المقدس بالفرنسية. ولما ظهرت ترجمة لوثر للكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية في عام 1522 كان هناك وقتها ما لا يقل عن 14 ترجمة مختلفة للكتاب المقدس بالألماني الفصيح، بالإضافة إلى 4 ترجمات باللهجات القومية. وهي كلها ترجمات كاملة للكتاب المقدس.
توالت منذ ذلك الزمان الترجمات. فبلغت عام 1800 إلى 72 ترجمة، ثم عام 1900 بلغت 567، وفي عام 1965 بلغت 1250. وفي نبذة أصدرتها مؤخراً دار الكتاب المقدس في مصر، ذكرت أن الكتاب المقدس اليوم تُرجِم كله أو أحد أجزائه إلى 1946 لغة ولهجة
كلمة عن الكتاب المقدس في اللغة العربية
إن أول ترجمة للكتاب المقدس إلى اللغة العربية ظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي( أي بعد ظهور الإسلام بمائة عام ) ، عندما قام يوحنا أسقف أشبيلية في أسبانيا بترجمة الكتاب إلى العربية نقلاً عن ترجمة إيرونيموس اللاتينية. وكانت ترجمته محدودة فلم تشمل كل الكتاب، كما لم يكن لها الانتشار الكافي.
ثم في أواخر القرن التاسع قام رجل يهودي يدعى سعيد بن يوسف الفيومي بترجمة العهد القديم فقط إلى العربية.
وبعد ذلك توالت ترجمات أخرى من أشخاص كثيرين لأجزاء متفرقة من الكتاب المقدس. على أن هذه الترجمات لم تفِ بالحاجة تماماً، إذ كان معظم المترجمين يعتمدون على ترجمات أخرى أقدم؛ كالسريانية والقبطية، وليس على الأصل العبري واليوناني، فنتج عن ذلك ترجمات مشوهة ومشحونة بالأخطاء. مما دفع أحد علماء الكنيسة القبطية، يدعى هبة الله بن العسال من الإسكندرية، بمراجعة إحدى الترجمات وضبطها وتصويبها(وليس كل الترجمات ) ، وكان ذلك عام 1252م.
وتبعه آخرون حذوا حذوه فأجروا تنقيحاً بسيطاً في إحدى الترجمات، أُطلِق عليها الفولجاتا السكندرية (لتمييزها عن الفولجاتا اللاتينية). التي اعتُبرت ترجمة قانونية ورسمية لعدة أجيال. ولا زالت هذه الترجمة مستخدمة في القراءات الكنسية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى يومنا هذا (رغم الترجمات المشوهة والمشحونة بالأخطاء)(7/157)
وفى عام 1620 شرع سركيس الرزى مطران دمشق مع نفر من العلماء بالقيام بترجمة دقيقة، مستعيناً بنسخة حصل عليها من البابا إربان الخامس بروما. وبعد عمل 46 سنة ، أي نحو عام 1666 أنجزوا العمل وطُبع الكتاب في روما وظهر إلى الوجود أول نسخة لكل الكتاب المقدس باللغة العربية ليس منقولاً عن ترجمات أخرى. لكن هذه الترجمة أيضاً لم تأت وفق ما كان يرجى منها، إذ أن ضعف الترجمة أفقد التعاليم الدقيقة قوتها، وجعل بعض عباراتها غير مفهومة، بالإضافة إلى ما كان بها من أخطاء لغوية.
الترجمة العربية الحالية (ترجمة سميث - فاندايك)
الدكتور عالي سميث: الذي ولد بأمريكا سنة 1801 وعام 1847 تمكن هو ومعاونوه - على رأسهم بطرس البستاني، الذي كان ضليعاً فى اللغة العربية ومتمكناً من العبرية، وكذلك الشيخ نصيف اليازجي النحوي القدير الذي انتُدب لتصحيح وضبط اللغة - بعد مجهود من ترجمة أسفار موسى الخمسة، ثم العهد الجديد كله، ثم بعض النبوات. وشرع بالفعل في طبع سفري التكوين والخروج وستة عشر أصحاحاً من إنجيل متى، لكنه مات عام 1854 قبل اكتمال العمل.
فَشترك بُطْرُس البُسْتَاني و كرنيليوس فاندايك في ترجمة باقي الكتاب المقدس بعد مراجعة ما جاء عن سميث ، وانتهى من الترجمة والطبع يوم 29 مارس 1865. ومما يذكر أن الدكتور فاندايك لم يعتبر قط أن ترجمته نهائية، بل ظل ينقح ويصحح في كل طبعة جديدة حتى مات في 13 نوفمبر 1895 تاركاً وراءه ذخراً لا يُقدَّر « وبه وإن مات يتكلم بعد ».
الترجمة اليسوعية
قام بعض الرهبان اليسوعيين في بيروت، بمعاونة الشيخ إبراهيم اليازجي بن الشيخ نصيف اليازجي ، سنة 1881 بترجمة عربية أخرى. وهى ترجمة جميلة ودقيقة عدا استثناءات معدودة. تتميز عن غيرها بحلاوة الأسلوب وفصاحة اللفظ، لكن على حساب عدم التقيد بحرفية النص الأصلي في بعض الأحيان.
الترجمات الحديثة
وقد بدأت في السنوات الأخيرة عدة محاولات لإعادة ترجمة الكتاب المقدس، وكذلك تنقيح الترجمة المستعملة حالياً. ولقد ظهرت بالفعل بعض هذه الترجمات، سنذكر بعد قليل جانباً منها.
وعلى الرغم أن هناك من حفظ مقاطع كبيرة من الكتاب المقدس والآن لم يستوعب التحديث بحذف هذه المقاطع ... فمع ذلك فعلينا أن نستوعب هذه الحقيقة وهي أن اللغة متطورة باستمرار. فنحن عندما نقرأ الصحف الصادرة من مائة عام نحس أننا غرباء عن هذه اللغة. قال كليف لويس "لا يوجد شئ اسمه ترجمة كتاب من لغة إلى أخرى مرة وإلى الأبد، فاللغة شئ متغير. إذا أردت أن تشترى ثوباً لابنك فليس من المعقول أن تشترى له الثياب مرة وإلى الأبد، فهو سينمو ويكبر عليها، وهى ستتهرأ عليه"
خذ على سبيل المثال كلمة من الأصحاح الأول في الكتاب المقدس « وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها؛ بهائم ودبابات... فعمل الله وحوش الأرض ... وجميع دبابات الأرض كأجناسها » (تك1: 24، 25). إن القارئ العادي عندما يقرأ عن الدبابات قد يذهب فكرة إلى آلة الحرب المعروفة بهذا الاسم، مع أن هذه طبعاً ليست هي المقصودة، بل المقصود هو ما يدُب على الأرض. ولذلك اضطرت الترجمة التفسيرية لإزالة هذا الالتباس أن تترجمها زواحف.
أو مثل آخر : « إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين » (مت12: 36) إن عبارة كلمة بطالة في مفهوم القارئ العادي هي الكلمة الرديئة، مع أن معناها هنا الكلمة العاطلة أو التي لا لزوم لها.
لا احد يقدر أن يعترض أبداً على معاودة البحث في الأصول للوصول إلى لفظ أدق أو كلمة تعطى المعنى الأقرب للأصل، وكذلك لاستبدال الكلمات العسرة الفهم، أو التي بَطُل استعمالها في اللغة بكلمات أكثر تداولاً بشرط أن تعطى المعنى الأصلي تماماً.
ومن أشهر تلك الترجمات الحديثة:
الترجمة التفسيرية (كتاب الحياة): تهدف هذه الترجمة لتبسيط المعنى وإيضاحه. وقد صدر العهد الجديد عام 1982، ثم صدر الكتاب المقدس كاملاً عام 1988. وهي ترجمة جيدة إلى حد كبير.
الترجمة اليسوعية الحديثة: صدرت الطبعة الأولى للعهد الجديد عام 1969، تلتها عدة طبعات وحاول الآباء اليسوعيون فى كل طبعة إدخال بعض التحسينات مثل تبسيط العبارة وإضفاء الروح المسكونية على الترجمة.(7/158)
الترجمة الحديثة يقوم بنشرها اتحاد جمعيات الكتاب المقدس ببيروت، والتي صدرت طبعتها الأولى عام 1978. وهذه الترجمة بالأسف جاملت البشر على حساب الحق الإلهي. فمثلاً متى 16: 18 ترد فى الترجمة العصرية هكذا «وأنا أقول لك أنت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي» مما يفهم منه القارئ العادي أن الكنيسة بنيت على بطرس. والحقيقة أن الروح القدس استخدم في الأصل اليوناني كلمتين مختلفتين الأولى هى « بترس »، وترجمتها حجر أو قطعة من الصخر، أما االثانية فإنها « بترا » وترجمتها صخرة. فليس على بطرس بُنيت الكنيسة بل على المسيح ابن الله الحي، الإعلان الذي أعلنه الآب ونطق به بطرس. ويستطيع القارئ الفطن أن يفهم لماذا تجاهل المترجمون هذا الفارق بين الكلمتين؛ فهذه أحد أمثلة مجاملة البشر على حساب الحق.
ــ وبالمثل في 1بطرس 3: 18،19 « مات في الجسد، ولكن الله أحياه في الروح. فانطلق بهذا الروح يبشر الأرواح السجينة التي تمردت فيما مضى » حرف الفاء هنا زيد ويفسد المعنى إذ يُفهم منه أن ذهاب المسيح ليبشر الأرواح السجينة كان بعد موته، مع أن النص اليوناني يُفهم منه - ما يتمشى مع باقي أجزاء الوحي - أن المسيح كرز إليهم بالروح القدس بواسطة نوح قديماً.
ــ أيضاً في يوحنا 5: 28،29 « ستجيء ساعة يسمع فيها صوته جميع الذين في القبور، فيخرج منها الذين عملوا الصالحات ويقومون إلى الحياة، والذين عملوا السيئات يقومون إلى الدينونة » والنص بهذه الصورة يدعم تعليم القيامة العامة، وهو تعليم غير صحيح. لأنه واضح من كلمة الله أن هناك « قيامة أولى » للمؤمنين تسبق قيامة باقي الناس بألف سنه (رؤ 20: 5، 6)، ولذلك سُميت القيامة الأولى « قيامة من الأموات » (لو 20: 35، في 3: 11). ويرد النص في اليوناني كما في ترجمة فاندايك « يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة ». فهناك قيامتان لا قيامة واحدة.
ــ أما الطامة الكبرى في هذه الترجمة، فهي محاولتهم النيل من لاهوت المسيح، وهو كما يعرف القارئ أقدس مقدسات المسيحية، كما أنه هدف أساسي لهجمات الشيطان. ففي أمثال 8: 22 ترد العبارة « الرب خلقني أول ما خلق » ثم في الهامش تقول الترجمة: عبارة خلقني تعنى أيضاً اقتناني، وعبارة أول ما خلق تعنى أيضا أول طريقه. فإن كانت الكلمة العبرية تحتمل المعنيين- كما ذكروا هم في الحاشية - فلأي غرض يا ترى وضعت هذه العبارات في المتن؟ والأسوأ من ذلك أنه في فاتحة إنجيل يوحنا عند حديث الروح القدس عن لاهوت المسيح ترد حاشية تحوله إلى أمثال 8: 22 التي فيها هذا التجديف الصريح.
==============
قالوا: يا أبانا مالك لا تأمَنَّا على يوسف وإنّا له لناصحون
قالوا: يا أبانا مالك لا تأمَنَّا على يوسف وإنّا له لناصحون. أرسِلْهُ معنا غداً يرتعْ ويلعبْ وإنّا له لحافظون. قال: إني ليَحْزُنُني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون (آيات 11 13).
لم يطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم للّعب، ولا كان هو متردداً مخافة أن يأكله الذئب. فالحقيقة هي في تكوين 37: 12 42 أن إخوة يوسف توجّهوا إلى شكيم لرعي مواشيهم، فغابوا مدة. فطلب أبوهم مِن يوسف أن يذهب ليرى سلامة إخوته وسلامة الغنم. فتوجّه فلم يهتدِ إليهم، فاستفهم عنهم وعرف أنهم في دوثان، فتوجَّه إليهم. فلما أبصروه من بعيدٍ عزموا على قتله بأن يطرحوه في أحد الآبار، ويقولوا إن وحشاً رديئاً أكله. فأنقذه رأوبين من أيديهم، وقال: لا تسفكوا دماً. اطرحوه في هذه البئر (وكانت فارغة ليس فيها ماء) لينقذه ثم يردّه إلى أبيه. فلما وصل يوسف إليهم نزعوا قميصه الملون وطرحوه في البئر.
وقال القرآن إن أولاد يعقوب لعنوا أباهم لأنه كان يحب يوسف أكثر منهم، وقالوا: إن أبانا لفي ضلال مبين (يوسف 8).
وقد أورد الرازي شبهة قوية في هذه المسألة، لم يستطع الإجابة عليها، فقال:
(1) إن كان أولاد يعقوب مُقرِّين بكونه رسولاً، فكيف اعترضوا عليه وزيّفوا طريقته؟ وإن كانوا مكذِّبين لنبوته، فهذا يوجب كفرهم. وقال في الإجابة إنهم كانوا مؤمنين بنبوَّة أبيهم، إلا أنهم جوَّزوا منه الخطأ.
(2) إنهم نسبوا إلى أبيهم الضلال المبين وذلك مبالغة في الذمّ والطعن، مما يستوجب الكفر. وكان جواب الرازي: المراد الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا (الرازي في تفسير يوسف 12: 11 13).
لقد قال القرآن عن إخوة يوسف ما لم يقولوه، ولذا وقع مفسروه في هذا المأزق! ثم كيف تتَّفق أفعالهم تلك مع كونهم أنبياء كما يقول القرآن: وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ (النساء 4: 163).
ويقول القرآن إنهم لما رأوا أباهم يحب يوسف، اتفقوا على قتله وإلقائه في غيابة الجب ليلتقطه بعض السيارة. والحقيقة أنهم تداولوا بعد أن أرسل إسرائيل يوسف إلى إخوته. فهذه خمس أخطاء:
إنهم لم يلعنوا أباهم.(7/159)
لم يتفقوا في قتله إلا بعد إرساله إليهم.
لم يطلبوا من أبيهم أن يرسله معهم، بل أبوهم هو الذي أرسله إليهم من تلقاء ذاته.
لم يذكر أبوهم شيئاً عن ذئب.
لم يظن يعقوب السوء في أولاده كما قال: بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً (آية 18). فإنه صدّق كلامهم وبكى على ابنه.
(6) نسب القرآن إلى إخوة يوسف الذين يصفهم بالنبوّة عدة أخطاء، منها أنهم سبّوا أباهم وضربوا أخاهم (الطبري في تفسير يوسف
الرد
ساعة نجدهم في احدى الشبهات يدعوا ان القرآن نسخ من الكتاب المقدس !، وساعة أخرى نجدهم يدعون ان ما جاء بالقرآن لم يذكره الكتاب المقدس !
وقد ذكرنا من قبل أننا لا نتبع ما جاء بالكتاب المقدس لأسباب كثيرة ومتفرقة .... فلو اتبعنا سفر تكوين وغيره لوجب علينا الأعتراف بأن السيد المسيح عليه السلام من سلالة زنا .
إذن ما جاء بالقرآن لا يُقارن بكلام مجانين .
مرقص
3: 21 و لما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا انه مختل
0000000
السؤال : أنهم نسبوا أباهم إلى الضلال المبين، وذلك مبالغة في الذم والطعن، ومن بالغ في الطعن في الرسول كفر، لا سيما إذا كان الطاعن ولداً فإن حق الأبوة يوجب مزيد التعظيم.
والجواب: المراد منه الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا لا البعد عن طريق الرشد والصواب.
00000000000000000
مُدعي الشبهة يقول : وقد أورد الرازي شبهة قوية في هذه المسألة، لم يستطع الإجابة عليها.... علماً بأنه ذكر الإجابة على النقطة الأولى والثانية .
00000000000000000
مًدعي الشبهة يقول : لقد قال القرآن عن إخوة يوسف ما لم يقولوه، ولذا وقع مفسروه في هذا المأزق! ثم كيف تتَّفق أفعالهم تلك مع كونهم أنبياء كما يقول القرآن: وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ (النساء 4: 163).
ولكنه تناسى أن أولاد سيدنا يعقوب قالوا له :
سورة يوسف 97،98
قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ـ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
لقد كان في قصة يوسف وإخوته آيات وأمارات على حقائق كثيرة لمن ينقلب عن الآيات ويسأل ويهتم. وهذا الافتتاح كفيل بتحريك الانتباه والاهتمام. لذلك نشبهه بحركة رفع الستار عما يدور وراءه من أحداث وحركات. فنحن نرى وراءه مباشرة مشهد إخوة يوسف يدبرون ليوسف ما يدبرون.
ترى حدثهم يوسف عن رؤياه كما يقول كتاب " العهد القديم "؟ إن السياق هنا يفيد أن لا. فهم يتحدثون عن إيثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم. أخيه الشقيق. ولو كانوا قد علموا برؤياه لجاء ذكرها على ألسنتهم، ولكانت أدعى إلى تلهج ألسنتهم بالحقد عليه. فما خافه يعقوب لو قص رؤياه على إخوته قد تم عن طريق آخر، وهو حقدهم عليه لإيثار أبيهم له.
ولم يكن بد أن يتم لأنه حلقة في سلسلة الرواية الكبرى المرسومة، لتصل بيوسف إلى النهاية المرسومة، والتي تمهد لها ظروف حياته، وواقع أسرته، ومجيئه لأبيه على كبرة. وأصغر الأبناء هم أحب الأبناء، وبخاصة حين يكون الوالد في سن الكبر. كما كان الحال مع يوسف وأخيه، وإخوته من أمهات.
{ إذ قالوا: ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة }..
أي ونحن مجموعة قوية تدفع وتنفع..
{ إن أبانا لفي ضلال مبين }..أي في ذهاب عن طريق الصواب في ذلك.
إذ يؤثر غلاماً وصبياً صغيرين على مجموعة الرجال النافعين الدافعين!
ثم يغلي الحقد ويدخل الشيطان، فيختل تقديرهم للوقائع، وتتضخم في حسهم أشياء صغيرة، وتهون أحداث ضخام. تهون الفعلة الشنعاء المتمثلة في إزهاق روح. روح غلام بريء لا يملك دفعاً عن نفسه، وهو لهم أخ. وهم أبناء نبي ـ وإن لم يكونوا هم أنبياء ـ يهون هذا. وتضخم في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب. حتى توازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله
=================
وجاءت سيَّارةٌ فأرسلوا واردَهم فأدلى دَلْوَهُ
وجاءت سيَّارةٌ فأرسلوا واردَهم فأدلى دَلْوَهُ. قال: يا بُشرى! هذا غلامٌ. وأَسَرُّوهُ بضاعةً (آية 19).
في قراءة جاءت يا بشراي! . و واردهم هو الذي يتقدّم الرفقة إلى الماء والدلاء. يُقال: أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر، ودلوتها إذا أخرجتها. فقال الوارد: أبشروا .
والتوراة تقول: إن يهوذا أشار على إخوته أن يبيعوا يوسف وقال لهم إنه أخونا من لحمنا. ولما مرّت قافلة من المديانيين سحبوا أخاهم وباعوه. وعبارة القرآن تفيد أن رجال القافلة هم الذين سحبوه.
ويقول القرآن إن الذي اشتراه من مصر قال: نتَّخذه ولداً (آية 22). والحقيقة هي أنه كان عبداً غريب الجنس
{ وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ } رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر، وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب، فأخطئوا الطريق فنزلوا قريباً منه، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران لم يكن إلا للرعاة.
وقيل: كان ماؤها ملحاً. فعذب حين ألقي فيه يوسف { فَأَرْسَلُواْ } رجلا يقال له مالك ابن ذعر الخزاعي، ليطلب لهم الماء.(7/160)
والوارد: الذي يرد الماء ليستقي للقوم { يَ?بُشْرى? } نادى البشرى، كأنه يقول: تعالى، فهذا من آونتك وقرىء: «يا بشراي» على إضافتها إلى نفسه.
وفي قراءة الحسن وغيره: «يا بشري» بالياء مكان الألف، جعلت الياء بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة وهي لغة للعرب مشهورة سمعت أهل السروات يقولون في دعائهم: يا سيدي ومولي. وعن نافع: يا بشراي بالسكون، وليس بالوجه لما فيه من التقاء الساكنين على غير حدّه، إلا أن يقصد الوقف. وقيل: لما أدلى دلوه أي أرسلها في الجب تعلق يوسف بالحبل، فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون، فقال: يا بشراي { هَـ?ذَا غُلاَمٌ } وقيل: ذهب به، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به { وَأَسَرُّوهُ } الضمير للوارد وأصحابه: أخفوه من الرفقة.
وقيل: أخفوا أمره ووجدانهم له في الجب، وقالوا لهم: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر. وعن ابن عباس أنّ الضمير لإخوة يوسف، وأنهم قالوا للرفقة هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه.
و { بِضَـ?عَةً } نصب على الحال، أي: أخفوه متاعاً للتجارة. والبضاعة: ما بضع من المال للتجارة أي قطع { وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لم يخف عليه أسرارهم، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم.
أو: والله عليم بما يعمل إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنيع.
{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ?لزَّاهِدِينَ }
ثم قال تعالى: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَر?هِمَ مَعْدُودَةٍ } أما قوله: { وَشَرَوْهُ } ففيه قولان:
القول الأول: المراد من الشراء هو البيع، وعلى هذا التقدير ففي ذلك البائع قولان:
القول الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن إخوة يوسف لما طرحوا يوسف في الجب ورجعوا عادوا بعد ثلاث يتعرفون خبره، فلما لم يروه في الجب ورأوا آثار السيارة طلبوهم فلما رأوا يوسف قالوا: هذا عبدنا أبق منا فقالوا لهم: فبيعوه منا فباعوه منهم، والمراد من قوله: { وَشَرَوْهُ } أي باعوه يقال: شريت الشيء إذا بعته، وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع، لأن الضمير في قوله: { وَشَرَوْهُ } وفي قوله: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ?لزهِدِينَ } عائد إلى شيء واحد لكن الضمير في قوله: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ?لزهِدِينَ } عائد إلى الإخوة فكذا في قوله: { وَشَرَوْهُ } يجب أن يكون عائداً إلى الإخوة، وإذا كان كذلك فهم باعوه فوجب حمل هذا الشراء على البيع.
والقول الثاني: أن بائع يوسف هم الذين استخرجوه من البئر، وقال محمد بن إسحق: ربك أعلم أإخوته باعوه أم السيارة، وههنا قول آخر وهو أنه يحتمل أن يقال: المراد من الشراء نفس الشراء، والمعنى أن القوم اشتروه وكانوا فيه من الزاهدين، لأنهم علموا بقائن الحال أن إخوة يوسف كذابون في قولهم إنه عبدنا وربما عرفوا أيضاً أنه ولد يعقوب فكرهوا شراءه خوفاً من الله تعالى، ومن ظهور تلك الواقعة، إلا أنهم مع ذلك اشتروه بالآخرة لأنهم اشتروه بثمن قليل مع أنهم أظهروا من أنفسهم كونهم فيه من الزاهدين، وغرضهم أن يتوصلوا بذلك إلى تقليل الثمن، ويحتمل أيضاً أن يقال إن الأخوة لما قالوا: إنه عبدنا أبق صار المشتري عديم الرغبة فيه.
قال مجاهد: وكانوا يقولون استوثقوا منه لئلا يأبق.
ثم اعلم أنه تعالى وصف ذلك الثمن بصفات ثلاث.
الصفة الأولى: كونه بخساً. قال ابن عباس: يريد حراماً لأن ثمن الحر حرام، وقال كل بخس في كتاب الله نقصان إلا هذا فإنه حرام، قال الواحدي سموا الحرام بخساً لأنه ناقص البركة، وقال قتادة: بخس ظلم والظلم نقصان يقال ظلمه أي نقصه، وقال عكرمة والشعبي قليل وقيل: ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً، وقيل كانت الدراهم زيوفاً ناقصة العيار. قال الواحدي رحمه الله تعالى: وعلى الأقوال كلها، فالبخس مصدر وضع موضع الاسم، والمعنى بثمن مبخوس.
الصفة الثانية: قوله: { دَر?هِمَ مَعْدُودَةٍ } قيل تعد عداً ولا توزن، لأنهم كانوا لا يزنون إلا إذا بلغ أوقية، وهي الأربعون ويعدون ما دونها فقيل للقليل معدود، لأن الكثيرة يمتنع من عدها لكثرتها، وعن ابن عباس كانت عشرين درهماً، وعن السدي اثنين وعشرين درهماً. قالوا والإخوة كانوا أحد عشر فكل واحد منهم أخذ درهمين إلا يهوذا لم يأخذ شيئاً.
الصفة الثالثة: قوله: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ?لزهِدِينَ } ومعنى الزهد قلة الرغبة يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه وأصله القلة. يقال: رجل زهيد إذا كان قليل الطمع، وفيه وجوه:
أحدها: أن إخوة يوسف باعوه، لأنهم كانوا فيه من الزاهدين.
والثاني: أن السيارة الذين باعوه كانوا فيه من الزاهدين، لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بأي شيء يبيعه أو لأنهم خافوا أن يظهر المستحق فينزعه من يدهم، فلا جرم باعوه بأوكس الأثمان.(7/161)
والثالث: أن الذين اشتروه كانوا فيه من الزاهدين، وقد سبق توجيه هذه الأقوال فيما تقدم، والضمير في قوله: { فِيهِ } يحتمل أن يكون عائد إلى يوسف عليه السلام، ويحتمل أن يكون عائداً إلى الثمن البخس والله أعلم
==============
حفظ القرءان وعدم تحريفه
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله , محمد بن عبد الله , أما بعد
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفا بها نعمة أن هدانا الله بها الى طريقه المستقيم.
يتحدث أهل الضلال عن القرءان الكريم ويتكلمون عنه كثيرا , فمنذ عهد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قال عنه الكافرون ساحر فيسحر الناس بما يقول , ثم قالو شاعر ويؤلف ما يقول , ثم قالو وقالو وقالو ولم يكتفوا وخلف الكافرون بعد ذلك أهل الضلال فقالو كاتب ومؤلف وقالو عن القرءان أنه حرف وقالو أنه لم يحفظ وقالو وقالو وما زالو يقولون . مع أن الله قد أخرس ألسنتهم بما في القرءان إلا أنهم يريدون الدليل فوق ما قاله القرءان الكريم وللرد على هؤلاء. نأتي بتاريخ القرءان ونزوله والطرق التي حفظ بها القرءان بدأ من رب العزة جل علاه الى وقتنا الحالي حتى لا يقول قائل أن هناك تحريف أو تعديل أو حزف أو غير ذلك .
بداية فقد أنزل الله القرءان على رسوله الكريم عن طريق الوحي ( جبريل عليه السلام ) وهو من حمل الرسائل السابقة وأعتنى الله بالقرءان الكريم وقال في محكم الأيات ما يدلل على أن هذا القرءان محفوظ الى يوم الدين .
ومن مظاهر هذه العناية الإلهية:
1- منع الجن قبل بعثة النبي ? من استراق السمع، ورجمهم بالشهب، قال تعالى مخبراً عن حال الجن قبل مبعث النبي ونزول القرآن: ?وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً ? [الجن]، وقال تعالى: ?وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنَّهم عن السمع لمعزولون?[الشعراء] هذه الحراسة المشددة كانت لعزل الجن ومنعهم من سماع القرآن قبل نزوله إلى النبي بواسطة الأمين جبريل.
2- إنزال القرآن بواسطة أمين الوحي جبريل ?، قال تعالى: ?نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين?[الشعراء].
3- تكفل الله سبحانه بحفظ هذا القرآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?[الحجر9].
4- تيسير القرآن للتلاوة والحفظ، حتى حفظه الآلاف المؤلفة من المسلمين في كل عصر من العصور، قال تعالى: ? ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر?[القمر]
فكتاب هذا شأنه لم تكن يد التحريف لتصل إليه أو تنال منه، مهما بلغت مكانتها، حتى لو كانت يد النبي قال تعالى: ?ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين?[الحاقة].
وقد أعتنى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالقرءان الكريم والشواهد على ذلك كثيرة حتى لا يتحدث أهل الضلال والكفر عن القرءان ومن هذه الشواهد :
ثانياً: عناية النبي بالقرآن:
لقد أدرك رسول الله جسامة المسؤولية وثقل الأمانة التي سيتحملها منذ الأيام الأولى للدعوة، كيف لا وقد قال الله تعالى له: ?إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً? [المزمل] فكان حريصاً كل الحرص على ما ينزل عليه من القرآن، يُعنى به كل العناية، وفيما يلي من المباحث نرى كيف كانت عناية النبي بكتاب الله تعالى.
1- اهتمامه بالتلقي من جبريل ومعارضته له: لقد كان النبي حريصاً كل الحرص على حفظ ما يوحي به جبريل إليه، خشية أن ينسى شيئاً منه، بل إنه ليتعجل حفظه ويبادر إلى أخذه ويسابق الملَك في قراءته، فقال الله سبحانه وتعالى له: ?لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه?[القيامة]. فأمره الله سبحانه إذا جاءه الملَك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له بأن يجمعه له في صدره وأن يُيَسِّره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، قال ابن عباس: كان رسول الله إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى ويحرك به شفتيه، خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره. فأنزل الله عليه هذه الآيات فكان النبي بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل( ).
وقال سبحانه في آية أخرى: ?ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما?[طه].
2- معارضة القرآن مع جبريل عليه السلام في كل عام، حيث كان جبريل ينزل للنبي في رمضان من كل عام يدارسه القرآن، حتى كان العام الذي توفي فيه عارضه القرآن مرتين.(7/162)
3- اهتمامه بتلقين الصحابة وتعليمهم القراءة والقراءة عليهم: إن أعظم وظيفة للرسول هي تعليم الناس كتاب ربهم، قال تعالى: ?هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين?.فما إن ينزل عليه جبريل بالوحي حتى يبلغه لأصحابه ويقرأه عليهم فتتلقفه قلوبهم وعقولهم. قال تعالى: ?وقرآناًَ فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً? [الإسراء].وكانت طريقته في القراءة والكلام تساعد على حفظ كلامه، يقول أنس خادم النبي يصف حديثه وكلامه : كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه( ).
وكان يحث أصحابه ويشجعهم على حفظ القرآن وتعلمه، قال ?: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)( ) وكان يثني على القراء منهم، كقوله ? عن صحابته(أقرؤهم أُبي)( ) وقوله ? عن ابن مسعود ?: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً –وفي رواية رطباً- كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد)( ) وكان يقدم أهل القرآن على غيرهم في الإمارة والإمامة وقيادة الجيوش، بل وحتى في القبر كما فعل مع شهداء أحد حيث كان يقدم من كان أكثر أخذاً للقرآن من صاحبه.
إضافة إلى ترغيب أصحابه بحفظ القرآن والتسابق فيه من خلال ذكر الثواب الذي أعده الله لأهل القرآن مما لا يتسع المقام لذكره
4- اهتمامه بالسماع من الصحابة.
لم يكتف النبي ? بتعليم الصحابة القرآن فقط، بل كان يتعاهد حفظهم للقرآن ويسمع تلاواتهم، ويحدثنا عن ذلك عبد الله بن مسعود ? إذ يقول: قال لي رسول الله ? اقرأ عليَّ القرآن. قلت يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية: ?فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا? [النساء 41] قال حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان( )، لماذا يحب ? أن يسمع القرآن من غيره؟ لا بد أن السبب هو التأكد من حسن أخذ الصحابة للقرآن وحفظهم وتلاوتهم له .
وذات يوم كان يسير في طرقات المدينة فسمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن فوقف واستمع لقراءته، وفي اليوم التالي قال له لو رأيتني يا أبا موسى وأنا أسمع قراءتك البارحة، لقد أُعطيت مزماراً من مزامير آل داود، قال أبو موسى قلت: أما والله يا رسول الله لو علمت أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيراً)( ).
5- اتخاذ كتاب للوحي:
لو أراد النبي أن يكتفي في توثيق القرآن بحفظ أصحابه ودقتهم في ذلك لكان كافياً لما كانوا عليه من ضبط لكتاب الله تعالى وحرص عليه، إلا أنه لم يكتف بذلك بل كان يتخذ كتاباً للوحي، يكتبون كل ما ينزل عليه من القرآن، وكان في أول الأمر ينهى عن كتابة غير القرآن حتى لا يشتبه به شيء، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)( ) وفي رواية الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: (لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه)( ). ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مكتوب في ما تيسر للصحابة من العظام والجلود والعسب واللخاف وغيرها من أدوات الكتابة. يقول زيد بن ثابت كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع( ).قال البيهقي يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي ? فاجتمع للقرآن حفظ الصدور وحفظ الصدور تحقيقاً لوعد الله سبحانه ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?.
6- قراءة القرآن في الصلوات والمواعظ وخطب الجمعة:
كان النبي يقرأ القرآن في صلاته ومواعظه وخطبه، مما جعل القرآن يتردد على أسماع أصحابه كثيراً، وبالتالي يتمكنون من حفظه من فم النبي مباشرة فلا يقتصر الأمر على من يجالسه وقت نزول الوحي، بل يمتد إلى كل المسلمين وقتذاك، فعن أم هشام بنت حارثة ما أخذت ?ق والقرآن المجيدإلا على لسان رسول الله كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ( ).
وكان ? يقرأ في العيدين بقاف واقتربت. وقرأ بالطور وبالصافات وبالأعراف وغيرها من سور القرآن الكريم.
ثالثا:عناية الصحابة بالقرآن:
لقد كان النبي خير قدوة لأصحابه في العناية بكتاب الله تعالى، بل وكان خير مُرَبّ لهم على ذلك، حيث كان يشجعهم بكل الوسائل؛ على الأخذ بكتاب الله تعالى، والإكثار منه والعمل به، وكان الصحابة ? الجيل الذي اختاره الله لصحبة نبيه . وأودع فيهم من الميزات والخصائص ما جعلهم أهلاً لتحمل عبء الدعوة ونشر كتاب الله وسنة نبيه في أرجاء المعمورة.
الدواعي للعناية بالقرآن الكريم وحفظه عند الصحابة .
1- أنهم أميون- في الغالب- جعلهم يعتمدون بالدرجة الأولى على حافظتهم وذاكرتهم.
2- أن الصحابة كانوا مضرب المثل في الذكاء والألمعية وقوة الحافظة حتى كان بعضهم يحفظ ما يسمعه من أول مرة.
3- بساطة حياتهم واقتصارها على الضروريات فرَّغ قلوبهم وأذهانهم للانشغال بكتاب الله تعالى وسنة نبيه ?(7/163)
- حبهم الصادق لله ورسوله ?، مما حملهم على تلقي كل ما يصدر عنه وحفظه وترديده.
5- بلاغة القرآن الكريم وإعجازه البياني، وذلك أن الله تحدى بالقرآن أمة العرب وكافة الخلق، فكان ذلك داعياً لحفظه وأخذه كما لم يؤخذ كتاب قبله ولا بعده.لاسيما وأن من طبائع العرب أنهم كانوا يتنافسون في حفظ جيد المنظوم والمنثور.
6- الترغيب في الإقبال على القرآن الكريم علماً وعملاً وحفظاً وفهما وتعليماً ونشراً والتحذير والترهيب من إهماله والإعراض عنه. وأدلة ذلك كثيرة لا تحصى.
7- منزلة القرآن الكريم من الدين إذ هو أصل التشريع ومصدره.
8- ارتباط كثير من كلام الله تعالى بأسباب نزول وهي وقائع وأحداث وأسئلة تثير الاهتمام وتساعد على الحفظ.
9- حكمة الله ورسوله في التعليم جعلت كتاب الله تعالى يستقر في الأذهان ويسهل حفظه، فالقرآن جاء بأرقى أساليب اللغة العربية وتدرج نزوله منجماً وارتبط بكثير من الحوادث ودعمه بالدليل والحجة وخاطب به العقول والضمائر.
10- تلقي الصحابة القرآن الكريم للعمل بما فيه والاهتداء بهديه، يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بما فيه من نصح وإرشاد، ولاشك أن إتْباعَ العلم بالعمل يساعد على الحفظ.
11- تشريع قراءة القرآن في الصلاة، فكان لا بد لمن أراد أن يصلي – والصلاة عمود الدين- أن يتعلم من القرآن ما تصح به صلاته.
مظاهر عناية الصحابة بالقرآن في عهد النبي
- تعلمه من النبي ?: لما كان تعليم القرآن أولى مهام الرسول فقد كان الصحابة خير تلاميذ لخير معلم، فكانوا يتلقون منه القرآن ويحفظونه، ويعملون بما فيه، يقول عبد الله بن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد ? فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمونأنتم القرآن اليوم ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه)( )
2- كتابة مصاحف خاصة بهم: لقد كان بعض الصحابة بعد أن يتلقى القرآن من النبي يذهب إلى بيته فيكتب ما يحفظه، ويكتب فيه تفسير بعض الآيات، مثل ما كان يفعله عبد الله بن مسعود حيث كان له مصحف خاص، وكذلك أبي بن كعب ?.
3- الاجتماع على تدارس القرآن وحفظه: كان لصحابة النبي ? مجالس يتدارسون فيها القرآن ويعلم بعضهم بعضاً، لا سيما أهل الصفة منهم حيث كان هؤلاء أضياف الإسلام متفرغون لتلقي القرآن والسنة عن رسول الله ? والجهاد معه، ومنهم أبو هريرة ? وأبو سعيد الخدري وغيرهم من الصحابة الكرام ?.
فهذا عبادة بن الصامت ? يعلم رجلاً من أهل الصفة القرآن فيهدي إليه قوساً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها( ). فهذا الصحابي من أهل الصفة رغم فقره وحاجته إلا أنه يهدي قوسه لمن علمه القرآن.
5- جمعه في زمن أبي بكر ?:
كتب القرآن كاملاً في حياة النبي ? لكنه ? لم يأمر بجمعه في مصحف، وذلك لما يلي:
1- أنه لم توجد الدواعي لكتابته كما وجدت في عهد أبي بكر ? أو عثمان ?، وذلك لوجود النبي ? وكثرة القراء، وعدم تيسر أدوات الكتابة.
2- أن الوحي كان ما زال ينزل على النبي ? فينسخ ما شاء الله من آية أو آيات.
3- أن القرآن نزل منجماً ولم ينزل دفعة واحدة.
أن ترتيب النزول كان على حسب الأسباب، في حين أن ترتيب المصحف كان لاعتبارات أخرى
فلما انقضى نزول القرآن بوفاة النبي ? ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة.
وقصة ذلك:
يرويها زيد بن ثابت ? فيقول فيما رواه عنه الإمام البخاري: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ?؟ قال عمر وهو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر?: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ? فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله? قال هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره ?لقد جاءكم رسول? حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر( ).(7/164)
من خلال هذا النص يظهر السبب الرئيسي الذي حمل الصحابة على جمع القرآن في زمن أبي بكر، ألا وهو اشتداد القتل في قراء القرآن حيث قتل منهم في حرب مسيلمة وحده سبعين قارئاً، فخشي عمر أن يضيع القرآن باستشهاد حملته من القراء الذين كانوا يتسابقون إلى ساحات الجهاد في سبيل الله تعالى.
كما أن الأسباب التي حالت دون جمع القرآن في ومن النبي ? لم يعد لها وجود، وبالتالي كان لا بد من جمع كتاب الله في مصحف صيانة له من الضياع.
آلية جمع القرآن في عهد أبي بكر ?:
- الاقتصار على ما كتب بين يدي النبي ? وأُخِذ منه مباشرة: أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان( ).
وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط. قال ابن حجر وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب( )
وقال السخاوي في جمال القراء المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن( ).
قال أبو شامة وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ قال ولذلك قال في آخر سورة التوبة لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي عام وفاته ( ).
يقول الليث بن سعد قال أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال: اكتبوها فإن رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده( )
مزايا جمع أبي بكر للقرآن
1- جمعت القرآن على أدق وجوه البحث والتحري.
2- اقتصرت على ما لم تنسخ تلاوته.
ظفرت بإجماع الأمة عليها وتواتر ما فيها
وينبغي أن نلاحظ هنا أن جمع المصحف بأمر أبي بكر لا ينافي أن الصحابة كان لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن كله أو بعضه، لكنها لم تظفر بما ظفرت به الصحف التي أمر بجمعها أبو بكر ? من العناية والتحري، ولا يطعن في ذلك ما روي من أن علياً ? جمع القرآن قبل أن يبايع أبا بكر، بل إن علياً نفسه يقول: (أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله).6- نسخ القرآن في عهد عثمان
أسبابه( ):
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان واستبحر العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف بل كان هذا الشقاق أشد لبعد عهد هؤلاء بالنبوة وعدم وجود الرسول بينهم يطمئنون إلى حكمه ويصدرون جميعا عن رأيه واستفحل الداء حتى كفر بعضهم بعضا وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير ولم يقف هذا الطغيان عند حد بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز والمدينة وأصاب الصغار والكبار على سواء.
أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أنه قال لما كانت خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل والمعلم يعلم قراءة الرجل فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال أنتم عندي تختلفون فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا. وصدق عثمان فقد كانت الأمصار النائية أشد اختلافا ونزاعا من المدينة والحجاز وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع أو التقوا على جهاد أعدائهم يعجبون من ذلك وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن وتأدى بهم التعجب إلى الشك والمداجاة ثم إلى التأثيم والملاحاة.(7/165)
وتيقظت الفتنة التي كادت تطيح فيها الرؤوس وتسفك الدماء وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتابهم كما قال حذيفة لعثمان في الحديث الآتي قريبا أضف إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون إنما كان كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد
لهذه الأسباب والأحداث رأى عثمان بثاقب رأيه وصادق نظره أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع وأن يستأصل الداء قبل أن يعز الدواء فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة ووضع حد لذلك الاختلاف وحسم مادة هذا النزاع
فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يرسل منها إلى الأمصار وأن يؤمر الناس بإحراق كل ما عداها وألا يعتمدوا سواها وبذلك يرأب الصدع ويجبر الكسر وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلام هذا الإختلاف ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة وحكمهم العدل في ذاك النزاع والمراء وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء
===============
وأَقَمَ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل،
روى الترمذي عن أبي اليسر قال: أتتني امرأةٌ تبتاع تمراً فقلت: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فدخلتْ معي في البيت فأهويْتُ عليها فقبَّلتُها. فأتيتُ أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ عمر فذكرتُ ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ النبي فذكرت ذلك له، فأطرق النبي ساعة حتى أوحى الله إليه أقِمِ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيِّئات، ذلك ذكرى للذاكرين . قال أبو اليسر: فأتيتُه فقرأها عليَّ النبي، فقال أصحابه: ألهذا خاصةً أمْ للناس عامةً؟ فقال: بل للناس عامة (القرطبي في تفسير هود 11: 114).
فوضع محمد قانوناً عمومياً للناس مقتضاه التكفير بالصلوات الخمس، وهذا منافٍ لقداسة الله وعدله، فإنه لا يمكن التكفير عن الخطية إلا بسفك الدم. إن الخطيئة هي أفظع وأشنع شيء أمام الله. قال المسيح: كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه (متى 5: 29) كما قال: متى فعلتُم كل ما أُمرتُم به فقولوا: إننا عبيدٌ بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا (لوقا 17: 10 و11). إن صلاة الإنسان وصومه لا يكفّران عن خطيته، لأنه إنما عمل الواجب عليه، ولا تكفير عن الخطية إلا بقبول ما عمله المسيح الفادي بعمله الكفاري على الصليب
الرد
اليسوع لم يطبق الناموس على الزواني :
اليسوع يبح الزنا بعدم تطبيقه الناموس
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=1245
اليسوع يستغفر ربه
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=2664
سفر اللاويين جاء للتكفير عن الخطايا
متى
21: 31 قال لهم يسوع الحق اقول لكم ان العشارين و الزواني يسبقونكم الى ملكوت الله
لأن العشارين والزواني هم فقط الذين آمنوا بيوحنا الذي عمد اليسوع
متى
21: 32 لان يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به و اما العشارون و الزواني فامنوا به و انتم اذ رايتم لم تندموا اخيرا لتؤمنوا به
وقد ذكر إنجيل متى محبة العشارين والزواني لأن متى كاتب الإنجيل كانت وظيفته عشار وكانت مكروه من الجميع ، وقد ذكر الزواني لأن اليسوع من أصل زنا فجده فارص ابن ثامار والتي زنا بها يهوذا .راجع سفر تكوين
{ فاستقم كما أمرت ـ ومن تاب معك ـ ولا تطغوا. إنه بما تعملون بصير. ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون. وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }..
هذا الأمر للرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ ومن تاب معه:
{ فاستقم كما أمرت }.. أحس ـ عليه الصلاة والسلام ـ برهبته وقوته حتى روي عنه أنه قال مشيراً إليه: " شيبتني هود... " فالاستقامة: الاعتدال والمضي على النهج دون انحراف. وهو في حاجة إلى اليقظة الدائمة، والتدبر الدائم، والتحري الدائم لحدود الطريق، وضبط الطريق، وضبط الانفعالات البشرية التي تميل الاتجاه قليلاً أو كثيراً.. ومن ثم فهي شغل دائم في كل حركة من حركات الحياة.
وإنه لمما يستحق الانتباه هنا أن النهي الذي أعقب الأمر بالاستقامة، لم يكن نهياً عن القصور والتقصير، إنما كان نهياً عن الطغيان والمجاوزة.. وذلك أن الأمر بالاستقامة وما يتبعه في الضمير من يقظة وتحرج قد ينتهي إلى الغلو والمبالغة التي تحول هذا الدين من يسر إلى عسر.(7/166)
والله يريد دينه كما أنزله، ويريد الاستقامة على ما أمر دون إفراط ولا غلو، فالإفراط والغلو يخرجان هذا الدين عن طبيعته كالتفريط والتقصير. وهي التفاتة ذات قيمة كبيرة، لإمساك النفوس على الصراط، بلا انحراف إلى الغلو أو الإهمال على السواء..
{ إنه بما تعملون بصير }..
والبصر ـ من البصيرة ـ مناسب في هذا الموضع، الذي تتحكم فيه البصيرة وحسن الإدراك والتقدير..
فاستقم ـ أيها الرسول ـ كما أمرت. ومن تاب معك...
{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار }
لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا. إلى الجبارين الطغاة الظالمين، أصحاب القوة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوتهم ويعبّدونهم لغير الله من العبيد.. لا تركنوا إليهم فإن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير.
{ فتمسكم النار }..
جزاء هذا الانحراف.
{ وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون }..
والاستقامة على الطريق في مثل هذه الفترة أمر شاق عسير يحتاج إلى زاد يعين..
والله ـ سبحانه ـ يرشد رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه من القلة المؤمنة إلى زاد الطريق:
{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل }..
ولقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد، والذي يقيم البنية الروحية، ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف. ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود، القريب المجيب، وينسم عليها نسمة الأنس في وحشتها وعزلتها في تلك الجاهلية النكدة الكنود!
والآية هنا تذكر طرفي النهار ـ وهما أوله وآخرة، وزلفاً من الليل أي قريباً من الليل. وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها. والعدد محدد بالسنة ومواقيته كذلك.
والنص يعقب على الأمر بإقامة الصلاة ـ أي أدائها كاملة مستوفاه ـ بأن الحسنات يذهبن السيئات. وهو نص عام يشمل كل حسنة، والصلاة من أعظم الحسنات، فهي داخلة فيه بالأولوية. لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد ـ كما ذهب بعض المفسرين ـ
{ ذلك ذكرى للذاكرين }..
فالصلاة ذكر في أساسها ومن ثم ناسبها هذا التعقيب..
والاستقامة في حاجة إلى الصبر. كما أن انتظار الأجل لتحقيق سنة الله في المكذبين يحتاج إلى الصبر.. ومن ثم كان التعقيب على الأمر بالاستقامة وعلى ما سبقه في السياق هو:
{ واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }..
والاستقامة إحسان. وإقامة الصلاة في أوقاتها إحسان. والصبر على كيد التكذيب إحسان... والله لا يضيع أجر المحسنين...
ثم يعود السياق إلى تكملة التعليق والتعقيب على مصارع القرى والقرون. فيشير من طرف خفي إلى أنه لو كان في هذه القرون أولو بقية يستبقون لأنفسهم الخير عند الله، فينهون عن الفساد في الأرض، ويصدون الظالمين عن الظلم، ما أخذ تلك القرى بعذاب الاستئصال الذي حل بهم، فإن الله لا يأخذ القرى بالظلم إذا كان أهلها مصلحين، أي إذا كان للمصلحين من أهلها قدرة يصدون بها الظلم والفساد، إنما كان في هذه القرى قلة من المؤمنين لا نفوذ لهم ولا قوة، فأنجاهم الله
===============
والجانَّ خلقناه مِن قَبْلُ من نار السَّموم
وقالوا: الجان أبو الجن كما أن آدم أبو البشر. وفي الجن مسلمون وكافرون يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم. وأما الشياطين فليس منهم مسلمون ولا يموتون. ومعنى نار السَّموم نار جهنم. وقال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خُلق منها الجان. وهي تقدر أن تتولَّج في بواطن الحيوانات وتنفذ في منافذها الضيقة نفوذ الهواء المستنشَق (الرازي في تفسير هذه الآية). ولكن ذهب العقلاء إلى أنه إذا كان للجن أجسامٌ وأنهم يتوالدون دون أن نراهم، جاز أن يكن بحضرتنا جبالٌ وبلاد لا نراها، وأبواقٌ وطبولٌ لا نسمعها!
والحق هو ما ورد في التوراة من أنه لا يوجد سوى الملائكة الأخيار والملائكة الأشرار، أو أرواح طاهرة وأرواح شريرة. ولا وجود لشيء يُقال له جن
الرد
(والجان خلقناه من قبل من نار السموم "27")
ونعلم أن كلمة (السموم) هي اللهب الذي لا دخان له، ويسمونه "السموم" لأنه يتلصص في الدخول إلى مسام الإنسان.
وهكذا نرى أن للعنصر تأثيراً في مقومات حياة الكائنات، فالمخلوق من طين له صفات الطينية، والمخلوق من نار له صفات النارية؛ ولذلك كان قانون الجن أخف وأشد من قانون الإنس.
والحق سبحانه يقول:
{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم .. "27"}
(سورة الأعراف)
وهكذا نعلم أن قانون خلق الجن من عنصر النار التي لا لهب لها يوضح لنا أن له قدرات تختلف عن قدرات الإنسان.
ذلك أن مهمته في الحياة تختلف عن مهمة الإنسان، ولا تصنع له خيرية أو أفضلية، لأن المهام حين تتعدد في الأشياء؛ تمنع المقارنة بين الكائنات.
والمثل على ذلك هو غلبة من عنده علم بالكتاب على عفريت الجن؛ حين سأل سليمان عليه السلام عمن يأتيه بعرش بلقيس:(7/167)
{قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين "38"}
(سورة النمل)
وقال عفريت من الجن : إنه قادر على أن يأتي بالعرش قبل أن يقوم سليمان من مقامه، ولكن من عنده علم بالكتاب قال: إنه قادر على أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان؛ وهكذا غلب من عنده علم بالكتاب قدرة عفريت الجن.
وقد قص علينا الحق سبحانه هذا في كتابه الكريم، فقال:
{قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين "39" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي .. "40"}
(سورة النمل)
----------------------------
سفر تكوين3: 13 ... فقال الرب الاله للمراة ما هذا الذي فعلت فقالت المراة الحية غرتني فاكلت
فما هي هذه الحية ؟
مت 12:24 - اما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين الا ببعلزبول رئيس الشياطين
فمن هو ببعلزبول ؟ ومن هم الشياطين ؟
مر 3:15 - ويكون لهم سلطان على شفاء الامراض واخراج الشياطين
فمن هم هؤلاء الشياطين ؟ وكيف خلقهم الله ؟
فإن كان الكتاب المقدس كتاب سماوي فليطرح لنا الإجابة على هذه الأسئلة ؟
================
إنّا نبشّرك (يعني إبراهيم) بغلام
مع أنه في هود 11: 74 يقول: إن الملائكة بشّروا امرأته ولكننا نعلم أن الإنباء بهلاك سدوم هو بخلاف البشارة بميلاد اسحق
الرد
(قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلامٍ عليم "53")
هكذا طمأنت الملائكة إبراهيم عليه السلام، وهدأت من روعه، وأزالت مخاوفه، وقد حملوا له البشارة بأن الحق سبحانه سيرزقه بغلام سيصير إلي مرتبة أن يكون كثير العلم ويستقبل إبراهيم عليه السلام الخبر بطريقة تحمل من الاندهاش الكثير
سورة هود 69 ... وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ....
{ أَرْسَلْنَا } يريد الملائكة. عن ابن عباس: جاءه جبريل عليه السلام وملكان معه. وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: كانوا تسعة. وعن السدي: أحد عشر { بِالْبُشْرَى } هي البشارة بالولد، وقيل: بهلاك قوم لوط، والظاهر الولد { سَلَمًا } سلمنا عليك سلاماً { سَلَماً } أمركم سلام. وقرىء: «فقالوا سلما قال سلم» بمعنى السلام. وقيل: سلم وسلام، كحرم وحرام، وأنشد:
مَرَرْنَا فَقُلْنَا إيِه سِلْمٌ فَسَلَّمَت **** كَمَا اكْتَلَّ بِالبَرْقِ الْغَمَامُ اللَّوَائِحُ
وبهذا يتضح أن سيدنا ابراهيم استلم البشارى بالمولود قبل زوجته .
-------------------------------------
والآن نسأل عباقرة الكتاب المقدس .عن البشارة بالرب يسوع ... بين العذراء وخطيبها يوسف النجار والختلاف بين متى ولوقا .
الرؤيا ليوسف رجل ام الرب
متى
1: 19 فيوسف رجلها اذ كان بارا و لم يشا ان يشهرها اراد تخليتها سرا
1: 20 و لكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس
1: 21 فستلد ابنا و تدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم
ولكن اختلف الأمر بإنجيل لوقا حيث اظهر ان ملاب الرب ظهر للعذراء وليس لرجلها يوسف
لوقا
1: 26 و في الشهر السادس ارسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة
1: 27 الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف و اسم العذراء مريم
1: 28 فدخل اليها الملاك و قال سلام لك ايتها المنعم عليها الرب معك مباركة انت في النساء
1: 29 فلما راته اضطربت من كلامه و فكرت ما عسى ان تكون هذه التحية
1: 30 فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله
1: 31 و ها انت ستحبلين و تلدين ابنا و تسمينه يسوع
فهل السبب في ذلك هو اعتراف مَتىَ ان اليسوع من أصل زنا كما جاء بالتلمود ... علماً بأن مَتىَ يهودي عشار وذو سمعة سيئة
===============
وإنّ جَهنَّم لَمَوْعِدُهم أجمعين، لها سبعةُ أبوابٍ، لكل بابٍ منهم جزءٌ مقسوم
وإنّ جَهنَّم لَمَوْعِدُهم أجمعين، لها سبعةُ أبوابٍ، لكل بابٍ منهم جزءٌ مقسوم (آيتا 43 ، 44).
قال علي بن أبي طالب: تَدْرون كيف أبواب جهنم؟ ووضع إحدى يديه على الأخرى، أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض. قال ابن جريج: النار دركات، أوّلها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية . قال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين دخلوا النار يُعذَّبون فيها بقدر ذنوبهم، ثم يُخرَجون منها. وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشِرك، وفي السابعة المنافقون .(7/168)
ويقول المسلمون إن الصراط ممدود على ظهر جهنم، يعبر عليه جميع الخلائق، المؤمن وغير المؤمن. ولذا ورد قوله: وإنْ منكم إلا واردُها، كان على ربك حَتْماً مَقْضياً (مريم 19: 71) يعني يدخل البَرُّ والفاجر في جهنم، ثم ينجّي الله الذين اتَّقوا. كان على ربك حتماً مقضياً أي كان ورود جهنم قضاء لازماً قضاه الله عليكم، وأوجبه. قال القرآن ثم ننجّي الذين اتَّقوا .
وقد أنكر المعتزلة هذا. وقالوا إن من كان أدقّ من الشعر وأحدّ من غرار السيف لا يمكن عقلاً العبور عليه. وإن أمكن العبور فلا يمكن إلا مع مشقّة عظيمة، ففيه تعذيب للمؤمنين. فردّوا على ذلك بأن القادر المختار يسهّل على المؤمنين (أنظر الطبري في مريم 19: 70 ، 71).
الرد
(وإن جهنم لموعدهم أجمعين "43")
ولأن المصير لهؤلاء هو جهنم؛ فعلى العبد الذكي أن يستحضر هذا الجزاء وقت الاختيار للفعل؛ كي لا يرتكب حماقة الفعل الذي يزينه له الشيطان، أو تلح عليه به نفسه. ولو أن المسرف على نفسه استحضر العقوبة لحظة ارتكاب المعصية لما أقدم عليها، ولكن المسرف على نفسه لا يقرن المعصية بالعقوبة؛ لأنه يغفل النتائج عن المقدمات.
ولذلك أقول دائماً: هب أن إنساناً قد استولت عليه شراسة الغريزة الجنسية، وعرف عنه الناس ذلك، وأعدوا له ما يشاء من رغبات، وأحضروا له أجمل النساء؛ وسهلوا له المكان المناسب للمعصية بما فيه من طعام وشراب.
وقالوا: هذا كله ذلك، شرط أن تعرف أيضاً ماذا ينتظرك. وأضاءوا له من بعد ذلك قبواً في المنزل؛ به فرن مشتعل. ويقولون له: بعد أن تفرغ من لذتك ستدخل في هذا الفرن المشتعل. ماذا سيصنع هذا الإنسان؟
لابد أنه سيرفض الإقدام على المعصية التي تقودهم إلى الجحيم.
وهكذا نعلم أن من يرتكب المعاصي إنما يستبطئ العقوبة، والذكي حقاً هو من يصدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "الموت القيامة، فمن مات فقد قامت قيامته". ولا أحد يعلم متى يموت.
ويبين الحق سبحانه من بعد ذلك مراتب الجحيم، فيقول:
(لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم "44")
وفي جهنم يكون موعد هؤلاء الغاوين، ومعهم إبليس الذي أبى واستكبر، وصمم على غواية البشر، وألوان العذاب ستختلف، ولكن جماعة لهم جريمة يقرنون بها معاً. فمن يشربون الخمر سيكونون معاً؛ ومن يلعبون الميسر يكونون معاً.
ولكل باب من أبواب جهنم جماعة تدخل منه ربطت بينهم في الدنيا معصية ما؛ وجمعهم في الدنيا ولاء ما، وتكونت من بينهم صداقات في الدنيا، واشتركوا بالمخالطة؛ ولذلك فعليهم الاشتراك في العقوبة والنكال.
وهكذا يتحقق قول الحق سبحانه:
{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "67"}
(سورة الزخرف)
وفي الجحيم أماكن تأويهم؛ فقسم يذهب إلى اللظى ؛ وآخر إلى الحطمة؛ وثالث إلى سقر، ورابع إلى السعير، وخامس إلى الهاوية.
وكل جزء له قسم معين به؛ وفي كل قسم دركات، لأن الجنة درجات، والنار دركات تنزل إلى أسفل.
ويأتي الحق سبحانه بالمقابل؛ لأن ذكر المقابل كما نعلم يعطي الكافر حسرة؛ ويعطي المؤمن بشارة بأنه لم يكن من العاصين
وما جاء عن : وإن منكم إلا واردها
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=172
==================
قد مكر الذين مِن قَبْلهم، فأتى الله بُنيانهم مِن القواعد،
قال المفسرون إن نمرود كنعان بنى صرحاً ببابل ليصعد إلى السماء ويقاتل أهلها. قال ابن عباس: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع . وقال غيره: كان طوله فرسخين، فهبّت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر، وخرّ عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته. ولما سقط تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلّموا يومئذ بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سُمّيت بابل. وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية (الطبري والقرطبي في تفسير الآية).
والتوراة تعلمنا (تكوين 11) أنه بعد الطوفان عزم الناس على بناء مدينةٍ في شنعار وبرجٍ عظيم، فبلبل الله لسانهم فتشتَّتوا، لأن غاية الله كانت أن يعمِّروا الأرض، ففرّقهم. ودُعيت هذه المدينة بابل
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.(7/169)
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
--------------------
(قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون "26")
ويأتي الحق سبحانه هنا بسيرة الأولين والسنن التي أجراها سبحانه عليهم، ليسلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ويوضح له أن ما حدث معه ليس بدعاً؛ بل سبق أن حدث مع من سبق من الرسل. ويبلغه أنه لم يبعث أي رسول إلا بعد تعم البلوى ويطم الفساد، ويفقد البشر المناعة الإيمانية، نتيجة افتقاد من يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحق وبالصبر. والمثل الواضح على ذلك ما حدث لبني إسرائيل؛ الذين قال فيهم الحق سبحانه:
{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه .. "79"}
(سورة المائدة)
فانصب عليهم العذاب من الله، وهذا مصير كل أمة لا تتناهى عن المنكر الظاهر أمامها. ويقول سبحانه هنا:
{قد مكر الذين من قبلهم .. "26"}
(سورة النحل)
والمكر تبييت خفي يبيته الماكر بما يستر عن الممكور به. ولكن حين يمكر أحد بالرسل؛ فهو يمكر بمن يؤيده الله العالم العليم. وإذا ما أعلم الله رسوله بالمكر؛ فهو يلغي كل أثر لهذا التبييت؛ فقد علمه من يقدر على إبطاله. والحق سبحانه هو القائل:
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي .. "21"}
(سورة المجادلة)
وهو القائل:
{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين "171" إنهم لهم المنصورون "172"}
(سورة الصافات)
وطبق الحق سبحانه ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حين مكر به كفار قريش وجمعوا شباب القبائل ليقتلوه؛ فأغشاهم الله ولم يبصروا خروجه للهجرة ولم ينتصر عليه معسكر الكفر بأي وسيلة؛ لا باعتداءات اللسان، ولا باعتداءات الجوارح. وهؤلاء الذين يمكرون بالرسل لم يتركهم الحق سبحانه دون عقاب:
{فأتى الله بنيانهم من القواعد .. "26"}
(سورة النحل)
أي: أنهم إن جعلوا مكرهم كالبناية العالية؛ فالحق سبحانه يتركهم لإحساس الأمن المزيف، ويحفر لهم من تحتهم، فيخر عليهم السقف الذي من فوقهم. وهكذا يضرب الله المثل المعنوي بأمرٍ محسن. وقوله الحق:
{فخر عليهم السقف من فوقهم .. "26"}
(سورة النحل)
يوضح أنهم موجودون داخل هذا البيت، وأن الفوقية هنا للسقف، وهي فوقية شاءها الله ليأتيهم:
{العذاب من حيث لا يشعرون "26"}
(سورة النحل)
وهكذا يأتي عذاب الله بغتة؛ ذلك أنهم قد بيتوا، وظنوا أن هذا التبييت بخفاء يخفي عن الحي القيوم.
وليت الأمر يقتصر على ذلك؛ لا بل يعذبهم الله في الآخرة أيضاً
(ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين "27")
وهكذا يكون العذاب في الدنيا وفي الآخرة، ويلقون الخزي يوم القيامة. والخزي هو الهوان والمذلة، وهو أقوى من الضرب والإيذاء
===============
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشرٌ. لسانُ الذي يُلحِدون(7/170)
قال عرب مكة إن محمداً يتعلم هذه القصص والأخبار من إنسانٍ آخر، وهو آدميّ مثله، وليس هو من عند الله كما يزعم. واختلفوا في ذلك الإنسان، من هو؟ فقد روى القرطبي عن ابن عباس: كان محمد يعلم قيناً بمكة اسمه بلعام، وكان نصرانياً، فكان المشركون يرون محمداً يدخل عليه ويخرجمن عنده، فكانوا يقولون: إنما يعلّمه بلعام . وقال عكرمة: كان محمد يُقرىء غلاماً لبني المغيرة اسمه يعيش، فكان يقرأ الكتب. فقالت قريش: إنما يعلّمه وقيل: كان محمد فيما بلغني كثيراًما يجلس عند المروة إلىغلام رومي نصراني، عبدٌ لبعض بني الحضرمي، اسه جبر. وكان يقرأ الكتب . وقال عبيد الله بن مسلمة: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما يسار، ويُكنى أبا فكيهة، ويُقال للآخر جبر، وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن التوراة والإنجيل بمكة. فمرّ بهما محمد وهما يقرآن، فوقف يستمع. وكان محمد إذا آذاه الكفار يقعد إليهما فيتروّح بكلامهما. فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما . وقال الفراء: قالت العرب إنما يتعلم محمد من عائش، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى كان نصرانياً وقد أسلم، وكان أعجمياً . وقيل: هو عداس غلام عتبة بن ربيعة (السيوطي في سبب نزول الآية).
قال البيضاوي: يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي، وقيل جبراً ويساراً، كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل: عاشا غلام حويطب بن عبد العزى، قد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سلمان الفارسي (الطبري والرازي في تفسير هذه الآية). فكان يأخذ من كل واحد كلاماً ويدوّنه. وكان هذا معلوماً عند أهل عصره حسب قوله وشهادته الصريحة، فلا عجب إذا جاءت الاختلافات والمتناقضات
الرد
(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"103")
وفي هذه الآية اتهام آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراء جديد عليه، لا يأنف القرآن من إذاعته، فمن سمع الاتهام والافتراء يجب أن يسمع الجواب، فالقرآن يريد أن يفضح أمر هؤلاء، وأن يظهر إفلاس حججهم وما هم فيه من تخبط.
يقول الحق تبارك وتعالى:
{ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر .. "103"}
(سورة النحل)
وقد سبق أن قالوا عن رسول الله "مجنون" وبرأه الله بقوله تعالى:
{وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ "4"}
(سورة القلم)
والخلق العظيم لا يكون في مجنون؛ لأن الخلق الفاضل لا يوضع إلا في مكانه، بدليل قوله تعالى:
{وما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ "2"}
(سورة القلم)
وسبق أن قالوا: ساحر وهذا دليل على أنهم مغفلون يتخبطون في ضلالهم، فلو كان محمد ساحراً، فلم لم يسحركم كما سحر المؤمنين به وتنتهي المسألة؟
وسبق أن قالوا "شاعر" مع أنهم أدرى الناس بفنون القول شعراً ونثراً وخطابة، ولم يجربوا على محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك لكنه الباطل حينما يلج في عناده، ويتكبر عن قبول الحق.
وهنا جاءوا بشيء جديد يكذبون به رسول الله، فقالوا:
{إنما يعلمه بشر .. "103"}
(سورة النحل)
أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتردد على أحد أصحاب العلم ليعلمه القرآن فقالوا: إنه غلام لبي عامر بن لؤي اسمه (يعيش)، وكان يعرف القراءة والكتاب، وكان يجلب الكتب من الأسواق، ويقرأ قصص السابقين مثل عنترة وذات الهمة وغيرها من كتب التاريخ.
وقد تضارب أقوالهم في تحديد هذا الشخص الذي يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم على يديه، فقالوا: اسمه "عداس" وقال آخرون: سلمان الفارسي. وقال آخرون: بلعام وكان حداداً رومياً نصرانياً يعلم كثيراً عن أهل الكتاب .. الخ.
والحق تبارك وتعالى يرد على هؤلاء، ويظهر إفلاسهم الفكري، وإصرارهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:
{لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين "103"}
(سورة النحل)
اللسان هنا: اللغة التي يتحدث بها. ويلحدون إليه: يميلون إليه وينسبون إليه أنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أعجمي: أي لغته خفية، لا يفصح ولا يبين الكلام، كما نرى الأجانب يتحدثون العربية مثلاً.
ونلاحظ هنا أن القرآن الكريم لم يقل (عجمي)، لأن العجم جنس يقابل العرب، وقد يكون من العجم من يجيد العربية الفصيحة، كما رأينا سيبويه صاحب (الكتاب) أعظم مراجع النحو حتى الآن وهو عجمي.
أما الأعجمي فهو الذي لا يفصح ولا يبين، حتى وإن كان عربياً. وقد كان في قبيلة لؤي رجل اسمه زياد يقال له "زياد الأعجمي" لأنه لا يفصح ولا يبين، مع أنه من أصل عربي.
إذن: كيف يتأتى لهؤلاء الأعاجم الذين لا يفصحون، ولا يكادون ينطقون اللغة العربية، كيف لهؤلاء أن يعلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء بمعجزة في الفصاحة والبلاغة والبيان؟
كيف يتعلم من هؤلاء، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم التقى بأحد منهم إلا (عداس) يقال: إنه قابله مرة واحدة، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم تردد إلى معلم، لا من هؤلاء، ولا من غيرهم؟(7/171)
كما أن ما يحويه القرآن من آيات وأحكام ومعجزات ومعلومات يحتاج في تعلمه إلى وقت طويل يتتلمذ فيه محمد على يد هؤلاء، وما جربتم على محمد شيئاً من هذا كله.
وهل يعقل أن ما في القرآن يمكن أن يطويه صدر واحد من هؤلاء؟! لو حدث لكان له في المكانة والمنزلة بين قومه ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من منزلة، ولأشاروا إليه بالبنان ولذاع صيته، واشتهر أمره، وشيء من ذلك لم يحدث.
وقوله تعالى:
{وهذا لسان عربي مبين "103"}
(سورة النحل)
أي: لغته صلى الله عليه وسلم، ولغة القرآن عربية واضحة مبينة، لا لبس فيها ولا غموض
================
مَن كفر بالله مِن بعد إيمانه، إلا مَن أُكرِهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان
نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه وأمه وغيرهم فعذّبوهم، وقتلوا أباه وأمه، وأما عمار فوافقهم وكفر بمحمد وقلبه كاره. فأتى عمارُ محمداً وهو يبكي فقال له محمد: كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان فجعل محمد يمسح عينيه وقال: إن عادوا فعُدْ لهم بما قلت (الرازي في تفسير هذه الآية). يعني يجوز الكفر باللسان إذا كان في القلب الإيمان.
وهذا تعليم فاسد، فهل يرضى الله بالشِرْك به باللسان؟ قال المسيح: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم... مَن ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدَّام أبي الذي في السموات (متى 10: 28 ، 33)
الرد
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "106")
الحق سبحانه وتعالى سبق وأن تحدث عن حكم المؤمنين وحكم الكافرين، ثم تحدث عن الذين يخلفون العهد ولا يوفون به، ثم تحدث عن الذين افتروا على رسول الله والذين كذبوا بآيات الله، وهذه كلها قضايا إيمانية كان لابد أن تثار.
وفي هذه الآية الكريمة يوضح لنا الحق سبحانه وتعالى أن الإيمان ليس مجرد أن تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فالقول وحده لا يكفي ولابد وأن تشهد بذلك، ومعنى تشهد أن يواطئ القلب واللسان كل منهما الآخر في هذه المقولة.
والمتأمل لهذه القضية يجد أن القسمة المنطقية تقتضي أن يكون لدينا أربع حالات:
الأولى: أن يواطئ القلب اللسان إيجاباً بالإيمان؛ ولذلك نقول: إن المؤمن منطقي في إيمانه؛ لأنه يقول ما يضمره قلبه.
الثانية: أن يواطئ القلب اللسان سلباً أي: بالكفر، وكذلك الكافر منطقي في كفره بالمعنى السابق.
الثالثة: أن يؤمن بلسانه ويضمر الكفر في قلبه، وهذه حالة المنافق، وهو غير منطقي في إيمانه حيث أظهر خلاف ما يبطن ليستفيد من مزايا الإيمان.
الرابعة: أن يؤمن بقلبه، وينطق كلمة الكفر بلسانه.
وهذه الحالة الرابعة هي المرادة في هذه الآية. فالحق تبارك وتعالى يعطينا هنا تفصيلاً لمن كفر بعد إيمان، وما سبب هذا الكفر؟ وما جزاؤه؟
قوله:
{من كفر بالله من بعد إيمانه .. "106"}
(سورة النحل)
هذه جملة الشرط تأخر جوابها إلى آخر الآية الكريمة، لتقف أولاً على تفصيل هذا الكفر، فإما أن يكون عن إكراه لا دخل للإنسان فيه، فيجبر على كلمة الكفر، في حين قلبه مطمئن بالإيمان.
{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. "106"}
(سورة النحل)
ثم سكت عنه القرآن الكريم ليدلنا على أنه لا شيء عليه، ولا بأس أن يأخذ المؤمن بالتقية، وهي رخصة تقي الإنسان موارد الهلاك في مثل هذه الأحوال. وفي تاريخ الإسلام نماذج متعددة أخذت بهذه الرخصة، ونطقت كلمة الكفر وهي مطمئنة بالإيمان. وفي الحديث الشريف: "رفع عن أمتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه".
ويذكر التاريخ أن ياسر أبا عمار وزوجه سمية أول شهيدين في الإسلام، فكيف استشهدا؟ كانا من المسلمين الأوائل، وتعرضوا لكثير من التعذيب حتى عرض عليهم الكفار النطق بكلمة مقابل العفو عنهما، فماذا حدث من هذين الشهيدين؟ صدعاً بالحق وأصراً على الإيمان حتى نالا الشهادة في سبيل الله، ولم يأخذا برخصة التقية.
وكان ولدهما عمار أول من أخذ بها، حينما تعرض لتعذيب المشركين.
<وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمار بن ياسر كفر، فأنكر صلى الله عليه وسلم هذا، وقال: "إن إيمان عمار من مفرق رأسه إلى قدمه، وإن الإيمان في عمار قد اختلط بلحمه ودمه".
فلما جاء عمار أقبل على رسول الله وهو يبكي، ثم قص عليه ما تعرض له من أذى المشركين، وقال: والله يا رسول الله ما خلصني من أيديهم إلا أني تناولتك وذكرت آلهتهم بخير، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن مسح دموع عمار بيده الشريفة وقال له "إن عادوا إليك فقل لهم ما قلت".
وقد أثارت هذه الرخصة غضب بعض الصحابة، فراجعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: فما بال بلال؟ فقال: "عمار استعمل رخصة، وبلال صدع بالحق">(7/172)
ولاشك أن هاتين منزلتان في مواجهة الباطل وأهله، وأن الصدع بالحق والصبر على البلاء أعلى منزلة، وأسمى درجة من الأخذ بالرخصة؛ لأن الأول آمن بقلبه ولسانه، والآخر آمن بقلبه فقط ونطق لسانه الكفر.
لذلك، ففي حركة الردة حاول مسيلمة الكذاب أن يطوف بالقبائل لينتزع منهم شهادة بصدق نبوته، فقال لرجل: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: فما تقول في؟ فقال الرجل في لباقة: وأنت كذلك، يعني أخرج نفسه من هذا المأزق دون أن يعترف صراحة بنبوة هذا الكذاب.
فقابل آخر وسأله: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: وما تقول في؟ فقال الرجل متهكماً: اجهر لأني أصبحت أصم الآن، وأنكر على مسيلمة ما يدعيه فكان جزاؤه القتل. فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما قال: "أحدهما استعمل الرخصة، والآخر صدق بالحق.
وقد تحدث العلماء عن الإكراه في قوله تعالى:
{إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. "106"}
(سورة النحل)
وأوضحوا وجوه الإكراه وحكم كل منها، على النحو التالي:
ـ إذا أكره الإنسان على أمر ذاتي فيه. كأن قيل له: اشرب الخمر وإلا قتلتك أو عذبتك قالوا: يجب عليه في هذه الحالة أن يشربها وينجو بنفسه؛ لأنه أمر يتعلق به، ومن الناس من يعصون الله بشربها. فإن قيل له: اكفر بالله وإلا قتلتك أو عذبتك، قالوا: هو مخير بين أن يأخذ بالتقية هنا، ويستخدم الرخصة التي شرعها الله له، أو يصدع بالحق ويصمد.
ـ أما إذا تعلق الإكراه بحق من حقوق الغير، كأن قيل لك: اقتل فلاناً وإلا قتلتك، ففي هذه الحالة لا يجوز لك قتله؛ لأنك لو قتلته لقتلت قصاصاً، فما الفائدة إذن؟
وبعد أن تحدث الحق تبارك وتعالى عن حكم من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، يتحدث عن النوع الآخر:
{ولكن من شرح بالكفر صدراً .. "106"}
(سورة النحل)
أي: نطق كلمة الكفر راضياً بها، بل سعيدة بها نفسه، منشرحاً بها صدره، وهذا النوع هو المقصود في جواب الشرط.
{فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "106"}
(سورة النحل)
فإن كانت الآيات قد سكتت عمن أكره، ولم تجعل له عقوبة لأنه مكره، فقد بينت أن من شرح بالكفر صدراً عليه غضب من الله أي: في الدنيا. ولهم عذاب عظيم أي: في الآخرة.
وكما رأينا في تاريخ الإسلام نماذج للنوع الأول الذي أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، كذلك رأينا نماذج لمن شرح بالكفر صدراً، وهم المنافقون، ومنهم من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، ومنهم عبد الله ابن سعد بن أبي السرح من عامر بن لؤي
================
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المَسْجِدِ الحرام إلى المسجد الأقصى
اختلف المفسرون فيما يتعلق بالإسراء فقالوا إنه كان من الكعبة أو من الحِجْر، أو من بيت أم هانئ.
وقال محمد: بينما كنت نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العِشاء، أُسري بي . فارتدّ كثير من قريش ورأوا أن هذا من أضغاث الأحلام، أو الأوهام. ومن أقواله في الحديث إن الصلاة كانت خمسين، فتوسّط لدى الله وجعلها خمسة وقت الإسراء (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
وقد أورد الرازي عدة شبهات حول أحاديث الإسراء والمعراج:
- 1 - الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحدّ غير معقولة. وصعود الجرم الثقيل إلى السموات غير معقول. وصعوده إلى السموات يوجب انخراق الأفلاك، وذلك محال.
- 2 - هذا المعنى لو صحّ لكان أعظم من سائر المعجزات. وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلّوا به على صدقه في ادّعاء النبوّة. فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون عبثاً، وذلك لا يليق بالحكيم.
- 3 - تمسّكوا بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فِتْنةً للناس (الإسراء 60). وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس لأن كثيراً ممن تبع محمداً لما سمع هذا الكلام كذَّبه وكفر به، فكان حديث المعراج سبباً لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآها في المنام.
- 4 - اشتمل حديث المعراج على أشياء بعيدة منها ما روي من شق بطنه وتطهيره بماء زمزم وهو بعيد، لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الباطلة والأخلاق المذمومة. ومنها ما روي من ركوب البُراق وهو بعيد، لأن الله لما سيّره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأيّ حاجةٍ إلى البراق. ومنها ما رُوي أنه تعالى أوجب خمسين صلاة ثم إن محمداً لم يزل يتردد بين الله وبين موسى إلى أن أعاد الخمسين إلى خمس بسبب شفقة موسى. قال القاضي: وهذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وإنه يوجب البداء وذلك على الله محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما لا يجوز قبوله، فكان مردوداً (الرازي في تفسير الإسراء 17: 1).(7/173)
وبالإضافة إلى كل ما قاله المفسرون عن هذه القصة، فهي باطلة من أصلها لأن بيت المقدس (هيكل سليمان أو المسجد الأقصى) كان قد هُدم عام 70م ولم يُبْنَ إلا في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، بعد محمد بنحو مئة عام. فبعد أن بدأت دولة الأمويين بحكم معاوية، آلت الخلافة لعبد الملك بن مروان عام 65 ه (684م) فنالت مدينة القدس عنايةً كبرى في عهده. وبعد أن زارها بعث إلى وُلاته في أرجاء العالم الإسلامي يقول إن الله وجَّهه لبناء قبَّة الصخرة والمسجد الأقصى، وأنه لا يريد أن ينفذ هذا الأمر إلا إذا إمرته الرعية. فجاءته الرسائل من أنحاء العالم الإسلامي تحبِّذ الأمر، وتقول إن عليه أن يمضي في ما عزم عليه. ويقول كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمؤلفه قاضي القضاء مجيد السيد الحنبلي (وقد كتبه سنة 90ه) إن عبد الملك بن مروان جدَّ في بناء القبة والمسجد الأقصى ليصرف الناس عن الحج إلى مكة وقت سيطرة عبد الله بن الزبير على الحجاز.
وجمع عبد الملك بن مروان أمهر رجال الهندسة والبناء والزخرفة فأقاموا نموذجاً لقبة الصخرة عُرض على الخليفة ، فشاور أعوانه وأقرّوه وتمّ تنفيذه. (عن كتاب القدس ومعاركنا الكبرى لمحمد صبيح).
وقصة المعراج هذه أُخذت من كتب الفرس ومن خرافاتهم القديمة، فإنها مذكورة في كتبهم 400 سنة قبل الهجرة في كتاب يسمى ارتيوراف نامك (معراج).
الرد
الفتح العمري وبناء مسجد الأقصى
فكان الفتح العمري لبيت المقدس سنة 15 هجرية/ 636 ميلادية، عندما دخلها الخليفة عمر بن الخطاب سلماً أعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعهدة العمرية ، وقد جاءت هذه الوثيقة لتمثل الارتباط السياسي وحق الشرعية الإسلامية بالقدس وبفلسطين. وبعد تسلمه مفاتيح مدينة القدس من بريرك الروم صفرنيوس
.
فبعد المعارك الحاسمة – اجنادين وفحل واليرموك – والتي شهدتها أرض الشام المباركة قدم أبو عبيدة عامر بن الجراح على عمرو رضي الله عنهما وهو محاصر إيلياء (القدس). ثم طلب أهلها الأمان والصلح, على أن يكون الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي يتولى بنفسه تسلم بيت المقدس وعقد الصلح, فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها, وتسلم بيت المقدس بنفسه من صفرونيوس بطريرك القدس عام 16هـ. وصدرت العهدة العمرية ونص فيها على أن لا يسكن إيلياء أحد من اليهود[1].
ودخل عمر رضي الله عنه القدس عن طريق جبل المكبر[2] ثم سار الفاروق عمر إلى منطقة الحرم الشريف التي كانت خراباً تاماً في ذلك الوقت وزار موقع الصخرة المشرفة وأمر بتنظيفها كما أمر بإقامة مسجد في الجهة الجنوبية من الحرم الشريف. وبعد ذلك نظم شؤون المدينة فأنشأ الدواوين ونظم البريد وعين العيون وأقام يزيد بن أبي سفيان والياً وعيّن عبادة بن الصامت قاضياً فيها وعلى جند فلسطين .
روى الإمام أحمد عن طريق عبيد بن آدم قال: (سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب الأحبار: أين ترى أن أًصلي؟ فقال: إن أخذت عني, صليت خلف الصخرة, وكانت القدس كلها بين يديك, فقال عمر: ضاهيت اليهودية. لا, ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتقدم إلى القبلة فصلى, ثم جاء فبسط رداءه, فكنس الكناسة في ردائه, وكنس الناس)[3].
وقوله: { مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } اختلفوا في المكان الذي أسرى به منه، فقيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الذي يدل عليه ظاهر لفظ القرآن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق " وقيل أسري به من دار أم هانيء بنت أبي طالب. والمراد على هذا القول بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وعن ابن عباس الحرم كله مسجد، وهذا قول الأكثرين
واعلم أن كلمة { إِلَى } لانتهاء الغاية فمدلول قوله: { إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى } أنه وصل إلى حد ذلك المسجد فأما أنه دخل ذلك المسجد أم لا فليس في اللفظ دلالة عليه ..... وذلك توضيح لما قيل من الجهلة ان هذه القصة باطلة من أصلها لأن بيت المقدس (هيكل سليمان أو المسجد الأقصى) كان قد هُدم عام 70م
عن الإمام الرازي
المقام الأول: وهو إثبات الجواز العقلي، فنقول: الحركة الواقعة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها والله تعالى قادر على جميع الممكنات، وذلك يدل على أن حصول الحركة في هذا الحد من السرعة غير ممتنع، فنفتقر ههنا إلى بيان مقدمتين:
المقدمة الأولى: في إثبات أن الحركة الواقعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها ويدل عليه وجوه:(7/174)
الوجه الأول: أن الفلك الأعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر الواحد إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع، فيلزم أن تكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع وبتقدير أن يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا بمقدار نصف القطر فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور فكان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالإمكان، فهذا برهان قاطع على أن الارتقاء من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث من الليل أمر ممكن في نفسه، وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالإمكان، والله أعلم.
الوجه الثاني: وهو أنه ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الأرض مائة وستين وكذا مرة ثم إنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، وذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه.
الوجه الثالث: أنه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش، فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم، فإن كان القول بمعراج محمد صلى الله عليه وسلم في الليلة الواحدة ممتنعاً في العقول، كان القول بنزول جبريل عليه الصلاة والسلام من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعاً، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان ذلك طعناً في نبوة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة، فثبت أن القائلين بامتناع حصول حركة سريعة إلى هذا الحد، يلزمهم القول بامتناع نزول جبريل عليه الصلاة والسلام في اللحظة من العرش إلى مكة، ولما كان ذلك باطلاً كان ما ذكروه أيضاً باطلاً.
فإن قالوا: نحن لا نقول إن جبريل عليه الصلاة والسلام جسم ينتقل من مكان إلى مكان، وإنما نقول المراد من نزول جبريل عليه السلام هو زوال الحجب الجسمانية عن روح محمد صلى الله عليه وسلم حتى يظهر في روحه من المكاشفات والمشاهدات بعض ما كان حاضراً متجلياً في ذات جبريل عليه الصلاة والسلام.
قلنا: تفسير الوحي بهذا الوجه هو قول الحكماء، فأما جمهور المسلمين فهم مقرون بأن جبريل عليه الصلاة والسلام جسم وأن نزوله عبارة عن انتقاله من عالم الأفلاك إلى مكة، وإذاكان كذلك كان الإلزام المذكور قوياً، روي أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر قصة المعراج كذبه الكل وذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال أبو بكر: إن كان قد قال ذلك فهو صادق، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الرسول له تلك التفاصيل، فكلما ذكر شيئاً قال أبو بكر صدقت فلما تمم الكلام قال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله حقاً، فقال له الرسول: وأنا أشهد أنك الصديق حقاً، وحاصل الكلام أن أبا بكر رضي الله عنه كأنه قال لما سلمت رسالته فقد صدقته فيما هو أعظم من هذا فكيف أكذبه في هذا؟
الوجه الرابع: أن أكثر أرباب الملل والنحل يسلمون وجود إبليس ويسلمون أنه هو الذي يتولى إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم، ويسلمون أنه يمكنه الانتقال من المشرق إلى المغرب لأجل إلقاء الوساوس في قلوب بني آدم، فلما سلموا جواز مثل هذه الحركة السريعة في حق إبليس فلأن يسلموا جواز مثلها في حق أكابر الأنبياء كان أولى، وهذا الإلزام قوي على من يسلم أن إبليس جسم ينتقل من مكان إلى مكان، أما الذين يقولون إنه من الأرواح الخبيثة الشريرة وأنه ليس بجسم ولا جسماني، فهذا الإلزام غير وارد عليهم، إلا أن أكثر أرباب الملل والنحل يوافقون على أنه جسم لطيف متنقل.
الوجه الخامس: أنه جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه الصلاة والسلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة قال تعالى في صفة مسير سليمان عليه الصلاة والسلام:
{ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [سبأ: 12]
بل نقول: الحس يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة، وذلك أيضاً يدل على أن مثل هذه الحركة السريعة في نفسها ممكنة.
الوجه السادس: أن القرآن يدل على أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر بدليل قوله تعالى:
{ قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَبِ أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ }[النمل: 40]
وإذا كان ممكناً في حق بعض الناس، علمنا أنه في نفسه ممكن الوجود.(7/175)
الوجه السابع: إن من الناس من يقول: الحيوان إنما يبصر المبصرات لأجل أن الشعاع يخرج من عينيه ويتصل بالمبصر ثم إنا إذا فتحنا العين ونظرنا إلى رجل رأيناه فعلى قول هؤلاء انتقل شعاع العين من أبصارنا إلى رجل في تلك اللحظة اللطيفة، وذلك يدل على أن الحركة الواقعة على هذا الحد من السريعة من الممكنات لا من الممتنعات، فثبت بهذه الوجوه أن حصول الحركة المنتهية في السرعة إلى هذا الحد أمر ممكن الوجود في نفسه.
المقدمة الثانية: في بيان أن هذه الحركة لما كانت ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلى الله عليه وسلم ممتنعاً، والذي يدل عليه أنا بينا بالدلائل القطعية أن الأجسام متماثلة في تمام ماهياتها، فلما صح حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام، وذلك يوجب القطع بأن حصول مثل هذه الحركة في جسد محمد صلى الله عليه وسلم أمر ممكن الوجود في نفسه.
وإذا ثبت هذا فنقول: ثبت بالدليل أن خالق العالم قادر على كل الممكنات، وثبت أن حصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسد محمد صلى الله عليه وسلم ممكن، فوجب كونه تعالى قادراً عليه وحينئذ يلزم من مجموع هذه المقدمات أن القول بثبوت هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب، إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام، بل هو حاصل في جميع المعجزات، فانقلاب العصا ثعباناً تبلغ سبعين ألف حبل من الحبال والعصي، ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب، وخروج الناقة العظيمة من الجبل الأصم، وإظلال الجبل العظيم في الهواء عجيب، وكذا القول في جميع المعجزات فإن كان مجرد التعجب يوجب الإنكار والدفع، لزم الجزم بفساد القول بإثبات المعجزات وإثبات المعجزات فرع على تسليم أصل النبوة وإن كان مجرد التعجب لا يوجب الإنكار والإبطال فكذا ههنا، فهذا تمام القول في بيان أن القول بالمعراج ممكن غير ممتنع، والله أعلم.
المقام الثاني: في البحث عن وقوع المعراج قال أهل التحقيق: الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد صلى الله عليه وسلم وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر، أما القرآن فهو هذه الآية، وتقرير الدليل أن العبد اسم لمجموع الجسد والروح، فوجب أن يكون الإسراء حاصلاً لمجموع الجسد والروح.
واحتج المنكرون له بوجوه:
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة السيف البتار
- 1 - الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحدّ غير معقولة. وصعود الجرم الثقيل إلى السموات غير معقول. وصعوده إلى السموات يوجب انخراق الأفلاك، وذلك محال.
- 2 - هذا المعنى لو صحّ لكان أعظم من سائر المعجزات. وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلّوا به على صدقه في ادّعاء النبوّة. فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون عبثاً، وذلك لا يليق بالحكيم.
- 3 - تمسّكوا بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فِتْنةً للناس (الإسراء 60). وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس لأن كثيراً ممن تبع محمداً لما سمع هذا الكلام كذَّبه وكفر به، فكان حديث المعراج سبباً لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآها في المنام.
- 4 - اشتمل حديث المعراج على أشياء بعيدة منها ما روي من شق بطنه وتطهيره بماء زمزم وهو بعيد، لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الباطلة والأخلاق المذمومة. ومنها ما روي من ركوب البُراق وهو بعيد، لأن الله لما سيّره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأيّ حاجةٍ إلى البراق. ومنها ما رُوي أنه تعالى أوجب خمسين صلاة ثم إن محمداً لم يزل يتردد بين الله وبين موسى إلى أن أعاد الخمسين إلى خمس بسبب شفقة موسى. قال القاضي: وهذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وإنه يوجب البداء وذلك على الله محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما لا يجوز قبوله، فكان مردوداً (الرازي في تفسير الإسراء 17: 1).
الجواب عن الوجوه العقلية قد سبق فلا نعيدها.
والجواب عن الشبهة الثانية: ما ذكره الله تعالى وهو قوله: { لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَتِنَا } وهذا كلام مجمل وفي تفصيله وشرحه وجوه:
الأول: أن خيرات الجنة عظيمة، وأهوال النار شديدة، فلو أنه عليه الصلاة والسلام ما شاهدهما في الدنيا، ثم شاهدهما في ابتداء يوم القيامة فربما رغب في خيرات الجنة أو خاف من أهوال النار، أما لما شاهدهما في الدنيا في ليلة المعراج فحينئذ لا يعظم وقعهما في قلبه يوم القيامة فلا يبقى مشغول القلب بهما، وحينئذ يتفرغ للشفاعة.(7/176)
الثاني: لا يمتنع أن تكون مشاهدته ليلة المعراج للأنبياء والملائكة، صارت سبباً لتكامل مصلحته أو مصلحتهم. الثالث: أنه لا يبعد أنه إذا صعد الفلك وشاهد أحوال السموات والكرسي والعرش، صارت مشاهدة أحوال هذا العالم وأهواله حقيرة في عينه، فتحصل له زيادة قوة في القلب باعتبارها يكون في شروعه في الدعوة إلى الله تعالى أكمل وقلة التفاته إلى أعداء الله تعالى أقوى، يبين ذلك أن من عاين قدرة الله تعالى في هذا الباب، لا يكون حاله في قوة النفس وثبات القلب على احتمال المكاره في الجهاد وغيره إلا أضعاف ما يكون عليه حال من لم يعاين.
واعلم أن قوله: { لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَتِنَا } كالدلالة على أن فائدة ذلك الإسراء مختصة به وعائدة إليه على سبيل التعيين.
والجواب عن الشبهة الثالثة: أنا عند الانتهاء إلى تفسير تلك الآية في هذه السورة نبين أن تلك الرؤيا رؤيا عيان لا رؤيا منام.
والجواب عن الشبهة الرابعة: لا اعتراض على الله تعالى في أفعاله فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والله أعلم.
أما العروج إلى السموات وإلى ما فوق العرش :
قال تعالى في سورة (مريم):
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا
وللهبوط :
قال تعالى : قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ... البقرة 38
------------------------
سفر تكوين
5: 24 و سار اخنوخ مع الله و لم يوجد لان الله اخذه
لوقا
24: 51 و فيما هو يباركهم انفرد عنهم و اصعد الى السماء
رد آخر
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"1")
لو تأملنا خواتيم سورة النحل لوجدناها مقدمة طبيعية لأحداث سورة الإسراء، ولوجدنا توافقاً وتناسباً في ترتيب هاتين السورتين، فقد ختمت النحل ببيان حكم رد العقوبة بمثلها، ثم أمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر وبينت جزاء الصابرين، ونهت رسول الله عن الضيق من مكر الكفار.
نستشف من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيستقبل أحداثاً تحتاج إلى صبر وشدائد، تحتاج إلى سعة صدر، وكأن هذه التوجيهات جاءت بمثابة مناعات إيمانية، تحصن رسول الله وتعده لما هو مقبل عليه من أحداث في سورة الإسراء، وكأنها إشارات لما سيحدث من شدائد حتى لا يفاجأ رسول الله بها، ولا تأتيه على غرة.
هذه المناعات التي جاءت في نهاية سورة النحل أشبه بما نلجأ إليه في حفظ سلامة البنية وسلامة القالب، حينما نخاف من الأمراض، إنه ما نسميه بالتطعيم ضد المرض، فيأخذ الجسم من هذا الطعم حصانة تحميه إذا هاجمه المرض. كذلك الحق سبحانه وتعالى يعطي رسوله هذه التحصينات، حتى يواجه الأحداث والشدائد القادمة بصبر وجلد، ويعلم أن الله تعالى لن يخذله، ولن يتخلى عنه، فما أرسل الله رسولاً وخذله أبداً، فإن خذله الناس، وضاقت عليه الدنيا بما رحبت وجد الملجأ في معيته سبحانه وتعالى.
وفعلاً نزلت الشدائد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قمة هذه الأحداث عند فقد عمه أبي طالب، وزوجه خديجة في عام واحد، ولقسوة هذا عليه سماه "عام الحزن".
ففقد صلى الله عليه وسلم بموت عمه الحماية الخارجية التي كانت تدفع عنه أذى المشركين، وتصد عنه صناديد قريش، وفقد بموت زوجته الحماية الداخلية والملجأ الذين كان يأوي إليه، حيث كانت تواسيه وتهدئ من روعه في أول نزول الوحي عليه. وتبين له بفقه أن ما يجده في الغار من علامات النبوة، وأن الله لن يتخلى عنه وتقول له: "والله إنك لتصل الرحم، وتغيث الملهوف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر".
نعم لقد كان عام حزن فعلاً، فقد فيه السكن الخارجي والداخلي معاً، فأين يذهب صلى الله عليه وسلم. فما عاد يشعر بأمن في مكة، ففكر في أهل الطائف، عساه يجد الأمن والأمان بينهم، ولكنه كان كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقد آذوه أشد الإيذاء، وقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريفة وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم، وعاد منها حزيناً منكسراً إلى مكة مرة أخرى، فلم يجد من يجيره إلا مطعم بن عدي.
ومن هنا نعلم أن نهايات سورة النحل جاءت في موقعها المناسب، وكأن الحق سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لقد ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك، ولكن ملجأك إلى الله سيريك أن قسوة الأرض وتجهم الحياة لك سأبدلك به تحية مباركة، في أن أريك حفاوة السماء بك، فبعد ما حدث لك في مكة والطائف:
{ولا تك في ضيق مما يمكرون "127" إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.. "128"} (سورة النحل)
وجاء حادث الإسراء والمعراج ليرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حفاوة الملأ الأعلى بعد ما أصابه من أذى البشر، وقبل أن يرى رسول الله حفاوة السماء غير الله له نظام الكون
والفارق كبير بين هذا الحدث العظيم والحدث الباهت بإنجيل متى
4: 8 ثم اخذه ايضا ابليس ( اليسوع ) الى جبل عال جدا و اراه جميع ممالك العالم و مجدها(7/177)
استهل الحق سبحانه هذه السورة بقوله (سبحان)؛ لأنها تتحدث عن حدث عظيم خارق للعادة، ومعنى سبحانه: أي تنزيهاً لله تعالى تنزيهاً مطلقاً، أن يكون له شبه أو مثيل فيما خلق، لا في الذات، فلا ذات كذاته، ولا في الصفات فلا صفات كصفاته، ولا في الأفعال، فليس في أفعال خلقه ما يشبه أفعاله تعالى.
فإن قيل لك: الله موجود وأنت موجود، فنزه الله أن يكون وجوده كوجودك؛ لأن وجودك من عدم، وليس ذاتياً فيك، ووجوده سبحانه ليس من عدم، وهو ذاتي فيه سبحانه.
فذاته سبحانه لا مثيل لها، ولا شبيه في ذوات خلقه. وكذلك إن قيل: سمع والله سمع. فنزه الله أن يشابه سمعه سمعك، وإن قيل: لك فعل، ولله فعل فنزه الله أن يكون فعله كفعلك. ومن معاني (سبحانه) أي: أتعجب من قدرة الله.
إذن: كلمة (سبحان) جاءت هنا لتشير إلى أن ما بعدها أمر خارج عن نطاق قدرات البشر، فإذا ما سمعته إياك أن تعترض أو تقول: كيف يحدث هذا؟ بل نزه الله أن يشابه فعله فعل البشر، فإن قال لك: إنه أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس في ليلة، مع أنهم يضربون إليها أكباد الإبل شهراً، فإياك أن تنكر.
فربك لم يقل: سرى محمد، بل أسرى به. فالفعل ليس لمحمد ولكنه لله، ومادام الفعل لله فلا تخضعه لمقاييس الزمن لديك، ففعل الله ليس علاجاً ومزاولة كفعل البشر.
وقوله: (أسرى) من السري، وهو السير ليلاً، وفي الحكم: (عند الصباح يحمد القوم السري). فالحق سبحانه أسرى بعبد، فالفعل لله تعالى، وليس لمحمد صلى الله عليه وسلم فلا تقس الفعل بمقياس البشر، ونزه فعل الله عن فعلك، وقد استقبل أهل مكة هذا الحدث استقبال المكذب. فقالوا: كيف هذا ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، وهم كاذبون في قولهم؛ لأن رسول الله لم يدع أنه سرى بل قال: أسرى بي.
ومعلوم أن قطع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة في السرعة. أي: أن الزمن يتناسب عكسياً مع القوة، فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى الإسكندرية سيختلف الزمن لو سرنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة، فكلما زادت القوة قل الزمن، فما بالك لو نسب الفعل
فإن قال قائل: مادام الفعل مع الله لا يحتاج إلى زمن، لماذا لم يأت الإسراء لمحة فحسب، ولماذا استغرق ليلة؟
نقول: لأن هناك فرقاً بين قطع المسافات بقانون الله سبحانه وبين مراء عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق، فرأى مواقف، وتكلم مع أشخاص، ورأى آيات وعجائب، هذه هي التي استغرقت الزمن.
وقلنا: إنك حين تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قدر قوة الفاعل. هب أن قائلاً قال لك: أنا صعدت بابني الرضيع قمة جبل "إفرست"، هل تقول له: كيف صعد ابنك الرضيع قمة "إفرست"؟
هذا سؤال إذن في غير محله، وكذلك في مسألة الإسراء والمعراج يقول تعالى: أنا أسريت بعبدي، فمن أراد أن يحيل المسألة وينكرها، فليعترض على الله صاحب الفعل لا على محمد. لكن كيف فاتت هذه القضية على كفار مكة؟
ومن تكذيب كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج نأخذ رداً جميلاً على هؤلاء الذين يخوضون في هذا الحادث بعقول ضيقة وبإيمانية سطحية في عصرنا الحاضر، فيطالعونا بأفكار سقيمة ما أنزل الله بها من سلطان.
ونسمع منهم من يقول: إن الإسراء كان مناماً، أو كان بالروح دون الجسد. ونقول لهؤلاء: لو قال محمد لقومه: أنا رأيت في الرؤيا بيت المقدس، هل كانوا يكذبون؟ ولو قال لهم: لقد سبحت روحي الليلة حتى أتت بيت المقدس، أكانوا يكذبونه؟ أتكذب الرؤى أو حركة الأرواح؟!
إذن: في إنكار الكفار على رسول الله وتكذيبهم له دليل على أن الإسراء كان حقيقة تمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده، وكأن الحق سبحانه ادخر الموقف التكذيبي لمكذبي الأمس، ليرد به على مكذبي اليوم.
ويكفيك عزاً وكرامة أنك إذا أردت مقابلة سيدك أن يكون الأمر في يدك، فما عليك إلا أن تتوضأ وتنوي المقابلة قائلاً: الله اكبر، فتكون في معية الله عز وجل في لقاء تحدد أنت مكانه وموعده ومدته، وتختار أنت موضوع المقابلة، وتظل في حضرة ربك إلى أن تنهي المقابلة متى أردت.
وما احسن ما قال الشاعر:
حسب نفسي عزاً بأني عبد يحتفي بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز ولكني أنا ألقي متى وأين احب
فما بالك لو حاولت لقاء عظيم من عظماء الدنيا؟ وكم أنت ملاق من المشقة والعنت؟ وكم دونه من الحجاب والحراس؟ ثم بعد ذلك ليس لك أن تختار لا الزمان ولا المكان، ولا الموضوع ولا غيره.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المتخلق بأخلاق الله إذا سلم على أحد لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده.
{ليلاً .. "1" }
(سورة الإسراء)
سبق أن قلنا: إن السري هو السير ليلاً، فكانت هذه كافية للدلالة على وقوع الحدث ليلاً، ولكن الحق سبحانه أراد أن يؤكد ذلك، فقد يقول قائل: لماذا لم يحدث الإسراء نهاراً؟(7/178)
نقول: حدث الإسراء ليلاً، لتظل المعجزة غيباً يؤمن به من يصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو ذهب في النهار لرآه الناس في الطريق ذهاباً وعودة، فتكون المسألة ـ إذن ـ حسية مشاهدة لا مجال فيها للإيمان بالغيب.
لذلك لما سمع أبو جهل خبر الإسراء طار به إلى المسجد وقال: إن صاحبكم يزعم أنه أسرى به الليلة من مكة إلى بيت المقدس، فمنهم من قلب كفيه تعجباً، ومنهم من أنكر، ومنهم من ارتد.
أما الصديق أبو بكر فقد استقبل الخبر استقبال المؤمن المصدق، ومن هذا الموقف سمي الصديق، وقال قولته المشهورة: "إن كان قال فقد صدق". إذن: عمدته أن يقول رسول الله، وطالما قال فهو صادق، هذه قضية مسلم بها عند الصديق رضي الله عنه.
ثم قال: "إنا لنصدقه في أبعد من هذا، نصدقه في خبر السماء (الوحي)، فكيف لا نصدقه في هذا"؟
إذن: الحق سبحانه جعل هذا الحادث محكاً للإيمان، وممحصاً ليقين الناس، حين يغربل من حول رسول الله، ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع. لذلك قال تعالى في آية أخرى:
{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس .. "60" }
وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكن مناماً، فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً، فالمنام لا يكذبه أحد ولا يختلف فيه الناس. لكن لماذا قال عن الإسراء (رؤيا) يعني المنامية، ولم يقل "رؤية" يعني البصرية؟
قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية، فالرؤيا محل الأحداث العجيبة.
وورد في الإسراء أحاديث كثيرة تكلم فيها العلماء: أكان بالروح والجسد؟ أكان يقظة أم مناماً؟ أكان من المسجد الحرام أم من بيت أم هانئ؟ ونحن لا نختلف مع هذه الآراء، ونوضح ما فيها من تقارب.
فمن حيث: أكان الإسراء بالروح فقط أم بالروح والجسد؟ فقد أوضحنا وجه الصواب فيه، وأنه كان بالروح والجسد جميعاً، فهذا مجال الإعجاز، ولو كان بالروح فقط ما كان عجيباً، وما كذبه كفار مكة.
أما من ذهب إلى أن الإسراء كان رؤيا منام، فيجب أن نلاحظ أن أول الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان الرؤيا الصادقة، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا وجاءت كفلق الصبح، فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ليست كرؤيانا، بل هي صدق لابد أن يتحقق. ومثال ذلك ما حدث، من إرادة الله له رؤيا الفتح.
قال تعالى:
{لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون .. "27" }
(سورة الفتح)
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم صحابته هذا الخبر، فلما ردهم الكفار عند الحديبية، فقال الصحابة لرسول الله: ألم تبشرنا بدخول المسجد الحرام؟ فقال: ولكن لم أقل هذا العام.
لذلك يسمون هذه الرؤى رؤى الإيناس، وهي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم الشيء مناماً، حتى إذا ما تحقق لم يفاجأ به، وكان له أنس به.
ومادام لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فلابد أن هذه الرؤيا ستأتي واقعاً وحقيقة، وقد يرى هذه الرؤيا مرة أخرى على سبيل التذكرة بذلك الإيناس.
إذن: من قال: إن الإسراء كان مناماً نقول له: نعم كان رؤيا إيناس تحققت في الواقع، فلدينا رؤى الإيناس
أولاً، ورؤى التذكير بالنعمة
ثانياً، وواقع الحادث في الحقيقة
ثالثاً، وبذلك نخرج من تعدد الأقوال حول: أكان الإسراء يقظة أم مناماً؟
وحتى بعد انتهاء حادث الإسراء كانت الرؤيا الصادقة نوعاً من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلما اشتدت به الأهوال يريه الله تعالى ما حدث له ليبين له حفاوة السماء والكون به صلى الله عليه وسلم؛ ليكون جلداً يتحمل ما يلاقي من التعنت والإيذاء.
أما من قال: إن الإسراء كان من بيت أم هانئ، فهذا أيضاً ليس محلاً للخلاف؛ لأن بيت أم هانئ كان ملاصقاً للمطاف من المسجد الحرام، والمطاف من المسجد. إذن: لا داعي لإثارة الشكوك والخلافات حول هذه المعجزة؛ لأن الفعل فعل الحق سبحانه وتعالى، والذي يحكيه لنا هو الحق سبحانه وتعالى، فلا مجال للخلاف فيه
{من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. "1" }
(سورة الإسراء)
المسجد الحرام هو بيت الله: الكعبة المشرفة، وسمي حراماً؛ لأنه حرم فيه ما لم يحرم في غيره من المساجد. وكل مكان يخصص لعبادة الله نسميه مسجداً
{إلى المسجد الأقصى .. "1" }
(سورة الإسراء)
في بعد المسافة نقول: هذا قصي. أي: بعيد. وهذا أقصى أي: أبعد، فالحق تبارك وتعالى كأنه يلفت أنظارنا إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجد آخر قصي، وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمسجد الأقصى: أي: الأبعد، وهو مسجد بيت المقدس.
{باركنا حوله .. "1" }
(سورة الإسراء)
دليل على المبالغة في البركة، فإن كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى، فالبركة فيه من باب أولى، كأن تقول: من يعيشون حول فلان في نعمة، فمعنى ذلك أنه في نعمة أعظم. لكن بأي شيء بارك الله حوله؟(7/179)
لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية: بركة دنيوية بما جعل حوله من أرض خصبة عليها الحدائق والبساتين التي تحوي مختلف الثمار، وهذا من عطاء الربوبية الذي يناله المؤمن والكافر.
وبركة دينية خاصة بالمؤمنين، هذه البركة الدينية تتمثل في أن الأقصى مهد الرسالات ومهبط الأنبياء، تعطرت أرضه بأقدام إبراهيم وإسحق ويعقوب وعيسى وموسى وزكريا ويحيى، وفيه هبط الوحي وتنزلت الملائكة.
{لنريه من آياتنا .. "1" }
(سورة الإسراء)
اللام هنا للتعليل. كأن مهمة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس أن نرى رسول الله الآيات، وكلمة: الآيات لا تطلق على مطلق موجود، إنما تطلق على الموجود العجيب، كما نقول: هذا آية في الحسن، آية في الشجاعة، فالآية هي الشيء العجيب. ولله عز وجل آيات كثيرة منها الظاهر الذي يراه الناس من ليل ونهار والجوار في البحر كالأعلام
والله سبحانه يريد أن يجعل لرسوله صلى الله عليه وسلم خصوصية، وأن يريه من آيات الغيب الذي لم يره أحد، ليرى صلى الله عليه وسلم حفاوة السماء به، ويرى مكانته عند ربه الذي قال له:
{ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون "127" } (سورة النحل)
لأنك في سعة من عطاء الله، فإن أهانك أهل الأرض فسوق يحتفل بك أهل السماء في الملأ الأعلى، وإن كنت في ضيق من الخلق فأنت في سعة من الخالق
{إنه هو السميع البصير "1" }
(سورة الإسراء)
أي: الحق سبحانه وتعالى. السمع: إدراك يدرك الكلام. والبصر: إدراك يدرك الأفعال والمرائي، فلكل منهما ما يتعلق به. لكن سميع وبصير لمن؟
(سميع) لأقوال الرسول (بصير) بأفعاله، حيث آذاه قومه وكذبوه وألجوؤه إلى الطائف، فكان أهلها أشد قسوة من إخوانهم في مكة، فعاد منكراً دامياً، وكان من دعائه:
"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
فالله سميع لقول نبيه صلى الله عليه وسلم. وبصير لفعله
والحق تبارك وتعالى تعرض لحادث الإسراء في هذه الآية على سبيل الإجمال، فذكر بدايته من المسجد الحرام، ونهايته في المسجد الأقصى، وبين البداية والنهاية ذكر كلمة الآيات هكذا مجملة.
وجاء صلى الله عليه وسلم ففسر لنا هذا المجمل، وذكر الآيات التي رآها، فلو لم يذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من آيات الله لقلنا: وأين هذه الآيات؟ فالقرآن يعطينا اللقطة الملزمة لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم:
{إن علينا جمعه وقرآنه "17" فإذا قرأناه فاتبع قرآنه "18" ثم إن علينا بيانه"19" }
(سورة القيامة)
إذن: كان لابد لتكتمل صورة الإسراء في نفوس المؤمنين أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال من أحاديث الإسراء.
لكن يأتي المشككون وضعاف الإيمان يبحثون في أحاديث الإسراء عن مأخذ، فيعترضون على المرائي التي رآها رسول الله، وسأل عنها جبريل عليه السلام. فكان اعتراضهم أن هذه الأحداث في الآخرة، فكيف رآها محمد صلى الله عليه وسلم؟
ونقول لهؤلاء: لقد قصرت أفهامكم عن إدراك قدرة الله في خلق الكون، فالكون لم يخلق هكذا، بل خلق بتقدير أزلي له، ولتوضح هذه المسألة نضرب هذا المثل:
هب أنك أردت بناء بيت، فسوف تذهب إلى المهندس المختص وتطلب منه رسماً تفصيلياً له، ولو كنت ميسور الحال تقول له: اعمل لي (ماكيت) للبيت، فيصنع لك نموذجاً مصغراً للبيت الذي تريده.
فالحق سبحانه خلق هذا الكون أزلاً، فالأشياء مخلوقة عند الله (كالماكيت)، ثم يبرزها سبحانه على وفق ما قدره. وتأمل قول الحق سبحانه وتعالى:
{إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون "82" }
(سورة يس)
انظر: (أن يقول له) كأن الشيء موجود والله تعالى يظهره فحسب، لا يخلقه بداية، بل هو مخلوق جاهز ينتظر الأمر ليظهر في عالم الواقع؛ لذلك قال أهل المعرفة: أمور يبديها ولا يبتديها.
وإن كان الحق تبارك وتعالى قد ذكر الإسراء صراحة في هذه الآية، فقد ذكر المعراج بالالتزام في سورة النجم، في قوله تعالى:
{ولقد رآه نزلة أخرى "13" عند سدرة المنتهى "14" عندها جنة المأوى "15" إذ يغشى السدرة ما يغشى "16" ما زاغ البصر وما طغى "17" لقد رأى من آيات ربه الكبرى "18" }
(سورة النجم)
ففي الإسراء قال تعالى:
{لنريه من آياتنا .. "1" }
(سورة الإسراء)
وفي المعراج قال:
{لقد رأى من آيات ربه الكبرى "18" }
(سورة النجم)(7/180)
ذلك لأن الإسراء آية أرضية استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من الإلهام أن يدلل على صدقه في الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لأن قومه على علم بتاريخه، وأنه لم يسبق له أن رأى بيت المقدس أو سافر إليه، فقالوا له: صفه لنا وهذه شهادة منهم أنه لم يره، فتحدوه أن يصفه.
والرسول صلى الله عليه وسلم حينما يأتي بمثل هذه العملية، هل كان عنده استحفاظ كامل لصورة بيت المقدس، خاصة وقد ذهب إليه ليلاً؟
إذن: صورته لم تكن واضحة أمام النبي صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها، وهنا تدخلت قدرة الله فجلاه الله له، فأخذ يصفه لهم كأنه يراه الآن.
كما أن الطريق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى طريق مسلوك للعرب، فهو طريق تجارتهم إلى الشام، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن عيراً لهم في الطريق، ووصفها لهم وصفاً دقيقاً، وأنها سوف تصلهم مع شروق الشمس يوم معين.
وفعلاً تجمعوا في صبيحة هذا اليوم ينتظرون العير. وعند الشروق قال أحدهم: هاهي الشمس أشرقت. فرد الآخر: وهاهي العير قد ظهرت.
إذن: استطاع صلى الله عليه وسلم أن يدلل على صدق الإسراء؛ لأنه آية أرضية يمكن التدليل عليها، بما يعلمه الناس عن بيت المقدس، وبما يعلمونه من عيرهم في الطريق.
أما ما حدث في المعراج، فآيات كبرى سماوية لا يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم التدليل عليها أمام قومه، فأراد الحق سبحانه أن يجعل ما يمكن الدليل عليه من آيات الأرض وسيلة لتصديق ما لا يوجد دليل عليه من آيات الصعود إلى السماء، وإلا فهل صعد أحد إلى سدرة المنتهى، فيصفها له رسول الله؟
إذن: آية الأرض أمكن أن يدلل عليها، فإذا ما قام عليها الدليل، وثبت للرسول خرق نواميس الكون في الزمن والمسافة، فإن حدثكم عن شيء آخر فيه خرق للنواميس فصدقوه، فكأن آية الإسراء جاءت عن شيء آخر فيه خرق للنواميس فصدقوه، فكأن آية الإسراء جاءت لتقرب للناس آية المعراج.
فالذي خرق له النواميس في آيات الأرض من الممكن أن يخرق له النواميس في آيات السماء، فالله تعالى يقرب الغيبيات، التي لا تدركها العقول بالمحسات التي تدركها.
ومن ذلك ما ضربه إليه مثلاً محسوساً لمضاعفة النفقة في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف، فأراد الحق سبحانه أن يبين ذلك ويقربه للعقول، فقال:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" }
(سورة البقرة)
ومن لطف الله سبحانه بعقول خلقه أن جعل آيات الإسراء بالنص الملزم الصريح، لكن آيات المعراج جاءت بالالتزام في سورة النجم؛ لذلك قال العلماء: إن الذي يكذب بالإسراء يكفر، أما من يكذب بالمعراج فهو فاسق.
لكن أهل التحقيق يذهبون إلى تكفير من يكذب المعراج أيضاً؛ لأن المعراج وإن جاء بالالتزام فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف، والحق سبحانه يقول:
{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .. "7" }
(سورة الحشر)
والمتأمل في الإسراء والمعراج يجده إلى جانب أنه تسلية لرسول الله وتخفيف عنه، إلا أن لهم هدفاً آخر أبعد أثراً، وهو بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد من الله، وله معجزات، وتخرق له القوانين والنواميس العامة؛ ليكون ذلك كله تكريماً ودليلاً على صدق رسالته.
فالمعجزة: أمر خارق للعادة الكونية يجريه الله على يد رسوله؛ ليكون دليلاً على صدقه، ومن ذلك ما حدث لإبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ حيث ألقاه قومه في النار، ومن خواص النار الإحراق، فهل كان المراد نجاة إبراهيم من النار؟
لو كان القصد نجاته من النار ما كان الله مكنهم من الإمساك به، ولو أمسكوا فيمكن أن ينزل الله المطر فيطفئ النار.
إذن: المسألة ليست نجاة إبراهيم، المسألة إثبات خرق النواميس لإبراهيم عليه السلام، فشاء الله أن تظل النار مشتعلة، وأن يمسكوا به ويرموه في النار، وتتوفر كل الأسباب لحرقه ـ عليه السلام.
وهنا تتدخل عناية الله لتظهر المعجزة الخارقة للقوانين، فمن خواص النار الإحراق، وهي خلق من خلق الله، يأتمر بأمره، فأمر الله النار ألا تحرق، سلبها هذه الخاصية، فقال تعالى:
{قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم "69" }
(سورة الأنبياء)
وربما يجد المشككون في الإسراء والمعراج ما يقرب هذه المعجزة لأفهامهم بما نشاهده الآن من تقدم علمي يقرب لنا المسافات، فقد تمكن الإنسان بسلطان العلم أن يغزو الفضاء، ويصعد إلى كواكب أخرى في أزمنة قياسية، فإذا كان في مقدور البشر الهبوط على سطح القمر، أتستبعدون الإسراء والمعراج، وهو فعل لله سبحانه؟!
وكذلك من الأمور التي وقفت أمام المعترضين على الإسراء والمعراج حادثة شق الصدر التي حكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتأمل فيه يجده عملاً طبيعياً لإعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لما هو مقبل عليه من أجواء ومواقف جديدة تختلف في طبيعتها عن الطبيعة البشرية.(7/181)
كيف ونحن نفعل مثل هذا الإعداد حينما نسافر من بلد إلى آخر، فيقولون لك: البس ملابس كذا. وخذ حقنة كذا لتساير طبيعة هذا البلد، وتتأقلم معه، فما بالك ومحمد صلى الله عليه وسلم سيلتقي بالملائكة وبجبريل وهم ذوو طبيعة غير طبيعة البشر، وسيلتقي بإخوانه من الأنبياء، وهم في حال الموت، وسيكون قاب قوسين أو أدنى من ربه عز وجل؟
إذن: لا غرابة في أن يحدث له تغيير ما في تكوينه صلى الله عليه وسلم ليستطيع مباشرة هذه المواقف.
وإذا استقرأنا القرآن الكريم فسوف نجد فيه ما يدل على صدق رسول الله فيما أخبر به من لقائه بالأنبياء في هذه الرحلة، قال تعالى:
{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا .. "45" }
(سورة الزخرف)
والرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمره ربه أمراً نفذه، فكيف السبيل إلى تنفيذ هذا الأمر: واسأل من سبقك من الرسل؟
لا سبيل إلى تنفيذه إلا في لقاء مباشر ومواجهة، فإذا حدثنا بذلك رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج نقول له: صدقت، ولا يتسلل الشك إلا إلى قلوب ضعاف الإيمان واليقين.
فالفكرة في هذه القضية ـ الإسراء والمعراج ـ دائرة بين يقين المؤمن بصدق رسول الله، وبين تحكيم العقل، وهل استطاع عقلك أن يفهم كل قضايا الكون من حولك؟
فما أكثر الأمور التي وقف فيها العقل ولم يفهم كنهها، ومع مرور الزمن وتقدم العلوم رآها تتكشف له تدريجياً، فما شاء الله أن يظهره لنا من قضايا الكون يسر لنا أسبابه باكتشاف أو اختراع، وربما بالمصادفة.
وما العقل إلا وسيلة إدراك، كالعين والأذن، وله قوانين محددة لا يستطيع أن يتعداها، وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع إدراك كل شيء، بل هو محكوم بقانون.
ولتوضيح ذلك، نأخذ مثلاً العين، وهي وسيلة إدراك يحكمها قانون الرؤية، فإذا رأيت شخصاً مثلاً تراه واضح الملامح، فإذا ما ابتعد عنك تراه يصغر تدريجياً حتى يختفي عن نظرك، كذلك السمع تستطيع بأذنك أن تسمع صوتاً، فإذا ما ابتعد عنك قل سمعك له، حتى يتوقف إدراك الأذن فلا تسمع شيئاً.
كذلك العقل كوسيلة إدراك له قانون، وليس الإدراك فيه مطلقاً.
ومن هنا لما أراد العلماء التغلب على قانون العين وقانون الأذن حينما تضعف هذه الحاسة وتعجز عن أداء وظيفتها صنعوا للعين النظارة والميكروسكوب والمجهر، وهذه وسائل حديثة تمكن العين من رؤية ما لا تستطيع رؤيته. وكذلك صنعوا سماعة الأذن لتساعدها على السمع إذا ضعفت عن أداء وظيفتها.
إذن: فكل وسيلة إدراك لها قانونها، وكذلك العقل، وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع أن يدرس كل شيء، ولكن إذا حدثت بشيء فعقلك ينظر فيه، فإذا ثقته صادقاً فقد انتهت المسألة، وخذ ما حدثت به على أنه صدق.
وهذا ما حدث مع الصديق أبي بكر رضي الله عنه حينما حدثوه عن صاحبه صلى الله عليه وسلم، وأنه أسرى به من مكة إلى بيت المقدس، فما كان منه إلا أن قال: "إن كان قال فقد صدق".
فالحجة عنده إذن قول الرسول، ومادام الرسول قد قال ذلك فهو صادق، ولا مجال لعمل العقل في هذه القضية، ثم قال "كيف لا أصدقه في هذا الخبر، وأنا أصدقه في أكثر من هذا، أصدقه في خبر الوحي يأتيه من السماء".
فآية الإسراء ـ إذن ـ كانت آية أرضية، يمكن أن يقام عليها الدليل، ويمكن أن يفهم الناس عنها أن القانون قد خرق لمحمد في الإسراء، فإذا ما أتى المعراج وخرق له القانون فيما لا يعلم الناس كان أدعى لتصديقه.
والمتأمل في هذه السورة يجدها تسمى سورة الإسراء، وتسمى سورة بني إسرائيل، وليس فيها عن الإسراء إلا الآية الأولى فقط، وأغلبها يتحدث عن بني إسرائيل، فما الحكمة من ذكر بني إسرائيل بعد الإسراء؟
سبق أن قلنا: إن الحكمة من الكلام عن الإسراء بعد آخر النحل أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم كان في ضيق مما يمكرون، فأراد الحق سبحانه أن يخفف عنه ويسليه، فكان حادث الإسراء، ولما ألف بنو إسرائيل أن الرسول يبعث إلى قومه فحسب، كما رأوا موسى عليه السلام.
فعندما يأتي محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا رسول للناس كافة سيعترض عليه هؤلاء وسيقولون: إن كنت رسولاً فعلاً وسلمنا بذلك، فأنت رسول للعرب دون غيرهم، ولا دخل لك ببني إسرائيل، فلنا رسالتنا وبيت المقدس علم لنا.
لذلك أراد الحق سبحانه أن يلفت إسرائيل إلى عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جعل بيت المقدس قبلة للمسلمين في بداية الأمر، ثم أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليه: ليدلل بذلك على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حوزة المسلمين
تم بحمد الله
=================
تُسبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ
وكذلك ورد في المؤمنين 23: 17 ولقد خَلَقْنا فوقَكم سَبْعَ طرائِقَ وفي فصّلت 41: 12 فقَضاهُنَّ سَبْعَ سمواتٍ في يومين وفي الطلاق 65: 12 اللهُ الذي خلق سَبْعَ سمواتٍ، ومن الأرضِ مِثْلَهُنّ وفي المَلك 67: 3 الذي خَلق سبْعَ سمواتٍ طِباقاً وفي نوح 71: 15 ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طِباقاً .(7/182)
والظاهر أن محمداً حسب السماء الدنيا هي المركز، ويليها كوكب القمر، ثم كوكب عطارد، ثم كوكب الزهرة، ثم كوكب الشمس، ثم المريخ، ثم كوكب المُشتَرَى، ثم كوكب زُحَل. أما كوكب الثوابت فهو المعبَّر عنه في القرآن بالكرسي، وقال علماؤهم: وكوكب الأطلس هو الذي عبَّر عنه بالعرش المجيد . فدعواه أن السموات سبع وأن الأرض سبع هو حسب طريقة بطليموس التي أظهرت الاكتشافات الفلكية خطأها
الرد
مساكين وجهله ... يمتلكون كتاب مهلهل لا قيمة له ولا يصلح إلا لبائعي الترمس واللب .
(تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً "44" )
التسبيح: هو حيثية الإيمان بالله ؛ لأنك لا تؤمن بشيء في شيء إلا أن تثق أن من آمنت به فوقك في ذلك الشيء، فأنت لا توكل أحد بعمل إلا إذا أيقنت أنه أقدر منك وأحكم وأعلم.
فإذا كنت قد آمنت بإله واحد، فحيثية ذلك الإيمان أن هذا الإله الواحد فوق كل المألوهين جميعاً، وليس لأحد شبه به، وإن اشترك معه في مطلق الصفات، فالله غني وأنت غني، لكن غنى الله ذاتي وغناك موهوب، يمكن أن يسلب منك في أي وقت.
وكذلك في صفة الوجود، فالله تعالى موجود وأنت موجود، لكن وجوده تعالى لا عن عدم، بل هو وجود ذاتي ووجودك موهوب سينتهي في أي وقت.
إذن: فتسبيح الله هو حيثية الإيمان به كإله، وإلا لو أشبهناه في شيء أو أشبهنا في شيء ما استحق أن يكون إلهاً.
والتسبيح: هو التنزيه، وهذا ثابت لله تعالى قبل أن يوجد من خلقه من ينزهه، والحق سبحانه منزه بذاته والصفة كائنة له قبل أن يخلق الخلق؛ لأنه خالق قبل أن يخلق، كما نقول: فلان شاعر، أهو شاعر لأنه قال قصيدة؟ أم شاعر بذاته قبل أن يقول شعراً؟
الواقع أن الشعر موهبة، وملكة عنده، ولولاها ما قال شعراً، إذن: هو شاعر قبل أن يقول. كذلك فصفات الكمال في الله تعالى موجودة قبل أن يوجد الخلق.
لذلك فإن المتتبع لهذه المادة في القرآن الكريم مادة (سبح) يجدها بلفظ (سبحان) في أول الإسراء:
{سبحان الذي أسرى .. "1"}
(سورة الإسراء)
ومعناها أن التنزيه ثابت لله تعالى قبل أن يخلق من ينزهه. ثم بلفظ:
{سبح لله ما في السماوات وما في الأرض .. "1"}
(سورة الحديد)
بصيغة الماضي، والتسبيح لا يكون من الإنسان فقط، بل من السماوات والأرض، وهي خلق سابق للإنسان. ثم يأتي بلفظ:
{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض .. "1"}
(سورة الجمعة)
بصيغة المضارع؛ ليدل على أن تسبيح الله ليس في الماضي، بل ومستمر في المستقبل لا ينقطع. إذن: مادام التسبيح والتنزيه ثابتاً لله تعالى قبل أن يخلق من ينزهه، وثابتاً لله من جميع مخلوقاته في السماوات والأرض، فلا تكن أيها الإنسان نشازاً في منظومة الكون، ولا تخرج عن هذا النشيد الكوني:
{سبح اسم ربك الأعلى "1"}
(سورة الأعلى)
وقوله تعالى:
{وإن من شيءٍ .. "44"}
(سورة الإسراء)
أي: ما من شيء، كل ما يقال له شيء. والشيء هو جنس الأجناس، فالمعنى أن كل ما في الوجود يسبح بحمده تعالى.
وقد وقف العلماء أمام هذه الآية، وقالوا: أي تسبيح دلالة على عظمة التكوين، وهندسة البناء، وحكمة الخلق، وهذا يلفتنا إلى أن الله تعالى منزه ومتعالٍ وقادر، ولكنهم فهموا التسبيح على أنه تسبيح دلالة فقط؛ لأنهم لم يسمعوا هذا التسبيح ولم يفهموه. وقد أخرجنا الحق سبحانه وتعالى من هذه المسألة بقوله:
{ولكن لا تفقهون تسبيحهم .. "44"}
(سورة الإسراء)
إذن: يوجد تسبيح دلالة فعلاً، لكنه ليس هو المقصود، المقصود هنا التسبيح الحقيقي كل بلغته. فقوله تعالى:
{ولكن لا تفقهون تسبيحهم .. "44"}
(سورة الإسراء)
يدل على أنه تسبيح فوق تسبيح الدلالة الذين آمن بمقتضاه المؤمنون، إنه تسبيح حقيقي ذاتي ينشأ بلغة كل جنس من الأجناس، وإذا كنا لا نفقه هذا التسبيح، فقد قال تعالى:
{كل قد علم صلاته وتسبيحه .. "41" }
(سورة النور)
إذن: كل شيء في الوجود علم كيف يصلي لله، وكيف يسبح لله، وفي القرآن آيات تدل بمقالها ورمزيتها على أن كل عالم في الوجود له لغة يتفاهم بها في ذاته، وقد يتسامى الجنس الأعلى ليفهم عن الجنس الأدنى لغته، فكيف نستبعد وجود هذه اللغة لمجرد أننا لا نفهمها؟
طبقات الأرض السبعة
"معجزة قرآنية ونبوية"
عندما بدأ العلماء بسبر أغوار الأرض وبذل الجهود لمعرفة أسرار بنيتها وتركيبها، وجدوا أن الأساطير والخرافات التي سادت في العصور السابقة ليس لها أي أساس علمي. وبعد أن اكتشف العلماء أن الأرض عبارة عن كرة اقترحوا أن باطن هذه الكرة يتألف من نواة، وسطح الأرض عبارة عن قشرة أرضية رقيقة جداً مقارنة بحجم الأرض، وبينهما طبقة ثالثة هي الوشاح. وهكذا قرر علماء القرن العشرين أن الأرض عبارة عن ثلاث طبقات فقط.
تطور الحقائق العلمية(7/183)
ولكن نظرية الطبقات الثلاث للأرض لم تصمد طويلاً بسبب الكشوفات الجديدة في علم الأرض. فالقياسات والاختبارات الحديثة أظهرت أن المادة الموجودة في نواة الأرض ذات ضغط هائل يبلغ أكثر من 3 ملايين مرة الضغط على سطح الأرض!!
وفي ظل هذا الضغط سوف تتحول المادة إلى الحالة الصلبة، وهذا يعني أن قلب الأرض صلب جداً! وتحيط به طبقة سائلة ذات درجة حرارة عالية جداً. وهذا يعني أيضاً أن هنالك في باطن الأرض طبقتين وليس طبقة واحدة، أي طبقة صلبة في المركز تحيط بها طبقة سائلة.
ثم تطورت أجهزة القياس وأظهرت للعلماء تمايزاً واضحاً بين أجزاء الأرض الداخلية. فلو نزلنا تحت القشرة الأرضية رأينا طبقة أخرى من الصخور الملتهبة، هي الغلاف الصخري. ثم تأتي بعدها ثلاث طبقات أخرى متمايزة من حيث الكثافة والضغط ودرجة الحرارة.
ولذلك وجد العلماء أنفسهم يصنفون طبقات الأرض إلى سبع طبقات، ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك. والشكل المرفق يوضح هذه الطبقات مع أبعادها حسب ما وجده العلماء حديثاً، وهو من الحقائق اليقينية التي يدرسونها لطلابهم في الجامعات. والتي يشاهدونها من خلال مقاييس الزلازل ومن الدراسة النظرية للحقل المغنطيسي للأرض وغير ذلك.
لقد وجد العلماء أيضاً أن الذرة تتألف من سبع طبقات، وهذا يؤكد وحدة الخلق، فالنظام الذي يحكم الكون كله واحد. فالأرض سبع طبقات، وكل ذرة من ذراتها سبع طبقات أيضاً.
رسم يوضح طبقات الأرض السبعة، ونلاحظ فيه قشرة رقيقة ثم يليها أربع أوشحة متدرجة السماكة ثم تأتي النواة الخارجية السائلة والنواة الداخلية الصلبة، ويكون المجموع سبع طبقات.
طبقات الأرض السبعة تختلف اختلافاً جذرياً من حيث تركيبها وكثافتها ودرجة حرارتها ونوع المادة فيها. ولذلك لا يمكن أبداً أن نعتبر أن الكرة الأرضية طبقة واحدة كما كان الاعتقاد سائداً في الماضي. وهنا نجد أن فكرة الطبقات الأرضية هي فكرة حديثة نسبياً، ولم تكن مطروحة زمن نزول القرآن الكريم. هذا ما يقوله لنا علماء القرن الحادي والعشرين، فماذا يقول كتاب الله تعالى؟
في رحاب القرآن الكريم
يتحدث البيان الإلهي عن الطبقات السبع للسماء والأرض في آيتين في قوله عزّ وجلّ:
1- (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا)[الملك: 3].
2- (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق: 12].
لقد حدّدت لنا الآية الأولى صفتين للسماوات وهما: عدد هذه السماوات وهو سبعة، وشكل السماوات وهي (طِبَاقًا) أي طبقات بعضها فوق بعض كما نجد ذلك في تفاسير القرآن ومعاجم اللغة العربية. أما الآية الثانية فقد أكدت على أن الأرض تشبه السماوات فعبَّر عن ذلك بقوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ). فكما أن السماوات هي طبقات، كذلك الأرض عبارة عن طبقات، وكما أن عدد طبقات السماوات هو سبعة، فكذلك عدد طبقات الأرض هو سبعة أيضاً.
وهنا نتوقف عند قوله تعالى: (طِباقاً)، والتي توحي بوجود طبقات، وهذا ما اكتشفه العلماء اليوم من أن الأرض عبارة عن طبقات أي Layers وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن القرآن قد حدّد شكل الأرض وهو الطبقات، وحدد أيضاً عدد هذه الطبقات وهو سبعة، بكلمة أخرى إن القرآن حدّد التسمية الدقيقة لبنية الأرض وهي الطباق أو الطبقات. أي أن القرآن قد سبق علماء القرن الواحد والعشرين إلى الحديث عن حقيقة الأرض بأربعة عشر قرناً، أليست هذه معجزة قرآنية مبهرة؟!
في رحاب السنّة المطهرة
ولو تأملنا أحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وجدنا حديثاً يؤكد وجود سبع أراضين، أي سبع طبقات تغلف بعضها بعضاً. يقول صلى الله عليه وسلم: (مَن ظَلَم قيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أراضين) [رواه البخاري]. وهنا نجد أن الرسول الكريم قد فسّر صفة الطباق بصفة ثالثة وهي صفة الإحاطة بقوله عليه صلوات الله وسلامه: (طُوِّقَهُ من سبع أراضين) والتي تعني التطويق والإحاطة من كل جانب كما في معاجم اللغة، وهذه فهلاً هي حقيقة طبقات الأرض التي يطوّق بعضها بعضاً.
والسؤال هنا: أليست هذه معجزة نبوية عظيمة؟ أليس هذا الحديث الشريف يحدد عدد طبقات الأرض وهو سبعة، ويحدد شكل هذه الطبقات وهو التطويق والإحاطة، بل وفي هذا إشارة إلى الشكل الكروي أو القريب منه أي أن الحديث الشريف يتحدث عن كروية الأرض؟
إذن القرآن الكريم والسنّة النبوية قد سبقا العلم الحديث لهذه الحقيقة العلمية. بل إن القرآن قد أعطانا التسمية الدقيقة لحقيقة تركيب الأرض من خلال كلمة (طباقاً) وأعطانا العدد الدقيق لهذه الطبقات وهو سبعة، بينما العلماء استغرقوا سنوات طويلة وغيروا نظرياتهم مرات عدة ليخرجوا بنفس النتائج الواردة في كتاب الله وسنة رسول الله. فسبحان الله العلي العظيم القائل في كتابه المجيد: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ؟) [الذاريات: 20-21].
المراجع(7/184)
http://www.55a.net/firas/arabic/inde...select_page=10
أن تكون أكثر من مقالة بعنوان "باطن الأرض" على موقع المسح الجيولوجي على الرابط:
http://pubs.usgs.gov/publications/text/inside.html
مقالة تعليمية بعنوان: "طبقات الأرض" على الرابط:
http://volcano.und.nodak.edu/vwdocs/...s_layers1.html
Inside the Earth
The size of the Earth -- about 12,750 kilometers (km) in diameter-was known by the ancient Greeks, but it was not until the turn of the 20th century that scientists determined that our planet is made up of three main layers: crust, mantle, and core. This layered structure can be compared to that of a boiled egg.
The crust, the outermost layer, is rigid and very thin compared with the other two. Beneath the oceans, the crust varies little in thickness, generally extending only to about 5 km.
The thickness of the crust beneath continents is much more variable but averages about 30 km; under large mountain ranges, such as the Alps or the Sierra Nevada, however, the base of the crust can be as deep as 100 km. Like the shell of an egg, the Earth's crust is brittle and can break.
Cutaway views showing the internal structure of the Earth. Below: This view drawn to scale demonstrates that the Earth's crust literally is only skin deep. Below right: A view not drawn to scale to show the Earth's three main layers (crust, mantle, and core) in more detail (see text). i
Below the crust is the mantle, a dense, hot layer of semi-solid rock approximately 2,900 km thick.
The mantle, which contains more iron, magnesium, and calcium than the crust, is hotter and denser because temperature and pressure inside the Earth increase with depth. As a comparison, the mantle might be thought of as the white of a boiled egg. At the center of the Earth lies the core, which is nearly twice as dense as the mantle because its composition is metallic (iron-nickel alloy) rather than stony. Unlike the yolk of an egg, however, the Earth's core is actually made up of two distinct parts: a 2,200 km-thick liquid outer core and a 1,250 km-thick solid inner core. As the Earth rotates, the liquid outer core spins, creating the Earth's magnetic field.
Not surprisingly, the Earth's internal structure influences plate tectonics. The upper part of the mantle is cooler and more rigid than the deep mantle; in many ways, it behaves like the overlying crust.
Together they form a rigid layer of rock called the lithosphere (from lithos, Greek for stone). The lithosphere tends to be thinnest under the oceans and in volcanically active continental areas, such as the Western United States.
Averaging at least 80 km in thickness over much of the Earth, the lithosphere has been broken up into the moving plates that contain the world's continents and oceans. Scientists believe that below the lithosphere is a relatively narrow, mobile zone in the mantle called the asthenosphere (from asthenes, Greek for weak).
This zone is composed of hot, semi-solid material, which can soften and flow after being subjected to high temperature and pressure over geologic time. The rigid lithosphere is thought to "float" or move about on the slowly flowing asthenosphere.
http://pubs.usgs.gov/publications/text/inside.html
=================
وقالوا: لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض ينبوعاً،
- أشراف قريش ومحمدعليه الصلاة والسلام
وقالوا: لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكونُ لك جَنَّةٌ من نخيلٍ وعنب، فتُفجِّر الأنهارَ خلالها تفجيراً، أو تُسقِطَ السماءَ كما زعَمْتَ علينا كِسَفاً، أو تأتي بالله والملائكة قَبِيلاً، أو يكونَ لك بيتٌ من زُخْرفٍ، أو تَرْقَى في السماء. ولن نؤمنَ لِرُقِيِّك حتى تُنَزِّلَ علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي، هل كنتُ إلا بشراً رسولاً؟ (آيات 90 93).(7/185)
قال ابن عباس إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبّهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك. فجاءهم محمد سريعاً، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء. وكان حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنّا بُعثنا إليك لنُعذَر فيك، وإنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمتَ الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفّهت الأحلام، وشتمْتَ الآلهة، وفرَّقت الجماعة، وما بقيَ من قبيحٍ إلاّ وقد جئتَه فيما بيننا وبينك. فإن كنتَ جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تريد الشرفَ سوَّدناك علينا. وإن كان هذا الذي بك رئى تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردّه، بذلْنا لك أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، ونُعذَر فيك . (وكانوا يسمّون التابع من الجن الرئى) فقال محمد: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً . قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشدّ عَيْشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجّر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قُصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صَدوقاً، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل؟ فإن صدَقوك صدّقناك. فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلت به . قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جناتٍ وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضةً يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس . فقال: ما بُعثتُ بهذا . قالوا: فأسقِط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل . وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم. ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل. ثم سألوكأن تعمل ماتُخوِّفهم به من العذاب فلم تفعل. فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتَّخذ إلى السماء مَرْقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخةٍ منشورة معك، ونفرٍ من الملائكة . وفي رواية وأربعةٍ من الملائكة يشهدون لك بما تقول . فانصرف محمد إلى أهله حزيناً (الطبري في تفسير هذه الآيات).
ومن تأمل في أقوال أشراف العرب رأى أنها مبنيّة على حكمة وفطنة، فإنهم عقلاء الأمة. لقد طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزةٍ يؤيّد بها دعوته، فعجز عن ذلك واعتراه الغم. فلو فعل شيئاً مما نسبه إليه أصحابه من انشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه وغير ذلك لاحتجَّ بها عند عقلاء قومه، ولكنه لم يدَّع بشيء من هذا، فأفحمه العرب، وانصرف والغم ملء فؤاده. وهم معذورون إذا قاوموه فإن الله لم يؤيده بمعجزة كما فعل مع الأنبياء الصادقين. وليس ذلك فقط، بل إنه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه. روى البخاري أن محمداً سأل جبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فقال: وما نتنزّل إلا بأمر ربك (مريم 19: 64). وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً. ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ 15 ليلة لا يعطيه الله في ذلك وحياً
(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً "90")
(لن) تفيد تأبيد نفي الفعل في المستقبل، تقول: أنا لم أصنع هذا، ولن أصنعه. أي: في المستقبل.
ومعلوم أن الإنسان ابن أغيار، ولا يحكمه حال واحد بل هو متقلب بين أحوال شتى طوال حياته، والله تعالى وحده هو الذي لا يتغير، ومادام الإنسان ابن أغيار ويطرأ عليه حال بعد حال، فليس له أن يحكم على شيء حكماً قاطعاً في مستقبل هو لا يملكه، فالذي يملك الحكم القاطع هو الحق سبحانه الذي لا تتناوله الأغيار.
لذلك فالإنسان مثلاً إذا صعد حتى القمة نخاف عليه الهبوط؛ لأنه من أهل الأغيار، ولا يدوم له حال، إذن: فماذا بعد القمة؟
وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:
إذا تم شيء بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم
والعجيب أن الناس يتطلعون في نعمة الله إلى التمام، فيقول أحدهم: يا حبذا، لو حدث كذا لتمت هذه النعمة، وهم لا يدرون أن هذا النقص في النعمة سبب بقائها، فلو تمت لك النعمة وأنت من أهل الأغيار، فماذا تنتظر إلا زوالها؟(7/186)
فليرض كل صاحب نعمة بما فيها من نقص، فلعل هذا النقص يرد عنه عين حاسد، أو حقد حاقد.
فبعض الناس يرزقه الله بالأولاد ويعينه على تربيتهم، ولحكمة يفشل أحدهم فيحزن لذلكن ويألم أشد الألم، ويقول: لو أن هذا الولد .. وهو لا يدرك حكمة الله من وراء هذا النقص، وأنه حارس للنعمة في الآخرين، وأنه التميمة التي تحميه وترد عنه ما يكره.
لذلك لما أراد المتنبي أن يمدح سيف الدولة قال له:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ من شر أعينهم بعيبٍ واحد
أي:نظروا إليك معجبين بما فيك من كمال، فاعمل عملاً سيئاً واحداً يصد عنك شر أعينهم. إذن: (لن) تفيد تأبيد النفي في المستقبل، وهذا أمر لا يملكه إلا مالك الأحداث سبحانه وتعالى، أما صاحب الأغيار فليس له ذلك، والذين آمنوا فيما بعد برسول الله ممن قالوا هذه المقولة:
{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)
نستطيع أن نقول لهم: لقد أوقعتكم (لن) في الكذب؛ لأنكم أبدتم نفي الإيمان، وهاأنتم مؤمنون، ولم يفجر لكم النبي ينبوعاً من الأرض.
وعند فتح مكة وقف عكرمة بن أبي جهل وقال في الخندمة ما قال، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً معتذراً وخرج محارباً مع خالد بن الوليد في اليرموك، وحين طعن الطعنة المميتة، وحمله خالد، فإذا به يقول له: أهذه ميتة ترضي عني رسول الله؟
إذن: من يقول كلمة عليه أن يكون قادراً على تنفيذها، مالكاً لزمامها، ضامناً لنفسه ألا يتغير، وألا تتناوله الأغيار، ولا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
والمتدبر لأسلوب القرآن في سورة (الكافرون) يجد هذه المسألة واضحة، حيث يقول تعالى:
{قل يا أيها الكافرون "1" لا أعبد ما تعبدون "2" ولا أنتم عابدون ما أعبد "3" ولا أنا عابد ما عبدتم "4"}
(سورة الكافرون)
هكذا نفت الآية عبادة كل منهما لإله الآخر في الزمن الحاضر، ثم يقول تعالى:
{ولا أنا عابد ما عبدتم "4"ولا أنتم عابدون ما أعبد "5"}
(سورة الكافرون)
لينفي أيضاً احتمال العبادة في المستقبل، إذن: فليس في الآية تكرار، كما يرى بعض قصار النظر.
ولك الآن أن تسأل: كيف نفى القرآن الحديث في المستقبل؟ نقول: لأن المتكلم هنا هو الحق سبحانه وتعالى الذي يملك الأحداث ولا تغيره الأغيار، ولا تتسلط عليه، فحكم على المستقبل هذا الحكم القاطع وأبد النفي فيه.
ثم يقول تعالى:
{حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)
وفي آية أخرى قال:
{وفجرنا الأرض عيوناً .. "12"}
(سورة القمر)
فالتفجير: أن تعمل في الأرض عملية تخرج المستتر في باطنها على ظهرها، وعين الماء تخرج لك الماء من الأرض، وتأخذ من حاجتك فلا ينقص؛ لأنها تعوض ما أخذ منها بقانون الاستطراق، وقد يحدث أن يغيض الماء فيها قليلاً.
أما الينبوع فتراه يفيض باستمرار دون أن ينقص فيه منسوب الماء، كما في زمزم مثلاً، ولاشك أن هذا المطلب منهم جاء نتيجة حرمانهم من الماء، وحاجتهم الشديدة إليه. ويذكر الحق سبحانه أنهم واصلوا حديثهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا
(أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً "91" )
سبق أن طلبوا الماء لأنفسهم، وهنا يطلبون للرسول (جنة) أي: بستان أو حديثة من النخيل والعنب؛ لأنهما الصنفان المشهوران عن العرب.
{فتجر الأنهار خلالها تفجيراً "91"}
(سورة الإسراء)
أي: خلال هذه الحديقة حتى تستمر ولا تذبل. ويواصلون تحديهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون:
(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92" )
الزعم: هو القبول المخالف للواقع، ويقولون: الزعم مطية الكذب، قال تعالى:
{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا .. "7"}
(سورة التغابن)
وإن كانوا اتهموا رسول الله بالزعم، فما هو إلا مبلغ عن الله، وناقل إليهم منهج ربه، فإن أرادوا أن يتهموا فليتهموا الحق سبحانه وتعالى؛ لأن رسوله لا ذنب له، وقد جاءوا بمسألة إسقاط السماء عليهم؛ لأن الحق سبحانه سبق أن قال عنهم:
{أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء .. "9"}
(سورة سبأ)
ولذلك طلبوا من رسول الله أن يوقع بهم هذا التهديد. و
{كسفا .. "9"}
(سورة سبأ)
أي: قطعاً، ومفردها كسفة كقطعة. ويقول تعالى:
{أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92"}
(سورة الإسراء)
نراهم أمامنا هكذا مقابلة عياناً، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى:
{وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا .. "21"}
(سورة الفرقان)
والمتأمل فيما طلبه الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده تعجيزاً بعيداً كل البعد عن الواقع، مما يدلنا على أنهم ما أرادوا الإيمان والهداية، بل قصدوا الجدل والعناد؛ لذلك يقول الحق سبحانه رداً على لجج هؤلاء وتعنتهم:
{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا .. "111"}
(سورة الأنعام)(7/187)
ثم يقول تعالى عنهم أنهم قالوا
(أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا "93" )
البيت: هو المكان المعد للبيتوتة، والزخرف: أي المزين، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة؛ لأن كل زخرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يغيره فيبهت لونه، وينطفئ بريقه، وتضيع ملامحه إلا الذهب، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره؛ لذلك يظل على بريقه ورونقه، فإن كان البيت نفسه من زخرف، فماذا سيكون شكله؟
ونرى الذين يحبون أن ينافقوا نفاق الحضارات، ويتبارون في زخرفة الصناعات يلصقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب؛ لتظل محتفظة بجمالها، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً.
ثم يقول تعالى:
{أو ترقي في السماء .. "93"}
(سورة الإسراء)
أي: يكون لك سلم تصعد به في السماء، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول، ورأوا إمكانية ذلك، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد:
{ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)
وكأنهم يبيتون العناد لرسول الله، فهم كاذبون في الأولى وكاذبون في الثانية، ولو نزل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا، وقد رد عليهم الحق سبحانه بقوله:
{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين "7" }
(سورة الأنعام)
وانظر إلى رد القرآن على كل هذا التعنت السابق:
{قل سبحان ربي .. "93"}
(سورة الإسراء)
وكلمة (سبحان) كلمة التنزيه العليا للحق سبحانه وتعالى، وقد تحدى بها الكون كله؛ لأنها كلمة لا تقال إلا لله تعالى، ولم يحدث أبداً بين الناس أن قالها أحد لأحد، مع ما في الكون من جبابرة وعتاة، يحرص الناس على منافقتهم وتملقهم، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان، لكن لم يجرؤ أحد على قولها لأحد.
والحق سبحانه وتعالى يتحدى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى:
{تبت يدا أبي لهب وتب "1" ما أغنى عنه ماله وما كسب "2" سيصلى نارا ذات لهب "3"}
(سورة المسد)
نزلت هذه الآيات في أبي لهب، وهو كافر، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم، فما كان يدري رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن، لكنه يبلغ قول ربه قرآناً يتلى ويحفظ ويسجل، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً، وأن مصيره النار.
وهنا نقول: أما كان في إمكان أبي لهب أن يكذب هذا القول، فيقوم في قومه منادياً بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ـ ولو نفاقاً ـ وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب؟ لكن هذا لم يحدث؛ لأن المتكلم هو الله رب العالمين.
ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء، الأسماء مأخوذة من الصفات، إلا اسم واحد مأخوذ للذات، هو لفظ الجلالة (الله)، فهو علم على الذات الإلهية لم يؤخذ من صفة من صفاته تعالى، فالقادر والغفور والحي القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات، إنما (الله) علم على الذات الجامعة لكل هذه الصفات.
لذلك تحدى الخالق سبحانه جميع الخلق، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أن يسموا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم (الله)، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول:
{هل تعلم له سمياً "65"}
(سورة مريم)
ومع ذلك لم يجرؤ كافر واحد على أن يسمي هذا الاسم ليظل هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة؛ لأن الله تعالى حق، والإيمان به وبوجوده تعالى متغلغل حتى في نفوس الكفار، فلو كانوا يعلمون أن هذه الكلمة كذب، أو لا وجود لها لأقدموا على التسمية بها دون أن يبالوا شيئاً، أما وهم يعلمون أن الله حق فلن يجرؤ أحد، ويجرب هذه التسمية في نفسه؛ لأنه يخشى عاقبة وخيمة لا يدري ما هي.
لذلك رد الحق سبحانه على تعنت الكفار فيما طلبوه من رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً:
{سبحان ربي .. "93"}
(سورة الإسراء)
لأن الأمور التي طلبوها أمور بلغت من العجب حداً، ولا يمكن أن يتعجب منها إلا بسبحان الله؛ لأنها كلمة التعجب الوحيدة والتي لا تطلق لغير الله، وكأنه أرجع الأمور كلها لله، ولقد كان لهم غنى عن ذلك في كتاب الله الذي نزل إليهم:
{أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون "51"}
(سورة العنكبوت)
والهمزة هنا للاستفهام المراد به التعجب أيضاً: أيطلبون هذه الآيات، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب، وقد كان فيه غناء لهم.
ثم يقول تعالى:
{هل كنت إلا بشراً رسولاً "93"}
(سورة الإسراء)
هل ادعيت لكم أني إله؟! ما أنا إلا بشر أبلغكم رسالة ربي، وأفعل ما يأمرني به، كما في قوله تعالى:(7/188)
{بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيمٍ "15"}
(سورة يونس)
==============
ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّنات
ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّنات، فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم، فقال له فرعون: إني لأظنُّك يا موسى مسحوراً. قال: لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلاّ ربُّ السموات والأرض بَصَائِرَ، وإني لأظنك يا فرعون مَثْبوراً. فأراد أن يَسْتَفِزَّهُم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً، وقلنا من بعده لبني إسرائيل، اسكنوا الأرض (آيات 101 104).
قال ابن عباسسس: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلَّها، وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . وقيل: عوض فلق البحر واليد السنون ونقص من الثمرات وقيل: الطمي والبحر بدل السنين والنقص. قيل: كان الرجل منهم مع أهله في الفراش وقد صارا حجرين، والمرأة تخبز وقد صارت حجراً . ورُوي أن يهودياً قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقُل نبي، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين . فسألناه عن معنى قوله: ولقد آتينا موسى تسع آيات فقال: لا تشرِكوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا، ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسرقوا، ولا تقذفوا المحصَّنات، ولا تفرقوا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت (الطبري في تفسير الإسراء 101).
قلنا: (1) إن الضربات التي ضرب بها الله المصريين هي عشر (خروج أصحاحات 7 12). هذا خلاف المعجزات التي صنعها موسى، منها وضع يده في عبّه وصيرورتها برصاء، وصيرورة العصا حية، وفَلْق البحر الأحمر، ونزول المنّ والسلوى، وضرب الصخرة بعصاه فخرج الماء منها، وابتلاع الأرض لدوثان ورفيقيه، وصعوده إلى الجبل وغيره.
(2) وإذا كان مراده بالتسع آيات الوصايا التي أنزلها الله، فنقول إنها عشر، مذكورة في سفر الخروج 20.
وقد ذكر القرآن أن موسى وفرعون تشاتَماً، مع أن موسى لم يشتم فرعون، كما أن فرعون لم يلعن موسى. ولا يُعقل أن موسى المشهور بالحلم والوداعة يتطاول على ملكٍ مستبد.
(3) قوله فأراد فرعون أن يستفزّهم من الأرض أي يُخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر، فأغرقه ربنا، وأمر بني إسرائيل أن يسكنوا أرض مصر. مع أن مُنية بني إسرائيل كانت الخروج من مصر، أرض العبودية، ولم يَرْضَ فرعون أن يُخرجهم إلا رغماً عن أنفه، فإن الله أخرجهم بيدٍ قوية وذراعٍ رفيعة، كما قالت التوراة
الرد
أصول التوراة
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
---------------------------------
(ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً "101" )
وقد سبق أن اقترح كفار مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة آيات ذكرت في قوله تعالى:
{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "92" أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)
فأراد الحق سبحانه أن يلفت نظره أن سابقيهم من اليهود أتتهم تسع آيات ونزلت عليهم دون أن يطلبوها، ومع ذلك كفروا، فالمسألة كلها تعنت وعناد من أهل الكفر في كل زمان ومكان. ومعنى
{بيناتٍ .. "101" }(سورة الإسراء)(7/189)
أي: واضحات مشهورات بلقاء كالصبح، لأنها حدثت جميعها على مرأى ومشهد من الناس. والمراد بالآيات التسع هنا هي الآيات الخاصة بفرعون؛ لأن كثيرين يخلطون بين معجزات موسى إلى فرعون، ومعجزاته إلى بني إسرائيل.
إذن: فقوله تعالى:
{ولقد آتينا موسى تسع آيات بيناتٍ .. "101"}(سورة الإسراء)
هي الآيات التي أرسل بها إلى فرعون وقومه وهي: العصا التي انقلبت حية، واليد التي أخرجها من جيبه بيضاء منورة، وأخذ آل فرعون بالسنين ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم لما كذبوا أنزل الله عليهم الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، هذه تسع آيات خاصة بما دار بين موسى وفرعون.
أما المعجزات الأخرى مثل العصا التي ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، وإنزال المن والسلوى عليهم، فهذه آيات خاصة ببني إسرائيل.
وقوله تعالى:
{فاسأل بني إسرائيل .. "101"} (سورة الإسراء)
والأمر هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كيف يسأل بني إسرائيل الذين جاءهم موسى ـ عليه السلام ـ وقد ماتوا، والموجود الآن ذريتهم؟
نقول: لأن السؤال لذريتهم هو عين سؤالهم، لأنهم تناقلوا الأحداث جيلاً بعد جيل ؛ لذلك قال تعالى مخاطباً بني إسرائيل المعاصرين لرسول الله:
{وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم "6"}
(سورة إبراهيم)
والنجاة لم تكن لهؤلاء، بل لأجدادهم المعاصرين لفرعون، لكن خاطبهم الحق بقوله (أنجاكم) لأنه سبحانه لو أهلك أجدادهم لما وجدوا هم، فكأن نجاة السابقين نجاة للاحقين.
ويسأل رسول الله بني إسرائيل لأنهم هم الأمة التي لها ممارسة مع منهج الله ووحيه، ولها اتصال بالرسل وبالكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل، أما مشركو قريش فليس لهم صلة سابقة بوحي السماء؛ لذلك لما كذبوا رسول الله خاطبه بقوله:
{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "43"}
(سورة الرعد)
لأن الذي عنده علم من الكتاب: اليهود أو النصارى عندهم علم في كتابهم وبشارة ببعثة محمد، وهم يعرفونه ويعرفون أوصافه وزمن بعثته، بل ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، بل وأكثر من معرفتهم لأبنائهم، كما قال واحد منهم.
وسؤال رسول الله لبني إسرائيل سؤال حجةٍ واستشهاد؛ لأن قومه سألوه وطلبوا أن يظهر لهم عدة آيات ـ سبق ذكرها ـ لكي يؤمنوا به، فأراد أن ينبههم إلى تاريخ إخوانهم وسابقيهم على مر العصور، وقد أنزل الله لهم الآيات الواضحات والمعجزات الباهرات ومع ذلك كفروا ولجوا ولم يؤمنوا، فقوم فرعون رأوا من موسى تسع آيات وكفروا، وقوم صالح:
{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها .. "59"}(سورة الإسراء)
وليتهم كذبوا وكفروا بهذه الآية فحسب، بل واعتدوا عليها وعقروها. لذلك قال تعالى:
{وما منعنا أن نرسل بالآيات .. "59"} (سورة الإسراء)
أي: التي اقترحوها
{إلا أن كذب بها الأولون .. "59"} (سورة الإسراء)
ومادام كذب بها الأولون فسوف يكذب بها هؤلاء؛ لأن الكفر ملة واحدة في كل زمان ومكان. إذن: مسألة طلب الآيات واقتراح المعجزات ليست في الحقيقة رغبة في الإيمان، بل مجرد عناد ولجج ومحاولة للتعنت والجدل العقيم لإضاعة الوقت.
ثم يقول تعالى:
{فقال له فرعون "101"}(سورة الإسراء)
أي: بعد أن رأى الآيات كلها:
{إني لأظنك يا موسى مسحوراً "101"} (سورة الإسراء)
فاتهمه بالسحر بعد أن أراه كل هذه الدلائل والمعجزات. وكلمة
{مسحوراً "101"}
(سورة الإسراء)
اسم مفعول بمعنى سحره غيره، وقد يأتي اسم المفعول دالاً على اسم الفاعل لحكمة، كما في قوله تعالى:
{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً "45"}
(سورة الإسراء)
والحجاب يكون ساتراً لا مستوراً، لكن الحق سبحانه جعل الحجاب نفسه مستوراً مبالغة في الستر، كما نبالغ نحن الآن في استعمال الستائر، فنجعلها من طبقتين مثلاً.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:
{ظلا ظليلاً "57"}
(سورة النساء)
فالظل نفسه مظلل، ونستطيع أن نلاحظ هذه الظاهرة إذا جلسنا في الحر تحت شجرة، فسوف نجد الهواء تحتها رطباً بارداً، لماذا؟ لأن أوراق الشجر متراكمة يظلل بعضها بعضاً، فتجد أعلاك طبقات متعددة من الظل، فتشعر في النهاية بجو لطيف مكيف تكييفاً ربانياً.
إذن: قوله (مسحوراً) تفيد أنه سحر غيره، أو سحره غيره؛ لأن المسحور هو الذي ألم به السحر، إما فاعلاً له، أو مفعولاً عليه. وهذه الكلمة قالها كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
{إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً "47"}
(سورة الإسراء)
والمسحور بمعنى المخبول الذي أثر في السحر، فصار مخبولاً مجنوناً، وهذا كذب وافتراء على رسول الله من السهل رده وضحده.
فإذا كان ساحراً، فكيف يسحره غيره؟! ولماذا لم يسحركم كما سحر الذين آمنوا به؟ لماذا تأبيتم أنتم على سحره فلم تؤمنوا؟(7/190)
وإن كان مسحوراً مخبولاً، والمخبول تتأتى منه حركات وأقوال دون أن تمر على العقل الواعي الذي يختار بين البديلات، فلا يكون له سيطرة على إراداته ولا على خلقه، فهل عهدكم بمحمد أن كان مخبولاً؟ هل رأيتم عليه مثل هذه الصفات؟
لذلك رد الحق سبحانه عليهم هذا الافتراء بقوله تعالى:
{نَ والقلم وما يسطرون "1" ما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ "2" وإن لك لأجراً غير ممنونٍ "3" وإنك لعل خلقٍ عظيمٍ "4"}
(سورة القلم)
والمجنون لا يكون على خلق أبداً.
وسوف يناقض فرعون نفسه، فبعد أن اتهم موسى بالسحر، ثم كانت الغلبة لموسى، وخر السحرة ساجدين، قال:
{إنه لكبيركم الذي علمكم السحر .. "71"}
(سورة طه)
(قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا "102" )
أي: قال موسى لفرعون، والتاء في (علمت) مفتوحة أي: تاء الخطاب، فهو يكلمه مباشرة ويخاطبه: لقد علمت يا فرعون علم اليقين أنني لست مسحوراً ولا مخبولاً، وأن ما معي من الآيات مما شاهدته وعاينته من الله رب السماوات والأرض، وأنت تعلم ذلك جيداً إلا أنك تنكره، كما قال تعالى:
{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .. "14"}
(سورة النمل)
إذن: فعندهم يقين بصدق هذه المعجزات، ولكنهم يجحدونها؛ لأنها ستزلزل سلطانهم، وتقوض عروشهم.
---------------------------
والقرآن ليس به وصلات ردح وإباحة كما يزعمون بانه حدث بين سيدنا موسى عليه السلام وفرعون
فاعلم أن فرعون لما وصف موسى بكونه مسحوراً أجابه موسى بأنك مثبور يعني هذه الآيات ظاهرة، وهذه المعجزات قاهرة ولا يرتاب العاقل في أنها من عند الله وفي أنه تعالى إنما أظهرها لأجل تصديقي وأنت تنكرها فلا يحملك على هذا الإنكار إلا الحسد والعناد والغي والجهل وحب الدنيا ومن كان كذلك كانت عاقبته الدمار والثبور.
قال الفراء: المثبور الملعون المحبوس عن الخير .... والعرب تقول ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وما صرفك
ولكن لو رجعنا للكتاب المقدس سنجد وصلة ردح بين اليسوع وامه امام الجميع وانتهت بقولها المشهور : انه مختل
ولما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مختل ... مرقص 3:21
---------------------------------------
(فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا "103")
(فأراد) أي: فرعون. (أن يستفزهم) كلمة "استفز" سبق الكلام عنها في قوله تعالى:
{واستفزز من استطعت منهم بصوتك .. "64"}
(سورة الإسراء)
فالاستفزاز هو الإزعاج بالصوت العالي، يقوم المنادي ويخف من مكانه، وهذا الصوت أو هذه الصيحة يخرجها الفارس أو اللاعب كما نرى في لعبة الكراتيه مثلاً ليزعج الخصم ويخيفه، وأيضاً فإن هذه الصيحة تشغل الخصم، وتأخذ جزءاً من تفكيره، فيقل تركيزه، فيمكن التغلب عليه. ومن الاستفزاز قول أحدنا لابنه المتكاسل: فز. أي: انهض وخف للقيام.
إذن: المعنى: فأراد فرعون أن يستفزهم ويخدعهم خديعة تخرجهم من الأرض، فتخلو له من بعدهم، وهذا دليل على غباء فرعون وتغفيله وحماقته، فما جاء موسى إلا ليأخذ بني إسرائيل، كما جاء في قوله تعالى:
{فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين "16" أن أرسل معنا بني إسرائيل "17"}
(سورة الشعراء)
فكأن غباء فرعون أعان القدر الذي جاء به موسى ـ عليه السلام ـ ولكن كان لله تعالى إرادة فوق إرادة فرعون، فقد أراد أن يخرج بني إسرائيل وتخلو له الأرض، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يستفزه هو من الأرض كلها ومن الدنيا، فأغرقه الله تعالى وأخذه أخذ عزيز مقتدر، وعاجله قبل أن ينفذ ما أراد.
كما يقولون في الأمثال عند أهل الريف للذي هدد جاره بأن يحرق غلته وهي في الجرن، فإذا بالقدر يعالجه (والغلة لست فريك) أي: يعاجله الموت قبل نضج الغلة التي هدد بحرقها، فأغرقه الله ومن معه جميعاً
==================
ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها، لولا أن رأى برهان ربه
ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرفَ عنه السُّوءَ والفحشاء. إنه من عبادنا المخْلَصين (آية 24).
قال المفسرون: إن همّ يوسف كان معصية، وإنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القُشيريّ أبو نصر، وابن الأنباريّ والنحاس والماورديّ وغيرهم. قال ابن عباس: حلّ الهِميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جُبير: أطلق تِكَّة سراويله. وقال مجاهد: حلّ سراويله. وقال مجاهد: حلّ السراويل حتى بلغ الإليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال: ذلك ليعلم أني لم أَخُنْهُ بالغَيْب (يوسف 52) قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: وما أبَرِّئُ نفسي (يوسف 53). قالوا: والانكفاف في مثل هذه الحالة دالّ على الإخلاص، وأعظم الثواب (القرطبي في تفسير يوسف 12: 24).(7/191)
وأما تفسير قوله لولا أن رأى برهان ربِّهِ (آية 24) فقال قتادة وأكثر المفسرين: إن يوسف رأى صورة يعقوب وهو يقول له: يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء! . وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على أصبعه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مثل له يعقوب، فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله . وقال السدّي: نودي يا يوسف أتواقعها؟ إنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه. وإن واقعْتَها كمثله إذا وقع على الأرض، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُطاق، ومثلك إن واقعتها كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه (الكشاف في تفسير يوسف 12: 24).
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: البرهان الذي أرى يوسف هو ثلاث آيات من كتاب الله وإنَّ عليكم لَحَافِظِين، كِراماً كاتِبِين، يعلمون ما تفعلون (الانفطار 82: 10 12). وقوله: وما تكونُ في شأْنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ (يونس 10: 61). وقوله: أفمَنْ هو قائمٌ على كلِ نفسٍ بما كسَبَت (الرعد 13: 33). زاد غيره آية أخرى ولا تَقْرَبوا الزنا (الإسراء 17: 32). وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس في قوله لولا أن رأى آية من كتاب الله نهته مثلت له في الحائط (الإتقان للسيوطي فصل ما نزل على غير محمد).
نقول: (1) كيف نزلت هذه الآيات على يوسف؟ هل باللغة العربية؟ فكيف فهمها وهو عبراني؟! أم بالعبرانية؟ فكيف تتفق مع إنّا أنزلناه قرآناً عربياً ؟ (يوسف 12: 2). (2) كيف نزلت الآيات القرآنية ليوسف قبل مولد محمد؟
والكتاب المقدس يشهد أن يوسف منزّهٌ عن قوله هَمَّت به وهَمَّ بها . فورد في تكوين 39: 9 أنه لما طلبت امرأة فوطيفار من يوسف أن يضطجع معها، قال: إن سيدي سلّم كل شيء ليدي في هذا البيت، ولم يُمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟ وكانت تكلمه من يوم إلى آخر فلم يلتفت إليها
الرد
والهم هو حديث النفس بالشيء ؛ إما أن يأتيه الإنسان أو لا يأتيه .
ومن رحمة ربنا بخلقه أم من هَمَّ بسيئة وحدثته نفسه أن يفعلها ؛ ولم يفعلها كُتبت له حسنة . فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : (( من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب ، وإن عملها كتبت )) أخرجه مسلم في صحيحه (130) كتاب الإيمان (حديث 206 ) .
وقد جاءت العبارة هنا في أمر المراودة التي كانت منها ، والامتناع الذي كان فيه ، واقتضى ذلك الأمر مًفاعلة بين اثنين يصطرعان في شيء .
فأحد الاثنين امرأة العزيز يقول الله في حقها .
{ لقد همت به .. 24} يوسف
وسبق أن أعلن لنا الحق سبحانه في الآية السابقة موقفها حين قالت (( هيت لك )) وكذلك بيَّن موقف يوسف عليه السلام حين قال يوسف (( معاذ الله )) .
وهنا يبين لنا أن نفسه قد حدثته أيضاً ؛ وتساوى في حديث النفس ؛ لكن يوسف حدث له أن رأى برهان ربه .
ويكون فَهْمُها للعبارة : لولا أن رأى برهان ربه لّهَمَّ بها ؛ لأننا نعلم أن (( لولا )) حرف امتناع لوجود ؛ مثلما نقول : لولا زيد عندك لأتيتك .
ولقائل أن يقول : كيف غابت قضية الشرط في الإيجاد والامتناع عن الذين يقولون : إن الهم قد وُجد منه ؟ .
ولماذا لم يقُل الحق : لقد همَّتْ به ولم يهم بها ؛ حتى نخرج من تلك القضية ؟
ونقول : لو قال الحق سبحانه ذلك لما أعطانا هذا القولُ اللقطة المطلوبة ؛ لأن امرأة العزيز هَمَّتْ به لأن عندها نوازع العمل ؛ وإن لم يقل لنا أنه قد هَمَّ بها لظننا أنه عِنِّين (1) أو خَصاه موقف أنها سيدته فخارتْ قواه .
إذن : لو قال الحق سبحانه : إنه لم يَهِمّ بها ؛ لكان المانع من الهَمِّ إما أمر طبيعي فيه ، أو أمر طارئ لأنها سيدته فقد يمنعه الحياء عن الهَمِّ بها .
ولكن الحق سبحانه يريد أن يوضح لنا أن يوسف كان طبيعياً ، وهو قد بلغ أشُدّه ونُضْجه ؛ ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها .
وهكذا لم يَقُمْ يوسف عليه السلام بما يتطلبه ذلك لنقص فيه ؛ ولا لأن الموقف كان مفاجأة ضيعت رجولته بغته ؛ مثل ما يحدث لبعض الشباب ليلة الزفاف ، حين لا يستطيع أن يقرب عروسه ؛ وتمر أيام إلى ا، يستعد توازنه . ويقرب عروسه .
إذن : لو أن القرآن يريد عدم الهم على الإطلاق ؛ ومن غير شيء ، لقال : ولقد همت به ولم يهم بها .
ولكن مثل هذا القول هو نفي للحدث بما لا يستلزم العفة والعصمة ، لجواز أن يكون عدم الهم راجعاً إلى نقص ما ؛ وحتى لا يتطرق إلينا تشبيهه ببعض الخدم ؛ حيث يستحي الخادم أن ينظر إلى البنات الجميلات للأسرة التي يعمل عندها ؛ ويتجه نظره إلى الخادمة التي تعمل في المنزل المجاور ، لأن للعواطف التقاءات .(7/192)
ويجوز أن الخادم قد فكر في أنه لو هَمَّ بواحدة من بنات الأسرة التي يعمل لديها ؛ فقد تطرده الأسرة من العمل ؛ بينما هو يحيا سعيداً مع تلك الأسرة .
وهكذا يشاء الحق سبحانه أن يوزع تلك المسائل بنظام وتكافؤات في كثير من الأحيان .
وهنا في الآية قال الحق سبحانه :
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ... 24} يوسف
إذن برهان ربه سابق على الهم ، فواحد هّمّ ولم يرتكب ما يتطلبه الهم ؛ لأن برهان ربه في قلبه ، وقد عرف يوسف برهان ربه من البداية .
وبذلك تنتهي المسألة ، ولذلك فلا داعي أن يتدخل الناس في متاهات أنه هَمّ وجلس بين شعبتيها ، ولم يرتعد إلا عندما تمثل له وجه والده يعقوب ونهاه عن هذا الفعل ؛ فأفسقُ الفُساق ولو تمثل له أبوه وهو في مثل هذا الموقف لأصيب بالإغماء .
وحين تناقش من رأي هذا الرأي ؛ يرد بأن هدفه أن يثبت فحولة يوسف ؛ لأن الهم وجد وأنه قد نازع الهم .
ونقول لصاحب هذا الرأي : أتتكلم عن الله ، أم عن الشيطان ؟
أنت لو نظرت إلى أبطال القصة تجدهم ؛ امرأة العزيز ؛ ويوسف والعزيز نفسه ؛ والشاهد على أن يوسف قد حاول الفكاك من ذلك الموقف ، ثم النسوة اللاتي دعتهن امرأة العزيز ليساهدوا جمال يوسف ؛ والله قد كتب له العصمة .
فكل هؤلاء تضافروا على أن يوسف لم يحدث منه شيء .
وقال يوسف نفسه : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ... 26 } يوسف
وامرأة العزيز نفسها قالت مُصدقة لما قال : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ... 32 } يوسف
وقالت : { الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ـ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ 51و52 } يوسف
وعن النسوة قال يوسف : { مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ .. 50 } يوسف
وقال يوسف لحظتها : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ... 33 } يوسف .
والصبوة هي حديث النفس ؛ وهو ما يثبت قدرة يوسف عليه السلام على الفعل ، وحماه الله من الصبوة ؛ لأن الحق سبحانه قد قال : {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ.. 34 } يوسف
وانظر إلى لقطة النسوة اللاتي تهامسن بالنميمة عن امرأة العزيز وحكايتها مع يوسف ، ألم يقلن :
{ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ .. 31 } يوسف
فحين دخل عليهن اتجهت العيون له ، وللعيون لغات ؛ وللانفعال لغات ؛ وإلا لماذا قال يوسف : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ... 33 } يوسف .
وهكذا نعلم أنه قد حدثت مُقدمات تدل على أن النسوة نوين له مثل ما نوته امرأة العزيز ؛ وظنن أن امرأة العزيز سوف تطرده ؛ فيتلقفنه هن ؛ وهذا داب البيوت الفاسدة .
وهل هناك أفسد من بيوت العزيز نفسه ، بعد أن حكم الشاهد أنها هي التي راودت يوسف عن نفسه ؛ فيدمدم العزيز على الحكاية ، ويقول : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ .. 29 } يوسف
وكان هدف العزيز أن يحفظ مكانته من القيل والقال .
وحين سأل الشاهد النسوة ، بماذا أجبن ؟
يقول الحق سبحانه أن النسوة قلن : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ... 51} يوسف
وقد صرف الله عن الشيطان الذي يتكفل دائماً بالغواية ، وهو لا يتدخل أبداً في معركة مع الله ؛ ولكنه يدخل مع خلق الله ؛ لأن الحق سبحانه يورد على لسانه :
{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ــ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 81 و 82 } ص
فالشيطان نفسه يُقر أن من يستخلصه الله لنفسه من العباد إنما يعجز ـ هو كشيطان ـ عن غوايته ، ولا يجرؤ على الأقتراب منه .
والشاهد الذي من أهل امرأة العزيز ، واستدعاه العزيز ليتعرف على الحقيقة قال : { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ... 27 } يوسف
وبعد كل هذه الأدلة فليس من حق أحد أن يتساءل : هل هم يوسف بامرأة العزيز ، ام لم يهم ؟
وفي الآية التي نحن بصددها يقول الحق سبحانه :
{ لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ... 24} يوسف
والبرهان هو الحجة على الحكم ، والحق سبحانه هو القائل : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .. 15} الإسراء .
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... 165 } النساء
أي : لا بد أن يبعث الحق رسولاً للناس مؤيداً بمعجزة تجعلهم يُصدقون المنهج الذي يسيرون عليه ؛ كي يعيشوا حياتهم بانسجام إيماني ، ولا يعذبهم في الآخرة .
ويذيل الحق سبحانه الآية بقوله : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ... 24 } يوسف(7/193)
والفحشاء هي الزنا والإتيان ؛ والسوء هي فكرة الهم ، وبعض المعتدلين قالوا : إنها بعد أن راودته عن نفسه ؛ وخرجت بالفعل إلى مرحلة السُعار لحظة أن سبقها إلى الباب ؛ فكرت في أن تقتله ؛ وحاول هو أن يدافع عن نفسه وأن يقتلها ، ولو قتلها فلسوف يُجازي كقاتل .
فصرف الحق عنه فكرة القتل ؛ وعنى بها هنا قوله الحق ( السوء ) ؛ ولكني أطمئن إلى أن السوء هو فكرة الهم ؛ وهي مقدمات الفعل .
ويقرر الحق سبحانه أن يوسف عليه السلام من عباده المُخلصين ، وفي هذا رد على الشيطان ؛ لأن الشيطان قال : { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ... 82 } ص
وقوله الحق هنا :
{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ... 24 } يوسف
يؤكد إقرار الشيطان أنه لن يقرب عباد الله المخلصين . وهناك ( مًخْلِصِين ) و ( مُخْلَصِين ) والمخلص هو من جاهد فكسب طاعة الله ، والمُخْلَص هو من كسب فجاهد وأخلصه الله لنفسه .
وهناك أناس يصلون بطاعة الله إلى كرامة الله ، وهناك أناس تكرمهم الله فيطيعون الله ـ ولله المثل الأعلى ـ مُنزه عن كل تشبيه ، أنت قد يطرق بابك واحد يسألك من فضل الله عليك ؛ فتستضعفه وتُكرمه ، ومرة أخرى قد تمشي في الشارع وتدعو واحداً لتعطيه من فضل الله عليك ، أي : أن هناك من يطلب فتأذن له ، وهناك من تطلبه أنت فتعطيه .
الإمام المرحوم / محمد متولي الشعراوي
===============
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
المسيحيون أعانوا بختنصَّر!
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ; (آية 114).
قال الطبري وابن كثير والقرطبي في تفسير هذه الآية إنها نزلت في المسيحيين لأنهم أعانوا بختنصر (يُقصد نبوخذ نصر) البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس لبغضهم لليهود. وطبعاً هذا خطأ تاريخي فاضح، لأن نبوخذ نصر هذا كان قبل المسيح بأكثر من 500 سنة.
الرد
اجمع المفسرون على أنه ليس المراد من هذه الآية مجرد بيان الشرط والجزاء، أعني مجرد بيان أن من فعل كذا فإن الله يفعل به كذا بل المراد منه بيان أن منهم من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها، ثم أن الله تعالى جازاهم بما ذكر في الآية إلا أنهم اختلفوا في أن الذين منعوا من عمارة المسجد وسعوا في خرابه من هم؟ وذكروا فيه أربعة أوجه.
أولها: قال ابن عباس: أن ملك النصارى غزا بيت المقدس فخربه وألقى فيه الجيف وحاصر أهله وقتلهم وسبى البقية وأحرق التوراة، ولم يزل بيت المقدس خراباً حتى بناه أهل الإسلام في زمن عمر.
وثانيها: قال الحسن وقتادة والسدي: نزلت في بختنصر حيث خرب بيت المقدس وبعض النصارى أعانه على ذلك بغضاً لليهود.
قال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن: هذان الوجهان غلطان لأنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن عهد بختنصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل والنصارى كانوا بعد المسيح فكيف يكونون مع بختنصر في تخريب بيت المقدس وأيضاً فإن النصارى يعتقدون في تعظيم بيت المقدس مثل اعتقاد اليهود وأكثر، فكيف أعانوا على تخريبه.
وثالثها: أنها نزلت في مشركي العرب الذين منعوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن الدعاء إلى الله بمكة وألجؤه إلى الهجرة، فصاروا مانعين له ولأصحابه أن يذكروا الله في المسجد الحرام، وقد كان الصديق رضي الله عنه بنى مسجداً عند داره فمنع وكان ممن يؤذيه ولدان قريش ونساؤهم، وقيل: إن قوله تعالى:
{ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [الإسراء: 110]
نزلت في ذلك فمنع من الجهر لئلا يؤذى، وطرح أبو جهل العذرة على ظهر لنبي صلى الله عليه وسلم فقيل: ومن أظلم من هؤلاء المشركين الذين يمنعون المسلمين الذين يوحدون الله ولا يشركون به شيئاً ويصلون له تذللاً وخشوعاً، ويشغلون قلوبهم بالفكر فيه، وألسنتهم بالذكر له، وجميع جسدهم بالتذلل لعظمته وسلطانه.
ورابعها: قال أبو مسلم: المراد منه الذين صدوه عن المسجد الحرام حين ذهب إليه من المدينة عام الحديبية، واستشهد بقوله تعالى:
{ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [الفتح: 25]
وبقوله:
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [الأنفال: 34]
وحمل قوله: { إِلاَّ خَآئِفِينَ } بما يعلي الله من يده، ويظهر من كلمته، كما قال في المنافقين:
{ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً }
[الأحزاب: 60 ـ 61](7/194)
وعندي فيه وجه خامس وهو أقرب إلى رعاية النظم: وهو أن يقال: أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة شق ذلك على اليهود فكانوا يمنعون الناس عن الصلاة عند توجههم إلى الكعبة، ولعلهم سعوا أيضاً في تخريب الكعبة بأن حملوا بعض الكفار على تخريبها، وسعوا أيضاً في تخريب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يصلوا فيه متوجهين إلى القبلة، فعابهم الله بذلك وبين سوء طريقتهم فيه، وهذا التأويل أولى مما قبله، وذلك لأن الله تعالى لم يذكر في الآيات السابقة على هذه الآية إلا قبائح أفعال اليهود والنصارى، وذكر أيضاً بعدها قبائح أفعالهم فكيف يليق بهذه الآية الواحدة أن يكون المراد منها قبائح أفعال المشركين في صدهم الرسول عن المسجد الحرام، وأما حمل الآية على سعي النصارى في تخريب بيت المقدس فضعيف أيضاً على ما شرحه أبو بكر الرازي، فلم يبق إلا ما قلناه
==============
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
(( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )) (آية 115).
قال ابن عباس: لما هاجر محمد إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود. فاستقبلها بضعة عشر شهراً، وكان يحب قِبلة إبراهيم، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل: فولوا وجوهكم شطره. فارتاب في ذلك اليهود وقالوا: ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال: قل لله المشرق والمغرب. فأينما تُولّوا فثمَّ وجه الله. وورد في الحديث أنه لما تحوَّلت القِبلة إلى الكعبة ارتدَّ قومٌ إلى اليهودية وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه وترك قِبلة اليهود التي هي على حق، وقال حُيَيّ بن أخطب وأصحابه من اليهود للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس. إن كانت على هدى، فقد تحولتم عنه. وإن كانت على ضلالة، فقد دنتم الله بها، ومن مات عليها فقد مات على ضلاله . وكان قد مات قبل أن تُحوّل القِبلة إلى الكعبة أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانا من النقباء، ورجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى محمد فطيَّب خاطرهم. وقد ذكر القرآن هذه الحادثة في البقرة 142: (( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ “فطعن في الذين اعترضوا عليه، وقال إنهم سفهاء مع أنهم أوفر الناس عقلاً وفهماً. وقال في عدد 143 “وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ))فترى من هنا أن كثيرين تخلّفوا عن محمد لتقلُُّبه في العبادة التي هي أهم أركان الدين. ثم ورد في عدد 144 “فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; ثم قال: “فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ; عدد 150 (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 115).
لما رأى محمد أهل الكتاب يُصلّون صوب بيت المقدس، وكان يعتقد أن ديانتهم صحيحة، وكانت قِبلة العرب هي الكعبة، لم يحب أن يتبع العرب في قِبلتهم ويسير مسراهم، لأن العرب مشركون. فآثر أن يتبع قِبلة اليهود لأنهم أهل كتاب مُنزَل. ولكن لما رأى معارضة اليهود له، ورأى أن الاستمرار على قِبلتهم لا يخدم دعواه، اتَّبع الكعبة وهي قِبلة المشركين، وفضّلها على قِبلة أهل الكتاب، لأن معارضة المشركين ليست في قوة معارضة أهل الكتاب له، لأن أدلّتهم واهنة، فضلاً عن جهلهم. وعلى هذا ورد في عدد 144(( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )).
قال المفسرون إن محمداً وأصحابه كانوا يصلّون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحبّ أن يستقبل بيت المقدس، يسترضي بذلك اليهود. فصلّى إلى بيت المقدس بعد الهجرة 16 أو 17 شهراً. وكان يحب أن يتوجَّه إلى الكعبة لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قِبلتنا . فقال محمد إنه قال لجبريل: وددت لو حوّلني الله إلى الكعبة . فقال جبريل: إنّما أنا عبدٌ مثلك وأنت كريمٌ على ربك، فسَلْ أنت ربَّك . فجعل ينظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القِبلة، فأنزل قد نرى تقلّب وجهك في السماء يعني تردُّد وجهك وصرْف نظرك إلى جهة السماء. ولما تحوَّلت القِبلة إلى الكعبة قالت اليهود: يا محمد، ما هو إلا شيء ابتدعتَه من تلقاء نفسك، فتارةً تصلي إلى بيت المقدس، وتارة إلى الكعبة. ولو ثبتَّ على قِبلتنا لكُنّا نرجو أن تكون صاحبنا .(7/195)
واليهود معذورون في معارضته لأنهم رأوه في مبدأ الأمر يصلي جهة الكعبة، ثم اتّبع قِبلتهم، وبعد ذلك عاد إلى قِبلة المشركين. وكانت غايته من هذه التقلبات أن يتبعه اليهود. ولما خاب ظنه تركهم، وكذلك فعل مع المشركين، فمدح اللات والعُزَّى فقال عنهماتلك الغرانيق العلي وإنّ شفاعتهنَّ لتُرتجَى ولما رأى أن ذلك لا يساعده سحب كلامه. فلا عجب إذا لم يتبع اليهود قِبلته،فقال في البقرة 145 (( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ )).
الرد
يعتبر تغير القبلة ( اختبار عملي في الطاعة) والدليل :
قوله تعالى (( وما جعَلنا القِبلة التي كُنتَ عليها إلا لِنعلمَ مَن يتَّبعُ الرسولَ مِمَّن ينقلبُ على عَقِبَيه ))
وهدف آخر هو أن تتميز هذه الأُمة حتى في قِبلتها.
هل تريدون الدليل على تميُّزكم أخواني ؟!!! يقول الله تعالى :(( وكذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً لتكونوا شُهداء على النَّاس ويكونَ الرسول ُعلَيكُم شهيدا )) فأنتم ستشهدون على الخلائق يوم القيامة فكيف لا تكونوا متميزين وتتمسكوا بهذا التميُّز؟؟؟!!!
فالمؤمن متميز ولكنه متوازن، فلا يخالف الكفار في كل شيء وإنما يتَّبع تعليمات ربه في ذلك.
قال تعالى (( ليسَ البِرَّ أن تُوّلُّوا وجوهَكُم قِبَلَ المَشرق والمغرب )) هذه الآية تشمل الإسلام كله: عقيدة وأخلاق وعبادات ... فيعد التميز هنا بالطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليست القضية هي تغيير اتجاه القِبلة ولكن المهم هو التقوى والإصلاح الشامل لحياتكم
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143)}
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ} أي سيقول ضعفاء العقول من الناس {مَا ولاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} أي ما صرفهم وحوّلهم عن القبلة التي كانوا يصلون إِليها وهي بيت المقدس، قبلة المرسلين من قبلهم؟ {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي قل لهم يا محمد الجهات كلها لله له المشرق والمغرب فأينما ولينا وجوهنا بأمر من الله كان القبول من الله {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي يهدي عباده المؤمنين إِلى الطريق القويم الموصل لسعادة الدارين
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي كما هديناكم إِلى الإِسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين أمة عدولاً خياراً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أي لتشهدوا على الأمم يوم القيامة أن رسلهم بلّغتهم، ويشهد عليكم الرسول أنه بلغكم {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا} أي وما أمرناك بالتوجه إِلى بيت المقدس ثم صرفناك عنها إِلى الكعبة {إِلاَ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي إِلا لنختبر إِيمان الناس فنعلم من يصدّق الرسول، ممن يشكّك في الدين ويرجع إِلى الكفر لضعف يقينه {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} أي وإِن كان هذا التحويل لشاقاً وصعباً إِلا على الذين هداهم الله .
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي ما صحَّ ولا استقام أن يضيع الله صلاتكم إِلى بيت المقدس بل يثيبكم عليها، وذلك حين سألوه صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يصلي إِلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فنزلت، وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} تعليل للحكم أي أنه تعالى عظيم الرحمة بعباده لا يضيع أعمالهم الصالحة التي فعلوها.
سبب النزول:(7/196)
روى البخاري عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماء} الآية [البقرة: 144]، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: {مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها}، قال الله تعالى: {قُلْ: لله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية.
وفي الصحيحين عن البراء: مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيَمانَكُمْ}. أي صلاتكم.
سبب نزول الآية: {الذينَ آتيناهم الكتابَ}:
نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب: عبد الله بن سَلام وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم، كما يعرف أحدهم ولده، إذا رآه مع الغلمان، قال عبد الله بن سَلام: لأنا أشدُّ معرفةً برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا أبن سَلام؟ قال: لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقّاً يقيناً، وأنا لا أشهد بذلك على ابني، لأني لا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يا ابن سَلام.
تحويل القِبلة
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ(145)الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(146)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(147)}
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} كثيراً ما رأينا تردّد بصرك يا محمد جهة السماء تشوقاً لتحويل القبلة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} أي فلنوجهنك إِلى قبلةٍ تحبها، - وهي الكعبة - قبلة أبيك إِبراهيم {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي توجه في صلاتك نحو الكعبة المعظمة {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أي وحيثما كنتم أيها المؤمنون فتوجهوا في صلاتكم نحو الكعبة أيضاً {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي إِن اليهود والنصارى ليعلمون أن هذا التحويل للقبلة حقٌ من عند الله ولكنهم يفتنون الناس بإِلقاء الشبهات {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها، وفيه وعيد وتهديد لهم.
المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى ما قاله السفهاء من اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إِلى الكعبة المعظمة، وأمر رسوله بأن يتوجه في صلاته نحو البيت العتيق، ذكر في هذه الآيات أن أهل الكتاب قد انتهوا في العناد والمكابرة إِلى درجة اليأس من إِسلامهم، فإِنهم ما تركوا قبلتك لشبهة عارضة تزيلها الحجة، وإنما خالفوك عناداً واستكباراً، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم من جحود وتكذيب أهل الكتاب.
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} أي والله لئن جئت اليهود والنصارى بكل معجزة على صدقك في أمر القبلة ما اتبعوك يا محمد ولا صلّوا إِلى قبلتك {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} أي ولست أنت بمتبع قبلتهم بعد أن حوّلك الله عنها، وهذا لقطع أطماعهم الفارغة حيث قالت اليهود: لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريراً له عليه السلام {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} أي إِن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود، كما أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد مع أن الكل من بني إِسرائيل {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنْ الْعِلْمِ} أي ولئن فرض وقدّر أنك سايرتهم على أهوائهم، واتبعت ما يهوونه ويحبونه بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريق الوحي {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي تكون ممن ارتكب أفحش الظلم، والكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير وإِلا فحاشاه صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء الكفرة المجرمين، وهو من باب التهييج للثبات على الحق. .(7/197)
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} أي اليهود والنصارى {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} أي يعرفون محمداً معرفة لا امتراء فيها كما يعرف الواحد منهم ولده معرفة يقين {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي وإِن جماعة منهم - وهم رؤساؤهم وأحبارهم - ليخفون الحق ولا يعلنونه ويخفون صفة النبي مع أنه منعوت لديهم بأظهر النعوت {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} [الأعراف: 157] فهم يكتمون أوصافه عن علم وعرفان {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ} أي ما أوحاه الله إِليك يا محمد من أمر القبلة والدين هو الحق فلا تكوننَّ من الشاكّين، والخطاب للرسول والمراد أمته.
أسباب تحويل القبلة والاختلاف فيها
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(148)وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(150)كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(151)فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ(152)}
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} أي لكل أمة من الأمم قبلةٌ هو مولّيها وجهه أي مائل إِليها بوجهه فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إِلى فعل الخيرات {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} أي في أي موضع تكونوا من أعماق الأرض أو قِمَمِ الجبال يجمعكم الله للحساب فيفصل بين المحق والمبطل {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإِن تفرقت أجسامكم وأبدانكم.
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي من أيّ مكان خرجت إِليه للسفر فتوجه بوجهك في صلاتك وجهة الكعبة {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} تقدم تفسيره وكرّره لبيان تساوي حكم السفر والحضر {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} هذا أمر ثالث باستقبال الكعبة المشرفة، وفائدة هذا التكرار أن القبلة كان أول ما نسخ من الأحكام الشرعية، فدعت الحاجة إِلى التكرار لأجل التأكيد والتقرير وإِزالة الشبهة قال تعالى {لِئَلاَ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} أي عرّفكم أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود فيقولوا: يجحد ديننا ويتبع قبلتنا فتكون لهم حجة عليكم أو كقول المشركين: يدعي محمد ملة إِبراهيم ويخالف قبلته {إِلاَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} أي إِلا الظلمة المعاندين الذين لا يقبلون أيّ تعليل فلا تخافوهم وخافوني {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي أتمّ فضلي عليكم بالهداية إِلى قبلة أبيكم إِبراهيم والتوفيق لسعادة الدارين.
====================
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ
شبهة
الاتِّجار في المواسم:
“لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ; (آية 198).
كان العرب في الجاهلية يتّجرون في أسواق تسمّى عُكاظ ومجنة وذا الحجاز. وكانت لها مواسم، فكانوا يقيمون بعُكاظ 20 يوماً من ذي القِعدة، ثم ينتقلون إلى مجنة وهي عند عرفة فيقيمون بها 18 يوماً، 10 أيام من آخر ذي القِعدة، و 8 أيام من أول ذي الحجة، ثم يخرجون إلى عرفة. فلما جاء الإسلام تأثَّموا أن يتَّجروا في المواسم، فأجاز محمدٌ لهم ذلك.
وعن أبي إمامة التيمي قال: كنت أجري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون لي إنه ليس لك حج. فلقيت ابن عمر وسألته عن ذلك، فقال: إن لك حجاً. وجاء رجل إلى محمد فسأله عن مثل ذلك فسكت ولم يجبه، وأخيراً قال بالجواز. (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 198).
نفهم من صاحب هذه الشبهة :
أولا ً : انه يرد أن يشكك في اخلاص الحاج أثناء عمرته
ثانياً : انه يريد أن يشكك في نبوت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لعدم رده السريع كما جاء في الشبهة هنا اقتباس:
فسكت ولم يجبه، وأخيراً قال بالجواز(7/198)
وعليه :
الجواب:
الحمد لله
" الإخلاص شرط في جميع العبادات ، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى ، ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف/110 . وقال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) البينة/5 . وقال الله تعالى : ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر/2، 3 .
وفي الحديث القدسي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) .
والإخلاص لله في العبادة معناه : ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه ، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ) الفتح/39 .
فلا تقبل العبادة حجاً كانت أم غيره إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله ، أي يقوم بها من أجل أن يراه الناس ، فيقولون : ما أتقى فلاناً ! ما أعبد فلاناً لله ! وما أشبه هذا .
ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن ، أو رؤية الناس ، أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص ، ولهذا يجب على الحجاج الذين يقصدون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله عز وجل ، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي ، أو أن يتجروا ، أو أن يقال : فلان يحج كل سنة ، وما أشبه ذلك .
ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة ، وهو قاصد البيت الحرام ، لقول الله تبارك وتعالى : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) البقرة/198 .
وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب ، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة ، وهذا يوجب بطلان العمل ، أو نقصانه نقصاً شديداً ، قال الله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) الشورى/20 " انتهى .
"فتاوى ابن عثيمين"
------------------
ولننظر الان الى سبب مزول الاية
نزول الآية (198):{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}
روى البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومِجَنَّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتاثَّموا أن يتَجروا في المواسم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} أي في موسم الحج.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير الطبري والحاكم وغيرهم من طرق عن أبي أمامة التيمي قال: "قلت لابن عمر: إنا نَكْرِي (أي نُؤَجر الدواب للحجاج)، فهل لنا من حج؟ فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يُجِبه، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ..} فدعاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم حجاج".
===============
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ
شبهة
“ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ; (آية 199).
قال طاوس: كانوا في الجاهلية يدفعون عن عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد طلوعها. وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فأتى محمد فأخَّر الإفاضة من عرفة إلى ما بعد غروب الشمس، وقدم الإفاضة من المزدلفة إلى ما قبل طلوعها.
وثبير جبل بمكة. ومعنى قولهم: أشرق ثبير: ادخل أيها الجبل في الشروق، وهو نور الشمس. وقولهم كيما نغير أي ندفع للنحر. يقال أغار إذا أسرع ووقع في عَدْوه.(7/199)
قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، وكانوا يقولون أشرق ثبير، فخالفهم محمد فأفاض قبل طلوع الشمس (الإفاضة الدفع بكثرة). قال أهل التفسير: كانت قريش، ومن دان بدينها، وهم الحمُس (سُمُّوا حمساً لتشدُّدهم في دينهم، والحماسة الشدة، وهم قريش وكنانة وخزاعة) يقفون بالمزدلفة (أي المشعر الحرام، وسُميت مزدلفة من الازدلاف، وهو الاقتراب لنزول الناس بها زُلف الليل، وقيل لاجتماع الناس بها. وتُسمّى المزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها بين المغرب والعِشاء) ويقولون نحن أهل الله، وقطّان حرمه، ولا نخلف الحرم ولا نخرج منه. ويتعاظمون أن يقفوا مع سائر الناس بعرفات. فإذا أفاض الناس من عرفات أفاض الحمُس من المزدلفة. فلما جاء محمد أمرهم أن يقفوا بعرفات مع سائر الناس، ثم يفيضوا منها إلى جمع، وهذا معنى قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس . وقيل المراد من هذه العبارة أن الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، وأراد بالناس الأمم السابقة (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 199).
الرد
ابن كثير
أَمَرَ الله تعالى الْوَاقِف بِعَرَفَاتٍ أَنْ يَدْفَع إِلَى الْمُزْدَلِفَة لِيَذْكُر اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام وَأَمَرَهُ أَنْ يَكُون وُقُوفه مَعَ جُمْهُور النَّاس بِعَرَفَاتٍ كَمَا كَانَ جُمْهُور النَّاس يَصْنَعُونَ يَقِفُونَ بِهَا إِلَّا قُرَيْشًا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الْحَرَم فَيَقِفُونَ فِي طَرَف الْحَرَم عِنْد أَدْنَى الْحِلّ وَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْل اللَّه فِي بَلْدَته وَقُطَّان بَيْته قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَازِم حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَتْ قُرَيْش وَمَنْ دَانَ دِينهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْس وَسَائِر الْعَرَب يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أَمَرَ اللَّه نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِي عَرَفَات ثُمَّ يَقِف بِهَا ثُمَّ يُفِيض مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْله" مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ " وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاع . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَمْرو عَنْ مُجَاهِد عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَضْلَلْت بَعِيرًا لِي بِعَرَفَة فَذَهَبْت أَطْلُبهُ فَإِذَا النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِف قُلْت إِنَّ هَذَا مِنْ الْحُمْس مَا شَأْنه هَاهُنَا ؟ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ كُرَيْب عَنْ اِبْن عَبَّاس مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاد بِالْإِفَاضَةِ هَاهُنَا هِيَ الْإِفَاضَة مِنْ الْمُزْدَلِفَة إِلَى مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَار فَاَللَّه أَعْلَم
=================
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ
شبهة
الرَّفَث إلى النساء:
“أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ; (آية 187).
كان في ابتداء الأمر بالصوم إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجِماع إلى أن يصلّي العِشاء الأخيرة، أو يرقد قبلها. فإذا صلّى أو رقد حُرِّم عليه ذلك كله إلى الليلة التالية. فواقع عمر بن الخطاب أهله بعدما صلّى العِشاء، فلما اغتسل لام نفسه، ثم أتى محمداً فقال: يا رسول الله، أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة. إني رجعتُ إلى أهلي بعدما صليتُ العشاء فوجدت رائحةً طيبة، فسوَّلَتْ لي نفسي، فجامعْتُ أهلي . وقام رجالٌ فاعترفوا بمثل ذلك. فقال محمد، مراعاة لعمر وأصحابه: أُحِل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (القرطبي في تفسير البقرة 2: 187) والرَّفث كلام يُستقبح لفظه مع ذكر الجماع ودواعيه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً.
والوحي الحقيقي يعلّمنا أن الصوم هو التذلل أمام الله بالخشوع، والحزن بسبب الخطايا، فلا محمل للتلذُّذ والتنعُّم بل هو مُنافٍ لذلك.
كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً، وصوم يوم عاشوراء. ثم نُسخ ذلك بفريضة صوم شهر رمضان. قال ابن عباس: أول ما نُسخ بعد الهجرة أمر القِبلة ثم الصوم . وعن عائشة قالت: يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان محمد يصومه في الجاهلية . وعلى هذا أخذ محمد الصوم من الجاهلية ومن المسيحيين، والدليل على ذلك قوله في عدد 183 “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .(7/200)
قال المفسرون إن الصوم عبادة قديمة. قالوا إن صيام شهر رمضان كان واجباً على النصارى فصاموا رمضان زماناً، فربما وقع في الحر الشديد والبرد الشديد. وكان يشقُّ ذلك عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم، فجعلوه في فصل الربيع، ثم زادوا فيه عشرة أيام فصاموا أربعين يوماً.
الرد
المسألة الأولى: أنه ذهب جمهور المفسرين إلى أن في أول شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كان الصائم إذا أفطر حل له الأكل والشرب والوقاع بشرط أن لا ينام وأن لا يصلي العشاء الأخيرة فإذا فعل أحدهما حرم عليه هذه الأشياء، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك بهذه الآية، وقال أبو مسلم الأصفهاني هذه الحرمة ما كانت ثابتة في شرعنا ألبتة، بل كانت ثابتة في شرع النصارى، والله تعالى نسخ بهذه الآية ما كان ثابتاً في شرعهم، وجرى فيه على مذهبه من أنه لم يقع في شرعنا نسخ ألبتة، واحتج الجمهور على قولهم بوجوه.
الحجة الأولى: أن قوله تعالى:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة: 183]
يقتضي تشبيه صومنا بصومهم، وقد كانت هذه الحرمة ثابتة في صومهم، فوجب بحكم هذا التشبيه أن تكون ثابتة أيضاً في صومنا، وإذا ثبت أن الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، وهذه الآية ناسخة لهذه الحرمة لزم أن تكون هذه الآية ناسخة لحكم كان ثابتاً في شرعنا.
الحجة الثانية: التمسك بقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } ولو كان هذا الحل ثابتا لهذه الأمة من أول الأمر لم يكن لقوله { أُحِلَّ لَكُمْ } فائدة.
الحجة الثالثة: التمسك بقوله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } ولو كان ذلك حلالاً لهم لما كان بهم حاجة إلى أن يختانون أنفسهم.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } ولولا أن ذلك كان محرماً عليهم وأنهم أقدموا على المعصية بسبب الإقدام على ذلك الفعل، لما صح قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ }.
الحجة الخامسة: قوله تعالى: { فَالآنَ بَـ?شِرُوهُنَّ } ولو كان الحل ثابتا قبل ذلك كما هو الآن لم يكن لقوله: { فَالآنَ بَـ?شِرُوهُنَّ } فائدة.
الحجة السادسة: هي أن الروايات المنقولة في سبب نزول هذه الآية دالة على أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، هذا مجموع دلائل القائلين بالنسخ، أجاب أبو مسلم عن هذه الدلائل فقال:
أما الحجة الأولى: فضعيفة لأنا بينا أن تشبيه الصوم بالصوم يكفي في صدقه مشابهتهما في أصل الوجوب.
وأما الحجة الثانية: فضعيفة أيضاً لأنا نسلم أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرع من قبلنا، فقوله: { أُحِلَّ لَكُمْ } معناه أن الذي كان محرماً على غيركم فقد أحل لكم.
وأما الحجة الثالثة: فضعيفة أيضاً، وذلك لأن تلك الحرمة كانت ثابتة في شرع عيسى عليه السلام، وأن الله تعالى أوجب علينا الصوم، ولم يبين في ذلك الإيجاب زوال تلك الحرمة فكان يخطر ببالهم أن تلك الحرمة كانت ثابتة في الشرع المتقدم، ولم يوجد في شرعنا ما دل على زوالها فوجب القول ببقائها، ثم تأكد هذا الوهم بقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فإن مقتضى التشبيه حصول المشابهة في كل الأمور، فلما كانت هذه الحرمة ثابتة في الشرع المتقدم وجب أن تكون ثابتة في هذا الشرع، وإن لم تكن حجة قوية إلا أنها لا أقل من أن تكون شبهة موهمة فلأجل هذه الأسباب كانوا يعتقدون بقاء تلك الحرمة في شرعنا، فلا جرم شددوا وأمسكوا عن هذه الأمور فقال الله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } وأراد به تعالى النظر للمؤمنين بالتخفيف لهم بما لو لم تتبين الرخصة فيه لشددوا وأمسكوا عن هذه الأمور ونقصوا أنفسهم من الشهوة، ومنعوها من المراد، وأصل الخيانة النقص، وخان واختان وتخون بمعنى واحد كقولهم: كسب واكتسب وتكسب، فالمراد من الآية: علم الله أنه لو لم يتبين لكم إحلال الأكل والشرب والمباشرة طول الليل أنكم كنتم تنقصون أنفسكم شهواتها وتمنعونها لذاتها ومصلحتها بالإمساك عن ذلك بعد النوم كسنة النصارى.
وأما الحجة الرابعة: فضعيفة لأن التوبة من العباد الرجوع إلى الله تعالى بالعبادة ومن الله الرجوع إلى العبد بالرحمة والإحسان، وأما العفو فهو التجاوز فبين الله تعالى إنعامه علينا بتخفيف ما جعله ثقيلاً على من قبلنا كقوله:
{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ }
[الأعراف: 157].
وأما الحجة الخامسة: فضعيفة لأنهم كانوا بسبب تلك الشبهة ممتنعين عن المباشرة، فلما بين الله تعالى ذلك وأزال الشبهة فيه لا جرم قال: { فَالئَنَ بَشِرُوهُنَّ }.(7/201)
وأما الحجة السادسة: فضعيفة لأن قولنا: هذه الآية ناسخة لحكم كان مشروعاً لا تعلق له بباب العمل ولا يكون خبر الواحد حجة فيه، وأيضاً ففي الآية ما يدل على ضعف هذه الروايات لأن المذكور في تلك الروايات أن القوم اعترفوا بما فعلوا عند الرسول، وذلك على خلاف قول الله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } لأن ظاهره هو المباشرة، لأنه افتعال من الخيانة، فهذا حاصل الكلام في هذه المسألة.
المسألة الثانية: القائلون بأن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، ثم إنها نسخت ذكروا في سبب نزول هذه الآية أنه كان في أول الشريعة يحل الأكل والشرب والجماع، ما لم يرقد الرجل أو يصل العشاء الآخرة، فإذا فعل أحدهما حرم عليه هذه الأشياء إلى الليلة الآتية، فجاء رجل من الأنصار عشية وقد أجهده الصوم، واختلفوا في اسمه، فقال معاذ: اسمه أبو صرمة، وقال البراء: قيس بن صرمة، وقال الكلبي: أبو قيس بن صرمة، وقيل: صرمة بن أنس، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب ضعفه فقال: يا رسول الله عملت في النخل نهاري أجمع حتى أمسيت فأتيت أهلي لتطعمني شيئاً فأبطأت فنمت فأيقظوني، وقد حرم الأكل فقام عمر فقال: يا رسول الله أعتذر إليك من مثله. رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء الآخرة، فأتيت امرأتي، فقال عليه الصلاة والسلام: " لم تكن جديراً بذلك يا عمر " ثم قام رجال فاعترفوا بالذي صنعوا فنزل قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ }.
المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»: قرىء { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } أي أحل الله وقرأ عبد الله { الرفوث }.
المسألة الرابعة:قال الواحدي: ليلة الصيام أراد ليالي الصيام فوقع الواحد موقع الجماعة، ومنه قول العباس بن مرادس:فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الأحن الصدور
وأقول فيه وجه آخر وهو أنه ليس المراد من { لَيْلَةَ الصّيَامِ } ليلة واحدة بل المراد الإشارة إلى الليلة المضافة إلى هذه الحقيقة.
المسألة الخامسة: قال الليث: الرفث أصله قول الفحش، وأنشد الزجاج:
ورب أسراب حجيج كقلم ***** عن اللغا ورفث التكلم
يقال رفث في كلامه يرفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح قال تعالى:
{ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ }
[البقرة: 197]
وعن ابن عباس أنه أنشد وهو محرم:
وهن يمشين بنا هميساً ******* أن يصدق الطير ننك لميسا
فقيل له: أترفث؟
فقال: إنما الرفث ما كان عند النساء فثبت أن الأصل في الرفث هو قول الفحش ثم جعل ذلك اسما لما يتكلم به عند النساء من معاني الإفضاء، ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتبعه.
فإن قيل: لم كنى ههنا عن الجماع بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله:
{ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }[النساء: 21]
{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } [الأعراف: 189]
{ أَوْ لَمَسْتُمُ النّسَاء } [النساء: 43]
{ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } [النساء: 23]
{ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } [البقرة: 223]
{ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } [البقرة: 236]
{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } [النساء: 24]
{ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } [البقرة: 222].
جوابه: السبب فيه استهجان ما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم، والله اعلم.
المسألة السادسة: قال الأخفش: إنما عدى الرفث بإلى لتضمنه معنى الإفضاء في قوله:
{ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }[النساء: 21].
المسألة السابعة: قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } يقتضي حصول الحل في جميع الليل لأن { لَيْلَةَ } نصب على الظرف، وإنما يكون الليل ظرفاً للرفث لو كان الليل كله مشغولا بالرفث، وإلا لكان ظرف ذلك الرفث بعض الليل لاكله، فعلى هذا النسخ حصل بهذا اللفظ، وأما الذي بعده في قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } فذاك يكون كالتأكيد لهذا النسخ، وأما الذي يقول: إن قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } يفيد حل الرفث في الليل، فهذا القدر لا يقتضي حصول النسخ به فيكون الناسخ هو قوله: { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ }.
أما قوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } فمعناه على قول أبي مسلم فرجع عليكم بالاذن في هذا الفعل والتوسعة عليكم وعلى قول مثبتي النسخ لا بد فيه من إضمار تقديره: تبتم فتاب عليكم فيه.(7/202)
أما قوله تعالى: { وَعَفَا عَنكُمْ } فعلى قول أبي مسلم معناه وسع عليكم أن أباح لكم الأكل والشرب والمعاشرة في كل الليل ولفظ العفو قد يستعمل في التوسعة والتخفيف قال عليه السلام: " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " وقال " أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " والمراد منه التخفيف بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت ويقال: أتاني هذا المال عفوا، أي سهلا فثبت أن لفظ العفو غير مشعر بسبق التحريم، وأما على قول مثبتي النسخ فقوله: { عَفَا عَنْكُمْ } لا بد وأن يكون تقديره: عفا عن ذنوبكم، وهذا مما يقوي أيضاً قول أبي مسلم لأن تفسيره لا يحتاج إلى الإضمار وتفسير مثبتي النسخ يحتاج إلى الإضمار.
أما قوله تعالى: { فَالئَنَ بَشِرُوهُنَّ } ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذا أمر وارد عقب الخطر فالذين قالوا: الأمر الوارد عقيب الخطر ليس إلا للإباحة، كلامهم ظاهر وأما الذين قالوا: مطلق الأمر للوجوب قالوا إنما تركنا الظاهر وعرفنا كون هذا الأمر للاباحة بالإجماع.
المسألة الثانية: المباشرة فيها قولان:
أحدهما: وهو قول الجمهور أنها الجماع، سمي بهذا الاسم لتلاصق البشرتين وإنضمامهما، ومنها ما روي أنه عليه السلام نهى أن يباشر الرجل الرجل، والمرأة المرأة
الثاني: وهو قول الأصم: أنه الجماع فما دونه وعلى هذا الوجه اختلف المفسرين في معنى قوله: { وَلاَ تُبَشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَكِفُونَ فِي الْمَسَجِدِ } فمنهم من حمله على كل المباشرات ولم يقصره على الجماع والأقرب أن لفظ المباشرة لما كان مشتقاً من تلاصق البشرتين لم يكن مختصاً بالجماع بل يدخل فيه الجماع فيما دون الفرج، وكذا المعانقة والملامسة إلا أنهم إنما اتفقوا في هذه الآية على أن المراد به هو الجماع لأن السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم، ولأن الرفث المتقدم ذكره لا يراد به إلا الجماع إلا أنه لما كان إباحة الجماع تتضمن إباحة ما دونه صارت إباحته دالة على إباحة ما عداه، فصح ههنا حمل الكلام على الجماع فقط، ولما كان في الاعتكاف المنع من الجماع لا يدل على المنع مما دونه صلح اختلاف المفسرين فيه، فهذا هو الذي يجب أن يعتمد عليه، على ما لخصه القاضي.
أما قوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } :
ذكروا في الآية وجوها
أحدها: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل قال عليه السلام: " تناكحوا تناسلوا تكثروا "
وثانيها: أنه نهى عن العزل، وقد رويت الأخبار في كراهية ذلك وقال الشافعي: لا يعزل الرجل عن الحرة إلا بإذنها ولا بأس أن يعزل عن الأمة وروى عاصم عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره العزل، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعزل عن الحرة إلا باذنها
وثالثها: أن يكون المعنى: ابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم ونظيره قوله تعالى:
{ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } [البقرة: 222]
ورابعها: أن هذا التأكيد تقديره: فالآن باشروهن وابتغوا هذه المباشرة التي كتبها لكم بعد أن كانت محرمة عليكم
وخامسها: وهو على قول أبي مسلم: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، يعني هذه المباشرة التي كان الله تعالى كتبها لكم وإن كنتم تظنوها محرمة عليكم
وسادسها: أن مباشرة الزوجة قد تحرم في بعض الأوقات بسبب الحيض والنفاس والعدة والردة فقوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني لا تباشروهن إلا في الأحوال والأوقات التي أذن لكم في مباشرتهن
وسابعها: أن قوله: { فَالئَنَ بَشِرُوهُنَّ } إذن في المباشرة وقوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني لا تبتغوا هذه المباشرة إلا من الزوجة والمملوكة لأن ذلك هو الذي كتب الله لكم بقوله:
{ إِلاَّ عَلَى أَزْوجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ } [المؤمنون: 6]
وثامنها: قال معاذ بن جبل وابن عباس في رواية أبي الجوزاء: يعني اطلبوا ليلة القدر وما كتب الله لكم من الثواب فيها إن وجدتموها، وجمهور المحققين استبعدوا هذا الوجه، وعندي أنه لا بأس به، وذلك هو أن الإنسان ما دام قلبه مشتغلا بطلب الشهوة واللذة، لا يمكنه حينئذ أن يتفرغ للطاعة والعبودية والحضور، أما إذا قضى وطره وصار فارغاً من طلب الشهوة يمكنه حينئذ أن يتفرغ للعبودية، فتقدير الآية: فالآن باشروهن حتى تتخلصوا من تلك الخواطر المانعة عن الإخلاص في العبودية، وإذا تخلصتم منها فابتغوا ما كتب الله من الاخلاص في العبودية في الصلاة والذكر والتسبيح والتهليل وطلب ليلة القدر، ولا شك أن هذه الرواية على هذا التقدير غير مستبعدة.(7/203)
أما قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } فالفائدة في ذكرهما أن تحريمهما وتحريم الجماع بالليل بعد النوم، لما تقدم احتيج في إباحة كل واحد منها إلى دليل خاص يزول به التحريم، فلو اقتصر تعالى على قوله: { فَالئَنَ بَشِرُوهُنَّ } لم يعلم بذلك زوال تحريم الأكل والشرب، فقرن إلى ذلك قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } لتتم الدلالة على الإباحة
=================
فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
“فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ; (آية 194).
أما المسيح فقال: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ ; (متى 5: 44). والقرآن مشحونٌ بما يحضُّ على قتل من خالف المسلمين في الدين، فإذا وُجدت آية قرآنية تأمر بمعروفٍ أو إحسانٍ نُسخت بما يحضّ المسلمين على القتال، كما قال علماء المسلمين الذين ألّفوا كتاب الناسخ والمنسوخ، مثل أبي القاسم هبة الله ابن سلامة أبي النصر وابن حزم وغيرهما، فقرروا أن عبارة القتال نَسَخت وألغت كل عبارات الرفق واللين. وعليه فالمعمول به هو قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ; (التوبة 9: 5) وهذه الآية نسخت 124 آية من القرآن تأمر بالعفو. وقوله في التوبة 29 “قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ; إلى أن قال “حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ “وورد في التوبة 73 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ “وورد في النساء 4: 89 “فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً “ولا يخفى أن محمداً أمر المسلمين بقتال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
الرد
واضح أن النصارى تحاول التشكيك في الإسلام بجهل
لنرى أولاً ما جاء بالكتاب المقدس وبعد ذلك نوضح ما جاء بالآية الكريمة
سفر التثنية
20: 10 حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح
20: 11 فان اجابتك الى الصلح و فتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير و يستعبد لك
20: 12 و ان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها
20: 13 و اذا دفعها الرب الهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف
20: 14 و اما النساء و الاطفال و البهائم و كل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك و تاكل غنيمة اعدائك التي اعطاك الرب الهك
20: 15 هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الامم هنا
سفر التثنية
21: 10 اذا خرجت لمحاربة اعدائك و دفعهم الرب الهك الى يدك و سبيت منهم سبيا
21: 11 و رايت في السبي امراة جميلة الصورة و التصقت بها و اتخذتها لك زوجة
21: 12 فحين تدخلها الى بيتك تحلق راسها و تقلم اظفارها
21: 13 و تنزع ثياب سبيها عنها و تقعد في بيتك و تبكي اباها و امها شهرا من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها و تتزوج بها فتكون لك زوجة
سفر التثنية
17: 5 فاخرج ذلك الرجل او تلك المراة الذي فعل ذلك الامر الشرير الى ابوابك الرجل او المراة و ارجمه بالحجارة حتى يموت
17: 6 على فم شاهدين او ثلاثة شهود يقتل الذي يقتل لا يقتل على فم شاهد واحد
لوقا
22: 36 فقال لهم لكن الان من له كيس فلياخذه و مزود كذلك و من ليس له فليبع ثوبه و يشتر سيفا
22: 37 لاني اقول لكم انه ينبغي ان يتم في ايضا هذا المكتوب و احصي مع اثمة لان ما هو من جهتي له انقضاء
22: 38 فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفي
لوقا
22: 49 فلما راى الذين حوله ما يكون قالوا يا رب انضرب بالسيف
=====================
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
المراد من الآية : إن أقدموا الكفار على مقاتلتكم فقاتلوهم أنتم أيضا، قال الزجاج: وعلم الله تعالى بهذه الآية أنه ليس للمسلمين أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الإبتداء بل على سبيل القصاص، وهذا القول أشبه بما قبل هذه الآية، وهو قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } (البقرة: 191) وبما بعدها وهو قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }.
{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فالمراد منه: الأمر بما يقابل الإعتداء من الجزاء والتقدير: فمن اعتدى عليكم فقابلوه
"فمن اعتدى عليكم" الآية. وقوله: "وجزاء سيئة"........... من اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم، لأني قد جعلت الحرمات قصاصا، فمن استحل منكم أيها المؤمنون من المشركين حرمة في حرمي، فاستحلوا منه مثله فيه.(7/204)
إذن فالأمر ليس همجية ، بل من أعتدى عليكم فأعتدوا عليه
================
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
الشبهة
الحج والعمرة:
“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ; (آية 196).
أركان الحج خمسة:
الإحرام، والوقوف بعرفة،والطواف والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير.
وأركان العُمرة أربعة:
الإحرام والطواف والسعي والحلق والتقصير،
وهي مأخوذة من مشركي العرب في الجاهلية (جواد علي. المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام المجلد الخامس).
الرد على الشبهة
أركان الحج
الإحرام مع النية
ركن الحج الوقوف بعرفة
ركن الحج الطواف بالبيت
ركن الحج السعي بين الصفا والمروة
ركن الحج المبيت بمزدلفة
http://www.tohajj.com/hits.asp?ID=88
أركان وفرائض العمرة
الإحرام من أركان العمرة
الطواف من أركان العمرة
السعي من أركان العمرة
الحلق أو التقصير من أركان العمرة
http://www.tohajj.com/hits.asp?ID=459
وأركان الحج خمسة .. الإحرام والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير. وللحج تحللان، وأسباب التحلل ثلاثة: رمي جمرة العقبة يوم النحر وطواف الزيارة والحلق، فإذا وجد شيئان من هذه الأشياء الثلاثة حصل التحلل الأول، وبالثلاث حصل التحلل الثاني، وبعد التحلل الأول يستبيح جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وبعد الثاني يستبيح الكل
و أركان العمرة أربعة: الإحرام ، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق
الأمور المعتبرة قبل الخروج إلى الاحرام:
الأول: في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة، ورد المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويرد ما عنده من الودائع، ويستصحب من المال الطيب الحلال ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه من التوسع في الزاد والرفق بالفقراء، ويتصدق بشيء قبل خروجه، ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل أو يكتريها، فإن اكتراها فليظهر للمكاري كل ما يحصل رضاه فيه
الثاني: في الرفيق فينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير، معينا عليه، إن نسي ذكره، وإن ذكر ساعده، وإن جبن شجعه، وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره، وأما الاخوان والرفقاء المقيمون فيودعهم، ويلتمس أدعيتهم، فإن الله تعالى جعل في دعائهم خيرا، والسنة في الوداع أن يقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك
الثالث: في الخروج من الدار، فإذا هم بالخروج صلى ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قل ياأهل * أيها * الكافرون } (الكافرون: 1) وفي الثانية {*الاخلاص} وبعد الفراغ يتضرع إلى الله بالاخلاص
الرابع: إذا حصل على باب الدار قال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، وكلما كانت الدعوات أزيد كانت أولى
الخامس: في الركوب، فإذا ركب الراحلة قال: بسم الله وبالله والله أكبر، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين/ وإنا إلى ربنا لمنقلبون
السادس: في النزول، والسنة أن يكون أكثر سيره بالليل، ولا ينزل حتى يحمى النهار، وإذا نزل صلى ركعتين ودعا الله كثيرا
السابع: إن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار، فليقرأ آية الكرسي، وشهد الله، والاخلاص، والمعوذتين، ويقول: تحصنت بالله العظيم، واستعنت بالحي الذي لا يموت
الثامنة: مهما علا شرفا من الأرض في الطريق، فيستحب أن يكبر ثلاثا
التاسع: أن لا يكون هذا السفر مشوبا بشيء من أثر الأغراض العاجلة كالتجارة وغيرها
العاشرة: أن يصون الإنسان لسانه عن الرفث والفسوق والجدال، ثم بعد الاتيان بهذه المقدمات، يأتي بجميع أركان الحج على الوجه الأصح الأقرب إلى موافقة الكتاب والسنة، ويكون غرضه في كل هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله تعالى، فقوله: {المحسنين وأتموا الحج والعمرة } كلمة شاملة جامعة لهذه المعاني، فإذا أتى العبد بالحج على هذا الوجه كان متبعا ملة إبراهيم حيث قال تعالى صلى الله عليه وسلم #1764; {وإذا * ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } (البقرة: 124).
فليقدم لنا السادة النصارى المناسك المماثلة بالجاهلية
===============
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ; (آية 200).(7/205)
قال أهل التفسير: كانت العرب في الجاهلية إذا فرغوا من حجّهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، وقيل عند البيت، فيذكرون مفاخر آبائهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم ومناقبهم، فيقول أحدهم: كان أبي كبير الجفنة رحب الفناء يُقري الضيف . ويتناشدون الأشعار في ذلك، ويتكلمون بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح، وغرضهم الشهرة والسُّمعة والرِّفعة بذكر مناقب سَلَفهم وآبائهم. فلما أتى محمدٌ أمرهم أن يذكروا الله. وفي عدد 200 قال فمِن الناس من يقول: ربَّنا آتِنا في الدنيا، وما له في الآخِرة من خَلاق يعني أن المشركين كانوا يسألون الله في حجّهم الدنيا ونعيمها. كانوا يقولون: اللهم أعطنا إبلاً وغنماً وبقراً وعبيداً وإماءً، وكان أحدهم يقوم فيقول: اللهم إن أبي كان عظيم الفثة كبير الجفنة كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيتَه. ولم يذكر الآخرة بشيء لعدم اعتقادهم بالبعث والنشور، فأتى محمد وأيّد العادة الجارية، وإنما استبدل ذكر الآباء بذكر الله. (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 200).
الرد
ابن كثير
يأمر الله تعالى تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها وقوله " كذكركم آباءكم "
وتعددت الأقوال في معناه فقال ابن جريج عن عطاء هو كقول الصبي أبه أمه يعني كما يلهج الصبي يذكر أبيه وأمه فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك. وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه .
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات . ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم . فأنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - " فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " قال ابن أبي حاتم : وروى السدي عن أنس بن مالك وأبي وائل وعطاء بن أبي رباح في أحد قوليه وسعيد بن جبير وعكرمة في أحد رواياته ومجاهد والسدي وعطاء الخراساني والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان نحو ذلك وهكذا حكاه ابن جرير عن جماعة والله أعلم . والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ولهذا كان انتصاب قوله أو أشد ذكرا على التمييز تقديره كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وأو هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر كقوله :
" فهي كالحجارة أو أشد قسوة "
وقوله " يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " " فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" " فكان قاب قوسين أو أدنى "
فليست هاهنا للشك قطعا وإنما هي لتحقيق المخبر عنه كذلك أو أزيد منه
=================
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ; (آية 219).نهى محمد عن شرب الخمر، ثم جاء في حجة الوداع وشربها فقد جاء في كتب السيرة، في حديث رواه عبد الرحمن بن سليمان عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي طاف وهو شاكٍ (يقال شك الدابة: أي لزق عضده بجنبيها فعرجت) على بعير ومعه محجن (أي كل معوج الرأس كالصولجان) ، فلما مرَّ بالحجر استلمه بالمحجن، حتى إذا انقضى طوافه نزل فصلّى ركعتين ثم أتى السقاية (السقاية: هي ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء) فقال: اسقوني من هذا. فقال له العباس: ألا نسقيك مما يُصنع في البيوت؟ قال: لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس. فأتي بقدحٌٍ من النبيذ فذاقه، فقطّب، وقال: هلمُّوا فصبُّوا فيه الماء. ثم قال: زد فيه، مرة أو مرتين أو ثلاثاً. ثم قال: إذا صنع أحدٌ بكم هذا فاصنعوا به هكذا.
والحديث رواه يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور بن خالد عن سعيد عن ابن مسعود الأنصاري: أنّ النبي عطش وهو يطوف بالبيت، فأتي بنبيذٍ من السقاية، فشمّه، فقطب، ثم دعا بذَنوب من ماء زمزم، فصُبّ عليه ثم شربه، فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا. (العقد الفريد ابن عبد ربه باب احتجاج المحِلّين للنبيذ).
الحجة الأولى : روى أبو داود عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً، وإن من الشعير خمراً " والاستدلال به من وجهين
أحدهما: أن هذا صريح في أن هذه الأشياء داخلة تحت اسم الخمر فتكون داخلة تحت الآية الدالة على تحريم الخمر(7/206)
والثاني: أنه ليس مقصود الشارع تعليم اللغات، فوجب أن يكون مراده من ذلك بيان أن الحكم الثابت في الخمر ثابت فيها، أو الحكم المشهور الذي اختص به الخمر هو حرمة الشرب، فوجب أن يكون ثابتاً في هذه الأشربة، قال الخطابي رحمه الله: وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكل ما كان في معناها من ذرة أو سلت أو عصارة شجرة، فحكمها حكم هذه الخمسة، كما أن تخصيص الأشياء الستة بالذكر في خبر الربا لا يمنع من ثبوت حكم الربا في غيرها.
الحجة الثانية :وروى أبو داود أيضاً عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام " قال الخطابي: قوله عليه السلام " كل مسكر خمر " دل على وجهين :
أحدهما: أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها، والمقصود منه أن الآية لما دلت على تحريم الخمر، وكان مسمى الخمر مجهولاً للقوم حسن من الشارع أن يقال: مراد الله تعالى من هذه اللفظة هذا إما على سبيل أن هذا هو مسماه في اللغة العربية، أو على سبيل أن يضع اسماً شرعياً على سبيل الاحداث كما في الصلاة والصوم وغيرهما.
والوجه الآخر: أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة، وذلك لأن قوله هذا خمر فحقيقة هذا اللفظ يفيد كونه في نفسه خمراً فإن قام دليل على أن ذلك ممتنع وجب حمله مجازاً على المشابهة في الحكم، الذي هو خاصية ذلك الشيء.
الحجة الثالثة : روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، فقال: " كل شراب أسكر فهو حرام " قال الخطابي: البتع شراب يتخذ من العسل، وفيه إبطال كل تأويل يذكره أصحاب تحليل الأنبذة، وإفساد لقول من قال: إن القليل من المسكر مباح، لأنه عليه السلام سئل عن نوع واحد من الأنبذة فأجاب عنه بتحريم الجنس، فيدخل فيه القليل والكثير منها، ولو كان هناك تفصيل في شيء من أنواعه ومقاديره لذكره ولم يهمله.
الحجة الرابعة : روى أبو داود عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أسكر كثيره فقليله حرام "
الحجة الخامسة: روي أيضاً عن القاسم عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام " قال الخطابي: «الفرق» مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وفيه أبين البيان أن الحرمة شاملة لجميع أجزاء الشراب.
الحجة السادسة : روى أبو داود عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، قال الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء، وهذا لا شك أنه متناول لجميع أنواع الأشربة، فهذه الأحاديث كلها دالة على أن كل مسكر فهو خمر، وهو حرام.
ومن الدلائل على أن كل مسكر خمر التمسك بالاشتقاقات، قال أهل اللغة: أصل هذا الحرف التغطية، سمي الخمار خماراً لأنه يغطي رأس المرأة، والخمر ما واراك من شجر وغيره، من وهدة وأكمة، وخمرت رأس الإناء أي غطيته، والخامر هو الذي يكتم شهادته، قال ابن الأنباري: سميت خمراً لأنها تخامر العقل، أي تخالطه، يقال: خامره الداء إذا خالطه، وأنشد لكثير:هنيئاً مريئاً غير داء مخامر
ويقال خامر السقام كبده، وهذا الذي ذكره راجع إلى الأول، لأن الشيء إذا خالط الشيء صار بمنزلة الساتر له، فهذه الاشتقاقات دالة على أن الخمر ما يكون ساتراً للعقل، كما سميت مسكراً لأنها تسكر العقل أي تحجزه، وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمراً إذا ستره للمبالغة، ويرجع حاصله إلى أن الخمر هو السكر، لأن السكر يغطي العقل، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء، فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمى الخمر هو المسكر، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه لا يقال هذا إثبات للغة بالقياس، وهو غير جائز، لأنا نقول: ليس هذا إثباتاً للغة بالقياس، بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات، كما أن أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله يقولون إن مسمى النكاح هو الوطء ويثبتونه بالاشتقاقات، ومسمى الصوم هو الإمساك، ويثبتونه بالاشتقاقات.
وروى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام أتى السقاية عام حجة الوداع فاستند إليها، وقال: اسقوني، فقال العباس: ألا أسقيك مما ننبذه في بيوتنا؟ فقال: ما تسقي الناس، فجاءه بقدح من نبيذ فشمه، فقطب وجهه ورده، فقال العباس: يا رسول الله أفسدت على أهل مكة شرابهم، فقال: ردوا علي القدح، فردوه عليه، فدعا بماء من زمزم وصب عليه وشرب، وقال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا متنها بالماء.
وجه الاستدلال به أن التقطيب لا يكون إلا من الشديد، ولأن المزج بالماء كان لقطع الشدة بالنص، ولأن اغتلام الشراب شدته، كاغتلام البعير سكره.(7/207)
وأما الحديث فلعل ذلك النبيذ كان ماءً نبذت تمرات فيه لتذهب الملوحة فتغير طعم الماء قليلاً إلى الحموضة، وطبعه عليه السلام كان في غاية اللطافة، فلم يحتمل طبعه الكريم ذلك الطعم، فلذلك قطب وجهه، وأيضاً كان المراد بصب الماء فيه إزالة ذلك القذر من الحموضة أو الرائحة، وبالجملة فكل عاقل يعلم أن الإعراض عن تلك الدلائل التي ذكرناها بهذا القدر من الاستدلال الضعيف غير جائز.
حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن أبي نضرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البسر والتمر أن يخلط بينهما ونهى عن الزبيب والتمر أن يخلط بينهما ونهى عن الجرار أن ينبذ فيها .
عن أبي سعيد
قال وفي الباب عن جابر وأنس وأبي قتادة وابن عباس وأم سلمة ومعبد بن كعب عن أمه قال أبو يسى هذا حديث حسن صحيح
قوله : ( نهى عن البسر والتمر أن يخلط بينهما ) يعني في الانتباذ , وفي رواية لمسلم : " من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا " .
قوله : ( وفي الباب عن أنس وجابر وقتادة وابن عباس وأم سلمة ومعبد بن كعب عن أمه ) أما حديث أنس فأخرجه أحمد والنسائي عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين شيئين نبيذا يبغي أحدهما على صاحبه .
وأما حديث جابر فأخرجه الجماعة إلا الترمذي بلفظ : نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا .
قال في المنتقى بعد ذكره : رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه فصل الرطب والبسر انتهى .
وأما حديث أبى قتادة فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم والنسائي .
وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود عن كبشة بنت أبي مريم قالت : سألت أم سلمة رضي الله تعالى عنهما ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ؟ قالت : كان ينهانا أن نعجم النوى طبخا أو نخلط الزبيب والتمر . وأما حديث معبد بن كعب عن أمه فلينظر من أخرجه
================
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ; (الآية 217).
بعث محمدٌ عبدَ الله بنَ جحش، وهو ابن عمته، في سَرِيّة في جمادي الآخرة، قبل قتال بدر بشهر. وأمّره على السَّرية، وكتب له كتاباً وقال له: سِرْ على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين. فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فسِرْ على بركة الله تعالى بمن معك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فارصد بها عِيراً لقريش لعلك تأتينا منها بخير . فمضى وأصحابه معه، وكانوا ثمانية رهط، ولم يتخلّف أحدٌ منهم إلى أن وصلوا في بطن نخلة بين مكة والطائف، وفي العير عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وهرقل بن عبد الله المخزوميان. فلما رأوا أصحاب محمد هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم. فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا، فاحلقوا رأس رجل منكم، وليتعرَّضْ لهم. فإذا رأوه محلوقاً أمِنوا. فحلقوا رأس عكاشة بن محصن، ثم أشرف عليهم. فلما رأوه أمِنوا. وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا يرون أنه من رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا: متى تركتموهم هذه الليلة يدخلون الحرم ويمتنعون منكم. فأَجمعوا أمرهم في مواقعة القوم. فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهمٍ فقتله، فكان أول قتيل من المشركين، وأُسر الحكم بن كيسان وعثمان، وكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل فأعجزهم. واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على محمد، فقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام وسفك الدماء وأخذ المال. وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين.
ولما سمع محمدٌ بذلك قال لعبد الله بن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام . ووقف العير والأسيرين ورفض أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظُم ذلك على أصحاب السَّرِيّة وكلّموه في ذلك فاستحلّ ما حصل، كما هو منطوق العبارة القرآنية، وأخذ العير فعزل منها الخُمس، وكان أول خُمسٍ في الإسلام، وأول غنيمة قُسِّمت، وقُسِّم الباقي على أصحاب السرية.
والكثير من أقوال القرآن هي لترضية خواطر أصحاب محمد، وموافقتهم على ما تميل إليه أنفسهم. ففي مبدأ الأمر تكدَّر محمد من غدر أصحابه وما أظهروا من الحيل التي احتالوا بها للفتك والسلب والنهب، حتى عيّرهم العرب. ولكن لما رأى كَدَر أصحاب السرية قال إن الله وافق على فعلهم. (السيرة النبوية لابن كثير سرية عبد الله بن جحش).
الرد :
المسألة الأولى: اختلفوا في أن هذا السائل أكان من المسلمين أو من الكافرين والقائلون بأنه من المسلمين فريقان(7/208)
الفريق الأول: الذين قالوا إنه تعالى لما كتب عليهم القتال وقد كان عند القوم الشهر الحرام والمسجد الحرام أعظم الحرمة في المنع من القتال لم يبعد عندهم أن يكون الأمر بالقتال مقيداً بأن يكون في غير هذا الزمان وفي غير هذا المكان فدعاهم ذلك إلى أن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أيحل لنا قتالهم في هذا الشهر وفي هذا الموضع؟ فنزلت الآية، فعلى هذا الوجه الظاهر أن هذا السؤال كان من المسلمين.
الفريق الثاني: وهم أكثر المفسرين: رووا عن ابن عباس أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي وهو ابن عمته قبل قتال بدر بشهرين، وبعد سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة في ثمانية رهط، وكتب له كتاباً وعهداً ودفعه إليه، وأمره أن يفتحه بعد منزلتين، ويقرأه على أصحابه، ويعمل بما فيه، فإذا فيه: أما بعد فسر على بركة الله تعالى بمن اتبعك حتى تنزل بطن نخل، فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخير، فقال عبد الله: سمعاً وطاعة لأمره فقال لأصحابه: من أحب منكم الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمره، ومن أحب التخلف فليتخلف فمضى حتى بلغ بطن نخل بين مكة والطائف، فمر عليهم عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه، فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقوا رأس واحد منهم وأوهموا بذلك أنهم قوم عمار، ثم أتى واقد بن عبد الله الحنظلي وهو أحد من كان مع عبد الله بن جحش ورمى عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا اثنين وساقوا العير بما فيه حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضجت قريش وقالوا: قد استحل محمد الشهر الحرام، شهر يأمن فيه الخائف فيسفك فيه الدماء، والمسلمون أيضاً قد استبعدوا ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إني ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، وقال عبد الله بن جحش يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى، فنزلت هذه الآية، فأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام الغنيمة، وعلى هذا التقدير فالأظهر أن هذا السؤال إنما صدر عن المسلمين لوجوه أحدها: أن أكثر الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين
أن ما قبل هذه الآية وما بعدها خطاب مع المسلمين أما ما قبل هذه الآية فقوله: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ } وهو خطاب مع المسلمين وقوله:
{ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ... ويسألونك عن اليتامى } [البقرة: 219، 220]
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن منها { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ }.
والقول الثاني: أن هذا السؤال كان من الكفار قالوا: سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن القتال في الشهر الحرام حتى لو أخبرهم بأنه حلال فتكوا به واستحلوا قتاله فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية: { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } أي يسألونك عن قتال في الشهر الحرام { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ولكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر به أكبر من ذلك القتال { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـ?تِلُونَكُمْ حَتَّى? يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } فبين تعالى أن غرضهم من هذا السؤال أن يقاتلوا المسلمين ثم أنزل الله تعالى بعده قوله:
{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَـ?تُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى? عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى? عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194]
فصرح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائز.
المسألة الثانية: قوله تعالى: { قِتَالٍ فِيهِ } خفض على البدل من الشهر الحرام، وهذا يسمى بدل الاشتمال، كقولك: أعجبني زيد علمه ونفعني زيد كلامه وسرق زيد ماله، وسلب زيد ثوابه، قال تعالى:
{ قُتِلَ أَصْحَـ?بُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ }[البروج: 4، 5]
وقال بعضهم الخفض في قتال على تكرير العامل والتقدير: يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه، وهكذا هو في قراءة ابن مسعود والربيع، ونظيره قوله تعالى:
{ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ }[الأعراف:75]
وقرأ عكرمة { قَتْلَ فِيهِ }.
أما قوله تعالى: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: { قِتَالٌ فِيهِ } مبتدأ و { كَبِيرٌ } خبره، وقوله: { قِتَالٌ } وإن كان نكرة إلا أنه تخصص بقوله: { فِيهِ } فحسن جعله مبتدأ والمراد من قوله: { كَبِيرٌ } أي عظيم مستنكر كما يسمى الذنب العظيم كبيرة قال تعالى: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ }[الكهف: 5].(7/209)
فإن قيل: لم نكر القتال في قوله تعالى: { قِتَالٌ فِيهِ } ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجيء باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول، لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور الثاني غير الأول كما في قوله تعالى:
{ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 6].
قلنا: نعم ما ذكرتم أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني إذن غير الأول والقوم أرادوا بقولهم: { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش، فقال تعالى: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيراً ليس هو هذا القتال الذي سألتم عنه، بل هو قتال آخر لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإسلام وإذلال الكفر فكيف يكون هذا من الكبائر، إنما القتال الكبير هو الذي يكون الغرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة إلا أنه تعالى ما صرح بهذا الكلام لئلا تضيق قلوبهم بل أبهم الكلام بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه، وباطنه يكون موافقاً للحق، وهذا إنما حصل بأن ذكر هذين اللفظين على سبيل التنكير، ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة الجليلة، فسبحان من له تحت كل كلمة من كلمات هذا الكتاب سر لطيف لا يهتدي إليه إلا أولوا الألباب.
المسألة الثانية: اتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية حرمة القتال في الشهر الحرام ثم اختلفوا أن ذلك الحكم هل بقي أم نسخ فنقل عن ابن جريج أنه قال: حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا على سبيل الدفع ، روى جابر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى وسئل سعيد بن المسيب هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال نعم، قال أبو عبيد: والناس بالثغور اليوم جميعاً على هذا القول يرون الغزو مباحاً في الشهور كلها، ولم أر أحداً من علماء الشام والعراق ينكره عليهم كذلك حسب قول أهل الحجاز.
والحجة في إباحته قوله تعالى:
{ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5]
وهذه الآية ناسخة لتحريم القتال في الشهر الحرام ، والذي عندي أن قوله تعالى: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } هذا نكرة في سياق الإثبات فيتناول فرداً واحداً، ولا يتناول كل الأفراد، فهذه الآية لا دلالة فيها على تحريم القتال مطلقاً في الشهر الحرام، فلا حاجة إلى تقدير النسخ فيه
================
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ; (آية 222).
أجمع علماء المسلمين على جواز الاستمتاع بالمرأة الحائض بما فوق السرَّة ودون الرُّكبة، وجوَّز مضاجعتها وملامستها، وبنوا ذلك على ما رُوي عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، وأراد محمد أن يباشرها أمرها أن تتَّزر بإزار في فور حيضها (أي أول الحيض وبدؤه) ثم يباشرها. وأيُّكم يملك أَرْبَهُ كما كان محمد يملك أرْبه؟ (بسكون الراء وهو العضو، وبفتحها وهو الحاجة). وفي رواية قالت: كنت أغتسل أنا ومحمد من إناءٍ واحد، وكلانا جُنُب، وكان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض (صحيح مسلم. كتاب الحيض. باب مباشرة الحائض).
أما كلام الوحي الحقيقي في الإنجيل فيقول: “اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى الْأَرْضِ,,, فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ: الّزِنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، الْأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللّهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ ; (كولوسي 3: 2 - 6).
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }
في المحيض(7/210)
روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها، والنصارى كانوا يجامعونهن، ولا يبالون بالحيض، وأن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجالسوها على فرش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس فلما نزلت هذه الآية أخذ المسلمون بظاهر الآية فأخرجوهن من بيوتهن فقال ناس من الأعراب: يا رسول الله البرد شديد، والثياب قليلة، فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرناها هلكت الحيض، فقال عليه الصلاة والسلام: " إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم آمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم " ، فلما سمع اليهود ذلك قالوا: هذا الرجل يريد أن لا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، ثم جاء عباد بن بشير، وأسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه بذلك وقالا: يا رسول الله أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه غضب عليهما فقاما، فجاءته هدية من لبن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يغضب عليهما.
أما بخصوص : أما كلام الوحي الحقيقي في الإنجيل فيقول: “اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى الْأَرْضِ,,, فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ: الّزِنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، الْأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللّهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ ; (كولوسي 3: 2 - 6).
فالنص يتكلم عن الرذيلة ولا يتكلم على ما شرعه الله بين الزوج وزوجته .
رسالة كورنثوس الأولى
11: 9 و لان الرجل لم يخلق من اجل المراة بل المراة من اجل الرجل
===============
رخصة إتيان الدُّبُر:“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
رخصة إتيان الدُّبُر:
“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ; (آية 223).
قال ابن عباس: كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب. فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العالم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم. وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش يشرِّحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذّذون بهنّ مُقبِلات ومُدبِرات ومستلقيات. فلما قَدِم المهاجرون المدينة تزوّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب أن يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنّا كنا نُؤتَي على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني . حتى سَرَى أمرُهما، فبلغ ذلك محمداً فقال: نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنَّى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فنزلت رخصة في إتيان الدُّبُر (أسباب النزول للسيوطي. سبب نزول البقرة 223).
قوله على حرف الحرف الجانب، وحرف كل شيء جانبه. وقوله يشرّحون النساء يُقال شرح فلان جاريته إذا وطئها على قفاها. فمحمد شجَّع أصحابه على إرخاء العنان للشهوات البهيمية ولم يرضَ بعفاف أهل الكتاب. ولما كان محمد ساعياً في تكثير حزبه أتاهم بما يلائم أهواءهم.
قال ابن عباس: جاء عمر إلى محمد فقال هلكتُ. قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلْتُ رحليَ الليلة (هو كناية عن إتيان المرأة في غير المحل المعتاد، أو إنه أتاها في المحل المعتاد لكن من جهة ظهرها) فلم يرُدّ محمدٌ عليه. ثم قال: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم أي مقبلات مدبرات، فخلع محمد وعمر برقع الأدب، وكان الأَولى بمحمد أن يرشد عمراً إلى طهارة الله وقداسته.
واستدل ابن عمر بالآية على إباحة الوطء في الدُّبُر. وقال إنما نزلت رخصة فيه، (أخرجه البخاري وغيره، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري).
الرد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ (223)
قول الله عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ) أرد بذلك توضيح كل ما يخص بالمحيض من ( الدم + مكان الحيض + زمان الحيض ) وهذا للتوضيح ، لأنهم ثلاث نقاط متصلين ببعضهم البعض .(7/211)
فهل دم المحيض أذى للرجل والمرأة ؟ .... نعم للاثنين معاً ، لأن الآية أقرت بذلك ... لأن دم المحيض هو دم يحتوي على أنسجة غير حية وهذا يعرض الطرفين لأضرار صحية ، غير أن المرأة تكون بحالة ضعف شديدة في قوتها وجسدها ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى رخص لها عدم الصيام والصلاة في هذه الفترة ، فرحمة الله الواسعة على عباده ، فأمر الرجل أن يعتزل المرأة في هذه الفترة لكي لا يرهقها بأكثر مما هي عليه .
وقول الله عز وجل (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) ...
فهذا الوضوح في المعنى يكشف زيف أعداء الإسلام ، لأن المعني يوضح أن على الرجال أن لا يقربوهن في المحيض ( أي في مكان الحيض ) .. وكلمة حتى يطهرن .. تؤكد أن القصد بمكان المحيض وليس المرأة ككل ، فهي حلال لك في هذا التوقيت دون المباشرة الجنسية .... فما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح .
أما الخرافات التي تنسب للمرأة في هذه الفترة بالكتاب المقدس فليس لنا بها شأن ، فالمرأة عندهم نكره بدون حيض أو بحيض
وتطهرن تعني أن يغتسلن استجابة لتشريع الله لهن بالتطهر ، فلا مباشرة قبل الاغتسال
فالله عز وجل أحب أن يوضح لعباده أن حبه للذين يتوبون إليه مماثلة للذين يتطهروا ... فالله عز وجل يحب منك أيها العبد أن تتطهر مادياً ومعنوياً
ونظراً لخرافات أهل الكتاب ، فكان اليهود يدعون أن الرجل إذا أتى امرأته من خلف ولو في قُبلها ( بضم القاف... أي مكان الإتيان) جاء الولد احول ( اللهم احول أبصار كل ضال ) ... فلعدم صحة هذه الخرافة قال تعالى :
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِين
فما المقصود من كلمة حَرْثٌ ؟
فالحرث هو مكان استنبات النبات ... وقال تعالى ( ويهلك الحرث والنسل ) 205 البقرة
فأتوا يا معشر الرجال نسائكم في مكان الحرث أي مكان الزرع ، زرع الولد ، أما المكان الذي لا ينبت منه الولد فلا تقربوه .
ولكن النصارى لجهلهم ومحاولاتهم الفاشلة للتشكيك في القرآن ، يدعوا أن الآيتين يناقضوا بعضهم البعض ... فآية يقول الله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) والآية الأخرى تقول (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي إتيان المرأة في أي مكان ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .... فهذا خطأ
لأن قول الله عز وجل (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) يعني محل استنبات الزرع ، والزرع بالنسبة للمرأة والرجل هو الولد ، فأتها في المكان الذي ينجب الولد على أي جهة شئت ... لأن ما جاء عن أهل الكتاب هو خطأ وجهل ولا أساس له من الصحة.
وقول الله عز وجل (وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) .. أي إياك أن تأخذ المسألة استمتاع جنسي فحسب (كما يدعي النصارى أن النكاح في الإسلام للمتعة فقط) بل يريد الله سبحانه وتعالى أن يظهر لك أيها المسلم أن العملية الجنسية في أصلها هو الإنجاب ... فلا تأخذوا المتاع اللحظي العاجل علي أنه الغاية بل خذوه لما هو آت .
يا الله : ماذا نقدم لأنفسنا ؟
ماذا نفعل حتى لا نشقى بمن يأتي من مولود ؟
أخي في الله
عليك أن تتبين هذه العملية فقدم لنفسك شيئاً يريحك ، وافعل ما علمنا به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : فساعة تأتي هذه النعمة وتقترب من زوجتك لابد أن تسمي الله وتقول (( اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني ))
فعندما يأتي المسلم أهله وينشأ وليد ، فلن يكون للشيطان عليه دخل ... وقال العلماء : لا يمكن أن يؤثر فيه سحر ، لماذا كل ذلك ؟
لأنك أخي المسلم ساعة استنبته أي زرعته ، ذكرت المنبت وهو الله عز وجل ، وما دمت ذكرت المنبت الخالق فقد جعلت لابنك حصانة أبدية فينعم عليك الخالق بالولد الصالح ، هذا الولد يدعوا لك ولسائر المسلمين ، ويعلم أولاده أن يدعوا لك ولسائر المسلمين ، وأولاد أولاده يدعون لك ولسائر المسلمين ، وتظل المسألة مسلسلة فلا ينقطع عملك إلى أن تقوم الساعة، وهنا تكون قد قدمت لنفسك افضل ما يكون التقديم .
وعلى عكس ذلك ينشأ الطفل الذي ينسى والده ذكر الله عندما يباشر أهله فيقع أولاده فريسة للشيطان .. والعياذ بالله .
أخي المسلم ... لا تغضب ربك في أي عمل من هذه الأعمال ، وكن على حذر فإنك ملاقي الله عز وجل ، فلا تشك في هذا اللقاء ولا تتخاذل ... فمادمت ستتقي الله وتكون على يقين أنك تلاقيه فلم يبقى لك إلا أن تُبَشَّر بالجنة .
الشيخ / محمد متولي الشعراوي
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
=================
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ
كتب المهتدى بالله
شبهة
كيفية إرجاع المطلّقة:
(( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )) (آية 230).(7/212)
جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى محمد وقالت: إني كنت عند رفاعة فطلّقني فبَتَّ طلاقي (أي قطعه، والبت القطع) ، فتزوجْتُ بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب (أي طرف الثوب، وهو كناية عن استرخاء الذكر). فتبسّم محمد وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا! حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته . شبّه لذة الجماع بالعسل وهو كناية عنه (مشكاة المصابيح تحقيق الإلباني حديث رقم 3295).
فانظر إلى هذا القانون. فلا يجوز للرجل أن يرجع إلى امرأته إلا إذا جامعت غيره، وكان الأقرب إلى العفّة والعقل والحكمة أن ترجع المرأة إلى زوجها الأول بدون أن يجامعها رجل آخر.
الرد :
جاء في سورة البقرة 2: 230 فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .
وفسرها البيضاوي بقوله: قالت امرأة رفاعة لرسول الله: إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإن ما معه مثل هدبة الثوب. فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل. فإذا الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
ومما جاء فيم يطلقون عليه الكتاب المقدس :
الرب يأمر بالرذيلة و يوقع الناس في الزنا عقاباً لهم !!!
سفر صموئيل الثانى [12: 11-12] : رب الأرباب نفسه يسلم أهل بيت نبيه داود عليه السلام للزنى عقاباً له : (( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ.))
سفر عاموس [ 7 : 16 ] : النبي عاموس يقول لأمصيا كاهن بيت إيل : (( أنت تقول لا تتنبأ على اسرائيل . ولا تتكلم عن بيت اسحاق لذلك هكذا يقول الرب : امرأتك تزني في المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف . ))
سفر إرميا [ 8 : 10 ] يقول الرب : لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ.
سفر إشعيا [ 3 : 16 ] : وَقَالَ الرَّبُّ : مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ 17يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ.
الرب يُحِثُّ علىاختطاف بنات شيلوه واغتصابهن:
سفر القضاة [ 21 : 20 ] : واوصوا بني بنيامين قائلين امضوا واكمنوا في الكروم. وانظروا فاذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في الرقص فاخرجوا انتم من الكروم واخطفوا لانفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا الى ارض بنيامين.
وفي سفر هوشع [ 1: 2-3] : الرب يأمر هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زنى : ولا تتساءل إذا كان هذا تشجيعاً للزانيات أن يتمادين فى بغائهم ، فإن الرب سينصفهن وسيزوجهن من أنبياء وقضاة ؟ : (( أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!. فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْناً. ))
يهوذا جد المسيح يزني بكنته ثامار ( زوجة ابنه )
سفر التكوين [ 38 : 15 ] : فرآها يهوذا فحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال: هاتي أدخل عليك. لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت : ماذا تعطيني لكي تدخل علي. فقال: إني أرسل جدي معزى من الغنم. فقالت: هل تعطيني رهنا حتى ترسله؟ فقال: ما الرهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصاك التي في يدك. فأعطاها ودخل عليها فحبلت منه... وبعد ثلاثة شهور قيل ليهوذا: إن كنتك ثامار قد زنت وها هي الآن حبلى من الزنا
ثم إنهم يجعلون نسب المسيح جاء من فارص وزارح ، التوأم اللذين حملت بهما ثامار من الزنى !!!
والحاصل : أن طائفة كتبت هذا الكلام في كتابها ، لا يصح عقلا ولا منطقا أن ينكر أتباعها على المسلمين ، أن في شريعتهم التي نزلت من الله تعالى ، إباحة الطلاق ، وأن الرجل إذا طلق زوجته ، ثلاث طلقات ، حرمت عليه ، ثم إذا تزوجت رجلا آخر ـ بغير اتفاق مع الأول ـ وطلقها الآخر ، وأحبت أن ترجع إلى الأول ، جاز لها ذلك .(7/213)
ومعلوم أن هذا النصراني يجهل أن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) دخول الزوج على زوجته ، أي لا يحل لك أن ترجعي إلى الأول ، حتى يحصل الدخول بينك ويين الثاني ، ثم يطلقك هذا الثاني ، طلاقا شرعيا ، فإن أردت الرجوع إلى الأول جاز لك ذلك .
ومعلوم أنه باتفاق العلماء أن زواجها من الثاني يكون باطلا إن كان باتفاق مسبق مع الأول ، لكي يحلل لها الرجوع إلى الأول ، وفي الحديث الصحيح ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه أحمد والنسائي وأبوداود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ، أي الذي يتزوج المرأة باتفاق معها أو مع زوجها الأول ، ثم يطلقها لتحل للأول فقط .
وأما إن طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات ، ثم تزوجت رجلا آخر ، ثم طلقها بعد الدخول بها من قصد تحليلها للأول، جاز لها أن ترجع إلى الأول بزواج جديد وعقد جديد .
كما أنه من المعلوم أن طلاق الغضبان لا يقع ، لحديث ( لاطلاق في إغلاق ) رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها ، والإغلاق هو الغضب الشديد ، فقول النصراني (وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل ) جهل بشريعة الإسلام التي تجعل الطلاق حال الغضب غير واقع .
كما أن إباحة الطلاق ، من محاسن الإسلام ، ذلك أن الزواج قد لايمكن استمراره لسبب من الأسباب ، وتصبح العشرة بين الزوجين متعذرة ، وفيها مضرة كبيرة على الزوجين ، فيكون الزوج أو الزوجة بين خيارين :
أحدهما أن يتخذ الزوج عشيقة أو الزوجة عشيقا مع بقاء عقد النكاح إذا كان الطلاق لا يصح ، ومن فعل هذا فقد أغضب الله تعالى .
الثاني : أن يفترقا ، ويرى كل سبيله ، كما قال تعالى ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، وهو الطلاق الشرعي .
ولاريب أن التفرق في هذه الحالة هو الخيار الصحيح الذي يقره العقل والمنطق ، ولما كانت النصارى في سابق عهدها لا تبيح الطلاق، فقد وقع عليهم حرج عظيم بسبب ذلك ، اضطرهم أن يُقروا الانفصال بين الزوجين ، فيأخذوا بما أقرته شريعة الإسلام
قال الله تعالى : (( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )).
وهذا يفهم منه أن للرجل إذا طلق امرأته أن يراجعها ما دامت في عدتها، فإن طلقها الثانية فله أن يراجعها كذلك، فإن طلقها الثالثة فليس له عليها سبيل حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها الزوج الثاني وخرجت من عدتها فللزوج الأول أن يتزوجها.
وهذا إبطال لما كان يفعل في الجاهلية، فقد كان للرجل أن يطلق امرأته، فإذا قاربت العدة راجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، وهكذا حتى تكون كالمعلقة، لا هي ذات زوج فتسكن إليه، ولا هي مسرحة حتى تحل للأزواج، فأبطل الله ذلك، وأبان أن ليس للرجل أن يفعل ذلك إلا مرتين فإن طلقها الثالثه فلا تعود له إلا بعد أن تتزوج غيره، فإن طلقها الثاني حلت للأول، وهذا التشريع فيه رحمة بالمرأة، وإزالة لعنت الأزواج.
وهذا فيه قطع طمع الرجل فيها، إذ شرط في حلها له أن تبعد عنه فتكون ذات زوج، وربما أمسكها طول حياته فلا ينالها أبدا، فيكون ذلك أدعى لأن يتروي في الطلاق فلا يسرف فيه ولا يبذر.
قال الله تعالى في حق المطلقة ثلاثا : (( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )) أي حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، نكاحاً معتاداً، يراد للدوام والاستمرار، لا نكاحاً صوريا ليس فيه من النكاح إلا صورته، فأما معناه وحقيقته من سكون كل منهما إلى الآخر، ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في قليل ولا كثير، ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون المرأة ولا يعرضها على كثير، فليس في عرضها ما يصلح أن يكون غرضا.
وإنما أراد الشارع أن يخيف المطلق، فهو يقول : تأن في الطلاق، فإذا بلغت الطلقة الثالثة لم تحل لك لا في حال عزوبتها ولا في حال زواجها، لأنها ذات زوج، وذات الزوج لا تحل، ولا تحل لك إلا إذا فارقها زوجها، وهذا نادر وقليل الوقوع، فإذا كنت متعلقا بها فلا تخاطر بطلاقها، وكما يدل النظر العقلي على بطلان عقد نكاح التحليل وفساده جاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين ببما يدل على تحريمه:
(1) ورد عن ابن مسعود(رضي الله عنه) أنه قال: (( لعن رسول الله المحلل والمحلل له )) رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائى في سننه، والترمذي في جامعه.(7/214)
ولما روي الترمذي عن ابن مسعود (( لعن المحلل )) صحح الحديث ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم: عمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين.
(2) عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (( ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يارسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له )) رواه ابن ماجه في سننه.
(3) روي عمرو بن نافع عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينهما ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال لا، إلا نكاح رغبة. كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رواه الحاكم في صحيحه.
(4) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها.
أرأيتم أن الشريعة الإسلامية كانت أشد إنكاراً لما أنكرتموه، وأشد استهجانا لما استهجنتموه، فسمت المحلل تيساً مستعارا، وهذا فيه من التقبيح والاتسهجان ما فيه، ولعنته، وهل يلعن الله ورسوله من يفعل مستحبا أو جائزا أو مكروهاً أو صغيراً، أو لعنته مختصة يمن أرتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها، كما قال ابن عباس، كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة
================
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
السؤال : ما برهانه هو على صحة كلامه ؟
هذا النوع هو نوع من تخليط أهل الكتاب وإلقاء الشبه في قلوب المسلمين، ولنعلم أن اليهود لا تقول في النصارى: إنها تدخل الجنة، ولا النصارى في اليهود، فلا بد من تفصيل في الكلام فكأنه قال: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، ولا يصح في الكلام سواه
بقول الله تعالى: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء".
مع علمنا بأن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر، ونظيره:
{ قَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى }
[البقرة: 135]
والهود: جمع هائد، كعائذ وعوذ وبازل وبزل، فإن قيل: كيف قيل: كان هوداً، على توحيد الاسم، وجمع الخبر؟ قلنا: حمل الاسم على لفظ (من) والخبر على معناه كقراءة الحسن:
{ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ }
[الصافات: 163]
وقرأ أبي بن كعب: { إِلاَّ مَن كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا }
أما قوله تعالى: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } فالمراد أن ذلك متمنياتهم، ثم إنهم لشدة تمنيهم لذلك قدروه حقاً في نفسه
فإن قيل: لم قال: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } وقولهم: { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ } أمنية واحدة؟
قلنا: أشير بها إلى الأماني المذكورة، وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي: تلك الأماني الباطلة أمانيهم، وقوله تعالى: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَنَكُمْ } متصل بقوله: { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } و { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } اعتراض، قال عليه الصلاة والسلام " الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " وقال علي رضي الله عنه: « لا تتكل على المنى فإنها بضائع التولي ».
أما قوله تعالى: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: هات: صوت بمنزلة هاء في معنى أحضر.
المسألة الثانية: دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفياً، أو إثباتاً، فلا بد له من الدليل والبرهان، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد قال الشاعر: من ادعى شيئاً بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه
أما قوله تعالى: { بَلَى } ففيه وجوه.
الأول: أنه إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة.
الثاني: أنه تعالى لما نفى أن يكون لهم برهان أثبت أن لمن أسلم وجهه لله برهاناً.
الثالث: كأنه قيل لهم: أنتم على ما أنتم عليه لا تفوزون بالجنة، بلى إن غيرتم طريقتكم وأسلمتم وجهكم لله وأحسنتم فلكم الجنة، فيكون ذلك ترغيباً لهم في الإسلام، وبياناً لمفارقة حالهم لحال من يدخل الجنة لكي يقلعوا عما هم عليه ويعدلوا إلى هذه الطريقة
فأما معنى: { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } فهو إسلام النفس لطاعة الله، وإنما خص الوجه بالذكر لوجوه.
أحدها: لأنه أشرف الأعضاء من حيث أنه معدن الحواس والفكر والتخيل، فإذا تواضع الأشرف كان غيره أولى.
وثانيها: أن الوجه قد يكنى به عن النفس ، قال الله تعالى:
{ كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }[القصص: 88]
{ إِلاَّ إبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ الأَعْلَى } [الليل: 20].
وثالثها: أن اعظم العبادات السجدة وهي إنما تحصل بالوجه فلا جرم خص الوجه بالذكر، ولهذا قال زيد بن عمرو بن نفيل.
سفر خروج
34: 8 فاسرع موسى و خر الى الارض و سجد
إنجيل مرقص(7/215)
14: 35 ثم تقدم قليلا و خر على الارض و كان يصلي لكي تعبر عنه الساعة ان امكن
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ------ له الأرض تحمل صخراً ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ------ له المزن تحمل عذباً زلالا
فيكون المرء واهباً نفسه لهذا الأمر باذلالها، وذكر الوجه وأراد به نفس الشيء، وذلك لا يكون إلا بالانقياد والخضوع وإذلال النفس في طاعته وتجنب معاصيه، ومعنى (لله) أي: خالصاً لله لا يشوبه شرك، فلا يكون عابداً مع الله غيره، أو معلقاً رجاءه بغيره، وفي ذلك دلالة على أن المرء لا ينتفع بعمله إلا إذا فعله على وجه العبادة في الإخلاص والقربة.
اقتباس:
فالإنجيل يقول على لسان المسيح . من آمن بي وإن مات فسيحيا
آمن به ..... بماذا ؟ نبي أم بإله ؟ وما الدليل ؟
علماً بأن على حد قول إنجيل متى :
متى
15: 9 و باطلا يعبدونني و هم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس
اقتباس:
والقرآن يشهد على صحة إيمان أهل الكتاب بأن الله سيجعل الذين اتبعوا المسيح فوق الذين كفروا الى يوم القيامة .
ففي نفس السورة عدد121 ( الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون )
القرآن لا يشهد على صحة إيمان أهل الكتاب لأن القرآن ذكر :
فقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}ا لمائدة: 68.
وقول الحق : ( الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون )
ومعنى: { الذين آتيناهم } أي أعطيناهم الكتاب
قوله تعالى: { الَذِينَ آتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } ، يعني مؤمني أهل الكتاب يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم. قال مجاهد: يتبعونه حق اتباعه. وقال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود قال: والله إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأ حق قراءته كما أنزل الله تعالى، ولا يحرَّف عن مواضعه. ويقال: يقرؤونه حق قراءته. { أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ، أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقونه.
{ وَمن يَكْفُرْ بِهِ } ، أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقال: بالقرآن، { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ } ، وهو كعب بن الأشرف وأصحابه. ويقال: نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب، وهم اثنان وثلاثون رجلاً قدموا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، وكانوا يتبعون القرآن حق اتباعه.
اقتباس:
ما الداعي لإنزال كتاب آخر مثل القرآن , كثير من تعاليمه تناقض الأول ؟؟؟
أين هي التوراة والإنجيل لكي يظهر لنا التناقض مع القرآن ؟
42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ 43لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ».
اقتباس:
ما الداعي لإنزال كتاب آخر مثل القرآن , كثير من تعاليمه تناقض الأول ؟؟؟ والنتيجة هنا أن الذين سيؤمنون به لن يدخلوا الجنة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا {18/107} خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا {18/108} قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {18/109} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {18/110} الكهف
==============
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا، وقولوا انظُرْنا، واسمعوا وللكافرين عذاب أليم
كتب السيف البتار
لا تقولوا: راعنا :
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا، وقولوا انظُرْنا، واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (آية 104).(7/216)
كان المسلمون يقولون لمحمد: راعنا يا رسول الله (من المراعاة) أي ارعنا سمعك وانتبه لكلامنا. وكانت هذه اللفظة سبّاً قبيحاً بلغة اليهود، ومعناها عندهم اسمع لا سمعت! . وقيل من الرعونة إذا أرادوا أن يحمِّقوا إنساناً قالوا: راعنا، يعني أحمق. فلما سمعت اليهود هذه الكلمة من المسلمين، قالوا فيما بينهم: كنا نسبّ محمد سراً فأعلنوا به الآن . فكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم. فسمعها سعد بن معاذ، ففطن لها، وكان يعرف لغتهم. فقال لليهود: لئن سمعنا من أحدٍ منكم يقولها لمحمد لأضربنّ عنقه . فقالوا: أَوَلستم تقولونها؟ فكان ذلك موجباً لمحمد أن يقول: لا تقولوا راعنا، حتى لا يجد اليهود بذلك سبيلاً إلى شَتْمه (المنار في تفسير البقرة 2: 104).
فهذا لا يستلزم وحياً ولا إلهاماً، فإنه تنبيهٌ لأصحابه أن لا يخاطبوه بعبارة تحتمل سبّه. ومع ذلك قالوا إن سعد بن معاذ كان أول من عرف مكيدة اليهود وسبّهم. فلو كان محمد من الذين يوحي الله إليهم حقيقةً، لعرف من نفسه مكائد اليهود بدون سعد!
الرد
الله تعالى لما شرح قبائح أفعال أهل الكتاب قبل مبعث محمد عليه الصلاة والسلام أراد من ههنا أن يشرح قبائح أفعالهم عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وجدهم واجتهادهم في القدح فيه والطعن في دينه وهذا هو النوع الأول من هذا الباب وههنا مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الله تعالى خاطب المؤمنين بقوله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا } في ثمانية وثمانين موضعاً من القرآن. قال ابن عباس: وكان يخاطب في التوراة بقوله: يا أيها المساكين فكأنه سبحانه وتعالى لما خاطبهم أولاً بالمساكين أثبت المسكنة لهم آخراً حيث قال:
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } [البقرة: 61]
وهذا يدل على أنه تعالى لما خاطب هذه الأمة بالإيمان أولاً فإنه تعالى يعطيهم الأمان من العذاب في النيران يوم القيامة، وأيضاً فاسم المؤمن أشرف الأسماء والصفات، فإذا كان يخاطبنا في الدنيا بأشرف الأسماء والصفات فنرجو من فضله أن يعاملنا في الآخرة بأحسن المعاملات.
المسألة الثانية: أنه لا يبعد في الكلمتين المترادفتين أن يمنع الله من أحدهما ويأذن في الأخرى، ولذلك فإن عند الشافعي رضي الله عنه لا تصلح الصلاة بترجمة الفاتحة سواء كانت بالعبرية أو بالفارسية، فلا يبعد أن يمنع الله من قوله: { ر?عِنَا } ويأذن في قوله: { انظُرْنَا } وإن كانتا مترادفتين ولكن جمهور المفسرين على أنه تعالى إنما منع من قوله: { ر?عِنَا } لاشتمالها على نوع مفسدة ثم ذكروا فيه وجوهاً :
أحدها: كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا عليهم شيئاً من العلم: راعنا يا رسول الله، واليهود كانت لهم كلمة عبرانية يتسابون بها تشبه هذه الكلمة وهي «راعينا» ومعناها: اسمع لا سمعت، فلما سمعوا المؤمنين يقولون: راعنا إفترضوه وخاطبوا به النبي وهم يعنون تلك المسبة، فنهي المؤمنون عنها وأمروا بلفظة أخرى وهي قوله: { انظُرْنَا } ، ويدل على صحة هذه التأويل قوله تعالى في سورة النساء:
{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَإسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَر?عِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِى الدّينِ }
[النساء: 46]
وروي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها ؟ فنزلت هذه الآية
وثانيها: قال قطرب: هذه الكلمة وإن كانت صحيحة المعنى إلا أن أهل الحجاز ما كانوا يقولونها إلا عند الهزؤ والسخرية، فلا جرم نهى الله عنها
وثالثها: أن اليهود كانوا يقولون: راعينا أي أنت راعي غنمنا فنهاهم الله عنها
ورابعها: أن قوله: «راعنا» مفاعلة من الرعي بين اثنين، فكان هذا اللفظ موهماً للمساواة بين المخاطبين كأنهم قالوا: أرعنا سمعك لنرعيك أسماعنا، فنهاهم الله تعالى عنه وبين أن لا بد من تعظيم الرسول عليه السلام في المخاطبة على ما قال:
{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [النور: 63].
وخامسها: أن قوله: «راعنا» خطاب مع الاستعلاء كأنه يقول: راع كلامي ولا تغفل عنه ولا تشتغل بغيره، وليس في «انظرنا» إلا سؤال الانتظار كأنهم قالوا له توقف في كلامك وبيانك مقدار ما نصل إلى فهمه
وسادسها: أن قوله: «راعنا» على وزن عاطنا من المعاطاة، ورامنا من المراماة، ثم إنهم قلبوا هذه النون إلى النون الأصلية وجعلوها كلمة مشتقة من الرعونة وهي الحق، فالراعن اسم فاعل من الرعونة
فيحتمل أنهم أرادوا به المصدر. كقولهم: عياذاً بك، أي أعوذ عياذاً بك، فقولهم: راعنا: أي فعلت رعونة. ويحتمل أنهم أرادوا به: صرت راعنا، أي صرت ذا رعونة، فلما قصدوا هذه الوجوه الفاسدة لا جرم نهى الله تعالى عن هذه الكلمة(7/217)
وسابعها: أن يكون المراد لا تقولوا قولاً: راعنا أي: قولاً منسوباً إلى الرعونة بمعنى راعن: كتامر ولابن.
وهذه الآية نوع من أنواع قوة وعظمة القرآن وأنه كلام الله المتعبد بتلاوته ، لأن هذه الآية ثبتت أن القرآن كسر حاجز النفس وكشف ما يدور في كواليس أهل الكتاب وأستخدام اللغة العبرية والسريانية ومشابهتها باللفظ باللغة العربية ونسب الأكاذيب ضد المسلمين لجهالة العرب لهذه اللغات الآخرى .
ولو كان العرب يعلمون أن كلمة (راعنا) تعنى أسمع لا سمعت بالعبرية أو السريانية ما ذكروها في البدء ، ولكن نتوصل من خلال هذا الموضوع أن العرب كانوا يجهلوا اللغة العبرية والسريانية ، فكيف أقتبس رسول الله القرآن من التوراة أو الإنجيل ؟
================
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ
“وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُِونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ; (آية 102).
قال مفسِّرو المسلمين إن الشياطين كتبوا السحر على لسان آصف (هذا ما علم آصفُ بن برخيا سليمانَ الملك) وكتبوه ودفنوه تحت كرسيه، وذلك حين نزع الله منه المُلك ولم يشعر بذلك. وقيل إن بني إسرائيل اشتغلوا بتعليم السِحر في زمانه فمنعهم سليمان من ذلك، وأخذ كتبهم ودفنها تحت سريره. فلما مات استخرجها الشياطين وقالوا للناس: إنما مَلَكَكُم سليمانُ بهذا، فتعلَّموه. وأنكر اليهود نبوّة سليمان، وقالوا إنما حصل له هذا المُلك وسُخِّرت الجنُّ والإنس له بسبب السِحر، فردّ عليهم القرآن بقوله: وما كفر سليمان .
وقال ابن عباس: إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس، عيّروهم وقالوا: هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض واخترتهم وهم يعصونك، فقال الله: أو أنزلكم في الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتكم مثل ما ركبوا. قالوا: سبحانك، ما كان لنا أن نعصيك. قال الله: اختاروا مَلَكين من خياركم أُهبطهما إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة. فركّب الله فيهما الشهوة، واهبطهما إلى الأرض، وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق، ونهاهما عن الشِرك، والقتل بغير الحق، والزِنا، وشرب الخمر. فكانا يقضيان في النهار ويصعدان في الليل. فأتت إليهما امرأة من أجمل أهل فارس، فافتتنا بها، فحكما لها، بل عبدا الصنم حباً فيها. ولما رغبا الصعود إلى السماء لم تطاوعهما أجنحتهما، فتوجَّها إلى إدريس النبي وسألاه أن يشفع لهما، فخيّرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، وهما لغاية الآن معلّقان ببابل من شعورهما إلى قيام الساعة (القرطبي في تفسير البقرة 2: 102).
(1) الخطأ الأول في عبارة القرآن: أنه لم يكن في عهد النبي سليمان شياطين يعلّمون الناس السِحر، وأقبح من ذلك قوله إن الله أنزل على الملَكين السِّحر، يعني الغش. ولما رأى علماء المسلمين قُبْح هذا قال الطبري: إنه سبحانه علّم الملَكين السِحر ليجعلهما فتنة لعباده من بني آدم، ولكنهما كانا يخبران من جاء يتعلّم ذلك بأنهما فِتنة . وحاشا لله أن يضع عثرة للبشر بأن يقيم فيهم من يعلّمهم الضلال وهو القائل: “لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ ; (خروج 22: 18). وأمر في اللاويين 19: 27 برجم كل ساحر. ونهى عن السِحر بقوله: “لَا يُوجَدْ فِيكَ لَا سَاحِرٌ,,, وَلَا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانّاً أَوْ تَابِعَةً، وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى ; (تثنية 18: 10 و11).
ولا نتصوّر أنّ الله الذي أمر بإبادة الساحر، وملاشاة كل عمل غش وكذب يُنزل على الملَكين الأكاذيب والضلالات للتفريق بين المرء وزوجه، والإنجيل يعلّمنا أنه لما اهتدى الوثنيون إلى المسيحية واقتنعوا بصدقها، أحرقوا كتب سحرهم، وحسبوا أثمانها فوجدوها 50 ألفاً من الفضة (أعمال 19: 19) لأن صناعة السحر هي صناعة غشٍّ وتدليس.
(2) الملائكة معصومون من الخطية لأنهم خدَّام الله القائمون بطاعته. والقرآن هنا يفيد أنهم غير معصومين، مع أنه ورد فيه أيضاً ما يفيد عصمتهم “مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ; (التحريم 66: 6) وفي الأنبياء 21: 20 “يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ; وفي النحل 16: 50 “يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
غير أن مسألة هاروت وماروت شَوَّشَت عقول المسلمين فتارة قالوا بعصمة الملائكة، وأخرى نفوها عنهم. وهذه القصة مأخوذة من الخرافات الوثنية القديمة.(7/218)
(3) لم يرد في التوراة أن اليهود نسبوا إلى سليمان الكفر وإنهم لم يؤمنوا به، بل كانوا متعلّقين به وكانت له منزلة رفيعة عندهم. والتوراة تشهد أن الله أعطى سليمان حكمة وفهماً كثيراً، وأن حكمته فاقت حكمة الجميع، وأنه تكلّم بثلاثة آلاف مَثَل، وكانت نشائده ألفاً وخمساً، وكان الملوك يأتون ليسمعوا حكمته (1 ملوك 4: 30 34) وزادت الثروة في مدته زيادة فائقة حتى كانت الفضة كالحجارة في الكثرة.
(4) من الأخطاء قوله إن الملَكين ظهرا ببابل، وسليمان كان في أورشليم. فكأنه ظن أن بابل هي أورشليم.
الرد
قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102].
والقصة: أن اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة والشعوذة التي كانت تُقْرَأ في زمن ملك سليمان عليه السلام. وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمان سليمان عليه السلام، حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا علم سليمان عليه السلام، وما تمَّ لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح، فأنزل الله هذين الملكين هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلاءً من الله وللتمييز بين السحر والمعجزة وظهور الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة.
وما يُعلِّم هاروت وماروت من أحدٍ حتى ينصحاه، ويقولا له إنما نحن ابتلاء من الله، فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر، ومن تعلَّم وتوقَّى عمله ثبت على الإيمان.
فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلاف بين الزوجين، ولكن لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى، لأن السحر من الأسباب التي لا تؤثر بنفسها بل بأمره تعالى ومشيئته وخلقه.
فيتعلم الناس الذي يضرهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم لمضرة الأشخاص.
ولقد علم اليهود أن من استبدل الذي تتلوه الشياطين من كتاب الله ليس له نصيب من الجنة في الآخرة، فبئس هذا العمل الذي فعلوه.
والخلاصة: أن الله تعالى إنما أنزلهما ليحصل بسبب إرشادهما الفرق بين الحق الذي جاء به سليمان وأتم له الله به ملكه، وبين الباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر، ليفرق بين المعجزة والسحر.
وإن ورد غير ذلك في شأن هذه القصة فلا يبعد أن يكون من الروايات الإسرائيلية.
وها هو سيدنا سليمان المذكور بالكتاب المقدس والذي برئه القرآن
نبي الله سليمان يخالف وصايا الرب و يكفر في أواخر حياته ويعبد الأوثان !!
سفر الملوك الاول [ 11 : 1 ] : يقول كاتب السفر :
( وَأُوْلِعَ سُلَيْمَانُ بِنِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ كَثِيرَاتٍ، فَضْلاً عَنِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، فَتَزَوَّجَ نِسَاءً مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ، وَكُلُّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ الأُمَمِ الَّتِي نَهَى الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْهُمْ قَائِلاً لَهُمْ: «لاَ تَتَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلاَ هُمْ مِنْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُغْوُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». وَلَكِنَّ سُلَيْمَانَ الْتَصَقَ بِهِنَّ لِفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُنَّ. فَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةِ زَوْجَةٍ، وَثَلاَثُ مِئَةِ من السراري، فَانْحَرَفْنَ بِقَلْبِهِ عَن الرَّبِّ. فَاسْتَطَعْنَ أَنْ يُغْوِينَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ مُسْتَقِيماً مَعَ الرَّبِّ وَمَا لَبِثَ أَنْ عَبَدَ عَشْتَارُوثَ آلِهَةَ الصِّيدُونِيِّينَ
=================
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُّواً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَّزَلَهُ عَلَى قَلْبِكَ(7/219)
كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة، وكان ممرّه إليها على مِدْراس اليهود، فكان يجلس إليهم ويسمع كلامهم. فقالوا يوماً: ما في أصحاب محمد أحبُّ إلينا منك، وإنّا لنطمع فيك. فقال عمر: والله ما آتيكم لحبِّكم، ولا أسألكم لأني شاكّ في ديني. وإنما أدخل إليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد. فقالوا: من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل. قالوا: ذلك عدوّنا. فقال عمر: من كان عدوّاً لله وملائكته ورسُله وجبريل وميكال فإن الله عدوّه . فلما سمع محمد بذلك قال: هكذا نزلت، وقال له: لقد وافقك ربك يا عمر (الطبري في تفسير البقرة 2: 97).
(1) كان من الأفضل أن يقول محمد إن عمر وافق ربّه، لا العكس.
(2) من هذه الحادثة نرى أن محمداً وأصحابه كانوا يلتقطون قصص الأنبياء وغيرها من أهل الكتاب، فقد كان عمر يقف عند حلقات اليهود يلتقط المعارف الدينية منهم.
(3) قال ابن عباس: أقبل اليهود على محمد، فقالوا: ياأبا القاسم، إنّا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنك نبي.
فسألوه عما حرَّم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبي، وعن الرعد وصوته، وكيف تُذكّر المرأة وتُؤنَّث، وعمَّن يأتيه بخبر السماء، إلى أن قالوا: فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل. قالوا: ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت ميكال الذي ينزل بالرحمة والنبات والقَطر لكان خيراً. فقال: من كان عدوّاً، إلى آخره (سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن باب سورة الرعد آية 13).
وقد كان غرض اليهود من ذلك إرباكه والتهكم عليه، بأن يقول مرة إن الذي يأتيه بالوحي جبريل، ثم يغيّر قوله بأن يقول ميكائيل، وهكذا يدور بين نقضٍ وإثبات كما فعل في القِبلة.
الرد
هل هذه الشبهة ضد الإسلام أم لصالح الإسلام ؟!!!!!
فهذا النوع أيضاً من أنواع قبائح اليهود ومنكرات أقوالهم وأفعالهم وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أن قوله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ } لا بد له من سبب وأمر قد ظهر من اليهود حتى يأمره تعالى بأن يخاطبهم بذلك لأنه يجري مجرى المحاجة، فإذا لم يثبت منهم في ذلك أمر لا يجوز أن يأمره الله تعالى بذلك والمفسرون ذكروا أموراً
أحدها: أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة أتاه عبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك، فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يجيء في آخر الزمان؟ فقال عليه السلام: " تنام عيناي ولا ينام قلبي " قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الولد أمن الرجل يكون أم من المرأة؟ فقال: أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل، وأما اللحم والدم والظفر والشعر، فمن المرأة فقال صدقت. فما بال الرجل يشبه أعمامه دون أخواله أو يشبه أخواله دون أعمامه؟ فقال: أيهما غلب ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له، قال: صدقت فقال: أخبرني أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه وفي التوراة أن النبي الأمي يخبر عنه؟ فقال عليه السلام: " أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً فطال سقمه فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن على نفسه أحب الطعام والشراب، وهو لحمان الإبل وألبانها؟ فقالوا: نعم. فقال له:بقيت خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك، أي ملك يأتيك بما تقول عن الله؟ قال جبريل: قال إن ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة، ورسولنا ميكائيل يأتي بالبشر والرخاء فلو كان هو الذي يأتيك آمنا بك"
فقال عمر: وما مبدأ هذه العداوة؟ فقال ابن صوريا مبدأ هذه العداوة أن الله تعالى أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب في زمان رجل يقال له: بختنصر ووصفه لنا فطلبناه فلما وجدناه بعثنا لقتله رجالاً فدفع عنه جبريل وقال: إن سلطكم الله على قتله فهذا ليس هو ذاك الذي أخبر الله عنه أنه سيخرب بيت المقدس، فلا فائدة في قتله، ثم إنه كبر وقوى وملك وغزانا وخرب بيت المقدس وقتلنا، فلذلك نتخذه عدواً، وأما ميكائيل فإنه عدو جبريل
فقال عمر؛ فإني أشهد أن من كان عدواً لجبريل فهو عدو لميكائيل وهما عدوان لمن عداهما فأنكر ذلك على عمر فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين.
وثانيها: روي أنه كان لعمر أرض بأعلى المدينة وكان ممره على مدراس اليهود وكان يجلس إليهم ويسمع كلامهم فقالوا: يا عمر قد أحببناك وإنا لنطمع فيك فقال: والله ما أجيئكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم، ثم سألهم عن جبريل فقالوا: ذاك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وهو صاحب كل خسف وعذاب، وإن ميكائيل يجيء بالخصب والسلم
فقال لهم: وما منزلتهما من الله؟ قالوا: أقرب منزلة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وميكائيل عدواً لجبريل(7/220)
فقال عمر: لئن كان كما تقولون فما هما بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدو لأحدهما كان عدواً للآخر ومن كان عدواً لهما كان عدواً الله، ثم رجع عمر فوجد جبريل عليه السلام قد سبقه بالوحي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد وافقك ربك يا عمر " قال عمر: لقد رأيتني في دين بعد ذلك أصلب من الحجر
وثالثها: قال مقاتل زعمت اليهود أن جبريل عليه السلام عدونا، أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآيات.
واعلم أن الأقرب أن يكون سبب عداوتهم له أنه كان ينزل القرآن على محمد عليه السلام لأن قوله: { مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } مشعر بأن هذا التنزيل لا ينبغي أن يكون سبباً للعداوة لأنه إنما فعل ذلك بأمر الله فلا ينبغي أن يكون سبباً للعداوة وتقرير هذا من وجوه
أولها: أن الذي نزله جبريل من القرآن بشارة المطيعين بالثواب وإنذار العصاة بالعقاب والأمر بالمحاربة والمقاتلة لما لم يكن ذلك باختياره بل بأمر الله الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره ولا سبيل إلى مخالفته فعداوة من هذا سبيله توجب عداوة الله وعداوة الله كفر، فيلزم أن عداوة من هذا سبيله كفر
وثانيها: أن الله تعالى لو أمر ميكائيل بإنزال مثل هذا الكتاب فإما أن يقال: إنه كان يتمرد أو يأبى عن قبول أمر الله وذلك غير لائق بالملائكة المعصومين أو كان يقبله ويأتي به على وفق أمر الله فحينئذ يتوجه على ميكائيل ما ذكروه على جبريل عليهما السلام فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟
وثالثها: أن إنزال القرآن على محمد كما شق على اليهود فإنزال التوراة على موسى شق على قوم آخرين، فإن اقتضت نفرة بعض الناس لإنزال القرآن قبحه فلتقتض نفرة أولئك المتقدمين إنزال التوراة على موسى عليه السلام قبحه ومعلوم أن كل ذلك باطل فثبت بهذه الوجوه فساد ما قالوه.
المسألة الثانية: من الناس من استبعد أن يقول قوم من اليهود: إن جبريل عدوهم قالوا: لأنا نرى اليهود في زماننا هذا مطبقين على إنكار ذلك مصرين على أن أحداً من سلفهم لم يقل بذلك، واعلم أن هذا باطل لأن حكاية الله أصدق، ولأن جهلهم كان شديداً وهم الذين قالوا؛ { أجْعَلْ لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ }[الأعراف: 138].
المسألة الثالثة: قرأ ابن كثير: «جبريل» بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بفتح الجيم والراء مهموزاً والباقون بكسر الجيم والراء غير مهموز بوزن قنديل وفيه سبع لغات ثلاث منها ذكرناها، وجبرائيل على وزن جبراعل وجرائيل على وزن جبراعيل وجبرايل على وزن جبراعل وجبرين بالنون ومنع الصرف للتعريف والعجمة.
المسألة الرابعة: قال بعضهم: جبريل معناه عبد الله، فـ «جبر» عبد و «إيل» الله: وميكائيل عبد الله وهو قول ابن عباس وجماعة من أهل العلم، قال: أبو علي السوسي: هذا لا يصح لوجهين: أحدهما: أنه لا يعرف من أسماء الله «أيل» والثاني: أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجروراً.
( اقتباس:
1) كان من الأفضل أن يقول محمد إن عمر وافق ربّه، لا العكس.
وهل الله يحتاج من يوافقه القول أم أن العبد يحتاج من يوافقه القول .؟
اقتباس:
(2) من هذه الحادثة نرى أن محمداً وأصحابه كانوا يلتقطون قصص الأنبياء وغيرها من أهل الكتاب، فقد كان عمر يقف عند حلقات اليهود يلتقط المعارف الدينية منهم.
لو كان النصارى تستشهد هذه الرواية ، فهذا يكشف بان البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مدونه بالكتاب المقدس ... فهذا يكشف صدق القول بالتحريف اللئيم .
اقتباس:
قالوا: فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل. قالوا: ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت ميكال الذي ينزل بالرحمة والنبات والقَطر لكان خيراً. فقال: من كان عدوّاً، إلى آخره (سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن باب سورة الرعد آية 13).
وقد كان غرض اليهود من ذلك إرباكه والتهكم عليه، بأن يقول مرة إن الذي يأتيه بالوحي جبريل، ثم يغيّر قوله بأن يقول ميكائيل، وهكذا يدور بين نقضٍ وإثبات كما فعل في القِبلة.
هذا جهل بالرواية المذكورة
===============
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ
“وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفوُنَ ; (آية 113).
لما قَدِم وفْدُ نجران على محمد أتاهم أحبار اليهود وتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيءٍ من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل. وقالت النصارى لليهود: ما أنتم على شيءٍ من الدين وكفروا بموسى والتوراة (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 113).(7/221)
ولم نسمع أن النصارى كفروا بموسى، ولا أن أقوال الطوائف في حق بعضهم تُعدُّ وحياً. ومن المعلوم أن كل طائفة تقول وقت انفعالاتها ومناظراتها في الأخرى ما لا يجوز النطق به وقت التروّي. وما أحسن ما قاله الخازن: إن الإنجيل الذي تدين بصحته النصارى يحقِّق ما في التوراة من نبوة موسى وما فرض الله فيها على بني إسرائيل من الفرائض، وإن التوراة التي تدين بصحتها اليهود تحقق نبوة عيسى وما جاء به من عند ربه من الأحكام .
وغاية محمد من إيراد هذا الخبر أن يوضّح أن العرب قالوا عنه إنه ليس على شيء، كما قالت اليهود للمسيحيين إنهم ليسوا على شيء، وكما قال المسيحيون لليهود إنهم ليسوا على شيء. ثم قال إن الله يحكم بينهم يوم القيامة، وكان الأولى به أن يحكم بينهم ويوضّح الحق كما فعل المفسرون.
الرد
قوله { وَقَالَتِ اْليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَـ?رَى? عَلَى شَىْءٍ }
نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود: فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود، ما أنتم على شيء من الدين، وهذا يُفيد أنهم كفروا بعيسى والإِنجيل، وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين، وهذا يُفيد أنهم كفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى? { وَقَالَتِ النَّصَرَى? لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَبَ } وكلا الفريقين يقرؤون الكتاب، وقيل: معناه ليس في كتبهم هذا الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم ما فيه على كونهم على الباطل { كذَ?لِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: آباءهم الذين مضوا { مِثْلَ قَوْلِهِمْ } قال مجاهد: يعني: عوامّ النصارى، وقال مقاتل: يعني مشركي العرب، كذلك قالوا في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: أنهم ليسوا على شيء من الدين.
وقال عطاء: أمم كانت قبل اليهود والنصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام قالوا لنبيهم: إنه ليس على شيء { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ } يقضي بين المحق والمبطل { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدين.
ويتضح من ذلك أن اليهود عندما تقول أن ليس النصارى على شيء ، فنفهم من ذلك أن اليهود كفرت بالمسيح والإنجيل .. وقد اتضح لنا من التلمود وصلب المسيح أن اليهود لا تؤمن بالمسيح ولا بالإنجيل وتكفر أهل المسيحية .
والنصارى لا تؤمن باليهودية ، فهم لا يتبعوا توراة اليهود بالكامل ولا يؤمنوا بالتلمود ولا يؤمنوا برب اليهود ، وقد ظهر ذلك من علاقة اليسوع بكتبة اليهود ولعنهم وتوعد لهم بالجحيم .... والنصارى حولت الله الذي يؤمن به اليهود إلى اليسوع .... فاليهود يؤمن بأن الله هو واحد أحد ، والنصارى تؤمن بأن الله هو اليسوع ، واليسوع عندما قال "أنا والأب واحد" كاد أن يُهلك من اليهود وقاموا رجمه لولا أنه تراجع وأوضح أن اللفظ مجازاً فقط .
فلو تنحى النصارى عن عبادتهم لليسوع وآمنوا بإله اليهود ، فإذا يمكن القول بأن الآية لم تكن حق
================
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ
تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ; (آية 108).
قال اليهود لمحمد: ائتنا بكتابٍ من السماء جملةً كما أتى موسى بالتوراة، أو فجِّرْ لنا أنهاراً، نتبعك ونصدّقك كما فعل موسى، فإنه ضرب الصخرة فانفجرت المياه . فقال لهم: أم تريدون أن تسألوا رسولكم؟ . وسألوه هذا السؤال مراراً وعجز عن إجابتهم (الطبري في تفسير البقرة 2: 108).
فكان يجب أن يأتيهم بمعجزةٍ واحدةٍ كما فعل موسى وغيره من الأنبياء الصادقين، ولكنه لم يفعل ذلك وأظهر عجزه بقوله: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سُئل موسى من قبل؟ . ولم يشكّ أحد من بني إسرائيل في موسى كما شكّ العرب في محمد، لأن محمداً لم يأتهم بمعجزة ولا ببرهان على صحّة دعواه، ولكنه اعتذر وشبّه نفسه بموسى. وشتَّان بينهما! فموسى فعل المعجزات الباهرة، فضرب المصريين عشر ضربات، وشقَّ البحر الأحمر وأغرق المصريين، وفجّر الصخرة ماءً، وكلّم الله تكليماً.
الرد
إن السؤال الذي ذكروه إن كان ذلك طلباً للمعجزات فمن أين أنه كفر؟ ومعلوم أن طلب الدليل على الشيء لا يكون كفراً، فإن كانوا طلبوا المعجزات فإنهم يطلبونها على سبيل التعنت واللجاج .... لهذا فإنهم طلبوا منه أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة .. فكفروا بسبب هذا السؤال.
كما سألوا موسى
{ اجعل لنا إلها كما لهم إلهة }
أما التفرقة في المعجزات ... فيكفينا القول بأن سيدنا موسى عليه السلام جاء بمعجزات وانتهت بموته ، وسيدنا عيسى جاء بمعجزات وانتهت برفعه ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى ومازالت معجزته خالدة إلى يوم القيامة وهي معجزة القرآن .
الا يكفي القرآن كمعجزة ، وإلا فأتوا بحديث مثله
=================(7/222)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كتب السيف البتار
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ ; (آية 109).
قال فنحاحي اليهودي لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، بعد وقعة اُحد: لو كنتم على الحق ما هربتم، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلاً منكم . فلم يرضيا، وتوجّها إلى محمد وأخبراه بذلك، فقال: أصبتما الخير وأفلحتما ثم قال ودّ كثير ..
فهذا ليس بوحيٍ، لأنه حكايةٌ عن أمر حصل لاثنين من أصحابه، وهما أخبراه بما حصل. ولا نستغرب قوله فاعفوا واصفحوا فقد أجمع المفسرون على أن هذه العبارة نُسخت بآية السيف (التوبة 9: 5) (الرازي في تفسير 2: 109).
الرد
هذا نوع من أنواع كيد اليهود مع المسلمين، وذلك لأنه روي أن فنحاص بن عازوراء، وزيد بن قيس ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً
فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟
قالوا: شديد
قال: فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد ما عشت
فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ
وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه فقال: أصبتما خيراً وأفلحتما، فنزلت هذه الآية
قوله تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتـ?بِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَنِكُمْ كُفَّارًا }
فالمراد أنهم كانوا ومازالوا يريدون رجوع المؤمنين عن الإيمان من بعد ما تبين لهم أن الإيمان صواب وحق، والعالم بأن غيره على حق لا يجوز أن يريد رده عنه إلا بشبهة يلقيها إليه، لأن المحق لا يعدل عن الحق إلا بشبهة والشبهة ضربان :
أحدهما: ما يتصل بالدنيا وهو أن يقال لهم: قد علمتم ما نزل بكم من إخراجكم من دياركم وضيق الأمر عليكم واستمرار المخافة بكم، فاتركوا الإيمان الذي ساقكم إلى هذه الأشياء
والثاني: في باب الدين: بطرح الشبه في المعجزات أو تحريف ما في التوراة.
أما قوله تعالى: { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى بين أن حبهم لأن يرجعوا عن الإيمان إنما كان لأجل الحسد.
قال الجبائي: عنى بقوله: { كَفَّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } أنهم لم يؤتوا ذلك من قبله تعالى وإن كفرهم هو فعلهم لا من خلق الله فيهم، والجواب أن قوله: { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } فيه وجهان :
أحدهما: أنه متعلق بـ «ود» على معنى أنهم أحبوا أن ترتدوا عن دينكم ، وتمنيهم ذلك من قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق فكيف يكون تمنيهم من قبل طلب الحق؟
الثاني: أنه متعلق بحسداً أي حسداً عظيماً منبعثاً من عند أنفسهم.
أما قوله تعالى: { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ } فهذا يدل على أن اليهود بعدما أرادوا صرف المؤمنين عن الإيمان احتالوا في ذلك بإلقاء الشبه على ما بيناه، ولا يجوز أن يأمرهم تعالى بالعفو والصفح على وجه الرضا بما فعلوا، لأن ذلك كفر ، فوجب حمله على أحد أمرين :
القول الأول: أن المراد ترك المقابلة والإعراض عن الجواب، لأن ذلك أقرب إلى تسكين الثائرة في الوقت، فكأنه تعالى أمر الرسول بالعفو والصفح عن اليهود فكذا أمره بالعفو والصفح عن مشركي العرب بقوله تعالى:
{ قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ }
[الجاثية: 14]
وقوله:
{ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جميلاً } [المزمل: 10]
ولذلك لم يأمر بذلك على الدوام بل علقه بغاية فقال: { حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } وذكروا فيه وجوهاً
أحدها: أنه المجازاة يوم القيامة عن الحسن
وثانيها: أنه قوة الرسول وكثرة أمته.
وثالثها: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين، إنه الأمر بالقتال لأن عنده يتعين أحد أمرين: إما الإسلام، وإما الخضوع لدفع الجزية وتحمل الذل والصغار، فلهذا قال العلماء : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
{ قَتِلُواْ الَذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الأخِرِ } [التوبة: 29]
وعن الباقر رضي الله عنه أنه لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال حتى نزل جبريل عليه السلام بقوله:
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [الحج: 39]
وقلده سيفاً فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد الله بن جحش ببطن نخل وبعده غزوة بدر ، وههنا سؤالان:
1) السؤال الأول: كيف يكون منسوخاً وهو معلق بغاية كقوله:
{ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصّيَامَ إِلَى الَّيْلِ } [البقرة: 187]
وإن لم يكن ورود الليل ناسخاً فكذا ههنا(7/223)
الجواب: أن الغاية التي يعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعاً لم يخرج ذلك الوارد شرعاً عن أن يكون ناسخاً ويحل محل قوله: { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ } إلى أن أنسخه عنكم.
2) السؤال الثاني: كيف يعفون ويصفحون والكفار كانوا أصحاب الشوكة والقوة والصفح لا يكون إلا عن قدرة؟
والجواب: أن الرجل من المسلمين كان ينال بالأذى فيقدر في تلك الحالة قبل اجتماع الأعداء أن يدفع عدوه عن نفسه وأن يستعين بأصحابه، فأمر الله تعالى عند ذلك بالعفو والصفح كي لا يهيجوا شراً وقتالاً.
القول الثاني : في التفسير قوله: { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ } حسن الاستدعاء، واستعمل ما يلزم فيه من النصح والإشفاق والتشدد فيه، وعلى هذا التفسير لا يجوز نسخه وإنما يجوز نسخه على التفسير الأول.
أما قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } فهو تحذير لهم بالوعيد سواء حمل على الأمر بالقتال أو غيره
لنصل في النهاية أنه مازال اهل الكتاب يسعون لرد المسلمين عن دينهم إلى الآن ، أليست الآية كانت تحتاج إلى وحي لأنها كشفت ما في قلوب أهل الكتاب ضد المسلمين إلى الآن ، ويتضح ذلك من طرح اهل الكتاب شبهة مثل هذه بجهالة
================
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً
“قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ; (آية 94)رُويَ أن اليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا. وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. فكذَّبهم محمد بهذه العبارة. وهذا التكذيب مجرد من الأدلة العقلية المنطقية. وبيان ذلك أن أبناء الله لا يتمنُّون الموت، بل يسلّمون الأمر لله، إن شاء أبقاهم لتمجيد اسمه وإذاعة حمده وشكره، وإن شاء نقلهم إلى دار النعيم. من الغرائب أن ابن عباس روى عن محمد أنه قال: لو تمنّوا الموت لغصَّ كل إنسان بريقه، وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات. وهو كلام غير معقول.
الرد
{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
{ خَالِصَةً } نصب على الحال من الدار الآخرة. والمراد الجنة، أي سالمة لكم، خاصة بكم، ليس لأحد سواكم فيها حق. يعني إن صحّ قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً.
و{ النَّاسِ } للجنس وقيل: للعهد وهم المسلمون
{ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ } لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الشوائب، كما روى عن المبشرين بالجنة ما روى :
كان علي رضي الله عنه يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين. فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك على الموت سقط، أم عليه سقط الموت.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم. يعني على التمني. وقال عمار بصفين: الآن ألاقي الأحبة محمداً وحزبه. وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحنّ إليه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم:" لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي "
{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بما أسلفوا من موجبات النار من الكفر بمحمد وبما جاء به، وتحريف كتاب الله، وسائر أنواع الكفر والعصيان.
وقوله: { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به كقوله: { وَلَن تَفْعَلُواْ } فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا؟
قلت: لأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام أكثر من الذرّ، وليس أحد منهم نقل ذلك.
فإن قلت: التمني من أعمال القلوب، وهو سر لا يطلع عليه أحد فمن أين علمت: أنهم لم يتمنوا؟
قلت: ليس التمني من أعمال القلوب إنما هو قول الإنسان بلسانه: ليت لي كذا، فإذا قاله قالوا: تمنى، وليت: كلمة التمني، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا: قد تمنينا الموت في قلوبنا، ولم ينقل أنهم قالوا ذلك
فإن قلت: لم يقولوه لأنهم علموا أنهم لا يصدّقون.(7/224)
قلت: كم حكى عنهم من أشياء قاولوا بها المسلمين من الافتراء على الله وتحريف كتابه وغير ذلك مما علموا أنهم غير مصدقين فيه ولا محمل له إلا الكذب البحت ولم يبالوا، فكيف يمتنعون من أن يقولوا إنّ التمني من أفعال القلوب وقد فعلناه، مع احتمال أن يكونوا صادقين في قولهم وإخبارهم عن ضمائرهم، وكان الرجل يخبر عن نفسه بالإيمان فيصدّق مع احتمال أن يكون كاذباً لأنه أمر خافٍ لا سبيل إلى الاطلاع عليه { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّلِمينَ } تهديد لهم { وَلَتَجِدَنَّهُمْ } هو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين في قولهم: وجدت زيداً ذا الحفاظ ومفعولاه «هم أحرص».
فإن قلت: لم قال: { عَلَى حَيَوةٍ } بالتنكير؟
قلت: لأنه أراد حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبيّ «على الحياة» { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكواْ } محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس.
فإن قلت: ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس؟
قلت: بلى، ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد. ويجوز أن يراد: وأحرص من الذين أشركوا، فحذف لدلالة أحرص الناس عليه. وفيه توبيخ عظيم : لأنّ الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقرّ بالجزاء كان حقيقاً بأعظم التوبيخ.
فإن قلت: لم زاد حرصهم على حرص المشركين؟
قلت: لأنهم علموا ـ لعلمهم بحالهم ـ أنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك.
وقيل: أراد بالذين أشركوا المجوس، لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز وألف مهرجان.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: هو قول الأعاجم: زي هزار سال. وقيل: «ومن الذين أشركوا» كلام مبتدأ، أي ومنهم ناس { يَوَدُّ أَحَدُهمْ } على حذف الموصوف كقوله:
{ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }
[الصافات: 164]
والذين أشركوا ـ على هذا ـ مشارٌ به إلى اليهود، لأنهم قالوا: عزير ابن الله. والضمير في { وَمَا هُوَ } لأحدهم و { أَن يُعَمَّرَ } فاعل ( بمزحزحه) ، أي: وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره. وقيل: الضمير لما دلّ عليه ( يعمر ) من مصدره، وأن( يعمر ) بدل منه.
ويجوز أن يكون «هو» مبهماً، وأن «يعمر» موضحه. والزحزحة: التبعيد والإنحاء
فإن قلت: يودّ أجدهم ما موقعه؟
قلت: هو بيان لزيادة حرصهم على طريق الإستئناف.
فإن قلت: كيف اتصل لو يعمر بيودّ أحدهم؟
قلت: هو حكاية لودادتهم. و «لو» في معنى التمني، وكان القياس: لو أعمر، إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } كقولك: حلف بالله ليفعلنّ
=================
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّاوَإِذَا خَلَابَعْضُهُمْ
“وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّاوَإِذَا خَلَابَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ; (آية 76).قال ابن زيد: كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا: أما تعلمون في التوراة كذا وكذا؟ قالوا بلى، قال: وهم يهود، فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم مالكم تخبرونهم بالذي أنزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم، أفلا تعقلون؟ وقد جاء في الحديث أن محمداً قال: لا يَدْخُلَنَّ عَلَيْنا قَصبَة المَدِينَةِ إلاَّ مُؤْمِنٌ فقال رؤساء اليهود، اذهبوا فقولوا آمنا، واكفروا إذا رجعتم، قال: فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر “وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ; (آل عمران 3: 72).
فالعبارة القرآنية حكاية عن حادثة وقعت لمحمد وليس فيها شيء من الوحي، وهي تدل على أن المسلمين كانوا يتعلّمون من أهل الكتاب كثيراً (الطبري في تفسير البقرة 2: 76).
الرد
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }(7/225)
وقد كان بعضهم إذا لقوا المؤمنين قالوا: آمنا.. أي آمنا بأن محمداً مرسل، بحكم ما عندهم في التوراة من البشارة به، وبحكم أنهم كانوا ينتظرون بعثته، ويطلبون أن ينصرهم الله به على من عداهم. وهو معنى قوله: { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا }.. ولكن: { إذا خلا بعضهم إلى بعض }.. عاتبوهم على ما أفضوا للمسلمين من صحة رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معرفتهم بحقيقة بعثته من كتابهم، فقال بعضهم لبعض: { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم }.. فتكون لهم الحجة عليكم؟.. وهنا تدركهم طبيعتهم المحجبة عن معرفة صفة الله وحقيقة علمه؛ فيتصورون أن الله لا يأخذ عليهم الحجة إلا أن يقولوها بأفواههم للمسلمين! أما إذا كتموا وسكتوا فلن تكون لله عليهم حجة!.. وأعجب العجب أن يقول بعضهم لبعض في هذا: { أفلا تعقلون؟ }.. فيا للسخرية من العقل والتعقل الذي يتحدثون عنه مثل هذا الحديث!!
ومن ثم يعجب السياق من تصورهم هذا قبل أن يمضي في استعراض ما يقولون وما يفعلون:
{ أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ؟ }..
ثم يستطرد يقص على المسلمين من أحوال بني إسرائيل: إنهم فريقان.
فريق أمي جاهل، لا يدري شيئاً من كتابهم الذي نزل عليهم، ولا يعرف منه إلا أوهاماً وظنوناً، وإلا أماني في النجاة من العذاب، بما أنهم شعب الله المختار، المغفور له كل ما يعمل وما يرتكب من آثام!
وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية فيزوّر على كتاب الله، ويحرف الكلم عن مواضعه بالتأويلات المغرضة، ويكتم منه ما يشاء، ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاماً من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب الله.
والآية تثبت أن القرآن هو من عند الله ، فكيف علم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنهم { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُواْ
=================
قصة البقرة
“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَِّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَاشّفَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاِقعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَِّينْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَا دَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ; (آيات 67 - 73).(1) خاض مفسرو المسلمين في شرح هذه القصة، فقالوا إنه كان في بني إسرائيل شيخٌ موسِر، فقتل بنو أخيه ابنه طمعاً في ميراثه، وطرحوه على باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرةً. ورُويَ أن شيخاً صالحاً من بني إسرائيل كان له عِجْلة، فأتى بها الغيضة وقال لهم: إني أستودعكها لابني حتى يكبر، فشبَّت وكانت وحيدة بتلك الصفات، فساموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير (الكشاف في تفسير البقرة 2: 67).(7/226)
(2) ومن تتبّع تاريخ بني إسرائيل بالتدقيق لا يجد أثراً لمثل هذه القصة، ولكن يظهر أنه أخذ طرفاً منها من الكتاب المقدس، فورد في تثنية 21: 1 - 9 “إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا وَاقِعاً فِي الْحَقْلِ، لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ، يَخْرُجُ شُيُوخُكَ وَقُضَاتُكَ وَيَقِيسُونَ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ الْقَتِيلِ. فَا لْمَدِينَةُ الْقُرْبَى مِنَ الْقَتِيلِ، يَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا، لَمْ تَجُرَّ بِالنِّيرِ. وَيَنْحَدِرُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِالْعِجْلَةِ إِلَى وَادٍ دَائِمِ السَّيَلَانِ لَمْ يُحْرَثْ فِيهِ وَلَمْ يُزْرَعْ، وَيَكْسِرُونَ عُنُقَ الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْكَهَنَةُ بَنُو لَاوِي - لِأَنَّهُ إِيَّاهُمُ اخْتَارَ الرَّبُّ إِل هُكَ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَحَسَبَ قَوْلِهِمْ تَكُونُ كُلُّ خُصُومَةٍ وَكُلُّ ضَرْبَةٍ - وَيَغْسِلُ جَمِيعُ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبِينَ مِنَ الْقَتِيلِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعِجْلَةِ الْمَكْسُورَةِ الْعُنُقُِ فِي الْوَادِي، وَيَقُولُونَ: أَيْدِينَا لَمْ تَسْفِكْ ه ذَا الدَّمَ، وَأَعْيُنُنَا لَمْ تُبْصِرْ. اِغْفِرْ لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فَدَيْتَ يَا رَبُّ، وَلَا تَجْعَلْ دَمَ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. فَيُغْفَرُ لَهُمُ الدَّمُ. فَتَنْزِعُ الدَّمَ الْبَرِيءَ مِنْ وَسَطِكَ إِذَا عَمِلْتَ الصَّالِحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ .
فإذا تأملنا في العبارتين لا نجد مناسبةً بينهما، فعبارة التوراة هي قانون، غايته إظهار بشاعة القتل ومعرفة القاتل بواسطة قضاة أقرب مدينة، وإنذار لمن يكتم الحقيقة. وقصة القرآن غير واضحة، فلا عجب إذاقال بنو إسرائيل لموسى لما طلب منهم البقرة: أتتَّخذنا هُزُواً؟ .
الرد
{ قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء: { هُزُواً } بالضم وهزؤا بسكون الزاي نحو كفؤاً وكفء وقرأ حفص: (هزواً ) بالضمتين والواو وكذلك كفواً.
المسألة الثانية: قال القفال قوله تعالى: { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هزؤاً } استفهام على معنى الانكار والهزء يجوز أن يكون في معنى المهزوء به كما يقال: كان هذا في علم الله أي في معلومه والله رجاؤنا أي مرجونا ونظيره قوله تعالى:
{ فَأتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً }[المؤمنون: 110]
قال صاحب «الكشاف»: (أتتخذنا هزؤاً) أتجعلنا مكان هزء أو أهل هزء أو مهزوأ بنا والهزء نفسه فرط الاستهزاء.
المسألة الثالثة: القوم إنما قالوا ذلك لأنهم لما طلبوا من موسى عليه السلام تعيين القاتل فقال موسى: اذبحوا بقرة لم يعرفوا بين هذا الجواب وذلك السؤال مناسبة، فظنوا أنه عليه السلام يلاعبهم، لأنه من المحتمل أن موسى عليه السلام أمرهم بذبح البقرة وما أعلمهم أنهم إذا ذبحوا البقرة ضربوا القتيل ببعضها فيصير حياً فلا جرم، وقع هذا القول منهم موقع الهزء، ويحتمل أنه عليه السلام وإن كان قد بين لهم كيفية الحال إلا أنهم تعجبوا من أن القتيل كيف يصير حياً بأن يضربوه ببعض أجزاء البقرة فظنوا أن ذلك يجري مجرى الاستهزاء.
المسألة الرابعة: قال بعضهم: إن أولئك القوم كفروا بقولهم لموسى عليه السلام: أتتخذنا هزؤاً لأنهم إن قالوا ذلك وشكوا في قدرة الله تعالى على إحياء الميت، فهو كفر وإن شكوا في أن الذي أمرهم به موسى عليه السلام هل هو بأمر الله تعالى، فقد جوزوا الخيانة على موسى عليه السلام في الوحي، وذلك أيضاً كفر.
ومن الناس من قال: إنه لا يوجب الكفر وبيانه من وجهين.
الأول: أن الملاعبة على الأنبياء جائزة فلعلهم ظنوا به عليه السلام أنه يلاعبهم ملاعبة حقة، وذلك لايوجب الكفر.
الثاني: أن معنى قوله تعالى: { أَتَتَّخِذُنَا هزؤاً } أي ما أعجب هذا الجواب كأنك تستهزىء بنا لا أنهم حققوا على موسى الاستهزاء
=================
{واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ(7/227)
قال تعالي : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (163- 167) سورة الأعراف"؟ .
يأمر الله عز وجل نبيه صلي الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن هذه القرية ، وهذا سؤال توبيخ في الحقيقة ، لأن أولئك الذين عاصروا النبي صلي الله عليه وسلم شابهوا هؤلاء الذين جعلهم الله قردة خاسئين ، فلذلك أمر بالسؤال عن شي يكتمونه مما جرى لأسلافهم وهم شابهوهم فيه ، وساروا علي نهجهم .
لذا نجد أن خاتمة القصة ذكر الله عز وجل فيها أنه يبعث عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، فمن المقصودون بعد هلاك المقصودون هم من كانوا علي شاكلتهم من بقية اليهود ، فهذا تأكد علي الارتباط بين الماضي والحاضر كما ذكرنا .
فهذه القصة توبيخ لبني إسرائيل في عهد النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم يفعلون مثل ما فعل أولئك من التحايل علي أمر الله وعدم الالتزام بشرعه قوله تعالي :?واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر؟
أي علي ساحل البحر ،ما اسم القرية ؟ وما اسم البحر ؟ ومن كان رئيسها ؟ كل هذا لم يذكره القرآن ، مع أن كثيرا من الناس يبحثون في ذلك أثر البحث وذلك لأنهم لم يفقهوا جيدا طريقة القرأن إذ لا فائدة من الأسماء كثيرا ولا فائدة من الأماكن كثيرا، ولا في أي الأزمنة بالضبط ، لا يعود علينا كبير فائدة من هذا ، وربما لا فائدة علي الإطلاق .
فما العظة في أن نعرف : هل هذه القرية أيلة أم مدين أم منتنا -كما يقولون- بين مدين و عينونة أو غير ذلك ؟ ولذا لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم تحديد شيء من ذلك ، وإنما نقل ما نقل من ذلك عن أهل الكتاب ، المهم أنها كانت قرية علي ساحل بحر ، وكان عملهم صيد السمك .
والاختصار في الكلام القرآني بليغ غاية البلاغة ، فقد أوضح كل الأمور من غير إخلال علي الاطلاق بأي من المعاني المطلوبة .
قال سبحانه وتعالي:?إذ يعدون? أي : حين يعدون، و المعني و اسألهم عن القرية حين عدت في السبت، ما كان شأنها ؟
ذلك أن الله عز وجل حرم علي اليهود العمل في يوم السبت ،وقد كان هذا نوعا من الأصار والأغلال التي كانت عليهم ، والتي جعلها الله بسبب اختلافهم ، فإن اليوم الذي أمروا بتعظيمه -أصلا- هو يوم الجمعة ، لأنه أعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالي فاختلفوا علي نبيهم ، ولم يطيعوه في أول الأمر عندما بلغهم ، فصرفهم الله عن يوم الجمعة، و جعلهم يعظمون يوم السبت حرمانا لهم يوم الجمعة . قال تعالي :?إنما جعل السبت علي الذين اختلفوا فيه ؟.
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم، فاختلفوا، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له، قال:يوم الجمعة، فاليوم لنا وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى" ولفظ البخاري "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة،بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد"
يقصد صلي الله عليه وسلم أن يوم الجمعة كان اليوم المعظم ولكنهم صرفوا عنه وجعل الله عز وجل عليهم من الأغلال الأصار تحريم العمل يوم السبت، فلا يجوز أن يعملوا يوم السبت،ولابد أن يتفرغوا للعبادة، ولأنهم قوم لم يحافظوا علي العبادات اليومية، فأمروا أن يتفرغوا تفرغا" تاما" بترك العمل يوم العبادة الأسبوعية.(7/228)
والمسلمون أمروا بيسير من ذلك ، وهو وقت أداء صلاة الجمعة ، قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ? فأمرهم الله أن يتركوا أشغالهم بمجرد سماع الآذان الذي يبدأ الخطيب بعده في الخطبة ، ويذهبوا للصلاة في المسجد "فاسعوا إلي ذكر الله " وأمرهم بعد أن ينصرفوا من الصلاة أن ينتشروا في الأرض و يبتغوا من فضل الله وذلك أن أمة الإسلام -بحمد الله تبارك و تعالي- أهل الالتزام منهم يحافظون علي عباداتهم اليومية ويؤدون الصلوات الخمس ، فلم يحتاجوا إلي ما احتاج إليه بنو إسرائيل من تفرغ كامل طول اليوم عن العمل للعبادة في ذلك اليوم ، وإنما لأجل محافظتهم علي العبادة اليومية فإنهم أكرموا ولم يحرم عليهم العمل يوم الجمعة ، وإنما أمروا ساعة الصلاة فقط بترك العمل للانصراف للصلاة .
وقد اخترع اليهود قصة قبيحة من باطلهم لتعليل تحريم العمل يوم السبت وهي : أن الله تعالي بعد ان خلق العالم ابتداء من يوم الأحد ، انتهي يوم الجمعة واستراح في اليوم السابع لأنه تعب : فوجب علي العباد أن يستريحوا ، أيضا ويتركوا العمل ويتفرغوا للعبادة :
وهذا من عظيم جهلهم و عظيم ظلمهم ، فرد الله عليهم : ولقد خلقنا السموات و الأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر علي ما يقولون .. الآية لغوب يعني : الإعياء الشديد .
فاخترعوا هذا الباطل ، وهم دائما يحرفون و يخترعون وهم طيلة أيام الأسبوع مشغولون بالكسب و المعاش ، فلهم الويل مما يضعون ويخترعون .
كان عمل هذه القرية صيد السمك ، وبدأ اعتداؤهم بصيد السمك يوم السبت _ بشيء عجيب ، قال سبحانه وتعالي : " إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ " في يوم السبت المحرم عليهم العمل فيه يجدون البحر مليئا بالأسماك ، والحيتان هنا معناها السمك ، وهي كذلك في كلام العرب ، كل سمكة تسمي حوتا ، فكانت الأسماك تأتيهم يوم السبت في البحر شارعه زعانفها وخراطيمها في المياه ، تظهر نفسها ، والأسماك - قطعا- لا تدرك أيام الأسبوع ، ولكن قدر الله هذا الأمر العجيب ويوم لا يسبتون لا تأتيهم باقي أيام الأسبوع لا تأتيهم ، لا يكون في البحر سمكة واحدة ، فسبحان الله .
(2)
الحرام قليل والحلال كثير
نلحظ من هنا أمرا من أصول التشريع وذلك باستقراء ما شرعه الله لعباده ، نجد أن الحرام في الأصل هو القليل ، وأن الحلال في الأصل هو الكثير ، فالمحرم يوم واحد و المباح ستة أيام في شريعتهم ، وكذلك أمرنا نحن ، فإن الله _عز وجل _ إينما أمرنا نترك العمل في وقت وجيز فقط ، وانظر في سائر ما حرم الله غلي عباده نجد هذا الأمر أيضا ، تجد الحرام قلة والجلال كثرة قال الله عز وجل ، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا.. كل ما في الأرض حلال، ماذا استثني الله عز وجل ؟
استثني الميتة و الدم و لحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، يعني جميع بهائم الأنعام حلال إلا أن الجنزير محرم ، كل ما في الأرض جلال إلا الجمر .
وهذه المحرمات ، وما حرمه النبي صلي الله عليه وسلم كالحمار الأهلي وكل ذي نان من السباع وكل ذي مخلب من الطير .
ونجد المحرمات ، من النساء صنفا معدودا من الأقارب وأحل لكم ما وراء ذلكم .
وبالنسبة للمعاملات ، فالشركة و المضاربة و البيع و الشراء و الإجارة و المزارعة و المساقاة و أنواع المعاملات كلها مباحة ، وإنما حرم الله الربا و الميسر ، فتجد أن كل أنواع الأنشطة الإنسانية الأصل فيها الحل إلا ما حرمه الله ، فالأصل في التشريع أن الحلال أكثر من الحرام ليس إلا دائرة ضيقة .
ومع ذلك نجد في واقع حياة الناس إن الحرام ينتشر جدا ، حتي يكاد يغلب الحلال ، ولا يكاد الإنسان يجد الحلال إلا بشق الأنفس ، وهذا هو الذي وقع لبني إسرائيل فالذي حدث لهم أن الحرام الذي هو ضيق أصلا اتسع جدا ، اتسع بمعني أنهم وجدوا السمك يوم السبت فقط ، والحلال الذي هم واسع ستة أيام يباح فيها الصيد ، لا تظهر سمك علي الإطلاق.
ومثاله ما يقع الناس فيه اليوم ، فمع أن أنواع المعاملات المباحة كثيرة جدا ، والربا والميسر المحرم تجد الربا ملأ السهل والوادي وملأ كل مكان ، فلا تكاد توجد معاملة إلا و فيها شبهة الربا ، أو ربا صريح أو ميسر - و العياذ بالله - فلماذا يحدث ذلك ؟
تجد الحرام هو الذي يتسع والحلال يضيق ، حتي في بعض الأماكن في بعض الأزمنة يكاد الحرام يملأ البلد كلها ، ولا يكاد يوجد رزق حلال صاف
==================
هل قالت اليهود عُزير بن الله؟
الرسالة الأولى : هل عرف يهود العرب عزرا أم عُزير؟
الرسالة الثانية : هل قالت اليهود عُزير بن الله؟
الرسالة الثالثة : يُضاهئون قول الذين كفروا من قبل
وقبل أن أطرح الموضوع(7/229)
فهناك أمور لابد أن نطلع عليها أولاًَ
1-يدعي النصراني أن : القرآن أخطأ في الإسم وأن اليهود لم تعرف أحداً إسمه عزير .....ولكن إسمه عزرا ....ونحن نقول لا ...بل إن اليهود في العربية لم يعرفوا أحداً إسمه عزرا ولكن عرفوا عُزير وسنُثبته إن شاء الله تعالى من كتبهم
2- يُحاول المسيحي المُغالطة فيقول كيف يقول القرآن أن اليهود عبدو عزير كأنه الله نفسه؟ ....فلابد أن نعي يا إخوة ان الآية لم تقل ذلك إطلاقاً .... فمفهوم البنوة لله عند النصارى تختلف عنها عند اليهود .....فلا يحق للمسيحي أن يقيس معنى الآية بمفهومه هو للبنوة في النصرانية ....وإنما عُزير بن الله في التقديس حسب معنى ابن الله عند اليهود .... والمسيح بن الله في التقديس حسب ما يرى النصارى معنى ابن الله في المسيحية... وشتان ما بين البنوة لله في المسيحية والبنوة لله في اليهودية
3- عندما يذكر الله تعالى لفظ بن الله في القرآن فهل يعني بها الألوهية فقط ؟.... بكل بساطة لا ...فهناك من النصارى من يقول أن عيسى بن الله وليس هو الله نفسه , وهذه الآية تنطبق عليه ... وبالتالي فليس من الضروري أن يكون المعنى أن عُزير بن الله أنه هو الله نفسه , ومرة أخرى لابد أن نتذكر أن لا نخلط بين مفهوم البنوة عند النصارى ومفهوم البنوة عند اليهود
4- لابد أن نعلم يا إخوة أن الله عز وجل ينهى عن لفظ بن الله تحت أي معنى وتحت أي مسمى ولو بغرض المجاز بان الله رحيم بنا ويُحبنا ....فقد وجه الله آية عامة لليهود والنصارى لقولهم (نحن أبناء الله وأحباؤه) ....وهذه الآية تنطبق على جميع اليهود والنصارى .... ويرفض الله قولهم ..لما فيه من نسبة العنصرية لله تعالى ...فالكل سواسية تحت عدل الله والثواب والعقاب لا يُفرق بين يهودي ومجوسي ....
5-هل البنوة في قوله تعالى ( وقالت اليهود عُزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ) ... هي نفسها المقصودة من البنوةالبنوة التي أشار الله تعالى لها في قول اليهود والنصارى (نحن أبناء الله وأحباؤه) ؟!!!!....
لا ياسادة ...فالبنوة هنا في الآية (وقالت اليهود عُزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله )...تتكلم عن بنوة خاصة ...تخص عزير والمسيح فقط ...و لا تعني البنوة العامة لمجرد أنه يهودي أو مسيحي , كما في قوله تعالى (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) ....
ولكن لابد من التنبيه : أن البنوة هنا إختص بها المسيح حسب مُعتقد النصارى للبنوة .... وإختص بها عزرا حسب معتقد اليهود للبنوة .....فلا يُمكن أن نقول أن عزير هو الله لأن بنوة النصارى تقتضي ألوهية المسيح ... ولا يُمكن أن نقول أن المسيح مقدس وليس الله لأن بنوة اليهود تقتضي القداسة وعدم الألوهية .
مرة أخرى نتذكر أن معنى البنوة عند النصارى يحتمل البنوة دون الألوهية ... أو البنوة والألوهية .... أما معنى البنوة عند اليهود فلا يحتمل معنى الألوهية
6- ( وقالت اليهود عُزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله) ؟!!!....لننتبه مرة أخرى يا إخوة أن البنوة ليس معناها الألوهية ....وكذلك فإن الآية تقول عنهم (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ).... ولا يقول أحد بأن الرهبان والأحبار الله أو آلهة , بل أرباب (جمع رب) ... مما يعني الشرك بالله وإعطائهم من القداسة والتصديق ما يُساويهم بالله في التقديس .....وهذا هو الشرك ... فما قالته طائفة من اليهود عن عزير أنه ابن الله لا يعني بالضرورة أنه هو الله نفسه ... ولكن في مقام إبن الله في التقديس والتعظيم والإتباع ... وماقاله النصارى عن المسيح أنه ابن الله لايعني أنه ابن الله البيولوجي في الحقيقة وإنما في التقديس والتعظيم وتقديم العبادة له .... وكأنهما وسطاء بين الله وبينهم.... مثلهم مثل كفار قريش وغيرهم من الأمم السابقة الذين أتخذوا أصنامهم كوسائط تُقربهم من الله .... فعظموها وقدموا لها التقديس والعبادة ...وهذا هو الشرك عينه
إذاً لكي نعرف ماذا عني اليهود بأن عُزير أختص بأنه ابن الله ... لماذا عُزير بالذات دون غيره؟....لابد أن نعرف ماهو مفهوم ابن الله عند اليهود ...
ولكي نعرف لماذا إختُص المسيح بأنه إبن الله فلابد أن نعرف مفهوم ابن الله عند النصارى
الرسالة الأولى
أولاً : هل عرف اليهود العرب من يُسمى عزرا؟
لماذا يرفض النصارى إسم عُزير؟-
يرفض النصارى إسم عُزير لأنه ذُكر في القرآن الكريم , ويفرحون ويتغنون بالإسم عزرا ... بل ويقولون لم يوجد شخص إسمه عزير.
ونحن نقول ..... لا .... كذبتم ...
بل السؤال هو هل عرفوا نبياً إسمه عزرا؟
قال لكم كتابكم:
فتشوا الكتب....
لكننا فتشنا يا نصارى ..... وعلى الملأ نُظهر الحقيقة:
لو كانت القضية ياساده هي إختلاف بين القرآن والتوراة فقط
...لكان لكل مُكابر بعض الحق وليس كل الحق في ان يدعي ما يقول ....(7/230)
- ولكن المصيبة والطامة الكبرى أن النصارى :
1-إما جهلة بحقيقة كتبهم , جهلة بتعاليم المسيحية
2-أو أنهم يُحاولون خداع القراء من المسيحيين
لماذا يخدعونهم بسؤالهم هل هو عزرا أم عزير؟لأنه كان من باب أولى أن يُؤكدوا لنا هل قالت التوراة ان إسمه عزرا أم أن له إسم آخر !!!!!!...
لقد حاولوا الهروب من التناقض التوراتي الإنجيلي الواضح بالنسبة لإسم عزرا فأرادوا أن يرموا ببهتهم على الإسلام ليُخفوا التضارب النصراني ... حاولوا تعتيم وتعمية الحقيقة ليصرفوا الأنظار عن الحقيقة
1- عزرا أم إسدراس؟
بداية وقبل كل شيء لابد أن نوضح أن الإسم العبري عزرا ليس هو الإسم الأصلي الذي ورد في المخطوطات التوراتية وكتابات الآباء وإنما هو تحريف للإسم من الأصل اليوناني إسداراس وإسدرام .... كما هو مذكور في كتاب إسدراس الأول والثاني والثالث والرابع ....ولا تعترف الكنيسة الأرثوذكسية القبطية بالكتابين الثالث والرابع لإسدراس ......مع أن آباء الكنيسة الأوائل حتى عصر أوريجن إعترفوا بقانونيتهما وأنهما من عند الله ...
ومازالت الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية والروسية تعترفان بقدسيتهما وأنهما من عند الله
فأيهم نُصدق ....هل هو من عند الله أم ليس من عند الله؟
هل الإسم هو عزرا أم إسدراس؟
اليهود والنصارى لا يعرفون ماهو الإسم الحقيقي للنبي إسدراس
فحسب ماجاء في التوراة السبعينية الإسم هو إسدراس
وحسب ماجاء في ترجمة الفولجاتا فالإسم هو إسدراس
وحسب ماجاء في الترجمة العبرية فالإسم هو عزرا
وحسب ماجاء في الترجمة الإنجليزية فنجده أحياناً عزرا وأحياناً إسدراس
http://my.execpc.com/~stephwig/ezra.html
وبما أن الأرثوذكس والكاثوليك العرب يؤمنون بصحة التوراة اليونانية فيكون الإسم هو إسدراس ......
ولكننا كمزيد من التحريف والغموض, لو فتحنا أي كتاب إنجيل عربي سنُفاجأ بتحريف الإسم إلى عزرا
متبعين في ذلك التوراة العبريةمع أن الأرثوذكس جميعاً لا يقبلون التوراة العبرية كحجة عليهم.
فهل هو إسدراس أم عزرا؟.....
أيهم نصدق؟
كتاب الله التوراتي حرف إسم عزرا إلى إسدراس
أو أنه حرف إسم إسدراس إلى عزرا ...
وهذا ما كان على النصارى أن يُجيبونا عليه بدلاً من التشدق والفذلكة بلا علم
فالآن نُوجه السؤال الأول إلى قساوستهم على وجه الخصوص :
هل إسمه عزرا أم إسدراس؟
وسأترك إجابة علمائكم لكم لتدارسوها
وإليكم الإجابة يا سادة :
فقد كشفت لنا المخطوطات التوراتية أن :
الإسم الحقيقي لعزرا هوإسدراس ......
ومعنى
إسدراس وأصل الكلمة إسدراس في علم دراسة أصل الكلمات هو: ( الله يساعد ) ......
ماذا؟!!!!......لنُعلي نبرة الصوت قليلاً.....
ما هو أصل كلمة إسدراس؟؟؟؟؟!!!!!!
أصلهالله يُساعد .....
]
إسدراس يا سادة مُترجم من الأصل : الله يُساعد ... وبالتالي فإن ترجمته إلى الإسم العبري عزرا ترجمة خاطئة تماماً
لماذا؟
لأن الإسم عزرا مشتق من الإسم العبريezer ... ويعني ( المساعد , والناصر )....
وهو ما لا يصح ولا ينطبق على حقيقة أصل الإسم اليوناني .....
http://www.biblebell.org/namezinfo.html
]
Ezra-
The name Ezra is derived from a Hebrew root word ezer. NOTE- since Ezra is transliterated from the Hebrew alphabet, it is equally acceptable to spell it "Ezrah."
Genesis 2.18 makes it clear that God created woman to be an ezer -- a helper and nurturer. With Hebrew words in <brackets> here is a quotation of God's decision to create woman...
***The LORD <YHWH> God <'elohiym> said <'amar>, It is not good <towb> that the man <'adam> should be <hayah> alone. I will make <`asah> a helper <`ezer> comparable to him. Genesis 2.18
فشتان ما بين (المساعد ) و (الله يُساعد) ......
إذاً فلم يكن هناك أمانة النقل أو حتى النظرة المقدسة ليتذكر بها المترجم أنه ينقل أو يُترجم من كتاب الله ....وكان أولى أن ينقل الإسم كما هو فالأسماء لا تُترجم ...
ولكن وبما أنه قد ترجم فكنا ننتظر منه أن تكون الترجمة صادقة ....
خاصة وان الأصول التي ترجم عنها قد واراها التراب....
ولكن وإذا به يخدع المليارات من اليهود والنصارى على مدى أكثر من ألفي عام بترجمتة الإسم ترجمة خاطئة إلى عزرا ...
فالآن نُوجه السؤال الثاني إلى باباوات النصارى على وجه الخصوص :هل مازلتم تتشدقون بأمانة من ترجموا لكم كتابكم؟
أم أنه إيمان عميان؟
يا أيها المسيحي الباحث عن الحقيقة .......هل لديك الشجاعة أن تثور على كل هؤلاء وتنتفض غيرة وتقول لهم أعيدو ترجمة الكتب؟؟؟ ...
تشجع في الحق يا مسيحي .... وأطلب منهم إعادة كتابة الحقيقة بدلاً من التزييف .... ربما يكون هذا شفيعاً لك عند مسيحك ....
فكم من الأسماء ضاعت وكم من الشخصيات بُدّلت وكم من المعاني حُرّفت(7/231)
ويكفيكم يا سادة هذا الرابط فقط من الموسوعة الكاثوليكية ليًُوضح لكم أن الإختلاف طال إسم أم إلهكم أيضاً, و لا يعنيني أنا أم إلهكم وتحريف إسمها ولكن يعني ويهتم به كل باحث عن الحقيقة سيقرأ ما أكتب وما تكتبون , و لنرى إلى أي مدى تحريف الأسماء في مقدساتكم جائز....حتى بالنسبة إلى من لا ينفع ولا يجوز معهم خطأ
http://www.newadvent.org/cathen/15464a.htm
================
فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12} )
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها في سورة الأنبياء لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى عليه السلام) نبيّ أيضاً فناسب ذكره في السورة وكذلك لأن سورة الأنبياء ورد فيها ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و(فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) سورة التحريم أو (والتي أحصنت فرجها) سورة الأنبياء. فنقول أن الأخصّ مريم ابنت عمران وقوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح.
إذن مريم ابنت عمران أخصّ من التي أحصنت فرجها فذكر الأخصّ مع الأخصّ (فنفخنا فيه) وجعل العام مع العام (ونفخنا فيها) . وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
عرفنا الآن لماذا هي أعم ويبقى أن نعرف لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو(صدّقت يكلمات ربها)؟
الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى عليه السلام أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل عليه السلام وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم عليه السلام يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن عن طريق جبريل عليه السلام
==============
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى
“وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ; (آية 125).(7/232)
روى البخاري وغيره عن عمر قال: وافقتُ ربي في ثلاث: قلتُ يا رسولَ اللهِ لو اتخذْتَ من مقام إبراهيم مُصلَّى فاقتبسها وأوردها في قرآنه!ى وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهنّ البَرُّ والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن فاقتبسها وأوردها في الأحزاب 33: 53. واجتمع على محمد نساؤه في الغيرة فقال عمر لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدّله أزواجاً خيراً منكنّ فاقتبسها وأوردها في التحريم 66: 5.(البخاري كتاب المناقب، باب مناقب عمر).
وفي رواية أنه لما مرّ عمر من مقام إبراهيم قال: يا رسول الله، أليس نقوم مقام خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتَّخذه مُصلّى؟ فلم نلبث إلا يسيراً حتى نزلت (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 125).
(1) لا يجوز أن يُؤخذ كلام الوحي من أقوال الناس أو من رأيهم، وإلا فيلزم أن يكون عمر رسولاً ونبياً، وهو ليس كذلك.
(2) اتَّبع محمد رأي عمر في مسألة نسائه، فأشار عليه أن يمنع الناس عن الدخول عليهن فسمع له، وقال إن الله أوحى إليه بذلك. كما اتَّبع رأي عمر في غيرة نسائه من بعضهن. وكان الواجب على محمد أن يقتصر على إتِّباع رأي عمر في أموره الخاصة، ولا يورد ذلك في القرآن، فإنه لا يترتّب على نصيحة عمر عبادةٌ ولا حكمٌ.
__________________
تعريف أسباب نزول القرآن :
لغة: الحبل. ثم استعمل لكل شيء يتوصل به إلى غيره.
شرعاً: ما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه. مثاله: زوال الشمس علامة لوجوب الصلاة، وطلوع الهلال علامة على وجوب صوم رمضان في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
ب-أسباب النزول:
1 - قسم نزل بدون سبب ، وهو أكثر القرآن.
2- قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب:
أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها:
عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [ الشعراء: 214]. خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟.." الحديث ، فقال أبو لهب تباً لك، إنما جمعتنا لهذا، ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].
ب-أن يُسال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم مثال ذلك: عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك وجهه بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85].
جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول.
1-الحكمة:
أ- معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.
2-الفوائد:
أ- الاستعانة على فهم الآية وتفسيرها وإزالة الإشكال عنها، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب.
قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
وقد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا...} [آل عمران: 188].
وقال: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبنَّ أجمعون، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأَرَوْه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه.
ب- أن لفظ الآية يكون عاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته.
جـ- دفع توهم الحصر، قال الإمام الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145]: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة - أي تصرفهم بقصد المخالفة - جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه.
د- معرفة اسم النازل فيه الآية، وتعيين المبهم فيه.
د-كيفية معرفة أسباب النزول:(7/233)
لما كان سبب النزول أمراً واقعاً نزلت بشأنه الآية، كان من البَدَهي ألا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد، لهذا قال الإمام الواحدي: ولا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها.
ومن هنا نفهم تشدد السلف في البحث عن أسباب النزول، حتى قال الإمام محمد بن سيرين: سألت عَبيدَةَ عن آية من القرآن، فقال: اتق الله وقل سداداً، ذهَب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.
وقد اتفق علماء الحديث على اعتبار قول الصحابي في سبب النزول لأن أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد فيكون قول الصحابي حكمه الرفع، أما ما يرويه التابعون من أسباب النزول، فهو مرفوع أيضاً، لكنه مرسل، لعدم ذكر الصحابي.
لكن ينبغي الحذر والتيقظ، فلا نخلط بأسباب النزول ما ليس منها، فقد يقع على لسانهم قولهم: نزلت هذا الآية في كذا ويكون المراد موضوع الآية، أو ما دلت عليه من الحكم.
هـ- صيغة السبب:
1-تكون نصحاً صريحاً في السببية إذا صرح الراوي بالسبب بأن يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يأتي الراوي بفاء التعقيب بعد ذكر الحادثة، بأن يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فنزلت الآية.
2-تكون محتملة للسببية إذا قال الراوي: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، أو ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا، مثال ذلك ما حدث للزبير والأنصاري ونزاعهما في سقي الماء، وتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذ فيهما حكم الله، فكأن الأنصاري لم يعجبه هذه الحكم، فنزل قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [ النساء: 65 ]. فقال الزبير ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك.
و- اختلاف روايات أسباب النزول.
لما كان سبيل الوصول إلى أسباب النزول هو الرواية والنقل، كان لا بد أن يعرض لها ما يعرض للرواية من صحة وضعف، واتصال وانقطاع، غير أنا هنا على ظاهره هامة يحتاج الدارس إليها وهي اختلاف روايات أسباب النزول وتعددها، وذلك لأسباب يمكن تلخيص مهماتها فيما يلي:
1-ضعف الرواة:
وضعف الراوي يسبب له الغلط في الرواية، فإذا خالفت روايته المقبولين، كانت روايته مردودة.
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [ البقرة: 115]. فقد ثبت أنها في صلاة التطوع للراكب المسافر على الدابة.
أخرج مسلم عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وأخرج الترمذي وضعّفه: أنها في صلاة من خفيت عليه القبلة فاجتهد فأخطأ القبلة، فإن صلاته صحيحة. فالمعوّل عليه هنا في سبب النزول الأول لصحته.
2- تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد:
وذلك بأن تقع عدة وقائع في أزمنة متقاربة، فتنزل الآية لأجلها كلها، وذلك واقع في مواضيع متعددة من القرآن، والعمدة في ذلك على صحة الروايات، فإذا صحت الروايات بعدة أسباب ولم يكن ثمة ما يدل على تباعدها كان ذلك دليلاً على أن الكل سبب لنزول الآية والآيات.
مثال ذلك: آيات اللعان: فقد أخرج البخاري: أنها نزلت في هلال بن أمية لما قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ..} [النور: 6].
وفي الصحيحين : أنها نزلت في عويمر العجلاني وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً…فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك القرآن".
وظاهر الحديثين الاختلاف، وكلاهما صحيح.
فأجاب الإمام النووي: بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيىء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً.
3- أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب:
قال الإمام الزركشي: وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه خوف نسيانه … ولذلك أمثلة، منها:
ما ثبت في الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه الآية في سورة " سبحان " - أي الإسراء وهي مكية بالاتفاق ، فإن المشركين لما سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف قبل ذلك بمكة، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما سبق بيانه.
ولا يقال: كيف يتعدد النزول بالآية الواحدة، وهو تحصيل حاصل؟
فالجواب: أن لذلك فائدة جليلة ، والحكمة من هذا - كما قال الزركشي - أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية ، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فتؤدي تلك الآية بعينها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً لهم بها ، وبأنها تتضمن هذه .
ز- تعدد النزول مع وحدة السبب(7/234)
1-قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد ومن ذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [ آل عمران:195 ].
2-عن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، فأنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35].
3-عن أم سلمة أنها قالت: تغزوا الرجال ولا تغزوا النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [ النساء: 32 ] .
حـ- تقدم نزول الآية على الحكم
1- المثال الأول: قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] استدل بها على زكاة الفطر، والآية مكية، وزكاة الفطر في رمضان، ولم يكن في مكة عيد ولا زكاة.
2-المثال الثاني: قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1-2] السورة مكية، وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: " أحلت لي ساعة من نهار ".
3- المثال الثالث: قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [ القمر: 45] قال عمر ابن الخطاب: كنت لا أدري أي الجمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.
ط- تعدد ما نزل في شخص واحد.
1- موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [ البقرة: 125].
وقلت يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فنزلت كذلك.
2- نزلت آيات في سعد بن أبي وقاص: قال: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15].
الآية الثانية: يقول سعد: أخذت سيفاً فأعجبني، فقلت: يا رسول الله هب لي هذا، فنزلت سورة الأنفال.
ي- أمثلة عن أسباب النزول.
1- قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ} [البقرة: 142] نزلت في تحويل القبلة.
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فقال السفهاء من الناس-وهم اليهود- {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142].
2- قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء : 11].
عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش عليَّ منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم}.
3- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
4-قوله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].
عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت، قال: فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً ودعاه، فتلا عليه هذه الآية، فقال الرجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: " لا، بل للناس كافة ".
5- قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [ الإسراء: 110].(7/235)
عن عباس قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتكم فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا يسمعون {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا}.
6- قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [ النور: 33 ].
عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جاريه يقال لها: مسيكة، فكان يكرهها على البغاء، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}.
7- قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [ العنكبوت: 8 ] عن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية فيّ، قال: حلفت أم سعد لا تكمله أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها الجهد، فأنزل الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.
8- قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].
عن أبن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا...}.
وبهذا يتضح أن الأمر لم يقتصر على عمر بن الخطاب منفرداً
==================
شبهة الرسم القرآني
وردت كلمة (ابراهيم) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (ابراهم) فما دلالة ذلك؟
ابراهيم في القرآن الكريم وردت منقوطة بالياء في كل القرآن إلا في سورة البقرة وهذا من خط المصحف لأن كتبة المصحف كانوا كُثُر ولا يُقاس على خط المصحف. قاعدة: خط المصحف لا يقاس عليه. وعلينا أن نعلم أنه حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن الرسول ; فبدأت الكتابة العربية تستقر وتأخذ أشكالاً أخرى ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة مثال كلمة لكيلا يمكن كتابتها موصولة ويمكن كتابتها لكي لا، كذلك كلمة إذن تكتب بالنون أو بالتنوين (إذاً) وكلمة مئة ومائة وغيرها وكلا الكتابات جائز عند العرب. والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة والرسم الذي كتبوا به هو كتابتهم في أزمانهم فمرّة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم وأحياناً يكون الرسم لاختلاف القراءات فيوضع الرسم الذي يجمع القرآءات المتواترة كما في سورة الفاتحة تكتب (ملك يوم الدين) بدون ألف لأنه ورد قراءة متواترة (ملك يوم الدين ) وقراءة متواترة أخرى (مالك يوم الدين) وشروط القرآءة الصحيحة أن تكون موافقة لرسم المصحف. وكلمة ابراهم في سورة البقرة ورد فيها قرائتين متواترين أحداهما ابراهم بدون ياء والثانية ابراهيم بالياء فكتبت بالشكل الذي يحتمل القرآءتين.
ياأخي طالما أنت تشكك في القرآن ... فلماذا لا تنصح المواقع المسيحية !!!!! انظر الاقتباس
اقتباس:
نقلاً عن موقع الرب محبة المسيحي :
[9] كذب إبراهم على أبيمالك حينما أخبره أن سارة أخته
نعتذر عن عدم احتساب درجة هذا السؤال و استبعاده اذ وجدنا انه يحتمل الاجابتين :
خطأ- اذ سارة فعلا أخت ابراهيم من أبيه و لا يمكن انكار ذلك
صح _ اذ كان بالاولى ان يذكر ابراهيم قرابتها له كزوجة ,كذلك قال انه خاف ان يقتلوه لأجل امراته فتعمد اخفاء ذلك.
==============
الكلمة تقرأ في رواية حفص عن عاصم (الأيكة)
بهمزة وصل ثم لام ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم ياء لينة ... إلخ
وهذا من جميع طرق رواية حفص عن عاصم من طيبة النشر
وكل من القراء التالون يقرؤون كلمة الأيكة الواردة في سورة الشعراء وسورة ص كحفص
أبو عمرو البصري وعاصم الكوفي والكسائي ويعقوب وخلف العاشر وحمزة من رواية خلاد
أما القراء التالية أسماؤهم فيقرؤونها بـ (ليكة) بفتح اللام ثم سكون الياء وهم:
نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر
أما حمزة فيقرأها بإثبات الهمزة مفتوحة بعد اللام الساكنة التي يسكت عليها
أكتفي بهذا لأكشف للجميع انك تأتي بشبهات تدل على جهلك باللغة العربية ... والأعجب ان المواقع المسيحية تتبع نفس الأسلوب .
فإن كان القرآن مُخطئ وتنقضه فلماذا تتبع المواقع المسيحية اسلوبه .
هداك الله.
فكان الهروب هو الوسيلة الوحيدة له.
ثم خرج علينا جاهل مسيحي آخر يقول :
اقتباس:
بالمناسبة أنا لا أريد تغيير الموضوع لكن حتى لو كانت لغتي العربية ضعيفة فأنا على الأقل أكتب كلمة (نعمة) بشكلها الصحيح أي بالتاء المربوطة لكنها في قرآنك (العربي المبين) تكتب مرة بالتاء المربوطة و مرة بالتاء المفتوحة هكذا (نعمت) ففي سورة المائدة آية رقم11 كتبت كلمة نعمة بالتاء المفتوحة (نعمت)(7/236)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
و في نفس السورة الأية رقم 20 نجدها يالتاء المربوطة (نعمة)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ .
وقال :
اقتباس:
ومن أين جاءت وما هي قاعدتها النحوية ننتظر الإجابة من عباقرة الإسلام من النحويين...
فكان ردي عليه :
الضابط لتاء التأنيث في القرآن فقد تأتي مفتوحة أو مربوطة
فالقاعدة هي : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض.
وقد كُتب القرآن كما كتبه الصحابة وقد نجد في القرآن كلمة نعمت ونعمة و رحمت ورحمة وأحياناً نجد في بعض القرآءات نعمات . ولا يُعلل خط المصحف.
ولكن جهله لم يتوقف عند هذا الحد ... بل قال :
اقتباس:
كلمة (أُخَرْ) هي مُشتَقّة من كلمة (أخرى) ولكن القرآن الكريم كتبها بإسلوب غريب فجاءت القاعدة لتؤكد أنّ كلمة (أُخَرْ) هي استثنائية كُتِبَت في القرآن فقط ولا قاعدة فيها باللغة العربية...
وبإمكانكَ سؤال جهابذة اللغة العربية في الكون كلّه.............
فكان ردي عليه :-
بصراحة وخدها مني نصيحة ... خذ بعضك على أقرب فصل من فصول محو الأمية للتعلم هناك اللغة العربية على أصولها وبلاش تُجادِل فيما تجهله لكي لا تكون مضحكه بين المسلمين والمسيحيين .
سورة البقرة آية 184 : أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
(أُخَرْ) هي جمع لكلمة ( أخرى ) يامسكين .... فكيف ننسب المفرد ( أخرى ) للجمع ( أيام )
فوراً عليك وعلى محو الأمية ولا تتردد .
==============
اختلاف مصاحف الصحابة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
تعرضت لموقف أصابني بالحيرة و الدهشة معاً، فأنا أعرف شخصاً إنجليزياً أعطاني ورقة مطبوعة من موقع على الإنترنت، و فيها شبهات كثيرة على الإسلام، فالورقة عبارة عن ترجمة لمجموعة من الأحاديث في البخاري و مسلم بأرقامها،مترجمة باللغة الإنجليزية، و يقوم الموقع بشرحها بطريقة توحي لمن يقرؤها أن القرآن الكريم قد تم تحريفه، وأنه كان هناك مصاحف خاصة لبعض الصحابة الكرام - رضي الله عنهم- ، بالتحديد
عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- ، تختلف عن مصحف عثمان بن عفان – رضي الله عنه- ، والذي اتفق عليه المسلمون أجمعون، والذي هو موجود بأيدينا الآن، فمثلا: هناك حديث في البخاري مكتوب في الورقة بأنه في المجلد السادس، حديث رقم
468)، عن أن قوماً من الصحابة – رضي الله عنهم- ذهبوا لأبي الدرداء- رضي الله عنه- ، فسألهم عمن يستطيع قراءة سورة الليل كما كان يقرؤها عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-؟ فأشاروا إلى علقمة، الذي قرأ "والذكر والأنثى" بدلا من "وما خلق الذكر والأنثى"، وقال إنه لن يتبع من يقرأها بغير هذا، وأيضا حديث آخر في البخاري، مكتوب بأنه حديث رقم (60)، صفحة (46)، في المجلد السادس، عن
ابن الزبير – رضي الله عنهما- أنه قال لسيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه- عن أن هناك آية في سورة البقرة قد تم تغييرها بآية أخرى، أعتقد أنهم يقصدون آية عن الذين يتوفون و يتركون زوجاتهم،- عذراً فأنا لا أحفظ الآية - فإجابه عثمان – رضي الله عنه- بأن يترك الآية مكانها، فهو لن يغير أي شيء عن مكانه، والعديد من الأقوال الأخرى عن أشياء من هذا القبيل، وعن وجود اختلاف بين المسلمين وقت جمع القرآن، أرجو من سيادتكم التكرم بالرد علي، حيث إنني قد فوجئت وقتها ولم أستطع أن أرد على هذا الشخص، وأنا لا أريد أن يكون في قلبي أي شبهة على ديني، و لا أريد أن يوسوس لي الشيطان بأشياء تبعدني عن الله، أفيدوني بإجابة سريعة بالله عليكم عن كل نقطة ذكرتها في سؤالي، و معذرة للإطالة.
و جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد: أخي في الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم – وفقك الله وحفظك- أن القرآن الكريم كتاب الله المقدَّس، ودستوره المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وقد وصلنا كاملاً غير منقوص، لم يخرم منه حرف واحد، كيف وقد قال الله: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر:9]، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن المنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم- بتمامه وكماله، من غير زيادة ولا نقصان.(7/237)
وقد كان لبعض الصحابة – رضي الله عنهم- مصاحف خاصة بهم، كتبوها لأنفسهم بقصد الحفظ والمذاكرة، ورتبوها باجتهادهم الخاص أحياناً وليس في ذلك مانع شرعي؛ لأن القرآن في مصاحفهم جميعاً، وهو لم يتغير، أو يتبدل، وإن اختلف الترتيب.
أرأيت لو أن إنساناً اليوم أراد حفظ سورة البقرة، وسورة النساء فكتبها أو صورها، وجمعها في ملزمة واحدة، فهل يقول أحد بالتحريم؟!.
أو هل يزعم أحد بوجود تناقض بين ما صفه هذا الإنسان من الجمع والترتيب مع المصحف العثماني المعروف؟!
الجواب: كلا فليس ثمة حرمة أو تناقص ، ثم اعلم أن عثمان – رضي الله عنه- حين جمع القرآن أقره كل الصحابة – رضي الله عنهم- على فعله، وأجمعوا عليه بما فيهم ابن مسعود، وأبو الدرداء- رضي الله عن الجميع.
وأما ما نقل عن ابن مسعود وأبي الدرداء –رضي الله عنهما- من قراءة "الذكر والأنثى" فالإسناد إليها من أصح الأسانيد، والرواية أخرجها الشيخان كلاهما وليس البخاري فقط. ففي البخاري (6278) ومسلم (824) بيد أنها قراءة منسوخة لإمكانية النسخ شرعاً وعقلاً، قال الله: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير أو مثلها..." [البقرة:106]، ولعل النسخ لم يبلغ هذين الصحابيين الجليلين – رضي الله عنهما-.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله-: ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه –رضي الله عنهم-، والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود – رضي الله عنه- وإليها تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت، ا.هـ الفتح (8/707).
وأما الآية الأخرى التي سألت عنها فهي قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج..." [البقرة:240]. وهي آية منسوخة حكماً باقية تلاوة؛ لأن النسخ أنواع منها:
(1) أن ينسخ اللفظ والحكم.
(2) أن ينسخ اللفظ ويبقى الحكم.
(3) أن ينسخ الحكم ويبقى اللفظ مثل عدة المتوفى زوجها في الآية السابقة، فقد كانت العدة حولاً كاملاً، فنسخت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، كما في قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً .." الآية وكلتاهما في البقرة [الآية:234].
وبهذه المناسبة أنصح الأخ السائل وغيره ألا يرتادوا تلك المواقع المشبوهة في شبكة الإنترنت، أو غيرها مما سخره أعداء الدين لإلقاء الشبهة وتشكيك الشباب وغيرهم في دينهم، واقتناص الفرص لبلبلة الأذهان وترويج الشائعات المغرضة، والآراء المسمومة.
وليس للعامة من أبناء الأمة إقحام أنفسهم في أتون تلك المواقع، أو قراءة ما يكتبه الملاحدة والكفرة والمنافقون بقصد التشكيك والإفساد حفاظاً على دينهم ورعاية لعقائدهم. والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا، ويكبت عدونا إنه سميع قريب. وفقك الله وأعانك والسلام عليكم.
===============
لماذا أنزل القرآن الكريم باللغة العربيَّة ولم ينزل بلغة أخرى؟ وما الحكمة من ذلك؟
اقتضت مشيئة الله تعالى أن ينزل القرآن بالعربيَّة كما اقتضت مشيئته أن ينزل الكتب السابقة بلغات أخرى ، والله يفعل ما يشاء ويختار ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
والنصوص دلت على هذا القول كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم)
والحكمة من ذلك بإيجاز:
1- أن النبي الذي نزل عليه القرآن عربي اللغة، فمن العبث أن ينزل عليه كتاب بغير لغته.
2- أن القوم الذين بعث فيهم النبي ليكونوا حملة الرسالة ومبلغي الدعوة لغتهم العربية، ولو نزل بغير لغتهم لكان ذلك أعظم حجة لهم يدفعون بها دعوة النبي إياهم إلى الإيمان بأنهم لا يعرفون لغة هذا القرآن، ولا يفهمون مراميه، فكيف يؤمنون به ويصدقونه؟
3- أن العربية أوسع اللغات استيعابًا لوجوه الإعجاز، وقد أريد لهذا القرآن المنزل أن يبقي المعجزة الأبدية الناطقة بصدق هذا الدين وبصدق رسوله، والله أعلم
=================
أَمْ حسِبْتَ أن أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً،
أصحاب الكهف:(7/238)
أَمْ حسِبْتَ أن أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً، إذْ أوى الفتيةُ إلى الكهف، فقالوا: ربنا آتِنا من لدُنك رحمة وهيِّىء لنا من أمرنا رشَداً. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً، ثم بعثناهم لنعلم أيَّ الحزبين أَحْصَى لِما لبثوا أمداً. نحن نقصُّ عليك نبأَهم بالحقِّ، إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزِدْناهم هُدى... وتحسَبهم أَيْقاظاً وهم رقودٌ ونُقلِّبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبُهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد .. وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم. قال قائل منهم: كم لبِثتُم؟ قالوا: لبِثنا يوماً أو بعض يوم. قالوا: ربُّكم أَعْلمُ بما لبِثتم، فابعثوا أحدَكم بورقِكم هذه إلى المدينة فلينظر أيُّها أزكى طعاماً فليأْتِكم برزقٍ منه ... سيقولون ثلاثةٌ رابعُهم كلبهم، ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم، رَجْماً بالغيب. ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم... ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً (آيات 9 - 25).
اقتباس:
شرح المفسرون هذه القصة شرحاً مطوّلاً ملخّصه أن أهل الإنجيل عظمت فيهم الخطايا، وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام، وفيهم بقايا على دين المسيح. وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم دقيانوس ملك الروم عبد الأصنام، وقتل كل من رفض عبادتها. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها فسوس اضطهد المسيحيين وقطّعهم إرباً إرباً، فلما عظمت الفتنة. ورأى الفتية ذلك فحزنوا وصلّوا وصاموا. فلما طلب منهم الملك أن يعبدوا آلهته قال أكبرهم: إن لنا إلهاً عظمته ملء السموات والأرض. لن ندعو من دونه إلهاً أبداً. وأما الطواغيت فلن نعبدها أبداً . فنزع ثيابهم وأعطاهم مهلة. ثم سافر دقيانوس إلى مدينة أخرى، فهرب الفتية إلى كهف قريب من المدينة، وتبعهم كلب. وقال ابن عباس: هربوا من دقيانوس وكانوا سبعة، فمرّوا براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم، وتبعهم الكلب. وكانوا يرسلون أحدهم إلى المدينة ليشتروا لهم الطعام. ولما رجع دقيانوس واستفهم عنهم أمر أن يُسدَّ الكهفُ عليهم ليموتوا جوعاً وعطشاً، ويكون كهفهم قبراً لهم. وقد توفى الله روحهم وفاة نوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم. ووضع أحد الناس كوم رصاص على كهفهم يشرح قصتهم. وناموا ثلثمائة سنة وسعاً، كما قال القرآن. فمات دقيانوس وتولى ملكٌ بعد آخر. وكان من الملوك الصالحين بيدروس، فجعل يدعو الناس إلى الحق، فانقسموا إلى قسمين: أهل الباطل وأهل الحق، فكثر أصحاب الباطل، فأراد الله أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف آيةً، فاتفق أن راعياً فتح باب الكهف، فأيقظ الله الفتية، فخرج أحدهم يشتري لهم طعاماً بالنقود التي كانت عندهم. ولما أبرز النقود استغربها الناس وظنوا أنه وجد كنزاً، فأمسكوه ثم اطّلعوا على حقيقة الأمر، وأن الله جعلهم آيةً لتأييد أنصار الحق ولخذلان أنصار الباطل. قال ابن عباس: اسم كلبهم قطمير، وليس في الجنة دواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعم (الرازي، ابن كثير، الطبري في تفسير الكهف 18: 9 22).
ونقول: (1) حقيقة هذه الحادثة أنه لما تولّى دقلديانوس حكم روما اضطهد المسيحيين وأذاقهم العذاب، ولا سيما الذين كانوا في الإسكندرية. فارتدّ كثير منهم. غير أن الأمناء احتملوا النار ولا العار، وهرب كثير إلى الجبال والكهوف وماتوا جوعاً. ومن الذين التجأوا إلى الكهوف شاب اسمه أنبا بولا، أول عابد متوحِّد، فعاش في كهف 90 سنة، وكان النخل يظلل مغارته، وكان يشرب من ينبوع ماء قريب منها.
(2) هناك قصة تشبه قصة القرآن وردت في كتاب بعنوان قصة السبعة النيام وهي من خرافات اليونان القديمة.
(3) واضح من هذا أن القرآن يتبع المشهور من الروايات. ومن العرض السابق لقصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن ندرك أنه لا يسجل الحقيقة التاريخية، بل يتبع في رواياته المشهور في بيئته. فلم يقطع القرآن بعدد الفتية الذين لبثوا في الكهف، ولا الفترة الزمنية التي مكثوها فيه، لا لشيء إلا لأن ذلك لم يكن مقطوعاً به في البيئة العربية حينذاك، بل كانت الروايات مختلفة متضاربة غير جازمة. قال الإمام النيسابوري في سبب نزول هذه الآيات إن قريشاً أرسلت من يأتيهم بخبر محمد من أهل الكتاب في المدينة: هل محمدٌ نبي أم مُدَّعي نبوّة؟ فلما أتى مندوب قريش المدينة وقابل يهودها، قالوا: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإن حديثهم عجب. وسَلوه عن رجلٍ طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان خبره؟ وسَلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي، وإلا فهو متقوِّل. وعندما سُئل محمد هذه الأسئلة ردّ بما كان معلوماً عنده من إجابات غير مقطوعة ولا جازمة، فلم يكن متوقَّعاً من محمد أن يفوق علمه علم أساتذته. ولذلك وقفت إجابات القرآن عند حد قالوا ربُّكم أعلمُ بما لبثتُم قُلْ ربّي أعلمُ بِعِدَّتهم . (آيتا 19 ، 22)(7/239)
(4) عندما انقطع الوحي عن محمد قال له جبريل إنه لا يدخل بيتاً فيه كلب. (راجع التعليق على المائدة 4). فإن صدق هذا فكيف تمَّ تقليب أهل الكهف وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؟
اقتباس:
(1)
حقيقة هذه الحادثة أنه لما تولّى دقلديانوس حكم روما اضطهد المسيحيين وأذاقهم العذاب، ولا سيما الذين كانوا في الإسكندرية. فارتدّ كثير منهم. غير أن الأمناء احتملوا النار ولا العار، وهرب كثير إلى الجبال والكهوف وماتوا جوعاً. ومن الذين التجأوا إلى الكهوف شاب اسمه أنبا بولا، أول عابد متوحِّد، فعاش في كهف 90 سنة، وكان النخل يظلل مغارته، وكان يشرب من ينبوع ماء قريب منها.
اقتباس:
(2)
هناك قصة تشبه قصة القرآن وردت في كتاب بعنوان قصة السبعة النيام وهي من خرافات اليونان القديمة.
هذا بالطبع كلام كذب ....
فقد ذكر البعض أنهم كانوا على دين المسيح عيسى بن مريم، فالله أعلم، والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية، فإنهم لو كانوا على دين النصرانية، لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم ؛ لمباينتهم لهم ، وقد جاء عن ابن عباس: أن قريشاً بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء، وعن خبر ذي القرنين، وعن الروح، فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب، وأنه متقدم على دين النصرانية، والله أعلم.
واحب ان أوضح أن ما يدعيه النصارى بأنها قصة خرافية مأخوذه من أساطير الأولين ... فأرد على ذلك بقول :
قلتم ما قلتم على جميع الأنبياء بالقتلة والزناه والفجرة وجعلتم السيد المسيح من أصل زنا وأتهمتم برنابا بالكفر وادعيتم ان انجيله محرف وتدعوا ان العهد القديم الذي بين أيديكم هو الحق والذي بين أيدي اليهود هو الباطل ، وادعيتم على البروتستانت بالكفر ... فما تدعوه على أي شيء أخر أمر طبيعي
والرسول عليه الصلاة والسلام جاء في القرن السابع الميلادي ... فبأي لغة كتبت هذه القصة التي تدعوا أنها من أساطير الأولين ومتى تم ترجمتها للعربية ... والرسول كان أمي لا يعرف القراءة والكتابة
ولا حول ولا قوة إلا بالله
اقتباس:
(3)
واضح من هذا أن القرآن يتبع المشهور من الروايات. ومن العرض السابق لقصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن ندرك أنه لا يسجل الحقيقة التاريخية، بل يتبع في رواياته المشهور في بيئته. فلم يقطع القرآن بعدد الفتية الذين لبثوا في الكهف، ولا الفترة الزمنية التي مكثوها فيه، لا لشيء إلا لأن ذلك لم يكن مقطوعاً به في البيئة العربية حينذاك، بل كانت الروايات مختلفة متضاربة غير جازمة. قال الإمام النيسابوري في سبب نزول هذه الآيات إن قريشاً أرسلت من يأتيهم بخبر محمد من أهل الكتاب في المدينة: هل محمدٌ نبي أم مُدَّعي نبوّة؟ فلما أتى مندوب قريش المدينة وقابل يهودها، قالوا: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإن حديثهم عجب. وسَلوه عن رجلٍ طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان خبره؟ وسَلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي، وإلا فهو متقوِّل. وعندما سُئل محمد هذه الأسئلة ردّ بما كان معلوماً عنده من إجابات غير مقطوعة ولا جازمة، فلم يكن متوقَّعاً من محمد أن يفوق علمه علم أساتذته. ولذلك وقفت إجابات القرآن عند حد قالوا ربُّكم أعلمُ بما لبثتُم قُلْ ربّي أعلمُ بِعِدَّتهم . (آيتا 19 ، 22)
هذا كذب وافتراء ... فهذا يؤكد ان المسيحية مبنية على الكذب
فقد رد رسول الله على الأسئلة الثلاثة والدليل على ذلك :(7/240)
فقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة، فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإلا، فرجل متقول، فتروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نَبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فهو نبي، فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخبركم غداً عما سألتم عنه " ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها، لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله عز وجل:
{ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
[الإسراء: 85] الآية.
وعن أهل الكهف جاءت القصة كما ذكرها مُدعي الشبهة من الآية 9 إلى الآية 29 .. أي 20 آية مُفصلة
وجاءت قصة ذي القرنين بأخر سورة الكهف
فمن أين آتوا بأن الرسول لم يعلم ولم يرد على ما طًرح عليه .
وقوله الكاذب:
اقتباس:
ولذلك وقفت إجابات القرآن عند حد قالوا ربُّكم أعلمُ بما لبثتُم قُلْ ربّي أعلمُ بِعِدَّتهم . (آيتا 19 ، 22)
فلم يبين لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه، ولا نبحث في أمر لا طائل منه، ولا فائدة من ورائه، فالمهم أن يثبت أصل القصة وهو: الفتية الأشداء في دينهم والذين فروا به وضحوا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل، وجعلهم آية وعبرة ومثلاً وقدوة.
أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تقدم ولا تؤخر؛ لذلك قال تعالى بعدها:
{فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً .. "22"}
(سورة الكهف)
أي: لا تجادل في أمرهم.
ثم يأتي فضول الناس ليسألوا عن زمن القصة ومكانها، وعن أشخاصها وعددهم وأسمائهم، حتى كلبهم تكلموا في اسمه. وهذه كلها أمور ثانوية العلم بها لا تنفع وجهلها لا يضر، ويجب هنا أن نعلم أن القصص القرآني حين يبهم أبطاله يبهمهم لحكمة، فلو تأملت إبهام الأشخاص في قصة أهل الكهف لوجدته عين البيان لأصل القصة؛ لأن القرآن لو أخبرنا مثلاً عن مكان هؤلاء الفتية لقال البعض: إن هذا الحدث من الفتية خاص بهذا المكان؛ لأنه كان فيه قدر من حرية الرأي.
ولو حدد زمانهم لقال البعض: لقد حدث ما حدث منهم؛ لأن زمانهم كان من الممكن أن يتأتى فيه مثل هذا العمل، ولو حدد الأشخاص وعينهم لقالوا: هؤلاء أشخاص لا يتكررون مرة أخرى.
لذلك أبهمهم الله لتتحقق الفائدة المرجوة من القصة، أبهمهم زماناً، أبهمهم مكاناً، وأبهمهم عدداً، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص، فحمل راية الحق، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عين البيان للقصة، وهذا هو المغزى من هذه القصة.
فالامر لم يقتصر على أصحاب الكهف فقط
فانظر إلى قوله تبارك وتعالى:
{قال رجل مؤمن من آل فرعون .. "28"} (سورة غافر)
هكذا (رجل مؤمن) دون أن يذكر عنه شيئاً، فالمهم أن الرجولة في الإيمان، أياً كان هذا المؤمن في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي اسم، وبأي صفة. كذلك في قوله تعالى:
{وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوطٍ .. "10"}
(سورة التحريم)
ولم يذكر عنهما شيئاً، ولم يشخصهما؛ لأن التشخيص هنا لا يفيد، فالمهم والمراد من الآية بيان أن الهداية بيد الله وحده، وأن النبي المرسل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه، وأن للمرأة حرية عقيدة مطلقة. وكذلك في قوله:(7/241)
{وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون .. "11"} (سورة التحريم)
ولم يذكر لنا من هي، ولم يشخصها؛ لأن تعينها لا يقدم ولا يؤخر، المهم أن نعلم أن فرعون الذي ادعى الألوهية وبكل جبروته وسلطانه لم يستطع أن يحمل امرأته على الإيمان به.
إذن: العقيدة والإيمان أمر شخصي قلبي، لا يجبر عليه الإنسان، وهاهي امرأة فرعون تؤمن بالله وتقول:
{رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين "11"}
(سورة التحريم)
أما في قصة مريم ، فيقول تعالى: {ومريم أبنت عمران .. "12"} (سورة التحريم)
فشخصها باسمها، بل واسم أبيها، لماذا؟ قالوا: لأن الحدث الذي ستتعرض له حدث فريد وشيء خاص بها لن يتكرر في غيرها؛ لذلك عينها الله وعرفها، أما الأمر العام الذي يتكرر، فمن الحكمة أن يظل مبهماً غير مرتبط بشخص أو زمان أو مكان، كما في قصة أهل الكهف، فقد أبهمها الحق سبحانه لتكون مثالاً وقدوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان.
اقتباس:
(4)
عندما انقطع الوحي عن محمد قال له جبريل إنه لا يدخل بيتاً فيه كلب. (راجع التعليق على المائدة 4). فإن صدق هذا فكيف تمَّ تقليب أهل الكهف وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؟
انقطع الوحي عن رسول الله لقوله :"أخبركم بما سألتم عنه غداً"
فجاء غد وبعد غد ومرت خمسة عشر يوماً دون أن يوحي لرسول الله شيء من أمر هذه الأسئلة، فشق ذلك على رسول الله وكبر في نفسه أن يعطي وعداً ولا ينجزه.
وقالوا: إن سبب إبطاء الوحي على رسول الله في هذه المسألة أنه قال: "أخبركم بما سألتم عنه غداً" ولم يقل: إن شاء الله ؛ ولذلك خاطبه ربه تبارك وتعالى بقوله:
{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" إلا أن يشاء الله .. "24" }
(سورة الكهف)
وهذه الآية في حد ذاتها دليل على صدق رسول الله، وعلى أدبه، وعلى أمانته في البلاغ عن ربه عز وجل، وقد أراد الحق سبحانه أن يكون هذا الدرس في ذات الرسول ليكون نموذجاً لغيره، وحتى لا يستنكف أحد إذا استدرك عليه شيء، فهاهو محمد رسول الله يستدرك عليه ربه ويعدل له.
فكأن قوله تعالى:
{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" إلا أن يشاء الله .. "24" } (سورة الكهف)
تربية للأمة في شخصية رسولها حتى لا يستنكف المربى من توجيه المربي، مادام الهدف هو الوصول إلى الحقيقة، فإياكم أن ترفضوا استدراك رأي على رأي حتى وإن كان من الخلق، فما بالك إن كان الاستدراك من الخالق سبحانه، والتعديل والتربية من ناحيته؟
ويؤكد ذلك نزول القرآن منجماً ليرد على الإفتراءات الموجه ضد الرسول
http://www.ebnmaryam.com/vb/showthre...ed=1#post33634
ولنا هنا وقفة مع أمانته صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله، وأنه لم يكتم من الوحي شيئاً حتى ما جاء في عتابه والاستدراك عليه، فكأنه أمين حتى على نفسه، فالرسول هو الذي بلغنا:
{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" } (سورة الكهف)
وهو الذي بلغنا:
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك .. "1" } (سورة التحريم)
وهو الذي بلغنا في شأن غزوة بدر:
{عفا الله عنك لم أذنت لهم .. "43" } (سورة التوبة)
وغيرها كثير من آيات القرآن؛ لذلك مدحه ربه تعالى بقوله:
{وما هو إلى الغيب بضنينٍ "24" } (سورة التكوير)
حتى في مجال التهديد والوعيد لم يكتم رسول الله من الوحي حرفاً واحداً، انظر إلى قوله تعالى:
{ولو تقول علينا بعض الأقاويل "44" لأخذنا منه باليمين "45" ثم لقطعنا منه الوتين "46" } (سورة الحاقة)
إنها الأمانة المطلقة والصدق الذي لا يخفي شيئاً.
ألم يكن جديراً بالقوم أن يفقهوا هذه الناحية من رسول الله، ويتفكروا في صدقه صلى الله عليه وسلم حين يخبرهم عن نفسه أشياء لم يعرفوها، وكان من المنتظر أن يخفيها عنهم؟ أليس في ذلك دليلاً قاطعاً على صدقه فيما يقول؟
والحق تبارك وتعالى حينما يعلمنا أن نقول: إن شاء الله إذا أقدمنا على عمل في المستقبل
اقتباس:
جبريل إنه لا يدخل بيتاً فيه كلب. (راجع التعليق على المائدة 4). فإن صدق هذا فكيف تمَّ تقليب أهل الكهف وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؟
ومن قال أن سيدنا جبريل عليه السلام هو الموكل بذلك ؟!!!!
عموماً
{ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } حكاية حال ماضية؛ لأنّ اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي، وإضافته إذا أضيف حقيقية معرفة، كغلام زيد، إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية.
والوصيد: فناء الباب..... الزمخشري
وأنشد:
بِأَرْضٍ فَضَاء لاَ يُسَدُّ وَصِيدُهَا ***** عَلَىَّ وَمَعْرُوفِي بِهَا غَيْرُ مُنْكَرِ
================
موسى والخضر(7/242)
وإذْ قال موسى لفتاهُ لا أبرحُ حتى أبلُغَ مَجْمعَ البَحْرَيْن، أو أمضِي حُقُباً (أي دهراً طويلاً). فلما بلغا مجمع بينِهَما نسيَا حوتَهما، فاتخذ سبيلَه في البحر سَرَباً (أي مسلكاً). فلما جاوزا قال لفتاه: آتِنا غداءنا. لقد لَقِينا من سفرنا هذا نَصَباً. قال: أرأيت إذْ أوينا إلى الصخرةِ فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطانُ أن أذكره، واتَّخذ سبيله في البحر عَجَباً. قال: ذلك ما كنا نبغِ. فارتدّا على آثارهما قصَصاً (أي رجعا يتبعان الذي جاءا منه). فوجداعبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدُنّا علماً (هو الخضر). قال له موسى: هل أَتَّبعك على أن تعلّمنِ مما عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تُحِط به خُبْراً. قال: ستجدني إن شاء اللهُ صابراً ولا أعصِي لك أمراً. قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتى أُحدِثَ لك منه ذِكراً. فانطلقا حتى إذا ركِبا في السفينة خَرَقَها. قال: أَخَرَقْتَها لتُغرِق أهلها؟ لقد جئتَ شيئاً إمْراً. قال: ألم أقُل إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: لا تؤاخذني بما نسيتُ ولا ترهقني من أمري عُسْراً. فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله. قال: أَقتلتَ نفساً زكيَّة بغير نفسٍ؟ لقد جئتَ شيئاً نُكراً. قال: ألم أقُل لك إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تُصاحبني، قد بلغتَ من لدُني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأَبَوْا أن يُضَيِّفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه. قال: لو شئتَ لاتَّخذت عليه أجْراً. قال: هذا فِراقٌ بيني وبينِك. سأُنبِّئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأردتُ أن أَعيبها، وكان وراءهم مَلِكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غَصْباً. وأما الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن، فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فأردنا أن يُبْدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْماً. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنزٌ لهما، وكان أبوهما صالحاً، فأراد ربُّك أن يبلغا أشُدَّهما ويستخرجا كنزَهما رحمةً مِن ربّك وما فعلتُه عن أمري. ذلك تأويل ما لم تسطِعْ عليه صبراً (آيات 60 82).
وهذا يعني:
(1) أن الخضر خرق السفينة حتى لا يأخذها الملك نهباً.
(2) إنه رأى غلاماً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين لئلا يضل والديه.
(3) كان الجدار لرجل صالح له ولدان، وكان تحت الجدار كنز فأخفاه إلى أن يبلغ هذان الولدان، فإن الله يحفظ أبناء العبد الصالح.
ورد في الحديث أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسُئل: أي الناس أعلم؟ فقال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يارب، فكيف لي به؟ قال: فخذ معك حوتاً فاجعله في مكتل، فحيث فقدت الحوت فهو هناك. وقيل إن موسى خطب في الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأُعجب منها، فقيل له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بل أَعْلم منك عبدنا الخضر، وهو بمجمع البحرين. وكان الخضر في أيام أفريدون، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر. وبقى إلى أيام موسى (تفسير الكشاف على هذه الآيات).
ولا نعرف أساساً لهذه القصة الخرافية، فإن موسى لم يدَّعِ أنه أعلم أهل عصره:
(1) نعم إنه كان علاّمة، إلا أنه كان حليماً متواضعاً كما تشهد التوراة.
(2) الخضر اسم أو لقب عربي، وموسى كان إسرائيلياً. ولا مناسبة بينهما. وكذلك قولهم إن ذا القرنين كان معاصراً لموسى مع أن بينهما مئات السنين. ومن الغرائب تفضيلهم الخضر على موسى
(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً"79")
قوله: (لمساكين) اللام هنا للملكية، يعني مملوكة لهم، وقد حسمت هذه الآية الخلاف بين العلماء حول تعريف الفقير والمسكين، وأيهما أشد حاجة من الآخر، وعليها فالمسكين: هو من يملك شيئا لا يكفيه، كهؤلاء الذين كانوا يملكون سفينة تعمل في البحر، وسماهم القرآن مساكين، أما الفقير: فهو من لا يملك شيئاً. ومعنى:
{يعملون في البحر .. "79"}
(سورة الكهف)
أي: مجال عملهم البحر، يعملون فيه بنقل الركاب أو البضائع، أو الصيد، أو خلافه. وقوله:
{فأردت أن أعيبها .. "79"}
(سورة الكهف)
المتكلم هنا هو الخضر ـ عليه السلام ـ فنسب إرادة عيب السفينة إلى نفسه، ولم ينسبها إلى الله تعالى تنزيهاً له تعالى عما لا يليق، أما في الخير فنسب الأمر إلى الله فقال:
{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما .. "82"}
(سورة الكهف)
لذلك فإنه في نهاية القصة يرجع كل ما فعله إلى الله فيقول:
{وما فعلته عن أمري .. "82"}
(سورة الكهف)
ثم يقول تعالى:
{وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً .. "79"}
(سورة الكهف)(7/243)
كلمة: كل ترسم سوراً كلياً لا يترك شيئاً، فالمراد يأخذ كل سفينة، سواء أكانت معيبة أم غير معيبة، لكن الحقيقة أنه يأخذ السفينة الصالحة للاستعمال فقط، ولا حاجة له في المعيبة الغير صالحة، وكأن في سياق الآية صفة مقدرة: أي يأخذ كل سفينة صالحة غصباً من صاحبها.
والغصب: ما أخذ بغير الحق، عنوة وقهراً ومصادرة، وله صور متعددة منها مثلاً السرقة: وهي أخذ المال من حرزه خفيه ككسر دولاب أو خزينة، ومنها الغصب: وهو أخذ مال الغير بالقوة، وتحت سمعه وبصره، وفي هذه الحالة تحدث مقاومة ومشادة بين الغاصب والمغصوب.
ومنها الخطف: وهو أخذ مال الغير هكذا علانية، ولكن بحيلة ما، يخطف الشيء ويفر به دون أن تتمكن من اللحاق به، فالخطف ـ إذن ـ يتم علانية ولكن دون مقاومة. ومنها الاختلاس: وهو أن تأخذ مال الغير وأنت مؤتمن عليه، والاختلاس يحدث خفية، ولا يخلو من حيلة تستره.
ومادام الأمر هنا غصباً فلابد لمالك الشيء أن يقاوم ولو بعض مقاومة يدافع بها عن حقه، وقد يتوسل إليه أن يترك له ماله، فالمسألة ـ إذن ـ فيها كلام وأخذ ورد.
إذن: خرق السفينة في ظاهره اعتداء على ملك مقوم، وهذا منهي عنه شرعاً، لكن إذا كان هذا الاعتداء سيكون سبباً في نجاة السفينة كلها من الغاصب فلا بأس إذن، وسفينة معيبة خير من عدمها، ولو علم موسى ـ عليه السلام ـ هذه الحكمة لبادر هو إلى خرقها.
ومادام الأمر كذلك، فعلينا أن نحول السفينة إلى سفينة غير صالحة ونعيبها بخرقها، أو بخلع لوح منها لنصرف نظر الملك المغتصب عن أخذها.
وكلمة (وراءهم) هنا بمعنى أمامهم؛ لأن هذا الظالم كان يترصد للسفن التي تمر عليه، فما وجدها صالحة غصبها، فهو في الحقيقة أمامهم، على حد قوله تعالى:
{من روائه جهنم ويسقى من ماءٍ صديدٍ .. "16"}
(سورة إبراهيم)
وهل جهنم وراءه أم أمامه؟ وتستعمل وراء بمعنى: بعد، كما في قوله تعالى:
{فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب "71"}
(سورة هود)
وتأتي وراء بمعنى: غير. كما في قوله تعالى في صفات المؤمنين:
{والذين هم لفروجهم حافظون "5" إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين "6" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون"7"}
(سورة المؤمنون)
وفي قوله تعالى:
{حرمت عليكم أمهاتكم .. "23"}
(سورة النساء)
إلى ..
{وأحل لكم ما وراء ذلكم .. "24"}
(سورة النساء)
وقد تستعمل وراء بمعنى خلف، كما في قوله تعالى:
{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم .. "187"}
(سورة آل عمران)
إذن: كلمة (وراء) جاءت في القرآن على أربعة معانٍ: أمام ، خلف ، بعد ، غير . وهذا مما يميز العربية عن غيرها من اللغات، والملكة العربية قادرة على أن تميز المعنى المناسب للسياق، فكلمة العين ـ مثلاً ـ تأتي بمعنى العين الباصرة. أو: عين الماء، أو: بمعنى الذهب والفضة، وبمعنى الجاسوس. والسياق هو الذي يحدد المعنى المراد.
الأولى
(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكراً "74")
تلاحظ في الآية السابقة أن الاعتداء من الخضر كان على مال (سفينة) أتلفه، وهنا صعد الأمر إلى قتل نفس زكية دون حق، فبأي جريرة يقتل هذا الغلام الذي لم يبلغ رشده؟ لذلك قال في الأولى:
{لقد جئت شيئاً إمراً "73"}
(سورة الكهف)
أي عجيباً أما هنا فقال:
{لقد جئت شيئاً نكراً "74"}
(سورة الكهف)
أي: منكراً؛ لأن الجريمة كبيرة.
والنفس الزكية: الطاهرة الصافية التي لم تلوثها الذنوب ومخالفة التكاليف الإلهية. وكذلك يأتي الرد من الخضر مخالفاً للرد الأول، ففي المرة الأولى قال:
{ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً "72"}
(سورة الكهف)
الثانية
(وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفراً "80")
الغلام: الولد الذي لم يبلغ الحلم وسن التكليف، ومادام لم يكلف فما يزال في سن الطهارة والبراءة من المعاصي؛ لذلك لما اعترض موسى على قتله قال:
{أقتلت نفساً زكيةٍ .. "74"}
(سورة الكهف)
أي: طاهرة، ولاشك أن أخذ الغلام في هذه السن خير له ومصلحة قبل أن تلوثه المعاصي، ويدخل دائرة الحساب.
إذن: فطهارته هي التي دعتنا إلى التعجيل بأخذه. هذا عن الغلام، فماذا عن أبيه وأمه؟
يقول تعالى:
{فكان أبواه مؤمنين .. "80"}
(سورة الكهف)
وكثيراً ما يكون الأولاد فتنة للآباء، كما قال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم .. "14"}
(سورة التغابن)
والفتنة بالأولاد تأتي من حرص الآباء عليهم، والسعي إلى جعلهم في احسن حال، وربما كانت الإمكانات غير كافية، فيضطر الأب إلى الحرام من أجل أولاده. وقد علم الحق ـ سبحانه وتعالى ـ أن هذا الغلام سيكون فتنة لأبويه، وهما مؤمنان ولم يرد الله تعالى لهما الفتنة، وقضى أن يقبضهما إليه على حال الإيمان.(7/244)
وكأن قضاء الله جاء خيراً للغلام وخيراً للوالدين، وجميلاً أسدى إلى كليهما، وحكمة بالغة تستتر وراء الحدث الظاهر الذي اعترض عليه موسى عليه السلام.
لذلك يعد من الغباء إذا مات لدينا الطفل أو الغلام الصغير أن يشتد الحزن عليه، وننعي طفولته التي ضاعت وشبابه الذي لم يتمتع به، ونحن لا ندري ما أعد له من النعيم، لا ندري أن من أخذ من أولادنا قبل البلوغ لا يحدد له مسكن في الجنة، لأنها جميعاً له، يجري فيها كما يشاء، ويجلس فيها أين أحب، يجلس عند الأنبياء وعند الصحابة، لا يعترضه أحد، ولذلك يسمون "دعاميص الجنة".
ولكن في المسيحية الأطفال هم عبدة الشيطان .. فقد قيل على لسان القساوسة ما يلي :
اقتباس:
اعلم يا ولدي أنك لما كنت طفلا كنت عبدا للشيطان، وأراد والداك عتقك منه بالمعمودية المقدسة، وسألا مسكنتي أن أضمنك من كاهن الكنيسة، وأجحد عنك الشيطان الذي كنت أنت من أجناده قبل المعمودية، وقد جحدت عنك الشيطان واعترفت عنك بالمسيح له المجد، وقد أكلت من جسد المسيح وشربت من دمه وصرت هيكلا للروح القدس.
هذا هو مفهوم الطفولة بالمسيحية ... أطفال ضحايا الدجل والشعوذة والأعتداءات الجنسية
ثم يقول تعالى:
{فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً "80"}
(سورة الكهف)
خشينا: خفنا. فالواحد منا يولد له ابن فيكون قرة عين وسنداً، وقد يكون هذا الابن سبباً في فساد دين أبيه، ويحمله على الكذب والرشوة والسرقة، فهذا الابن يقود أباه إلى الجحيم، ومن الخير أن يبعد الله هذا الولد من طريق الوالد فلا يطغى.
(
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً
"82")
(لغلامين) أي: لم يبلغا سن الرشد، وفوق ذلك هما يتيمان. وكان تحت هذا الجدار المائل كنز لهذين الغلامين الغير قادرين على تدبير شأنهما، ولك أن تتصور ما يحدث لو تهدم الجدار، وانكشف هذا الكنز، ولمع ذهبه أمام عيون هؤلاء القوم الذي عرفت صفاتهم، وقد منعوهما الطعام بل ومجرد المأوى، إن أقل ما يوصفون به أنهم لئام لا يؤتمنون على شيء. ولقد تعودنا أن نعبر عن شدة الضياع بقولنا: ضياع الأيتام على موائد اللئام.
إذن: فلاشك أن ما قام به العبد الصالح من بناء الجدار وإقامته أو ترميمه يعد بمثابة صفعة لهؤلاء اللئام تناسب ما قابلوهم به من تنكر وسوء استقبال، وترد لهم الصاع صاعين حين حرمهم الخضر من هذا الكنز.
فعلة إصلاح الجدار ما كان تحته من مال يجب أن يحفظ لحين أن يكبر هذان الغلامان ويتمكنا من حفظه وحمايته في قرية من اللئام. وكأن الحق سبحانه وتعالى أرسله لهذين الغلامين في هذا الوقت بالذات، حيث أخذ الجدار في التصدع، وظهرت عليه علامات الانهيار ليقوم بإصلاحه قبل أن يقع وينكشف أمر الكنز وصاحبيه في حال الضعف وعدم القدرة على حمايته.
ثم إن العبد الصالح أصلح الجدار ورده إلى ما كان عليه رد من علمه الله من لدنه، فيقال: إنه بناه بناءً موقوتاً يتناسب وعمر الغلامين، وكأنه بناه على عمر افتراضي ينتهي ببلوغ الغلامين سن الرشد والقدرة على حماية الكنز فينهار. وهذه في الواقع عملية دقيقة لا يقدر على حسابها إلا من أتي علماً خاصاً من الله تعالى.
ويبدو من سياق الآية أنهما كانا في سن واحدة توأمين لقوله تعالى:
{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما .. "82"}
(سورة الكهف)
أي: سوياً، ومعنى الأشد: أي القوة، حيث تكتمل أجهزة الجسم وتستوي، وأجهزة الجسم تكتمل حينما يصبح المرء قادراً على إنجاب مثله. وتلاحظ أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قال هنا:
{يبلغا أشدهما .. "82"}
(سورة الكهف)
ولم يقل رشدهما، لأن هناك فرقاً بين الرشد والأشد فالرشد: حسن التصرف في الأمور، أما الأشد: فهو القوة، والغلامان هنا في حاجة إلى القوة التي تحمي كنزهما من هؤلاء اللئام فناسب هنا
{أشدهما .. "82"}
(سورة الكهف)
ثم يقول تعالى:
{ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك .. "82"}
(سورة الكهف)
أي: يستخرجاه بما لديهما من القوة والفتوة. والرحمة: صفة تعطي للمرحوم لتمنعه من الداء، كما في قوله تعالى:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .. "82"}
(سورة الإسراء)
فقوله: شفاء: أي: يشفي داءً موجوداً ويبرئه. ورحمة: أي رحمة تمنع عودة الداء مرة أخرى. وكذلك ما حدث لهذين الغلامين، كان رحمة من الله لحماية مالهما وحفظ حقهما، ثم لم يفت العبد الصالح أن يرجع الفضل لأهله، وينفي عن نفسه الغرور بالعلم والاستعلاء على صاحبه، فيقول:
{وما فعلته عن أمري .. "82"}
(سورة الكهف)
أي: أن ما حدث كان بأمر الله، وما علمتك إياه كان من عند الله، فليس لي ميزة عليك، وهذا درس في أدب التواضع ومعرفة الفضل لأهله. ثم يقول:
{ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً "82"}
(سورة الكهف)
تأويل: أي إرجاع الأمر إلى حقيقته، وتفسير ما أشكل منه
نحن لا نأخذ بأقوال الكتاب المقدس(7/245)
أصول التوراة مفقودة ويوجد منها ثلاثة نسخ مختلفة من حيث الأسفار وبعض جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي :
1) النسخة اليونانية وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق.
2) النسخة العبرانية، وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر وان النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130 م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك كما يضاف لذلك بأن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية.
3) النسخة السامرية، والسامرة فرقة يهودية تسكن جبال نابلس وهذه النسخة لا تحوي سوى سبع كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وان كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية.
فأين ذهب الأصل ??
اقتباس:
الخضر اسم أو لقب عربي، وموسى كان إسرائيلياً. ولا مناسبة بينهما
التوراة لفظ عبري ، والإنجيل لفظ سرياني أو لفظ يوناني !، وصارت تلك الكلمات علما على تلك الكتب وجاءت إلى لغتنا.
ولا تظنوا أن القرآن مادام قد نزل عربيا فكل ألفاظه عربية، لا. صحيح أن القرآن عربي، وصحيح أيضا أنه قد جاء وهذه الألفاظ دائرة على لسان العرب، وإذا تم النطق بها يفهم معناها.
والمثال على ذلك أننا في العصر الحديث أدخلنا في اللغة كلمة "بنك" وتكلمنا بها، فأصبحت عربية؛ لأنها تدور على اللسان العربي، فمعنى أن القرآن عربي أن الله حينما خاطب العرب خاطبهم بألفاظ يفهمونها، وهي دائرة في ألسنتهم، وإن لم تكن في أصلها عربية.
ومن وجهة نظر أخرى قال الاخ الكريم y@sser
ان نبي الله شعيب عاصر موسي عليه السلام وكان اسمه عربي
اقتباس:
قولهم إن ذا القرنين كان معاصراً لموسى مع أن بينهما مئات السنين
من قال هذا ؟ فليس لذي القرنين صلة بسيدنا موسى عليه السلام .
فالأقوال التي جاءت عن ذي القرنين انه الأسكندر الأكبر المقدوني هي من الإسرائليات وسندها ضعيف .
والله أعلم
=============
إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين؟
يبدوا أن صاحب هذه الشبهة لا يفقه شيء باللغة العربية وببلاغة القران الكريم
ان سورة الفاتحة وحدها تكفي كي تكون دليلا على صدق رسالة سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام لما تحويه من أعجاز بلاغي ومن المعاني التي تثبت أن القرآن من عند الله .
ان هذه السورة تعتبر توجيه من الله لعباده المؤمنين ماذا يقولون وماذا يدعون لهذا أنزلها الله لتكون دعاءاً وصلاة لعباده المؤمنين ومن هذا نستخرج فضل هذه السورة الكريمة لتلاوتنا لها في كل ركعة في صلاتنا .
وهذا ما فسره شيخ السلام ابن تيمية لهذه الاية
نقلا من كتاب الهدية في مواعظ الإمام ابن تيمية ص 64 – 71
اقتباس:
العبد مفتقر دائماً إلى التوكل على الله والاستعانة به ، كما هو مفتقر إلى عبادته فلابد أن يشهد دائماً فقره إلى الله ، وحاجته في أن يكون معبوداً له ، وأن يكون معيناً له، فلا حول ولاقوة إلاّ بالله ،ولا ملجأ من الله إلاّ إليه0
والمؤمن يجد نفسه محتاجاً إلى الله في تحصيل مطالبه ،ويجد في قلبه محبةً لله غير هذا،فهو محتاج إلى الله من جهة أنّه ربّه، ومن جهة أنّه ألهه قال تعالى{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} فلابد أن يكون العبد عابداً لله، ولابد أن يكون مستعيناً به ؛ ولهذا كان فرضاً على كل مسلم أنْ يقوله في صلاته0
وهذه الكلمة بين العبد وبين الرب، وقد روى عن الحسن البصري- رحمه الله- أنّ الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع سرّها في الأربعة، وجمع سرّ الأربعة في القرآن، وجمع سرّ القرآن في الفاتحة، وجمع سرّ الفاتحة في هاتين الكلمتين{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}ولهذا ثنّاها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله{اعبدهُ وتوكّل عليه} وقوله :{عليه توكلت وإليه أُنيب}وقوله: { ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه}
العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقاراً إليه وخضوعاً له؛ كان أقرب إليه وأعزّ له، وأعظم لقدره، فأعظم الخلق أعظمهم عبودية لله
وأما المخلوق فكما قيل:احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره(7/246)
فاعظم ما يكون العبد قدراً،وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه،فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم ؛ كنت أعظم ما يكون عندهم، ومتى احتجت إليهم-ولو في شربة ماء- نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وهذا من حكمة الله ورحمته، ليكون الدين كلّه لله، ولا يشرك به
وفي النهاية ما بوسعي الا ان أقول وأذكر أن هذه الاية
(( إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين ))
أنّه ليس المقصود مجرّد بيان أنّ له العبادة وبه المستعان، بل المقصود تلقين المؤمن بأن يخضع لله بالعمل، والاعتراف بالطاعة لله دون غيره، ويستكين له بالاستعانة والالتجاء اليه تعالى وحده
ولهذا تعتبر قلب القران
وهنا الله لا يطلب من نفسه هذا الامر حاشى وكلا لأنه هو الله الغني
وأنت يامخترع هذه الشبه قبل أن تعرض علينا مثل هذه الشبهة عليك أن تعلم من هو الله
=============
الطعن في القرآن الكريم و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري
الكتاب : الطعن في القرآن الكريم و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري
المؤلف : عبدالمحسن بن زبن بن متعب المطيري
الناشر : رسالة لنيل درجة الدكتوراة من كلية دار العلوم
مصدر الكتاب : موقع مركز الكتب الإلكترونية
جمهورية مصر العربية
جامعة القاهرة
كلية دار العلوم
قسم الشريعة الإسلامية
الطعن في القرآن الكريم و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري
رسالة لنيل درجة الدكتوراة
مقدمة من الطالب : عبدالمحسن بن زبن بن متعب المطيري
المعيد بكلية الشريعة - جامعة الكويت
إشراف : أ.د / إبراهيم عبدالرحيم
حفظه الله
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فقد عرف أعداء الإسلام أن مصدر عزة هذا الدين وأهله ، وسر تجدده في نفوس المسلمين هو هذا القرآن العظيم ، الذي لا يخلق من كثرة الترداد ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يمله القارئ والسامع ولا يزداد به المؤمن إلا يقينا بدينه وتعلقا به ، هذه المعجزة الخالدة ، والآية الباقية ما بقي الليل والنهار ، هذا الكتاب الذي وعد الله تعالى بحفظه بقوله : (إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر :9] .
ولما كانت هذه منزلة القرآن ، اجتهد أعداء الدين بالطعن في هذا القرآن ؛ حتى يسلخوا المسلمين من التعلق به ، فيصبحوا صيدا سهلا وغنيمة باردة . وحرب أعداء الدين هذه ليست فقط على القرآن ، بل على كل أساساته وقواعده ؛ فهناك الحرب على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وسنته(1)، والطعن في عدالة الصحابة ، والحرب على المرأة المسلمة(2)وحجابها وعفافها ، والحرب على بعض الشعائر كالجهاد(3) ، وغيرها من الجبهات ، ولكن الحرب على القرآن هي أخطرها وأشدها وأشرسها ؛ لأن القرآن هو الذي يدل على الأصول السابقة ويحث عليها ، فهو أصلها وهي فروعه ، وبذهاب الأصل تذهب الفروع ؛ ومن هنا عزمت في هذه الرسالة على جمع هذه المطاعن والإشكالات التي تثار الآن ، والتي هي عبارة - في غالبها - عن ترديد لما سبق ، فلو عرفها الناس وتحصنوا منها لما حصل هذا الاضطراب من هذه الشبه .
ومن أهداف الرسالة أيضا الرد على المستشرقين الذين يطعنون في هذا الدين ، ويشككون في قدسية وعصمة كتابه . وكذلك الرد على المعاصرين الذين تأثروا بهذه الشبه وبدأوا يرددونها .
فاخترت أن تكون أطروحتي لنيل درجة الدكتوراة بعنوان :
الطعن في القرآن الكريم
والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري .
ومن الأسباب التي لأجلها اخترت هذا الموضوع :
1- كثرة المطاعن في هذا الزمن خاصة على القرآن ، واتهامه بالتناقض ، سواء من المستشرقين ، أو من أعداء الدين ، أو ممن ينتسبون للإسلام .
2- تأثر بعض المسلمين بهذه الشبه التي تثار ، فكان لزاما على طلبة العلم وأهله كشف هذه الشبه ، وبيان فسادها للناس أجمعين .
3- إثبات إعجاز القرآن ، وأنه من عند الله ، وأن الله تكفل بحفظه حقا .
4- كشف شبه الطاعنين وأكاذيبهم ، وبيان أنها ترديد لما أورده الطاعنون السابقون .
5- كشف المنافقين المندسين بين المسلمين للطعن في هذا الدين .
6- امتثالا لأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما في حديث أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ( قَالَ :« جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وأَلْسِنَتِكُمْ »(4).
7- الدخول في حزب جند الله المدافعين عن كتابه ؛ لعله يكون لنا شافعا يوم القيامة .
وأما أهمية الموضوع فتتضح من أمور كثيرة منها :
1- عموم نفعه للمسلمين .
2- أن الموضوع يعالج مشكلة معاصرة ومستمرة .
3- أن هذا الباب لم يُخدم بما يستحقه .
4- خطورة الطعن في القرآن ؛ حيث إنه من نواقض العهد مع أهل الذمة ، بل من نواقض الإسلام .(7/247)
وقد حَذَّر النبىُّ ( من خطورة فتح هذا الباب ، حين وجد نفرًا من أصحابه يخوضون فيه ببابه ، وذلك فيما ورد من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا -وفي رواية أنهم تكلموا في القَدَر- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، فَقَالَ : « بِهَذَا أُمِرْتُمْ - أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ - أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، إِنَّمَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْءٍ ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ ، فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(5) .
5- مما يكسب هذه الرسالة أهمية أني لخصت فيها كتبا كثيرة ، سواء من كتب الطاعنين أو الرادين عليهم ، فهي خلاصة جهود علماء كبار ، وعصارة كتب متفرقة .
وبعد القراءة التحضيرية ، واستشارة الأساتذة ، والمشايخ ، والاستنارة بعلمهم ، جاءت خطة البحث على النحو التالي :
المقدمة :
التمهيد : وفيه المباحث التالية :
المبحث الأول : تعريف الطعن في القرآن .
المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن .
المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري .
الباب الأول (النظري) :
الطعن في القرآن : نشأته ، أسبابه ، مواجهته
- الفصل الأول : تاريخ الطعن في القرآن والكتب المؤلفة فيه .
المبحث الأول : أول من تكلم فيه .
المبحث الثاني : أول من ألف فيه .
المبحث الثالث : اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال .
المبحث الرابع : الكتب المؤلفة فيه .
- الفصل الثاني : أسباب الطعن في القرآن .
المبحث الأول : لماذا هذه الحرب على القرآن؟.
المبحث الثاني : ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن؟.
المبحث الثالث : أنواع المطاعن .
- الفصل الثالث : مواجهة دعاوى الطعن في القرآن .
المبحث الأول : تنزيه كلام الله عن المطاعن .
المبحث الثاني : موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن .
المبحث الثالث : قواعد التعامل مع المطاعن .
الباب الثاني (تطبيقي) :
موقف الطاعنين من آيات القرآن والرد عليهم :
- الفصل الأول : الردود الإجمالية على من طعن في القرآن :
المبحث الأول : الأدلة على صدق الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) :
المطلب الأول : بشارة الكتب السابقة به .
المطلب الثاني : شهادة المنصفين من المخالفين على صدقه .
المطلب الثالث : الآيات التي يجريها الله تعالى على يديه .
المطلب الرابع : إقرار الله تعالى له و لدعوته واستجابته لدعائه .
المطلب الخامس : من أدلة صدقه كمال أخلاقه .
المطلب السادس : استعداده الدائم لأي اختبار يطرح عليه .
المطلب السابع : عدم استغلال فرص التعالي .
المطلب الثامن : المباهلة على ما عنده .
المطلب التاسع : حمايته من كل ما يكاد له .
المطلب العاشر : انتفاء الغرض الشخصي .
المطلب الحادي عشر : إخباره بالنهايات في البدايات .
المطلب الثاني عشر : إخباره بالغيب .
المطلب الثالث عشر : إحكام التشريع .
المطلب الرابع عشر : الإعجاز العلمي .
المطلب الخامس عشر : الوصف الدقيق للغيب .
المطلب السادس عشر : تأليف قلوب العرب .
المطلب السابع عشر :الإلزام .
المبحث الثاني :الأدلة على صدق القرآن وما فيه :
المطلب الأول :إعجاز القرآن .
المطلب الثاني :التحدي أن يُؤتى بمثله .
المطلب الثالث : شهادة الكفار وأهل الكتاب وأعدائه بصدقه .
المطلب الرابع : الوحدة الموضوعية لكل سورة .
المطلب الخامس : عدم التناقض .
المبحث الثالث :ردود القرآن على الطاعنين .
المبحث الرابع : ردود إجمالية أخرى :
المطلب الأول : عدم معارضة كفار مكة .
المطلب الثاني : قل هاتوا برهانكم .
المطلب الثالث : مخالفة الواقع .
المطلب الرابع : إجماع الأمة .
المبحث الأول : التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى :
المطلب الأول : دعوى أن القرآن من عند نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
المطلب الثاني : دعوى أن القرآن نقل من غيره .
المطلب الثالث : جواز نقده ومخالفته .
المبحث الثاني :زعم عدم حفظه :
المطلب الأول : شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل .
المطلب الثاني : شبهة أنه زيد فيه ونقص .
المطلب الثالث: النسخ فى القرآن والطعن فيه من هذا الباب .
المبحث الثالث :اتهام القرآن بالتناقض :
المطلب الأول : هل في القرآن تناقض حقيقي؟.
المطلب الثاني : زعم تناقض بعض الآيات مع بعض .
المبحث الرابع :اتهام القرآن بمعارضة الحقائق :
المطلب الأول : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية .
المطلب الثاني : دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية .(7/248)
المطلب الثالث : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية .
ثم الخاتمة ، وذيلت الرسالة بعدة فهارس لكمال الاستفادة من البحث .
وكان المنهج المتبع في هذه الرسالة كالتالي :
1- لقد اجتهدت اجتهادا كبيرا في محاولة حصر الطعون ؛ حيث جمعت ما أمكنني من كتب تطعن في القرآن أو ترد على الطاعنين ، وحرصت على أن أحضر معظم معارض الكتاب التي تقام ؛ لعلي أجد شيئا ليس عندي ، وذهبت إلى الكثير من الجامعات للبحث عن رسائل مقاربة لما كتبته ، وبحثت في الإنترنت ، ودخلت الكثير من المواقع المتخصصة في الطعن في الإسلام ، مثل بعض غرف النصارى في البالتوك وغيرها ، وسألت الكثير من المتخصصين في هذا الباب والمهتمين ، فاتضح لي أن حصر الطاعنين من الصعوبة بمكان ؛ فبعضهم مشاهير ، وبعضهم مغمور نكرة لا يعرف ، فتسميته والرد عليه تشهير له ، وبعضهم بل أكثرهم مردّد لما قيل سابقا من الطعون ، فاتجهت لحصر الطعون لا الطاعنين - مع عدم إغفال ذكرهم إن وجدوا لاسيما المشاهير منهم - لأن الطعون واحدة في الغالب ، وأما الطاعنون فهم كالببغاوات يرددون ما سمعوا ، وهذا أيضا منهج نبوي فقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يرد على الخطأ لا على المخطئ ، بقوله : « ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا »(6).
2- ليس من منهجي أن أجمع كل ما أثير ، بل أجمع ما كان فيه شبهة وقد يقع فيه اللبس عند بعض الناس ، وأما بعض الطعون التي يوردها الطاعنون بسبب جهلهم باللغة ، أو سوء فهمهم ، أو تحريف المعنى ، أو الكذب ، أو الدعوى المجردة عن الدليل ، أو نسبب الحقد الدفين ، فهذا يكفي ذكره في إبطاله ، ويكفيك من شر سماعه ، مثل إنكارهم بلاغة القرآن وهم أبعد الناس عن تذوق بلاغة القرآن ، أو تفسير بعضهم قوله تعالى : (وترى الملائكة حافين من حول العرش( [الزمر :75]؛ فقد قال بعض المستشرقين في تفسير معنى (حافين( : أي بدون أحذية(7) . ( وفسر بعض المستشرقين قوله تعالى : (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه( ]الإسراء : 13 ] بقوله : يأتي الكافر وفي رقبته حمامة .ومنهم عَلََََّامة تصدى لوضع المعجمات الكبرى(8) , فكتب في مادة (أخذ) أنها تأتي بمعنى نام لقوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم((9) [ البقرة :255] ). ومثل ادعاء بعضهم أنه وجد مخطوطة بخط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبالتالي يثبت أنه لم يكن أميا(10)، وقول بعضهم : إن معنى قوله تعالى : (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه ..( [الأعراف :157] أن أمي بمعنى وثني(11). وادعاء بعضهم أن الوحي عبارة عن صرع كان يصيب النبي ( صلى الله عليه وسلم )12)( . أو النزول إلى الدرك الأسفل من الدناءة بإطلاق لفظ (الخراء) على القرآن ، كما في كتاب حيدر حيدر(13)(وليمة لأعشاب البحر)(14) ، وغير ذلك من السفاهات .
3- الطعون على القرآن تنقسم قسمين ، طعون حول القرآن ، وطعون في القرآن ؛ الطعون حول القرآن من مثل الطعن في جمع القرآن ، وتواتر القرآن ، تقسيم القرآن إلى مكي ومدني ، نزول القرآن على سبعة أحرف ، معنى المتشابه في القرآن ، النسخ في القرآن ، ترجمة القرآن ، إعجاز القرآن ، قراءات القرآن ...إلخ تلك الشبه التي تحوم حول القرآن ولا تطعن في آياته طعنا مباشرا ، وهذا البحث كفانا فيه عدد من العلماء الأفاضل والباحثين الأجلاء ، ومن أفضل هذه الكتب التي اطلعت عليها ، كتاب "شبهات حول القرآن وتفنيدها" للدكتور غازي عناية(15)، وبعضهم أفرد في بعض هذه المباحث مؤلفا ، مثل كتاب "المستشرقون وترجمة القرآن الكريم"للدكتور محمد صالح البنداق(16). و في كتاب "القراءات وأثرها في التفسير والأحكام"للدكتور محمد بن عمر بازمول(17) عقد بابا بعنوان (رد الشبهات التي تثار حول القراءات) أجاب فيها على كل ما يثار حول هذا الموضوع ، وكتاب القراءات في نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبدالفتاح عبدالغني القاضي(18) ، وكتاب نزول القرآن على سبعة أحرف للدكتور مناع القطان(19)، وفي مجلة لواء الإسلام بحث لعبد الباري إبراهيم أبو عبلة في الجواب على طعون المستشرقين في لغة القرآن ونحوه(20).
ومن أشد الكتب التي طعنت في هذا الباب كتابان :
1-القرآن : نزوله ، تدوينه ، ترجمته وتأثيره ، لبلاشير(21).
2-مقدمة كتاب المصاحف لأبي داود ، لآرثر جفري .
رد عليهما الدكتور إسماعيل سالم عبدالعال في كتابه المستشرقون والقرآن ، في جزأين(22) .(7/249)
وأما النوع الثاني وهو الطعن في القرآن نفسه من حيث دلالالته ومعانيه وأخباره وأحكامه وغير ذلك ، وهو الذي أبحث فيه ، والسبب في ذلك أن هذا النوع هو الذي تولى القرآن الرد فيه على الطاعنين ؛ ولأن الرد على هذه الشبه فيه الرد على تلك الشبه بطريق اللزوم ، فإنه إذا ثبت أن القرآن ليس من عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، بل من الله تعالي ، وهو غير قابل للنقد ، وأنه ليس فيه تحريف ولا زيادة ، وأنه صادق الأخبار وواجب الاتباع ، إذا ثبت هذا فإن الله قال فيه : (إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون([الحجر :9]، إذن فلا مجال للطعن في تواتره وجمعه وقراءاته وما نسخ منه ؛ لأنه محفوظ بحفظ الله له .
4- الإحالة على الآيات في المصحف جعلتها في صلب البحث ، حتى لا يتخم الهامش بالحواشي .
5- حرصت على تخريج الأحاديث والآثار والحكم عليها ، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالإحالة عليه ؛ وإن كان في غيرهما استقصيت في تخريجه وبينت صحته أو ضعفه ، وقد حكمت على هذه الأحاديث بنفسي ، ثم قمتُ بتوثيق ذلك من كلام العلماء إن وُجد .
6- ترجمت لغير المشاهير .
7- قرأت أحاديث الكتب الستة والموطأ والدارمي ، واستخرجت جميع الأحاديث في هذا الباب ، ثم طُبع كتاب جامع التفسير الذي جمع مؤلفوه الأحاديث و الآثار من الكتب الستة ومسند الإمام أحمد ، التي تفسر أو تذكر سبب نزول الآية ، فقرأته للتأكد من أنه لم يفتني حديث في هذا الموضوع .
8- لقد كان الرد على الطاعنين متنوعًا ؛ فقد رددتُ عليهم بداية ردودا عامة تصلح لكل طعن فى فضل الردود الأجمالية على من طعن في القرآن ، ثم ردت على الطعون الأربعة الرئيسة ردودا إجمالية ، كل طعن بذاته فى مبحث أسباب الأختلاف في القرآن .، ثم في فصل الردود التفصيلية على من طعن في القرآن رددت على كل طعن بنوعين من الردود ، الأول رد إجمالي على كل طعن في هذا الفرع ثم رد تفصيلي على كل طعن ذكر.
9- حرصتُ على الردود الإجمالية لكل طعن فى فصل الردود التفصيلية على من طعن في القرآن ؛ لأنها الأهم ، فهي صالحة لما قد أُثير ولما يمكن أن يثار في المستقبل ، وأما الردود التفصيلية على كل طعن فإنها لا تنتهي ، وقد يُفتح لإنسان مالا يُفتح على غيره في الرد ، وبعضها طعن ساذج لا يستحق الرد .
هذا وقد واجهتني صعوبات كثيرة في مراحل إعداد هذا البحث ، نذكر منها :
1- كثرة الطاعنين وصعوبة حصرهم ، فهم كثر في كل دولة عربية وإسلامية ، وأكثر منهم في دول أوروبا وأمريكا .
2- من الصعوبات التي واجهتها ، محاولة حصر كل ما أُلف في هذا الباب من مطبوع أو مخطوط أو مفقود ، فلجأت إلى كتب طبقات المفسرين ؛ لمعرفة كل من ألف في طعون القرآن ، وجردتها وحصرت منها الكتب التي أُلفت في الرد على الطاعنين . وكتب الطبقات التي وجدتها هي :
أ-طبقات المفسرين للسيوطي(23).
ب-طبقات المفسرين للداوودي تلميذ السيوطي(24).
ج-طبقات المفسرين للأدنوري(25).
3- ومن الصعوبات التي واجهتها التعريف بالمستشرقين ؛ فإن الكتب المؤلفة عنهم قليلة .
4- وهناك مشكلة أخرى تكمن في ترجمة أسمائهم ، فإنه لو وجد لهم تعريف فإنه من الصعب معرفة ما هي ترجمة الاسم الحرفية ، مثل المستشرق الفرنسي (GANIER)(26) بعضهم يسميه :جانييه ، وبعضهم :جانيير ، وبعضهم :كانيير ، فلا تعلم هل تبحث عن اسمه في حرف الجيم أم في حرف الكاف ، ومثله المستشرق (GIBB)(27) فبعضهم يسميه : جب ، والبعض غب ، والبعض الآخر قب ، وهكذا ، ولقد ترجمت لأكثر من عشرين واحدا منهم وأما الذين لم أجد ترجمتهم فهم اثنان فقط .
5- ومن الصعوبات أيضا أن أغلب كتب المستشرقين كتبت في غير اللغة العربية ، فكنت أجد عناء في ترجمتها أو البحث عن ترجمة لها ، وفي الغالب كنت أنقلها من كتب أخرى .
6- ومن الصعوبات أن بعض كتب المستشرقين التي طبعت بالعربية ، لم يعد طبعها منذ زمن طويل ، فلا تكاد توجد في أسواق الكتب ، لذلك كنت أضطر إلى نقلها من كتب العلماء الذين ردوا عليهم في زمنهم .(7/250)
7- ولقد سافرت إلى هولندا للقاء الدكتور نصر حامد أبو زيد للتأكد من بقائه على آرائه ومناقشته فيها ، فكلمته بالهاتف من هولندا فرفض مقابلتي رفضا قطعيا مع محاولاتي الكثيرة في طلب ذلك ، وحصل عندما كنت هناك أن قامت امرأة صومالية الأصل هولندية الجنسية ، وكانت مسلمة ، قامت بسب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على صفحات الصحف والطعن في دينه وأعلنت أنها ملحدة لا تؤمن بدين ، فطلبت من الأخوة في هولندا جمع كل ما قالت وترجمته إلي العربية ، وسألتهم هل ذكرت أدلة أو شبها على ما قالت أم أنه كلام عار عن أي مستند ، فكانت نتيجة الترجمة هي الثاني ، فكلامها مجرد سب وشتم من غير أي حجة ، بل هو الهوى المحض ، ثم قامت بعد هذه الضجة بترشيح نفسها للمجلس البرلماني في هولندا فعندها اتضح السبب وبطل العجب ، (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ([آل عمران : 7] .
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفق ويعين ، وأن يجعل هذا البحث مفيدا للناس في الدنيا ، ونافعا لي في الآخرة .
(1) انظر : كتاب : السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها ، د. عماد السيد الشربيني ، دار اليقين ، المنصورة ، الطبعة الأولى ، 2002 ، وكتاب القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ، خادم حسين إلهي بخش ، الطائف ، مكتبة الصديق ، الطبعة الأولى ، 1989 .
(2) انظر : كتاب : ماذا يريدون من المرأة لعبدالسلام بسيوني ، طبع إدارة الشؤون الإسلامية في قطر ، فإنه نفيس في هذا الباب : ، وكتاب عودة الحجاب ، لمحمد إسماعيل المقدم ، الرياض ، دار طيبة ، الطبعة الثالثة ، 1406هـ .
(3) انظر : أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين ، يوسف إبراهيم الشيخ عيد ، دار المعالي ، عمّان ، الطبعة الأولى ، 1998 .
(4) أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد ، باب : كراهية ترك الغزو ، رقم : 2504) والنسائي (كتاب الجهاد ، باب : وجوب الجهاد ، رقم : 3096) والإمام أحمد في المسند (رقم : 11837) والدارمي (كتاب الجهاد ، باب : في جهاد المشركين باللسان واليد ، رقم : 2431) وإسناده صحيح .
(5) أخرجه الإمام أحمد (6806) ، وابن ماجة (في المقدمة في باب : في القدر ، رقم : 85) ، وإسناده حسن .
(6) انظر : صحيح البخاري : (كتاب الصلاة ، باب : ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ، رقم : 444) ، و (كتاب الصلاة ، باب : رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، رقم : 717) ، و(كتاب الأدب ، باب : من لم يواجه الناس بالعتاب ، رقم : 5750) .
(7) انظر : الإسلام دعوة عالمية ومقالات أخرى ، لعباس محمود العقاد (ص : 189) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت .
(8) وَصْفُ العقاد لهذا المستشرق بالعَلاّمة هو من باب : التهكم والاستهزاء بجهله الشديد باللغة العربية ، وقد فضح جهله هذا تفسيره لمادة (أخذ) بمعنى نام مخالفًا بذلك جميع معاجم اللغة ، فصار كمَن تخصص في وضع معجمات لنا لا نعرفها .
(9) انظر : اللغة الشاعرة مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية ، لعباس محمود العقاد (ص : 75) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت . وذكر محمد العوضي في مقال له عن الاستشراق في جريدة الحدث الكويتية (العدد : 96) بتاريخ 5 أكتوبر سنة 2002 : أن أحد المستشرقين فسر قوله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) بقوله : يعني هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن) .
(10) المرجع السابق (ص : 192) وفيه أن صحف القاهرة نقلت هذا الخبر عن صحيفة بيروتية اثبت فيها واجدها انه بخط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومن المعلوم أنه لا يمكن إثبات هذا إلا عن طريقين ؛ أحدهما : أن تكون عندنا مخطوطة مكتوبة بخط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونقارن بين الخطين ، وهذا غير موجود بداهة . الثانى : أن يشهد شهود عدول أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كتبها ، وهذا مما لا وجود له أصلاً .
(11) انظر : دفاع عن القرآن ضد منتقديه ، لعبدالرحمن بدوي (ص : 15) ، الدار العالمية للكتب والنشر ، القاهرة . ويقول بدوي في هذا الكتاب (ص : 7) : إن معرفة المستشرقين للغة العربية من الناحية الأدبية أو الفنية يشوبها الضعف ، ويمكن القول أن هذه الملاحظة تخصهم جميعا تقريبا . اهـ .
(12) انظر : حاضر العالم الإسلامي ، لستودارد (1/34) ، ترجمة عجاج نويهض ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1973 .
(13) حيدر حيدر : كاتب سوري معاصر من سكان قرية ( حصين البحر ) القريبة من ميناء طرطوس ، ألف رواية"وليمة لأعشاب البحر"وملأها بالاستهزاء والسخرية من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكتابه ودين الإسلام ، والرسل والأنبياء ، والأزهر ، وغير ذلك . انظر : كتاب"الملحدون الجدد"لجمال عبد الرحيم ( ص : 125) ، الطبعة الأولى ، 2001 .
(14) انظر الملحدون الجدد لجمال عبد الرحيم ( ص : 127 ) .
(15) طبعته دار ومكتبة هلال للطباعة والنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 .(7/251)
(16) دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1983 .
(17) طبعته دار هجر ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1996 .
(18) من منشورات مكتبة الدار بالمدينة المنورة .
(19) مكتبة وهبة ، الطبعة الأولى ، 1991 .
(20) العدد 3 ، للسنة الحادية والثلاثين ، تاريخ نوفمبر 1976 ، ص : 35 .
(21) ريجي بلاشير (1900-1973) مستشرق فرنسي ، ولد في باريس وسافر مع والديه إلى المغرب ودرس في الدار البيضاء ، وعين أستاذا للغة العربية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس ، وتولى عدة مناصب كبيرة وألف كتبا كثيرة عن الإسلام . انظر : موسوعة المستشرقين ، للدكتور عبدالرحمن بدوي ، (ص : 127) دار العالم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1993 .
(22) أصدر الكتاب رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، وهو من إصداراتها الدورية تحت سلسلة دعوة الحق ، السنة التاسعة ، العدد 104 ، لعام 1410هـ .
(23) طبع مكتبة وهبة ، القاهرة ، تحقيق على محمد عمر ، الطبعة الأولى ، 1396 .
(24) دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق لجنة من العلماء بإشراف الناشر .
(25) تحقيق سليمان الخزي ، طبع مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1997 .
(26) انظر : موسوعة المستشرقين (ص : 168) .
(27) انظر : موسوعة المستشرقين لعبدالرحمن بدوي (ص : 174) .
(1/2)
التمهيد
وفيه المباحث التالية :
المبحث الأول : تعريف الطعن في القرآن .
المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن في القرآن .
المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن العشرين .
المبحث الأول : تعريف (الطعن في القرآن) :
-أولا : تعريف الطعن :
( ط ع ن : طَعَنهُ بالرمح ، و طَعَنَ في السن كلاهما من باب نصر ، وطعن فيه أي قدح من باب نصر أيضا ، و طَعَنَاناً أيضا بفتح العين كذا في الصحاح ، وفيه أيضا : والفرَّاء يجيز فتح العين من يطعن في الكل ، وقال الأزهري في التهذيب : الطَّعنان قول الليث ، وأما غيره فمصدر الكل عنده الطعن لا غير ، وعين المُضارع مضمومة في الكل عند الليث ، وبعضهم يفتح العين من مضارع الطعن بالقول للفرق بينهما . وقال الكسائي :لم أسمع في مضارع الكل إلا الضم . وقال الفرَّاء : سمعت يطعن بالرمح بالفتح .وفي الديوان ذكر الطعن بالرمح ، وباللسان في باب نصر ، ثم قال في باب : قطع و طَعَن يطعن لغة في طعن يطْعن ، فجعل كل واحد منهما من البابين ، و المِطْعَانُ : الرجل الكثير الطعن للعدو ، وقوم مَطاعينُ ، وفي الحديث : « لا يكون المؤمن طَعَّاناً » ؛ يعني في أعراض الناس . و الطَّاعُونُ : الموت من الوباء ، والجمع الطَّوَاعِين)(28).
وقال ابن فارس :( طعن :أصل صحيح مطرد ، وهو النخس في الشيء بما ينفذه ، ثم يحمل عليه ، ويستعار من ذلك الطعن في الرمح ، ورجل طعان في أعراض الناس ، وفي الحديث : « لا يكون المؤمن طعانا » . وقال بعضهم : طعن بالرمح يطعُن بالضم ، وطعن بالقول يطعَن فتحا)(29).
إذن لكلمة طعن معنيان ؛ حسي ، ومعنوي ؛ فالحسي بمعنى الضرب بآلة حادة كالخنجر ، و هو المتعدي للمفعول ( طعنه ) ، والمضارع منه مضموم العين (يطعُن) وبعضهم يفتحه ، والمعنوي بمعنى القدح في شيء ، سواء كان نسبا ، أو كتابا ، أو شخصا ، أو غير ذلك ، وهو اللازم (طعن فيه) ، والمضارع منه مفتوح العين (يطعَن).
- ثانيا :تعريف القرآن :
هو كلام الله المعجز المنزل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته(30). والقرآن من المشهورات التي لا تحتاج الى تعريف .
- ثالثا :تعريف الطعن في القرآن :
الطعن في القرآن : هو أحد مباحث علوم القرآن ، التي تبحث في الرد على من طعن في كتاب الله ، أو زعم تناقضه ، أو إشكاله ، والرد عليها بالأدلة الشرعية ، والعقلية ، والحسية(31).
--------------------------------------------------------------------------------
(28) مختار الصحاح (1 / 165) .
(29) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/412) بتصرف ، وانظر : لسان العرب (13/265-26) .
(30) انظر : مناهل العرفان للزرقاني (1/15) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 ، وانظر : كتاب النبأ العظيم للدكتور محمد عبدالله دراز (ص : 10) دار طيبة للنشر الطبعة الأولى ، 1997 ، وانظر : المناظرة في القرآن ، عبدالله المقدسي (1/ 22) ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1409 ، تحقيق الجديع ، وغير ذلك .
(31) انظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/53) ، بيروت دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1408 ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (3/79) ، ، القاهرة ، مكتبة دار التراث ، باهر البرهان في مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري (1/112) .
(1/3)
--------------------------------------------------------------------------------
المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن في القرآن(7/252)
هناك عدة مصطلحات في تسمية هذا العلم ، ترادف مصطلح الطعن في القرآن وهي :
1-المتشابه أو المشتبه :
حيث إن كثيرا من العلماء يطلقون على هذا العلم (المتشابه )، مثل كتاب :
الآيات المتشابهات لبقي بن مخلد ، وأضواء على متشابه القرآن لخليل ياسين ، وتأويل متشابهات القرآن لابن شهر آشوب وغيرها(32) .
وأخذوا هذا الاسم من قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ…( [آل عمران :7].
وإنما لم أختر أن تكون الرسالة بهذا العنوان ؛ لأن المتشابه يطلق -في علوم القرآن والتفسير-على عدة معان :
1- يطلق المتشابه ويقصد به المشكل من الآيات التي قد تشتبه على فهم القارئ ؛ لخلوه من الدلالة الراجحة لمعناه(33)، الذي يحتاج للجواب والرد على الطاعن ، كما تقدم .
2- ويطلق ويراد به ضد المحكم ، وهو الذي لا يعلمه إلا الله ، أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم(34) ؛ مثل الحروف المقطعة ، وحقيقة صفات الله وكيفياتها .
3- ويطلق ويراد به الآيات المتشابهة لفظا ، وقد تفترق بحرف أو كلمة ، وتوجيه هذا التفريق . وقد ألف العلماء في هذا الفن كتبا كثيرة ؛ منها : " درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز"(35) ، للخطيب الإسكافي(36)، وأشهرها وأفضلها كتاب "البرهان في متشابه القرآن "(37) للكرماني(38) .
4- يطلق ويقصد به تشبيه شيء بشيء ، كالحور العين باللؤلؤ ، وقد ألف في هذا المعنى ابن ناقيا البغدادي(39) كتابه " الجمان في تشبيهات القرآن"(40)، ولسيد قطب كتاب في هذا المعنى سماه " التصوير الفني في القرآن " .
5- يطلق المتشابه ويراد به أن القرآن متماثل في النظم والبلاغة والهدف الذي يدعو إليه ؛ فلا تجد في أسلوبه اختلافا ، ولا في معانيه مناقضة ، ولا في سِوَرِه تغايرا ، كما في قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( [الزمر :23] .
قال القرطبي : ( متشابها يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ، ويصدق بعضه بعضا ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف )(41).
فلما كان هذا الاسم يشكل في الفهم ، ومشتركا بين عدة معان ، أعرضت عنه .
2- موهم الاختلاف أو مختلف القرآن :
هكذا سماه الزركشي في البرهان : النوع الخامس والثلاثون :معرفة موهم المختلف(42)، و سماه السيوطي في الإتقان : النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض .
وقد أخذوا هذا الاسم من الآية وهي قوله تعالى :(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا([النساء :82].
3- موهم الاضطراب :
ومن هذا كتاب دفع " إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " لمحمد الأمين الشنقيطي .
وهذا الاسم والذي قبله يتحدث عن نوع واحد من الطعون ، وهو التناقض في الآيات ، مع أن الطعون لها أنواع أخر ، كنفي نسبة القرآن إلى الله ، والطعن في لغته وغير ذلك ؛ لهذا لم أُسمِّ به الرسالة ؛ لقصوره عن شمول جميع أنواع الطعون .
4- أسئلة القرآن :
أي الأسئلة التي يطرحها بعض الناس بقصد التشكيك في كتاب الله تعالى ؛ ومن هذا :كتاب " البرهان في مسائل القرآن " للجماعيلي المقدسي ، و " التبيان في مسائل القرآن " لرضي الدين القزويني ، وبعضهم يسميها جوابات القرآن ؛ باعتبار الجواب على هذا السؤال ، ككتاب " الجوابات في القرآن " لمقاتل بن سليمان ، وبعضهم يجمع بين الاسمين مثل " أسئلة القرآن وأجوبتها " لأبي بكر الرازي .
5-غامض القرآن :
ومن هذا كتاب " كشف غوامض القرآن " لفخر الدين الطريحي .
6-مشكل القرآن :
ومن هذا كتاب :" تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة -وبعضهم يسميه " مشكل القرآن"(1) ، وهو من أول الكتب المفردة في هذا الفن ، وهو مطبوع متداول .
و" فوائد في مشكل القرآن " لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام .
و" مشكلات القرآن " لمحمد أنور الكشميري .
و" مشكل القرآن " للحكيم الترمذي ، وهو أكثر الأسماء تداولا بين العلماء على هذا الفن ، فقد وجدت ما يقارب العشرين عالما يطلقون عليه هذا اللفظ كما سيأتي(43).
فيتحصل لنا من هذا ، أن لهذا العلم سبعة أسماء عند العلماء .
--------------------------------------------------------------------------------
(32) سيأتي في الباب : الأول في مبحث المؤلفات في هذا الفن بيان عن هذه الكتب ومكان طبعها أو ذكرها .
(33) انظر : كشف المعاني في المتشابه المثاني لبدر الدين بن جماعة ، (ص : 28) تحقيق مرزوق إبراهيم ، دار الشريف للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420 .(7/253)
(34) انظر : في اختلاف العلماء في تعريف المتشابه بهذا المعنى كتاب الإتقان للسيوطي(3/3) .
(35) بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الثانية ، 1977 .
(36) والإسكافي هو محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي ، عداده في أهل بغداد أحد المتكلمين من المعتزلة ، له تصانيف فكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه ، مات في سنة 402 هـ . انظر : معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، دار الفكر ، بيروت ، ( 1/181 ) .
(37) دار الوفاء ، المنصورة ، الطبعة الأولى ، 1411 هـ .
(38) والكرماني هو المعمر بدر الدين ، أبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد الكرماني ، نزيل دمشق ، ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة ، وسمع في الكهولة من القسم الصفار ، وروى الكثير بدمشق ، وكان واعظاً ، وتوفي في شعبان سنة خمس وستين وستمائة . انظر : شذرات الذهب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ( 3/327 ) .
(39) هو : عبد الله وقيل : عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا أبو القاسم ، الأديب الشاعر اللغوي المترسل ، هو من أهل الحريم الطاهرى ، وهى محلة بغداد ، كان مولده في منتصف ذى القعدة سنة عشر وأربعمائة ، وكان فاضلاُ بارعاً ، وله مصنفات حسنة مفيدة ، منها كتاب"الجمان في تفسير متشابهات القرآن"ومجموع سماه"ملح الممالحة"، وكان ينسب إلى التعطيل ، ومذهب الأوائل ، وصنف في ذلك مقالة ، وكان كثير المجون ، توفي في ليلة الأحد من رابع شهر المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، ودفن بباب : الشام . انظر : طبقات المفسرين للسيوطى ، ( 1/141 ) الطبعة الأولى ، القاهرة ، مكتبة وهبة 1936 م ، والمنتظم ، لابن الجوزي ( 9/69 ) ، طبعة دار صادر ، بيروت ، سنة 1358 هـ ، الطبعة الأولى .
(40) تحقيق مصطفى الجويني ، دار منشأ المعارف ، الإسكندرية .
(41) تفسير القرطبي (15/162) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1988 .
(42) البرهان في علوم القرآن (2/53) .
(1) انظر : تأويل مشكل القرآن (3/202) .
(43) في مبحث الكتب المؤلفة في هذا الفن بالتفصيل .
(1/4)
--------------------------------------------------------------------------------
المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري
الطاعنون في كتاب الله هم المشككون فيه ، الذين يوردون عليه الشبه والإشكالات والاضطرابات ، يريدن بهذا إسقاط قدسية القرآن من قلوب المسلمين ؛ لأن القرآن هو قطب رحى المسلمين الذي عليه يدورون ، وهو العروة الوثقى التي بها يتمسكون ، وهو المورد العذب الذي إليه يردون ومنه يصدرون . وهو أساس الإسلام وركن الشريعة الركين ، الذي إذا سقط سقط كل البناء ، وتهدم الصرح ، وقوض الإسلام ، ولم تبق للمسلمين باقية ولا قوة .
وقد كثر الطاعنون في كل قرن ، ولكن هذا القرن تميز بنوعين من الطاعنين ، وهم :
الصنف الأول : المستشرقون .
الصنف الثاني : العلمانيون ، أو تلاميذ المستشرقين ، أو العقلانيون ... وفيما يلى نبذة مختصرة عن كل منهما :
أولا : المستشرقون :
الاستشراق(Orientalism) : تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق ، ويطلق على كل ما يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم ، ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق ، والتي تشمل حضارته ، وآدابه ، ولغاته ، وثقافته(44) .
واستُغل في أكثر مراحله لخدمة الاستعمار ، وتشويه تعاليم الدين .
ونشأ هذا الفكر لما عجز النصارى عن مواجهة المسلمين بالسيف ، فرأوا أن أفضل طريقة لمحاربة المسلمين هو الغزو الفكري .
ولهم طرق كثيرة للوصول إلى أهدافهم منها : تأليف الكتب ، وإصدار المجلات ، وإلقاء المحاضرات في المنتديات عن الإسلام ، والقرآن ، والسنة ، وتاريخ المسلمين ، وإنشاء الجمعيات والمراكز التي تخدم أغراضهم ، وعقد المؤتمرات السرية والعلنية ، وإنشاء موسوعة دائرة المعارف الإسلامية وغيرها ، وإرسال البعثات ، وإنشاء جامعات وكليات غربية في بلاد الشرق ، وغير ذلك من الوسائل ، ولها آثار أكثرها سلبي وبعضها إيجابي .
فمن الآثار السلبية :
1 - الطعن في القرآن والسنة ، وهما مصدر التشريع في الدين .
2 - محاولة إحياء الفرق المنحرفة الميتة ، أو أفكار بعض المنحرفين كالحلاج وغيره .
3 - صد الناس عن الإسلام بتشويه تعاليمه كما فعلت الموسوعة البريطانية .
4 - إخراج جيل من أبناء المسلمين منسلخ عن دينه بل محارب له .
5 - التشكيك في الثوابت ؛ كالجهاد ، والحجاب ، والميراث ، والعقوبات الشرعية ؛ كرجم الزاني ، وقطع يد السارق ، وقتل المرتد ، وغير ذلك من الثوابت .
6 - إخراج المرأة من جلبابها بتصوير الحجاب بأنه خرقة لا قيمة لها ، ومحاولة مساواة المرأة للرجل في كل شيء ، حتى في جواز تعدد الأزواج .
وأما الآثار الإيجابية فمنها :
1 -شهادة المنصفين منهم لصدق الإسلام وإعجاز القرآن ، حتى دفع الكثير منهم لإعلان إسلامه .(7/254)
2 - إخراج بعض الكنوز الإسلامية التي كانت مخطوطة بتحقيقها وطبعها .
3 - عمل المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي .
ودوافع الاستشراق كثيرة ترجع إلى ثلاثة دوافع : استعماري ، وديني ، وعلمي(45).
ثانيا : العلمانيون : ونقصد بهم تلاميذ أولئك المستشرقين ؛ الذين رضعوا منهم أفكارهم ، وطعونهم في كتاب الله ، ومع هذا يدّعون الإسلام ، ويتكلمون باسمه ، ويزعمون أنهم بهذا ما يريدون إلا الإصلاح (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11)أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ( [البقرة :11، 12]. وينسبون أنفسهم للعلم ، فيقولون : نحن علمانيون . تلبيسا على عامة الناس .
وخطر هؤلاء أشد(46) ؛ لأنهم باسم الإسلام يطعنون في الإسلام ، وبزعم الدفاع عنه يحاربونه ، وأسماؤهم كأسمائنا ، وهم أبناء جلدتنا ، فتلبيسهم على عامة الناس ، بل على بعض الخاصة شديد ، لذلك كان الرد على هؤلاء ، وكشف أباطيلهم وتلبيساتهم من أعظم الواجبات ، وآكد الفرائض ، حتى تحذر الأمة منهم ، وتسلم من شرهم ؛ ففي الصحيحين عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قال : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : « نعَمْ . » قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ :« نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ . » قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا . فَقَالَ : « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » . قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ . قَالَ :« فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ »(47).
وهناك نوع ثالث ولكن لا نستطيع أن نعدهم من الطاعنين ، وإن كانوا قد عملوا أعمالا-سواء عن قصد أو عن غير قصد- فتحت الباب للطاعنين في القرآن (48) ؛ من تأويل غير مقبول في تفسير القرآن ، أو جواب عن إشكال فيه تنازل وتسليم مبطن به ، أو تحريف معاني كثير من الثوابت إلى معانٍ تساير العصر -بزعمهم- أو إلغائها بالكلية ، أو تكلف الاستدلال بآية على ما لا تدل عليه من قريب أو بعيد (49).
وهم بعض من ينتسب للمدرسة العقلية الحديثة التي تقدم العقل على النقل كالمعتزلة القديمة ؛ يقول أستاذنا الدكتور محمد بلتاجي في مقدمة " كتابه مدخل إلى علم التفسير " : وأنه يتضمن عدة ( مباحث في عرض وتقويم بعض الدراسات المعاصرة التي تتناول النص القرآني من منطلقات ومناهج باطلة تحاول أن ترتدي ثوب التجديد والتنوير ، وإنما هي - في حقيقتها وجوهرها وأهدافها-نفس المزاعم التي طُعن بها في القرآن الكريم منذ أوحى الله تعالى به )(50).
وقال حفظه الله : وقد ظهر في عصرنا الحاضر أفراد استخدموا بعض مصطلحات المعتزلة ومقولاتهم ، وتمسحوا بهم لكنهم أمعنوا السير في الطريق ، ولم يقفوا عند الحد الذي توقف عنده قدماء المعتزلة ، بل تجاوزوه تجاوزا خطيرا ، زعموا فيه أن الفهم الحرفي للعرش والكرسي والملائكة والجن والقلم واللوح والسحر وغيرها ، يقدم تصورات ذات طابع أسطوري -تجاوزه التاريخ- نبع من الواقع الثقافي للجماعة في عصر نزول هذه الآيات المتضمنة لهذه النصوص ، كما زعموا أن كثيرا من الأحكام القرآنية أصبحت تاريخية ، حيث تجاوزتها أوضاع العصر وثقافته ، وظروفه ولم تعد صالحة للتطبيق فيه ، وتمسحوا في ذلك ببعض اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه(51).
--------------------------------------------------------------------------------
(44) انظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/697) ، بإشراف الندوة العالمية للشباب : الإسلامي ، مراجعة د. مانع بن حماد الجهني ، الطبعة الثالثة ، 1418 ، الناشر : دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ، الرياض ، وأجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ، لعبد الرحمن حبنكة ، دمشق ، دار القلم ، الطبعة الخامسة ، 1986م .
- الاستشراق والتبشير ، قراءة تاريخية موجزة ، د. محمد السيد الجليند ، دار النهضة بحرم جامعة القاهرة .(7/255)
- رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، من سلسلة إصدارات المنتدى الإسلامي .
- الاستشراق والمستشرقون . د. مصطفى السباعي ، دار السلام ، القاهرة .
- المستشرقون والإسلام . د. محمد قطب ، مكتبة وهبة ، القاهرة .
- صور استشراقية . د. عبد الجليل شبلي ، دار الشرق ، القاهرة .
- المستشرقون . د. عابد بن محمد السفيانى . دار الفرقان . القاهرة .
(45) انظر : المصادر السابقة و الموجز في الأديان و المذاهب المعاصرة للعقل و القفاري ( ص : 174 - 185 ) ، الطبعة الأولى ، 1413 ، دار الصميعي ، الرياض .
(46) انظر : كتاب : نقض مطاعن في القرآن الكريم ، لمحمد عرفة ، (ص : 82) .
(47) متفق عليه : ( البخاري : كتاب المناقب ، باب : علامات النبوة في الإسلام ، رقم : 3411 ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن ، رقم : 1847) .
(48) انظر : اتجاهات التجديد فى تفسير القرآن الكريم ، لاستاذنا الدكتور شريف ، ص : 737 .
(49)مثل إنكار المعجزات كلها ما عدا القرآن ، وإنكار أشراط الساعة الصغرى وبعض الكبرى مثل نزول عيسى والمهدي ويأجوج مأجوج والدابة ، وإنكار بعض الغيبيات مثل عالم الجن والملائكة ، وإنكار تعدد الزوجات والحجاب وملك اليمين وإنكار السحر ، وتأويل الطير الأبابيل بالجراثيم ، إباحة بعض أنواع الربا ؛ والزعم أن القرآن يدل على جواز تحضير الأرواح ، وغير ذلك من سلسلة الأخطاء التي فتحها على مصراعيها تقديم العقل على النقل والانبهار بالعالم الغربي ومحاولة مسايرته . انظر : في بيان أخطاء هؤلاء والرد عليهم :
اتجاهات التفسير في العصر الراهن للدكتور عبد المجيد عبدالسلام المحتسب ، دار البيارق ، الأردن ، الطبعة الثالثة ، 1982 .
منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير ، للدكتور فهد الرومي ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الخامسة ، 1422.
التفسير ومناهجه لدى مدرسة الإمام محمد عبده للدكتور محمود بسيوني فوده ، مطبعة الأمانة ، القاهرة .
العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ، لمحمد حامد الناصر ، مكتبة الكوثر ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1996 . اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ، أ . د. فهد الرومي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1997 .
اتجاه التفسير فى العصر الحديث ، للشيخ مصطفى محمد الطير ، مطبعة مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة 1975 .
اتجاهات التجديد فى تفسير القرآن الكريم فى مصر ، أ.د. محمد ابراهيم شريف ، دار التراث القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1982 .
(50) مدخل إلى علم التفسير ، للدكتور محمد بلتاجي ، ص : 1 ، مكتبة الشباب : ، مصر ، 1998 .
(51) المصدر السابق ص : 155 .
(1/5)
الباب الأول(النظري) الطعن في القرآن : نشأته ، أسبابه ، مواجهته
الفصل الأول : تاريخ الطعن .
الفصل الثاني : أسباب الطعن في القرآن .
الفصل الثالث : مواجهة دعاوى الطعن في القرآن .
الفصل الأول : تاريخ الطعن في القرآن و الكتب المؤلفة فيه
وفيه عدة مباحث :
المبحث الأول : أول من تكلم فيه .
المبحث الثاني : أول من ألف فيه .
المبحث الثالث : اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال .
المبحث الرابع : الكتب المؤلفة فيه .
المبحث الأول : أول من تكلم فيه
وجود الإشكال في فهم القرآن ، والطعن فيه بسبب ذلك موجود منذ نزوله ؛ لأن القرآن ينقسم إلى أربعة أقسام : قسم لا يجهله أحد ، وقسم تعرفه العرب من لغتها ، وقسم يعرفه الراسخون في العلم ، وقسم لا يعلمه إلا الله ، كما ورد عن ابن عباس(52) .
وأقدم نص وجدتُ فيه حدوث الإشكال على الفهم ، والطعن في القرآن ، واتهامه بالتعارض مع الحقائق ، هو حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ :لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا :إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ (يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ »(53) .
وهذا الطعن الذي ذكر في الحديث ، مع أن النبي أجاب عليه ، إلا أنه لا يزال يردد إلى يومنا هذا ، كما سترى فيما سيأتي إن شاء الله .
وقد تكلم القرآن عن كثير من الطاعنين ، وذكر طعوناتهم ، ثم رد عليها ردا واضحا بينا مفحما ؛ فبعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ..(َ [الأنفال :31] ؛ فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا ، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا .(7/256)
وبعضهم زعم أن هذه القرآن إنما هو من قصص الأولين وأساطير السابقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ( [النحل :24]، فرد الله عليهم أنه لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب ، فكيف ينقلها ؟! ثم هذه الأساطير ليست خاصة بمحمد ، بل هي كتب للجميع ، فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟
وبعضهم قال : إنه تعلَّمه من غلام نصراني فقال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ([النحل :103].
وهكذا كلما قالوا شُبْهَةً ، وطعنوا طعنا ، رد الله عليهم بحجة واضحة ، وسيأتي مزيد بحث في هذا الموضوع في مبحث مستقل .
وحصل طعن في القرآن في عصر الصحابة ؛ ففي زمن عمر(كان في أجناد عمرو بن العاص ( رجل يقال له صبيغ(54) ، كان يسأل عن متشابه القرآن ، فكان يقول :ما المرسلات عرفا ، ما العاصفات عصفا . تشكيكا وتعنتا ، فأرسل به عمرو ( إلى عمر ( ، فلما علم عمر بقدومه أمر رجلا أن يحضره وقال له : إن فاتك فعلت بك وفعلت . وكان عمر قد جهز له عراجين من نخل ، فلما جاءه سأله عن أشياء ثم قال له :من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله صبيغ . فقال : وأنا عبد الله عمر . فضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم ضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم ضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم أُحضر فقال صبيغ : يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي ، فاقتلني قتلا جميلا ، وإن كنت تريد أن تداويني ، فقد والله برئتُ . فأرسله عمر إلى البصرة ، وأمر واليها أبا موسى الأشعري بمنع الناس من مجالسته ، فاشتد ذلك على الرجل ، فأرسل أبو موسى إلى عمر أن الرجل حسنت توبته ، فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته ، فلما خرجت الحرورية قيل لصبيغ :إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا ، وقد مات عمر . فقال : هيهات قد نفعني الله بموعظة العبد الصالح يعني عمر(55).
و(أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن زَيْد ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، أَنَّ نَافعَ بْنَ الْأَزْرَق ، وَعَطِيَّةَ أَتَيَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا : يَا اِبْنَ عَبَّاس ، أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ( [ المرسلات : 35 ] وَقَوْله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ(
[ الزمر : 31 ] وَقَوْلهِ :(وَاَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام : 23 ] وَقَوْلهِ :
(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه َحَدِيثًا( [ النساء : 42 ]. قَالَ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْأَزْرَقِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ مَوَاقِفُ ، تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةُ لَا يَنْطِقُونَ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ ، ثُمَّ يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ يَحْلِفُونَ وَيَجْحَدُونَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ ، وَتُؤْمَرُ جَوَارِحُهمْ ، فَتَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهْم بِمَا صَنَعُوا ، ثُمَّ تَنْطِقُ أَلْسِنَتُهُمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا صَنَعُوا ، وَذَلِكَ قَوْله : (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا([ النساء : 42 ]. وَرَوَى اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قُلْت0 لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ( [ المرسلات : 35 ] ؟ فَقَالَ : إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَالَاتٌ وَتَارَاتٌ ، فِي حَال لَا يَنْطِقُونَ وَفِي حَال يَنْطِقُونَ)(56) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ :إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ ؛ قَالَ (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ( [ المؤمنون : 101 ] وقال : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ( [ الصافات : 27 ]، وقوله (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(
[ النساء : 42 ] (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام : 23 ] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ ، وَقَالَ : (...أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا( [ النازعات : 27 ] إِلَى قَوْلِهِ : (...دَحَاهَا(
[ النازعات : 30 ] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ : (...أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ....( [ فصلت : 9 ] إِلَى قَوْلِهِ : (طَائِعِينَ( [ فصلت : 11 ] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ؟.
وَقَالَ : (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( [ الفتح : 14 ] (عَزِيزًا حَكِيمًا( [ الفتح : 19 ] (سَمِيعًا بَصِيرًا( [ النساء : 58 ] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟(7/257)
فَقَالَ ابن عباس : (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ( [ المؤمنون : 101 ] فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ (..فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ...(
[ الزمر 68 ]فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ( .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (...مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام :23 ] (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا( [ النساء : 42 ] فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ ، فقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نقُلْ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا ، وَعِنْدَهُ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لو كانوا مسلمين( [ الحجر : 2 ].
وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ؛ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ ، وَالْجِمَالَ ، وَالْآكَامَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (دَحَاهَا( وَقَوْلُهُ : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ( [ فصلت : 9 ] فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ .
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( [ الفرقان : 70 ]سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ(57) .
وغير ذلك من الآثار ، وكلما بعد العهد بعصر النبوة ، كلما زادت الإشكالات والطعون في القرآن .
واشتهر ابن عباس رضي الله عنه بالرد على من طعن في القرآن ، كما سبق ، وسيأتي التمثيل لذلك بأمثلة أخرى إن شاء الله .
--------------------------------------------------------------------------------
(52) أخرجه ابن جرير الطبري مسندا كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره (1/7) ولم أجده في تفسير ابن جرير بعد البحث في مظانه ، وانظر : الإتقان (3/7) .
(53) أخرجه مسلم (كتاب الآداب ، باب : النهي عن التكني بأبي القاسم ، وبيان ما يستحب ، رقم : 213).
(54) قال ابن منظور : (صبِيغٌ : اسم رجل كان يَتَعَنَّتُ الناسَ بسُؤَالات في مُشْكل القرآن ، فأَمر عمر بن الخطاب بضربه ، ونفاه إِلى البَصرة ، ونَهي عن مُجالَسَتِه ) ، لسان العرب (8 /439) .
(55) أخرجه مالك في الموطأ(2/455) تحقيق فؤاد عبدالباقي ، مصر ، دار إحياء التراث ، ومعمر بن راشد في جامعه (11/426) تحقيق حبيب االأعظمي ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1403 ، والدارمي في سننه (1/66) تحقيق زمرلي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ، 1407 ، وإسناد القصة صحيح والقصة مشهورة ، وانظر : الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي(2/152) دار الفكر ، بيروت ، 1414 ، فقد جمع أطراف القصة ورواياتها .
(56) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/555) .
(57) أخرجه البخاري معلقا (كتاب تفسير القرآن ، باب : سورة حم السجدة (فصلت) ) ، وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتح (8/418) : وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة .
(1/6)
--------------------------------------------------------------------------------
المبحث الثاني : أول من ألف فيه
ذكر السيوطي(58) أن أول من ألف فيه هو قطرب(59) ، واسم كتابه "الرد على الملحدين في متشابه القرآن"(60) ، وهذا غير صحيح ؛ فإن الإمام سفيان بن عيينه(61) له فيه كتاب هو "جوابات القرآن"(62) وقد توفي قبل قطرب ، بل إن هناك من هو قبل الإمام سفيان أيضا ، وهو الإمام مقاتل بن سليمان(63) فله كتاب " الجوابات في القرآن "، ولكن هذه الكتب الثلاثة مفقودة .
ولعل أقدم الكتب التي وصلت إلينا في هذا العلم مفردا ، هو كتاب ابن قتيبة(64) "مشكل القرآن" . وأما الجواب عن بعض الإشكالات القرآنية في ثنايا الكتب ، من غير إفراد لهذا الموضوع ، فكثير ؛ فقد رد الإمام مالك في موطأه على أهل القدر ، الذين احتجوا ببعض الآيات على مذهبهم(65) ، وخصص الإمام أحمد القسم الأول من كتابه "الرد على الزنادقة والجهمية "(66) في الرد على من زعم أن القرآن متناقض ، وأسماه باب بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وذكر فيه اثنتين وعشرين مسألة .(7/258)
وكذلك أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي(67) المتوفى سنة 377هـ صنف كتابه " التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع " أفرد فيه بابا لمتشابه القرآن ، وما يتوهم أنه من الاختلاف والتناقض ، نقل فيه ما أخذه هو من الثقات عن مقاتل بن سليمان(68).
--------------------------------------------------------------------------------
(58) في الإتقان في علوم القرآن (3/79) ، وانظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/53) ، والفهرست لابن النديم (1/57) .
(59) هو محمد بن المستنير أبو على البصري المعروف بقطرب ، أحد العلماء بالنحو واللغة ، أخذ عن سيبويه وعن جماعة من العلماء البصريين ، ويقال : إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه في الاسحار قال له يوما : ما أنت إلا قطرب ليل . والقطرب : دويبة تدب ولا تفتر . نزل قطرب بغداد وسُمع منه بها أشياء من تصانيفه ، وروى عنه محمد بن الجهم السمري ، وكان موثقا فيما يحكيه ، وبلغني أنه مات في سنة ست ومائتين (انظر : تاريخ بغداد(3/298) للخطيب البغدادي ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
(60) ذكر هذا ابن النديم في الفهرست (ص : 78) دار المعرفة ، بيروت ، 1398هـ ، الداوودي في طبقات المفسرين (2/256) . دار الكتب العلمية ، بيروت .
(61) هو الإمام المجتهد الحافظ الحجة شيخ الإسلام سفيان بن عيينه الهلالي الكوفي ، ولد سنة سبع ومائة (10) ، تتلمذ على الأئمة كابن دينار والزهري وابن المعتمر وغيرهم ، وتلمذ عليه الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين وغيرهم ، ومات سنة ثمان وتسعين ومائة ، انظر : ترجمته في طبقات المفسرين للداوودي (1/196-198) ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(62) ذكره ابن النديم في الفهر ست (ص : 51) ، ، والداوودي في الطبقات (1/198) .
ولكن قال ابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل"في ترجمة محمد بن أيوب بن هشام المزني المعروف بكاكا الرازي قال : روى عن الحميدي عن بن عيينة (جوابات القرآن ) وروى عن الأصمعي نا عبد الرحمن ، قال : سألت أبى عنه فقال : هذا كذاب لم يكن عند الحميدي من هذا شيء ، وهذا شيخ كذاب) انظر : كتاب الجرح والتعديل (7/198) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1952 ، فالله أعلم .
(63) (كبير المفسرين أبو الحسن مقاتل بن سليمان البلخي ، قال ابن المبارك : وأحسن ما أحسن تفسيره لو كان ثقة قيل : إن المنصور ألح عليه ذباب : ، فطلب مقاتلا فسأله لم خلق الله الذباب . قال ليذل به الجبارين . وقيل : إنه قال : سلوني عما دون العرش . فقالوا : أين أمعاء النملة ؟ فسكت : وسألوه : لما حج آدم من حلق رأسه ؟ فقال لا أدري . قال وكيع كان كذابا . مات مقاتل سنة نيف وخمسين ومائة قال البخاري : مقاتل لا شيء ألبتة . قلت-القائل الذهبي- : أجمعوا على تركه) انظر : سير أعلام النبلاء (7/201-202) بتصرف .
(64) ابن قتيبة : العلامة الكبير ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، وقيل : المروزي الكاتب ، صاحب التصانيف ، نزل بغداد وصنف وجمع وبعد صيته ، وقد ولي قضاء الدينور ، وكان رأسا في علم اللسان العربي والأخبار وأيام الناس ، ومات رحمه الله وذلك في شهر رجب سنة ست وسبعين ومئتين . انظر : سير أعلام النبلاء (13/296-300) بتصرف ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطابعة التاسعة ، 1413 .
(65) في كتاب"الجامع في باب : النهي عن القول في القدر"، وباب : ما جاء في أهل القدر .
(66) طبعته المطبعة السلفية في القاهرة سنة 1393 بتحقيق محمد حسن راشد ، وعدد صفحاته ثلاث وأربعون صفحة .
(67) (محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي المقرئ الفقيه الشافعي نزيل عسقلان ، قال الداني : أخذ القراءة عرضا عن أبي بكر بن مجاهد وأبي بكر ابن الأنباري وجماعة ، مشهور بالثقة والإتقان ، وسمعت إسماعيل بن رجاء يقول : كان أبو الحسين كثير العلم كثير التصنيف في الفقه جيد الشعر ، قلت : له قصيدة في وصف القراءة كالخاقانية أولها :
أقول لأهل اللب والفضل والحجر مقال مريد للثواب وللأجر
وقد حدث عن عدي بن عبد الباقي وخيثمة الأطرابلسي وأحمد بن مسعود الوزان ، وروى عنه إسماعيل بن رجاء وعمر بن أحمد الواسطي وداود بن مصحح وعبيد الله بن سلمة المكتب وقرأ عليه الحسن بن ملاعب الحلبي . [معرفة القراء الكبار ، للإمام الذهبي (1/343) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1404هـ] .
(68) انظر : رسالة"موهم الاختلاف والتناقض في القرآن"ص : 17 .
(1/7)
--------------------------------------------------------------------------------
المبحث الثالث : اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال(7/259)
للعلماء في الكتابة في هذا الفن عدة اتجاهات ؛ لأن منهم من يقف عند المادة التي يدرسها ، والإشكالات التي ترد عليها . ومنهم من يفرد لهذه الطعون كتباً - أو أجزاء من كتب - ثم يرد عليها . وثمة من يركز على شبيهات كتاب أو شخص بعينه ، ومن هؤلاء من يهتم بالطعون من حيث هي ، دون التفات لقائلها .. وبيان ذلك على النحو التالي :
المطلب الأول :من حيث المادة التي تدرس فلهم فيها اتجاهان على سبيل الإجمال :
1- الجواب على الطعون والإشكالات اللغوية والنحوية :
مثل كتاب " مشكل إعراب القرآن "(69) للقيسي(70) ، و" إعراب مشكل القرآن "(71) لثعلب(72) ، وهذا الاتجاه يجيب عن كل إشكال لغوي ونحوي ، وهو في حقيقته دفاع عن قوله تعالى : (إنا أنزلناه قرآنا عربيا ...( [ يوسف :2 ] ، ولعل أول الطعون اللغوية ما اشتهر باسم مسائل ابن الأزرق(73) مع ابن عباس :
عن حميد الأعرج ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد ، عن أبيه قال بينا عبد الله بن عباس ( جالس بفناء الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر : قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به .فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فتفسرها لنا ، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما . فقال نافع : أخبرني عن قول الله تعالى : (عن اليمين وعن الشمال عزين( قال العزون الحِلق الرقاق . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاؤوا يُهرعون إليه حتى *
* يكونوا حول منبره عزينا
قال :أخبرني عن قوله : (وابتغوا إليه الوسيلة( قال الوسيلة الحاجة . قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الرجال لهم إليك وسيلة *
* إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال : أخبرني عن قوله : (شرعة ومنهاجا( قال :الشرعة الدين ، والمنهاج الطريق . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول :
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى *
ج * وبين للإسلام دين ومنهاجا
قال :أخبرني عن قوله (إذا أثمر وينعه( قال : نضجه وبلاغه . قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
إذا ما مشت وسط النساء تأودت *
* كما اهتز غصن ناعم النبت يانع
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وريشا( قال : الريش المال .قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
فرشني بخير طالما ما قد ريتني*
* وخير الموالي من يريش ولا يبري
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في كبد( قال :في اعتدال واستقامة .قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
يا عين هلا بكيت أربد إذ *
* قمنا وقام الخصوم في كبد
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (يكاد سنا برقه( قال : السنا الضوء . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول :
يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا *
* يجلو بوء سناه داجي الظلم
ج
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وحفدة( قال : ولد الولد ، وهم الأعوان . قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
حفد الولائد حولهن وأسلمت *
جج * بأكفهن أزمة الأجمال
جج قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وحنانا من لدنا( قال :رحمة من عندنا . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد يقول :
أبا منذرٍ أفنيتَ فاسْتَبقِ بعضنا حنانيك بعض الشرِ أهونُ من بعضِ
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (أفلم ييأس الذين آمنوا( قال : أفلم يعلم بلغة بني مالك .قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت مالك بن عوف يقول :
لقد يئس الأقوامُ أني أنا ابنُه وإن كنتُ عن أرضِ العشيرة نائبًا
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (مثبورا( قال : ملعونا محبوسا من الخير . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت عبد الله بن الزُّبَعْرَي يقول :
إذ أتاني الشيطان في سنة النو *
* م ومن مال ميله مثبورا
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (فأجاءها المخاض( قال :ألجأها . قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :
إذ شددنا شدة صادقة * * فأجأناكم إلى سفح الجبل قال : أخبرني عن قوله تعالى : (نديا( قال :النادي المجلس .قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
يومان يوم مقامات وأندية * * ويوم سير إلى الأعداء تأويب
إلى آخر تلك المسائل ، وقد جاءت في كتاب "الإتقان" للسيوطي في أكثر من ثلاثين صفحة(74).(7/260)
وقد بلغت الأبيات التى استشهد بها ابن عباس في شرح ألفاظ القرآن الكريم التي سئل عنها مائة وواحداً وتسعين بيتا . يقول السيوطي عنها : أنه حذف منها بضعة عشر سؤالاً ، وهذا يدل على أن أسئلة نافع بن الأزرق وأجوبة ابن عباس والأبيات التي استشهد بها قد زادت كل منها على المائتين.(75).
2- الجواب على الطعون والإشكالات المعنوية :
أي الطعون التي سببها عدم فهم المعنى ، أو القصور في فهمه ، أو سوء القصد ، وهذا النوع هو الأكثر ، ويذكر في ثنايا هذه الكتب الجواب على المطاعن ، والإشكالات العقدية و الفقهية واللغوية أيضا ؛ إذا كان لها أثر في فهم المعنى ، وهذا النوع هو الأكثر والأشهر ، وهو الذي نتكلم عنه في هذا البحث ومن ذلك :
الجمع بين قوله : (لا مبدل لكلماته( [ الكهف : 27 ] مع ما حصل من النسخ ، والجمع بين قوله : (في يوم كان مقداره ألف سنة( [ السجدة : 55 ] مع قوله : (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة( [ المعارج : 4 ] ، والجمع بين قوله : (لا أقسم بهذا البلد( .[ البلد : 1 ] وقوله : (وهذا البلد الأمين( . [ التين : 3 ] إلى غير ذلك من المسائل والتى ستذكر كثيرا منها فى هذه الرسالة .
المطلب الثاني :من جهة إفراده في التأليف ، فإن العلماء يتجهون في الكتابة في هذا الموضوع إلى اتجاهين :
الأول : إفراد هذه الطعون بكتب والرد عليها ، مثل كتاب "مشكل القرآن " لابن قتيبة وغيره من الكتب التي سوف يأتي ذكر لها في المبحث القادم .
الثاني : ذكر الطعن في ثنايا الكتاب والرد عليه ، كما فعل بيان الحق النيسابوري في كتابه "وضح البرهان في مشكلات القرآن "(76) ، والرازي في كتابه " مفاتيح الغيب " ، وكثير من المفسرين الذي يتعرضون للرد على هذه الطعون في ثنايا كتبهم .
المطلب الثالث : من حيث المردود عليه ، ولهم في ذلك طريقتان :
الأولى : تهتم بالرد على شبهات وطعونات شخص معين أو كتاب معين ، مثل ابن حزم الأندلسي في رده على ابن النغريلة اليهودي ، ومثل الرد على طه حسين في زعمه وجود أحرف زائدة في القرآن وإنكاره قصته إبراهيم ، ونصر أبو زيد في دعواه وجوب التحرر من تطبيق نصوص الكتاب والسنة ، والرد على دائرة المعارف الإسلامية في زعمها تحريف القرآن ونقله من التوراة والإنجيل وغير ذلك مما سيأتي في تفصيله والرد عليه .
الثانية : تهتم في الطعون من حيث هي ، بغض النظر عمن قالها ؛ فيجمع الطعون ثم يرد عليها ، مثل " الروض الريان في أسئلة القرآن " لشرف الدين بن ريان ، و"وضح البرهان "السابق لبيان الحق النيسابوري ، و" دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " للشنقيطي وغيرهم ، وهذه الطريقة هي الأشهر في هذا الباب ، وهي الطريقة التى سرت عليها في هذه الرسالة .
--------------------------------------------------------------------------------
(69) في مجلدين تحقيق ياسين السواس ، طبع دار المأمون للتراث ، دمشق .
(70) والقيسي هو : أبو بكر محمد مكي بن أبي طالب حموش بن حمد بن مختار القيسي المقرئ أصله من القيروان ، وانتقل إلى الأندلس ، وسكن قرطبة ، وهو من أهل التبحر في العلوم خصوصا القرآن ، كثير التصنيف والتصانيف عاش اثنين وثمانين سنة ، ورحل غير مرة وحج وجاور ، وتوسع في الرواية ، وبعد صيته وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه ، وولى خطابة قرطبة ، وكان مشهورا بالصلاح والخلق جيد الدين والعقل ، توفي سنة ثمانية وسبعين وخمسمائة . انظر : شذرات الذهب ( 2/260 ) .
(71) ذكره القزويني في التدوين في أخبار قزوين (2/152) ، تحقيق عزيز الله العطاردي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1987 .
(72) وثعلب هو : أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيي بن يزيد الشيباني ، مولاهم العبسي البغدادي ، علامة الأدب ، شيخ اللغة والعربية ، حدث عن غير واحد ، وعنه واحد منهم الأخفش الصغير ، وسمع من القواريري مائة ألف حديث فهو من المكثرين ، وسيرته في الدين والصلاح مشهورة ، صنف التصانيف المفيدة ، منها كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كبير الفائدة ، وكتاب القراءات ، وكتاب إعراب القرآن وغير ذلك ، توفي سنة تسع وثلاثين ومائة . انظر : شذرات الذهب ( 1/207 ) .
(73) هو : نافع بن الأزرق الذى ينتسب إليه الأزارقة أحد زعماء الخوارج ، قتل في جمادى الآخرة سنة 65هـ بالبصرة ، الكامل في التاريخ ، بتحقيق عبد الله القاضي ، ( 4 / 15 ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1995م .
(74) انظر : الإتقان للسيوطي (2/55-88) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم .
(75) مدخل إلى علم التفسير : 71 ، 72 .
(76) "وضح البرهان في مشكلات القرآن"لبيان الحق النيسابوري ، تحقيق صفوان داوودي ، دار القلم ، دمشق ، الطبعة الأولى ، 1990 .
(1/8)
--------------------------------------------------------------------------------
المبحث الرابع : الكتب المؤلفة فيه(7/261)
وهذا المبحث كالكشاف الذي يُعرِّف بالكتب المؤلفة في هذا الفن ، وأسمائها ، ومؤلفيها ، وأماكن طبعها إن كانت مطبوعة ، أو أماكن وجودها إن كانت مخطوطة ، أو أماكن ذكرها في الكتب إن كانت مفقودة ، وهي كالتالي :
- أولا : المطبوع :
1- "فوائد في مشكل القرآن "لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام . طبع عام 1387 ثم 1402 بتحقيق سيد د/سيد رضوان الندوي ، نشرته دار الشروق في جدة .
2- "مشكلات القرآن" لمحمد أنور الكشميري . سلسلة مطبوعات المجلس العلمي ، الهند ، الطبعة الثانية .
3- "أضواء على متشابهات القرآن" ، لخليل ياسين . من منشورات دار ومكتبة الهلال ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1980 .
4- "الإكليل في المتشابه والتأويل "لابن تيمية . طبع في القاهرة ، 1394 ، رسالة صغيرة .
5- "درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز" ، للخطيب الإسكافي(420هـ ) . طبع في بيروت عن دار الآفاق الجديدة سنة 1979 ، في مجلد من 544 صفحة .
6- "رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات " ، لمحمد الأسعردي الدمشقي شمس الدين ابن بلبان(749هـ) . انظر معجم المطبوعات : 229 . ، وسماه الداوودي : "إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات" كما في طبقات المفسرين للداوودي (ص : 81) .
7-كتاب " مشكل القرآن " أو " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة ، وقد تقدم .
8- كتاب "المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير" لابن قتيبة أيضا ، طبعته دار ابن كثير في دمشق ، الطبعة الأولى ، 1990 .
9- "متشابه القرآن" للسيوطي(911هـ) مطبوع في القاهرة ، ولا تاريخ له .
10- "وضح البرهان في مشكلات القرآن" لبيان الحق النيسابوري ، حققه صفوان داوودي ، وطبعته دار القلم في دمشق 1990 ، الطبعة الأولى .
11- "متشابه القرآن" لعبدالجبار الهمذاني(415هـ ) طبع في القاهرة : دار التراث 1969 ، تحقيق عدنان زرزور .
12- "متشابه القرآن" لعدنان زرزور ، طبع في دمشق دار المعارف ، 1970 .
13- "متشابه التنزيل" لمؤلف مجهول . طبع في مكة في المطبعة المنيرية سنة 1311هـ .
14- "تنزيه القرآن عن المطاعن" للقاضي عبد الجبار . طبع في بيروت ، دار النهضة بتحقيق عدنان زرزور .
15- "تفسير المشكل من غريب القرآن" ، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي طبع سنة 1406هـ ، في الرياض نشر مكتبة المعارف بتحقيق د : على حسين البواب ، وهو صاحب كتاب "مشكل إعراب القرآن" المتقدم ذكره في مبحث اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال .
16- كتاب "القرطين" لابن مطرف الكناني ، جمع فيه بين كتابي مشكل القرآن وغريبه لابن قتيبة . طبع بمطبعة دار المعرفة في بيروت .
17- "باهر القرآن في معاني مشكلات القرآن" لبيان الحق النيسابوري . طبع بمطابع جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى ، 1997 ، تحقيق سعاد بنت صالح بابقي .
18- "مدخل تفسير القرآن والرد على الملحدين " ، للحدادي طبع في دار القلم بدمشق ، بتحقيق صفوان داوودي .
19- "فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن " ، لشيخ الإسلام أبي يحيي بن زكريا الأنصاري . طبع عام 1403 بتحقيق محمد الصابوني ، بمطابع دار القرآن الكريم في بيروت .
20- "إيضاح المشكلات "للكشاني . ذكره الزركلي في الأعلام (6/63) ورمز له بأنه مطبوع .
21- "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" ، محمد الأمين الشنقيطي (صاحب الأضواء) . طبعته مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1997 .
22- "دفاعا عن القرآن ضد منتقديه" ، د/عبدالرحمن بدوي . طبعته الدار العالمية للكتب والنشر .
23- " ملاك التأويل "لابن الزبير الغرناطي . دار النهضة العربية ، بيروت ، 1985 .
24- " الروض الريان في أسئلة القرآن " ، شرف الدين ابن ريان . طبع مكتبة دار العلوم والحكم في المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1994 .
25-"رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات "لابن اللبان(49هـ) . انظر : معجم المطبوعات العربية (ص : 229) ليوسف إلياس سركيس ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1928 .
-ثانيا : المخطوط :
1- "أسئلة القرآن وأجوبتها" لأبي بكر الرازي . ومنه نسخة مخطوطة في جامعة الملك سعود في الرياض .
2- "أوضح البرهان في مشكلات القرآن " ، لمؤلف مجهول . منه نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم : 3540 ، مكتوبة سنة 1221هـ .
3- "توضيح المشكل في القرآن" ، لسعيد الغساني بن الحداد . منه قطعة مخطوطة في جامع القيروان .
4- "حل الآيات المتشابهات" ، لابن فورك(406هـ ) . مخطوط في 74 ورقة بخزانة عاطف باستنبول تحت رقم 433 .
5- "حل متشابهات القرآن" ويسميه بعضهم "درة التأويل في متشابه التنزيل" ويسميه آخرون "كشف مشكلات القرآن " ، للراغب الأصفهاني . انظر مقدمة تحقيق كتاب المفردات للراغب تحقيق عدنان داوودي ، ص : 9 ، وهو مخطوط في مكتبة راغب باشا رقم 180 ، وله مخطوطة أخرى في المتحف البريطاني .(7/262)
6- "مشكلات القرآن" لأبي داود سليمان بن أشعث السجستاني ، صاحب السنن . توجد منه نسخة خطية في فاتح كتبخانه سي في استنبول بتركيا رقمه في الفهرس (646).
7- "الموضح في معاني القرآن وكشف مشكلات الفرقان " ، لعبدالعزيز الصيدلاني المرزباني من علماء القرن الرابع الهجري . منه نسخة مخطوطة في مكتبة أيا صوفيا رقم (297) .
8- "إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات "لابن اللبان(749هـ ) . انظر الأعلام للزركلي (5/327) ورمز له أنه مخطوط .
ثم إني وجدت كتابا حافلا جامعا لأغلب المخطوطات الإسلامية في العالم ؛ وهو كتاب "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط" من إصدار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ، ويطلق عليها اسم "مؤسسة آل البيت" في الأردن ، وتم إصدار سبعة وعشرين مجلدا منه ، منها في علوم القرآن "مخطوطات التفسير وعلومه" في مجلدين ، يذكر فيه عنوان المخطوط ، واسم مؤلفه ، ومكان وجوده ، ورقمه فيه ، وهو مرتب هجائيا . ومن المخطوطات التي وجدتها داخلة في علم مشكل القرآن :
9 - الأجوبة الجلية على الأسئلة الخفية للمصري .
10- الأجوبة السنية على الأسئلة الرومية .
11- أجوبة على أحد عشر سؤالا تتعلق بمشكلات تفسير القرآن الذي وضعه العز بن عبدالسلام للسندي .
12- استشكالات عمر بن عبدالسلام في تفسير الفاتحة ، والأجوبة عنها لابن زكريا . 13- الأسئلة المفخمة في الأجوبة المفهمة للرازي .
14- أسئلة القرآن وأجوبتها للواحدي .
15- وبنفس العنوان للرازي .
16- ولعزة سيدي .
17- وللمصري .
18- متشابه القرآن للكسائي .
19- حل مشكلات القرآن للمرعشي .
20- شرح مغمضات القرآن .
21- أوضح البرهان في مشكلات القرآن .
22- الأنوار في مشكلات آيات من القرآن للشطيببي .
23- التبيان في متشابه القرآن للسيوطي .
24- تتمة البيان لما أشكل من القرآن لأبي شامة .
-ثالثا : المفقود :
1- " جوابات القرآن " لسفيان بن عيينة(77) . ذكره ابن النديم في الفهرست (ص : 51) ، دار المعرفة ، بيروت ، 1398هـ ، والداوودي في الطبقات (1/198) .
2- "الآيات المتشابهات "لبقي بن مخلد . انظر معجم مصنفات القرآن الكريم(4/194) ، الدكتور / على شواخ إسحاق ، الرياض ، دار الرفاعي ، الطبعة الأولى ، 1404 .
3- "الرد على الملحدين في متشابه القرآن" ، لقطرب . ذكره ابن النديم في الفهرست (ص : 78)وذكر الزركشي أنه اطلع عليه كما في البرهان في علوم القرآن (2/53) .
4- "مشكل القرآن " للحكيم الترمذي . ذكره القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن (15/30) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1408 .
5- " معاني القرآن وغريبه ومشكله"للمفضل بن سلمة . انظر الفهرست لابن النديم (1/51) ، والمفضل هو ابن سلمة بن عاصم أبو طالب ، وكان فهما فاضلا ، كوفي المذهب ، أديبًا لغويًا ، كان حيًّا في سنة تسعين ومائتين (انظر تاريخ بغداد للخطيب (13/124 ) .
6- "معاني القرآن وتفسيره ومشكله" لابن جراح الوزير . انظر الفهرست لابن النديم (1/51) .
7- "مشكل القرآن " لابن الأنباري . ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/512) ، وابن طاهر في تذكره الحفاظ (3/875) تحقيق حمدي السلفي ، دار الصميعي ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1415 ، وطبقات المفسرين للداوودي (ص : 231) .
8- "مشكل القرآن "لأبي محمد القتيبي . ذكره القزوينى في "التدوين في أخبار قزوين" (2/183) .
9- "معاني مشكل القرآن "لبعض تلامذة المبرد . ذكره السيوطي في كتاب التطريف في التصحيف (ص : 25) ، تحقيق على حسين البواب ، دار الفائز ، عمان الأردن ، الطبعة الأولى ، 1409 .
10- " مشكل القرآن " لابن فورك . ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان (1/237) ، بيروت ، دار الفكر .
11- "مشكلات التفسير "لقطب الدين محمود الشيرازي . ذكره حاجى خليفة في كشف الظنون (2/1695) .
12- "مشكلات القرآن "لمكي بن أبي طالب القيسي . المصدر السابق في نفس الصفحة .
13- "جوابات القرآن "لأحمد المهرجاني المقرىء . ذكره ابن كثير الداوودي في طبقات المفسرين (1/55) .
14- "البرهان في مسائل القرآن"لابن قدامة المقدسي . ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (13/99) ، والأعلام (4/67) .
15- "البرهان في مشكلات القرآن " لأبي المعالي بن منصور الجيلي المعروف بشيذله(494هـ ) . ذكره في وفيات الأعيان (1/318) ، كشف الظنون (1/241) ، وطبقات المفسرين لأحمد الأدنروي (ص : 407) ، الأعلام للزركلي (4/232) .
16- "بيان مشتبه القرآن " لعيسى اللخمي الشرشيني (629هـ ) . لسان الميزان لابن حجر (4/401) غاية النهاية (1/609) .
17- "تأويلات القرآن" لأبي منصور الماتريدي(333هـ ) . ذكره في الأعلام (7/242) .
18- "تأويل متشابهات القرآن " لابن شهر آشوب(588هـ ) . انظر الأعلام (7/167) .
19- "التبيان في مسائل القرآن " لأحمد بن إسماعيل الطالقاني القزويني(589هـ ) . انظر الأعلام (1/93) .(7/263)